المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته المجلد 12

اشارة

عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته / اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه ؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی .

مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی ‫، 1419ق . ‫ = -1377.

مشخصات ظاهری : ‫ج.

فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.

شابک : ‫دوره ‫ 964-444-179-6 : ؛ ‫دوره ‫ 978-964-444-179-0: ؛ ‫1430000 ریال (دوره، چاپ دوم)‮ ؛ ‫25000 ریال ‫: ج. 1 ‫ 964-444-180-X : ؛ ‫30000 ریال ‫: ج. 2 ‫ 964-444-256-3 : ؛ ‫32000 ریال ‫: ج. 3 ‫ 964-444-371-3 : ؛ ‫67000 ریال (ج. 10) ؛ ‫ج.12 ‫ 978-964-971-136-2 : ؛ ‫ج.19 ‫ 978-600-06-0028-0 : ؛ ‫ج.21 ‫ 978-964-971-484-4 : ؛ ‫ج.28 ‫978-964-971-991-7 : ؛ ‫ج.30 ‫ 978-600-06-0059-4 : ؛ ‫1280000 ریال ‫: ج.36 ‫ 978-600-06-0267-3 : ؛ ‫950000 ریال ‫: ج.37 ‫ 978-600-06-0309-0 : ؛ ‫1050000 ریال ‫: ج.39 ‫ 978-600-06-0444-8 : ؛ ‫1000000 ریال ‫: ج.40 ‫ 978-600-06-0479-0 : ؛ ‫ج.41 ‫ 978-600-06-0496-7 : ؛ ‫ج.43 ‫ 978-600-06-0562-9 :

يادداشت : عربی .

يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.

يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.

يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.

يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...

يادداشت : ج . 2 (چاپ اول : 1420ق . = 1378).

يادداشت : ج . 3 (چاپ اول: 1421ق . = 1379).

يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).

يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).

يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).

يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).

يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).

يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).

يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.

يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).

يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).

يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).

مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س

موضوع : قرآن -- واژه نامه ها

Qur'an -- Dictionaries

موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها

Qur'an -- Encyclopedias

شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی ، محمدِ، ‫1385-1304.

شناسه افزوده : سبحانی تبریزی ، جعفر، ‫ 1308 -

شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar

شناسه افزوده : نجفی ، ناصر، ‫1322 -

شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا

شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن

شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی

رده بندی کنگره : ‫ BP66/4 ‫ ‮ /م57 1377

رده بندی دیویی : ‫ 297/13

شماره کتابشناسی ملی : 582410

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

المؤلّفون

الأستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانيّ

ناصر النّجفيّ

قاسم النّوريّ

محمّد حسن مؤمن زاده

حسين خاك شور

السيّد عبد الحميد عظيمي

السيّد جواد سيّدي

السيّد حسين رضويان

علي رضا غفراني

محمّد رضا نوري

السيّد علي صبّاغ دارابي

أبو القاسم حسن پور

و قد فوّض عرض الآيات و ضبطها إلى أبي الحسن الملكيّ و مقابلة النّصوص

إلى خضر فيض اللّه و عبد الكريم الرّحيميّ و تنضيد الحروف إلى المؤلّفين

ص: 5

ص: 6

المحتويات

تصدير 9

ح س ر 11

ح س س49

ح س م 75

ح س ن 85

ح ش ر 317

ح ص ب 349

ح ص ح ص 365

ح ص د 377

ح ص ر 395

ح ص ل 443

ح ص ن 453

ح ص ي 495

ح ض ر 525

ح ض ض 567

ح ط ب 579

ح ط ط 595

ح ط م 613

ح ظ ر 631

ح ظ ظ 643

ح ف د 655

ح ف ر 669

ح ف ظ 689

ح ف ف 807

ح ف و-ي 821

ح ق ب 841

ح ق ف 861

الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و أسماء كتبهم 869

الأعلام المنقول عنهم بالواسطة 877

ص: 7

ص: 8

تصدير

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

نحمدك اللهمّ ربّ العالمين،و نصلّي و نسلّم على رسولك و حبيبك محمّد سيّد المرسلين، و على آله الطّاهرين،و صحبه المنتجبين.

و بعد فنشكر اللّه تعالى شكرا جزيلا على أن وهبنا برحمته و منّ علينا بنعمته،و وفّقنا بفضله و كرامته لتقديم المجلّد الثّاني عشر من موسوعتنا القرآنيّة الكبرى«المعجم في فقه لغة القرآن،و سرّ بلاغته»للعلماء عامّة،و للمختصّين منهم بعلوم القرآن خاصّة الّذين ينتظرون بفارغ الصّبر اقتناء مجلّد منه بعد مجلّد،مقدّرين للمؤلّفين مساعيهم الجميلة،و مثمّنين جهودهم الكبيرة خدمة لكتاب ربّهم و المعجزة الكبرى لنبيّهم صلوات اللّه عليه و آله أجمعين.

و هذا المجلّد يحتوي 26 مادّة من ألفاظه من حرف(الحاء)ابتداء ب(ح س ر)و انتهاء ب(ح ق ف)،و أطولها(ح س ن).و يتلوه إن شاء اللّه تعالى المجلّد الثّالث عشر من(الحاء)أيضا.

نسأله تعالى دوام التّوفيق،بتسهيل الصّعاب،و بالعصمة عن الخطأ و الخلل و أن يأخذ بأيدينا إلى منتهى العمل،كما تعلّق به الأمل،فإنّه لا حول و لا قوّة إلاّ باللّه واهب العطايا و المنن.

محمّد واعظزاده الخراسانيّ مدير قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلاميّة بالآستانة المقدّسة الرّضويّة 25 ربيع الثّاني عام 1428 ه.ق

ص: 9

ص: 10

ادامة حرف الحاء

ح س ر

اشارة

8 ألفاظ،12 مرّة

في 12 سورة:10 مكّيّة،2 مدنيّتان

محسورا 1:1 حسرتى 1:1

حسير 1:1 حسرتنا 1:1

حسرة 4:3-1 حسرات 2:1-1

الحسرة 1:1 يستحسرون 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحسر:كشطك الشّيء عن الشّيء.

يقال:حسر عن ذراعيه،و حسر البيضة عن رأسه، و حسرت الرّيح السّحاب حسرا.و انحسر الشّيء،إذا طاوع.

و يجيء في الشّعر«حسر»لازما مثل انحسر.

و الحسر و الحسور:الإعياء،تقول:حسرت الدّابّة و حسرها بعد السّير،فهي حسير و محسورة و هنّ حسرى.

و حسرت العين،أي كلّت،و حسرها بعد الشّيء الّذي حدّقت نحوه،قال:

*يحسر طرف عينه فضاؤه*

و حسر حسرة و حسرا،أي ندم على أمر فاته.

و يقال:حسر البحر عن القرار و عن السّاحل،إذا نضب عنه الماء.و لا يقال:انحسر.

و انحسر الطّير:خرج من الريش العتيق إلى الحديث،و حسّرها إبّان التّحسير:ثقّله،لأنّه فعل في مهلة و شيء بعد شيء.

و الجارية تنحسر،إذا صار لحمها في مواضعه.

و رجل حاسر:خلاف الدّارع.

و امرأة حاسر:حسرت عنها درعها.

و الحسار:ضرب من النّبات يسلّح الإبل.

و رجل محسّر،أي محقّر مؤذى.

ص: 11

و يقال:يخرج في آخر الزّمان رجل أصحابه محسّرون،أي مقصون عن أبواب السّلطان و مجالس الملوك يأتونه من كلّ أوب،كأنّهم قزع الخريف،يورثهم اللّه مشارق الأرض و مغاربها[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](3:133)

ابن شميّل: في الحديث:«أدعوا اللّه و لا تستحسروا»معناه:لا تملّوا.(الأزهريّ 4:289)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الحسّر:اللّواتي قد أعينين.

[ثمّ استشهد بشعر](1:201)

الفرّاء: العرب تقول:حسرت الدّابّة،إذا سيّرتها حتّى ينقطع سيرها.و أمّا البصر فإنّه يحسر عند أقصى بلوغ النّظر.(الأزهريّ 4:287)

أبو زيد :فحل حاسر و فادر و جافر،إذا ألقح شوله فعدل عنها و تركها.(الأزهريّ 4:289)

أبو الهيثم: حسرت الدّابّة حسرا،إذا أتبعت حتّى تبقى (1)،و استحسرت،إذا أعيت،قال اللّه تعالى:

وَ لا يَسْتَحْسِرُونَ الأنبياء:19.

و في الحديث:«الحسير لا يعقر»لا يجوز للغازي إذا حسرت دابّته و قوّمت أن يعقرها مخافة أن يأخذها العدوّ،و لكن يسيّبها.(الأزهريّ 4:287)

ابن السّكّيت: يقال:حسر يحسر حسرة،و هو رجل حسر.(539)

و رجل حاسر،إذا لم يكن عليه درع.و رجل حاسر،إذا لم يكن عليه مغفر.(592)

حسر الماء و نضب و جزر،بمعنى واحد.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:286)

و يقال:قد حسرت العمامة عن رأسي،و حسرت كمّي عن ذراعي أحسره حسرا.و قد حسر الرّجل يحسر حسرا و حسرة،إذا تلهّف على ما فاته.

(إصلاح المنطق:198)

الدّينوريّ: الحسار:عشبة خضراء تسطّح على الأرض،و تأكلها الماشية أكلا شديدا.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 3:181)

مثله أبو زياد.(الصّغانيّ 2:472)

المبرّد: البعير المحسّر،هو المعيي.يقال:جمل حسير،و ناقة حسير.(1:78)

الحسير:المعيي،و في القرآن: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ الملك:4.(1:112)

قال عبد الملك بن عمر بن عبد العزيز لأبيه يوما:يا أبت إنّك تنام نوم القائلة و ذو الحاجة على بابك غير نائم.

فقال له:يا بنيّ إنّ نفسي مطيّتي،فإن حملت عليها في التّعب حسرتها.

تأويل قوله:«حسرتها»:بلغت بها أقصى غاية الإعياء،قال اللّه جلّ و عزّ: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ [ثمّ استشهد بشعر]2:3)

الحاسر:الّذي لا درع عليه.(2:269)

ابن دريد :و الحسر:من قولهم:حسرت العمامة عن رأسي حسرا،إذا كشفتها،و كذلك النّقاب و ما أشبهه.

و حسرت الرّيح السّحاب،إذا كشفته.

و حسر الرّجل يحسر حسرة و حسرا،إذا كمد علىى.

ص: 12


1- في اللّسان:حتّى تنفى.

الشّيء الفائت،و تلهّف عليه.

و حسرت النّاقة حسورا،إذا أعيت.و أحسرتها أنا إحسارا،إذا أتعبها.

و الحاسر في الحرب:الّذي لا درع عليه و لا مغفر.

و حسرت البيت،إذا كنسته.و قالوا:المحسرة:

المكنسة أيضا،في بعض اللّغات.

و حسر البصر،إذا كلّ عن النّظر،فهو حاسر و حسير.(2:131)

و ناقة حسير و طليح،و هي المعيية.(3:445)

باب«فعلة»:يجمع على«فعلات»مثل تمرة و تمرات،و حسرة و حسرات.(3:509)

الأزهريّ: [قيل:]يقال للرّجّالة في الحرب:

الحسّر،و ذلك أنّهم يحسرون عن أيديهم و أرجلهم.

و قال بعضهم:سمّوا حسّرا لأنّه لا دروع عليهم و لا بيض،و الحاسر:الّذي لا بيضة على رأسه.

و في فتح مكّة:أنّ أبا عبيدة كان يومئذ على الحسّر، و هم الرّجّالة،و يقال للّذين لا دروع لهم.(4:287)

و يقال:حسر فلان يحسر حسرة و حسرا،إذا اشتدّت ندامته على أمر فاته.

و البازي يكرّز للتّحسير،و كذلك سائر الجوارح تتحسّر.

و تحسّر الوبر عن البعير و الشّعر عن الحمار،إذا سقط.(4:288)

و تحسّر لحم البعير:أن يكون الرّبيع سمّنه حتّى كثر شحمه و تمك سنامه،فإذا ركب أيّاما فذهب رهل لحمه، و اشتدّ ما تزيّم منه في مواضعه،فقد تحسّر.

و رجل حاسر:لا عمامة على رأسه،و امرأة حاسر بغير هاء،إذا حسرت عنها ثيابها.

و رجل حاسر:لا درع عليه،و لا بيضة على رأسه.

[ذكر قول أبي زيد ثمّ قال:]

روي هذا الحرف:فحل جاسر بالجيم،أي فادر، و أظنّه الصّواب.(4:289)

الحسار من العشب ينبت في الرّياض؛الواحدة:

حسارة.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](4:290)

الصّاحب:الحسر:كشطك الشّيء عن الشّيء، و حسر عن ذراعيه.

و إنّها لحسنة المحاسر،أي الخلق.

و رجل كريم المحسر،أي الطّبيعة.

و أرض عارية المحاسر:لا تنبت شيئا.

و الحسر و الحسور:الإعياء،حسرت الدّابّة، و هي حسير محسور؛و الجميع:الحسرى.

و رجل محسّر:مؤذى.

و الحسرة:النّدم،حسر يحسر حسرة و حسرا، و حسر فهو محسور.

و حسر البحر:نضب الماء من السّاحل.

و الطّير:ينحسر من الرّيش العتيق.

و رجل حاسر:خلاف الدّارع؛و جمعه:حسّر و حسّرون.

و الحسار:ضرب من النّبات يسلّح الإبل.

(2:479)

الخطّابيّ: يقال:رجل محسّر،أي محقّر ذليل.(3:205)

ص: 13

الجوهريّ: حسرت كمّي عن ذراعي أحسره حسرا:كشفت.

و الحاسر الّذي لا مغفر له،و لا درع.

و الانحسار:الانكشاف.

و المحسرة:المكنسة.

و حسر البعير يحسر حسورا:أعيا،و استحسر و تحسّر مثله.و حسرته أنا حسرا،يتعدّى و لا يتعدّى، و أحسرته أيضا،فهو حسير؛و الجمع:حسرى،مثل قتيل و قتلى.

و حسر بصره يحسر حسورا،أي كلّ و انقطع نظره من طول مدى و ما أشبه ذلك،فهو حسير و محسور أيضا.

[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان كريم المحسر،أي كريم المخبر.

و الحسرة:أشدّ التّلهّف على الشّيء الفائت.تقول منه:حسر على الشّيء بالكسر يحسر حسرا و حسرة، فهو حسير.و حسّرت غيري تحسيرا.

و حسّرت الطّير تحسيرا:سقط ريشها.

و التّحسّر:التّلهّف.

و تحسّر وبر البعير،أي سقط.

و رجل محسّر،أي مؤذى.و في الحديث:«أصحابه محسّرون»،أي محقّرون.

و بطن محسّر،بكسر السّين:موضع بمنى.

(2:629)

أبو هلال :الفرق بين الغمّ و الحسرة و الأسف:أنّ الحسرة غمّ يتجدّد لفوت فائدة،فليس كلّ غمّ حسرة.

و الأسف:حسرة معها غضب،أو غيظ.و الآسف:

الغضبان المتلهّف على الشّيء،ثمّ كثر ذلك حتّى جاء في معنى الغضب وحده،في قوله تعالى: فَلَمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ الزّخرف:55،أي أغضبونا.

و استعمال الغضب في صفات اللّه تعالى مجاز، و حقيقته:إيجاب العقاب للمغضوب عليه.(221)

الثّعالبيّ: حسرت عينه،إذا اعتراها كلال من طول النّظر إلى الشّيء.(122)

ابن سيده: حسر الشّيء عن الشّيء يحسره و يحسره حسرا و حسورا،فانحسر:كشطه.و قد يجيء «حسر»في الشّعر على المطاوعة.

و الحاسر:خلاف الدّارع.

و الجمع:حسّر.و جمع بعض الشّعراء حسّرا على:

حسّرين.

و امرأة حاسر:حسرت عنها درعها.و كلّ مكشوفة الرّأس و الذّراعين:حاسر؛و الجمع:حسّر و حواسر.

و الحسر و الحسر و الحسور:الإعياء و التّعب.

حسرت الدّابّة و النّاقة حسرا و استحسرت:أعيت و كلّت.و حسرها السّير يحسرها و يحسرها حسرا و حسورا،و أحسرها و حسّرها.

و دابّة حاسر و حاسرة و حسير،الذّكر و الأنثى سواء؛و الجمع:حسرى.

و أحسر القوم:نزل بهم الحسر.

و حسرت العين:كلّت.و حسرها بعد ما حدّقت إليه أو خفاؤه يحسرها:أكلّها.

و بصر حسير:كليل.

ص: 14

و الحسرة:أن يركب الإنسان من شدّة النّدم ما لا نهاية بعده.

و حسر على أمر فاته حسرا و حسرة و حسرانا، فهو حسر و حسران.

و حسر البحر عن القرار و السّاحل يحسر:نضب.

و انحسرت الطّير:خرجت من الرّيش العتيق إلى الحديث.و حسرها،إبّان ذلك.

و تحسّرت النّاقة:صار لحمها في مواضعه.

و رجل محسّر:مؤذى محتقر.

و المحسرة:المكنسة.

و حسروه يحسرونه حسرا و حسرا:سألوه فأعطاهم حتّى لم يبق عنده شيء.

و الحسار:نبات ينبت في القيعان و الجلد،و له سنيبل و هو من دقّ المرتع،و قفّه خير من رطبه،و هو يستقلّ عن الأرض شيئا قليلا يشبه الزّبّاد إلاّ أنّه أضخم منه ورقا.[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](3:180)

حسر على الشّيء يحسر حسرا و حسرة:تلهّف على ما فاته،فهو حسير.و حسّره غيره.

(الإفصاح 1:658)

الطّوسيّ: الحسرات:جمع الحسرة،و هي أشدّ من النّدامة.و الفرق بينهما و بين الإرادة:أنّ الحسرة تتعلّق بالماضي خاصّة،و الإرادة تتعلّق بالمستقبل،لأنّ الحسرة إنّما هي على ما فات بوقوعه أو ينقضي وقته.و إنّما حرّكت السّين لأنّه اسم على«فعلة»أوسطه ليس من حروف العلّة،و لو كان صفة لقلت:صعبات،فلم يحرّك، و كذلك جوزات و بيضات.و إنّما حرّك الاسم،لأنّه على خلاف الجمع السّالم؛إذ كان إنّما يستحقّه ما يعقل.

و الحسرة و النّدامة نظائر،و هي نقيض الغبطة.

و تقول:حسرت العمامة عن رأسي،إذا كشفتها.

و حسر عن ذراعيه حسرا،و انحسر انحسارا،و حسّره تحسيرا.

و الحاسر في الحرب:الّذي لا درع عليه،و لا مغفر.

و حسر يحسر حسرة و حسرا،إذا كمد على الشّيء الفائت،و تلهّف عليه.

و حسرت النّاقة حسورا،إذا أعيت.

و حسر البصر،إذا كلّ عن البصر.

و المحسرة:المكنسة.

و الطّير يتحسّر،إذا خرج من ريشه العتيق إلى الحديث.

و أصل الباب:الحسر:الكشف.(2:69)

الرّاغب: الحسر:كشف الملبس عمّا عليه،يقال:

حسرت عن الذّراع،و الحاسر:من لا درع عليه و لا مغفر،و المحسرة:المكنسة،و فلان كريم المحسر، كناية عن المختبر،و ناقة حسير:انحسر عنها اللّحم و القوّة،و نوق حسرى.

و الحاسر:المعيا لانكشاف قواه،و يقال للمعيا:

حاسر و محسور،أمّا الحاسر فتصوّر (1)أنّه قد حسر بنفسه قواه،و أمّا المحسور فتصوّر أنّ التّعب قد حسره، و قوله عزّ و جلّ: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ الملك:4،يصحّ أن يكون بمعنى حاسر،و أن).

ص: 15


1- و في الطّبع المصحّح(عام 1412 ه)في الموردين (فتصوّرا).

يكون بمعنى محسور،قال تعالى: فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً الإسراء:29.و الحسرة:الغمّ على ما فاته و النّدم عليه،كأنّه انحسر عنه الجهل الّذي حمله على ما ارتكبه،أو انحسر قواه من فرط غمّ،أو أدركه إعياء عن تدارك ما فرط منه.[ثمّ ذكر الآيات].(118)

الزّمخشريّ: حسر عن ذراعيه:كشف،و حسر عمامته عن رأسه،و حسر كمّه عن ذراعه،و حسرت المرأة درعها عن جسدها،و كذلك كلّ شيء كشف فقد حسر.

و امرأة حسنة المحاسر،و انحسر عنه الظّلام و تحسّر،و تحسّر الوبر عن الإبل،و الرّيش عن الطّير، و حسّرت الطّير:أسقطت ريشها،و رجل حاسر:

مكشوف الرّأس.

و حسرت على كذا،و تحسّرت عليه،و يا حسرتا عليه،و حسّرني فلان.

و حسّرت الدّابّة فهي حسير،و دوابّ حسرى، و حسرت الدّابّة بنفسها حسورا،و حسرت بالكسر.

و من المجاز:فلان كريم المحسر،أي المخبر.

و حسر البصر من طول النّظر فهو محسور و حسير، و حسر النّظر بصري،و حسر البصر بالكسر فهو حسير،نحو علم فهو عليم،و هو من باب:فعلته ففعل.

و أرض عارية المحاسر:لا نبات فيها.[ثمّ استشهد بشعر].

و حسرت الرّيح السّحاب.و حسر الماء:نضب.

و حسر قناع الهمّ عنّي.(أساس البلاغة:83)

ابن عازب رضى اللّه عنه سئل عن يوم حنين،فقال:«انطق جفاء من النّاس و حسّر إلى هذا الحيّ من هوازن...»

الحسّر:جمع حاسر،و هو الّذي لا جنّة له،يعني أنّهم قليلون و حاسرون.(الفائق 1:222)

[ذكر حديث«يخرج في آخر الزّمان رجل»المتقدّم في كلام الخليل ثمّ قال:]

محسّرون:مؤذون محمولون على الحسرة،أو مدفعون مبعدون،من حسر القناع،إذا كشفه.أو مطرودون متعبون،من حسر الدّابّة،إذا أتعبها.

(الفائق 1:283)

[في حديث]«فأخذت حجرا فكسرته و حسرته فانذلق لي...»

حسرته:أكثرت حكّه حتّى نهكته و رقّقته،من حسر الرّجل بعيره،إذا نهكه بالسّير و ذهب ببدانته.(الفائق 3:351)

المدينيّ: في الحديث:«لا تقوم السّاعة حتّى يحسر الفرات عن جبل من ذهب»أي يكشف،و حسر الماء:نضب عن السّاحل،و حسر عن ذراعيه،إذا أخرجهما من كمّيه.

و منه حديث يحيى بن عبّاد:«ما من ليلة إلاّ ملك يحسر عن دوابّ الغزاة الكلال»أي يكشف.

و منه:«سئلت عائشة،رضي اللّه عنها،عن امرأة طلّقها زوجها،فتزوّجها رجل فتحسّرت بين يديه،ثمّ فارقها»أي قعدت بين يديه حاسرة و الحسر و المحسر و المحسّر،و المحاسر،أي الموضع الّذي يكشف عنها الثّوب من البدن.

ص: 16

و تحسّرت الجارية:استوت و اعتدل جسمها.

في حديث عليّ،رضى اللّه عنه:«ابنوا المساجد حسّرا و معصّبين فإنّ ذلك سيماء المسلمين».

و في رواية أنس:«ابنوا المساجد جمّا».

و فسّره:بأن ليس لها شرف.و لعلّ الحسّر بمعناه، لأنّ الحاسر الّذي لا درع و لا مغفر معه في القتال.

في الحديث:«أنّه وضع في وادي محسّر»و هو واد بين عرفات و منى،لعلّه سمّي به،لأنّه يحسّر سالكيه و يؤذيهم و يتعبهم.

و حسرت النّاقة:أتعبتها فحسرت.

و قيل:سمّي الإتعاب به،لأنّه يتحسّر باللّحم،أي يذهب به.يقال:تحسّر لحمه من الحرى،أي ذهب.(1:445)

ابن الأثير: منه حديث أبي عبيدة رضى اللّه عنه:«أنّه كان يوم الفتح على الحسّر»جمع حاسر،كشاهد و شهّد.

و منه حديث جرير:«و لا يحسر صابحها»أي لا يتعب ساقيها،و هو أبلغ.

و منه الحديث:«حسر أخي فرسا له بعين النّمر و هو مع خالد بن الوليد».و يقال فيه:أحسر أيضا.(1:

384)

الصّغانيّ: الحسار بالفتح:نبت ينبت في الرّياض، يسلّح الإبل...

و فلان كريم المحسر بكسر السّين،لغة في فتحها، أي المخبر.

و قد يجيء في الشّعر«حسر»لازما مثل انحسر.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:472)

الفيّوميّ: حسر عن ذراعه حسرا،من بابي ضرب و قتل:كشف،و في المطاوعة:فانحسر.

و حسرت المرأة ذراعها و خمارها،من باب «ضرب»:كشفته،فهي حاسر بغير هاء.

و انحسر الظّلام و حسر البصر حسورا من باب «قعد»:كلّ لطول مدى و نحوه،فهو حسير.

و حسر الماء:نضب عن موضعه.

و حسرت على الشّيء حسرا،من باب«تعب»، و الحسرة:اسم منه،و هي التّلهّف و التّأسّف.

و حسّرته بالتّثقيل:أوقعته في الحسرة.

و باسم الفاعل سمّي وادي محسّر،و هو بين منى و مزدلفة،سمّي بذلك لأنّ فيل أبرهة كلّ فيه و أعيا، فحسّر أصحابه بفعله،و أوقعهم في الحسرات.(1:135)

الجرجانيّ: الحسرة،هي بلوغ النّهاية في التّلهّف، حتّى يبقى القلب حسيرا لا موضع فيه لزيادة التّلهّف، كالبصر الحسير لا قوّة فيه للنّظر.(39)

الفيروزآباديّ: حسره يحسره و يحسره حسرا:

كشفه،و الشّيء حسورا:انكشف،و البصر يحسر حسورا:كلّ و انقطع من طول مدى،و هو حسير و محسور،و الغصن:قشره،و البعير:ساقه حتّى أعياه كأحسره،و البيت:كنسه.

و كفرح عليه حسرة و حسرا:تلهّف فهو حسير، و كضرب و فرح:أعيا كاستحسر فهو حسير،جمعه:

حسرى.

و الحسير:فرس عبد اللّه بن حيّان،و البعير المعيي:

جمعه:حسرى.

ص: 17

و المحسر:المخبر و تفتح سينه،و الوجه، و الطّبيعة.

و كمعظّم:المؤذى المحقّر.

و كسحاب:نبت يشبه الجزر أو الحرف.

و المحسرة:المكنسة.

و الحاسر:من لا مغفر له و لا درع أو لا جنّة له، و فحل عدل عن الضّراب.

و التّحسير:الإيقاع في الحسرة،و سقوط ريش الطّائر،و التّحقير،و الإيذاء.

و بطن محسّر:قرب المزدلفة،و كذا قيس بن المحسّر الصّحابيّ.

و تحسّر:تلهّف،و وبر البعير:سقط من الإعياء، و الجارية:صار لحمها في مواضعه،و البعير:سمّنه الرّبيع حتّى كثر شحمه و تمك سنامه،ثمّ ركب أيّاما فذهب رهل لحمه،و اشتدّ ما تزيّم منه في مواضعه.(2:9)

الطّريحيّ: في حديث عليّ عليه السّلام:«يا لها حسرة على ذي غفلة».قال بعض الشّارحين:«حسرة»نصب على التّمييز للمتعجّب منه المدعوّ،و اللاّم في«لها» للاستغاثة،كأنّه قال:يا للحسرة على الغافلين ما أكثرك.

و قيل:لام الجرّ فتحت لدخولها على الضّمير، فالمنادى محذوف،أي يا قوم أدعوكم لها حسرة.

و في حديث الوضوء:«فحسر عن ذراعيه»أي كشف عنهما.[إلى أن قال:]

و منه«غير مستكبر و لا مستحسر»في حديث الرّكوع،أي لا أجد في الرّكوع تعبا و لا كللا و لا مشقّة بل أجد راحة و لذاذة.(3:267)

مجمع اللّغة:الحسر و الحسر و الحسور:الإعياء و التّعب.و يقال:حسر البصر يحسر حسورا:كلّ و تعب،فهو حسير.

حسر الدّابّة يحسرها حسرا،إذا سيّرها حتّى ينقطع سيرها،فهي محسورة.

و منه المحسور،و هو الّذي ينفق جميع ماله حتّى يبقى و لا شيء عنده،فيجهد بذلك نفسه.

و حسر البعير و استحسر:سار حتّى كلّ و تعب.

و الحسرة:أشدّ النّدم.(1:258)

المصطفويّ: فظهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو التّنحية و ردّ الشّيء إلى العقب.و أمّا الكشف و الانكشاف و الإعياء و الرّفع و السّلخ و التّبعيد و الكشط و النّضب و أمثالها:فقريبة منه و من لوازم الأصل.و هذا المفهوم مراد حقيقة في قولهم:حسر البحر عن السّاحل، و حسر الماء،و حسرت المرأة قناعها و ذراعها و عن ذراعها،و حسرت الرّيح السّحاب،و هو محسور.

و أمّا حسر البصر،و حسرت الدّابّة:فباعتبار مسير النّظر و الدّابّة الّذي كان متوقّعا منهما و ملحوظا فيهما،فالرّدّ بالنّسبة إلى منتهى المسير المنظور.

و أمّا الحسرة:فحقيقتها التّأخّر و الارتداد و التّنحية،و من لوازم هذا المعنى التّلهّف و التّأسّف إذا توجّه إلى تفريطه في عمله.

وَ مَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ لا يَسْتَحْسِرُونَ الأنبياء:19،فالاستكبار هو رؤية كبر النّفس و عظمها،و هو يستصغر العبوديّة له،و هذا في مقابل الاستحسار و هو الارتداد إلى العقب،و رؤية

ص: 18

العبادة ثقيلة كبيرة.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و قلنا:إنّ التّأسّف من آثار الحسرة،و لا يصحّ أن يراد من الحسرة في هذه الآيات التّأسّف،فإنّ التّأسّف ليس بموضوع مستقلّ حتّى يكون متعلّقا للحكم و الإثبات أو النّفي،بل من عوارض الارتداد و آثاره و لوازمه.

ثمّ إنّ التّأسّف ليس من آثار التّفريط أو الكفر أو التّكذيب،فإنّها قد تحقّقت في الدّنيا باختيار و مرأى منهم و ما تأسّفوا عليها،بل من آثار ما يترتّب عليها في الآخرة و هو الارتداد في المقام و الانحطاط في الرّتبة، و ليس هذا مشهودا لهم في الحياة الدّنيا،و هم عن الآخرة لغافلون.

و هذا المعنى رزيّة ما أعظمها،و عذاب ليس فوقها عذاب.(2:231)

النّصوص التّفسيريّة

محسورا

وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً. الإسراء:29

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:الإحسار:الإقتار.(العيّاشيّ 3:48)

ابن عبّاس: منقطعا عنك القرابة و المساكين،ذاهبا الّذي لك من المال.(236)

نحوه السّدّيّ.(الطّبرسيّ 3:411)

يعني:ذهب ماله كلّه،فهو محسور.

نحوه الحسن.(الطّبريّ 15:77)

مجاهد : مَحْسُوراً قد انقطع بك.

(النّحّاس 4:146)

نحوه ابن جريج.(الطّبريّ 15:77)

عكرمة :أي نادما.

مثله قتادة.(النّحّاس 4:146)

قتادة :نادما على ما فرط منك.(الطّبريّ 15:77)

الإمام الصّادق عليه السّلام:[في حديث]«إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله كان لا يردّ أحدا يسأله شيئا عنده،فجاءه رجل فسأله فلم يحضره شيء،فقال:يكون إن شاء اللّه، فقال:يا رسول اللّه أعطني قميصك،و كان صلّى اللّه عليه و آله لا يردّ أحدا عمّا عنده،فأعطاه قميصه،فأنزل اللّه: وَ لا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلى عُنُقِكَ إلخ.فنهاه أن يبخل أو يسرف و يقعد محسورا من الثّياب».[و]المحسور:العريان.

(القمّيّ 2:18)

الفرّاء: ...ثمّ نهاه أن يعطي كلّ ما عنده حتّى لا يبقى محسورا لا شيء عنده.و العرب تقول للبعير:هو محسور، إذا انقطع سيره.و حسرت الدّابّة،إذا سرتها (1)حتّى ينقطع سيرها.

و قوله: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ الملك:4،يحسر عند أقصى بلوغ المنظر.(2:122)

أبو عبيدة :أي منضى قد أعيا.يقال:حسرت البعير،و حسرته بالمسألة،و البصر أيضا،إذا رجع محسورا.[ثمّ استشهد بشعر](1:375)

ابن قتيبة :أي تحسرك العطيّة و تقطعك.كما يحسر السّفر البعير فيبقى منقطعا.يقال:حسرت الرّجل فأنا أحسره،و حسر فهو يحسر.(254)

ص: 19


1- ركبتها.

الجبّائيّ: معناه:إن أمسكت قعدت ملوما مذموما،و إن أسرفت بقيت متحسّرا مغموما.

(الطّبرسيّ 3:411)

الطّبريّ: معيبا،قد انقطع بك،لا شيء عندك تنفقه.

و أصله من قولهم للدّابّة الّتي قد سير عليها حتّى انقطع سيرها،و كلّت و رزحت (1)من السّير،بأنّه حسير.

يقال منه:حسرت الدّابّة فأنا أحسرها، و أحسرها حسرا،و ذلك إذا أنضيته بالسّير.و حسرته بالمسألة،إذا سألته فألحفت.و حسر البصر فهو يحسر، و ذلك إذا بلغ أقصى المنظر فكلّ.

و منه قوله عزّ و جلّ: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ، و كذلك ذلك في كلّ شيء كلّ و أزحف حتّى يضنى.(15:76)

نحوه البغويّ.(3:131)

الزّجّاج: أي بالغت في الحمل على نفسك و حالك حتّى تصير بمنزلة من قد حسر،و الحسير و المحسور:

الّذي قد بلغ الغاية في التّعب و الإعياء.(3:236)

نفطويه:يقول:لا تسرف و لا تتلف مالك فتبقى محسورا منقطعا عن النّفقة و التّصرّف،كما يكون البعير الحسير،و هو الّذي ذهبت قوّته فلا انبعاث به.و منه قوله تعالى: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ أي كليل منقطع.(القرطبيّ 10:251)

نحوه السّجستانيّ.(107)

القفّال: المقصود تشبيه حال من أنفق كلّ ماله و نفقاته بمن انقطع في سفره بسبب انقطاع مطيّته،لأنّ ذلك المقدار من المال كأنّه مطيّة يحمل الإنسان و يبلغه إلى آخر الشّهر أو السّنة،كما أنّ ذلك البعير يحمله و يبلغه إلى آخر المنزل،فإذا انقطع ذلك البعير،بقي في وسط الطّريق عاجزا متحيّرا،فكذلك إذا أنفق الإنسان مقدار ما يحتاج إليه في مدّة شهر،بقي في وسط ذلك الشّهر عاجزا متحيّرا.

و من فعل هذا لحقه اللّوم من أهله و المحتاجين إلى إنفاقه عليهم،بسبب سوء تدبيره و ترك الحزم في مهمّات معاشه.(الفخر الرّازيّ 20:195)

نحوه النّيسابوريّ.(15:30)

أبو يعلى: فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً و هذا الخطاب أريد به غير رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّه لم يكن يدّخر شيئا لغد،و كان يجوع حتّى يشدّ الحجر على بطنه.و قد كان كثير من فضلاء الصّحابة ينفقون جميع ما يملكون، فلم ينههم اللّه،لصحّة يقينهم،و إنّما نهي من خيف عليه التّحسّر على ما خرج من يده،فأمّا من وثق بوعد اللّه تعالى،فهو غير مراد بالآية.(ابن الجوزيّ 5:30)

الطّوسيّ: ...إن أسرفت بقيت محسورا،أي مغموما متحسّرا.

و أصل الحسر:الكشف،من قولهم:حسر عن ذراعيه يحسر حسرا،إذا كشف عنهما.

و الحسرة:الغمّ لانحسار ما فات.

و دابّة حسير،إذا كلّت لشدّة السّير،لانحسار قوّتها بالكلال،و كذلك قوله: يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُء.

ص: 20


1- رزحت:سقطت إعياء.

خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ الملك:4.

و المحسور:المنقطع به لذهاب ما في يده،و انحساره:

انقطاعه عنه.[ثمّ استشهد بشعر](6:471)

الزّمخشريّ: منقطعا بك لا شيء عندك،من حسره السّفر،إذا بلغ منه،و حسره بالمسألة.(2:447)

نحوه البيضاويّ(1:583)،و النّسفيّ(2:313)، و المشهديّ(5:509).

ابن عطيّة: المحسور:المنفّه الّذي قد استنفدت قوّته.تقول:حسرت البعير،إذا أتعبته حتّى لم تبق له قوّة،فهو حسير.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه البصر الحسير،و هو الكالّ.(3:450)

القرطبيّ: [نقل قول قتادة:«أي نادما على ما سلف منك»ثمّ قال:]

فجعله من الحسرة،و فيه بعد،لأنّ الفاعل من الحسرة حسر و حسران و لا يقال:محسور.(10:251)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و قال:]

و ما قيل من أنّه روي عن جابر رضى اللّه عنه أنّه قال:«بينا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قاعدا إذا أتاه صبيّ،فقال:إنّ أمّي تستكسيك درعا...»[نقل الحديث مع تفاوت ثمّ قال:]

فيأباه أنّ السّورة مكّيّة خلا آيات في آخرها...(4:

126)

نحوه البروسويّ(5:152)،و الآلوسيّ(15:65).

الطّباطبائيّ: قوله: فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً متفرّع على قوله: وَ لا تَبْسُطْها إلخ،و الحسر هو الانقطاع أو العري،أي و لا تبسط يدك كلّ البسط حتّى يتعقّب ذلك أن تقعد ملوما لنفسك و غيرك،منقطعا عن واجبات المعاش،أو عريانا لا تقدر على أن تظهر للنّاس،و تعاشرهم و تراودهم.

و قيل:إنّ قوله: فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً متفرّع على الجملتين لا على الجملة الأخيرة فحسب، و المعنى إن أمسكت قعدت ملوما مذموما،و إن أسرفت بقيت متحسّرا مغموما.

و فيه أنّ كون قوله: وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ ظاهرا في النّهي عن التّبذير و الإسراف غير معلوم،و كذا كون إنفاق جميع المال في سبيل اللّه إسرافا و تبذيرا غير ظاهر،و إن كان منهيّا عنه بهذه الآية،كيف و من المأخوذ في مفهوم التّبذير أن يكون على وجه الإفساد،و وضع المال و لو كان كثيرا أو جميعه في سبيل اللّه و إنفاقه على من يستحقّه ليس بإفساد له،و لا وجه للتّحسّر و الغمّ على ما لم يفسد و لا أفسد.(13:83)

مكارم الشّيرازيّ: «محسور»مشتقّة من«حسر» و هي في الأصل تعني خلع الملابس،لذا يقال للمقاتل:

الحاسر،أي الّذي لم يلبس الخوذة و باقي الملابس العسكريّة.

و أيضا يقال للحيوان الّذي يتعب من كثرة المشي بأنّه:حسير،أو حاسر،بسبب استنفاذ طاقته و قدرته.

و قد توسّع هذا المفهوم فيما بعد بحيث أصبح يطلق على كل إنسان عاجز عن الوصول إلى هدفه بأنّه:

حسير،أو محسور،أو حاسر.

أمّا كلمة«الحسرة»و الّتي تعني الغمّ و الحزن،فهي مشتقّة من هذه الكلمة،و هي تطلق على الإنسان الفاقد لقابليّة حلّ المشاكل بسبب الضّعف.

ص: 21

و كذلك بالنّسبة للإنفاق،فهو إذا تجاوز الحدّ المقرّر بحيث يستنفذ طاقة الإنسان،فإنّه يؤدّي إلى أن يصاب صاحبه بالغمّ و الحزن بسبب الضّعف عن أداء واجباته و مسئوليّاته،و ينقطع اتّصاله و ارتباطه بالنّاس.[ثمّ نقل بعض الرّوايات في سبب النّزول](8:407)

حسير

ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ. الملك:4

ابن عبّاس: عيّ كليل منقطع.(479)

مرجف.(الطّبريّ 29:3)

إنّه الكليل الّذي قد ضعف عن إدراك مرآه.(الماورديّ 6:52)

قتادة :أي معي.لم ير خللا و لا تفاوتا.

(الطّبريّ 29:3)

السّدّيّ: أي منقطع،من الإعياء.(458)

ابن زيد :الخاسئ و الحاسر واحد،حسر طرفه أن يرى فيها فطرا،فرجع و هو حسير قبل أن يرى فيها فطرا.(الطّبريّ 29:3)

الفرّاء: كليل كما يحسر البعير و الإبل إذا قوّمت عن هزال و كلال فهي الحسرى؛و واحدها:حسير.

(3:170)

أبو عبيدة :(حسير):لا يبصر.[ثمّ استشهد بشعر](2:262)

ابن قتيبة :أي كليل منقطع عن أن يلحق ما نظر إليه.(474)

مثله ابن الجوزيّ(8:320)،و نحوه البغويّ (5:125).

الطّبريّ: معي كالّ.(29:3)

نحوه ابن عطيّة(5:338)،و النّسفيّ(4:274).

الزّجّاج: قد أعيا من قبل أن يرى في السّماء خللا.(5:198)

القمّيّ: أي منقطع.(2:378)

السّجستانيّ: و هو كليل(حسير)قليل معيى.(194)

الماورديّ: في(حسير)ثلاثة أوجه:

أحدها:أنّه النّادم.[ثمّ استشهد بشعر،و نقل القول الثّاني و الثّالث عن ابن عبّاس و السّدّيّ](6:52)

الواحديّ: كليل منقطع[ثمّ نقل قول الزّجّاج و قال:]

و هو«فعيل»بمعنى فاعل من الحسور و هو الإعياء.(4:327)

الزّمخشريّ: أي-يرجع إليك بصرك-بالإعياء و الكلال،لطول الإجالة و التّرديد.(4:135)

القرطبيّ: أي قد بلغ الغاية في الإعياء،فهو بمعنى فاعل،من الحسور الّذي هو الإعياء.و يجوز أن يكون مفعولا من حسره بعد الشّيء،و هو معنى قول ابن عبّاس.

يقال:قد حسر بصره يحسر حسورا،أي كلّ و انقطع نظره من طول مدى،و ما أشبه ذلك،فهو حسير و محسور أيضا.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(القرطبيّ 18:210)

ص: 22

البيضاويّ: كليل من طول المعاودة،و كثرة المراجعة.(2:489)

مثله الشّربينيّ.(4:339)

الآلوسيّ: [مثل البيضاويّ و أضاف:]

يقال:حسر بعيره يحسر حسورا،أي كلّ و انقطع، فهو حسير و محسور.[ثمّ نقل كلام الرّاغب و قال:]

و الجملة[و هو حسير]في موضع الحال كالوصف السّابق من البصر،و يحتمل أن تكون حالا من الضّمير فيه.(29:7)

مكارم الشّيرازيّ: (حسير)من مادّة«حسر» على وزن«قصر»بمعنى جعل الشّيء عاريا.و إذا ما فقد الإنسان قدرته و استطاعته بسبب التّعب،فإنّه يكون عاريا من قواه،لذا فإنّها جاءت بمعنى التّعب و العجز.

و بناء على هذا فإنّ كلمتي«خاسئ»و«حسير» اللّتين وردتا في الآية،تعطيان معنى واحدا في تأكيد عجز العين،و بيان عدم مقدرتها على مشاهدة أيّ خلل أو نقص،في نظام عالم الوجود.

إلاّ أنّ البعض جعل فرقا بين معنى الكلمتين؛إذ قالوا:إنّ«خاسئ»تعني المحروم و غير الموفّق، و«حسير»بمعنى العاجز.(18:438)

حسرة

1- ..لِيَجْعَلَ اللّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ وَ اللّهُ يُحْيِي وَ يُمِيتُ... آل عمران:156

ابن عبّاس: حزنا.(59)

مثله الطّبريّ(4:148)،و نحوه ابن الجوزيّ (1:484).

مجاهد :يحزنهم قولهم،لا ينفعهم شيئا.

(الطّبريّ 4:148)

أبو عبيدة :النّدامة.(1:107)

السّجستانيّ: ندامة و اغتمام على ما فات،و لا يمكن ارتجاعه.(38)

الطّوسيّ: و الحسرة عليهم في ذلك.من وجهين:

أحدهما:الخيبة فيما أملوا من الموافقة لهم من المؤمنين،فلمّا لم يقبلوا منهم،كان ذلك حسرة في قلوبهم.

و الآخر:ما فاتهم من عزّ الظّفر و الغنيمة.(3:27)

نحوه الطّبرسيّ.(1:525)

ابن عطيّة: فالإشارة في ذلك إلى هذا المعتقد الّذي لهم،جعل اللّه ذلك حسرة،لأنّ الّذي يتيقّن أنّ كلّ موت و قتل فبأجل سابق،يجد برد اليأس و التّسليم للّه تعالى على قلبه،و الّذي يعتقد أنّ حميمه لو قعد في بيته لم يمت،يتحسّر و يتلهّف.و على هذا التّأويل مشى المتأوّلون،و هو أظهر ما في الآية.

و قال قوم:الإشارة بذلك إلى انتهاء المؤمنين و مخالفتهم الكافرين في هذا المعتقد،فيكون خلافهم لهم حسرة في قلوبهم.

و قال قوم:الإشارة بذلك إلى نفس نهي اللّه تعالى عن الكون،مثل الكافرين في هذا المعتقد،لأنّهم إذا رأوا أنّ اللّه تعالى قد وسمهم بمعتقد و أمر بخلافهم،كان ذلك حسرة في قلوبهم.

و يحتمل عندي أن تكون الإشارة إلى النّهي

ص: 23

و الانتهاء معا،فتأمّله.و الحسرة:التّلهّف على الشّيء و الغمّ به.(1:531)

الفخر الرّازيّ: لِيَجْعَلَ اللّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ و فيه قولان:

الأوّل:أنّ التّقدير:أنّهم قالوا ذلك الكلام ليجعل اللّه ذلك الكلام حسرة في قلوبهم،مثل ما يقال:ربّيته ليؤذيني و نصرته ليقهرني،و مثله قوله تعالى:

فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً القصص:8.

إذا عرفت هذا فنقول:ذكروا في بيان أنّ ذلك القول كيف استعقب حصول الحسرة في قلوبهم وجوها:

الأوّل:أنّ أقارب ذلك المقتول إذا سمعوا هذا الكلام ازدادت الحسرة في قلوبهم،لأنّ أحدهم يعتقد أنّه لو بالغ في منعه عن ذلك السّفر و عن ذلك الغزو لبقي،فذلك الشّخص إنّما مات أو قتل بسبب أنّ هذا الإنسان قصّر في منعه،فيعتقد السّامع لهذا الكلام أنّه هو الّذي تسبّب إلى موت ذلك الشّخص العزيز عليه أو قتله،و متى اعتقد في نفسه ذلك فلا شكّ أنّه تزداد حسرته و تلهّفه.أمّا المسلم المعتقد في أنّ الحياة و الموت لا يكون إلاّ بتقدير اللّه و قضائه،لم يحصل البتّة في قلبه شيء من هذا النّوع من الحسرة،فثبت أنّ تلك الشّبهة الّتي ذكرها المنافقون لا تفيدهم إلاّ زيادة الحسرة.

الوجه الثّاني:أنّ المنافقين إذا ألقوا هذه الشّبهة إلى إخوانهم تثبّطوا عن الغزو و الجهاد و تخلّفوا عنه،فإذا اشتغل المسلمون بالجهاد و الغزو،و وصلوا بسببه إلى الغنائم العظيمة و الاستيلاء على الاعداء و الفوز بالأمانيّ، بقي ذلك المتخلّف عند ذلك في الخيبة و الحسرة.

الوجه الثّالث:أنّ هذه الحسرة إنّما تحصل يوم القيامة في قلوب المنافقين إذا رأوا تخصيص اللّه المجاهدين بمزيد الكرامات و إعلاء الدّرجات،و تخصيص هؤلاء المنافقين بمزيد الخزي و اللّعن و العقاب.

الوجه الرّابع:أنّ المنافقين إذا أوردوا هذه الشّبهة على ضعفة المسلمين و وجدوا منهم قبولا لها،فرحوا بذلك،من حيث إنّه راج كيدهم و مكرهم على أولئك الضّعفة،فاللّه تعالى يقول:إنّه سيصير ذلك حسرة في قلوبهم إذا علموا أنّهم كانوا على الباطل،في تقرير هذه الشّبهة.

الوجه الخامس:أنّ جدّهم و اجتهادهم في تكثير الشّبهات و إلقاء الضّلالات يعمي قلوبهم،فيقعون عند ذلك في الحيرة و الخيبة و ضيق الصّدر،و هو المراد بالحسرة،كقوله: وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً الأنعام:125.

الوجه السّادس:أنّهم متى ألقوا هذه الشّبهة على أقوياء المسلمين لم يلتفتوا إليهم فيضيع سعيهم و يبطل كيدهم،فتحصل الحسرة في قلوبهم.

و القول الثّاني في تفسير الآية:أنّ اللاّم في قوله:

لِيَجْعَلَ اللّهُ متعلّقة بما دلّ عليه النّهي،و التّقدير:لا تكونوا مثلهم حتّى يجعل اللّه انتفاء كونكم مثلهم حسرة في قلوبهم،لأنّ مخالفتهم فيما يقولون و يعتقدون و مضادّتهم ممّا يغيظهم.(9:55)

القرطبيّ: يعني ظنّهم و قولهم،و اللاّم متعلّقة بقوله:(قالوا)،أي ليجعل ظنّهم لو لم يخرجوا ما قتلوا

ص: 24

حسرة،أي ندامة في قلوبهم.و الحسرة:الاهتمام على فائت لم يقدر بلوغه.[ثمّ استشهد بشعر].(4:247)

الشّربينيّ: الخيبة و ضيق الصّدر،و هو المراد بقوله تعالى: وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً الأنعام:125.(1:258)

الآلوسيّ: و المعنى:لا تكونوا مثلهم في القول الباطل و المعتقد الفاسد المؤدّيين إلى الحسرة و النّدامة و الدّمار في العاقبة.(4:101)

الطّباطبائيّ: لِيَجْعَلَ اللّهُ ذلِكَ حَسْرَةً أي ليعذّبهم بها،فهو من قبيل وضع المغيّا موضع الغاية.

(4:55)

2- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً...

الأنفال:36

ابن عبّاس: ندامة في الآخرة.(148)

نحوه السّدّيّ.(283)

الطّبريّ: يقول:تصير ندامة عليهم،لأنّ أموالهم تذهب،و لا يظفرون بما يأملون و يطمعون فيه من إطفاء نور اللّه،و إعلاء كلمة الكفر على كلمة اللّه،لأنّ اللّه معلي كلمته،و جاعل كلمة الكفر السّفلى.(9:244)

نحوه ابن الجوزيّ(3:355)،و الفخر الرّازيّ (15:161)،و ابن كثير(3:315).

الماورديّ: يحتمل وجهين:

أحدهما:يكون إنفاقها عليهم حسرة و أسفا عليها.

و الثّاني:تكون خيبتهم فيما أملوه من الظّفر عليهم حسرة تحذرهم بعدها.(2:317)

الزّمخشريّ: أي تكون عاقبة إنفاقها ندما و حسرة،فكأنّ ذاتها تصير ندما و تنقلب حسرة.

(2:157)

مثله النّيسابوريّ.(9:151)

ابن عطيّة: الحسرة:التّلهّف على الفائت، و يحتمل أن تكون الحسرة في يوم القيامة.و الأوّل أظهر، و إن كانت حسرة القيامة راتبة عليهم.(2:525)

الطّبرسيّ: معناه ثمّ ينكشف لهم و يظهر من ذلك الإنفاق ما يكون حسرة عليهم،من حيث إنّهم لا ينتفعون بذلك الإنفاق لا في الدّنيا و لا في الآخرة،بل يكون وبالا عليهم.(2:541)

أبو السّعود :ندما و غمّا لفواتها من غير حصول المقصود،جعل ذاتها حسرة و هي عاقبة إنفاقها، مبالغة.(3:96)

الآلوسيّ: الحسرة:النّدم و التّأسّف،و فعله حسر كفرح،أي ثمّ تكون عليهم ندما و تأسّفا لفواتها،من غير حصول المطلوب،و هذا في«بدر»ظاهر.و أمّا في«أحد» فلأنّ المقصود لهم لم ينتج بعد ذلك فكان كالفائت.

و ضمير(تكون)للأموال،على معنى:تكون عاقبتها عليهم حسرة،فالكلام على تقدير مضافين أو ارتكاب تجوّز في الإسناد.

و قال العلاّمة الثّاني:إنّه من قبيل الاستعارة في المركّب؛حيث شبّه كون عاقبة إنفاقهم حسرة بكون ذات الأموال كذلك،و أطلق المشبّه به على المشبّه،و فيه خفاء.(9:205)

ص: 25

3- يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ. يس:30

ابن عبّاس: أي حسرة و ندامة.(370)

يا ويلا للعباد.(الطّبريّ 23:3)

إنّهم حلّوا محلّ من يتحسّر عليهم.

(الماورديّ 5:15) أبو العالية :إنّها حسرتهم على الرّسل الثّلاثة.

(الماورديّ 5:15)

لمّا عاينوا العذاب قالوا:يا حسرتنا على المرسلين، كيف لنا بهم الآن حتّى نؤمن؟(ابن الجوزيّ 7:15)

مجاهد :كان حسرة عليهم استهزاؤهم بالرّسل.(الطّبريّ 23:2)

نحوه الزّجّاج.(ابن الجوزيّ 7:15)

إنّ الكفّار لمّا رأوا العذاب قالوا: يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ فتحسّروا على قتلهم،و ترك الإيمان بهم،فتمنّوا الإيمان حين لم ينفعهم الإيمان.(القرطبيّ 15:23)

الضّحّاك: إنّها حسرة الملائكة على العباد في تكذيبهم الرّسل.(الماورديّ 5:15)

قتادة :أي يا حسرة العباد على أنفسها،على ما ضيّعت من أمر اللّه،و فرّطت في جنب اللّه.

(الطّبريّ 23:2)

الفرّاء: المعنى:يا لها حسرة على العباد.و قرأ بعضهم (يا حسرة العباد) و المعنى في العربيّة واحد،و اللّه أعلم.و العرب إذا دعت نكرة موصولة بشيء آثرت النّصب،يقولون:يا رجلا كريما أقبل،و يا راكبا على البعير أقبل.فإذا أفردوا رفعوا أكثر ممّا ينصبون.[إلى أن قال:]

و لو رفعت النّكرة الموصولة بالصّفة كان صوابا.

و سمعت من العرب:يا مهتمّ بأمرنا لا تهتمّ، يريدون:يا أيّها المهتمّ.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(2:375)

الطّبريّ: يا حسرة من العباد على أنفسها،و تندّما و تلهّفا في استهزائهم برسل اللّه.(23:2)

نحوه ابن الجوزيّ.(7:15)

الزّجّاج: هذه من أصعب مسألة في القرآن،إذا قال القائل:ما الفائدة في مناداة الحسرة،و الحسرة ممّا لا يجيب؟فالفائدة في مناداتها كالفائدة في مناداة ما لا يعقل،لأنّ النّداء باب تنبيه،إذا قلت:يا زيد،فإن لم تكن دعوته لتخاطبه لغير النّداء فلا معنى للكلام،إنّما تقول:يا زيد فتنبّهه بالنّداء ثمّ تقول له:فعلت كذا و أفعل كذا،و ما أحببت ممّا له فيه فائدة.

أ لا ترى أنّك تقول لمن هو مقبل عليك:يا زيد ما أحسن ما صنعت،و لو قلت له:ما أحسن ما صنعت، كنت قد بلغت في الفائدة ما أفهمت به،غير أنّ قولك:يا زيد أوكد في الكلام،و أبلغ في الإفهام.

و كذا إذا قلت للمخاطب:أنا أعجب ممّا فعلت،فقد أفدته أنّك متعجّب،و لو قلت:و اعجباه ممّا فعلت،و يا عجباه أ تفعل كذا و كذا،كان دعاؤك العجب أبلغ في الفائدة.و المعنى يا عجب أقبل،فإنّه من أوقاتك،و إنّما نداء العجب تنبيه لتمكّن علم المخاطب بالتّعجّب من فعله.

و كذلك إذا قلت:ويل لزيد أو ويل زيد،لم فعل كذا

ص: 26

و كذا،كان أبلغ،و كذلك في كتاب اللّه عزّ و جلّ يا وَيْلَتى أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ هود:72،و كذلك يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ الزّمر:56، و كذلك يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ.

و المعنى في التّفسير:أنّ استهزاءهم بالرّسل حسرة عليهم،و الحسرة:أن يركب الإنسان من شدّة النّدم ما لا نهاية له بعده حتّى يبقى قلبه حسيرا.(4:284)

البلخيّ: هو قول الّذي جاء من أقصى المدينة.(الطّوسيّ 8:453)

الأزهريّ: الحسرة لا تدعى،و دعاؤها تنبيه المخاطبين.(البغويّ 4:12)

البغويّ: فيه قولان:أحدهما:يقول اللّه تعالى:

يا حَسْرَةً أي ندامة و كآبة على العباد يوم القيامة حين لم يؤمنوا بالرّسل،و الآخر أنّه من قول الهالكين.

[إلى أن قال:]

و قيل:العرب تقول:يا حسرتا و يا عجبا،على طريق المبالغة و النّداء بمعنى التّنبيه،فكأنّه يقول:أيّها العجب هذا وقتك،و أيّتها الحسرة هذا أوانك؟و حقيقة المعنى أنّ هذا زمان الحسرة و التّعجّب.(4:12)

الزّمخشريّ: نداء للحسرة عليهم،كأنّما قيل لها:

تعالي يا حسرة،فهذه من أحوالك الّتي حقّك أن تحضري فيها،و هي حال استهزائهم بالرّسل.

و المعنى:أنّهم أحقّاء بأن يتحسّر عليهم المتحسّرون و يتلهّف على حالهم المتلهّفون،أو هم متحسّر عليهم من جهة الملائكة و المؤمنين من الثّقلين.

و يجوز أن يكون من اللّه تعالى على سبيل الاستعارة، في معنى ما جنوه على أنفسهم و محنوها به،و فرط إنكاره له و تعجيبه منه،و قراءة من قرأ (يا حسرتا) تعضد هذا الوجه،لأنّ المعنى:يا حسرتي.

و قرئ (يا حسرة العباد) على الإضافة إليهم لاختصاصها بهم،من حيث إنّها موجّهة إليهم،و يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ على إجراء الوصل مجرى الوقف.

(3:320)

نحوه النّسفيّ(4:6)،و أبو السّعود(5:297).

الطّبرسيّ: معناه:يا ندامة على العباد في الآخرة باستهزائهم بالرّسل في الدّنيا.[ثمّ نقل بعض الأقوال في معناها](4:422)

الفخر الرّازيّ: أي هذا وقت الحسرة فاحضري يا حسرة.و التّنكير للتّكثير،و فيه مسائل:

المسألة الأولى:الألف و اللاّم في(العباد)يحتمل وجهين:أحدهما:للمعهود،و هم الّذين أخذتهم الصّيحة فيا حسرة على أولئك.و ثانيهما:لتعريف الجنس جنس الكفّار المكذّبين.

المسألة الثّانية:من المتحسّر؟نقول:فيه وجوه:

الأوّل:لا متحسّر أصلا في الحقيقة؛إذ المقصود بيان أنّ ذلك وقت طلب الحسرة،حيث تحقّقت النّدامة عند تحقّق العذاب.

و هاهنا بحث لغويّ،و هو أنّ المفعول قد يرفض رأسا إذا كان الغرض غير متعلّق به،يقال:إنّ فلانا يعطي و يمنع،و لا يكون هناك شيء معطى؛إذ المقصود أنّ له المنع و الإعطاء،و رفض المفعول كثير و ما نحن فيه رفض الفاعل و هو قليل،و الوجه فيه ما ذكرنا،أنّ ذكر

ص: 27

المتحسّر غير مقصود و إنّما المقصود أنّ الحسرة متحقّقة:

في ذلك الوقت.

الثّاني:أنّ قائل:(يا حسرة)هو اللّه على الاستعارة، تعظيما للأمر و تهويلا له،و حينئذ يكون كالألفاظ الّتي وردت في حقّ اللّه كالضّحك و النّسيان و السّخر و التّعجّب و التّمنّي،أو نقول:ليس معنى قولنا:يا حسرة و يا ندامة،أنّ القائل متحسّر أو نادم بل المعنى أنّه مخبر عن وقوع النّدامة و لا يحتاج إلى تجوّز في بيان كونه تعالى قال: يا حَسْرَةً بل يخبر به على حقيقته إلاّ في النّداء،فإنّ النّداء مجاز و المراد الإخبار.

الثّالث:المتلهّفون من المسلمين و الملائكة.أ لا ترى إلى ما حكي عن حبيب أنّه حين القتل كان يقول:اللّهمّ اهد قومي.و بعد ما قتلوه و أدخل الجنّة،قال:يا ليت قومي يعلمون،فيجوز أن يتحسّر المسلم للكافر و يتندّم له و عليه.

المسألة الثّالثة:قرئ (يا حسرة) بالتّنوين،و (يا حسرة العباد) بالإضافة من غير كلمة«على»و قرئ (يا حسره على) بالهاء إجراء للوصل مجرى الوقف.

(26:62)

العكبريّ: فيه وجهان:

أحدهما:أنّ(حسرة)منادى،أي يا حسرة احضري،فهذا وقتك.و(على)تتعلّق ب(حسرة)، فلذلك نصبت،كقولك:يا ضاربا رجلا.

و الثّاني):المنادى محذوف،و(حسرة)مصدر،أي أتحسّر حسرة.

و يقرأ في الشّاذّ (يا حسرة العباد) أي يا تحسيرهم، فالمصدر مضاف إلى الفاعل،و يجوز أن يكون مضافا إلى مفعول،أي أتحسر على العباد.(2:1081)

الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال تعالى: يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ و التّحسّر على اللّه تعالى محال؟

قلنا:هو تحسير للخلق،معناه:قولوا:يا حسرتنا على أنفسنا،لا تحسّر من اللّه تعالى.(288)

القرطبيّ: [ذكر أقوالا من المتقدّمين ثمّ قال:]

و قيل:يا حسرة على العباد،من قول الرّجل الّذي جاء من أقصى المدينة يسعى،لمّا وثب القوم لقتله.

و قيل:إنّ الرّسل الثّلاثة هم الّذين قالوا لمّا قتل القوم ذلك الرّجل الّذي جاء من أقصى المدينة يسعى، و حلّ بالقوم العذاب،يا حسرة على هؤلاء،كأنّهم تمنّوا أن يكونوا قد آمنوا.

و قيل:هذا من قول القوم قالوا لمّا قتلوا الرّجل و فارقتهم الرّسل،أو قتلوا الرّجل مع الرّسل الثّلاثة، على اختلاف الرّوايات:يا حسرة على هؤلاء الرّسل، و على هذا الرّجل،ليتنا آمنّا بهم في الوقت الّذي ينفع الإيمان.(15:23)

أبو حيّان :[نحو القرطبيّ و قال:]

و تلخّص أنّ المتحسّر:الملائكة أو اللّه تعالى أو المؤمنون أو الرّسل الثّلاثة أو ذلك الرّجل أقوال.

(7:333)

الكاشانيّ: (يا حسرة على العباد)تعالي فهذا أوانك.و عن السّجّاد عليه السّلام(يا حسرة العباد)،على الإضافة إليهم لاختصاصها بهم،من حيث إنّها موجّهة إليهم.(4:252)

ص: 28

البروسويّ: نداء للحسرة عليهم.و الحسرة-و هي أشدّ الغمّ و النّدامة على الشّيء الفائت-لا تدعى و لا يطلب إقبالها،لأنّها ممّا لا تجيب،و الفائدة في ندائها مجرّد تنبيه المخاطب و إيقاظه،ليتمكّن في ذهنه أنّ هذه الحالة تقتضي الحسرة و توجب التّلهّف.فإنّ العرب تقول:يا حسرة يا عجبا للمبالغة في الدّلالة على أنّ هذا زمان الحسرة و التّعجّب،و النّداء عندهم يكون لمجرّد التّنبيه.

و قد جوّز أن يكون تحسّرا عليهم من جهة اللّه بطريق الاستعارة،لتعظيم ما جنوه على أنفسهم،شبّه استعظام اللّه لجنايتهم على أنفسهم بتحسّر الإنسان على غيره،لأجل ما فاته من الدّولة العظمى،من حيث إنّ ذلك التّحسّر يستلزم استعظام ما أصاب ذلك الغير، و الإنكار على ارتكابه و الوقوع فيه.

و يؤيّده قراءة (يا حسرتا) لأنّ المعنى:يا حسرتي، و نصبها لطولها بما تعلّق بها من الجارّ،أي لكونها مشابهة بالمنادى المضاف في طولها بالجارّ المتعلّق.[إلى أن قال:]

و في تفسير«العيون»قوله: يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ بيان حال استهزائهم بالرّسل،أي يقال يوم القيامة:يا حسرة و ندامة على الكفّار،حيث لم يؤمنوا برسلهم.(7:389)

الآلوسيّ: الحسرة على ما قال الراغب:الغمّ على ما فات و النّدم عليه،كأنّ المتحسّر انحسر عنه قواه من فرط ذلك أو أدركه إعياء عن تدارك ما فرط منه.و في «البحر»هي أن يركب الإنسان من شدّة النّدم ما لا نهاية بعده حتّى يبقى حسيرا.و الظّاهر أنّ(يا)للنّداء و(حسرة)هو المنادى،و نداؤها مجاز بتنزيلها منزلة العقلاء،كأنّه قيل:يا حسرة احضري فهذه الحال من الأحوال الّتي من حقّها أن تحضري فيها،و هي ما دلّ عليها قوله تعالى: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ يس:30،و المراد ب(العباد):مكذّبو الرّسل،و يدخل فيهم المهلكون المتقدّمون دخولا أوّليّا.

و قيل:هم المراد و ليس بذاك،و بالحسرة المناداة:

حسرتهم،و المستهزءون بالنّاصحين المخلصين المنوط بنصحهم خير الدّارين،أحقّاء بأن يتحسّروا على أنفسهم؛حيث فوّتوا عليها السّعادة الأبديّة و عوّضوها العذاب المقيم.و يؤيّد هذا قراءة ابن عبّاس،و أبيّ، و عليّ بن الحسين،و الضّحّاك،و مجاهد،و الحسن(يا حسرة العباد)بالإضافة،و كون المراد حسرة غيرهم عليهم،و الإضافة لأدنى ملابسة خلاف الظّاهر.و أخرج ابن جرير،و غيره عن قتادة أنّه قال في بعض القراءات:

(يا حسرة العباد على انفسها ما ياتيهم)إلخ.

و جوّز أن تكون حسرة الملائكة عليهم السّلام و المؤمنين من الثّقلين،و عن الضّحّاك:تخصيصها بحسرة الملائكة عليهم السّلام،و زعم أنّ المراد ب(العباد):الرّسل الثّلاثة.و أبو العالية فسّر(العباد)بهذا أيضا،لكنّه حمل «الحسرة»على حسرة الكفّار المهلكين،قال:تحسّروا حين رأوا عذاب اللّه تعالى و تلهّفوا على ما فاتهم.

و قيل:المراد ب(العباد):المهلكون،و المتحسّر:

الرّجل الّذي جاء من أقصى المدينة تحسّر لمّا وثب القوم لقتله.و قيل:المراد ب(العباد):أولئك،و المتحسّر الرّسل حين قتلوا ذلك الرّجل و حلّ بهم العذاب،و لم يؤمنوا.

ص: 29

و لا يخفى حال هذه الأقوال،و كان مراد من قال:

المتحسّر:الرّجل،و من قال:المتحسّر:الرّسل؛عنى أنّ القول المذكور قول الرّجل أو قول الرّسل،و في كلام أبي حيّان ما هو ظاهر في ذلك،و مع هذا لا ينبغي أن يعوّل على شيء ممّا ذكر.

و جوّز أن يكون التّحسّر منه سبحانه و تعالى،مجازا عن استعظام ما جنوه على أنفسهم،و أيّد بأنّه قرئ (يا حسرتا على العباد) فإنّ الأصل عليها يا حسرتي، فقلبت الياء ألفا،و نحوها قراءة ابن عبّاس كما قال ابن خالويه (يا حسرة على العباد) بغير تنوين،فإنّ الأصل أيضا يا حسرتي،فقلبت الياء الفا ثمّ حذفت الألف و اكتفي عنها بالفتحة.

و قرأ أبو الزّناد،و ابن هرمز،و ابن جندب (يا حسره على العباد) بالهاء السّاكنة،قال في«المنتقى»:

وقف(على حسره)وقفا طويلا تعظيما للأمر،ثمّ قيل:

(على العباد).

و في«اللّوامح»:وقفوا على الهاء مبالغة في التّحسّر، لما في الهاء من التّأهّه كالتّأوّه،ثمّ وصلوه على تلك الحال.

و قال الطّيّبيّ: إنّ العرب إذا أخبرت عن الشّيء غير معتدّ به أسرعت فيه،و لم تأت على اللّفظ المعبّر عنه، نحو قلت لها:قفي قالت لنا:قاف أي وقفت،فاقتصرت من جملة الكلمة على حرف منها تهاونا بالحال،و تثاقلا عن الإجابة.

و لا يخفى أنّ هذا لا يناسب المقام،و ينبغي على هذه القراءة أن لا يكون (على العباد) متعلّقا ب (حسرة) أو صفة له؛إذ لا يحسن الوقف حينئذ بل يجعل متعلّقا بمضمر يدلّ عليه(حسرة)نحو يتحسّر أو أتحسّر على العباد، و تقدير(انظروا)ليس بذاك،أو خبر مبتدإ محذوف لبيان المتحسّر عليه،أي الحسرة على العباد.

و تخريج قراءة (يا حسرتا) بالألف على هذا الطّرز:

بأن يقال:قدّر الوقف على المنصوب المنوّن فإنّه يوقف عليه بالألف ك كانَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً الأحزاب:27،و ضرب زيد عمرا-ليس بشيء،و لو سلّم أنّه شيء لا ينافي التّأييد.

و قيل:(يا)للنّداء و المنادى محذوف،و(حسرة) مفعول مطلق لفعل مضمر،و(على العباد)متعلّق بذلك الفعل،أي يا هؤلاء تحسّروا حسرة على العباد.

و لعلّ الأوفق للمقام المتبادر إلى الأفهام أنّ المراد:

نداء حسرة كلّ من يتأتّى منه التّحسّر،ففيه من المبالغة ما فيه.(23:3)

عبد الكريم الخطيب :يمكن أن يكون هذا نداء من الحقّ سبحانه و تعالى للحسرة،لتقع على الكافرين المكذّبين برسل اللّه،و أن تشتمل عليهم،ليذوقوا عذاب النّدم،إلى جانب العذاب الجهنّميّ،نعوذ باللّه منهما،و هذا ما يشير إليه سبحانه في قوله تعالى: لِيَجْعَلَ اللّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ آل عمران:156.

و يمكن أن يكون ذلك نداء تعجّبيّا من الوجود كلّه، لهذه الحسرة الّتي تقع على النّاس،استفظاعا لها، و اشفاقا منها أن تمتدّ ظلالها الكئيبة إلى كلّ موجود.(12:927)

الطّباطبائيّ: أي يا ندامة العباد.و نداء الحسرة عليهم أبلغ من إثباتها لهم،و سبب الحسرة ما يتضمّنه

ص: 30

قوله: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إلخ.و من هذا السّياق يستفاد أنّ المراد ب(العباد):عامّة النّاس و تتأكّد الحسرة بكونهم عبادا،فإنّ ردّ العبد دعوة مولاه و تمرّده عنه أشنع من ردّ غيره نصيحة النّاصح.

و بذلك يظهر سخافة قول من قال:إنّ المراد ب(العباد):الرّسل أو الملائكة أو هما جميعا.و كذا قول من قال:إنّ المراد ب(العباد):النّاس،لكنّ المتحسّر هو الرّجل.

و ظهر أيضا أنّ قوله: يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ إلخ من قول اللّه تعالى،لا من تمام قول الرّجل.(17:80)

مكارم الشّيرازيّ: الآية الأخيرة تتعرّض إلى طريقة جميع متمرّدي التّاريخ،إزاء الدّعوات الإلهيّة لأنبياء اللّه،بلهجة جميلة تأسر القلوب،فتقول: يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ. [إلى أن قال:]

و من الواضح أنّ هذه الجملة هي قول اللّه تعالى،لأنّ جميع هذه الآيات هو توضيح منه تعالى،غير أنّ من الطّبيعيّ أن لا يكون معنى«الحسرة»هنا بمعناها المتعارف-و هو الغمّ على ما فات-منطبقا على اللّه سبحانه و تعالى،كما أنّ الغضب و أمثاله أيضا لا يكون بمفهومه المتعارف إلى اللّه سبحانه،بل إنّ المقصود هو أنّ حال تلك الفئة التّعيسة سيّئ إلى حدّ أنّ كلّ إنسان يطّلع عليه يتأسّف و يتحسّر متسائلا:لما ذا غرقوا في تلك الدّوّامة (1)مع توفّر كلّ وسائل النّجاة؟

التّعبير ب«عباد»إشارة إلى أنّ العجب أن يكون هؤلاء العباد غارقين بنعم اللّه سبحانه و تعالى،ثمّ يرتكبون مثل تلك الجنايات.(14:151)

فضل اللّه:إنّه نداء الرّبّ الّذي يشفق على عبيده و يريد أن يرحمهم في مواضع طاعته،و لكنّهم لا يقبلون رحمته،فيتمرّدون عليه و على رسله من دون وعي و لا عقل.(19:144)

حسرتى

أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ وَ إِنْ كُنْتُ لَمِنَ السّاخِرِينَ. الزّمر:56

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:الحسرة:أن يرى أهل النّار منازلهم من الجنّة فهي الحسرة.(الثّعالبيّ 3:85)

ابن عبّاس: يا ندامتا.(390)

نحوه السّدّيّ(419)،و القرطبيّ(15:272).

الفرّاء: يا ويلتا،مضاف إلى المتكلّم،يحوّل العرب الياء إلى الألف في كلّ كلام كان معناه الاستغاثة،يخرج على لفظ الدّعاء.و ربّما قيل:يا حسرت،كما قالوا:يا لهف على فلان،و يا لهفا عليه.

فخفض كما يخفض المنادى إذا أضافه المتكلّم إلى نفسه.

و ربّما أدخلت العرب الهاء بعد الألف الّتي في «حسرتا»فيخفضونها مرّة،و يرفعونها.

و الخفض أكثر في كلام العرب،إلاّ في قولهم:يا هناه و يا هنتاه،فالرّفع في هذا أكثر من الخفض،لأنّه كثر في الكلام،فكأنّه حرف واحد مدعوّ.[و استشهد بالشّعر مرّتين].(2:421)

نحوه الطّبريّ.(24:18)

ص: 31


1- دوارة الماء:(گرداب).

الزّجّاج:أي يا ندما،و حرف النّداء يدلّ على تمكّن القصّة من صاحبها،إذا قال القائل:يا حسرتاه و يا ويلاه،فتأويله الحسرة و الويل قد حلاّ به،و أنّهما لا زمان له غير مفارقين،و يجوز:يا حسرتي.

و زعم الفرّاء أنّه يجوز:يا حسرتاه على كذا و كذا بفتح الهاء،و يا حسرتاه،بالكسر و الضّمّ.و النّحويّون أجمعون لا يجيزون أن تثبت هذه الهاء في الوصل.[ثمّ استشهد بشعر].(4:358)

الثّعلبيّ: يا حَسْرَتى يا ندامتا و حزني، و التّحسّر:الاغتمام على ما فات،سمّي بذلك لانحساره عن صاحبه بما يمنع عليه استدراكه و تلافي الأمر فيه.

و الألف في قوله:(يا حسرتى)هي بالكناية للمتكلّم، و إنّما أريد:يا حسرتي على الإضافة،و لكنّ العرب تحوّل الياء الّتي هي كناية اسم المتكلّم في الاستغاثة ألفا، فتقول:يا ويلتا و يا ندامتا،فيخرجون ذلك على لفظ الدّعاء،و ربّما ألحقوا بها الهاء.[ثمّ استشهد بشعر].

و ربّما ألحقوا بها الياء بعد الألف ليدلّ على الإضافة، و كذلك قرأ أبو جعفر (يا حسرتايى) .(8:246)

نحوه البغويّ.(4:97)

الطّوسيّ: قرأ أبو جعفر من طريق ابن العلاّف (يا حسرتاي) بياء ساكنة بعد الألف،و فتح الياء النّهروانيّ عن أبي جعفر،الباقون بلا ياء.[إلى أن قال:]

الألف في قوله: يا حَسْرَتى منقلبة عن ياء الإضافة،و يفعل ذلك في الاستفهام و الاستغاثة بمدّ الصّوت.و التّحسّر:الاغتمام على ما فات وقته، لانحساره عنه بما لا يمكنه استدراكه،و مثله التّأسّف.(9:39)

الميبديّ: تقول العرب:يا حسرة يا لهفا،يا حسرتي يا لهفي،يا حسرتاي يا لهفاي تقول هذه الكلمة في نداء الاستغاثة.و الحسرة:أن تأسف النّفس أسفا تبقى منه حسيرا،أي منقطعا.و قيل: يا حَسْرَتى يعني يا أيّتها الحسرة هذا أوانك.(8:433)

نحوه البروسويّ.(8:129)

ابن عطيّة: قرأ جمهور النّاس: (يا حَسْرَتى) ، و الأصل:(يا حسرتي)،و من العرب من يردّ ياء الإضافة ألفا،فيقول:يا غلاما و يا جارا.و قرأ أبو جعفر ابن القعقاع: (يا حسرتاي) بفتح الياء،و رويت عنه بسكون الياء،قال أبو الفتح:جمع بين العوض و المعوّض منه.

و روي ابن جمّاز عن أبي جعفر(يا حسرتي)بكسر التّاء و سكون الياء.قال سيبويه:و معنى نداء الحسرة و الويل،أي هذا وقتك و زمانك فاحضري.(4:538)

نحوه أبو السّعود.(5:400)

ابن الجوزيّ: يا ندامتا و يا حزنا.و التّحسّر:

الاغتمام على ما فات،و الألف في(يا حسرتا)هي ياء المتكلّم،و المعنى:يا حسرتي،على الإضافة.(7:192)

الآلوسيّ: (يا حسرتى)بالألف بدل ياء الإضافة، و المعنى-كما قال سيبويه-يا حسرتى احضري فهذا وقتك.

و قرأ ابن كثير في الوقف (يا حسرتاه) بهاء السّكت، و قرأ أبو جعفر (يا حسرتى) بياء الإضافة،و عنه (يا حسرتاي) بالألف و الياء التّحتيّة مفتوحة أو ساكنة،

ص: 32

جمعا بين العوض و المعوّض كذا قيل.

و لا يخفى أنّ مثل هذا غير جائز اللّهمّ إلاّ شاذّا استعمالا و قياسا،فالأوجه أن يكون ثنّى الحسرة مبالغة على نحو لبّيك و سعديك و أقام بين ظهريهم و ظهرانيهم، على لغة بلحرث بن كعب من إبقاء المثنّى على الألف في الأحوال كلّها،و اختار ذلك صاحب«الكشف».و جوّز أبو الفضل الرّازيّ أيضا في كتابه«اللّوامح»أن تكون التّثنية على ظاهرها على تلك اللّغة،و المراد حسرة فوت الجنّة و حسرة دخول النّار،و اعتبار التّكثير أولى لكثرة حسراتهم يوم القيامة.(24:17)

مكارم الشّيرازيّ: يا حَسْرَتى في الأصل هي:يا حسرتي،حسرة أضيفت إليها ياء المتكلّم و التّحسّر معناه الحزن ممّا فات وقته،لانحساره ممّا لا يمكن استدراكه.[ثمّ ذكر قول الرّاغب و قال:]

نعم،فعند ما يرد الإنسان إلى ساحة المحشر و يرى بأمّ عينيه نتائج إفراطه و إسرافه و مخالفته،و اتّخاذه الأمور الجدّيّة هزوا و لعبا،يصرخ فجأة«وا حسرتاه» إذ يمتلئ قلبه في تلك اللّحظات بغمّ كبير مصحوب بندم عميق،و هذه الحالة النّفسيّة يصفها لسان حاله بعبارات، كالعبارات الّتي وردت في الآيات المذكورة.

(15:120)

حسرتنا

...حَتّى إِذا جاءَتْهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها... الأنعام:31

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:يرى أهل النّار منازلهم من الجنّة، فيقولون:(يا حسرتنا).(الطّبريّ 7:179)

ابن عبّاس: يا حزناه،يا ندامتاه.(108)

نحوه السّدّيّ(241)،و الطّبريّ(7:178)، و الثّعلبيّ(4:143).

ابن كيسان :يعني بأعمالهم،عبادتهم الأوثان رجاء أن تقرّبهم إلى اللّه تعالى،فلمّا عذّبوا على ما كانوا يرجون ثوابه،تحسّروا و ندموا.(الواحديّ 1:252)

الزّجّاج: إن قال قائل:ما معنى دعاء الحسرة، و هي لا تعقل و لا تجيب؟

فالجواب عن ذلك:أنّ العرب إذا اجتهدت في الإخبار عن عظيم تقع فيه جعلته نداء،فلفظه لفظ ما ينبّه و المنبّه غيره،مثل قوله عزّ و جلّ: يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ الزّمر:56،و قوله: يا وَيْلَتى أَ أَلِدُ وَ أَنَا عَجُوزٌ هود:72،و قوله: يا وَيْلَنا مَنْ بَعَثَنا مِنْ مَرْقَدِنا يس:52،فهذا أبلغ من أن تقول:أنا حسر على العباد،و أبلغ من أن تقول:الحسرة علينا في تفريطنا.

قال سيبويه:«إنّك إذا قلت:يا عجباه،فكأنّك قلت:

احضر و تعال يا عجب فإنّه من أزمانك،و تأويل يا حَسْرَتَنا انتبهوا على أنّنا قد خسرنا».و هذا مثله في الكلام في أنّك أدخلت عليه«يا»للتّنبيه،و أنت تريد النّاس قولك:لا أرينّك هاهنا،فلفظك لفظ النّاهي نفسه، و لكنّه لمّا علم أنّ الإنسان لا يحتاج أن يلفظ بنهي نفسه دخل المخاطب في النّهي،فصار المعنى:لا تكوننّ هاهنا، فإنّك إذا كنت رأيتك،و كذلك(يا حسرتنا)قد علم أنّ الحسرة لا تدعى،فوقع التّنبيه للمخاطبين.(2:241)

ص: 33

نحوه النّحّاس.(2:415)

الطّوسيّ: قد علم أنّ الحسرة لا تدعى و إنّما دعاؤها تنبيه للمخاطبين.

و الحسرة:شدّة النّدم حتّى يحسر النّادم كما يحسر الّذي تقوم به دابّته في السّفر البعيد.[ثمّ نقل كلام الزّجّاج و سيبويه إلى أن قال:]

و تأويل(يا حسرتنا):انتبهوا على أنّا قد خسرنا.(4:122)

البغويّ: ندامتنا،ذكر على وجه النّداء للمبالغة.(2:120)

ابن عطيّة: و نداء الحسرة على تعظيم الأمر و تشنيعه.قال سيبويه:و كأنّ الّذي ينادي الحسرة أو العجب أو السّرور أو الويل يقول:اقربي أو احضري فهذا وقتك و زمنك،و في ذلك تعظيم للأمر على نفس المتكلّم و على سامعه إن كان ثمّ سامع،و هذا التّعظيم على النّفس و السّامع هو المقصود أيضا بنداء الجمادات، كقولك يا دار و يا ربع،و في نداء ما لا يعقل،كقولهم:يا جمل،و نحو هذا.(2:283)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ ثمّ قال:]

و قيل:إنّها بمنزلة الاستغاثة،فكأنّه قيل:يا حسرتنا تعالي فهذا أوانك،كما يقال:يا للعجب.(2:292)

ابن الجوزيّ: الحسرة:التّلهّف على الشّيء الفائت،و أهل التّفسير يقولون:يا ندامتنا.

فإن قيل:ما معنى دعاء الحسرة و هي لا تعقل؟

فالجواب:أنّ العرب إذا اجتهدت في المبالغة في الإخبار عن عظيم ما تقع فيه،جعلته نداء،فتدخل عليه «يا»للتّنبيه،و المراد تنبيه النّاس،لا تنبيه المنادى.

و مثله قولهم:لا أرينّك هاهنا،لفظه لفظ النّاهي لنفسه، و المعنى للمنهيّ،و من هذا قولهم:يا خيل اللّه اركبي، يراد:يا فرسان خيل اللّه.(3:25)

العكبريّ: نداء الحسرة و الويل على المجاز، و التّقدير:يا حسرة احضري،فهذا أوانك.و المعنى تنبيه أنفسهم لتذكّر أسباب الحسرة.(1:490)

القرطبيّ: وقع النّداء على الحسرة و ليست بمنادى في الحقيقة،و لكنّه يدلّ على كثرة التّحسّر،و مثله يا للعجب و يا للرّخاء،و ليسا بمنادين في الحقيقة،و لكنّه يدلّ على كثرة التّعجّب و الرّخاء.[إلى أن قال:]

و قيل:هو تنبيه للنّاس على عظيم ما يحلّ بهم من الحسرة،أي يا أيّها النّاس تنبّهوا على عظيم ما بي من الحسرة،فوقع النّداء على غير المنادى حقيقة،كقولك:

لا أرينّك هاهنا،فيقع النّهي على غير المنهيّ في الحقيقة.

(6:412)

البيضاويّ: أي تعالي فهذا أوانك.(1:307)

مثله الكاشانيّ(2:115)،و المشهديّ(3:264)، و نحوه شبّر(2:251).

الشّربينيّ: أي يا ندامتنا.و الحسرة:التّلهّف على الشّيء الفائت،و شدّة التّألّم،و نداؤها مجاز،أي هذا أوانك فاحضري.(1:417)

أبو السّعود :تعالي فهذا أوانك،و الحسرة:شدّة النّدم،و هذا التّحسّر و إن كان يعتريهم عند الموت لكن لمّا كان ذلك من مبادي السّاعة سمّي باسمها،و لذلك قال عليه السّلام:«من مات فقد قامت قيامته»أو جعل مجيء

ص: 34

السّاعة بعد الموت كالواقع بغير فترة لسرعته.

(2:372)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود ثمّ ذكر كلام العكبريّ و أضاف:]

لأنّ الحسرة نفسها لا تطلب و لا يتأتّى إقبالها و إنّما المعنى على المبالغة في ذلك،حتّى كأنّهم ذهلوا فنادوها، و مثل ذلك نداء الويل و نحوه،و لا يخفى حسنه.

(7:132)

مكارم الشّيرازيّ: التّحسّر هو التأسّف على شيء،غير أنّ العرب عند تأثّرهم الشّديد يخاطبون «الحسرة»فيقولون:«يا حسرتنا»،فكأنّهم يجسّدونها أمامهم و يخاطبونها.(4:241)

الحسرة

وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ وَ هُمْ لا يُؤْمِنُونَ. مريم:39

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:يؤتى يوم القيامة بناس إلى الجنّة، حتّى إذا دنوا منها و استنشقوا ريحها و نظروا إلى قصورها، نودوا:أن اصرفوهم عنها،لا نصيب لهم فيها، فيرجعون بحسرة ما رجع الأوّلون بمثلها،فيقولون:يا ربّنا لو أدخلتنا النّار قبل أن ترينا ما أريتنا كان أهون علينا،قال:ذلك أردت بكم،كنتم إذا خلوتم بارزتموني بالعظائم،و إذا لقيتم النّاس لقيتموهم مخبتين،تراءون النّاس بخلاف ما تعطوني من قلوبكم،هبتم النّاس و لم تهابوني،و أجللتم النّاس و لم تجلّوني،تركتم للنّاس و لم تتركوا لي،فاليوم أذيقكم العذاب مع ما حرّمتكم من الثّواب.(ابن الجوزيّ 5:234)

ابن مسعود:ما من نفس إلاّ و هي تنظر إلى بيت في الجنّة،و بيت في النّار،و هو يوم الحسرة،فيرى أهل النّار البيت الّذي كان قد أعدّه اللّه لهم لو آمنوا،فيقال لهم:لو آمنتم و عملتم صالحا كان لكم هذا الّذي ترونه في الجنّة، فتأخذهم الحسرة،و يرى أهل الجنّة البيت الّذي في النّار،فيقال:لو لا أن منّ اللّه عليكم.

(الطّبريّ 16:87)

ابن عبّاس: (الحسرة):النّدامة.(256)

يصوّر اللّه الموت في صورة كبش أملح،فيذبح، فييأس أهل النّار من الموت،فلا يرجونه،فتأخذهم الحسرة من أجل الخلود في النّار.

[و في خبر]من أسماء يوم القيامة،عظّمه اللّه و حذّر عباده.(الطّبريّ 16:88)

ابن زيد : يَوْمَ الْحَسْرَةِ: يوم القيامة.

(الطّبريّ 16:88)

مثله الزّجّاج.(3:330)

الطّبريّ: و أنذر يا محمّد هؤلاء المشركين باللّه يوم حسرتهم و ندمهم،على ما فرّطوا في جنب اللّه،و أورثت مساكنهم من أهل الجنّة أهل الإيمان باللّه و الطّاعة له، و أدخلوهم مساكن أهل الايمان باللّه من النّار،و أيقن الفريقان بالخلود الدّائم،و الحياة الّتي لا موت بعدها،فيا لها حسرة و ندامة.(الطّبريّ 16:87)

نحوه الطّوسيّ(7:127)،و المراغيّ(16:52).

الواحديّ: خوّف يا محمّد كفّار مكّة يوم يتحسّر المسيء هلاّ أحسن العمل،و المحسن هلاّ ازداد من

ص: 35

الإحسان.و قال أكثر المفسّرين:يعني الحسرة حين يذبح الموت بين الفريقين،فلو مات أحد فرحا لمات أهل الجنّة،و لو مات أحد حزنا لمات أهل النّار.[ثمّ نقل رواية أبي سعيد الخدريّ و قد تقدّم نحوه عن ابن عبّاس]

(3:184)

نحوه الشّربينيّ(2:427)،و أبو السّعود(4:241)، و البروسويّ(5:335).

ابن عطيّة: [نقل بعض الأقوال المتقدّمة في يَوْمَ الْحَسْرَةِ ثمّ قال:]

و يحتمل أن يكون يَوْمَ الْحَسْرَةِ اسم جنس،لأنّ هذه حسرات كثيرة في مواطن عدّة،و منها يوم الموت، و منها وقت أخذ الكتاب بالشّمال،و غير ذلك.(4:17)

الطّبرسيّ: [نحو الواحديّ،ثمّ قال:]

و قيل:إنّما يتحسّر المستحقّ للعقاب،فأمّا المؤمن فلا يتحسّر.(3:515)

الفخر الرّازيّ: و أمّا يَوْمَ الْحَسْرَةِ فلا شبهة في أنّه يوم القيامة،من حيث يكثر التّحسّر من أهل النّار.

و قيل:يتحسّر أيضا في الجنّة؛إذ لم يكن من السابقين الواصلين إلى الدّرجات العالية.و الأوّل هو الصّحيح، لأنّ الحسرة غمّ،و ذلك لا يليق بأهل الثّواب.

(21:221)

نحوه النّيسابوريّ.(16:57)

الآلوسيّ: يوم يتحسّر الظّالمون على ما فرّطوا في جنب اللّه تعالى.و قيل:النّاس قاطبة،و تحسّر المحسنين على قلّة إحسانهم.[إلى أن ذكر رواية أبي سعيد و بعض الأقوال المتقدّمة ثمّ أضاف:]

و أنت تعلم أنّ ظاهر الحديث السّابق و كذا غيره كما لا يخفى على المتتبّع قاض بأنّ يَوْمَ الْحَسْرَةِ يوم يذبح بالموت و ينادى بالخلود.و لعلّ التّخصيص لما أنّ (الحسرة)يومئذ أعظم الحسرات،لأنّه هناك تنقطع الآمال و ينسدّ باب الخلاص من الأهوال.(16:93)

مغنيّة: يَوْمَ الْحَسْرَةِ هو يوم القيامة،و سمّي بذلك لأنّ النّفس المجرمة تقول غدا: ...يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ وَ إِنْ كُنْتُ لَمِنَ السّاخِرِينَ الزّمر:

56.(5:182)

نحوه فضل اللّه.(15:45)

مكارم الشّيرازيّ: يَوْمَ الْحَسْرَةِ حيث يتحسّر المؤمنون المحسنون على قلّة عملهم،و يا ليتهم كانوا قد عملوا أكثر،و كذلك يتحسّر المسيئون،لأنّ الحجب تزول،و تتّضح حقائق الأعمال و نتائجها للجميع.(9:401)

حسرات

1- ...كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنَ النّارِ. البقرة:167

ابن عبّاس: ندامات.(23)

السّدّيّ: ترفع لهم الجنّة،فينظرون إليها و إلى بيوتهم فيها،لو أنّهم أطاعوا اللّه فيقال لهم:تلك مساكنكم لو أطعتم اللّه،ثمّ تقسّم بين المؤمنين فيورثونهم،فذلك حين يندمون.(137)

الرّبيع:فصارت أعمالهم الخبيثة حسرة عليهم يوم القيامة.(الطّبريّ 2:75)

ص: 36

الإمام الصّادق عليه السّلام:هو الرّجل يدع المال لا ينفقه في طاعة اللّه بخلا،ثمّ يموت فيدعه لمن يعمل به في طاعة اللّه،أو في معصيته،فإن عمل به في طاعة اللّه رآه في ميزان غيره،فزاده حسرة و قد كان المال له،و إن عمل به في معصية اللّه قوّاه بذلك المال حتّى عمل به في معاصي اللّه.(العيّاشيّ 1:174)

ابن زيد :أو ليس أعمالهم الخبيثة الّتي أدخلهم اللّه بها النّار حسرات عليهم؟و جعل أعمال أهل الجنّة لهم.(الطّبريّ 2:75)

ابن قتيبة :يريد أنّهم عملوا في الدّنيا أعمالا لغير اللّه،فضاعت و بطلت.(68)

الطّبريّ: كذلك يري اللّه الكافرين أعمالهم الخبيثة حسرات عليهم،لم عملوا بها،و هلاّ عملوا بغيرها؟ فندموا على ما فرط منهم من أعمالهم الرّديئة إذا رأوا جزاءها من اللّه و عقابها،لأنّ اللّه أخبر أنّه يريهم أعمالهم ندما عليهم.

فالّذي هو أولى بتأويل الآية ما دلّ عليه الظّاهر، دون ما احتمله الباطن الّذي لا دلالة له على أنّه المعنيّ بها،و الّذي قال السّدّيّ في ذلك،و إن كان مذهبا تحتمله الآية،فإنّه منزع بعيد،و لا أثر بأنّ ذلك-كما ذكر-تقوم له حجّة فيسلّم لها،و لا دلالة في ظاهر الآية أنّه المراد بها،فإذا كان الأمر كذلك لم يحل ظاهر التّنزيل إلى باطن التّأويل.(2:75)

نحوه البغويّ.(1:197)

الزّجّاج: أي كتبرّي بعضهم من بعض يريهم اللّه أعمالهم حسرات عليهم،لأنّ ما عمله الكافر غير نافعة مع كفره،قال اللّه عزّ و جلّ: اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ محمّد:1،و قال: فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ الكهف:105.(1:240)

الطّوسيّ: الحسرات:جمع الحسرة و هي أشدّ من النّدامة.[إلى أن قال:]

و في الآية دلالة على أنّه كان فيهم قدرة على البراءة منهم،لأنّهم لو لم يكونوا قادرين لم يجز أن يتحسّروا على ما فات،كما لا يتحسّر الإنسان لم لم يصعد إلى السّماء و لا من كونه في الارض.(2:69)

الواحديّ: في الآخرة.[ثمّ ذكر قول الرّبيع و قال:]

لأنّهم إذا رأوا حسن مجازاة اللّه المؤمنين بأعمالهم الحسنة تحسّروا على أن لم تكن أعمالهم حسنة فيستحقّوا بها من ثواب اللّه،مثل الّذي استحقّه المؤمنون.

(1:252)

الزّمخشريّ: أي ندامات،و(حسرات)ثالث مفاعيل«أرى»و معناه:أنّ أعمالهم تنقلب حسرات عليهم فلا يرون إلاّ حسرات مكان أعمالهم.(1:327)

ابن عطيّة: حَسَراتٍ حال على أن تكون الرّؤية بصريّة،و مفعول على أن تكون قلبيّة، و الحسرة أعلى درجات النّدامة و الهمّ بما فات،و هي مشتقّة من الشّيء الحسير الّذي قد انقطع و ذهبت قوّته كالبعير و البصر.

و قيل:هي من«حسر»إذا كشف،و منه قول النّبي صلّى اللّه عليه و سلّم:«يحسر الفرات عن جبل من ذهب».

(1:236)

الفخر الرّازيّ: (حسرات)ثالث مفاعيل«رأى».

ص: 37

(4:239)

البيضاويّ: ندامات،و هي ثالث مفاعيل«يري» إن كان من رؤية القلب،و إلاّ فحال.(1:95)

نحوه الشّربينيّ(1:111)،و المشهديّ(1:397).

أبو السّعود :أي ندامات شديدة،فإنّ الحسرة شدّة النّدم و الكمد،و هي تألّم القلب و انحساره عمّا يؤلمه، و اشتقاقه من قولهم:بعير حسير،أي منقطع القوّة،و هي ثالث مفاعيل«يري»إن كان من رؤية القلب،و إلاّ فهي حال.و المعنى:إنّ أعمالهم تنقلب حسرات عليهم،فلا يرون إلاّ حسرات مكان أعمالهم.(1:228)

الكاشانيّ: و ذلك إنّهم عملوا في الدّنيا لغير اللّه،أو على غير الوجه الّذي أمر اللّه،فيرونها لا ثواب لها و يرون أعمال غيرهم الّتي كانت للّه قد عظّم اللّه ثواب أهلها.(1:191)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود إلاّ أنّه قال:]

أصل الحسر:الكشف،و من فات عنه ما يهواه و انكشف قلبه عنه،يلزمه النّدم و التّأسّف على فواته، فلذلك عبّر عن الحسرة الّتي هي انكشاف القلب عمّا يهواه بلازمه الّذي هو النّدم.[إلى أن قال:]

و(عليهم)يتعلّق إمّا ب(حسرات)و المضاف محذوف،أي على تفريطهم.أو بمحذوف منصوب على أنّه صفة ل(حسرات)أي حسرات مستولية عليهم، فإنّ ما عملوه من الخيرات محبوطة بالكفر فيتحسّرون لم ضيّعوها،و يتحسّرون على ما فعلوه من المعاصي لم عملوها.(1:271)

الآلوسيّ: أي ندمات،و هي مفعول ثالث ل(يري)إن كانت الرّؤية قلبيّة،و حال من(اعمالهم) إن كانت بصريّة،و معنى رؤية هؤلاء المشركين أعمالهم السّيّئة يوم القيامة حسرات،رؤيتها مسطورة في كتاب لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصاها الكهف:49، و تيقّن الجزاء عليها،فعند ذلك يندمون على ما فرطوا في جنب اللّه تعالى،و(عليهم)صفة(حسرات)و جوّز تعلّقه بها على حذف المضاف أي تفريطهم،لأنّ«حسر» يتعدّى ب«على»و استدلّ بالآية من ذهب إلى أنّ الكفّار مخاطبون بالفروع.(2:36)

المراغيّ: و المراد من إراءتهم ذلك أنّه يظهر لهم أنّ أعمالهم قد كان لها أسوء الآثار في نفوسهم،حتّى جعلتها مستعبدة لغير اللّه،فيورثهم ذلك حسرة و شقاء.

فالأعمال هي الّتي كوّنت هذه الحسرات في النّفوس، و لكن ذلك لا يظهر إلاّ في الدّار الآخرة الّتي تسعد فيها النّفوس أو تشقى.(2:41)

2- ...فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ. فاطر:8

ابن عبّاس: ندامات على هلاكهم إن لم يؤمنوا.(365)

الحسن :أي لا يحزنك ذلك[سوء عمله]عليهم، فإنّ اللّه يضلّ من يشاء و يهدي من يشاء.

مثله قتادة.(الطّبريّ 22:118)

ابن زيد :الحسرات:الحزن.(الطّبريّ 22:118)

الطّبريّ: فلا تهلك نفسك حزنا على ضلالتهم و كفرهم باللّه،و تكذيبهم لك.(22:118)

ص: 38

الزّمخشريّ: (حسرات)مفعول له،يعني فلا تهلك نفسك للحسرات،و(عليهم)صلة(تذهب)كما تقول:هلك عليه حبّا و مات عليه حزنا،أو هو بيان للمتحسّر عليه.و لا يجوز أن يتعلّق ب(حسرات)لأنّ المصدر لا يتقدّم عليه صلته.و يجوز أن يكون حالا،كأنّ كلّها صارت حسرات لفرط التّحسّر.[ثمّ استشهد بشعر](3:301)

نحوه أبو السّعود.(5:273)

الفخر الرّازيّ: سلّى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حيث حزن من إصرارهم بعد إتيانه بكلّ آية ظاهرة و حجّة باهرة، فقال: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ، كما قال تعالى: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ. الكهف:6.

(26:6)

البيضاويّ: معناه فلا تهلك نفسك عليهم للحسرات على غيّهم،و إصرارهم على التّكذيب.

و الفاءات الثّلاث للسّببيّة،غير أنّ الأوليين دخلتا على السّبب،و الثّالثة دخلت على المسبّب.و جمع الحسرات للدّلالة على تضاعف اغتمامه على أحوالهم،أو كثرة مساوئ أفعالهم المقتضية للتّأسّف،و(عليهم)ليس صلة لها،لأنّ صلة المصدر لا تتقدّمه بل صلة(تذهب)أو بيان للمتحسّر عليه.(2:268)

مثله المشهديّ(8:322)،و نحوه الكاشانيّ(4:

232)،و شبّر(5:198).

الشّربينيّ: أي لأجل حسراتك المترادفة لأجل إعراضهم،جمع حسرة و هي شدّة الحزن على ما فات من الأمر.(3:314)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و البيضاويّ و أضاف:]

و المعنى:إذا عرفت أنّ الكلّ بمشيئة اللّه فلا تهلك نفسك للحسرات على غيّهم و إصرارهم،و الغموم على تكذيبهم و إنكارهم.(7:321)

الآلوسيّ: الحسرات:جمع حسرة،و هي الغمّ على ما فاته و النّدم عليه؛كأنّه انحسر عنه ما حمله على ما ارتكبه،أو انحسر قواه من فرط غمّ،أو أدركه إعياء عن تدارك ما فرط منه.

و انتصبت على أنّها مفعول من أجله،أي فلا تهلك نفسك للحسرات،و الجمع-مع أنّ الحسرة في الأصل مصدر صادق على القليل و الكثير-للدّلالة على تضاعف اغتمامه عليه الصّلاة و السّلام على أحوالهم،أو على كثرة قبائح أعمالهم الموجبة للتّأسّف و التّحسّر.

و(عليهم)صلة(تذهب)كما يقال:هلك عليه حبّا و مات عليه حزنا،أو هو بيان للمتحسّر عليه،فيكون ظرفا مستقرّا،و متعلّقه مقدّر كأنّه قيل:على من تذهب؟ فقيل:عليهم.

و جوّز أن يتعلّق ب(حسرات)بناء على أنّه يغتفر تقديم معمول المصدر عليه إذا كان ظرفا،و هو الّذي أختاره.و الزّمخشريّ لا يجوّز ذلك،و جوّز أن يكون (حسرات)حالا من(نفسك)،كأنّ كلّها صارت حسرات لفرط التّحسّر.(22:170)

الطّباطبائيّ: الحسرات:جمع حسرة،و هي الغمّ لما فات و النّدم عليه،و هي منصوبة لأنّه مفعول لأجله، و المراد بذهاب النّفس عليهم:هلاكها فيهم لأجل

ص: 39

الحسرات النّاشئة من عدم إيمانهم.(17:19)

مكارم الشّيرازيّ: و هذا التّعبير يشابه ما ورد في الآية:3،من سورة الشّعراء: لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ. التّعبير ب(حسرات)الّذي هو مفعول لأجله لما قبله في الجملة،إشارة إلى أنّه ليس عندك عليهم حسرة واحدة بل حسرات:حسرة على تضييع نعمة الهداية،حسرة على تضييع جوهر الإنسانيّة، حسرة على تضييع حاسّة التّشخيص إلى حدّ رؤية القبيح جميلا،و أخيرا حسرة على الوقوع في نار الغضب و القهر الإلهيّ.

و لكن لما ذا فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ!! لأجل إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِما يَصْنَعُونَ واضح من نبرة الآية شدّة تحرّق الرّسول صلّى اللّه عليه و آله على الضّالّين و المنحرفين، و كذلك هي حال القائد الإلهيّ المخلص يتألّم لعدم تقبّل النّاس الحقّ و تسليمهم للباطل،و ضربهم بكلّ أسباب السّعادة عرض الجدار،إلى حدّ كأنّ روحه تريد أن تفارق بدنه.(14:28)

يستحسرون

وَ لَهُ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ مَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ لا يَسْتَحْسِرُونَ. الأنبياء:19

ابن عبّاس: لا يعيون من عبادة اللّه.(270)

نحوه قتادة(الطّبريّ 17:12)،و السّدّيّ(350)، و مقاتل(الواحديّ 3:233)،و الزّجّاج(3:387)، و البغويّ(3:285)،و النّسفيّ(3:75)،و الكاشانيّ (3:333)،و شبّر(4:190).

لا يرجعون.(الطّبريّ 17:12)

لا يستنكفون.(القرطبيّ 11:277)

مثله الكلبيّ.(الماورديّ 3:441)

مجاهد :لا يحسرون.(الطّبريّ 17:12)

السّدّيّ: لا ينقطعون عن العبادة.

(الواحديّ 3:233)

ابن زيد :لا يملّون ذلك الاستحسار،و لا يفترون، و لا يسأمون.(الطّبريّ 17:12)

أبو زيد :لا يكلّون.(القرطبيّ 11:278)

ابن الأعرابيّ: لا يفشلون.(القرطبيّ 11:278)

الطّبريّ: و لا يعيون من طول خدمتهم.(17:11)

القمّيّ: أي لا يضعفون.(2:68)

السّجستانيّ: (يستحسرون)أي يعيون «يستفعلون»من الحسير،و هو الكالّ المعيي.

نحوه ابن جزيّ الكلبيّ(3:24)،و عبد الكريم الخطيب(5:858).

الماورديّ: فيه أربعة تأويلات:[نقل قول ابن زيد و قتادة و الكلبي ثمّ قال:]

الرّابع:لا ينقطعون،مأخوذ من الحسير و هو البعير المنقطع بالإعياء.[ثمّ استشهد بشعر].(3:441)

نحوه الطّبرسيّ(4:42)،و القرطبيّ(11:277).

الطّوسيّ: [نقل قول قتادة و ابن زيد ثمّ قال:]

و قيل:معناه يسهل عليهم التّسبيح،كسهولة فتح الطّرف و النّفس-في قول كعب-و الاستحسار:الانقطاع من الإعياء،مأخوذ من قولهم:حسر عن ذراعه،إذا كشف عنه.(7:237)

ص: 40

الزّمخشريّ: إن قلت:الاستحسار مبالغة في الحسور،فكان الأبلغ في وصفهم أن ينفى عنهم أدنى الحسور.

قلت:في الاستحسار بيان أنّ ما هم فيه يوجب غاية الحسور و أقصاه،و أنّهم أحقّاء لتلك العبادات الباهظة بأن يستحسروا فيما يفعلون،أي تسبيحهم متّصل دائم في جميع أوقاتهم،لا يتخلّله فترة بفراغ أو شغل آخر.(2:566)

نحوه الرّازيّ.(227)

البيضاويّ: و لا يعيون منها،و إنّما جيء بالاستحسار الّذي هو أبلغ من الحسور،تنبيها على أنّ عبادتهم بثقلها و دوامها حقيقة بأن يستحسر منها و لا يستحسرون.(2:69)

مثله المشهديّ(6:364)،نحوه الشّربينيّ(2:500).

البروسويّ: لا يكلّون و لا يعيون،يقال:حسر و استحسر،إذا تعب و أعيا،يعني أنّ«استفعل»بمعنى «فعل»نحو قرّ و استقرّ.[ثمّ ذكر كلام الرّاغب](5:462)

أبو السّعود :و لا يكلّون و لا يعيون،و صيغة «الاستفعال»المنبئة عن المبالغة في الحسور،للتّنبيه على أنّ عباداتهم بثقلها و دوامها حقيقة بأن يستحسر منها و مع ذلك لا يستحسرون،لا لإفادة نفي المبالغة في الحسور مع ثبوت أصله في الجملة،كما أنّ نفي الظّلاّميّة في قوله تعالى: وَ ما أَنَا بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ ق:29،لإفادة كثرة الظّلم المفروض تعلّقه بالعبيد،لا لإفادة نفي المبالغة في الظّلم،مع ثبوت أصل الظّلم في الجملة.(4:329)

الآلوسيّ: أي لا يكلّون و لا يتعبون.يقال:حسر البعير و استحسر كلّ و تعب،و حسرته أنا،فهو متعدّ و لازم.و يقال أيضا:أحسرته بالهمز.

و الظّاهر أنّ الاستحسار حيث لا طلب كما هنا أبلغ من الحسور،فإنّ زيادة المبنى تدلّ على زيادة المعنى، و المراد من الاتّحاد بينهما الدّالّ عليه كلامهم الاتّحاد في أصل المعنى.(17:21)

المراغيّ: أي و الملائكة الّذين شرفت منزلتهم عند ربّهم لا يستعظمون عن عبادته و لا يكلّون و لا يتعبون.(17:17)

الطّباطبائيّ: المراد بقوله: وَ مَنْ عِنْدَهُ المخصوصون بموهبة القرب و الحضور،و ربّما انطبق على الملائكة المقرّبين،و قوله: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ بمنزلة التّفسير لقوله: وَ لا يَسْتَحْسِرُونَ أي لا يأخذهم عيّ و كلال بل يسبّحون اللّيل و النّهار من غير فتور،و التّسبيح باللّيل و النّهار كناية عن دوام التّسبيح من غير انقطاع.[إلى أن قال:]

فكأنّ قوله: وَ مَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ لا يَسْتَحْسِرُونَ إلخ إشارة إلى أنّ ملكه تعالى-و قد أشار قبل إلى أنّه مقتض للعبادة و الحساب و الجزاء-على خلاف الملك الدّائر في المجتمع الإنسانيّ،فلا يطمئنّ طامع أن يعفى عنه العمل أو الحساب و الجزاء.

و يمكن أن يكون الجملة في مقام التّرقّي،و المعنى له من في السّماوات و الأرض،فعليهم أن يعبدوا، و سيحاسبون من غير استثناء،حتّى أنّ من عنده من مقرّبي عباده و كرام ملائكته لا يستكبرون عن عبادته و لا يستحسرون بل يسبّحونه تسبيحا دائما غير منقطع.

ص: 41

(14:265)

فضل اللّه :أي لا يعتريهم إعياء و لا كلال مهما امتدّ بهم الزّمن،أو كبر حجم العبادة،أو كثر عددها،لأنّ وعيه الوجدانيّ و الرّوحيّ لعلاقتهم باللّه يجدّد نشاطهم، و يقوّي روحانيّاتهم،و يبعث فيهم روح التّجدّد.

(15:205)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: الحسرة على ثلاثة أوجه:

أحدها:العذاب،كقوله: كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ البقرة:167.

و الثّاني:الحزن،كقوله: لِيَجْعَلَ اللّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ آل عمران:156،و قوله: قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا الأنعام:31.

و الثّالث:النّدامة،كقوله: يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ يس:30،و قوله: أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى الزّمر:

56.(204)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحسر،أي الكشف.

يقال:حسر الشّيء عن الشّيء يحسره و يحسره حسرا و حسورا فانحسر،أي كشطه و كشفه،و حسر عن ذراعيه:كشف عنهما،و حسرت كمّي عن ذراعي أحسره و أحسره حسرا:كشفته،و حسرت الرّيح السّحاب حسرا:كشفته.

و الحاسر:خلاف الدّارع،و الّذي لا بيضة على رأسه؛و الجمع:حسّر.و الحسّر:الرّجّالة في الحرب، لأنّه لا دروع عليهم و لا بيض.و رجل حاسر:لا عمامة على رأسه،و امرأة حاسر أيضا:حسرت عنها درعها، و كلّ مكشوفة الرّأس و الذّراعين؛و الجمع:حسّر و حواسر.

و حسر البحر عن الشّاطئ و السّاحل يحسر و يحسر:نضب عنه حتّى بدا ما تحت الماء من الأرض.

و حسّرت الطّير تحسيرا:سقط ريشها،و تحسّر الوبر عن البعير،و الشّعر عن الحمار:سقط.

و المحسرة:المكنسة.يقال:حسرت البيت،أي كنسته بالمحسرة،لأنّها تكشف القمامة عن أرضه.

و محاسر الفلاة:متونها الّتي تنحسر عن النّبات.

يقال:فلاة عارية المحاسر،أي ليس فيها كنّ من شجر.

و تحسّر لحم البعير،أن يكون له سمنة حتّى كثر شحمه و امتلأ سنامه،فإذا ركب أيّاما،فذهب رهل لحمه و اشتدّ بعد ما اكتنز منه في مواضعه،فقد تحسّر،و منه:

تحسّرت النّاقة و الجارية:صار لحمها في مواضعه.

و الحسار:ضرب من النّبات يسلح الإبل،كأنّه يكشف عمّا في بطونها و ما تناولت.

2-و من المجاز:الحسر و الحسر و الحسور:الإعياء و التّعب،يقال:حسرت الدّابّة و النّاقة حسرا و استحسرت،أي أعيت و كلّت،لانكشاف قواها،أو لأنّ الإتعاب يتحسّر باللّحم،أي يذهب به.و حسر السّير الدّابّة يحسرها و يحسرها حسرا و حسورا، و أحسرها و حسّرها أيضا:أتعبها،فهي حاسر

ص: 42

و حاسرة و حسير؛و الجمع:حسرى.

و حسر العين:بعد ما حدّقت إليه أو خفاؤه؛يقال:

حسرت العين:كلّت،و حسرها يحسرها:أكلّها، و حسر بصره يحسر حسورا:كلّ و انقطع نظره من طول مدى و ما أشبه ذلك،فهو حسير و محسور.

و الحسرة:شدّة النّدم و الغمّ على ما فات،يقال:

حسر يحسر حسرا و حسرة و حسرانا،أي اشتدّت ندامته على أمر فاته،فهو حسير و حسران،و حسّرت غيري تحسيرا:أوقعته في الحسرة،و التّحسّر:التّلهّف، و ذلك لانكشاف أمره في جزعه و قلّة صبره،فكأنّه انحسرت قواه من فرط غمّ.

و حسروه يحسرونه حسرا و حسرا:سألوه فأعطاهم حتّى لم يبق عنده شيء.

و فلان كريم المحسر:كريم المخبر،أي إذا كشفت عن أخلاقه،وجدت ثمّ كريما.

3-و قولهم:فحل حاسر و فادر و جافر،إذا ألقح شوله فعدل عنها و تركها،من«ج س ر»،يقال منه:

جسر الفحل و فدر و جفر،إذا ترك الضّراب.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت فعلا مضارعا من الاستفعال مرّة،و مصدرا مفردا و جمعا 9 مرّات،و فعيلا و مفعولا كلّ منهما مرّة في 12 آية:

1- وَ مَنْ عِنْدَهُ لا يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِهِ وَ لا يَسْتَحْسِرُونَ الأنبياء:19

2- لَوْ كانُوا عِنْدَنا ما ماتُوا وَ ما قُتِلُوا لِيَجْعَلَ اللّهُ ذلِكَ حَسْرَةً فِي قُلُوبِهِمْ آل عمران:156

3- فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ الأنفال:36

4- وَ إِنّا لَنَعْلَمُ أَنَّ مِنْكُمْ مُكَذِّبِينَ* وَ إِنَّهُ لَحَسْرَةٌ عَلَى الْكافِرِينَ الحاقّة:49،50

5- وَ أَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْحَسْرَةِ إِذْ قُضِيَ الْأَمْرُ

مريم:39

6- أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ الزّمر:56

7- حَتّى إِذا جاءَتْهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً قالُوا يا حَسْرَتَنا عَلى ما فَرَّطْنا فِيها الأنعام:31

8- يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ يس:30

9- فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ فاطر:8

10- كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ البقرة:167

11- ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنْقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خاسِئاً وَ هُوَ حَسِيرٌ الملك:4

12- وَ لا تَبْسُطْها كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَحْسُوراً الإسراء:29

يلاحظ أوّلا:أنّه جاء فعل واحد من هذه المادّة (يستحسرون)في(1)من باب«الاستفعال»و قد نفي ب«لا»عطفا على(لا يستكبرون)،و هو في محلّ رفع؛ و فيه بحوث:

1-يفيد هذا اللّفظ معنى الكلال و الضّعف وفقا للسّياق و اللّغة،فالسّياق يشير إلى عبادة الملائكة

ص: 43

المقرّبين،و إن لم يتقدّم لهم ذكر،فهم-كما أخبر اللّه-لا يأنفون من عبادته و لا يكلّون عنها.و اللّغة تصرّح بهذا المعنى أيضا،و هو معنى مجازيّ،كما تقدّم في الأصول اللّغويّة.

2-بين(يستكبرون)و(يستحسرون)مناغمة و جرس،فهما مزدوجان و متناظران،و لو لا هذا الازدواج و التّناظر،لاختلّت نغمة اللّفظين و تغيّر جرسهما،فإن استعمل لفظ«يكابرون»أو«يتكبّرون» بدل(يستكبرون)-و هي ألفاظ بمعنى واحد-انعدم التّناسق بين اللّفظين.كما أنّه ليس في مادّة«ح س ر» -كما مرّ-«فاعل»و«تفعّل»بمعنى استحسر،أي كلّ و ضعف،و هذا يكشف عن سرّ تناسب ألفاظ القرآن لفظا و معنى!

3-و قال أبو السّعود:«صيغة«الاستفعال»المنبئة عن المبالغة في الحسور للتّنبيه على أنّ عباداتهم بثقلها و دوامها حقيقة بأن يستحسر منها،و مع ذلك لا يستحسرون،لا لإفادة نفي المبالغة في الحسور مع ثبوت أصله في الجملة».

و قال الآلوسيّ: «الظّاهر أنّ الاستحسار-حيث لا طلب كما هنا-أبلغ من الحسور،فإنّ زيادة المبنى تدلّ على زيادة المعنى،و المراد من الاتّحاد بينهما-الدّالّ عليه كلامهم-الاتّحاد في أصل المعنى».

و قال الطّباطبائيّ: «قوله: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ لا يَفْتُرُونَ الأنبياء:20،بمنزلة التّفسير لقوله: وَ لا يَسْتَحْسِرُونَ أي لا يأخذهم عيّ و كلال،بل يسبّحون اللّيل و النّهار من غير فتور».

ثانيا:و جاء منها(حسرة)سبع مرّات:نكرة منصوبة(5)مرّات؛مفعولا ل(يجعل)في(2)،و خبرا ل(تكون)في(3)،و منادى ب«يا»أداة النّداء،و التّحسّر في(6-8)،و مرّة مرفوعة،خبر«انّه»في(4)،و مرّة معرفة مجرورة بالإضافة في(5).و فيها بحوث:

أ-جعل ظنّ الكافرين حسرة في قلوبهم(2):

1-تعدّي لفظ الحسرة المجرّد من(أل)التّعريف ب(على)مفردا و جمعا في جميع الآيات،إلاّ في هذه الآية، فقد جاء متعدّيا ب(في)،فما السّرّ في ذلك؟

في(في)هنا وجهان:الأوّل:ظرف،كقوله: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ الفتح:4، و الثّاني:متعلّق بمحذوف نعت ل(حسرة)،و التّقدير:

ليجعل اللّه ذلك حسرة كائنة أو مكنونة في قلوبهم.

و الوجه الأوّل أقرب،لأنّ عدم التّقدير أولى من التّقدير -كما قيل-و الحسرة و الحزن و النّدامة و أمثالها مركزها القلب.

2-و تكمن أسباب الحسرة في قلوب الكافرين في الأمور التّالية،كما ذكرها المفسّرون:

الخيبة فيما أمّلوا من الموافقة لهم من المؤمنين،و ما فاتهم من عزّ الظّفر و الغنيمة،و اعتقادهم الخاطئ أنّ من مات منهم ما كان له أن يموت لو قعد في بيته،و نهي اللّه عن معتقدهم و الأمر بخلافها،و انتهاء المؤمنين بنهي اللّه و الائتمار بأمره،و غير ذلك.

3-و قال الطّباطبائيّ: «أي ليعذّبهم بها،فهو من قبيل وضع المغيّا موضع الغاية»،و هو وجه وجيه،غير أنّ الآية لم تذكر الغاية،و ظاهرها يدلّ على حسرتهم في

ص: 44

الدّنيا.

ب-إنفاق الكافرين أموالهم حسرة عليهم(3):

1-تقدّم المعمول(عليهم)على عامله(حسرة) مفردا دون سائر الآيات،و هذا يفيد إثبات الحسرة للكافرين و حصره و قصرهم عليهم،و نفيه عمّن عداهم،و هذا ما يعرف بالقضيّة المسوّرة عند المناطقة.

و تقديم ما حقّه التّأخير في جميع مواضع القرآن ينبئ عن أمر خطير،كما في هذه الآية،لأنّها من سورة الأنفال الّتي نزلت بعد غزوة بدر،فهي تنبئ عمّا سيكون،و هو ما وقع في غزوة أحد،فكانت أموال الكفّار الّتي أنفقوها للصّدّ عن سبيل اللّه عليهم حسرة.و يخبر قوله في نفس الآية: ثُمَّ يُغْلَبُونَ باندحارهم المذهل في فتح مكّة، و هنا سكبوا العبرات،و تجاذبوا الحسرات.

2-و ذكر المفسّرون أسباب كون أموالهم عليهم حسرة،فقال الطّبريّ: «لأنّ أموالهم تذهب و لا يظفرون بما يأملون و يطمعون فيه من إطفاء نور اللّه».

و احتمل الماورديّ لذلك وجهين:«أحدهما:يكون إنفاقها عليهم حسرة و أسفا عليها.و الثّاني:تكون خيبتهم فيما أمّلوه من الظّفر عليهم حسرة تحذّرهم بعدها».

و قال الزّمخشريّ: «تكون عاقبة إنفاقها ندما و حسرة،فكأنّ ذاتها تصير ندما و تنقلب حسرة».

و قال الطّبرسيّ: «لا ينتفعون بذلك الإنفاق لا في الدّنيا و لا في الآخرة،بل يكون وبالا عليهم».

ج-التّحسّر على التّفريط في جنب اللّه و في السّاعة (6 و 7).

1-خاطب اللّه عباده المسرفين على أنفسهم في آيات ثلاث قبل(6)، قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ... وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ الزّمر:53-55، و أمرهم بالانقياد له،و حذّرهم من إتيانهم العذاب بغتة، و حينئذ يقول الإنسان:يا ندامتا على ما فرّطت في جنب اللّه.و أكّد في(7)خسران المكذّبين بلقائه،و بيّن أنّهم يقولون حينما تأتي السّاعة بغتة:يا ندامتنا على ما فرّطنا في الدّنيا.

و سياق الآيتين تخويف لمشركي مكّة بحلول يوم الجزاء بغتة،لأنّهم كانوا سادرين في غيّهم،ماضين في عمايتهم.و ليس لمن ركب رأسه أنكى من تخويفه بعقاب مباغت،و تقريعه بتفريط في حقّ اللّه أو حقّ نفس، فجعل لأعماله غاية و مغيّا.

2-نوديت الحسرة في هاتين الآيتين نداء تنبيه على المجاز،و التّقدير كما قالوا:يا حسرة احضري فهذا أوانك،فالتّنبيه للمخاطبين،و هم أهل مكّة كما ذكرنا.

3-الألف في(يا حسرتى)دعاء في الاستغاثة،و هي منقلبة عن ياء المتكلّم،أي يا حسرتي،على الإضافة، و بها قرئ.و قرئ أيضا (يا حسرتاي) بسكون الياء و فتحها،و(يا حسرتاه)بهاء السّكت.

4-و نداء الحسرة فيهما من المسرفين،و في(8)من اللّه تعالى على العباد كما يأتي.

د-الحسرة على العباد(8):

1-المتحسّر عليه هنا العباد الكافرون بقرينة (يستهزءون)،لأنّ العباد المؤمنين لا يستهزءون بالرّسل، و في الإطلاق:(العباد)هنا نكات،ستأتي في«ع ب د»إن

ص: 45

شاء اللّه.كما اختصّت الحسرة و الحسرات بالكافرين في جميع المواضع،سواء كانت الحسرة من اللّه عليهم أم من الرّسول أم من أنفسهم؟

2-و قرّر النّحاة أنّ(يا)حرف نداء،و(حسرة) منادى منكّر للتّكثير،للمبالغة في الدّلالة على أنّ هذا زمان الحسرة و التّعجّب،فليس فيه متحسّر،بل هو نداء مجازيّ يراد به تنبيه المخاطب،كما تقدّم في(6 و 7).

3-و ذهب كثير من المفسّرين إلى أنّه نداء حقيقيّ، و المتحسّر هو اللّه،أو الملائكة،أو الرّسل الثّلاثة،أو الّذي جاء من أقصى المدينة،أو المؤمنون،أو الكافرون.

و المتحسّر عليه الرّسل عامّة،أو الرّسل الثّلاثة خاصّة، أو النّفس.

4-و قرئ بقراءتين أخريين: (يا حسرة العباد) ، من غير كلمة(على)،على الإضافة إليهم لاختصاصها بهم؛من حيث إنّها موجّهة إليهم.و المراد بالمتحسّر عليه في هذه القراءة العباد مكذّبو الرّسل،و المتحسّر هو غيرهم.

و (يا حسره على العباد) بهاء ساكنة،إجراء للوصل مجرى الوقف،كأنّه تأوّه.

ثالثا:و جاء منها (حسرات) :جمع حسرة،مرّتين منكّرتين منصوبتين؛حالا أو مفعولا لأجله في(9)، و مفعولا ثالثا ل(يريهم)أو حالا في(10).و فيهما بحوث:

1-ذهب المفسّرون قاطبة-عدا قليل منهم-إلى أنّ (حسرات)في(9)مفعول لأجله،أي فلا تذهب نفسك عليهم للحسرات و الغمّ،و هو الأصحّ.و جوّز الزّمخشريّ أن يكون حالا،و قال:«كأنّ كلّها صارت حسرات لفرط التّحسّر»،و كذا ينبئ ظاهر كلام ابن عبّاس و الطّبريّ.

2-يفيد تقدّم المعمول(عليهم)على عامله (حسرات)ما أفاده في الآية(3)من عَلَيْهِمْ حَسْرَةً، و منع الزّمخشريّ أن يتقدّم المتعلّق على المتعلّق به إذا كان مصدرا،و تمحّل لذلك،فجعل(عليهم)تارة صلة (تذهب)،و مثّل بقولهم:هلك عليه حبّا،و مات عليه حزنا،و جعله بيانا للمتحسّر عليه تارة أخرى.

و لكن لم يرد في السّماع:ذهب عليه،كما في هلك عليه و مات عليه،إلاّ أن يضمّن الذّهاب هنا معنى الهلاك و الموت،و هذا يحتاج إلى تكلّف و تقدير،و عدم التّقدير أولى من التّقدير،و هو ما ذكرناه،لأنّه يجوز تقديم معمول المصدر عليه إذا كان ظرفا،و هو الأقرب و الأصحّ.

3-عدّ الزّمخشريّ و الفخر الرّازيّ و غيرهما (حسرات)في(10)مفعولا ثالثا ل(يريهم)،و كذا قال ابن عطيّة و البيضاويّ و أبو السّعود و الآلوسيّ و غيرهم، إلاّ أنّهم اشترطوا على أن تكون الرّؤية قلبيّة،و إذا كانت الرّؤية بصريّة فهو حال؛و هو وجه حسن.

رابعا:و جاء منها(حسير)مرّة واحدة في(11)، و هو في محلّ نصب حال من(البصر)،أو من الضّمير في (خاسئا).و فيه بحث:

عدّه بعض«فعيلا»بمعنى«فاعل»،و بعض«فعيلا» بمعنى«مفعول»،فيدلّ قول الزّجّاج:«قد أعيا من قبل أن يرى في السّماء خللا»على أنّه فاعل،و يدلّ قول ابن عبّاس:«عيّ كليل منقطع»على أنّه مفعول،من قولهم:

ص: 46

حسر بصره يحسر حسورا،أي كلّ و انقطع نظره من طول مدى،و ما أشبه ذلك،فهو حسير و محسور أيضا.

خامسا:و جاء منها(محسور)مرّة واحدة في(12)، حالا منصوبة.و فيه بحث:

الخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و المراد به غيره،لأنّه ما كان يملك ما يدّخره،و إن ملك أنفقه على مستحقّيه في يومه.

و نحوه قوله قبله: لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً الإسراء:22،و هو عليه السّلام ما جعل مع اللّه شريكا منذ أن عرفه و وحّده.و لذا كان واقفا كالطّود الشّامخ بين أصحابه ممدوحا عزيزا،و قائما كالقمر بين النّجوم نزيها بهيجا.

سادسا:ثلاث منها مدنيّة،و الحسرة في اثنتين منها:

(2 و 3)راجعة إلى الدّنيا و في واحدة(10)إلى الآخرة.

و تسعة منها مكّيّة،و الحسرة في أربعة منها:(4-8) راجعة إلى الآخرة و في خمسة(1 و 8 و 9 و 11 و 12)إلى الدّنيا،فالحسرة في الدّنيا أكثر منها في الآخرة بنسبة 7/5 فلاحظ.

ص: 47

ص: 48

ح س س

اشارة

6 ألفاظ،6 مرّات:4 مكّيّة،2 مدنيّتان

في 4 سور:3 مكّيّة،1 مدنيّة

تحسّونهم 1:-1 أحسّوا 1:1

حسيسها 1:1 تحسّ 1:1

أحسّ 1:-1 فتحسّسوا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحسّ:القتل الذّريع.

و الحسّ:إضرار البرد الأشياء.تقول:أصابتهم حاسّة من البرد،و بات فلان بحسّة سوء،أي بحال سيّئة و شدّة.

و الحسّ:نفضك التّراب عن الدّابّة بالمحسّة و هي الفرجون.يقال:«ما سمعت له حسّا و لا جرسا»فالحسّ:

من الحركة،و الجرس:من الصّوت.

و الحسّ:داء يأخذ النّفساء في رحمها.

و أحسست من فلان أمرا،أي رأيت.

و على الرّؤية يفسّر قوله عزّ و جلّ: فَلَمّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ آل عمران:52،أي رأى.

و يقال:محسّة المرأة:دبرها.

و يقال:ضرب فلان فما قال:حسّ و لا بسّ،و منهم من لا ينوّن و يجرّ،فيقول:حسّ،و منهم من يكسر الحاء.

و العرب تقول عند لذعة نار أو وجع:حسّ حسّ.

و الحسّ:مسّ الحمّى أوّل ما تبدو.

و الحسّ:الحسيس تسمعه يمرّ بك و لا تراه.[ثمّ استشهد بشعر]

و تحسّست خبرا،أي سألت و طلبت.(3:15)

سيبويه :هذا باب ما شذّ من المضاعف،فشبّه بباب أقمت،و ليس بمتلئبّ.

و ذلك قولهم:أحست،يريدون:أحسست، و أحسن يريدون:أحسسن.و كذلك تفعل به في كلّ بناء تبني اللاّم من الفعل فيه على السّكون و لا تصل إليها

ص: 49

الحركة،شبّهوها ب«أقمت»لأنّهم أسكنوا الأولى،فلم تكن لتثبت و الآخرة ساكنة.فإذا قلت:لم أحسّ،لم تحذف،لأنّ اللاّم في موضع قد تدخله الحركة،و لم يبن على سكون لا تناله الحركة،فهم لا يكرهون تحريكها.

أ لا ترى أنّ الّذين يقولون:لا تردّ،يقولون:رددت كراهية للتّحريك في«فعلت»،فلمّا صار في موضع قد يحرّكون فيه اللاّم من رددت،أثبتوا الأولى،لأنّه قد صار بمنزلة تحريك الإعراب إذا أدرك،نحو:يقول، و يبيع.(4:421)

الكسائيّ: يقال:جئ به من حسّك و بسّك،أي ائت به على كلّ حال،من حيث شئت.

(الجوهريّ 3:909)

أبو عمرو الشّيبانيّ: ضربته،فما قال:حسّ و لا بسّ.(1:153)

الحساس،إذا طلب الإنسان الشّيء فلم يقدر عليه، قال:لا حساس منه.(1:189)

يقال:جاء به من حسّه و بسّه،أي من جهده.

و لأطلبنّه من حسّي و بسّي،أي من جهدي.[ثمّ استشهد بشعر](الجوهريّ 3:909)

الفرّاء: حسست له،أي رققت له و رحمته.

(الأزهريّ 3:406)

الإحساس:الوجود.تقول في الكلام:هل أحسست منهم من أحد؟

تقول:من أين حسيت هذا الخبر،يريدون:من أين تخبّرته.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد تقول العرب:ما أحست منهم أحدا،فيحذفون السّين الأولى.[ثمّ استشهد بآية طه:97،و الواقعة:65]

(الأزهريّ 3:408)

أبو زيد :الحساس:الشّؤم،و هو من قولهم:

حسّهم،إذا استأصلهم.(175)

حسست له،و ذلك أن يكون بينهما رحم فيرقّ له.(الأزهريّ 3:406)

جاءنا بالمال من حسّه و بسّه،و من حسّه و عسّه، و من حسّه و بسّه،أي من حيث شاء.

نحوه أبو عبيدة.(الأزهريّ 3:410)

جعلت اللّحم على الجمر قلت:

حسحسته.(الأزهريّ 3:410)

الأصمعيّ: الحسّ بكسر الحاء:الرّقّة.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 3:406)

أوّل ما يجد الإنسان مسّ الحمّى قبل أن تأخذه و تظهر،فذلك الرّسّ.و يقال:وجد حسّا من الحمّى.

و يقال:جيء به من حسّك و بسّك.أي من حيث كان و لم يكن.

و يقال:ضربه فما قال:حسّ يا هذا،و هذه كلمة كانت تكره في الجاهليّة.و حسّ مثل أوّه.

و الحسّ:برد يحرق الكلأ.يقال:أصابتهم حاسّة، و يقال:إنّ البرد محسّة للنّبت.(الأزهريّ 3:407)

و يقال لسمك صغار تكون بالبحرين:الحساس، و هو سمك يجفّف.

و يقال:انحسّت أسنانه،إذا تكسّرت و تحاتّت.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 3:409)

هو[حسحست اللّحم]أن تقشر عنه الرّماد بعد ما

ص: 50

يخرج من الجمر.(الأزهريّ 3:410)

اللّحيانيّ: مرّت بالقوم حواسّ،أي سنون شداد.

و أرض محسوسة:أصابها الجراد أو البرد.

و يقال:لآخذنّ منك الشّيء بحسّ،أو ببسّ،أي بمشادة،أو رفق.

و يقال:اقتصّ من فلان فما تحسحس،أي ما تحرّك و ما تضوّر.(الأزهريّ 3:410)

تحسّس فلانا و من فلان،أي تبحّث.

ما أحسّ منهم أحدا،أي ما رأى.

(ابن سيده 2:495)

و أصابت الأرض حاسّة،أي برد.

و المحسوس:المشئوم.(ابن سيده 2:497)

أبو عبيد: في حديث زيد بن صوحان حين ارتثّ يوم الجمل،فقال:«ادفنوني في ثيابي و لا تحسّوا عنّي ترابا».

قوله:لا تحسّوا،أي لا تنفضوه،و من هذا قيل:

حسست الدّابّة أحسّها،إنّما هو نفضك عنها التّراب.

و الحسّ في غير هذا:القتل.

و منه الحديث:«...أنّه أتى بجراد محسوس فأكله» يعني الّذي قد مسّته النّار،أي قتلته.و أمّا الحسّ فهو بالألف،يقال منه:ما أحسست فلانا إحساسا.(2:391)

تحسّست الخبر و تحسّيته.(الأزهريّ 3:409)

ابن الأعرابيّ: تحسّ،أي تحرق،و تفني من الحاسّة،و هي الآفة الّتي تصيب الزّرع و الكلأ فتحرقه.

نحوه أبو الهيثم.(الأزهريّ 3:406)

الحاسوس:المشئوم من الرّجال.

(الأزهريّ 3:407)

تنحّست الخبر،و تحسّسته بمعنى واحد.

و يقال:أحسست الخبر و أحسته،و حسيت و حست،إذا عرفت منه طرفا.

و تقول:ما أحسست بالخبر و ما أحست و ما حسيت و ما حسته،أي لم أعرف منه شيئا.

الحساس:الشّؤم.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 3:409)

ألزق الحسّ بالأسّ.الحسّ:الشّرّ،و الأسّ:أصله.

الحسّ:الحيلة.و الحساس مثل الجذاذ من الشّيء.

و كسار الحجارة الصّغار:حساس.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 3:409)

و حسّهم يحسّهم:وطئهم و أهانهم.

(ابن سيده 2:492)

ابن السّكّيت: الحسّ:مصدر حسست القوم أحسّهم حسّا،إذا قتلتهم،و حسست الدّابّة أحسّها حسّا.

و الحسّ:من أحسست بالشّيء.و الحسّ أيضا:

وجع يأخذ النّفساء بعد الولادة.(إصلاح المنطق:26)

الدّينوريّ: الحاسّة:الرّيح تحثي التّراب في الغدر فتملئوها،فييبس الثّرى.(ابن سيده 2:497)

ابن أبي اليمان :و الحسيس:الصّوت...

و الحسيس،و الدّسيس و الرّسيس:رسيس الحمّى، و هوسها.(469)

المبرّد: حست و حسست،و ودت و وددت، و همت و هممت،و قوله عزّ و جلّ: لا يَسْمَعُونَ

ص: 51

حَسِيسَها الأنبياء:102،أي لا يسمعون حسّها و حركة تلهّبها.و الحسيس و الحسّ:الحركة.

(الأزهريّ 3:408)

الزّجّاج: معنى أحسّ في اللّغة:علم و وجد،و يقال:

هل أحست؟في معنى هل أحسست؟و يقال:حسيت بالشّيء،إذا علمته و عرفته.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:حسّهم القائد،أي قتلهم.(1:416)

و حسّ الولد في بطن أمّه و أحسّ،إذا يبس.(فعلت و أفعلت:11)

و حسّ الرّجل القوم،إذا قتلهم،و حسّ الدّابّة بالمحسّة،و أحسّ بالشّيء،إذا علم به.

(فعلت و أفعلت:12)

جئ به من حسّك و بسّك أي من حيث كان و لم يكن و تأويله:جئ به من حيث تدركه حاسّة من حواسّك أو يدركه تصرّف من تصرّفك.(الأزهريّ 3:407)

ابن دريد :حسّ يحسّ حسّا،و أحسّ أيضا،من قولهم:حسست بالشّيء و أحسسته و أحسست به.

و المصدر:الحسّ،و الحسيس.و قد قالوا:حسيت بالشّيء،في هذا المعنى؛و الاسم:الحسّ.

«ما سمعت له حسّا و لا جرسا»إذا أفردوا قالوا:ما سمعت له جرسا.فإذا قالوا:ما سمعت له حسّا و لا جرسا.

بكسر الجيم،على الاتباع.

و الحسّ:وجع يصيب المرأة بعد ولادتها.

و الحسّ:القتل المستأصل الكثير.يقال:أحسست به و أحست به و حسيت به.

و فلان يحسّ لفلان حسّا-إذا عطفته عليه الرّحم- و منه قولهم:«إنّ العامريّ ليحسّ للسّعديّ»لما بينهما من الرّحم.

و حسست النّاقة حسّا.

و حسّ البرد النّبت حسّا،إذا أحرقه.و البرد محسّة للنّبت،بفتح الميم.و محسّة الدّابّة،بكسرها.

و حسّ،بكسر السّين:كلمة تقال عند الألم.

و الحساس:سمك جافّ صغار،لغة عبديّة.

و الحسّ:مسّ الحمّى أوّل ما تبدو.

و انحسّت أسنانه،إذا تساقطت.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات].(1:59)

إنّما ألصقوا الحسّ بالأسّ،أي ألصقوا الشّرّ بأصول من عاديتم.(ابن سيده 2:497)

الزّجّاجيّ: و الحساس:الشّؤم،و يقال أيضا:

الحساس:القتل.(187)

القاليّ: ما له حسّ و لا بسّ،أي ما له حركة.

فالحسّ:ما يحسّ به.(1:91)

و الحسّ و الحسيس:الصّوت.

و الحسّ:وجع يأخذ المرأة بعد الولادة.

و الحسّ:برد يحرق الكلأ.و يقال:أصابتنا حاسّة، و يقال:البرد محسّة للنّبت،أي يحرقه.

و يقال:ضربه فما قال:حسّ مكسور،و هي كلمة تقال عند الجزع.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:اشتر لي محسّة للدّابّة.(1:178)

الأزهريّ: قال أبو زيد:حسست له؛و ذلك أن يكون بينهما رحم فيرقّ له.و قال أبو مالك:هو أن يشتكي له و يتوجّع.أطّت منّي له حاسّة رحم.

ص: 52

و يقال:إنّي لأجد حسّا من وجع.[ثمّ استشهد بشعر].(3:406)

و سمعت العرب يقول ناشدهم لضوالّ الإبل إذا وقف على حيّ: ألا و أحسّوا ناقة صفتها كذا و كذا،و معناه:هل أحسستم ناقة،فجاءوا به على لفظ الأمر.(3:408)

و الّذي حفظناه من العرب و أهل اللّغة:بات فلان بحيبة سوء،و بكينة سوء،و ببيئة سوء.و لم أسمع:بحسّة لغير اللّيث،و اللّه أعلم.(3:409)

و حواسّ الإنسان خمس،و هي:الطّعم،و الشّمّ، و البصر،و السّمع،و اللّمس.(3:410)

الصّاحب:الحسّ:القتل الذّريع.

و الحسحاس:السّيف المبير.

الحسّ:الحسيس تسمعه و لا تراه،و كذلك:

الحساس.

و تحسّس خبرا:سل و اطلب.يقال:حسست و أحسست و حسيت و أحست.

و فلان حسّ،أي ذكيّ.

و الحسّ:وجع المرأة في رحمها بعد الولادة،و هو مسّ الحمّى أيضا.

و أجد في نفسي حساسا،أي التهابا.

و انحسّت أسنانه و شعره:تحاتّا.

و حسست له و حسست:رققت له.

و محسّة المرأة:دبرها،و روي بالشّين.

و حسّ:كلمة تقال عند التّوجّع.و حسحس الرّجل:توجّع.

و ضربه فما قال:حسّ و لا بسّ،و حسّ و بسّ، و حسّ و بسّ.

و«لأطلبنّه من حسّي و بسّي»أي من جهدي.

و«جئ به من حسّك و بسّك»أي من حيث شئت.

و«ألحق الإسّ بالحسّ»أي الشّيء بالشّيء.

و بات فلان بحسّة سوء،أي بحالة سيّئة شديدة و شدّة.

و الحساس:الشّرّ،و الشّؤم،و الحرّ.

و تحسحست أوبار الإبل:سقطت.

و إذا طلبت شيئا فلم تجده،قيل:«لا حساس».

و الحساس:الحسّ.

و الحسحسة بالنّار:حرق الجلد.

و فعل ذاك«قبل حساس الأيسار»و هو أن تجعل اللّحم على الجمر.[ثمّ استشهد بشعر]

و المحسّة:الفرجون.(2:300)

الجوهريّ: الحسّ و الحسيس:الصّوت الخفيّ.

و الحسّ أيضا:وجع يأخذ النّفساء بعد الولادة.

و يقال أيضا:ألحق الحسّ بالإسّ،معناه ألحق الشّيء بالشّيء،أي إذا جاءك شيء من ناحية فافعل مثله.

و الحسّ أيضا:مصدر قولك:حسّ له،أي رقّ له.

و الحسّ أيضا:برد يحرق الكلأ.

و الحسّ،بالفتح:مصدر قولك:حسّ البرد الكلأ يحسّه،بالضّمّ.

و حسسناهم،أي استأصلناهم قتلا،و قال تعالى:

إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ آل عمران:152.و حسّ البرد الجراد:قتله.و الحسيس:القتيل.

ص: 53

و حسست الدّابّة أحسّها حسّا،إذا فرجنتها.

و يقال:البرد محسّة للكلإ،أي أنّه يحرقه.

و المحسّة أيضا:لغة في المحشّة،و هي الدّبر.

و المحسّة،بكسر الميم:الفرجون.

و الحواسّ:المشاعر الخمس:السّمع،و البصر، و الشّمّ،و الذّوق،و اللّمس.

و يقال أيضا:أصابتهم حاسّة،و ذلك إذا أضرّ البرد أو غيره بالكلإ.

و حواسّ الأرض خمس:البرد،و البرد،و الرّيح، و الجراد،و المواشي.

و سنة حسوس،أي شديدة المحل.

و حسست له أحسّ بالكسر،أي رققت.

قال أبو الجرّاح العقيليّ: ما رأيت عقيليّا إلاّ حسست له.و حسست له أيضا بالكسر،لغة فيه،حكاها يعقوب.و يقال أيضا:حسست بالخبر و أحسست به، أي أيقنت به.و ربّما قالوا:حسيت بالخبر و أحسيت به، يبدلون من السّين ياء.

و ربّما قالوا:أحست منهم أحدا،فألقوا إحدى السّينين استثقالا،و هو من شواذّ التّخفيف.

و أحسست الشّيء:وجدت حسّه.

و الانحساس:الانقلاع و التّحاتّ.يقال:انحسّت أسنانه.

و تحسّست من الشّيء،أي تخبّرت خبره.

و حسست اللّحم و حسحسته بمعنى،إذا جعلته على الجمر.و منه جراد محسوس،إذا مسّته النّار أو قتلته.

و حسست النّار،إذا رددتها بالعصا على خبز الملّة أو الشّواء من نواحيه لينضج.

و من كلامهم:قالت الخبزة:«لو لا الحسّ ما باليت بالدّسّ».

و ربّما سمّوا الرّجل الجواد حسحاسا.

و بنوا الحسحاس:قوم من العرب.

و الحساس بالضّمّ:الهفّ،و هو سمك صغار يجفّف.

و قولهم:ضربه فما قال:حسّ يا هذا-بفتح أوّله و كسر آخره-:كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه غفلة ما مضّه و أحرقه،كالجمرة.

و قولهم:ائت به من حسّك و بسّك،أي من حيث شئت.

و يقال:بات فلان بحسّة سوء،أي بحال سوء.

و حسّان:اسم رجل،إن جعلته فعلان من«الحسّ» لم تجره،و إن جعلته فعّالا من«الحسن»أجريته،لأنّ النّون حينئذ أصليّة.[و استشهد بالشّعر 6 مرّات].

(3:916)

الخطّابيّ: في حديث عوف:«...فقلت:هل حستما من شيء؟»

قوله:«حستما»إنّما هو أحستما،أو حسيتما.يقال:

أحست بالخبر،و حسيت به.[ثمّ استشهد بشعر].

(2:505)

ابن فارس: الحاء و السّين أصلان؛فالأوّل:غلبة الشّيء بقتل أو غيره،و الثّاني:حكاية صوت عند توجّع و شبهه.

فالأوّل:الحسّ:القتل،قال اللّه تعالى: إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ آل عمران:152،و من ذلك

ص: 54

الحديث:«حسّوهم بالسّيف حسّا»،و في الحديث في الجراد:«إذا حسّه البرد».و الحسيس:القتيل.

و يقال:إنّ البرد محسّة للنّبات.و من هذا حسحست الشّيء من اللّحم،إذا جعلته على الجمرة؛و حشحشت أيضا.و يقول العرب:«افعل ذلك قبل حساس الأيسار» أي قبل أن يحسحسوا من جزورهم،أي يجعلوا اللّحم على النّار.

و من هذا الباب قولهم:أحسست،أي علمت بالشّيء.قال اللّه تعالى: هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ مريم:98،و هذا محمول على قولهم:قتلت الشّيء علما، فقد عاد إلى الأصل الّذي ذكرناه.

و يقال للمشاعر الخمس:الحواسّ،و هي:اللّمس، و الذّوق،و الشّمّ،و السّمع،و البصر.

و من هذا الباب قولهم:من أين حسست هذا الخبر؟ أي تخبّرته.

و من هذا الباب قولهم للّذي يطرد الجوع بسخائه:

حسحاس.

و الأصل الثّاني:قولهم:حسّ،و هي كلمة تقال عند التّوجّع.و يقال:حسست له فأنا أحسّ،إذا رققت له، كأنّ قلبك ألم شفقة عليه.

و من الباب:الحسّ،و هو وجع يأخذ المرأة عند ولادها.

و يقال:انحسّت أسنانه:انقلعت.

و من هذا الباب و ليس بعيدا منه:الحساس،و هو سوء الخلق.

و يقال:الحساس:الشّؤم.فهذا يصلح أن يكون من هذا،و يصلح أن يكون من الأوّل،لأنّه يذهب بالخير.

[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](2:9)

أبو هلال :الفرق بين قولهم:آنست ببصري و أحسست ببصري.راجع:«أ ن س».(60)

الفرق بين قولنا:يدرك،و بين قولنا:يحسّ:أنّ الصّفة بحسّ مضمنة بالحاسّة،و الصّفة تدرك مطلقة، و الحاسّة اسم لما يقع به إدراك شيء مخصوص،و لذلك قلنا:الحواسّ أربع:السّمع،و البصر،و الذّوق،و الشّمّ.

و إدراك الحرارة و البرودة لا تختصّ بآلة،و اللّه تعالى لم يزل مدركا،بمعنى أنّه لم يزل عالما،و هو مدرك للطّعم و الرّائحة،لأنّه مبيّن لذلك من وجه يصحّ أن يتبيّن منه لنفسه.

و لا يصحّ أن يقال:إنّه يشمّ و يذوق،لأنّ الشّمّ ملابسة المشموم للأنف،و الذّوق ملابسة المذوق للفم، و دليل ذلك قولك:شممته فلم أجد له رائحة،و ذقته فلم أجد له طعما،و لا يقال:إنّ اللّه يحسّ بمعنى أنّه يرى و يسمع؛إذ قولنا:يحسّ يقتضي حاسّة.

الفرق بين الإدراك و الإحساس على ما قال أبو أحمد:

إنّه يجوز أن يدرك الإنسان الشّيء و إن لم يحسّ به، كالشّيء يدركه ببصره و يغفل عنه فلا يعرفه،فيقال:إنّه لم يحسّ به،و يقال:إنّه ليس يحسّ إذا كان بليدا لا يفطن.و قال أهل اللّغة:كلّ ما شعرت به فقد أحسسته، و معناه أدركته بحسّك.

و قال بعضهم:الفرق بين العلم و الحسّ:أنّ الحسّ هو أوّل العلم،و منه قوله تعالى: فَلَمّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ آل عمران:52،أي علمه في أوّل وهلة،

ص: 55

و لهذا لا يجوز أن يقال:إنّ الإنسان يحسّ بوجود نفسه.

قلنا:و تسمية العلم حسّا و إحساسا مجاز،و يسمّى بذلك،لأنّه يقع مع الإحساس،و الإحساس من قبيل الإدراك،و الآلات الّتي يدرك بها حواسّ،كالعين، و الأذن،و الأنف،و الفم،و القلب ليس من الحواسّ،لأنّ العلم الّذي يختصّ به ليس بإدراك،و إذا لم يكن العلم إدراكا لم يكن محلّه حاسّة.

و سمّيت الحاسّة حاسّة على النّسب لا على الفعل، لأنّه لا يقال منه:حسست و إنّما يقال:أحسستهم،إذا أبدتهم قتلا مستأصلا:و حقيقته أنّك تأتي على إحساسهم فلا تبقي لهم حسّا.(71)

الثّعالبيّ: الحسّ:شدّة القتل.

سنة حراق و حسوس.(69)

ابن سيده: حسّ بالشّيء يحسّ حسّا و حسّا و حسيسا،و أحسّ به و أحسّه:شعر به.و أمّا قولهم:

أحست بالشّيء،فعلى الحذف،كراهة التقاء المثلين.

و حسّ الحمّى و حساسها:رسّها و أوّلها عند ما تحسّ،الأخيرة عن اللّحيانيّ.

و الحسّ:وجع يصيب المرأة بعد الولادة،و قيل:

وجع الولادة عند ما تحسّها.

و تحسّس الخبر:تطلّبه،و تبحّثه،و قال اللّحيانيّ:

تحسّس فلانا و من فلان،أي تبحّث،و الجيم لغيره.

و حسّ منه خيرا و أحسّ،كلاهما:رأى،و على هذا فسّر قوله تعالى: فَلَمّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ آل عمران:52.

و حكى اللّحيانيّ: ما أحسّ منهم أحدا،أي ما رأى، و في التّنزيل هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ مريم:98،و في خبر أبي العارم:«فنظرت هل أحسّ سهمي فلم أر شيئا»أي نظرت فلم أجده.

و قال:لا حساس من ابني موقد النّار:زعموا أنّ رجلين كانا يوقدان بالطّرق نارا،فإذا مرّ بهما قوم أضافاهم،فمرّ بهما قوم و قد ذهبا،فقال رجل:لا حساس من ابني موقد النّار.و قيل:لا حساس من ابني موقد النّار:لا وجود،و هو أحسن.

و قالوا:ذهب فلا حساس له،أي لا يحسّ به،أو لا يحسّ مكانه.

و الحسيس:الشّيء تسمعه ممّا يمرّ قريبا منك و لا تراه،و هو عامّ في الأشياء كلّها.

«و ما سمع له حسّا و لا جرسا»الحسّ:من الحركة، و الجرس:من الصّوت،و هو يصلح للإنسان و غيره.

و الحسّ:الرّنّة.

و جاء بالمال من حسّه و بسّه،و حسّه و بسّه.و جئني به من حسّك و بسّك معنى هذا كلّه:من حيث كان و لم يكن.

و حسّ-بكسر السّين و ترك التّنوين-:كلمة تقال عند الألم.

و العرب تقول عند لذعة النّار و الوجع:حسّ.

و ضرب فما قال:حسّ و لا بسّ،بالجرّ و التّنوين،و منهم من يجرّ و لا ينوّن،و منهم من يكسر الحاء و الباء، فيقول:حسّ و لا بسّ،و منهم من يقول:حسّا و لا بسّا، يعني التّوجّع.

و بات بحسّة سوء و حسّة سوء،أي بحال سيّئة.

ص: 56

و الكسر أقيس،لأنّ الأحوال تأتي كثيرا على«فعلة» كالجيئة و التّلّة و البيئة.

و حسّهم يحسّهم حسّا:قتلهم قتلا كثيرا ذريعا مستأصلا.

و حسّان:اسم مشتقّ من أحد هذه الأشياء.

و الحسّ:إضرار البرد بالأشياء.

و الحسّ:برد يحرق الكلأ،و هو اسم،حسّه يحسّه حسّا.و قد تقدّم أنّ الصّاد لغة عن أبي حنيفة.

و البرد محسّة للنّبات،بفتح الميم،أي يحسّه.

و أصابت الأرض حاسّة،أي برد،عن اللّحياني، أنّثه على معنى المبالغة أو الجائحة.

و الحاسّة:الجراد يحسّ الأرض،أي يأكل نباتها.

و سنة حسوس:تأكل كلّ شيء.

و حسّ الرّأس يحسّه حسّا،إذا جعله في النّار،فكلّما تشيّط أخذه بشفرة.

و تحسّست أوبار الإبل:تطايرت و تفرّقت.

و انحسّت أسنانه:تساقطت و تحاتّت.

و الحسّ و الاحتساس في كلّ شيء ألاّ يترك في المكان شيء منه...

و الحساس:الشّؤم و النّكد.

و رجل ذو حساس:رديء الخلق.

و الحسّ:الشّرّ،تقول العرب:ألحق الحسّ بالأسّ.

الأسّ هنا:الأصل،تقول:ألحق الشّرّ بأهله.

و الحسّ:الحقد.

و حسّ الدّابّة يحسّها حسّا:نفض عنها التّراب.

و المحسّة مكسورة:ما يحسّ به،لأنّه ممّا يعتمل به.

و حسست له أحسّ،و حسست حسّا فيهما:رققت، تقول العرب:إنّ العامريّ ليحسّ للسّعديّ-بالكسر- أي يرقّ له،و ذلك لما بينهما من الرّحم.

و حسست له حسّا:رفقت.هكذا وجدته في كتاب كراع.و الصّحيح:رققت على ما تقدّم.

و محسّة المرأة:دبرها.

و الحساس:أن تضع اللّحم على الجمر،و قيل:هو أن ينضج أعلاه و يترك داخله،و قيل:هو أن يقشر عنه الرّماد بعد أن يخرج من الجمر.و قد حسّه و حسحسه.

و حسحسته:صوت نشيشه،و قد حسحسته النّار.

و رجل حسحاس:خفيف الحركة،و به سمّي الرّجل.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](2:495)

الطّوسيّ: الإحساس:هو الوجود بالحاسّة،أحسّ يحسّ إحساسا.و الحسّ:القتل؛لأنّه يحسّ بألمه.و منه قوله: إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ آل عمران:152، و الحسّ:العطف،لإحساس الرّقّة لصاحبه.و الأصل فيه:إدراك الشّيء من جهة الملابسة.(2:472)

الحسّ هو القتل على وجه الاستئصال.[ثمّ استشهد بشعر]

و أصله:الإحساس.و منه قوله: هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ مريم:98،و قوله: فَلَمّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ آل عمران:52،أي وجده من جهة الحاسّة،و حسّه يحسّه،إذا قتله،لأنّه أبطل حسّه بالقتل.

و التّحسّس:طلب الأخبار.و في التّنزيل: يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ يوسف:87،

ص: 57

و ذلك لأنّه طلب لهما بحاسّة السّمع.

و المحسّة:الّتي ينفض بها التّراب عن الدّابّة،لأنّه يحسّ بها من جهة حكّها لجلدها.(3:18)

الرّاغب: الحاسّة:القوّة الّتي بها تدرك الأعراض الحسّيّة،و الحواسّ:المشاعر الخمس.يقال:حسست و حسيت،و أحسست.

فأحسست يقال على وجهين:أحدهما:يقال:

أصبته بحسّي،نحو عنته و رعته،و الثّاني:أصبت حاسّته، نحو كبدته و فأدته،و لمّا كان ذلك قد يتولّد منه القتل عبّر به عن القتل،فقيل:حسسته،أي قتلته.قال تعالى:

إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ آل عمران:152.

و الحسيس:القتل،و منه:جراد محسوس،إذا طبخ، و قولهم:البرد محسّة للنّبت.و انحسّت أسنانه:انفعال منه.

فأمّا حسست فنحو علمت و فهمت،لكن لا يقال ذلك إلاّ فيما كان من جهة الحاسّة،فأمّا حسيت،فبقلب إحدى السّينين ياء.

و أمّا أحسسته،فحقيقته:أدركته بحاسّتي، و أحست،مثله،لكن حذفت إحدى السّينين تخفيفا، نحو:ظلت.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

و الحساس:عبارة عن سوء الخلق،و جعل على بناء زكام و سعال.(116)

الميبديّ: التّحسّس:في الخير،و التّجسّس:في الشّرّ،و هو طلب الإحساس مرّة بعد أخرى، و الإحساس:الإدراك،و الحسّ:الاسم،كالطّاعة من أطاع.(5:124)

الزّمخشريّ: أحسست منه مكرا.و أحسست منه بمكر.و ما أحسسنا منه خبرا.و هل تحسّ من فلان بخبر؟

و تعالى اللّه أن يدرك بحاسّة من الحواسّ.و من أين حسست هذا الخبر؟.

و اخرج فتحسّس لنا.و ضرب فما قال حسّ.و جيء به من حسّك و بسّك.[ثمّ استشهد بشعر]

صبّحوهم فحسّوهم:قتلوهم قتلا ذريعا.

و النّفساء تشتكي حسّا في رحمها،أي وجعا.

و من المجاز:حسّ البرد الزّرع،و البرد محسّة للنّبات،و أصابتهم حاسّة من البرد.

و انحسّ شعره:تساقط،و انحسّت أسنانه:تحاتّت.

و حسّ الدّابّة بالمحسّة:أزال عنها الغبار.

(أساس البلاغة:83)

[في حديث عمر للمرأة الّتي ولدت]:«...اشربي؛ هذا يقطع الحسّ»هو وجع النّفساء غبّ الولادة.

«أتى بجراد محسوس فأكله»هو الّذي مسّته النّار حتّى قتلته،من«الحسّ»و هو القتل.(الفائق 1:282)

الطّبرسيّ: التّحسّس:طلب الشّيء بالحاسّة، و التّجسّس:نظيره،و في الحديث:«لا تحسّسوا و لا تجسّسوا».

و قيل:إنّ معناهما واحد،و نسق أحدهما على الآخر لاختلاف اللّفظين،كقول الشّاعر: *متى أدن منه ينأ

عنّي و يبعد*

(3:256)

ابن الشّجريّ: اشتقاق حسّان من«الحسّ»و هو القتل،من قوله جلّت عظمته: إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ آل عمران:152،و لو اشتققته من«الحسن»صرفته.

و لم ينصرف في القول الأوّل لأنّه«فعلان»و تصرفه في

ص: 58

الثّاني لأنّه«فعّال».(1:170)

المدينيّ: في حديث قتادة:«إنّ المؤمن ليحسّ للمنافق»،أي يأوي و يتوجّع له.قاله صاحب «التّتمّة».

و حسحس:توجّع.(1:447)

ابن الأثير: فيه:«أنّه قال لرجل:متى أحسست أمّ ملدم»أي متى وجدت مسّ الحمّى.و الإحساس:

العلم بالحواسّ،و هي مشاعر الإنسان كالعين،و الأذن، و الأنف،و اللّسان،و اليد.

منه الحديث:«أنّه كان في مسجد الخيف فسمع حسّ حيّة»أي حركتها و صوت مشيها.

و منه الحديث:«إنّ الشّيطان حسّاس لحاس»أي شديد الحسّ و الإدراك.

و في حديث عوف بن مالك:«فهجمت على رجلين فقلت:هل حستما من شيء؟قالا:لا».

حست و أحسست بمعنى،فحذف إحدى السّينين تخفيفا،أي هل أحسستما من شيء؟و قيل:غير ذلك.

و سيرد مبيّنا في آخر هذا الباب.

و فيه:«حسّوهم بالسّيف حسّا»أي استأصلوهم قتلا،كقوله تعالى: إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ و حسّ البرد الكلأ،إذا أهلكه و استأصله.و منه حديث عليّ رضى اللّه عنه:

«لقد شفى وحاوح صدري حسّكم إيّاهم بالنّصال».

و منه حديثه الآخر:«كما أزالوكم حسّا بالنّصال» و يروى بالشّين المعجمة،و سيجيء.

و منه الحديث في الجراد:«إذا حسّه البرد فقتله».

و منه حديث عائشة:«فبعثت إليه بجراد محسوس» أي قتله البرد.و قيل:هو الّذي مسّته النّار.

و منه حديث يحيى بن عبّاد:«ما من ليلة أو قرية إلاّ و فيها ملك يحسّ عن ظهور دوابّ الغزاة الكلال»أي يذهب عنها التّعب بحسّها و إسقاط التّراب عنها.

و فيه:«أنّه وضع يده في البرمة ليأكل فاحترقت أصابعه،فقال:حسّ»هي بكسر السّين و التّشديد:

كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه ما مضّه و أحرقه غفلة، كالجمرة و الضّربة و نحوهما.

و منه الحديث:«أصاب قدمه قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فقال:حسّ».

و منه حديث طلحة رضى اللّه عنه:«حين قطعت أصابعه يوم أحد،فقال:حسّ،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:لو قلت:بسم اللّه،لرفعتك الملائكة و النّاس ينظرون»و قد تكرّر في الحديث.

و فيه:«أنّ رجلا قال:كانت لي ابنة عمّ،فطلبت نفسها،فقالت:أو تعطيني مائة دينار؟فطلبتها من حسّي و بسّي»أي من كلّ جهة.يقال:جئ به من حسّك و بسّك،أي من حيث شئت.(1:384)

الصّغانيّ: لآخذنّ منك الشّيء بحسّ أو ببسّ،أي برفق أو مشادّة.

و الحاسوس:الّذي يتحسّس الأخبار،مثل الجاسوس الّذي يتجسّسها.

و قيل:الحاسوس:في الخير،و الجاسوس:في الشّرّ.

و يقال:سنة حاسوس و حسوس،إذا كانت شديدة قليلة الخير.

و الحسيس:الكريم.و حسّ،أي أحسّ.[و استشهد

ص: 59

بالشّعر مرّتين].(3:338)

الفيّوميّ: الحسّ و الحسيس:الصّوت الخفيّ، و حسّه حسّا فهو حسيس،مثل قتله قتلا فهو قتيل وزنا و معنى.

و أحسّ الرّجل الشّيء إحساسا:علم به،يتعدّى بنفسه مع الألف...و ربّما زيدت الباء فقيل:أحسّ به، على معنى شعر به.و حسست به،من باب«قتل»لغة فيه؛و المصدر:الحسّ بالكسر تتعدّى بالباء على معنى شعرت،أيضا.

و منهم من يخفّف الفعلين بالحذف،فيقول:أحسته و حست به،و منهم من يخفّف فيهما بإبدال السّين ياء فيقول:حسيت و أحسيت.

و حسست بالخبر من باب«تعب»و يتعدّى بنفسه فيقال:حسست الخبر،من باب«قتل»فهو محسوس.

و تحسّسته:تطلّبته،و رجل حسّاس للأخبار:كثير العلم بها.و أصل الإحساس:الإبصار...ثمّ استعمل في الوجدان و العلم بأيّ حاسّة كانت.

و حواسّ الإنسان:مشاعره الخمس:السّمع، و البصر،و الشّمّ،و الذّوق،و اللّمس.الواحدة:حاسّة، مثل دابّة و دوابّ.

و حسّان:اسم رجل،يجوز أن يكون مأخوذا من «الحسّ»فتكون النّون زائدة،و يجوز أن يكون من «الحسن»فتكون أصليّة،و على المعنيين يبنى الصّرف و عدمه.(1:135)

الجرجانيّ: الحسّ المشترك:هو القوّة الّتي ترتسم فيها صور الجزئيّات المحسوسة،فالحواسّ الخمس الظّاهرة كالجواسيس لها،فتطلع عليها النّفس من ثمّة فتدركها،و محلّه مقدّم التّجويف الأوّل من الدّماغ،كأنّها عين تنشعب منها خمسة أنهار.(38)

الفيروزآباديّ: و جاء به من حسّه و بسّه،مثلّثي الأوّل:من جهده و طاقته.و لأطلبنّه من حسّي و بسّي:

جهدي و طاقتي.(2:207)

الحسّ:الجلبة،و القتل،و الاستئصال،و نفض التّراب عن الدّابّة بالمحسّة للفرجون.

و بالكسر:الحركة،و أن يمرّ بك قريبا فتسمعه و لا تراه،كالحسيس،و الصّوت،و وجع يأخذ النّفساء بعد الولادة،و برد يحرق الكلأ،و قد حسّه:أحرقه.

و ألحق الحسّ بالإسّ،أي الشّيء بالشّيء،أي إذا جاءك شيء من ناحية،فافعل مثله.

و بات بحسّة سوء،و يفتح:بحالة سوء.

و الحاسوس:الجاسوس،أو هو في الخير،و بالجيم في الشّرّ،و المشئوم من الرّجال،و السّنة الشّديدة، كالحسوس.

و المحسّة:الدّبر.

و الحواسّ:السّمع،و البصر،و الشّمّ و الذّوق، و اللّمس،جمع حاسّة.

و حواسّ الأرض:البرد،و البرد،و الرّيح،و الجراد، و المواشي.

و حسست له أحسّ،بالكسر:رققت له،كحسست بالكسر،حسّا و حسّا.

و حسست الشّيء:أحسسته،و اللّحم:جعلته على الجمر،كحسحسته،و النّار:رددتها بالعصا على خبز

ص: 60

الملّة.

و حسست به بالكسر،و حسيت:أيقنت به.

و حسّان:علم...

و الحسحاس:السّيف المبير،و الرّجل الجواد،و علم.

و بنو الحسحاس:قوم من العرب.

و الحساس:بالضّمّ:سمك صغار يجفّف،و كسار الحجر الصّغار،و كالجذاذ من الشّيء.

و إذا طلبت شيئا فلم تجده قلت:حساس،كقطام.

و أحسست،و أحسيت،و أحست،بسين واحدة و هو من شواذّ التّخفيف:ظننت،و وجدت،و أبصرت، و علمت،و الشّيء:وجدت حسّه.

و التّحسّس:الاستماع لحديث القوم،و طلب خبرهم في الخير.

و الانحساس:الانقلاع،و التّحاتّ.

و حسحس:توجّع،و تحسحس:تحرّك،و أوبار الإبل:تحاتّت.

و لأخلّفنّه بحسحسه،أي ذهاب ماله حتّى لا يبقى منه شيء.

و ائت به من حسّك و بسّك،أي من حيث شئت.(2:214)

الطّريحيّ: و أصل أحسّ:أبصر،ثمّ نقل.[إلى أن قال:]

و الحسّ:الاسم من أحسّ بالشّيء،إذا علم به و وجده.

و الحواسّ:جمع حاسّة،كدوابّ جمع دابّة،و هي المشاعر الخمس:السّمع،و البصر،و الشّمّ،و الذّوق، و اللّمس.و هذه الحواسّ الظّاهرة.

و أمّا الحواسّ الباطنة فهي:الخيال،و الوهم،و الحسّ المشترك،و الحافظة،و المتصرّفة.و لتحقيق كلّ منها محلّ آخر.

و المحسّة بكسر الميم:الفرجون.(4:61)

العدنانيّ: «جسم حسّاس».

جاء في«شرح التّسهيل»أنّ قولهم:جسم حسّاس،لحن لم يسمع.و لكن:

جاء في حديث في سنن أبي داود:«أنّ الشّيطان حسّاس لحاس»و فسّره الشّرّاح:بشديد الحسّ و الإدراك.

و جاء في مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،في مادّة «حيي»:«قال تعالى في الآية:11،من سورة ق:

وَ أَحْيَيْنا بِهِ بَلْدَةً مَيْتاً، و قال في الآية:30،من سورة الأنبياء: وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ.

ف(حىّ)هنا للقوّة الحسّاسة»ثمّ حذا حذوه في قوله:

التّاج،و المدّ.

و قال الزّمخشريّ في«شرح الفصيح»:«حسّاس من أحسّ،و كأنّه أخذه من قول المتكلّمين:جسم حسّاس».و اكتفى المصباح بقوله:«رجل حسّاس للأخبار:كثير العلم بها».و جاء في مستدرك التّاج:

«الشّيطان حسّاس لحاس»أي شديد الحسّ و الإدراك.

و قال دوزيّ: إنّ معنى حسّاس هو شديد الحسّ.

و قال المتن:الحسّاس:الشّديد الحسّ و الإدراك.

و جاء في الوسيط:«حسّ الشّيء و به حسّا

ص: 61

و حسيسا:أدركه بإحدى حواسّه».

و صيغة المبالغة من فعل:فعّال.و هذا يجعل استعمالنا كلمة«حسّاس»صوابا.

لذا:استعمل كلمة«حسّاس»بمعنى:مرهف الحسّ و الإدراك،دون أن تخشى من أعلام اللّغويّين منتقدا.

«محسوس و محسّ».

و يخطّئ«شفاء الغليل»من يستعمل كلمة محسوس بمعنى مشاهد،و يقول:إنّ الصّواب هو:«محسّ».

و لكن:جاء في المصباح:حسست الخبر فهو محسوس،و تحسّسته:تطلّبته.و تطلّبه لا يكون هنا إلاّ بالحواسّ أو بإحداها.و أيّد التّاج و المدّ و الوسيط استعمال محسوس.و ممّا قاله الوسيط:المحسوس:

المدرك بإحدى الحواسّ الخمس؛و الجمع:محسوسات.

و جاء في كتاب«التّعريفات»للجرجانيّ: الحسّ المشترك هو القوّة الّتي ترتسم فيها صور الجزئيات المحسوسة.

و قال المتن:حسّه حسّا:رآه و وجده،و أحسّه.

و اسم المفعول من حسّ هو:محسوس.

لذا قل:

محسوس من«حسّه».

و محسّ من«أحسّه».(154)

المصطفويّ: و التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الإحاطة و الغلبة روحا و فكرا و قدرة، أي السّلطة المعنويّة.و هذا المعنى يختلف باختلاف المصاديق و الموارد:فقد يكون بالشّعور و الفهم،أو بطريق الظّنّ أو العلم،أو من جهة النّفوذ و القدرة و السّلطة،أو من جهة القوى و الحواسّ.

يقال:حسّ البرد النّبت،إذا أحاطت قوّة البرد النّبات.و حسست به،إذا أحاط شعورك به.و حسّه بالسّيف،إذا غلب قدرته و نفوذه و أحاطت به.و أحسّ الشّيء،إذا علم به و عرفه.و الحسّ:الوجع المحيط المحسوس بعد الولادة.و حسست له،إذا أحاطت شفقتك عليه.و انحسّت أسنانه،إذا كانت محاطة بالقهر و القوّة.

و أمّا حسّ صوتا فقال في الصّحاح:و قولهم:ضربه فما قال حسّ يا هذا-بفتح أوّله و كسر آخره-،كلمة يقولها الإنسان إذا أصابه غفلة ما مضّه و أحرقه،كالجمرة و الحزّة.

فهذه الكلمة يتجلّى بها غلبة الألم و إحاطة الدّاء، فهي مظهر تلك الإحاطة،فظهر أنّ معاني:القتل،العلم، الظّنّ،الوجدان،الرّقّة،الشّفقة،الوجع،التّخبّر، و أمثالها ليست بمفاهيم حقيقيّة،فلا بدّ في مقام الاستعمال من ملاحظة خصوصيّة الإحاطة من قوّة.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

و الفرق بين الإحاطة و الحسّ:أنّ الحسّ-كما قلنا- مخصوص بكون المحيط أمرا غير مادّيّ،بخلاف الإحاطة فإنّه أعمّ،فيقال:إنّه محاط بالدّار.

و أمّا الفرق بين الحسّ و العلم:أنّ العلم و اليقين إنّما يتحقّقان في نتيجة الإحاطة و الغلبة.

فظهر أنّ استعمال«الحسّ»إنّما يصحّ في مورد يكون النّظر إلى مقدّمات العلم من الاطّلاع و الغلبة و النّفوذ،كما في الآيات الكريمة.(2:234)

ص: 62

النّصوص التّفسيريّة

تحسّونهم

وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ...

آل عمران:152

ابن عبّاس: تقتلونهم في أوّل الحرب.(58)

نحوه مجاهد،و قتادة،و عبيد اللّه بن عبد اللّه، و الحسن،و السّدّيّ،و الرّبيع،و ابن إسحاق،(الطّبريّ 4:

127)و زيد بن عليّ(164)،و الطّبريّ(4:127)، و القمّيّ(1:120)،و الطّبرسيّ(1:520).

الفرّاء: الحسّ:القتل و الإفناء هاهنا،و الحسّ أيضا:العطف و الرّقّة،بالفتح.[ثمّ استشهد بشعر]

و سمعت بعض العرب يقول:ما رأيت عقيليّا إلاّ حسست له،يعني رققت له و رحمته.(الأزهريّ 3:406)

أبو عبيدة :تستأصلونهم قتلا.يقال:حسسناهم من عند آخرهم،أي استأصلناهم.[ثمّ استشهد بشعر](1:104)

نحوه ابن قتيبة(113)،و الطّوسيّ(3:18)، و المراغيّ(4:98).

الزّجّاج: معناه:تستأصلونهم قتلا.يقال:حسّهم القائد يحسّهم حسّا،إذا قتلهم.(الأزهريّ 3:406)

الماورديّ: أي تقتلونهم،في قول الجميع.يقال:

حسّه يحسّه حسّا،إذا قتله،لأنّه أبطل بمعونته.

(1:429)

البغويّ: أي تقتلونهم قتلا ذريعا بقضاء اللّه.

(1:522)

نحوه الميبديّ،(2:309)،و الزّمخشريّ(1:

470)،و رشيد رضا(4:182).

ابن عربيّ: تقطّعونهم بإذنه و تهزمونهم.(1:227)

أبو حيّان :و معنى(تحسّونهم)تقتلونهم.و كانوا قتلوا من المشركين اثنين و عشرين رجلا.و قرأ عبيد بن عمير (تحسّونهم) رباعيّا من الإحساس،أي تذهبون حسّهم بالقتل.(3:78)

أبو السّعود :أي تقتلونهم قتلا كثيرا فاشيا،من حسّه،إذا أبطل حسّه،و هو ظرف ل(صدقكم).(2:48)

مثله البروسويّ(2:110)،و نحوه الآلوسيّ(4:89).

بنت الشّاطئ:و سأل ابن الأزرق عن معنى قوله تعالى: إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ.

فقال ابن عبّاس:تقتلونهم.[ثمّ استشهد بشعر]

الكلمة من آية آل عمران:152،في يوم أحد:

وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ...

وحيدة في القرآن،من الفعل الثّلاثي:حسّ.

و من الرّباعيّ آيات:

فَلَمّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ آل عمران:52

فَلَمّا أَحَسُّوا بَأْسَنا الأنبياء:12

هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ مريم:98

و معها فَتَحَسَّسُوا في آية يوسف:87، و حَسِيسَها في آية الأنبياء:102.

و الحسّ:هو أصل المعنى للمادّة،و هو المفهوم من قرب في الاستعمال القرآنيّ للإحساس و الحسيس و التّحسّس.

و في الحديث:«متى أحسست أمّ ملدم»أي متى

ص: 63

وجدت مسّ الحمّى«النّهاية».

و قد نقل الطّبريّ ما روي من تفسير الكلمة بالقتل في آية آل عمران،عن ابن عبّاس و غيره من الصّحابة.

و قيّده الزّمخشريّ في«الأساس»بالقتل الذّريع،بشاهد من الآية.و بيّن الرّاغب وجه إطلاق الحسّ على القتل، فقال في«المفردات»:نقل الحسّ إلى القتل من قولهم:

أحسّه بحسّي،نحو:رعته و كبدته.و لمّا كان ذلك قد يتولّد منه القتل،عبّر به عنه فقيل:حسسته.و بقي السّؤال عن اختصاص هذا الموقف بالحسّ في آية آل عمران المسئول عنها،مع كثرة مجيء«القتل»في القرآن.

و قد أحصيت من مواضع استعماله في الفعل الثّلاثيّ ماضيا و مضارعا،للمعلوم و للمجهول،نحو سبع و سبعين مرّة،و جاء الأمر من الثّلاثي عشر مرّات،و مصدره عشر مرّات.و«القتلى»جمع قتيل.

و جاء الفعل الرّباعيّ من«القتال»ماضيا و مضارعا و أمرا،خمسا و خمسين مرّة،و المصدر ثلاث عشرة مرّة.

كما جاء فعل«التّقتيل»ماضيا و مضارعا،أربع مرّات،و مثله الفعل من«الاقتتال».

فلفت ذلك إلى فرق في الدّلالة بين القتل،و الحسّ وحيدة في القرآن.

و تدبّر سياق آيات القتل،على اختلاف صيغها، يعطي دلالة العموم فيه؛إذ يقع على الفرد و على الجمع، بالسّلاح أو بغير السّلاح،كما في قتل الأولاد وأدا.و قد يستعمل ماضيه مبنيّا للمجهول،دعاء عليه،من المجاز كآيات:

إِنَّهُ فَكَّرَ وَ قَدَّرَ* فَقُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ* ثُمَّ قُتِلَ كَيْفَ قَدَّرَ المدّثّر:18-20

قُتِلَ الْإِنْسانُ ما أَكْفَرَهُ عبس:17

قُتِلَ الْخَرّاصُونَ* اَلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ

الذّاريات:10،11

قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ* اَلنّارِ ذاتِ الْوَقُودِ* إِذْ هُمْ عَلَيْها قُعُودٌ... البروج:4-6

و القتل في هذه الآيات،دعاء عليهم.

فهل يكون الحسّ بدلالة خاصّة على استئصال الجمع بالسّلاح في موقعة حرب و معركة قتال؟

سياق الآية يعطيه،و يؤنس إليه ما نقل ابن هشام في «السّيرة»عن الظّروف و الأحوال الّتي لابست نزول الآية فيما كان من موقف المسلمين بين بدر و أحد.

و قال ما نصّه:«الحسّ:الاستئصال.يقال:

حسست الشّيء،أي استأصلته بالسّيف أو بغيره،قال جرير:

تحسّهم السّيوف كما تسامى

حريق النّار في الأجم الحصيد

و معنى الاستئصال واضح في الشّاهد،لكنّه ليس استئصالا لشيء بالسّيف أو بغيره،بل هو استئصال للجمع بالسّيوف،بصريح النّصّ.

و كذلك الشّاهد الشّعريّ في تفسير ابن عبّاس،ليس «الحسّ»فيه مطلق قتل،و إنّما هو حسّ استئصال للأعداء بسيف محمّد،عليه الصّلاة و السّلام.

(الإعجاز البيانيّ: 332)

ص: 64

حسيسها

لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ. الأنبياء:102

ابن عبّاس: صوتها.(275)

نحوه الطّبريّ(17:98)،و الميبديّ(6:315)، و الزّمخشريّ(2:585)،و البيضاويّ(2:82)، و المراغيّ(17:72)،و فريد وجدي(431)، و الطّباطبائيّ(14:328).

أبو عبيدة :أي صوتها،و الحسيس و الحسّ واحد.[ثمّ استشهد بشعر](2:42)

الواحديّ: أي حسّها و حركة تلهّبها،و الحسّ و الحسيس:الصّوت تسمعه من الشّيء يمرّ منك قريبا.(3:253)

نحوه ابن الجوزيّ.(5:393)

البغويّ: يعني صوتها و حركة تلهّبها إذا نزلوا منازلهم في الجنّة،و الحسّ و الحسيس:الصّوت الخفيّ.(3:319)

الطّبرسيّ: الحسيس و الحسّ:الحركة.(4:63)

ابن عطيّة: قالت فرقة:معناه:لا يسمعون خيرا و لا سارّا من القول.و قالت فرقة:إنّ عذابهم أن يجعلوا في توابيت داخل توابيت أخرى فيصيرون هنالك لا يسمعون شيئا.(4:101)

الفخر الرّازيّ: و الحسيس:الصّوت الّذي يحسّ، و فيه سؤالان:

الأوّل:أيّ وجه في أن لا يسمعوا حسيسها من البشارة و لو سمعوه لم يتغيّر حالهم؟

قلنا:المراد تأكيد بعدهم عنها،لأنّ من لم يدخلها و قرب منها قد يسمع حسيسها.

السّؤال الثّاني:أ ليس أنّ أهل الجنّة يرون أهل النّار فكيف لا يسمعون حسيس النّار؟

الجواب:إذا حملناه على التّأكيد زال هذا السّؤال.(22:227)

القرطبيّ: أي حسّ النّار و حركة لهبها،و الحسيس و الحسّ:الحركة.(1:345)

النّسفيّ: صوتها الّذي يحسّ و حركة تلهّبها.و هذه مبالغة في الإبعاد عنها،أي لا يقربونها حتّى لا يسمعوا صوتها و صوت من فيها.(3:90)

نحوه القاسميّ.(11:4311)

أبو حيّان :الحسيس:الصّوت الّذي يحسّ من حركة الأجرام.(6:342)

نحوه الآلوسيّ.(17:98)

أبو السّعود :و الحسيس:صوت يحسّ به،أي لا يسمعون صوتها سمعا ضعيفا،كما هو المعهود عند كون المصوّت بعيدا و إن كان صوته في غاية الشّدّة،لا أنّهم لا يسمعون صوتها الخفيّ في نفسه فقط.(4:359)

البروسويّ: [مثل أبي السّعود و أضاف:]

و في«التّأويلات النّجميّة»:و من آثار سبق العناية الأزليّة أن لا يسمعون حسيس جهنّم القهر.و حسيسها:

مقالات أهل الأهواء و البدع و أدلّة الفلاسفة،و براهينهم بالعقول المشوبة بالوهم و الخيال و ظلمة الطّبيعة.

(5:525)

سيّد قطب :و لفظة(حسيسها)من الألفاظ

ص: 65

المصوّرة بجرسها لمعناها،فهو تنقّل صوت النّار و هي تسري و تحرق،و تحدث ذلك الصّوت المفزع.و إنّه لصوت يتفزّع له الجلد و يقشعرّ،و لذلك نجي الّذين سبقت لهم الحسنى من سماعه-فضلا على معاناته-نجوا من الفزع الأكبر الّذي يذهل المشركين.(4:2399)

راجع:«س م ع».

احسّ

فَلَمّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللّهِ... آل عمران:52

ابن عبّاس: علم.(48)

نحوه الطّوسيّ.(2:472)

زيد بن عليّ: عرف.(160)

مثله أبو عبيدة.(1:94)

الإمام الصّادق عليه السّلام:أي لمّا سمع و رأى أنّهم يكفرون...(البحرانيّ 2:403)

نحوه مقاتل.(الواحديّ 1:94)

الفرّاء: يقول:وجد عيسى.و الإحساس:

الوجود،تقول في الكلام:هل أحسست أحدا؟و كذلك قوله: هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ مريم:98،فإذا قلت:

حسست بغير ألف،فهي في معنى الإفناء و القتل...

(1:216)

نحوه الطّبريّ(3:283)،و الطّبرسيّ(1:447)، و الخازن(1:296).

الأخفش: هذا من:أحسّ يحسّ إحساسا.و ليس من قوله: تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ؛ إذ ذلك من حسّ يحسّ حسّا،و هو في غير معناه،لأنّ معنى حسست:قتلت.

و أحسست،هو ظننت.(1:409)

القشيريّ: علم أنّ النّبوّة لا تنفكّ عن البلاء و تسليط الأعداء،فقطع عنهم قلبه،و صدّق إلى اللّه قصده...(1:257)

الميبديّ: معنى الإحساس:العلم و الإدراك بالعقل،و الرّؤية بحاسّة البصر.يقول:فلمّا علم و أدرك.(2:131)

الزّمخشريّ: فلمّا علم منهم(الكفر)علما لا شبهة فيه كعلم ما يدرك بالحواسّ.(1:432)

نحوه حسنين مخلوف.(1:108)

الطّبرسيّ: أي وجد.و قيل:أبصر و رأى،و قيل:

علم.(1:447)

الفخر الرّازيّ: الإحساس:عبارة عن وجدان الشّيء بالحاسّة.و هاهنا وجهان:

أحدهما:أن يجري اللّفظ على ظاهره،و هو أنّهم تكلّموا بالكفر،فأحسّ ذلك بأذنه.

و الثّاني:أن نحمله على التّأويل،و هو أنّ المراد أنّه عرف منهم إصرارهم على الكفر،و عزمهم على قتله.

و لمّا كان ذلك العلم علما لا شبهة فيه،مثل العلم الحاصل من الحواسّ،لا جرم عبّر عن ذلك العلم بالإحساس.(8:64)

نحوه الخازن.(1:296)

أبو حيّان :[نقل الأقوال و أضاف:]

و قيل:خاف.(2:471)

أبو السّعود :المراد ب«الإحساس»:الإدراك

ص: 66

القويّ الجاري مجرى المشاهدة،و ب«الكفر»:إصرارهم عليه،و عتوّهم و مكابرتهم فيه،مع العزيمة على قتله عليه الصّلاة و السّلام،كما ينبئ عنه الإحساس،فإنّه إنّما يستعمل في أمثال هذه المواقع،عند كون متعلّقه أمرا محذورا مكروها،كما في قوله عزّ و جلّ: فَلَمّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ الأنبياء:12.

و كلمة(من)متعلّقة ب(احسّ)و الضّمير المجرور لبني إسرائيل،أي ابتدأ الإحساس من جهتهم.(1:373)

البروسويّ: (احسّ)استعارة للعلم اليقينيّ الّذي لا شبهة فيه كالإحساس،و هو وجدان الشّيء بالحاسّة، كأنّه قيل:فلمّا علم علما لا شبهة فيه،كما يدرك بالحواسّ من الضّروريّات.(2:39)

الآلوسيّ: أصل الإحساس:الإدراك بإحدى الحواسّ الخمس الظّاهرة.و قد استعير هنا استعارة تبعيّة للعلم بلا شبهة.و قيل:إنّها مجاز مرسل عن ذلك، من باب ذكر الملزوم و إرادة اللاّزم.و الدّاعي لذلك أنّ الكفر ممّا لا يحسّ،و القول:بأنّ المراد إحساس آثار الكفر،ليس بشيء.(3:174)

الطّباطبائيّ: و في استعمال لفظ الإحساس في مورد الكفر-مع كونه أمرا قلبيّا-إشعار بظهوره منهم حتّى تعلّق به الإحساس،أو أنّهم همّوا بإيذائه و قتله بسبب كفرهم فأحسّ به،فقوله: فَلَمّا أَحَسَّ عِيسى أي استشعر و استظهر(منهم)أي من بني إسرائيل المذكور اسمهم في البشارة(الكفر).(3:202)

احسّوا

فَلَمّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ.

(الأنبياء:12)

ابن عبّاس: رأوا عذابنا لهلاكهم.(269)

زيد بن عليّ: وجدوا.(276)

الطّبريّ: فلمّا عاينوا عذابنا قد حلّ بهم،و رأوه قد وجدوا مسّه.يقال:قد أحسست من فلان ضعفا، و أحسته منه.(17:7)

نحوه القرطبيّ.(11:274)

أبو حيّان :أي باشروه بالإحساس.و الضّمير في (احسّوا)عائد على أهل المحذوف،من قوله: وَ كَمْ قَصَمْنا مِنْ قَرْيَةٍ الأنبياء:11،و لا يعود على قوله:

قَوْماً آخَرِينَ؛ لأنّه لم يذكر لهم ذنب(يركضون)من أجله.(6:300)

الآلوسيّ: ضمير الجمع ل«الأهل»لا ل«قوم آخرين»إذ لا ذنب لهم يقتضي ما تضمّنه هذا الكلام.

و الإحساس:الإدراك بالحاسّة،أي فلمّا أدركوا بحاسّتهم عذابنا الشّديد.و لعلّ ذلك العذاب كان ممّا يدرك بإحدى الحواسّ الظّاهرة.

و جوّز أن يكون في«البأس»استعارة مكنيّة، و يكون الإحساس تخييلا،و أن يكون الإحساس مجازا عن مطلق الإدراك،أي فلمّا أدركوا ذلك.(17:16)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ.... مريم:98

ص: 67

فتحسّسوا

يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ... يوسف:87

ابن عبّاس: فاستخبروا،و اطلبوا خبر يوسف...(202)

التمسوا.(البغويّ 2:511)

ابحثوا.(الواحديّ 2:629)

زيد بن عليّ: تخبّروا.(226)

أبو عبيدة :تخبّروا و التمسوا في المظانّ.

(1:317)

الطّبريّ: التمسوا يوسف،و تعرّفوا من خبره.

و أصل التّحسّس:التّفعّل من الحسّ.(13:48)

نحوه النّسفيّ(2:235)،و القاسميّ(9:3585).

الماورديّ: أي استعلموا و تعرّفوا[ثمّ استشهد بشعر،و قال:]

و أصله:طلب الشّيء بالحسّ.(3:72)

الطّوسيّ: و التّحسّس:طلب الشّيء بالحاسّة،فأمّا طلبه بالدّعاء إلى فعله،فلا يسمّى تحسّسا،و التّحسّس و التّجسّس بالحاء و الجيم بمعنى واحد.(6:185)

القشيريّ: و يقال:قوله: فَتَحَسَّسُوا أمر بطلب يوسف بجميع حواسّهم:بالبصر؛لعلّهم تقع عليه أعينهم،و بالسّمع؛لعلّهم يسمعون ذكره،و بالشّمّ؛لعلّهم يجدون ريحه،و قد توهّم يعقوب أنّهم مثله في إرادة الوقوف على شأنه.(3:201)

البغويّ: تخبّروا و اطلبوا الخبر.

و التّحسّس بالحاء و الجيم لا يبعد أحدهما من الآخر،إلاّ أنّ التّحسّس بالحاء في الخير و بالجيم في الشّرّ،و التّحسّس هو طلب الشّيء بالحاسّة.(2:511)

الزّمخشريّ: فتعرّفوا منهما،و تطلّبوا خبرهما.

و قرئ بالجيم كما قرئ بهما في«الحجرات»،و هما«تفعّل» من الإحساس،و هو المعرفة: فَلَمّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ، و من الجسّ،و هو الطّلب،و منه قالوا لمشاعر الإنسان:الحواسّ،و الجواسّ.(2:340)

نحوه البيضاويّ(1:506)،و أبو السّعود(3:424).

ابن الأنباريّ: يقال:تحسّست عن فلان،و لا يقال:من فلان.و قيل هاهنا: مِنْ يُوسُفَ لأنّه أقام (من)مقام«عن»،و يجوز أن يقال:(من)للتّبعيض، و المعنى تحسّسوا خبرا من أخبار يوسف،و استعلموا بعض أخبار يوسف،فذكر كلمة(من)لما فيها من الدّلالة على التّبعيض.(الفخر الرّازيّ 18:198)

الطّبرسيّ: [ذكر المعاني اللّغويّة و أضاف:]

و قيل:التّجسّس-بالجيم-:البحث عن عورات النّاس،و بالحاء:الاستماع لحديث قوم.و سئل ابن عبّاس عن الفرق بينهما،قال:لا يبعد أحدهما عن الآخر، التّحسّس:في الخير،و التّجسّس:في الشّرّ.(3:256)

نحوه الخازن(3:254)،و الشّربينيّ(2:131).

أي استخبروا من شأنهما،و اطلبوا خبرهما، و انظروا أنّ ملك مصر ما اسمه و على أيّ دين هو،فإنّه ألقي في روعي أنّ الّذي حبس ابن يامين هو يوسف،و إنّما طلبه منكم و جعل الصّاع في رحله احتيالا في حبس أخيه عند نفسه.(3:258)

الفخر الرّازيّ: و التّحسّس:طلب الشّيء

ص: 68

بالحاسّة،و هو شبيه بالسّمع و البصر.(18:198)

نحوه النّيسابوريّ.(13:43)

القرطبيّ: هذا يدلّ على أنّه تيقّن حياته:إمّا بالرّؤيا،و إمّا بإنطاق اللّه تعالى الذّئب،كما في أوّل القصّة، و إمّا بإخبار ملك الموت إيّاه بأنّه لم يقبض روحه،و هو أظهر.

و التّحسّس:طلب الشّيء بالحواسّ،فهو«تفعّل» من الحسّ،أي اذهبوا إلى هذا الّذي طلب منكم أخاكم، و احتال عليكم في أخذه،فاسألوا عنه و عن مذهبه.

و يروى أنّ ملك الموت قال له:اطلبه من هاهنا،و أشار إلى ناحية مصر.

و قيل:إنّ يعقوب تنبّه على يوسف بردّ البضاعة، و احتباس أخيه،و إظهار الكرامة؛فلذلك وجّههم إلى جهة مصر دون غيرها.(9:252)

البروسويّ: [نحو الفخر الرّازيّ ثمّ أضاف:]

قال في«تهذيب المصادر»:التّحسّس مثل التّجسّس:آگاهى جستن.

و في«الإحياء»:بالجيم في تطلّع الأخبار،و بالحاء في المراقبة بالعين.

و قال في«إنسان العيون»:ما بالحاء:أن يفحص الشّخص عن الأخبار بنفسه،و ما بالجيم:أن يفحص عنها بغيره.و جاء:«تحسّسوا و لا تجسّسوا».(4:309)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و استعماله في التّعرّف استعمال له في لازم معناه، و قريب منه التّجسّس بالجيم،و قيل:إنّه به:في الشّرّ، و بالحاء:في الخير،و ردّ بأنّه قرئ هنا (فتجسّسوا) بالجيم أيضا.(13:44)

المراغيّ: التّجسّس:البحث عمّا يكتم عنك، و التّحسّس:طلب الأخبار و البحث عنها.(26:138)

مكارم الشّيرازيّ: أصله من:حسّ،بمعنى البحث عن الشّيء المفقود بأحد الحواسّ.و هنا بحث بين اللّغويّين و المفسّرين في الفرق بينه و بين«تجسّس».و قد نقل عن ابن عبّاس:أنّ التّحسّس هو البحث عن الخير، و التّجسّس هو البحث عن الشّرّ.

لكن ذهب آخرون:إلى أنّ«التّحسّس»هو السّعي في معرفة سيرة الأشخاص و الأقوام دون«التّجسّس» الّذي هو في معرفة العيوب.و هنا رأي ثالث:في أنّهما متّحدان في المعنى،إلاّ أنّ ملاحظة الحديث الوارد بقوله:

«لا تجسّسوا و لا تحسّسوا»يثبت لنا أنّهما مختلفان،و أنّ ما ذهب إليه ابن عبّاس في الفرق بينهما هو الأوفق بسياق الآيات المذكورة.و لعلّ المقصود منهما في هذا الحديث الشّريف:لا تبحثوا عن أمور النّاس و قضاياهم سواء كانت شرّا أم خيرا.(7:254)

الوجوه و النّظائر

هارون الأعور:تفسير«أحسّ»على أربعة وجوه:

فوجه منها:أحسّ،يعني رأى،فذلك قوله عزّ و جلّ:

فَلَمّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ آل عمران:52، يقول:رأى منهم الكفر.و قوله: فَلَمّا أَحَسُّوا بَأْسَنا الأنبياء:12،يقول:فلمّا رأوا عذابنا.و قوله: هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ مريم:98،يقول:هل ترى منهم

ص: 69

من أحد.

الوجه الثّاني:الحسّ،يعني:القتل،فذلك قوله:

وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ آل عمران:152،يعني إذ تقتلونهم.

الوجه الثّالث:الحسّ،يعني البحث،فذلك قوله:

اِذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ يوسف:87.

الوجه الرّابع:الحسّ،يعني الصّوت،فذلك قوله عزّ و جلّ: لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها يعني:الصّوت وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ الأنبياء:102.(122)

نحوه الفيروزآباديّ.(2:153)

الحيريّ: باب أحسّ،على خمسة أوجه:[فذكر ثلاثة نحو هارون الأعور الرّؤية و القتل و الصّوت ثمّ قال:]

الثّاني:العلم،كقوله: فَلَمّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ آل عمران:52.

الرّابع:طلب الخبر،كقوله: يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ يوسف:87.(110)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحسّ،أي الشّعور بالشّيء؛يقال:حسّ بالشّيء يحسّ حسّا و حسّا و حسيسا،و أحسّ به و أحسّه،أي شعر به،و حسست به و حسيته و حسيت به و أحسيت أيضا.

و الحسّ:وجع يصيب المرأة عند ما تحسّ الولادة، أو بعدها.و حسّ الحمّى و حساسها:رسّها و أوّلها عند ما تحسّ.يقال:وجد حسّا من الحمّى.

و حسّ:كلمة تقال عند الألم.يقال:ضرب فما قال:

حسّ و لا بسّ،و حسّ و لا بسّ،و حسّا و لا بسّا،و حسّ و لا بسّ.و لآخذنّ منك الشّيء بحسّ أو ببسّ:بمشادّة أو رفق.

و اقتصّ من فلان فما تحسّس:ما تحرّك و ما تضوّر.

و الحاسّة:ما يدرك به الإنسان أو الحيوان ما يطرأ على جسمه من التّغيّرات؛و الجمع:حواسّ،و هي خمس:الطّعم،و الشّمّ،و البصر،و السّمع،و اللّمس.

و شبّهت بها حواسّ الأرض الخمس:البرد،و البرد، و الرّيح،و الجراد،و المواشي.

و جئني بالمال من حسّك و بسّك،أي جئ به من حيث تدركه حاسّة من حواسّك،أو يدركه تصرّف من تصرّفك.

و حسست له أحسّ،و حسست حسّا و حسّا:

رققت له،كأنّ قلبي ألم شفقة عليه،كما قال ابن فارس.

و الحسّ:اسم من الحسّ،و هو برد يحرق الكلأ.

يقال:حسّ البرد الكلأ يحسّه حسّا،و أصابتهم حاسّة من البرد،و إنّ البرد محسّة للنّبات و الكلأ:يحسّه و يحرقه،و أرض محسوسة:أصابها الجراد و البرد، و حسّ البرد الجراد:قتله.

و سنة حسوس:تأكل كلّ شيء.يقال:مرّت بالقوم حواسّ،أي سنون شداد.

و الحسّ:الشّرّ،لأنّه يحسّ به،يقال:ألحق الحسّ بالإسّ،أي ألحق الشّرّ بأهله،أو ألحق الشّيء بالشّيء، أي إذا جاءك شيء من ناحية فافعل مثله.

و الحسّ:القتل الذّريع،لأنّه يحسّ و يشعر بكافّة

ص: 70

الحواسّ لهوله.يقال:حسسناهم حسّا،أي قتلناهم قتلا ذريعا مستأصلا،و الحسيس:القتيل،و جراد محسوس:

قتلته النّار.

و حسّ الدّابّة يحسّها حسّا:نفض عنها التّراب،أي حسّها بالمحسّة،و هي ما يحسّ به،لأنّه ممّا يعتمل به.

و الحسّ و الحسيس:الحركة،و الصّوت الخفيّ.يقال:

ما سمع له حسّا و لا جرسا.

و ذهب فلان فلا حساس به:لا يحسّ به،أو لا يحسّ مكانه،و كلّ ذلك شعور و حسّ إمّا بالحواسّ الظّاهريّة،و إمّا بالحواسّ الباطنيّة،و هي النّفس.

و حسست بالخبر و حسيت و حسيته،و أحسست به و أحسيت و أحسته:أيقنت به.يقال:من أين حسيت هذا الخبر؟أي من أين تخبّرته؟و تحسّست الخبر و تحسّيته:تطلّبته و تبحّثته،و تحسّست من الشّيء:

تخبّرت خبره،و تحسّس فلانا و من فلان:تبحّث.و هل أحسست صاحبك؟أي هل رأيته؟و أحسست من فلان ما ساءني:رأيت.

2-و جاء في النّصوص:«تجسّست الخبر و تحسّسته بمعنى واحد»،إلاّ أنّه يلحظ فرق بين جسّ الأخبار و تحسّسها،ففي«الجسّ»بحث و فحص و تفتيش عن العورات،و هو منحى سلبيّ،و في«الحسّ»استعلام و استماع لغرض العلم و المعرفة،و هو منحى إيجابيّ.و لذا قالوا:إنّ من يتجسّس الخبر يطلبه لغيره،و من يتحسّسه يطلبه لنفسه،فالفعل واحد و الغرض مختلف، انظر«ج س س».

الاستعمال القرآنيّ

جاء من المجرّد المضارع و المصدر كلّ منهما مرّة،و من باب الإفعال ماضيا و مضارعا 3 مرّات،و من باب التّفعّل أمرا مرّة في 6 آيات:

1- وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ

آل عمران:152

2- فَلَمّا أَحَسَّ عِيسى مِنْهُمُ الْكُفْرَ قالَ مَنْ أَنْصارِي إِلَى اللّهِ آل عمران:52

3- فَلَمّا أَحَسُّوا بَأْسَنا إِذا هُمْ مِنْها يَرْكُضُونَ الأنبياء:12

4- هَلْ تُحِسُّ مِنْهُمْ مِنْ أَحَدٍ أَوْ تَسْمَعُ لَهُمْ رِكْزاً مريم:98

5- يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ يوسف:87

6- لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ الأنبياء:102

يلاحظ أوّلا:أنّه جاءت من هذه المادّة ألفاظ ستّة كما تقدّم،و فيها بحوث:

1-فسّر قوله:(تحسّونهم)في(1)بالقتل،و هو قول الأغلب،و نسبه الماورديّ إلى الجميع.و فسّر أيضا بالإفناء و الاستئصال و القطع و الهزيمة و القتل الذّريع و الفاشي.

و اختارت بنت الشّاطئ معنى استئصال الجمع بالسّلاح في موقعة حرب و معركة قتال،و استدلّت على

ص: 71

ذلك بسياق الآية و الظّروف الّتي لا بست نزولها،حسب ما روى ابن هشام في سيرته.

كما قارنت بين استعمال القتل و الحسّ في القرآن، و استنتجت من تدبّر سياق الآيات أنّ في«القتل»عموما و في«الحسّ»خصوصا.

و لعلّ مجيء هذا الفعل مضارعا يدعم ما ذهبت إليه بنت الشّاطئ،أي أنّ استئصال الكافرين و اجتثاث دابرهم سوف يقع على مرّ الدّهور و كرّ العصور،سواء في عهد الرّسول عليه السّلام أم في العهود اللاّحقة.

2-و فسّروا الإحساس في(2)بالعلم و الظّنّ و الوجود و الخوف،و في(3)بالرّؤية و الإدراك و الوجود، و في(4)بالرّؤية و الوجود أيضا،فهل هو إحساس بالحواسّ؟

إنّ الإحساس هو استشعار خفيّ للأمور الحسّيّة بحاسّة من الحواسّ،و إذا كان ذلك في الأمور غير الحسّيّة فهو شعور.و على هذا فإنّه استعير استعارة تبعيّة للعلم بلا شبهة،و أصبح كالمستعار،أي وجدان الشّيء بالحاسّة،و هذا هو الفارق بين الحسّ و الإحساس.

3-و التّحسّس في(5)على وزن«التّفعّل»الّذي يفيد الطّلب،أي استخبار الشّيء و البحث عنه،كما جاء في اللّغة و التّفسير.و الأقرب أنّ«التّفعّل»هنا للتّكلّف، نحو:تشجّع زيد،أي تكلّف الشّجاعة و عاناها لتحصل، و هو وجه حسن،لما في التّحسّس من شدّة و مكابدة، و ترجع هذه الشّدّة إلى الخفاء الّذي يتضمّنه التّحسّس لفقد يوسف و اختفائه.

4-و قال ابن عبّاس في(حسيسها)في(6):صوتها، و قال الطّبريّ:حركتها،و بهما قال سائر المفسّرين.

و الحسيس:مصدر سمّي به كالزّفير،و كلاهما على وزن «فعيل»الّذي يفيد الشّدّة في الأسماء غالبا،مثل:الحديد و البريق و الصّديد،و هو يفيد شدّة حركة تلهّب النّار، و لكن بصوت خفيّ محسوس.

ثانيا:استعملت هذه المادّة في القرآن دائما في المنحى السّلبيّ،لما فيها من معاناة حسّيّة و غير حسّيّة:

الحسّ و الإحساس و الحسيس و التّحسّس.

ثالثا:لهذه الوجوه نظائر و متشابهات في القرآن أيضا:

1-نظائر الحسّ بمعنى القتل و الاستئصال في(1):

وَ لِيُمَحِّصَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَمْحَقَ الْكافِرِينَ

آل عمران:141

وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ إبراهيم:26

وَ قَطَعْنا دابِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ ما كانُوا مُؤْمِنِينَ الأعراف:72

وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً الكهف:35

2-نظائر الإحساس في(2)،و فسّر بمعان:

أ-الظّنّ: وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها الكهف:53

ب-الوجود: وَ ما وَجَدْنا لِأَكْثَرِهِمْ مِنْ عَهْدٍ الأعراف:102

ج-الخوف: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ البقرة 182

ص: 72

3-نظائر الإحساس بمعنى الرّؤية في(3)و(4):

فَلَمّا رَأَوْا بَأْسَنا قالُوا آمَنّا بِاللّهِ وَحْدَهُ وَ كَفَرْنا بِما كُنّا بِهِ مُشْرِكِينَ المؤمن:84

فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ الحاقّة:8

4-نظائر الحسّ بمعنى البحث في(5):

وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَشَدُّ مِنْهُمْ بَطْشاً فَنَقَّبُوا فِي الْبِلادِ هَلْ مِنْ مَحِيصٍ ق:36

وَ لا تَجَسَّسُوا وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً

الحجرات:12

وَ يَسْتَنْبِئُونَكَ أَ حَقٌّ هُوَ يونس:53

5-نظائر الحسيس بمعنى صوت النّار في(6):

إِذا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَها تَغَيُّظاً وَ زَفِيراً الفرقان:12

ص: 73

ص: 74

ح س م

اشارة

حسوما

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحسم:أن تحسم عرقا فتكويه لئلاّ يسيل دمه.

و الحسم:المنع.

و المحسوم:الّذي حسم رضاعه و غذاؤه.

و حسمت الأمر،أي قطعته حتّى لم يظفر منه بشيء، و منه سمّي السّيف حساما،لأنّه يحسم العدوّ عمّا يريد، أي يمنعه.

و الحسوم:الشّؤم.تقول:هذه ليالي الحسوم تحسم الخير عن أهلها،كما حسم عن قوم عاد في قوله تعالى:

ثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً الحاقّة:7،أي شؤما عليهم و نحسا.

حسم:موضع،[ثمّ استشهد بشعر]

و حاسم:موضع.

و حيسمان:اسم رجل.(3:153)

سيبويه :و سيف حسام:قاطع،و كذلك مدية حسام،كما قالوا مدية هذام و جراز.

(ابن سيده 3:213)

الضّبّيّ: تقول العرب:«الحسوم:يورث الحشوم».

الحسوم:الدّءوب،و الحشوم:الإعياء.

(الأزهريّ 4:344)

الكسائيّ: حسام السّيف:طرفه الّذي يضرب به.(الأزهريّ 4:344)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قال العدويّ:تتابعت أيّام حسوم،إذا كان لها رياح في أيّام متتابعات.(1:160)

المحسم:المهموم،و هو المبلس(1:172)

الحسوم:المتتابع.[ثمّ استشهد بشعر](1:213)

الأصمعيّ: الحسام:السّيف القاطع.

ص: 75

(الأزهريّ 4:344)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه كوى سعد بن معاذ أو أسعد بن زرارة في أكحله بمشقص ثمّ حسمه».

قوله:ثمّ حسمه،فالحسم:أصله القطع،و منه قيل:

حسمت هذا الأمر عن فلان،أي قطعته.و إنّما أراد بالحسم هاهنا أنّه قطع الدّم عنه.

و منه حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في اللّصّ حين قطعه،فقال:

«اقطعوه ثمّ احسموه»يعني اكووه لينقطع الدّم.و لم أسمع بالحسم في قطع السّارق عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلاّ في هذا الحديث.

و كذلك حديثه:«عليكم بالصّوم فإنّه محسمة للعرق و مذهبة للأشر»(1:349)

المبرّد: [حسوما]هو من قولك:حسمت الشّيء، إذا قطعته و فصلته عن غيره.(القرطبيّ 18:259)

ابن دريد :الحسم:استئصالك الشّيء قطعا،ثمّ كثر ذلك حتّى قالوا:حسمت الدّاء،إذا كويته و استأصلته.

و سمّي السّيف حساما،لأنّه يحسم الدّم،أي يسبقه فكأنّه قد كواه.

و الأيّام الحسوم:(الدّائمة الشّرّ و الشّؤم خاصّة، و كذلك فسّر في التّنزيل سَبْعَ لَيالٍ وَ ثَمانِيَةَ أَيّامٍ الحاقّة:7،أي دائمة،و اللّه أعلم.

و صبيّ محسوم:سيّئ الغذاء.(2:155)

حيسمان:و هو الضّخم.(3:413)

الصّاحب:الحسم:أن تحسم عرقا فتكويه كي لا يسيل دمه.و سمّي السّيف حساما لأنّه يحسم العدوّ عمّا يريد.

و الحسام:الحدّ،و الحسوم:الشّؤم.

و ليالي الحسوم:تحسم الخير عن أهلها.و ليلة حسام:دائمة؛و جمعها:حسوم،قال اللّه عزّ و جلّ:

ثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً أي تباعا،و قيل:هي الشّديدة.

و حسم و حاسم:من أسماء مواضع بالبادية.

و الحيسمان:اسم رجل من خزاعة.

و المحسوم:الصّغير الجثّة من فساد الرّضاع.

و فلان حسميّ: كثير الشّعر.و لست أحقّه.

(2:497)

الجوهريّ: حسمته:قطعته فانحسم،و منه حسم العرق.

و في الحديث:«أنّه أتي بسارق فقال:اقطعوه ثمّ احسموه»،أي اكووه بالنّار لينقطع الدّم.و في حديث آخر:«عليكم بالصّوم فإنّه محسمة للعرق،و مذهبة للأشر».

و يقال للصّبيّ السّيّئ الغذاء:محسوم.

و قيل:في قوله تعالى: وَ ثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً أي متتابعة.

و يقال:الحسوم:الشّؤم.يقال:اللّيالي الحسوم، لأنّها تحسم الخير عن أهلها.

و الحسام:السّيف القاطع.و حسام السّيف أيضا:

طرفه الّذي يضرب به..

و حسم بالضّمّ:موضع.

و حسمى بالكسر:اسم أرض بالبادية غليظة لا خير فيها،تنزلها جذام.

و يقال:آخر ماء نضب من ماء الطّوفان حسمى،

ص: 76

فبقيت منه هذه البقيّة إلى اليوم،و فيها جبال شواهق ملس الجوانب،لا يكاد القتام يفارقها.

و في حديث أبي هريرة رضى اللّه عنه:«تخرجكم الرّوم منها كفرا كفرا إلى سنبك من الأرض»قيل:و ما ذاك السّنبك؟ قال:حسمى جذام.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(5:1899)

ابن فارس: الحاء و السّين و الميم أصل واحد،و هو قطع الشّيء عن آخره.فالحسم:القطع،و سمّي السّيف حساما.و يقال حسامه:حدّه،أيّ ذلك كان فهو من القطع.

فأمّا قوله تعالى: وَ ثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً الحاقّة:7، فيقال:هي المتتابعة.

و يقال:الحسوم:الشّؤم،و يقال:سمّيت حسوما، لأنّها حسمت الخير عن أهلها.و هذا القول أقيس لما ذكرناه.

و يقال للصّبيّ السّيّئ الغذاء:محسوم،كأنّه قطع نماؤه لمّا حسم غذاؤه.

و الحسم:أن تقطع عرقا و تكويه بالنّار كي لا تسيل دمه،و لذلك يقال:احسم عنك هذا الأمر،أي اقطعه و اكفه نفسك.(2:57)

ابن سيده: حسمه يحسمه حسما فانحسم:قطعه.

و حسم العرق:قطعه ثمّ كواه لئلاّ يسيل دمه.

و حسم الدّاء:قطعه بالدّواء.و هذا الدّواء محسمة للدّاء،أي يقطعه.و منه حديثه صلّى اللّه عليه و سلّم:«عليكم بالصّوم فإنّه محسمة للعرق مذهبة للأشر».

و حسام السّيف:طرفه،سمّي بذلك لأنّه يحسم العدوّ عمّا يريد من بلوغ عداوته.و قيل:سمّي بذلك لأنّه يحسم الدّم،أي يسبقه فكأنّه يكويه.

و حسم عليه الأمر:قطعه،على المثل.

و حسمه الشّيء يحسمه حسما:منعه إيّاه.

و المحسوم:الّذي حسم رضاعه،أي فطم.

و الحسوم:الشّؤم من ذلك.

و أيّام حسوم،و صفت بالمصدر:تقطع الخير أو تمنعه،و قد يضاف،و الصّفة أعلى.

و في التّنزيل: سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَ ثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً الحاقّة:7،و قيل:الأيّام الحسوم:الدّائمة في الشّرّ خاصّة،و على هذا فسّر بعضهم هذه الآية الّتي تلونا.و قيل:هي المتوالية،و أراه المتوالية في الشّرّ خاصّة.

و الحيسمان و الحيسمان جميعا:الضّخم الآدم،و به سمّي الرّجل حيسمانا.

و حسمى:موضع باليمن،و قيل:قبيلة جذام.

و حسم،و ذو حسم،و حسم،و حاسم:مواضع بالبادية.(3:213)

الرّاغب: الحسم:إزالة أثر الشّيء.يقال:قطعه فحسمه،أي أزال مادّته،و به سمّي السّيف حساما.

و حسم الدّاء:إزالة أثره بالكيّ.و قيل للشّؤم.

المزيل الأثر منه:ناله حسوم،قال تعالى: ثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً قيل:حاسما أثرهم،و قيل:حاسما خبرهم، و قيل:قاطعا لعمرهم.و كلّ ذلك داخل في عمومه.(188)

الزّمخشريّ: «عليكم بالصّوم فإنّه محسمة»أي

ص: 77

مقطعة للباءة.(الفائق 1:283)

«لتخرجنّكم الرّوم منها كفرا كفرا إلى سنبك من الأرض.قيل:و ما ذلك السّنبك؟قال:حسمى جذام».

[ثمّ ذكر حديث السّارق عن أبي هريرة و أضاف:]

حسمى:بلد.جذام هو جذام بن عديّ بن عمرو بن سبأ ابن يشجب بن يعرب بن قحطان.و حسمى:ماء معروف لكلب،و يقال:إنّ آخر ما نضب من ماء الطّوفان:حسمى،فبقيت منه هذه البقعة إلى اليوم.[ثمّ استشهد بشعر].(الفائق 3:270)

الطّبرسيّ: و الحسوم:المتوالية،مأخوذ من حسم الدّاء بمتابعة الكيّ عليه،فكأنّه تتابع الشّرّ عليهم حتّى استأصلهم.

و قيل:هو من القطع،فكأنّها حسمتهم حسوما،أي أذهبتهم و أفتنتهم،و قطعت دابرهم.(5:343)

ابن الأثير: [ذكر الأحاديث المتقدّمة و قال:]

و فيه:«فله مثل قور حسما».حسما بالكسر و القصر:اسم بلد جذام،و القور:جمع قارة،و هي دون الجبل.(1:386)

الفيّوميّ: حسمه حسما،من باب«ضرب» فانحسم،بمعنى قطعه فانقطع.

و حسمت العرق على حذف مضاف،و الأصل:

حسمت دم العرق،إذا قطعته و منعته السّيلان بالكيّ بالنّار.و منه قيل للسّيف:حسام،لأنّه قاطع لما يأتي عليه.

و قولهم:حسما للباب،أي قطعا للوقوع كلّيّا.

(1:136)

الفيروزآباديّ: حسمه يحسمه فانحسم:قطعه فانقطع،و العرق:قطعه ثمّ كواه لئلاّ يسيل دمه،و الدّاء:

قطعه بالدّواء،و فلانا الشّيء:منعه إيّاه.

و هذا محسمة للدّاء كمقعدة،أي يقطعه.

و كغراب:السّيف القاطع،أو طرفه الّذي يضرب به،و من اللّيالي:الدّائمة،و اسم.

و المحسوم:من حسم رضاعه،و الصّبيّ السّيّئ الغذاء.

و الحسوم بالضّمّ:الشّؤم،و الدّءوب في العمل و ثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً متتابعة،أو اللّيالي الحسوم:

الّتي تحسم الخير عن أهلها،و أيّام حسوم،و تضاف كذلك.

و الحيسمان كريهقان:الضّخم الآدم.

و حسمى بالكسر:أرض بالبادية بها جبال شواهق،لا يكاد القتام يفارقها،و قبيلة جذام.

و كعنق و صرد و صاحب:مواضع.

و الحسميّ كعمريّ: الكثير الشّعر(4:98)

مجمع اللّغة :حسمه يحسمه حسما و حسوما:قطعه و استأصله،و رأي حاسم:قاطع باتّ.(1:259)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حسم الشّيء:قطعه و استأصله،و الحسوم:الشّؤم و النّحس،و الأيّام الحسوم:

المستأصلة للخير،أو المنقطعة الخير.(1:133)

محمود شيت:أ-حسم الأمر:وضع له حدّا نهائيّا،حلّه حلاّ جذريّا.

ب-الحاسم:نهائيّ.يقال:قرار حاسم:لا جدل بعده.

ص: 78

و الحرب الحاسمة:الحرب الفاصلة،و هي الّتي يكون لها نتائج سوقيّة استراتيجيّة على نتائج الحرب.يقال:

معركة القادسيّة معركة حاسمة.

ج-الحسام:السّيف.(1:184)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو القطع الّذي يستأصل المقطوع من أصله و مادّته،لا القطع المطلق.

و بهذا اللّحاظ تستعمل في مورد قطع الدّم بالكيّ، و في طفل قطع رضاعه و غذاؤه،و في السّيف الحديد شديدا،و نظائرها.(2:237)

النّصوص التّفسيريّة

حسوما

سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَ ثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً... الحاقّة:7

ابن مسعود:تباعا متوالية.

مثله ابن عبّاس و مجاهد و قتادة(الطّوسيّ 10:95)

ابن عبّاس: دائما متتابعا لا يفتر عنهم.(483)

نحوه قتادة.(الطّبريّ 29:51)

تباعا.(الطّبريّ 29:50)

مثله مجاهد و عكرمة.(الطّبريّ 29:51)

مجاهد :متتابعة.(الطّبريّ 29:50)

مثله عكرمة(الطّبريّ 29:51)،و أبو عبيدة (2:266)

عكرمة :مشائيم.

مثله الرّبيع(الماورديّ 6:77).

الضّحّاك:إنّها حسمت اللّيالي و الأيّام حتّى استوفتها،لأنّها بدأت طلوع الشّمس من أوّل يوم، و انقطعت مع غروب الشّمس من آخر يوم.

(الماورديّ 6:77)

الكلبيّ: دائمة.

مثله مقاتل.(الطّبرسيّ 5:344)

الخليل: أي شؤما عليهم و نحسا(3:153)

قاطعة،قطعتهم قطعا حتّى أهلكتهم.

(الطّبرسيّ 5:344)

العوفيّ: مشائم نكداء قليلة الخير،حسمت الخير عن أهلها.(الطّبرسيّ 5:344)

مقاتل: هاجت الرّيح غدوة،سكنت بالعشيّ في اليوم الثّامن،و قبضت أرواحهم في ذلك اليوم،ثمّ بعث اللّه طيرا أسود فالتقطهم حتّى ألقاهم في البحر.

(ابن الجوزيّ 8:346)

ابن زيد :حسمتهم لم تبق منهم أحدا،ذلك الحسوم،مثل الّذي يقول:احسم هذا الأمر.و كان فيهم ثمانية لهم خلق يذهب بهم في كلّ مذهب.

قال موسى بن عقبة:فلمّا جاءهم العذاب قالوا:

قوموا بنا نردّ هذا العذاب عن قومنا،فقاموا و صفّوا في الوادي،فأوحى اللّه إلى ملك الرّيح أن يقلع منهم كلّ يوم واحدا،و قرأ قول اللّه: سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَ ثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً حتّى بلغ: نَخْلٍ خاوِيَةٍ فإن كانت الرّيح لتمرّ بالظّعينة فتستدبرها و حمولتها،ثمّ تذهب بهم في السّماء.ثمّ تكبّهم على الرّءوس،و قرأ قول اللّه:

فَلَمّا رَأَوْهُ عارِضاً مُسْتَقْبِلَ أَوْدِيَتِهِمْ قالُوا هذا

ص: 79

عارِضٌ مُمْطِرُنا الأحقاف:24،و كان أمسك عنهم المطر،فقرأ حتّى بلغ: تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها الأحقاف:25،و ما كانت الرّيح تقلع من أولئك الثّمانية كلّ يوم إلاّ واحدا،فلمّا عذّب اللّه قوم عاد،أبقى اللّه واحدا ينذر النّاس،فكانت امرأة قد رأت قومها،فقالوا لها:أنت أيضا،قالت:تنحّيت على الجبل،و قد قيل لها بعد:أنت قد سلمت و قد رأيت،فكيف لا رأيت عذاب اللّه؟قالت:ما أدري غير أن أسلم ليلة ليلة لا ريح.

(الطّبريّ 29:51)

الفرّاء: الحسوم:التّباع،إذا تتابع الشّيء فلم ينقطع أوّله عن آخره،قيل:فيه حسوم.و إنّما أخذوا- و اللّه أعلم-من حسم الدّاء،إذا كوي صاحبه،لأنّه يكوى بمكواة ثمّ يتابع ذلك عليه.(3:180)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:سخّر تلك الرّياح على عاد سبع ليال و ثمانية أيّام حسوما،فقال بعضهم:عنى بذلك تباعا...

و قال آخرون:عنى بقوله(حسوما):الرّيح،و أنّها تحسم كلّ شيء،فلا تبقي من عاد أحدا،و جعل هذه الحسوم من صفة الرّيح.

و أولى القولين في ذلك عندي بالصّواب قول من قال:عنى بقوله:(حسوما)متتابعة،لإجماع الحجّة من أهل التّأويل على ذلك.و كان بعض أهل العربيّة يقول:

«الحسوم»:التّباع،إذا تتابع الشّيء فلم ينقطع أوّله عن آخره قيل:فيه حسوم.قال:و إنّما أخذ-و اللّه أعلم-من حسم الدّاء إذا كوي صاحبه،لأنّه لحم يكوى بالمكواة، ثمّ يتابع عليه.(29:51)

الزّجّاج:دائمة،و قالوا:متابعة.فأمّا ما توجبه اللّغة فعلى معنى تحسمهم حسوما،أي تذهبهم و تفنيهم.

(5:214)

القمّيّ: كان القمر منحوسا بزحل سبع ليال و ثمانية أيّام حتّى هلكوا.(2:383)

الطّوسيّ: (حسوما)أي قاطعة قطع عذاب الاستئصال،أصله:القطع،حسم طمعه من كذا،إذا قطعه،حسم يحسم حسما،إذا قطع،و انحسم الشّرّ، إذا انقطع.

و قال عبد اللّه بن مسعود و ابن عبّاس و مجاهد و قتادة:معنى(حسوما)تباعا متوالية،مأخوذا من حسم الدّاء بمتابعة الكيّ عليه،فكأنّه تتابع الشّرّ عليهم حتّى استأصلهم.

و قيل:(حسوما)قطوعا لم يبق منه أحد،و نصب (حسوما)على المصدر،أي يحسمهم حسوما.

(10:95)

الواحديّ: ولاء متتابعة،يعني أنّ هذه الأيّام و اللّيالي تتابعت عليهم بالرّيح المهلكة،فلم يكن فيها فتور و لا انقطاع.[ثمّ نقل قول الفرّاء و الزّجّاج و أضاف:]

و هذا معنى قول النّضر بن شميّل:حسمتهم:

فقطعتهم و أهلكتهم.(4:344)

البغويّ: قال مجاهد و قتادة:متتابعة ليس فيها فترة،فعلى هذا هو حسم الكيّ،و هو أن يتابع على موضع الدّاء بالمكواة حتّى يبرأ،ثمّ قيل لكلّ شيء توبع:

حاسم؛و جمعه:حسوم،مثل شاهد و شهود.(5:144)

ص: 80

الزّمخشريّ: الحسوم لا يخلو من أن يكون جمع حاسم،كشهود و قعود،أو مصدرا كالشّكور و الكفور.

فإن كان جمعا فمعنى قوله:(حسوما)نحسات حسمت كلّ خير و استأصلت كلّ بركة،أو متتابعة هبوب الرّياح ما خفتت ساعة حتّى أتت عليهم،تمثيلا لتتابعها بتتابع فعل الحاسم،في إعادة الكيّ على الدّاء كرّة بعد أخرى حتّى ينحسم.

و إن كان مصدرا:فإمّا أن ينتصب بفعله مضمرا،أي تحسم حسوما،بمعنى تستأصل استئصالا،أو يكون صفة،كقولك:ذات حسوم،أو يكون مفعولا له،أي سخّرها عليهم للاستئصال.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ السّدّيّ (حسوما) بالفتح،حالا من الرّيح،أي سخّرها عليهم مستأصلة.

و قيل:هي أيّام العجوز،و ذلك أنّ عجوزا من عاد توارت في سرب فانتزعتها الرّيح في يوم الثّامن، فأهلكتها.

و قيل:هي أيّام العجز،و هي آخر الشّتاء، و أسماؤها:الصّنّ،و الصّنبر،و الوبر،و الآمر،و المؤتمر، و المعلّل،و مطفئ الجمر،و قيل:مكفئ الظّعن.

(4:150)

نحوه أبو السّعود(6:294)،و البروسويّ(10:132)، و البيضاويّ(2:499).

الطّبرسيّ: (حسوما)نصب على المصدر الموضوع موضع الصّفة ل(ثمانية)أي تحسمهم حسوما.و يجوز أن يكون جمع حاسم،فيكون مثل راقد و رقود،و ساجد و سجود.و على هذا فيكون منصوبا على أنّه صفة ل(ثمانية)أيضا.(5:343)

ابن عطيّة: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و هذه كما تقول العرب:ما لقيته حولا محرّما.[ثمّ استشهد بشعر]

و معناه أنّ تلك الأيّام قطعتهم بالإهلاك،و منه:

حسم العلل و منه الحسام.(5:357)

الفخر الرّازيّ: أي متتابعة متوالية،و اختلفوا في «الحسوم»على وجوه:

أحدها:و هو قول الأكثرين(حسوما)أي متتابعة، أي هذه الأيّام تتابعت عليهم بالرّيح المهلكة،فلم يكن فيها فتور،و لا انقطاع.و على هذا القول:حسوم:جمع حاسم،كشهود و قعود.و معنى هذا الحسم في اللّغة:

القطع بالاستئصال،و سمّي السّيف حساما،لأنّه يحسم العدوّ عمّا يريد،من بلوغ عداوته.فلمّا كانت تلك الرّياح متتابعة ما سكنت ساعة حتّى أتت عليهم،أشبه تتابعها عليهم تتابع فعل الحاسم في إعادة الكيّ على الدّاء،كرّة بعد أخرى،حتّى ينحسم.

و ثانيها:أنّ الرّياح حسمت كلّ خير.و استأصلت كلّ بركة،فكانت حسوما أو حسمتهم،فلم يبق منهم أحد.فالحسوم على هذين القولين:جمع حاسم.

و ثالثها:أن يكون الحسوم مصدرا كالشّكور و الكفور،و على هذا التّقدير:فإمّا أن ينتصب بفعله مضمرا،و التّقدير:يحسم حسوما،يعني استئصل استئصالا،أو يكون صفة،كقولك:ذات حسوم،أو يكون مفعولا له،أي سخّرها عليهم للاستئصال.

و قرأ السّدّي (حسوما) بالفتح حالا من الرّيح،أي

ص: 81

سخّرها عليهم مستأصلة.

و قيل:هي أيّام العجوز،و إنّما سمّيت بأيّام العجوز، لأنّ عجوزا من عاد توارت في سرب،فانتزعتها الرّيح في اليوم الثّامن،فأهلكتها.

و قيل:هي أيّام العجز و هي آخر الشّتاء.

(30:104)

القرطبيّ: أي متتابعة لا تفتر و لا تنقطع،عن ابن عبّاس و ابن مسعود و غيرهما.قال الفرّاء:الحسوم:

التّباع،من حسم الدّاء إذا كوي صاحبه،لأنّه يكوى بالمكواة ثمّ يتابع ذلك عليه.

و قيل:الحسم:الاستئصال،و يقال للسّيف:

حسام،لأنّه يحسم العدوّ عمّا يريده من بلوغ عداوته.

و المعنى:أنّها حسمتهم أي قطعتهم و أذهبتهم،فهي القاطعة بعذاب الاستئصال.[إلى أن قال:]

و اختلف في أوّلها،فقيل:غداة يوم الأحد قاله السّدّيّ.و قيل:غداة يوم الجمعة قاله الرّبيع بن أنس.

و قيل:غداة يوم الأربعاء قاله يحيى بن سلاّم و وهب بن منبّه.

قال وهب:و هذه الأيّام هي الّتي تسمّيها العرب:

أيّام العجوز ذات برد و ريح شديدة...[و استشهد بالشّعر مرّتين](18:259)

الشّربينيّ: في إعراب(حسوما)أوجه:أحدها:

أن ينتصب نعتا لما قبله.ثانيها:أن ينتصب على الحال، أي ذات حسوم.ثالثها:أن ينتصب على المصدر بفعل من لفظها،أي تحسمهم حسوما.

و اختلفوا في أوّلها،فقال السّدّيّ: غداة يوم الأحد، و قال الرّبيع بن أنس:غداة يوم الجمعة،و قال يحيى بن سلاّم و وهب بن منبّه:غداة يوم الأربعاء،و هو يوم النّحس المستمرّ،قيل:كان آخر أربعاء في السّنة و آخرها يوم الأربعاء.

و قال البقاعيّ: و هي من صبيحة الأربعاء لثمان بقين من شوّال غروب الأربعاء الآخر و هو آخر الشّهر.و قد لزم من زيادة عدد الأيّام أنّ الابتداء كان بها قطعا و إلاّ لم تكن اللّيالي سبعا،فتأمّل ذلك و هو ظاهر.و لمّا كان الحاسم المهلك تسبّب عنه قوله تعالى مصوّرا لحالهم الماضية.(4:369)

الآلوسيّ: أي متتابعات،كما قال ابن عبّاس و عكرمة و مجاهد و قتادة و أبو عبيدة:جمع حاسم، كشهود جمع شاهد،من حسمت الدّابّة،إذا تابعت كيّها على الدّاء كرّة بعد أخرى حتّى ينحسم.فهي مجاز مرسل من استعمال المقيّد،و هو الحسم الّذي هو تتابع الكيّ في مطلق التّتابع.و في«الكشف»،هو مستعار من الحسم بمعنى الكيّ.

شبّه الأيّام بالحاسم و الرّيح لملابستها بها و هبوبها فيها و استمرار وصفها بوصفها،في قولهم:يوم بارد و حارّ إلى غير ذلك،بفعل الأيّام كلّ هبّة منها كيّة،و تتابعها بتتابع الكيّات حتّى يحصل الانحسام،أي استئصال الدّاء الّذي هو المقصود.

و المعنى بعد التّلخيص:متتابعة هبوب الرّياح حتّى أتت عليهم و استأصلتهم،أو نحسات مشئومات كما قال الخليل.

قيل:و المعنى قاطعات الخير بنحوستها و شؤمها،

ص: 82

فمعمول(حسوما)محذوف،أو قاطعات قطعت دابرهم و أهلكتهم عن آخرهم،كما قال ابن زيد.[ثمّ ذكر قول الرّاغب و الزّمخشريّ](29:41)

المراغيّ: أي و أمّا عاد فأهلكوا بريح مهلكة عتت عليهم بلا شفقة و لا رحمة،فما قدروا على الخلاص منها بحيلة:من استتار ببناء،أو لياذ بجبل؛أو اختفاء في حفرة، فقد كانت تنزعهم من مكانهم و تهلكهم،و قد دامت سبع ليال و ثمانية أيّام بلا انقطاع و لا فتور.(29:52)

الطّباطبائيّ: و الحسوم:جمع حاسم،كشهود جمع شاهد،من الحسم بمعنى تكرار الكيّ مرّات متتالية.

(19:393)

المصطفويّ: الحسوم:مصدر،و نصبه على أنّه مفعول لأجله،أي سخّرها عليهم ليحسمهم و يقطع دابرهم و يستأصلهم و يفني مادّة حياتهم.أو أنّه مفعول مطلق و فعله محذوف،أي سخّرها عليهم و حسمهم حسوما.

و أمّا التّفاسير الأخر،فبعيدة عن الحقيقة و التّحقيق.

و لا يخفى لطف التّعبير بها في هذا المورد.(1:237)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحسم،و هو استئصال العرق و كيّه،يقال:حسم العرق يحسمه حسما فانحسم،أي قطعه فانقطع،ثمّ كواه،لئلاّ يسيل دمه.

ثمّ استعمل في كلّ قطع مستأصل و إن لم يكو.يقال:

حسم الدّاء،أي قطعه بالدّواء.و الحسام:السّيف القاطع.يقال:سيف حسام،أي قاطع،لأنّه يحسم الدّم،أي يسبقه،فكأنّه قد كواه.

و المحسوم:الّذي حسم رضاعه و غذاؤه،أي قطع،و يقال للصّبيّ السّيّئ الغذاء:محسوم؛يقال:حسمته الرّضاع أمّه تحسمه حسما.

و تجوّزوا فيه أيضا،فاستعملوه بمعنى المنع.يقال:

حسمه الشّيء يحسمه حسما و حسوما،أي منعه إيّاه، و أنا أحسم على فلان الأمر:أقطعه عليه و أمنعه منه،لا يظفر منه بشيء.و أيّام حسوم:تقطع الخير أو تمنعه.

و الأحسم:الرّجل البازل القاطع للأمور،و الحيسم:

القاطع للأمور و الكيّس.

2-و روى الأزهريّ في«ه س م»عن ثعلب،عن ابن الأعرابيّ،قال:«الحسم:الكاوون»،ثمّ قال:

«قلت:كأنّ الأصل«الحسم»،و هم الّذين يتابعون الكيّ مرّة بعد أخرى،ثمّ قلبت الحاء هاء».

بيد أنّ الأزهريّ لم يذكر مفرد«الهسم»،و أنّ «الحسم»لم يرد في مادّة«ح س م»،و القياس يقتضي أن يكون«فعل»جمعا لما زيد حرف مدّ قبل آخره من الثّلاثيّ،إذا كان صحيح الآخر،و غير مضاعف إن كانت المدّة ألفا،نحو:ذراع و ذرع،و عمود و عمد،و قضيب و قضب،و هذا مطّرد فيه.و لكنّه لا يطّرد في المضاعف المزيد ألفا،و منه:عنان و عنن،و حجاج و حجج.و أمّا المضاعف فهو غير مطّرد أيضا،إن كان حرفه الزّائد ألفا، نحو:سرير و سرر،و ذلول و ذلل.فلم يرد في«ح س م» حسام،أو حسوم،أو حسوم،أو حسيم.

إضافة إلى ذلك فإنّ هذين الحرفين لم يذكرا في كتب الإبدال،فالأنسب أنّ كلّ واحد منهما أصل برأسه.

ص: 83

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«حسوما»مرّة في آية:

سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَ ثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً... الحاقّة:7

يلاحظ أوّلا:أنّ الحسوم جاء بمعنى الدّوام و التّتابع و التّوالي،حكاية لنزول العذاب على قوم عاد،و فيه بحوث:

1-ذكر اللّغويّون و المفسّرون في علّة تسمية ليالي العذاب بالحسوم أقوالا:قال الخليل :«تقول:هذه ليالي الحسوم تحسم الخير عن أهلها،كما حسم عن قوم عاد»، و قال المبرّد:«هو من قولك:حسمت الشّيء،إذا قطعته و فصلته عن غيره»،و قال الطّبرسيّ:«مأخوذ من:

حسم الدّاء بمتابعة الكيّ عليه،فكأنّه تتابع الشّرّ عليهم حتّى استأصلهم».

2-اختلفوا في إعراب«حسوم»و لفظه على أقوال:

الأوّل:مصدر منصوب بفعل مضمر،و تقديره:

تحسمهم حسوما.

و الثّاني:مفعول لأجله،أي سخّرها عليهم للاستئصال.

و الثّالث:منصوب على الحال،أي ذات حسوم.

و الرّابع:جمع«حاسم»كشهود و قعود.

3-روى الزّمخشريّ عن السّدّيّ أنّه قرأ (حسوما) بالفتح،حالا من الرّيح،أي سخّرها عليهم مستأصلة.

ثانيا:ينبئ السّياق عن أنّ(حسوما)مصدرا أقرب من كونه جمع«حاسم»،كما أنّه لم يؤثر في اللّغة«حسوم» جمعا ل«حاسم»و إنّما هو من وضع المفسّرين،قاسوه بألفاظ جاءت على هذا الغرار.ثم إنّ قراءة الفتح تمنع هذا القياس أيضا.

ص: 84

ح س ن

اشارة

32 لفظا،194 مرّة:105 مكّيّة،89 مدنيّة

في 50 سورة:33 مكّيّة،17 مدنيّة

حسن 1:-1 احسنتم 2:2

حسنت 2:2 يحسنون 1:1

احسن 34:24-10 تحسنوا 1:-1

احسنه 1:1 احسن 1:1

باحسنها 1:1 احسنوا 1:-1

الحسنى 17:11-6 محسن 4:2-2

الحسنيين 1:-1 محسنون 1:-1

حسنا 18:8-1 محسنين 1:1

حسن 1:-1 المحسنين 32:21-11

حسنة 17:5-12 للمحسنات 1:-1

الحسنة 11:8-3 احسان 3:-3

حسنات 1:-1 الاحسان 3:1-2

الحسنات 2:-2 احسانا 6:1-5

حسنهنّ 1:-1 حسان 2:-2

احسن 9:7-2 حسن 7:3-4

احسنوا 6:4-2 حسنا 5:1-4

النصوص اللّغويّة

الخليل :حسن الشيء فهو حسن.و المحسن:

الموضع الحسن في البدن؛و جمعه:محاسن.

و امرأة حسناء،و رجل حسّان.و قد يجيء«فعّال» نعتا:

رجل كرّام،قال اللّه: مَكْراً كُبّاراً نوح:22.

و الحسّان:الحسن جدّا،و لا يقال:رجل أحسن.

و جارية حسّانة.

و المحاسن من الأعمال ضدّ المساوئ،قال اللّه عزّ و جلّ: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ يونس:

26،أي الجنّة،و هي ضدّ السّوأى.

و حسن:اسم رملة لبني سعد،و في أشعارهم:يوم الحسن.

ص: 85

و كتاب التّحاسين،و هو الغليظ و نحوه من المصادر، يجعل اسما ثمّ يجمع،كقولك:تقاصيب (1)الشّعر، و تكاليف الأشياء.(3:143)

سيبويه :و لا يكسّر[حسّانون]،استغنوا عنه بالواو و النّون.(ابن سيده 3:197)

إذا نسبت إلى«محاسن»قلت:محاسنيّ،فلو كان له واحد لردّه إليه في النّسب،و إنّما يقال:إنّ واحده حسن على المسامحة،و مثله المفاقر و المشابه و الملامح و اللّيالي.

(ابن سيده 3:198)

أمّا الّذين قالوا:«الحسن»في اسم الرّجل،فإنّما أرادوا أن يجعلوا الرّجل هو الشّيء بعينه،و لم يجعلوه سمّي به،و لكنّهم جعلوه كأنّه وصف له غلب عليه.

و من قال:«حسن»فلم يدخل فيه الألف و اللاّم، فهو يجريه مجرى زيد.(ابن سيده 3:199)

أبو عمرو الشّيبانيّ: أنا لا أحسن اللّعب،إلاّ جلخ جلب.(1:129)

إنّه لحسن الحبر،إذا كان ناعما.(1:142)

إنّه لحسن الحبر،إذا كان حسن الهيئة،أو سيّئ الحبر.(1:149)

و يقال:إنّها المحسنة حسنة طلا،و حسنة شآبيب الوجه.(1:191)

أبو عبيدة :رجل كريم و كرّام،و مليح و ملاّح، و جميل و جمّال،و حسين و حسّان.(إصلاح المنطق:108)

أبو زيد :و يقال:هذا الطّعام أو الشّراب أو ما كان من شيء تطيب عنه نفسك:هذا مطيبة لنفسي و هذا محسنة لجسمي،إذا حسن جسمك عليه.(93)

الأصمعيّ: أحسن النّساء:الفخمة الأسلة [المنتصبة لا عوج في قامتها](القاليّ 2:20)

اللّحيانيّ: احسن إن كنت حاسنا،فهذا في المستقبل؛و إنّه لحسن،يريد فعل الحال.

(ابن سيده 3:197)

ابن الأعرابيّ: أحسن الرّجل:إذا جلس على الحسن،و هو الكثيب النّقيّ العالي؛و به سمّي الغلام حسنا.

و الحسين:الجبل العالي؛و به سمّي الغلام حسينا.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:316)

أبو الهيثم:أصل قولهم:شيء حسن إنّما هو شيء حسين،لأنّه من:حسن يحسن،كما قالوا:عظم فهو عظيم،و كرم فهو كريم،كذلك حسن فهو حسين،إلاّ أنّه جاء نادرا،ثمّ قلب الفعيل فعالا ثمّ فعّالا،إذا بولغ في نعته،فقالوا:حسين و حسان و حسّان،و كذلك كريم و كرام و كرّام.(الأزهريّ 4:315)

المبرّد: «و قتلوا حسّان بن حسّان»من أخذ حسّانا من الحسن صرفه،لأنّ وزنه«فعّال»فالنّون منه في موضع الدّال من حمّاد.و من أخذه من«الحسّ»لم يصرفه،لأنّه حينئذ«فعلان»فلا ينصرف في المعرفة، و ينصرف في النّكرة،لأنّه ليست له«فعلى»فهو بمنزلة سعدان و سرحان.(1:14)

«...و قد مات بسطام بن قيس و قتل بالحسن و هو جبل»كذا وقعت الرّواية:بالحسن و هو جبل بالجيم، و الصّحيح«حبل»بالحاء.قال ابن سراج رحمه اللّه تعالى:الحسن و الحسين:حبلا رمل.(1:134)د.

ص: 86


1- كذا بالضّاد،و الصّحيح كما يأتي عن الأزهريّ بالصّاد.

ثعلب:أنّه قيل لأعرابيّ: ما تقول في فلانة؟قال:

هي حسنة موقف الرّاكب،يعني يديها و عينيها،و ذلك أنّ الرّاكب حين يقف يراها.

و قيل لآخر:ما تقول في نساء بني فلان؟قال:برقع و انظر:يريد حسن أعينهنّ.

و قيل لآخر:ما تقول في نساء بني فلان؟فقال:اقطع رأسا و ابتعث:يريد أنّهنّ حسان الأبدان فقط.

(أبو زيد:170)

قال اللّه جلّ و عزّ: (وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً) و قرئ و قولوا للناس حسنا البقرة:83.

قال بعض أصحابنا:اخترنا حسنا،لأنّه يريد:قولا حسنا.و الأخرى مصدر حسن يحسن حسنا.و نحن نذهب إلى أنّ الحسن شيء من الحسن،و الحسن:شيء من الكلّ،و يجوز هذا في هذا،و اختار أبو حاتم حسنا.

(الأزهريّ 4:314)

و كان ينبغي أن يقال:[رجل أحسن]لأنّ القياس يوجب ذلك.

و لا يقال للذّكر:أحسن،إنّما نقول:هو الأحسن على إرادة التّفضيل؛و الجمع:الأحاسن.(ابن سيده 3:197)

الزّجّاج: يقال:حسنه و أحسنه،إذا أغضبه.و مثله في معناه:حمسه و أحمسه بالسّين.(فعلت و أفعلت:10)

كراع النّمل:لا يقال للذّكر:أحسن إنّما نقول:هو الأحسن،على إرادة التّفضيل؛و الجمع:الأحاسن.

(ابن سيده 3:197)

ابن دريد :و الحسن:حبل رمل في بلاد بني ضبّة.

(1:83)

الحسن:ضدّ القبيح،و الحسن:ضدّ القبح و حسن الشّيء يحسن حسنا.

و لا يكادون يقولون:رجل أحسن،إلاّ أنّهم يقولون:

امرأة حسّانة و رجل حسّان.و قالوا:امرأة حسّانة جمالة.

و الحسان:جمع حسن،ألحقوها بضدّها،فقالوا:

قباح و حسان،كما قالوا:عجاف و سمان.

قال ابن الكلبيّ: لا نعرف في الجاهليّة أحدا سمّي حسنا و حسينا،و هذا غلط،لأنّ بطنين من طيّئ يقال:

بنو حسن،و بنو حسين أبناء ثعل بن عمر بن الغوب بن طيّئ.

و الحسن:كثيب بنجد في بلاد بني ضبّة في الموضع الّذي قتل فيه بسطام بن قيس الشّيبانيّ.[ثمّ استشهد بشعر].

و قد سمّت العرب حسّان،و يجوز أن يكون اشتقاقه من شيئين:فإمّا أن يكون من«الحسن»فهو«فعّال» و ينصرف في المعرفة و النّكرة.و إن كان من«الحسّ» و هو القتل الشّديد،فالنّون فيه زائدة،و هو«فعلان» لا ينصرف.(2:156)

القاليّ: و يقال:«محسنة فهيلي»،يقال ذلك للرّجل يسيء في أمر يفعله فيؤمر بذلك على سبيل الهزء به.

(1:132)

قال بعض بني عقيل و بني كلاب:هو الأكرم و الأفضل و الأجمل و الأحسن و الأرذل و الأنذل و الأسفل و الألأم،و هي الكرمى و الفضلى و الحسنى...

(1:152)

و يقال:الحسن أحمر،أي من أراد الحسن صبر على

ص: 87

أشياء يكرهها.(1:195)

الأزهريّ: يقال:فلانة كثيرة المحاسن.

قلت:لا تكاد العرب توحّد المحاسن،و القياس محسن:كما قال اللّيث.

و يقال:أحسن يا هذا فإنّك محسان،أي لا تزال محسنا.

و الإحسان:ضدّ الإساءة،و فسّر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم «الإحسان»حين سأله جبريل،فقال:«هو أن تعبد اللّه كأنّك تراه،فإن لم تكن تراه فإنّه يراك»و هو تأويل قوله جلّ و عزّ: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ النّحل:

90،و قوله جلّ و عزّ: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ الرّحمن:60،أي ما جزاء من أحسن في الدّنيا إلاّ أن يحسن إليه في الآخرة.

و الحسن:نقا في ديار بني تميم معروف،أصيب عنده بسطام بن قيس يوم النّقا.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّحاسين:جمع التّحسين،اسم بني على«تفعيل»، و مثله تكاليف الأمور،و تقاصيب الشّعر:ما جعد من ذوائبه.

و في النّوادر:حسيناؤه أن يفعل كذا،و حسيناه مثله،و كذلك غنيماؤه و حميداؤه،أي جهده و غايته...

يقال:الاسم الأحسن و الأسماء الحسنى.و لو قيل في غير القرآن:الحسن،لجاز،و مثله قوله: لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى طه:23،لأنّ الجماعة مؤنّثة.

و في حديث أبي رجاء العطارديّ و قيل له:ما تذكر؟ فقال:أذكر مقتل بسطام بن قيس على الحسن.فقال الأصمعيّ: هو جبل رمل.

و في حديث أبي هريرة:«كنّا عند النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في ليلة ظلماء حندس و عنده الحسن و الحسين عليهما السّلام،فسمع تولول فاطمة عليها السّلام و هي تناديهما:يا حسنان،يا حسينان! فقال:ألحقا بأمّكما».

غلّبت اسم أحدهما على الآخر،كما قالوا:العمران.

و يحتمل أن يكون كقولهم:الجلمان للجلم،و القلمان للمقلام و هو المقراض.هكذا روى سلمة عن الفرّاء بضمّ النّون فيهما جميعا،كأنّه جعل الاسمين اسما واحدا، فأعطاهما حظّ الاسم الواحد من الإعراب.

و العرب تقول:أحسنت بفلان،و أسأت بفلان،أي أحسنت إليه،و أسأت إليه.و تقول:أحسن بنا،أي أحسن إلينا و لا تسئ بنا.(4:314)

الصّاحب:الحسن:نعت لما حسن،تقول:حسن يحسن حسنا.

و المحسن:الموضع الحسن في البدن؛و الجميع:

المحاسن.

و امرأة حسناء،و رجل حسّان،و جارية حسّانة.

و المحاسن:ضدّ المساوئ.

و فلان محسان:لا يزال يحسن.

و الحسنى:ضدّ السّوأى.

و حسن:اسم رمل لبني سعد.

و كتاب التّحاسين:الغليظ.

و الحسيناء:ممدودة:شجرة خضراء لها حبّ و ورق صغير.

و الحسن:عظم في المرفق.(2:487)

الجوهريّ: الحسن:نقيض القبح؛و الجمع:محاسن

ص: 88

على غير قياس،كأنّه جمع محسن،و قد حسن الشّيء، و إن شئت خفّفت الضّمّة فقلت:حسن الشّيء.

و لا يجوز أن تنقل الضمّة إلى الحاء،لأنّه خبر،و إنّما يجوز النّقل إذا كان بمعنى المدح أو الذّمّ،لأنّه يشبّه في جواز النّقل ب«نعم»و«بئس»؛و ذلك أنّ الأصل فيهما:

نعم و بئس،فسكّن ثانيهما و نقلت حركته إلى ما قبله.

و كذلك كلّ ما كان في معناهما.

و يقال:رجل حسن بسن،و بسن إتباع له.

و امرأة حسنة.و قالوا:امرأة حسناء،و لم يقولوا:

رجل أحسن،و هو اسم أنّث من غير تذكير،كما قالوا:

غلام أمرد،و لم يقولوا:جارية مرداء،فهو يذكّر من غير تأنيث.

و الحاسن:القمر.

و حسّنت الشّيء تحسينا:زيّنته،و أحسنت إليه و به.

و هو يحسن الشّيء،أي يعمله.و يستحسنه:يعدّه حسنا.

و الحسنة:خلاف السّيّئة،و المحاسن:خلاف المساوئ،و الحسنى:خلاف السّوأى.

و الحسّان بالضّمّ:أحسن من الحسن؛و الأنثى:

حسّانة.

و يقال:إنّي أحاسن بك النّاس.و هذا طعام محسنة للجسم،بالفتح.

و حسّان:اسم رجل،إن جعلته«فعّالا»من الحسن أجريته،و إن جعلته«فعلان»من الحسّ و هو القتل أو الحسّ بالشّيء،لم تجره.و تصغير فعّال:حسيسين، و تصغير فعلان:حسيسان.

و ذكر الكلبيّ أنّ في طيّئ بطنين يقال لهما:الحسن و الحسين.

و الحسن:اسم رملة لبني سعد قتل بها أبو الصّهباء بسطام بن قيس بن خالد الشّيبانيّ،قتله عاصم بن خليفة الضّبّيّ.قال:و هما حبلان أو نقوان.[ثمّ نقل قول المبرّد و استشهد بالشّعر 3 مرّات](5:2099)

ابن فارس: الحاء و السّين و النّون أصل واحد؛ فالحسن:ضدّ القبح.

يقال:رجل حسن و امرأة حسناء و حسّانة.

و ليس في الباب إلاّ هذا.

و يقولون:الحسن:جبل،و حبل من حبال الرّمل.

و المحاسن من الإنسان و غيره:ضدّ المساوئ.

و الحسن من الذّراع:النّصف الّذي يلي الكوع، و أحسبه سمّي بذلك مقابلة بالنّصف الآخر؛لأنّهم يسمّون النّصف الّذي يلي المرفق:القبيح،و هو الّذي يقال له:كسر قبيح.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(2:57)

أبو هلال :الفرق بين الإنعام و الإحسان:أنّ الإنعام لا يكون إلاّ من المنعم على غيره،لأنّه متضمّن بالشّكر الّذي يجب وجوب الدّين.و يجوز إحسان الإنسان إلى نفسه،تقول:لمن يتعلّم العلم:إنّه يحسن إلى نفسه، و لا تقول:منعم على نفسه.

و الإحسان:متضمّن بالحمد،و يجوز حمد الحامد لنفسه،و النّعمة:متضمّنة بالشّكر و لا يجوز شكر الشّاكر لنفسه،لأنّه يجري مجرى الدّين،و لا يجوز أن يؤدّي الإنسان الدّين إليه نفسه.و الحمد يقتضي تبقية

ص: 89

الإحسان إذا كان للغير،و الشّكر يقتضي تبقية النّعمة.

و يكون من الإحسان ما هو ضرر،مثل تعذيب اللّه تعالى أهل النّار،و كلّ من جاء بفعل حسن فقد أحسن.

أ لا ترى أنّ من أقام حدّا فقد أحسن و إن أنزل بالمحدود ضررا.

ثمّ استعمل في النّفع و الخير خاصّة،فيقال:أحسن إلى فلان إذا نفعه،و لا يقال:أحسن إليه إذا حدّه.

و يقولون للنّفع كلّه:إحسانا،و لا يقولون للضّرر كلّه:

إساءة.فلو كان معنى الإحسان هو النّفع على الحقيقة، لكان معنى الإساءة الضّرر على الحقيقة لأنّه ضدّه.

و الأب يحسن إلى ولده بسقيه الدّواء المرّ و بالفصد و الحجامة،و لا يقال:ينعم عليه بذلك.و يقال:أحسن إذا أتى بفعل حسن،و لا يقال:أقبح إذا أتى بفعل قبيح، اكتفوا بقولهم:أساء.

و قد يكون أيضا من النّعمة ما هو ضرر،مثل التّكليف نسمّيه نعمة،لما يؤدّي إليه من اللّذّة و السّرور.

(158)

الفرق بين الإحسان و النّفع:أنّ النّفع قد يكون من غير قصد،و الإحسان لا يكون إلاّ مع القصد.تقول:

ينفعني العدوّ بما فعله بي،إذا أراد بك ضرّا فوقع نفعا، و لا يقال:أحسن إليّ في ذلك.

الفرق بين الإحسان و الإجمال:أنّ الإجمال هو الإحسان الظّاهر،من قولك:رجل جميل،كأنّما:يجري فيه السّمن.و أصل الجميل:الودك،و اجتمل الرّجل،إذا طبخ العظام ليخرج ودكها.و يقال:أحسن إليه فيعدّى ب«إلى»و أجمل في أمره،لأنّه فعل الجميل في أمره.

و يقال:أنعم عليه،لأنّه دخله معنى علوّ نعمة عليه فهي غامرة له،و لذلك يقال:هو غريق في النّعمة، و لا يقال:غريق في الإحسان و الإجمال.

و يقال:أجمل الحساب،فيعدّى ذلك بنفسه،لأنّه مضمّن بمفعول ينبئ عنه من غير وسيلة،و قد يكون الإحسان مثل الإجمال في استحقاق الحمد به.و كما يجوز أن يحسن الإنسان إلى نفسه،يجوز أن يجمل في فعله لنفسه.(159)

الفرق بين الإحسان و الإفضال:أنّ الإحسان النّفع الحسن،و الإفضال النّفع الزّائد على أقلّ المقدار،و قد خصّ الإحسان بالفضل و لم يجب مثل ذلك في الزّيادة، لأنّه جرى مجرى الصّفة الغالبة،كما اختصّ النّجم بالسّماك و لا يجب مثل ذلك في كلّ مرتفع.(162)

الفرق بين الحسن و الحسنة:أنّ الحسنة هي الأعلى في الحسن،لأنّ الهاء داخلة للمبالغة،فلذلك قلنا:إنّ الحسنة تدخل فيها الفروض و النّوافل،و لا يدخل فيها المباح و إن كان حسنا،لأنّ المباح لا يستحقّ عليه الثّواب و لا الحمد،و لذلك رغّب في الحسنة و كانت طاعة فيه المباح،لأنّ كلّ مباح حسن و لكنّه لا ثواب فيه و لا حمد، فليس هو بحسنة.(183)

الفرق بين الحسن و المباح:أنّ كلّ مباح حسن، و ليس كلّ حسن مباحا؛و ذلك أنّ أفعال الطّفل و الملجأ قد تكون حسنة،و ليست بمباحة.(188)

الفرق بين الحسن و الوضاءة:أنّ الوضاءة تكون في الصّورة فقط،لأنّها تتضمّن معنى النّظافة.يقال:غلام وضيء،إذا كان حسنا نظيفا،و منه قيل:الوضوء،لأنّه

ص: 90

نظافة،و وضوء الإنسان و هو وضيء و وضاء،كما تقول:

رجل قراء.و قد يكون حسنا ليس بنظيف.و الحسن أيضا يستعمل في الأفعال و الأخلاق،و لا تستعمل الوضاءة إلاّ في الوضوء.و الحسن على وجهين:حسن في التّدبير و هو صفة الأفعال،و الحسن في المنظر،على السّماع يقال:صورة حسنة و صوت حسن.

الفرق بين الحسن و القسامة:أنّ القسامة حسن يشتمل على تقاسيم الوجه،و القسم المستوي أبعاضه في الحسن،و الحسن يكون في الجملة و التّفصيل،و الحسن أيضا يكون في الأفعال و الأخلاق،و القسامة لا تكون إلاّ في الصّور.

الفرق بين الحسن و الوسامة:أنّ الوسامة هي الحسن الّذي يظهر للنّاظر و يتزايد عند التّوسّم هو التّأمّل.

يقال:توسّمته،إذا تأمّلته.[ثمّ استشهد بشعر]

و الوسامة أبلغ من الحسن؛و ذلك أنّك إذا كرّرت النّظر في الشّيء الحسن و أكثرت التّوسّم له نقص حسنه عندك،و الوسيم هو الّذي تزايد حسنه على تكرير النّظر.

الفرق بين الحسن و البهجة:أنّ البهجة حسن يفرح به القلب،و أصل البهجة:السّرور،و رجل بهج و بهيج:

مسرور،و ابتهج إذا سرّ،ثمّ سمّي الحسن الّذي يبهج القلب بهجة،و قد يسمّى الشّيء باسم سببه.و البهجة عند الخليل :حسن لون الشّيء و نضارته.قال:و يقال:

رجل بهج،أي مبتهج بأمر يسرّه،فأشار إلى ما قلناه.

الفرق بين الحسن و الصّباحة:أنّ الصّباحة إشراق الوجه و صفاء بشرته،مأخوذ من«الصّبح»و هو بريق الحديد و غيره.و قيل للصّبح:صبح لبريقه.و أمّا الملاحة فهي أن يكون الموصوف بها حلوا مقبول الجملة و إن لم يكن حسنا في التّفصيل.

قال العرب:الملاحة في الفم و الحلاوة في العينين و الجمال في الأنف،و الظّرف في اللّسان،و لهذا قال الحسن:إذا كان اللّصّ ظريفا،لم يقطع.يريد أنّه يدافع عن نفسه بحلاوة لسانه و بحسن منطقه،و المشهور في الملاحة هو الّذي ذكرته.(216)

الفرق بين الحسن و الجمال:أنّ الجمال هو ما يشتهر و يرتفع به الإنسان،من الأفعال و الأخلاق،و من كثرة المال و الجسم،و ليس هو من الحسن في شيء.أ لا ترى أنّه يقال لك:في هذا الأمر جمال،و لا يقال لك:فيه حسن،و في القرآن: وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ النّحل:6.يعني الخيل و الإبل.

و الحسن في الأصل:الصّورة،ثمّ استعمل في الأفعال و الأخلاق،و الجمال في الأصل:للأفعال و الأخلاق و الأحوال الظّاهرة،ثمّ استعمل في الصّور.و أصل الجمال في العربيّة:العظم،و منه قيل:الجملة لأنّها أعظم من التّفاريق.و الجمل:الحبل الغليظ،و الجمل سمّي جملا لعظم خلقته،و منه قيل للشّحم المذاب:جميل،لعظم نفسه.(217)

الثّعالبيّ: في ترتيب حسن المرأة:فإذا أشبه بعضها بعضا في الحسن،فهي حسّانة.(81)

فصل في سياقة جموع لا واحد لها من بناء جمعها:

النّساء،و الإبل...المحاسن،الممادح،المقابح.(229)

ابن سيده: الحسن:ضدّ القبح.حسن و حسن يحسن حسنا فيهما،فهو حاسن و حسن.[و ذكر قولا للّحيانيّ]

ص: 91

و جمع الحسن:حسان.

و رجل حسان:مخفّف كحسن،و حسّان؛و الجمع:

حسّانون.قال سيبويه:و لا يكسّر،استغنوا عنه بالواو و النّون.

و الأنثى:حسنة،و الجمع:حسان كالمذكّر.

و الحسناء من النّساء:الحسنة،و في الحديث:«سواء ولود خير من حسناء عقيم».

و لا يقال:رجل أحسن و لا أسوأ.[و ذكر قول الثّعلب]و جمع الحسناء:حسان،و لا نظير لها إلاّ عجفاء و عجاف هذا قول كراع و قد تقدّم تضعيفنا له.

و أحاسن القوم:حسانهم،و في الحديث:«أحاسنكم أخلاقا:الموطّئون أكنافا».

و المحاسن:المواضع الحسنة من البدن،قال بعضهم:

واحدها محسن.و ليس هذا بالقويّ و لا بذلك المعروف، إنّما المحاسن عند النّحويّين و جمهور اللّغويّين،جمع لا واحد له.و لذلك قال سيبويه:إذا نسبت...[و ذكر كلامه]

و وجه محسّن:حسن،و قد حسّنه اللّه.ليس من باب مدرهم و مفئود كما ذهب إليه بعضهم فيما حكي.

و طعام محسنة للجسم،يحسن به.

و الإحسان:ضدّ الإساءة.و رجل محسن و محسان، الأخيرة عن«سيبويه»،قال:و لا يقال:ما أحسنه أبو الحسن،يعني من هذه،لأنّ هذه الصّيغة قد اقتضت عنده التّكثير،فاغنت عن صيغة التّعجّب.

و الحسنة:ضدّ السّيّئة،و في التّنزيل: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها الأنعام:160،و الجمع:

حسنات و لا يكسّر.

و المحاسن في الأعمال:ضدّ المساوئ،و القول فيه كالقول فيما قبله.

و أحسن به الظّنّ:نقيض أساءه.

و كتاب التّحاسين:خلاف المشق،و نحو هذا يجعل مصدرا ثمّ يجمع كالتّكاذيب و التّكاليف،و ليس الجمع في المصدر بفاش،و لكنّهم يجرون بعضه مجرى الأسماء ثمّ يجمعونه.

و حسّان:اسم رجل«فعّال»من الحسن.هذا قول بعض النّحويّين و ليس بشيء،و قد قدّمنا أنّه من:الحسّ أو من الحسّ.و كذلك حسين و حسن،و يقالان بلام في التّسمية على إرادة الصّفة.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(ابن سيده 3:197)

الطّوسيّ: و الفرق بين أحسن إليه و أحسن في فعله:أنّ أحسن إليه لا يكون إلاّ بالنّفع له،و أحسن في فعله ليس كذلك.أ لا ترى أنّه لا يقال:أحسن اللّه إليه، أي أهل النّار بتعذيبهم.و يقال:أحسن في تعذيبهم بالنّار،يعني أحسن في فعله و في تدبيره.

و الإحسان،و الإنعام،و الإفضال نظائر.و ضدّ الإحسان:الإساءة.يقال:حسن حسنا،و أحسن إحسانا،و استحسن استحسانا،و تحاسنوا تحاسنا، و حسّنه تحسينا،و حاسنه محاسنة.

و المحسن-و الجمع:محاسن-:المواضع الحسنة في البدن.

و يقال:رجل كثير المحاسن،و امرأة كثيرة المحاسن، و امرأة حسناء.و لا تقول:رجل أحسن،و تقول:رجل حسّان و امرأة حسّانة،و هو المحسن جيّدا.

ص: 92

و المحاسن في الأعمال:ضدّ المساوئ.تقول:أحسن فإنّك الحسّان.

و الحسنى:الجنّة،لقوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ يونس:26.

و الحسنى:ضدّ السّوء،و الحسن:ضدّ القبيح.

و الحسان:جمع حسن ألحقوها بضدّها،فقالوا:قباح و حسان،كما قالوا:عجاف و سمان.

و أصل الباب:الحسن،و هو على ضربين:حسن في المنظر،و حسن في الفعل،و كذلك القبح.

و حدّ الحسن من طريق الحكمة:هو الفعل الّذي يدعو إليه العقل،و حدّ القبح:الّذي يزجر عنه العقل، و حدّ الإحسان:هو النّفع الحسن.

و حدّ الإساءة:هو الضّرر القبيح،هذا لا يصحّ إلاّ على قول من يقول:إنّ الإنسان يكون محسنا إلى نفسه و مسيئا إليها.و من لا يقول،فذلك يريد فيه الواصل إلى الغير مع قصده إلى ذلك.

و الأقوى في حدّ الحسن أن تقول:هو الفعل الّذي إذا فعله العالم به على وجه،لم يستحقّ الذّمّ،فإنّه لا ينتقض (1)بشيء.(1:267)

نحوه الطّبرسيّ.(1:118)

الإحسان:هو الإفضال إلى المحتاج،في قول زيد بن أسلم.

و حدّ الإحسان هو إيصال النّفع الحسن إلى الغير، و ليس المحسن من فعل الفعل الحسن،لأنّ اللّه تعالى يفعل العقاب و هو حسن،و لا يقال:إنّه محسن به.و لا يسمّى مستوفي الدّين محسنا،و إن كان حسنا،فإن أطلق ذلك في موضع،فعلى وجه المجاز.

و إنّما اعتبرنا أن يكون النّفع حسنا،لأنّ من أوصل نفعا قبيحا إلى غيره لا يقال:إنّه محسن إليه.(2:153)

نحوه الطّبرسيّ.(1:288)

و الفرق بين الإحسان و الإنعام:أنّ الإحسان قد يكون إنعاما بأن يكون نفعا للمنتفعين به،و قد يكون إحسانا بأن يكون فعلا حسنا.و من القسم الأخير يقال:

هو تعالى محسن بفعل العقاب،و لا يقال:محسن،من القسم الأوّل.و يقال:هو محسن بفعل الثّواب،على الوجهين معا.(3:14)

الرّاغب: الحسن:عبارة عن كلّ مبهج مرغوب فيه، و ذلك ثلاثة أضرب:مستحسن من جهة العقل، و مستحسن من جهة الهوى،و مستحسن من جهة الحسّ.

و الحسنة:يعبّر بها عن كلّ ما يسرّ من نعمة تنال الإنسان في نفسه و بدنه و أحواله،و السّيّئة:تضادّها.

و هما من الألفاظ المشتركة كالحيوان الواقع على أنواع مختلفة،كالفرس و الإنسان و غيرهما،فقوله تعالى:

وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ النّساء:

78،أي خصب وسعة و ظفر، وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ أي جدب و ضيق و خيبة.[ثمّ ذكر بعض الآيات]

و الفرق بين الحسن و الحسنة و الحسنى:أنّ الحسن يقال في الأعيان و الأحداث،و كذلك الحسنة إذا كانت وصفا،و إذا كانت اسما فمتعارف في الأحداث،و الحسنى لا يقال إلاّ في الأحداث دون الأعيان.

و الحسن أكثر ما يقال في تعارف العامّة في المستحسنص.

ص: 93


1- كذا بالضّاد،و الظّاهر بالصّاد من نقص.

بالبصر،يقال:رجل حسن و حسّان،و امرأة حسناء و حسّانة.و أكثر ما جاء في القرآن من الحسن فللمستحسن من جهة البصيرة،و قوله تعالى: اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ الزّمر:18،أي الأبعد عن الشّبهة،كما قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«إذا شككت في شيء فدع».[ثمّ ذكر بعض الآيات و منها وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ المائدة:50 ثمّ قال:]

إن قيل:حكمه حسن لمن يوقن و لمن لا يوقن فلم خصّ؟قيل:القصد إلى ظهور حسنه و الاطّلاع عليه، و ذلك يظهر لمن تزكّى و اطّلع على حكمة اللّه تعالى دون الجهلة.

و الإحسان يقال على وجهين:

أحدهما:الإنعام على الغير،يقال:أحسن إلى فلان.

و الثّاني:إحسان في فعله،و ذلك إذا علم علما حسنا أو عمل عملا حسنا،و على هذا قول أمير المؤمنين رضى اللّه عنه:«النّاس أبناء ما يحسنون»أي منسوبون إلى ما يعلمون و ما يعملونه من الأفعال الحسنة،قوله تعالى: اَلَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ السّجدة:7.

و الإحسان أعمّ من الإنعام،قال تعالى: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ الإسراء:7،و قوله تعالى:

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ النّحل:90، فالإحسان فوق العدل؛و ذلك أنّ العدل هو أن يعطي ما عليه و يأخذ ماله،و الإحسان أن يعطي أكثر ممّا عليه و يأخذ أقلّ ممّا له،فالإحسان زائد على العدل،فتحرّي العدل واجب و تحرّي الإحسان ندب و تطوّع.

و على هذا قوله تعالى: وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ النّساء:125،و قوله عزّ و جلّ:

وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ البقرة:178،و لذلك عظّم اللّه تعالى ثواب المحسنين،فقال تعالى: إِنَّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ العنكبوت:69،و قال: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ البقرة:195،و قال: ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ التّوبة:91، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ النّحل:30.(118)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:464)

الزّمخشريّ: انظر إلى محاسن وجهه.و ما أبدع تحاسين الطّاوس و تزايينه!و حسّن اللّه خلقه.

و حسّن الحلاّق رأسه:زيّنه،و ما رأيت محسّنا مثله.

و دخل الحمّام فتحسّن،أي احتلق،و هو يتحسّن و يتجمّل بكذا.

و إنّي لأحاسن بك النّاس،أي أباهيهم بحسنك.

و جمع اللّه فيك الحسن و الحسنى.و فيك حسنات جمّة.

و أحسن إلى أخيه.

و رجل حسّان،و امرأة حسّانة.[ثمّ استشهد بشعر]

و من المجاز:اجلس حسنا.و هذا لحم أبيض:لم ينضج حسنا.و فلان لا يحسن شيئا،و قيمة المرء ما يحسن.(أساس البلاغة:84)

ابن الأثير: في حديث الإيمان:«قال:فما الإحسان؟قال:أن تعبد اللّه كأنّك تراه».

أراد بالإحسان:الإخلاص،و هو شرط في صحّة الإيمان و الإسلام معا.و ذلك أنّ من تلفّظ بالكلمة و جاء بالعمل من غير نيّة إخلاص،لم يكن محسنا،و لا كان إيمانه صحيحا.

ص: 94

و قيل:أراد بالإحسان:الإشارة إلى المراقبة و حسن الطّاعة،فإنّ من راقب اللّه أحسن عمله،و قد أشار إليه في الحديث بقوله:«فإن لم تكن تراه فإنّه يراك».[و ذكر حديث أبي هريرة كما سبق عن الأزهريّ ثمّ قال:]

غلّبت أحد الاسمين على الآخر،كما قالوا:العمران لأبي بكر و عمر رضي اللّه عنهما،و القمران للشّمس و القمر.

و في حديث أبي رجاء:«أذكر مقتل بسطام بن قيس على الحسن»هو بفتحتين:جبل معروف من رمل.و كان أبو رجاء قد عمّر مائة و ثماني و عشرين سنة.

(1:387)

الفيّوميّ: حسن الشّيء حسنا فهو حسن.و سمّي به و بمصغّره؛و الأنثى:حسنة،و بها سمّي أيضا،و منه شرحبيل بن حسنه.

و امرأة حسناء:ذات حسن.

و يجمع الحسن صفة على حسان،وزان جبل و جبال.و أمّا في الاسم فيجمع بالواو و النّون.

و أحسنت:فعلت الحسن،كما قيل:أجاد إذا فعل الجيّد.

و أحسنت الشّيء:عرفته و أتقنته.(1:136)

الجرجانيّ: الحسن:هو كون الشّيء ملائما للطّبع كالفرح،و كون الشّيء صفة كمال كالعلم،و كون الشّيء متعلّق المدح كالعبادات.

الحسن :هو ما يكون متعلّق المدح في العاجل، و الثّواب في الآجل.

الحسن لمعنى في نفسه:عبارة عمّا اتّصف بالحسن لمعنى ثبت في ذاته،كالإيمان باللّه و صفاته.

الحسن لمعنى في غيره:هو الاتّصاف بالحسن لمعنى ثبت في غيره كالجهاد،فإنّه ليس بحسن لذاته،لأنّه تخريب بلاد اللّه و تعذيب عباده و إفناؤهم،و قد قال محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:«الآدميّ بنيان الرّبّ،ملعون من هدم بنيان الرّبّ».و إنّما حسن لما فيه من إعلاء كلمة اللّه و إهلاك أعدائه،و هذا باعتبار كفر الكافر.

الحسن من الحديث:أن يكون راويه مشهور بالصّدق و الأمانة،غير أنّه لم يبلغ درجة الحديث الصّحيح،لكونه قاصرا في الحفظ و الوثوق،و هو مع ذلك يرتفع عن حال من دونه.(38)

الفيروزآباديّ: الحسن بالضّمّ:الجمال؛جمعه:

محاسن على غير قياس.

و حسن ككرم و نصر فهو حاسن و حسن و حسين كأمير و غراب و رمّان؛جمعه:حسان و حسّانون،و هي حسنة و حسناء و حسّانة كرمّانة؛جمعه:حسان و حسّانات.

و لا تقل:رجل أحسن،في مقابلة امرأة حسناء، و عكسه:غلام أمرد و لا يقال:جارية مرداء.و إنّما يقال:

هو الأحسن على إرادة أفعل التّفضيل؛جمعه:الأحاسن.

و أحاسن القوم:حسانهم.

و الحسنى بالضّمّ:ضدّ السّوأى،و العاقبة الحسنة، و النّظر إلى اللّه عزّ و جلّ،و الظّفر،و الشّهادة،و منه إِلاّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ التّوبة:52،جمعه:الحسنيات و الحسن كصرد.

و المحاسن:المواضع الحسنة من البدن،الواحد

ص: 95

كمقعد أو لا واحد له.

و وجه محسّن:حسن،و قد حسّنه اللّه.

و الإحسان:ضدّ الإساءة،و هو محسن و محسان.

و الحسنة:ضدّ السّيّئة؛جمعه:حسنات.

و حسيناه أن يفعل كذا و يمدّ،أي قصاراه.

و هو يحسن الشّيء إحسانا،أي يعمله.

و استحسنه:عدّه حسنا.

و الحسن و الحسين:جبلان،أو نقوان.

و عند الحسن دفن بسطام بن قيس،فإذا جمعا قيل:

الحسنان،و بطنان في طيّئ،و اسمان.

و الحسن محرّكة:ما حسن من كلّ شيء،و حصن بالأندلس،و بلدة باليمامة،و شجر حسن المنظر،و العظم الّذي يلي المرفق و يضمّ،و الكثيب العالي.و أحسن:

جلس عليه.

و حسنة محرّكة:امرأة،و بلدة باصطخر،و جبال بين صعدة و عثّر،و ركن من أجأ.

و الحسنة بالكسر:ريد ينتأ من الجبل؛جمعه كعنب.

و سمّوا:حسينة كخديجة و جهينة و مزاحم و معظّم و محسن و أمير.

و إحسان:مرسى قرب عدن.

و الحسنيّ محرّكة:بئر قرب معدن النّقرة،و قصر للحسن بن سهل،ب(هاء):بلدة بالموصل.

و الحسيناء:شجر بورق صغار.

و الأحاسن:جبال باليمامة.

و التّحاسين:جمع التّحسين،اسم بني على«تفعيل».

و كتاب التّحاسين:خلاف المشق.

و حسنون-و قد يضمّ-:المقرئ،التّمّار،و البنّاء.

(4:215)

الطّريحيّ: و الحسنى:أحد الحيطان الموقوفة على فاطمة عليها السّلام.

و في الحديث:«حسّن بالقرآن صوتك»،و مثله:

«حسّنوا القرآن بأصواتكم،فإنّ الصّوت الحسن يزيد القرآن حسنا».

و فيه:«لكلّ شيء حلية،و حلية القرآن الصّوت الحسن».و في حديث الباقر عليه السّلام:«و رجّع بالقرآن صوتك،فإنّ اللّه يحبّ الصّوت الحسن»إلى غير ذلك،ممّا دلّ صريحا على رجحان تحسين الصّوت في القرآن بالمعنى المتعارف.

و ما قيل:من أنّ تحسين الصّوت إنّما هو بتأدية الحروف و الإعراب،و الاعتماد على المخارج،فإنّه يحسن الصّوت به حسنا جيّدا،و إنّ تحسين الصّوت لا دخل له في القرآن؛ففي غاية البعد عن مفاد تلك الأحاديث، و خروج عن مناطيقها،إلى ما لا دليل عليه.[ثمّ نقل بعض كلام الجوهريّ و قال:]

و الحسن و الحسين:ابنان لعليّ و فاطمة عليهم السّلام،فإن ثنّيت قلت:الحسنان،و كان بينهما في الميلاد ستّة أشهر و عشر،و فيه نزلت: وَ حَمْلُهُ وَ فِصالُهُ ثَلاثُونَ شَهْراً الأحقاف:15.

و الحسن بن عليّ العسكريّ عليه السّلام ولد في شهر ربيع الآخر سنة اثنتين و ثلاثين و مائتين،و قبض يوم الجمعة لثمان خلون من شهر ربيع الأوّل سنة ستّين و مائتين، و هو ابن ثمان و عشرين سنة،و دفن في داره الّتي دفن

ص: 96

فيها أبوه.

و محاسن المرأة:المواضع الحسنة من بدنها،الّتي أمر اللّه بسترها.

و محاسن الأعمال:نقيض مساوئها.

و استحسن الشّيء:عدّه حسنا،و منه:

«الاستحسان عند أهل الرّأي».(6:232)

مجمع اللّغة :1-الحسن:حالة حسّيّة أو معنويّة جميلة،تدعو إلى قبول الشّيء و رغبة النّفس فيه، و يكون في الأقوال و الأفعال و الذّوات و المعاني.

حسن الشّيء يحسن حسنا:صار حسنا جميلا.

2-و هذا شيء حسن،أي معجب مرغوب فيه؛ و مؤنّثه:حسنة.و جمع الحسن و الحسنة على حسان.

3-و الحسنة:مؤنّث الحسن.

و الحسنة:النّعمة تنالها،أو الخير و الطّاعة.

4-و أحسن:أفعل تفضيل من الحسن.و الحسنى:

مؤنّث الأحسن.

5-أحسن إحسانا:أتى بالفعل الحسن على وجه الإتقان و الإحكام،و صنع الجميل.و منه:أحسن إلى فلان و أحسن به:أنعم عليه و أكرمه و صنع به الجميل.

و أحسن الفعل:أتقنه و جوّده،فهو محسن و هم محسنون،و هنّ محسنات.(1:260)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حسن حسنا:صار جميلا حسّا أو معنى،و الحسن:الجمال،و حالة تدعو إلى تقبّل الشّيء و حبّه.

و حسّن الشّيء:زيّنه و جمّله،و أحسن:فعل ما هو حسن؛و جمع حسن و حسناء:حسان.

و أحسن إلى النّاس:أسدى إليهم المعروف.

و الحسنة:النّعمة،أو ضدّ السّيّئة.

و الحسنى:مؤنّث الأحسن:العاقبة الحسنة أو المنزلة الحسنة أو السّعادة.

و الأسماء الحسنى:هي أسماء تدلّ على صفات اللّه تبارك و تعالى،و عددها المأثور 99 اسما.

و الحسنيان:النّصر و الشّهادة.

و الإحسان:الإتقان و الإخلاص في عمل الخير و أداء الواجب،كما أنّه مقابلة الخير بأحسن منه و الشّرّ بالصّفح.

و المحسن:فاعل الإحسان،أو المتقن لعمله،أو المتصدّق.

و في الحديث:«أن تعبد اللّه كأنّك تراه،فإن لم تكن تراه فإنّه يراك».(1:133)

العدنانيّ: حسن و حسناء:

الصّفة المشبّهة باسم الفاعل،إذا كان مؤنّثها على وزن«فعلاء»يكون مذكّرها على وزن«أفعل»إذا دلّت الصّفة على لون،أو عيب،أو حلية؛فمذكّر حمراء، و عرجاء،و شهباء هو أحمر،و أعرج،و أشهب.

و القياس يقول:إنّ مذكّر كلمة حسناء هو أحسن، و الحقيقة هو«حسن»،كما يقول:الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و المختار،و اللّسان،و المصباح، و القاموس.و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

حسان،حسناوات.

و يخطّئ الحريريّ في«درّة الغوّاص»من يجمع بيضاء

ص: 97

و سوداء على بيضاوات و سوداوات،و يقول:إنّه من أوهام الخاصّة،و يخطّئ المراديّ في«شرح التّسهيل»، و محمّد عليّ النّجّار في«لغويّات النّجّار»،و«الوسيط»من يجمع الحسناء على حسناوات،و يقولون:إنّ الصّواب هو:حسان،لأنّ المعروف أنّ ما كان من الصّفات على «فعلاء»لا يجمع بالألف و التّاء،فلا يقال في حمراء:

حمراوات،و لا في سوداء:سوداوات،و ذلك أنّ الجمع بالألف و التّاء يتبع الجمع بالواو و النّون،فما جمع بالواو و النّون جمع مؤنّثه بالالف و التّاء،و ما لا يجمع بالواو و النّون لا يجمع مؤنّثه بالألف و التّاء.و ما دمنا لا نقول:

أحمرون،فإنّنا لا نستطيع أن نقول:حمراوات.

و لكن:

نسب صاحب«الخزانة»إلى الأعور الكلبيّ قوله:

و ما وجدت بنات بني نزار

حلائل أسودين و أحمرينا

و قال الرّضيّ في«شرح الكافية»:إنّ صاحب هذا الرّأي هو ابن كيسان،و هو ممّن خلطوا بين مذهبي البصريّين و الكوفيّين.

و نسب المراديّ هذا الرّأي إلى الفرّاء،و جعله قياس قول الكوفيّين عامّة؛إذ يجيزون في مذكّره الجمع بالواو و النّون.

و أجاز الفرّاء سوداوات،و هو قياس قول الكوفيّين في جمع أسود بالواو و النّون.

و أجاز ابن مالك الجمع بالألف و التّاء،و ذكر أنّ العرب قالت في جمع خيفاء-النّاقة الواسع جلد ضرعها-خيفاوات و خيف،و في دكّاء-الأكمة المنبسطة-دكاوات.

المحاسن:

هنالك جموع في اللّغة العربيّة،لا مفرد لها من لفظها، مثل محاسن،كما يقول النّحاة و على رأسهم سيبويه، و اللّحيانيّ و الثّعالبيّ في فقه اللّغة،و ابن سيده.

و يقول آخرون:إنّ مفردها هو حسن على غير قياس:الصّحاح،و المختار،و اللّسان،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

و منهم من يقول كأنّ مفردها محسن:اللّيث بن سعد،و الأزهريّ،و الصّحاح،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و المتن.و يقول المدّ أيضا:كأنّ مفردها محسن.

و يقول سيبويه:«إنّ النّسبة إلى محاسن هي محاسنيّ، و لو كان لها مفرد لكانت:محسنيّ».

و لكنّ الكوفيّين يجيزون النّسبة إلى الجمع.(155)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ما يقابل القبيح و السّيّئ و هذا المعنى:إمّا في الموضوعات الخارجيّة المادّيّة،أو في المعنويّة،أو في القول،أو في العمل،أو في الصّفات القلبيّة.

ثمّ إنّ الحسن بالضّمّ مصدر كالقبح،و الفعل لازم.

و الحسن بفتحتين صفة و نعت لما حسن.و أحسن للتّفضيل و تأنيثه:الحسنى،يقال:الاسم الأحسن و الأسماء الحسنى،كالكبرى و الصّغرى،و تأنيث الحسن:

حسنة؛و جمعها:حسنات،كما أنّ جمع الحسن:حسان.

وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ آل عمران:14،(حسن الثّواب)آل عمران:195، وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً

ص: 98

البقرة:83، إِلاّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً النّمل:11، بِوالِدَيْهِ حُسْناً العنكبوت:8،و التّعبير بالمصدر للمبالغة،فإنّه يدلّ على ماهيّة الحدث المطلق.[إلى أن قال:]

و لا يخفى أنّ التّعبير بالحسنة«بالتّاء»في مورد المبالغة و الزّيادة،و بمناسبة هذا المعنى يزاد فيه التّاء للتّأنيث، فهي للتّأنيث و المبالغة.

و أمّا الإحسان:فهو بمعنى جعل شيء ذا حسن أو جعله حسنا...

و إطلاق الإحسان في بعض الموارد للمبالغة و الإطلاق، ليشمل أيّ نوع من أنواع الإحسان.(2:238)

النّصوص التّفسيريّة

حسن

...وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً. النّساء:69

الزّمخشريّ: فيه معنى التّعجّب كأنّه قيل:

و ما أحسن أولئك رفيقا!و لاستقلاله بمعنى التعجّب قرئ (و حسن) بسكون السّين،يقول المتعجّب:حسن الوجه وجهك،و حسن الوجه وجهك،بالفتح و الضّمّ مع التّسكين.(1:540)

نحوه البيضاويّ(1:228)،و النّيسابوريّ(5:

78)،و الخازن(1:464)،و الشّربينيّ(1:315)، و الكاشانيّ(1:433)،و البروسويّ(2:234)،و شبّر (2:65)،و الآلوسيّ(5:78).

الطّبرسيّ: معناه:من يكون هؤلاء رفقاء له فأحسن بهم من رفيق،أو فما أحسنها (1)من رفيق و قد مرّ معناه و إعرابه.(2:72)

أبو حيّان :(و حسن)بضمّ السّين،و هي الأصل و لغة الحجاز.و قرأ أبو السّمال (و حسن) بسكون السّين، و هي لغة تميم.و يجوز (و حسن) بسكون السّين و ضمّ الحاء،على تقدير نقل حركة السّين إليها،و هي لغة بعض بني قيس.[و نقل كلام الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و هو تخليط و تركيب مذهب على مذهب،فنقول:

اختلفوا في«فعل»المراد به المدح و الذّمّ؛فذهب الفارسيّ و أكثر النّحويّين إلى جواز إلحاقه بباب نعم و بئس فقط، فلا يكون فاعلا إلاّ بما يكون فاعلا لهما،و ذهب الأخفش و المبرّد إلى جواز إلحاقه بباب نعم و بئس فيجعل فاعلها كفاعلهما،و ذلك إذا لم يدخله معنى التّعجّب،و إلى جواز إلحاقه بفعل التّعجّب،فلا يجري مجرى نعم و بئس في الفاعل و لا في بقيّة أحكامهما،بل يكون فاعله ما يكون مفعولا لفعل التّعجّب،فيقول:لضربت يدك و لضربت اليد،و الكلام على هذين المذهبين تصحيحا و إبطالا مذكور في علم النّحو.

و الزّمخشريّ لم يتّبع واحدا من هذين المذهبين بل خلط و ركّب،فأخذ التّعجّب من مذهب الأخفش، و أخذ التّمثيل بقوله:«و حسن الوجه وجهك،و حسن الوجه وجهك»من مذهب الفارسيّ.

و أمّا قوله:«و لاستقلاله بمعنى التّعجّب قرئ (و حسن) بسكون السّين،و ذكر أنّ المتعجّب يقول:

و حسن و حسن»فهذا ليس بشيء،لأنّ الفرّاء ذكر أنّ تلك لغات للعرب،فلا يكون التّسكين و لا هو و النّقل

ص: 99


1- و في ط دار التّقريب:أحسنهم ج 3 ص 147.

لأجل التّعجّب.(3:289)

نحوه السّمين.(2:388)

رشيد رضا :أي أنّ مرافقة أولئك الأصناف هي في الدّرجة الّتي يرغب العاقل فيها لحسنها.(5:247)

عبد الرّزّاق نوفل:لقد تكرّر ذكر الإحسان بكافّة مشتقّاته:194 مرّة،حيث ورد لفظ أحسن 34 مرّة في مثل النّصّ الشّريف: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها النّساء:86.

و بلفظ محسنين:33 مرّة في مثل النّصّ الكريم: إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ الأعراف:56.

و بلفظ حسنة:28 مرّة في مثل النّصّ الشّريف: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ التّوبة:50.

و بلفظ حسنا:18،مرّة في مثل قوله تعالى: فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللّهُ أَجْراً حَسَناً الفتح:16.

و 17 مرّة بلفظ الحسنى في مثل النّصّ الكريم:

وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى الحديد:10.

و 9 مرّات بلفظ أحسن في مثل النّصّ الشّريف:

إِنّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً الكهف:30.

و 7 مرّات بلفظ حسن في مثل قوله تعالى: وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ آل عمران:14.

و 6 مرّات بلفظ أحسنوا في مثل النّصّ الكريم:

لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَ اتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ آل عمران:

172.

و أيضا 6 مرّات بلفظ إحسان في مثل النّصّ الشّريف: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى النّحل:90.

و كذلك 6 مرّات بلفظ إحسانا في مثل قوله تعالى:

وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً الأحقاف:15.

و 5 مرّات بلفظ حسنا في مثل النّصّ الكريم:

وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً العنكبوت:8.

و 4 مرّات بلفظ محسن في مثل قوله تعالى: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ الصّافّات:113.

و 3 مرّات بلفظ حسنات في مثل النّصّ الشّريف:

إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ هود:114.

و مرّتين بلفظ حسنت في مثل النّصّ الكريم:

خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقاماً الفرقان:76.

و كذلك مرّتين بلفظ أحسنتم في الآية الشّريفة:

إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ الإسراء:7.

و أيضا مرّتين بلفظ حسان في مثل النّصّ الشّريف:

فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ الرّحمن:70.

و مرّة واحدة بالمشتقّات في النّصوص الكريمة:

وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً النّساء:69.

وَ إِنْ تُحْسِنُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اللّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً النّساء:128.

وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً الكهف:104.

و بلفظ احسن في الآية الشّريفة: وَ أَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ القصص:77.

و بلفظ أحسنوا في الآية الكريمة: وَ أَحْسِنُوا إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ البقرة:195، وَ لَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ الأحزاب:52، فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ آل عمران:37، قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ التّوبة:52، اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ

ص: 100

فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ الزّمر:18.

وَ أْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها الأعراف:145، إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ النّحل:

128، فَإِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً الأحزاب:29،و هذه عددها 194.

و تكرّر ذكر الخيرات بكافّة مشتقّاتها:188،إذ وردت بلفظ خير 139 مرّة،في مثل قوله تعالى:

وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى البقرة:197.

و 37 مرّة بلفظ خيرا في مثل النّصّ الشّريف: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ الزّلزلة:7.

و 10 مرّات بلفظ الخيرات في مثل النّصّ الكريم:

فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ الرّحمن:70.

و مرّتين بلفظ الأخيار في مثل النّصّ الشّريف:

وَ إِنَّهُمْ عِنْدَنا لَمِنَ الْمُصْطَفَيْنَ الْأَخْيارِ ص:47.

و هذه عددها 188 مرّة.

و بذلك يكون مجموع الإحسان بمشتقّاته و الخيرات بمشتقّاتها 382،و هذا العدد سبق أن وضح أنّه عدد ما تكرّرت به الآيات بكلّ مشتقّاتها في القرآن الكريم.

(3:141-146)

حسنت

1- ...مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَ حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً. الكهف:31

راجع«ر ف ق-مرتفقا»

2- خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقاماً.

الفرقان:76

راجع«ق ر ر-مستقرّا»

احسن

1- صِبْغَةَ اللّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَ نَحْنُ لَهُ عابِدُونَ. البقرة:138

راجع«ص ب غ-صبغة»

2- إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً. النّساء:59

راجع«أ و ل-تاويلا»

3- وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها...

النّساء:86

راجع«ح ي ي-بتحيّة»

4- وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ... النّساء:125

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:[سئل عن الإحسان فقال:]«أن تعبد اللّه كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك».

(الطّبرسيّ 2:116)

ابن عبّاس: (احسن)أحكم دينا و أحسن قولا.

(و هو محسن)موحّد محسن بالقول و الفعل.(81)

(و هو محسن)موحّد للّه لا يشرك به شيئا.

(الواحديّ 2:120)

أبو سليمان الدّمشقيّ: القيام للّه بما فرض اللّه.

(ابن الجوزيّ 2:211)

الطّبريّ: وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً أيّها النّاس،

ص: 101

و أصوب طريقا،و أهدى سبيلا...(و هو محسن)و هو عامل بما أمره به ربّه،محرّم حرامه،و محلّل حلاله.

(5:297)

الطّوسيّ: قضى اللّه تعالى في هذه الآية للإسلام بالفضل على سائر الملل بقوله: وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً أيّها النّاس،و هو في صورة الاستفهام،و المراد به التّقرير، و المعنى:من أحسن دينا و أصوب طريقا،و أهدى سبيلا... وَ هُوَ مُحْسِنٌ بمعنى(و هو فاعل للفعل الحسن ممّا أمره اللّه به).(3:339)

الواحديّ: وَ مَنْ أَحْسَنُ... يعني توجّه بعبادته إلى اللّه خاضعا له.(2:120)

القشيريّ: لا أحد أحسن دينا ممّن أسلم وجهه للّه، يعني أفرد قصده إلى اللّه،و أخلص عقده للّه عمّا سوى اللّه،ثمّ استسلم في عموم أحواله للّه باللّه،و لم يدّخر شيئا عن اللّه،لا من ماله و لا من جسده و لا من روحه و لا من جلده،و لا من أهله و لا من ولده،و كذلك كان حال إبراهيم عليه السّلام.

و قوله: وَ هُوَ مُحْسِنٌ: الإحسان بشهادة الشّرع أن تعبد اللّه كأنّك تراه،و لا بدّ للعبد من بقيّة من عين الفرق حتّى يصحّ قيامه بحقوقه سبحانه،لأنّه إذا حصل مستوفى (1)بالحقيقة لم يصحّ إسلامه و لا إحسانه،و هذا اتّباع إبراهيم عليه السّلام الحنيف الّذي لم يبق منه شيء على وصف الدّوام.(2:62)

البغويّ: (أَحْسَنُ) أحكم دينا... وَ هُوَ مُحْسِنٌ أي موحّد.(1:705)

الزّمخشريّ: و أمّا المحسن فله ثواب و توابع للثّواب من فضل اللّه في حكم الثّواب،فجاز أن ينقص من الفضل،لأنّه ليس بواجب،فكان نفي الظّلم دلالة على أنّه لا يقع نقصان في الفضل... وَ هُوَ مُحْسِنٌ و هو عامل للحسنات تارك للسّيّئات.(1:566)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و قيل:معناه و هو محسن في جميع أقواله و أفعاله، و قيل:إنّ المحسن هنا الموحّد.(2:116)

الفخر الرّازيّ: فاعلم أنّ دين الإسلام مبنيّ على أمرين:الاعتقاد و العمل،أمّا الاعتقاد فإليه الإشارة بقوله: أَسْلَمَ وَجْهَهُ و ذلك لأنّ الإسلام هو الانقياد و الخضوع...و أمّا العمل فإليه الإشارة بقوله: وَ هُوَ مُحْسِنٌ و يدخل فيه فعل الحسنات و ترك السّيّئات، فتأمّل في هذه اللّفظة المختصرة و احتوائها على جميع المقاصد و الأغراض.(11:56)

ابن عربيّ: وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً أي طريقا، مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ أي وجوده(للّه)و أخلص ذاته من شوب الأنيّة،و الاثنينيّة،بالفناء المحض.

وَ هُوَ مُحْسِنٌ مشاهد للجمع في عين التّفصيل، مراع لحقوق تجلّيات الصّفات و أحكامها،سالك طريق الإحسان بالاستقامة في الأعمال.(1:289)

القرطبيّ: فضّل دين الإسلام على سائر الأديان و أَسْلَمَ وَجْهَهُ معناه أخلص دينه للّه و خضع له و توجّه إليه بالعبادة... وَ هُوَ مُحْسِنٌ ابتداء و خبر في موضع الحال،أي موحّد فلا يدخل فيه أهل الكتاب،..

ص: 102


1- هكذا في الأصل...و قال محقّق الكتاب؛و ربّما«مساس» بالحقيقة...

لأنّهم تركوا الإيمان بمحمّد عليه السّلام.(5:399)

البيضاويّ: وَ مَنْ أَحْسَنُ...: أخلص نفسه للّه لا يعرف لها ربّا سواه،و قيل:بذل وجهه له في السّجود.

و في هذا الاستفهام تنبيه على أنّ ذلك منتهى ما تبلغه القوّة البشريّة، وَ هُوَ مُحْسِنٌ: آت بالحسنات تارك للسّيّئات.(1:246)

نحوه النّسفيّ(1:253)،و الشّربينيّ(1:338)، و الكاشانيّ(1:465)،و القاسميّ(5:1567)،و مغنيّة (2:447).

النّيسابوريّ: وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً يعني من محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم حين أسلم سرّه و روحه و قلبه و نفسه و شيطانه،كما قال:«أسلم شيطاني على يديّ».و من إسلام نفسه يقول يوم القيامة:أمّتي أمّتي،حين يقول الأنبياء:نفسي نفسي. وَ هُوَ مُحْسِنٌ بمعنى أنّه من أهل المشاهدة،يعبد للّه كأنّه يراه بل يراه،و لأنّه أحسن خلقه العظيم إلى أن بلغ حدّ الكمال و الختم.(5:156)

الخازن :[نحو الفخر الرّازيّ و قال:]

قال العلماء:و إنّما صار دين الإسلام أحسن الأديان، لأنّ فيه طاعة اللّه و رضاه،و هما أحسن الأعمال.

(1:501)

أبو السّعود :[مثل البيضاويّ و أضاف:]

و قيل:أخلص عمله له عزّ و جلّ،و قيل:فوّض أمره إليه تعالى.و هذا إنكار و استبعاد،لأن يكون أحد أحسن دينا ممّن فعل ذلك أو مساويا له،و إن لم يكن سبك التّركيب متعرّضا لإنكار المساواة،و نفيها يرشدك إليه العرف المطّرد و الاستعمال الفاشي.

فإنّه إذا قيل:من أكرم من فلان،أو لا أفضل من فلان،فالمراد به حتما أنّه أكرم من كلّ كريم و أفضل من كلّ فاضل،و عليه مساق قوله تعالى: وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى العنكبوت:68،و نظائره.

و(دينا)نصب على التّمييز من(احسن)منقول من المبتدإ،و التّقدير:و من دينه أحسن من دين من أسلم إلخ،فالتّفضيل في الحقيقة جار بين الدّينين لابين صاحبيهما،ففيه تنبيه على أنّ ذلك أقصى ما تنتهي إليه القوّة البشريّة.

وَ هُوَ مُحْسِنٌ أي آت بالحسنات تارك للسّيّئات،أو آت بالأعمال الصّالحة على الوجه اللاّئق الّذي هو حسنها الوصفيّ المستلزم لحسنها الذّاتيّ،و قد فسّره عليه الصّلاة و السّلام بقوله:«أن تعبد اللّه كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فهو يراك».و الجملة حال من فاعل (اسلم).(2:201)

البروسويّ: [نحو الفخر الرّازيّ و أبي السّعود]

(2:292)

شبّر:استسلم نفسه،أو أخلص قلبه.

لِلّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ قولا أو عملا أو موحّدا.

(2:105)

الآلوسيّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]

و الاستفهام إنكاريّ،و هو في معنى النّفي،و المقصود مدح من فعل ذلك على أتمّ وجه. وَ هُوَ مُحْسِنٌ [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و قيل:الأظهر أن يقال:المراد وَ هُوَ مُحْسِنٌ في عقيدته،و هو مراد من قال:أي و هو موحّد،و على هذا

ص: 103

فالأولى أن يفسّر إسلام الوجه للّه تعالى بالانقياد إليه سبحانه بالأعمال،و الجملة في موضع الحال من فاعل (اسلم).(5:154)

رشيد رضا :أي لا أحد أحسن دينا ممّن جعل قلبه سلما خالصا للّه وحده،لا يتوجّه إلى غيره في دعاء و لا رجاء،و لا يجعل بينه و بينه حجابا من الوسطاء و الحجّاب،بل يكون موحّدا صرفا،لا يرى في الوجود إلاّ اللّه و آثار صفاته و سننه في ربط الأسباب بالمسبّبات.

فلا يطلب شيئا إلاّ من خزائن رحمته،و لا يأتي بيوت هذه الخزائن إلاّ من أبوابها و هي السّنن و الأسباب، و لا يدعو معه و لا من دونه أحدا في تيسير هذه الأسباب، و تسهيل الطّرق و تذليل الصّعاب.

و هو مع هذا الإيمان الخالص،و التّوحيد الكامل، محسن في عمله،متقن لكلّ ما يأخذ به،متخلّق بأخلاق اللّه الّذي أحسن كلّ شيء خلقه،و أتقن كلّ شيء صنعه.

(5:438)

مثله المراغيّ.(5:166)

سيّد قطب :فأحسن الدّين هو هذا الإسلام-ملّة إبراهيم-و أحسن العمل هو«الإحسان»،و الإحسان أن تعبد اللّه كأنّك تراه،فإن لم تكن تراه فإنّه يراك.و قد كتب الإحسان في كلّ شيء حتّى في إراحة الذّبيحة عند ذبحها،و حدّ الشّفرة،حتّى لا تعذّب و هي تذبح.

و في النّصّ تلك التّسوية بين شقّي النّفس الواحدة، في موقفهما من العمل و الجزاء،كما أنّ فيه شرط الإيمان لقبول العمل،و هو الإيمان باللّه.(2:762)

الطّباطبائيّ: وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً... كأنّه دفع لدخل مقدّر،تقديره:أنّه إذا لم يكن لإسلام المسلم أو لإيمان أهل الكتاب تأثير في جلب الخير إليه و حفظ منافعه،و بالجملة إذا كان الإيمان باللّه و آياته لا يعدل شيئا و يستوي وجوده و عدمه،فما هو كرامة الإسلام؟و ما هي مزيّة الإيمان؟

فأجيب:بأنّ كرامة الدّين أمر لا يشوبه ريب، و لا يداخله شكّ،و لا يخفى حسنه على ذي لبّ،و هو قوله: وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً، حيث قرّر بالاستفهام على طريق إرسال المسلّم،فإنّ الإنسان لا مناص له عن الدّين،و أحسن الدّين:إسلام الوجه للّه الّذي له ما في السّماوات و ما في الأرض،و الخضوع له خضوع العبوديّة،و العمل بما يقتضيه ملّة إبراهيم حنيفا و هو الملّة الفطريّة،و قد اتّخذ اللّه سبحانه إبراهيم الّذي هو أوّل من أسلم وجهه للّه محسنا،و اتّبع الملّة الحنيفيّة خليلا.

(5:88)

عبد الكريم الخطيب :و الاستفهام في قوله تعالى:

وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً لا يراد به حقيقته،و إنّما المراد به هو استبعاد أن يكون أحد أحسن دينا من هذا الّذي أسلم وجهه للّه و هو محسن.و الاستفهام هنا أبلغ في تقرير هذا الحكم،من أن يجيء هكذا في صورة الخبر المباشر،كأن يقال مثلا لا أحد أحسن دينا ممّن أسلم وجهه للّه و هو محسن.

ذلك أنّ الاستفهام يقتضي اختيارا عمليّا لهذا الحكم،بمعنى أنّه حين يرد هذا الاستفهام على السّامع، يتلفّت هنا و هناك باحثا عن الجواب على هذا الاستفهام، طالبا من هو أحسن دينا من دين هذا الّذي أسلم وجهه

ص: 104

للّه.و لكن هيهات أن يجد المطلوب،و بذلك يتقرّر عنده الحكم بأنّه لا أحد أحسن دينا ممّن أسلم وجهه للّه و هو محسن.

و قوله تعالى: وَ هُوَ مُحْسِنٌ جملة حاليّة يراد بها قيد الإيمان بالعمل،بل و العمل الحسن؛إذ ليس الإيمان -كما قلنا-مجرّد تصوّر حقيقيّ للألوهيّة،و إيمان باللّه على هذا التصوّر لا يعدّ إيمانا،و إنّما الإيمان معتقد و عمل،ولاء للّه،و سلوك بمقتضى هذا الولاء.(3:911)

طه الدّرّة: وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً هذا الاستفهام بمعنى النّفي،أي لا أحد أحسن دينا ممّن...إلخ. أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ أخلص نفسه و عبادته للّه لا يعرف ربّا سواه، و خصّ الوجه بالذّكر،لأنّه أشرف الأعضاء الظّاهرة، و فيه أكثر الحواسّ،و لأنّه موضع السّجود و مظهر الخشوع و الخضوع، وَ هُوَ مُحْسِنٌ: بمعنى الإحسان الحقيقيّ من توحيد و عمل صالح.(3:142)

مكارم الشّيرازيّ: و مع أنّ هذه الآية قد جاءت بصيغة الاستفهام إلاّ أنّها تهدف إلى كسب الاعتراف من السّامع بالحقيقة الّتي أوضحتها.

لقد بيّنت الآية أمورا ثلاثة،تكون مقياسا للتّفاضل بين الشّرائع و بيانا لخيرها:

1-الاستسلام و الخضوع المطلق للّه العزيز القدير؛ حيث تقول الآية: أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ.

2-فعل الخير،كما تقول الآية: وَ هُوَ مُحْسِنٌ و المقصود بفعل الخير هنا:كلّ خير يفعله الإنسان بقلبه أو لسانه أو عمله،و في حديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله تحديد معنى الإحسان«أن تعبد اللّه كأنّك تراه فإن لم تكن تراه فإنّه يراك».

فالإحسان في هذه الآية هو كلّ عمل ينجزه الإنسان و يقصد به التّعبّد للّه و التّقرّب إليه،و أن يكون الإنسان لدى إنجازه لهذا العمل قد جعل اللّه نصب عينيه و كأنّه يراه،فإن كان هو يعجز عن رؤية اللّه فإنّ اللّه يراه و يشهد على أعماله.(3:412)

5- ..وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ.

المائدة:50

راجع«ح ك م-حكما»

6- وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...

الأنعام:152،و الإسراء:34

راجع:«م و ل-مال اليتيم»

7- ..لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.

التّوبة:121

الطّوسيّ: معناه أنّه يكتب طاعاتهم ليجزيهم عليها أحسن ممّا فعلوه.و قال الرّمّانيّ:ذلك يدلّ على أنّه يكون حسن أحسن من حسن،قال:لأنّ لفظة«أفعل» تقتضي التّفاضل فيما شاركه في الحسن.و هذا ليس بشيء،لأنّ المعنى إنّ اللّه تعالى يجزيهم أحسن ما كانوا يعملون،يعني ماله مدخل في استحقاق المدح و الثّواب من الواجبات و المندوبات،دون المباحات الّتي لا مدخل لها في ذلك و إن كانت حسنة.(5:369)

الفخر الرّازيّ: و فيه وجهان:

ص: 105

الأوّل:أنّ الأحسن من صفة فعلهم،و فيها الواجب و المندوب و المباح،و اللّه تعالى يجزيهم على الأحسن، و هو الواجب و المندوب،دون المباح.

و الثّاني:أنّ الأحسن صفة للجزاء،أي يجزيهم جزاء هو أحسن من أعمالهم و أجلّ و أفضل،و هو الثّواب.

(16:225)

نحوه النّيسابوريّ(11:40)،و مثله في الوجه الثّاني الشّربينيّ(1:660).

أبو حيّان :أتى بلام العلّة و هي متعلّقة ب(كتب)، و التّقدير:أحسن جزاء الّذي كانوا يعملون،لأنّ عملهم له جزاء حسن و له جزاء أحسن،و هنا الجزاء أحسن الجزاء.[ثمّ نقل الوجه الأوّل من كلام الفخر و قال:]

فاحتمل أن يكون(احسن)بدلا من ضمير (ليجزيهم)بدل اشتمال،كأنّه قيل:ليجزي اللّه أحسن أفعالهم بالأحسن من الجزاء أو بما شاء من الجزاء.

و يحتمل أن يكون ذلك على حذف مضاف،فيكون التّقدير:ليجزيهم جزاء أحسن أفعالهم.[ثمّ نقل الوجه الثّاني من كلام الفخر الرّازيّ و قال:]

و إذا كان الأحسن من صفة الجزاء،فكيف أضيف إلى الأعمال و ليس بعضا منها؟و كيف يقع التّفضيل إذ ذاك بين الجزاء و بين الأعمال و لم يصرّح فيه ب«من»؟

(5:113)

الآلوسيّ: أي أحسن جزاء أعمالهم،على معنى أنّ لأعمالهم جزاء حسنا و أحسن،و هو سبحانه اختار لهم أحسن جزاء،فانتصاب(احسن)على المصدريّة لإضافته إلى مصدر محذوف.[ثمّ نقل كلام الفخر الرّازيّ و قال:]

و الظّاهر أنّ نصب(احسن)حينئذ على أنّه بدل اشتمال من ضمير(يجزيهم)،كما قيل.و أورد عليه أنّه ناء عن المقام مع قلّة فائدته،لأنّ حاصله أنّه تعالى يجزيهم على الواجب و المندوب،و أنّ ما ذكر منه،و لا يخفى ركاكته و أنّه غير خفيّ على أحد.و كونه كناية عن العفو عمّا فرط منهم في خلاله إن وقع،لأنّ تخصيص الجزاء به يشعر بأنّه لا يجازي على غيره،خلاف الظّاهر.[ثمّ نقل الوجه الثّاني من كلام الفخر و اعتراض أبي حيّان عليه و قال:]

و لا وجه لدفعه«بأنّ أصله ممّا كانوا...»فحذف (من)مع بقاء المعنى على حاله-كما قيل-لأنّه لا محصل له.

(11:47)

مكارم الشّيرازيّ: لقد ذكر المفسّرون تفسيرين لها وجهين:

أحدهما:على أساس أنّ كلمة(احسن)وصف لأفعالهم،و الآخر على أنّها وصف لجزائهم.

فعلى التّفسير الأوّل و هو ما اخترناه،و هو الأوفق لظاهر الآية،فإنّ أعمال المجاهدين هذه قد اعتبرت و عرّفت بأنّها أحسن أعمالهم في حياتهم،و أنّ اللّه سبحانه سيعطيهم من الجزاء ما يناسب أعمالهم.

و على التّفسير الثّاني الّذي يحتاج إلى تقدير«من» بعد(احسن)فإنّها تعني أنّ جزاء اللّه أفضل و أثمن من أعمالهم،و تقدير الجملة:ليجزيهم اللّه أحسن ممّا كانوا يعملون،أي سيعطيهم اللّه أفضل ممّا أعطوا.(6:244)

راجع«ج ز ي-ليجزيهم»

ص: 106

8- ..لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً... هود:7

9- ..لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً. الكهف:7

10- أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا... الأحقاف:16

11- ..لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ. الملك:2

12- ..إِنّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً.

الكهف:30

راجع«ع م ل-عملا،عملوا»

13- نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ... يوسف:3

راجع«ق ص ص-القصص»

14- ..وَ لَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. النّحل:96

ابن عبّاس: بأحسنهم في الدّنيا.(230)

الثّعلبيّ: دون أسوأها،و يغفر سيّئاتهم بفضله.

(6:40)

الطّوسيّ: و إنّما قال: بِأَحْسَنِ ما كانُوا لأنّ أحسن أعمالهم هو الطّاعة للّه تعالى،و ما عداه من الحسن مباح ليس بطاعة،و لا يستحقّ عليه أجر و لا حمد،و ذلك يدلّ على فساد قول من قال:لا يكون حسن أحسن من حسن.(6:423)

نحوه الطّبرسيّ(3:384)،و الفخر الرّازيّ (20:111)،و القرطبيّ(10:173).

الواحديّ: يعني الطّاعات،و من جزاه اللّه بأحسن عمله،غفر له ذنوبه.(3:81)

البيضاويّ: بما ترجّح فعله من أعمالهم كالواجبات و المندوبات،أو بجزاء أحسن من أعمالهم.(1:569)

نحوه النّيسابوريّ(14:115)،و الشّربينيّ (2:260)،و شبّر(3:445).

أبو حيّان :قيل:من التّنفّل بالطّاعات و كانت أحسن،لأنّها لم يحتم فعلها،فكان الإنسان يأتي بالتّنفّلات مختارا غير ملزوم بها.

و قيل:ذكر الأحسن ترغيبا في عمله،و إن كانت المجازاة على الحسن و الأحسن.

و قيل:الأحسن هنا بمعنى الحسن،فليس أفعل الّتي للتّفضيل.

و الّذي يظهر أنّ المراد بالأحسن هنا:الصّبر،أي و ليجزينّ الّذين صبروا بصبرهم،أي بجزاء صبرهم.

و جعل الصّبر أحسن الأعمال لاحتياج جميع التّكاليف إليه،فالصّبر هو رأسها،فكان الأحسن لذلك.

(5:533)

السّمين:يجوز أن تكون«أفعل»على بابها من التّفضيل،و إذا جازاهم بالأحسن،فلأن يجازيهم بالحسن من باب الأولى.و قيل:ليست للتّفضيل،و كأنّهم فرّوا من مفهوم«أفعل»؛إذ لا يلزم من المجازاة بالأحسن، المجازاة بالحسن،و هو وهم،لما تقدّم من أنّه من مفهوم الموافقة بطريق الأولى.(4:357)

أبو السّعود :أي لنجزينّهم بما كانوا يعملونه من الصّبر المذكور،و إنّما أضيف إليه الأحسن للإشعار بكمال حسنه،كما في قوله سبحانه: وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ آل عمران:148،لا لإفادة قصر الجزاء على الأحسن

ص: 107

منه دون الحسن،فإنّ ذلك ممّا لا يخطر ببال أحد،لا سيّما بعد قوله تعالى:(اجرهم)و(لنجزينّهم)بحسب أحسن أفراد أعمالهم،على معنى لنعطينّهم بمقابلة الفرد الأدنى من أعمالهم المذكورة ما نعطيه بمقابلة الفرد الأعلى منها من الأجر الجزيل،لا أنّا نعطي الأجر بحسب أفرادها المتفاوتة في مراتب الحسن،بأن نجزي الحسن منها بالأجر الحسن و الأحسن بالأحسن.

و فيه ما لا يخفى من العهدة الجميلة باغتفار ما عسى يعتريهم في تضاعيف الصّبر من بعض جزع،و نظمه في سلك الصّبر الجميل،أو لنجزينّهم بجزاء أحسن من أعمالهم.

و أمّا التّفسير بما ترجّح فعله من أفعالهم كالواجبات و المندوبات،أو بما ترجّح تركه أيضا كالمحرّمات و المكروهات،دلالة على أنّ ذلك هو المدار للجزاء دون ما يستوي فعله و تركه كالمباحات،فلا يساعده مقام الحثّ على الثّبات على ما هم عليه من الأعمال الحسنة المخصوصة و التّرغيب في تحصيل ثمراتها،بل التّعرّض لإخراج بعض أعمالهم عن مداريّة الجزاء،من قبيل تحجير الرّحمة الواسعة في مقام توسيع حماها.

(4:90)

الآلوسيّ: و هو الصّبر فإنّه من الأعمال القلبيّة، و الكلام على حذف مضاف،أي لنجزينّهم بجزاء صبرهم،و كان الصّبر أحسن الأعمال لاحتياج جميع التّكاليف إليه،فهو رأسها،قاله أبو حيّان.[ثمّ نقل كلام أبي السّعود](14:225)

مغنيّة:إنّ قوله هذا يومئ إلى أنّه تعالى يجزي الصّابرين بالثّواب على أحسن أعمالهم،أمّا أعمالهم الحسنة و السّيّئة فإنّه لا يجزيهم عليها بشيء،فهل هذا المعنى هو المراد من الآية؟

الجواب:أنّ أعمال الإنسان تنقسم إلى طاعات واجبة و مستحبّة،و معاص،و مباحات،و ليس من شكّ أنّ أحسنها الطّاعات،و أقبحها المعاصي،و اللّه سبحانه يثيب الصّابرين على جميع ما يفعلونه من الطّاعات و منها الصّبر في طاعة اللّه،و هو أفضلها و أشرفها.أمّا المباحات فلا يستحقّ فاعلها ثوابا و لا عقابا.فالمراد:بأحسن ما كانوا يعملون الطّاعات بشتّى صورها و أشكالها، و ليس المراد الصّبر فقط.

أجل،إنّ اللّه سبحانه صرّح بأنّه يجزي الصّابرين على حسناتهم،و سكت عن سيّئاتهم،و في هذا السّكوت وعد أو شبه وعد بأنّه تعالى يغفرها برحمته و فضله.

(4:550)

الطّباطبائيّ: بِأَحْسَنِ... الباء للمقابلة،كما في قولنا:بعت هذا بهذا و ليست المراد بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ: الأحسن من أعمالهم،في مقابل الحسن منها، بأن يميّز اللّه سبحانه بين أعمالهم الحسنة فيقسّمها إلى حسن و أحسن،ثمّ يجزيهم بأحسنها و يلغي الحسن،كما ذكره بعضهم،فإنّ المقام لا يؤيّده و آيات الجزاء تنفيه و الرّحمة الواسعة الإلهيّة تأباه.و ليس المراد به الواجبات و المستحبّات من أعمالهم قبال المباحات الّتي أتوا بها، فإنّها لا تخلو من حسن،كما ذكره آخرون.

فإنّ الكلام ظاهر في أنّ المراد بيان الأجر على الأعمال المأتيّ بها في ظرف الصّبر ممّا يرتبط به ارتباطا،

ص: 108

و واضح أنّ المباحات الّتي يأتي بها الصّابر في اللّه لا ارتباط لها بصبره،فلا وجه لاعتبارها بين الأعمال ثمّ اختيار الأحسن من بينها.

على أنّه لا مطمع لعبد في أن يثيبه اللّه على ما أتى به من المباحات حتّى يبيّن له أنّ الثّواب في مقابل ما أتى به من الواجبات و المستحبّات الّتي هي أحسن ممّا أتى به من المباحات،فيكون ذكر الحسن مستدركا زائدا.

و من هنا يظهر أن ليس المراد به النّوافل،بناء على عدم الإلزام فيها فتكون أحسن ما عمل،فإنّ كون الواجب مشتملا من المصلحة الموجبة للحسن على أزيد من النّفل معلوم من الخطابات التّشريعيّة،بحيث لا يرتاب فيه.

بل المراد بذلك:أنّ العمل الّذي يأتون به و له في نوعه ما هو حسن و ما هو أحسن،فاللّه سبحانه يجزيه من الأجر على ما أتى به ما هو أجر الفرد الأحسن من نوعه، فالصّلاة الّتي يصلّيها الصّابر في اللّه يجزيه اللّه سبحانه لها أجر الفرد الأحسن من الصّلاة،و إن كانت ما صلاّها غير أحسن.و بالحقيقة يستدعي الصّبر أن لا يناقش في العمل و لا يحاسب ما هو عليه من الخصوصيّات المقتضية لخسّته و رداءته،كما يفيده قوله تعالى: إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ الزّمر:10.

(12:339)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ التّعبير ب(احسن)دليل على أنّ أعمالهم الحسنة ليست بدرجة واحدة،فبعضها حسن و البعض الآخر أحسن،و لكنّ اللّه تعالى يجزي الجميع بأحسن ما كانوا يعملون،و هو ذروة اللّطف و الرّحمة الرّبّانيّة.(8:281)

فضل اللّه :يتوقّف القارئ أمام قوله: بِأَحْسَنِ ليستوحي منها بعضهم أنّ اللّه يلغي أجر الحسن من الأعمال،و يعطيه للأحسن،و نحو ذلك.و لعلّ هذا المعنى الّذي استوحيناه هو أشار إليه صاحب«الميزان»بقوله:

«المراد...إلخ».

و ربّما كان مراده معنى آخر؛و ذلك بأنّ الصّبر يعطي الصّابر ميزة في الأجر على غيره،حتّى لو كان العمل لا يستحقّ ذلك في ذاته.و على هذا الأساس،فإنّ تعليقنا عليه،هو أنّ الظّاهر هو التّأكيد:أنّ الصّبر يمنح العمل خصوصيّة جديدة يستحقّ بها الإنسان الأجر الزّائد،لما في الصّبر من قيمة للعمل،و اللّه العالم.(13:291)

و بهذا المعنى جاء:

15- ...وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ النّحل:97.

و 16- لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا... النّور:38

و 17- وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ.

العنكبوت:7

راجع«ج ز ي-ليجزيهم»

18- أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ أَحْسَنُ مَقِيلاً. الفرقان:24

الآلوسيّ: و في وصفه بزيادة الحسن مع حصول الخيريّة بعطفه على المستقرّ رمز إلى أنّ لهم ما يتزيّن به من حسن الصّور و غيره من التّحاسين.فإنّ حسن

ص: 109

المنزل إن لم يكن باعتبار ما يرجع لصاحبه لم تتمّ المسرّة به،و التّفضيل المعتبر فيهما المسرّة إمّا لإرادة الزّيادة على الإطلاق،أي هم في أقصى ما يكون من خيريّة المستقرّ و حسن المقيل.و إمّا بالإضافة إلى ما للكفرة المتنعّمين في الدّنيا أو إلى ما لهم في الآخرة بطريق التّهكّم بهم.

(19:8)

19- وَ لا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَ أَحْسَنَ تَفْسِيراً. الفرقان:33

راجع«ف س ر-تفسيرا»

20- اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ... الزّمر:23

راجع«ح د ث-الحديث»

21- وَ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ...

الزّمر:55

راجع«ن ز ل-انزل»

22- وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللّهِ...

فصّلت:33

راجع«ق و ل-قولا»

23- ..اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ... فصّلت:34

راجع«د ف ع-ادفع»

24- لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ. التّين:4

راجع«ق و م:تقويم»

25- ...فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ. المؤمنون:14

الفخر الرّازيّ: قالت المعتزلة:الآية تدلّ على أنّ كلّ ما خلقه حسن و حكمة و صواب،و إلاّ لما جاز وصفه بأنّه أَحْسَنُ الْخالِقِينَ، و إذا كان كذلك وجب أن لا يكون خالقا للكفر و المعصية،فوجب أن يكون العبد هو الموجد لهما؟

و الجواب:من النّاس من حمل الحسن على الإحكام و الإتقان في التّركيب و التّأليف،ثمّ لو حملناه على ما قالوه فعندنا أنّه يحسن من اللّه تعالى كلّ الأشياء،لأنّه ليس فوقه أمر و نهي حتّى يكون ذلك مانعا له عن فعل الشّيء.

(23:86)

العكبريّ: (احسن)بدل،أو خبر مبتدإ محذوف، و ليس بصفة،لأنّه نكرة و إن أضيف،لأنّ المضاف إليه عوض عن«من»،و هكذا جميع باب أفعل منك.

(2:951)

الآلوسيّ: نعت للاسم الجليل،و إضافة أفعل التّفضيل محضة،فتفيده تعريفا إذا أضيف إلى معرفة على الأصحّ.[ثمّ نقل قول العكبريّ و قال:]

و جعله بدلا و هو يقلّ في المشتقّات،أو خبر مبتدإ مقدّر،أي هو أحسن الخالقين،و الأصل عدم التّقدير و تمييز أفعل محذوف لدلالة(الخالقين)عليه،أي أحسن الخالقين خلقا،فالحسن للخلق.قيل:نظيره قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:

«إنّ اللّه تعالى جميل يحبّ الجمال»أي جميل فعله،فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه،فانقلب مرفوعا

ص: 110

فاستتر.[إلى أن قال:]

و معنى حسن خلقه تعالى:إتقانه و إحكامه،و يجوز أن يراد بالحسن مقابل القبح،و كلّ شيء منه عزّ شأنه حسن لا يتّصف بالقبح أصلا من حيث إنّه منه،فلا دليل فيه للمعتزلة بأنّه تعالى لا يخلق الكفر و المعاصي،كما لا يخفى.(18:15)

راجع«خ ل ق-الخالقين»

26- ..وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ... النّحل:125

27- وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ... العنكبوت:46

راجع«ج د ل-جادلهم،تجادلوا»

28- وَ قُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...

الإسراء:53

راجع«ق و ل-يقولوا»

احسنه

فَبَشِّرْ عِبادِ* اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ... الزّمر:17-18

ابن عبّاس: فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أحكمه و أبينه، يعملون به و يريدونه.(387)

هو الرّجل يسمع الحديث من الرّجل فيحدّث بأحسن ما يسمع منه،و يمسك عن أسوئه فلا يتحدّث به.

(الماورديّ 5:121)

الضّحّاك: ما أمر اللّه جلّ و عزّ به الأنبياء،من طاعته فيتّبعونه.(النّحّاس 6:162)

قتادة :طاعة اللّه.(الطّبريّ 23:206)

السّدّيّ: أحسن ما يؤمرون به فيعملون به.

(الطّبريّ 23:206)

ابن زيد :لا إله إلاّ اللّه.(الماورديّ 5:120)

الطّبريّ: فبشّر يا محمّد عبادي الّذين يستمعون القول من القائلين،فيتّبعون أرشده و أهداه إلى الحقّ، و أدلّه على توحيد اللّه،و العمل بطاعته،و يتركون ما سوى ذلك من القول الّذي لا يدلّ على رشاد، و لا يهدي إلى سداد.(23:206)

الزّجّاج: و هذا فيه-و اللّه أعلم- وجهان:أحدهما:

أن يكون يستمعون القرآن و غيره فيتّبعون القرآن، و جائز أن يكونوا يستمعون جميع ما أمر اللّه به فيتّبعون أحسن ذلك نحو القصاص و العفو،فإنّ من عفا و ترك ما يجب،له أعظم ثوابا ممّن اقتصّ.(4:349)

النّحّاس: في معنى هذا قولان:

القول الأوّل:[قول الضّحّاك]

و القول الآخر:أنّهم يستمعون القرآن و غيره، فيتّبعون القرآن.

القول الأوّل حسن،و المعنى:أنّهم إذا سمعوا بالعقوبة و العفو،عفوا،و رأوا أنّ العفو أفضل،و إن كانت العقوبة لهم.(6:162)

النّقّاش:أنّهم إذا سمعوا قول المسلمين و قول المشركين اتّبعوا أحسنه،و هو الإسلام.

(الماورديّ 5:121)

الثّعلبيّ: أرشده و أهداه إلى الحقّ.(8:227)

ص: 111

الماورديّ: فيه خمسة أوجه[ذكر الأقوال السّابقة ثمّ قال:]

و يحتمل سادسا:أنّهم يستمعون عزما و ترخيصا، فيأخذون بالعزم دون الرّخص.(5:120)

الطّوسيّ: و إنّما قال:(احسنه)و لم يقل:حسنه، لأنّه أراد ما يستحقّ به المدح و الثّواب،و ليس كلّ حسن يستحقّ به ذلك،لأنّ المباح حسن و لا يستحقّ به مدح و لا ثواب.و الأحسن:الأولى بالفعل في العقل و الشّرع.

(9:17)

الواحديّ: يعني القرآن.[ثمّ نقل بعض الأقوال و قال:]

فيتّبعون أحسنه،أي حسنه،و كلّه حسن.(3:576)

القشيريّ: (احسنه)و فيه قولان:

أحدهما:أن يكون بمعنى الحسن،و لا تكون الهمزة للمبالغة،كما يقال:أعزّ،أي عزيز.

و الثّاني:الأحسن على المبالغة.

و الحسن ما كان مأذونا فيه في صفة الخلق و يعلم ذلك بشهادة العلم،و الأحسن هو الأولى و الأصوب.

و يقال:الأحسن ما كان للّه دون غيره،و يقال:

الأحسن هو ذكر اللّه خالصا له.و يقال:من عرف اللّه لا يسمع إلاّ باللّه.(5:274)

الرّاغب: أي الأبعد عن الشّبهة.(119)

البغويّ: قيل:هو أنّ اللّه ذكر في القرآن الانتصار من الظّالم و ذكر العفو،و العفو أحسن الأمرين.

و قيل:ذكر العزائم و الرّخص فيتّبعون الأحسن و هو العزائم.و قيل:يستمعون القرآن و غير القرآن فيتّبعون القرآن.(4:83)

نحوه الخازن.(6:59)

الزّمخشريّ: و أراد بعباده اَلَّذِينَ... أَحْسَنَهُ الّذين اجتنبوا و أنابوا لا غيرهم،و إنّما أراد بهم أن يكونوا مع الاجتناب و الإنابة على هذه الصّفة،فوضع الظّاهر موضع الضّمير.و أراد أن يكونوا نقّادا في الدّين يميّزون بين الحسن و الأحسن و الفاضل و الأفضل،فإذا اعترضهم أمران واجب و ندب اختاروا الواجب،و كذلك المباح و النّدب حراصا على ما هو أقرب عند اللّه و أكثر ثوابا،و يدخل تحته المذاهب و اختبار أثبتها على السّبك و أقواها عند السّبر و أبينها دليلا أو أمارة،و أن لا تكون في مذهبك،كما قال القائل:و لا تكن مثل عير قيد فانقاد.

يريد المقلّد.[ثمّ نقل الأقوال السّابقة](3:393)

مثله النّسفيّ(4:53)،و نحوه أبو السّعود(5:386)

الميبديّ: مثال هذا الأحسن في الدّين أنّ وليّ القتيل إذا طلب بالدّم فهو حسن،فإذا عفا و رضي بالدّية فهو أحسن.و من جزى بالسّيّئة السّيّئة مثلها فهو حسن،فإن عفا و غفر فهو أحسن.فإن وزن أو كال فعدل فهو حسن،فإن أرجح فهو أحسن.فإن اتّزن و عدل فهو حسن،و إن طفّف على نفسه فهو أحسن.فإن ردّ السّلام فقال:و عليكم السّلام فهو حسن،فإن قال:و عليكم السّلام و رحمة اللّه فهو أحسن على هذا العيار.فإن حجّ راكبا فهو حسن،فإن فعله راجلا فهو أحسن.فإن غسل أعضاءه في الوضوء مرّة مرّة فهو حسن،فإن غسلها ثلاثا ثلاثا فهو أحسن.فإن جزى ظالمه بمثل مظلمته فهو حسن،فإن جازاه بحسن فهو أحسن.فإن سجد أو ركع

ص: 112

ساكتا فهو جائز و الجائز حسن،و إن فعلها مسبّحا فهو أحسن.و نظير هذه الآية قوله عزّ و جلّ لموسى عليه السّلام:

فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَ أْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها الأعراف:

145،و قوله: وَ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ الزّمر:55.(8:395)

ابن عطيّة: كلام عامّ في جميع الأقوال،و إنّما القصد الثّناء على هؤلاء ببصائر هي لهم و قوام في نظرهم،حتّى أنّهم إذا سمعوا قولا ميّزوه و اتّبعوا أحسنه.

و اختلف المفسّرون في العبارة عن هذا.[ثمّ نقل الأقوال السّابقة و قال:]

و هذه أمثلة و ما قلناه أوّلا يعمّها.(4:525)

الطّبرسيّ: أي أولاه بالقبول و العمل به و أرشده إلى الحقّ.[ثمّ نقل الأقوال السّابقة](4:493)

مثله شبّر.(5:308)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه تعالى لمّا قال: لَهُمُ الْبُشْرى و كان هذا كالمجمل أردفه بكلام يجري مجرى التّفسير و الشّرح له،فقال تعالى: فَبَشِّرْ... أَحْسَنَهُ و أراد بعباده:الّذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه، الّذين اجتنبوا و أنابوا لا غيرهم.و هذا يدلّ على أنّ رأس السّعادات و مركز الخيرات و معدن الكرامات هو الإعراض عن غير اللّه تعالى،و الإقبال بالكلّيّة على طاعة اللّه.

و المقصود من هذا اللّفظ التّنبيه على أنّ الّذين اجتنبوا الطّاغوت و أنابوا،هم الموصوفون بأنّهم هم الّذين يستمعون القول فيتّبعون أحسنه،فوضع الظّاهر موضع المضمر،تنبيها على هذا الحرف.

و منهم من قال:إنّه تعالى لما بيّن أنّ الّذين اجتنبوا و أنابوا لهم البشرى،و كان ذلك درجة عالية لا يصل إليها إلاّ الأوّلون،و قصر السّعادة عليهم يقتضي الحرمان للأكثرين،و ذلك لا يليق بالرّحمة التّامّة،لا جرم جعل الحكم أعمّ،فقال:كلّ من اختار الأحسن في كلّ باب كان في زمرة السّعداء.

و اعلم أنّ هذه الآية تدلّ على فوائد:

الفائدة الأولى:وجوب النّظر و الاستدلال،و ذلك لأنّه تعالى بيّن أنّ الهداية و الفلاح مرتبطان بما إذا سمع الإنسان أشياء كثيرة،فإنّه يختار منها ما هو الأحسن الأصوب.و من المعلوم أنّ تمييز الأحسن الأصوب عمّا سواه لا يحصل بالسّماع،لأنّ السّماع صار قدرا مشتركا بين الكلّ،لأنّ قوله: اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ يدلّ أنّ السّماع قدر مشترك فيه،فثبت أنّ تمييز الأحسن عمّا سواه لا يتأتّى بالسّماع و إنّما يتأتّى بحجّة العقل،و هذا يدلّ على أنّ الموجب لاستحقاق المدح و الثّناء متابعة حجّة العقل،و بناء الأمر على النّظر و الاستدلال.

الفائدة الثّانية:أنّ الطّريق إلى تصحيح المذاهب و الأديان قسمان:

أحدهما:إقامة الحجّة و البيّنة على صحّته على سبيل التّحصيل؛و ذلك أمر لا يمكن تحصيله إلاّ بالخوض في كلّ واحد من المسائل على التّفصيل.

و الثّاني:أنّا قبل البحث عن الدّلائل و تقريرها و الشّبهات و تزييفها نعرض تلك المذاهب و أضدادها على عقولنا،فكلّ ما حكم أوّل العقل بأنّه أفضل و أكمل كان أولى بالقبول.

ص: 113

مثاله أنّ صريح العقل شاهد بأنّ الإقرار بأنّ إله العالم حيّ عالم قادر حليم حكيم رحيم،أولى من إنكار ذلك، فكان ذلك المذهب أولى،و الإقرار بأنّ اللّه تعالى لا يجري في ملكه و سلطانه إلاّ ما كان على وفق مشيئته أولى من القول بأنّ أكثر ما يجري في سلطان اللّه على خلاف إرادته،و أيضا الإقرار بأنّ اللّه فرد أحد صمد منزّه عن التّركيب و الأعضاء أولى من القول بكونه متبعّضا مؤلّفا، و أيضا القول باستغنائه عن الزّمان و المكان أولى من القول باحتياجه إليهما،و أيضا القول بأنّ اللّه رحيم كريم قد يعفو عن العقاب أولى من القول بأنّه لا يعفو عنه البتّة، و كلّ هذه الأبواب تدخل تحت قوله: اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ فهذا ما يتعلّق باختيار الأحسن في أبواب الاعتقادات.

و أمّا ما يتعلّق بأبواب التّكاليف فهو على قسمين:

منها ما يكون من أبواب العبادات،و منها ما يكون من أبواب المعاملات.

فأمّا العبادات فمثل قولنا:الصّلاة الّتي يذكر في تحريمها«اللّه أكبر»و تكون النّيّة فيها مقارنة للتّكبير، و يقرأ فيها سورة الفاتحة،و يؤتى فيها بالطّمأنينة في المواقف الخمسة،و يقرأ فيها التّشهّد،و يخرج منها بقوله:

السّلام عليكم،فلا شكّ أنّها أحسن من الصّلاة الّتي لا يراعى فيها شيء من هذه الأحوال،و توجب على العاقل أن يختار هذه الصّلاة،و أن يترك ما سواها، و كذلك القول في جميع أبواب العبادات.

و أمّا المعاملات فكذلك،مثل أنّه تعالى شرع القصاص و الدّية و العفو،و لكنّه ندب إلى العفو،فقال:

وَ أَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى البقرة:237.

(26:260)

نحوه باختصار الشّربينيّ.(3:439)

النّيسابوريّ: [نحو المتقدّمين و أضاف:]

و قال العارفون:يسمعون من النّفس الدّعوة إلى الشّهوات،و من الشّيطان قول الباطل و الغرور،و من الملك الإلهامات،و من اللّه و رسوله الدّعاء إلى دار السّلام،فيقبلون كلام اللّه و رسوله و الخواطر الحسنة دون غيرها.(33:122)

ابن عربيّ: كالعزائم دون الرّخص،و الواجب دون المندوب،و القول حقّ في الكلّ لا غير.(2:376)

البيضاويّ: وضع فيه الظّاهر موضع الضّمير وَ الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الزّمر:17،للدّلالة على مبدإ اجتنابهم و أنّهم نقّاد في الدّين،يميّزون بين الحقّ و الباطل،و يؤثرون الأفضل فالأفضل.(2:320)

مثله الكاشانيّ.(4:318)

أبو حيّان :ثناء عليهم بنفوذ بصائرهم و تمييزهم الأحسن،فإذا سمعوا قولا تبصّروه.[ثمّ نقل الأقوال السّابقة](7:421)

ابن كثير :أي يفهمونه و يعملون بما فيه،كقوله تبارك و تعالى لموسى عليه السّلام حين آتاه التّوراة: فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَ أْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها الأعراف:145.

(6:84)

البروسويّ: [نقل عدّة أقوال ثمّ قال:]

و يحتمل أن يكون المعنى:يستمعون القول مطلقا قرآنا كان أو غيره فيتّبعون أحسنه بالإيمان و العمل

ص: 114

الصّالح و هو القرآن،لأنّه تعالى قال في حقّه: اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ الزّمر:23.[إلى أن قال:]

و أيضا إنّ الألف و اللاّم في القول للعموم،فيقتضي أنّ لهم حسن الاستماع في كلّ قول من القرآن و غيره، و لهم أن يتّبعوا أحسن معنى يحتمل كلّ قول اتّباع درايته و العمل به،و أحسن كلّ قول ما كان من اللّه أو للّه أو يهدي إلى اللّه.و على هذا يكون استماع قول القوّال من هذا القبيل،كما في«التّأويلات النّجميّة».[ثمّ ذكر قول الميبديّ و قال:]

و هذا معنى ما قال بعضهم:يستمعون قول اللّه فيتّبعون أحسنه و يعملون بأفضله،و هو ما في القرآن من عفو و صفح و احتمال على أذى و نحو ذلك.فالقرآن كلّه حسن،و إنّما الأحسن بالنّسبة إلى الآخذ و العامل.

(8:90)

الآلوسيّ: مدح لهم بأنّهم نقّاد في الدّين،يميّزون بين الحسن و الأحسن و الفاضل و الأفضل،فإذا اعترضهم أمران واجب و ندب اختاروا الواجب، و كذلك المباح و النّدب.

و قيل:يستمعون أوامر اللّه تعالى فيتّبعون أحسنها، نحو القصاص و العفو و الانتصار و الإغضاء و الإبداء و الإخفاء،لقوله تعالى: وَ أَنْ تَعْفُوا...

و الفرق بين الوجهين:أنّ هذا أخصّ،لأنّه مخصوص بأوامر فيها تخيير بين راجح و أرجح كالعفو و القصاص مثلا،كأنّه قيل:يتّبعون أحسن القولين الواردين في معيّن،و في الأوّل يتّبعون الأحسن من القولين مطلقا، كالإيجاب بالنّسبة إلى النّدب مثلا.(23:252)

القاسميّ: أي إيثارا للأفضل و اهتماما بالأكمل.[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ و قال:]

و يدخل تحته أيضا إيثار الأفضل من كلّ نوعين اعترضا،كالواجب مع النّدب،و العفو مع القصاص، و الإخفاء مع الإبداء في الصّدقة.(14:5134)

سيّد قطب :هؤلاء من صفاتهم أنّهم يستمعون ما يستمعون من القول،فتلتقط قلوبهم أحسنه و تطرد ما عداه،فلا يلحق بها و لا يلصق إلاّ الكلم الطّيّب،الّذي تزكو به النّفوس و القلوب.و النّفس الطّيّبة تتفتّح للقول الطّيّب فتتلقّاه و تستجيب له،و النّفس الخبيثة لا تتفتّح إلاّ للخبيث من القول،و لا تستجيب إلاّ له.(5:3045)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(12:1136)

عزّة دروزة :فلهؤلاء البشرى و على النّبيّ أن يبشّر عباد اللّه الّذين يتروّون فيما يسمعون ثمّ يتّبعون أحسن ما فيه،و هو دعوة الخير و الهدى.فهم الّذين يكون اللّه قد هداهم،و هم ذوو العقول السّليمة.(5:70)

مغنيّة:ليس المراد بحسن القول:حسن الكلمات و فصاحة الأسلوب،و إنّما المراد به ما نفع دنيا و آخرة، فإن كان مضرّا فهو قبيح.أمّا القول الّذي لا يضرّ و لا ينفع فإنّه لا يوصف بحسن و لا بقبح،أمّا الوصف بالأحسن فهو نسبيّ،مثلا ردّ التّحيّة بمثلها حسن،و كذا القصاص بالمثل ممّن اعتدى عليك.و لكنّ العفو أحسن من القصاص،و ردّ التّحيّة بخير منها أحسن من ردّها بمثلها.

و قول اللّه تعالى أحسن من كلّ قول أيّا كان ناقله، و لا شيء منه تعالى أحسن من شيء،قولا كان أو فعلا،

ص: 115

لأنّ الأشياء بالنّسبة إليه سواء،و الّذين يستمعون قول اللّه،و يعملون به هم المهتدون عند اللّه إلى معرفة الأحسن،و الآخذون باللّباب دون القشور.و في نهج البلاغة،في الخطبة:110:«أفيضوا في ذكر اللّه فإنّه أحسن الذّكر...و تعلّموا القرآن فإنّه أحسن الحديث، و تفقّهوا فيه فإنّه ربيع القلوب».(6:403)

الطّباطبائيّ: و المراد بالقول بقرينة ما ذكر من الاتّباع ما له نوع ارتباط و مساس بالعمل،فأحسن القول أرشده في إصابة الحقّ و أنصحه للإنسان، و الإنسان إذا كان ممّن يحبّ الحسن و ينجذب إلى الجمال كان كلّما زاد الحسن زاد انجذابا،فإذا وجد قبيحا و حسنا مال إلى الحسن،و إذا وجد حسنا و أحسن قصد ما هو أحسن،و أمّا لو لم يمل إلى الأحسن و انجمد على الحسن، كشف ذلك عن أنّه لا ينجذب إليه من حيث حسنه و إلاّ زاد الانجذاب بزيادة الحسن.

فتوصيفهم باتّباع أحسن القول،معناه أنّهم مطبوعون على طلب الحقّ و إرادة الرّشد و إصابة الواقع، فكلّما دار الأمر بين الحقّ و الباطل و الرّشد و الغيّ،اتّبعوا الحقّ و الرّشد و تركوا الباطل و الغيّ،و كلّما دار الأمر بين الحقّ و الأحقّ و الرّشد و ما هو أكثر رشدا،أخذوا بالأحقّ الأرشد.فالحقّ و الرّشد هو مطلوبهم و لذلك يستمعون القول،و لا يردّون قولا بمجرّد ما قرع سمعهم اتّباعا لهوى أنفسهم،من غير أن يتدبّروا فيه و يفقهوه.

فقوله: اَلَّذِينَ... أَحْسَنَهُ مفاده أنّهم طالبوا الحقّ و الرّشد يستمعون القول،رجاء أن يجدوا فيه حقّا و خوفا أن يفوتهم شيء منه.

و قيل:المراد باستماع القول و اتّباع أحسنه استماع القرآن و غيره و اتّباع القرآن.و قيل:المراد استماع أوامر اللّه تعالى و اتّباع أحسنها كالقصاص و العفو،فيتّبعون العفو،إبداء الصّدقات و إخفائها فيتّبعون الإخفاء، و القولان من قبيل التّخصيص من غير مخصّص.

(17:250)

نحوه مكارم الشّيرازيّ(15:48)،و فضل اللّه (19:319)

باحسنها

...وَ أْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها... الأعراف:145

ابن عبّاس: يعملوا بمحكمها و يؤمنوا بمتشابهها.

(137)

أمر موسى أن يأخذها بأشد ممّا أمر به قومه.

(الطّبريّ 9:58)

يحلّوا حلالها و يحرّموا حرامها،و يتدبّروا أمثالها، و يعملوا بمحكمها و يقفوا عند متشابهها.

(الواحديّ 2:409)

السّدّيّ: بأحسن ما يجدون فيها.(الطّبريّ 9:58)

قطرب: يأخذوا بأحسنها،أي بحسنها و كلّها حسن.(الثّعلبيّ 4:283)

حسين بن فضل:أن يتخيّل للكلمة معنيين أو ثلاثة فيصرفوا إلى الشّبهة بالحقّ.(الثّعلبيّ 4:283)

الجبّائيّ: أحسنها النّاسخ دون المنسوخ المنهيّ عنه،لأنّ العمل بهذا المنسوخ قبيح.(الطّوسيّ 4:573)

الطّبريّ: إن قال قائل:و ما معنى قوله: وَ أْمُرْ

ص: 116

قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها؟ أ كان من خصالهم ترك بعض ما فيها من الحسن؟

قيل:لا،و لكن كان فيها أمر و نهي،فأمرهم اللّه أن يعملوا بما أمرهم بعمله،و يتركوا ما نهاهم عنه،فالعمل بالمأمور به،أحسن من العمل بالمنهيّ عنه.(9:58)

الزّجّاج: يحتمل وجهين:أحدهما أنّهم أمروا بالخير و نهوا عن الشّرّ،و عرّفوا ما لهم في ذلك،فقيل:

وَ أْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها.

و يجوز أن يكون نحو ما أمرنا به من الانتصار بعد الظّلم،و نحو القصاص في الجروح؛إذ قال: وَ لَمَنْ صَبَرَ وَ غَفَرَ إِنَّ ذلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ الشّورى:43، وَ لَمَنِ انْتَصَرَ بَعْدَ ظُلْمِهِ فَأُولئِكَ ما عَلَيْهِمْ مِنْ سَبِيلٍ الشّورى:41.فهذا كلّه حسن و العفو أحسن من القصاص،و الصّبر أحسن من الانتصار.(2:375)

القمّيّ: بأحسن ما فيها من الأحكام.(1:240)

النّحّاس: و كلّها حسنة.[ثمّ ذكر الأقوال السّابقة]

(3:77)

الثّعلبيّ: [ذكر الأقوال السّابقة ثمّ قال:]

و قيل:كان فيها فرائض لا مبرّك لها و فضائل مندوبا إليها،و الأفضل أن يجمع بين الفرائض و الفضائل.

(4:283)

الماورديّ: لم يقل ذلك لأنّ فيها غير حسن،و فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها:أنّ أحسنها:المفروضات،و غير الأحسن:

المباحات.

و الثّاني:أنّه النّاسخ دون المنسوخ.

و الثّالث:أنّ فعل ما أمر به أحسن من ترك ما نهي عنه،لأنّ العمل أثقل من التّرك و إن كان طاعة.

(2:260)

الطّوسيّ: معناه يأخذوا بأحسن المحاسن،و هي الفرائض و النّوافل،و أدونها في الحسن المباح،لأنّه لا يستحقّ عليه حمد و لا ثواب.[ثمّ نقل قول الجبّائيّ و قال:]

و قال الزّجّاج: يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها معناه بما هو حسن دون ما هو قبيح.و هذا تأويل بعيد،لأنّه لا يقال في الحسن:إنّه أحسن من القبيح.

و يجوز أن يكون المراد(باحسنها):حسنها،كما قال تعالى: وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ الرّوم:27،و معناه هيّن.

و يحتمل أن يكون أراد ب(احسنها)إلى ما دونه من الحسن،أ لا ترى أنّ استيفاء الدّين حسن و تركه أحسن، و أمّا القصاص في الجنايات فحسن و العفو أحسن، و يكون ذلك على وجه النّدب.(4:573)

القشيريّ: (باحسنها)بمعنى بحسنها،و يحتمل أن تكون الهمزة للمبالغة،يعني:بأحسنها ألاّ تعرّج على تأويل و ارجع إلى الأولى.(2:264)

الزّمخشريّ: أي فيها ما هو حسن و أحسن كالاقتصاص و العفو و الانتصار و الصّبر،فمرهم أن يحملوا على أنفسهم في الأخذ بما هو أدخل في الحسن و أكثر للصّواب،كقوله تعالى: وَ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ الزّمر:55.

و قيل:يأخذوا بما هو واجب أو ندب لأنّه أحسن من المباح،و يجوز أن يراد يأخذوا بما أمروا به دون ما نهوا

ص: 117

عنه،على قولك:الصّيف أحرّ من الشّتاء.(2:117)

مثله النّسفيّ(2:76)،و نحوه طه الدّرّة(5:77).

ابن عطيّة: يحتمل معنيين:أحدهما:التّفضيل، كأنّه قال:إذا اعترض فيها مباحان فيأخذون الأحسن منهما كالعفو و القصاص،و الصّبر و الانتصار.

هذا على القول إنّ«أفعل»في التّفضيل لا يقال إلاّ لما لهما اشتراك في المفضّل فيه.و أمّا على القول الآخر فقد يراد بالأحسن:المأمور به بالإضافة للمنهيّ عنه،لأنّه أحسن منه،و كذلك النّاسخ بالإضافة إلى المنسوخ و نحو هذا.و ذهب إلى هذا المعنى الطّبريّ.

و يؤيّد هذا التّأويل أنّه تدخل فيه الفرائض،و هي لا تدخل في التّأويل الأوّل،و قد يمكن أن يتصوّر اشتراك في حسن المأمور به و المنهيّ عنه و لو بحسب الملاذّ و شهوات النّفس الأمّارة.

و المعنى الآخر الّذي يحتمله قوله:(باحسنها)أن يريد بأحسن وصف الشّريعة بجملتها،فكأنّه قال:قد جعلنا لكم شريعة هي أحسن،كما تقول:اللّه أكبر دون مقايسة،ثمّ قال:فمرهم يأخذوا بأحسنها الّذي شرّعناه لهم،و في هذا التّأويل اعتراضات.(2:453)

ابن العربيّ: فيها ثلاث مسائل:

المسألة الأولى:القول في الحسن و الأحسن:قد بيّنّا في غير موضع أنّ الحسن ما وافق الشّرع،و القبيح ما خالفه.و في الشّرع حسن و أحسن،فقيل:كلّ ما كان أرفق فهو أحسن،و قيل:كلّ ما كان أحوط للعبادة فهو أحسن.

و الصّحيح عندي:أنّ«أحسن»ما فيها امتثال الأوامر و اجتناب النّواهي،و الدّليل عليه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم للأعرابيّ حين قال له:و اللّه لا أزيد على هذا و لا أنقص منه،فقال:«أفلح إن صدق،دخل الجنّة إن صدق».

المسألة الثّانية:المباح من جملة الحسن في الشّريعة بلا خلاف،و إن اختلفوا في كونه من المأمورات،لأنّه ممّا حسّنه الشّرع و أذن فيه.و أمّا المكروه فلا خلاف أنّه ليس من الحسن،لأنّ المباح يمدح فاعله بالاقتصار عليه، و لا يمدح فاعل المكروه،بل هو داخل في السّرف المنهيّ عنه.

المسألة الثّالثة:هذه المسألة تدخل في الأحكام إذا قلنا:إنّ شرع من قبلنا شرع لنا.فأمّا الشّافعيّة الّتي لا ترى ذلك فلم تدخلها في أحكامها،و نحن نتكلّم عليها هنا من التّبسّط (1)الّذي لا يحسن.

و الّذي يحقّق ذلك ما قدّمناه من أنّ اللّه إنّما ذكرها في القرآن من حسن الاقتداء و من سيّئ الاجتناب،و إذا مدح قوما على فعل فهو حثّ عليه،أو ذمّهم على آخر فهو زجر عنه،و كلّه يدخل لنا في الاهتداء بالاقتداء.

(2:792)

الطّبرسيّ: [ذكر نحو الطّوسيّ و أضاف بعد قول الجبّائيّ:]

و هذا ضعيف لأنّ المنسوخ قد خرج من أن يكون حسنا.(2:477)

ابن الجوزيّ: إن قيل:كأنّ فيها ما ليس بحسن؟ فعنه جوابان:

أحدهما:أنّ المعنى:يأخذوا بحسنها،و كلّها حسن، قاله قطرب.و قال ابن الأنباريّ: ناب«أحسن»عنا.

ص: 118


1- كذا.

«حسن».[ثمّ استشهد بشعر]

و قال غيره:«الأحسن»هاهنا صلة،و المعنى:

يأخذوا بها.

و الثّاني:أنّ بعض ما فيها أحسن من بعض،ثمّ في ذلك خمسة أقوال:

أحدها:أنّهم أمروا فيها بالخير و نهوا عن الشّرّ، ففعل الخير هو الأحسن.

و الثّاني:أنّها اشتملت على أشياء حسنة بعضها أحسن من بعض،كالقصاص و العفو و الانتصار و الصّبر، فأمروا أن يأخذوا بالأحسن،ذكر القولين الزّجّاج.

فعلى هذا القول،يكون المعنى:أنّهم يتّبعون العزائم و الفضائل،و على الّذي قبله،يكون المعنى:أنّهم يتّبعون الموصوف بالحسن و هو الطّاعة،و يجتنبون الموصوف بالقبح و هو المعصية.

و الثّالث:أحسنها:الفرائض و النّوافل،و أدونها في الحسن:المباح.

و الرّابع:أن يكون للكلمة معنيان أو ثلاثة، فتصرف إلى الأشبه بالحقّ.

و الخامس:أنّ(احسنها)الجمع بين الفرائض و النّوافل.(3:259)

الفخر الرّازيّ: سؤال:و هو أنّه تعالى لمّا تعبّد بكلّ ما في التّوراة وجب كون الكلّ مأمورا به،و ظاهر قوله:

يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها يقتضي أنّ فيه ما ليس بأحسن، و أنّه لا يجوز لهم الأخذ به،و ذلك متناقض.و ذكر العلماء في الجواب عنه وجوها:

الأوّل:أنّ تلك التّكاليف منها ما هو حسن و منها ما هو أحسن،كالقصاص و العفو و الانتصار و الصّبر،أي فمرهم أن يحملوا أنفسهم على الأخذ بما هو أدخل في الحسن،و أكثر للثّواب،كقوله: وَ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ الزّمر:55،و قوله: اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ الزّمر:18.

فإن قالوا:فلمّا أمر اللّه تعالى بالأخذ بالأحسن،فقد منع من الأخذ بذلك الحسن،و ذلك يقدح في كونه حسنا؟

فنقول:يحمل أمر اللّه تعالى بالأخذ بالأحسن على النّدب حتّى يزول هذا التّناقض.

الوجه الثّاني في الجواب:قال قطرب...[و قد سبق كلامه]

الوجه الثّالث:قال بعضهم:الحسن يدخل تحته الواجب و المندوب و المباح،و أحسن هذه الثّلاثة الواجبات و المندوبات.(14:237)

مثله النّيسابوريّ(9:47)،و الشّربينيّ(1:516)، و نحوه الرّازيّ(100)،و الخازن(3:237).

ابن عربيّ: أي،بالعزائم دون الرّخص.(1:450)

القرطبيّ: أي يعملوا بالأوامر و يتركوا النّواهي، و يتدبّروا الأمثال و المواعظ،نظيره: وَ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ... الزّمر:55،و قال: فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ الزّمر:18،و العفو أحسن من الاقتصاص،و الصّبر أحسن من الانتصار.

و قيل:(احسنها):الفرائض و النّوافل،و أدونها:

المباح.(7:282)

نحوه باختصار،القاسميّ.(7:2854)

ص: 119

البيضاويّ: أي بأحسن ما فيها كالصّبر و العفو بالإضافة إلى الانتصار و الاقتصاص،على طريقة النّدب و الحثّ على الأفضل،كقوله تعالى: وَ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ...

أو بواجباتها،فإنّ الواجب أحسن من غيره.

و يجوز أن يراد بالأحسن:البالغ في الحسن مطلقا لا بالإضافة،و هو المأمور به،كقولهم:الصّيف أحرّ من الشّتاء.(1:369)

أبو حيّان :و قوله:(باحسنها)ظاهره أنّه أفعل التّفضيل و فيها الحسن و الأحسن،كالقصاص و العفو و الانتصار و الصّبر.(4:388)

السّمين:(باحسنها)يجوز أن يكون حالا،كما تقدّم في(بقوّة)،و على هذا فمفعول(ياخذوا)محذوف، تقديره:يأخذوا أنفسهم.و يجوز أن تكون الباء زائدة، و(احسنها)مفعول به،و التّقدير:يأخذوا أحسنها.

و(احسن)يجوز أن تكون للتّفضيل على بابها،و ألاّ تكون،بل بمعنى حسنة.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(3:341)

أبو السّعود :أي بأحسن ما فيها كالعفو و الصّبر لا لإضافة إلى الاقتصاص و الانتصار على طريقة النّدب و الحثّ على اختيار الأفضل،كما في قوله تعالى:

وَ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ... أو بواجباتها فإنّها أحسن من المباح.

و قيل:المعنى يأخذوا بها،و(احسن)صلة.

قال قطرب:أي بحسنها و كلّها حسن،كقوله تعالى:

وَ لَذِكْرُ اللّهِ أَكْبَرُ العنكبوت:45.

و قيل:هو أن تحمل الكلمة المحتملة لمعنيين أو لمعان على أشبه محتملاتها بالحقّ،و أقربها إلى الصّواب.

(3:27)

البروسويّ: الباء زائدة في المفعول به.الأحسن:

العزائم،و الحسن:الرّخص،يعني ليعلموا أنّ ما هو عزيمة يكون ثوابه أكثر كالجمع بين الفرائض و النّوافل، و الصّبر،بالإضافة إلى الانتصار و غير ذلك.(3:240)

شبّر:بما فيها من حسن المحاسن كالصّبر و العفو بالإضافة إلى الانتقام و القصاص،و الفرائض و النّوافل بالإضافة إلى المناجاة،فهو كقوله: وَ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ...

و المراد الحسن،كما قال تعالى: وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ الرّوم:27.(2:415)

الآلوسيّ: أي أحسنها،فالباء زائدة،كما في قوله:

*سود المحاجر لا يقرأن بالسّور*

و يحتمل أن تكون الباء أصليّة،و هو الظّاهر، و حينئذ فهي إمّا متعلّقة ب(ياخذوا)بتضمينه معنى يعملوا،أو هو من الأخذ بمعنى السّيرة،و منه:أخذ أخذهم،أي سار سيرتهم و تخلّق بخلائقهم كما نقول.

و إمّا متعلّقة بمحذوف وقع حالا،و مفعول(ياخذوا) محذوف،أي أنفسهم كما قيل.

و الظّاهر أنّه مجزوم في جواب الأمر فيحتاج إلى تأويل،لأنّه لا يلزم من أمرهم أخذهم،أي إن تأمرهم و يوفّقهم اللّه تعالى يأخذوا.

و قيل:بتقدير لام الأمر فيه بناء على جواز ذلك بعد أمر من القول،أو ما هو بمعناه كما هنا،و إضافة أفعل التّفضيل هنا عند غير واحد،كإضافته في زيد أحسن النّاس،و هي على المشهور محضة على معنى اللاّم.

ص: 120

و قيل:إنّها لفظيّة،و يوهم صنيع بعضهم أنّها على معنى«في»و ليس«به»،و المعنى بأحسن الأجزاء الّتي فيها.

و معنى أحسنيّتها اشتمالها على الأحسن،كالصّبر فإنّه أحسن بالإضافة إلى الانتصار،أي مرهم يأخذوا بذلك على طريقة النّدب و الحثّ على الأفضل،كقوله تعالى:

وَ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ أو المعنى بأحسن أحكامها،و المراد به:الواجبات فإنّها أحسن من المندوبات و المباحات،أو هي و المندوبات على ما قيل، فإنّها أحسن من المباحات.

و قيل:إنّ الأحسن بمعنى البالغ في الحسن مطلقا لا بالإضافة و هو المأمور به،و مقابله المنهيّ عنه،و إلى هذا يشير كلام الزّجّاج؛حيث قال:أمروا بالخير و نهوا عن الشّرّ و عرّفوا ما لهم و ما عليهم،فقيل: وَ أْمُرْ قَوْمَكَ إلخ ف«أفعل»نظيره في قولهم:الصّيف أحرّ من الشّتاء،فإنّه بمعنى الصّيف في حرّه أبلغ من الشّتاء في برده؛إذ تفضيل حرارة الصّيف على حرارة الشّتاء غير مرادة بلا شبهة.و يقال هنا:المأمور به أبلغ في الحسن من المنهيّ عنه في القبح.

و تفصيل ما في المقام على ما ذكره الدّمامينيّ في تعليقه على«المصابيح»و نقله عنه الشّهاب:أنّ«لأفعل»أربع حالات:إحداها:و هي الحالة الأصليّة أن يدلّ على ثلاثة أمور:

الأوّل:اتّصاف من هو له بالحدث الّذي اشتقّ منه و بهذا كان وصفا.

الثّاني:مشاركة مصحوب في تلك الصّفة.

الثّالث:مزيّة موصوفه على مصحوبه فيها،و بكلّ من هذين الأمرين فارق غيره من الصّفات.

و ثانيتها:أن يخلع عنه ما امتاز به من الصّفات و يتجرّد للمعنى الوصفيّ.

و ثالثتها:أن تبقى عليه معانيه الثّلاثة،و لكن يخلع عنه قيد المعنى الثّاني و يخلفه قيد آخر؛و ذلك أنّ المعنى الثّاني و هو الاشتراك كان مقيّدا بتلك الصّفة الّتى هي المعنى الأوّل،فيصير مقيّدا بالزّيادة الّتي هي المعنى الثّالث،أ لا ترى أنّ المعنى في قولهم:العسل أحلى من الخلّ:أنّ للعسل حلاوة و أنّ تلك الحلاوة ذات زيادة و أنّ زيادة حلاوة العسل أكثر من زيادة حموضة الخلّ، و قد قال ذلك ابن هشام في حواشي«التّسهيل»و هو بديع جدّا.

و رابعتها:أن يخلع عنه المعنى الثّاني و هو المشاركة و قيد المعنى الثّالث،و هو كون الزّيادة على مصاحبه، فيكون للدّلالة على الاتّصاف بالحدث و على زيادة مطلقة لا مقيّدة،و ذلك في نحو:يوسف أحسن إخوته، انتهى.

و عدم اشتراك المأمور به و المنهيّ عنه في الحسن المراد ممّا لا شبهة فيه و إن كان الحسن مطلقا-كما في «البحر»-مشتركا فإنّ المأمور به أحسن من حيث الامتثال و ترتّب الثّواب عليه،و المنهيّ عنه حسن باعتبار الملاذّ و الشّهوة.

و قال قطرب-كما نقله عنه محي السّنّة-:المعنى يأخذوا بحسنها و كلّها حسن،و هو ظاهر في حمل«أفعل» على الحالة الثّانية،و قيل:المعنى يأخذوا بها،و(احسن)

ص: 121

صلة و ليس له من القبول عائد.و قال الجبّائيّ: المراد يأخذوا بالنّاسخ دون المنسوخ.

و قيل:الأخذ بالأحسن هو أن تحمل الكلمة المحتملة لمعنيين أو لمعان على أشبه محتملاتها بالحقّ،و أقربها للصّواب.و لا ينبغي أن يحمل«الأخذ»على الشّروع،كما في قولك:أخذ زيد يتكلّم،أي شرع في الكلام، و«الأحسن»على العقائد،فيكون المراد أمرهم ليشرعوا بالتّحلّي بالعقائد الحقّة،و هي-لكونها أصول الدّين و موقوفة عليها صحّة الأعمال-أحسن من غيرها من الفروع،و هو متضمّن لأمرهم بجميع ما فيها،كما لا يخفى.

فإن أخذ بالمعنى المعنيّ من أفعال الشّروع،ليس هذا استعمالها المعهود في كلامهم،على أنّ فيه بعد ما فيه،و مثل هذا كون ضمير(احسنها)عائد إلى قوّة،على معنى:

مرهم يأخذوها بأحسن قوّة و عزيمة،فيكون أمرا منه سبحانه أن يأمرهم بأخذها،كما أمره به ربّه سبحانه،إلاّ أنّه تعالى اكتفى في أمره عن ذكر الأحسن بما أشار إليه التّنوين،فإنّ ذلك خلاف المأثور المنساق إلى الفهم،مع أنّا لم نجد في كلامهم أحسن قوّة،و مفعول(ياخذوا)عليه محذوف،كما في بعض الاحتمالات السّابقة،غير أنّه فرق ظاهر بين ما هنا و ما هناك.(9:58)

رشيد رضا :قيل:إنّ(احسن)هنا بمعنى ذي الحسن التّامّ الكامل،و ليس فيه معنى تفضيل شيء على آخر،و هو ما يعبّرون عنه بقولهم:اسم التّفضيل على غير بابه،أي و أمر قومك بالاستمساك و الاعتصام بهذه المواعظ و الأحكام المفصّلة في الألواح الّتي هي كاملة الحسن.

و قيل:إنّه على الأصل،فيه من تفضيل بعض المضاف إليه على بعض،و منه الحقيقيّ و الاعتباريّ و الإضافيّ،فأصول العقائد من الإيمان باللّه تعالى و توحيده و تنزيهه أفضل و أشرف من الأحكام العمليّة، و لكن لا يصحّ أن يراد هنا،قيل:إلاّ إذا أريد بالأخذ:

الشّروع و الابتداء.

و الأوامر أفضل من النّواهي،و يصحّ أن تراد في مثل الأمر بعبادة اللّه وحده و النّهي عن اتّخاذ الصّور و التّماثيل،و كلاهما من الوصايا الّتي كتبت في الألواح؛ و ذلك أنّ الإخلاص للّه تعالى في العبارة أمر وجوديّ، يتحلّى به العقل و تتزكّى به النّفس،و ترك اتّخاذ الصّور و التّماثيل أمر سلبيّ محض،إذا لم يكن أثرا للإخلاص في العبادة و سدّا للذّريعة،فلا قيمة له،فإنّه لم ينه عنه إلاّ لأنّه من ذرائع الشّرك،و إلاّ فقد يتركه المرء لعدم الدّاعية و إن كان مشركا.

و الفرض أفضل من النّفل،و لكن ليس في الوصايا العشر نوافل،و يقال مثله في قولهم:و العزيمة أفضل من الرّخصة،و مثل هذا التّعبير قوله تعالى: وَ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ... و المجال فيه أوسع،فإنّ القرآن أحسن ما أنزله اللّه تعالى إلى خلقه على ألسنة رسله،بإكماله تعالى الدّين به و بغير ذلك من مزاياه،و الخطاب فيه لأمّة الدّعوة،أي للنّاس كافّة،لأنّه معطوف على قوله:

وَ أَنِيبُوا إِلى رَبِّكُمْ وَ أَسْلِمُوا لَهُ الزّمر:54.

ثمّ إنّ فيما أنزله فيه العزيمة و الرّخصة،و فيه من النّدب ما هو أفضل من مقابله،كالصّدقة بالدّين بدل إنظار المعسر به و هو واجب،و كالعفو في مقابلة

ص: 122

القصاص.(9:192)

المراغيّ: أي و أمر قومك بالاعتصام بهذه الموعظة و الأحكام المفصّلة في الألواح الّتي هي منتهى الكمال و الحسن،كالإخلاص للّه في العبادة؛إذ يتحلّى العقل و تتزكّى النّفس مع ترك اتّخاذ الصّور و التّماثيل،لأنّها ذرائع للشّرك،و سبب للوصول إليه.(9:61)

مغنيّة:كلّ ما أنزل اللّه في كتابه فهو حسن،و لكن منه الأحسن،قال تعالى: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ -ثم قال - وَ أَحْسِنُوا إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ البقرة:194، 195،و قال: وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّارَةٌ لَهُ المائدة:45،أي من تصدّق بالقصاص.

(3:392)

الطّباطبائيّ: الظّاهر أنّ الضّمير في(باحسنها) راجع إلى الأشياء المدلول عليها بقوله قبلا: مِنْ كُلِّ شَيْءٍ من المواعظ و تفاصيل الآداب و الشّرائع، و الأخذ بالأحسن كناية عن ملازمة الحسن في الأمور و اتّباعه و اختياره،فإنّ من يهمّ بأمر الحسن في الأمور إذا وجد سيّئا و حسنا اختار الحسن الجميل،و إذا وجد حسنا و أحسن منه اضطرّه حبّ الجمال إلى اختيار الأحسن و تقديمه على الحسن،فالأخذ بأحسن الأمور لازم الجمال و ملازمة الحسن فكنّي به عنه.

و المعنى:و أمر قومك يجتنبوا السّيّئات و يلازموا ما تهدي إليه التّوراة من الحسنات،و نظير الآية في التّكنية قوله تعالى: اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ الزّمر:18.(8:246)

عبد الكريم الخطيب :أي بأحسن ما في هذه الألواح،و المراد بأحسن ما في الألواح:المثل الطّيّبة للنّاس،و هي الّتي تعرضها التّوراة لأهل الإيمان، و الاستقامة و التّقوى.(5:479)

مكارم الشّيرازيّ: أن يأمر قومه أيضا بأن يختاروا من هذه التّعاليم أحسنها.[إلى أن قال:]

إنّ ما نقرؤه في الآية وَ أْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها لا يعني أنّه كانت في ألواح موسى تعاليم حسنة و أخرى سيّئة،و أنّهم كانوا مكلّفين بأن يأخذوا بالحسنة و يتركوا السّيّئة،أو كان فيها الحسن و الأحسن،و كانوا مكلّفين بالأخذ بالأحسن فقط،بل ربّما تأتي كلمة«أفعل التّفضيل»بمعنى الصّفة المشبّهة، و الآية المبحوثة من هذا القبيل ظاهرا،يعني أنّ «الأحسن»هنا بمعنى«الحسن»و هذا إشارة إلى أنّ جميع تلك التّعاليم كانت حسنة و جيّدة.

ثمّ إنّ هناك احتمالا آخر في الآية:و هو أنّ الأحسن بمعنى أفعل التّفضيل،و هو إشارة إلى أنّه كان بين تلك التّعاليم أمور مباحة مثل القصاص،و أمور أخرى و صفت بأنّها أحسن منها مثل العفو،يعني:قل لقومك و من اتّبعك ليختاروا ما هو أحسن ما استطاعوا،و للمثال يرجّحوا العفو على القصاص إلاّ في موارد خاصّة.

(5:199)

فضل اللّه :فليفتّشوا عن الأحسن فيها ليأخذوا به، و سيرون أنّ كلّ ما فيها يمثّل المرتبة العليا في الحسن، فلا تفاضل بين تشريع و تشريع،أو بين مفهوم و مفهوم، بل هو التّوازن في الجميع،لأنّ اللّه قد راعى الحكمة في كلّ ذلك في ما يريده من تحقيق الفلاح للإنسان المؤمن في

ص: 123

الدّنيا،و في السّعادة الّتي يحصل عليها في الحياة،و في النّصر بغلبة الحقّ الّتي يحقّقها في مواجهته لأعداء اللّه.

(10:242)

الحسنى

1- ...وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى... النّساء:95

ابن عبّاس: الجنّة بالإيمان.(77)

و جاء نحو ذلك عند أغلب المفسّرين.

الفخر الرّازيّ: أي و كلاّ من القاعدين و المجاهدين فقد وعده اللّه الحسنى.

قال الفقهاء:و فيه دليل على أنّ فرض الجهاد على الكفاية،و ليس على كلّ واحد بعينه،لأنّه تعالى وعد القاعدين الحسنى كما وعد المجاهدين،و لو كان الجهاد واجبا على التّعيين لما كان القاعد أهلا لوعد اللّه تعالى إيّاه الحسنى.(11:9)

الآلوسيّ: و هي الجنّة-كما قال قتادة،و غيره-لا أحدهما[الفريقين]فقط.و قرأ الحسن (و كلّ) بالرّفع على الابتداء،فالمفعول الأوّل و هو العائد في جملة الخبر محذوف،أي وعده،و كأنّ التزام النّصب في المتواترة لأنّ قبله جملة فعليّة،و بذلك خالف ما في«الحديد».

و(الحسنى)على القراءتين هو المفعول الثّاني، و الجملة اعتراض جيء به تداركا لما عسى يوهمه تفضيل أحد الفريقين على الآخر من حرمان المفضول.

(5:122)

القاسميّ: المثوبة الحسنى و هي الجنّة،لحسن عقيدتهم و خلوص نيّتهم.و الجملة اعتراض جيء به تداركا لما عسى يوهمه تفضيل أحد الفريقين على الآخر من حرمان المفضول: فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بالجهاد عَلَى الْقاعِدِينَ أي بغير عذر أَجْراً عَظِيماً النّساء:95،أي:ثوابا وافرا في الجنّة.

(5:1483)

فضل اللّه :فلكلّ من القاعدين و المجاهدين أجره بحسب عمله.(7:412)

2- ...وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى... الأعراف:137

ابن عبّاس: بالجنّة.(136)

مجاهد :ظهور قوم موسى على فرعون،و تمكين اللّه لهم في الأرض،و ما ورّثهم منها.(الطّبريّ 9:44)

الطّبريّ: و في وعد اللّه الّذي وعد بني إسرائيل بتمامه،على ما وعدهم من تمكينهم في الأرض،و نصره إيّاهم على عدوّهم فرعون.و كلمته الحسنى قوله جلّ ثناؤه: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ... يَحْذَرُونَ القصص:5،6.(9:43)

الطّوسيّ: و إنّما قيل:(الحسنى)و إن كانت كلمات اللّه كلّها حسنة،لأنّه وعد بما يحبّون.(4:559)

نحوه الطّبرسيّ(2:470)،و الفخر الرّازيّ (28:222)،و أبو حيّان(4:376)،و الآلوسيّ(9:39).

فضل اللّه :في رحمته و لطفه و إحسانه.(10:224)

راجع«ت م م-تمّت»

3- وَ لِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها...

الأعراف:180

ص: 124

4-6-الإسراء:110،و طه:8،و الحشر:24 لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى

راجع:«س م و-الاسماء الحسنى»

7- ...وَ لَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى... التّوبة:107

ابن عبّاس: إلاّ الإحسان إلى المؤمنين لكي يصلّي فيه من فاتته صلاته في مسجد قباء.(166)

الثّعلبيّ: إلاّ الفعلة الحسنى،و هي للمرضى المسلمين،و التّوسعة على أهل الضّعف و العلّة و العجز عن المسير إلى مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(5:94)

نحوه الواحديّ(2:524)،و البغويّ(2:387)، و الطّبرسيّ(3:73)،و الفخر الرّازيّ(16:194)، و الخازن(3:121)،و ابن كثير(3:453)،و الشّربينيّ (1:649)،و شبّر(3:118).

الماورديّ: يحتمل ثلاثة أوجه:أحدها:طاعة اللّه تعالى،و الثّاني:الجنّة،و الثّالث:فعل الّتى هي أحسن، من إقامة الدّين و الجماعة و الصّلاة،و هي يمين تحرّج.

(2:401)

الطّوسيّ: معناه أنّ هؤلاء يحلفون على أنّهم ما أرادوا ببناء هذا المسجد إلاّ الحسنى،يعني إلاّ الفعلة الحسنى.(5:344)

الزّمخشريّ: الخصلة الحسنى أو الإرادة الحسنى، و هي الصّلاة و ذكر اللّه و التّوسعة على المصلّين.

(2:214)

مثله البيضاويّ(1:432)،و أبو السّعود(3:191)، و الكاشانيّ(2:375)،و البروسويّ(3:506)، و القاسميّ(8:3261)،و طه الدّرّة(6:25).

أبو حيّان :[نقل قول الزّمخشريّ و أضاف:]

كأنّه في قوله:إلاّ الخصلة الحسنى،جعله مفعولا، و في قوله:أو لإرادة الحسنى،جعله علّة،و كأنّه ضمّن «أراد»معنى«قصد»،أي ما قصدنا ببنائه لشيء من الأشياء إلاّ لإرادة الحسنى و هي الصّلاة،و هذا وجه متكلّف فأكذبهم اللّه في قولهم،و نهاه أن يقوم فيه.

(5:99)

الآلوسيّ: [مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

فالحسنى تأنيث الأحسن،و هو في الأصل صفة الخصلة،و قد وقع مفعولا به ل(اردنا)،و جوّز أن يكون قائما مقام مصدر محذوف،أي الإرادة الحسنى.

(11:19)

رشيد رضا :إخبار مؤكّد بالقسم أنّهم سيحلفون أنّهم ما أرادوا ببنائه إلاّ الخصلة أو الخطّة الّتي تفوق غيرها في الحسن،و هي الرّفق بالمسلمين و تيسير صلاة الجماعة على أولي العجز و الضّعف،و من يحبسهم المطر منهم،ليصدّقهم الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و يصلّي لهم فيه.(11:40)

مثله المراغيّ.(11:26)

مغنيّة:إنّ غايتهم من بناء المسجد هي العبادة للّه، و منفعة المسلمين.(4:102)

الطّباطبائيّ: هو التّسهيل للمؤمنين بتكثير معابد يعبد فيها اللّه.(9:390)

8- لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ... يونس:26

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«الّذين أحسنوا العمل في الدّنيا

ص: 125

الحسنى و هي الجنّة،و الزّيادة:النّظر إلى وجه اللّه الكريم».(الثّعلبيّ 5:129)

ابن عبّاس: (احسنوا):وحّدوا،الحسنى:الجنّة.

(172)

يعني الّذين شهدوا أن لا إله إلاّ اللّه الجنّة.

(الثّعلبيّ 5:130)

مجاهد :(الحسنى):حسنة مثل حسنة،و«الزّيادة» مغفرة من اللّه و رضوان.(الثّعلبيّ 5:130)

ابن زيد :(الحسنى):الجنّة،و«الزّيادة»:ما أعطاهم في الدّعاء لا يحاسبهم به يوم القيامة.(الثّعلبيّ 5:130)

أبو مسلم الأصفهانيّ: أنّ(الحسنى):الثّواب، و«الزّيادة»:الدّوام.(الماورديّ 2:433)

عبد الرّحمن بن سابط:(الحسنى):النّظرة، و«الزّيادة»:النّظر.(الثّعلبيّ 5:130)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:للّذين أحسنوا عبادة اللّه في الدّنيا من خلقه،فأطاعوه فيما أمر و نهى،الحسنى.

[ثمّ ذكر الأقوال في معنى الزّيادة و قال:]

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال:إنّ اللّه تبارك و تعالى وعد المحسنين من عباده على إحسانهم الحسنى أن يجزيهم على طاعتهم إيّاه الجنّة،و أن تبيضّ وجوههم،و وعدهم مع الحسنى الزّيادة عليها،و من الزّيادة على إدخالهم الجنّة أن يكرمهم بالنّظر إليه،و أن يعطيهم غرفا من لآلئ،و أن يزيدهم غفرانا و رضوانا، كلّ ذلك من زيادات عطاء اللّه إيّاهم على الحسنى الّتي جعلها اللّه لأهل جنّاته.

و عمّ ربّنا جلّ ثناؤه بقوله:(و زيادة):الزّيادات على الحسنى،فلم يخصّص منها شيئا دون شيء،و غير مستنكر من فضل اللّه أن يجمع ذلك لهم،بل ذلك كلّه مجموع لهم إن شاء اللّه.فأولى الأقوال في ذلك بالصّواب:

أن يعمّ كما عمّه عزّ ذكره.(11:108)

ابن الأنباريّ: (الحسنى)كلمة مستغنى عن وصفها و نعتها،لأنّ العرب توقعها على الخلّة المحبوبة المرغوب فيها المفروح بها،فكان الّذي تعلمه العرب من أمرها يغني عن نعتها،فكذلك المزيد عليها محمول على معناها و متعرّف من جهتها[إلى أن قال:]

الحسنى:الأمنيّة.(ابن الجوزيّ 4:23)

الأصمّ:معناه للّذين أحسنوا في كلّ ما تعبّدوا به.

(الفخر الرّازيّ 17:77)

الماورديّ: أَحْسَنُوا يعني عبادة ربّهم.

(الحسنى)فيه خمسة تأويلات:[و ذكر الأقوال السّابقة ثمّ قال:]

و يحتمل سادسا:أنّ(الحسنى)ما يتمنّونه، و«الزّيادة»:ما يشتهونه.(2:432)

الطّوسيّ: أخبر اللّه تعالى بأنّ للّذين يفعلون الحسن من الطّاعات الّتي أمرهم اللّه بها جزاء على ذلك (الحسنى)و هي الجنّة و لذّاتها.و قيل:جامعة المحاسن من السّرور و اللّذّات على أفضل ما يكون،و هي تأنيث الأحسن.(5:419)

نحوه الطّبرسيّ.(3:104)

القشيريّ: (احسنوا)أي عملوا و أحسنوا إذ كانت أفعالهم على مقتضى الإذن.

و يقال:(احسنوا):لم يقصّروا في الواجبات،و لم

ص: 126

يخلّوا بالمندوبات.

و يقال:(احسنوا)أي لم يبق عليهم حقّ إلاّ قاموا به،إن كان حقّ الحقّ فمن غير تقصير،و إن كان من حقّ الخلق فأداء من غير تأخير.

و يقال:(احسنوا)في المآل كما أحسنوا في الحال، فاستداموا بما فيه و استقاموا،و(الحسنى)الّتي لهم هي الجنّة و ما فيها من صنوف النّعم.

و يقال:(الحسنى)في الدّنيا:توفيق بدوام،و تحقيق بتمام،و في الآخرة:غفران معجّل،و عيان على التّأبيد محصّل.

قوله:(و زيادة)فعلى موجب الخبر و إجماع السّلف:

النّظر إلى اللّه.و يحتمل أن تكون(الحسنى):الرّؤية، «و الزّيادة»:دوامها.و يحتمل أن تكون(الحسنى):

اللّقاء،«و الزّيادة»:البقاء في حال اللّقاء.و يقال:

(الحسنى)عنهم لا مقطوعة و لا ممنوعة،و«الزّيادة»لهم لا عنهم محجوبة و لا مسلوبة.(3:91)

الزّمخشريّ: (الحسنى):المثوبة الحسنى.(2:233)

مثله البيضاويّ(1:445)،و الكاشانيّ(2:400).

ابن عطيّة: قالت فرقة و هي الجمهور:(الحسنى):

الجنّة و(الزّيادة):النّظر إلى وجه اللّه عزّ و جلّ،و روي نحو ذلك حديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم...و روي عن عليّ بن أبي طالب عليه السّلام أنّه قال:(الزّيادة)غرفة من لؤلؤة واحدة، و قالت فرقة:(الحسنى)هي الحسنة،و«الزّيادة»هي تضعيف الحسنات إلى سبعمائة فدونها،حسبما روي في نصّ الحديث،و تفسير قوله تعالى: وَ اللّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ البقرة:261،و هذا قول يعضده النّظر،و لو لا عظم القائلين بالقول الأوّل لترجّح هذا القول،و طريق ترجيحه أنّ الآية تتضمّن اقترانا بين ذكر عمّال الحسنات و عمّال السّيئات،فوصف المحسنين بأنّ لهم حسنى و زيادة من جنسها،و وصف المسيئين بأنّ لهم بالسّيّئة مثلها فتعادل الكلامان،و عبّر عن الحسنات ب(الحسنى) مبالغة؛إذ هي عشرة.

و قال الطّبريّ: (الحسنى)عامّ في كلّ حسنى،فهي تعمّ جميع ما قيل،و وعد اللّه تعالى على جميعها بالزّيادة، و يؤيّد ذلك أيضا قوله: أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ. و لو كان معنى(الحسنى)الجنّة،لكان في القول تكرير بالمعنى، على أنّ هذا ينفصل عنه بأنّه وصف المحسنين بأنّ لهم الجنّة،و أنّهم لا يرهق وجوههم قتر و لا ذلّة.(3:116)

نحوه أبو حيّان.(5:146)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا دعا عباده إلى دار السّلام،ذكر السّعادات الّتي تحصل لهم فيها،فقال:

لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ فيحتاج إلى تفسير هذه الألفاظ الثّلاثة.

أمّا اللّفظ الأوّل:و هو قوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا [نقل قول ابن عبّاس و الأصمّ ثمّ قال:]

و القول الثّاني:أقرب إلى الصّواب،لأنّ الدّرجات العالية لا تحصل إلاّ لأهل الطّاعات.[ثمّ فسّر باقي الألفاظ بنقل الأقوال](17:77)

نحوه النّيسابوريّ(11:73)،و الخازن(3:151).

القرطبيّ: [نقل حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ثمّ قال:]

و هو قول جماعة من التّابعين،و هو الصّحيح من الباب.(8:330)

ص: 127

النّسفيّ: (احسنوا)آمنوا باللّه و رسوله(الحسنى):

المثوبة الحسنى،و هي الجنّة.(2:160)

مثله الشّربينيّ.(2:15)

ابن كثير :يخبر تعالى أنّ لمن أحسن العمل في الدّنيا بالإيمان و العمل الصّالح:الحسنى في الدّار الآخرة،كقوله تعالى: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ الرّحمن:60.

(3:497)

أبو السّعود : لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا أي أعمالهم،أي عملوها على الوجه اللاّئق،و هو حسنها الوصفيّ المستلزم لحسنها الذّاتيّ،و قد فسّره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بقوله:

«أن تعبد اللّه...».

(الحسنى)أي المثوبة الحسنى.(3:232)

نحوه الآلوسيّ(11:102)،و المراغيّ(11:95).

البروسويّ: [مثل أبي السّعود و أضاف:]

يقول الفقير:العبادة على وجه رؤية اللّه تعالى و شهوده و الحضور معه لا تكون إلاّ بعد غيبوبة الغير عن القلب، و ارتفاع ملاحظته جدّا،فيأوّل المعنى إلى قولنا:للّذين أخلصوا أعمالهم عن الرّياء و قلوبهم عن غير اللّه تعالى.

(الحسنى)أي المثوبة الحسنى،و هي في اللّغة تأنيث الأحسن.و العرب تطلق هذا اللّفظ على الخصلة المرغوب فيها.(4:38)

شبّر: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا العمل في دار الدّنيا.

(الحسنى):الحالة الحسنى الجامعة للّذّات و النّعيم على أكمل ما يمكن،و هي تأنيث الأحسن.(3:152)

القاسميّ: أي للّذين أحسنوا النّظر،فعرفوا مكر الدّنيا و الشّهوات،فأعرضوا عنها،و توجّهوا إلى اللّه تعالى،فعبدوه كأنّهم يرونه:المثوبة الحسنى،و هي الجنّة.

(9:3341)

رشيد رضا :هذا بيان لصفة الّذين هداهم إلى صراط الإسلام،فوصلوا بالسّير عليه إلى غايته،و هي دار السّلام.(11:350)

سيّد قطب :فأمّا اَلَّذِينَ أَحْسَنُوا: أحسنوا الاعتقاد،و أحسنوا العمل،و أحسنوا معرفة الصّراط المستقيم،و إدراك القانون الكونيّ المؤدّي إلى دار السّلام.

فأمّا هؤلاء فلهم الحسنى جزاء ما أحسنوا،و عليها زيادة من فضل اللّه غير محدودة.و هم ناجون من كربات يوم الحشر،و من أهوال الموقف قبل أن يفصل في أمر الخلق.

(3:1779)

مغنيّة:قال الرّازيّ: نظير هذه الآية قوله تعالى:

هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ الرّحمن:60، يلاحظ بأنّ الإحسان يختصّ بالتّفضّل على الغير، و الحسن ما كان محبوبا للفطرة سواء أ كان تفضّلا،أم لم يكن،و يدخل فيه حسن العقيدة،و حسن القول و الفعل،و نيّة الخير،بل و الشّعور بالذّنب.فكلّ هذه محبوبة للّه و للفطرة،و هو سبحانه يكافئ عليها بالحسنى.

إذن فالآية نظير قوله تعالى: وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً الشّورى:23.(4:151)

الطّباطبائيّ: للّذين أحسنوا في الدّنيا المثوبة الحسنى و زيادة من فضل اللّه،أو العاقبة الحسنى و زيادة لا تخطر ببالهم،و لا يغشى وجوههم سواد من قتر و لا ذلّة، و أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون.(10:43)

فضل اللّه :فلكلّ واحد منهم ثواب عمله،حسنة

ص: 128

بحسنة.(11:299)

9- وَ يَجْعَلُونَ لِلّهِ ما يَكْرَهُونَ وَ تَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النّارَ وَ أَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ. النّحل:62

ابن عبّاس: يعني الذّكور.(226)

مجاهد :قول قريش:لنا البنون،و للّه البنات.

(الطّبريّ 14:127)

مثله قتادة و مقاتل.(ابن الجوزيّ 4:460)

قتادة :الغلمان.(الطّبريّ 14:127)

الفرّاء: (انّ)في موضع نصب،لأنّه عبارة عن الكذب.(2:107)

ابن أبي اليمان :يعني ب(الحسنى):الجنّة في المعاد، يقولون:نحن في الجنّة إن كان محمّد صادقا بالوعد في البعث.(البغويّ 3:84)

نحوه أبو سليمان الدّمشقيّ.(ابن الجوزيّ 4:460)

الطّبريّ: و تقول ألسنتهم الكذب و تفتريه،أنّ لهم الحسنى،ف(انّ)في موضع نصب،لأنّها ترجمة عن الكذب.و تأويل الكلام:و يجعلون للّه ما يكرهونه لأنفسهم،و يزعمون أنّ لهم الحسنى،الّذي يكرهونه لأنفسهم البنات يجعلونهنّ للّه تعالى،و زعموا أنّ الملائكة بنات اللّه.أمّا«الحسنى»الّتي جعلوها لأنفسهم:فالذّكور من الأولاد،و ذلك أنّهم كانوا يئدون الإناث من أولادهم،و يستبقون الذّكور منهم،و يقولون:لنا الذّكور و للّه البنات.(14:126)

الزّجّاج: (انّ)بدل من(الكذب)،المعنى و تصف ألسنتهم أنّ لهم الحسنى،أي يصفون أنّ لهم-مع فعلهم هذا القبيح-من اللّه جلّ ثناؤه الجزاء الحسن.(3:207)

الثّعلبيّ: يعني اليقين،و معنى الآية:و يجعلون له البنات و يزعمون أنّ لهم البنين.و قال حيّان:يعني ب(الحسنى)الجنّة في المعاد إن كان محمّدا صادقا في البعث.

(6:24)

الواحديّ: يعني الجنّة.(3:68)

البغويّ: يعني البنين،محلّ(انّ)نصب بدل عن (الكذب).[ثمّ نقل كلام ابن أبي اليمان](3:84)

الزّمخشريّ: وَ يَجْعَلُونَ لِلّهِ ما يَكْرَهُونَ لأنفسهم من البنات و من شركاء في رئاستهم و من الاستحقاق برسلهم و التّهاون برسالاتهم،و يجعلون له أرذل أموالهم و لأصنامهم أكرمها وَ تَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ مع ذلك أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى عند اللّه،كقوله: وَ لَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فصّلت:50.

(2:415)

نحوه البيضاويّ(1:560)،و النّسفيّ(2:290)، و الكاشانيّ(3:141)،و شبّر(3:424)،و مغنيّة(4:525).

ابن عطيّة: قال مجاهد و قتادة:الذّكور من الأولاد،و هو الأسبق من معنى الآية.

و قالت فرقة:يريد الجنّة.و يؤيّد هذا قوله:

لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النّارَ و معنى الآية على هذا التّأويل:

يجعلون للّه المكروه و يدّعون مع ذلك أنّهم يدخلون الجنّة،كما تقول لرجل:أنت تعصي اللّه،و تقول مع ذلك:

أنت تنجو،أي هذا بعيد مع هذا،ثمّ حكم عليهم بعد ذلك بالنّار.(3:403)

الفخر الرّازيّ: [حكى قولي الفرّاء و الزّجّاج ثمّ

ص: 129

قال:]

و في تفسير(الحسنى)هاهنا قولان (1):

الأوّل:المراد منه:البنون،يعني أنّهم قالوا:للّه البنات و لنا البنون.

و الثّاني:أنّهم مع قولهم بإثبات البنات للّه تعالى، يصفون أنفسهم بأنّهم فازوا برضوان اللّه تعالى بسبب هذا القول،و أنّهم على الدّين الحقّ و المذهب الحسن.

الثّالث:أنّهم حكموا لأنفسهم بالجنّة و الثّواب من اللّه تعالى.

فإن قيل:كيف يحكمون بذلك و هم كانوا منكرين للقيامة؟

قلنا:كلّهم ما كانوا منكرين للقيامة،فقد قيل:إنّه كان في العرب جمع يقرّون بالبعث و القيامة،و لذلك فإنّهم كانوا يربطون البعير النّفيس على قبر الميّت و يتركونه إلى أن يموت،و يقولون:إنّ ذلك الميّت إذا حشر فإنّه يحشر معه مركوبه.و أيضا بتقدير أنّهم كانوا منكرين للقيامة،فلعلّهم قالوا:إن كان محمّد صادقا في قوله بالبعث و النّشور،فإنّه يحصل لنا الجنّة و الثّواب بسبب هذا الدّين الحقّ الّذي نحن عليه.

و من النّاس من قال:الأولى أن يحمل(الحسنى)على هذا الوجه بدليل أنّه تعالى قال بعده: لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النّارَ فردّ عليهم قولهم و أثبت لهم النّار،فدلّ هذا على أنّهم حكموا لأنفسهم بالجنّة.(20:60)

نحوه النّيسابوريّ.(14:84)

أبو حيّان :[نقل الأقوال ثمّ قال:]

و قيل:(الحسنى)الجنّة،و يؤيّده لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النّارَ و المعنى على هذا يجعلون للّه المكروه و يدعون مع ذلك أنّهم يدخلون الجنّة،كما تقول:أنت تعصي اللّه و تقول مع ذلك:أنّك تنجو،أي هذا بعيد مع هذا،و هذا القول لا يتأتّى إلاّ ممّن يقول بالبعث،و كان فيهم من يقول به.أو على تقدير:إن كان ما يقول من البعث صحيحا و أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى بدل من(الكذب)،أو على إسقاط الحرف،أي بأنّ لهم.(5:506)

السّمين:العامّة على أنّ(الكذب)مفعول به، و أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى بدل منه،بدل كلّ من كلّ،أو على إسقاط الخافض،أي بأنّ لهم الحسنى.(4:339)

ابن كثير :إنكار عليهم في دعواهم،مع ذلك أنّ لهم الحسنى في الدّنيا و إن كان ثمّ معاد ففيه أيضا لهم الحسنى،و إخبار عن قيل من قال منهم،كقوله: وَ لَئِنْ أَذَقْنَا الْإِنْسانَ مِنّا رَحْمَةً ثُمَّ نَزَعْناها مِنْهُ إِنَّهُ لَيَؤُسٌ كَفُورٌ* وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ نَعْماءَ بَعْدَ ضَرّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ ذَهَبَ السَّيِّئاتُ عَنِّي إِنَّهُ لَفَرِحٌ فَخُورٌ هود:9،10، و كقوله: وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً مِنّا مِنْ بَعْدِ ضَرّاءَ مَسَّتْهُ لَيَقُولَنَّ هذا لِي وَ ما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ فصّلت:50، و قوله: أَ فَرَأَيْتَ الَّذِي كَفَرَ بِآياتِنا وَ قالَ لَأُوتَيَنَّ مالاً وَ وَلَداً مريم:77،و قال إخبارا عن أحد الرّجلين إنّه:

وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً* وَ ما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً الكهف:35،36،فجمعث.

ص: 130


1- كذا،و الظّاهر«ثلاثة أقوال»لقوله:الثّالث.

هؤلاء بين عمل السّوء و تمنّي الباطل بأن يجازوا على ذلك حسنا و هذا مستحيل،كما ذكر ابن إسحاق أنّه وجد حجر في أساس الكعبة حين نقضوها ليجدّدوها مكتوب عليه حكم،و مواعظ،فمن ذلك:تعملون السّيّئات و تجزون الحسنات؟أجل كما يجتنى من الشّوك العنب.

(4:202)

الشّربينيّ: [مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

و لا جهل أعظم و لا أحكم سوء من أن تقطع،بأنّ من تجعل له ما تكره أن يجعل لك ما تحبّ،فكأنّه قيل:ما لهم عنده؟فقيل:(لا جرم).(2:240)

أبو السّعود :العاقبة الحسنى عند اللّه،كقوله: لَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فصّلت:50.

(4:72)

نحوه البروسويّ(5:46)،و القاسميّ(10:3821)، و المراغيّ(14:100)،و طه الدّرّة(7:456)

عزّة دروزة :و(الحسنى)الّتي حكت الفقرة الثّانية من الآية الأولى أنّ المشركين كانوا يزعمونها لأنفسهم، هي على ما يتبادر في مقام التّبجّح بما هم فيه من حالة حسنة أفضل من حالة النّبيّ و أتباعه،و كون ذلك في نظرهم اختصاصا من اللّه لهم.و طبيعيّ أنّ هذا الزّعم إمّا هو صادر من زعمائهم الّذين كان الجدال و الحجاج يدوران بينهم و بين النّبيّ في الأعمّ الأغلب،و قد تكرّرت حكاية زعمهم هذا في سور أخرى مرّ بعضها.

و لقد قال المفسّرون بالإضافة إلى هذا الوجه الّذي قالوه أيضا:إنّها بسبيل حكاية زعمهم على سبيل التّبجّح و التّحدّي،كذلك فإنّه إذا كان بعث أخرويّ فلسوف يكون لهم عند اللّه الحسنى كما جعل لهم ذلك في الدّنيا،و لا يخلو هذا أيضا من وجاهة،و قد تكرّرت حكايته عنهم في آيات أخرى مرّ تفسير سورها.حيث يبدو من خلال ذلك شدّة عناد زعماء المشركين الكفّار و مقابلتهم للنّذر القرآنيّة،كلّما كانوا يسمعونها بالتّبجّح و التّحدّي،و إصرارهم على مواقفهم،باعتبار أنّ ما هم عليه هو الأفضل الّذي شاءه اللّه لهم.

و مع خصوصيّة المواقف الزّمنيّة،فإنّ في التّنديد القرآنيّ تلقينا مستمرّ المدى في تقبيح اغترار النّاس بما يكونون فيه من حالة حسنة،و ظنّهم ذلك اختصاصا ربّانيّا بهم،و لا سيّما إذا رافق ذلك نسيانهم لواجبهم نحو اللّه و النّاس.(6:79)

الطّباطبائيّ: أي العاقبة الحسنى من الحياة و هي أن يخلفهم البنون.و قيل:المراد ب(الحسنى):الجنّة،على تقدير صحّة البعث و صدق الأنبياء فيما يخبرون به،كما حكاه عنهم في قوله: وَ لَئِنْ أَذَقْناهُ رَحْمَةً... عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فصّلت:50،و هذا الوجه لا بأس به لو لا ذيل الآية بما سيجيء من معناه.(12:282)

عبد الكريم الخطيب :إشارة إلى أنّهم يصفون الكذب بغير صفته،فهو قبيح خبيث،لا يثمر إلاّ القبيح الخبيث،و لكنّهم يعطونه صفة الشّيء الحسن،و يرجون من ورائه ما يرجو المحسنون من إحسانهم.

و لهذا ضمّن الفعل(تصف)معنى القول،أي يقولون الكذب الّذي يقولونه،و هو قولهم: أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى فهو بدل من(الكذب).(7:315)

مكارم الشّيرازيّ: و جاءت(الحسنى)و هي

ص: 131

مؤنّث أحسن هنا بمعنى أفضل الثّواب أو أفضل العواقب؛ و ذلك ما يدّعيه أولئك المغرورون الضّالّون لأنفسهم،مع كلّ ما جاءوا به من جرائم!

و هنا يطرح السّؤال التّالي نفسه:كيف يقول عرب الجاهليّة بذلك و هم لا يؤمنون بالمعاد؟

و الجواب:أنّهم لم ينكروا المعاد مطلقا،و إنّما كانوا ينكرون المعاد الجسمانيّ،و يستوعبون مسألة عودة الإنسان إلى حياته المادّيّة مرّة أخرى.

إضافة إلى إمكان اعتبار قولهم قضيّة شرطيّة،أي إن كان هناك معاد حقّا فسيكون لنا في عالمه أفضل الجزاء!و هكذا هو تصوّر كثير من الجبابرة و المنحرفين من الّذين يعتبرون أنفسهم أقرب النّاس إلى اللّه، و بالرّغم من ادّعاءاتهم الهزيلة المدعاة للسّخريّة.

و احتمل بعض المفسّرين أيضا أنّ(الحسنى)تعني نعمة الأولاد الذّكور،لأنّهم يعتبرون البنات سوء و شرّا،و البنين نعمة و حسنى.

إلاّ أنّ التّفسير الأوّل يبدو أكثر صوابا،و لهذا يقول القرآن،و بلا فاصلة: لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النّارَ أي أنّهم ليسوا فاقدين لحسن العاقبة فقط بل و لهم النّار.

(8:207)

فضل اللّه :ذلك أنّ الكذب يطبع سلوكهم و حياتهم في كلّ ما يقولونه عن اللّه و عن النّاس و عن أنفسهم،لأنّ الّذين لا يلتزمون بالحقّ في العقيدة،و لا يتحمّلون مسئوليّة البحث عنه،لا يمكن أن يحترموا الحقيقة في كلامهم،على حساب نوازعهم الذّاتيّة و شهواتهم و مطامعهم الّتي ينطلقون منها و يقرّرون على أساسها أنّ لهم الحسنى.و ربّما كان المراد بها الجنّة الّتي قد يرون أنّهم يستحقّونها دون حجّة تؤكّد ذلك أو علم.(13:250)

10- وَ أَمّا مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَ سَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً. الكهف:88

ابن عبّاس: الجنّة في الآخرة.(252)

الطّبريّ: يقول:و أمّا من صدّق اللّه منهم و وحّده، و عمل بطاعته فله عند اللّه الحسنى،و هي الجنّة،(جزاء):

يعني ثوابا على إيمانه،و طاعته ربّه.

و قد اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة و بعض أهل البصرة و الكوفة (فله جزاء الحسنى) برفع الجزاء و إضافته إلى الحسنى.

و إذا قرئ ذلك كذلك،فله وجهان من التّأويل:

أحدهما:أن يجعل(الحسنى)مرادا بها إيمانه و أعماله الصّالحة،فيكون معنى الكلام إذا أريد بها ذلك:و أمّا من آمن و عمل صالحا فله جزاؤها،يعني جزاء هذه الأفعال الحسنة.

و الوجه الثّاني:أن يكون معنيّا ب(الحسنى):الجنّة، و أضيف«الجزاء»إليها،كما قيل: وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ يوسف:109،و الدّار:هي الآخرة،و كما قال: وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ البيّنة:5،و الدّين هو القيّم.

و قرأ آخرون: فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى بمعنى:فله الجنّة جزاء،فيكون«الجزاء»منصوبا على المصدر،بمعنى:

يجازيهم جزاء الجنّة.

و أولى القراءتين بالصّواب في ذلك عندي قراءة من قرأه: فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى بنصب الجزاء و تنوينه،على

ص: 132

المعنى الّذي و صفت،من أنّ لهم الجنّة جزاء،فيكون «الجزاء»نصبا على التّفسير.(16:13)

و جاء نحوه عند أكثر المفسّرين.

النّحّاس: قيل:(الحسنى)هاهنا:الجنّة.

و يقرأ (فله جزاء الحسنى) أي الإحسان.(4:290)

الآلوسيّ: أي فله المثوبة الحسنى أو الفعلة الحسنى أو الجنّة جزاء،على أنّ(جزاء)مصدر مؤكّد لمضمون الجملة قدّم على المبتدإ اعتناء به،أو منصوب بمضمر،أي يجزى بها جزاء،و الجملة حاليّة أو معترضة بين المبتدإ و الخبر المتقدّم عليه،أو هو حال،أي مجزيّا بها.

(16:35)

الطّباطبائيّ: (صالحا)وصف أقيم مقام موصوفه و كذا(الحسنى)،و(جزاء)حال أو تمييز أو مفعول مطلق، و التّقدير:و أمّا من آمن و عمل عملا صالحا فله المثوبة الحسنى حال كونه مجزيّا،أو من حيث الجزاء أو نجزيه جزاء.(13:362)

فضل اللّه :أي فله المثوبة الحسنى جزاء عمله و إيمانه،و نضعه في المركز الكبير في الحياة الاجتماعيّة، ليكون ذلك تشجيعا للمحسنين على إحسانهم، و للآخرين على الأخذ بأسباب ذلك.(14:386)

11- إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ. الأنبياء:101

ابن عبّاس: وجبت لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى الجنّة.

(275)

مثله السّدّيّ(الماورديّ 3:473)،و الطّوسيّ(7:

282)،و عكرمة(ابن الجوزيّ 5:393)،و القرطبيّ (11:345)،و مغنيّة(5:301).

عكرمة :الرّحمة.(ابن كثير 4:597)

ابن زيد :(الحسنى):السّعادة.(الطّبريّ 17:98)

الرّمّانيّ: أنّها الطّاعة للّه تعالى.(الماورديّ 3:473)

الطّبريّ: الفعلى من الحسن،و إنّما عنى بها السّعادة السّابقة من اللّه لهم.(17:98)

الثّعلبيّ: السّعادة و العدة الجميلة بالجنّة(6:310)

مثله الخازن(4:262)،و نحوه شبّر(4:218).

الماورديّ: فيها ثلاثة تأويلات:[و هي أقوال ابن عبّاس و ابن زيد و الرّمّانيّ]

و يحتمل تأويلا رابعا:أنّها التّوبة.(3:472)

القشيريّ: أي الكلمة بالحسنى،و المشيئة و الإرادة بالحسنى،لأنّ الحسنى فعله.(4:196)

الزّمخشريّ: الخصلة المفضّلة في الحسن تأنيث الأحسن،إمّا السّعادة و إمّا البشرى بالثّواب و إمّا التّوفيق للطّاعة.(2:584)

مثله النّسفيّ(3:90)،و أبو حيّان(6:342).

ابن عطيّة: يريد كلمة الرّحمة و الحتم بالتّفضيل.

(4:101)

الفخر الرّازيّ: [ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]

و الحاصل أنّ مثبتي العفو حملوا(الحسنى)على وعد العفو،و منكري العفو حملوه على وعد الثّواب،ثمّ إنّه سبحانه و تعالى شرح من أحوال ثوابهم أمورا خمسة:

أحدها:قوله: أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ فقال أهل العفو:معناه أولئك عنها مخرجون،و احتجّوا عليه بوجهين:

ص: 133

الأوّل:قوله: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها مريم:71، أثبت الورود و هو الدّخول،فدلّ على أنّ هذا الإبعاد هو الإخراج.

الثّاني:أنّ إبعاد الشّيء عن الشّيء لا يصحّ إلاّ إذا كانا متقاربين،لأنّهما لو كانا متباعدين استحال إبعاد أحدهما عن الآخر،لأنّ تحصيل الحاصل محال.

و احتجّ القاضي عبد الجبّار على فساد هذا القول الأوّل بأمور:

أحدها:أنّ قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى يقتضي أنّ الوعد بثوابهم قد تقدّم في الدّنيا، و ليس هذا حال من يخرج من النّار لو صحّ ذلك.

و ثانيها:أنّه تعالى قال: أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ و كيف يدخل في ذلك من وقع فيها.

و ثالثها:قوله تعالى: لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها الأنبياء:102،و قوله: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ الأنبياء:103،يمنع من ذلك.

و الجواب عن الأوّل:لا نسلّم أن يقال:المراد من قوله: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى هو أنّ الوعد بثوابهم قد تقدّم،و لم لا يجوز أنّ المراد من(الحسنى)تقدّم الوعد بالعفو.سلّمنا أنّ المراد من(الحسنى)تقدّم الوعد بالثّواب،لكن لم قلتم:إنّ الوعد بالثّواب لا يليق بحال من يخرج من النّار،فإنّ عندنا المحابطة باطلة،و يجوز الجمع بين استحقاق الثّواب و العقاب.

و عن الثّاني:أنّا بيّنّا أنّ قوله: أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ لا يمكن إجراؤه على ظاهره إلاّ في حقّ من كان في النّار.

و عن الثّالث:أنّ قوله: لا يَسْمَعُونَ حَسِيسَها مخصوص بما بعد الخروج.

أمّا قوله: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ فالفزع الأكبر هو عذاب الكفّار،و هذا بطريق المفهوم يقتضي أنّهم يحزنهم الفزع الأصغر،فإن لم يدلّ عليه فلا أقلّ من أن لا يدلّ على ثبوته،و لا على عدمه.

الوجه الثّاني (1):في تفسير قوله: أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ أنّ المراد الّذين سبقت لهم منّا الحسنى لا يدخلون النّار و لا يقربونها البتّة،و على هذا القول بطل قول من يقول:إنّ جميع النّاس يردون النّار ثمّ يخرجون إلى الجنّة،لأنّ هذه الآية مانعة منه،و حينئذ يجب التّوفيق بينه و بين قوله: وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها [ثمّ أدام البحث في بقيّة الصّفات فلاحظ،و ستجيء كلّ صفة في محلّها](22:226)

الشّربينيّ: أي الحكم بالموعدة البالغة في الحسن في الأزل.(2:531)

أبو السّعود :أي سبقت لهم منّا في التّقدير الخصلة الحسنى الّتي هي أحسن الخصال و هي السّعادة،و قيل:

التّوفيق للطّاعة.أو سبقت لهم كلمتنا بالبشرى بالثّواب على الطّاعة.و هو الأدخل الأظهر في الحمل عليها لما أنّ الأوّلين مع خفائهما ليسا من مقدورات المكلّفين، فالجملة مع ما بعدها تفصيل لما أجمل في قوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ... الأنبياء:94.(4:359)

نحوه البروسويّ(5:524)،و الآلوسيّ(17:97)،».

ص: 134


1- و الوجه الأوّل قوله:«فقال أهل العفو:معناه أولئك عنها مخرجون».

و القاسميّ(11:4311).

المراغيّ: أي الكلمة الحسنى الّتي تتضمّن البشارة بثوابهم حين الجزاء على أعمالهم.(17:72)

الطّباطبائيّ: (الحسنى):مؤنّث أحسن،و هي وصف قائم مقام موصوفه،و التّقدير:العدة أو الموعدة الحسنى بالنّجاة أو بالجنّة.و الموعدة بكلّ منهما وارد في كلامه تعالى قال: ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا... مريم:

72،و قال: وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ التّوبة:72.(14:328)

مكارم الشّيرازيّ: و هو إشارة إلى أنّنا سنفي بكلّ الوعود الّتي وعدنا بها المؤمنين في هذه الدّنيا،و أحدها:

إبعادهم عن نار جهنّم.(10:222)

نحوه فضل اللّه.(15:273)

12- ..وَ ما أَظُنُّ السّاعَةَ قائِمَةً وَ لَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فَلَنُنَبِّئَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِما عَمِلُوا... فصّلت:50

ابن عبّاس: الجنّة.(405)

مثله الطّوسيّ.(9:137)

مجاهد :إنّ لي عنده غنى و مالا.

نحوه السّدّيّ.(الطّبريّ 25:3)

الثّعلبيّ: عن الحسن بن محمّد بن عليّ بن أبي طالب،قال:الكافر في أمنيّتين:أمّا في الدّنيا،فيقول:لئن رجعت إلى ربّي إنّ لي عنده للحسنى،و أمّا في الآخرة، فيقول:يا ليتني كنت ترابا.(8:300)

الماورديّ: إن كان كما زعمتم رجعة و جزاء،فإنّ لي عنده آجلا،مثل ما أولانيه عاجلا.(5:188)

الواحديّ: الجنّة،أي كما أعطاني في الدّنيا سيعطيني في الآخرة الجنّة.(4:40)

مثله البغويّ(4:137)،و الطّبرسيّ(5:18)،و ابن الجوزيّ(7:266)،و الخازن(6:96).

الزّمخشريّ: إنّ لي عند اللّه الحالة الحسنى من الكرامة و النّعمة قائسا أمر الآخرة على أمر الدّنيا.[ثمّ أدام نحو الثّعلبيّ](3:457)

نحوه النّسفيّ(4:98)،و الشّربينيّ(3:524)، و شبّر(5:385).

الفخر الرّازيّ: يعني أنّ الغالب على الظّنّ أنّ القول بالبعث و القيامة باطل،و بتقدير أن يكون حقّا فإنّ لي عنده للحسنى.و هذه الكلمة تدلّ على جزمهم بوصولهم إلى الثّواب من وجوه:

الأوّل:أنّ كلمة(انّ)تفيد التّأكيد.

الثّاني:أنّ كلمة(لى)تدلّ على هذا التّأكيد.

الثّالث:قوله:(عنده)يدلّ على أنّ تلك الخيرات حاضرة مهيّأة عنده،كما تقول:لي عند فلان كذا من الدّنانير،فإنّ هذا يفيد كونها حاضرة عنده،فلو قلت:

إنّ لي عند فلان كذا من الدّنانير،لا يفيد ذلك.

الرّابع:اللاّم في قوله:(للحسنى)تفيد التّأكيد.

الخامس:(للحسنى)يفيد الكمال في الحسنى.

(27:138)

القرطبيّ: أي الجنّة،و اللاّم للتّأكيد.يتمنّى الأمانيّ بلا عمل.[ثمّ ذكر نحو الثّعلبيّ](15:373)

البيضاويّ: أي و لئن قامت على التّوهّم كان لي

ص: 135

عند اللّه الحالة الحسنى من الكرامة؛و ذلك لاعتقاده أنّ ما أصابه من نعم الدّنيا فلاستحقاق لا ينفكّ عنه.

(2:351)

نحوه أبو السّعود(6:4)،و الكاشانيّ(4:364).

النّيسابوريّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و نظير الآية ما سبق في سورة الكهف:36 وَ لَئِنْ رُدِدْتُ إِلى رَبِّي لَأَجِدَنَّ خَيْراً مِنْها مُنْقَلَباً فلا جرم خيّب اللّه أمله و عكس ما تصوّره بقوله:(فلننبّئنّ).

(25:13)

نحوه الطّباطبائيّ.(17:403)

البروسويّ: و هو جواب القسم لسبقه الشّرطيّة، أي للحالة الحسنى من الكرامة،يعني استحقاق من مرّ.

[ثمّ استشهد بشعر]

اعتقد أنّ ما أصابه من نعم الدّنيا لاستحقاقه لها و أنّ نعم الآخرة كذلك،لأنّ سبب الإعطاء متحقّق في الآخرة أيضا و هو استحقاقه إيّاها،فقاس أمر الآخرة على أمر الدّنيا بالوهم المحض،و الأمنيّة الكاذبة.[ثمّ أدام مثل الثّعلبيّ و أضاف:]

و عن بعض أهل التّفسير: إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى أي الجنّة،يقول ذلك استهزاء.(8:278)

الآلوسيّ: أي للحالة الحسنى من الكرامة.و التّأكيد بالقسم هنا ليس لقيام السّاعة بل لكونه مجزيّا بالحسنى، لجزمه باستحقاقه للكرامة،لاعتقاده أنّ ما أصابه من نعم الدّنيا لاستحقاقه له و أنّ نعم الآخرة كذلك،فلا تنافي بين «إنّ»الّتي الأصل فيها أن تستعمل لغير المتيقّن،و بين التّأكيد بالقسم و إن و اللاّم و تقديم الظّرفين و صيغة التّفضيل.(25:4)

فضل اللّه :أي الثّواب الحسن،أو العاقبة الحسنة، لأنّ عطاء اللّه و نعمته يدلاّن على أنّ لي عنده الموقع الكبير.فلا يتصوّر النّعمة الّتي تلفّه صادرة عن اللّه من موقع الرّحمة الّتي يشمل بها عباده ليبتليهم بها،كما يبتليهم بالحرمان،كي يفكّروا بالشّكر و بالمسئوليّة في ذلك كلّه.(20:131)

13- ..لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى. النّجم:31

ابن عبّاس: (احسنوا):وحّدوا،(بالحسنى):

بالتّوحيد،الجنّة.(447)

الزّمخشريّ: بالمثوبة الحسنى و هي الجنّة،أو بسبب ما عملوا من السّوء،و بسبب الأعمال الحسنى.(4:32)

ابن عطيّة: و(الحسنى)هي الجنّة،و لا حسنى دونها.(5:203)

الفخر الرّازيّ: و قوله تعالى في حقّ المسيء: بِما عَمِلُوا و في حقّ المحسن:(بالحسنى)فيه لطيفة،لأنّ جزاء المسيء عذاب،فنبّه على ما يدفع الظّلم،فقال:

لا يعذّب إلاّ عن ذنب.و أمّا في(الحسنى)فلم يقل:بما عملوا،لأنّ الثّواب إن كان لا على حسنة يكون في غاية الفضل فلا يخلّ بالمعنى،هذا إذا قلنا:(الحسنى)هي المثوبة بالحسنى.

و أمّا إذا قلنا:الأعمال الحسنى،ففيه لطيفة غير ذلك،و هي أنّ أعمالهم لم يذكر فيها التّساوي،و قال في أعمال المحسنين:(الحسنى)إشارة إلى الكرم و الصّفح؛

ص: 136

حيث ذكر أحسن الاسمين.

و(الحسنى):صفة أقيمت مقام الموصوف كأنّه تعالى قال:بالأعمال الحسنى،كقوله تعالى: اَلْأَسْماءُ الْحُسْنى الأعراف:180.و حينئذ هو كقوله تعالى:

لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ العنكبوت:7،أي يأخذ أحسن أعمالهم و يجعل ثواب كلّ ما وجد منهم لجزاء ذلك الأحسن،أو هي صفة المثوبة،كأنّه قال:و يجزي الّذين أحسنوا بالمثوبة الحسنى أو بالعاقبة الحسنى،أي جزاؤهم حسن العاقبة و هذا جزاء فحسب.و أمّا الزّيادة الّتي هي الفضل بعد الفضل،فغير داخلة فيه.(29:6)

أبو حيّان :و(الحسنى):الجنّة،و قيل:التّقدير:

بالأعمال الحسنى.و حين ذكر جزاء المسيء قال: بِما عَمِلُوا و حين ذكر جزاء المحسن أتى بالصّفة الّتي تقتضي التّفضّل،و تدلّ على الكرم و الزّيادة للمحسن،كقوله تعالى: وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ و الأحسن:تأنيث (1)الحسنى.(8:164)

الشّربينيّ: اَلَّذِينَ أَحْسَنُوا أي على ثباتهم على الدّين و صبرهم عليه،و على أذى أعدائهم (بالحسنى)أي بالمثوبة الحسنى،و هي الجنّة.

(4:132)

البروسويّ: (احسنوا)أي اهتدوا،(بالحسنى) أي بالمثوبة الحسنى الّتي هي الجنّة ف(الحسنى)للزّيادة المطلقة،و الباء لتعدية الجزاء.أو بسبب أعمالهم الحسنى، فالباء للسّببيّة و المقابلة.(9:241)

الآلوسيّ: (احسنوا)أي اهتدوا،(بالحسنى)أي بالمثوبة الحسنى الّتي هي الجنّة،أو بأحسن من أعمالهم،أو بسبب الأعمال الحسنى،تكميل لما قبل،لأنّه سبحانه لمّا أمره عليه الصّلاة و السّلام بالإعراض،نفى توهّم أنّ ذلك لأنّهم يتركون سدى.

و في العدول عن ضمير ربّك إلى الاسم الجامع ما ينبئ عن زيادة القدرة،و أنّ الكلام مسوق لوعيد المعرضين،و أنّ تسوية هذا الملك العظيم لهذه الحكمة، فلا بدّ من ضالّ و مهتد،و من أن يلقى كلّ ما يستحقّه، و فيه أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم يلقى الحسنى جزاء لتبليغه،و هم يلقون السّوأى جزاء لتكذيبهم.و كرّر فعل الجزاء لإبراز كمال الاعتناء به،و التّنبيه على تباين الجزاءين.(27:61)

المراغيّ: أي فهو يجازي بحسب علمه المحيط بكلّ شيء المحسن بالإحسان،و يدخله جنّات تجري من تحتها الأنهار،و يمتّعه بنعيم لا يخطر على قلب بشر؛و المسيء بصنيع ما أساء،و بما دسّى به نفسه من ضروب الشّرك و المعاصي،و بما ران على قلبه من كبائر الذّنوب و الآثام، و قد أضلّه اللّه على علم،و ختم على سمعه و قلبه،و جعل على بصره غشاوة.(27:59)

14- وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى* وَ أَمّا مَنْ بَخِلَ وَ اسْتَغْنى* وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى. الليل:6-9

ابن عبّاس: بعدة اللّه... وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى بعدة اللّه.(512)

مثله عكرمة و قتادة.(الطّبرسيّ 5:502)ه.

ص: 137


1- كذا،و الظّاهر:تأنيثه.

و صدّق بالخلف من اللّه...و كذّب بالخلف.

(الطّبريّ 30:219-222)

نحوه مجاهد و عكرمة.(الطّبريّ 30:219)

صدّق بلا إله إلاّ اللّه...و كذّب بلا إله إلاّ اللّه.

(الطّبريّ 30:220)

نحوه أبو عبد الرّحمن السّلميّ و الضّحّاك.

(الثّعلبيّ 5:217)

مجاهد :بالجنّة...كذّب بالجنّة.(الطّبريّ 30:220)

مثله الحسن(الطّوسيّ 10:363)،و الجبّائيّ (الطّبرسيّ 5:502).

الضّحّاك: بتوحيد اللّه،و هو قول لا إله إلاّ اللّه.

(الماورديّ 6:288)

الحسن :بالخلف من عطائه.(الماورديّ 6:288)

عطاء:بما أنعم اللّه عليه.(الماورديّ 6:288)

قتادة :بموعود اللّه على نفسه...و كذّب بموعود اللّه الّذي وعد.(الطّبريّ 30:220)

نحوه مقاتل و الكلبيّ.(الثّعلبيّ 10:217)

من أعطى حقّ اللّه و اتّقى محارم اللّه.

(الطّوسيّ 10:363)

زيد بن أسلم:بالصّلاة و الزّكاة و الصّوم.

(الماورديّ 6:288)

الإمام الصّادق عليه السّلام:بالولاية.(القمّيّ 2:426)

مقاتل:يقول:بعدة اللّه عزّ و جلّ أن يخلفه في الآخرة خيرا،إذا أعطى في حقّ اللّه عزّ و جلّ...

وَ كَذَّبَ... يعني بعدة اللّه بأن يخلفه خيرا منه.

(4:722)

الفرّاء: وَ كَذَّبَ... بثواب الجنّة،أنّه لا ثواب.

(3:270)

الطّبريّ: [ذكر الأقوال السّابقة ثمّ قال:]

و أشبه هذه الأقوال بما دلّ عليه ظاهر التّنزيل، و أولاها بالصّواب عندي،قول من قال:عني به التّصديق بالخلف من اللّه على نفقته.

و إنّما قلت:ذلك أولى الأقوال بالصّواب في ذلك، لأنّ اللّه ذكر قبله منفقا أنفق طالبا بنفقته الخلف منها، فكان أولى المعاني به أن يكون الّذي عقيبه الخبر عن تصديقه بوعد اللّه إيّاه بالخلف؛إذ كانت نفقته على الوجه الّذي يرضاه،مع أنّ الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بنحو الّذي قلنا في ذلك ورد.(30:220)

و أمّا قوله: وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في تأويله نحو اختلافهم في قوله: وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى و أمّا نحن فنقول:معناه:و كذّب بالخلف.

(30:222)

الماورديّ: فيه سبعة تأويلات:[ثمّ ذكر الأقوال السّابقة و قال:]

و معاني أكثرها متقاربة... وَ كَذَّبَ... فيه التّأويلات السّبعة.(6:287)

الطّوسيّ: و(الحسنى):النّعمة العظمى بحسن موقعها عند صاحبها،و هذه صفة الجنّة الّتي أعدّها اللّه تعالى للمتّقين و حرّمها من كذّب بها.(10:363)

القشيريّ: وَ صَدَّقَ... بالجنّة أو بالكرّة الآخرة،و بالمغفرة لأهل الكبائر،و بالشّفاعة من جهة الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و بالخلف من قبل اللّه...أمّا من منع

ص: 138

الواجب،و استغنى في اعتقاده، وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى، أي بما ذكرنا فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى فيقع في المعصية و لم يدبّرها،و نوقف له أسباب المخالفة.(6:304)

الواحديّ: بالجنّة و ثواب اللّه و الخلف من اللّه...

(4:503)

الزّمخشريّ: وَ صَدَّقَ... بالخصلة الحسنى و هو الإيمان،أو بالملّة الحسنى و هي ملّة الإسلام،أو بالمثوبة الحسنى و هي الجنّة.(4:261)

نحوه النّسفيّ(4:362)،و النّيسابوريّ(30:

110)،و البروسويّ(10:448).

ابن عطيّة: [نقل الأقوال السّابقة ثمّ قال:]

و قال كثير من المفسّرين:(الحسنى):الأجر و الثّواب مجملا.(5:491)

الطّبرسيّ: [ذكر عدّة أقوال و قال:]

وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى أي بالجنّة و الثّواب و الوعد بالخلف.(5:502)

نحوه الخازن.(7:212)

ابن العربيّ: وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى فيها أقوال ثلاثة:[و نقل الأقوال السّابقة ثمّ قال:]

في المختار:كلّ معنى ممدوح فهو حسنى،و كلّ عمل مذموم فهو سوأى و عسرى.و أوّل الحسنى التّوحيد، و آخره الجنّة،و كلّ قول أو عمل بينهما فهو حسنى.

و أوّل السّوأى كلمة الكفر،و آخره النّار،و غير ذلك ممّا يتعلّق بهما فهو منهما،و مراد باللّفظ المعبّر عنهما.

و اختار الطّبرىّ أنّ(الحسنى):الخلف،و كلّ ذلك يرجع إلى الثّواب الّذي هو الجنّة.(4:1944)

الفخر الرّازيّ: و قوله: وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى فالحسنى فيها وجوه:

أحدهما:أنّها قول لا إله إلاّ اللّه،و المعنى:فأمّا من أعطى و اتّقى و صدّق بالتّوحيد و النّبوّة حصلت له الحسنى؛ و ذلك لأنّه لا ينفع مع الكفر إعطاء مال و لا اتّقاء محارم، و هو كقوله: أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ إلى قوله:

ثُمَّ كانَ مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا البلد:14-17.

و ثانيها:أنّ(الحسنى)عبارة عمّا فرضه اللّه تعالى من العبادات على الأبدان و في الأموال،كأنّه قيل:أعطى في سبيل اللّه و اتّقى المحارم و صدّق بالشّرائع،فعلم أنّه تعالى لم يشرعها إلاّ لما فيها من وجوه الصّلاح و الحسن.

و ثالثها:أنّ(الحسنى)هو الخلف الّذي وعده اللّه في قوله: وَ ما أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ سبأ:39، و المعنى:أعطى من ماله في طاعة اللّه مصدّقا بما وعده اللّه من الخلف الحسن؛و ذلك أنّه قال: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ البقرة:261،فكان الخلف لمّا كان زائدا صحّ إطلاق لفظ(الحسنى)عليه،و على هذا المعنى وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى أي لم يصدّق بالخلف،فبخل بماله لسوء ظنّه بالمعبود،كما قال بعضهم:منع الموجود،سوء ظنّ بالمعبود.و روي عن أبي الدّرداء أنّه قال:«ما من يوم غربت فيه شمس إلاّ و ملكان يناديان يسمعهما خلق اللّه كلّهم إلاّ الثّقلين،اللّهمّ أعط كلّ منفق خلفا و كلّ ممسك تلفا».

و رابعها:أنّ(الحسنى)هو الثّواب،و قيل إنّه الجنّة، و المعنى واحد.قال قتادة:صدّق بموعود اللّه فعمل لذلك الموعود،قال القفّال:و بالجملة إنّ(الحسنى)لفظة تسع

ص: 139

كلّ خصلة حسنة،قال اللّه تعالى: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ التّوبة:52،يعني النّصر أو الشّهادة،و قال تعالى: وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً الشّورى:23،فسمّى مضاعفة الأجر حسنى،و قال: إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فصّلت:50.

(31:200)

القرطبيّ: [ذكر الأقوال السّابقة ثمّ قال:]و كلّه متقارب المعنى؛إذ كلّه يرجع إلى الثّواب الّذي هو الجنّة.

(20:83)

ابن عربيّ: و صدّق بالفضيلة الحسنى الّتي هي مرتبة الكمال بالإيمان العلميّ؛إذ لو لم يتيقّن بوجود كمال كامل لم يمكنه التّرقّي.

وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى بوجود مرتبة الكمال و الفضيلة،لاستغنائه بالحياة الدّنيا،و احتجابه بها عن عالم النّور،و الآخرة.(2:816)

البيضاويّ: من أعطى الطّاعة و اتّقى المعصية و صدّق بالكلمة الحسنى،و هي ما دلّت على حقّ ككلمة التّوحيد... وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى بإنكار مدلولها.

(2:562)

الشّربينيّ: وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى تفصيل مبيّن لتشتيت المساعي و اختلف في(الحسنى):[ثمّ نقل الأقوال و قال:]

وَ كَذَّبَ أي أوقع التّكذيب لمن يستحقّ التّصديق بِالْحُسْنى أي فأنكرها،و كان عامدا مع المحسوسات كالبهائم.(4:545)

أبو السّعود :تفصيل لتلك المساعي المشتتة و تبيين لأحكامها،أي فأمّا من أعطى حقوق ماله و اتّقى محارم اللّه تعالى الّتي نهى عنها،و صدّق بالخصلة الحسنى و هي الإيمان،أو بالكلمة الحسنى و هي كلمة التّوحيد،أو بالملّة الحسنى و هي ملّة الإسلام،أو بالمثوبة الحسنى و هي الجنّة.

وَ كَذَّبَ... أي ما ذكر من المعاني المتلازمة.

(6:436)

الكاشانيّ: بالكلمة الحسنى و المثوبة من اللّه.

(5:337)

شبّر:بالمثوبة أو الكلمة الحسنى،و هي كلمة الشّهادة... وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى بأنّ اللّه يعطي بالواحد عشرا إلى مائة ألف.(6:418)

الآلوسيّ: أي بالكلمة الحسنى[و نقل الأقوال السّابقة ثمّ قال:]

و التّصديق بالحسنى إشارة إلى الإيمان بالتّوحيد أو بما يعمّه و غيره ممّا يجب الإيمان به،و هو تفصيل شامل للمساعي كلّها.

وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى في مقابلة وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى و المراد بالحسنى فيه:ما مرّ في الأقوال قبل.

(30:148)

القاسميّ: أي بالمثوبة الحسنى.قال قتادة:أي صدّق بموعود اللّه الحسن.و هو بمعنى قول مجاهد،إنّها الجنّة،كما قال تعالى: وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً الشّورى:23.فسمّي مضاعفة الأجر حسنى.

و قال القاشانيّ: [و ذكر مثل ابن عربيّ].

وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى أي بوجود المثوبة للحسنى، لمن آمن بالحقّ،لاستغنائه بالحياة الدّنيا و احتجابه بها

ص: 140

عن عالم الآخرة.(17:6177)

المراغيّ: أي و صدّق بثبوت الفضيلة و العمل الطّيّب،و نحو ذلك ممّا هو مركوز في طبيعة الإنسان، و هو مصدر الصّالحات و أفعال البرّ و الخير.

و لا يكون تصديقا حقّا،و لا ينظر اللّه إليه إلاّ إذا صدر عنه الأثر الّذي لا ينفكّ عنه و هو بذل المال،و اتّقاء مفاسد الأعمال.

و كثير من النّاس يظنّ نفسه مصدّقا بفضل الخير على الشّرّ،و لكن هذا التّصديق يكون سرابا في النّفس، خيّله الوهم،لأنّه لا يصدر عنه ما يليق به من الأثر، فتراه قاسي القلب،بعيدا عن الحقّ،بخيلا في الخير، مسرفا في الشّرّ.ثمّ ذكر جزاءه على ذلك...

وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى أي و كذّب بأنّ اللّه يخلف على المنفقين في سبيله،فبخل بماله و لم ينفق إلاّ فيما يلذّ له و يمتّعه في حاضره و لا يبالي بما عدا ذلك.

و يدخل في المكذّبين بالحسنى أولئك الّذين يتكلّمون بها تقليدا لغيرهم،و لا يظهر أثرها في أعمالهم.(30:176)

سيّد قطب :هناك حقيقة أخرى،حقيقة إجماليّة تضمّ أشتات البشر جميعا،و تضمّ هذه العوالم المتباينة كلّها،تضمّها في حزمتين اثنتين،و في صفّين متقابلين، تحت رايتين عامّتين: مَنْ أَعْطى وَ اتَّقى* وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى، و مَنْ بَخِلَ وَ اسْتَغْنى* وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى من أعطى نفسه و ماله،و اتّقى غضب اللّه و عذابه،و صدّق بهذه العقيدة الّتي إذا قيل:(الحسنى)كانت اسما لها و علما عليها.و من بخل بنفسه و ماله،و استغنى عن اللّه و هداه،و كذّب بهذه الحسنى.

و هذان هما الصّفّان اللّذان يلتقي فيهما شتات النّفوس،و شتات السّعي،و شتات المناهج،و شتات الغايات.و لكلّ منهما في هذه الحياة طريق،و لكلّ منهما في طريقه توفيق. فَأَمّا مَنْ أَعْطى... و الّذي يعطي و يتّقي و يصدّق بالحسنى يكون قد بذل أقصى ما في وسعه ليزكّي نفسه و يهديها.عندئذ يستحقّ عون اللّه و توفيقه الّذي أوجبه سبحانه على نفسه بإرادته و مشيئته.و الّذي بدونه لا يكون شيء،و لا يقدر الإنسان على شيء.

(6:3922)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(15:1593)

ابن عاشور :[ذكر وجوه الحسنى ثمّ قال:]

و على الوجوه كلّها فالتّصديق بها:الاعتراف بوقوعها،و يكنّى به عن الرّغبة في تحصيلها.

و حاصل الاحتمالات يحوم حول التّصديق بوعد اللّه بما هو حسن،من مثوبة أو نصر أو إخلاف ما تلف، فيرجع هذا التّصديق إلى الإيمان.و يتضمّن أنّه يعمل الأعمال الّتي يحصل بها الفوز بالحسنى،و لذلك قوبل في الشّقّ الآخر بقوله: وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى. (30:338)

عزّة دروزة :(الحسنى):مؤنّث الأحسن.و من المفسّرين من أوّل جملة وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى بمعنى صدّق بوعد اللّه بزيادة الإخلاف على المنفقين.

و منهم من أوّلها بمعنى صدّق بالموعود الأحسن من اللّه،و منهم من أوّلها بمعنى صدّق بالجنّة الّتي وعد اللّه المؤمنين المحسنين.(1:143)

مغنيّة:آمن بالجنّة و النّار و الحلال و الحرام،و عمل

ص: 141

بموجب إيمانه،و إلاّ فإيمانه سراب،لأنّ الإيمان وسيلة إلى العمل و ليس غاية في نفسه... وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى فقال:

لا جنّة و لا نار و لا حلال و لا حرام.(7:574)

الطّباطبائيّ: (الحسنى):صفة قائمة مقام الموصوف.و الظّاهر أنّ التّقدير بالعدة الحسنى،و هي ما وعد اللّه من الثّواب على الإنفاق لوجهه الكريم،و هو تصديق البعث و الإيمان به،و لازمه الإيمان بوحدانيّته تعالى في الرّبوبيّة و الألوهيّة،و كذا الإيمان بالرّسالة،فإنّها طريق بلوغ وعده تعالى للثّواب.

و محصّل الآيتين أن يكون مؤمنا باللّه و رسوله و اليوم الآخر و ينفق المال لوجه اللّه و ابتغاء ثوابه الّذي وعده بلسان رسوله...

و المراد بالتّكذيب بالحسنى:الكفر بالعدة الحسنى و ثواب اللّه الّذي بلّغه الأنبياء و الرّسل،و يرجع إلى إنكار البعث.(20:302)

مكارم الشّيرازيّ: و(الحسنى):مؤنّث أحسن إشارة إلى مثوبة اللّه و جزاءه الأوفى،و التّصديق بالحسنى هو الإيمان بها،و في سبب النّزول ذكرنا أنّ أبا الدّحداح أنفق أمواله لإيمانه بما سيعوّضه اللّه في الآخرة.و(الحسنى) وردت بهذا المعنى أيضا في قوله سبحانه: وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى النّساء:95.

قيل:إنّ المقصود هو الشّريعة الحسنى،و التّصديق بالحسنى هو الإيمان بالإسلام،الّذي هو أكمل الأديان.

و قيل:إنّها كلمة لا إله إلاّ اللّه.و قيل:إنّها الشّهادتان.

غير أنّ سياق الآيات،و سبب النّزول،و ذكر الحسنى بمعنى الجزاء الحسن في كثير من الآيات،كلّه يرجّح التّفسير الأوّل.

المقصود من التّكذيب بالحسنى،هو إنكار ثواب الآخرة،أو إنكار الدّين الإلهيّ.(20:235)

فضل اللّه : وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى في ما وعده اللّه من العاقبة الحسنى من الثّواب الجزيل على أعمال الخير،على أساس خطّ الإيمان و العمل الصّالح،فيكون عمله على أساس ما ينتظره في الدّار الآخرة من ذلك،ممّا يجعل المسألة متحرّكة في خطّ التّصديق بالنّتائج الطّيّبة و الالتزام بالخطّ المستقيم...

وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى فلم يؤمن بالآخرة ليستعدّ لها في عطائه و في حركته العمليّة العامّة و الخاصّة،و لذلك لم تكن حياته منسجمة مع خطّ دين اللّه.(24:295)

الحسنيين

قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ...

التّوبة:52

راجع«أ ح د-احدى»و«ر ب ص-تربّصون»

حسنا

1- مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً... البقرة:245

2- ..وَ أَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً... المائدة:12

3- مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ... الحديد:11

4- إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَ الْمُصَّدِّقاتِ وَ أَقْرَضُوا اللّهَ قَرْضاً حَسَناً... الحديد:18

5- إِنْ تُقْرِضُوا اللّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ...

التّغابن:17

ص: 142

6- ...وَ أَقْرِضُوا اللّهَ قَرْضاً حَسَناً... المزّمّل:20

راجع«ق ر ض»

7- قالَ يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ رَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً... هود:88

8- ..تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً...

النّحل:67

9- ...وَ مَنْ رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقاً حَسَناً... النّحل:75

10- وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللّهُ رِزْقاً حَسَناً... الحجّ:58

راجع«ر ز ق»

11- ...يا قَوْمِ أَ لَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً...

طه:86

12- أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً... القصص:61

راجع«و ع د-وعدا»

13- ...وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً...

الأنفال:17

راجع«ب ل و-بلاء»

14- ...ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى... هود:3

راجع«م ت ع-متاعا»

15- ...وَ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً الكهف:2

16- ...فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللّهُ أَجْراً حَسَناً...

الفتح:16

راجع«أ ج ر-اجرا»

17- أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً...

فاطر:8

ابن عبّاس: حقّا.(364)

الكلبيّ: صوابا.(الماورديّ 4:463)

الطّبريّ: أ فمن حسّن له الشّيطان أعماله السّيّئة من معاصي اللّه و الكفر به،و عبادة ما دونه من الآلهة و الأوثان،فرآه حسنا،فحسب سيّئ ذلك حسنا،و ظنّ أنّ قبحه جميل،لتزيين الشّيطان ذلك له.(22:118)

الماورديّ: وجهان:أحدهما:صوابا.الثّاني:

جميلا.(4:463)

الطّوسيّ: يعني الكفّار زيّنت نفوسهم لهم أعمالهم السّيّئة فتصوّروها حسنة،أو الشّيطان يزيّنها لهم فيميلهم إلى الشّبهة و ترك النّظر في الأدلّة الدّالّة على الحقّ بإغوائه،حتّى يتشاغلوا بما فيه اللّذّة و طرح الكلفة.

(8:415)

مثله الطّبرسيّ.(4:401)

القشيريّ: إنّ الكافر يتوهّم أنّ عمله حسن،قال تعالى: وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً الكهف:104.(5:194)

الزّمخشريّ: و معنى تزيين العمل و الإضلال واحد،و هو أن يكون العاصي على صفة لا تجدي عليه المصالح حتّى يستوجب بذلك خذلان اللّه تعالى و تخليته و شأنه،فعند ذلك يهيم في الضّلال و يطلق آمر النّهي و يعتنق طاعة الهوى،حتّى يرى القبيح حسنا و الحسن قبيحا،كأنّما غلب على عقله و سلب تمييزه.(3:301)

نحوه البيضاويّ(2:268)،و القاسميّ(14:4974)

الفخر الرّازيّ: يعني ليس من عمل سيّئا كالّذي عمل صالحا،كما قال بعد هذا بآيات وَ ما يَسْتَوِي

ص: 143

اَلْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ* وَ لاَ الظُّلُماتُ وَ لاَ النُّورُ فاطر:

19،20،و له تعلّق بما قبله،و ذلك من حيث إنّه تعالى لمّا بيّن حال المسيء الكافر و المحسن المؤمن،و ما من أحد يعترف بأنّه يعمل سيّئا إلاّ قليل،فكان الكافر يقول:

الّذي له العذاب الشّديد هو الّذي يتّبع الشّيطان،و هو محمّد و قومه الّذين استهوتهم الجنّ فاتّبعوها،و الّذي له الأجر العظيم نحن الّذين دمنا على ما كان عليه آباؤنا، فقال اللّه تعالى:لستم أنتم بذلك فإنّ المحسن غير،و من زيّن له العمل السّيّئ فرآه حسنا غير،بل الّذين زيّن لهم السّيّئ دون من أساء و علم أنّه مسيء،فإنّ الجاهل الّذي يعلم جهله و المسيء الّذي يعلم سوء عمله يرجع و يتوب،و الّذي لا يعلم يصرّ على الذّنوب،و المسيء العالم له صفة ذمّ بالإساءة و صفة مدح بالعلم.و المسيء الّذي يرى الإساءة إحسانا،له صفتا ذمّ الإساءة و الجهل.

ثمّ بيّن أنّ الكلّ بمشيئة اللّه،و قال: فَإِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ فاطر:8،و ذلك لأنّ النّاس أشخاصهم متساوية في الحقيقة و الإساءة و الإحسان،و السّيّئة و الحسنة يمتاز بعضها عن بعض، فإذا عرفها البعض دون البعض،لا يكون ذلك باستقلال منهم،فلا بدّ من الاستناد إلى إرادة اللّه.(26:6)

الشّربينيّ: أي عملا صالحا.(3:314)

الطّباطبائيّ: و المراد بمن زيّن له سوء عمله فرآه حسنا:الكافر،و يشير به إلى أنّه منكوس فهمه مغلوب على عقله،يرى عمله على غير ما هو عليه،و المعنى أنّه لا يستوي من زيّن عمله السّيّئ فرآه حسنا و الّذي ليس كذلك،بل يرى السّيّئ سيّئا.(17:19)

مكارم الشّيرازيّ: في الحقيقة إنّ هذه القضيّة هي المفتاح لكلّ مصائب الأقوام الضّالّة و المعاندة،الّذين يرون أعمالهم القبيحة أعمالا جميلة،و ذلك لانسجامها مع شهواتهم و قلوبهم المعتمة.(14:26)

فضل اللّه :فلم يقبل أيّ نقد،و لم يتقبّل أيّة مناقشة، بل قد يتعقّد من النّاقدين لعمله أو لفكره،فيرى فيهم الأعداء الّذين يبغضونه و يكيدون له،و لذلك فإنّه لا يرضى بالاستماع إليهم مهما كانت الأمور،و مهما كانت درجتهم من العلم و المعرفة و الصّلاح.(19:85)

راجع«ز ي ن-زيّن»

حسن

فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ... آل عمران:37

راجع«ق ب ل-قبول»

حسنة
اشارة

1- وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النّارِ. البقرة:201

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«من أوتي في الدّنيا قلبا شاكرا،و لسانا ذاكرا،و زوجة مؤمنة تعينه على أمر دنياه و آخرته،فقد أوتي في الدّنيا حسنة،و في الآخرة حسنة و وقي عذاب النّار».(الواحديّ 1:307)

الإمام علي عليه السّلام: فِي الدُّنْيا حَسَنَةً: امرأة صالحة، وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً: الحور العين.

(الثّعلبيّ 2:115)

ص: 144

ابن عبّاس: فِي الدُّنْيا حَسَنَةً: العلم و العبادة و العصمة من الذّنوب،و الشّهادة و الغنيمة، وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً: الجنّة و نعيمها.(28)

في الدّنيا:شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،و في الآخرة:الجنّة.

(وجوه القرآن للحبريّ: 201)

أنس:كان أكثر دعاء النّبيّ: اللّهمّ آتنا في الدّنيا حسنة و في الآخرة حسنة.(الواحديّ 1:308)

الحسن :الحسنة في الدّنيا:العلم و العبادة،و في الآخرة:الجنّة.(الطّبريّ 2:300)

مثله الثّوريّ.(الماورديّ 1:262)

الحسنة في الدّنيا:الفهم في كتاب اللّه و العلم.

(الطّبريّ 2:300)

العوفيّ: (في الدّنيا حسنة):العلم و العمل،(و في الآخرة حسة):تيسير الحساب و دخول الجنّة.

(الثّعلبيّ 2:115)

قتادة :في الدّنيا عافية،و في الآخرة عافية.

(الطّبريّ 2:300)

نعم الدّنيا،و نعم الآخرة

مثله الجبّائيّ و أكثر المفسّرين.(الطّوسيّ 2:172)

زيد بن عليّ: فِي الدُّنْيا حَسَنَةً معناه:عبادة، وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً معناه:الجنّة.[و قال أيضا:]

في الدّنيا:صحّة الجسم و سعة في المال،و في الآخرة:

خفّة الحساب و دخول الجنّة.(145)

السّدّيّ: هؤلاء المؤمنين،أمّا حسنة الدّنيا فالمال، و أمّا حسنة الآخرة فالجنّة.(146)

نحوه ابن زيد.(الماورديّ 1:262)

فِي الدُّنْيا حَسَنَةً رزقا حلالا واسعا و عملا صالحا، وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً الثّواب و المغفرة.

(الثّعلبيّ 2:115)

الإمام الصّادق عليه السّلام:«ما وقف بهذا الموقف [بالمشعر]أحد من النّاس مؤمن و لا كافر إلاّ غفر اللّه له، إلاّ أنّهم في مغفرتهم على ثلاث منازل،مؤمن غفر اللّه ما تقدّم من ذنبه و ما تأخّر،و أعتقه من النّار،و ذلك قوله:

وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ... (القمّيّ 1:70)

رضوان اللّه و الجنّة في الآخرة،و السّعة و المعاش و حسن الخلق في الدّنيا.(شبّر 1:205)

مقاتل:[في الدّنيا]الرّزق الواسع.

(ابن الجوزيّ 1:216)

الثّوريّ: الحسنة في الدّنيا:العلم و الرّزق الطّيّب، وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً: الجنّة.(الطّبريّ 2:300)

حمّاد بن سلمة:عن ثابت أنّهم قالوا لأنس بن مالك:ادع اللّه لنا،فقال:اللّهمّ ربّنا آتنا في الدّنيا حسنة و في الآخرة حسنة و قنا عذاب النّار.

قالوا:زدنا،فأعادها،قالوا:زدنا،قال:ما تريدون؟ قد سألت اللّه تعالى لكم خير الدّنيا و الآخرة.

(الثّعلبيّ 2:116)

ابن قتيبة :(فى الدّنيا):النّعمة.

(ابن الجوزيّ 1:216)

التّستريّ: فِي الدُّنْيا حَسَنَةً: السّنّة، وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً: الجنّة.(الثّعلبيّ 2:116)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في معنى الحسنة الّتي ذكر اللّه في هذا الموضع،فقال بعضهم:يعني بذلك و من

ص: 145

النّاس من يقول:ربّنا أعطنا عافية في الدّنيا،و عافية في الآخرة.

و قال آخرون:بل عنى اللّه عزّ و جلّ بالحسنة في هذا الموضع في الدّنيا:العلم و العبادة،و في الآخرة:الجنّة.

و قال آخرون:الحسنة في الدّنيا:المال،و في الآخرة:

الجنّة.

و الصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال:إنّ اللّه جلّ ثناؤه أخبر عن قوم من أهل الإيمان به و برسوله، ممّن حجّ بيته،يسألون ربّهم الحسنة في الدّنيا،و الحسنة في الآخرة،و أن يقيهم عذاب النّار،و قد تجمع الحسنة من اللّه عزّ و جلّ العافية في الجسم،و المعاش و الرّزق، و غير ذلك،و العلم و العبادة.

و أمّا في الآخرة فلا شكّ أنّها الجنّة،لأنّ من لم ينلها يومئذ،فقد حرّم جميع الحسنات،و فارق جميع معاني العافية.

و إنّما قلنا:إنّ ذلك أولى التّأويلات بالآية،لأنّ اللّه عزّ و جلّ لم يخصّص بقوله مخبرا عن قائل ذلك من معاني الحسنة شيئا،و لا نصب على خصوصه دلالة دالّة على أنّ المراد من ذلك بعض دون بعض.فالواجب من القول فيه ما قلنا:من أنّه لا يجوز أن يخصّ من معاني ذلك شيء، و أن يحكم له بعمومه،على ما عمّه اللّه.(2:300)

الزّجّاج: هؤلاء المؤمنون يسألون الحظّ في الدّنيا و الآخرة.(1:274)

الماورديّ: فيها أربعة تأويلات:[و ذكر أقوال قتادة و الحسن و الثّوريّ و السّدّيّ و ابن زيد و قال:]

إنّها نعم الدّنيا و نعم الآخرة،و هو قول أكثر أهل العلم.(1:262)

الثّعلبيّ: [نقل عدّة أقوال و قال:]

و قيل: فِي الدُّنْيا حَسَنَةً: التّوفيق و العصمة، وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً: النّجاة و الرّحمة.

و قيل: فِي الدُّنْيا حَسَنَةً: أولادا أبرارا، وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً: موافقة الأنبياء.

و قيل: فِي الدُّنْيا حَسَنَةً: المال و النّعمة، وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً: تمام النّعمة و هو الفوز،و الخلاص من النّار و دخول الجنّة.

و قيل: فِي الدُّنْيا حَسَنَةً: الدّين و اليقين، وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً: اللّقاء و الرّضا.

و قيل: فِي الدُّنْيا حَسَنَةً: الثّبات على الإيمان، وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً: السّلامة و الرّضوان.

و قيل: فِي الدُّنْيا حَسَنَةً: الإخلاص، وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً: الخلاص.

و قيل: فِي الدُّنْيا حَسَنَةً: حلاوة الطّاعة، وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً: لذّة الرّؤية.[إلى أن قال:]

المسيّب عن عوف في هذه الآية قال:من آتاه اللّه الإسلام و القرآن و أهلا و مالا و ولدا.فقد أوتي في الدّنيا حسنة و في الآخرة حسنة.(2:115)

الطّوسيّ: و الحسنة الّتي سألوها قيل:في معناها قولان:[و ذكر قولي قتادة و الحسن ثمّ قال:]

و سمّيت نعمة اللّه حسنة،لأنّها ممّا تدعو إليه الحكمة.

و قيل:الطّاعة و العبادة حسنة،لأنّها ممّا يدعو إليه العقل.

(2:172)

القشيريّ: إنّما أراد بها حسنة تنتظم بوجودها جميع

ص: 146

الحسنات،و الحسنة الّتي بها تحصل جميع الحسنات في الدّنيا:حفظ الإيمان عليه في المآل،فإنّ من خرج من الدّنيا مؤمنا لا يخلّد في النّار،و بفوات هذا لا يحصل شيء، و الحسنة الّتي تنتظم بها حسنات الآخرة:المغفرة،فإذا غفر فبعدها ليس إلاّ كلّ خير.

و يقال:الحسنة في الدّنيا:العزوف عنها،و الحسنة في الآخرة:الصّون عن مساكنتها،و الوقاية من النّار و نيران الفرقة؛إذ اللاّم في قوله:(النّار)لام جنس فتحصل الاستعاذة عن نيران الحرقة و نيران الفرقة جميعا.

و يقال:الحسنة في الدّنيا:شهود بالأسرار،و في الآخرة:رؤية بالأبصار.

و يقال:حسنة الدّنيا:ألاّ يغنيك عنك،و حسنة الآخرة:ألاّ يردّك إليك.

و يقال:حسنة الدّنيا:توفيق الخدمة،و حسنة الآخرة:تحقيق الوصلة.(1:180)

الزّمخشريّ: و الحسنتان ما هو طلبة الصّالحين في الدّنيا من الصّحّة و الكفاف و التّوفيق في الخير،و طلبتهم في الآخرة من الثّواب.[ثمّ نقل قول الإمام عليّ عليه السّلام]

(1:350)

نحوه البيضاويّ(1:110)،و أبو السّعود(1:

253)،و الكاشانيّ(1:217)،و شبّر(1:205).

ابن عطيّة: [نقل أقوال قتادة و الحسن بن أبي الحسن و السّدّيّ ثمّ قال:]و قيل:حسنة الدّنيا:المرأة الحسناء،و اللّفظة تقتضي هذا كلّه،و جميع محابّ الدّنيا.

و حسنة الآخرة:الجنّة بإجماع.(1:277)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: وَ مِنْهُمْ مَنْ...

فالمفسّرون ذكروا فيه وجوها:

أحدها:أنّ الحسنة في الدّنيا عبارة عن الصّحّة، و الأمن،و الكفاية،و الولد الصّالح،و الزّوجة الصّالحة، و النّصرة على الأعداء،و قد سمّى اللّه تعالى الخصب و السّعة في الرّزق،و ما أشبهه:حسنة،فقال: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ التّوبة:50.و قيل في قوله: قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ التّوبة:52،أنّهما الظّفر و النّصرة و الشّهادة.

و أمّا الحسنة في الآخرة فهي الفوز بالثّواب، و الخلاص من العقاب.

و بالجملة فقوله: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً كلمة جامعة لجميع مطالب الدّنيا و الآخرة.[ثمّ حكى قول أنس المتقدّم عن حمّاد بن سلمة و قال:]

و لقد صدق أنس.فإنّه ليس للعبد دار سوى الدّنيا و الآخرة،فإذا سأل حسنة الدّنيا و حسنة الآخرة لم يبق شيء سواه.

و ثانيها:أنّ المراد بالحسنة في الدّنيا:العمل النّافع:

و هو الإيمان و الطّاعة،و الحسنة في الآخرة:اللّذّة الدّائمة، و التّعظيم،و التّنعّم بذكر اللّه،و بالأنس به،و بمحبّته و برؤيته.[إلى أن قال:]

و ثالثها:[نقل قولي قتادة و الحسن ثمّ قال:]

و اعلم أنّ منشأ البحث في الآية أنّه لو قيل:«آتنا في الدّنيا الحسنة و في الآخرة الحسنة»لكان ذلك متناولا لكلّ الحسنات،و لكنّه قال: آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً و هذا نكرة في محلّ الإثبات،فلا يتناول

ص: 147

إلاّ حسنة واحدة،فلذلك اختلف المتقدّمون من المفسّرين،فكلّ واحد منهم حمل اللّفظ على ما رآه أحسن أنواع الحسنة.

فإن قيل:أ ليس أنّه لو قيل:«آتنا الحسنة في الدّنيا و الحسنة في الآخرة»لكان ذلك متناولا لكلّ الأقسام، فلم ترك ذلك و ذكر على سبيل التّنكير؟

قلت:الّذي أظنّه في هذا الموضع-و العلم عند اللّه- أنّا بيّنّا فيما تقدّم أنّه ليس للدّاعي أن يقول:اللّهمّ أعطني كذا و كذا.بل يجب أن يقول:اللّهمّ إن كان كذا و كذا مصلحة لي،و موافقا لقضائك و قدرك،فأعطني ذلك.فلو قال:اللّهمّ أعطني الحسنة في الدّنيا و الآخرة، لكان ذلك جزما،و قد بيّنّا أنّه غير جائز.أمّا لمّا ذكر على سبيل التّنكير،فقال:أعطني في الدّنيا حسنة كان المراد منه حسنة واحدة،و هي الحسنة الّتي تكون موافقة لقضائه و قدره و رضاه و حكمه و حكمته،فكان ذلك أقرب إلى رعاية الأدب،و المحافظة على أصول اليقين.

(5:206)

نحوه النّيسابوريّ.(2:190)

القرطبيّ: [نقل قول عليّ عليه السّلام و قتادة و الحسن ثمّ قال:]

و الّذي عليه أكثر أهل العلم أنّ المراد بالحسنتين:

نعم الدّنيا و الآخرة.و هذا هو الصّحيح؛فإنّ اللّفظ يقتضي هذا كلّه،فإنّ(حسنة)نكرة في سياق الدّعاء، فهو محتمل لكلّ حسنة من الحسنات على البدل.و حسنة الآخرة:الجنّة بإجماع.

و قيل:لم يرد حسنة واحدة،بل أراد:أعطنا في الدّنيا عطيّة حسنة؛فحذف الاسم.(2:432)

النّسفيّ: فِي الدُّنْيا حَسَنَةً: نعمة و عافية،أو علما و عبادة. وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً: عفوا و مغفرة،أو المال و الجنّة،أو ثناء الخلق و رضا الحقّ،أو الإيمان و الأمان،أو الإخلاص و الخلاص،أو السّنّة و الجنّة،أو القناعة و الشّفاعة،أو المرأة الصّالحة و الحور العين،أو العيش على سعادة و البعث من القبور على بشارة.

(1:103)

الخازن :إنّ الحسنة في الدّنيا عبارة عن الصّحّة و الأمن،و الكفاية و التّوفيق إلى الخير،و النّصر على الأعداء،و الولد الصّالح و الزّوجة الصّالحة.عن عبد اللّه ابن عمر و بن العاص عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،قال:الدّنيا متاع و خير،متاعها:المرأة الصّالحة.

و قيل:الحسنة في الدّنيا:العلم و العبادة،و في الآخرة:الجنّة.

و قيل:الحسنة في الدّنيا:الرّزق الحلال و العمل الصّالح،و في الآخرة:المغفرة و الثّواب.

و قيل:من آتاه اللّه الإسلام و القرآن و أهلا و مالا فقد أوتي في الدّنيا حسنة و في الآخرة حسنة،يعني في الدّنيا عافية و في الآخرة عافية.(1:159)

أبو حيّان :الحسنة مطلقة،و المعنى أنّهم سألوا اللّه في الدّنيا الحالة الحسنة.[و استشهد بأقوال عديدة ثمّ قال:] وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً مثّلوا حسنة الآخرة بأنّها الجنّة، أو العفو و المغفرة و السّلامة من هول الموقف و سوء الحساب،أو النّعمة،أو الحور العين،أو تيسير الحساب، أو مرافقة الأنبياء،أو لذّة الرّؤية،أو الرّضا،أو اللّقاء.

ص: 148

[ثمّ نقل أقوالا و أحاديث ذكرت سابقا](2:105)

ابن كثير :جمعت هذه الدّعوة كلّ خير في الدّنيا و صرفت كلّ شرّ،فإنّ الحسنة في الدّنيا تشمل كلّ مطلوب دنيويّ من عافية،و دار رحبة،و زوجة حسنة، و رزق واسع،و علم نافع،و عمل صالح،و مركب هيّن، و ثناء جميل،إلى غير ذلك ممّا اشتملت عليه عبارات المفسّرين.و لا منافاة بينها،فإنّها كلّها مندرجة في الحسنة في الدّنيا.

و أمّا الحسنة في الآخرة،فأعلى ذلك دخول الجنّة و توابعه من الأمن من الفزع الأكبر في العرصات، و تيسير الحساب،و غير ذلك من أمور الآخرة الصّالحة.

و أمّا النّجاة من النّار،فهو يقتضي تيسيرا أسبابه في الدّنيا من اجتناب المحارم و الآثام،و ترك الشّبهات و الحرام.

(1:432)

مثله القاسميّ.(3:502)

البروسويّ: فِي الدُّنْيا حَسَنَةً هي الصّحّة و الكفاف و التّوفيق للخير.و في«التّيسير»الحسنة جامعة لكلّ الخيرات في الدّارين. وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً هي الثّواب و الرّحمة.

قال الشّيخ أبو القاسم الحكيم:حسنة الدّنيا:عيش على سعادة،و موت على شهادة.و حسنة الآخرة:بعث من القبر على بشارة،و جواز على الصّراط على سلامة.

(2:319)

الآلوسيّ: [نقل أقوالا ثمّ قال:]

و الظّاهر أنّ الحسنة و إن كانت نكرة في الإثبات و هي لا تعمّ،إلاّ أنّها مطلقة فتنصرف إلى الكامل، و الحسنة الكاملة في الدّنيا:ما يشمل جميع حسناتها، و هو توفيق الخير و بيانها.بشيء مخصوص،ليس من باب تعيين المراد؛إذ لا دلالة للمطلق على المقيّد أصلا، و إنّما هو من باب التّمثيل،و كذا الكلام في قوله تعالى:

وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً فقد قيل:هي الجنّة،و قيل:

السّلامة من هول الموقف و سوء الحساب،و قيل:الحور العين و هو مرويّ عن عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه،و قيل:

لذّة الرّؤية،و قيل،و قيل...و الظّاهر الإطلاق و إرادة الكامل،و هو الرّحمة و الإحسان.(2:91)

رشيد رضا :أي و منهم من يطلب خير الدّنيا و الآخرة جميعا،لا حظوظ الدّنيا وحدها كيفما كانت، كالفريق (1)الأوّل.

و قد اختلف المفسّرون في تعيين«الحسنة»هل هي العافية أو الكفاف أو المرأة الصّالحة أو الأولاد الأبرار أو المال الصّالح أو العلم و المعرفة أو العبادة و الطّاعة؟و روي بعض هذه الأقوال عن بعض السّلف،و لعلّ كلّ ذي قول يطلقها على المهمّ عنده.و الظّاهر أنّ(الحسنة)وصف لمحذوف،أي حياة حسنة،و انظر بم تكون حياة المرء حسنة فيكون سعيدا في الدّنيا؟فمن دعا اللّه تعالى دعاء إجماليّا فليدعه بسعادة الدّنيا و الآخرة و الحياة الطّيّبة فيهما يكن مهتديا بالآية،و من كانت له حاجة خاصّة فدعاه لها من حيث هي حسنة فهو مهتد بها.

على أنّهم اختلفوا في حسنة الآخرة أيضا،فقيل:

الجنّة،و قيل:الرّؤية،و اختلفوا في عذاب النّار،و رووا عن عليّ كرّم اللّه وجهه أنّه المرأة السّوء.و قد علم ممّاط.

ص: 149


1- أي طلاّب الدّنيا فقط.

تقدّم في تفسير أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ البقرة:186،أنّ الطّلب من اللّه تعالى إنّما يكون باتّباع سننه في الأسباب و المسبّبات،و التّوجّه إليه تعالى، و استمداد المعونة و التّوفيق منه،للهداية إلى ما يعجز العبد عنه.

و على هذا يتخرّج تفسير الحسن لقوله تعالى: وَ قِنا عَذابَ النّارِ بقوله:أي احفظنا من الشّهوات و الذّنوب المؤدّية إليها،فطلب الحياة الحسنة في الدّنيا يكون بالأخذ بأسبابها المجرّبة في الكسب و النّظام في المعيشة، و حسن معاشرة النّاس بآداب الشّريعة و العرف،و قصد الخير في الأعمال كلّها،و توقّي الشّرور كلّها؛و طلب الحياة الحسنة في الآخرة يكون بالإيمان الخالص و مكارم الأخلاق و العمل الصّالح بقدر الاستطاعة،و طلب الوقاية من النّار يكون بترك المعاصي و اجتناب الرّذائل و الشّهوات المحرّمة،مع القيام بالفرائض المحتّمة،هذا هو الطّلب بلسان القلب و العمل.

و أمّا الطّلب بلسان المقال فهو يصدق بما يذكر القلب بأنّ هذه الأسباب من اللّه،فالسّعي لها مع الإيمان هو عين الطّلب من فيضه و إحسانه،مضت سنّته بأن يعطي بها فضلا منه و رحمة،لا بخوارق العادات الّتي لا يعلم محلّها و حكمتها غيره،و أنّه لا يرجع إلى سواه في الهداية إلى ما خفي،و المعونة على ما عسر.

و لم يذكر في التّقسيم من لا يطلب إلاّ حسنة الآخرة، لأنّ التّقسيم لبيان ما عليه النّاس في الواقع،و نفس الأمر بحسب داعي الجبلّة و تأثير التّربية و هدى الدّين، و لا يكاد يوجد في البشر من لا تتوجّه نفسه إلى حسن الحال في الدّنيا،مهما يكن غاليا في العمل للآخرة،لأنّ الإحساس بالجوع و البرد و التّعب يحمله كرها على التماس تخفيف ألم ذلك الإحساس،و الشّرع يكلّفه ذلك بما يقدر عليه من أسبابه،و قد جعل عليه حقوقا لبدنه و لأهله و ولده و لرحمه و لزائريه و إخوانه و أمّته،لا تصحّ عبوديّته إلاّ بدعاء اللّه تعالى فيها.(2:237)

نحوه المراغيّ.(2:105)

النّهاونديّ: و هي كلّما فيه السّعادة الدّنيويّة، و هي روحانيّة و جسمانيّة داخليّة و خارجيّة.أمّا السّعادة الرّوحانيّة فكمال القوّة النّظريّة بالعلم،و كمال القوّة العمليّة بالأخلاق الجميلة الفاضلة،فإنّهما زينة المرء في الدّارين،و أمّا السّعادة الجسمانيّة الدّاخليّة، و هي السّعادة البدنيّة من الصّحّة و الجمال،و أمّا السّعادة الخارجيّة فهي المال و الجاه و الأقارب و الأولاد،و هذه السّعادات كما أنّها حظوظ في الدّنيا مقدّمات و وسائل لتحصيل حظوظ الآخرة.و الظّاهر أنّ المراد من الحسنة:

جميع ماله نفع في الآخرة،و ليس حبّها و طلبها من حبّ الدّنيا و طلبها بل عين حبّ الآخرة.[و استشهد بأحاديث ثمّ قال:]

و الجامع ما ذكرنا و هو جميع ما يكون له نفع في الآخرة،و ما يكون معينا على تحصيلها،ثمّ إنّه لإظهار شدّة الاهتمام بالآخرة و أنّها المطلوب النّفسيّ،خصّ نعمها أوّلا بالذّكر صريحا بقوله: وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً و هي الثّواب و الرّحمة.و عن أمير المؤمنين عليه السّلام:هي الحوراء،و عن الصّادق عليه السّلام:رضوان اللّه و الجنّة.

و تنكير الحسنة لعلّه لإظهار المذلّة و عدم القابليّة

ص: 150

لجميع حسنات الدّنيا و الآخرة،و لإظهار حسناتها كأنّه يقول:يغنيني حسنة واحدة،فكيف بأكثر منها! و ملخّصه أكثروا من ذكر اللّه و اسألوا سعادتكم في الدّارين.(1:146)

سيّد قطب :إنّ هناك فريقين:فريقا همّه الدّنيا.

[إلى أن قال:]

و فريقا أفسح أفقا،و أكبر نفسا،لأنّه موصول باللّه، يريد الحسنة في الدّنيا و لكنّه لا ينسى نصيبه في الآخرة، فهو يقول: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النّارِ.

إنّهم يطلبون من اللّه الحسنة في الدّارين،و لا يحدّدون نوع الحسنة،بل يدعون اختيارها للّه،و اللّه يختار لهم ما يراه حسنة و هم باختياره لهم راضون.و هؤلاء لهم نصيب مضمون لا يبطئ عليهم،فاللّه سريع الحساب.

(1:201)

عزّة دروزة :و في التّنويه في الجملة التّالية بمن يجمع في دعائه بين خير الدّنيا و الآخرة،تلقين بما انطوت عليه الدّعوة الإسلاميّة من سعة الصّدر و المرونة، و التّطابق مع مصالح البشر و طبائع الأمور.فليس في الإسلام دعوة إلى الزّهد في الدّنيا و الانصراف عنها، و طيّبات الدّنيا و خيراتها مباحة لهم ضمن حدود الاعتداد و النّيّة الحسنة و البعد عن المنكر.و قد أمر اللّه المسلمين بالدّعاء لأجل جمع خير الدّنيا و الآخرة لهم.

و قد تكرّر هذا التّلقين في القرآن بأساليب متنوّعة،مرّت أمثلة عديدة منها.[ثمّ ذكر بعض الرّوايات و قال:]

و لقد كان هذا الدّعاء من جوامع الدّعاء،و هو كذلك كما هو ظاهر.[ثمّ أدام البحث نحو ما تقدّم عن ابن كثير]

(7:315)

مغنيّة:النّاس في حجّهم نوعان:نوع لا يطلب إلاّ متاع الدّنيا،و لا همّ له إلاّ همّها،و إذا عبد اللّه فإنّما يعبده من أجلها،و هذا النّوع محروم من نعيم الآخرة،و نوع يطلب خير الدّارين و يعمل لدنياه و آخرته،و لهذا حظّ وافر عند اللّه غدا،جزاء على صالح أعماله.(1:306)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(1:225)

مكارم الشّيرازيّ: يوضّح القرآن بعد أحكام الحجّ طبيعة مجموعتين من النّاس و طريقة تفكيرهم:

مجموعة لا تفكّر إلاّ بمصالحها المادّيّة،و لا تتّجه في الدّعاء إلى اللّه إلاّ من هذه المنطلقات المادّيّة،فتقول:

رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا. هؤلاء لا حظّ لهم من المعنويّات.

و لا نصيب لهم في الآخرة ممّا يتمتّع به الصّالحون.

و المجموعة الثّانية:اتّسعت آفاقهم الفكريّة و تعدّت حدود الحياة المادّيّة،فاتّجهوا إلى طلب السّعادة في الدّنيا،باعتبارها مقدّمة لتكاملهم المعنويّ،و طلب السّعادة في الآخرة.

هذه الآية الكريمة توضّح في الحقيقة منطق الإسلام في المسائل المادّيّة و المعنويّة،و تدين الغارقين في المادّيّات كما تدين المنعزلين عن الحياة.هؤلاء الصّالحون يطلبون من اللّه أن يقيهم من عذاب الجحيم في الآخرة وَ قِنا عَذابَ النّارِ.

«الحسنة»لها مفهوم واسع يشمل كلّ المواهب المادّيّة و المعنويّة،و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه سئل عن الحسنة في الدّنيا و الآخرة...[و قد تقدّم]

ص: 151

و واضح أنّ هذا من تفسير المفهوم العامّ بالخاصّ، و بيان أبرز المصاديق،لا حصر الحسنة بهذه المصاديق أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمّا كَسَبُوا وَ اللّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ البقرة:202.فكلا الفريقين لهم نصيب ممّا كسبوا، الدّنيويّون الّذين يريدون الدّنيا فقط،و هكذا الّذين يريدون الدّنيا و الآخرة،لا يحرم منهم أحد،و لكن لكلّ فريق بقدر هدفه.

هذا المفهوم يطرحه القرآن في سورة الإسراء:

18-20،أيضا؛حيث يقول سبحانه: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها... وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً فالإنسان يجد ما يسعى إليه.(2:39)

فضل اللّه :النّموذج الّذي يتمسّك بالخطّ الإسلاميّ المتوازن الّذي يجمع بين الدّنيا و الآخرة،فهو يعتبر الدّنيا حقلا من حقول العمل الّتي أراد اللّه للإنسان أن يعيش فيها حياة طيّبة،يمارس فيها الطّيّبات و يقبل فيها على ما أحلّه اللّه له من شهوات و ملذّات،و لهذا فهو يطلب من اللّه أن يؤتيه في الدّنيا حسنة،ثمّ يرى أنّ الآخرة هي نهاية المطاف،فهي دار المصير الّذي يجد فيه كلّ إنسان دار خلوده في الجنّة أو في النّار،و لذلك فهو يطلب من اللّه أن يؤتيه فيها حسنة،و مثل هذا النّموذج قريب إلى اللّه.(4:111)

2- إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها... آل عمران:120

الحسن :فالمراد بالحسنة هاهنا:ما أنعم اللّه عليهم به من الألفة و الغلبة باجتماع الكلمة،و المراد بالسّيّئة:

المحنة بإصابة العدوّ منهم لاختلاف الكلمة،و ما يؤدّي إليه من الفرقة.

مثله قتادة و الرّبيع و ابن جريج.(الطّوسيّ 2:575)

الطّبريّ: إن تنالوا أيّها المؤمنون سرورا بظهوركم على عدوّكم،و تتابع النّاس في الدّخول في دينكم، و تصديق نبيّكم،و معاونتكم على أعدائكم،يسوؤهم، و إن تنلكم مساءة،بإخفاق سريّة لكم،أو بإصابة عدوّ لكم منكم،أو اختلاف يكون بين جماعتكم،يفرحوا بها.

(الطّبريّ 4:67)

و جاء نحو ذلك عند أغلب المفسّرين.

ابن عطيّة: «الحسنة و السّيّئة»في هذه الآية لفظ عامّ في كلّ ما يحسن و يسوء،و ما ذكر المفسّرون من الخصب و الجدب و اجتماع المؤمنين و دخول الفرقة بينهم و غير ذلك من الأقوال،فإنّما هي أمثلة و ليس ذلك باختلاف.(1:498)

راجع«م س س-تمسسكم»

3- وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ...

النّساء:78

ابن عبّاس: الخصب و رخص السّعر،و تتابع السّنة بالأمطار.(75)

نحوه السّدّيّ.(ابن كثير 2:343)

هو السّرّاء و الضّرّاء و البؤس،و الرّخاء و النّعمة و المصيبة،و الخصب و الجدب.

مثله أبو العالية و قتادة.(الطّوسيّ 3:264)

ص: 152

الحسن:حكاية عن المنافقين،و صفة لهم.

مثله أبو عليّ و أبو القاسم.(الطّوسيّ 3:264)

النّصر و الهزيمة.

مثله ابن زيد.(الماورديّ 1:508)

مقاتل:ثمّ أخبر سبحانه عن المنافقين عبد اللّه بن أبيّ و أصحابه،فقال: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ... ببدر يعني نعمة،و هي الفتح و الغنيمة يقول:هذه الحسنة من عند اللّه، وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يعني بليّة و هي القتل و الهزيمة يوم أحد يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ يا محمّد أنت حملتنا على هذا،و في سببك كان هذا.(1:391)

نحوه الشّوكانيّ.(1:624)

الفرّاء: و ذلك أنّ اليهود لمّا أتاهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بالمدينة قالوا:ما رأينا رجلا أعظم شؤما من هذا،نقصت ثمارنا و غلت أسعارنا.فقال اللّه تبارك و تعالى:إن أمطروا و أخصبوا قالوا:هذه من عند اللّه،و إن غلت أسعارهم قالوا:هذا من قبل محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:278)

نحوه البلخيّ و الجبّائيّ(الطّبرسيّ 2:78)، و الزّجّاج(2:79)،و الثّعلبيّ(3:346)،و الواحديّ (2:83)،و البغويّ(1:665)،و شبّر(2:71).

الطّبريّ: يعني بقوله جلّ ثناؤه: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ... و إن ينلهم رخاء و ظفر و فتح،و يصيبوا غنيمة يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ يعني من قبل اللّه و من تقديره، وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يقول:و إن تنلهم شدّة من عيش،و هزيمة من عدوّ،و جراح و أ لم،يقولوا لك يا محمّد: هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ بخطئك التّدبير.و إنّما هذا خبر من اللّه تعالى ذكره عن الّذين قال فيهم لنبيّه: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ النّساء:77.

(5:174)

نحوه ابن عطيّة.(2:81)

القمّيّ: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ... يعني الحسنات و السّيّئات.ثمّ قال في آخر الآية: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ النّساء:

79،و قد اشتبه هذا على عدّة من العلماء،فقالوا:يقول اللّه: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ... فكيف هذا و ما معنى القولين؟

فالجواب في ذلك أنّ معنى القولين جميعا عن الصّادقين عليهما السّلام أنّهم قالوا:الحسنات في كتاب اللّه على وجهين و السّيّئات على وجهين،فمن الحسنات الّتي ذكرها اللّه:الصّحّة و السّلامة و الأمن و السّعة و الرّزق، و قد سمّاها اللّه:حسنات. وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يعني بالسّيّئة هاهنا:المرض و الخوف و الجوع و الشّدّة يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَ مَنْ مَعَهُ الأعراف:131،أي يتشاءموا به.

و الوجه الثّاني من الحسنات،يعني به أفعال العباد، و هو قوله: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها و مثله كثير.

و كذلك السّيّئات على وجهين،فمن السّيّئات:

الخوف و الجوع و الشّدّة،و هو ما ذكرناه في قوله: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ:يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَ مَنْ مَعَهُ و عقوبات الذّنوب فقد سمّاها اللّه:السّيّئات.

و الوجه الثّاني من السّيّئات،يعني بها أفعال العباد الّتي يعاقبون عليها،فهو قوله: وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ

ص: 153

فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النّارِ النّمل:90،و قوله:

ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ النّساء:79،يعني ما عملت من ذنوب فعوقبت عليها في الدّنيا و الآخرة(فمن نفسك)بأفعالك،لأنّ السّارق يقطع و الزّاني يجلد و يرجم،و القاتل يقتل،فقد سمّى اللّه تعالى العلل و الخوف و الشّدّة و عقوبات الذّنوب كلّها سيّئات،فقال: وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ بأعمالك.

و قوله: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ يعني الصّحّة و العافية و السّعة،و السّيّئات الّتي هي عقوبات الذّنوب من عند اللّه.(1:144)

عبد الجبّار:قالوا:ثمّ ذكر تعالى فيها ما يدلّ على أنّ الحسنات و السّيّئات من عنده،فقال: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ...

و الجواب عن ذلك:أنّ القضيّة واردة على أمر معلوم،لأنّه تعالى حكى عن الكفّار أنّهم عند وقوع الحسنة و السّيّئة قالوا:إنّ الحسنة من عنده تعالى، و السّيّئة من محمّد عليه السّلام،و ما هذا حاله لا يصحّ أن يدعى فيه العموم،لأنّه لا يجوز في ذلك الواقع أن يكون إلاّ على صفة واحدة.

و بعد،فإنّ الظّاهر من قوله: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ... و قوله: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يدلّ على أنّ ذلك من فعل غيرهم فيهم،لأنّ ما يختاره الإنسان لا يطلق ذلك فيه،و يبيّن ذلك أنّه إن حمل على أفعال العباد أدّى إلى أنّ القوم كانوا يقولون:إنّ الحسنات من فعل اللّه تعالى و سيّئاتنا من فعل محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم!و ليس هذا بمذهب لأحد لأنّه لا فرق بين إضافتهما إليه عليه السّلام فعلا، و بين إضافتهما إلى غيره.و لو كان ذلك مذهبا لحكي و دوّن،لأنّه قد حكي ما هو أخفى منه و أقلّ،و كلّ ذلك يمنع من التّعلّق بظاهره.

و المراد بذلك:ما قد حكي أنّهم كانوا يقولون إذا أصابهم الرّخاء و الخصب و السّعة،قالوا:هذه من اللّه، و إذا لحقهم الشّدّة و القحط،قالوا:إنّ هذا لشؤم محمّد، حاشاه صلّى اللّه عليه و آله من ذلك!فقال تعالى مكذّبا لهم: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ لأنّ هذه الأمور من فعله تعالى يفعلها بحسب المصالح.

و قد ذكر تعالى في قوم موسى صلّى اللّه عليه مثله، فقال: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَ مَنْ مَعَهُ الأعراف:131،و قال تعالى مكذّبا لهم لذلك: وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ السَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ الأعراف:168،فبيّن في هذين الأمرين أنّه يفعله بلوى و مصلحة،لكي يرجع العاصي و يقلع عن كفره و معصيته.

و ما قلناه يدلّ على أنّ هذين قد يوصفان بالحسنة و السّيّئة،فليس لأحد أن يدفع ذلك من حيث اللّغة، فأمّا في الحقيقة فالسّيّئة لا تكون إلاّ قبيحة،كما يقولون في الشّرّ:إنّه لا يكون إلاّ ضررا قبيحا،لكنّه قد يجري على المضارّ من فعله تعالى،على جهة المجاز.

و قوله تعالى بعد ذلك: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ النّساء:79،يدلّ ظاهره على أنّ العبد هو الفاعل للسّيّئات في الحقيقة، لأنّه تعالى لو أوجدها و فعلها لم يكن يضيفها إلى نفس

ص: 154

الإنسان.

و هذه الآية تدلّ على صحّة تأويلنا في الآية المتقدّمة،لأنّه لو كان المراد بتلك نفس ما أريد بهذه، لكان الكلام يتناقض عن قرب،لأنّه في الأولى أضافها إلى نفسه،و في الثّانية إلى العبد،و يتعالى اللّه عن ذلك، فكأنّه قال:ما أصابكم من الرّخاء و الشّدّة فكلّه من عنده تعالى.و ليس كذلك السّيّئات و الحسنات،لأنّها من عند أنفسكم.

فأمّا إضافته تعالى الحسنة إلى نفسه،فلأنّه تعالى أعان عليها و سهّل السّبيل إليها و لطف فيها،فلم تقطع منّا إلاّ بأمور من قبله تعالى،فصحّ أن تضاف إليه، و لا يمنع ذلك كونها من فعل العبد،لأنّ الإضافة قد تقع على هذين الوجهين،و لو كانت السّيّئة من فعله تعالى لم يكن لإضافتها إلى العبد وجه،و لا كان للفصل بينها و بين الحسنة في قطع إضافتها عن اللّه معنى،مع أنّه الخالق لهما جميعا.

و قد قيل:إنّ المراد أنّ الحسنة بتفضّل اللّه تعالى،و أنّ السّيّئة الّتي هي الشّدّة،لأمور من قبلكم ارتكبتموها، تحلّ محلّ العقوبة،فلذلك أضافه إليهم.و هذا و إن احتمل،فالأوّل أظهر.

فأمّا من حرّف التّنزيل لكيلا يلزمه بطلان مذهبه، و زعم أنّ المراد به:فمن نفسك؟على جهة الإنكار،فقد بلغ في التّجاهل،و ردّ التّلاوة الظّاهرة إلى حيث يستغنى عن مكالمته.(1:197-199)

الماورديّ: و في الحسنة هاهنا ثلاثة تأويلات:

أحدها:البؤس و الرّخاء.[ثمّ نقل قولي ابن عبّاس و الحسن](1:508)

الزّمخشريّ: السّيّئة تقع على البليّة و المعصية، و الحسنة على النّعمة و الطّاعة،قال اللّه تعالى:

وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ السَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ الأعراف:168،و قال: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ هود:114.

و المعنى:و إن تصبهم نعمة من خصب و رخاء نسبوها إلى اللّه،و إن تصبهم بليّة من قحط و شدّة أضافوها إليك،و قالوا:هي من عندك،و ما كانت إلاّ بشؤمك،كما حكى اللّه عن قوم موسى: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَ مَنْ مَعَهُ الأعراف:131،و عن قوم صالح: قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَ بِمَنْ مَعَكَ النّمل:47.

و روي عن اليهود-لعنت-:أنّها تشاءمت برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فقالوا:منذ دخل المدينة نقصت ثمارها و غلت أسعارها.(1:545)

نحوه النّسفيّ(1:328)،و ابن كثير(2:343)، و الشّربينيّ(1:317)،و أبو السّعود(2:167)، و الكاشانيّ(1:437)،و البروسويّ(2:242)، و القاسميّ(5:1403)،و المراغيّ(5:96)،و فضل اللّه (7:362).

الطّبرسيّ: [نقل الأقوال السّابقة ثمّ قال:]

و قيل:هم المنافقون عبد اللّه بن أبيّ و أصحابه الّذين تخلّفوا عن القتال يوم أحد،و قالوا للّذين قتلوا في الجهاد:لو كانوا عندنا ما ماتوا و ما قتلوا.فعلى هذا يكون معناه إن يصبهم ظفر و غنيمة قالوا:هذا من عند اللّه،و إن يصبهم مكروه و هزيمة قالوا:هذه من عندك يا محمّد

ص: 155

بسوء تدبيرك،و هو المرويّ عن ابن عبّاس و قتادة.

و قيل:هو عامّ في اليهود و المنافقين،و هو الأصحّ.

و قيل:هو حكاية عمّن سبق ذكره قبل الآية،و هم الّذين يقولون:ربّنا لم كتبت علينا القتال؟

و تقديره:و إن تصب هؤلاء حسنة يقولوا:هذه من عند اللّه، وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ.

(2:78)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا حكى عن المنافقين كونهم متثاقلين عن الجهاد خائفين من الموت غير راغبين في سعادة الآخرة،حكى عنهم في هذه الآية خصلة أخرى قبيحة أقبح من الأولى.و في النّظم وجه آخر،و هو أنّ هؤلاء الخائفين من الموت المتثاقلين في الجهاد من عادتهم أنّهم إذا جاهدوا و قاتلوا فإن أصابوا راحة و غنيمة قالوا:هذه من عند اللّه،و إن أصابهم مكروه قالوا:هذا من شؤم مصاحبة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.و هذا يدلّ على غاية حمقهم و جهلهم و شدّة عنادهم،و في الآية مسائل:

المسألة الأولى:ذكروا في الحسنة و السّيّئة وجوها:

الأوّل:قال المفسّرون:كانت المدينة مملوءة من النّعم وقت مقدم الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،فلمّا ظهر عناد اليهود و نفاق المنافقين أمسك اللّه عنهم بعض الإمساك،كما جرت عادته في جميع الأمم،قال تعالى: وَ ما أَرْسَلْنا فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَبِيٍّ إِلاّ أَخَذْنا أَهْلَها بِالْبَأْساءِ وَ الضَّرّاءِ الأعراف:94،فعند هذا قال اليهود و المنافقون:ما رأينا أعظم شؤما من هذا الرّجل،نقصت ثمارنا و غلت أسعارنا منذ قدم.فقوله تعالى: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ... يعني الخصب و رخص السّعر و تتابع الأمطار قالوا:هذا من عند اللّه، وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ جدب و غلاء سعر قالوا:

هذا من شؤم محمّد،و هذا كقوله تعالى: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَ مَنْ مَعَهُ الأعراف:131،و عن قوم صالح: قالُوا اطَّيَّرْنا بِكَ وَ بِمَنْ مَعَكَ النّمل:47.

القول الثّاني:المراد من الحسنة:النّصر على الأعداء و الغنيمة،و من السّيّئة:القتل و الهزيمة.

قال القاضي:و القول الأوّل هو المعتبر،لأنّ إضافة الخصب و الغلاء إلى اللّه و كثرة النّعم و قلّتها إلى اللّه جائزة،أمّا إضافة النّصر و الهزيمة إلى اللّه فغير جائزة، لأنّ السّيّئة إذا كانت بمعنى الهزيمة و القتل لم يجز إضافتها إلى اللّه.

و أقول:القول كما قال على مذهبه،أمّا على مذهبنا فالكلّ داخل في قضاء اللّه و قدره.

المسألة الثّانية:اعلم أنّ السّيّئة تقع على البليّة و المعصية،و الحسنة على النّعمة و الطّاعة،قال تعالى:

وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ السَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ الأعراف:168،و قال: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ هود:114.

إذا عرفت هذا فنقول:قوله: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ... يفيد العموم في كلّ الحسنات،و كذلك قوله:

وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يفيد العموم في كلّ السّيّئات،ثمّ قال بعد ذلك: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ فهذا تصريح بأنّ جميع الحسنات و السّيّئات من اللّه،و لمّا ثبت بما ذكرنا أنّ الطّاعات و المعاصي داخلتان تحت اسم الحسنة

ص: 156

و السّيّئة،كانت الآية دالّة على أنّ جميع الطّاعات و المعاصي من اللّه،و هو المطلوب.

فإن قيل:المراد هاهنا بالحسنة و السّيّئة ليس هو الطّاعة و المعصية،و يدلّ عليه وجوه:

الأوّل:اتّفاق الكلّ على أنّ هذه الآية نازلة في معنى الخصب و الجدب فكانت مختصّة بهما.

الثّاني:أنّ الحسنة الّتي يراد بها الخير و الطّاعة لا يقال فيها:أصابتني،إنّما يقال:أصبتها،و ليس في كلام العرب أصابت فلانا حسنة بمعنى عمل خيرا،أو أصابته سيّئة بمعنى عمل معصية،فعلى هذا لو كان المراد ما ذكرتم لقال:

إن أصبتم حسنة.

الثّالث:لفظ الحسنة واقع بالاشتراك على الطّاعة و على المنفعة،و هاهنا أجمع المفسّرون على أنّ المنفعة مرادة،فيمتنع كون الطّاعة مرادة،ضرورة أنّه لا يجوز استعمال اللّفظ المشترك في مفهوميه معا.

فالجواب عن الأوّل:

أنّكم تسلّمون أنّ خصوص السّبب لا يقدح في عموم اللّفظ.

و الجواب عن الثّاني:أنّه يصحّ أن يقال:أصابني توفيق من اللّه و عون من اللّه،و أصابه خذلان من اللّه، و يكون مراده من ذلك التّوفيق و العون تلك الطّاعة، و من الخذلان تلك المعصية.

و الجواب عن الثّالث:أنّ كلّ ما كان منتفعا به فهو حسنة،فإن كان منتفعا به في الآخرة فهو الطّاعة،و إن كان منتفعا به في الدّنيا فهو السّعادة الحاضرة،فاسم الحسنة بالنّسبة إلى هذين القسمين متواطئ الاشتراك، فزال السّؤال،فثبت أنّ ظاهر الآية يدلّ على ما ذكرناه.

و ممّا يدلّ على أنّ المراد ليس إلاّ ذاك ما ثبت في «بداءة العقول»أنّ كلّ موجود فهو إمّا واجب لذاته،و إمّا ممكن لذاته،و الواجب لذاته واحد و هو اللّه سبحانه و تعالى،و الممكن لذاته كلّ ما سواه،فالممكن لذاته إن استغنى عن المؤثّر فسد الاستدلال بجواز العالم و حدوثه على وجود الصّانع،و حينئذ يلزم نفي الصّانع،و إن كان الممكن لذاته محتاجا إلى المؤثّر.فإذا كان كلّ ما سوى اللّه ممكنا كان كلّ ما سوى اللّه مستندا إلى اللّه،و هذا الحكم لا يختلف بأن يكون ذلك الممكن ملكا أو جمادا أو فعلا للحيوان أو صفة للنّبات،فإنّ الحكم لاستناد الممكن لذاته إلى الواجب لذاته لما بيّنّا من كونه ممكنا،كان الكلّ فيه على السّويّة.و هذا برهان أوضح و أبين من قرص الشّمس على أنّ الحقّ ما ذكره تعالى،و هو قوله: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ. (10:187)

نحوه القرطبيّ(5:284)،و الخازن(1:468).

الرّازيّ: فإن قيل:كيف عاب على المشركين و المنافقين قولهم: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ... و ردّ عليهم،ذلك بقوله: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ثمّ قال بعد ذلك: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ... النّساء:79،و أخبره بعين قولهم المردود عليهم؟

قلنا:قيل:إنّ الثّاني حكاية قولهم أيضا،و فيه إضمار تقديره: فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً النّساء:78،فيقولون: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ....

و قيل:معناه ما أصابك أيّها الإنسان من حسنة،أي

ص: 157

رخاء و نعمة فمن فضل اللّه،و ما أصابك من سيّئة،أي قحط و شدّة فبشؤم فعلك و معصيتك لا بشؤم محمّد عليه الصّلاة و السّلام.كما زعم المشركون،و يؤيّده قوله تعالى: وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ... الشّورى:30.

فإن قيل:كيف قيل:إنّ الشّرّ و المعصية بإرادة اللّه، و اللّه تعالى يقول: وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ النّساء:79.

قلنا:ليس المراد بالحسنة و السّيّئة:الطّاعة و المعصية،بل القحط و الرّخاء و النّصر و الهزيمة،على ما اختلف فيه العلماء،أ لا ترى أنّه قال:(ما اصابك)و لم يقل:ما عملت من سيّئة.(51)

البيضاويّ: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ... كما تقع الحسنة و السّيّئة على الطّاعة و المعصية،يقعان على النّعمة و البليّة،و هما المراد في الآية.[ثمّ أضاف نحو الفرّاء](1:231)

أبو حيّان :[ذكر قول ابن عبّاس و الحسن و السّدّيّ ثمّ قال:]

و الظّاهر أنّه للمنافقين،لأنّ مثل هذا لا يصدر من مؤمن،و اليهود لم يكونوا في طاعة الإسلام حتّى يكتب عليهم القتال.[ثمّ أدام نحو الفرّاء](3:300)

الثّعالبيّ: الضّمير في(تصبهم)عائد على اَلَّذِينَ قِيلَ لَهُمْ كُفُّوا أَيْدِيَكُمْ النّساء:76،و هذا يدلّ على أنّهم المنافقون،لأنّ المؤمنين لا تليق بهم هذه المقالة، و لأنّ اليهود لم يكونوا للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم تحت أمر فتصيبهم بسببه أسواء.

و المعنى إن تصب هؤلاء المنافقين حسنة من غنيمة أو غير ذلك،رأوا أنّ ذلك بالاتّفاق من صنع اللّه، لا ببركة اتّباعك و الإيمان بك، وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ أي هزيمة أو شدّة جوع أو غير ذلك،قالوا:هذه بسببك، و قوله: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ إعلام من اللّه سبحانه أنّ الخير و الشّرّ و الحسنة و السّيّئة خلق له،و من عنده لا ربّ غيره،و لا خالق و لا مخترع سواه.

و المعنى قل يا محمّد لهؤلاء.ثمّ وبّخهم سبحانه بالاستفهام عن علّة جهلهم،و قلّة فهمهم و تحصيلهم لما يخبرون به من الحقائق.(1:368)

الآلوسيّ: [نقل الأقوال السّابقة ثمّ قال:]

و قيل:نزلت فيمن تقدّم و ليس بالصّحيح،و صحّح غير واحد أنّها نزلت في اليهود و المنافقين جميعا،لمّا تشاءموا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حين قدم المدينة و قحطوا.

و على هذا فالمتبادر من الحسنة و السّيّئة هنا:النّعمة و البليّة،و قد شاع استعمالها في ذلك،كما شاع استعمالها في الطّاعة و المعصية.و إلى هذا ذهب كثير من المحقّقين، و أيّد بإسناد الإصابة إليهما بل جعله صاحب«الكشف» دليلا بيّنا عليه،و بأنّه أنسب بالمقام لذكر الموت و السّلامة قبل.(5:88)

رشيد رضا :الحسنة:ما يحسن عند صاحبه كالرّخاء و الخصب و الظّفر و الغنيمة،كانوا يضيفون الحسنة إلى اللّه تعالى لا بشعور التّوحيد الخالص بل غرورا بأنفسهم،و زعما منهم أنّ اللّه أكرمهم بها عناية بهم، و هروبا من الإقرار بأنّ شيئا من ذلك أثر ما جاءهم به الرّسول من الهداية،و ما حاطهم به من التّربية و الرّعاية،

ص: 158

و لذلك كانوا ينسبون إليه السّيّئة و هو صلّى اللّه عليه و سلّم بريء من أسبابها،دع إيجادها و إيقاعها.(5:267)

عزّة دروزة :(حسنة)هنا بمعنى النّعمة و الخير و الخصب و النّصر.(9:113)

الطّباطبائيّ: جملتان أخريان من هفواتهم حكاهما اللّه تعالى عنهم،و أمر نبيّه صلّى اللّه عليه و آله أن يجيبهم عنهما ببيان حقيقة الأمر فيما يصيب الإنسان من حسنة و سيّئة.

و اتّصال السّياق يقضي بكون الضّعفاء-المتقدّم ذكرهم-من المؤمنين هم القائلون ذلك،قالوا ذلك بلسان حالهم أو مقالهم،و لا بدع في ذلك فإنّ موسى أيضا جبّه بمثل هذا المقال،كما حكى اللّه سبحانه ذلك بقوله: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَ مَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللّهِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ الأعراف:131،و هو مأثور عن سائر الأمم في خصوص أنبيائهم،و هذه الأمّة في معاملتهم نبيّهم لا يقصرون عن سائر الأمم،و قد قال تعالى: تَشابَهَتْ قُلُوبُهُمْ البقرة:118،و هم مع ذلك أشبه الأمم ببني إسرائيل،و قد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«إنّهم لا يدخلون جحر ضبّ إلاّ دخلتموه»و قد تقدّم نقل الرّوايات في ذلك من طرق الفريقين.

و قد تمحّل في الآيات أكثر المفسّرين بجعلها نازلة في خصوص اليهود أو المنافقين أو الجميع من اليهود و المنافقين،و أنت ترى أنّ السّياق يدفعه.

و كيف كان فالآية تشهد بسياقها على أنّ المراد بالحسنة و السّيّئة:ما يمكن أن يسند إلى اللّه سبحانه،و قد أسندوا قسما منه إلى اللّه تعالى و هو الحسنة،و قسما إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هو السّيّئة،فهذه الحسنات و السّيّئات هي الحوادث الّتي كانت تستقبلهم بعد ما أتاهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و أخذ في ترفيع مباني الدّين و نشر دعوته وصيته بالجهاد،فهي الفتح و الظّفر و الغنيمة فيما غلبوا فيه من الحروب و المغازي،و القتل و الجرح و البلوى في غير ذلك،و إسنادهم السّيّئات إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في معنى التّطيّر به،أو نسبة ضعف الرّأي و رداءة التّدبير إليه.

فأمر تعالى نبيّه صلّى اللّه عليه و آله بأن يجيبهم بقوله: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ فإنّها حوادث و نوازل ينظّمها ناظم النّظام الكونيّ،و هو اللّه وحده لا شريك له؛إذ الأشياء إنّما تنقاد في وجودها و بقائها جميع ما يستقبلها من الحوادث له تعالى لا غير،على ما يعطيه تعليم القرآن.

ثمّ استفهم استفهام متعجّب من جمود فهمهم و خمود فطنتهم من فقه هذه الحقيقة و فهمها،فقال: فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً.

ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ، لمّا ذكر أنّهم لا يكادون يفقهون حديثا ثمّ أراد بيان حقيقة الأمر،صرف الخطاب عنهم لسقوط فهمهم،و وجّه وجه الكلام إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و بيّن حقيقة ما يصيبه من حسنة أو سيّئة لذاك الشّأن،و ليس للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في نفسه خصوصيّة في هذه الحقيقة الّتي هي من الأحكام الوجوديّة الدّائرة بين جميع الموجودات، و لا أقلّ بين جميع الأفراد من الإنسان من مؤمن أو كافر، أو صالح أو طالح،و نبيّ أو من دونه.

فالحسنات و هي الأمور الّتي يستحسنها الإنسان بالطّبع كالعافية و النّعمة و الأمن و الرّفاهية،كلّ ذلك من

ص: 159

اللّه سبحانه،و السّيّئات و هي الأمور الّتي تسوء الإنسان كالمرض و الذّلّة و المسكنة و الفتنة،كلّ ذلك يعود إلى الإنسان لا إليه سبحانه.فالآية قريبة مضمونا من قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ وَ أَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ الأنفال:53، و لا ينافي ذلك رجوع جميع الحسنات و السّيّئات بنظر كلّيّ آخر إليه تعالى،كما سيجيء بيانه.

كلام في استناد الحسنات و السّيّئات

إليه تعالى

يشبه أن يكون الإنسان أوّل ما تنبّه على معنى الحسن،تنبّه عليه من مشاهدة الجمال في أبناء نوعه الّذي هو اعتدال الخلقة،و تناسب نسب الأعضاء و خاصّة في الوجه،ثمّ في سائر الأمور المحسوسة من الطّبيعيّات، و يرجع بالآخرة إلى موافقة الشّيء لما يقصد من نوعه طبعا.

فحسن وجه الإنسان كون كلّ من العين و الحاجب و الأذن و الأنف و الفم و غيرها على حال أو صفة،ينبغي أن يركّب في نفسه عليها،و كذا نسبة بعضها إلى بعض، و حينئذ تنجذب النّفس و يميل الطّبع إليه،و يسمّى كون الشّيء على خلاف هذا الوصف بالسّوء و المساءة و القبح،على اختلاف الاعتبارات الملحوظة،فالمساءة معنى عدميّ،كما أنّ الحسن معنى وجوديّ.

ثمّ عمّم ذلك إلى الأفعال و المعاني الاعتباريّة و العناوين المقصودة في ظرف الاجتماع؛من حيث ملاءمتها لغرض الاجتماع،و هو سعادة الحياة الإنسانيّة أو التّمتّع من الحياة،و عدم ملاءمتها فالعدل حسن، و الإحسان إلى مستحقّه حسن،و التّعليم و التّربية و النّصح و ما أشبه ذلك في مواردها حسنات،و الظّلم و العدوان و ما أشبه ذلك سيّئات قبيحة،لملاءمة القبيل الأوّل لسعادة الإنسان،أو لتمتّعه التّامّ في ظرف اجتماعه و عدم ملاءمته القبيل الثّاني لذلك.و هذا القسم من الحسن و ما يقابله تابع للفعل الّذي يتّصف به من حيث ملاءمته لغرض الاجتماع،فمن الأفعال ما حسنه دائميّ ثابت إذا كان ملاءمته لغاية الاجتماع و غرضه كذلك كالعدل،و منها ما قبحه كذلك كالظّلم.

و من الأفعال ما يختلف حاله بحسب الأحوال و الأوقات و الأمكنة أو المجتمعات،فالضّحك و الدّعابة حسن عند الخلاّن لا عند الأعاظم،و في محافل السّرور دون المآتم،و دون المساجد و المعابد،و الزّنى و شرب الخمر حسن عند الغربيّين دون المسلمين.

و لا تصغ إلى قول من يقول:إنّ الحسن و القبح مختلفان متغيّران مطلقا من غير ثبات و لا دوام و لا كلّيّة، و يستدلّ على ذلك في مثل العدل و الظّلم،بأنّ ما هو عدل عند أمّة بإجراء أمور من مقرّرات اجتماعيّة،غير ما هو عدل عند أمّة أخرى بإنفاذ مقرّرات أخرى اجتماعيّة، فلا يستقرّ معنى العدل على شيء معيّن،فالجلد للزّاني عدل في الإسلام و ليس كذلك عند الغربيّين،و هكذا.

و ذلك أنّ هؤلاء قد اختلط عليهم الأمر،و اشتبه المفهوم عندهم بالمصداق،و لا كلام لنا مع من هذا مبلغ فهمه.

و الإنسان على حسب تحوّل العوامل المؤثّرة في

ص: 160

الاجتماعات،يرضى بتغيير جميع أحكامه الاجتماعيّة دفعة أو تدريجا،و لا يرضى قطّ بأن يسلب عنه وصف العدل،و يسمّى ظالما و لا بأن يجد ظلما لظالم إلاّ مع الاعتذار عنه،و للكلام ذيل طويل يخرجنا الاشتغال به عن ما هو أهمّ منه.

ثمّ عمّم معنى الحسن و القبح لسائر الحوادث الخارجيّة الّتي تستقبل الإنسان مدى حياته.على حسب تأثير مختلف العوامل،و هي الحوادث الفرديّة أو الاجتماعيّة الّتي منها ما يوافق آمال الإنسان،و يلائم سعادته في حياته الفرديّة أو الاجتماعيّة،من عافية أو صحّه أو رخاء،و تسمّى:حسنات،و منها ما ينافي ذلك كالبلايا و المحن،من فقر أو مرض أو ذلّة أو إسارة و نحو ذلك،و تسمّى:سيّئات.

فقد ظهر ممّا تقدّم أنّ الحسنة و السّيّئة يتّصف بهما الأمور أو الأفعال من جهة إضافتها إلى كمال نوع أو سعادة فرد أو غير ذلك،فالحسن و القبح وصفان إضافيّان،و إن كانت الإضافة في بعض الموارد ثابتة لازمة،و في بعضها متغيّرة كبذل المال الّذي هو حسن بالنّسبة إلى مستحقّه و سيّئ بالنّسبة إلى غير المستحقّ.

و أنّ الحسن أمر ثبوتيّ دائما و المساءة و القبح معنى عدميّ،و هو فقدان الأمر صفة الملاءمة و الموافقة المذكورة،و إلاّ فمتن الشّيء أو الفعل مع قطع النّظر عن الموافقة و عدم الموافقة المذكورين واحد،من غير تفاوت فيه أصلا.

فالزّلزلة و السّيل الهادم إذا حلاّ ساحة قوم كانا نعمتين حسنتين لأعدائهم،و هما نازلتان سيّئتان عليهم أنفسهم و كلّ بلاء عامّ في نظر الدّين سرّاء إذا نزل بالكفّار المفسدين في الأرض أو الفجّار العتاة،و هو بعينه ضرّاء إذا نزل بالأمّة المؤمنة الصّالحة.

و أكل الطّعام حسن مباح إذا كان من مال آكله مثلا، و هو بعينه سيّئة محرّمة إذا كان من مال الغير من غير رضى منه،لفقدانه امتثال النّهي الوارد عن أكل مال الغير بغير رضاه،أو امتثال الأمر الوارد بالاقتصار على ما أحلّ اللّه.و المباشرة بين الرّجل و المرأة حسنة مباحة إذا كان عن ازدواج مثلا،و سيّئة محرّمة إذا كان سفاحا،من غير نكاح،لفقدانه موافقة التّكليف الإلهيّ،فالحسنات عناوين وجوديّة في الأمور و الأفعال،و السّيّئات عناوين عدميّة فيهما،و متن الشّيء المتّصف بالحسن و السّوء واحد.

و الّذي يراه القرآن الشّريف أنّ كلّ ما يقع عليه اسم الشّيء ما خلا اللّه-عزّ اسمه-مخلوق للّه،قال تعالى:

اَللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ الزّمر:62،و قال تعالى: وَ خَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً الفرقان:2،و الآيتان تثبتان الخلقة في كلّ شيء،ثمّ قال تعالى: اَلَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ السّجدة:7،فأثبت الحسن لكلّ مخلوق، و هو حسن لازم للخلقة غير منفكّ عنها يدور مدارها.

فكلّ شيء له حظّ من الحسن على قدر حظّه من الخلقة و الوجود،و التّأمّل في معنى الحسن-على ما تقدّم- يوضّح ذلك مزيد إيضاح،فإنّ الحسن موافقة الشّيء و ملاءمته للغرض المطلوب و الغاية المقصودة منه، و أجزاء الوجود و أبعاض هذا النّظام الكونيّ متلائمة متوافقة،و حاشا ربّ العالمين أن يخلق ما تتنافى أجزاؤه،

ص: 161

و يبطل بعضه بعضا فيخلّ بالغرض المطلوب،أو يعجزه تعالى أو يبطل ما أراده من هذا النّظام العجيب الّذي يبهت العقل و يحيّر الفكرة.و قد قال تعالى: هُوَ اللّهُ الْواحِدُ الْقَهّارُ الزّمر:4،و قال تعالى: وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ الأنعام:18،و قال تعالى: وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ إِنَّهُ كانَ عَلِيماً قَدِيراً فاطر:44،فهو تعالى لا يقهره شيء و لا يعجزه شيء في ما يريده من خلقه و يشاؤه في عباده.

فكلّ نعمة حسنة في الوجود منسوبة إليه تعالى، و كذلك كلّ نازلة سيّئة إلاّ أنّها في نفسها،أي بحسب أصل النّسبة الدّائرة بين الموجودات المخلوقة منسوبة إليه تعالى،و إن كانت بحسب نسبة أخرى سيّئة،و هذا هو الّذي يفيده قوله تعالى: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً النّساء:78،و قوله: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَ مَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللّهِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ الأعراف:131،إلى غير ذلك من الآيات.

و أمّا جهة السّيّئة فالقرآن الكريم يسندها في الإنسان إلى نفس الإنسان،بقوله تعالى في هذه السّورة:

ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ النّساء:79،و قوله تعالى: وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ الشّورى:30،و قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ لا يُغَيِّرُ ما بِقَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ الرّعد:11،و قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ الأنفال:53،و غيرها من الآيات.

و توضيح ذلك أنّ الآيات السّابقة كما عرفت تجعل هذه النّوازل السّيّئة كالحسنات أمورا حسنة في خلقتها، فلا يبقى لكونها سيّئة،إلاّ أنّها لا تلائم طباع بعض الأشياء الّتي تتضرّر بها،فيرجع الأمر بالأخرة إلى أنّ اللّه لم يجد لهذه الأشياء المبتلاة المتضرّرة بما تطلبه و تشتاق إليه بحسب طباعها،فإمساك الجود هذا هو الّذي يعدّ بليّة سيّئة بالنّسبة إلى هذه الأشياء المتضرّرة،كما يوضّحه كلّ الإيضاح قوله تعالى: ما يَفْتَحِ اللّهُ لِلنّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها وَ ما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ فاطر:2.

ثمّ بيّن تعالى أنّ إمساك الجود عمّا أمسك عنه أو الزّيادة و النّقيصة في إفاضة رحمته،إنّما يتّبع أو يوافق مقدار ما يسعه ظرفه،و ما يمكنه أن يستوفيه من ذلك، قال تعالى فيما ضربه من المثل: أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها الرّعد:17،و قال: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ عِنْدَنا خَزائِنُهُ وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ الحجر:21،فهو تعالى إنّما يعطي على قدر ما يستحقّه الشّيء و على ما يعلم من حاله،قال: أَ لا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَ هُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ الملك:14.

و من المعلوم أنّ النّعمة و النّقمة و البلاء و الرّخاء بالنّسبة إلى كلّ شيء ما يناسب خصوص حاله،كما يبيّنه قوله تعالى: وَ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها البقرة:148، فإنّما يولّي كلّ شيء و يطلب وجهته الخاصّة به و غايته

ص: 162

الّتى تناسب حاله.

و من هنا يمكنك أن تحدس أنّ السّرّاء و الضّرّاء و النّعمة و البلاء بالنّسبة إلى هذا الإنسان الّذي يعيش في ظرف الاختيار-في تعليم القرآن-أمور مرتبطة باختياره،فإنّه واقع في صراط ينتهي به بحسن السّلوك و عدمه إلى سعادته و شقائه،كلّ ذلك من سنخ ما لاختياره فيه مدخل.

و القرآن الكريم يصدّق هذا الحدس،قال تعالى:

ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ الأنفال:53،فلما في أنفسهم من النّيّات الطّاهرة و الأعمال الصّالحة دخل في النّعمة الّتي خصّوا بها،فإذا غيّروا غيّر اللّه بإمساك رحمته،و قال:

وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ الشّورى:30،فلأعمالهم تأثير في ما ينزل بهم من النّوازل و يصيبهم من المصائب،و اللّه يعفو عن كثير منها.

و قال تعالى: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ... النّساء:79

و إيّاك أن تظنّ أنّ اللّه سبحانه حين أوحى،هذه الآية إلى نبيّه صلّى اللّه عليه و آله نسي الحقيقة الباهرة الّتي أبانها بقوله:

اَللّهُ خالِقُ كُلِّ شَيْءٍ الزّمر:62،و قوله: اَلَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ السّجدة:7،فعدّ كلّ شيء مخلوقا لنفسه حسنا في نفسه،و قد قال: وَ ما كانَ رَبُّكَ نَسِيًّا مريم:64،و قال: لا يَضِلُّ رَبِّي وَ لا يَنْسى طه:52،فمعنى قوله: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ...

النّساء:79،أنّ ما أصابك من حسنة-و كلّ ما أصابك حسنة-فمن اللّه،و ما أصابك من سيّئة فهي سيّئة بالنّسبة إليك؛حيث لا يلائم ما تقصده و تشتهيه و إن كانت في نفسها حسنة،فإنّما جرّتها إليك نفسك باختيارها السّيّئ،و استدعتها كذلك من اللّه،فاللّه أجلّ من أن يبدأك بشرّ أو ضرّ.

و الآية كما تقدّم و إن كانت خصّت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالخطاب،لكنّ المعنى عامّ للجميع،و بعبارة أخرى هذه الآية كالآيتين الأخريين ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً... وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ... متكفّلة للخطاب الاجتماعيّ كتكفّلها للخطاب الفرديّ،فإنّ للمجتمع الإنسانيّ كينونة إنسانيّة و إرادة و اختيارا غير ما للفرد من ذلك.

فالمجتمع ذو كينونة يستهلك فيها الماضون و الغابرون من أفراده،و يؤاخذ متأخّروهم بسيّئات المتقدّمين، و الأموات بسيّئات الأحياء،و الفرد غير المقدم بذنب المقترفين للذّنوب و هكذا،و ليس يصحّ ذلك في الفرد بحسب حكمه في نفسه أبدا،و قد تقدّم شطر من هذا الكلام في بحث أحكام الأعمال في الجزء الثّاني من هذا الكتاب.

فهذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أصيب في غزوة أحد في وجهه و ثناياه،و أصيب المسلمون بما أصيبوا،و هو صلّى اللّه عليه و آله نبيّ معصوم،إن أسند ما أصيب به إلى مجتمعه و قد خالفوا أمر اللّه و رسوله،كان ذلك مصيبة سيّئة أصابته بما كسبت أيدي مجتمعه و هو فيهم،و إن أسند إلى شخصه الشّريف،كان ذلك محنة إلهيّة أصابته في سبيل اللّه،و في طريق دعوته الطّاهرة إلى اللّه على بصيرة،فإنّما هي نعمة

ص: 163

رافعة للدّرجات.

و كذا كلّ ما أصاب قوما من السّيّئات إنّما تستند إلى أعمالهم على ما يراه القرآن،و لا يرى إلاّ الحقّ،و أمّا ما أصابهم من الحسنات فمن اللّه سبحانه.

نعم هاهنا آيات أخر ربّما نسبت إليهم الحسنات بعض النّسبة،كقوله تعالى: وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرى آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَفَتَحْنا عَلَيْهِمْ بَرَكاتٍ مِنَ السَّماءِ الأعراف:

96،و قوله: وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمّا صَبَرُوا وَ كانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ السّجدة:24،و قوله:

وَ أَدْخَلْناهُمْ فِي رَحْمَتِنا إِنَّهُمْ مِنَ الصّالِحِينَ الأنبياء:

86،و الآيات في هذا المعنى كثيرة جدّا.

إلاّ أنّ اللّه سبحانه يذكر في كلامه أنّ شيئا من خلقه لا يقدر على شيء ممّا يقصده من الغاية،و لا يهتدي إلى خير إلاّ بإقدار اللّه و هدايته،قال تعالى: اَلَّذِي أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى طه:50،و قال تعالى: وَ لَوْ لا فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ رَحْمَتُهُ ما زَكى مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَداً النّور:21،و يتبيّن بهاتين الآيتين و ما تقدّم معنى آخر لكون الحسنات للّه عزّ اسمه،و هو أنّ الإنسان لا يملك حسنة إلاّ بتمليك من اللّه و إيصال منه،فالحسنات كلّها للّه و السّيّئات للإنسان،و به يظهر معنى قوله تعالى:

ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ... النّساء:79.

فللّه سبحانه الحسنات بما أنّ كلّ حسن مخلوق له، و الخلق و الحسن لا ينفكّان،و له الحسنات بما أنّها خيرات،و بيده الخير لا يملكه غيره إلاّ بتمليكه، و لا ينسب إليه شيء من السّيّئات،فإنّ السّيّئة من حيث إنّها سيّئة غير مخلوقة و شأنه الخلق،و إنّما السّيّئة فقدان الإنسان مثلا رحمة من لدنه تعالى أمسك عنها بما قدّمته أيدي النّاس.و أمّا الحسنة و السّيّئة بمعنى الطّاعة و المعصية فقد تقدّم الكلام في نسبتهما إلى اللّه سبحانه،في الكلام على قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً البقرة:26،في الجزء الأوّل من هذا الكتاب.

و أنت لو راجعت التّفاسير في هذا المقام وجدت من شتات القول،و مختلف الآراء و الأهواء و أقسام الإشكالات ما يبهتك،و أرجو أن يكون فيما ذكرناه كفاية للمتدبّر في كلامه تعالى،و عليك في هذا البحث بتفكيك جهات البحث بعضها عن بعض،و تفهّم ما يتعارفه القرآن من معنى الحسنة و السّيّئة،و النّعمة و النّقمة، و الفرق بين شخصيّة المجتمع و الفرد،حتّى يتّضح لك مغزى الكلام.(5:8-15)

4- ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ... النّساء:79

ابن عبّاس: الحسنة:ما فتح اللّه عليه يوم بدر، و ما أصابه من الغنيمة و الفتح،و السّيّئة:ما أصابه يوم أحد،أن شجّ في وجهه،و كسرت رباعيّته.

(الطّبريّ 5:175)

مثله الحسن(الماورديّ 1:509)،و نحوه مقاتل (1:391).

مخاطبة من اللّه تعالى للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و المراد به:أصحابه، و النّبيّ من ذلك بريء.(الواحديّ 2:84) أبو العالية :إنّ الحسنة:الطّاعة،و السّيّئة:

ص: 164

المعصية.(الماورديّ 1:509)

مثله أبو القاسم.(الطّوسيّ 3:265)

الحسنة:النّعمة،و السّيّئة:البليّة.

(ابن الجوزيّ 2:139)

نحوه ابن قتيبة.(130)

قتادة :أنّه متوجّه إلى الإنسان،و تقديره:ما أصابك أيّها الإنسان من حسنة فمن اللّه.

(الماورديّ 1:508)

نحوه الجبّائيّ.(الطّوسيّ 3:265)

الجبّائيّ: النّعمة،و المصيبة.(الطّوسيّ 3:265)

الطّبريّ: ما يصيبك يا محمّد من رخاء و نعمة و عافية و سلامة،فمن فضل اللّه عليك،يتفضّل به عليك، إحسانا منه إليك.(5:175)

الزّجّاج: هذا خطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يراد به الخلق، و مخاطبة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قد تكون للنّاس جميعا،لأنّه عليه السّلام لسانهم،و الدّليل على ذلك قوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ... الطّلاق:1،فنادى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم وحده، و صار الخطاب شاملا له و لسائر أمّته،فمعنى ما أصابك من حسنة فمن اللّه،أي ما أصبتم من غنيمة أو أتاكم من خصب فمن تفضّل اللّه؛ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ، أي من جدب أو غلبة في حرب فمن نفسك،أي أصابكم ذلك بما كسبتم،كما قال جلّ و عزّ: وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ... الشّورى:30.(2:79)

نحوه ابن عطيّة.(2:82)

أبو مسلم الأصفهانيّ: لمّا جدّوا في القتال يوم بدر و أطاعوا اللّه آتاهم النّصر،و لمّا خالفوا يوم أحد خلّي بينهم فهزموا.(الطّبرسيّ 2:79)

ابن الأنباريّ: ما أصابك اللّه من حسنة، و ما أصابك اللّه به من سيّئة،فالفعلان يرجعان إلى اللّه عزّ و جلّ.(ابن الجوزيّ 2:138)

النّحّاس: [نحو الزّجّاج و قال:]من خصب و رخاء.

(2:135)

الثّعلبيّ: مِنْ حَسَنَةٍ أي من خير و نعمة، ...مِنْ سَيِّئَةٍ أي بليّة و أمر تكرهه، فَمِنْ نَفْسِكَ أي من عندك و أنا الّذي قدّرتهما عليك،الخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و المراد به غيره،نظيره قوله: وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ الشّورى:30.

(3:347)

مثله البغويّ(1:665)،و نحوه ابن كثير(2:344)، و البروسويّ(2:242)،و القاسميّ(5:1405).

الماورديّ: اختلف في المراد بهذا الخطاب على ثلاثة أقاويل:

أحدها:أنّ الخطاب متوجّه إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و هو المراد به.[و ذكر قولي الزّجّاج و قتادة ثمّ قال:]

و في الحسنة و السّيّئة هاهنا ثلاثة أقاويل:

أحدها:أنّ الحسنة:النّعمة في الدّين و الدّنيا، و السّيّئة:المصيبة في الدّين و الدّنيا،و هذا قول بعض البصريّين.[ثمّ نقل قولي ابن عبّاس و أبي العالية]

(1:508)

الطّوسيّ: و قيل في معنى الحسنة و السّيّئة هاهنا قولان:

ص: 165

أحدهما:[ذكر قولي ابن عبّاس و الجبّائيّ و قال:]

و يدخل في النّعمة نعمة الدّنيا و الدّين،و في المصيبة مصائب الدّنيا و الدّين،إلاّ أنّ أحدهما من عمل العبد للطّاعة،و ما جرّ إليه ذلك العمل،و الآخر:من عمل العبد للمعصية،و ما جرّ إليه عمله لها.و هذا يوافق الأوّل الّذي حكيناه عمّن تقدّم.[قول ابن عبّاس و الحسن]

و الثّاني:أنّ الحسنة،و السّيّئة:الطّاعة و المعصية- ذكره أبو العالية،و أبو القاسم-و يكون المعنى:أنّ الحسنة الّتي هي الطّاعة بإقدار اللّه،و ترغيبه فيها،و لطفه لها، و السّيّئة بخذلانه على وجه العقوبة له على المعاصي المقدّمة...(3:265)

القشيريّ: ما أصابك من حسنة فمن اللّه فضلا، و ما أصابك من سيّئة فمن نفسك كسبا،و كلاهما من اللّه سبحانه خلقا.(2:44)

الواحديّ: [نقل بعض الأقوال المتقدّمة و قال:]

و لا تعلّق للقدريّة بهذه الآية،لأنّ الحسنة و السّيّئة المذكورتين هاهنا لا ترجعان إلى الطّاعة و المعصية و اكتساب العباد بحال،لأنّ الحسنة الّتي يراد بها الخير و الطّاعة لا يقال فيها:أصابتني،إنّما يقال:أصبتها.

و ليس في كلام العرب:أصابت فلانا حسنة،على معنى عمل خيرا،و كذلك:أصابته سيّئة،على معنى عمل معصية،غير موجود في كلامهم،إنّما يقولون:أصاب سيّئة،إذا عملها و اكتسبها.(2:84)

الزّمخشريّ: ما أَصابَكَ يا إنسان خطابا عامّا، مِنْ حَسَنَةٍ أي من نعمة و إحسان فَمِنَ اللّهِ تفضّلا منه و إحسانا و امتنانا و امتحانا، وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ أي من بليّة و مصيبة فَمِنْ نَفْسِكَ لأنّك السّبب فيها بما اكتسبت يداك وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ الشّورى:30.

(1:546)

نحوه البيضاويّ(1:231)،و النّسفيّ(1:238)، و الشّربينيّ(1:318).

الطّبرسيّ: [ذكر بعض الأقوال المتقدّمة ثمّ قال:]

و قيل:الحسنة:النّعمة و الرّخاء،و السّيّئة:القحط و المرض و البلاء و المكاره و اللّأواء و الشّدائد الّتي تصيبهم في الدّنيا،بسبب المعاصي الّتي يفعلونها،و ربّما يكون لطفا و ربّما يكون على سبيل العقوبة.و إنّما سمّاها (سيّئة)مجازا لأنّ الطّبع ينفر عنها،و إن كانت أفعالا حسنة غير قبيحة.

فيكون المعنى على هذا:ما أصابك من الصّحّة و السّلامة و سعة الرّزق و جميع نعم الدّين و الدّنيا فمن اللّه، و ما أصابك من المحن و الشّدائد و الآلام و المصائب فبسبب ما تكسبه من الذّنوب،كما قال: وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ الشّورى:30.(2:79)

ابن الجوزيّ: [نقل الأقوال و قال بعد قول أبي العالية و ابن قتيبة:]

و هو أصحّ،لأنّ الآية عامّة.(2:138)

الفخر الرّازيّ: قال أبو عليّ الجبّائيّ:قد ثبت أنّ لفظ:«السّيّئة»تارة يقع على البليّة و المحنة،و تارة يقع على الذّنب و المعصية،ثمّ إنّه تعالى أضاف«السّيّئة»إلى نفسه في الآية الأولى بقوله: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ

ص: 166

و أضافها في هذه الآية إلى العبد بقوله: وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ فلا بدّ من التّوفيق بين هاتين الآيتين و إزالة التّناقض عنهما.و لمّا كانت السّيّئة بمعنى البلاء و الشّدّة مضافة إلى اللّه وجب أن تكون السّيّئة بمعنى المعصية مضافة إلى العبد،حتّى يزول التّناقض بين هاتين الآيتين المتجاورتين.قال:و قد حمل المخالفون أنفسهم على تغيير الآية و قرءوا(فمن تعسك)فغيّروا القرآن و سلكوا مثل طريقة الرّافضة من ادّعاء التّغيير في القرآن.[و كانوا شرذمة قليلة انقرضوا]

فإن قيل:فلما ذا فصل تعالى بين الحسنة و السّيّئة في هذه الآية،فأضاف الحسنة الّتي هي الطّاعة إلى نفسه دون السّيّئة،و كلاهما فعل العبد عندكم؟

قلنا:لأنّ«الحسنة»و إن كانت من فعل العبد فإنّما وصل إليها بتسهيله تعالى و ألطافه،فصحّت الإضافة إليه.و أمّا«السّيّئة»الّتي هي من فعل العبد فهي غير مضافة إلى اللّه تعالى،لا بأنّه تعالى فعلها و لا بأنّه أرادها، و لا بأنّه أمر بها،و لا بأنّه رغب فيها،فلا جرم انقطعت إضافة هذه«السّيّئة»من جميع الوجوه إلى اللّه تعالى.

هذا منتهى كلام الرّجل في هذا الموضع.

و نحن نقول:هذه الآية دالّة على أنّ الإيمان حصل بتخليق اللّه تعالى،و القوم لا يقولون به،فصاروا محجوجين بالآية.

إنّما قلنا:إنّ الآية دالّة على ذلك،لأنّ الإيمان حسنة، و كلّ حسنة فمن اللّه.

إنّما قلنا:إنّ الإيمان حسنة،لأنّ الحسنة هي الغبطة الخالية عن جميع جهات القبح،و لا شكّ أنّ الإيمان كذلك،فوجب أن يكون حسنة،لأنّهم اتّفقوا على أنّ قوله: وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللّهِ فصّلت:33، المراد به كلمة الشّهادة،و قيل:في قوله: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ النّحل:90،قيل:هو لا إله إلاّ اللّه، فثبت أنّ الإيمان حسنة.و إنّما قلنا:إنّ كلّ حسنة من اللّه، لقوله تعالى: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ و قوله:

ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ يفيد العموم في جميع الحسنات، ثمّ حكم على كلّها بأنّها من اللّه،فيلزم من هاتين المقدّمتين،أعني أنّ الإيمان حسنة،و كلّ حسنة من اللّه، القطع بأنّ الإيمان من اللّه.

فإن قيل:لم لا يجوز أن يكون المراد من كون الإيمان من اللّه هو أنّ اللّه أقدره عليه و هداه إلى معرفة حسنه.

و إلى معرفة قبح ضدّه الّذي هو الكفر؟

قلنا:جميع الشّرائع مشتركة بالنّسبة إلى الإيمان و الكفر عندكم،ثمّ إنّ العبد باختيار نفسه أوجد الإيمان، و لا مدخل لقدرة اللّه و إعانته في نفس الإيمان.فكان الإيمان منقطعا عن اللّه في كلّ الوجوه،فكان هذا مناقضا لقوله: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ فثبت بدلالة هذه الآية أنّ الإيمان من اللّه،و الخصوم لا يقولون به، فصاروا محجوجين في هذه المسألة.

ثمّ إذا أردنا أن نبيّن أنّ الكفر أيضا من اللّه،قلنا:فيه وجوه:

الأوّل:أنّ كلّ من قال:الإيمان من اللّه،قال:الكفر من اللّه،فالقول:بأنّ أحدهما من اللّه دون الآخر مخالف لإجماع الأمّة.

الثّاني:أنّ العبد لو قدر على تحصيل الكفر فالقدرة

ص: 167

الصّالحة لإيجاد الكفر إمّا أن تكون صالحة لإيجاد الإيمان أو لا تكون.فإن كانت صالحة لإيجاد الإيمان فحينئذ يعود القول في أنّ إيمان العبد منه،و إن لم تكن صالحة لإيجاد الإيمان فحينئذ يكون القادر على الشّيء غير قادر على ضدّه؛و ذلك عندهم محال،و لأنّ على هذا التّقدير تكون القدرة موجبة للمقدور،و ذلك يمنع من كونه قادرا عليه، فثبت أنّه لمّا لم يكن الإيمان منه،وجب أن لا يكون الكفر منه.

الثّالث:أنّه لمّا لم يكن العبد موجدا للإيمان فبأن لا يكون موجدا للكفر أولى؛و ذلك لأنّ المستقلّ بإيجاد الشّيء هو الّذي يمكنه تحصيل مراده،و لا نرى في الدّنيا عاقلا إلاّ و يريد أن يكون الحاصل في قلبه هو الإيمان و المعرفة و الحقّ،و إنّ أحدا من العقلاء لا يريد أن يكون الحاصل في قلبه هو الجهل و الضّلال و الاعتقاد الخطأ، فإذا كان العبد موجدا لأفعال نفسه و هو لا يقصد إلاّ تحصيل العلم الحقّ المطابق،وجب أن لا يحصل في قلبه إلاّ الحقّ،فإذا كان الإيمان الّذي هو مقصوده و مطلوبه و مراده لم يقطع (1)بإيجاده،فبأن يكون الجهل الّذي ما أراده و ما قصد تحصيله و كان في غاية النّفرة عنه و الفرار منه،غير واقع بإيجاده و تكوينه كان ذلك أولى.

و الحاصل:أنّ الشّبهة في أنّ الإيمان واقع بقدرة العبد أشدّ من الشّبهة في وقوع الكفر بقدرته،فلمّا بيّن تعالى في الإيمان أنّه من اللّه،ترك ذكر الكفر للوجه الّذي ذكرناه، فهذا جملة الكلام في بيان دلالة هذه الآية على مذهب إمامنا.

أمّا ما احتجّ الجبّائيّ به على مذهبه من قوله:

وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ فالجواب عنه من وجهين:

الأوّل:أنّه تعالى قال حكاية عن إبراهيم عليه السّلام:

وَ إِذا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ الشّعراء:80،أضاف المرض إلى نفسه و الشّفاء إلى اللّه،فلم يقدح ذلك في كونه تعالى خالقا للمرض و الشّفاء،بل إنّما فصل بينهما رعاية الأدب،فكذا هاهنا،فإنّه يقال:يا مدبّر السّماوات و الأرض،و لا يقال:يا مدبّر القمل و الصّئبان و الخنافس، فكذا هاهنا.

الثّاني:أكثر المفسّرين قالوا في تفسير قول إبراهيم:

هذا رَبِّي الأنعام:78،أنّه ذكر(هذا)استفهاما على سبيل الإنكار،كأنّه قال:أ هذا ربّي؟فكذا هاهنا،كأنّه قيل:الإيمان الّذي وقع على وفق قصده قد بيّنّا أنّه ليس واقعا منه،بل من اللّه،فهذا الكفر ما قصده و ما أراده و ما رضي به البتّة،أ فيدخل في العقل أن يقال:إنّه وقع به؟فإنّا بيّنّا أنّ الحسنة في هذه الآية يدخل فيها الإيمان، و السّيّئة يدخل فيها الكفر.

أمّا قراءة من قرأ: (فمن تعسك) فنقول:إن صحّ أنّه قرأ بهذه الآية واحد من الصّحابة و التّابعين فلا طعن فيه، و إن لم يصحّ ذلك فالمراد أنّ من حمل الآية على أنّها وردت على سبيل الاستفهام على وجه الإنكار ذكر في تفسير الاستفهام على سبيل الإنكار هذا الكلام،لأنّه لمّا أضاف السّيّئة إليهم في معرض الاستفهام على سبيل الإنكار،كان المراد أنّها غير مضافة إليهم،فذكر هذا القائل قوله:(فمن تعسك)لا على اعتقاد أنّه من القرآن،ع.

ص: 168


1- كذا،و الظاهر:لم يقع.

بل لأجل أنّه يجري مجرى التّفسير لقولنا:إنّه استفهام على سبيل الإنكار.

و ممّا يدلّ دلالة ظاهرة على أنّ المراد من هذه الآيات إسناد جميع الأمور إلى اللّه تعالى،قوله تعالى بعد هذه الآية: وَ أَرْسَلْناكَ لِلنّاسِ رَسُولاً يعني ليس لك إلاّ الرّسالة و التّبليغ،و قد فعلت ذلك و ما قصّرت وَ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً على جدّك و عدم تقصيرك في أداء الرّسالة و تبليغ الوحي،فأمّا حصول الهداية فليس إليك بل إلى اللّه،و نظيره قوله تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ آل عمران:128،و قوله: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ القصص:56،فهذا جملة ما خطر بالبال في هذه الآية،و اللّه أعلم بأسرار كلامه.(10:190)

نحوه النّيسابوريّ.(5:88)

القرطبيّ :حسنة:أي إن يصب المنافقين خصب قالوا:هذا من عند اللّه، وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ أي جدب و محل قالوا:هذا من عندك،أي أصابنا ذلك بشؤمك و شؤم أصحابك.

و قيل:الحسنة:السّلامة و الأمن،و السّيّئة:

الأمراض و الخوف.

و قيل:الحسنة:الغنى،و السّيّئة:الفقر.

و قيل:الحسنة:النّعمة و الفتح و الغنيمة يوم بدر، و السّيّئة:البليّة و الشّدّة و القتل يوم أحد.

و قيل:الحسنة:السّرّاء،و السّيّئة:الضّرّاء.

هذه أقوال المفسّرين و علماء التّأويل-ابن عبّاس و غيره-فى الآية.و أنّها نزلت في اليهود و المنافقين، و ذلك أنّهم لمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم المدينة عليهم قالوا:

ما زلنا نعرف النّقص في ثمارنا و مزارعنا مذ قدم علينا هذا الرّجل و أصحابه.(5:284)

نحوه الخازن.(1:468)

أبو حيّان :الخطاب عامّ كأنّه قيل:ما أصابك يا إنسان،و قيل:للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و المراد غيره.

و قال ابن بحر:هو خطاب للفريق في قوله: إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ النّساء:77،قال:و لمّا كان لفظ الفريق مفردا صحّ أن يخبر عنه بلفظ الواحد تارة و بلفظ الجمع تارة،و عليه قوله:

تفرّق أهلا نابثين فمنهم فريق أقام و استقلّ فريق

هذا مقتضى اللّفظ و أمّا المعنى:فالنّاس خاصّتهم و عامّتهم مراد بقوله: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ.

و قال ابن عبّاس و قتادة و الحسن و ابن زيد و الرّبيع و أبو صالح:معنى الآية أنّه أخبر تعالى على سبيل الاستئناف و القطع أنّ الحسنة منه بفضله و السّيّئة من الإنسان بذنوبه و من اللّه بالخلق و الاختراع.

و في مصحف ابن مسعود(فمن نفسك و إنّما قضيتها عليك)و قرأ بها ابن عبّاس.و حكى أبو عمرو أنّها في مصحف ابن مسعود(و أنا كتبتها)و روي أنّ ابن مسعود و أبيّا قرءا(و انا قدّرتها عليك)و يؤيّد هذا التّأويل أحاديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم معناها أنّ ما يصيب الإنسان من المصائب فإنّما هو عقوبة ذنوبه.

و قالت طائفة:معنى الآية هو على قول محذوف، تقديره(فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا، يقولون:ما اصابك من حسنة...الآية،و الابتداء بقوله:

ص: 169

(و ارسلناك)و الوقف على قوله:(فمن نفسك).

و قالت طائفة: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ هو استئناف إخبار من اللّه أنّ الحسنة منه و بفضله،ثمّ قال:

وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ على وجه الإنكار و التّقدير،و ألف الاستفهام محذوفة من الكلام،كقوله:

وَ تِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ الشّعراء:22،أي و تلك (1)نعمة،و كذا بازِغاً قالَ هذا رَبِّي الأنعام:77،على أحد الأقوال،و العرب تحذف ألف الاستفهام.

[و استشهد بشعر]

و حكي هذا الوجه عن ابن الأنباريّ،و روى الضّحّاك عن ابن عبّاس:أنّ الحسنة هنا ما أصاب المسلمين من الظّفر و الغنيمة يوم بدر،و السّيّئة ما نكبوا به يوم أحد،و عن عائشة:«ما من مسلم يصيبه وصب و لا نصب حتّى الشّوكة يشاكها حتّى انقطاع شسع نعله، إلاّ بذنب و ما يعفو اللّه عنه أكثر»،و قال تعالى:

وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ الشّورى:30.

و قد تجاذبت القدريّة و أهل السّنّة الدّلالة من هذه الآيات على مذاهبهم،فتعلّقت القدريّة بالثّانية،و قالوا:

ينبغي أن لا ينسب فعل السّيّئة إلى اللّه بوجه،و جعلوا الحسنة و السّيّئة في الأولى بمعنى الخصب و الجدب و الغنى و الفقر.و تعلّق أهل السّنّة بالأولى و قالوا: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ عامّ يدلّ على أنّ الأفعال الظّاهرة من العباد هي من اللّه تعالى.و تأوّلوا الثّانية و هي مسألة يبحث عنها في أصول الدّين.

و قال القرطبيّ: هذه الآيات لا يتعلّق بها إلاّ الجهّال من الفريقين،لأنّهم بنوا ذلك على أنّ السّيّئة هي المعصية،و ليست كذلك.و القدريّة قالوا: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ أي من طاعة(فمن اللّه)،و ليس هذا اعتقادهم،لأنّ اعتقادهم الّذي بنوا عليه مذاهبهم أنّ الحسنة فعل المحسن و السّيّئة فعل المسيء،و أيضا فلو كان لهم فيه حجّة لكان يقول:ما أصبت من حسنة و ما أصبت من سيّئة،لأنّه الفاعل للحسنة و السّيّئة جميعا،فلا تضاف إليه إلاّ بفعله لهما لا بفعل غيره،نصّ على هذا الإمام أبو الحسن شيب بن إبراهيم بن محمّد بن حيدرة في كتابه المسمّى ب«حزّ الغلاصم في إفحام المخاصم».

و قال الرّاغب:إذا تؤمّل مورد الكلام و سبب النّزول فلا تعلّق لأحد الفريقين بالآية،على وجه يثلج صدرا أو يزيل شكّا؛إذ نزلت في قوم أسلموا ذريعة إلى غنى و خصب ينالونه و ظفر يحصّلونه فكان أحدهم إذا نابته نائبة أو فاته محبوب أو ناله مكروه،أضاف سببه إلى الرّسول متطيّرا به،و الحسنة هنا و السّيّئة كهما في وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ السَّيِّئاتِ الأعراف:168، و في فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَ مَنْ مَعَهُ الأعراف:131،انتهى.

و قد طعن بعض الملاحدة فقال:هذا تناقض،لأنّه قال: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ و قال عقيبه: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ الآية.

و قال الرّاغب:و هذا ظاهر الوحي،لأنّ الحسنة و السّيّئة من الألفاظ المشتركة،كالحيوان الّذي يقع علىك.

ص: 170


1- كذا و الظّاهر:أو تلك.

الإنسان و الفرس و الحمار،و من الأسماء المختلفة كالعين، فلو أنّ قائلا قال:الحيوان المتكلّم و الحيوان غير المتكلّم، و أراد بالأوّل الإنسان و بالثّاني الفرس أو الحمار لم يكن متناقضا،و كذلك إذا قال:العين في الوجه و العين ليس في الوجه،و أراد بالأولى:الجارحة،و بالثّانية:عين الميزان أو السّحاب،و كذلك الآية أريد بهما في الأولى غير ما أريد في الثّانية،كما بيّنّاه،انتهى.

و الّذي اصطلح عليه الرّاغب بالمشتركة و بالمختلفة ليس اصطلاح النّاس اليوم،لأنّ المشترك هو عندهم كالعين،و المختلفة هي المتباينة،و الرّاغب جعل الحيوان من الأسماء المشتركة و هو موضوع للقدر المشترك و جعل العين من الأسماء المختلفة و هو في الاصطلاح اليوم من المشترك.(3:301)

الثّعالبيّ: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ خطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و غيره داخل في المعنى،و معنى الآية عند ابن عبّاس،و غيره:على القطع و استئناف الإخبار من اللّه عزّ و جلّ بأنّ الحسنة منه،و من فضله و بأنّ السّيّئة من الإنسان بإذنه،و هي من اللّه تعالى بخلقه و اختراعه، لا خالق سواه سبحانه لا شريك له.

و في مصحف ابن مسعود(فمن نفسك و أنا قضيتها عليك)و قرأ بها ابن عبّاس.و في رواية:(و أنا قدرتها عليك)،و يعضد هذا التّأويل أحاديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم معناها أنّ ما يصيب ابن آدم من المصائب،فإنّما هو عقوبة ذنوبه.

قال أبو جعفر أحمد بن نصر الدّاوديّ: قوله:

وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ خطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، و المراد غيره.(1:368)

أبو السّعود :بيان للجواب المجمل المأمور به، و إجراؤه على لسان النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام،ثمّ سوق البيان من جهته عزّ و جلّ بطريق تلوين الخطاب، و توجيهه إلى كلّ واحد من النّاس،و الالتفات لمزيد الاعتناء به،و الاهتمام بردّ مقالتهم الباطلة،و الإشعار بأنّ مضمونه مبنيّ على حكمة دقيقة حتّى بأن يتولّى بيانها علاّم الغيوب.

و توجيه الخطاب إلى كلّ واحد منهم دون كلّهم،كما في قوله تعالى: وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ الشّورى:30،للمبالغة في التّحقيق بقطع احتمال سببيّة معصية بعضهم لعقوبة الآخرين،أي ما أصابك من نعمة من النّعم فمن اللّه،أي فهي منه تعالى بالذّات،تفضّلا و إحسانا من غير استيجاب لها من قبلك،كيف لا و أنّ كلّ ما يفعله المرء من الطّاعات الّتي يفرض كونها ذريعة إلى إصابة نعمة ما، فهي بحيث لا تكاد تكافئ نعمة حياته المقارنة لأدائها، و لا نعمة إقداره تعالى إيّاه على أدائها،فضلا عن استيجابها لنعمة أخرى،و لذلك قال عليه الصّلاة و السّلام:«ما أحد يدخل الجنّة إلاّ برحمة اللّه تعالى»قيل:

و لا أنت يا رسول اللّه؟قال:«و لا أنا».(2:167)

الكاشانيّ: ما أَصابَكَ يا إنسان مِنْ حَسَنَةٍ، من نعمة فَمِنَ اللّهِ تفضّلا منه و امتنانا و امتحانا،فإنّ كلّ ما يأتي به العبد من عبادة فلا يكافئ صغرى نعمة من أياديه. وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ من بليّة فَمِنْ نَفْسِكَ لأنّها السّبب فيها لاستجلابها

ص: 171

بالمعاصي،و هو لا ينافي قوله: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ فإنّ الكلّ منه إيجادا و إيصالا،غير أنّ الحسنة إحسان و امتحان،و السّيّئة مجازاة و انتقام.قال اللّه تعالى:

وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ الشّورى:30.(1:437)

نحوه شبّر.(2:72)

الشّوكانيّ: هذا الخطاب إمّا لكلّ من يصلح له من النّاس أو لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم تعريضا لأمّته،أي ما أصابك من خصب و رخاء و صحّة و سلامة فمن اللّه بفضله و رحمته، و ما أصابك من جهد و بلاء و شدّة فمن نفسك بذنب أتيته، فعوقبت عليه.

و قيل:إنّ هذا من كلام الّذين لا يفقهون حديثا،أي فيقولون:ما أصابك من حسنة فمن اللّه.

و قيل:إنّ ألف الاستفهام مضمرة،أي أ فمن نفسك؟

و مثله قوله تعالى: وَ تِلْكَ نِعْمَةٌ تَمُنُّها عَلَيَّ الشّعراء:22،و المعنى:أو تلك نعمة؟و مثله قوله:

فَلَمّا رَأَى الْقَمَرَ بازِغاً قالَ هذا رَبِّي الأنعام:77، أي أ هذا ربّي؟

و قد ورد في الكتاب العزيز ما يفيد مفاد هذه الآية، كقوله تعالى: وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ الشّورى:30،و قوله: أَ وَ لَمّا أَصابَتْكُمْ مُصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُمْ مِثْلَيْها قُلْتُمْ أَنّى هذا قُلْ هُوَ مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِكُمْ آل عمران:165.(1:624)

الآلوسيّ: قوله سبحانه: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ و على ما ذكرنا -و لعلّه الأولى-يكون هذا بيانا للجواب المجمل المأمور به،و الخطاب فيه-كما قال الجبّائيّ.و روي عن قتادة-عامّ لكلّ من يقف عليه لا للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،كقوله:

إذا أنت أكرمت الكريم ملكته

و إن أنت أكرمت اللّئيم تمرّدا

و يدخل فيه المذكورون دخولا أوّليّا،و في إجراء الجواب أوّلا على لسان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و سوق البيان من جهته تعالى ثانيا بطريق تلوين الخطاب،و الالتفات إيذان بمزيد الاعتناء به و الاهتمام بردّ اعتقادهم الباطل و بزعمهم الفاسد،و الإشعار بأنّ مضمونه مبنيّ على حكمة دقيقة حريّة بأن يتولّى بيانها علاّم الغيوب عزّ و جلّ،و العدول عن خطاب الجميع،كما في قوله تعالى: وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ الشّورى:30،للمبالغة في التّحقيق بقطع احتمال سببيّة بعضهم لعقوبة الآخرين،و(ما)كما قال أبو البقاء:

شرطيّة،و(اصاب)بمعنى(يصيب).

و المراد:بالحسنة و السّيّئة هنا ما أريد بهما من قبل، أي ما أصابك أيّها الإنسان من نعمة من النّعم فهي من اللّه تعالى بالذّات.[و ادام مثل أبي السعود إلى آخر حديث النّبيّ عليه السّلام،ثمّ قال:]

و ما أصابك من بليّة ما من البلايا فهي بسبب اقتراف نفسك المعاصي و الهفوات المقتضية لها،و إن كانت من حيث الإيجاد منتسبة إليه تعالى،نازلة من عنده عقوبة،و هذا كقوله تعالى: وَ ما أَصابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِما كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ و أخرج التّرمذيّ عن أبي موسى قال:«قال رسول اللّه:لا يصيب عبدا نكبة فما فوقها،أو ما دونها إلاّ بذنب و ما يعفو اللّه

ص: 172

تعالى عنه أكثر».

و أخرج ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس أنّه قال في الآية:ما كان من نكبة فبذنبك و أنا قدّرت ذلك عليك، و عن أبي صالح مثله.و قال الزّجّاج:الخطاب لرسول اللّه و المقصود منه الأمّة،و قيل:له عليه الصّلاة و السّلام لكن لا لبيان حاله بل لبيان حال الكفرة بطريق التّصوير، و لعلّ العدول عن خطابهم لإظهار كمال السّخط و الغضب عليهم؛و الإشعار بأنّهم لفرط جهلهم و بلادتهم بمعزل من استحقاق الخطاب،لا سيّما بمثل هذه الحكمة الأنيقة.

ثمّ اعلم أنّه لا حجّة لنا و لا للمعتزلة في مسألة الخير و الشّرّ بهاتين الآيتين،لأنّ إحداهما بظاهرها لنا، و الأخرى لهم،فلا بدّ من التّأويل و هو مشترك الإلزام، و لأنّ المراد بالحسنة و السّيّئة:النّعمة و البليّة لا الطّاعة و المعصية،و الخلاف في الثّاني،و لا تعارض بينهما أيضا لظهور اختلاف جهتي النّفي و الإثبات.و قد أطنب الإمام الرّازيّ في هذا المقام كلّ الإطناب بتعديد الأقوال و التّراجيح،و اختار تفسير الحسنة و السّيّئة بما يعمّ النّعم و الطّاعات و المعاصي و البليّات.

و قال بعضهم:يمكن أن يقال:لمّا جاء قوله تعالى:

وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ بعد قوله سبحانه: أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ النّساء:78،ناسب أن تحمل الحسنة الأولى على النّعمة،و السّيّئة على البليّة، و لمّا أردف قوله عزّ و جلّ: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ بما سيأتي ناسب أن يحملا على ما يتعلّق بالتّكليف من المعصية و الطّاعة-كما روي ذلك عن أبي العالية-و لهذا غيّر الأسلوب فعبّر بالماضي بعد أن عبّر بالمضارع.

ثمّ نقل عن الرّاغب أنّه فرّق بين قولك:هذا من عند اللّه تعالى،و قولك:هذا من اللّه تعالى؛بأنّ«من عند اللّه» أعمّ من حيث إنّه يقال فيما كان برضاه سبحانه و بسخطه، و فيما يحصل،و قد أمر به و نهى عنه؛و لا يقال:«من اللّه» إلاّ فيم كان برضاه و بأمره،و بهذا النّظر قال عمر:«إن أصبت فمن اللّه و إن أخطأت فمن الشّيطان»فتدبّر.

و نقل أبو حيّان عن طائفة من العلماء أنّ(ما اصابك) إلخ على تقرير«القول»أي فمال هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا يقولون:ما أصابك من حسنة إلخ، و الدّاعي لهم على هذا التّمحّل توهّم التّعارض.و قد دعا آخرون إلى جعل الجملة بدلا من(حديثا)على معنى أنّهم لا يفقهون هذا الحديث،أعني(ما اصابك)إلخ فيقولونه غير متحاشين عمّا يلزمه من تعدّد الخالق، و آخرون إلى تقدير استفهام إنكاريّ،أي فَمِنْ نَفْسِكَ، و زعموا أنّه قرئ به.

و قد علمت أن لا تعارض أصلا من غير احتياج إلى ارتكاب ما لا يكاد يسوغه الذّوق السّليم،و كذا لا حجّة للمعتزلة في قوله سبحانه:(حديثا)على كون القرآن محدثا لما علمت من أنّه ليس نصّا في القرآن،و على فرض تسليم أنّه نصّ لا يدلّ على حدوث الكلام النّفسيّ و النّزاع فيه،ثمّ وجه ارتباط هذه الآيات بما قبلها على ما قيل:إنّه سبحانه بعد أن حكى عن المسلمين ما حكى و ردّ عليهم بما ردّ،نقل عن الكفّار ما ردّه عليهم أيضا، و بين المحكيّين مناسبة من حيث اشتمالها على إسناد ما يكره إلى بعض الأمور،و كون الكراهة له بسبب ذلك، و هو كما ترى.(5:89)

ص: 173

رشيد رضا:الخطاب هنا لكلّ من يتوجّه إليه من المكلّفين،و قيل:للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و المراد به كلّ من أرسل إليهم،و المعنى مهما يصبك من حسنة فهي من محض فضل اللّه الّذي سخّر لك المنافع الّتي تحسن عندك لا باستحقاق سبق لك عنده،و إلاّ فبما ذا استحققت أن يسخّر لك الهواء النّقيّ الّذي يطهّر دمك و يحفظ حياتك،و الماء العذب الّذي يمدّ حياتك و حياة كلّ الأحياء الّتي تنتفع بها، و هذه الأزواج الكثيرة من نبات الأرض و حيواناتها، و غير ذلك من موادّ الغذاء،و أسباب الرّاحة و الهناء، و مهما يصبك من سيّئة فمن نفسك،فإنّك أوتيت قدرة على العمل و اختيارا في تقدير الباعث الفطريّ عليه،من درء المضارّ و جلب المنافع.فصرت تعمل باجتهادك في ترجيح بعض الأسباب و المقاصد على بعض،فتخطئ فتقع فيما يسوؤك،فلا أنت تسير على سنن الفطرة و تتحرّى جادّتها،و لا أنت تحيط علما بالسّنن و الأسباب و ضبط الهوى و الإرادة في اختيار الحسن منها،و إنّما ترجّح بعضها على بعض في حين دون حين بالهوى،أو قبل المعرفة التّامّة بالنّافع و الضّارّ منها،فتقع فيما يسوؤك،و لو لا ذلك لما عملت السّيّئات.

و تفصيل القول أنّ هنا حقيقتين متّفقتين،إحداهما:

أنّ كلّ شيء من عند اللّه،بمعنى أنّه خالق الأشياء الّتي هي موادّ المنافع و المضارّ،و أنّه واضع النّظام و السّنن لأسباب الوصول إلى هذه الأشياء بسعي الإنسان،و كلّ شيء حسن بهذا الاعتبار،لأنّه مظهر الإبداع و النّظام.

و الثّانية:أنّ الإنسان لا يقع في شيء يسوؤه إلاّ بتقصير منه في استبانة الأسباب،و تعرّف السّنن،فالسّوء معنى يعرض للأشياء بتصرّف الإنسان و باعتبار أنّها تسوؤه و ليس ذاتيّا لها،و لذلك يسند إلى الإنسان.

مثال ذلك المرض فهو من الأمور الّتي تسوء الإنسان،و هو إنّما يصيبه بتقصيره في السّير على سنّة الفطرة في الغذاء و العمل،فيجيء من تخمة قادته إليها الشّهوة،أو من إفراط في التّعب أو في الرّاحة،أو من عدم اتّقاء أسباب الضّرر،كتعريض نفسه للبرد القارس أو الحرّ الشّديد،و قس على ذلك غيره من أسباب الأمراض الّتي ترجع كلّها إلى الجهل بالأسباب،و سوء الاختيار في التّرجيح.و الأمراض الموروثة من جناية الإنسان على الإنسان فهي من نفسه أيضا،لا من أصل الفطرة و الطّبيعة الّتي هي من محض خلق اللّه دون اختيار الإنسان لنفسه،فوالداه يجنيان عليه قبل وجوده بتعريض أنفسهما للمرض الّذي ينتقل إلى نسلهما بالوراثة،كما يجنيان عليه بعده بتعريضه هو للمرض في صغره بعدم وقايته من أسبابه،في الوقت الّذي يكون اختيارهما له قائما مقام اختياره لنفسه.

و أضرب لهم مثلا خاصّا غزوة أحد أصابت المسلمين فيها سيّئة،كان سببها تقصيرهم في الوقوف عند أسباب الفوز و الظّفر بعصيان قائد عسكرهم و رسولهم صلّى اللّه عليه و سلّم و ترك الرّماة منهم موقعهم الّذي أقامهم فيه للنّضال،و كان ذلك لخطإ في الاجتهاد سببه الطّمع في الغنيمة،كما تقدّم في تفسير سورة آل عمران من الجزء الرّابع.

فإن قيل:إنّ جميع الأشياء حسنها و سيّئها تسند إلى اللّه عزّ و جلّ،و يقال:إنّها من عنده،بمعنى أنّه هو الخالق

ص: 174

لموادّها و الواضع لسنن الأسباب و المسبّبات فيها، و يسند إلى الإنسان منها كلّ ما له فيه كسب و عمل اختياريّ،سواء كان من الحسنات أو السّيّئات،و قد مضى بهذا عرف النّاس و أيّدته نصوص الكتاب و السّنّة بمثل قوله تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ الأنعام:160،فلما ذا جعل هنا إصابة الحسنة من فضل اللّه تعالى مطلقا و إصابة السّيّئة من نفس الإنسان مطلقا؟

فالجواب عن هذا:أنّ ما ذكر في السّؤال حقّ و ما في الآية حقّ،و لكلّ مقام مقال،و المقام الّذي سيقت الآية له هو بيان أمرين:

أحدهما:نفي الشّؤم و التّطيّر و إبطالهما،ليعلم النّاس أنّ ما يصيبهم من السّيّئات لا يصيبهم بشؤم أحد يكون فيهم،و كانوا يتشاءمون و يتطيّرون في الجاهليّة، و لا يزال التّطيّر و التّشاؤم فاشيا في الجاهلين من جميع الشّعوب،و هو من الخرافات الّتي يردّها العقل،و قد أبطلها دين الفطرة.قال تعالى في آل فرعون: فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَ مَنْ مَعَهُ أَلا إِنَّما طائِرُهُمْ عِنْدَ اللّهِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ الأعراف:131،فقد جعل التّطيّر من الجهل و فقد العلم بالحقائق.

ثانيهما:أنّه ينبغي لم أصابته سيّئة أن يبحث عن سببها من نفسه،و لا يكتفي بعدم إسنادها إلى شؤم غيره ممّن ليس له فيها عمل و لا كسب،لأنّ السّيّئة تصيب الإنسان بما تقدّم شرحه آنفا من تقصيره و خروجه بجهله أو هواه عن سنّة اللّه في التماس المنفعة من أبوابها، و اتّقاء المضارّ باتّقاء أسبابها،لأنّ الأصل في نظام الفطرة البشريّة هو ما يجده الإنسان في نفسه من ترجيح الخير لها على الشّرّ،و النّفع على الضّرّ،و كون كلّ قوّة من قواه نافعة له إذا أحسن استعمالها،و ليس في أصل الفطرة سيّئة قطّ،و إنّما الإنسان يقع في الضّرر غالبا بسوء الاستعمال،و طلب ما لا تقتضيه الفطرة لو لا جنايته عليها باجتهاده،كالإفراط في اللّذّات،و التّعب تنفر منه الفطرة،فيحتال الإنسان عليها و يحمّلها ما لا تحمله بطبعها لو لا ظلمه لها،كاستعماله الأدوية لإثارة شهوة الطّعام و الوقاع،و عدم وقوفه فيهما عند حدّ الدّاعية الطّبيعيّة، كأن لا يأكل إلاّ إذا جاع من نفسه،و لا يملأ بطنه من الطّعام بما يحمله على ذلك من الأدوية المقوّية و التّوابل المحرّضة،فمصائب الإنسان من ظلمه و كسبه.

لبّ هذه الحقيقة الثّانية الّتي علّمنا اللّه إيّاها و ربّانا بها،هو أنّ سننه تعالى في فطرة الإنسان،كسننه في فطرة سائر الحيوان و النّبات، ما تَرى فِي خَلْقِ الرَّحْمنِ مِنْ تَفاوُتٍ الملك:3،كلّها مصادر للحسنات،ليس فيها شيء سيّئ بطبعه،و لكنّ الإنسان فضّل على غيره بما أوتي من الاستعداد للعلم،و من الإرادة و الاختيار في العمل،فإذا أحكم العلم و أحسن الاختيار مهتديا بسنن الفطرة و أحكام الشّريعة-و هي كلّها من عند اللّه و من محض فضله و رحمته-كان مغمورا في الحسنات و الخيرات،و إذا قصّر في العلم و أساء الاختيار في استعمال قواه و أعضائه في غير ما يقتضيه نظام الفطرة و حاجة الطّبيعة،وقع في الأمور الّتي تسوؤه،فيجب

ص: 175

عليه أن يرجع على نفسه بالمحاسبة و المعاتبة كلّما أصابته سيّئة،ليعتبر بها و يزداد علما و كمالا،فهذه الآية أصل من أصول علم الاجتماع و علم النّفس،فيها شفاء للنّاس من أوهام الوثنيّة،و تثبيت في مقام الإنسانيّة.

(5:268)

نحوه المراغيّ(5:96)،و ابن عاشور(4:194).

الطّباطبائيّ: [سبق في تفسير الآية السّابقة]

(5:8)

مغنيّة:قدّمنا أنّ المراد بالحسنة في الآية الأولى:

خير الطّبيعة،و بالسّيّئة:شرّها،و أنّهما من ظواهر الطّبيعة،و هي من صنع اللّه،فصحّت نسبتهما إليه تعالى بهذا الاعتبار.

أمّا المراد بالحسنة في الآية الثّانية،فهو نجاح المرء في هذه الحياة دينا و دنيا،و المراد بالسّيّئة فشله و خذلانه فيهما.و قد نسب اللّه سبحانه هذا النّجاح المعبّر عنه بالحسنة،نسبه إلى نفسه بالنّظر إلى أنّه تعالى قد زوّد الإنسان بالصّحّة و الإدراك،و أمره بالعمل من أجل سعادته في الدّارين،فإن امتثل و عمل و بلغ النّجاح نسب نجاحه إلى اللّه،لأنّه هو الّذي أقدره عليه،و زوّده بأدواته،و بهذا اللّحاظ قال تعالى: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ. (2:386)

نحوه فضل اللّه.(7:363)

عبد الكريم الخطيب :هو استكمال للصّورة الّتي يتحدّد بها موقف الإنسان من الكسب،و مدى مسئوليّته فيما يعمل من خير أو شرّ،و من حسن أو قبيح.

فقد بيّن اللّه في قوله سبحانه: قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ أنّ كلّ شيء يقع في هذا الوجود هو بتقديره،و عن علمه،و بإرادته وَ ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُها وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ الأنعام:59.

و هذا-على إطلاقه-يعني أنّ الإنسان لا كسب له، و إنّما هو و ما يقع منه من أعمال،ليس إلاّ مظهرا لإرادة اللّه،و إعلانا لما قضت به مشيئته،و هذا يعني أيضا أنّ الإنسان غير مسئول عن غيّه أو رشاده،و كفره أو إيمانه؛ إذ لا إرادة له،مع تلك الإرادة الإلهيّة الغالبة،و لا مشيئة مع تلك المشيئة العلويّة القاهرة.

و لكن واقع الإنسان ينبئ عن أنّه ذو إرادة و ذو مشيئة،و أنّه يريد و يشاء،و أنّه يقف بين طريقي الخير و الشّرّ،فيريد هذا الطّريق أو ذاك،حسب تقديره، و يرتضي الكفر أو الإيمان،حسب مشيئته.ليس هناك قوّة ظاهرة تحمله على أيّ الأمرين،و إنّما ذلك إلى إرادته و مشيئته.

و إذن فهناك معادلتان يراد التّوفيق بينهما:معادلة تقول:الخير و الشّرّ جميعا من عند اللّه قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ، و المعادلة الأخرى تقول:الخير من عند اللّه، و الشّرّ من عمل الإنسان ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ.

و الحقّ أنّه مع النّظر و التّأمّل نجد أنّه ليس هناك معادلتان،بل هما معادلة واحدة،و أنّ قوله تعالى:

ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ هي نفس ما تضمّنه قوله تعالى: قُلْ كُلٌّ مِنْ

ص: 176

عِنْدِ اللّهِ و أنّه إذا كان اللّه تعالى قد أضاف الخير إلى نفسه،و أضاف الشّرّ إلى الإنسان،فما ذلك إلاّ إعمالا لإرادة الإنسان،و إيقاظا لوجوده،و إلاّ فإنّ الأمر كلّه للّه،و ليس للإنسان منه شيء،و أنّ على الإنسان في مواجهته للحياة أن يستقلّ بإرادته،و ألاّ يضيفها إلى اللّه.

فإن حصّل بتلك الإرادة خيرا حمد اللّه عليه،و شكر له أن وفّقه و هداه،و إن حصّل شرّا نظر إلى نفسه،فألقى باللاّئمة عليها،و صحّح موقفه الّذي أورده موارد الشّرّ، و ذلك على الأقلّ-و إن لم يزحزح الإنسان عمّا أراد اللّه له-يجعل الشّرّ أمرا بغيضا حتّى عند أهله الّذين ساقهم قدرهم إليه،و ذلك أضعف الإيمان في مواجهة الشّرّ.

و بهذا يستقيم للإنسانيّة في مجموعها رأي في الخير و في الشّرّ،فتحتفي بالخير و ترضى عنه،و تبغض الشّرّ و تنفر منه.و بهذا يتوازن ميزان الحياة،فيكون فيها الخير و الشّرّ،و الأخيار و الأشرار.الأمر الّذي لا تكون الحياة حياة إلاّ بهما،و لا يكون النّاس ناسا إلاّ معهما جميعا.

و إذا استقام في الإنسانيّة أنّ الخير طيّب محبوب، و أنّ الشّرّ خبيث مكره،فإنّه مطلوب من الإنسان-كلّ إنسان-أن يسعى جاهدا إلى تحصيل الخير و الاستزادة منه،و أن ينفر جاهدا من الشّرّ و التّخفّف منه.و ألاّ يستولي عليه في حاليه هذين أيّ شعور،بأنّه مهما جدّ و جهد فلن يبلغ من جدّه و اجتهاده إلاّ ما قدّره اللّه له، و كتبه عليه،فذلك-و إن يكن الحقّ كلّ الحقّ-أمر غير مكشوف له،و أنّ عليه أن يعمل للخير،و أن يجدّ في تحصيله،و أن يدع المصير الّذي هو صائر إليه،لتقدير اللّه و حكمه أَلا إِلَى اللّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ الشّورى:53.

(3:841)

مكارم الشّيرازيّ: من أين تأتي الانتصارات و الهزائم؟

يشير القرآن في الآيتين إلى وهم آخر من أوهام المنافقين،حين يوضح أنّ هؤلاء إذا أحرزوا نصرا أو غنموا خيرا قالوا:إنّ اللّه هو الّذي أنعم عليهم بذلك، و زعموا أنّهم أهل لهذه النّعمة وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ النّساء:78.

أمّا إذا مني هؤلاء بهزيمة أو لحقهم أذى في ميدان القتال،ألقوا اللّوم على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و افتروا عليه بقولهم:

إنّ ما نالهم من سوء هو من عنده،متّهمين خططه العسكريّة بالضّعف،من ذلك ما حدث في غزوة أحد، تقول الآية: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ و يحتمل بعض المفسّرين أن تكون هذه الآية قد نزلت بشأن اليهود،و يرون أنّ المقصود بالحسنة و السّيّئة-هنا-هو ما كان يحدث من وقائع سارّة و ضارّة؛حيث كان اليهود حين بعثة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ينسبون كلّ حدث سارّ و نافع إلى اللّه،و يعزون حدوث الوقائع الضّارّة إلى وجود النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بين ظهرانيهم،بينما اتّصال الآية بالآيات السّابقة و التّالية-الّتي يدور الحديث فيها عن المنافقين-يدلّ على أنّ المقصود في هذه الآية الأخيرة هم المنافقون.

و مهما يكن من أمر،القرآن الكريم يردّ على هؤلاء مؤكّدا أنّ الإنسان المسلم الموحّد الّذي يؤمن صادقا باللّه و يعبده و لا يعبد سواه،إنّما يعتقد بأنّ كلّ الوقائع و الأحداث و الانتصارات و الهزائم هي بيد اللّه العليم

ص: 177

الحكيم،فاللّه هو الّذي يهب الإنسان ما يستحقّه و يعطيه بحسب قيمته الوجوديّة،و في هذا المجال تقول الآية:

قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ.

و الآية هذه تحمل في آخرها تقريعا و تأنيبا للمنافقين الّذين لا يتفكّرون و لا يمعنون في حقائق الحياة المختلفة؛حيث تقول: فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً النّساء:78.

و بعد هذا-في الآية التّالية-يصرّح القرآن بأنّ كلّ ما يصيب الإنسان من خيرات و فوائد و كلّ ما يواجهه الكائن البشريّ من سرور و انتصار هو من عند اللّه،و أنّ ما يحصل للإنسان من سوء و ضرر و هزيمة أو خسارة فهو بسبب الإنسان نفسه،تقول الآية: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ و تردّ الآية في آخرها على أولئك الّذين كانوا يرون وجود النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله سببا لوقوع الحوادث المؤسفة فيما بينهم، فتقول: وَ أَرْسَلْناكَ لِلنّاسِ رَسُولاً وَ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً النّساء:79.

جواب على سؤال مهمّ:

السّؤال المهمّ الّذي يتبادر إلى الذّهن حين قراءة هاتين الآيتين الأخيرتين هو:لما ذا نسب الخير و الشّرّ في الآية الأولى كلّه للّه؟و لما ذا حصرت الآية التّالية الخير-وحده-للّه و نسبت الشّرّ إلى الإنسان؟

حين نمعن النّظر في الآيتين تواجهنا عدّة أمور،يمكن لكلّ منها أن يكون هو الجواب على هذا السّؤال.

1-لو أجرينا تحليلا على عناصر تكوين الشّرّ لرأينا أنّ لها اتّجاهين،أحدهما:إيجابيّ و الآخر سلبيّ.و الاتّجاه الأخير هو الّذي يجسّد شكل الشّرّ أو السّيّئة و يبرزه على صورة«خسارة نسبيّة»فالإنسان الّذي يقدم على قتل نظيره بسلاح ناريّ أو سلاح بارد،يكون قد ارتكب بالطّبع عملا شرّيرا و سيّئا،فما هي إذن عوامل حدوث هذا العمل الشّرّير؟

إنّها تتكوّن من:أوّلا:قدرة الإنسان و عقله و قدرة السّلاح و القدرة على الرّمي و التّهديف الصّحيحين و اختيار المكان و الزّمان المناسبين،و هذه تشكّل عناصر الاتّجاه الإيجابيّ للقضيّة،لأنّ كلّ عنصر منها يستطيع في حدّ ذاته أن يستخدم كعامل لفعل حسن إذا استغلّ الاستغلال الحكيم،أمّا الاتّجاه السّلبيّ فهو في استغلال كلّ من هذه العناصر في غير محلّه،فبدلا من أن يستخدم السّلاح لدرء خطر حيوان مفترس أو للتّصدّي لقاتل و مجرم خطير،يستخدم في قتل إنسان بريء فيجسّد بذلك فعل الشّرّ،و إلاّ فإنّ قدرة الإنسان و عقله و قدرته على الرّمي،و التّهديف،و أصل السّلاح و كلّ هذه العناصر،يمكن أن يستفاد منها في مجال الخير.

و حين تنسب الآية الأولى الخير و الشّرّ كلّه للّه،فإنّ ذلك معناه أنّ مصادر القوّة جميعها بيد اللّه العليم القدير حتّى تلك القوّة الّتي يساء استخدامها،و من هذا المنطلق تنسب الخير و الشّرّ للّه،لأنّه هو واهب القوى.

و الآية الثّانية تنسب«السّيّئات»إلى النّاس انطلاقا من مفهوم«الجوانب السّلبيّة»للقضيّة و من الإساءة في استخدام المواهب الإلهيّة.

تماما مثل والد وهب ابنه مالا ليبني به دارا جديدة، لكن هذا الولد بدلا من أن يستخدم هذا المال في بناء

ص: 178

البيت المطلوب،اشترى مخدّرات ضارّة أو صرفه في مجالات الفساد و الفحشاء،لا شكّ أنّ الوالد هو مصدر هذا المال،لكن أحدا لا ينسب تصرّف الابن لوالده لأنّه أعطاه للولد لغرض خيريّ حسن،لكنّ الولد أساء استغلال المال،فهو فاعل الشّرّ و ليس لوالده دخل في فعلته هذه.

2-و يمكن القول أيضا بأنّ الآية الكريمة إنّما تشير إلى موضوع«الأمر بين الأمرين».و هذه قضيّة بحثت في مسألة الجبر و التّفويض،و خلاصة القول فيها:أنّ جميع وقائع العالم خيرا كانت أم شرّا،هي من جانب واحد تتّصل باللّه سبحانه القدير،لأنّه هو الّذي وهب الإنسان القدرة و القوّة و حرّيّة الانتخاب و الاختيار،و على هذا الأساس فإنّ كلّ ما يختاره الإنسان و يفعله بإرادته و حرّيّته لا يخرج عن إرادة اللّه،لكن هذا الفعل ينسب للإنسان،لأنّه صادر عن وجوده،و إرادته هي الّتي تحدّد اتّجاه الفعل.

و من هنا فإنّنا مسئولون عن أعمالنا،و استناد أعمالنا إلى اللّه-بالشّكل الّذي أوضحناه-لا يسلب عنّا المسئوليّة و لا يؤدّي إلى الاعتقاد بالجبر.و على هذا الأساس حين تنسب«الحسنات»و«السّيّئات»إلى اللّه سبحانه و تعالى،فلفاعليّة اللّه في كلّ شيء،و حين تنسب إلى الإنسان فلإرادته و حرّيّته في الاختيار.

و حصيلة هذا البحث أنّ الآيتين معا تثبتان قضيّة الأمر«الأمر بين الأمرين»تأمّل بدقّة.

3-هناك تفسير ثالث للآيتين،ورد فيما أثر عن أهل البيت عليهم السّلام،و هو أنّ المقصود من عبارة«السّيّئات» جزاء الأعمال السّيّئة و عقوبة المعاصي الّتي ينزلها اللّه بالعاصين.و لمّا كانت العقوبة هي نتيجة لأفعال العاصين من العباد،لذلك تنسب أحيانا إلى العباد أنفسهم و أحيانا أخرى إلى اللّه،و كلا النّسبتين صحيحتان؛إذ يمكن القول في قضيّة:إنّ القاضي هو الّذي قطع يد السّارق،كما يجوز أن يقال:إنّ السّارق هو السّبب في قطع يده لارتكابه السّرقة.(3:300)

5- مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها...

النّساء:85

راجع«ش ف ع -يشفع»

6- وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً... النّحل:41

راجع«ب و ء-لنبوّئنهم»

7- وَ آتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ. النّحل:122

ابن عبّاس: ولدا صالحا.(232)

الذّكر الحسن.(ابن الجوزيّ 4:504)

مجاهد :لسان صدق.(الطّبريّ 14:193)

الحسن :إنّ الحسنة:النّبوّة.(الماورديّ 3:219)

قتادة :فليس من أهل دين إلاّ يتولاّه و يرضاه.

(الطّبريّ 14:193)

مقاتل:يعني الصّلوات في قول هذه الأمّة:اللّهمّ صلّ على محمّد و على آل محمّد كما صلّيت على إبراهيم.

(الثّعلبيّ 6:50)

ص: 179

الطّبريّ: و آتينا إبراهيم على قنوته للّه،و شكره له على نعمه،و إخلاصه العبادة له في هذه الدّنيا ذكرا حسنا،و ثناء جميلا باقيا على الأيّام.(14:192)

الرّمّانيّ: أنّها تنويه اللّه بذكره في الدّنيا بطاعته لربّه.(الماورديّ 3:219)

الثّعلبيّ: يعني الرّسالة و الحكمة و الثّناء الحسن.

[و نقل قول مقاتل ثمّ قال:]

و قيل:أولادا أبرارا على الكبر،و قيل:القبول العامّ في جميع الأمم.(6:50)

الماورديّ: فيه أربعة تأويلات:[ثمّ ذكر الأقوال السّابقة و أضاف:]

و يحتمل خامسا:أنّه بقاء ضيافته،و زيارة الأمم لقبره.(3:219)

الطّوسيّ: أي أعطيناه جزاء على هدايته في هذه الدّنيا حسنة،و هي:تنويه اللّه بذكره في الدّنيا بطاعته لربّه،و مسارعته إلى مرضاته،و إخلاصه لعبادته،حتّى صار إماما يقتدى به،و علما يهتدى بسنّته.

(6:438)

القشيريّ: الحسنة الّتي آتاه اللّه هي دوام ما آتاه حتّى لم تنقطع عنه.

و يقال:هي الخلّة،و يقال:هي النّبوّة و الرّسالة.

و يقال:آتيناه في الدّنيا حسنة حتّى كان لنا بالكلّيّة، و لم تكن فيه لغير بقيّة.(3:327)

ابن عطيّة: الحسنة:لسان الصّدق و إمامته لجميع الخلق.هذا قول جميع المفسّرين؛و ذلك أنّ كلّ أمّة متشرّعة فهي مقرّة أنّ إيمانها إيمان إبراهيم،و أنّه قدوتها، و أنّه كان على الصّواب.(3:431)

مثله الثّعالبيّ(2:245)،و نحوه مغنيّة(4:562)

الطّبرسيّ: أي نعمة سابغة في نفسه و في أولاده، و هو قول هذه الأمّة:كما صلّيت على إبراهيم و آل إبراهيم.[ثمّ نقل سائر الأقوال السّابقة](3:391)

الفخر الرّازيّ: قال قتادة:إنّ اللّه حبّبه إلى كلّ الخلق،فكلّ أهل الأديان يقرّون به،أمّا المسلمون و اليهود و النّصارى فظاهر،و أمّا كفّار قريش و سائر العرب فلا فخر لهم إلاّ به.و تحقيق الكلام أنّ اللّه أجاب دعاءه في قوله: وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ الشّعراء:84.

و قال آخرون:هو قول المصلّي منّا:كما صلّيت على إبراهيم و على آل إبراهيم،و قيل:الصّدق و الوفاء و العبادة.(20:135)

نحوه النّسفيّ(2:304)،و الخازن(4:100)، و الشّربينيّ(2:369).

القرطبيّ: [نقل الأقوال السّابقة في فضله و قال:]

و كلّ ذلك أعطاه اللّه و زاده صلّى اللّه عليه و سلّم.(10:198)

نحوه الشّوكانيّ.(3:254)

البيضاويّ: بأن حبّبه إلى النّاس،حتّى أنّ أرباب الملل يتولّونه و يثنون عليه،و رزقه أولادا طيّبة و عمرا طويلا في السّعة و الطّاعة.(1:574)

مثله الكاشانيّ.(3:161)

أبو حيّان :[ذكر الأقوال المتقدّمة و أضاف:]

و قيل:المال يصرفه في الخير و البرّ و إنّه لمن الصّالحين،و لمّا وصف إبراهيم عليه السّلام بتلك الأوصاف

ص: 180

الشّريفة أمر نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يتّبع ملّته،و هذا الأمر من جملة الحسنة الّتي آتاها اللّه إبراهيم في الدّنيا.(5:547)

ابن كثير :أي جمعنا له خير الدّنيا من جميع ما يحتاج المؤمن إليه في إكمال حياته الطّيّبة.(4:234)

أبو السّعود :حالة حسنة من الذّكر الجميل و الثّناء فيما بين النّاس قاطبة،حتّى أنّه ليس من أهل دين إلاّ و هم يتولّونه.

و قيل:هي الخلّة و النّبوّة،و قيل:قول المصلّي منّا:

كما صلّيت على إبراهيم.و الالتفات إلى التّكلّم لإظهار كمال الاعتناء بشأنه،و تفخيم مكانه عليه الصّلاة و السّلام.(4:102)

نحوه البروسويّ(5:94)،و الآلوسيّ(14:251).

القاسميّ: أي من الذّكر الجميل،كما قال:

وَ جَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا مريم:50،و من الصّلاة و السّلام عليه،كما قال: وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ فِي الْآخِرِينَ* سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ الصّافّات:108، 109،و من تمتيعه بالحظوظ ليتقوّى على القيام بحقوق العبوديّة.(10:3875)

الطّباطبائيّ: الحسنة هي المعيشة الحسنة،فقد كان عليه السّلام ذا مال كثير،و مروّة عظيمة.[إلى أن قال:]

و في توصيفه تعالى إبراهيم عليه السّلام بما وصفه من الصّفات،إشارة إلى أنّها من مواهب هذا الدّين الحنيف، فإن انتحل به الإنسان ساقه إلى ما ساق إليه إبراهيم عليه السّلام.

(12:368)

مكارم الشّيرازيّ: و الحسنة في معناها العامّ:كلّ خير و إحسان،من قبيل منح مقام النّبوّة مرورا بالنّعم المادّيّة،حتّى نعمة الأولاد و ما شابهها.(8:324)

نحوه فضل اللّه.(13:319)

8- لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ...

الأحزاب:21

9- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ...

الممتحنة:4

10- لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ. الممتحنة:6

راجع«أ س و-أسوة»

11- ..وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً...

الشّورى:23

الإمام الحسن عليه السّلام:هي مودّتنا أهل البيت.

(شبّر 5:400)

ابن عبّاس: إنّها المودّة في آل الرّسول.

(أبو حيّان 7:516)

مثله السّدّيّ.(الزّمخشريّ 3:468)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و من يعمل حسنة؛ و ذلك أن يعمل عملا يطيع اللّه فيه من المؤمنين نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً يقول:نضاعف عمله ذلك الحسن،فنجعل له مكان الواحد عشر إلى ما شئنا من الجزاء و الثّواب.

(25:26)

نحوه المراغيّ.(25:40)

القمّيّ: ...حَسَنَةٌ و هي إقرار الإمامة لهم و الإحسان إليهم و برّهم وصلتهم نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً أي نكافئ على ذلك بالإحسان.(2:276)

ص: 181

الطّوسيّ: أي من فعل طاعة نزد له في تلك الطّاعة حسنا،بأن نوجب له عليها الثّواب.(9:159)

مثله الطّبرسيّ(5:29)،و نحوه البغويّ(4:144)، و الخازن(6:102)،و ابن كثير(6:201)،و القاسميّ (14:5242).

الزّمخشريّ: [نقل قول السّدّيّ ثمّ قال:]

و الظّاهر العموم في أيّ حسنة كانت،إلاّ أنّها لمّا ذكرت عقيب ذكر المودّة في القربى،دلّ ذلك على أنّها تناولت المودّة تناولا أوّليّا،كأنّ سائر الحسنات لها توابع.

و قرئ (حسنى) و هي مصدر كالبشرى.(3:468)

مثله الفخر الرّازيّ(27:167)،و النّيسابوريّ(25:

28)،و النّسفيّ(4:105)،و أبو حيّان(7:516)، و الشّربينيّ(3:539).

البيضاويّ: و من يكتسب طاعة سيّما حبّ آل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً في الحسنة بمضاعفة الثّواب و قرئ (يزد) أي يزد اللّه و (حسنى) إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ لمن أذنب(شكور)لمن أطاع بتوفية الثّواب و التّفضّل عليه بالزّيادة.(2:357)

البروسويّ: [نحو السّدّيّ و أضاف:]

(حسنا)بمضاعفة،و التّوفيق لمثلها و الإخلاص فيها، و بزيادة لا يصل العبد إليها بوسعه،ممّا لا يدخل تحت طوق البشر.(8:312)

شبّر:(حسنا)بتضعيف ثوابها.(5:400)

الآلوسيّ: [نقل كلام السّدّيّ ثمّ قال:]

و حبّ آل الرّسول عليه الصّلاة و السّلام من أعظم الحسنات،و تدخل في الحسنة هنا دخولا أوّليّا، نَزِدْ لَهُ فِيها أي في الحسنة.(حسنا)بمضاعفة الثّواب عليها، فإنّها يزاد بها حسن الحسنة،ف«في»للظّرفيّة، و(حسنا)مفعول به أو تمييز.[إلى أن قال:]

و قرأ عبد الوارث عن أبي عمرو (حسنى) بغير تنوين،و هو مصدر كبشرى،أو صفة لموصوف مقدّر،أي صفة أو خصلة حسنى.(25:33)

الطّباطبائيّ: الحسنة:الفعلة الّتي يرتضيها اللّه سبحانه و يثيب عليها،و حسن العمل:ملاءمته لسعادة الإنسان و الغاية الّتي يقصدها،كما أنّ مساءته و قبحه خلاف ذلك،و زيادة حسنها:إتمام ما نقص من جهاتها و إكماله،و من ذلك الزّيادة في ثوابها،كما قال تعالى:

وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ العنكبوت:7، و قال: لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ النّور:38.

و المعنى:و من يكتسب حسنة نزد له في تلك الحسنة حسنا،برفع نقائصها و زيادة أجرها، إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ يمحو السّيّئات(شكور)يظهر محاسن العمل من عامله.

و قيل:المراد بالحسنة:مودّة قربى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و يؤيّده ما في روايات أئمّة أهل البيت عليهم السّلام أنّ قوله: قُلْ لا أَسْئَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْراً الشّورى:23،إلى تمام أربع آيات نزلت في مودّة قربى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و لازم ذلك كون الآيات مدنيّة،و أنّها ذات سياق واحد،و أنّ المراد بالحسنة من حيث انطباقها على المورد هي المودّة.(18:48)

عبد الكريم الخطيب :هو دعوة إلى المشركين الّذين يقفون هذا الموقف العدائيّ من النّبيّ،أن يأخذوا

ص: 182

جانب الخير الّذي يدعوهم إليه،و أن يتقبّلوا منه هذه المودّة الّتي يؤثرهم بها.فمن استجاب منهم لهذه الدّعوة، و آثر الإحسان على السّوء،و الإيمان على الكفر،فإنّه سيلقى جزاء إحسانه إحسانا مضاعفا من اللّه.(13:47)

مكارم الشّيرازيّ: و واضح أنّ المقصود من هذه التّفاسير أنّ معنى اكتساب الحسنة لا يتحدّد بمودّة أهل البيت،بل له معنى أوسع و أشمل،و لكن بما أنّ هذه الجملة وردت بعد قضيّة مودّة ذي القربى،لذا فإنّ أوضح مصداق لاكتساب الحسنة هو هذه المودّة.(15:479)

فضل اللّه :و ربّما خصّ البعض«الحسنة»بالمودّة للقربى بالاستناد إلى بعض الرّوايات،و لكنّ الظّاهر أنّ ذلك لو تمّ من قبيل المصاديق لا من قبيل المفهوم،و قد تعارف في الرّوايات التّفسير على نحو الجري و التّطبيق، و اللّه أعلم.(20:176)

الحسنة
اشارة

1- مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ

الأنعام:160

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:الأعمال ستّة:موجبة و موجبة، و مضعفة و مضعفة،و مثل و مثل:فلا إله إلاّ اللّه توجب الجنّة،و الشّرك يوجب النّار؛و نفقة الجهاد تضعف سبعمائة ضعف،و النّفقة على الأهل حسنتها بعشرة؛ و السّيّئة جزاؤها مثلها،و من همّ بحسنة فلم يعملها كتبت له حسنة مثلها.(ابن عطيّة 2:368)

ابن مسعود:(الحسنة):لا إله إلاّ اللّه،و(السّيّئة):

الشّرك.

نحوه ابن عبّاس و النّخعيّ و ابن كعب القرظيّ و عطاء و أبو صالح.(الطّبريّ 8:108)

أبو ذرّ:قلت:يا رسول اللّه علّمني عملا يقرّبني إلى الجنّة،و يباعدني من النّار،قال:«إذا عملت سيّئة فاعمل حسنة فإنّها عشر أمثالها»:قلت:يا رسول اللّه، لا إله إلاّ اللّه من الحسنات؟قال:«هي أحسن الحسنات».

(الطّبريّ 8:110)

و جاءت في التّفاسير روايات بهذه المعاني

ابن عبّاس: (بالحسنة):مع التّوحيد(بالسّيّئة):

الشّرك باللّه.(123)

من عمل من المصدّقين حسنة كتبت له عشر حسنات.(الواحديّ 2:342)

أبو سعيد الخدريّ: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها هذه للأعراب،و للمهاجرين سبعمائة.

نحوه عبد اللّه بن عمر.(الطّبريّ 8:110)

سعيد بن جبير: لمّا نزلت مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ...

قال رجل من القوم:فإنّ لا إله إلاّ اللّه حسنة؟قال:نعم أفضل الحسنات.(الطّبريّ 8:108)

مجاهد :(بالحسنة):لا إله إلاّ اللّه كلمة الإخلاص (بالسّيّئة):بالشّرك و بالكفر.(الطّبريّ 8:108)

الضّحّاك: لا إله إلاّ اللّه.

مثله الحسن.(الطّبريّ 8:109)

الإمام الباقر عليه السّلام:هي للمسلمين عامّة،فإن لم يكن ولاية دفع عنه بما عمل من حسنة في الدّنيا،و ما له في الآخرة من خلاق، وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاّ

ص: 183

مِثْلَها، عدلا من اللّه سبحانه، وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ بنقص الثّواب و زيادة العقاب.(الكاشانيّ 2:175)

الرّبيع:نزلت هذه الآية مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ...

و هم يصومون ثلاثة أيّام من الشّهر،و يؤدّون عشر أموالهم،ثمّ نزلت الفرائض بعد ذلك:صوم رمضان، و الزّكاة.(الطّبريّ 8:110)

الإمام الصّادق عليه السّلام:لمّا نزلت هذه الآية مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها النّمل:89،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

ربّ زدني،فأنزل اللّه سبحانه مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها. (الكاشانيّ 2:175)

الطّبريّ: يقول:من وافى ربّه يوم القيامة في موقف الحساب-من هؤلاء الّذين فارقوا دينهم،و كانوا شيعا- بالتّوبة و الإيمان،و الإقلاع عمّا هو عليه مقيم من ضلالته؛و ذلك هو الحسنة الّتي ذكرها اللّه،فقال:من جاء بها فله عشر أمثالها.و يعني بقوله: فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها فله عشر حسنات أمثال حسنته الّتي جاء بها.

(...بالسّيّئة)يقول:و من وافى يوم القيامة منهم بفراق الدّين الحقّ و الكفر باللّه،فلا يجزى إلاّ ما ساءه من الجزاء،كما وافى اللّه به من عمله السّيّئ.

وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ يقول:و لا يظلم اللّه الفريقين، لا فريق الإحسان،و لا فريق الإساءة،بأن يجازي المحسن بالإساءة،و المسيء بالإحسان،و لكنّه يجازي كلا الفريقين من الجزاء ما هو له،لأنّه جلّ ثناؤه حكيم، لا يضع شيئا إلاّ في موضعه الّذي يستحقّ أن يضعه فيه، و لا يجازي أحدا إلاّ بما يستحقّ من الجزاء.

و قد دللنا فيما مضى على أنّ معنى الظّلم:وضع الشّيء في غير موضعه بشواهده المغنية عن إعادتها في هذا الموضع.

فإن قال قائل:فإن كان الأمر كما ذكرت،من أنّ معنى الحسنة في هذا الموضع:الإيمان باللّه،و الإقرار بوحدانيّته،و التّصديق برسوله،و السّيّئة فيه:الشّرك به،و التّكذيب لرسوله.فللإيمان أمثال،فيجازى بها المؤمن،و إن كان له مثل فكيف يجازى به،و الإيمان إنّما هو عندك قول و عمل،و الجزاء من اللّه لعباده عليه الكرامة في الآخرة،و الإنعام عليه بما أعدّ لأهل كرامته من النّعيم في دار الخلود،و ذلك أعيان ترى و تعاين و تحسّ،و يلتذّ بها،لا قول يسمع،و لا كسب جوارح؟

قيل:إنّ معنى ذلك غير الّذي ذهبت إليه،و إنّما معناه:من جاء بالحسنة فوافى اللّه بها له مطيعا،فإنّ له من الثّواب عشر حسنات أمثالها.

فإن قلت:فهل لقول:«لا إله إلاّ اللّه»من الحسنات مثل؟قيل:له مثل هو غيره،و ليس له مثل هو قول لا إله إلاّ اللّه،و ذلك هو الّذي وعد اللّه جلّ ثناؤه من أتاه به أن يجازيه عليه من الثّواب بمثل عشرة أضعاف ما يستحقّه قائله،و كذلك فيمن جاء بالسّيّئة الّتي هي الشّرك،إلاّ أنّه لا يجازي صاحبها عليها إلاّ ما يستحقّه عليها،من غير إضعافه عليه.(8:107)

الزّجّاج: و أجمع المفسّرون على قوله: وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها لأنّ (1)السّيّئة هاهنا الشّرك باللّه.

و قالوا: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ: هي قول:«لا إله إلاّّ.

ص: 184


1- كذا،و الظّاهر:على أنّ.

اللّه»و أصل الحسنات:التّوحيد،و أسوء السّيّئات:الكفر باللّه جلّ و عزّ.(2:310)

القمّيّ: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ... فهذه ناسخة لقوله: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها النّمل:89.

(1:222)

أبو مسلم الأصفهانيّ: إنّ الحسنة اسم عامّ يطلق على كلّ نوع من الإيمان و ينطلق على عمومه،فإن انطلقت الحسنة على نوع واحد منه،فليس له عليها من الثّواب إلاّ مثل واحد،و إن انطلقت على حسنة تشتمل على نوعين،كان الثّواب عليها مثلين،كقوله: اِتَّقُوا اللّهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ الحديد:

28،و الكفل:النّصيب كالمثل.

فجعل لمن اتّقى و آمن بالرّسول نصيبين،نصيبا لتقوى اللّه،و نصيبا لإيمانه برسوله،فدلّ على أنّ الحسنة الّتي جعلت لها عشر أمثالها هي الّتي جمعت عشرة أنواع من الحسنات،و هو الإيمان الّذي جمع اللّه في صفته عشرة أنواع،بقوله: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ وَ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ إلى قوله: وَ أَجْراً عَظِيماً الأحزاب:

35،فكانت هذه الأنواع العشرة الّتي ثوابها عشرة أمثالها،فيكون لكلّ نوع منها مثل.(الماورديّ 2:193)

الماتريديّ: ليس على التّحديد حتّى لا يزاد عليه و لا ينقص منه بل على التّعظيم لذلك؛إذ هذا العدد له خطر عند النّاس،أو على التّمثيل كقوله: كَعَرْضِ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ الحديد:21

و قال:(من جاء)و لم يقل:من عمل،ليعلم أنّ النّظر إلى ما ختم به و قبض عليه،دون ما وجد منه من العمل، فكأنّه قال:من ختم له بالحسنة و كذلك السّيّئة.(أبو حيّان 4:261)

عبد الجبّار:قالوا:ثمّ ذكر تعالى ما يدلّ على أنّه يجوز أن يتفضّل بأمثال الثّواب،و أنّ جميع ذلك يقع بتفضّله من غير استحقاق،و أنّه يجوز أن يبتدئ بذلك و بالعقاب أيضا.فقال: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ...

و الجواب عن ذلك:أنّ ظاهره إنّما يقتضي أنّ من جاء بالحسنة فله من اللّه تعالى عشر أمثالها،و لم يذكر أنّها أمثال لها في أيّ وجه!و قد بيّنّا أنّ بهذا القدر لا يعلم المراد.

و بعد،فقد بيّنّا أنّ ذكر التّماثل مع تقدّم وصف يقتضي حمله عليه،و الّذي تقدّم من الوصف هو كونها حسنة،فيجب في«العشر»أن تكون أمثالا لها في أنّها حسنة،و لا يفهم من ذلك أنّها جزاء أو تفضّل،لأنّه تعالى إذا تضمّن فعل الأمرين جاز أن يقال:إنّ لفاعل الطّاعة ذلك من قبله،كما إذا كان مستحقّا جاز أن يقال هذا القول،فمن أين أنّه تعالى يثيب لا على الفعل؟!

و المراد عندنا بالآية:أنّه تعالى يفعل ما يستحقّ بها الثّواب و يعطي المثاب على جهة التّفضّل:تسع حسنات، فيكون ذلك تفضّلا،و الحسنة الواحدة ثوابا و إن كانت في العدد تزيد على التّسعة،لأنّه إذا كان وجه التّماثل كونها حسنة،لا العدد،لم يمتنع فيها ما ذكرناه.

و لو لا أنّ الأمر كما قلناه لوجب القطع على أنّ الطّاعات لا تتفاضل فيما يستحقّ بها من الثّواب،و لوجب القطع على أنّ المستحقّ بجميعها هذا القدر،و هذا لا يصحّ عند الكلّ.

ص: 185

و إنّما أراد تعالى التّرغيب في الطّاعة بتضمّن التّفضّل مع الثّواب،فأمّا المعصية فممّا لا يجوز أن يفعل في عقابها أكثر من المستحقّ،لا عقابا و لا تفضّلا،لأنّ الابتداء بذلك ظلم،تعالى اللّه عنه.فزجر عنه تعالى بالقدر الّذي يصحّ الزّجر به،لأنّ الزّيادة فيه قبيحة،فلا يجوز أن يتوعّد تعالى بها،و لذلك قال عقيبه: وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ مبيّنا بذلك أنّه لا يفعل إلاّ القدر المستحقّ.و لو كان الأمر كما قالوا،فالواجب-لو فعل أضعاف ذلك-أن لا يكون ذلك ظلما،فكان لا يكون لهذا القول معنى.

و ربّما سألت المرجئة عن هذه المسألة فقالت:إنّه تعالى بيّن أنّ الّذي يستحقّ على الطّاعة أكثر ممّا يستحقّ على المعصية،فيجب في الجامع بين الأمرين أن تكون طاعته أغلب و باستحقاق الجنّة أولى،و هذا يوجب في مرتكبي الكبائر من أهل الصّلاة أنّهم من أهل الجنّة؟

و الجواب عن ذلك:أنّ ظاهره إنّما يوجب إزالة هذين القدرين في الطّاعة و المعصية،و لا يدلّ على أنّ جميع ما تضمّنه على الطّاعة مستحقّ،فمن أين أنّ الثّواب للطّائع إذا ارتكب كبيرة أكثر من عقابه؟!

و قد بيّنّا أنّ الآية لا تدلّ على المقدار،فلا يصحّ تعلّقهم بهذا من هذا الوجه أيضا.

على أنّ هذا القول يوجب أن يقطعوا بأنّ الجامع بين الأمرين إذا كان عدد طاعاته أكثر،أن يكون من أهل الجنّة،و ليس ذلك قولهم،لأنّهم يجوّزون أن يخلّد في النّار،و أن يعفى عنه بأن لا يدخلها،أو بأن يخرج عنها، و يوجب أن يقطعوا بمثله فيمن كثرت طاعاته و وقعت منه في آخر عمره معصية و كفر.

و يوجب عليهم القول:بأنّ من كثرت معاصيه و زادت على طاعاته،و هو من أهل الصّلاة،أن يكون من أهل النّار قطعا،و كلّ ذلك بخلاف مذهبهم.(1:270)

الماورديّ: في الحسنة و السّيّئة هنا قولان:

أحدهما:أنّ الحسنة:الإيمان،و السّيّئة:الكفر،قاله أبو صالح.

و الثّاني:أنّه على العموم في الحسنات و السّيّئات أن جعل جزاء الحسنة عشر أمثالها تفضّلا،و جعل جزاء السّيّئة مثلها عدلا،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«أبعد اللّه من غلبت واحدته عشرا».

ثمّ في ذلك قولان:

أحدهما:أنّه عامّ في جميع النّاس.

و الثّاني:[قول أبي سعيد الخدريّ]

فأمّا مضاعفة الحسنة بعشر أمثالها،فلأنّ اللّه فرض عشر أموالهم،و كانوا يصومون في كلّ شهر ثلاثة أيّام و هي البيض منه،فكان آخر العشر من المال آخر جميع المال،و آخر الثّلاثة الأيّام آخر جميع الشّهر.

و أمّا مضاعفة ذلك بسبعمائة ضعف،فلقوله تعالى:

مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ البقرة:261،فضاعف اللّه الحسنة بسبعمائة ضعف،و كان الحسن البصريّ يقرأ (فله عشر امثالها) بالتّنوين،و وجهه في العربيّة صحيح.[و ذكر كلام أبي مسلم الأصفهانيّ ثمّ قال:]

و هذا تأويل فاسد،لخروجه عن عموم الظّاهر،لما لا يحتمله تخصيص العموم،لأنّ ما جمع عشرة أنواع فهو

ص: 186

عشر حسنات،فليس يجزي عن حسنة إلاّ مثلها،و بطل أن يكون جزاء الحسنة عشر أمثالها.

و ذكر بعض المفسّرين تأويلا ثالثا:أنّ له عشر أمثالها في النّعيم و الزّيادة،لا في عظيم المنزلة،لأنّ منزلة التّعظيم لا تنال إلاّ بالطّاعة،و هذه مضاعفة تفضيل،كما قال: لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ فاطر:30.

(2:193)

الطّوسيّ: [قال بعد بيان الإعراب في جملة فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها: ]

و قال أكثر أهل العدل:إنّ الواحد من العشرة مستحقّ،و تسعة تفضّل.

و قال بعضهم:المعنى فله من الثّواب ثواب عشر حسنات أمثالها.و هذا لا يجوز،لأنّه يقبح أن يعطي غير العامل مثل ثواب العامل كما يقبح أن يعطي الأطفال مثل ثواب الأنبياء،و مثل إجلالهم و إكرامهم،و أن يرفع منزلتهم عليهم.و إنّما لم يتوعّد على السّيّئة إلاّ مثلها، لأنّ الزّائد على ذلك ظلم،و اللّه يتعالى عن ذلك،و زيادة الثّواب على الجزاء تفضّل و إحسان،فجاز أن يزيد عليه.

قال الرّمّانيّ: و لا يجوز على قياس عشرة أمثالها عشر صالحات بالإضافة،لأنّ المعنى ظاهر في أنّ المراد عشر حسنات أمثالها.و قال غيره:لأنّ الصّالحات لا تعدّ،لأنّها أسماء مشتقّة.و إنّما تعدّ الأسماء،و المثل اسم،فلذلك جاز العدد به.

و قال الرّمّانيّ: دخول الهاء في قوله:(الحسنة)يدلّ على أنّ تلك الحسنة ما هو مباح لا يستحقّ عليه المدح و الثّواب.و لو قيل:دخول الألف و اللاّم فيهما يدلّ على أنّ الحسنة هي المأمور بها،و دخلا للعهد-و اللّه لا يأمر بالمباح-لكان أقوى ممّا قاله.و يجوز أن يكون التّفضّل مثل الثّواب في العدد و الكثرة،و يتميّز منه الثّواب بمقارنة التّعظيم و التّبجيل اللّذين لولاهما لما حسن التّكليف.

و إنّما قلنا:يجوز ذلك،لأنّ وجه حسن ذلك الإحسان و التّفضّل،و ذلك حاصل في كلّ قدر زائد.و في النّاس من منع من أن يساوي التّفضّل الثّواب في باب الكثرة، و الصّحيح ما قلناه أوّلا.

فإن قيل:كيف يجمعون بين قوله: فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها و بين قوله: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ البقرة:261،و قوله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً البقرة:

245،و لأنّ المجازاة بدخول الجنّة مثابا فيها على وجه التّأبيد،لا نهاية له،فكيف يكون ذلك عشر أمثالها، و هل هذا إلاّ ظاهر التّناقض؟!

قلنا:الجواب عن ذلك ما ذكره الزّجّاج و غيره:إنّ المعنى في ذلك أنّ جزاء اللّه على الحسنات على التّضعيف للمثل الواحد الّذي هو النّهاية في التّقيّد في النّفوس و يضاعف اللّه عن ذلك بما بين عشرة أضعاف إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة الفائدة؛ذلك أنّه لا ينقص من الحسنة عن عشر أمثالها،و فيما زاد على ذلك يزيد من يشاء من فضله و إحسانه.

و قال قوم:المعنى من جاء بالحسنة فله عشر أمثال المستحقّ عليها،و المستحقّ مقداره لا يعلمه إلاّ اللّه، و ليس يريد بذلك عشر أمثالها في العدد،كما يقول القائل

ص: 187

للعامل الّذي يعمل معه:لك من الأجر مثل ما عملت، أي مثل ما تستحقّه بعملك.

و قال آخرون:المعنى في ذلك أنّ الحسنة لها مقدار من الثّواب معلوم للّه تعالى،أخبر اللّه تعالى أنّه لا يقتصر بعباده على ذلك بل يضاعف لهم الثّواب حتّى تبلغ ذلك ما أراد و علم أنّه أصلح لهم،و لم يرد العشرة بعينها،لكن أراد الأضعاف،كما يقول القائل:لئن أسديت إليّ معروفا لأكافينّك بعشرة أمثاله و عشرة أضعافه.و في الوعيد:

لئن كلّمتني واحدة لأكلّمنّك عشرة،و ليس يريدون بذلك العدد المعيّن لا أكثر منها،و إنّما يريدون ما ذكرناه.

و قال قوم:عنى بهذه الآية الأعراب،و أمّا المهاجرون فحسناتهم سبعمائة،ذهب إليه أبو سعيد الخدريّ، و عبد اللّه بن عمر.

و قال قوم:معنى عَشْرُ أَمْثالِها لأنّه كان يؤخذ منهم العشر في الزّكاة و كانوا يصومون في كلّ شهر ثلاثة أيّام،و الباقي لهم.

و قال قوم: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ يعني الإيمان،فله يعني للإيمان عَشْرُ أَمْثالِها و هو ما ذكره في قوله: إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَ الْمُسْلِماتِ... الأحزاب:35،و هذان الوجهان قريبان،و المعتمد ما قدّمناه من الوجوه.

و قال أكثر المفسّرين:إنّ السّيّئة المذكورة في الآية هي الشّرك،و الحسنة المذكورة فيها هي التّوحيد و إظهار الشّهادتين.

فإن قيل:كيف يجوز الزّيادة في نعم المثابين مع أنّ الثّواب قد استغرق جميع مناهم و ما يحتملونه؟

قلنا:عنه جوابان:

أحدهما:أنّه ليس للمنيّة نهاية ممّا يحتمله من اللّذّات.

و الثّاني:أن يزاد في البنية و القوّة مثل أن يزاد في قوّة البصر،حتّى الجزء الّذي لا يتجزّأ،و إن لم يزد في إخفاء الإنسان.(4:356)

القشيريّ: هذه الحسنات للظّاهر،و أمّا حسنات القلوب فللواحد مائة إلى أضعاف مضاعفة.

و يقال:الحسنة من فضله تعالى تصدر،و بلطفه تحصل،فهو يجري،ثمّ يقبل و يثني،ثم يجازي و يعطي.

و يقال:إحسانه-الّذي هو التّوفيق-يوجب إحسانك الّذي هو الوفاق،و إحسانه-الّذي هو خلق الطّاعة-يوجب لك نعت الإحسان الّذي هو الطّاعة، فالعناء منك فعله،و الجزاء لك فضله.

و يقال:إحسان النّفوس:توفية الخدمة،و إحسان القلوب:حفظ الحرمة،و إحسان الأرواح:مراعاة آداب الحشمة.

و يقال:إحسان الظّاهر يوجب إحسانه في السّرائر، فالّذي منك مجاهدتك،و الّذي إليك مشاهدتك.

و يقال:إحسان الزّاهدين:ترك الدّنيا،و إحسان المريدين:رفض الهوى،و إحسان العارفين:قطع المنى، و إحسان الموحّدين:التّخلّي عن الدّنيا و العقبى، و الاكتفاء بوجود المولى.

و يقال:إحسان المبتدئين:الصّدق في الطّلب، و إحسان أصحاب النّهاية:حفظ الأدب،فشرط الطّلب:ألاّ يبقى ميسور إلاّ بذلته،و شرط الأدب:ألاّ تسمو لك همّة إلى شيء إلاّ قطعته و تركته.

ص: 188

و يقال للزّهّاد و العبّاد،و أصحاب الأوراد و أرباب الاجتهاد:جزاء محصور معدود،و لأهل المواجيد:لقاء غير مقطوع و لا ممنوع.(2:208)

الزّمخشريّ: و هذا أقلّ ما وعد من الأضعاف، و قد وعد بالواحد سبعمائة،و وعد ثوابا بغير حساب، و مضاعفة الحسنات فضل،و مكافأة السّيّئات عدل.(2:64)

نحوه البيضاويّ(1:34)،و النّسفيّ(2:42)، و الشّربينيّ(1:461)،و أبو السّعود(2:468).

الطّبرسيّ: لمّا ذكر سبحانه الوعيد على المعاصي، عقّبه بذكر الوعد و تضعيف الجزاء في الطّاعات،فقال:

مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها أي من جاء بالخصلة الواحدة من خصال الطّاعة فله عشر أمثالها من الثّواب، وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ أي بالخصلة الواحدة من خصال الشّرّ فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها و ذلك من عظيم فضل اللّه تعالى و جزيل إنعامه على عباده؛حيث لا يقتصر في الثّواب على قدر الاستحقاق بل يزيد عليه، و ربّما يعفو عن ذنوب المؤمن منّا منه عليه و تفضّلا،و إن عاقب عاقب على قدر الاستحقاق عدلا.

و قيل:المراد بالحسنة:التّوحيد،و بالسّيّئة:الشّرك، عن الحسن و أكثر المفسّرين.و على هذا فإنّ أحسن (1)الحسنات:التّوحيد،و أسوء السّيّئات:الكفر.

(2:390)

ابن عطيّة: [نقل كلام أبي سعيد الخدريّ ثمّ قال:]

و هذا تأويل يحتاج إلى سند يقطع العذر،و قالت فرقة:هذه الآية لجميع الأمّة،أي إنّ اللّه يضاعف الحسنة بعشرة،ثمّ بعد هذا المضمون قد يزيد ما يشاء،و قد يزيد أيضا على بعض الأعمال كنفقة الجهاد.[و نقل كلام ابن مسعود ثمّ قال:]

و هذه هي الغاية من الطّرفين.و قالت فرقة:ذلك لفظ عامّ في جميع الحسنات و السّيّئات،و هذا هو الظّاهر.

(2:368)

نحوه الثّعالبيّ.(1:525)

ابن الجوزيّ: و في الحسنة و السّيّئة هاهنا قولان:

أحدهما:[قول مجاهد و ابن مسعود]

و الثّاني:أنّه عامّ في كلّ حسنة و سيّئة.روى مسلم في«صحيحه»من حديث أبي ذرّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:

«يقول اللّه عزّ و جلّ:من جاء بالحسنة فله عشر أمثالها أو أزيد،و من جاء بالسّيّئة فجزاء سيّئة مثلها أو أغفر».

فإن قيل:إذا كانت الحسنة كلمة التّوحيد،فأيّ مثل لها حتّى يجعل جزاء قائلها عشر أمثالها؟

فالجواب:أنّ جزاء الحسنة معلوم القدر عند اللّه،فهو يجازي فاعلها بعشر أمثاله،و كذلك السّيّئة.

(3:159)

الفخر الرّازيّ: في الآية مسائل:

المسألة الأولى:قال بعضهم:الحسنة قول:لا إله إلاّ اللّه،و السّيّئة هي الشّرك،و هذا بعيد بل يجب أن يكون محمولا على العموم:إمّا تمسّكا باللّفظ،و إمّا لأجل أنّه حكم مرتّب على وصف مناسب له،فيقتضي كون الحكم معلّلا بذلك الوصف،فوجب أن يعمّ لعموم العلّة.».

ص: 189


1- هذا هو الظّاهر،و في نسخة«أهل الحسنات»و في أخرى«أصل أحسن الحسنات».

المسألة الثّانية:قال الواحديّ رحمه اللّه:حذفت الهاء من(عشر)و الأمثال:جمع مثل،و المثل مذكّر،لأنّه أريد عشر حسنات أمثالها،ثمّ حذفت الحسنات و أقيمت الأمثال الّتي هي صفتها مقامها.و حذف الموصوف كثير في الكلام،و يقوّي هذا قراءة من قرأ (عشر أمثالها) بالرّفع و التّنوين.

المسألة الثّالثة:مذهبنا أنّ الثّواب تفضّل من اللّه تعالى في الحقيقة،و على هذا التّقدير فلا إشكال في الآية.

أمّا المعتزلة فهم فرّقوا بين الثّواب و التّفضّل،بأنّ الثّواب هو المنفعة المستحقّة،و التّفضّل هو المنفعة الّتي لا تكون مستحقّة.

ثمّ إنّهم على تقريع مذاهبهم اختلفوا،فقال بعضهم:

هذه العشرة تفضّل و الثّواب غيرها،و هو قول الجبّائيّ قال:لأنّه لو كان الواحد ثوابا و كانت التّسعة تفضّلا لزم أن يكون الثّواب دون التّفضّل،و ذلك لا يجوز،لأنّه لو جاز أن يكون التّفضّل مساويا للثّواب في الكثرة و الشّرف،لم يبق في التّكليف فائدة أصلا فيصير عبثا و قبيحا،و لمّا بطل ذلك علمنا أنّ الثّواب يجب أن يكون أعظم في القدر و في التّعظيم من التّفضّل.

و قال آخرون:لا يبعد أن يكون الواحد من هذه التّسعة ثوابا،و تكون التّسعة الباقية تفضّلا،إلاّ أنّ ذلك الواحد يكون أوفر و أعظم و أعلى شأنا من التّسعة الباقية.

المسألة الرّابعة:قال بعضهم:التّقدير بالعشرة ليس المراد منه التّحديد،بل أراد الأضعاف مطلقا،كقول القائل:لئن أسديت إليّ معروفا لأكافئنّك بعشر أمثاله، و في الوعيد يقال:لئن كلّمتني واحدة لأكلّمنّك عشرا، و لا يريد التّحديد فكذا هاهنا.و الدّليل على أنّه لا يمكن حمله على التّحديد،قوله تعالى: وَ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ... البقرة:265.

ثمّ قال تعالى: وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها أي الإجزاء يساويها و يوازيها.[ثمّ نقل حديثي أبي ذرّ عن النّبيّ](14:8)

ابن عربيّ: هذا أقلّ درجات الثّواب؛و ذلك أنّ الحسنة تصدر بظهور القلب،و السّيّئة بظهور النّفس، فأقلّ درجات ثوابها أنّه يصل إلى مقام القلب،الّذي يتلو مقام النّفس في الارتقاء،تلو مرتبة العشرات للآحاد في الأعداد.

وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ... لأنّه لا مقام أدون من مقام النّفس،فيخطّ إليه بالضّرورة،فيرى جزاءه في مقام النّفس بالمثل،و من هذا يعلم أنّ الثّواب من باب الفضل،فإنّه يزيد به صاحبه،و يتنوّر استعداده،و يزداد قبوله لفيض الحقّ،فيتقوّى على أضعاف ما فعل، و يكتسب به أجورا متضاعفة إلى غير نهاية،بازدياد القبول عند فعل كلّ حسنة،و زيادة القدرة،و الشّغف على الحسنة عند زيادة الفيض،إلى ما لا يعلمه إلاّ اللّه،كما قال بعد ذكر أضعافها إلى سبعمائة: وَ اللّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ البقرة:261.و أنّ العقاب من باب العدل؛إذ العدل يقتضي المساواة،و من فعل بالنّفس،إذا لم يعف عنه يجازي بالنّفس سواء.(1:416)

نحوه القاسميّ.(6:2588)

القرطبيّ: و الحسنة هنا:الإيمان،أي من جاء

ص: 190

بشهادة أن لا إله إلاّ اللّه فله بكلّ عمل عمله في الدّنيا من الخير عشرة أمثاله من الثّواب.

وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ يعني الشّرك فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها و هو الخلود في النّار،لأنّ الشّرك أعظم الذّنوب،و النّار أعظم العقوبة.فذلك قوله تعالى: جَزاءً وِفاقاً النّبأ:26 يعني جزاء وافق العمل.و أمّا الحسنة فبخلاف ذلك،لنصّ اللّه تعالى على ذلك.(7:151)

النّيسابوريّ: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ... قبل ذلك حتّى يقدر على الإتيان بتلك الحسنة،و هي حسنة الإيجاد من العدم،و حسنة الاستعداد حيث خلقه في أحسن تقويم،و حسنة التّربية،و حسنة الرّزق،و حسنة بعثة الرّسل،و حسنة إنزال الكتب،و حسنة تبيين الحسنات من السّيّئات،و حسنة التّوفيق للحسنة، و حسنة الإخلاص في الإحسان،و حسنة قبول الحسنات.

وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ... لأنّ السّيّئة بذر يزرع في أرض النّفس،و النّفس خبيثة لأنّها أمّارة بالسّوء، و الحسنة بذر يزرع في أرض القلب،و القلب طيّب وَ الْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَباتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ الَّذِي خَبُثَ لا يَخْرُجُ إِلاّ نَكِداً الأعراف:58

و التّحقيق أنّه كما للأعداد ثلاث مراتب:الآحاد و العشرات و المئات،و بعد ذلك تكون الألوف إلى حيث لا يتناهى،فكذلك للإنسان أربع مراتب:النّفس، و القلب،و الرّوح،و السّرّ،فالعمل الواحد في مرتبة النّفس،أي إذا صدر عنها يكون واحدا،و في مرتبة القلب يكون بعشر أمثالها،و في مرتبة الرّوح يكون بمائة،و في مرتبة السّرّ يكون بألف،إلى أضعاف كثيرة بقدر صفاء السّرّ و خلوص النّيّة إلى ما لا يتناهى،و هذا سرّ ما جاء في القرآن و الحديث من تفاوت جزاء الحسنات،و اللّه تعالى أعلم و رسوله.(8:65)

الخازن :يعني عشرة حسنات أمثالها، وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ... يعني مثلها في مقابلتها.و اختلفوا في هذه الحسنة و السّيّئة على قولين:

أحدهما:أنّ الحسنة:قول:«لا إله إلاّ اللّه»، و السّيّئة:هي الشّرك باللّه،و أورد على هذا القول أنّ «كلمة التّوحيد»لا مثل لها حتّى يجعل جزاء قائلها عَشْرُ أَمْثالِها.

و أجيب عنه بأنّ جزاء الحسنة قدر معلوم عند اللّه، فهو يجازي على قدر إيمان المؤمن،بما شاء من الجزاء.

و إنّما قال: عَشْرُ أَمْثالِها للتّرغيب في الإيمان لا للتّحديد،و كذلك جزاء السّيّئة بمثلها من جنسها.

و القول الثّاني:أنّ اللّفظ عامّ في كلّ حسنة يعملها العبد أو سيّئة،و هذا أولى،لأنّ حمل اللّفظ على العموم أولى.قال بعضهم:التّقدير بالعشرة ليس للتّحديد،لأنّ اللّه يضاعف لمن يشاء في حسناته إلى سبعمائة،و يعطي من يشاء بغير حساب،و إعطاء الثّواب لعامل الحسنة فضل من اللّه تعالى.هذا مذهب أهل السّنّة،و جزاء السّيّئة بمثلها عدل منه سبحانه و تعالى،و هو قوله تعالى:

وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ. (2:170)

أبو حيّان :[ذكر أقوال السّابقين ثمّ قال:]و قيل:

الحسنة و السّيّئة عامّان،و هو الظّاهر،و ليسا مخصوصين بالكفر و الإيمان،و يكون وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ مخصوصا بمن أراد اللّه تعالى و قضى بمجازاته عليها،و لم

ص: 191

يقض أن يغفر له.و كونه له عَشْرُ أَمْثالِها لا يدلّ على أنّه يزاد-إن كان مفهوم العدد قويّا في الدّلالة-إذ تكون «العشر»هي الجزاء على الحسنة،و ما زاد فهو فضل من اللّه،كما قال: وَ اللّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ. البقرة:261.

(4:261)

الكاشانيّ: [نقل قول القمّيّ ثمّ قال:]

هذا أقل ما وعد من الأضعاف،و قد جاء الوعد بسبعين،و سبعمائة،و بغير حساب.[ثمّ نقل أحاديث الأئمّة عليهم السّلام و قال:]

لعلّ السّرّ في كون الحسنة بعشر أمثالها و السّيّئة بمثلها:أنّ الجوهر الإنسانيّ المؤمن بطبعه مائل إلى العالم العلويّ،لأنّه مقتبس عنه،و هبوطه إلى القالب الجسمانيّ غريب من طبيعته،و الحسنة إنّما ترتقي إلى ما يوافق طبيعته ذلك الجوهر،لأنّها من جنسه،و القوّة الّتي تحرّك الحجر إلى ما فوق ذراعا واحدا هي بعينها،إن استعملت في تحريكه إلى أسفل حرّكته عشرة أذرع و زيادة، فلذلك كانت الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف، و منها ما يوفّي أجرها بغير حساب.و الحسنة الّتي لا يدفع تأثيرها سمعة أو رياء أو عجب كالحجر الّذي يدور من شاهق لا يصادفه دافع،لأنّه لا يتقدّر مقدار هويّته بحساب حتّى تبلغ الغاية.(2:175).

البروسويّ: أي من جاء يوم القيامة بالأعمال الحسنة من المؤمنين؛إذ لا حسنة بغير إيمان[إلى أن قال:]

فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها أي فله عشر حسنات أمثالها فضلا من اللّه تعالى.ف«الأمثال»ليس مميّزا ل«العشر»بل مميّزها هو«الحسنات»و«الأمثال»صفة لمميّزها،و لذا لم يذكر«التّاء»ل«العشر».[إلى أن قال](بالسّيّئة) الأنعام:160 أي بالأعمال السّيّئة كائنا من كان من العاملين.(3:126)

شبّر:(بالحسنة)المعهودة المأمور بها،و الهاء للمبالغة،(فله عشر)حسنات(امثالها)ثوابا أو تفضّلا، أي عشر أمثالها في النّعيم و اللّذّة،لا في المنزلة.

(بالسّيّئة)تفضّلا و كرما في الأوّل،و عدلا في الثّاني.

(2:340)

الآلوسيّ: استئناف مبيّن لمقادير أجزية العاملين، و قد صدر ببيان أجزية المحسنين المدلول عليهم بذكر أضدادهم،أي من جاء من المؤمنين بالخصلة الواحدة من خصال الطّاعة،أيّ خصلة كانت،و قيل:التّوحيد-و نسب إلى الحسن-و ليس بالحسن(فله عشر)حسنات (امثالها)فضلا من اللّه تعالى.[ثمّ نقل بعض الأقوال و قال:]

و الظّاهر العموم.

[و أدام البحث باستدلال كلّ من المعتزلة و الأشاعرة بإثبات الحسن و القبح للفعلين و الرّدّ عليهما](8:68)

رشيد رضا :هذه الآية استئناف لبيان الجزاء العامّ في الآخرة على الحسنات،و هي الإيمان و الأعمال الصّالحة،و على السّيّئات و هي الكفر و الأعمال الفاسدة، جاءت في خاتمة السّورة الّتي بيّنت قواعد العقائد و أصول الإيمان باللّه و ملائكته و كتبه و رسله و اليوم الآخر، و أقامت عليها البراهين و فنّدت ما يورده الكفّار عليها من الشّبهات،كما بيّنت بالبراهين فساد ما يقابلها من قواعد الشّرك و أصول الكفر،و أبطلت شبهات أهله،ثمّ

ص: 192

بيّنت في الوصايا العشر أصول الآداب و الفضائل الّتي يأمر بها الإسلام،و ما يقابلها من أصول الرّذائل و الفواحش الّتي ينهى عنها،فناسب بعد ذلك كلّه أن يبيّن الجزاء على كلّ منهما في الآخرة بعد الإشارة إلى فوائد الأمر و النّهي و ما فيهما من المصالح الدّنيويّة بما ذيّلت به آيات الوصايا،و ما سبق من ذكر الجزاء في أثناء السّورة غير مغن عن هذه الآية،لأنّه ليس عامّا كعمومها،و لا مبيّنا للفرق بين الحسنات و السّيّئات كبيانها.

فقوله تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها معناه أنّ كلّ من جاء ربّه يوم القيامة متلبّسا بالصّفة الحسنة الّتي يطبعها في نفسه طابع الإيمان و العمل الصّالح، فله عنده من الجزاء عشر حسنات أمثالها من العطايا، فإذا كان تأثير الحسنة في نفسه أن تكون حالة حسنة بقدر معيّن بحسب سننه تعالى،في ترتيب الجزاء على آثار الأعمال الحسنة في تزكية الأنفس،فهو يعطيه ذلك مضاعفا عشرة أضعاف،تغليبا لجانب الحقّ و الخير على جانب الباطل و الشّرّ،رحمة منه جلّ ثناؤه بعبيده المكلّفين.و قد قرأ يعقوب (عشر) بالتّنوين و (أمثالها) بالرّفع على الوصف.

و الظّاهر أنّ هذه العشر لا تدخل فيما وعد اللّه تعالى به من المضاعفة لمن يشاء على بعض الأعمال،كالنّفقة في سبيله،فقد وعد بالمضاعفة عليها بإطلاق في قوله: إِنْ تُقْرِضُوا اللّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللّهُ شَكُورٌ حَلِيمٌ التّغابن:17،و بالمضاعفة الموصوفة بالكثرة في قوله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً... البقرة:245،ثمّ بالمضاعفة سبعمائة ضعف في قوله منها أيضا:261:

مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ قيل:إنّ المراد بالمضاعفة لمن يشاء هذه المضاعفة نفسها،و قيل:بل المراد به غيرها أو ما يزيد عليها،و قيل أيضا:إنّ المضاعفة كلّها خاصّة بالإنفاق.و الأرجح أنّ المضاعفة عامّة و أنّ الجملة على إطلاقها،فتتناول ما زاد على سبعمائة ضعف و ما نقص عنه،و هي تشير إلى تفاوت المنفقين و غيرهم من المحسنين في الصّفات النّفسيّة كالإخلاص في النّيّة، و الاحتساب و الأريحيّة،و فيما يتبعها من العمل كالإخفاء سترا على المعطى و تباعدا من الشّهرة،و الإبداء لأجل حسن القدوة،و تحرّي المنافع و المصالح،و في الأحوال الماليّة و الاجتماعيّة كالغنى و الفقر و الصّحّة و المرض،و فيما يقابل ذلك من الصّفات و الأعمال كالرّياء و حبّ الشّهرة الباطلة و المنّ و الأذى.

فالعشرة مبذولة لكلّ من أتى بالحسنة،و المضاعفة فوقها تختلف بمشيئته تعالى،بحسب ما يعلم من اختلاف أحوال المحسنين.(8:232)

نحوه المراغيّ.(8:86)

مغنيّة:كلّ ما فيه للّه رضا و للنّاس صلاح فهو حسنة،و كلّ ما فيه سخط للّه و فساد للنّاس فهو سيّئة، و اللّه سبحانه عادل و كريم،و من عدله أن يجزي فاعل السّيّئة بما يعادلها من العذاب،و من كرمه أن يعفو،و أن يضاعف لفاعل الحسنة أضعافا تزيد إلى عشرة أمثال،

ص: 193

أو إلى سبعمائة،أو إلى ما لا يبلغه العدّ و الإحصاء،وفقا لنوايا المحسن و صفاته و أوضاعه.[و نقل أحاديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله](3:290)

نحوه الطّباطبائيّ(7:390)،و عبد الكريم الخطيب (4:354).

مكارم الشّيرازيّ: ثواب أكثر،عقاب أقلّ:

في الآية اللاّحقة إشارة إلى الرّحمة الإلهيّة الواسعة، و إلى الثّواب الإلهيّ الواسع الّذي ينتظر الأفراد الصّالحين المحسنين،و قد كمّلت التّهديدات المذكورة في الآية بهذه التّشجيعات،و يقول: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها، ثمّ قال: وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها.

و للتّأكيد يضيف هذه الجملة أيضا،فيقول: وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ و إنّما يعاقبون بمقدار أعمالهم.

و أمّا ما هو المراد من(الحسنة)و(السّيّئة)في الآية و هل هما خصوص«التّوحيد»و«الشّرك»أو معنى أوسع؟فبين المفسّرين خلاف مذكور في محلّه،و لكن ظاهر الآية يشمل كلّ عمل صالح و فكر صالح و عقيدة صالحة أو سيّئة؛إذ لا دليل على تحديد أو حصر الحسنة و السّيّئة.

بحوث

و هاهنا نكات يجب التّوجّه إليها و التّوقّف عندها:

1-المراد من«جاء به»

إنّ المقصود من قوله:«جاء به»كما يستفاد من مفهوم الجملة هو أن يجيء بالعمل الصّالح أو السّيّئ معه، يعني إذا مثّل الإنسان أمام المحكمة الإلهيّة العادلة يوم القيامة لا يمكنه أن يحضر بيد فارغة خالية،أو عقيدة أو عمل صالح،أو عقيدة أو أعمال صالحة،بل هي معه دائما،و لا تنفصل عنه أبدا،و هي قرينة في الحياة الأبديّة،تحشر معه،و تجيء معه.

لقد استعمل مثل هذا التّعبير في الآيات القرآنيّة الأخرى بهذا المعنى أيضا،ففي الآية:33،من سورة «ق»نقرأ قوله تعالى: مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَ جاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ إنّ الجنّة لمن آمن باللّه عن طريق الإيمان بالغيب،و خافه و أتى إلى ساحة القيامة بقلب تائب مملوء بالإحساس بالمسئوليّة.

2-أجر الحسنة،عشرة أضعاف

إنّنا نقرأ في الآية أنّ الحسنة يثاب عليها بعشرة أضعافها،بينما يستفاد من بعض الآيات القرآنيّة أنّه اقتصر على عبارة أَضْعافاً كَثِيرَةً من دون ذكر عدد الأضعاف-كما في الآية:245،من سورة البقرة-و في بعض الآيات بلغ ثواب بعض الأعمال مثل الإنفاق إلى سبعمائة ضعف-كما في الآية:261،من سورة البقرة-بل ربّما إلى أكثر من ذلك مثل قوله: إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ الزّمر:10.

إنّ من الواضح أنّه لا تناقض بين هذه الآيات أبدا؛ إذ إنّ أقلّ ما يعطى للمحسنين هو عشرة أضعاف الحسنة،و هكذا يتصاعد حجم الثّواب مع تعاظم أهمّيّة العمل و الحسنة،و مع تعاظم درجة الإخلاص،و مع ازدياد مقدار السّعي و الجهد المبذول في سبيل العمل الصّالح،حتّى يصل الأمر إلى أن تتحطّم الحدود و المقادير،و لا يعلم حدّ الثّواب و مقداره إلاّ اللّه تعالى.

ص: 194

فمثلا الإنفاق الّذي يحظى بأهمّيّة بالغة في الإسلام يتجاوز مقدار ثوابه الحدّ المتعارف للعمل الصّالح الّذي هو عشرة أضعاف الحسنة،و يصل إلى«الأضعاف الكثيرة»أو«سبعمائة ضعف»و ربّما أكثر من ذلك.

و الاستقامة الّتي هي أساس جميع النّجاحات و السّعادات،و لا تبقى عقيدة أو عمل صالح و لا يستمرّ بدونها،قد ذكر القرآن لها ثوابا خارجا عن حدّ الإحصاء و الحساب.

و من هنا أيضا يتّضح عدم المنافاة بين هذه الآية و بين الرّوايات الّتي تذكر لبعض الأعمال الحسنة مثوبة أكثر من عشرة أضعاف.

كما أنّ ما نقرؤه في الآية:84،من سورة القصص في قوله تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها لا ينافي هذه الآية حتّى نحتاج إلى القول بنسخ الآية،لأنّ للخير معنى واسعا يتلاءم مع عشرة أضعاف أيضا.(4:494)

فضل اللّه :و هذا هو مظهر رحمة اللّه و عدله،فمن رحمته أن ينمّي في الإنسان دوافع الخير و يشجّعه على التّحرّك سريعا في اتّجاهه؛و ذلك بمضاعفة ثوابه، مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ الواحدة فإنّ اللّه يكتب له الثّواب بعشر أمثالها، فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها لتلتقي عنده في هذا المجال الدّوافع الذّاتيّة بالدّوافع الرّوحيّة،فإنّ الذّات تتطلّب الكسب و الرّبح و الفائدة،كما أنّ الرّوح تتطلّع إلى رضوان اللّه و ثوابه،فيتحقّق للإنسان تنمية دوافع الرّبح بما يتطلّع إليه من الثّواب و الرّضوان.و من عدله أن لا يضاعف العقوبة على السّيّئة، وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها بل يجزيه عليها بمثلها،من موقع الاستحقاق لذلك،فلا ظلم عليه من أيّة جهة كانت، وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ. (9:392)

و جاءت بهذا المعنى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها... وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النّارِ النّمل 89،90 و: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ... القصص:84

2- ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتّى عَفَوْا...

الأعراف:95

ابن عبّاس: مكان القحط و الجدوبة و الشّدّة، الخصب و الرّخاء و النّعيم.(133)

مجاهد :السّيّئة:الشّرّ،و الحسنة:الرّخاء و المال و الولد.الطّبريّ(9:7)

مكان الشّدّة رخاء.(الماورديّ 2:242)

مثله الحسن(الماورديّ 2:242)،و قتادة(الطّبريّ 9:7).

ابن زيد :بدّلنا مكان ما كرهوا ما أحبّوا في الدّنيا.

(الطّبريّ 9:8).

الطّبريّ: ثمّ بدّلنا أهل القرية الّتي أخذنا أهلها بالبأساء و الضّرّاء،مكان السّيّئة،و هي البأساء و الضّرّاء.و إنّما جعل ذلك سيّئة،لأنّه ممّا يسوء النّاس،و لا تسوؤهم الحسنة،و هي الرّخاء و النّعمة و السّعة في المعيشة.(9:7)

نحوه الثّعلبيّ.(4:264)

عبد الجبّار:فأضاف تبديل أحدهما بالآخر إليه؛

ص: 195

و ذلك لا يصحّ إلاّ و هو الفاعل لهما.

و الجواب عن ذلك:أنّ ظاهره يقتضي أنّ ما قد وقع سيّئة يجعلها تعالى حسنة،و هذا ممّا لا يصحّ القول به، لأنّ إبدال الفعل بالفعل إنّما يصحّ و لمّا يقع،لأنّ من يجوز البدل في الكفر و الإيمان إنّما يجوّز على جهة التّقدير،و لا يحكم بأنّه قد وقع و كان.

و بعد،فإنّ الظّاهر يقتضي أنّه تعالى قد بدّل مكان كلّ السّيّئات الحسنات،و هذا يوجب أنّ الكفّار قد حصلوا على الحسنات،و كذلك كلّ من أقدم على السّيّئة،و ليس ذلك بقول لأحد على وجه.

و المراد بذلك:أنّه تعالى بدّل مكان ما كانوا عليه من القحط و الشّدّة و ضروب المضارّ و المصائب،الخصب و الرّخاء و ضروب المنافع،على طريقة العرب في تسمية ما ظهر فيه-في الحال-المنفعة بالحسنة،و ضدّ ذلك بالسّيّئة،و لذلك قال تعالى بعده: وَ قالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرّاءُ وَ السَّرّاءُ، و ذلك لا يليق إلاّ بما ذكرناه.

(1:288)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:[قول ابن عبّاس]

و الثّاني:مكان الخير و الشّرّ.(2:242)

الطّوسيّ: أخبر اللّه تعالى في هذه الآية أنّه بدّل مكان السّيّئة الحسنة وَ قالُوا قَدْ مَسَّ آباءَنَا الضَّرّاءُ وَ السَّرّاءُ. و معناه أنّه تعالى بعد أن يفعل بهم البأساء و الضّرّاء ليتضرّعوا،يبدّل مكان السّيّئة الحسنة.

و التّبديل:وضع أحد الشّيئين مكان الآخر،فلمّا رفعت السّيّئة عنهم و وضعت الحسنة،كانت مبدّلة بها.(4:506)

نحوه الطّبرسيّ(2:451)،و الطّباطبائيّ(8:200).

الواحديّ: يعني بالسّيّئة البؤس و المرض، و بالحسنة الغنى و الصّحّة،و المعنى:أنّه يعطيهم بدل ما كانوا فيه من البؤس و المرض:المال و الصّحّة،أخبر اللّه أنّه يأخذ أهل المعاصي بالشّدّة تارة و بالرّخاء تارة.

(2:389)

نحوه الشّربينيّ.(1:496)

البغويّ: (الحسنة):النّعمة و السّعة و الخصب و الصّحّة.(2:216)

الزّمخشريّ: أي أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء و المحنة،الرّخاء و الصّحّة و السّعة،كقوله:

وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ السَّيِّئاتِ الأعراف 168.

(2:97)

مثله النّسفيّ(2:66)،و أبو السّعود(3:8)، و المراغيّ(9:12)،و نحوه البيضاويّ(1:360)، و النّيسابوريّ(9:14)،و ابن كثير(3:199)،و أبو حيّان (4:347)،و الكاشانيّ(2:221)،و شبّر(2:392)، و القاسميّ(7:2823)،و رشيد رضا(9:16).

ابن عطيّة: قال تعالى:إنّه بعد إنفاذ الحكم في الأوّلين (1)بدّل للخلق مكان السّيّئة و هي البأساء و الضّرّاء الحسنة:و هي السّرّاء و النّعمة،و هذا بحسب ما عند النّاس،و إلاّ فقد يجيء الأمر،كما قال الشّاعر:

قد ينعم اللّه بالبلوى و إن عظمت

و يبتلي اللّه بعض القوم بالنّعمة.

ص: 196


1- في الآية 94 من السّورة.

و هذا إنّما يصحّ مع النّظر إلى الدّار الآخرة و الجزاء فيها،و النّعمة المطلقة هي الّتي لا عقوبة فيها،و البلوى المطلقة هي الّتي لا ثواب عليها.(2:431)

الفخر الرّازيّ: لأنّ ورود النّعمة في البدن و المال بعد البأساء و الضّرّاء،يدعو إلى الانقياد و الاشتغال بالشّكر،و معنى الحسنة و السّيّئة هاهنا:الشّدّة و الرّخاء.قال أهل اللّغة:السّيّئة:كلّ ما يسوء صاحبه، و الحسنة:ما يستحسنه الطّبع و العقل.

و المعنى:أنّه تعالى أخبر أنّه يأخذ أهل المعاصي بالشّدّة تارة،و بالرّخاء أخرى.(14:184)

مثله الخازن.(2:218)

القرطبيّ: أي أبدلناهم بالجدب خصبا.(7:252)

البيضاويّ: أي أعطيناهم بدل ما كانوا فيه من البلاء و الشّدّة،السّلامة و السّعة ابتلاء لهم بالأمرين.

(1:360)

البروسويّ: [مثل الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و إلاّ فالسّيّئة هي الفعلة القبيحة،و اللّه تعالى لا يفعل القبيح،و الحسنة و السّيّئة من الألفاظ المستغنية عن ذكر موصوفاتها حالة الإفراد و الجمع،سواء كانتا صفتين للأعمال أو المثوبة أو الحالة من الرّخاء و الشّدّة.

(3:205)

الشّوكانيّ: (السّيّئة)الّتي أصبناهم بها من البلاء و الامتحان(الحسنة)أي الخصلة الحسنة،فصاروا في خير وسعة و أمن.(2:285)

الآلوسيّ: و هي السّعة و السّلامة.[إلى أن قال:]

و المعنى:بدّلنا مكان الحال السّيّئة الحال الحسنة، فالحسنة هي المأخوذة الحاصلة في مكان السّيّئة المتروكة،و المتروك هو الّذي تصحبه الباء في نحو:بدّلت زيدا بعمرو.(9:9)

سيّد قطب :فإذا الرّخاء مكان الشّدّة،و اليسر مكان العسر،و النّعمة مكان الشّظف،و العافية مكان الضّرّ،و الذّرّيّة مكان العقر،و الكثرة مكان القلّة، و الأمن مكان الخوف.و إذا هو متاع و رخاء،و هينة و نعماء،و كثرة و امتلاء،و إنّما هو في الحقيقة اختبار و ابتلاء.

و الابتلاء بالشّدّة قد يصبر عليه الكثيرون،و يحتمل مشقّاته الكثيرون.فالشّدّة تستثير عناصر المقاومة، و قد تذكّر صاحبها باللّه-إن كان فيه خير-فيتّجه إليه و يتضرّع بين يديه،و يجد في ظلّه طمأنينة،و في رحابه فسحة،و في فرجه أملا،و في وعده بشرى.فأمّا الابتلاء بالرّخاء فالّذين يصبرون عليه قليلون،فالرّخاء ينسي، و المتاع يلهي،و الثّراء يطغي.فلا يصبر عليه إلاّ الأقلّون من عباد اللّه.(3:1337)

مغنيّة:المراد بالسّيّئة هنا:الضّيق و العسر، و بالحسنة:السّعة و اليسر،و بالعفو:الكثرة.

و المعنى أنّ اللّه سبحانه ابتلاهم بالضّيق و الشّدّة ليتّعظوا،و بالسّعة و العافية ليشكروا،و لكن قلّ من يتّعظ،و أقلّ منه من يشكر،و لمّا كثروا بالنّعم و النّسل استخفّوا بالحقّ،و هزءوا بأهله،و أخذوا يفسّرون سنّة اللّه بجهلهم و على أهوائهم،و يقولون:ما أصاب آباءنا من الضّرّاء لم يكن عقوبة على ضلالهم و فسادهم،و ما نالهم من السّرّاء لم يكن مثوبة على صلاحهم و هدايتهم،و إنّما

ص: 197

هي الصّدفة تخبط خبط عشواء.(3:365)

3- وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ... الرّعد:6

ابن عبّاس: (بالسّيّئة):بالعذاب استهزاء قَبْلَ الْحَسَنَةِ: قبل العافية،لا يسألونك العافية.(205)

بالعذاب قبل الرّحمة.

مثله مجاهد.(الطّبرسيّ 3:278)

قتادة :بالعقوبة قبل العافية.(الطّبريّ 13:105)

سعيد بن بشير:بالشّرّ قبل الخير.

(الماورديّ 3:95)

القاسم بن يحيى:بالكفر قبل الإجابة.

(الماورديّ 3:95)

الطّبريّ: و هم مشركو العرب،استعجلوا بالشّرّ قبل الخير،و قالوا: اَللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ الأنفال:32.(13:105)

نحوه الزّجّاج(3:139)،و القمّيّ(1:359).

الماورديّ: و فيه ثلاثة تأويلات:[ثمّ ذكر الأقوال السّابقة و أضاف]

و يحتمل رابعا:بالقتال قبل الاسترشاد.(3:95)

الثّعلبيّ: (بالسّيّئة):بالبلاء و العقوبة،(قبل الحسنة):الرّخاء و العافية،و ذلك أنّهم سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إن جاءهم العذاب استهزاء منهم بذلك.

و قالوا: اَللّهُمَّ إِنْ كانَ... (5:271)

نحوه البغويّ(3:7)،و الزّمخشريّ(2:349)، و البيضاويّ(1:514)،و النّسفيّ(2:242)، و النّيسابوريّ(13:65)،و الخازن(4:5)،و أبو السّعود (3:440)،و الكاشانيّ(3:58)،و الآلوسيّ(13:106)، و القاسميّ(9:3646)،و الطّباطبائيّ(11:301).

الواحديّ: يعني مشركي مكّة،سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يأتيهم بالعذاب استهزاء منهم بذلك،فالمراد (بالسّيّئة)هاهنا:العقوبة المهلكة،و(الحسنة)هي العاقبة و الرّخاء،و اللّه تعالى صرف عمّن بعث إليهم محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم عقوبة الاصطلام[الاستئصال]،و أخّر تعذيب مكذّبيه إلى يوم القيامة،فذلك التّأخير هو الحسنة، و هؤلاء الكفّار استعجلوا العذاب قبل إحسان اللّه معهم بالإنظار.(3:6)

الطّبرسيّ: أي بالعذاب قبل الرّحمة عن ابن عبّاس و مجاهد،أي بالعقاب الّذي توعّدوا به على التّكذيب قبل الثّواب الّذي وعدوا به على الإيمان؛و ذلك حين قالوا: فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ و قيل:

يستعجلونك بالعذاب الّذي توعّدهم به قبل الإحسان بالإنظار،فإنّ إنظار من وجب عليه العقاب إحسان إليه، كإنظار من وجب عليه الدّين،و سمّاها سيّئة لأنّها جزاء السّيّئة.(3:278)

نحوه شبّر.(3:320)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان يهدّدهم تارة بعذاب القيامة و تارة بعذاب الدّنيا،و القوم كلّما هدّدهم بعذاب القيامة أنكروا القيامة و البعث و الحشر و النّشر، و هو الّذي تقدّم ذكره في الآية الأولى.و كلّما هدّدهم بعذاب الدّنيا قالوا له:فجئنا بهذا العذاب و طلبوا منه إظهاره و إنزاله على سبيل الطّعن فيه،و إظهار أنّ الّذي

ص: 198

يقوله كلام لا أصل له،فلهذا السّبب حكى اللّه عنهم أنّهم يستعجلون الرّسول بالسّيّئة قبل الحسنة.

و المراد(بالسّيّئة)هاهنا:نزول العذاب عليهم،كما قال اللّه تعالى عنهم في قوله: فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً، و في قوله: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً إلى قوله: أَوْ تُسْقِطَ السَّماءَ كَما زَعَمْتَ عَلَيْنا كِسَفاً الإسراء:90 إلى 92 و إنّما قالوا ذلك طعنا منهم فيما ذكره الرّسول.

و كان صلّى اللّه عليه و سلّم يعدهم على الإيمان بالثّواب في الآخرة، و بحصول النّصر و الظّفر في الدّنيا،فالقوم طلبوا منه نزول العذاب و لم يطلبوا منه حصول النّصر و الظّفر،فهذا هو المراد بقوله: وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ.

و منهم من فسّر(الحسنة)هاهنا بالإمهال و التّأخير، و إنّما سمّوا العذاب سيّئة،لأنّه يسوءهم و يؤذيهم.[إلى أن قال:]

معنى الآية:و يستعجلونك بالعذاب الّذي لم نعاجلهم به،و قد علموا ما نزل من عقوباتنا بالأمم الخالية فلم يعتبروا بها،و كان ينبغي أن يردعهم خوف ذلك عن الكفر اعتبارا بحال من سلف.(19:10)

نحوه ابن كثير(4:69)،و الشّربينيّ(2:148).

القرطبيّ: أي لفرط إنكارهم و تكذيبهم يطلبون العذاب.(9:284)

أبو حيّان :[نحو الفخر الرّازيّ و نقل الأقوال و قال:]

و هذه الأقوال متقاربة.(5:366)

الثّعالبيّ: تبيين لخطئهم كطلبهم سقوط كسف من السّماء،و قولهم: فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ، و نحو هذا مع نزول ذلك بأناس كثير.(2:181)

البروسويّ: [نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و اعلم أنّ استعجالهم بالسّيّئة قبل الحسنة استعجالهم بالكفر و المعاصي قبل الإيمان و الطّاعات،فإنّ منشأ كلّ سعادة و رحمة هو الإيمان الكامل و العمل الصّالح،و منشأ كلّ شقاوة و عذاب هو الكفر و الشّرك و العمل الفاسد.(4:344)

الشّوكانيّ: (السّيّئة):العقوبة المهلكة، و(الحسنة):العافية و السّلامة،قالوا:هذه المقالة لفرط إنكارهم و شدّة تصميمهم و تهالكهم على الكفر.

(3:85)

المراغيّ: [مثل الثّعلبيّ و أضاف:]

قَبْلَ الْحَسَنَةِ أي قبل الثّواب و السّلامة من العقوبة،و كان صلّى اللّه عليه و سلّم يعدهم على الإيمان بالثّواب في الآخرة و حصول النّصر و الظّفر في الدّنيا.(13:71)

نحوه مغنيّة.(4:381)

فضل اللّه :و هو أسلوب الكفّار في التّحدّي الّذي لا يسعى إلى مدّ جسور الحوار و إيجاد أرضيّة للتّفاهم،بل يسعى إلى تنفيس عقدة الغيظ الّتي تعتمل في داخلهم، أمام حالة العجز الّتي يشعرون بها في مواجهة الطّرح الفكريّ للرّسالة و الإيمان،فيطلبون من النّبيّ-من موقع التّحدّي-الإتيان بالعذاب ليدمّر الكافرين،إذا كان هناك عذاب من قبل اللّه،بهدف إحراج النّبيّ،أو تدمير النّفس،و إنهاء لحالة الحيرة الّتي يعيشونها بين إمكان تحقيق ذلك و عدم إمكانه.

و هكذا يستعجلون السّيّئة و هي العقاب الّذي

ص: 199

يترتّب على كفرهم و عنادهم،قبل الحسنة الّتي هي ثواب اللّه الّذي ينبغي للإنسان أن يتطلّع إليه من خلال رحمة اللّه،و السّير على خطّ الإيمان و الطّاعة.

(13:21)

و جاء نحوه قوله تعالى: قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ... النّمل:46

4- ..وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدّارِ. الرّعد:22

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:إذا عملت سيّئة فاعمل لجنبها حسنة تمحها،السّرّ بالسّرّ و العلانية بالعلانية.(الثّعلبيّ 5:286)

الإمام عليّ عليه السّلام:عاتب أخاك بالإحسان إليه، و اردد شرّه بالإنعام عليه.(مكارم الشّيرازيّ 7:346)

ابن عبّاس: يدفعون بالكلام الحسن الكلام السّيّئ إذا أورد عليهم(207)

يدفعون بالعمل الصّالح الشّرّ من العمل.

(الواحديّ 3:14)

سعيد بن جبير: يدفعون المنكر بالمعروف.

(الماورديّ 3:109)

الضّحّاك: يدفعون الفحش بالسّلام.

(الماورديّ 3:109)

الحسن :إذا حرموا أعطوا،و إذا أخلصوا عفوا، و إذا قطعوا وصلوا.(الثّعلبيّ 5:286)

قتادة :ردّوا عليهم معروفا،نظيره إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً الفرقان:63.(الثّعلبيّ 5:286)

ابن زيد :يدفعون الشّرّ بالخير،لا يكافئون الشّرّ بالشّرّ،و لكنّه يدفعونه بالخير.(الطّبريّ 13:141)

ابن قتيبة :إذا سفه عليهم حلموا،فالسّفه:

السّيّئة،و الحلم:الحسنة.(الثّعلبيّ 5:286)

ابن كيسان :إذا أذنبوا أيسوا،و إذا حرفوا أثابوا ليدفعوا بالتّوبة عن أنفسهم فغفر الذّنب (1).

(الثّعلبيّ 5:286)

الطّبريّ: و يدفعون إساءة من أساء إليهم من النّاس،بالإحسان إليهم.(13:140)

الرّمّانيّ: يدفعون سفه الجاهل بالحلم.

(الماورديّ 3:109)

الماورديّ: فيه سبعة تأويلات:[نقل الأقوال السّابقة و أضاف:]

الرّابع:يدفعون الظّلم بالعفو،قاله جويبر.

السّادس:يدفعون الذّنب بالتّوبة،قاله ابن شجرة.

السّابع:يدفعون المعصية بالطّاعة.(3:109)

الطّوسيّ: يدفعون بفعل الطّاعة المعاصي.

(6:245)

نحوه الطّبرسيّ.(3:289)

القشيريّ: يعاشرون الناس بحسن الخلق، فيبدءون بالإنصاف و لا يطلبون الانتصاف،و إن عاملهم أحد بالجفاء قابلوه بالوفاء،و إن أذنب إليهم قوم اعتذروا عنهم،و إن مرضوا عادوهم.(3:227)

الزّمخشريّ: [نقل الأقوال السّابقة ثمّ قال:]

و قيل:إذا رأوا منكرا أمروا بتغييره.(2:358)ب.

ص: 200


1- الصّواب كما ذكره أبو حيّان 5:386:إذا أذنبوا تابوا و إذا هربوا أنابوا،ليدفعوا عن أنفسهم بالتّوبة معرّة الذّنب.

ابن عطيّة:أي و يدفعون من رأوا منه مكروها بالّتي هي أحسن.و قيل:يدفعون بقول:لا إله إلاّ اللّه، شركهم،و قيل:يدفعون بالسّلام غوائل النّاس.

و بالجملة فإنّهم لا يكافئون الشّرّ بالشّرّ،و هذا بخلاف خلق الجاهليّة.و روي أنّ هذه الآية نزلت في الأنصار،ثمّ هي عامّة بعد ذلك في كلّ من اتّصف بهذه الصّفات.(3:309)

القرطبيّ: [نقل الأقوال السّابقة ثمّ قال:]

و قيل:يدفعون الشّرك بشهادة أن«لا إله إلاّ اللّه» فهذه تسعة أقوال،معناها كلّها متقارب،و الأوّل[قول ابن عبّاس]يتناولها بالعموم،و نظيره إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ هود:114.(9:311)

نحوه الخازن(4:16)،و الشّوكانيّ(3:99).

البيضاويّ: و يدفعونها بها فيجازون الإساءة بالإحسان،أو يتّبعون السّيّئة الحسنة فتمحوها.

(1:519)

نحوه الكاشانيّ(3:67)،و شبّر(3:331)، و القاسميّ(9:3673)،و المراغيّ(13:94).

النّسفيّ: و يدفعون بالحسن من الكلام ما يرد عليهم من سيّئ غيرهم،أو إذا حرموا أعطوا،و إذا ظلموا عفوا،و إذا قطعوا وصلوا،و إذا أذنبوا تابوا،و إذا هربوا أنابوا،و إذا رأوا منكرا أمروا بتغييره،فهذه ثمانية أعمال تشير إلى ثمانية أبواب الجنّة.(2:249)

النّيسابوريّ: أي يدفعون بالتّوبة-و هي الخصلة الحسنة-المعصية.(13:81)

أبو حيّان :[نقل الأقوال ثمّ قال:]

و قيل:العذاب بالصّدقة،و قيل:إذا همّوا بالسّيّئة فكّروا و رجعوا عنها و استغفروا،و هذه الأقوال كلّها على سبيل المجاز،و بالجملة لا يكافئون الشّرّ بالشّرّ.

(5:386)

ابن كثير :أي يدفعون القبيح بالحسن،فإذا آذاهم أحد قابلوه بالجميل صبرا و احتمالا و صفحا و عفوا،كقوله تعالى: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ... المؤمنون:96.

(4:85)

أبو السّعود :[نحو البيضاويّ و نقل عدّة أقوال و أضاف:]

و تقديم المجرور على المنصوب لإظهار كمال العناية بالحسنة.(3:454)

البروسويّ: يتّبعون الحسنة السّيئة فتمحوها، و أحسن الحسنات كلمة«لا إله إلاّ اللّه»إذ التّوحيد رأس الدّين فلا أفضل منه،كما أنّ الرّأس أفضل الجوارح.[ثمّ نقل بعض الأقوال السّابقة](4:366)

الآلوسيّ: [ذكر الأقوال السّابقة و أضاف:]

و قيل و قيل...و يفهم صنيع بعض المحقّقين اختيار الأوّل[أي يدفعون الشّرّ بالخير]فهم كما قيل:

يجزون من ظلم أهل الظّلم مغفرة

و من إساءة أهل السّوء إحسانا

و هذا بخلاف خلق بعض الجهلة:

جريء متى يظلم يعاقب بظلمه

سريعا،و إن لا يبد بالظّلم يظلم

و قال في«الكشف»:الأظهر التّعميم،أي يدرءون

ص: 201

بالجميل السّيّئ،سواء كان لأذاهم أو لا،مخصوصا بهم أو لا،طاعة أو معصية،مكرمة أو منقصة،و لعلّ الأمر كما قال:و تقديم المجرور على المنصوب لإظهار كمال العناية بالحسنة.(13:142)

سيّد قطب :و المقصود أنّهم يقابلون السّيّئة بالحسنة في التّعاملات اليوميّة لا في دين اللّه،و لكن التّعبير يتجاوز المقدّمة إلى النّتيجة.فمقابلة السّيّئة بالحسنة تكسّر شرّة النّفوس،و توجّهها إلى الخير، و تطفئ جذوة الشّرّ،و تردّ نزغ الشّيطان،و من ثمّ تدرأ السّيّئة و تدفعها في النّهاية.فعجل النّصّ بهذه النّهاية، و صدّر بها الآية ترغيبا في مقابلة السّيّئة بالحسنة،و طلبا لنتيجتها المرتقبة.

ثمّ هي إشارة خفيّة إلى مقابلة السّيّئة بالحسنة عند ما يكون في هذا درء السّيّئة و دفعها لا إطماعها و استعلاؤها،فأمّا حين تحتاج السّيّئة إلى القمع، و يحتاج الشّرّ إلى الدّفع،فلا مكان لمقابلتها بالحسنة،لئلاّ ينتفش الشّرّ و يتجرّأ و يستعلي.

و درء السّيّئة بالحسنة يكون غالبا في المعاملة الشّخصيّة بين المتماثلين،فأمّا في دين اللّه فلا.إنّ المستعلي الغاشم لا يجدي معه إلاّ الدّفع الصّارم، و المفسدون في الأرض لا يجدي معهم إلاّ الأخذ الحاسم.

و التّوجيهات القرآنيّة متروكة لتدبّر المواقف،و استشارة الألباب،و التّصرّف بما يرجّح أنّه الخير و الصّواب.

(4:2058)

مغنيّة:المراد بالحسنة هنا:العفو و الصّفح، و بالسّيّئة:الحقّ الخاصّ يكون بين اثنين كالقصاص، قال تعالى: كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ... البقرة:178، أمّا حقّ اللّه فلا هوادة فيه،قال تعالى: لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ... النّور:2.(4:399)

الطّباطبائيّ: الدّرء:الدّفع،و المعنى إذا صادفوا سيّئة جاءوا بحسنة تزيد عليها أو تعادلها،فيدفعون بها السّيّئة،و هذا أعمّ من أن يكون ذلك في سيّئة صدرت من أنفسهم فدفعوها بحسنة جاءوا بها،فإنّ الحسنات يذهبن السّيّئات،أو دفعوها بتوبة إلى ربّهم،فإنّ التّائب من الذّنب كمن لا ذنب له،أو في سيّئة أتى بها غيرهم بالنّسبة إليهم،كمن ظلمهم فدفعوه بالعفو أو بالإحسان إليه،أو من جفاهم فقابلوه بحسن الخلق و البشر،كما إذا خاطبهم الجاهلون فقالوا:(سلاما)أو أتي بمنكر فنهوا عنه أو ترك معروف فأمروا بها،فذلك كلّه من درء السّيّئة بالحسنة.و لا دليل من جانب اللّفظ يدلّ على التّخصيص ببعض هذه الوجوه البتّة.(11:344)

مكارم الشّيرازيّ: و معنى هذه العبارة أنّهم لم يكتفوا بالتّوبة و الاستغفار فقط عند ارتكابهم الذّنوب، بل يدفعونها كذلك بالحسنات على مقدار تلك الذّنوب، حتّى يطهّروا أنفسهم و المجتمع بماء الحسنات.(يدرءون) مضارع(درأ)على وزن(زرع)بمعنى دفع.

و يحتمل في تفسير الآية أنّهم لا يقابلون السّيّئ بالسّيّئ،بل يسعون من خلال إحسانهم للمسيئين أن يجعلوهم يعيدون النّظر في مواقفهم،كما نقرأ في الآية:

34،من سورة فصّلت قوله تعالى: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ.

و في نفس الوقت ليس هناك مانع من أنّ الآية تشير

ص: 202

إلى هذين المعنيين،كما أشارت إليها الأحاديث الإسلاميّة.[ثمّ نقل حديثي النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الإمام عليّ عليه السّلام]

و لا بدّ هنا من الالتفات إلى هذه النّقطة،و هي أنّ هذه الأحكام أخلاقيّة تخصّ الحالات الّتي يحصل فيها تأثير على الآخرين،و هناك قوانين و أحكام جزائيّة واردة في التّشريع الإسلاميّ لمعاقبة المسيئين.

(7:346)

فضل اللّه :بانفتاحهم على الجانب الإنسانيّ الخيّر، من شخصيّة الإنسان الّذي يعيش رحابة الصّدر،و سعة الأفق،و إنسانيّة النّظرة،و روحيّة المعاملة،فلا يتعقّد من الإساءة إليه،ليتحوّل ذلك إلى حالة مرضيّة في نفسه،بل يحاول أن يمتصّ السّلبيّات ليحوّلها إلى إيجايبّات، و يواجه السّيّئات بروحيّة تطمح إلى تبديلها بالحسنات،فيحسن لمن أساء إليه،و يعفو عمّن اعتدى عليه،و يصل من قطعه،حتّى يجعل من ذلك حافزا يدفع الطّرف الآخر للتّراجع عن خطئه،و الرّجوع إلى ربّه، انطلاقا من القناعة بأنّ الفعل الأخلاقيّ متعلّق بالإحساس الدّاخليّ بالمبدإ،لا من موقف ردّ الفعل، باعتبار القيمة الأخلاقيّة عمليّة تبادليّة،يقدّم فيها الإنسان إلى الآخرين مقابل ما قدّموه إليه،أو ينتظرهم ليتسلّموا زمام المبادرة في عمل الخير معه.

و على ضوء ذلك،نستطيع أن نفهم كيف يعدّ الإسلام الإنسان المسلم لقيادة الحياة من حوله،ليتغلّب على كلّ سلبيّاتها الانفعاليّة،بواسطة عقله الّذي يخطّط للمستقبل الواسع،إذا فكّر النّاس من حوله بالزّوايا الضّيّقة للحاضر،و بواسطة روحه الّتي تنفتح على مشاكل الآخرين،بالرّوحيّة الّتي تعمل على حلّها،لا على تعقيدها،فإنّ ذلك هو السّبيل للسّيطرة على السّاحة،بسياسة الاحتواء الفكريّ و الأخلاقيّ الّذي لا يترك جانبا فارغا من الخير،أو من الحركة الجدّيّة في اتّجاه التّجربة الواقعيّة لأعمال الخير.(13:46)

و جاء نحوه: أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ... القصص:54

حسنات

إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ... الفرقان:70

راجع«ب د ل-يبدّل»

الحسنات

1- وَ قَطَّعْناهُمْ فِي الْأَرْضِ أُمَماً مِنْهُمُ الصّالِحُونَ وَ مِنْهُمْ دُونَ ذلِكَ وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ السَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ. الأعراف:168

ابن عبّاس: اختبرناهم بالخصب و الرّخاء و النّعيم، وَ السَّيِّئاتِ بالقحط و الجدوبة و الشّدّة.

(141)

و هكذا أكثر التّفاسير

القشيريّ: أجراهم على ما علم أنّهم يكونون عليه من صلاح و سداد،و معاص و فساد،ثمّ ابتلاهم بفنون الأفعال من محن أزاحها،و من منن أتاحها،و طالبهم بالشّكر على ما أسدى،و الصّبر على ما أبلى،ليظهر للملائكة و الخلائق أجمعين جواهرهم في الخلاف

ص: 203

و الوفاق،و الإخلاص و النّفاق.

فأمّا الحسنات فهي ما يشهدهم المجري،و لا يلهيهم عن المبدي.و أمّا السّيّئات فالتّردّد بين الإنجاز و التّأخير،و الإباحة و التّقصير.

و يقال:الحسنة أن ينسيك نفسك،و السّيّئة أن يشهدك نفسك.و يقال:الحسنات بتيسير وقت عن الغفلات خال،و تسهيل يوم عن الآفات بائن، و السّيّئات الّتي ابتلاهم بها خذلان حاصل و حرمان متواصل.(2:277)

الفخر الرّازيّ: [نحو ابن عبّاس و أضاف:]

قال أهل المعاني:و كلّ واحد من الحسنات و السّيّئات يدعو إلى الطّاعة،أمّا النّعم فلأجل التّرغيب،و أمّا النّقم فلأجل التّرهيب.(15:43)

2- ...إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذّاكِرِينَ. هود:114

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ الصّلاة إلى الصّلاة كفّارة ما بينهما ما اجتنبت الكبائر»(الكاشانيّ 2:475)

أربع من كنّ فيه لم يهلك على اللّه بعدهنّ إلاّ هالك يهمّ العبد بالحسنة فيعملها،فإن هو لم يعملها كتب اللّه له حسنة بحسن نيّة،و إن هو عملها كتب اللّه له عشرا، و يهمّ بالسّيّئة أن يعملها فإن لم يعملها لم يكتب عليه شيء و إن هو عملها أجّل سبع ساعات،و قال صاحب الحسنات لصاحب السّيّئات و هو صاحب الشّمال:

لا تعجل عسى أن يتبعها بحسنة تمحوها،فإنّ اللّه عزّ و جلّ يقول: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ أو الاستغفار، فإن هو قال:«أستغفر اللّه الّذي لا إله إلاّ هو عالم الغيب و الشّهادة العزيز الحكيم الغفور الرّحيم ذو الجلال و الإكرام و أتوب إليه»لم يكتب عليه شيء،و إن مضت سبع ساعات و لم يتبعها بحسنة و استغفار،قال صاحب الحسنات لصاحب السّيّئات:اكتب على الشّقيّ المحروم.

(الكاشانيّ 2:476)

الإمام عليّ عليه السّلام:إنّ اللّه يكفّر بكلّ حسنة سيّئة ثمّ تلا الآية.(الكاشانيّ 2:475)

ابن مسعود:الصّلوات الخمس.

مثله سعيد ابن جبير و مجاهد و الضّحّاك و الحسن و ابن كعب القرظيّ و مسروق و ابن المسيّب.

(الطّبريّ 12:132)

و مثله مقاتل بن سليمان،و مقاتل بن حيّان.

(ابن الجوزيّ 4:168)

ابن عبّاس: (انّ الحسنات)الصّلوات الخمس، يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ يكفّرن السّيّئات دون الكبائر.

(192)

مجاهد :سبحان اللّه،و الحمد للّه،و لا إله إلاّ اللّه، و اللّه أكبر»(الطّبريّ 12:133)

عطاء:[حكى قول مجاهد ثمّ قال:]

و هنّ الباقيات الصّالحات.(الماورديّ 2:509)

الإمام الصّادق عليه السّلام:صلاة المؤمن باللّيل يذهب بما عمل من ذنب بالنّهار.(الكاشانيّ 2:465)

اعلم أنّه ليس شيء أضرّ عافية و لا أسرع ندامة من الخطيئة،و إنّه ليس شيء أشدّ طلبا و لا أسرع دركا للخطيئة من الحسنة.أما إنّها لتدرك الذّنب العظيم القديم

ص: 204

المنسيّ عند صاحبه فتحطّه و تسقطه و تذهب به بعد إثباته؛و ذلك قوله سبحانه: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذّاكِرِينَ. (الكاشانيّ 2:476)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:إنّ الإنابة إلى طاعة اللّه، و العمل بما يرضيه،يذهب آثام معصية اللّه،و يكفّر الذّنوب.

ثمّ اختلف أهل التّأويل في الحسنات الّتي عنى اللّه في هذا الموضع،اللاّتي يذهبن السّيّئات،فقال بعضهم:

هنّ الصّلوات الخمس المكتوبات،و قال آخرون:هو قول:سبحان اللّه،و الحمد للّه،و لا إله إلاّ اللّه،و اللّه أكبر.

و أولى التّأويلين بالصّواب في ذلك،قول من قال في ذلك:هنّ الصّلوات الخمس،لصحّة الأخبار عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و تواترها عنه،أنّه قال:«مثل الصّلوات الخمس مثل نهر جار على باب أحدكم،ينغمس فيه كلّ يوم خمس مرّات،فما ذا يبقين من درنه»،و إنّ ذلك في سياق أمر اللّه بإقامة الصّلوات،و الوعد على إقامتها، الجزيل من الثّواب عقيبها أولى من الوعد،على ما لم يجر له ذكر من صالحات سائر الأعمال،إذا خصّ بالقصد بذلك بعض دون بعض.(12:133)

الزّجّاج: أي إنّ هذه الصّلوات تكفّر ما بينها من الذّنوب،و هذا يصدّق ما في الخبر من تكفير الصّلوات الذّنوب.(3:82)

الماورديّ: في هذه الحسنات أربعة أقاويل:[ذكر قول ابن عبّاس و غيره و قول مجاهد و عطاء و قال:]

الثّالث:إنّ الحسنات المقبولة يذهبن السّيّئات المغفورة.

الرّابع:إنّ ثواب الطّاعات يذهبن عقاب المعاصي.

(2:509)

الطّوسيّ: قيل:فيه وجهان:

أحدهما:تذهب به على وجه التّكفير،إذا كانت المعصية صغيرة.

و الآخر:أنّ المراد ب(الحسنات):التّوبة تذهب بالسّيّئة،أي تسقط عقابها،لأنّه لا خلاف في أنّ سقوط العقاب عند التّوبة.و قد قيل:إنّ الدّوام على فعل الحسنات يدعو إلى ترك السّيّئات،فكأنّها أذهبت بها.

(6:80)

القشيريّ: الحسنات:ما يجود بها الحقّ، و السّيّئات:ما يذنبها العبد،فإذا دخلت حسناته على قبائح العبد محتها و أبطلتها.

و يقال:حسنات القربة تذهب بسيّئات الزّلّة.

و يقال:حسنات النّدم تذهب بسيّئات الجرم.

و يقال:انسكاب العبرة تذهب العثرة.

و يقال:حسنات العرفان تذهب سيّئات العصيان.

و يقال:حسنات الاستغفار تذهب سيّئات الإصرار.

و يقال:حسنات العناية تذهب سيّئات الجناية.

و يقال:حسنات العفو عن الإخوان تذهب الحقد عليهم.

و يقال:حسنات الكرم تذهب سيّئات الخدم.

و يقال:حسن الظّنّ بالنّاس يذهب سوأتهم بكم.

و يقال:حسنات الفضل من اللّه تذهب سيّئات حسبان الطّاعة من أنفسكم.

و يقال:حسنات الصّدق تذهب بسيّئات الإعجاب.

و يقال:حسنات الإخلاص تذهب بسيّئات الرّياء.

(3:161)

ص: 205

الواحديّ: قال ابن عبّاس و عامّة المفسّرين:

«يريد أنّ الصّلوات الخمس يكفّرن ما بينها من الذّنوب».[ثمّ أيّد كلامه بروايات].(2:594)

نحوه البغويّ(2:469)،و الطّبرسيّ(3:200)، و الشّربينيّ(2:83).

الزّمخشريّ: فيه وجهان:

أحدهما:أن يراد تكفير الصّغائر بالطّاعات.

و الثّاني:بأن يكن لطفا في تركها،كقوله: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ العنكبوت:45

(2:297)

ابن عطيّة: [ذكر أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

و هذا كلّه إنّما هو على جهة المثال في الحسنات،و من أجل أنّ الصّلوات الخمس هي أعظم الأعمال،و الّذي يظهر أنّ لفظ الآية لفظ عامّ في الحسنات خاصّ في السّيّئات بقوله عليه السّلام:«ما اجتنبت الكبائر».[إلى أن قال:]

و روي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«الجمعة إلى الجمعة، و الصّلوات الخمس،و رمضان إلى رمضان،كفّارة لما بينهما إن اجتنبت الكبائر».فاختلف أهل السّنّة في تأويل هذا الشّرط في قوله:«إن اجتنبت الكبائر»فقال جمهورهم:هو شرط في معنى الوعد كلّه،أي إن اجتنبت الكبائر كانت العبادات المذكورة كفّارة للذّنوب،فإن لم تجتنب لم تكفّر العبادات شيئا من الصّغائر.و قالت فرقة:

معنى قوله:«إن اجتنبت»:أي هي الّتي لا تحطّها العبادات،فإنّما شرط ذلك ليصحّ بشرطه عموم قوله:

«ما بينهما»و إن لم تحطّها العبادات و حطّت الصّغائر.

و بهذا أقول،و هو الّذي يقتضيه حديث خروج الخطايا مع قطر الماء و غيره،و ذلك كلّه بشرط التّوبة من تلك الصّغائر و عدم الإصرار عليها،و هذا نصّ الحذّاق الأصوليّين.و على التّأويل الأوّل تجيء هذه مخصوصة في مجتنبي الكبائر فقط.(3:213)

نحوه القرطبيّ(9:110)،و أبو حيّان(5:270).

ابن الجوزيّ: في المراد ب(الحسنات)قولان:[ثمّ نقل قولي ابن مسعود و مجاهد ثمّ قال:]

و الأوّل[الصّلوات الخمس]أصحّ،لأنّ الجمهور عليه[إلى أن قال:]

فأمّا(السّيّئات)المذكورة هاهنا،فقال المفسّرون:

هي الصّغائر من الذّنوب.(4:168)

الفخر الرّازيّ: [نقل قولي ابن عبّاس و مجاهد ثمّ قال:]

احتجّ من قال:إنّ المعصية لا تضرّ مع الإيمان بهذه الآية؛و ذلك لأنّ الإيمان أشرف الحسنات و أجلّها و أفضلها.و دلّت الآية على أنّ الحسنات يذهبن السّيّئات،فالإيمان الّذي هو أعلى الحسنات درجة يذهب الكفر الّذي هو أعلى درجة في العصيان فلأن يقوى على المعصية الّتي هي أقلّ السّيّئات درجة كان أولى،فإن لم يفد إزالة العقاب بالكلّيّة فلا أقلّ من أن يفيد إزالة العذاب الدّائم المؤبّد.(18:74)

نحوه النّيسابوريّ.(12:71)

البروسويّ: و اعلم أنّ الذّنوب كلّها نجاسات و الطّاعات مطهّرات،و بماء أعضاء الوضوء تتساقط الأوزار،و لذا كانت الغسالة في حكم النّجاسة.و من هنا

ص: 206

أخذ بعض الفقهاء كراهة الصّلاة بالخرقة الّتي يتمسّح بها أعضاء الوضوء.و قال اللّه تعالى لموسى عليه السّلام:«يا موسى يتوضّأ أحمد و أمّته كما أمرتهم،و أعطيهم بكلّ قطرة تقطر من الماء جنّة عرضها كعرض السّماء».فانظر إلى ما سلبه الوضوء و جلبه:

خوشا نماز و نياز كسى كه ازسر درد

بآب ديده و خون جگر طهارت كرد

و أحسن الحسنات و أفضل الطّاعات العلم باللّه و طريقه التّوحيد و خلاف هوى النّفس،فبذكر اللّه يتخلّص العبد من الذّنوب،و به يحصل تزكية النّفوس و تصفية القلوب،و به يتقوّى العبد على طاعة الرّحمن و يتخلّص من كيد الشّيطان.قالوا:يا رسول اللّه:لا إله إلاّ اللّه من الحسنات؟قال:هي أحسن الحسنات.

و في الآية إشارة إلى إدامة الذّكر و الطّاعة و العبادة في اللّيل و النّهار إلاّ أن يكون له ضرورة من الحاجات الإنسانيّة فيصرف بعض الأوقات إليها،كطلب المعاش في النّهار و الاستراحة في اللّيل،فإنّه يحصل للقوى البشريّة و الحواسّ كلال فيلزم دفعه بالمنام،ليقوم في أثناء اللّيل نشيطا للذّكر و الطّاعة.

إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ أي إنّ أنوار الحسنات،و هي الأعمال الصّالحة و الذّكر و المراقبة طرفي النّهار و زلفا من اللّيل،يذهبن ظلمات سيّئات الأوقات الّتي تصرف في قضاء الحوائج النّفسانيّة الإنسانيّة،و ما يتولّد من الاشتغال بها.

و اعلم أنّ تعلّق الرّوح النّورانيّ العلويّ بالجسد الظّلمانيّ السّفليّ موجب لخسران الرّوح إلاّ أن تتداركه أنوار الأعمال الصّالحة الشّرعيّة فتربي الرّوح و ترقّيه من حضيض البشريّة إلى ذروة الرّوحانيّة بل إلى الوحدانيّة الرّبّانيّة،و تدفع عنه ظلمة الجسد السّفليّ،كما أنّ إلقاء الحبّة في الأرض موجب لخسران الحبّة،إلاّ أن يتداركها الماء فيربّيها إلى أن تصير الحبّة الواحدة إلى سبعمائة حبّة، و اللّه يضاعف لمن يشاء.فعلى العاقل أن يصبر على مشاقّ الطّاعات و العبادات،فإنّ له فيها أنوار أو حياة باقية.

مده به راحت فانى حيات باقى را

به محنت دو سه روز از غم ابد بگريز

(4:198)

شبّر: إِنَّ الْحَسَناتِ أي الصّلوات الخمس أو الطّاعات،(يذهبن السّيّئات)يكفّرنها،أو يدعون إلى تركها.(3:253)

الشّوكانيّ: أي إنّ الحسنات على العموم،و من جملتها بل عمادها الصّلاة يذهبن السّيّئات على العموم، و قيل:المراد ب(السّيّئات):الصّغائر،و معنى يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ: يكفّرنها حتّى كأنّها لم تكن.(2:664)

نحوه رشيد رضا(12:187)،و المراغيّ(12:95)، و سيّد قطب(4:1932)،و ابن عاشور(11:342).

الآلوسيّ: أي يكفّرنها و يذهبن المؤاخذة عليها، و إلاّ فنفس السّيّئات أعراض وجدت فانعدمت.و قيل:

يمحينها من صحائف الأعمال-و يشهد له بعض الآثار- و قيل:يمنعن من اقترافها،كقوله تعالى: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ العنكبوت:45 و هو مع بعده في نفسه مخالف للمأثور عن الصّحابة،

ص: 207

و التّابعين رضى اللّه عنهم،فلا ينبغي أن يعوّل عليه.

و الظّاهر أنّ المراد من(الحسنات):ما يعمّ الصّلوات المفروضة،و غيرها من الطّاعات المفروضة، و غيرها،و قيل:المراد الفرائض.[ثمّ استشهد بروايات، و له بحث مستوفى في التّكفير فلاحظ](12:157)

عزّة دروزة :من الممكن أن يقال:إنّ جملة إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ تتضمّن في ذاتها مبدأ عامّا، و إنّ الصّلاة على عظم خطورتها هي من الحسنات و ليست كلّ الحسنات،فالصّدقات المفروضة«الزّكاة» و التّطوّعيّة حسنة،و الجهاد حسنة،و مساعدة الضّعفاء و الذّبّ عنهم حسنة،و البرّ بالوالدين حسنة،و التّعاون على الحقّ و الخير و الصّبر و الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر و الدّعوة إلى الخير حسنة إلخ.

و كما تذهب الصّلاة الصّادقة السّيّئات،فإنّ مقتضى هذا المبدإ أن تذهب هذه الحسنات السّيّئات إذا ندم مقترفها و تاب عنها.و ممّا يؤيّد ذلك آية سورة الفرقان:70، إِلاّ مَنْ تابَ... الّتي جاءت عقب تعداد الجرائم الكبيرة الّتي يحرّمها اللّه و ينذر مقترفيها بالعذاب المضاعف و الهوان المخلّد،و آيات سورة التّوبة:

102-103 وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا... و في سورة النّساء:31،آية عظيمة في هذا الباب حيث تتضمّن أنّ اجتناب المرء الكبائر ممّا يجعل عزّ و جلّ يغفر له الهفوات و السّيّئات،و هي هذه إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ... [ثمّ استشهد بأحاديث]

و هكذا يفتح هذا المبدأ-و ما ورد في سياقه من أحاديث و ما أيّده من آيات-أفقا واسعا أمام المؤمن، و يتضمّن وسيلة عظمى من وسائل إصلاح المؤمن، و حفزه على عمل الصّالحات و الحسنات إذا ما قارف ذنبا مهما بدا عظيما و ندم عليه،و هو إن كان يشبه التّوبة الّتي شرحنا مداها في سياق سورة الفرقان،ففيه زيادة من حيث حفزه على الحسنات،في سبيل محو السّيّئات.

(4:96)

مغنيّة:نقل صاحب«مجمع البيان»عن أكثر المفسّرين:أنّ المراد ب(الحسنات)هنا:الصّلوات الخمس،و أنّها تكفّر ما بينها من الذّنوب.و قال آخرون:بل المراد بها مجرّد قول:«سبحان اللّه و الحمد للّه و لا إله إلاّ اللّه و اللّه أكبر».

و كلّ من التّفسيرين يرفضه العقل و الفطرة؛حيث لا ترابط و لا تلازم بين الأحكام و التّكاليف لا شرعا و لا عقلا و لا قانونا و لا عرفا.فطاعة أيّ حكم وجوبا كان أو تحريما لا تناط بطاعة غيره أو معصيته.

أمّا حديث«كلّما صلّى صلاة كفّر ما بينهما من الذّنوب»و ما إليه،فهو كناية عن أنّ الصّلاة كثيرة الحسنات،فإن كان للمصلّي سيّئات وضعت هذه في كفّة، و تلك في كفّة،و ذهبت كلّ حسنة بسيّئة شريطة ألاّ تكون كبيرة،و لا حقّا من حقوق النّاس.و تقدّم الكلام عن هذا الموضوع بعنوان:«الإحباط»عند تفسير الآية:

217،من سورة البقرة ج 1:326.(4:275)

مكارم الشّيرازيّ: و لأهمّيّة الصّلوات اليوميّة خاصّة و جميع العبادات و الطّاعات و الحسنات عموما، فإنّ القرآن يشير بهذا التّعبير إِنَّ الْحَسَناتِ....

و هذه الآية كسائر آيات القرآن تبيّن تأثير الأعمال

ص: 208

الصّالحة على محو الآثار للأعمال السّيّئة؛حيث نقرأ في سورة النّساء الآية:31، إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ، و نقرأ في سورة العنكبوت الآية:7، وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ. و بهذا التّرتيب يثبت أثر إبطال السّيّئات بالطّاعات و الأعمال الحسنة.

من النّاحية النّفسيّة أيضا لا ريب في أنّ الذّنب و العمل السّيّئ يوجد نوعا من الظّلمة في روح الإنسان و نفسه،بحيث لو استمرّ على السّيّئات تتراكم عليه الآثار،فتمسخ الإنسان بصورة موحشة.

و لكنّ العمل الصّالح الّذي ينبع من الهدف الإلهيّ يهب روح الإنسان لطافة؛بحيث يمكن أن تغسل آثار الذّنوب،و أن تبدّل ظلمات نفسه إلى أنوار.

و بما أنّ الجملة الآنفة إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذكرت بعد الأمر بإقامة الصّلاة مباشرة،فإنّ واحدة من مصاديقها هي الصّلاة اليوميّة،و إذا ما لاحظنا في الرّوايات إشارة إلى الصّلاة اليوميّة في التّفسير فحسب،فليس ذلك دليلا على الانحصار،بل كما قلنا مرارا:إنّما هو بيان مصداق واضح قطعيّ.(7:83)

حسان

1- فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ. الرّحمن:70

راجع«خ ي ر-خيرات».

2- مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَ عَبْقَرِيٍّ حِسانٍ.

الرّحمن:76

راجع«ع ب ق ر-عبقريّ»

حسن

1- ..ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ. آل عمران:14

راجع«أ و ب-المآب»

2- فَآتاهُمُ اللّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. آل عمران:148

ابن عبّاس: وَ حُسْنَ...: في الجنّة، وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ: المؤمنين في الجهاد.(57)

قتادة : ...اَلْمُحْسِنِينَ: أي و اللّه لآتاهم اللّه الفتح و الظّهور و التّمكين،و النّصر على عدوّهم في الدّنيا.(الطّبريّ 4:122)

ابن جريج: وَ حُسْنَ...: رضوان اللّه و رحمته.

(الطّبريّ 4:122)

ابن اسحاق:الجنّة و ما أعدّ فيها.(الطّبريّ 4:122)

الطّبريّ: وَ حُسْنَ...: و خير جزاء الآخرة، على ما أسلفوا في الدّنيا من أعمالهم الصّالحة؛و ذلك الجنّة و نعيمها.(4:122)

الزّجّاج: وَ حُسْنَ...: المغفرة و ما أعدّ لهم من النّعيم الدّائم.(1:477)

القفّال:يحتمل أن يكون الحسن هو الحسن،كقوله:

وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً أي حسنا،و الغرض منه المبالغة،كأنّ تلك الأشياء الحسنة لكونها عظيمة في الحسن صارت نفس الحسن،كما يقال:فلان جود و كرم،

ص: 209

إذا كان في غاية الجود و الكرم،و اللّه أعلم.

(الفخر الرّازيّ 9:29)

الطّوسيّ: أي يريد ثوابهم و تعظيمهم و تبجيلهم...

(3:14)

القشيريّ: يعني دخولهم الجنّة و هم محرّرون عنها، غير داخلين في أسرها.و يقال:ثواب الدّنيا و الآخرة:

الغيبة عن الدّارين برؤية خالقهما.

و لمّا قال: ثَوابَ الدُّنْيا قال في الآخرة:

وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ، فوجب أن يكون لثواب الآخرة مزيّة على ثواب الدّنيا،حيث خصّه بوصف الحسن،و تلك المزيّة دوامها و تمامها و ثمارها،و أنّها لا يشوبها ما ينافيها،و يوقع آفة فيها.(1:296)

الواحديّ: وَ حُسْنَ... يعني الأجر و المغفرة.

(1:502)

الزّمخشريّ: و خصّ ثواب الآخرة بالحسن دلالة على فضله و تقدّمه،و أنّه هو المعتدّ به عنده، تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيا وَ اللّهُ يُرِيدُ الْآخِرَةَ الأنفال:67.

(1:469)

مثله البيضاويّ(1:186)،و النّسفيّ(1:186)، و الشّربينيّ(1:253)،و نحوه الطّباطبائيّ(4:41).

ابن عطيّة: وَ حُسْنَ...: الجنّة بلا خلاف، و عبّر بلفظة(حسن)زيادة في التّرغيب.(1:522)

الطّبرسيّ: حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ و هو الجنّة و المغفرة.[إلى أن قال:]

...اَلْمُحْسِنِينَ في أقوالهم و أفعالهم.

و المحسن:فاعل الحسن،و قيل:المحسن،الّذي يحسن إلى نفسه و طاعة ربّه،و قيل:الّذي يحسن إلى غيره.(1:517)

ابن الجوزيّ: و في حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ قولان:أحدهما:أنّه الجنّة،و الثّاني:الأجر و المغفرة، و هذا تعليم من اللّه تعالى للمؤمنين ما يفعلون و يقولون عند لقاء العدوّ.(1:473)

الفخر الرّازيّ: خصّ تعالى ثواب الآخرة بالحسن تنبيها على جلالة ثوابهم؛و ذلك لأنّ ثواب الآخرة كلّه في غاية الحسن،فما خصّه اللّه بأنّه حسن من هذا الجنس، فانظر كيف يكون حسنه،و لم يصف ثواب الدّنيا بذلك لقلّتها و امتزاجها بالمضارّ،و كونها منقطعة زائلة...

ثمّ قال: وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ و فيه دقيقة لطيفة،و هي أنّ هؤلاء اعترفوا بكونهم مسيئين؛حيث قالوا: رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا ذُنُوبَنا وَ إِسْرافَنا فِي أَمْرِنا آل عمران:147 فلمّا اعترفوا بذلك سمّاهم اللّه محسنين، كأنّ اللّه تعالى يقول لهم:إذا اعترفت بإساءتك و عجزك فأنا أصفك بالإحسان و أجعلك حبيبا لنفسي،حتّى تعلم أنّه لا سبيل للعبد إلى الوصول إلى حضرة اللّه إلاّ بإظهار الذّلّة و المسكنة و العجز.

و أيضا:أنّهم لمّا أرادوا الإقدام على الجهاد طلبوا تثبيت أقدامهم في دينه و نصرتهم على العدوّ من اللّه تعالى،فعند ذلك سمّاهم بالمحسنين،و هذا يدلّ على أنّ العبد لا يمكنه الإتيان بالفعل الحسن،إلاّ إذا أعطاه اللّه ذلك الفعل الحسن و أعانه عليه،ثمّ إنّه تعالى قال: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ الرّحمن:60.و قال:

لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ يونس:26 و كلّ

ص: 210

ذلك يدلّ على أنّه سبحانه هو الّذي يعطي الفعل الحسن للعبد،ثمّ إنّه يثيبه عليه ليعلم العبد أنّ الكلّ من اللّه و بإعانة اللّه.(9:29)

نحوه باختصار،الخازن(1:362)،و القاسميّ(4:

992).

النّيسابوريّ: وَ حُسْنَ... و هو الجنّة و ما فيها من المنافع و اللّذّات،و ذلك غير حاصل في الحال.

و المراد أنّه حكم لهم بحصولها في الآخرة،و حكم اللّه بالحصول كنفس الحصول...ثمّ قال: وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ و الإحسان أن تعبد اللّه كأنّك تراه.

و هاهنا سرّ،و هو أنّه تعالى وفّقهم للطّاعة ثمّ أثابهم عليها،ثمّ مدحهم على ذلك فسمّاهم محسنين،ليعلم العبد أنّ الكلّ بعنايته و فضله.(4:85)

أبو حيّان :[مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ و قد فسّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم «الإحسان»حين سئل عن حقيقته في حديث سؤال جبريل«أن تعبد اللّه كأنّك تراه»و فسّره المفسّرون هنا بأحد قولين:و هو من أحسن ما بينه و بين ربّه في لزوم طاعته،أو من ثبت في القتال مع نبيّه حتّى يقتل أو يغلب.(3:76)

أبو السّعود :[مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

(...المحسنين)تذييل مقرّر لمضمون ما قبله، فإنّ محبّة اللّه تعالى للعبد عبارة عن رضاه عنه و إرادة الخير به،فهي مبدأ لكلّ سعادة.و اللاّم إمّا للعهد،و إنّما وضع المظهر موضع ضمير المعهودين للإشعار بأنّ ما حكي عنهم من الأفعال و الأقوال من باب الإحسان، و إمّا للجنس و هم داخلون فيه دخولا أوّليّا.و هذا أنسب بمقام ترغيب المؤمنين في تحصيل ما حكي عنهم من المناقب الجليلة.(2:46)

نحوه الآلوسيّ.(4:86)

الكاشانيّ: [مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ في أقوالهم و أفعالهم.

(1:360)

مثله شبّر.(1:383)

البروسويّ: [مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

و محبة اللّه للعبد عبارة عن رضاه عنه و إرادة الخير به،فهي مبدأ لكلّ سعادة.و الإشارة أنّ اللّه تعالى لمّا زاد لخواصّ عباده كرامة التّخلّق بأخلاقه،ابتلاهم بقتال العدوّ و ثبّتهم عند الملاقاة،فاستخرج من معادن ذواتهم جواهر صفاته المكنونة فيها المكرمة بها بنو آدم، و الصّبر و الإحسان من صفات اللّه،و اللّه تعالى يحبّ صفاته و يحبّ من تخلّق بصفاته،و لهذا قال: وَ اللّهُ يُحِبُّ الصّابِرِينَ، وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. (2:107)

محمّد عبده:ثواب هؤلاء حسن على كلّ حال، و لكن ذكر الحسن في ثواب الآخرة مزيد في تعظيم أمره، و تنبيه على أنّه ثواب لا يشوبه أذى،فليس مثل ثواب الدّنيا عرضة للشّوائب و المنغّصات.(رشيد رضا 4:173)

رشيد رضا :(و حسن...)بنيل رضوان اللّه و قربه، و النّعيم بدار كرامته،و هو ما لا عين رأت و لا أذن سمعت،و لا خطر على قلب بشر،كما ورد في الخبر،أخذا من قوله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ.. السّجدة:17،و ما آتاهم ذلك إلاّ بحسن

ص: 211

إرادتهم و ما كان لها من حسن الأثر في نفوسهم و أعمالهم، إذا أتوا البيوت من أبوابها،و طلبوا المقاصد بأسبابها.

(...المحسنين)لأنّهم خلفاؤه في الأرض يقيمون سنّته؛و يظهرون بأنفسهم و أعمالهم حكمته،فيكون عملهم للّه باللّه،كما ورد في صفة العبد الّذي يحبّه اللّه:

«فاذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به،و بصره الّذي يبصر به،و يده الّتي يبطش بها»أي إنّ مشاعره و أعماله لا تكون مشغولة إلاّ بما يرضى اللّه،و يقيم سننه و يظهر حكمه في خلقه.

و إنّما جمع لهم بين ثواب الدّنيا و حسن ثواب الآخرة، لأنّهم أرادوا بعملهم سعادة الدّنيا و الآخرة،إنّما الجزاء على حسب الإرادة.و هذا هو شأن المؤمن كما تقدّم آنفا، و هو حجّة على الغالين في الزّهد.و خصّ ثواب الآخرة بالحسن للإيذان بفضله و مزيّته،و أنّه المعتدّ به عند اللّه تعالى،كذا قالوا.(4:173)

نحوه المراغيّ.(4:94)

مغنيّة:و كفى بثواب اللّه و حبّه و شهادته بالإحسان فخرا و ذخرا.و تشعر هذه الآية أنّ التّواضع و اتّهام النّفس يقرّب من اللّه،و يرفع المتواضع إلى أعلى علّيّين.

(2:175)

مكارم الشّيرازيّ: و لقد عبّرت الآية عن الجزاء الدّنيويّ بثواب الدّنيا،و لكنّها عبّرت عن الجزاء الأخرويّ بحسن ثواب الآخرة،و هذه إشارة إلى أنّ ثواب الآخرة يختلف عن ثواب الدّنيا اختلافا كلّيّا،لأنّ ثواب الدّنيا مهما يكن فهو ممزوج بالفناء و العدم،و يقترن ببعض المنغّصات و المكروهات الّذي هو من طبيعة الحياة الدّنيا،في حين أنّ ثواب الآخرة حسن كلّه،أنّه خير خالص لا فناء فيه و لا عناء،و لا انقطاع فيه و لا انتهاء، و لا كدورات فيه و لا منغّصات،و لا متاعب و لا مزعجات.(2:561)

فضل اللّه :إنّ اللّه تحدّث بكلمة«الحبّ»عن المحسنين في قوله تعالى: وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ هؤلاء الّذين عاشوا معنى الإحسان في أفكارهم،فكرا يقدّم الإحسان إلى النّاس الّذين يبحثون عن الحلول الفكريّة لمشاكلهم العامّة،و عملا يقدّمه إلى النّاس ليحسن إلى حياتهم الباحثة عن قوّة لضعفها،و غنى لفقرها، و حيويّة لحركتيها،فيرفع بذلك مستواهم،و يحقّق لهم الكثير من الخير في جميع أمورهم و أوضاعهم.

و هؤلاء الّذين عاشوا الإحسان لأنفسهم إيمانا في الرّوح،و عقيدة في العقل،و استقامة في الطّريق،و ثباتا في الخطى،و تقوى في العمل،و انفتاحا على اللّه في آفاق الغيب،و جهادا في ساحة الصّراع،و قوّة في مواجهة التّحدّيات،و إخلاصا للرّسالة و للرّسول،و حبّا لعباد اللّه، و هذا هو الّذي يمثّل ارتباطهم باللّه و حركتهم نحو القرب منه،فيراهم اللّه في مواقع الإحسان لأنفسهم و للنّاس و للحياة،من خلال محبّتهم له و إقبالهم عليه،فيمنحهم بذلك حبّا إلهيّا ليغرقهم في السّعادة،و يغمرهم بالنّعيم، و يسير بهم نحو درجات القرب عنده.(6:302)

3- ...ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ

آل عمران:195

راجع«ث و ب-الثّواب»

ص: 212

4- اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ. الرّعد:29

ابن عبّاس: المرجع في الجنّة.(208)

الضّحّاك: حسن منقلب.(الطّبريّ 13:150)

و هكذا جاء في أكثر التّفاسير

5- فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَ إِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَ حُسْنَ مَآبٍ. ص:25

6- وَ إِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَ حُسْنَ مَآبٍ. ص:40

راجع«ز ل ف-زلفى»

7- هذا ذِكْرٌ وَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ. ص:49

الآلوسيّ: و إضافة(حسن)إلى(مآب)من إضافة الصّفة إلى الموصوف إمّا بتأويل مآب ذي حسن أو حسن،و إمّا بدونه قصدا للمبالغة.(23:212)

حسنا

1- ...وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ...

البقرة:83

ابن عبّاس: في شأن محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم حقّا،و يقال:حسنا و صدقا.(12)

و قولوا للنّاس صدقا و حقّا في شأن محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم فمن سألكم عنه فاصدقوه و بيّنوا له صفته،و لا تكتموا أمره، و لا تغيّروا نعته.

مثله سعيد بن جبير و ابن جريج و مقاتل(الواحديّ 1:166)،و نحوه البغويّ(1:139).

هو القول الحسن الجميل و الخلق الكريم.

(الطّبرسيّ 1:150)

المعنى:قولوا لهم:لا إله إلاّ اللّه،و مروهم بها.(القرطبيّ 2:16)

نزلت هذه الآية في الابتداء،ثمّ نسختها آية السّيف.

نحوه قتادة(القرطبيّ 2:17)،و القمّيّ(1:51).

محمّد بن الحنفيّة:هذه الآية تشمل البرّ و الفاجر.(الثّعلبيّ 1:228) أبو العالية :قولوا للنّاس معروفا.

(الطّبريّ 1:392)

قولوا لهم الطّيّب من القول،و جازوهم بأحسن ما تحبّون أن تجازوا به.(القرطبيّ 2:16)

الحسن :الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر، أمرهم أن يأمروا ب«لا إله إلاّ اللّه»من لم يقلها.

مثله الثّوريّ.(الواحديّ 1:166)

ليّن القول من الأدب الحسن الجميل،و الخلق الكريم، و هو ممّا ارتضاه اللّه و أحبّه.(الطّبريّ 1:392)

الإمام الباقر عليه السّلام:من لقيت من النّاس فقل له حسنا من القول.

مثله عطاء(الطّبريّ 1:392)،و الرّبيع(الواحديّ 1:166).

قولوا للنّاس أحسن ما تحبّون أن يقال لكم،فإنّ اللّه يبغض اللّعّان السّبّاب الطّعّان على المؤمنين الفاحش المتفحّش السّائل الملحف،و يحبّ الحليم العفيف المتعفّف.(الطّبرسيّ 1:150)

ص: 213

الفرّاء:كما تقول:افعلوا و لا تفعلوا،أو لا تفعلوا و افعلوا.(1:53)

الأخفش: فهو على أحد وجهين:إمّا أن يكون يراد ب(الحسن)،(الحسن)كما تقول:البخل و البخل،و إمّا أن يكون جعل الحسن هو الحسن في التّشبيه،كما تقول:إنّما أنت أكل و شرب.

و هذه الكلمة في الكلام ليست بكثيرة،و قد جاءت في القرآن.و قد قرأها بعضهم (حسنا) يريد:قولوا لهم حسنا،و قال بعضهم: (قولوا للنّاس حسنى) .يؤنّثها و لم ينوّنها.و هذا لا يكاد يكون لأنّ«الحسنى»لا يتكلّم بها إلاّ بالألف و اللاّم،كما لا يتكلّم بتذكيرها إلاّ بالألف و اللاّم.فلو قلت:جاءني أحسن و أطول،لم يحسن حتّى تقول:جاءني الأحسن و الأطول،فكذلك هذا يقول:

جاءتني الحسنى و الطّولى.إلاّ أنّهم قد جعلوا أشياء من هذا أسماء نحو:دنيا،و أولى.

و يقولون:هي خيرة النّساء،هنّ خيرات النّساء،لا يكادون يفردونه،و إفراده جائز.و في كتاب اللّه عزّ و جلّ: فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ الرّحمن:70،و ذلك أنّه لم يرد«أفعل»و إنّما أراد تأنيث«الخير»لأنّه لمّا وصف فقال:(فلان خير)،أشبه الصّفات فأدخل الهاء للمؤنّث.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:309)

الطّبريّ: إن قال قائل:كيف قيل: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً فأخرج الكلام أمرا و لمّا يتقدّمه أمر،بل الكلام جار من أوّل الآية مجرى الخبر؟

قيل:إنّ الكلام و إن كان قد جرى في أوّل الآية مجرى الخبر،فإنّه ممّا يحسن في موضعه الخطاب بالأمر و النّهي،فلو كان مكان: لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ لا تعبدوا إلاّ اللّه-على وجه النّهي من اللّه لهم عن عبادة غيره- كان حسنا صوابا.

و قد ذكر أنّ ذلك كذلك في قراءة أبيّ بن كعب،و إنّما حسن ذلك و جاز لو كان مقروء به،لأنّ أخذ الميثاق قول،فكان معنى الكلام لو كان مقروء كذلك:و إذ قلنا لبني إسرائيل:لا تعبدوا إلاّ اللّه،كما قال جلّ ثناؤه في موضع آخر: وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَكُمْ وَ رَفَعْنا فَوْقَكُمُ الطُّورَ خُذُوا ما آتَيْناكُمْ بِقُوَّةٍ البقرة:63-93،فلمّا كان حسنا وضع الأمر و النّهي في موضع(لا تعبدون الاّ اللّه)عطف بقوله: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً على موضع(لا تعبدون)،و إن كان مخالفا كلّ واحد منهما،و معناه معنى ما فيه لما وصفنا من جواز وضع الخطاب بالأمر و النّهي موضع(لا تعبدون)،فكأنّه قيل:و إذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدوا إلاّ اللّه،و قولوا للنّاس حسنا.

و هو نظير ما قدّمنا البيان عنه،من أنّ العرب تبتدئ الكلام أحيانا على وجه الخبر،عن الغائب في موضع الحكايات،كما أخبرت عنه،ثم تعود إلى الخبر على وجه الخطاب،و تبتدئ أحيانا على وجه الخطاب،ثمّ تعود إلى الإخبار على وجه الخبر عن الغائب،لما في الحكاية من المعنيين.

و أمّا«الحسن»فإنّ القرّاء اختلفت في قراءته، فقرأته عامّة قرّاء الكوفة غير عاصم: (و قولوا للنّاس حسنا) بفتح الحاء و السّين،و قرأته عامّة قرّاء المدينة:

(حسنا)بضمّ الحاء و تسكين السّين.و قد روي عن بعض القرّاء أنّه كان يقرأ (و قولوا للنّاس حسنى) على

ص: 214

مثال«فعلى».

و اختلف أهل العربيّة في فرق ما بين معنى قوله:

(حسنا)و(حسنا)،فقال بعض البصريّين:هو على أحد وجهين:إمّا أن يكون يراد بالحسن:الحسن،و كلاهما لغة،كما يقال:البخل و البخل،و إمّا أن يكون جعل الحسن هو الحسن في التّشبيه،و ذلك أنّ الحسن مصدر، و الحسن هو الشّيء الحسن،و يكون ذلك حينئذ كقولك:

إنّما أنت أكل و شرب.

و قال آخر:بل«الحسن»هو الاسم العامّ الجامع جميع معاني الحسن،و«الحسن»هو البعض من معاني الحسن،قال:و لذلك قال جلّ ثناؤه إذ أوصى بالوالدين:

وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً العنكبوت:8،يعني بذلك أنّه وصّاه فيهما بجميع معاني الحسن،و أمر في سائر النّاس ببعض الّذي أمره به في والديه،فقال: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً يعني بذلك:بعض معاني الحسن.

و الّذي قاله هذا القائل في معنى الحسن بضمّ الحاء و سكون السّين غير بعيد من الصّواب،و إنّه اسم لنوعه الّذي سمّي به.و أمّا«الحسن»فإنّه صفة وقعت لما وصف به،و ذلك يقع بخاصّ.

و إذا كان الأمر كذلك،فالصّواب من القراءة في قوله: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً لأنّ القوم إنّما أمروا في هذا العهد الّذي قيل لهم: وَ قُولُوا لِلنّاسِ باستعمال الحسن من القول دون سائر معاني الحسن،الّذي يكون بغير القول،و ذلك نعت لخاصّ من معاني الحسن و هو القول، فلذلك اخترت قراءته بفتح الحاء و السّين،على قراءته بضمّ الحاء و سكون السّين.

و أمّا الّذي قرأ ذلك (و قولوا للنّاس حسنى) فإنّه خالف بقراءته إيّاه كذلك قراءة أهل الإسلام،و كفى شاهدا على خطإ القراءة بها،كذلك خروجها من قراءة أهل الإسلام لو لم يكن على خطئها شاهد غيره،فكيف و هي مع ذلك خارجة من المعروف من كلام العرب؛ و ذلك أنّ العرب لا تكاد أن تتكلّم ب«فعلى،و أفعل»إلاّ بالألف و اللاّم أو بالإضافة،لا يقال:جاءني أحسن حتّى يقولوا:الأحسن،و لا يقال:أجمل حتّى يقولوا:الأجمل؛ و ذلك أنّ«الأفعل،و الفعلى»لا يكادان يوجدان صفة إلاّ لمعهود معروف،كما تقول:بل أخوك الأحسن،و بل أختك الحسنى،و غير جائز أن يقال:امرأة حسنى، و رجل أحسن.

و أمّا تأويل القول الحسن-الّذي أمر اللّه به الّذين وصف أمرهم من بني إسرائيل في هذه الآية،لأن يقولوه للنّاس-فهو ما حدّثنا به أبو كريب...عن ابن عبّاس في قوله: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً أمرهم أيضا بعد هذا الخلق أن يقولوا للنّاس حسنا:أن يأمروا ب«لا إله إلاّ اللّه»من لم يقلها،و رغب عنها حتّى يقولوها كما قالوها، فإنّ ذلك قربة من اللّه جلّ ثناؤه.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:390)

نحوه الزّجّاج.(1:163)

أبو زرعة :قرأ حمزة و الكسائيّ: (و قولوا للنّاس حسنا) بفتح الحاء و السّين،و حجّتهم أنّ(حسنا)وصف للقول الّذي كفّ عن ذكره لدلالة وصفه عليه،كأنّ تأويله:و قولوا للنّاس قولا حسنا،فترك القول و اقتصر على نعته.و قد نزل القرآن بنظير ذلك،فقال عزّ و جلّ:

ص: 215

وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ الرّعد:3،و لم يذكر الجبال، و قال: أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ سبأ:11،و لم يذكر الدّروع؛إذ دلّ وصفها على موصوفها.

و قرأ الباقون: (حسنا) بضمّ الحاء،و حجّتهم أنّ «الحسن»يجمع و«الحسن»يتبعّض،أي قولا للنّاس الحسن في الأشياء كلّها،فما يجمع أولى ممّا يتبعّض.

قال الزّجّاج:و في قوله:(حسنا)قولان،المعنى:

قولوا للنّاس قولا ذا حسن.

و زعم الأخفش أنّه يجوز أن يكون(حسنا)في معنى حسن،كما قيل البخل و البخل و السّقم و السّقم،و في التّنزيل: إِلاّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً النّمل:11، وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً العنكبوت:8.

(103)

نحوه الثّعلبيّ.(1:228)

القيسيّ: تقديره:قولا ذا حسن،فهو مصدر،و من فتح الحاء و السّين جعله نعتا لمصدر محذوف،تقديره:

قولا حسنا.

و قيل:إنّ القراءتين على لغتين،يقال:الحسن و الحسن،بمعنى واحد،مثل:العدم،و العدم،فهما جميعا نعتان لمصدر محذوف.(1:58)

نحوه الميبديّ(1:251)،و العكبريّ(1:84).

الماورديّ: فمن قرأ (حسنا) يعني قولا صدقا في بعث محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و بالرّفع،أي قولوا لجميع النّاس حسنا، يعني خالقوا النّاس بخلق حسن.(1:154)

الطّوسيّ: فيه عدول إلى الخطاب بعد الخبر،على ما مضى القول فيه.و قد ذكرنا اختلاف القرّاء في:

(حسنا)و(حسنا).[ثمّ أدام البحث نحو الطّبريّ و قال:]

و روي عن ابن عبّاس أنّه قال:قوله: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً نسخ بقوله:قاتلوهم حتّى يقولوا:«لا إله إلاّ اللّه»أو يقرّوا بالجزية.و قال آخرون:ليست منسوخة لكن أمروا بأن يقولوا حسنا في الاحتجاج عليهم،إذا دعوا إلى الإيمان،و بيّن ذلك لهم.و قال قتادة:

نسختها آية السّيف.

و الصّحيح أنّها ليست منسوخة،و إنّما أمر اللّه تعالى بالقول الحسن في الدّعاء إليه و الاحتجاج عليه،كما قال تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله: اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:125،و بيّن في آية أخرى،فقال: وَ لا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّوا اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ الأنعام:108،و ليس الأمر بالقتال ناسخا لذلك،لأنّ كلّ واحد منهما ثابت في موضعه.(1:329)

نحوه الطّبرسيّ.(1:150)

الواحديّ: حسنا و حسنا:و كلاهما واحد،لأنّ الحسن لغة في الحسن،كالبخل و البخل و الرّشد و الرّشد.

[ثمّ نقل قول الأخفش](1:167)

الزّمخشريّ: قولا هو حسن في نفسه لإفراط حسنه،و قرئ (حسنا) ،و (حسنى) على المصدر كبشرى.(1:293)

ابن عطيّة: أمر عطف على ما تضمّنه لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ و ما بعده من معنى الأمر و النّهي،أو على «أحسنوا»المقدّر في قوله: وَ بِالْوالِدَيْنِ.

و قرأ حمزة و الكسائيّ: (حسنا) بفتح الحاء و السّين،

ص: 216

قال الأخفش:هما بمعنى واحد كالبخل و البخل،قال الزّجّاج و غيره:بل المعنى في القراءتين:و قولوا قولا حسنا بفتح السّين،أو قولا ذا حسن،بضمّ الحاء.

و قرأ قوم (حسنى) مثل«فعلى»و ردّه سيبويه لأنّ «أفعل»و«فعلى»لا تجيء إلاّ معرفة،إلاّ أن يزال عنها معنى التّفضيل و تبقى مصدرا كالعقبى،فذلك جائز،و هو وجه القراءة بها.

و قرأ عيسى بن عمر و عطاء بن أبي رباح (حسنا) بضمّ الحاء و السّين.[ثمّ نقل عدّة أقوال و قال:]

عن قتادة:إنّ قوله تعالى: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً منسوخ بآية السّيف.

و هذا على أنّ هذه الأمّة خوطبت بمثل هذا اللّفظ في صدر الإسلام،و أمّا الخبر عن بني إسرائيل و ما أمروا به فلا نسخ فيه.(1:172)

الطّبرسيّ: و أمّا قوله: (حسنا) فمن قرأه بضمّ الحاء ففيه ثلاثة أوجه:

أحدها:أن يكون الحسن بمعنى الحسن كالبخل و البخل،و الرّشد و الرّشد،و جاز ذلك في الصّفة كما جاز في الاسم،قالوا:العرب و العرب،و هو صفة بدلالة قولهم:مررت بقوم عرب أجمعين،فعلى هذا يكون «الحسن»صفة كالحلو و المرّ.

و ثانيها:أن يكون الحسن مصدرا كالشّكر و الكفر، و حذف المضاف معه،أي قولوا:قولا ذا حسن.

و ثالثها:أن يكون منصوبا على أنّه مصدر الفعل الّذي دلّ عليه الكلام،أي ليحسن قولكم حسنا.

و من قرأه (حسنا) جعله صفة،و تقديره:و قولوا للنّاس:قولا حسنا،كقوله تعالى: فَأُمَتِّعُهُ قَلِيلاً البقرة:126 أي متاعا قليلا.(1:150)

نحوه أبو البركات.(1:103)

ابن الجوزيّ: [أشار إلى القراءات و قال:]

و اختلفوا في المخاطب بهذا على قولين:

أحدهما:أنّهم اليهود،قاله ابن عبّاس و ابن جبير و ابن جريج،و معناه:اصدقوا و بيّنوا صفة النّبيّ.

و الثّاني:أنّهم أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.قال أبو العالية:قولوا للنّاس:معروفا،و قال محمّد بن عليّ بن الحسين:

كلّموهم بما تحبّون أن يقولوا لكم،و زعم قوم أنّ المراد بذلك:مساهلة الكفّار في دعائهم إلى الإسلام،فعلى هذا تكون منسوخة بآية السّيف.(1:109)

الفخر الرّازيّ: قوله تعالى: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً و فيه مسائل:

المسألة الأولى:قرأ حمزة و الكسائيّ (حسنا) بفتح الحاء و السّين،على معنى الوصف للقول،كأنّه قال:

قولوا للنّاس:قولا حسنا،و الباقون بضمّ الحاء و سكون السّين،و استشهدوا بقوله تعالى: وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً العنكبوت:8 و بقوله: ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ النّمل:11 و فيه أوجه:

الأوّل:قال الأخفش:معناه قولا ذا حسن.

الثّاني:يجوز أن يكون(حسنا)في موضع«حسنا» كما تقول:رجل عدل.

الثّالث:أن يكون معنى قوله: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً أي ليحسن قولكم،نصب على مصدر الفعل الّذي دلّ عليه الكلام الأوّل.

ص: 217

الرّابع:(حسنا)أي قول هو حسن في نفسه لإفراط حسنه.

المسألة الثّانية:يقال:لم خوطبوا ب(قولوا)بعد الإخبار؟

و الجواب من ثلاثة أوجه:

أحدها:أنّه على طريقة الالتفات،كقوله تعالى:

حَتّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَ جَرَيْنَ بِهِمْ يونس:22.

و ثانيها:فيه حذف،أي قلنا لهم:قولوا.

و ثانيها:الميثاق لا يكون إلاّ كلاما،كأنّه قيل:قلت:

لا تعبدوا و قولوا.

المسألة الثّالثة اختلفوا في أنّ المخاطب بقوله:

وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً من هو؟

فيحتمل أن يقال:إنّه تعالى أخذ الميثاق عليهم أن لا يعبدوا إلاّ اللّه،و على أن يقولوا للنّاس حسنا.و يحتمل أن يقال:إنّه تعالى أخذ الميثاق عليهم أن لا يعبدوا إلاّ اللّه، ثمّ قال لموسى و أمّته: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً. و الكلّ ممكن بحسب اللّفظ و إن كان الأوّل أقرب،حتّى تكون القصّة قصّة واحدة مشتملة على محاسن العادات و مكارم الأخلاق،من كلّ الوجوه.

المسألة الرّابعة:منهم من قال:إنّما يجب القول الحسن مع المؤمنين،أمّا مع الكفّار و الفسّاق فلا،و الدّليل عليه وجهان:

الأوّل:أنّه يجب لعنهم و ذمّهم و المحاربة معهم، فكيف يمكن أن يكون القول معهم حسنا.

الثّاني:قوله تعالى: لا يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاّ مَنْ ظُلِمَ النّساء:148 فأباح الجهر بالسّوء لمن ظلم،ثمّ إنّ القائلين بهذا القول منهم من زعم أنّ هذا الأمر صار منسوخا بآية القتال،و منهم من قال:إنّه دخله التّخصيص،و على هذا التّقدير يحصل هاهنا احتمالان:أحدهما:أن يكون التّخصيص واقعا بحسب المخاطب،و هو أن يكون المراد:و قولوا للمؤمنين حسنا.

و الثّاني:أن يقع بحسب الخطاب،و هو أن يكون المراد:قولوا للنّاس حسنا في الدّعاء إلى اللّه تعالى،و في الأمر بالمعروف.

فعلى الوجه الأوّل يتطرّق التّخصيص إلى المخاطب دون الخطاب،و على الثّاني يتطرّق إلى الخطاب دون المخاطب.

و زعم أبو جعفر محمّد بن عليّ الباقر:أنّ هذا العموم باق على ظاهره،و أنّه لا حاجة إلى التّخصيص.و هذا هو الأقوى،و الدّليل عليه أنّ موسى و هارون مع جلال منصبهما أمرا بالرّفق و اللّين مع فرعون،و كذلك محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم مأمور بالرّفق و ترك الغلظة،و كذا قوله تعالى:

اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ النّحل:125،و قال تعالى: وَ لا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فَيَسُبُّوا اللّهَ عَدْواً بِغَيْرِ عِلْمٍ الأنعام:108، و قوله: وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً الفرقان:72، و قوله: وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ الأعراف:199.

أمّا الّذي تمسّكوا به أوّلا من أنّه يجب لعنهم و ذمّهم، فلا يمكنهم القول الحسن معهم.

قلنا أوّلا:لا نسلّم أنّه يجب لعنهم و سبّهم،و الدّليل عليه قوله تعالى: وَ لا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ.

ص: 218

سلّمنا أنّه لا يجب لعنهم لكن لا نسلّم أنّ اللّعن ليس قولا حسنا،بيانه:أنّ القول الحسن ليس عبارة عن القول الّذي يشتهونه و يحبّونه،بل القول الحسن هو الّذي يحصل انتفاعهم به،و نحن إذا لعنّاهم و ذممناهم ليرتدعوا به عن الفعل القبيح،كان ذلك المعنى نافعا في حقّهم، فكان ذلك اللّعن قولا حسنا و نافعا،كما أنّ تغليظ الوالد في القول قد يكون حسنا و نافعا،من حيث إنّه يرتدع به عن الفعل القبيح.

سلّمنا أنّ لعنهم ليس قولا حسنا،و لكن لا نسلّم أنّ وجوبه ينافي وجوب القول الحسن.بيانه:أنّه لا منافاة بين كون الشّخص مستحقّا للتّعظيم بسبب إحسانه إلينا و مستحقّا للتّحقير بسبب كفره،و إذا كان كذلك فلم لا يجوز أن يكون وجوب القول الحسن معهم.

و أمّا الّذي تمسّكوا به ثانيا و هو قوله تعالى: لا يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاّ مَنْ ظُلِمَ النّساء:148.

فالجواب:لم لا يجوز أن يكون المراد منه كشف حال الظّالم ليحترز النّاس عنه؟و هو المراد بقوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«اذكروا الفاسق بما فيه كي يحذره النّاس».

المسألة الخامسة:قال أهل التّحقيق:كلام النّاس مع النّاس إمّا أن يكون في الأمور الدّينيّة،أو في الأمور الدّنيويّة.

فإن كان في الأمور الدّينيّة فإمّا أن يكون في الدّعوة إلى الإيمان و هو مع الكفّار،أو في الدّعوة إلى الطّاعة و هو مع الفاسق.

أمّا الدّعوة إلى الإيمان فلا بدّ و أن تكون بالقول الحسن،كما قال تعالى لموسى و هارون: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى طه:44 أمرهما اللّه تعالى بالرّفق مع فرعون مع جلالتهما و نهاية كفر فرعون، و تمرّده و عتوّه على اللّه تعالى،و قال لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم: وَ لَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لاَنْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ آل عمران:159.

و أمّا دعوة الفسّاق فالقول الحسن فيه معتبر،قال تعالى: اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ النّحل:125،و قال: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ فصّلت:

34.و أمّا في الأمور الدّنيويّة فمن المعلوم بالضّرورة أنّه إذا أمكن التّوصّل إلى الغرض بالتّلطّف من القول لم يحسن سواه،فثبت أنّ جميع آداب الدّين و الدّنيا داخلة تحت قوله تعالى: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً.

المسألة السّادسة:ظاهر الآية يدلّ على أنّ الإحسان إلى ذي القربى و اليتامى و المساكين كان واجبا عليهم في دينهم،و كذا القول الحسن للنّاس كان واجبا عليهم، لأنّ أخذ الميثاق يدلّ على الوجوب؛و ذلك لأنّ ظاهر الأمر للوجوب،و لأنّه تعالى ذمّهم على التّولّي عنه؛ و ذلك يفيد الوجوب،و الأمر في شرعنا أيضا كذلك من بعض الوجوه.

و روي عن ابن عبّاس أنّه قال:«إنّ الزّكاة نسخت كلّ حقّ»و هذا ضعيف لأنّه لا خلاف أنّ من اشتدّت به الحاجة و شاهدناه بهذه الصّفة،فإنّه يلزمنا التّصدّق عليه و إن لم يجب علينا الزّكاة،حتّى أنّه إن لم تندفع حاجتهم بالزّكاة كان التّصدّق واجبا،و لا شكّ في وجوب مكالمة النّاس بطريق لا يتضرّرون به.(3:167)

ص: 219

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ.(1:360)

القرطبيّ: [نقل القراءات و بعض الأقوال ثمّ قال:]

و هذا كلّه حضّ على مكارم الأخلاق،فينبغي للإنسان أن يكون قوله للنّاس ليّنا،و وجهه منبسطا طلقا مع البرّ و الفاجر،و السّنّيّ و المبتدع؛من غير مداهنة، و من غير أن يتكلّم معه بكلام يظنّ أنّه يرضي مذهبه، لأنّ اللّه تعالى قال لموسى و هارون: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً. فالقائل ليس بأفضل من موسى و هارون، و الفاجر ليس بأخبث من فرعون،و قد أمرهما اللّه تعالى باللّين معه...(2:16)

البيضاويّ: أي قولا حسنا،و سمّاه (حسنا) للمبالغة.و قرأ حمزة و الكسائيّ و يعقوب (حسنا) بفتحتين،و قرئ (حسنا) بضمّتين،و هو لغة أهل الحجاز،و (حسنا) و (حسنى) على المصدر كبشرى.

(1:66)

نحوه النّسفيّ(1:59)،و أبو السّعود(1:158)، و شبّر(1:116).

الخازن :[ذكر الاختلاف في المخاطب بهذا ثمّ قال:]

مروهم بالمعروف و انهوهم عن المنكر،و قيل:هو اللّين في القول و العشرة و حسن الخلق.(1:67)

نحوه الشّربينيّ.(1:74)

أبو حيّان :لمّا ذكر بعد عبادة اللّه الإحسان لمن ذكر،و كان أكثر المطلوب فيه الفعل من الصّلة و الإطعام و الافتقاد،أعقب بالقول الحسن،ليجمع المأخوذ عليه الميثاق،امتثال أمر اللّه تعالى في الأفعال و الأقوال،فقال تعالى: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً. و لمّا كان القول سهل المرام؛إذ هو بذل لفظ لا مال،كان متعلّقه.ب(النّاس) عموما؛إذ لا ضرر على الإنسان في الإحسان إلى النّاس بالقول الطّيّب.[ثمّ نقل القراءات و كلام ابن عطيّة فيها و ردّه ثمّ قال في توجيه قراءة من قرأ (حسنى) :]

و تخريج هذه القراءة على وجهين:

أحدهما:المصدر كالبشرى،و يحتاج ذلك إلى نقل أنّ العرب تقول:حسن حسنى،كما تقول:رجع رجعى، و بشر بشرى؛إذ مجيء«فعلى»كما ذكرنا مصدرا لا ينقاس.

و الوجه الثّاني:أن يكون صفة لموصوف محذوف، أي و قولوا للنّاس كلمة حسنى أو مقالة حسنى.

و في الوصف بها وجهان:

أحدهما:أن تكون باقية على أنّها للتّفضيل و استعمالها بغير ألف و لام،و لا إضافة لمعرفة،نادر [و استشهد بشعر]

فيمكن أن تكون هذه القراءة من هذا لأنّها قراءة شاذّة.

و الوجه الثّاني:أن تكون ليست للتّفضيل،فيكون معنى(حسنى)حسنة،أي و قولوا للنّاس مقالة حسنة، كما خرّجوا يوسف أحسن إخوته،في معنى حسن إخوته.

(1:284)

السّمين: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً هذه الجملة عطف على قوله:(لا تعبدون)في المعنى،كأنّه قال:لا تعبدوا إلاّ اللّه و أحسنوا بالوالدين و قولوا،أو على «احسنوا»المقدّر،كما تقدّم تقريره في قوله:

وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً. و أجاز أبو البقاء أن يكون

ص: 220

معمولا لقول محذوف،تقديره:و قلنا لهم قولوا.

و قرئ (حسنا) بفتحتين و (حسنا) بضمّتين، و (حسنى) من غير تنوين كحبلى،و (احسانا) من الرّباعيّ.

فأمّا قراءة(حسنا)بالضّمّ و الإسكان فيحتمل أوجها:

أحدها،و هو الظّاهر:أنّه مصدر وقع صفة لمحذوف، تقديره:و قولوا للنّاس قولا حسنا،أي ذا حسن.

الثّاني:أن يكون وصف به مبالغة،كأنّه جعل القول نفسه حسنا.

الثّالث:أنّه صفة على وزن«فعل»و ليس أصله المصدر،بل هو كالحلو و المرّ،فيكون بمعنى«حسن» بفتحتين،فيكون فيه لغتان:حسن و حسن كالبخل و البخل،و الحزن و الحزن،و العرب و العرب.

الرّابع:أنّه منصوب على المصدر من المعنى،فإنّ المعنى:و ليحسن قولكم حسنا.

و أمّا قراءة(حسنا)بفتحتين-و هي قراءة حمزة و الكسائيّ-فصفة لمحذوف،تقديره:قولا حسنا،كما تقدّم في أحد أوجه(حسنا).

و أمّا(حسنا)بضمّتين،فضمّة السّين للإتباع للحاء، فهو بمعنى«حسنا»بالسّكون،و فيه الأوجه المتقدّمة.

و أمّا من قرأ(حسنى)بغير تنوين،فحسنى مصدر كالبشرى و الرّجعى.و قال النّحّاس في هذه القراءة:

«و لا يجوز هذا في العربيّة،لا يقال من هذا شيء إلاّ بالألف و اللاّم،نحو:الكبرى و الفضلى»هذا قول سيبويه،و تابعه ابن عطيّة على هذا.[إلى أن قال:]

و أمّا من قرأ(احسانا)فهو مصدر وقع صفة لمصدر محذوف،أي قولا إحسانا،و فيه التّأويل المشهور.

و إحسانا(مصدر)من«أحسن»الّذي همزته للصّيرورة، أي قولا ذا حسن،كما تقول:«أعشبت الأرض»أي صارت ذا عشب.(1:279)

نحوه الآلوسيّ.(1:308)

ابن كثير :أي كلّموهم طيّبا،و ليّنوا لهم جانبا، و يدخل في ذلك الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر بالمعروف،كما قال الحسن البصريّ في: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً فالحسن من القول يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر و يحلم و يعفو و يصفح،و يقول للنّاس(حسنا)كما قال اللّه،و هو كلّ خلق حسن رضيه اللّه.

و قال الإمام أحمد...عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«لا تحقرنّ من المعروف شيئا،و إن لم تجد فألق أخاك بوجه منطلق...»و ناسب أن يأمرهم بأن يقولوا للنّاس (حسنا)بعد ما أمرهم بالإحسان إليهم بالفعل،فجمع بين طرفي الإحسان الفعليّ و القوليّ،ثمّ أكّد الأمر بعبادته و الإحسان إلى النّاس بالمتعيّن من ذلك،و هو الصّلاة و الزّكاة.(1:209)

البروسويّ: سمّاه(حسنا)مبالغة لفرط حسنه، أمر بالإحسان بالمال في حقّ أقوام مخصوصين،و هم الوالدان و الأقرباء و اليتامى و المساكين.و لمّا كان المال لا يسع الكلّ أمر بمعاملة النّاس كلّهم بالقول الجميل الّذي لا يعجز عنه العاقل،يعني و ألينوا لهم القول بحسن المعاشرة و حسن الخلق و أمروهم بالمعروف و انهوهم عن المنكر،أي و قولوا للنّاس صدقا و حقّا في شأن

ص: 221

محمّد عليه السّلام،فمن سألكم عنه فاصدقوه و بيّنوا صفته،و لا تكتموا أمره.(1:172)

نحوه رشيد رضا(1:368)،و المراغيّ(1:158).

شبّر:عاملوهم بخلق جميل،وصف بالمصدر مبالغة، و فتحه حمزة و الكسائيّ،أي قولا حسنا.(1:116)

القاسميّ: أي قولا حسنا،أي كلّموهم طيّبا و ليّنوا لهم جانبا.و فيه من التّأكيد و التّحضيض على إحسان مقاولة النّاس،أنّه وضع المصدر فيه موضع الاسم،و هذا إنّما يستعمل للمبالغة في تأكيد الوصف، كرجل عدل و صوم و فطر.(2:180)

مغنيّة:إذا صدر من الإنسان عمل من الأعمال،أو قول من الأقوال يمكن حمله على وجه صحيح،و على وجه فاسد،فهل يحمل على الصّحّة،أو على الفساد،أو يجب التّوقّف و عدم الحكم بشيء إلاّ بدليل قاطع؟و مثال ذلك:أن ترى رجلا مع امرأة لا تدري هل هي زوجته أو أجنبيّة عنه؟أو تسمع كلاما،و أنت لا تدري هل أراد به المتكلّم النّيل منك،أو لم يرد ذلك؟

و قد اتّفق الفقهاء على وجوب الحمل على الصّحّة في ذلك و أمثاله،و استدلّوا فيما استدلّوا بقوله تعالى:

وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً، و بقول عليّ أمير المؤمنين:

«ضع أمر أخيك على أحسنه»،و بقول الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام:«كذّب سمعك و بصرك عن أخيك،فإن شهد عندك خمسون قسامة أنّه قال،و قال هو لك:إنّي لم أقل،فصدّقه و كذّبهم»

و هذا مبدأ إنسانيّ بحت،لأنّه يكرّس كرامة الإنسان،و يؤكّد علاقة التّعاون و التّعاطف بين النّاس، و يبتعد بهم عمّا يثير الكراهية و النّفور.و بهذا يتبيّن أنّ الإسلام لا يقتصر على العقيدة و العبادة،و أنّه يهتمّ بالإنسانيّة و خيرها،و يرسم لها الطّرق الّتي تؤدّي بها إلى الحياة المثمرة النّاجحة.

و لكن الّذين باعوا دينهم للشّيطان استغلّوا هذا المبدإ الإنسانيّ،و انحرفوا به عن هدفه النّبيل،و برّروا به أعمال القراصنة و المرابين...و بديهة كما أشرنا أنّ مبدأ الحمل على الصّحّة لا ينطبق على أعمال السّلب و النّهب، و الاحتيال و التّضليل،و ما إلى ذلك ممّا نعلم علم اليقين لأنّه من المحرّمات و الموبقات.و إنّما ينطبق على ما تحتمل فيه الصّدق و الكذب،و الصّحّة و الفساد.(1:141)

الطّباطبائيّ: (حسنا)مصدر بمعنى الصّفة جيء به للمبالغة.و في بعض القراءات(حسنا)بفتح الحاء و السّين صفة مشبّهة.و المعنى:قولوا للنّاس قولا حسنا،و هو كناية عن حسن المعاشرة مع النّاس،كافرهم، و مؤمنهم،و لا ينافي حكم القتال حتّى تكون آية القتال ناسخة له،لأنّ مورد القتال غير مورد المعاشرة،فلا ينافي الأمر بحسن المعاشرة،كما أنّ القول الخشن في مقام التّأديب لا ينافي حسن المعاشرة.(1:219)

فضل اللّه :و هذا هو خطّ التّعامل مع الآخرين على مستوى حركة العلاقات الشّخصيّة و الاجتماعيّة و الاقتصاديّة و السّياسيّة؛بحيث تكون الكلمة الطّيّبة و القول الحسن و الأسلوب الجميل،عناوين إنسانيّة في انفتاح الإنسان على الإنسان الآخر،لأنّ القول الحسن في اللّفظ و المعنى يفتح القلب،و ينعش الرّوح،و يقرّب الإحساس،و يقوّي الرّوابط بين النّاس.

ص: 222

[ثمّ حكى حديث الإمام الباقر المتقدّم عن الطّبرسيّ](2:114)

2- ..قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمّا أَنْ تُعَذِّبَ وَ إِمّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً. الكهف:86

راجع«ع ذ ب-تعذّب»

3- إِلاّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ...

النّمل:11

ابن عبّاس: ثمّ تاب بعد ذلك فانّه ينبغي له أن لا يخاف أيضا.(316)

مجاهد :ثمّ تاب من بعد إساءته.

(الطّبريّ 19:138)

نحوه الماورديّ(4:197)،و النّسفيّ(3:203).

الطّبريّ: فمن أتى ظلما من خلق اللّه،و ركب مأثما (ثمّ بدّل حسنا)يقول:ثمّ تاب من ظلمه ذلك.

(19:138)

الطّوسيّ: معناه ندم على ما فعله من القبيح،و تاب منه،و عزم على أن لا يعود إلى مثله في القبح،فإنّ من تلك صورته،فإنّ اللّه يغفر له و يستر عليه،لأنّه رحيم.

[إلى أن قال:]

قال الجبّائيّ: في الآية دلالة على أنّه يسمّى الحسن حسنا قبل وجوده و بعد تقضّيه،و كذلك القبيح.

و هذا إنّما يجوز على ضرب من المجاز،دون الحقيقة، لأنّ كون الشّيء حسنا أو قبيحا بقيد حدوثه على وجه لا يصحّ في حال عدمه،و إنّما سمّي بذلك بتقدير أنّه متى وجد كان ذلك.(8:79)

الواحديّ: أي توبة و ندم.(3:370)

مثله ابن الجوزيّ(6:157)،و الشّوكانيّ(4:159).

ابن عطيّة: معناه عملا صالحا مقترنا بتوبة،و هذه الآية تقتضي ختم المغفرة للتّائب.و أجمع النّاس على ذلك في التّوبة من الشّرك،و أهل السّنّة في التّائب من المعاصي على أنّه في المشيئة كالمصرّ،لكن يغلب الرّجاء على التّائب و الخوف على المصرّ.(4:251)

الطّبرسيّ: أي بدّل توبة و ندما على ما فعله من القبيح،و عزما أن لا يعود إليه في المستقبل.(4:212)

الفخر الرّازيّ: المراد حسن التّوبة و سوء الذّنب.

(24:184)

نحوه أبو حيّان.(7:57)

النّيسابوريّ: توبة بعد ذنب.(19:82)

مثله شبّر.(4:414)

ابن كثير :هذا استثناء منقطع،و فيه بشارة عظيمة للبشر؛و ذلك أنّ من كان على عمل سيّئ ثمّ أقلع عنه و رجع و تاب و أناب،فإنّ اللّه يتوب عليه،كما قال تعالى: وَ إِنِّي لَغَفّارٌ لِمَنْ تابَ... طه:82،و قال تعالى: وَ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً ثُمَّ يَسْتَغْفِرِ اللّهَ يَجِدِ اللّهَ غَفُوراً رَحِيماً... النّساء:110 و الآيات في هذا كثيرة جدّا.

(5:224)

نحوه المراغيّ.(19:124)

لاحظ«ظ ل م-ظلم»

4- وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً... العنكبوت:8

ص: 223

ابن عبّاس: برّا بهما.(332)

الطّبريّ: اختلف أهل العربيّة في وجه نصب «الحسن»،فقال بعض نحويّي البصرة:نصب ذلك على نيّة تكرير(وصّينا)،و كأنّ معنى الكلام عنده:و وصّينا الإنسان بوالديه،و وصّيناه حسنا.و قال:قد يقول الرّجل:وصّيته خيرا،أي بخير.

و قال بعض نحويّي الكوفة:معنى ذلك:و وصّينا الإنسان أن يفعل حسنا،و لكنّ العرب تسقط من الكلام بعضه،إذا كان فيما بقي الدّلالة على ما سقط،و تعمل ما بقي فيما يعمل فيه المحذوف،فنصب قوله:(حسنا)و إن كان المعنى ما وصفت(وصّينا)لأنّه قد ناب عن السّاقط.

[ثمّ استشهد بشعر](20:131)

نحوه الشّوكانيّ.(4:241)

الزّجّاج: القراءة (حسنا) ،و قد رويت (احسانا) .

و (حسنا) أجود لموافقة المصحف،فمن قال: (حسنا) فهو مثل(وصّينا)إلاّ أن يفعل بوالديه ما يحسن،و من قرأ (احسانا)فمعناه:و وصّينا الإنسان أن يحسن إلى والديه إحسانا،و كأنّ(حسنا)أعمّ في البرّ.(4:161)

الإسكافيّ: [لاحظ«و ل د-بالوالدين»]

(347-350)

الثّعلبيّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

و قيل:معناه:و ألزمناه حسنا،و قرأ العامّة(حسنا) بضمّ الحاء و جزم السّين،و قرأ أبو رجاء العطارديّ:بفتح الحاء و السّين.و في مصحف أبيّ(احسانا).(7:271)

نحوه القرطبيّ.(13:328)

القيسيّ: أي:و وصّيناه بوالديه أمرا ذا حسن،ثمّ أقام الصّفة مقام الموصوف و هو«الأمر»ثمّ حذف المضاف و هو«ذا»و أقام المضاف إليه مقامه،و هو «حسن»(2:166)

القشيريّ: [لاحظ«و ل د-الوالدين»](5:89)

الواحديّ: أي برّا و عطفا عليهما.(3:413)

البغويّ: [مثل الواحديّ و أضاف:]

معناه و وصّينا الإنسان أن يفعل بوالديه ما يحسن.

(3:550)

الزّمخشريّ: وصّيناه بإيتاء والديه حسنا،أو بإيلاء والديه حسنا،أي فعلا ذا حسن،أو ما هو في ذاته حسن لفرط حسنه،كقوله تعالى: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً. و قرئ (حسنا) و (احسانا) .

و يجوز أن تجعل (حسنا) من باب قولك:زيدا،بإضمار «اضرب»إذا رأيته متهيّئا للضّرب،فتنصبه بإضمار أولهما أو:افعل بهما،لأنّ التّوصية بهما دالّة عليه و ما بعده مطابق له،كأنّه قال:قلنا:أو لهما معروفا.(3:197)

نحوه العكبريّ(2:1029)،و البيضاويّ(2:204)، و النّيسابوريّ(20:78).

ابن عطيّة: ...بِوالِدَيْهِ حُسْناً على معنى أنّا لا نخلّ ببرّ الوالدين لكنّا لا نسلّطه على طاعة اللّه،لا سيّما في معنى الإيمان و الكفر.

و قوله:(حسنا)يحتمل أن ينتصب على المفعول و في ذلك تجوّز و يسهّله كونه عامّا لمعان،كما تقول:وصّيتك خيرا أو وصّيتك شرّا،عبّر بذلك عن جملة ما قلت له، و يحسن ذلك دون حرف جرّ كون حرف الجرّ في قوله:

(بوالديه)لأنّ المعنى وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بالحسن في

ص: 224

فعله،مع والديه.[ثمّ استشهد بشعر]

و يحتمل أن يكون المفعول الثّاني في قوله:(بوالديه) و ينتصب(حسنا)بفعل مضمر تقديره:يحسن حسنا، و ينتصب انتصاب المصدر،و الجمهور على ضمّ الحاء و سكون السّين.

و قرأ عيسى(حسنا)بفتحهما،و قال الجحدريّ في الإمام مكتوب(بوالديه احسانا).قال أبو حاتم:يعني «في الأحقاف»،و قال الثّعلبيّ:في مصحف أبيّ بن كعب (احسانا)،و وجوه إعرابه كالّذي تقدّم في قراءة من قرأ (حسنا).(4:308)

الفخر الرّازيّ: في القراءة قرئ (حسنا) و (احسانا) ،و (حسنا) أظهر هاهنا.و من قرأ (احسانا) فمن قوله تعالى: وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً و التّفسير على القراءة المشهورة،هو أنّ اللّه تعالى وصّى الإنسان بأن يفعل مع والديه حسن التّأبيّ بالفعل و القول،و نكّر (حسنا) ليدلّ على الكمال،كما يقال:إنّ لزيد مالا.

[و هنا مباحث حول الوالدين راجع و ل د:«بالوالدين»]

(25:35)

أبو حيّان :أي أمرناه بتعهّدهما و مراعاتهما، و انتصب(حسنا)على أنّه مصدر وصف به مصدر (وصّينا)أي إيصاء حسنا،أي ذا حسن،أو على سبيل المبالغة أي هو في ذاته حسن.(7:142)

ابن عربي(2:244)؛و ابن كثير(2:309)؛ و الشّربينيّ(3:126)[لاحظ«و ل د-بالوالدين»]

أبو السّعود :أي بإيتاء والديه و إيلائهما فعلا ذا حسن أو ما هو في حدّ ذاته حسن لفرط حسنه،كقوله تعالى: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً البقرة:83،«و وصّى» يجري مجرى«أمر»معنى و تصرّفا،غير أنّه يستعمل فيما كان في المأمور به نفع عائد إلى المأمور أو غيره.

و قيل:هو بمعنى«قال»،فالمعنى و قلنا:أحسن بوالديك حسنا.و قيل:انتصاب(حسنا)بمضمر،على تقدير قول مفسّر للتّوصية،أي و قلنا:أولهما أو افعل بهما حسنا،و هو أوفق لما بعده.و عليه يحسن الوقف على (بوالديه).و قرئ (حسنا) و (إحسانا) .(5:143)

نحوه البروسويّ(6:449)،و شبّر(5:49)، و الطّباطبائيّ(16:104).

الآلوسيّ: [نحو أبي حيّان و أضاف:]

و هذا ما اختاره أبو حيّان،و لا يخلو عن حسن.

(20:138)

القاسميّ: أي أمرناه أمرا مؤكّدا بإيلاء والديه فعلا ذا حسن عظيم.(13:4738)

ابن عاشور(20:138)؛و مكارم الشّيرازيّ(12:

312)[لاحظ«و ل د-بالوالدين»]

احسن

1- ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَ تَفْصِيلاً لِكُلِّ شَيْءٍ... الأنعام:154

ابن عبّاس: يقول:على أحسن حال،و يقال:

على إحسان موسى و تبليغ رسالة ربّه.(122)

مجاهد :المؤمنين و المحسنين.(الطّبريّ 8:90)

الحسن :كان فيهم محسن،و غير محسن،و أنزل الكتاب تماما على الّذي أحسن.(النّحّاس 2:519)

ص: 225

قتادة:من أحسن في الدّنيا تمّت عليه كرامة اللّه في الآخرة.(الطّبريّ 8:91)

الرّبيع:فيما أعطاه اللّه.(الطّبريّ 8:91)

ابن زيد :تماما من اللّه و إحسانه الّذي أحسن إليهم و هداهم للإسلام،و آتاهم ذلك الكتاب تماما لنعمته عليهم و إحسانه.(الطّبريّ 8:91)

الفرّاء: تماما على المحسن،و يكون المحسن في مذهب جمع،كما قال: إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ. و في قراءة عبد اللّه (تماما على الّذين احسنوا) تصديقا لذلك.

و إن شئت جعلت(الّذى)على معنى«ما»،تريد:

تماما على ما أحسن موسى،فيكون المعنى:تماما على إحسانه.و يكون(احسن)مرفوعا،تريد على الّذي هو أحسن،و تنصب(احسن)هاهنا تنوي بها الخفض،لأنّ العرب تقول:مررت بالّذي هو خير منك،و شرّ منك، و لا يقولون:مررت بالّذي قائم،لأنّ خيرا منك كالمعرفة؛إذ لم تدخل فيه الألف و اللاّم.و كذلك يقولون:

مررت بالّذي أخيك،و بالّذي مثلك،إذا جعلوا صلة «الّذي»معرفة،أو نكرة لا تدخلها الألف و اللاّم جعلوها تابعة للّذي.(1:365)

نحوه الثّعلبيّ.(4:205)

أبو عبيد: معناه على كلّ من أحسن.

(الثّعلبيّ 4:205)

ابن قتيبة :أراد:آتينا موسى الكتاب تماما على المحسنين،كما تقول:أوصي بمال للّذي غزا و حجّ،تريد الغازين الحاجّين،و يكون(الّذى)في موضع«من»كأنّه قال:تماما على من أحسن.

و المحسنون:هم الأنبياء صلوات اللّه عليهم أجمعين و المؤمنون.(تأويل مشكل القرآن:397)

الجبّائيّ: تماما على الّذي أحسن اللّه سبحانه إلى موسى عليه السّلام بالنّبوّة و غيرها من الكرامة.

(الطّبرسيّ 2:386)

الطبريّ: اختلف أهل التّأويل في معنى قوله:

تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ فقال بعضهم:معناه:تماما على المحسنين.

عن مجاهد: تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ المؤمنين و المحسنين.و كأنّ مجاهدا وجّه تأويل الكلام و معناه إلى أنّ اللّه جلّ ثناؤه أخبر عن موسى أنّه آتاه الكتاب فضيلة على ما أتى المحسنين من عباده.

فإن قال قائل:فكيف جاز أن يقال: عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ فيوحّد(الّذى)و التّأويل:على الّذين أحسنوا؟

قيل:إنّ العرب تفعل ذلك خاصّة في«الّذي»و في «الألف و اللاّم»إذا أرادت به الكلّ و الجميع،كما قال جلّ ثناؤه: وَ الْعَصْرِ* إِنَّ الْإِنْسانَ لَفِي خُسْرٍ العصر:1،2، و كما قالوا:أكثر الّذي هم فيه في أيدي النّاس.

و قد ذكر عن عبد اللّه بن مسعود أنّه كان يقرأ (ذلك تماما على الّذين احسنوا) .و ذلك من قراءته كذلك يؤيّد قول مجاهد.

و إذا كان المعنى كذلك،كان قوله:(احسن)فعلا ماضيا،فيكون نصبه لذلك،و قد يجوز أن يكون (احسن)في موضع خفض،غير أنّه نصب؛إذ كان «أفعل»،و أفعل لا يجري في كلامها.فإن قيل:فبأيّ شيء خفض؟قيل:ردّا على(الّذى)إذ لم يظهر له ما

ص: 226

يرفعه.

فيكون تأويل الكلام حينئذ:ثمّ آتينا موسى الكتاب تماما على الّذي هو أحسن،ثمّ حذف«هو»، و جاور أحسن«الّذي»،فعرّف بتعريفه؛إذ كان كالمعرفة،من أجل أنّ الألف و اللاّم لا يدخلانه، و«الّذي»مثله،كما تقول العرب:مررت بالّذي خير منك و شرّ منك.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال آخرون:معنى ذلك:تماما على الّذي أحسن موسى فيما امتحنه اللّه به في الدّنيا،من أمره و نهيه...

و قال آخرون في ذلك:معناه:ثمّ آتينا موسى الكتاب تماما على إحسان اللّه إلى أنبيائه و أياديه عندهم...

و ذكر عن يحيى بن يعمر،أنّه كان يقرأ ذلك (تماما على الّذى احسن) رفعا بتأويل على الّذي هو أحسن.

و هذه قراءة لا أستجيز القراءة بها،و إن كان لها في العربيّة وجه صحيح،لخلافها ما عليه الحجّة مجمعة من قراءة الأمصار.

و أولى هذه الأقوال عندي بالصّواب،قول من قال:

معناه:ثمّ آتينا موسى الكتاب تماما لنعمنا عنده،على الّذي أحسن موسى،في قيامه بأمرنا و نهينا،لأنّ ذلك أظهر معانيه في الكلام،و أنّ إيتاء موسى كتابه نعمة من اللّه عليه،و منّة عظيمة،فأخبر جلّ ثناؤه أنّه أنعم بذلك عليه،لما سلف من صالح عمل،و حسن طاعة.

و لو كان التّأويل على ما قاله ابن زيد كان الكلام:ثمّ آتينا موسى الكتاب تماما على الّذي أحسنّا،أو ثمّ آتى اللّه موسى الكتاب تماما على الّذي أحسن،و في وصفه جلّ ثناؤه نفسه بإيتائه الكتاب،ثمّ صرفه الخبر بقوله:

(احسن)إلى غير المخبر عن نفسه،بقرب ما بين الخبرين،الدّليل الواضح على أنّ القول غير القول الّذي قاله ابن زيد.

و أمّا ما ذكر عن مجاهد من توجيهه(الّذى)إلى معنى الجميع،فلا دليل في الكلام يدلّ على صحّة ما قال من ذلك،بل ظاهر الكلام بالّذي اخترنا من القول أشبه، و إذا تنوزع في تأويل الكلام،كان أولى معانيه به أغلبه على الظّاهر،إلاّ أن يكون من العقل أو الخبر دليل واضح،على أنّه معنيّ به غير ذلك.(8:91)

الزّجّاج: الأكثر في القراءة بفتح النّون،و يجوز (احسن)على إضمار على الّذي هو أحسن.فأمّا الفتح فعلى أنّ(احسن)فعل ماض مبنيّ على الفتح.

و أجاز الكوفيّون أن يكون في موضع جرّ،و أن يكون صفة(الّذى)،و هذا عند البصريّين خطأ فاحش.

[إلى أن قال:]

و معنى عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ يكون على (1)«تماما على المحسن»المعنى تماما من اللّه على المحسنين،و يكون تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ أي على الّذي أحسنه موسى من طاعة اللّه و اتّباع أمره،و يجوز تماما على الّذي هو أحسن الأشياء.(2:305)

القمّيّ: تمّ له الكتاب لما أحسن.(1:221)

ابن الأنباريّ: تماما على الّذي أحسن موسى من العلم و كتب اللّه القديمة.(أبو حيّان 4:255)

نحوه الواحديّ(2:339)ر.

ص: 227


1- أي على هذا التّقدير.

النّحّاس:[ذكر قول الحسن و قال:]

و الدّليل على صحّة هذا القول أنّ ابن مسعود قرأ (تماما على الّذين احسنوا) .و قيل:المعنى تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ موسى،من طاعة اللّه،و اتّباع أمره.

و قرأ ابن يعمر و ابن أبي إسحاق (على الّذى احسن) ،و المعنى:على الّذي هو أحسن الأشياء.

(2:519)

أبو مسلم الأصفهانيّ: تماما لنعمة اللّه على إبراهيم لأنّه من ولده.(الماورديّ 2:189)

الفارسيّ: تماما على إحسان اللّه إلى موسى بالنّبوّة، و غيرها من الكرامة.(الطّوسيّ 4:347)

البغويّ: [نحو الفرّاء و أضاف:]

و قال أبو عبيدة:معناه على كلّ من أحسن،أي أتممنا فضيلة موسى بالكتاب على المحسنين،يعني:

أظهرنا فضله عليهم،و المحسنون هم الأنبياء و المؤمنون.

و قيل:الّذي أحسن هو موسى،و(الّذى)بمعنى «ما»،أي على ما أحسن موسى،تقديره:آتيناه الكتاب يعني التّوراة إتماما للنّعمة عليه لإحسانه في الطّاعة و العبادة،و تبليغ الرّسالة و أداء الأمر.

و قيل:الإحسان بمعنى العلم،و أحسن بمعنى علم، و معناه تماما على الّذي أحسن موسى من العلم و الحكمة، أي آتيناه الكتاب زيادة على ذلك.

و قيل:معناه تماما منّي على إحساني إلى موسى.

(2:172)

نحوه الخازن.(2:166)

الزّمخشريّ: تماما للكرامة و النّعمة على الّذي أحسن:على من كان محسنا صالحا يريد جنس المحسنين، و تدلّ عليه قراءة عبد اللّه (على الّذين احسنوا).

أو أراد به موسى عليه السّلام،أي تتمّة للكرامة على العبد الّذي أحسن الطّاعة في التّبليغ و في كلّ ما أمر به.أو تماما على الّذي أحسن موسى من العلم و الشّرائع،من أحسن الشّيء،إذا أجاد معرفته،أي زيادة على علمه على وجه التّتميم.

و قرأ يحيى بن يعمر (على الّذى احسن) بالرّفع،أي على الّذي هو أحسن بحذف المبتدإ،كقراءة من قرأ (مثلا ما بعوضة) بالرّفع،أي على الدّين الّذي هو أحسن دين و أرضاه.

أو آتينا موسى الكتاب تماما،أي تامّا كاملا على أحسن ما تكون عليه الكتب،أي على الوجه و الطّريق الّذي هو أحسن،و هو معنى قول الكلبيّ،أتمّ له الكتاب على أحسنه.(2:62)

نحوه الفخر الرّازيّ(14:4)،و البيضاويّ(1:

338)،و النّسفيّ(2:41)،و النّيسابوريّ(8:59)، و القاسميّ(6:2572).

ابن الجوزيّ: و في المشار إليه بقوله:(احسن) أربعة أقوال:

أحدها:أنّه اللّه عزّ و جلّ.ثمّ في معنى الكلام قولان:

أحدهما:تماما على إحسان اللّه إلى أنبيائه،قاله ابن زيد.

و الثّاني:تماما على إحسان اللّه تعالى إلى موسى؛و على هذين القولين،يكون(الّذى)بمعنى«ما».

و القول الثّاني:[قول أبي مسلم الأصفهانيّ]

و القول الثّالث:أنّه كلّ محسن من الأنبياء،

ص: 228

و غيرهم.[ثمّ نقل قولي مجاهد و ابن قتيبة]

و القول الرّابع:أنّه موسى.

ثمّ في معنى(احسن)قولان:

أحدهما:أحسن في الدّنيا بطاعة اللّه عزّ و جلّ.[ثمّ نقل أقوال الحسن و قتادة و الرّبيع و الطّبريّ]

و الثّاني:أحسن من العلم و كتب اللّه القديمة،و كأنّه زيد على ما أحسنه من التّوراة،و يكون«التّمام»بمعنى الزّيادة،ذكره ابن الأنباريّ.

فعلى هذين القولين،يكون(الّذى)بمعنى«ما».

و قرأ أبو عبد الرّحمن السّلميّ،و أبو رزين، و الحسن،و ابن يعمر (على الّذي احسن) بالرّفع.قال الزّجّاج:معناه:على الّذي هو أحسن الأشياء.

و قرأ عبد اللّه بن عمرو،و أبو المتوكّل،و أبو العالية (على الّذى احسن) برفع الهمزة و كسر السّين و فتح النّون؛و هي تحتمل الإحسان،و تحتمل العلم.

(3:153)

ابن عربيّ: أي،تتميما لكرامة الولاية،و نعمة النّبوّة،مزيدا على الّذي أحسنه موسى من سلوك طريق الكمال،و بلوغه إلى ما بلغ من مقام المكالمة،و القرب بالوجود الموهوب،بعد الفناء في الوحدة،كما قال تعالى:

فَلَمّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ الأعراف:143 بالتّكميل و دعوة الخلق إلى الحقّ.(1:413)

أبو حيّان : (الّذى احسن) :جنس على من كان محسنا من أهل ملّته،قاله مجاهد،أي إتماما للنّعمة عندهم.

و قيل:المراد ب (الّذى احسن) مخصوص.[ثمّ نقل قول أبي مسلم الأصفهانيّ و غيره و قال:]

و(الّذى)في هذه التّأويلات واقعة على من يعقل.

[ثمّ نقل قول ابن قتيبة و الزّمخشريّ و غيرهما و قال:]

و(الّذى)في هذا التّأويل واقعة على غير العاقل.

و قيل:(الّذى)مصدريّة،و هو قول كوفيّ.

و في(احسن)ضمير موسى،أي تماما على إحسان موسى بطاعتنا،و قيامه بأمرنا و نهينا،و يكون في(على) إشعار بالعلّيّة،كما تقول:أحسنت إليك على إحسانك إليّ.

و قيل:الضّمير في(احسن)يعود على اللّه تعالى، و هذا قول ابن زيد،و متعلّق الإحسان إلى أنبيائه أو إلى موسى قولان،و أحسن ما في هذه الأقوال كلّها فعل.

و قال بعض نحاة الكوفة:يصحّ أن يكون(احسن) اسما و هو أفعل التّفضيل،و هو مجرور صفة ل(الّذى) و إن كان نكرة من حيث قارب المعرفة؛إذ لا يدخله «أل»كما تقول العرب:مررت بالّذي خير منك،و لا يجوز مررت بالّذي عالم.و هذا سائغ على مذهب الكوفيّين في الكلام،و هو خطأ عند البصريّين.[ثمّ نقل القراءات](4:255)

السّمين:(احسن)فيه وجهان:

أظهرهما:أنّه فعل ماض،واقع صلة للموصول، و فاعله مضمر يعود على(موسى)،أي تماما على الّذي احسن،فيكون(الّذى)عبارة عن(موسى).و قيل:كلّ من أحسن،و قيل:(الّذى)عبارة عمّا عمله موسى و أتقنه،أي:تماما على الّذي أحسنه موسى.

ص: 229

و الثّاني:أنّ(احسن)اسم على وزن«أفعل»، كأفضل،و أكرم،و استغنى بوصف الموصول عن صلته؛ و ذلك أنّ الموصول متى وصف بمعرفة،نحو:مررت بالّذي أخيك،أو بما يقارب المعرفة نحو:مررت بالّذي خير منك،و بالّذي أحسن منك،جاز ذلك،و استغنى عن صلته،و هو مذهب الفرّاء.

و يجوز أن يكون(الّذى)مصدريّة،و(احسن)فعل ماض،صلتها،و التّقدير:تماما على إحسانه،أي إحسان اللّه إليه،و إحسان موسى إليهم،و هو رأي يونس و الفرّاء.

و فتح نون(احسن)قراءة العامّة،و قرأ يحيى بن يعمر و ابن أبي إسحاق برفعها،و فيها وجهان:

أظهرهما:أنّه خبر مبتدإ محذوف،أي على الّذي هو أحسن،فحذف العائد و إن لم تطل الصّلة،فهي شاذّة من جهة ذلك،و قد تقدّم ذلك بدلائله،عند قوله: ما بَعُوضَةً البقرة:26،فيمن رفع(بعوضة).

و الثّاني:أن يكون(الّذى)واقعا موقع(الّذين)، و أصل(احسن):(احسنوا)بواو الضّمير،حذفت الواو اجتزاء بحركة ما قبلها،قاله التّبريزيّ.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:220)

ابن كثير : تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ وَ تَفْصِيلاً أي آتيناه الكتاب الّذي أنزلناه إليه تماما كاملا جامعا،لما يحتاج إليه في شريعته،كقوله: وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ الأعراف:145.

و قوله تعالى: عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ أي جزاء على إحسانه في العمل و قيامه بأوامرنا و طاعتنا،كقوله:

هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ الرّحمن:60، و كقوله: وَ إِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً البقرة:124،و كقوله:

وَ جَعَلْنا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا لَمّا صَبَرُوا وَ كانُوا بِآياتِنا يُوقِنُونَ السّجدة:24،[ثمّ نقل الأقوال:]

(3:128)

نحوه المراغيّ.(8:77)

الكاشانيّ: على من أحسن القيام به.(2:171)

البروسويّ: أي على من أحسن القيام به كائنا من كان من الأنبياء و المؤمنين.(3:121)

شبّر:أي على إحسان موسى،أي ليكمل إحسانه الّذي يستحقّ به كمال ثوابه في الآخرة،أو تماما على المحسنين الّذي هو أحدهم و هم الّذين أحسنوا القيام به، و النّون قد تحذف من«الّذين»،أو تماما على إحسان اللّه إلى أنبيائه،أو تماما لكرامته في الجنّة على إحسانه في الدّنيا.(2:336)

الآلوسيّ: أي من أحسن القيام به كائنا من كان ف(الّذى)للجنس.و يؤيّده قراءة عبد اللّه (على الّذين احسنوا) ،و قراءة الحسن: (على المحسنين) .[ثمّ استشهد بشعر]

و كلام مجاهد محتمل للوجهين،أو على الّذي أحسن تبليغه و هو موسى عليه السّلام،أو تماما على ما أحسنه موسى عليه السّلام،أي أجاده من العلم و الشّرائع،أي زيادة على عمله على وجه التّتميم،و عن ابن زيد أنّ المراد:

تماما على إحسان اللّه تعالى على أنبيائه عليهم السّلام.

و ظاهره أنّ(الّذى)موصول حرفيّ،و قد قيل به في

ص: 230

قوله تعالى: وَ خُضْتُمْ كَالَّذِي خاضُوا التّوبة:69، و ضمير(احسن)حينئذ للّه تعالى،و مثله في ذلك ما نقل عن الجبّائيّ من أنّ المراد:على الّذي أحسن اللّه تعالى به على موسى عليه السّلام من النّبوّة و غيرها،و كلاهما خلاف الظّاهر.

و عن أبي مسلم أنّ المراد بالموصول إبراهيم عليه السّلام، و هو مبنيّ على ما زعمه من اتّصال الآية بقصّة إبراهيم عليه السّلام.

و قرأ يحيى بن يعمر (احسن) بالرّفع على أنّه خبر مبتدإ محذوف،و(الّذى)وصف للدّين أو للوجه يكون عليه الكتب،أي تماما على الدّين الّذي هو أحسن دين و أرضاه،أو آتينا موسى الكتاب تامّا كاملا على الوجه الّذي هو أحسن ما يكون عليه الكتب،و الأحسنيّة بالنّسبة إلى غير دين الإسلام و غير ما عليه القرآن.

(8:59)

رشيد رضا :معناه آتينا موسى الكتاب تماما للنّعمة و الكرامة على من أحسن في اتّباعه و اهتدى به، كما قال في أواخر ما نزل من القرآن: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ... المائدة:3،[ثمّ نقل قول ابن كثير و ابن جرير و قال:]

و ما قدّرناه أوّلا أبعد عن التّكلّف.(8:203)

عزّة دروزة :و لقد قيلت أقوال عديدة كذلك،في تأويل جملة: تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ، فمنها:أنّها بمعنى:تامّ على أحسن الوجوه،و منها أنّها بمعنى:تماما على الّذي أحسن موسى من العلم و الشّرائع،و منها أنّها بمعنى:إتماما لما أحسن اللّه إلى موسى من نبوّة و تكريم و تكليم.و المعنى الأخير هو الأوجه على ما يتبادر لنا.

و قد يتبادر لنا معنى آخر و هو:إتماما لإحسانه الّذي أحسنه على بني إسرائيل بالنّجاة من فرعون و قومه.

و لعلّ ضمير الجمع الغائب العائد إلى بني إسرائيل في الآية ممّا يوجّه هذا المعنى.(4:239)

الطّباطبائيّ: يبيّن أنّ إنزال الكتاب لتتمّ به نقيصة الّذين أحسنوا من بني إسرائيل في العمل بهذه الشّرائع الكلّيّة العامّة،و قد قال تعالى في قصّة موسى بعد نزول الكتاب: وَ كَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ... الأعراف:145، و قال: وَ ادْخُلُوا الْبابَ... البقرة:58،و على هذا فالموصول في قوله:(على الّذى احسن)يفيد الجنس.

و قد ذكروا في معنى الجملة وجوها أخرى.[ثمّ نقلها و قال:]

و ضعف الجميع ظاهر.(7:382)

عبد الكريم الخطيب :هو وصف للحال الّذي نزل عليها الكتاب الّذي جاء به موسى،و هو أنّه جاء تامّا على أحسن ما يكون عليه التّمام،كما جاء مفصّلا لكلّ شيء.ففي التّوراة بيان مفصّل لكلّ جزئيّة جاءت بها الشّريعة الموسويّة،فيما يتّصل بالعقيدة،أو بالأمور الدّنيويّة؛حيث لم تدع مجالا لتأويل أو تفسير،و لا مكانا لعقل ينظر و يجتهد.(4:349)

مكارم الشّيرازيّ: إشارة إلى جميع المحسنين، و الّذين يستجيبون للحقّ،و يقبلون بالأوامر الإلهيّة.(4:479)

فضل اللّه :لا نقصان فيه،لما يحتاج إليه النّاس من شئونهم،و ربّما كان هذا هو أوّل كتاب مفصّل ينزّله اللّه

ص: 231

على النّاس،على الوجه الأحسن،و الطّريقة الأفضل، و الأسلوب الأمثل.و هذا ما نفهمه من هذه الفقرة،لأنّ جوّ الآية يوحي بأنّها واردة في مقام بيان كمال الكتاب و قيمته،و موقعه من حركة الرّسالات الّتي كان اللّه سبحانه ينزّلها بالطّريقة الّتي تتناسب مع كلّ مرحلة من مراحل تطوّر الإسلام الفكريّ،و بهذا كانت تتفاضل في أسلوبها و أفكارها و فاعليّتها في بناء شخصيّة الإنسان.

و نلاحظ أنّ هذا التّعبير: عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ منسجم مع التّعابير القرآنيّة المماثلة اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فصّلت:34، وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ العنكبوت:46،حيث أريد منها الطّريقة الأحسن،أو الكلمة الأحسن.و ربّما كان هذا أولى ممّا فهمه المفسّرون،من أنّ المراد بها الإنسان الّذي أحسن،أي صدر منه الإحسان؛و ذلك من أجل أن تتمّ به نقيصته.فإنّ كلمة(على)لا تتناسب مع أسلوب الآية،لأنّه لم يسبقها فعل يتعدّى ب«على»،كما أنّه لا معنى لأن يكون الكتاب مختصّا بالّذي هو أحسن،فإنّه لجميع النّاس،لينمّي الّذي أحسن،و ليهدي الّذي أساء.

(9:381)

2- ..قالَ مَعاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ...

يوسف:23

راجع«ث و ي-مثواى»

3- ..قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ... يوسف:100

راجع«خ ر ج-اخرجنى و ب د و-البدو»

4- ..إِنّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً. الكهف:30

راجع«ع م ل-عملا»

5- ..وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَ أَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ... القصص:77

ابن عبّاس: (و احسن)إلى الفقراء و المساكين كَما أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ... بالمال.(330)

ابن زيد :أحسن فيما رزقك اللّه.

(الطّبريّ 20:113)

أعط فضل مالك كلّما زاد على قدر حاجتك.

(الماورديّ 4:267)

يحيى بن سلاّم:(احسن)فيما افترض اللّه عليك كَما أَحْسَنَ في إنعامه عليك.(الماورديّ 4:267)

الطّبريّ: و أحسن في الدّنيا إنفاق مالك الّذي آتاكه اللّه،في وجوهه و سبله،كما أحسن اللّه إليك،فوسّع عليك منه،و بسط لك فيها.(20:113)

الماورديّ: فيه ثلاثة تأويلات:[و نقل قولي ابن زيد و يحيى بن سلاّم]

الثّالث:أحسن في طلب الحلال كما أحسن إليك في الإحلال.(4:267)

الطّوسيّ: أي افعل الجميل إلى الخلق،و تفضّل عليهم،كما تفضّل اللّه عليك.(8:178)

القشيريّ: إنّما كان يكون منه حسنة لو آمن باللّه، لأنّ الكافر لا حسنة له.و الآية تدلّ على أنّ للّه على الكافر نعما دنيويّة.

ص: 232

و الإحسان الّذي أمر به:إنفاق النّعمة في وجوه الطّاعة و الخدمة،و مقابلته بالشّكران لا بالكفران.

و يقال:الإحسان رؤية الفضل دون توهّم الاستحقاق.(5:81)

الواحديّ: أطع اللّه و اعبده لما أنعم عليك،و أحسن العطيّة في الصّدقة و الخير.(3:408)

نحوه البغويّ.(3:544)

الزّمخشريّ: (و احسن)إلى عباد اللّه كَما أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ أو أحسن بشكرك و طاعتك للّه كما أحسن إليك.(3:191)

نحوه البيضاويّ(2:201)،و النّسفيّ(3:245)، و الخازن(5:151)،و أبو السّعود(5:136)،و الكاشانيّ (4:103)،و البروسويّ(6:431)،و شبّر(5:39)، و الشّوكانيّ(4:234)،و عزّة دروزة(3:208).

ابن عطيّة: أمر بصلة المساكين و ذوي الحاجة.

(4:300)

ابن العربيّ: ذكر فيه أقوال كثيرة،جماعها:

استعمل نعم اللّه في طاعته.

و قال مالك:معناها:تعيش و تأكل و تشرب غير مضيّق عليك في رأي.

قال القاضي:أرى مالكا أراد الرّدّ على من يرى من الغالين في العبادة التّقشّف و التّقصّف و البأساء،فإنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان يأكل الحلوى،و يشرب العسل، و يستعمل الشّواء،و يشرب الماء البارد،و لهذا قال الحسن:أمر أن يأخذ من ماله قدر عيشه،و يقدّم ما سوى ذلك لآخرته.

و أبدع ما فيه عندي قول قتادة:و لا تنس الحلال، فهو نصيبك من الدّنيا،و يا ما أحسن هذا!(3:1483)

الطّبرسيّ: أي أفضل على النّاس كما أفضل اللّه عليك...

و قيل:معناه و أحسن شكر اللّه تعالى على قدر إنعامه عليك و واس عباد اللّه بمالك.(4:266)

الفخر الرّازيّ: لمّا أمره بالإحسان بالمال أمره بالإحسان مطلقا،و يدخل فيه الإعانة بالمال و الجاه و طلاقة الوجه،و حسن اللّقاء و حسن الذّكر،و إنّما قال:

كَما أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ تنبيها على قوله: لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ إبراهيم:7.(25:16)

مثله النّيسابوريّ(20:67)،و نحوه المراغيّ(20:94).

القرطبيّ: أي أطع اللّه و اعبده كما أنعم عليك.

و منه الحديث:ما الإحسان؟قال:«أن تعبد اللّه كأنّك تراه»و هو أمر بصلة المساكين.[ثمّ نقل كلام ابن العربيّ]

(13:314)

أبو حيّان :و أحسن إلى عباد اللّه أو بشكرك و طاعتك للّه،كما أحسن اللّه إليك بتلك النّعم الّتي خوّلكها.و الكاف للتّشبيه،و هو يكون في بعض الأوصاف،لأنّ مماثلة إحسان العبد لإحسان اللّه من جميع الصّفات يمتنع أن تكون،فالتّشبيه وقع في مطلق الإحسان.أو تكون الكاف للتّعليل،أي أحسن لأجل إحسان اللّه إليك.(7:133)

السّمين:أي إحسانا كإحسانه إليك.(5:353)

ابن كثير :أي أحسن إلى خلقه،كما أحسن هو إليك.(5:298)

ص: 233

الشّربينيّ: أي أوقع الإحسان بدفع المال إلى المحاويج و الإنفاق في جميع الطّاعات،و يدخل في ذلك الإعانة بالجاه و طلاقة الوجه و حسن اللّقاء و حسن الذّكر، كَما أَحْسَنَ اللّهُ الجامع لصفات الكمال (اليك)بأن تعطي عطاء من لا يخاف الفقر،كما أوسع اللّه عليك.(3:118)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و التّشبيه في مطلق الإحسان أو لأجل إحسانه سبحانه إليك،على أنّ الكاف للتّعليل.

و قيل:المعنى و أحسن بالشّكر و الطّاعة،كما أحسن اللّه تعالى عليك بالإنعام،و الكاف عليه أيضا تحتمل التّشبيه و التّعليل.(20:113)

القاسميّ: (و احسن)أي إلى النّاس،أو افعل الإحسان من وجوهه المعروفة، كَما أَحْسَنَ... أي بهذا المال الّذي جعله سبب صلاحها.(13:4726)

سيّد قطب :فهذا المال هبة من اللّه و إحسان، فليقابل بالإحسان فيه.إحسان التّقبّل و إحسان التّصرّف،و الإحسان به إلى الخلق،و إحسان الشّعور بالنّعمة،و إحسان الشّكران.(5:2711)

ابن عاشور :الإحسان داخل في عموم ابتغاء الدّار الآخرة،و لكنّه ذكر هنا ليبني عليه الاحتجاج بقوله:

كَما أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ.

و الكاف للتّشبيه،و(ما)مصدريّة،أي كإحسان اللّه إليك،و المشبّه هو الإحسان المأخوذ من«أحسن»أي إحسانا شبيها بإحسان اللّه إليك.و معنى الشّبه:أن يكون الشّكر على كلّ نعمة من جنسها.و قد شاع بين النّحاة تسمية هذه الكاف كاف التّعليل،و مثلها قوله تعالى:

وَ اذْكُرُوهُ كَما هَداكُمْ البقرة:198،و التّحقيق أنّ التّعليل حاصل من معنى التّشبيه و ليس معنى مستقلاّ من معاني الكاف.

و حذف متعلّق الإحسان لتعميم ما يحسن إليه، فيشمل نفسه و قومه و دوابّه و مخلوقات اللّه الدّاخلة في دائرة التّمكّن من الإحسان إليها.و في الحديث:«إنّ اللّه كتب الإحسان على كلّ شيء»فالإحسان في كلّ شيء بحسبه،و الإحسان لكلّ شيء بما يناسبه حتّى الأذى المأذون فيه فبقدره،و يكون بحسن القول و طلاقة الوجه و حسن اللّقاء.(20:108)

مغنيّة:اتّق اللّه فيما أنعم به عليك،و اشكره على ذلك بالإحسان إلى عباده و عياله،و تعاون معهم على ما فيه خيرك و خيرهم.(6:86)

الطّباطبائيّ: أي أنفقه لغيرك إحسانا،كما آتاكه اللّه إحسانا من غير أن تستحقّه و تستوجبه.و هذه الجملة من قبيل عطف التّفسير لقوله: وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا على أوّل الوجهين السّابقين، و متمّمة له على الوجه الثّاني.(16:76)

نحوه فضل اللّه.(17:338)

عبد الكريم الخطيب :و أن يحسن و ينفق في وجوه الخير،مثل ما أحسن اللّه إليه،فيلقى إحسان اللّه بالإحسان إلى عباد اللّه،فذلك هو زكاة هذه النّعمة.

(10:385)

مكارم الشّيرازيّ: و هذه حقيقة أخرى،و هي أنّ الإنسان يعلّق بصره على نعم اللّه،و يرجو إحسانه

ص: 234

و خيره و لطفه،و ينتظر منه كلّ شيء.فيمثل هذه الحال كيف يمكن له التّغاضي عن طلب الآخرين الصّريح أو لسان حالهم؟و كيف لا يلتفت إليهم؟

و بتعبير آخر:كما أن اللّه تفضّل عليك و أحسن، فأحسن أنت إلى النّاس.

و شبيه هذا الكلام نجده في الآية:22 من سورة النّور في شأن العفو و الصّفح؛إذ تقول الآية: وَ لْيَعْفُوا وَ لْيَصْفَحُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَكُمْ.

و يمكن تفسير هذه الجملة بتعبير آخر،و هو أنّ اللّه قد يهب الإنسان مواهب عظيمة لا يحتاج إليها في حياته الشّخصيّة جميعا.

يعطيه العقل و القدرة الّتي لا تدير فردا واحدا فحسب،بل تكفي لإدارة بلد أيضا.

يهبه علما لا يستفيد منه إنسان واحد فقط،بل ينتفع به مجتمع كامل.

يعطيه مالا و ثروة تكون في مسير الخطط الاجتماعيّة.

فهذه المواهب الإلهيّة مفهومها الضّمنيّ أنّها لا تتعلّق بك وحدك-أيّها الإنسان-بل أنت وكيل مخوّل من قبل اللّه لنقلها إلى الآخرين،أعطاك اللّه هذه المواهب لتدير بها عباده.(12:267)

6- اَلَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ... السّجدة:7

راجع:«خ ل ق-خلقه»

7- ..وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ... المؤمن:64

8- ..وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ.

التّغابن:3

راجع:«ص و ر-صوّركم»

9- ..قَدْ أَحْسَنَ اللّهُ لَهُ رِزْقاً. الطّلاق:11

ابن عبّاس: قد أعدّ اللّه له ثوابا في الجنّة.(476)

الطّبريّ: قد وسّع اللّه له في الجنّات رزقا.

(28:153)

الزّجّاج: أي رزقه اللّه الجنّة الّتي لا ينقطع نعيمها و لا يزول.(5:188)

مثله الواحديّ(4:316)،و البغويّ(5:114)، و ابن الجوزيّ(8:299).

الطّوسيّ: أي أجزل اللّه لهم ما ينتفعون به و لا يمنعون منه،فالرّزق:النّفع الجاري في الحكم،فلمّا كان النّفع للمؤمنين في الجنّة جاريا في حكم اللّه كان رزقا لهم منه.(10:41)

القشيريّ: و الرّزق الحسن:ما كان على حدّ الكفاية،لا نقصان فيه تتعطّل الأمور بسببه،و لا زيادة فيه تشغله عن الاستمتاع بما رزق لحرصه.كذلك أرزاق القلوب،أحسنها أن يكون له من الأحوال ما يشتغل به في الوقت،من غير نقصان يجعله يتعذّب بتعطّشه،و لا تكون فيه زيادة،فيكون على خطر من مغاليط لا يخرج منها إلاّ بتأييد سماويّ من اللّه.(6:170)

الزّمخشريّ: فيه معنى التّعجّب و التّعظيم لما رزق المؤمن من الثّواب.(4:124)

نحوه الفخر الرّازيّ.(30:39)

الطّبرسيّ: أي يعطيه أحسن ما يعطي أحدا؛و ذلك مبالغة في وصف نعيم الجنّة.(5:310)

السّمين:حال ثانية[من مفعول(يدخله)]أو حال

ص: 235

من الضّمير في(خالدين)،فتكون متداخلة.(6:333)

أبو السّعود :[نحو السّمين و أضاف:]و إفراد ضمير (له)قد مرّ وجهه،و فيه معنى التّعجّب و التّعظيم لما رزقه اللّه المؤمنين من الثّواب.(6:264)

نحوه الآلوسيّ.(28:142)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

لأنّ الجملة الخبريّة إذا لم يحصل منها فائدة الخبر و لا لازمها تحمل على التّعجّب إذا اقتضاه المقام،كأنّه قيل:ما أحسن رزقهم الّذي رزقهم اللّه و ما أعظمه!(10:43)

سيّد قطب :و هو الرّازق في الدّنيا و الآخرة،و لكن رزقا خير من رزق،و اختياره للأحسن هو الاختيار الحقّ الكريم.(6:3606)

الطّباطبائيّ: وصف لإحسانه تعالى إليهم فيما رزقهم به من الرّزق،و المراد بالرّزق:ما رزقهم من الإيمان و العمل الصّالح في الدّنيا،و الجنّة في الآخرة.

(19:325)

فضل اللّه :في ما وعدهم به من الرّزق الحسن الّذي لا حدود له،فقد جعل لهم ما تشتهي أنفسهم،كما جعل لهم ما يدّعون.(22:301)

لاحظ«ر ز ق-رزقا»

احسنوا

1- اَلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَ اتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ.

آل عمران:172

الثّعلبيّ: (احسنوا)بطاعة رسول اللّه و إجابته إلى الغزو.(3:210)

مثله البغويّ(1:541)،و الخازن(1:379)، و نحوه الواحديّ(1:521)،و ابن الجوزيّ(1:504)، و القاسميّ(4:1038).

الطّوسيّ: فالإحسان:هو النّفع الحسن، و الإفضال:النّفع الزّائد على أقلّ مقدار.(3:51)

القشيريّ: الإحسان:أن تعبد اللّه كأنّك تراه-و هو المشاهدة و التّقوى-فإن لم تكن تراه فإنّه يراك و هو المراقبة في حال المجاهدة.(1:309)

الزّمخشريّ: (احسنوا)للتّبيين،مثلها في قوله تعالى: وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً الفتح:29،لأنّ الّذين استجابوا للّه و الرّسول قد أحسنوا كلّهم و اتّقوا،لا بعضهم.(1:480)

مثله النّسفيّ.(1:195)

الطّبرسيّ: موضع(الّذين)يحتمل ثلاثة أوجه من الإعراب:الخبر على أن يكون نعتا ل(المؤمنين).

و الأحسن و الأشبه بالآية أن يكون في موضع الرّفع على الابتداء،و خبره الجملة الّتي هي لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَ اتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ. و يجوز النّصب على المدح، و تقديره:أعني الّذين استجابوا إذا ذكروا،و كذلك القول في موضع(الّذين)في الآية الثّانية،لأنّهما نعت لموصوف واحد.[إلى أن قال:]

اَلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلّهِ وَ الرَّسُولِ أي أطاعوا اللّه في أوامره و أطاعوا رسوله مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ أي نالهم الجراح يوم أحد لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ بطاعة رسول اللّه و إجابته إلى الغزو(و اتّقوا)

ص: 236

معاصي اللّه.(1:539-541)

الفخر الرّازيّ: في قوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا...

وجوه:

الأوّل:(احسنوا)دخل تحته الائتمار بجميع المأمورات،و قوله:(و اتّقوا)دخل تحته الانتهاء عن جميع المنهيّات،و المكلّف عند هذين الأمرين يستحقّ الثّواب العظيم.

الثّاني:(احسنوا)في طاعة الرّسول في ذلك الوقت، و اتّقوا اللّه في التّخلّف عن الرّسول؛و ذلك يدلّ على أنّه يلزمهم الاستجابة للرّسول و إن بلغ الأمر بهم في الجراحات ما بلغ من بعد أن يتمكّنوا معه من النّهوض.

الثّالث:(احسنوا)فيما أتوا به من طاعة الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم، (و اتّقوا)ارتكاب شيء من المنهيّات بعد ذلك.(9:98)

نحوه النّيسابوريّ.(4:126)

العكبريّ: (و منهم):حال من الضّمير في (احسنوا).(1:310)

ابن عربيّ: (احسنوا)أي ثبتوا في مقام المشاهدة، (و اتّقوا)بقاياهم.(1:235)

البيضاويّ: اَلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ صفة ل(المؤمنين)،أو نصب على المدح أو مبتدأ،خبره لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَ اتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ بجملته،و(من)للبيان.

و المقصود من ذكر الوصفين:المدح و التّعليل لا التّقييد،لأنّ المستجيبين كلّهم محسنون متّقون.

(1:192)

مثله أبو السّعود(2:65)،و نحوه البروسويّ (2:126)،و شبّر(1:399)،و الآلوسيّ(4:124).

أبو حيّان :[ذكر قول العكبريّ و أضاف:]

فعلى هذا تكون(من)للتّبعيض،و هو قول من لا يرى أنّ(من)تكون لبيان الجنس.(3:117)

السّمين:(منهم)فيه وجهان:

أحدهما:أنّه حال من الضّمير في(احسنوا)،و على هذا ف(من)تكون تبعيضيّة.

و الثّاني:أنّها لبيان الجنس.(2:260)

الشّربينيّ: (احسنوا)بطاعته(و اتّقوا)مخالفته.

[إلى أن قال مثل الزّمخشريّ](1:265)

رشيد رضا و أستاذه عبده:...و قد يقال:إنّ أولئك الّذين استجابوا للّه و لرسوله في تلك الحالة هم خيار المؤمنين،و كلّهم من المحسنين المتّقين،فما معنى قوله:(منهم)؟

و أجابوا عن ذلك بأنّ(من)هنا للتّبيين لا للتّبعيض، و أنّ الوصف بالإحسان و التّقوى للمدح و التّعليل لا للتّقييد.و اختار الأستاذ الإمام قول من قال:إنّ(من) للتّبعيض،و قال:هي في محلّها،لأنّ من المؤمنين الصّادقين من لم يخرج معه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى«حمراء الأسد»أي و هم من الّذين لا يضيع اللّه أجرهم،و لكنّهم لا يستحقّون الأجر العظيم الّذي استحقّه الّذين خرجوا معه،و هم مثقلون بالجراح و مرهقون من الإعياء إلى استئناف قتال أضعافهم من الأقوياء.

أقول:فالضّمير في قوله:(منهم)راجع على هذا القول للمؤمنين لا للّذين استجابوا و هو لا يظهر إلاّ إذا جعلنا قوله: اَلَّذِينَ اسْتَجابُوا منصوبا على المدح،

ص: 237

و الجملة المدحيّة معترضة.

قال الأستاذ:و ثمّ وجه آخر:و هو أنّه وجد في نفوس بعض المؤمنين بعد«أحد»شيء من الضّعف،فهذه الآيات كلّها تأديب لهم.و لمّا دعاهم صلّى اللّه عليه و سلّم للخروج لبّوا و استجابوا له ظاهرا و باطنا،و لكن عرض لبعضهم عند الخروج بالفعل موانع في أنفسهم أو أهليهم فلم يخرجوا، فأراد من الّذين أحسنوا و اتّقوا الّذين خرجوا بالفعل و هم بعض الّذين استجابوا.و الإحسان:أن يعمل الإنسان العمل على أكمل وجوهه الممكنة،و التّقوى:أن يتّقي الإساءة و التّقصير فيه.

أقول:و هذا الوجه أظهر الوجوه و أحسنها.(4:237)

الطّباطبائيّ: قصر الوعد على بعض أفراد المستجيبين،لأنّ الاستجابة فعل ظاهريّ لا يلازم حقيقة الإحسان و التّقوى الّذين عليهما مدار الأجر العظيم،و هذا من عجيب مراقبة القرآن في بيانه؛حيث لا يشغله شأن عن شأن.و من هنا يتبيّن أنّ هؤلاء الجماعة ما كانوا خالصين للّه في أمره،بل كان فيهم من لم يكن محسنا متّقيا يستحقّ عظيم الأجر من اللّه سبحانه.

و ربّما يقال:إنّ(من)في قوله:(منهم)بيانيّة،كما قيل مثله في قوله تعالى: مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ... وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً الفتح:29، و هو تأوّل بما يدفعه السّياق.(4:63)

نحوه بتلخيص فضل اللّه.(6:389)

مكارم الشّيرازيّ: يتبيّن من تخصيص جماعة معيّنة بالأجر العظيم في هذه الآية أنّه كان هناك بينهم من لم يملك الإخلاص الكامل،كما يمكن أن يكون التّعبير ب(منهم)إشارة إلى أنّ بعض المقاتلين في«أحد»امتنعوا ببعض الحجج عن تلبية نداء الرّسول،و الإسهام في هذه الحركة.(3:9)

2- ..ثُمَّ اتَّقَوْا وَ أَحْسَنُوا وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.

المائدة:93

ابن عبّاس: أحسنوا العمل بترك شربها بعد التّحريم.(ابن الجوزيّ 2:421)

مقاتل:أحسنوا العمل بعد تحريمها.

(ابن الجوزيّ 2:421)

الطّوسيّ: أي يريد ثوابهم و إجلالهم و إكرامهم.

و الإحسان:النّفع الحسن الواصل إلى الغير،و لا يقال لكلّ حسن:إحسان،لأنّه لا يقال في العذاب بالنّار:أنّه إحسان و إن كان حسنا.(4:22)

القشيريّ: و اللّه يحبّ المحسنين أعمالا،و المحسنين آمالا،و المحسنين أحوالا.(2:143)

الزّمخشريّ: ثمّ ثبتوا على اتّقاء المعاصي و أحسنوا أعمالهم،أو أحسنوا إلى النّاس و آسوهم بما رزقهم اللّه من الطّيّبات.

و قيل:لمّا نزل تحريم الخمر قالت الصّحابة:يا رسول اللّه فكيف بإخواننا الّذين ماتوا و هم يشربون الخمر و يأكلون مال الميسر؟فنزلت،يعني أنّ المؤمنين لا جناح عليهم في أيّ شيء طعموه من المباحات إذا ما اتّقوا المحارم،ثمّ اتّقوا و آمنوا ثمّ اتّقوا و أحسنوا،على معنى أنّ أولئك كانوا على هذه الصّفة ثناء عليهم و حمدا لأحوالهم في الإيمان و التّقوى و الإحسان.

ص: 238

و مثاله:أن يقال لك:هل على زيد فيما فعل جناح؟ فتقول-و قد علمت أنّ ذلك أمر مباح-:ليس على أحد جناح في المباح إذا اتّقى المحارم و كان مؤمنا محسنا،تريد أنّ زيدا تقيّ مؤمن محسن،و أنّه غير مؤاخذ بما فعل.

(1:643)

الفخر الرّازيّ: و المعنى أنّه تعالى لمّا جعل الإحسان شرطا في نفي الجناح،بيّن أنّ تأثير الإحسان ليس في نفي الجناح فقط،بل و في أنّه يحبّه اللّه،و لا شكّ أنّ هذه الدّرجة أشرف الدّرجات و أعلى المقامات.

(12:85)

البيضاويّ: و تحرّوا الأعمال الجميلة و اشتغلوا بها.

[ثمّ ذكر شأن النّزول و قال:]

و يحتمل أن يكون هذا التّكرير باعتبار الأوقات الثّلاثة،أو باعتبار الحالات الثّلاث:استعمال الإنسان التّقوى و الإيمان بينه و بين نفسه،و بينه و بين النّاس، و بينه و بين اللّه تعالى،و لذلك بدّل الإيمان بالإحسان في الكرّة الثّالثة،إشارة إلى ما قاله عليه الصّلاة و السّلام في تفسيره.

أو باعتبار المراتب الثّلاث:المبدإ و الوسط و المنتهى، أو باعتبار ما يتّقى،فإنّه ينبغي أن يترك المحرّمات توقّيا من العقاب،و الشّبهات تحرّزا عن الوقوع في الحرام، و بعض المباحات تحفّظا للنّفس عن الخسّة،و تهذيبا لها عن دنس الطّبيعة وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ فلا يؤاخذهم بشيء.

و فيه دليل أنّ من فعل ذلك صار محسنا،و من صار محسنا صار للّه محبوبا.(1:291)

مثله البروسويّ(2:437)،و نحوه الكاشانيّ (2:84)،و شبّر(2:212).

الخازن :يعني أنّه تعالى يحبّ المتقرّبين إليه بالإيمان و الأعمال الصّالحة و التّقوى و الإحسان،و هذا ثناء و مدح لهم على الإيمان و التّقوى و الإحسان،لأنّ هذه المقامات من أشرف الدّرجات و أعلاها.(2:75)

الآلوسيّ: وَ أَحْسَنُوا فإنّ الإحسان إذا كان متعدّيا،وجب أن تكون المعاصي الّتي أمروا باتّقائها قبله أيضا متعدّية،و هو في غاية الضّعف؛إذ لا تصريح في الآية بأنّ المراد بالإحسان:الإحسان المتعدّي،و لا يمتنع أن يراد به فعل الحسن و المبالغة فيه،و إن خصّ الفاعل و لم يتعدّ إلى غيره،كما يقولون لمن بالغ في فعل الحسن:

أحسنت و أجملت.

ثمّ لو سلّم أنّ المراد به الإحسان المتعدّي،فلم لا يجوز أن يعطف فعل متعدّ على فعل لا يتعدّى.و لو صرّح سبحانه فقال:اتّقوا القبائح كلّها و أحسنوا إلى النّاس لم يمتنع،و ذلك ظاهر.[و أطال الكلام في المراد بالتّقوى إلى أن قال:]

و جملة وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ على سائر التّقادير تذييل مقرّر لمضمون ما قبله أبلغ تقرير.و ذكر بعضهم أنّه كان الظّاهر:و اللّه يحبّ هؤلاء،فوضع (المحسنين)موضعه،إشارة إلى أنّهم متّصفون بذلك.(7:20)

ابن عاشور :و يشمل فعل(و احسنوا)الإحسان إلى المسلمين،و هو زائد على التّقوى،لأنّ منه إحسانا غير واجب،و هو ممّا يجلب مرضاة اللّه،و لذلك ذيّله

ص: 239

بقوله: وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. (5:207)

عبد الكريم الخطيب :و في الفاصلة الّتي ختمت بها الآية الكريمة وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ في هذه الفاصلة ما يكشف عن هذه المنزلة الّتي تهتف الآية الكريمة بالمؤمنين أن يسعوا إليها،و أن يعملوا على بلوغها.

و تلك هي منزلة الإحسان،تلك المنزلة الّتي ذكرها الرّسول الكريم في قوله[و ذكر حديث النّبيّ]

فالإحسان هو أعلى درجات الإيمان:«أن تخشى اللّه كأنّك تراه،فإن لم تكن تراه فإنّه يراك».

و تلك منزلة لا ينالها إلاّ المصطفين من عباد اللّه، و لهذا ضمّهم اللّه إليه،و جعلهم من أصفيائه و أحبابه،فقال تعالى: إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ

(4:36)

راجع أيضا:«و ق ي-اتّقوا»

احسنتم

إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها... الإسراء:7

ابن عبّاس: إِنْ أَحْسَنْتُمْ وحّدتم باللّه (احسنتم)وحّدتم(لانفسكم)ثواب ذلك الجنّة وَ إِنْ أَسَأْتُمْ أشركتم باللّه.(233)

إن أطعتم اللّه،عفا عنك المساوئ، وَ إِنْ أَسَأْتُمْ بالفساد و عصيان الأنبياء،(فلها)يريد فعلى أنفسكم يقع الوبال.(الواحديّ 3:97)

الطّبريّ: إِنْ أَحْسَنْتُمْ يا بني إسرائيل،فأطعتم اللّه و أصلحتم أمركم،و لزمتم أمره و نهيه،(احسنتم) و فعلتم ما فعلتم من ذلك(لانفسكم)،لأنّكم إنّما تنفعون بفعلكم ما تفعلون من ذلك أنفسكم في الدّنيا و الآخرة.أمّا في الدّنيا فإنّ اللّه يدفع عنكم من بغاكم سوء،و ينمّي لكم أموالكم،و يزيدكم إلى قوّتكم قوّة.

و أمّا في الآخرة فإنّ اللّه تعالى يثيبكم به جنانه.

وَ إِنْ أَسَأْتُمْ يقول:و إن عصيتم اللّه و ركبتم ما نهاكم عنه حينئذ،فإلى أنفسكم تسيئون،لأنّكم تسخطون بذلك على أنفسكم ربّكم،فيسلّط عليكم في الدّنيا عدوّكم،و يمكّن منكم من بغاكم سوء،و يخلّدكم في الآخرة في العذاب المهين.(15:31)

الثّعلبيّ: يا بني إسرائيل أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ لها ثوابا (1)و نفعها، وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها أي فعليها،كقوله:

فَسَلامٌ لَكَ الواقعة:91،أي عليك.(6:85)

نحوه الخازن.(4:118)

الماورديّ: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ لأنّ الجزاء بالثّواب يعود إليها،فصار ذلك إحسانا لها.

(3:230)

الطّوسيّ: يقول اللّه تعالى لخلقه من المكلّفين: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أي فعلتم الأفعال الحسنة من الإنعام إلى الغير، و الأفعال الجميلة الّتي هي طاعة أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ، لأنّ ثواب ذلك واصل إليكم، وَ إِنْ أَسَأْتُمْ إلى الغير و ظلمتموه أسأتم لأنفسكم،لأنّ و بال ذلك و عقابه واصل إليكم،و إنّما قال:(فلها)ليقابل قوله: أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ.

ص: 240


1- كذا،و الظّاهر:لها ثوابها.

و المعنى إن أسأتم فإليها،كما يقال:أحسن إلى نفسه، ليقابل:أساء إلى نفسه،على أنّ حروف الصّفات يقوم بعضها مقام بعض إذا تقاربت معانيها،قال تعالى: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها الزّلزال:5،و المعنى أوحى إليها.و معنى «أنت في منتهى الإساءة»،و«أنت المختصّ بالإساءة» متقارب.(6:451)

القشيريّ: إن أحسنتم فثوابكم كسبتم،و إن أسأتم فعداءكم جلبتم،و الحقّ أعزّ من أن يعود إليه من أفعال عباده زين أو يلحقه شين.(4:9)

البغويّ: [مثل الثّعلبيّ و أضاف:]

و قيل:فلها الجزاء و العقاب.(3:122)

الزّمخشريّ: أي الإحسان و الإساءة كلاهما مختصّ بأنفسكم لا يتعدّى النّفع و الضّرر إلى غيركم.

و عن عليّ رضى اللّه عنه:«ما أحسنت إلى أحد و لا أسأت إليه» و تلاها.(2:439)

نحوه ابن الجوزيّ.(5:10)

ابن عطيّة: و المعنى أنّكم بعملكم تؤخذون لا يكون ذلك ظلما و لا تسرّعا إليكم.(3:440)

الطّبرسيّ: [مثل الطّوسيّ و أضاف:]

و قيل:إنّ قوله:(فلها)بمعنى«فعليها»كقوله تعالى:

لَهُمُ اللَّعْنَةُ الرّعد:25،أي عليهم اللّعنة،و قيل:

معناه:فلها الجزاء و العقاب.و إذا أمكن حمل الكلام على الظّاهر،فالأولى أن لا يعدل عنه.و هذا الخطاب لبني إسرائيل،ليكون الكلام جاريا على النّسق و النّظام.

و يجوز أن يكون خطابا لأمّة نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله،فيكون اعتراضا بين القصّة،كما يفعل الخطيب و الواعظ يحكي شيئا ثمّ يعظ ثمّ يعود إلى الحكاية،فكأنّه-لمّا بيّن أنّ بني إسرائيل لمّا علوا و بغوا في الأرض سلّط عليهم قوما،ثمّ لمّا تابوا قبل توبتهم و أظفرهم على عدوّهم-خاطب أمّتنا بأنّ من أحسن عاد نفع إحسانه إليه،و من أساء عاد ضرره إليه،ترغيبا و ترهيبا.(3:399)

الفخر الرّازيّ: و فيه مسائل:

المسألة الأولى:اعلم أنّه تعالى حكى عنهم لمّا عصوا سلّط عليهم أقواما قصدوهم بالقتل و النّهب و السّبي و لمّا تابوا أزال عنهم تلك المحنة و أعاد عليهم الدّولة،فعند ذلك ظهر أنّهم إن أطاعوا فقد أحسنوا إلى أنفسهم،و إن أصرّوا على المعصية فقد أساءوا إلى أنفسهم،و قد تقرّر في العقول أنّ الإحسان إلى النّفس حسن مطلوب،و أنّ الإساءة إليها قبيحة،فلهذا المعنى قال تعالى: إِنْ أَحْسَنْتُمْ....

المسألة الثّانية:قال الواحديّ: لا بدّ هاهنا من إضمار،و التّقدير:و قلنا:إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم، و المعنى:إن أحسنتم بفعل الطّاعات فقد أحسنتم إلى أنفسكم،من حيث إنّ ببركة تلك الطّاعات يفتح اللّه عليكم أبواب الخيرات و البركات،و إن أسأتم بفعل المحرّمات أسأتم إلى أنفسكم،من حيث إنّ بشؤم تلك المعاصي يفتح اللّه عليكم أبواب العقوبات.

المسألة الثّالثة:قال النّحويّون:إنّما قال: وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها للتّقابل،و المعنى:فإليها أو فعليها،مع أنّ حروف الإضافة يقوم بعضها مقام بعض،كقوله تعالى:

يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها* بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها الزّلزال:4،5،أي إليها.

ص: 241

المسألة الرّابعة:قال أهل الإشارات:هذه الآية تدلّ على أنّ رحمة اللّه تعالى غالبة على غضبه،بدليل أنّه لمّا حكى عنهم الإحسان أعاده مرّتين،فقال: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ و لمّا حكى عنهم الإساءة اقتصر على ذكرها مرّة واحدة،فقال: وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها و لو لا أنّ جانب الرّحمة غالب و إلاّ لما كان كذلك.

(20:158)

نحوه النّيسابوريّ.(15:10)

ابن عربيّ: (ان احسنتم)بتحصيل الكمالات الخلقيّة،و الآراء العقليّة، أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ باكتساب الرّذائل و الهيئات البدنيّة(فلها).

(1:708)

القرطبيّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]ثمّ يحتمل أن يكون هذا خطابا لبني إسرائيل في أوّل الأمر،أي أسأتم فحلّ بكم القتل و السّبي و التّخريب،ثمّ أحسنتم فعاد إليكم الملك و العلوّ و انتظام الحال.و يحتمل أنّه خوطب بهذا بنو إسرائيل في زمن محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،أي عرفتم استحقاق أسلافكم للعقوبة على العصيان،فارتقبوا مثله،أو يكون خطابا لمشركي قريش على هذا الوجه.(10:217)

البيضاويّ: إِنْ أَحْسَنْتُمْ... لأنّ ثوابه لها، وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها فإنّ وبالها عليها،و إنّما ذكرها باللاّم ازدواجا.(1:578)

نحوه الكاشانيّ(3:178)،و شبّر(4:8).

النّسفيّ: قيل:اللاّم بمعنى«على»كقوله: وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ البقرة:286.

و الصّحيح أنّها على بابها،لأنّ اللاّم للاختصاص و العامل مختصّ بجزاء عمله،حسنة كانت أو سيّئة.[ثمّ ذكر مثل الزّمخشريّ].(2:307)

أبو حيّان :[مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

و جواب(و ان أسأتم)قوله:(فلها)على حذف مبتدإ محذوف،و(لها)خبره،تقديره:فالإساءة لها.قال الكرمانيّ: جاء(فلها)باللاّم ازدواجا،انتهى.يعني قابل قوله:(لانفسكم)بقوله:(فلها).(6:10)

أبو السّعود : إِنْ أَحْسَنْتُمْ أعمالكم سواء كانت لازمة لأنفسكم أو متعدّية إلى الغير،أي عملتموها على الوجه اللاّئق،و لا يتصوّر ذلك إلاّ بعد أن تكون الأعمال حسنة في أنفسها،أو إن فعلتم الإحسان أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ لأنّ ثوابها لها.(و ان أسأتم)أعمالكم بأن عملتموها لا على الوجه اللاّئق و يلزمه السّوء الذّاتيّ،أو فعلتم الإساءة(فلها)إذ عليها و بالها،و عن عليّ كرم اللّه وجهه:[و ذكر الحديث](4:112)

البروسويّ: [نحو النّسفيّ و أضاف:]

قال سعدي المفتي:الأولى أن تكون[اللاّم] للاستحقاق،كما في قوله:«لهم عذاب فى الدنيا.»قال في تفسير النّيسابوريّ:قال أهل الإشارة:إنّه أعاد الإحسان و لم يذكر الإساءة إلاّ مرّة،ففيه دليل على أنّ جانب الرّحمة أغلب.و يجوز أن يترك تكريره استهجانا.

(5:133)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و نقل قولي الطّبريّ و الزّمخشريّ ثم قال:]و تعقّب بأنّه مخالف لما في الآثار من تعدّي ضرر الإساءة إلى غير المذنب،اللّهمّ إلاّ أن يقال:

إنّ ضرر هؤلاء القوم من بني إسرائيل لم يتعدّهم.و فيه:

ص: 242

أنّه تكلّف لا يحتاج إليه،لأنّ الثّواب و العقاب الأخرويّين لا يتعدّيان،و هما المراد هنا.

و قيل:اللاّم للنّفع كالأولى لكن على سبيل التّهكّم، و تعميم الإحسان و مقابله بحيث يشملان المتعدّي و اللاّزم،هو الّذي استظهره بعض المحقّقين،و فسّر الإحسان بفعل ما يستحسن له و لغيره و الإساءة بضدّ ذلك،و قال:إنّه أنسب و أتمّ،و لذا قيل:إنّ تكرير الإحسان في النّظم الكريم دون الإساءة إشارة إلى أنّ جانب الإحسان أغلب،و أنّه إذا فعل ينبغي تكراره، بخلاف ضدّه،و جاء عن عليّ كرّم اللّه وجهه.[و ذكر الحديث]

و وجه مناسبتها لما قبلها،على ما قال القطب:إنّه لمّا عصوا سلّط اللّه تعالى عليهم من قصدهم بالنّهب و الأسر،ثمّ لمّا تابوا و أطاعوا حسنت حالهم.فظهر أنّ إحسان الأعمال و إساءتها مختصّ بهم،و الآية تضمّنت ذلك.و فيها من التّرغيب بالإحسان و التّرهيب من الإساءة ما لا يخفى،فتأمّل.(15:19)

القاسميّ: إِنْ أَحْسَنْتُمْ... بمثابة التّعليل لما قبله،أي فعلنا ذلك لتعلموا أنّكم إن أحسنتم توبتكم و أعمالكم،أحسنتم لأنفسكم،بإبقاء الغلبة لها و الإمداد بالأموال و البنين و تكثير النّفير، وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها أي فإساءتكم ضارّة لها،بغلبة الأعداء و سلب الأموال و البنين و النّفير.(10:3903)

نحوه عزّة دروزة(3:219)،و المراغيّ(15:14).

سيّد قطب :القاعدة الّتي لا تتغيّر في الدّنيا و في الآخرة،و الّتي تجعل عمل الإنسان كلّه له،بكلّ ثماره و نتائجه،و تجعل الجزاء ثمرة طبيعيّة للعمل،منه تنتج، و به تتكيّف،و تجعل الإنسان مسئولا عن نفسه،إن شاء أحسن إليها،و إن شاء أساء،لا يلومنّ إلاّ نفسه حين يحقّ عليه الجزاء.(4:2214)

الطّباطبائيّ: و في قوله في الآية التّالية: إِنْ أَحْسَنْتُمْ... إشعار بل دلالة بمعونة السّياق أنّ هذه الواقعة و هي ردّ الكرّة لبني إسرائيل على أعدائهم،إنّما كانت لرجوعهم إلى الإحسان،بعد ما ذاقوا و بال إساءتهم قبل ذلك،كما أنّ إنجاز وعد الآخرة إنّما كان لرجوعهم ثانيا إلى الإساءة بعد رجوعهم هذا إلى الإحسان.

اللاّم في(لانفسكم)و(فلها)للاختصاص،أي أنّ كلاّ من إحسانكم و إساءتكم يختصّ بأنفسكم دون أن يلحق غيركم،و هي سنّة اللّه الجارية،إنّ العمل يعود أثره و تبعته إلى صاحبه إن خيرا و إن شرّا،فهو كقوله:

تِلْكَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَها ما كَسَبَتْ وَ لَكُمْ ما كَسَبْتُمْ البقرة:141.

فالمقام مقام بيان أنّ أثر العمل لصاحبه خيرا كان أو شرّا،و ليس مقام بيان أنّ الإحسان ينفع صاحبه و الإساءة تضرّه،حتّى يقال:و إن أسأتم فعليها،كما قيل: لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ البقرة:286.

فلا حاجة إلى ما تكلّفه بعضهم أنّ اللاّم في قوله:

وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها بمعنى«على»،و قول آخرين:إنّها بمعنى«إلى»لأنّ الإساءة تتعدّى بها،يقال:أساء إلى فلان و يسيء إليه إساءة،و قول آخرين:إنّها للاستحقاق،كقوله: وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ.

ص: 243

و ربّما أورد على كون اللاّم للاختصاص بأنّ الواقع على خلافه،فكثيرا ما يتعدّى أثر الإحسان إلى غير محسنه و أثر الإساءة إلى غير فاعلها،و هو ظاهر.

و الجواب عنه:أنّ فيه غفلة عمّا يراه القرآن الكريم في آثار الأعمال:أمّا آثار الأعمال الأخرويّة،فإنّها لا تتعدّى صاحبها البتّة،قال تعالى: مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ الرّوم:44، و أمّا الآثار الدّنيويّة فإنّ الأعمال لا تؤثّر أثرا في غير فاعلها،إلاّ أن يشاء اللّه من ذلك شيئا،على سبيل النّعمة على الغير أو النّقمة أو الابتلاء و الامتحان،فليس في مقدرة الفاعل أن يوصل أثر فعله إلى الغير دائما إلاّ أحيانا يريده اللّه،لكنّ الفاعل يلحقه أثر فعله الحسن أو السّيّئ دائما من غير تخلّف.

فللمحسن نصيب من إحسانه و للمسيء نصيب من إساءته،قال تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزّلزال:7،8،فأثر الفعل لا يفارق فاعله إلى غيره،و هذا معنى ما روي عن عليّ عليه السّلام.[و ذكر الحديث](13:41)

تحسنوا

...وَ إِنْ تُحْسِنُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اللّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً. النّساء:128

الماتريديّ: (و ان تحسنوا)في أن تعطوهنّ أكثر من حقّهنّ و تتّقوا في أن لا تنقصوا من حقّهن شيئا،أو أن تحسنوا في إيفاء حقّهنّ و التّسوية بينهنّ،و تتّقوا الجور و الميل و تفضيل بعض على بعض،أو أن تحسنوا في اتّباع ما أمركم اللّه به من طاعتهنّ،و تتّقوا ما نهاكم عنه عن معصيته.(أبو حيّان 3:364)

الواحديّ: (و ان تحسنوا)أن تصلحوا(و تتّقوا) الجور و الميل.(2:125)

ابن عطيّة: ندب إلى الإحسان في تحسين العشرة و حمل خلق الزّوجة و الصّبر على ما يكره من حالها، و تمكّن النّدب إلى الإحسان من حيث للزّوج أن يشحّ فلا يحسن.

(و تتّقوا)معناه:تتّقوا اللّه في وصيّته بالنّساء؛إذ هنّ عوان عند الأزواج حسبما فسّره النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،بقوله:

«استوصوا بالنّساء خيرا فإنّهنّ عوان عندكم».

(2:120)

الفخر الرّازيّ: و فيه وجوه:

الأوّل:أنّه خطاب مع الأزواج،يعني و إن تحسنوا بالإقامة على نسائكم و إن كرهتموهنّ و تيقّنتم النّشوز و الإعراض،و ما يؤدّي إلى الأذى و الخصومة،فإنّ اللّه كان بما تعملون من الإحسان و التّقوى خبيرا،و هو يثيبكم عليه.

الثّاني:أنّه خطاب للزّوج و المرأة،يعني و إن يحسن كلّ واحد منكما إلى صاحبه و يحترز عن الظّلم.

الثّالث:أنّه خطاب لغيرهما،يعني إن تحسنوا في المصالحة بينهما و تتّقوا الميل إلى واحد منهما.

(11:67)

عبد الكريم الخطيب :هو دعوة إلى الإحسان و التّقوى في هذا الموقف،الّذي إن لم تتحرّك فيه مشاعر الإحسان لتؤدّي دورها في ظلّ من تقوى اللّه و العمل

ص: 244

على مرضاته،لم يكن سبيل إلى إصلاح هذا الخلل، و رأب ذلك الصّدع،بل ربّما زادته المواجهة بين الزّوجين اتّساعا و عمقا.(3:919)

محسن

1- بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ... البقرة:112

ابن عبّاس: في القول و الفعل.(16)

الطّبريّ: فإنّه يعني به في حال إحسانه،و تأويل الكلام:بلى من أخلص طاعته للّه و عبادته له محسنا في فعله ذلك.(1:494)

و هكذا جاء في أكثر التّفاسير

القشيريّ: عالم بحقيقة ما يفعله و حقيقة ما يستعمله،و هو محسن في المال،كما أنّه مسلم في الحال.

و يقال:الإحسان أن تعبد اللّه كأنّك تراه،فتكون مستسلما بظاهرك،مشاهدا بسرائرك،في الظّاهر جهد و سجود،و في الباطن كشف و وجود.

و يقال: أَسْلَمَ وَجْهَهُ بالتزام الطّاعات، وَ هُوَ مُحْسِنٌ قائم بآداب الخدمة بحسن آداب الحضور، فهؤلاء ليس عليهم خوف الهجر،و لا يلحقهم خفيّ المكر،فلا الدّنيا تشغلهم عن المشاهدة و لا الآخرة تشغلهم غدا عن الرّؤية.(1:126)

الزّمخشريّ: في عمله.(1:305)

الطّبرسيّ: في عمله،و قيل:و هو مؤمن،و قيل:

مخلص.(1:187)

الفخر الرّازيّ: أي لا بدّ و أن يكون تواضعه للّه بفعل حسن لا بفعل قبيح،فإنّ الهند يتواضعون للّه لكن بأفعال قبيحة.و موضع قوله: وَ هُوَ مُحْسِنٌ موضع حال،كقولك:جاء فلان و هو راكب،أي جاء فلان راكبا.(4:4)

أبو حيّان :جملة حاليّة،و هي مؤكّدة من حيث المعنى،لأنّ من أسلم وجهه للّه فهو محسن.و قد قيّد الزّمخشريّ الإحسان بالعمل،و جعل معنى قوله: مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ من أخلص نفسه له لا يشرك به غيره، وَ هُوَ مُحْسِنٌ في عمله،فصارت الحال هنا مبيّنة؛إذ من لا يشرك قسمان:محسن في عمله و غير محسن، و ذلك منه جنوح إلى مذهبه الاعتزاليّ،من أنّ العمل لا بدّ منه،و أنّه بهما يستوجب دخول الجنّة،و لذلك فسّر قوله فله أجره الّذي يستوجبه.

و قد فسّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حقيقة الإحسان الشّرعيّ حين سئل عن ماهيّته،فقال:«أن تعبد اللّه كأنّك تراه، فإن لم تكن تراه فإنّه يراك».و قد فسّر هنا الإحسان بالإخلاص و فسّر بالإيمان و فسّر بالقيام بالأوامر و الانتهاء عن المناهي.(1:352)

مكارم الشّيرازيّ: ذكر وَ هُوَ مُحْسِنٌ بعد طرح مسألة التّسليم،إشارة إلى أنّ الإحسان بالمعنى الواسع للكلمة،لا يتحقّق إلاّ برسوخ الإيمان في النّفوس.

كما تفهم العبارة أنّ صفة الإحسان ليست طارئة في نفوس المؤمنين،بل هي خصلة نافذة في أعماق هؤلاء.(1:295)

فضل اللّه :و هم الّذين لا يعيشون هذا الإسلام في حياتهم الدّاخليّة فحسب،ليتجمّد في لحظات التّأمّل

ص: 245

و الفكر و الخشوع الرّوحيّ المنساب في أجواء صوفيّة غامضة حالمة،بل يتحوّل في حياتهم العمليّة إحسانا للحياة،و للآخرين في كلّ ما يستطيعون أن يقدّموه من أعمال و خدمات،و في كلّ ما يملكون تفجيره من طاقات،فلا يعيشون الأنانيّة في قواهم الّتي يملكونها، و لا في فكرهم الّذي يعيشونه،بل يعتبرونها ملكا لهم و للحياة و الإنسان،لأنّها هبة اللّه و نعمته الملتزمة بحدود المسئوليّة،فلا بدّ من أن تتصاعد في حياتهم صلوات

عمليّة خاشعة في رحاب اللّه.(2:173)

2-و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: وَ مَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ. لقمان:22.

احسنوا

...وَ أَحْسِنُوا إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. البقرة:195)

أبو أيّوب الأنصاريّ: إنّها نزلت فينا معشر الأنصار لمّا أعزّ اللّه دينه و نصر رسوله،قلنا:لو أقمنا في أموالنا،فأصلحنا ما ضاع منها،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.(الواحديّ 1:294)

ابن عبّاس: (و احسنوا):أي بالنّفقة في سبيل اللّه.

(27)

أحسنوا الظّنّ باللّه،فإنّه يضاعف الثّواب،و يخلف لكم النّفقة.(الواحديّ 1:294)

نحوه عكرمة.(الطّبريّ 2:206)

الضّحّاك: في أداء الفرائض.(ابن العربيّ 1:117)

زيد بن أسلم:و أحسنوا في الإنفاق في سبيل اللّه و في الصّدقات.(ابن عطيّة 1:265)

الإمام الصّادق عليه السّلام:«إذا أحسن المؤمن عمله ضاعف اللّه عمله بكلّ حسنة سبعمائة،و ذلك قول اللّه سبحانه: يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ البقرة:261،فأحسنوا أعمالكم الّتي تعملونها لثواب اللّه».فقيل له:

و ما الإحسان؟فقال:«إذا صلّيت فأحسن ركوعك و سجودك،و إذا صمت فتوقّ كلّ ما فيه فساد صومك، و إذا حججت فتوقّ ما يحرم عليك في حجّك و عمرتك، و كلّ عمل تعمله للّه فليكن نقيّا من الدّنس».

(الكاشانيّ 1:211)

ابن زيد :عودوا على من ليس في يده شيء.

(الطّبريّ 2:206)

الطّبريّ: يعني جلّ ثناؤه بقوله:(و احسنوا):

أحسنوا أيّها المؤمنون في أداء ما ألزمتكم من فرائضي، و تجنّب ما أمرتكم بتجنّبه من معاصيّ،و من الإنفاق في سبيلي،و عود القويّ منكم على الضّعيف ذي الخلّة،فإنّي أحبّ المحسنين في ذلك.(2:205)

عبد الجبّار:من أوضح ما يدلّ على العدل،لأنّه تعالى إن صيّرهم كفّارا أو خلق فيهم المعاصي و ما يؤدّي إلى الهلاك،كيف يصحّ أن ينهاهم عن ذلك؟و كيف يصحّ -على طريق الإنعام-أن يقول ذلك و هو الّذي يطرحهم في المهالك؟و كيف يقول تعالى: وَ أَحْسِنُوا... و هو الّذي خلق الإحسان؟و محبّته للإساءة و الفساد عندهم كمحبّة الإحسان،لأنّ المحبّة هي الإرادة،و لذلك كلّ ما أحبّه الإنسان فقد أراده،و كلّ ما أراده فقد أحبّه،ما لم يستعمل في إحدى اللّفظتين على جهة الاتّساع،فليس لأحد أن يجعل المراد بالمحبّة المدح أو ما يجري مجراه.

(1:119)

ص: 246

القشيريّ: الإحسان:أن ترفق مع كلّ أحد إلاّ معك،فإحسانك إلى نفسك في صورة إساءتك إليها في ظنّ الاعتماد؛و ذلك لارتكابك كلّ شديدة و مقاساتك فيه كلّ عظيمة.

و الإحسان أيضا:ترك جميع حظوظك من غير بقيّة،و الإحسان أيضا:تفرّغك إلى قضاء حقّ كلّ أحد علّق عليك حديثه،و الإحسان:أن تعبده على غير غفلة،و الإحسان:أن تعبده و أنت بوصف المشاهدة.

(1:175)

الواحديّ: [نقل حديث أبي أيّوب في شأن النّزول ثمّ قال:]

و على قول أبي أيّوب،معنى(و احسنوا)أي جاهدوا في سبيل اللّه،و المجاهد:محسن.(1:294)

ابن عطيّة: قيل:معناه في أعمالكم بامتثال الطّاعات،و روي ذلك عن بعض الصّحابة.(1:265)

ابن العربيّ: فيه ثلاثة أقوال:[ذكر قولي عكرمة و الضّحّاك ثمّ قال:]

الثّالث:أحسنوا إلى من ليس عنده شيء.

قال القاضي:الإحسان:مأخوذ من الحسن،و هو كلّ ما مدح فاعله،و ليس الحسن صفة للشّيء،و إنّما الحسن خبر من اللّه تعالى عنه بمدح فاعله.و قد بيّن جبريل عليه السّلام أصله للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حين قال:«ما الإحسان؟...»[و ذكر الحديث](1:117)

الطّبرسيّ: (المحسنين)يعني المقتصدين.[ثمّ ذكر قول عكرمة و ابن زيد و أضاف:]و الأولى حمل الآية على جميع هذه الوجوه،و لا تنافي فيها.(1:289)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في أنّ المحسن مشتقّ من ما ذا؟و فيه وجوه:

الأوّل:أنّه مشتق من فعل الحسن،و أنّه كثر استعماله فيمن ينفع غيره بنفع حسن؛من حيث إنّ الإحسان حسن في نفسه،و على هذا التّقدير،فالضّرب و القتل إذا حسنا كان فاعلهما محسنا.

الثّاني:أنّه مشتق من الإحسان،ففاعل الحسن لا يوصف بكونه محسنا إلاّ إذا كان فعله حسنا و إحسانا معا، فالاشتقاق إنّما يحصل من مجموع الأمرين.

قوله:(و احسنوا)فيه وجوه:

أحدها:قال الأصمّ:أحسنوا في فرائض اللّه.

و ثانيها:و أحسنوا في الإنفاق على من تلزمكم مئونته و نفقته،و المقصود منه أن يكون ذلك الإنفاق وسطا فلا تسرفوا و لا تقتروا،و هذا هو الأقرب لاتّصاله بما قبله، و يمكن حمل الآية على جميع الوجوه.(5:151)

القرطبيّ: (و احسنوا)أي في الإنفاق في الطّاعة، و أحسنوا الظّنّ باللّه في إخلافه عليكم.و قيل:(احسنوا) في أعمالكم بامتثال الطّاعات،روي ذلك عن بعض الصّحابة.(2:365)

نحوه طنطاوي.(1:179)

ابن عربيّ: أي و كونوا في عملكم مشاهدين.

إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ المشاهدين في أعمالهم ربّهم،مخلصين له فيها.(1:120)

البيضاويّ: (و احسنوا)أعمالكم و أخلاقكم،أو تفضّلوا على المحاويج.(1:106)

مثله أبو السّعود.(1:248)

ص: 247

النّسفيّ: (و احسنوا)الظّنّ باللّه في الإخلاف إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ إلى المحتاجين.(1:99)

النّيسابوريّ: (و احسنوا)في الإنفاق،بأن يكون مقرونا بطلاقة الوجه،أو على قضيّة العدالة بين التّقتير و الإسراف،أو في فرائض اللّه،عن الحسن.

إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ إذ الإحسان أن تعبد اللّه كأنّك تراه،فإن لم تكن تراه فإنّه يراك،و هذا مقام القرب،و القرب يقتضي الإرادة الذّاتيّة،و هذا رمز، و اللّه وليّ كلّ خير.(2:148)

الخازن : وَ أَحْسِنُوا أي بالإنفاق على من تلزمكم مئونته و نفقته.و قيل:أحسنوا في الإنفاق و لا تسرفوا و لا تقتروا،نهوا عن الإسراف و الإقتار في الإنفاق.و قيل:معناه و أحسنوا في أداء فرائض اللّه تعالى إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ أي يثيبهم على إحسانهم.(1:145)

أبو حيّان : وَ أَحْسِنُوا هذا أمر بالإحسان، و الأولى حمله على طلب الإحسان من غير تقييد بمفعول معيّن.[إلى أن قال:]

قيل:(و احسنوا)معناه جاهدوا في سبيل اللّه و المجاهد محسن. إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ هذا تحريض على الإحسان،لأنّ فيه إعلاما بأنّ اللّه يحبّ من الإحسان صفة له،و من أحبّه اللّه لهذا الوصف فينبغي أن يقوم وصف الإحسان به دائما؛بحيث لا يخلو منه محبّة اللّه دائما.(2:71)

ابن كثير :و مضمون الآية الأمر بالإنفاق في سبيل اللّه،في سائر وجوه القربات و وجوه الطّاعات،و خاصّة صرف الأموال في قتال الأعداء،و بذلها فيما يقوى به المسلمون على عدوّهم،و الإخبار عن ترك فعل ذلك بأنّه هلاك و دمار لمن لزمه و اعتاده،ثمّ عطف بالأمر بالإحسان،و هو أعلى مقامات الطّاعة.(1:406)

نحوه عزّة دروزة.(7:294)

الشّربينيّ: وَ أَحْسِنُوا أي بالنّفقة و غيرها، إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ أي يثيبهم.(1:128)

البروسويّ: قال في«التّأويلات النّجميّة»:

وَ أَحْسِنُوا مع نفوسكم بوقايتها من نار الشّهوات، و مع قلوبكم برعايتها و حفظها من رين الغفلات،و مع أرواحكم بحمايتها عن حجب التّعلّقات،و مع أسراركم بكلاءتها عن ملاحظة المكوّنات،و مع الخلق بدفع الأذيّات و اتّصال الخيرات،و مع اللّه بالعبوديّة في المأمورات و المنهيّات،و الصّبر على المضرّات و البليّات، و الشّكر على النّعم و المسرّات،و التّوكّل عليه في جميع الحالات،و تفويض الأمور إليه في الجزئيّات و الكلّيّات، و التّسليم للأحكام الأزليّات،و الرّضى بالأقضية الأوّليّات،و الفناء عن الإرادات المحدثات في إرادته القديمة بالذّات.

إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ الّذين هم في العبادة بوصف المشاهدة.(1:310)

شبّر:(احسنوا)الأعمال إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ المقتصدين.(1:198)

الآلوسيّ: [ذكر قول عكرمة و غيره ثمّ قال:] وَ أَحْسِنُوا في أعمالكم بامتثال الطّاعات،و لعلّه أولى.

(2:78)

ص: 248

القاسميّ: (و احسنوا)أي تحرّوا فعل الإحسان، أي الإتيان بكلّ ما هو حسن،و من أجلّه الإنفاق.

(3:482)

رشيد رضا :الأمر بالإحسان على عمومه،أي أحسنوا كلّ أعمالكم و أتقنوها،فلا تهملوا إتقان شيء منها،و يدخل فيه التّطوّع بالإنفاق.(2:214)

مثله المراغيّ.(2:93)

النّهاونديّ: و أحسنوا إلى الفقراء،و تفضّلوا عليهم مراعين للاقتصاد،أو التزموا بالأعمال الحسنة إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ و منهم المقتصدين في الإنفاق.(1:143)

سيّد قطب :و مرتبة الإحسان هي عليا المراتب في الإسلام،و هي كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:[و ذكر الحديث]

و حين تصل النّفس إلى هذه المرتبة،فإنّها تفعل الطّاعات كلّها،و تنتهي عن المعاصي كلّها،و تراقب اللّه في الصّغيرة و الكبيرة،و في السّرّ و العلن على السّواء.

و هذا هو التّعقيب الّذي ينهي آيات القتال و الإنفاق، فيكل النّفس في أمر الجهاد إلى الإحسان،أعلى مراتب الإيمان.(1:192)

الطّباطبائيّ: و ليس المراد بالإحسان:الكفّ عن القتال أو الرّأفة في قتل أعداء الدّين،و ما يشابههما،بل الإحسان هو الإتيان بالفعل على وجه حسن بالقتال في مورد القتال،و الكفّ في مورد الكفّ،و الشّدّة في مورد الشّدّة،و العفو في مورد العفو.

فدفع الظّالم بما يستحقّه إحسان على الإنسانيّة، باستيفاء حقّها المشروع لها،و دفاع عن الدّين المصلح لشأنها،كما أنّ الكفّ عن التّجاوز في استيفاء الحقّ المشروع بما لا ينبغي إحسان آخر،و محبّة اللّه سبحانه و تعالى هو الغرض الأقصى من الدّين،و هو الواجب على كلّ متديّن بالدّين أن يجلبها من ربّه بالاتّباع،قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ آل عمران:31.

و قد بدأت الآيات الشّريفة-و هي آيات القتال- بالنّهي عن الاعتداء و أنّ اللّه لا يحبّ المعتدين،و ختمت بالأمر بالإحسان و أنّ اللّه يحبّ المحسنين،و في ذلك من وجود الحلاوة ما لا يخفى.(2:64)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(1:215)

مكارم الشّيرازيّ: و في نهاية الآية أمر بالإحسان وَ أَحْسِنُوا... و انتقال من مرحلة الجهاد و الإنفاق إلى مرحلة الإحسان،لأنّ مرحلة الإحسان أسمى مراحل التّكامل الإنسانيّ.و مجيء هذه الآية في ذيل آية الإنفاق إشارة إلى ضرورة اقتران الإنفاق بالحسنى،و بالابتعاد عن كلّ منّ و أذى للشّخص المنفق عليه.(2:25)

فضل اللّه :و هذه شريعة أخلاقيّة قرآنيّة يؤكّدها القرآن في أكثر من آية،و هي شريعة الإحسان في كلّ الأعمال الّتي يقوم بها الإنسان في علاقاته مع الآخرين، في حالة السّلم و في حالة الحرب.و قد جاء في آية أخرى:

إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ... النّحل:90.

أمّا قيمة الإحسان فتتمثّل في السّلوك العمليّ الّذي ينفتح فيه الإنسان على الجانب الخيّر في الحياة،و هو العطاء السّمح الّذي ينساب من روح الإنسان و شعوره

ص: 249

الحيّ،فيدفعه إلى أن يحترم مشاعر الآخرين و ظروفهم، فلا يثير معهم القضايا الصّعبة من موقع صعوبتها،بل يحاول أن ينفتح معهم على جانب السّهولة في الحياة،من جهة،في ما يأخذه من الحقّ الّذي له،و ينطلق مع خطّ العفو و التّسامح من جهة أخرى.

و بذلك يتحرّك الإحسان كخطّ أخلاقيّ إسلاميّ من مواقع الإرادة الطّوعيّة الطّيّبة في الإنسان،فيخفّف من شدّة العدل و قسوته،ليعيش الإنسان بين العدل و الإحسان في الأجواء الّتي تبعث الطّراوة،حتّى في أشدّ المواقف صعوبة و قساوة،انسجاما مع التّركيب الدّاخليّ للإنسان في شخصيّته الباحثة أبدا عن العدل و الرّحمة في مواقع الحياة.

و كما هو الحال في الآية الأخرى،عند ما أراد اللّه أن يرغّب في التّقوى بأنّ اللّه مع المتّقين،كانت هذه الآية ترغيبا في الإحسان من موقع أنّ ذلك يحقّق للإنسان محبّة اللّه،فإنّ اللّه يحبّ المحسنين.(4:94)

2- وَ بارَكْنا عَلَيْهِ وَ عَلى إِسْحاقَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ. الصّافّات:113

ابن عبّاس: (محسن):موحّد، وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ بالكفر،(مبين):ظاهر الكفر.(378)

السّدّيّ: المحسن:المطيع للّه،و الظّالم لنفسه:العاصي للّه.(الطّبريّ 23:89)

مثله ابن الجوزيّ.(7:78)

الطّبريّ: يعني بالمحسن:المؤمن المطيع للّه،المحسن في طاعته إيّاه.(23:89)

نحوه الثّعلبيّ(8:158)،و الواحديّ(3:531)، و البغويّ(4:38)،و الشّربينيّ(3:388).

الطّوسيّ: فمنهم محسن بفعل الطّاعات،و منهم ظالم لنفسه بارتكاب المعاصي بسوء اختياره.(8:521)

نحوه الطّبرسيّ.(4:454)

الفخر الرّازيّ: و في ذلك تنبيه على أنّه لا يلزم من كثرة فضائل الأب فضيلة الابن،لئلاّ تصير هذه الشّبهة سببا لمفاخرة اليهود،و دخل تحت قوله:(محسن)الأنبياء و المؤمنون،و تحت قوله:(ظالم)الكافر و الفاسق،و اللّه أعلم.(26:159)

القرطبيّ: لمّا ذكر البركة في الذّرّية و الكثرة،قال:

منهم محسن و منهم مسيء،و إنّ المسيء لا تنفعه بنوّة النّبوّة؛فاليهود و النّصارى و إن كانوا من ولد إسحاق، و العرب و إن كانوا من ولد إسماعيل،فلا بدّ من الفرق بين المحسن و المسيء و المؤمن و الكافر،و في التّنزيل:

وَ قالَتِ الْيَهُودُ وَ النَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللّهِ وَ أَحِبّاؤُهُ المائدة:18،أي أبناء رسل اللّه،فرأوا لأنفسهم فضلا.

(15:113)

البيضاويّ: (محسن)في عمله أو على نفسه بالإيمان و الطّاعة،(و ظالم لنفسه)بالكفر و المعاصي، (مبين):ظاهر ظلمه،و في ذلك تنبيه على أنّ النّسب لا أثر له في الهدى و الضّلال،و أنّ الظّلم في أعقابهما لا يعود عليهما بنقيصة و عيب.(2:298)

نحوه النّيسابوريّ(23:66)،و أبو السّعود(5:336)، و الكاشانيّ(4:280)،و البروسويّ(7:479)،و شبّر (5:262)،و الآلوسيّ(23:133)،و المراغيّ(23:76).

ص: 250

النّسفيّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

أو محسن إلى النّاس و ظالم على نفسه،بتعدّيه عن حدود الشّرع.

و فيه تنبيه على أنّ الخبيث و الطّيّب لا يجري أمرهما على العرق و العنصر،فقد يلد البرّ الفاجر و الفاجر البرّ.

و هذا ممّا يهدم أمر الطّبائع و العناصر،و على أنّ الظّلم في أعقابهما لم يعد عليهما بعيب و لا نقيصة،و أنّ المرء إنّما يعاب بسوء فعله،و يعاقب على ما اجترحت يداه،لا على ما وجد من أصله و فرعه.(4:27)

ابن عاشور :و لمّا ذكر ما أعطاهما نقل الكلام إلى ذرّيّتهما،فقال: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ، أي عامل بالعمل الحسن، وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ أي مشرك غير مستقيم،للإشارة إلى أنّ ذرّيّتهما ليس جميعها كحالهما بل هم مختلفون؛فمن ذرّيّة إبراهيم أنبياء و صالحون و مؤمنون و من ذرّيّة إسحاق مثلهم،و من ذرّيّة إبراهيم من حادوا عن سنن أبيهم مثل مشركي العرب،و من ذرّيّة إسحاق كذلك مثل من كفر من اليهود بالمسيح و بمحمّد صلّى اللّه عليهما،و نظيره قوله تعالى: قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ البقرة:124.

و فيه تنبيه على أنّ الخبيث و الطّيّب لا يجري أمرهما على العرق و العنصر،فقد يلد البرّ الفاجر و الفاجر البرّ، و على أنّ فساد الأعقاب لا يعدّ غضاضة على الآباء، و أنّ مناط الفضل هو خصال الذّات و ما اكتسب المرء من الصّالحات.و أمّا كرامة الآباء فتكملة للكمال و باعث على الاتّسام بفضائل الخلال،فكان في هذه التّكملة إبطال غرور المشركين بأنّهم من ذرّيّة إبراهيم-و إنّها مزيّة لكن لا يعادلها الدّخول في الإسلام-و أنّهم الأولى بالمسجد الحرام.قال أبو طالب في خطبة خديجة للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«الحمد للّه الّذي جعلنا من ذرّيّة إبراهيم و زرع إسماعيل،و جعلنا رجال حرمه و سدنة بيته» فكان ذلك قبل الإسلام.

و قال اللّه تعالى لهم بعد الإسلام: أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللّهِ التّوبة:

19،و قال تعالى: وَ هُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ ما كانُوا أَوْلِياءَهُ إِنْ أَوْلِياؤُهُ إِلاَّ الْمُتَّقُونَ الأنفال:

34،و قال: إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا آل عمران:68.

و قد ضرب اللّه هذه القصّة مثلا لحال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في ثباته على إبطال الشّرك،و فيما لقي من المشركين،و إيماء إلى أنّه يهاجر من أرض الشّرك،و أنّ اللّه يهديه في هجرته و يهب له أمّة عظيمة،كما وهب إبراهيم أتباعا، فقال: إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً النّحل:120.

و في قوله تعالى: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ مثل لحال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنين معه من أهل مكّة،و لحال المشركين من أهل مكّة.(23:74)

مغنيّة:و المحسن من هذه الذّرّيّة هو الّذي اتّبع ملّة أبيه إبراهيم حنيفا،و الظّالم من حاد عنها.(6:351)

مكارم الشّيرازيّ: (محسن)جاءت هنا بمعنى المؤمن و المطيع للّه،و هل يتصوّر أنّ هناك إحسان و عمل حسن أرفع من هذا؟

و(ظالم)جاءت هنا بمعنى الكافر و المذنب،و(لنفسه)

ص: 251

إشارة إلى الكفر و ارتكاب الذّنوب يعدّ أوّل ظلم للنّفس، الظّلم الواضح و المكشوف.

فالآية تجيب على مجموعة من اليهود و النّصارى الّذين افتخروا بكونهم من أبناء الأنبياء،و تقول لهم:إنّ صلة القربى لوحدها ليست مدعاة للافتخار،إن لم ترافقها صلة في الفكر و الالتزام بالرّسالة.

و كشاهد على هذا الكلام فقد ورد حديث لنبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و آله يخاطب فيه بني هاشم:«لا يأتيني النّاس بأعمالهم و تأتوني بأنسابكم»أي لا يكون هكذا أنّهم مرتبطون بي رساليّا و أنتم مرتبطون بي جسديّا.

(14:346)

فضل اللّه :(محسن)في الإيمان باللّه و الالتزام بنهجه و شريعته وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ في الانحراف عن الإسلام، و البعد عن خطّ طاعته،(مبين)في وضوح الموقف المنحرف،و لكلّ واحد منهما جزاء على ما عمله من خير أو شرّ،لأنّ المسألة ليست مسألة الأب الرّسول،بل مسألة الشّخص المسئول في فرديّة التّبعة و الجزاء.

(19:208)

محسنون

إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ.

النّحل:128

ابن عبّاس: بالقول و الفعل موحّدون.(233)

الحسن :اتّقوا اللّه فيما حرّم عليهم،و أحسنوا فيما افترض عليهم.(الطّبريّ 1:198)

الطّبريّ: و هو مع الّذين يحسنون رعاية فرائضه، و القيام بحقوقه،و لزوم طاعته فيما أمرهم به،و نهاهم عنه.(14:198)

الماورديّ: (اتّقوا)يعني فيما حرّم اللّه عليهم، وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ فيما فرضه اللّه تعالى،فجمع في هذه الآية اجتناب المعاصي و فعل الطّاعات.(3:222)

الطّوسيّ: في أفعالهم،غير فاعلين للقبائح.

(6:441)

نحوه الزّمخشريّ.(3:435)

ابن عطيّة: يتزيّدون فيما ندب إليه من فعل الخير.

(3:433)

الفخر الرّازيّ: إشارة إلى الشّفقة على خلق اللّه؛ و ذلك يدلّ على أنّ كمال السّعادة للإنسان في هذين الأمرين،أعني التّعظيم لأمر اللّه تعالى و الشّفقة على خلق اللّه،و عبّر عنه بعض المشايخ،فقال:كمال الطّريق صدق مع الحقّ،و خلق مع الخلق.و قال الحكماء:كمال الإنسان في أن يعرف الحقّ لذاته،و الخير لأجل العمل به.

(20:143)

البيضاويّ: في أعمالهم بالولاية و الفضل،أو مع الّذين اتّقوا اللّه بتعظيم أمره، وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ بالشّفقة على خلقه.(1:575)

أبو السّعود : وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ للإشعار بأنّه من باب الإحسان الّذي يتنافس فيه المتنافسون على ما فصّل ذلك؛حيث قيل: وَ اصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ هود:115،و قد نبّه على أنّ كلاّ من الصّبر و التّقوى من قبيل الإحسان في قوله تعالى: إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَ يَصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ

ص: 252

اَلْمُحْسِنِينَ يوسف:90،و حقيقة الإحسان:

الإتيان بالأعمال على الوجه اللاّئق الّذي هو حسنها الوصفيّ المستلزم لحسنها الذّاتيّ،و قد فسّره عليه الصّلاة و السّلام بقوله:«أن تعبد اللّه...».

و تكرير الموصول للإيذان بكفاية كلّ من الصّلتين في ولايته سبحانه،من غير أن تكون إحداهما تتمّة للأخرى،و إيراد الأولى[اتّقوا]فعليّة للدّلالة على الحدوث،كما أنّ إيراد الثّانية اسميّة لإفادة كون مضمونها شيمة راسخة لهم،و تقديم التّقوى على الإحسان لما أنّ التّخلية متقدّمة على التّحلية.

و المراد بالموصولين:إمّا جنس المتّقين و المحسنين، و هو عليه الصّلاة و السّلام داخل في زمرتهم دخولا أوّليّا،و إمّا هو عليه الصّلاة و السّلام و من شايعه،عبّر عنهم بذلك مدحا لهم و ثناء عليهم بالنّعتين الجميلين، و فيه رمز إلى أنّ صنيعه عليه الصّلاة و السّلام مستتبع لاهتداء الأمّة به.(4:107)

نحوه الآلوسيّ.(14:259)

البروسويّ: (محسنون)في أعمالهم،و يقال: مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا مكافأة المسيء وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ إلى من يعادي إليهم.

فالإحسان على الوجه الأوّل،بمعنى جعل الشّيء جميلا حسنا،و على الثّاني ضدّ الاساءة.و في الحديث:«إنّ للمحسن ثلاث علامات:يبادر في طاعة اللّه،و يجتنب محارم اللّه،و يحسن إلى من أساء إليه».(5:101)

الآلوسيّ: وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ بشهود الوحدة في الكثرة،و هؤلاء الّذين لا يحجبهم الفرق عن الجمع و لا الجمع عن الفرق،و يسعهم مراعاة الحقّ و الخلق.و ذكر الطّيّبيّ: أنّ التّقوى في الآية بمنزلة التّوبة للعارف،و الإحسان بمنزلة السّير و السّلوك في الأحوال و المقامات،إلى أن ينتهي إلى محو الرّسم،و الوصول إلى مخدع الأنس.(14:262)

الطّباطبائيّ: أي إنّ التّقوى و الإحسان كلّ منهما سبب مستقلّ في موهبة النّصرة الإلهيّة،و إبطال مكر أعداء الدّين،و دفع كيدهم.فالآية تعليل لقوله: وَ لا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ و وعد بالنّصر.

(12:375)

عبد الكريم الخطيب :أمّا الإحسان،فهو التّقوى في كمالها و تمامها؛حيث يستقيم المؤمن على شريعة اللّه، و يلتزم حدوده،فيصطبغ بصبغة التّقوى،الّتي يصبح بها من عباد اللّه المحسنين المقرّبين،و قد أجاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عن الإحسان،حين سئل عنه،فقال:«أن تعبد اللّه...»

و قد كشف اللّه سبحانه عن حقيقة الإحسان في قوله تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا... المائدة:93،ففي هذه الآية ما يكشف عن قيمة الإحسان،و مكانة المحسنين؛إذ هو الغاية الّتي يبلغها المؤمنون بإيمانهم، و ينالها المتّقون بتقواهم.

و على هذا يكون المتّقون،و المحسنون،في منزلتين من منازل الإيمان،و أنّ كلاّ من المتّقين و المحسنين له شرف المعيّة مع اللّه.و إن كان المحسنون أقرب قربا، و أكثر عطاء و رفدا.(7:402)

مكارم الشّيرازيّ: أكّد القرآن الكريم في كثير من آياته البيّنات بأن يقابل المؤمن إساءة الجاهل

ص: 253

بالإحسان،عسى أن يخجل الطّرف المقابل أو يستحي من موقفه المتشنّج،و بهذه السّلوكيّة الرّائعة قد ينتقل ذلك الجاهل من أَلَدُّ الْخِصامِ البقرة:204،إلى أحسن الأصدقاء وَلِيٌّ حَمِيمٌ فصّلت:34.

و إذا عمل بالإحسان في محلّه المناسب،فإنّه أفضل أسلوب للمواجهة،و التّاريخ الإسلاميّ يرفدنا بعيّنات رائعة في هذا المجال.[إلى أن قال:]

و لو عمل المسلمون وفق هذا البرنامج الشّامل،لساد الإسلام كلّ أرض المعمورة أو معظمها،على أقلّ التّقادير.(8:332)

فضل اللّه :في الخطّ العمليّ للحياة،الّذي يحوّل الحياة إلى إحسان روحيّ و عمليّ يفتح القلوب على الخير،لما يصنعه من أجواء الخير،بما يثيره من مشاعر و أحاسيس،ممّا يدفع بالإنسان إلى الارتفاع عن كثير من نوازع الشّرّ الّتي تقوده إلى الانحراف و الضّلال،و تلك هي مهمّة الإحسان في تلك السّاحة،أن تحقّق الانضباط الّذي يمنع الزّلل،و الانفتاح الّذي يمنع الانحراف و يزيل التّعقيد.

وفّقنا اللّه للسّير على خطّ التّقوى و الإحسان، و رزقنا اللّه الصّبر على التّحدّيات الّتي تواجهنا كمسلمين،و كعاملين في خطّ الدّعوة إلى الإسلام،و هدانا إلى صراطه المستقيم و هو حسبنا و نعم الوكيل.

(13:333)

محسنين

آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ. الذّاريات:16

ابن عبّاس: في الدّنيا بالقول و الفعل.(441)

قبل الفرائض محسنين يعملون.(الطّبريّ 26:196)

أي قبل الفرائض محسنين بالإجابة.

(الماورديّ 5:365)

الضّحّاك: قبل يوم القيامة محسنين بالفرائض.(الماورديّ 5:365)

نحوه الثّعلبيّ(9:111)،و القرطبيّ(17:35).

الطّبريّ: إنّهم كانوا قبل أن يفرض عليهم الفرائض محسنين،يقول:كانوا للّه قبل ذلك مطيعين.(26:196)

الطّوسيّ: يفعلون الطّاعات و ينعمون على غيرهم بضروب الإحسان.(9:383)

نحوه البغويّ(4:282)،و ابن عطيّة(5:174)، و الطّبرسيّ(5:155).

الزّمخشريّ: قد أحسنوا أعمالهم،و تفسير إحسانهم ما بعده: كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ.

(4:15)

نحوه البيضاويّ(2:420)،و النّسفيّ(4:183)، و أبو السّعود(6:135)،و شبّر(6:82)،و الآلوسيّ (27:7).

النّيسابوريّ: أي في الدّنيا،و ظهر عليهم بعد قطع التّعلّق آثار الإحسان و نتيجته.(27:8)

الشّربينيّ: إشارة إلى أنّهم أخذوها بثمنها و ملكوها بالإحسان في الدّنيا.و الإشارة بذلك إمّا لدخول الجنّة،و إمّا لإيتاء اللّه تعالى،و إمّا ليوم الدّين.

ص: 254

و الإحسان يكون في معاملة الخالق و الخلائق.و قيل:هو قول:لا إله إلاّ اللّه،و لهذا قيل في معنى كلمة التّقوى:إنّها لا إله إلاّ اللّه،و في قوله تعالى: وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللّهِ فصّلت:33،و قوله تعالى: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ الرّحمن:60،هو الإتيان بكلمة لا إله إلاّ اللّه.(4:96)

ابن عاشور :و جملة إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ تعليل لجملة إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ، أي كان ذلك جزاء لهم عن إحسانهم،كما قيل للمشركين: ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ الذّاريات:14،و المحسنون فاعلو الحسنات،و هي الطّاعات.

و فائدة الظّرف في قوله: قَبْلَ ذلِكَ أن يؤتى بالإشارة إلى ما ذكر من الجنّات و العيون،و ما آتاهم ربّهم ممّا لا عين رأت و لا أذن سمعت،و لا خطر على قلب بشر،فيحصل بسبب تلك الإشارة تعظيم شأن المشار إليه،ثمّ يفاد بقوله: قَبْلَ ذلِكَ، أي قبل التّنعّم به أنّهم كانوا محسنين،أي عاملين الحسنات،كما فسّره قوله: كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ الذّاريات:17.

فالمعنى:أنّهم كانوا في الدّنيا مطيعين للّه تعالى، واثقين بوعده و لم يروه.(27:16)

الطّباطبائيّ: و قوله: إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ تعليل لما تقدّمه،أي إنّ حالهم تلك الحال، لأنّهم كانوا قبل ذلك،أي في الدّنيا ذوي إحسان في أعمالهم،أي ذوي أعمال حسنة.(18:368)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(13:509)

مكارم الشّيرازيّ: و الإحسان هنا يحمل معنى وسيعا بحيث يشمل طاعة اللّه و الأعمال الصّالحة الأخر أيضا.و الآيات التّالية تبيّن كيفيّة إحسانهم فتعرض ثلاثة أوصاف من أوصافهم فتقول:أوّلا: كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ... إلخ.(17:80)

فضل اللّه :إحسان الطّاعة في القول و العمل،و في بناء العلاقات و المنهج المتّبع.و لم تكن الطّاعة لديهم حالة طارئة،كما هي الحالات السّريعة الّتي تأتي ثمّ تذهب،بل كانت قضيّة روحيّة يتحرّك بها العقل و الشّعور،لاتّصالهما في عمق الكيان باللّه الواحد الرّحمن الرّحيم.(21:201)

المحسنين

1- ...وَ قُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ. البقرة:58

2- ..وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ. الأعراف:161

راجع«ز ي د-سنزيد»

3- ثُمَّ اتَّقَوْا وَ أَحْسَنُوا وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.

المائدة:93

4- وَ أَحْسِنُوا إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.

البقرة:195

[لاحظ(احسنوا)نصّ الطّبرسيّ و الفخر الرّازيّ]

5- ...مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ.

البقرة:236

ابن عبّاس: واجبا على الموحّدين.(33)

أبو مسلم الأصفهانيّ: من أراد أن يحسن فهذا

ص: 255

حقّه و حكمه و طريقه.(الطّبرسيّ 1:341)

الزّمخشريّ: على الّذين يحسنون إلى المطلّقات بالتّمتيع،و سمّاهم قبل الفعل محسنين كما قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«من قتل قتيلا فله سلبه».(1:374)

الطّبرسيّ: أي واجبا على الّذين يحسنون الطّاعة و يجتنبون المعصية.و إنّما خصّ(المحسنين)بذلك، تشريفا لهم،لا أنّه لا يجب على غيرهم.و دلّ ذلك على وجوب الإحسان على جميعهم،فإنّ على كلّ إنسان أن يكون محسنا،فهو كقوله:(هدى للمتّقين).البقرة:2.

(1:340)

الفخر الرّازيّ: ففي سبب تخصيصه بالذّكر وجوه:

أحدها:أنّ المحسن هو الّذي ينتفع بهذا البيان، كقوله: إِنَّما أَنْتَ مُنْذِرُ مَنْ يَخْشاها النّازعات:45.

و الثّاني:قال أبو مسلم:المعنى أنّ من أراد أن يكون من المحسنين فهذا شأنه و طريقه،و المحسن هو المؤمن، فيكون المعنى أنّ العمل بما ذكرت هو طريق المؤمنين.

و الثّالث: حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ إلى أنفسهم في المسارعة إلى طاعة اللّه تعالى.(6:150)

نحوه النّيسابوريّ(2:291)،و الخازن(1:203).

البيضاويّ: الّذين يحسنون إلى أنفسهم بالمسارعة إلى الامتثال أو إلى المطلّقات بالتّمتيع.و سمّاهم محسنين قبل الفعل للمشارفة،ترغيبا و تحريضا.(1:126)

نحوه الشّربينيّ(1:155)،و أبو السّعود(1:280)، و البروسويّ(1:370)،و شبّر(1:242).

النّسفيّ: على المسلمين.[ثمّ قال مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

و ليس هذا الإحسان هو التّبرّع بما ليس عليه؛إذ هذه المتعة واجبة.(1:121)

الآلوسيّ: (على المحسنين)متعلّق بالنّاصب للمصدر،أو به،أو بمحذوف وقع صفة،و المراد ب(المحسنين):من شأنه الإحسان.[ثمّ قال نحو البيضاويّ](2:154)

مكارم الشّيرازيّ: و لمّا كان لهذه الهديّة:[متاعا] أثر كبير في القضاء على روح الانتقام،و في الحيلولة دون إصابة المرأة بعقد نفسيّة،بسبب فسخ عقد الزّواج،فإنّ الآية تعتبر هذا العمل من باب الإحسان حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ، أي أن يكون ممزوجا بروح الإحسان و الوداعة.

و لا حاجة للقول بأنّ تعبير(المحسنين)لم يأت ليشير إلى أنّ الحكم المذكور ليس إلزاميّا،بل جاء لإثارة المشاعر و العواطف الخيّرة في النّاس،للقيام بهذا الواجب الإلزاميّ.(2:127)

فضل اللّه :الّذين عاشوا الإحسان في حياتهم،فهم يتحرّكون من موقع الإحسان الّذي يتقرّبون به إلى اللّه، في علاقتهم بعباده،بما ألزمهم اللّه به،أو استحبّه لهم من ذلك كلّه.(4:350)

و تمام الكلام في«ح ق ق،و م ت ع»

6- اَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرّاءِ وَ الضَّرّاءِ وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ الْعافِينَ عَنِ النّاسِ وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.

آل عمران:134

ابن عبّاس: إلى المملوكين و الأحرار.(56)

ص: 256

يريد الموحّدين الّذين هذه الخصال فيهم.(الواحديّ 1:493)

الحسن :الإحسان أن يعمّ و لا يخصّ،كالرّيح و الشّمس و المطر.(الثّعلبيّ 3:168)

مقاتل:و من يفعل هذا فقد أحسن،فذلك قوله:

وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. (1:301)

الثّوريّ: الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك، فإنّ الإحسان إلى المحسن مزاجرة كلمة السّوق:خذ، و هات.(الثّعلبيّ 3:168)

السّريّ السّقطيّ: الإحسان:أن يحسن وقت الإمكان،فليس في كلّ وقت يمكنك الإحسان.

(الثّعلبيّ 3:167)

الطّبريّ: إنّ اللّه يحبّ من عمل بهذه الأمور،الّتي وصف أنّه أعدّ للعاملين بها الجنّة،الّتي عرضها السّماوات و الأرض،و العاملون بها هم المحسنون، و إحسانهم هو عملهم بها.(4:93)

عبد الجبّار:و تخصيصه لهم بالذّكر،يدلّ على أنّه تعالى محبّ لإحسانهم،و لو كان إرادته الإساءة كإرادته الإحسان،لكان حال المسيء و المحسن في ذلك سواء.(1:162)

الطّوسيّ: معناه يريد إثابتهم و تنعيمهم.و المحسن يحتمل أمرين:

أحدهما:من هو منعم على غيره،على وجه عار من وجوه القبح.

و يحتمل أن يكون مشتقّا من الأفعال الحسنة الّتي منها الإحسان إلى الغير،و غير ذلك من وجوه الطّاعات و القربات.(2:594)

القشيريّ: الإحسان:أن تعبد اللّه كأنّك تراه،هذا في معاملة الحقّ.و أمّا في معاملة الخلق فالإحسان أن تدع جميع حقّك بالكلّيّة كم كان على من كان،و تقبل منه و لا تقلّده في ذلك منّة.(1:290)

الزّمخشريّ: يجوز أن تكون اللاّم للجنس، فيتناول كلّ محسن،و يدخل تحته هؤلاء المذكورون، و أن تكون للعهد،فتكون إشارة إلى هؤلاء.(1:464)

نحوه البيضاويّ(1:182)،و النّسفيّ(1:183)، و الشّربينيّ(1:247)،و شبّر(1:374).

ابن عطيّة: فعمّ هذه الوجوه و سواها من البرّ، و هذا يدلّك على أنّ الآية في المندوب إليه،أ لا ترى إلى سؤال جبريل عليه السّلام،فقال:ما الإيمان؟ثمّ قال:ما الإسلام؟فذكر له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم المفروضات،ثمّ قال له:

ما الإحسان؟قال:«أن تعبد اللّه كأنّك تراه...»

(1:510)

الطّبرسيّ: أي من فعل ذلك فهو محسن،و اللّه يحبّه بإيجاب الثّواب له.و يحتمل أن يكون الإحسان شرطا مضموما إلى هذه الشّرائط.(1:504)

الفخر الرّازيّ: [مثل الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و اعلم أنّ الإحسان إلى الغير إمّا أن يكون بإيصال النّفع إليه،أو بدفع الضّرر عنه.

أمّا إيصال النّفع إليه فهو المراد بقوله: اَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرّاءِ وَ الضَّرّاءِ آل عمران:134،و يدخل فيه إنفاق العلم؛و ذلك بأن يشتغل بتعليم الجاهلين و هداية الضّالّين،و يدخل فيه إنفاق المال في وجوه

ص: 257

الخيرات و العبادات.

و أمّا دفع الضّرر عن الغير،فهو إمّا في الدّنيا،و هو أن لا يشتغل بمقابلة تلك الإساءة بإساءة أخرى،و هو المراد بكظم الغيظ.

و إمّا في الآخرة و هو أن يبرئ ذمّته عن التّبعات و المطالبات في الآخرة،و هو المراد بقوله تعالى:

وَ الْعافِينَ عَنِ النّاسِ، فصارت هذه الآية من هذا الوجه دالّة على جميع جهات الإحسان إلى الغير.

و لمّا كانت هذه الأمور الثّلاثة مشتركة في كونها إحسانا إلى الغير،ذكر ثوابها،فقال: وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، فإنّ محبّة اللّه للعبد أعمّ درجات الثّواب.

(9:8)

نحوه النّيسابوريّ(4:68)،و الخازن(1:352).

أبو حيّان :[مثل الزّمخشريّ و قال:]

و الأظهر الأوّل،فيعمّ هؤلاء و غيرهم.[ثمّ قال نحو ابن عطيّة و أضاف:]

و المعنى أنّ اللّه يحبّ المحسنين،و هم الّذين يوقعون الأعمال الصّالحة مراقبين اللّه،كأنّهم مشاهدوه.

(3:58)

أبو السّعود :اللاّم إمّا للجنس،و هم داخلون فيه دخولا أوّليّا،و إمّا للعهد،عبّر عنهم ب(المحسنين) إيذانا بأنّ النّعوت المعدودة من باب الإحسان الّذي هو الإتيان بالأعمال،على الوجه اللاّئق الّذي هو حسنها الوصفيّ المستلزم لحسنها الذّاتيّ،و قد فسّره عليه السّلام بقوله:

«أن تعبد اللّه...»و الجملة تذييل يقرّر مضمون ما قبلها.(2:33)

نحوه الآلوسيّ(4:59)،و القاسميّ(4:975).

البروسويّ: الّذين عمّت فواضلهم،و تمّت فضائلهم.[ثمّ أضاف مثل الفخر الرّازيّ](2:94)

رشيد رضا :فالإحسان وصف من أوصاف المتّقين،و لم يعطفه على ما سبقه من الصّفات بل صاغه بهذه الصّيغة تمييزا له،بكونه محبوبا عند اللّه تعالى،لا لمزيد مدح من ذكر من المتّقين المتّصفين بالصّفات السّابقة،و لا مجرّد مدح المحسنين الّذي يدخل في عمومه أولئك المتّقون،كما قيل:فالّذي يظهر لي هو ما أشرت إليه من أنّه وصف رابع.للمتّقين.(4:135)

المراغيّ: الاحسان هنا الإنعام و التّفضّل على غيرك،على وجه لا مذمّة فيه و لا قبح...أي و اللّه يحبّ الّذين يتفضّلون على عباده البائسين،و يواسونهم ببعض ما أنعم اللّه به عليهم،شكرا له على جزيل نعمائه.[ثمّ استشهد بحديث،و أدام نحو الفخر الرّازيّ](4:64)

ابن عاشور :[فسّر الصّفات الثّلاثة المذكورة في الآية ثمّ قال:]و بجماعها يجتمع كمال الإحسان،و لذلك ذيّل اللّه تعالى ذكرها بقوله: وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ، لأنّه دالّ على تقدير أنّهم بهذه الصّفات محسنون،و اللّه يحبّ المحسنين.(3:222)

الطّباطبائيّ: و في قوله: وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ إشارة إلى أنّ ما ذكره من الأوصاف معرّف لهم،و إنّما هو معرّف للمحسنين في جنب النّاس بالإحسان إليهم.

و أمّا في جنب اللّه فمعرّفهم ما في قوله تعالى:

وَ بُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ... الأحقاف:12،بل هذا

ص: 258

الإحسان المذكور في هذه الآيات هو المحتدّ للمذكور في قوله: اَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرّاءِ وَ الضَّرّاءِ الآية،فإنّ الإنفاق و نحوه إذا لم يكن لوجه اللّه لم يكن له منزلة عند اللّه سبحانه،على ما يدلّ عليه قوله تعالى فيما سبق من الآيات: مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا آل عمران:117،و غيره.

و يدلّ على ما ذكرناه قوله تعالى: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا... العنكبوت:69،فإنّ هذا الجهاد هو بذل الجهد، و لا يكون إلاّ فيما يخالف هوى النّفس و مقتضى الطّبع، و لا يكون إلاّ إذا كان عندهم إيمان بأمور يقتضي الجري على مقتضاها،و الثّبات عليها مقاومة بإزاء ما يحبّه طبع الإنسان و يشتهيه نفسه.

و لازمه بحسب القول و الاعتقاد أن يكونوا قائلين:

ربّنا اللّه،و هم مستقيمون عليه،و بحسب العمل أن يقيموا هذا القول بالجهاد في عبادة اللّه فيما بينهم و بين اللّه، و بالإنفاق و حسن العشرة فيما بينهم و بين النّاس، فتحصّل ممّا ذكرنا أنّ الإحسان إتيان الأعمال على وجه الحسن من جهة الاستقامة،و الثّبات على الإيمان باللّه سبحانه.(4:20)

فضل اللّه :قد تكون هذه صفة رابعة،توحي بأنّ العفو وحده لا يكفي في إزالة النّتائج السّلبيّة إزاء الحالة النّفسيّة الّتي أوجدها الغيظ،فلا بدّ من الإحسان لتتحوّل السّلبيّات إلى إيجايبّات.(6:272)

7- ..وَ لا تَزالُ تَطَّلِعُ عَلى خائِنَةٍ مِنْهُمْ إِلاّ قَلِيلاً مِنْهُمْ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ.

المائدة:13

ابن عبّاس: إذا عفوت فأنت محسن.

(الواحديّ 2:168)

نحوه الخازن.(2:23)

الواحديّ: المعافين المتجاوزين.(2:168)

الفخر الرّازيّ: و فيه وجهان:

الأوّل:قال ابن عبّاس:إذا عفوت فأنت محسن، و إذا كنت محسنا فقد أحبّك اللّه.

و الثّاني:أنّ المراد بهؤلاء المحسنين هم المعنيّون بقوله: إِلاّ قَلِيلاً مِنْهُمْ و هم الّذين نقضوا عهد اللّه.

و القول الأوّل أولى،لأنّ صرف قوله: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ على القول الأوّل إلى الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّه هو المأمور في هذه الآية بالعفو و الصّفح،و على القول الثّاني إلى غير الرّسول،و لا شكّ أنّ الأوّل أولى.

(11:188)

البيضاويّ: تعليل للأمر بالصّفح و حثّ عليه، و تنبيه على أنّ العفو عن الكافر الخائن إحسان فضلا عن العفو عن غيره.(1:267)

نحوه الشّربينيّ(1:362)،و أبو السّعود(2:249)، و البروسويّ(2:366)،و شبّر(2:155).

أبو حيّان :و فسّر قوله: يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ:

بالعافين عن النّاس،و بالّذين أحسنوا عملهم بالإيمان.

(3:446)

راجع:«ع ف و-فاعف»

8- وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَ نُوحاً

ص: 259

هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ.

الأنعام:84

ابن عطيّة: وعد من اللّه عزّ و جلّ لمن أحسن في عمله،و ترغيب في الإحسان.(2:316)

الفخر الرّازيّ: [لاحظ«ه د ى-هدينا»]

(13:65)

أبو السّعود :و المراد ب(المحسنين)الجنس، و بمماثلة جزائهم لجزائه عليه السّلام مطلق المشابهة في مقابلة الإحسان بالإحسان،و المكافأة بين الأعمال،و الأجزية من غير بخس،لا المماثلة من كلّ وجه،ضرورة أنّ الجزاء بكثرة الأولاد الأنبياء (1)ممّا اختصّ به إبراهيم عليه السّلام.

و الأقرب أنّ لام(المحسنين)للعهد،و ذلك إشارة إلى مصدر الفعل الّذي بعده،و هو عبارة عمّا أوتي المذكورون من فنون الكرامات،و ما فيه من معنى البعد للإيذان بعلوّ طبقته،و الكاف لتأكيد ما أفاده اسم الإشارة من الفخامة،و محلّها في الأصل النّصب على أنّه نعت لمصدر محذوف.

و أصل التّقدير:و نجزي المحسنين المذكورين جزاء كائنا مثل ذلك الجزاء،فقدّم الفعل لإفادة القصر، و اعتبرت الكاف مقحمة للنّكتة المذكورة،فصار المشار إليه نفس المصدر المؤكّد لا نعتا له،أي و ذلك الجزاء البديع نجزي المحسنين المذكورين،لا جزاء آخر أدنى منه.

و الإظهار في موضع الإضمار للثّناء عليهم بالإحسان الّذي هو عبارة عن الإتيان بالأعمال الحسنة،على الوجه اللاّئق الّذي هو حسنها الوصفيّ المقارن لحسنها الذّاتيّ، و قد فسّره عليه الصّلاة و السّلام بقوله:«أن تعبد اللّه...» و الجملة اعتراض مقرّر لما قبلها.(2:411)

نحوه ملخّصا البروسويّ(3:61)،و الآلوسيّ (7:213).

ابن عاشور : وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ اعتراض بين المتعاطفات،و الواو للحال،أي و كذلك الوهب الّذي وهبنا لإبراهيم و الهدي الّذي هدينا ذرّيّته نجزي المحسنين مثله،أو و كذلك الهدي الّذي هدينا ذرّيّة نوح نجزي المحسنين مثل نوح،فعلم أنّ نوحا أو إبراهيم من المحسنين بطريق الكناية.فأمّا إحسان نوح فيكون مستفادا من هذا الاعتراض،و أمّا إحسان إبراهيم فهو مستفاد ممّا أخبر اللّه به عنه من دعوته قومه،و بذله كلّ الوسع لإقلاعهم عن ضلالهم.

و يجوز أن تكون الإشارة هنا إلى الهدي المأخوذ من قوله:(هدينا)الأوّل و الثّاني،أي و كذلك الهدي العظيم نجزي المحسنين،أي بمثله،فيكون المراد:

ب(المحسنين):أولئك المهديّين من ذرّيّة نوح أو من ذرّيّة إبراهيم.فالمعنى أنّهم أحسنوا،فكان جزاء إحسانهم أن جعلناهم أنبياء.(6:194)

فضل اللّه :و قد قدّم اللّه سبحانه لكلّ نموذج من هؤلاء وصفا خاصّا يتناسب مع طبيعة الدّور الّذي أو كله إليه،فمع النّموذج الأوّل جاءت فقرة وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ في ما تفرضه حركة السّلطةء.

ص: 260


1- كذا،و الصّحيح:أولاد الأنبياء أو الأولاد للأنبياء.

العادلة،و القوّة المسئولة،من إحسان للنّاس في تقديم العدالة لهم،و تقوية ضعفهم...(9:201)

9- ...وَ ادْعُوهُ خَوْفاً وَ طَمَعاً إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ. الأعراف:56

الطّوسيّ: إخبار منه تعالى أنّ رحمته قريبة واصلة إلى المحسن.و الإحسان هو النّفع الّذي يستحقّ به الحمد.

و الإساءة هي الضّرر الّذي يستحقّ به الذّمّ.

و قيل:المراد ب(المحسنين)من يكون أفعاله كلّها حسنة،و هذا لا يقتضيه الظّاهر،بل الّذي يفيده أنّ رحمة اللّه قريب إلى من فعل الإحسان،و ليس فيها أنّها لا تصل إلى من جمع بين الحسن و القبيح،بل ذلك موقوف على الدّليل.(4:456)

نحوه الطّبرسيّ.(2:430)

القشيريّ: يقال:المحسنين عملا و المحسنين أملا، فالأوّل العابدون و الثّاني العاصون.

و يقال:المحسن من كان حاضرا بقلبه غير لاه عن ربّه و لا ناسيا لحقّه.

و يقال:المحسن القائم بما يلزم من الحقوق.

و يقال:المحسن الّذي لم يخرج عن إحسانه بقدر الإمكان،و لو بشطر كلمة.(2:237)

الفخر الرّازيّ: قالت المعتزلة:الآية تدلّ على أنّ رحمة اللّه قريب من المحسنين،فلمّا كان كلّ هذه الماهيّة حصل للمحسنين،وجب أن لا يحصل منها نصيب لغير المحسنين،فوجب أن لا يحصل شيء من رحمة اللّه في حقّ الكافرين،و العفو عن العذاب رحمة،و التّخلّص من النّار بعد الدّخول فيها رحمة،فوجب أن لا يحصل ذلك لمن لم يكن من المحسنين،و العصاة و أصحاب الكبائر ليسوا محسنين،فوجب أن لا يحصل لهم العفو عن العقاب،و أن لا يحصل لهم الخلاص من النّار.

و الجواب:أنّ من آمن باللّه و أقرّ بالتّوحيد و النّبوّة فقد أحسن،بدليل أنّ الصّبيّ إذا بلغ وقت الضّحوة، و آمن باللّه و رسوله و اليوم الآخر،و مات قبل الوصول إلى الظّهر،فقد أجمعت الأمّة على أنّه دخل تحت قوله:

لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى. و معلوم أنّ هذا الشّخص لم يأت بشيء من الطّاعات سوى المعرفة و الإقرار،لأنّه لمّا بلغ بعد الصّبح لم تجب عليه صلاة الصّبح،و لمّا مات قبل الظّهر لم تجب عليه صلاة الظّهر،و ظاهره أنّ سائر العبادات لم تجب عليه؛فثبت أنّه محسن،و ثبت أنّه لم يصدر منه إلاّ المعرفة و الإقرار،فوجب كون هذا القدر إحسانا،فيكون فاعله محسنا.

إذا ثبت هذا فنقول:كلّ من حصل له الإقرار و المعرفة كان من المحسنين،و دلّت هذه الآية على أنّ رحمة اللّه قريب من المحسنين،فوجب بحكم هذه الآية أن تصل إلى صاحب الكبيرة من أهل الصّلاة رحمة اللّه، و حينئذ تنقلب هذه الآية حجّة عليهم.

فإن قالوا:المحسنون هم الّذين أتوا بجميع وجوه الإحسان،فنقول:هذا باطل،لأنّ المحسن من صدر عنه مسمّى الإحسان،و ليس من شرط كونه محسنا أن يكون آتيا بكلّ وجوه الإحسان،كما أنّ العالم:الّذي له العلم و ليس من شرطه أن يحصّل جميع أنواع العلم؛فثبت بهذا أنّ السّؤال الّذي ذكروه ساقط،و أنّ الحقّ ما ذهبنا إليه.

ص: 261

(14:136)

البيضاويّ: ترجيح للطّمع و تنبيه على ما يتوسّل به إلى الإجابة.(1:352)

نحوه الشّربينيّ.(1:482)

أبو السّعود :في كلّ شيء،و من الإحسان في الدّعاء أن يكون مقرونا بالخوف و الطّمع.(2:499)

نحوه الآلوسيّ.(8:141)

الشّوكانيّ: هذا إخبار من اللّه سبحانه بأنّ رحمته قريبة من عباده المحسنين،بأيّ نوع من الأنواع كان إحسانهم.و في هذا ترغيب للعباد إلى الخير و تنشيط لهم،فإنّ قرب هذه الرّحمة الّتي يكون بها الفوز بكلّ مطلب مقصود،لكلّ عبد من عباد اللّه.(2:267)

ابن عاشور :و دلّ قوله: قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ على مقدّر في الكلام،أي و أحسنوا، لأنّهم إذا دعوا خوفا و طمعا فقد تهيّأ لنبذ ما يوجب الخوف،و اكتساب ما يوجب الطّمع،لئلاّ يكون الخوف و الطّمع كاذبين،لأنّ من خاف لا يقدم على الخوف، و من طمع لا يترك طلب المطموع،و يتحقّق ذلك بالإحسان في العمل،و يلزم من الإحسان ترك السّيّئات،فلا جرم تكون رحمة اللّه قريبا منهم،و سكت عن ضدّ المحسنين رفقا بالمؤمنين،و تعريضا بأنّهم لا يظنّ بهم أن يسيئوا فتبعد الرّحمة عنهم.(8:136)

مكارم الشّيرازيّ: و يمكن أن تكون هذه العبارة إحدى شرائط إجابة الدّعاء،يعني إذا كنتم تريدون أن لا تكون أدعيتكم خاوية،و لا تكون مجرّد لقلقة لسان، يجب أن تقرنوه بعمل الخير و الإحسان،لتشملكم الرّحمة الإلهيّة بمعونة ذلك و تثمر دعواتكم.(5:75)

فضل اللّه :الّذين أحسنوا بالرّوح و بالقول و العمل.

(10:147)

و تمام الكلام في:«ر ح م»و«ق ر ب»

10-13- ...إِنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ.

التّوبة:120،و هود:115،و يوسف:56، و يوسف:90 راجع ض ي ع-«لا يضيع»

14- ...نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ.

يوسف:36

ابن عبّاس: إلى أهل السّجن.(197)

إنّه كان يعود المرضى و يداويهم،و يعزّي الحزين.(ابن الجوزيّ 4:223)

الضّحّاك: كان إذا مرض إنسان في السّجن قام عليه،و إذا احتاج جمع له،و إذا ضاق عليه المكان أوسع له.(الطّبريّ 12:216)

قتادة :بلغنا أنّ إحسانه أنّه كان يداوي مريضهم، و يعزّي حزينهم،و يجتهد لربّه.(الطّبريّ 12:216)

الإمام الصّادق عليه السّلام:كان يقوم على المريض و يلتمس المحتاج،و يوسع على المحبوس.

(القمّيّ 1:344)

ابن إسحاق :استفتياه في رؤياهما،و قالا له:

نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، إن فعلت.

(الطّبريّ 12:216)

الفرّاء: من العالمين قد أحسنت العلم.(2:45)

ص: 262

الجبّائيّ: مِنَ الْمُحْسِنِينَ في عبارة الرّؤيا، لأنّه كان يعبّر لغيرهم،فيحسن.(الطّوسيّ 6:139)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في معنى «الإحسان»الّذي وصف به الفتيان يوسف،فقال بعضهم:هو أنّه كان يعود مريضهم،و يعزّي حزينهم، و إذا احتاج منهم إنسان جمع له.

و قال آخرون:معناه إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، إذا نبّأتنا بتأويل رؤيانا هذه...

و أولى الأقوال في ذلك عندنا بالصّواب،القول الّذي ذكرناه عن الضّحّاك و قتادة.

فإن قال قائل:و ما وجه الكلام إن كان الأمر إذا كما قلت،و قد علمت أنّ مسألتهما يوسف أن ينبّئهما بتأويل رؤياهما،ليست من الخبر عن صفته بأنّه يعود المريض و يقوم عليه،و يحسن إلى من احتاج،في شيء.و إنّما يقال للرّجل:«نبّئنا بتأويل هذا فإنّك عالم»،و هذا من المواضع الّتي تحسن بالوصف بالعلم،لا بغيره؟

قيل:إنّ وجه ذلك أنّهما قالا له:نبّئنا بتأويل رؤيانا محسنا إلينا في إخبارك إيّانا بذلك،كما نراك تحسن في سائر أفعالك إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ.

(12:215)

الثّعلبيّ: و قيل:لمّا انتهى يوسف إلى السّجن وجد فيه قوما قد انقطع رجاؤهم،و اشتدّ بلاؤهم و طال حزنهم،فجعل يقول:أبشروا و اصبروا تؤجروا،و إنّ لهذا لأجرا و ثوابا،فقالوا له:يا فتى بارك اللّه فيك،ما أحسن وجهك،و أحسن خلقك،و أحسن حديثك!لقد بورك لنا في جوارك بالحبس،إنّا كنا في غير هذا منذ حبسنا لما تخبرنا به من الأجر و الكفّارة و الطّهارة،فمن أنت يا فتى؟

قال:أنا يوسف بن صفيّ اللّه يعقوب بن ذبيح اللّه إسحاق بن إبراهيم خليل اللّه،فقال له عامل السّجن:يا فتى و اللّه لو استطعت لخلّيت سبيلك،و لكن ما أحسن جوارك و أحسن أخبارك!فكن في أيّ بيوت السّجن شئت.(5:223)

نحوه البغويّ(2:491)،و الخازن(3:231)

الزّجّاج: جاء في التّفسير أنّه كان يعين المظلوم و ينصر الضّعيف،و يعود العليل و قيل: مِنَ الْمُحْسِنِينَ أي ممّن يحسن التّأويل،و هذا دليل أنّ أمر الرّؤيا صحيح،و أنّها لم تزل في الأمم الخالية...

(3:110)

ابن الأنباريّ: [ذكر قول الفرّاء و قال:]

فعلى هذا يكون مفعول الإحسان محذوفا،كما حذف في قوله: وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ يوسف:49،يعني العنب و السّمسم.و إنّما علموا أنّه عالم،لنشره العلم بينهم.

[و قال أيضا]:إنّا نراك محسنا إلى نفسك بلزومك طاعة اللّه.(ابن الجوزيّ 4:224)

الماورديّ: فيه ستّة أقاويل:

أحدها:[قول الضّحّاك]

الثّاني:معناه لأنّه كان يأمرهم بالصّبر،و يعدهم بالثّواب و الأجر.

الثّالث:إنّا نراك ممّن أحسن العلم،حكاه ابن جرير الطّبريّ.

الرّابع:أنّه كان لا يردّ عذر معتذر.

ص: 263

الخامس:أنّه كان يقضي حقّ غيره و لا يقضي حقّ نفسه.

السّادس:[قول ابن إسحاق](3:36)

الطّوسيّ: معناه أنّا نعلمك أو نظنّك ممّن يعرف تأويل الرّؤيا.و من ذلك قول عليّ عليه السّلام:«قيمة كلّ امرئ ما يحسنه»أي ما يعرفه.(6:138)

الزّمخشريّ: من الّذين يحسنون عبارة الرّؤيا،أي يجيدونها.رأياه يقصّ عليه بعض أهل السّجن رؤياه فيؤوّلها له،فقالا له ذلك.

أو من العلماء،لأنّهما سمعاه يذكر للنّاس ما علما به أنّه عالم.أو من المحسنين إلى أهل السّجن،فأحسن إلينا بأن تفرّج عنّا الغمّة بتأويل ما رأينا،إن كانت لك يد في تأويل الرّؤيا.[ثمّ ذكر الأقوال المتقدّمة](2:319)

نحوه البيضاويّ(1:495)،و أبو السّعود(3:393)، و البروسويّ(4:258)،و شبّر ملخّصا(3:277)، و الآلوسيّ(12:239).

ابن عطيّة: قال الجمهور:يريدان في العلم...

و قيل:إنّه أراد إخباره أنّهما يريان له إحسانا عليهما و يدا إذا تأوّل لهما ما رأياه،و نحا إليه ابن إسحاق.(3:244)

نحوه أبو حيّان.(5:308)

الطّبرسيّ: أي تؤثر الإحسان و الأفعال الجميلة.

[ثمّ ذكر الأقوال](2:233)

الفخر الرّازيّ: ما المراد من قوله: إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ ؟ الجواب من وجوه:

الأوّل:معناه إنّا نراك تؤثر الإحسان و تأتي بمكارم الأخلاق،و جميع الأفعال الحميدة.

قيل:إنّه كان يعود مرضاهم،و يؤنس حزينهم، فقالوا:إنّك من المحسنين،أي في حق الشّركاء و الأصحاب.

و قيل:إنّه كان شديد المواظبة على الطّاعات من الصّوم و الصّلاة،فقالوا:إنّك من المحسنين في أمر الدّين، و من كان كذلك فإنّه يوثق بما يقوله في تعبير الرّؤيا،و في سائر الأمور.

و قيل:المراد إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ في علم التّعبير؛و ذلك لأنّه متى عبّر لم يخطئ،كما قال:

وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ. (18:135)

نحوه النّيسابوريّ.(13:5)

رشيد رضا :علّلوا سؤالهم إيّاه عن أمر يهمّهم و يعنيهم دونه،برؤيتهم إيّاه من المحسنين،بمقتضى غريزتهم الّذين يريدون الخير و النّفع للنّاس،و إن لم يكن لهم فيه منفعة خاصّة و لا هوى.

و قيل:(من المحسنين)لتأويل الرّؤى،و ما قالا هذا القول إلاّ بعد أن رأيا من سعة علمه و حسن سيرته مع أهل السّجن ما وجّه إليه وجوههما،و علّق به أملهما.

و هذا من إيجاز القرآن الخاصّ به.(12:304)

ابن عاشور :و هذان الفتيان توسّما من يوسف عليه السّلام كمال العقل و الفهم،فظنّا أنّه يحسن تعبير الرّؤيا و لم يكونا علما منه ذلك من قبل،و قد صادفا الصّواب، و لذلك قالا: إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ، أي المحسنين التّعبير،أو المحسنين الفهم.(12:60)

الطّباطبائيّ: إِنّا نَراكَ... تعليل لسؤالهما التّأويل،و(نراك)أي نعتقدك، مِنَ الْمُحْسِنِينَ لما

ص: 264

نشاهد فيك من سيماهم،و إنّما أقبلا عليه في تأويل رؤياهما لإحسانه،لما يعتقد عامّة النّاس أنّ المحسنين الأبرار ذو و قلوب طاهرة و نفوس زاكية،فهم ينتقلون إلى روابط الأمور و جريان الحوادث انتقالا أحسن و أقرب إلى الرّشد من انتقال غيرهم.(11:171)

فضل اللّه : ...مِنَ الْمُحْسِنِينَ الّذين يحبّون أن يعطوا من مواقع ما يعرفون،فلا يبخلون بالمعرفة على من يحتاج إليها،لأنّ ذلك هو معنى الإحسان الّذي ينطلق من حسّ الخير في الإنسان،تجاه من حوله.

و قد جاء في بعض الكلمات التّفسيريّة عن الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام-في ما روي عنه-في قوله: إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ قال:«كان يقوم على المريض، و يلتمس المحتاج،و يوسّع على المحبوس».و ربّما كانت هذه الأمور و ما يدخل في جوّها الأخلاقيّ،هي الّتي جعلتهما ينجذبان إليه،و ينفتحان عليه هذا الانفتاح الرّوحيّ الّذي يعيش فيه الإنسان جوع المعرفة إلى فكر العارفين.(12:206)

15- قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ. يوسف:78

ابن عبّاس: إن فعلت ذلك(من المحسنين)إلينا.

(201)

نحوه ابن إسحاق.(الطّبريّ 13:31)

الطّبريّ: في أفعالك.(13:31)

و هكذا أكثر التّفاسير

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:[قول ابن إسحاق]

الثّاني:نراك(من المحسنين)فيما كنت تفعله بنا من إكرامنا،و توفية كيلنا و بضاعتنا.

و يحتمل ثالثا:إنّا نراك من العادلين،لأنّ العادل محسن.(3:66)

الفخر الرّازيّ: و فيه وجوه:

أحدها:إنّا نراك من المحسنين لو فعلت ذلك.

و ثانيها:إنّا نراك من المحسنين إلينا حيث أكرمتنا و أعطيتنا البذل الكثير،و حصّلت لنا مطلوبنا على أحسن الوجوه،و رددت إلينا ثمن الطّعام.

و ثالثها:نقل أنّه عليه السّلام لمّا اشتدّ القحط على القوم و لم يجدوا شيئا يشترون به الطّعام،و كانوا يبيعون أنفسهم منه،فصار ذلك سببا لصيرورة أكثر أهل مصر عبيدا له، ثمّ إنّه أعتق الكلّ،فلعلّهم قالوا: إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ إلى عامّة النّاس بالإعتاق،فكن محسنا أيضا إلى هذا الإنسان بإعتاقه من هذه المحنة.

(18:186)

الشّربينيّ: أي العريقين في صفة الإحسان فاجر في أمرنا على عادة إحسانك.(2:128)

أبو السّعود :(...المحسنين)إلينا فأتمم إحسانك بهذه التّتمّة أو المتعوّدين بالإحسان،فلا تغيّر عادتك.

(3:419)

الآلوسيّ: إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ إلينا فأتمّ إحسانك فما الإنعام إلاّ بالإتمام،أو من عادتك الإحسان

ص: 265

مطلقا فاجر على عادتك و لا تغيّرها معنا،فنحن أحقّ النّاس بذلك.فالإحسان على الأوّل خاصّ و على الثّاني عامّ،و الجملة على الوجهين اعتراض تذييليّ على ما ذهب إليه بعض المدقّقين.

و ذهب بعض آخر إلى أنّه إذا أريد بالإحسان الإحسان إليهم،تكون مستأنفة لبيان ما قبل؛إذ أخذ البدل إحسان إليهم.و إذا أريد أنّ عموم ذلك من دأبك و عادتك،تكون مؤكّدة لما قبل،و ذكر أمر عامّ على سبيل التّذييل أنسب بذلك.(13:33)

ابن عاشور :تعليل لإجابة المطلوب لا للطّلب، و التّقدير:فلا تردّ سؤالنا لأنّا نراك من المحسنين،فمثلك لا يصدر منه ما يسوء أبا شيخا كبيرا.(12:103)

الطّباطبائيّ: و في اللّفظ ترقيق و استرحام و إثارة لصفة الفتوّة و الإحسان من العزيز.(11:229)

16- تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ* هُدىً وَ رَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ. لقمان:2،3

ابن عبّاس: المخلصين الموحّدين.(344)

الطّبريّ: و هم الّذين أحسنوا في العمل بما أنزل اللّه في هذا القرآن.(21:60)

و هكذا أكثر التّفاسير،و باختلاف يسير

القشيريّ: هو هدى و بيان،و رحمة و برهان للمحسنين العارفين باللّه،و المقيمين عبادة اللّه كأنّهم ينظرون إلى اللّه.و شرط المحسن أن يكون محسنا إلى عباد اللّه:دانيهم و قاصيهم،و مطيعهم و عاصيهم.(5:127)

الفخر الرّازيّ: قال هناك[البقرة:2]:(للمتّقين) و قال هاهنا:(للمحسنين)لأنّه لمّا ذكر أنّه هدى و لم يذكر شيئا آخر قال:(للمتّقين)أي يهتدي به من يتّقي الشّرك و العناد و التّعصّب،و ينظر فيه من غير عناد.و لمّا زاد هاهنا(رحمة)قال:(للمحسنين)أي المتّقين الشّرك و العناد الآتين بكلمة الإحسان؛فالمحسن هو الآتي بالإيمان،و المتّقي هو التّارك للكفر،كما قال تعالى: إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ و من جانب الكفر كان متّقيا و له الجنّة،و من أتى بحقيقة الإيمان كان محسنا و له الزّيادة،لقوله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ و لأنّه لمّا ذكر أنّه رحمة قال:

(للمحسنين)لأنّ رحمة اللّه قريب من المحسنين.

(25:140)

أبو السّعود :أي العاملين للحسنات،فإن أريد بها مشاهيرها المعهودة في الدّين،فقوله تعالى: اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ لقمان:4،بيان لما عملوها من الحسنات على طريقة قوله:[المنسرح]

الألمعيّ الّذي يظنّ بك الظّنّ

كأن قد رأى و قد سمعا

و إن أريد بها جميع الحسنات فهو تخصيص لهذه الثّلاث بالذّكر من بين سائر شعبها،لإظهار فضلها و إنافتها على غيرها.و تخصيص الوجه الأوّل بصورة كون الموصول صفة للمحسنين و الوجه الأخير بصورة كونه مبتدأ،ممّا لا وجه له.(5:185)

نحوه الآلوسيّ.(21:66)

ص: 266

البروسويّ: أي العاملين للحسنات،و المحسن لا يقع مطلقا إلاّ مدحا للمؤمنين.و في تخصيص كتابه:

بالهدى و الرّحمة للمحسنين،دليل على أنّه ليس يهدي غيرهم.و في«التّأويلات»:المحسن:من يعتصم بحبل القرآن متوجّها إلى اللّه،و لذا فسّر النّبيّ عليه السّلام«الإحسان» حين سأله جبريل ما الإحسان؟قال:«أن تعبد اللّه كأنّك تراه»فمن يكون بهذا الوصف يكون متوجّها إليه حتّى يراه،و لا بدّ للمتوجّه إليه أن يعتصم بحبله و إلاّ فهو منزّه عن الجهات،فلا يتوجّه إليه لجهة من الجهات.[ثمّ ذكر نحو أبي السّعود](7:63)

ابن عاشور :و معنى(المحسنين):الفاعلون للحسنات،و أعلاها الإيمان و إقام الصّلاة و إيتاء الزّكاة، و لذلك خصّت هذه الثّلاث بالذّكر بعد إطلاق (المحسنين)لأنّها أفضل الحسنات،و إن كان المحسنون يأتون بها و بغيرها.(21:89)

عبد الكريم الخطيب :و خصّ المحسنون بالتّزوّد بما في الكتاب من هدى و رحمة،لأنّهم هم الّذين يردون موارده،و ينتفعون بما يقدرون على تحصيله و حمله من هداه و رحمته.أمّا غير المحسنين،و هم الضّالّون و المكذّبون،فإنّهم لن ينالوا شيئا من هدى هذا الكتاب و رحمته،شأن الكتاب في هذا شأن كلّ خير بين أيدي النّاس،لا يناله إلاّ العاملون،الّذين يسعون إليه، و ينقّبون عنه،و يأخذون الوسائل الّتي تمكّنهم منه.فما أكثر الخير المخبوء في كيان الطّبيعة،و ما أقلّ الّذين طرقوا أبوابها،و فتحوا مغالقها،و عرفوا أسرارها.

و المحسنون،هم أهل الإحسان في القول و العمل، و هو إحسان مطلق،يتناول كلّ شيء.فكلّ شيء مهيّأ لأن يلبس ثوبا من القبح أو الحسن.و الإنسان هو الّذي ينسج له الثّوب الّذي يلبسه إيّاه.و هكذا يتنازع النّاس هذين الوجهين من كلّ شيء،فيذهب بعضهم بالحسن الطّيّب من الأشياء،على حين يذهب آخرون بالقبيح الرّذل منها.

و الحسن هو الحسن،في القول و العمل،و في أمور الدّنيا و الدّين جميعا،و لهذا كانت دعوة الإسلام إلى الإحسان دعوة مطلقة،غير محصورة في أمر،أو جملة أمور،بل إنّها دعوة تتناول الأمور كلّها،و تشمل ظاهر الإنسان و باطنه جميعا،و في هذا يقول اللّه تعالى:

وَ أَحْسِنُوا إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ البقرة:195.

و من الإحسان:التّقوى،و هي تجنّب الإساءة؛ و ذلك أنّ من تجنّب السّيّئ من الأمور،فإنّه يكون على إحدى منزلتين:إمّا أن يفعل الحسن،المقابل لهذا السّيّئ الّذي تجنّبه،و هذا هو الأحمد،و الأحسن.و إمّا ألاّ يفعل شيئا،و إن كان بتجنّبه القبيح قد فعل شيئا،و هو تجنّب هذا القبيح،و قد كان من الممكن أن يفعله.و هذا الفعل-و إن كان سلبيّا-هو حسن في ذاته،و حسب الإنسان منه أن يكون قد احتفظ بفطرته على السّلامة و البراءة.

و لا شكّ أنّ هذه منزلة دون المنزلة الأولى،منزلة المحسنين العاملين،حتّى لقد أنكر بعض الحكماء على أهل زمانه أن يكون حظّهم من الإحسان هو ترك القبيح.(11:554)

ص: 267

17-24- ..نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. يوسف:22، القصص:14،الصّافّات:105،110،121،131، المرسلات:44.

[راجع ج ز ي:«نجزي»]

25- ...ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ...

التّوبة:91

راجع:«س ب ل-سبيل».

26- وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ. العنكبوت:69

الإمام عليّ عليه السّلام:ألا و إنّي مخصوص في القرآن بأسماء احذروا أن تغلبوا عليها فتضلّوا في دينكم،أنا المحسن،يقول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ. (الكاشانيّ 4:123)

ابن عبّاس: معين المحسنين بالقول و الفعل، بالتّوفيق و العصمة.(338)

الموحّدين.(الواحديّ 3:426)

الإمام الباقر عليه السّلام:هذه الآية لآل محمّد صلّى اللّه عليه و آله و لأشياعهم.(القمّيّ 2:151)

نزلت فينا أهل البيت.(البحرانيّ 7:425)

زيد بن عليّ: نحن هم.(البحرانيّ 7:425)

مقاتل:لهم في العون لهم.(3:391)

مثله الماورديّ.(4:295)

الطّبريّ: و إنّ اللّه لمع من أحسن من خلقه،فجاهد فيه أهل الشّرك،مصدّقا رسوله فيما جاء به من عند اللّه، بالعون له،و النّصرة على من جاهد من أعدائه.

(21:15)

الزّجّاج: تأويله إنّ اللّه ناصرهم،لأنّ قوله:

وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا، اللّه معهم (1)يدلّ على نصرهم.

و النّصرة تكون في علوّهم على عدوّهم بالغلبة بالحجّة، و الغلبة بالقهر و القدرة.(4:174)

النّحّاس: إنّه ينصرهم.(5:237)

الثّعلبيّ: بالنّصر و المعونة في دنياهم،و بالثّواب و المغفرة في عقباهم.(7:290)

مثله البغويّ(3:568)،و الطّبرسيّ(4:293)، و النّسفيّ(3:265)،و نحوه الخازن(5:166)، و الشّربينيّ(3:155).

الطّوسيّ: أي ناصر الّذين فعلوا الأفعال الحسنة، و يدفع عنهم أعداءهم.(8:226)

الواحديّ: بالنّصرة و العون.(3:426)

مثله ابن الجوزيّ(6:285)،و نحوه البيضاويّ(2:

215)،و أبو السّعود(5:161)،و المشهديّ(7:553)، و القاسميّ(13:4763).

الزّمخشريّ: لناصرهم و معينهم.(3:213)

ابن عطيّة: و باقي الآية وعد،و(مع)تحتمل أن تكون هنا اسما،و لذلك دخلت عليها لام التّأكيد، و يحتمل أن تكون حرفا،و دخلت اللاّم لما فيها من معنى الاستقرار،كما دخلت في«إنّ زيدا لفي الدّار».

(4:326)

الفخر الرّازيّ: إشارة إلى ما قال: لِلَّذِينَ أَحْسَنُواء.

ص: 268


1- كذا،و كأنّه سقط منه شيء.

اَلْحُسْنى وَ زِيادَةٌ يونس:26،فقوله:(لنهدينّهم) إشارة إلى(الحسنى)،و قوله: وَ إِنَّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ إشارة إلى المعيّة و القربة الّتي تكون للمحسن زيادة على حسناته.و فيه وجه آخر حكميّ و هو أن يكون المعنى: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا أي الّذين نظروا في دلائلنا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا أي لنحصّل فيهم العلم بنا.

و لنبيّن هذا فضل بيان،فنقول:أصحابنا المتكلّمون قالوا:إنّ النّظر كالشّرط للعلم الاستدلاليّ،و اللّه يخلق في النّاظر علما عقيب نظره.و وافقهم الفلاسفة على ذلك في المعنى،و قالوا:النّظر معدّ للنّفس لقبول الصّورة المعقولة،و إذا استعدّت النّفس حصل لها العلم من فيض واهب الصّور الجسمانيّة و العقليّة،و على هذا يكون التّرتيب حسنا؛و ذلك لأنّ اللّه تعالى لمّا ذكر الدّلائل و لم تقدهم العلم و الإيمان،قال:إنّهم لم ينظروا فلم يهتدوا و إنّما هو هدى للمتّقين،الّذين يتّقون التّعصّب و العناد فينظرون فيهديهم.

و قوله: وَ إِنَّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ إشارة إلى درجة أعلى من الاستدلال،كأنّه تعالى قال:من النّاس من يكون بعيدا لا يتقرّب و هم الكفّار،و منهم من يتقرّب بالنّظر و السّلوك فيهديهم و يقرّبهم،و منهم من يكون اللّه معه،و يكون قريبا منه،يعلم الأشياء منه و لا يعلمه من الأشياء،و من يكون مع الشّيء كيف يطلبه، فقوله: وَ مَنْ أَظْلَمُ العنكبوت:68،إشارة إلى الأوّل،و قوله: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا إشارة إلى الثّاني،و قوله: وَ إِنَّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ إشارة إلى الثّالث.(25:94)

نحوه النّيسابوريّ.(21:17)

ابن عربيّ: الّذين يعبدون اللّه على المشاهدة،كما قال عليه السّلام:«الإحسان أن تعبد اللّه كأنّك تراه».فالمحسنون السّالكون في الصّفات و المتّصفون بها،لأنّهم يعبدون بالمراقبة و المشاهدة.و إنّما قال:«كأنّك تراه»،لأنّ الرّؤية و الشّهود العينيّ لا يكون إلاّ بالفناء في الذّات بعد الصّفات.(2:253)

القرطبيّ: [مثل ابن عطيّة و أضاف:]

(مع)إذا سكّنت فهي حرف لا غير،و إذا فتحت جاز أن تكون اسما،و أن تكون حرفا.و الأكثر أن تكون حرفا جاء لمعنى،و تقدّم معنى الإحسان و المحسنين في «البقرة»و غيرها.

و هو معهم بالنّصرة و المعونة،و الحفظ و الهداية،و مع الجميع بالإحاطة و القدرة،فبين المعيّتين بون.

(13:365)

السّمين:من إقامة الظّاهر مقام المضمر إظهارا لشرفهم.(5:369)

البروسويّ: بمعيّة النّصرة و الإعانة و العصمة في الدّنيا،و الثّواب و المغفرة في العقبى.و في«التّأويلات النّجميّة»:لمع المحسنين الّذين يعبدون اللّه كأنّهم يرونه.(6:498)

الشّوكانيّ: بالنّصر و العون،و من كان معه لم يخذل.[ثمّ أضاف نحو ابن عطيّة](4:266)

الآلوسيّ: معيّة النّصرة و المعونة،و تقدّم الجهاد المحتاج لهما قرينة قويّة على إرادة ذلك.

ص: 269

و قال العلاّمة الطّيّبيّ: إنّ قوله تعالى: لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ قد طابق قوله سبحانه:(جاهدوا)لفظا و معنى،أمّا اللّفظ فمن حيث الإطلاق في المجاهد و المعيّة.

و أمّا المعنى فالمجاهد للأعداء يفتقر إلى ناصر و معين.ثمّ إنّ جملة قوله عزّ و جلّ: إِنَّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ تذييل للآية،مؤكّد بكلمتي التّوكيد،محلّى باسم الذّات،ليؤذن بأنّ من جاهد بكلّيّته و شراشره (1)في ذاته جلّ و علا، تجلّى له الرّبّ عزّ اسمه الجامع في صفة النّصرة و الإعانة تجلّيا تامّا.ثمّ إنّ هذه خاتمة شريفة للسّورة،لأنّها مجاوبة لمفتتحها ناظرة إلى فريدة قلادتها أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ العنكبوت:2، لامحة إلى واسطة عقدها يا عِبادِيَ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ أَرْضِي واسِعَةٌ فَإِيّايَ فَاعْبُدُونِ العنكبوت:56،و هي في نفسها جامعة فاذّة (2)،انتهى.

و(أل)في(المحسنين)يحتمل أن تكون للعهد، فالمراد ب(المحسنين):الّذين جاهدوا،و وجه إقامة الظّاهر مقام الضّمير ظاهر،و إلى ذلك ذهب الجمهور.

و يحتمل أن تكون للجنس،فالمراد بهم مطلق جنس من أتى بالأفعال الحسنة،و يدخل أولئك دخولا أوّليّا برهانيّا.

و قد روي عن ابن عبّاس أنّه فسّر(المحسنين) بالموحّدين،و فيه تأييد ما للاحتمال الثّاني،و اللّه تعالى أعلم.(21:15)

المراغيّ: أي و إنّ اللّه ذا الرّحمة لمع من أحسن من خلقه،فجاهد أهل الشّرك مصدّقا رسوله فيما جاء به من عند ربّه بالمعونة و النّصرة على من جاهد من أعدائه و بالمغفرة و الثّواب في العقبى.(21:24).

ابن عاشور :و المراد ب(المحسنين):جميع الّذين كانوا محسنين،أي كان عمل الحسنات شعارهم و هو عامّ.و فيه تنويه بالمؤمنين بأنّهم في عداد من مضى من الأنبياء و الصّالحين.و هذا أوقع في إثبات الفوز لهم ممّا لو قيل:فأولئك المحسنون،لأنّ في التّمثيل بالأمور المقرّرة المشهورة تقريرا للمعاني،و لذلك جاء في تعليم الصّلاة على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قوله:«كما صلّيت على إبراهيم و على آل إبراهيم».

و المعيّة:هنا مجاز في العناية و الاهتمام بهم،و الجملة في معنى التّذييل بما فيها من معنى العموم.و إنّما جيء بها معطوفة،للدّلالة على أنّ المهمّ من سوقها هو ما تضمّنته من أحوال المؤمنين،فعطفت على حالتهم الأخرى، و أفادت التّذييل بعموم حكمها.(20:207)

الطّباطبائيّ: قيل:أي معيّة النّصرة و المعونة، و تقدّم الجهاد المحتاج إليهما قرينة قويّة على إرادة ذلك.

انتهى.

و هو وجه حسن و أحسن منه أن يفسّر بمعيّة الرّحمة و العناية،فيشمل معيّة النّصرة و المعونة و غيرهما من أقسام العنايات الّتي له سبحانه بالمحسنين من عباده، لكمال عنايته بهم و شمول رحمته لهم.و هذه المعيّة أخصّ من معيّة الوجود الّذي ينبئ عنه قوله تعالى: وَ هُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ ما كُنْتُمْ الحديد:4.(16:152)

عبد الكريم الخطيب :تطمين لقلوب المؤمنين،ا.

ص: 270


1- :النّفس و جميع الجسد.
2- :منفردة في معناها.

و إشعار لهم بأنّ اللّه معهم،بعزّته و قوّته،و سلطانه.و من كان اللّه معه،فهو في أمان من أن يذلّ أو يهون أُولئِكَ حِزْبُ اللّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ المجادلة:22.

و في وصف المجاهدين في سبيل اللّه بأنّهم محسنون، إشارة إلى أنّ الجهاد في جميع صوره هو إحسان،و أنّ المجاهد محسن،لأنّه يأخذ طريق الإحسان،و يسلك مسالكه.على حين أنّ غير المجاهد مسيء،لأنّه يركب مراكب الضّلال،و يهيم في أودية الباطل.

فحيثما كان الإنسان مع اللّه سبحانه و تعالى،فهو في جهاد.فإذا قهر المرء أهواء نفسه،و وساوس شيطانه فهو مع اللّه،و في جهاد في اللّه.و إذا انتصر الإنسان لمظلوم، فهو مع اللّه و على جهاد في سبيل اللّه.و إذا قال المرء كلمة الحقّ،و ردّ بها باطلا،و سفّه بها ضلالا،فهو مع اللّه،و في جهاد في اللّه.و إذا حمل المرء سلاحه،و دخل الحرب تحت راية المجاهدين فهو مع اللّه،و في جهاد في اللّه.

إنّ سبل الجهاد كثيرة،و ميادينه متعدّدة:بالقول، و بالعمل،باللّسان و بالسّيف.و لعلّ هذا هو السّرّ في جمع السّبيل في قوله تعالى: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا، فهناك أكثر من سبيل يصل به المؤمن إلى اللّه، لأنّها جميعها قائمة على الحقّ،و العدل،و الإحسان.

(11:471)

طه الدّرّة:بالعون و الرّعاية و التّوفيق و الهداية، و مع جميع النّاس:بالعلم و القدرة و الإحاطة.فبين المعيّتين بون.و مع المحسنين بالنّصرة و المعونة في الدّنيا، و بالثّواب و المغفرة في العقبى.و اللّه أعلم بمراده و أسرار كتابه.(11:43)

مكارم الشّيرازيّ: النّاس ثلاثة أصناف:فصنف لجوج معاند لا تنفعه أيّة هداية،و صنف مجدّ دءوب مخلص،و هذا الصّنف يصل إلى الحقّ،و صنف ثالث أعلى من الصّنف الثّاني،فهذا الصّنف ليس بعيدا حتّى يقترب من الحقّ،و لا منفصلا عنه حتّى يتّصل به،لأنّه معه أبدا.

فالآية قبلها وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى العنكبوت:

68 إشارة إلى الصّنف الأوّل.

و وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا إشارة إلى الصّنف الثّاني.

و إِنَّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ إشارة إلى الصّنف الثّالث.

و يستفاد-ضمنا-من هذا التّعبير أنّ مقام المحسنين أسمى من مقام المجاهدين،لأنّ المحسنين إضافة إلى جهادهم في سبيل اللّه لنجاة أنفسهم،فهم مؤثرون غيرهم على أنفسهم،و يحسنون إلى الآخرين،و يسعون لإعانتهم.(12:418)

فضل اللّه :الّذين أحسنوا العقيدة،فكانت عقيدة الحقّ،و أحسنوا العمل،فكان العمل الصّالح،إنّ اللّه مع هؤلاء في رعايته لهم،و نصرته لمواقعهم و مواقفهم، و تأييده و تسديده لكلّ خطواتهم في الحياة،لأنّ اللّه قريب من كلّ الّذين ينطلقون في مبادئهم و في أقوالهم و أعمالهم،ليتقرّبوا بذلك إليه،لأنّه يحبّ المحسنين،و تلك هي غاية الإنسان في حياته،و سعادته في مصيره.

(18:91)

27- أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ. الزّمر:58

ص: 271

راجع ك ر ر-«كرّة»

احسان

1- ...فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ...

البقرة:178

[راجع أ د و-ي:«اداء»]

2- اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ... البقرة:229

راجع«س ر ح-تسريح»

3- وَ السّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ... التّوبة:100

ابن عبّاس: بأداء الفرائض و اجتناب المعاصي إلى يوم القيامة رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ بإحسانهم.(165)

يريد،يذكرون المهاجرين و الأنصار بالجنّة و الرّحمة و الدّعاء لهم،و يذكرون محاسنهم.

[و في رواية]على دينهم إلى يوم القيامة.

(الفخر الرّازيّ 16:172)

نحوه عطاء.(ابن الجوزيّ 3:491)

ابن الجوزيّ: من قال:إنّ السّابقين جميع الصّحابة،جعل هؤلاء تابعي الصّحابة،و هم الّذين لم يصحبوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

و من قال:هم المتقدّمون من الصّحابة،قال:هؤلاء تبعوهم في طريقهم،و اقتدوا بهم في أفعالهم،ففضل أولئك بالسّبق،و إن كانت الصّحبة حاصلة للكلّ.

(3:491)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ الآية دلّت على أنّ من اتّبعهم إنّما يستحقّون الرّضوان و الثّواب،بشرط كونهم متّبعين لهم بإحسان،و فسّرنا هذا الإحسان بإحسان القول فيهم،و الحكم المشروط بشرط ينتفي عند انتفاء ذلك الشّرط.فوجب أنّ من لم يحسن القول في المهاجرين و الأنصار لا يكون مستحقّا للرّضوان من اللّه تعالى،و أن لا يكون من أهل الثّواب لهذا السّبب،فإنّ أهل الدّين يبالغون في تعظيم أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و لا يطلقون ألسنتهم في اغتيابهم،و ذكرهم بما لا ينبغي.(16:172)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ.(11:13)

القرطبيّ: و بيّن تعالى بقوله:(باحسان)ما يتّبعون فيه من أفعالهم و أقوالهم،لا فيما صدر عنهم من الهفوات و الزّلاّت؛إذ لم يكونوا معصومين.(8:238)

البيضاويّ: اللاّحقون بالسّابقين من القبيلتين،أو من الّذين اتّبعوهم بالإيمان و الطّاعة إلى يوم القيامة.

(1:430)

مثله المشهديّ.(4:261)

الشّربينيّ: وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ أي الفريقين إلى يوم القيامة(باحسان)أي في اتّباعهم،فلم يحولوا عن شيء من طريقتهم.و قال عطاء:هم الّذين يذكرون المهاجرين و الأنصار و يترحّمون عليهم و يدعون لهم و يذكرون محاسنهم.و قيل:بقيّة المهاجرين و الأنصار سوى السّابقين الأوّلين.(1:645)

أبو السّعود :أي ملتبسين به،و المراد به كلّ خصلة حسنة،و هم اللاّحقون بالسّابقين من الفريقين،على أنّ (من)تبعيضيّة.أو الّذين اتّبعوهم بالإيمان و الطّاعة إلى يوم القيامة،فالمراد بالسّابقين:جميع المهاجرين

ص: 272

و الأنصار،و(من)بيانيّة.(3:185)

نحوه البروسويّ(3:491)،و الآلوسيّ(11:7).

رشيد رضا :الّذين اتّبعوا هؤلاء السّابقين الأوّلين من المهاجرين و الأنصار في الهجرة و النّصرة اتّباعا بإحسان،أو محسنين في الأفعال و الأقوال،فتضمّن هذا القيد الشّهادة للسّابقين بكمال الإحسان،لأنّهم صاروا فيه أئمّة متبوعين،و خرج به من اتّبعوهم في ظاهر الإسلام مسيئين غير محسنين في هذا الاتّباع و هم المنافقون،و من اتّبعوهم محسنين في بعض الأعمال و مسيئين في بعض و هم المذنبون،و الآيات الآتية مبيّنة حال الفريقين.(11:14)

ابن عاشور :هو العمل الصّالح،و«الباء» للملابسة.و إنّما قيّد هذا الفريق خاصّة،لأنّ السّابقين الأوّلين ما بعثهم على الإيمان إلاّ الإخلاص،فهم محسنون.

و أمّا الّذين اتّبعوهم فمن بينهم من آمن اعتزازا بالمسلمين،حين صاروا أكثر أهل المدينة،فمنهم من آمن،و في إيمانه ضعف و تردّد،مثل المؤلّفة قلوبهم،فربّما نزل بهم إلى النّفاق و ربّما ارتقى بهم إلى الإيمان الكامل، و هم المذكورون مع المنافقين في قوله تعالى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ الأحزاب:60، فإذا بلغوا رتبة الإحسان دخلوا في وعد الرّضى من اللّه و إعداد الجنّات.(10:192)

الطّباطبائيّ: وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ قيّد فيه اتّباعهم بإحسان،و لم يرد الاتّباع في الإحسان بأن يكون المتبوعون محسنين ثمّ يتبعهم التّابعون في إحسانهم و يقتدوا بهم فيه-على أن يكون الباء بمعنى في-و لم يرد الاتّباع بواسطة الإحسان-على أن يكون الباء للسّببيّة أو الآليّة-بل جيء بالإحسان منكّرا،و الأنسب له كون «الباء»بمعنى المصاحبة،فالمراد أن يكون الاتّباع مقارنا لنوع ما من الإحسان مصاحبا له،و بعبارة أخرى يكون الإحسان وصفا للاتّباع.

و إنّا نجده تعالى في كتابه لا يذمّ من الاتّباع إلاّ ما كان عن جهل و هوى،كاتّباع المشركين آباءهم،و اتّباع أهل الكتاب أحبارهم و رهبانهم و أسلافهم عن هوى و اتّباع الهوى و اتّباع الشّيطان.فمن اتّبع شيئا من هؤلاء فقد أساء في الاتّباع،و من اتّبع الحقّ لا لهوى متعلّق بالأشخاص و غيرهم فقد أحسن في الاتّباع،قال تعالى:

اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللّهُ الزّمر:18،و من الإحسان في الاتّباع كمال مطابقة عمل التّابع لعمل المتبوع،و يقابله الإساءة فيه.

فالظّاهر أنّ المراد ب اَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ أن يتّبعوهم بنوع من الإحسان في الاتّباع،و هو أن يكون الاتّباع بالحقّ-و هو اتّباعهم لكون الحقّ معهم-و يرجع إلى اتّباع الحقّ بالحقيقة بخلاف اتّباعهم لهوى فيهم أو في اتّباعهم،و كذا مراقبة التّطابق.

هذا ما يظهر من معنى الاتّباع بإحسان،و أمّا ما ذكروه من أنّ المراد:كون الاتّباع مقارنا لإحسان في المتّبع عملا،بأن يأتي بالأعمال الصّالحة و الأفعال الحسنة،فهو لا يلائم كلّ الملائمة التّنكير الدّالّ على النّوع في الإحسان،و على تقدير التّسليم:لا مفرّ فيه من التّقييد بما ذكرنا،فإنّ الاتّباع للحقّ و في الحقّ يستلزم

ص: 273

الإتيان بالأعمال الحسنة الصّالحة دون العكس،و هو ظاهر.(9:373)

عبد الكريم الخطيب :(باحسان)هو قيد مؤكّد يكشف عن الإحسان الّذي يكون من متابعة السّابقين الأوّلين من المهاجرين و الأنصار،و التّأسّي بهم.

فمتابعتهم هي إحسان،و(باحسان)هو توكيد لهذا الإحسان الّذي تنطوي عليه المتابعة،و هذا يعني أنّ ما كان من السّابقين من المهاجرين و الأنصار،هو إحسان كلّه،فمن تابعهم،و تأسّ بهم على ما كانوا عليه،فهو محسن كلّ الإحسان.(6:881)

مكارم الشّيرازيّ: الثّالث[من اقسام المخلصين:] الّذين جاءوا بعد هذين القسمين،و اتّبعوا خطواتهم و مناهجهم،و بفعلهم أعمال الخير،و قبولهم الإسلام و الهجرة،و نصرتهم لدين النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فإنّهم ارتبطوا بهؤلاء السّابقين وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ.

ممّا قلناه يتبيّن أنّ المقصود من(باحسان)في الحقيقة،هو بيان الأعمال و المعتقدات الّتي يتّبع فيها هؤلاء السّابقون إلى الإسلام،و بتعبير آخر فإنّ (احسان)وصف لبرامجهم الّتي تتّبع.

و قد احتمل أيضا في معنى الآية أنّ(احسان)بيان لكيفيّة المتابعة،أي أنّ هؤلاء يتّبعونهم بالصّورة اللاّئقة و المناسبة.ففي الصّورة الأولى«الباء»في(باحسان)بمعنى «في»و في الصّورة الثّانية بمعنى«مع»،إلاّ أنّ ظاهر الآية مطابق للتّفسير الأوّل.[إلى أن قال بعد ذكر التّابعين:] و لكن مفهوم الآية كما قلنا قبل قليل من النّاحية اللّغويّة، و لا ينحصر بهذه المجموعة و لا يختصّ بها،بل إنّ تعبير «التّابعين بإحسان»يشمل كلّ الفئات و المجموعات الّتي اتّبعت برامج و أهداف الطّلائع الإسلاميّة،و السّابقون إلى الإسلام في كلّ عصر و زمان.

و توضيح ذلك أنّه على خلاف ما يعتقده البعض من أنّ الهجرة و النّصرة-اللّتين هما من المفاهيم الإسلاميّة البنّاءة-مختصّان بعصر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فإنّهما في الواقع توجدان في كلّ عصر-و حتّى في عصرنا الحاضر و لكن بأشكال أخرى،و على هذا فإنّ كلّ الأفراد الّذين يسيرون في هذا المسير-مسير الهجرة و النّصرة- داخلون تحت هذين المفهومين.

إذن،المهمّ أن نعلم أنّ القرآن الكريم بذكره كلمة (احسان)يؤكّد أنّ اتّباع خطّ السّابقين إلى الإسلام، و السّير في طريقهم يجب أن لا يبقى في حدود الكلام و الادّعاء،بل و حتّى مجرّد الإيمان الخالي من العمل،بل يجب أن تكون هذه المتابعة أو الاتّباع اتّباعا فكريّا و عمليّا،و في كلّ الجوانب.(6:172)

فضل اللّه :فساروا على الطّريق نفسه المنطلق إلى اللّه،و أحسنوا الإيمان و العمل،من حيث أحسن الأوّلون.

(11:169)

الاحسان
اشارة

1- إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى...

النّحل:90

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:جماع التّقوى في قوله: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ. (العروسيّ 3:78)

الإمام عليّ عليه السّلام:[في حديث]:«...العدل:

ص: 274

الإنصاف،و الإحسان:التّفضّل».(الآلوسيّ 14:217)

ابن عبّاس: (بالعدل):بالتّوحيد،(و الاحسان):

بأداء الفرائض.(229)

(العدل):مصطلح الأنداد،(و الاحسان):أن تعبد اللّه كأنّك تراه.(الثّعلبيّ 6:37)

(العدل):شهادة«أن لا إله الاّ اللّه»(و الاحسان):

أداء الفرائض.(الواحديّ 3:79)

الإخلاص في التّوحيد.(البغويّ 3:92)

العفو.(ابن الجوزيّ 4:483)

الشّعبيّ: قال عيسى ابن مريم عليه الصّلاة و السّلام:«إنّما الإحسان أن تحسن إلى من أساء إليك ليس الإحسان أن تحسن إلى من أحسن إليك».

(الآلوسيّ 14:217)

مقاتل:ب(العدل):بالتّوحيد،و(الإحسان):يعني العفو عن النّاس.(2:483)

الثّوريّ: (العدل)هاهنا:استواء السّريرة و العلانية في العمل للّه.(و الاحسان):أن تكون سريرته أحسن من علانيته.(الماورديّ 3:209)

الطّبريّ: إنّ اللّه يأمر في هذا الكتاب الّذي أنزله إليك يا محمّد بالعدل،و هو الإنصاف،و من الإنصاف:

الإقرار بمن أنعم علينا بنعمته،و الشّكر له على أفضاله، و تولّي الحمد أهله.و إذا كان ذلك هو العدل،و لم يكن للأوثان و الأصنام عندنا يد تستحقّ الحمد عليها،كان جهلا بنا حمدها و عبادتها،و هي لا تنعم فتشكر،و لا تنفع فتعبد،فلزمنا أن نشهد«أن لا إله إلاّ اللّه وحده لا شريك له»و لذلك قال من قال:العدل في هذا الموضع:

شهادة«أن لا إله إلاّ اللّه».

و قوله:(و الاحسان)فإنّ الإحسان الّذي أمر به تعالى ذكره،مع(العدل)الّذي وصفنا صفته:الصّبر للّه على طاعته فيما أمر و نهى،في الشّدّة و الرّخاء،و المكره و المنشط،و ذلك هو أداء فرائضه.(14:162)

النّقّاش:يقال:زكاة العدل الإحسان.

(ابن عطيّة 3:416)

الثّعلبيّ: (بالعدل)يعني بالإنصاف(و الاحسان) إلى النّاس.[إلى أن قال:]

و قيل:العدل في الأفعال و الإحسان في الأقوال، كقوله: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً البقرة:83.(6:37)

الماورديّ: في تأويل هذه الآية ثلاثة أقاويل:

أحدها:أنّ العدل:«شهادة أن لا إله إلاّ اللّه»، و الإحسان:الصّبر على أمره و نهيه و طاعة اللّه في سرّه و جهره.

الثّاني:أنّ العدل:القضاء بالحقّ،و الإحسان:

التّفضّل بالإنعام...

الثّالث:[قول الثّوريّ](3:209)

الطّوسيّ: (بالعدل)يعني الإنصاف بين الخلق، و فعل ما يجب على المكلّف،و(الاحسان)إلى الغير، و معناه:يأمركم بالإحسان.فالأمر بالأوّل على وجه الإيجاب،و بالإحسان على وجه النّدب،و في ذلك دلالة على أنّ الأمر يكون أمرا بالمندوب (1)إليه دون الواجب.

(6:418)

القشيريّ: [طوّل الكلام في«العدل»ثمّ قال:]و.

ص: 275


1- و في الأصل:بالنّدوب إليه،و هو سهو.

و أمّا(الاحسان)فيكون بمعنى العلم-و العلم مأمور به-أي العلم بحدوث نفسه،و إثبات محدثه بصفات جلاله،ثمّ العلم بالأمور الدّينيّة على حسب مراتبها.

و أمّا(الاحسان)في الفعل فالحسن منه ما أمر اللّه به، و أذن لنا فيه،و حكم بمدح فاعله.

و يقال:(الاحسان)أن تقوم بكلّ حقّ وجب عليك حتّى لو كان لطير في ملكك،فلا تقصّر في شأنه.

و يقال:أن تقضي ما عليك من الحقوق،و ألاّ تقتضي لك حقّا من أحد.

و يقال:(الاحسان)أن تترك كلّ مالك عند أحد، فأمّا غير ذلك فلا يكون إحسانا.و جاء في الخبر:

«الإحسان»أن تعبد اللّه كأنّك تراه»و هذه حال المشاهدة الّتي أشار إليها القوم.(3:315)

الواحديّ: يعني ب(العدل)في الأفعال(و الاحسان) في الأقوال،فلا يفعل إلاّ ما هو عدل،و لا يقول إلاّ ما هو حسن.(3:79)

البغويّ: [مثل الثّعلبيّ ثمّ ذكر قول ابن عبّاس و قال:]

و ذلك معنى قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«الإحسان:أن تعبد اللّه كأنّك تراه».(3:92)

الزّمخشريّ: (العدل)هو الواجب،لأنّ اللّه تعالى عدل فيه على عباده،فجعل ما فرضه عليهم واقعا تحت طاقتهم(و الاحسان):النّدب،و إنّما علّق أمره بهما جميعا، لأنّ الفرض لا بدّ من أن يقع فيه تفريط فيجبره النّدب.

(2:424)

ابن عطيّة: (العدل)هو فعل كلّ مفروض من عقائد و شرائع و سير مع النّاس في أداء الأمانات،و ترك الظّلم،و الإنصاف و إعطاء الحقّ؛(و الاحسان)هو فعل كلّ مندوب إليه.فمن الأشياء ما هو كلّه مندوب إليه، و منها ما هو فرض،إلاّ أنّ حدّ الإجزاء منه داخل في العدل،و التّكميل الزّائد على حدّ الإجزاء داخل في الإحسان.

و قال ابن عبّاس فيما حكى الطّبريّ: «(العدل):لا إله إلاّ اللّه و(الإحسان):أداء الفرائض».

و في هذا القسم الأخير نظر،لأنّ أداء الفرائض هي الإسلام حسبما فسّره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في حديث سؤال جبريل عليه السّلام؛و ذلك هو العدل،و إنّما(الاحسان) التّكميلات و المندوب إليه،حسبما يقتضيه تفسير النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،أنّه في حديث سؤال جبريل عليه السّلام بقوله:«أن تعبد اللّه كأنّك تراه...».فإن صحّ هذا عن ابن عبّاس، فإنّما أراد أداء الفرائض مكمّلة.(3:416)

ابن العربيّ: (الاحسان)،و هو في العلم و العمل:

فأمّا في العلم فبأن تعرف حدوث نفسك و نقصها، و وجوب الأوّليّة (1)لخالقها و كماله.

و أمّا الإحسان في العمل فالحسن ما أمر اللّه به،حتّى أنّ الطّائر في سجنك،و السّنّور في دارك،لا ينبغي أن تقصّر في تعهّده،فقد ثبت في«الصّحيح»عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

أنّ امرأة دخلت النّار في هرّة حبستها لا هي سقتها و لا أطعمتها،و لا أرسلتها تأكل من خشاش الأرض.

و يقال:الإحسان:ألاّ تترك لأحد حقّا،و لا تستوفي مالك.و قد قال جبريل للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«ما الإحسان؟قال:ة.

ص: 276


1- في الهامش:الإلهيّة.

أن تعبد اللّه كأنّك تراه...».و هذا إشارة إلى ما تعتقده الصّوفيّة من مشاهدة الحقّ في كلّ حال،و اليقين بأنّه مطّلع عليك،فليس من الأدب أن تعصي مولاك بحيث يراك.(3:1172)

الطّبرسيّ: (بالعدل)و هو الإنصاف بين الخلق و التّعامل بالاعتدال الّذي ليس فيه ميل و لا عوج.

(و الاحسان)إلى النّاس و هو التّفضّل.و لفظ الإحسان جامع لكلّ خير،و الأغلب عليه استعماله في التّبرّع بإيتاء المال و بذل السّعي الجميل...

و قيل:(العدل)أن ينصف و ينتصف،(و الاحسان) أن ينصف و لا ينتصف.(3:380)

الفخر الرّازيّ: [ذكر الأقوال المتقدّمة ثمّ قال:]

و اعلم أنّ المأمورات كثرة،و في المنهيّات أيضا كثرة،و إنّما حسن تفسير لفظ معيّن لشيء معيّن إذا حصل بين ذلك اللّفظ و بين ذلك المعنى مناسبة،أمّا إذا لم تحصل هذه الحالة كان ذلك التّفسير فاسدا.فإذا فسّرنا العدل بشيء و الإحسان بشيء آخر،وجب أن نبيّن أن لفظ العدل يناسب ذلك المعنى،و لفظ الإحسان يناسب هذا المعنى،فلمّا لم نبيّن هذا المعنى كان ذلك مجرّد التّحكّم، و لم يكن جعل بعض تلك المعنى تفسيرا لبعض تلك الألفاظ أولى من العكس؛فثبت أنّ هذه الوجوه الّتي ذكرناها ليست قويّة في تفسير هذه الآية.

و أقول:ظاهر هذه الآية،يدلّ على أنّه تعالى أمر بثلاثة أشياء،و هي:العدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى،و نهى عن ثلاثة أشياء،و هي:الفحشاء و المنكر و البغي؛فوجب أن يكون العدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى ثلاثة أشياء متغايرة،و وجب أن تكون الفحشاء و المنكر و البغي ثلاثة أشياء متغايرة،لأنّ العطف يوجب المغايرة.[ثمّ شرح معنى العدل إلى أن قال:]

و أمّا(الاحسان)فاعلم أنّ الزّيادة على العدل قد تكون إحسانا و قد تكون إساءة،مثاله أنّ العدل في الطّاعات هو أداء الواجبات،أمّا الزّيادة على الواجبات فهي أيضا طاعات؛و ذلك من باب الإحسان.و بالجملة فالمبالغة في أداء الطّاعات بحسب الكمّيّة و بحسب الكيفيّة هو الإحسان،و الدّليل عليه:أنّ جبريل لمّا سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عن الإحسان قال:«الإحسان:أن تعبد اللّه كأنّك...».

فإن قالوا:لم سمّي هذا المعنى بالإحسان؟

قلنا:كأنّه بالمبالغة في الطّاعة يحسن إلى نفسه و يوصل الخير و الفعل الحسن إلى نفسه،و الحاصل أنّ (العدل)عبارة عن القدر الواجب من الخيرات، و(الاحسان)عبارة عن الزّيادة في تلك الطّاعات بحسب الكمّيّة و بحسب الكيفيّة،و بحسب الدّواعي و الصّوارف،و بحسب الاستغراق في شهود مقامات العبوديّة و الرّبوبيّة،فهذا هو الإحسان.

(20:101-104)

القرطبيّ: [نقل الأقوال في معنى العدل ثمّ قال:]

و أمّا(الاحسان)فقد قال علماؤنا:الإحسان مصدر أحسن يحسن إحسانا.و يقال على معنيين:

أحدهما متعدّ بنفسه،كقولك:أحسنت كذا،أي حسّنته و كمّلته،و هو منقول بالهمزة من حسن الشّيء.

و ثانيهما متعدّ بحرف جرّ،كقولك:أحسنت إلى

ص: 277

فلان،أي أوصلت إليه ما ينتفع به.

قلت:و هو في هذه الآية مراد بالمعنيين معا،فإنّه تعالى يحبّ من خلقه إحسان بعضهم إلى بعض،حتّى أنّ الطّائر في سجنك و السّنّور في دارك لا ينبغي أن تقصّر تعهّده بإحسانك،و هو تعالى غنيّ عن إحسانهم،و منه الإحسان و النّعم و الفضل و المنن.

و هو في حديث جبريل بالمعنى الأوّل لا بالثّاني،فإنّ المعنى الأوّل راجع إلى إتقان العبادة و مراعاتها بأدائها المصحّحة المكمّلة،و مراقبة الحقّ فيها،و استحضار عظمته و جلاله حالة الشّروع و حالة الاستمرار،و هو المراد بقوله:«أن تعبد اللّه كأنّك تراه...».

و أرباب القلوب في هذه المراقبة على حالين:

أحدهما:غالب عليه مشاهدة الحقّ فكأنّه يراه.

و لعلّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أشار إلى هذه الحالة بقوله:«و جعلت قرّة عيني في الصّلاة».

و ثانيهما:لا تنتهي إلى هذا،لكن يغلب عليه أنّ الحقّ سبحانه مطّلع عليه و مشاهد له،و إليه الإشارة بقوله تعالى: اَلَّذِي يَراكَ حِينَ تَقُومُ* وَ تَقَلُّبَكَ فِي السّاجِدِينَ الشّعراء:218،219،و قوله: إِلاّ كُنّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ يونس:61.

(10:166)

البيضاويّ: (و الاحسان):إحسان الطّاعات، و هو إمّا بحسب الكمّيّة كالتّطوّع بالنّوافل،أو بحسب الكيفيّة،كما قال عليه الصّلاة و السّلام:«الإحسان:أن تعبد...».(1:567)

نحوه أبو السّعود.(4:88)

النّسفيّ: (بالعدل)بالتّسوية في الحقوق فيما بينكم و ترك الظّلم،و إيصال كلّ ذي حقّ إلى حقّه.

(و الاحسان)إلى من أساء إليكم،أو هما الفرض و النّدب،لأنّ الفرض لا بدّ من أن يقع فيه تفريط، فيجبره النّدب.(2:297)

أبو حيّان :[اكتفى بنقل أقوال السّابقين](5:529)

الشّربينيّ: [ذكر عدّة أقوال و قال:]

و أصل العدل:المساواة في كلّ شيء من غير زيادة و لا نقصان،فالعدل هو المساواة في المكافأة إن خيرا فخير و إن شرّا فشرّ.و الإحسان:أن تقابل الخير بأكثر منه،و الشّرّ بأن تعفو عنه.(2:256)

البروسويّ: [طوّل الكلام في«العدل»ثمّ قال:]

(و الاحسان)و أن تحسنوا الأعمال مطلقا، لقوله عليه السّلام:«إنّ اللّه كتب الإحسان في كلّ شيء»، و يدخل فيه العفو عن الجرائم و الإحسان إلى من أساء، و الصّبر على الأوامر و النّواهي و أداء النّوافل،فإنّ الفرض لا بدّ من أن يقع فيه تفريط فيجبره النّدب.[ثمّ استشهد بروايات و قال:]

و أيضا الإحسان هو المشاهدة،كما قال عليه السّلام:

«الإحسان:أن تعبد اللّه...»و ليست المشاهدة رؤية الصّانع بالبصر-و هو ظاهر-بل المراد بها حالة تحصل عند الرّسوخ في كمال الإعراض عمّا سوى اللّه،و تمام توجّهه إلى حضرته؛بحيث لا يكون في لسانه و قلبه و همّه غير اللّه.و سمّيت هذه الحالة المشاهدة لمشاهدة البصيرة إيّاه تعالى...

و في«التّأويلات النّجميّة»:(الاحسان):أن تحسن

ص: 278

إلى الخلق بما أعطاك اللّه و أراك سبل الرّشاد،فترشدهم و تسلك بهم طريق الحقّ للوصول أو الوصال،يدلّ عليه قوله تعالى: وَ أَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ القصص:77،و أيضا(العدل):الإعراض عمّا سوى اللّه،(و الاحسان):الإقبال على اللّه.(5:71)

الشّوكانيّ: و قد اختلف أهل العلم في تفسير العدل و الإحسان،فقيل:العدل لا إله إلاّ اللّه،و الإحسان أداء الفرائض،و قيل:العدل الفرض،و الإحسان النّافلة، و قيل:العدل استواء العلانية و السّريرة،و الإحسان أن تكون السّريرة أفضل من العلانية،و قيل:العدل الإنصاف و الإحسان التّفضّل.

و الأولى تفسير العدل بالمعنى اللّغويّ،و هو التّوسّط بين طرفي الإفراط و التّفريط،فمعنى أمره سبحانه بالعدل أن يكون عباده في الدّين على حالة متوسّطة،ليست بمائلة إلى جانب الإفراط،و هو الغلوّ المذموم في الدّين، و لا إلى جانب التّفريط،و هو الإخلال بشيء ممّا هو من الدّين.

و أمّا(الاحسان)فمعناه اللّغويّ يرشد إلى أنّه التّفضّل بما لم يجب كصدقة التّطوّع،و من الإحسان فعل ما يثاب عليه العبد ممّا لم يوجبه اللّه عليه في العبادات و غيرها.

[ثمّ نقل رواية النّبيّ في الإحسان و قال:]

و هذا هو معنى(الاحسان)شرعا.(3:236)

الآلوسيّ: (و الاحسان):أي إحسان الأعمال و العبادة،أي الإتيان بها على الوجه اللاّئق،و هو إمّا بحسب الكيفيّة،كما يشير إليه ما رواه البخاريّ.

[حديث النّبيّ السّابق]أو بحسب الكمّيّة كالتّطوّع بالنّوافل الجابرة لما في الواجبات من النّقص.

و جوّز أن يراد بالإحسان المتعدّي ب«إلى»لا المتعدّي بنفسه،فإنّه يقال:أحسنه و أحسن إليه،أي الإحسان إلى النّاس و التّفضّل عليهم.[ثمّ نقل حديث الإمام عليّ عليه السّلام و قال:]

و أعلى مراتب الإحسان على هذا:الإحسان إلى المسيء،و قد أمر به نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم.[إلى أن قال:]

و ابن عبّاس بعد ما فسّر العدل بالتّوحيد فسّر الإحسان بأداء الفرائض،و فيه اعتبار الإحسان متعدّيا بنفسه.(14:217)

ابن عاشور :[طوّل الكلام في«العدل»ثمّ قال:]

و أمّا(الاحسان)فهو معاملة بالحسنى ممّن لا يلزمه إلى من هو أهلها.و الحسن:ما كان محبوبا عند المعامل به و لم يكن لازما لفاعله،و أعلاه ما كان في جانب اللّه تعالى ممّا فسّره النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بقوله:«الإحسان:أن تعبد...».

و دون ذلك التّقرّب إلى اللّه بالنّوافل،ثمّ الإحسان في المعاملة فيما زاد على العدل الواجب،و هو يدخل في جميع الأقوال و الأفعال و مع سائر الأصناف،إلاّ ما حرّم الإحسان بحكم الشّرع.

و من أدنى مراتب الإحسان ما في حديث«الموطّأ»:

«أنّ امرأة بغيّا رأت كلبا يلهث من العطش يأكل الثّرى، فنزعت خفّها و أدلته في بئر،و نزعت فسقته،فغفر اللّه لها...».و في الحديث:«أنّ اللّه كتب الإحسان على كلّ شيء،فإذا قتلتم فأحسنوا القتلة،و إذا ذبحتم فأحسنوا الذّبحة».

و من الإحسان أن يجازي المحسن إليه المحسن على

ص: 279

إحسانه؛إذ ليس الجزاء بواجب.فإلى حقيقة الإحسان ترجع أصول و فروع آداب المعاشرة كلّها في العائلة و الصّحبة.و العفو عن الحقوق الواجبة من الإحسان، لقوله تعالى: وَ الْعافِينَ عَنِ النّاسِ وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ آل عمران:134،و تقدّم عند قوله:

وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً الأنعام:151.(13:205)

الطّباطبائيّ: [طوّل الكلام في«العدل»ثمّ قال:]

(و الاحسان):الكلام فيه من حيث اقتضاء السّياق كسابقه،فالمراد به الإحسان إلى الغير دون الإحسان بمعنى إتيان الفعل حسنا،و هو إيصال خير أو نفع إلى غير لا على سبيل المجازاة و المقابلة،كأن يقابل الخير بأكثر منه،و يقابل الشّرّ بأقلّ منه،و يوصل الخير إلى غير متبرّعا به ابتداء.

و الإحسان على ما فيه من إصلاح حال من أذلّته المسكنة و الفاقة،أو اضطرّته النّوازل،و ما فيه من نشر الرّحمة و إيجاد المحبّة،يعود محمود أثره إلى نفس المحسن بدوران الثّروة في المجتمع،و جلب الأمن و السّلامة بالتّحبيب.(12:332)

عبد الكريم الخطيب :مناسبة هذه الآية لما قبلها،هي أنّه و قد ذكر اللّه سبحانه و تعالى في الآية السّابقة: وَ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْكِتابَ تِبْياناً لِكُلِّ شَيْءٍ وَ هُدىً وَ رَحْمَةً وَ بُشْرى لِلْمُسْلِمِينَ النّحل:89،ناسب أن يجيء بعدها بيان لما في القرآن الكريم من تبيان لكلّ شيء،و هدى،و رحمة،و بشرى للمسلمين.و هذا ما ضمّت عليه هذه الآية...فما في القرآن الكريم كلّه،هو دعوة إلى العدل و الإحسان و إيتاء ذي القربى،و نهي عن الفحشاء و المنكر و البغي.

ف(العدل)هو القيام على طريق الحقّ في كلّ أمر،فمن أقام وجوده على العدل استقام على طريق مستقيم،فلم ينحرف عنه أبدا،و لم تتفرّق به السّبل إلى غايات الخير.

و من أتبع العدل بالإحسان،نما الخير في يده، و طابت مغارسه الّتي يغرسها في منابت العدل.و قد جاء الأمر بالعدل و الإحسان مطلقا،ليحتوي العدل كلّه، و يشمل الإحسان جميعه،فهو عدل عامّ شامل؛حيث يعدل الإنسان مع نفسه،فلا يجوز عليها بإلقائها في التّهلكة،و سوقها في مواقع الإثم و الضّلال.و يعدل مع النّاس فلا يعتدي على حقوقهم،و لا يمدّ يده إلى ما ليس له.و يعدل مع خالقه،فلا يجحد فضله،و لا يكفر بنعمه، و لا ينكر وجوده و قيّومته عليه،و على كلّ موجود.

كذلك الإحسان،هو إحسان مطلق،يتناول كلّ قول يقوله الإنسان،و كلّ عمل يعمله.و إحسان القول:أن يقوم على سنن العدل،و الحقّ و الخير.و إحسان العمل ينضبط على موازين الكمال و الإتقان،كما يقول سبحانه:

وَ أَحْسِنُوا إِنَّ اللّهَ... البقرة:195،بل إنّ الإحسان هو الإيمان باللّه على أتمّ صورة و أكملها؛بحيث لا يبلغ درجة الإحسان،إلاّ من عبد اللّه على هذا الوجه الّذي بيّنه الرّسول الكريم،في قوله حين سأله جبريل-و قد جاء على صورة أعرابيّ-فقال:«ما الإحسان؟فقال صلوات اللّه و سلامه عليه:أن تعبد اللّه...».(7:349)

مكارم الشّيرازيّ: أكمل برنامج اجتماعيّ:

بعد أن ذكرت الآيات السّابقة أنّ القرآن فيه تبيان لكلّ شيء،جاءت هذه الآية المباركة لتقدّم نموذجا من

ص: 280

التّعليمات الإسلاميّة في شأن المسائل الاجتماعيّة و الإنسانيّة و الأخلاقيّة،و قد تضمّنت الآية ستّة أصول مهمّة:الثّلاث الأول منها ذات طبيعة إيجابيّة و مأمور بالعمل بها،و البقيّة ذات صفة سلبيّة منهيّ عن ارتكابها.

فتقول في البدء: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى النّحل:90،و هل يمكن تصوّر وجود قانون أوسع و أشمل من«العدل»؟!

فالعدل هو القانون الّذي تدور حول محوره جميع أنظمة الوجود،و حتّى السّماوات و الأرض فهي قائمة على أساس العدل«بالعدل قامت السّماوات و الأرض».

و المجتمع الإنسانيّ الّذي هو جزء صغير في كيان هذا الوجود الكبير،لا يقوى أن يخرج عن قانون العدل،و لا يمكن تصوّر مجتمع ينشد السّلام يحظى بذلك،دون أن تستند أركان حياته على أسس العدل في جميع المجالات.

و لمّا كان المعنى الواقعيّ للعدل يتجسّد في جعل كلّ شيء في مكانه المناسب،فالانحراف و الإفراط و التّفريط و تجاوز الحدّ و التّعدّي على حقوق الآخرين،ما هي إلاّ صور لخلاف أصل العدل.

فالإنسان السّليم هو ذلك الّذي تعمل جميع أعضاء جسمه بالشّكل الصّحيح،بدون أيّة زيادة أو نقصان، و يحلّ المرض فيه و تتبيّن عليه علائم الضّعف و الخوار بمجرّد تعطيل أحد الأعضاء،أو تقصيره في أداء وظيفته.

و يمكن تشبيه المجتمع ببدن إنسان واحد،فإنّه سيمرض و يعتلّ إن لم يراع فيه العدل.و مع ما للعدالة من قدرة و جلال و تأثير عميق في كلّ الأوقات- الطّبيعيّة و الاستثنائيّة-في عمليّة بناء المجتمع السّليم،إلاّ أنّها ليست العامل الوحيد الّذي يقوم بهذه المهمّة، و لذلك جاء الأمر ب(الاحسان)بعد(العدل)مباشرة، و من غير فاصلة.

و بعبارة أوضح:قد تحصل في حياة البشريّة حالات حسّاسة لا يمكن معها حلّ المشكلات بالاستعانة بأصل العدالة فقط،و إنّما تحتاج إلى إيثار و عفو و تضحية،و ذلك ما يتحقّق برعاية أصل«الإحسان».

و على سبيل المثال:لو أنّ عدوّا غدّارا هجم على مجتمع ما،أو وقعت زلزلة أو فيضان أو عواصف في بعض مناطق البلاد،فهل من الممكن معالجة ذلك بالتّقسيم العادل لجميع الطّاقات و الأموال،و تنفيذ سائر القوانين العاديّة؟!هنا لا بدّ من تقديم التّضحية و البذل و الإيثار لكلّ من يملك القدرة الماليّة،الجسميّة، الفكريّة،لمواجهة الخطر و إزالته،و إلاّ فالطّريق مهيّأ أمام العدوّ لإهلاك المجتمع كلّه،أو أنّ الحوادث الطّبيعيّة ستدمّر أكبر قدر من النّاس و الممتلكات.

و الأصلان يحكمان نظام بدن الإنسان أيضا بشكل طبيعيّ،ففي الأحوال العاديّة تقوم جميع الأعضاء بالتّعاضد فيما بينها،و كلّ منها يؤدّي ما عليه من وظائف بالاستعانة بما تقوم به بقيّة الأعضاء،و هذا هو أصل العدالة.

و لكن،عند ما يصاب أحد الأعضاء بجرح أو عطل يسبّب في فقدانه القدرة على أداء وظيفته،فإنّ بقيّة الأعضاء سوف لن تنساه،لأنّه توقّف عن عمله،بل تستمرّ في تغذيته و دعمه...،و هذا هو الإحسان.

و في المجتمع كذلك،ينبغي للمجتمع السّليم أن يحكمه

ص: 281

هذان الأصلان.و لعلّ ما جاء في الرّوايات و في أقوال المفسّرين،من بيانات مختلفة في الفرق بين العدل و الإحسان،لعلّ أغلبها يشير إلى ما قلناه.

فعن عليّ عليه السّلام أنّه قال:«العدل:الإنصاف، و الإحسان:التّفضّل».و هذا ما أشرنا إليه.

و قال البعض:إنّ العدل:أداء الواجبات، و الإحسان:أداء المستحبّات.

و قال آخرون:إنّ العدل:هو التّوحيد،و الإحسان:

هو أداء الواجبات.و على هذا التّفسير يكون العدل إشارة إلى الاعتقاد،و الإحسان إشارة إلى العمل.

و قال بعض:العدالة:هي التّوافق بين الظّاهر و الباطن،و الإحسان:هو أن يكون باطن الإنسان أفضل من ظاهره.

و اعتبر آخرون:أنّ العدالة ترتبط بالأمور العمليّة، و الإحسان بالأمور الكلاميّة.

و كما قلنا فإنّ بعض هذه التّفاسير ينسجم تماما مع التّفسير الّذي قدّمناه،و بما أنّ البعض الآخر لا ينافيه فيمكن-و الحال هذه-الجمع بينهما.

أمّا مسألة إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى فتندرج ضمن مسألة(الاحسان)حيث إنّ الإحسان يشمل جميع المجتمع،بينما يخصّ هذا الأمر مجتمعا صغيرا من المجتمع الكبير،و هم ذوو القربى،و بلحاظ أنّ المجتمع الكبير يتألّف من مجموع المجتمعات الصّغيرة،فكلّما حصل في هذه المجتمعات انسجام أكثر،فإنّ أثره سيظهر على كلّ المجتمع،و المسألة تعتبر تقسيما صحيحا للوظائف و المسئوليّات بين النّاس،لأنّ ذلك يستلزم من كلّ مجموعة أن تمدّ يد العون إلى أقربائها بالدّرجة الأولى،ممّا سيؤدّي لشمول جميع الضّعفاء و المعوزين برعاية، و اهتمام المتمكّنين من أقربائهم.(8:267)

فضل اللّه :[طوّل الكلام في«العدل»ثمّ قال:]

و للإحسان أهمّيّة كبرى من النّاحية الإنسانيّة،فهو الأسلوب العمليّ في تقديم الخير للآخرين،من موقع الحقّ الّذي يمتلكونه في ذاك الخير،أو من موقع العطاء الذّاتيّ.فإنّ اللّه يريد أن تنطلق العلاقات بين النّاس على أساس حبّ الخير و روح العطاء،فقد أكّد الإسلام في أكثر من آية أنّ لصاحب الحقّ أن يأخذ حقّه،و لكنّه أحبّ للإنسان من موقعه كصاحب حقّ أن يعفو و يسامح و يتنازل،على أساس الإحسان.

و ربّما كان هدف التّقارن بين العدل و الإحسان،من أجل تأكيد الحقّ لصاحبه و تركيز العدل على أساس ثابت في التّشريع من جهة،و من أجل تخفيف النّتائج القاسية للعدل بإفساح المجال للإحسان لكي يخفّف من حدّته؛بحيث يتحقّق التّوازن في حياة المجتمع و في بناء الشّخصيّة الإسلاميّة،على أساس من العدالة و التّسامح.

(13:282)

2- هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ. الرّحمن:60

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:[في حديث]:«هل تدرون ما قال ربّكم عزّ و جلّ؟»قالوا:اللّه و رسوله أعلم.قال:«هل جزاء من أنعمت عليه بالتّوحيد إلاّ الجنّة».

(الثّعلبيّ 9:192)

نحوه ابن عبّاس(452)،و ابن عمر(الثّعلبيّ 9:192) ،و زيد بن عليّ(403)،و محمّد بن المنكدر(الطّبريّ

ص: 282

27:153).

ابن عبّاس: هل جزاء من عمل في الدّنيا حسنا، و قال:لا إله إلاّ اللّه،إلاّ الجنّة في الآخرة،هل جزاء الّذين أطاعوني في الدّنيا إلاّ الكرامة في الآخرة.

(الثّعلبيّ 9:192)

محمّد بن الحنفيّة:هي مسجّلة للبرّ و الفاجر، للفاجر في دنياه و للبرّ في آخرته.

نحوه الحسن.(الثّعلبيّ 9:192)

قتادة :عملوا خيرا فجوزوا خيرا.

(الطّبريّ 27:153)

الإمام الصّادق عليه السّلام:«هل جزاء من أحسنت إليه في الأزل إلاّ حفظ الإحسان عليه إلى الأبد».

(الثّعلبيّ 9:192)

هل جزاء التّوبة إلاّ المغفرة.(الماورديّ 5:440)

«إنّ هذه الآية جرت في الكافر و المؤمن و البرّ و الفاجر،من صنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به،و ليس المكافأة أن تصنع كما صنع،حتّى تربي.فإن صنعت كما صنع،كان له الفضل بالابتداء».(الكاشانيّ 5:114)

ابن زيد :أ لا تراه ذكرهم و منازلهم و أزواجهم، و الأنهار الّتي أعدّها لهم و قال:(هل جزاء الاحسان...) حين أحسنوا في هذه الدّنيا،أحسنّا إليهم:أدخلنا هم الجنّة.(الطّبريّ 27:153).

الطّبريّ: هل ثواب خوف مقام اللّه عزّ و جلّ لمن خافه،فأحسن في الدّنيا عمله،و أطاع ربّه،إلاّ أن يحسن إليه في الآخرة ربّه،بأن يجازيه على إحسانه ذلك في الدّنيا،ما وصف في هذه الآيات من قوله: وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ إلى قوله: كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَ الْمَرْجانُ. الرّحمن:46-58.(27:153)

الزّجّاج: ما جزاء من أحسن في الدّنيا إلاّ أن يحسن إليه في الآخرة.(5:103)

عبد الجبّار:فأحد ما استدلّ به أصحابنا-رحمهم اللّه-على العدل؛و ذلك أنّ المطيع قد يعبد اللّه المدّة الطّويلة،فيحسن بذلك،ثمّ يرتدّ و يموت عليه.فلو كان تعالى خلق الكفر فيه،لكان قد جازى المحسن بالإساءة الّتي لا غاية أكبر منها؛و ذلك يكذّب ما تقتضيه الآية.

فإذن يجب أن نقطع بأنّه لا يجوز أن يخلق تعالى الكفر و الرّدّة،و أنّهما من فعل العبد،حتّى إذا عاقبه لم يفعل إلاّ باستحقاق،و لا يفعل تعالى بالمحسن إلاّ الإحسان في الحقيقة،إلاّ إذا أحبط المحسن إحسانه و أفسده.

(2:639)

الماورديّ: فيه أربعة أوجه:

أحدها:هل جزاء الطّاعة إلاّ الثّواب.[و ذكر قول ابن زيد و ابن عبّاس و الإمام الصّادق عليه السّلام ثمّ قال:]

و يحتمل خامسا:هل جزاء إحسان اللّه عليكم إلاّ طاعتكم له.(5:440)

الطّوسيّ: معناه:ليس جزاء من فعل الأعمال الحسنة و أنعم على غيره إلاّ أن ينعم عليه بالثّواب، و يحسن إليه.(9:482)

نحوه الواحديّ(4:227)،و البغويّ(4:343)، و الزّمخشريّ(4:49)،و البيضاويّ(2:444)،و النّسفيّ (4:213)،و الشّربينيّ(4:174)،و أبو السّعود(6:

182)،و شبّر(6:135).

ص: 283

القشيريّ: يقال:الإحسان الأوّل من اللّه و الثّاني من العبد،أي هل جزاء من أحسنّا إليه بالنّصرة إلاّ أن يحسن لنا بالخدمة؟و هل جزاء من أحسنّا إليه بالولاء إلاّ أن يحسن لنا بالوفاء؟

و يصحّ أن يكون الإحسان الأوّل من العبد و الثّاني من اللّه،أي هل جزاء من أحسن من حيث الطّاعة إلاّ أن يحسن إليه من حيث القبول و الثّواب؟و هل جزاء من أحسن من حيث الخدمة إلاّ أن يحسن إليه من حيث النّعمة؟

و يصحّ أن يكون الإحسانان من الحقّ،أي هل جزاء من أحسنّا إليه في الابتداء إلاّ أن نحسن إليه في الانتهاء؟ و هل جزاء من فاتحناه باللّطف إلاّ أن نربي له في الفضل و العطف؟

و يصحّ أن يكون كلاهما من العبد،أي:هل جزاء من آمن بنا إلاّ أن يثبت في المستقبل على إيمانه؟و هل جزاء من عقد معنا عقد الوفاء إلاّ أن يقوم بما يقتضيه بالتّفصيل؟و يقال:هل جزاء من بعد عن نفسه إلاّ أن نقرّ به منّا؟

و هل جزاء من فني عن نفسه إلاّ أن يبقى بنا؟و هل جزاء من رفع لنا خطوة إلاّ أن نكافئه بكلّ خطوة ألف خطوة،و هل جزاء من حفظ لنا طرفه إلاّ أن نكرمه بلقائنا؟(6:81)

الميبديّ: (هل)هاهنا بمعنى«ما»كقوله: فَهَلْ عَلَى الرُّسُلِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ النّحل:35،يعني ما جزاء من أحسن في الدّنيا إلاّ أن يحسن إليه في الآخرة.

(9:429)

مثله الطّبرسيّ(5:208)،و ابن كثير(6:500).

ابن عطيّة: وعد و بسط لنفوس جميع المؤمنين لأنّها عامّة.[إلى أن قال:]

و المعنى:أنّ جزاء من أحسن بالطّاعة أن يحسن إليه بالتّنعيم.(5:234)

مثله الثّعالبيّ.(3:277)

الفخر الرّازيّ: و فيه وجوه كثيرة حتّى قيل:إنّ في القرآن ثلاث آيات في كلّ آية منها مائة قول:

الأولى:قوله تعالى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ البقرة:152.

الثّانية:قوله تعالى: إِنْ عُدْتُمْ عُدْنا الإسراء:8.

الثّالثة:قوله تعالى: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ. و لنذكر الأشهر منها و الأقرب،أمّا الأشهر فوجوه:

أحدها:هل جزاء التّوحيد غير الجنّة،أي جزاء من قال:«لا إله إلاّ اللّه»إدخال الجنّة.

ثانيها:هل جزاء الإحسان في الدّنيا إلاّ الإحسان في الآخرة.

ثالثها:هل جزاء من أحسن إليكم في الدّنيا بالنّعم و في العقبى بالنّعيم إلاّ أن تحسنوا إليه بالعبادة و التّقوى.

و أمّا الأقرب فإنّه عامّ،فجزاء كلّ من أحسن إلى غيره أن يحسن هو إليه أيضا.و لنذكر تحقيق القول فيه و ترجع الوجوه كلّها إلى ذلك،فنقول:

الإحسان يستعمل في ثلاث معان:

أحدها:إثبات الحسن و إيجاده،قال تعالى:

(فاحسن صوركم)المؤمن:64،و قال تعالى: اَلَّذِي

ص: 284

أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ السّجدة:7.

ثانيها:الإتيان بالحسن كالإظراف و الإغراب للإتيان بالظّريف و الغريب،قال تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها الأنعام:160.

ثالثها:يقال:فلان لا يحسن الكتابة و لا يحسن الفاتحة،أي لا يعلمهما.

و الظّاهر أنّ الأصل في الإحسان الوجهان الأوّلان، و الثّالث مأخوذ منهما،و هذا لا يفهم إلاّ بقرينة الاستعمال ممّا يغلب على الظّنّ إرادة العلم.

إذا علمت هذا فنقول:يمكن حمل(الاحسان)في الموضعين على معنى متّحد من المعنيين،و يمكن حمله فيهما على معنيين مختلفين:

أمّا الأوّل فنقول: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ أي هل جزاء من أتى بالفعل الحسن إلاّ أن يؤتى في مقابلته بفعل حسن،لكن الفعل الحسن من العبد ليس كلّ ما يستحسنه هو،بل الحسن هو ما استحسنه اللّه منه.فإنّ الفاسق ربّما يكون الفسق في نظره حسنا و ليس بحسن بل الحسن ما طلبه اللّه منه،كذلك الحسن من اللّه هو كلّ ما يأتي به ممّا يطلبه العبد كما أتى العبد بما يطلبه اللّه تعالى منه.و إليه الإشارة بقوله تعالى: وَ فِيها ما تَشْتَهِيهِ الْأَنْفُسُ وَ تَلَذُّ الْأَعْيُنُ الزّخرف:71،و قوله تعالى:

وَ هُمْ فِي مَا اشْتَهَتْ أَنْفُسُهُمْ خالِدُونَ الأنبياء:102، و قال تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى يونس:26،أي ما هو حسن عندهم.

و أمّا الثّاني فنقول:هل جزاء من أثبت الحسن في عمله في الدّنيا إلاّ أن يثبت اللّه الحسن فيه و في أحواله في الدّارين.و بالعكس هل جزاء من أثبت الحسن فينا و في صورنا و أحوالنا إلاّ أن نثبت الحسن فيه أيضا،لكن إثبات الحسن في اللّه تعالى محال،فإثبات الحسن أيضا في أنفسنا و أفعالنا،فنحسن أنفسنا بعبادة حضرة اللّه تعالى، و أفعالنا بالتّوجّه إليه،و أحوال باطننا بمعرفته تعالى،و إلى هذا رجعت الإشارة،و ورد في الأخبار من حسن وجوه المؤمنين و قبح وجوه الكافرين.

و أمّا الوجه الثّالث:و هو الحمل على المعنيين،فهو أن نقول:على جزاء من أتى بالفعل الحسن إلاّ أن يثبت اللّه فيه الحسن،و في جميع أحواله،فيجعل وجهه حسنا و حاله حسنا،ثمّ فيه لطائف:

الأولى:هذه إشارة إلى رفع التّكليف عن العوامّ في الآخرة و توجيه التّكليف على الخواصّ فيها:

أمّا الأوّل:فلأنّه تعالى لمّا قال: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ و المؤمن لا شكّ في أنّه يثاب بالجنّة، فيكون له من اللّه الإحسان جزاء له.و من جازى عبدا على عمله لا يأمره بشكره،و لأنّ التّكليف لو بقي في الآخرة،فلو ترك العبد القيام بالتّكليف لاستحقّ العقاب،و العقاب ترك الإحسان،لأنّ العبد لمّا عبد اللّه في الدّنيا ما دام و بقي،يليق بكرمه تعالى أن يحسن إليه في الآخرة ما دام و بقي،فلا عقاب على تركه بلا تكليف.

و أمّا الثّاني:فنقول:خاصّة اللّه تعالى عبدنا اللّه تعالى في الدّنيا لنعم قد سبقت له علينا،فهذا الّذي أعطانا اللّه تعالى ابتداء نعمة و إحسان جديد،فله علينا شكره، فيقولون:الحمد للّه،و يذكرون اللّه و يثنون عليه،فيكون نفس الإحسان من اللّه تعالى في حقّهم سببا لقيامهم

ص: 285

بشكره،فيعرضون هم على أنفسهم عبادته تعالى، فيكون لهم بأدنى عبادة شغل شاغل عن الحور و القصور و الأكل و الشّرب،فلا يأكلون و لا يشربون و لا يتنابذون و لا يلعبون،فيكون حالهم كحال الملائكة في يومنا هذا،لا يتناكحون و لا يلعبون،فلا يكون ذلك تكليفا مثل هذه التّكاليف الشّاقّة،و إنّما يكون ذلك لذّة زائدة على كلّ لذّة في غيرها.

اللّطيفة الثّانية:هذه الآية تدلّ على أنّ العبد محكم (1)في الآخرة،كما قال تعالى: لَهُمْ فِيها فاكِهَةٌ وَ لَهُمْ ما يَدَّعُونَ يس:57،و ذلك لأنّا بيّنّا أنّ الإحسان هو الإتيان بما هو حسن عند من أتى بالإحسان.لكنّ اللّه لمّا طلب منّا العبادة طلب كما أراد،فأتى به المؤمن كما طلب منه،فصار محسنا،فهذا يقتضي أن يحسن اللّه إلى عبده و يأتي بما هو حسن عنده،و هو ما يطلبه كما يريد،فكأنّه قال: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ أي هل جزاء من أتى بما طلبته منه على حسب إرادتي إلاّ أن يؤتى بما طلبه منّي على حسب إرادته.لكن الإرادة متعلّقة بالرّؤية،فيجب بحكم الوعد أن تكون هذه آية دالّة على الرّؤية التّكليفيّة.

اللّطيفة الثّالثة:هذه الآية تدلّ على أنّ كلّ ما يفرضه الإنسان من أنواع الإحسان من اللّه تعالى،فهو دون الإحسان الّذي وعد اللّه تعالى به،لأنّ الكريم إذا قال للفقير:افعل كذا و لك كذا دينارا،و قال لغيره:افعل كذا على أن أحسن إليك،يكون رجاء من لم يعيّن له أجرا أكثر من رجاء من عيّن له،هذا إذا كان الكريم في غاية الكرم و نهاية الغنى.

إذا ثبت هذا،فاللّه تعالى قال:جزاء من أحسن إليّ أن أحسن إليه بما يغبط به،و أوصل إليه فوق ما يشتهيه، فالّذي يعطي اللّه فوق ما يرجوه،و ذلك على وفق كرمه و إفضاله.(29:131)

الخازن :[نقل بعض الأقوال المتقدّمة ثمّ قال:]

و قيل:التّكليف في معنى الآية هل جزاء من أتى بالفعل الحسن إلاّ أن يؤتى في مقابلته بفعل حسن،و في الآية إشارة إلى رفع في الآخرة،لأنّ اللّه وعد المؤمنين بالإحسان و هو الجنّة،فلو بقي التّكليف في الآخرة و تركه العبد لاستحقّ العقاب على ترك العمل،و العقاب على ترك الإحسان إليه فلا تكليف.(7:10)

أبو حيّان :[نحو الطّوسيّ و قال:]

و قرأ ابن أبي إسحاق (الاّ الحسان) يعني بالحسان:

الحور العين.(8:198)

الفيروزآباديّ: و الإحسان من أفضل منازل العبوديّة،لأنّه لبّ الإيمان و روحه و كماله،و جميع المنازل منطوية فيها.قال تعالى: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«الإحسان:أن تعبد اللّه كأنّك تراه».

و أمّا الآية فقال ابن عبّاس و المفسّرون:هل جزاء من قال:«لا إله إلاّ اللّه»و عمل بما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم إلاّ الجنّة؟!و قد روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قرأ هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ ثمّ قال:«هل تدرون ما قال ربّكم؟قالوا:اللّه و رسوله أعلم.قال:يقول:هل جزاء من أنعمت عليه بالتّوحيد إلاّ الجنّة»؟!.فالحديث إشارةم.

ص: 286


1- أي يتوجّه إليه حكم.

إلى كمال الحضور مع اللّه تعالى و مراقبته،الجامع لخشيته و محبّته و معرفته،و الإنابة إليه و الإخلاص له،و لجميع مقامات الإيمان.

و الإحسان يكون في القصد بتنقيته من شوائب الحظوظ،تقويته بعزم لا يصحبه فتور،و بتصفيته من الأكدار الدّالّة على كدر قصده.

و يكون الإحسان في الأحوال بمراعاتها و صونها غيرة عليها أن تحول،فإنّها تمرّ مرّ السّحاب،فإن لم يرع حقوقها حالت.و مراعاتها بدوام الوفاء،و تجنّب الجفاء، و بإكرام نزلها؛فإنّه ضيف،و الضّيف إن لم يكن له نزل ارتحل.و يراعيها بسترها عن النّاس ما أمكن،لئلاّ يعلموا بها إلاّ لحاجة أو مصلحة راجحة.فإنّ في إظهارها بدون ذلك آفات.و إظهار الحال عند الصّادقين من حظوظ النّفس و الشّيطان،و أهل الصّدق أكتم و أستر لها من أرباب الكنوز لأموالهم،حتّى أنّ منهم من يظهر أضدادها كأصحاب الملامة.

و يكون الإحسان في الوقت،و هو ألاّ يفارق حال الشّهود،و هذا إنّما يقدر عليها أهل التّمكّن الّذين قطعوا المسافات الّتي بين النّفس و بين القلب،و المسافات الّتي بين القلب و بين اللّه تعالى،و أن تعلّق همّتك بالحقّ وحده،و لا تعلّق بأحد غيره،فإنّ ذلك شرك في طريق الصّادقين،و أن تجعل هجرتك إلى الحقّ سرمدا.

و للّه على كلّ قلب هجرتان فرضا لازما:هجرة إلى اللّه بالتّوحيد و الإخلاص و التّوبة و الحبّ و الخوف و الرّجاء و العبوديّة؛و هجرة إلى رسوله بالتّسليم له و التّفويض و الانقياد لحكمه،و تلقّي أحكام الظّاهر و الباطن من مشكاته.و من لم يكن لقلبه هاتان الهجرتان فليحث على رأسه التّراب،و ليراجع الإيمان من أصله.(بصائر ذوي التّمييز 2:465)

البروسويّ: أي ما جزاء الإحسان في العمل إلاّ الإحسان في الثّواب.[إلى أن قال:]

فغاية الإحسان من العبد الفناء في اللّه،و من المولى إعطاء الوجود الحقّانيّ إيّاه،فعليك بالإحسان كلّ آن و حين،فإنّ اللّه لا يضيع أجر المحسنين.

حكي أنّ ذا النّون المصريّ قدّس سرّه رأى عجوزا كافرة تنفق الحبوب للطّيور وقت الشّتاء،فقال:إنّه لا يقبل من الجنبيّ،فقالت:أفعل،قبل أو لم يقبل،ثمّ إنّه رآها في حرم الكعبة،فقالت:يا ذا النّون أحسن إلى نعمة الإسلام بقبضة من الحبّة.[ثمّ أدام الكلام في نقل قصص نظير ما نقلناه](9:309)

الآلوسيّ: استئناف مقرّر لمضمون ما قبله،أي ما جزاء الإحسان في العمل إلاّ الإحسان في الثّواب.و قيل:

المراد:ما جزاء التّوحيد إلاّ الجنّة،و أيّد بظواهر كثير من الآثار.[إلى أن قال:]

و أخرج ابن النّجّار في تأريخه عن عليّ كرّم اللّه وجهه مرفوعا بلفظ«قال اللّه عزّ و جلّ:هل جزاء من أنعمت عليه»إلخ.و وراء ذلك أقوال تقرب من مائة قول،و اختير العموم،و يدخل التّوحيد دخولا أوّليّا.

و الصّوفيّة أوردوا الآية في باب«الإحسان» و فسّروه بما في الحديث:«أن تعبد اللّه...».قالوا:فهو اسم يجمع أبواب الحقائق.(27:121)

الطّباطبائيّ: هَلْ جَزاءُ... استفهام إنكاريّ

ص: 287

في مقام التّعليل،لما ذكر من إحسانه تعالى عليهم بالجنّتين،و ما فيهما من أنواع النّعم و الآلاء،فيفيد أنّه تعالى يحسن إليهم هذا الإحسان جزاء لإحسانهم بالخوف من مقام ربّهم.

و تفيد الآية أنّ ما أوتوه من الجنّة و نعيمها جزاء لأعمالهم.و أمّا ما يستفاد من بعض الآيات أنّهم يعطون فضلا وراء جزاء أعمالهم،فلا تعرّض في هذه الآيات لذلك،إلاّ أن يقال:(الاحسان)إنّما يتمّ إذا كان يربو على ما أحسن به المحسن إليه.فإطلاق(الاحسان)في قوله:

(الاّ الاحسان)يفيد الزّيادة.(19:110)

عبد الكريم الخطيب :أي إنّ هذا النّعيم الّذي يفاض من اللّه سبحانه و تعالى على المؤمنين في الجنّة،هو جزاء إحسانهم في الدّنيا،و خوفهم مقام ربّهم،كما يقول سبحانه عنهم: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ...

وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ الذّاريات:15-18.

و إذا كان هؤلاء المحسنون قد أحسنوا العمل،فإنّ هذا النّعيم الّذي هم فيه لا يعدله إحسان المحسنين،مهما بالغوا في الإحسان،و إنّما هو فضل من اللّه عليهم و مضاعفة للجزاء الحسن،الّذي كانت أعمالهم الحسنة مدخلا إليه،و هذا ما يشير إليه قوله تعالى: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ يونس:26.(14:694)

شوقي ضيف:لكلمة(الاحسان)معنيان:معنى الإتقان في العمل،و معنى الإنعام على الغير،و قد استخدمت في الآية بالمعنيين جميعا.فكلمة(الاحسان) الأولى يراد بها:إحسان الإنسان في عمله و امتثاله لطاعات ربّه،و كلمة(الاحسان)الثّانية يراد بها:

إحسان اللّه على المتّقين المؤمنين بنعيم الجنّات و الرّضوان.

و قيل:بل الإحسان الأوّل:التّوحيد و كلمة الشّهادة،لما روي من أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم تلا الآية،ثمّ قال:

«يقول اللّه:هل جزاء من أنعمت عليه بمعرفتي و توحيدي إلاّ أن أسكنه جنّتي و حظيرة قدسي».

و ذهب كثير من المفسّرين-منهم البيضاويّ-إلى أنّ الإحسان الأوّل:الإحسان في العمل عامّة،و كأنّ الرّسول عليه السّلام نصّ من هذا الإحسان على أعظم أصنافه، و هو الإيمان بوحدانيّة اللّه اعتقادا و عملا.

و في الحديث عن أبي ذرّ أنّه قال:«يا رسول اللّه دلّني على عمل يدخلني الجنّة و يباعدني عن النّار».

فقال عليه السّلام:«إذا عملت سيّئة فاعمل بجانبها حسنة فإنّها بعشر أمثالها»،فقال:«يا رسول اللّه:لا إله إلاّ اللّه من الحسنات؟»فقال عليه السّلام:«هي أحسن الحسنات»إذ هي الأصل الأوّل في الإيمان و نوره و هداه.

و من إحسان المؤمن امتثاله لجميع تعاليم الدّين الحنيف و النّهوض بعباداته على الوجه الأكمل،كما جاء في الحديث النّبويّ:«الإحسان:أن تعبد اللّه كأنّك تراه...».و الإحسان بهذا المعنى يتطلّب أن يستشعر المؤمن دائما أنّه بحضرة ربّه يراقبه في كلّ صغيرة و كبيرة في السّرّ و في العلن،لا تخفى عليه منه خافية.و هو دائما يصفّي له نفسه بالتّوحيد و الإخلاص الصّادق و الخشية و الإنابة و العبادة حقّ العبادة.

و يتردّد في القرآن وصف المؤمنين الّذين عملوا الصّالحات بأنّهم محسنون،كما في آية الزّمر:33،34، أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ* لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ

ص: 288

جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ و آية المرسلات:43،44، كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ* إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ.

و من الإحسان المتعلّق بالإنسان:الإنفاق على الفقراء و ذوي الحاجة،و قد نوّه القرآن به و بأجره و ثوابه عند اللّه تنويها عظيما؛إذ سمّاه قَرْضاً حَسَناً و تعهّد عهدا عظيما وَ مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ أن يضاعف ثوابه مرارا كثيرة،يقول في سورة البقرة:245 مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً.

بل لقد تعهّد لمن ينفق ماله في جهاد أعداء دينه و حربهم أن يضاعف لهم ما ينفقونه سبعمائة ضعف، و مثّل المنفق في هذا الجهاد بزارع زرع في الأرض حبّة فإذا هي تنبت سبع سنابل عجيبة،في كلّ سنبلة مائة حبّة،كما جاء في سورة البقرة:261، مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ و هو إنعام من اللّه مضاعف يلقى به إنعام المؤمن،بل إحسان فوق كلّ إحسان.

و قد سمّى اللّه كلّ ما يقدّمه المؤمن في دنياه من عمل صالح حسنة،أي نعمة و ثوابا يثاب عليه في أخراه،كما قال في سورة النّمل:89، مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ. بل لقد وعد بأن تضاعف الحسنة عشرة أضعاف،كما قال في سورة الأنعام:160، مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها و يقول في سورة يونس:26، لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ، فلهم ثوابهم و هو ثواب مضاعف؛إذ يجدون كلّ ما يشاءون ممّا تشتهيه أنفسهم و يلذّ أعينهم.و لدى اللّه فوق ذلك(زيادة)من النّعم لا يمكن حصرها و لا الإحاطة بها.

و هذا معناه أنّ كلّ ما يتصوّره المؤمن من أنواع الإحسان الإلهيّ و الإنعام الرّبّانيّ الّذي وعده اللّه به في الذّكر الحكيم،وراءه في الآخرة أنواع لا تحصى من نعيم الجنان و الرّضوان.و الآية توضّح تفضّل اللّه على أصحاب الجنّتين السّابقتين:جنّتي عدن،و النّعيم بأنّه إحسان يستحقّونه على ما قدّمت أيديهم من إحسان، و كأنّه جزاء عادل لأعمالهم،و هو فوق العدل،لأنّه زائد عليه إنعاما عظيما خليقا بكلّ شكر و ثناء على ربّ العالمين.(132)

مكارم الشّيرازيّ: و هل ينتظر أن يجازى من عمل عملا صالحا في الدّنيا بغير الإحسان الإلهيّ؟

و بالرّغم من أنّ بعض الرّوايات الإسلاميّة فسّرت (الاحسان)في هذه الآية؛بالتّوحيد فقط،أو التّوحيد و المعرفة،أو الإسلام.إلاّ أنّ الظّاهر أنّ كلّ واحد في هذه التّفاسير هو مصداق واضح لهذا المفهوم الواسع الّذي يشمل كلّ إحسان،في العقيدة و القول و العمل.

جاء في حديث للإمام الصّادق عليه السّلام أنّه قال:«آية في كتاب اللّه مسجّلة.قلت:و ما هي؟قال:قول اللّه عزّ و جلّ:

هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ جرت في الكافر و المؤمن و البرّ و الفاجر،من صنع إليه معروف فعليه أن يكافئ به،و ليس المكافأة أن تصنع كما صنع حتّى تربي، فإن صنعت كما صنع كان له الفضل في الابتداء».

ص: 289

و بناء على هذا،فالجزاء الإلهيّ في يوم القيامة يكون أكثر من عمل الإنسان في هذه الدّنيا،و ذلك تماشيا مع الاستدلال المذكور في هذا الحديث.

يقول الرّاغب في«المفردات»:الإحسان:شيء أعلى من العدل،لأنّ العدل هو أداء الإنسان لما في عاتقه و أخذ المتعلّق به.أمّا«الإحسان»فهو أداء الإنسان عملا أكثر من وظيفته،و يأخذ أقلّ من حقّه.

و يتكرّر قوله سبحانه مرّة أخرى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ، و ذلك لأنّ جزاء الإحسان بالإحسان نعمة كبيرة من قبل اللّه تعالى؛حيث يؤكّد سبحانه أنّ جزاءه مقابل أعمال عباده مناسب لكرمه و لطفه و ليس لأعمالهم؛و ذلك في مجال الطّاعات و صالح الأعمال الّتي هي توفيقه و رزقه و بركاته.

ملاحظة جزاء الإحسان

إنّ الّذي قرأناه في الآية الكريمة هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ قانون عامّ في منطق القرآن الكريم؛حيث يشمل اللّه سبحانه.كما يشمل الخلق و كافّة العباد،و إنّ المسلمين جميعا يعلمون بعموميّة هذا القانون،و عليهم مقابلة كلّ خير بزيادة،كما ذكر الإمام الصّادق عليه السّلام في حديثه؛حيث يفترض أن يكون التّعويض أفضل من العمل المنجز المقدّم،و ليس مساويا له و إلاّ فإنّ المبتدئ بالإحسان هو صاحب الفضل.

و حول أعمالنا في حضرة الباري عزّ و جلّ،فإنّ المسألة تأخذ بعدا آخر؛حيث أحد الطّرفين هو اللّه سبحانه العظيم الكريم الّذي شملت رحمته و ألطافه كلّ عالم الوجود،و إنّ نعمه و كرمه يليق بذاته،و ليس على مستوى أعمال عباده،و بناء على هذا فلا عجب أن نقرأ في تاريخ الأمم بصورة متكرّرة أنّ أشخاصا قد شملتهم العناية الإلهيّة الكبيرة بالرّغم من إنجازهم لأعمال صغيرة،و ذلك لخلوص نيّاتهم،و من ذلك القصّة التّالية:

[ثمّ نقل نحو قصّة ذي النّون مع المرأة الكافرة عند البروسويّ](17:392)

فضل اللّه :فإذا أحسن العباد إلى ربّهم بطاعتهم إيّاه،فإنّ اللّه يجزيهم بالإحسان إحسانا من خلال لطفه بهم و عطفه عليهم.

و قد أفاض علماء الكلام في الحديث عن الإحسان الإلهيّ لعباده المؤمنين المتّقين،أ هو تفضّل أم استحقاق؟ و لكن هذا البحث غير دقيق،لأنّ الّذي يقول بالاستحقاق،يقصد به الاستحقاق من خلال تفضّل اللّه عليهم بوعده لهم بالمثوبة و الإحسان.و قد جاء عن الإمام عليّ عليه السّلام:«لو كان لأحد أن يجري له و لا يجري عليه،لكان ذلك خالصا للّه سبحانه دون خلقه،لقدرته على عباده،و لعدله في كلّ ما جرت عليه صروف قضائه،و لكنّه سبحانه جعل حقّه على العباد أن يطيعوه، و جعل جزاءهم عليه مضاعفة الثّواب تفضّلا منه، و توسّعا بما هو من المزيد أهله» (1).(21:320)

احسانا

1- وَ إِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً... البقرة:83

راجع«و ل د-والدين»

ص: 290


1- نهج البلاغة:خ 216.

2- ...ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاّ إِحْساناً وَ تَوْفِيقاً. النّساء:62

ابن عبّاس: (الاّ احسانا)في الكلام،(و توفيقا) صوابا.(73)

مثله الكلبيّ.(الثّعلبيّ 3:339)

الطّبريّ: و هذا خبر من اللّه تعالى ذكره عن هؤلاء المنافقين،أنّهم لا يردعهم عن النّفاق العبر و النّقم، و أنّهم إن تأتهم عقوبة من اللّه على تحاكمهم إلى الطّاغوت لم ينيبوا و لم يتوبوا،و لكنّهم يحلفون باللّه كذبا و جرأة على اللّه:ما أردنا باحتكامنا إليه إلاّ الإحسان من بعضنا إلى بعض،و الصّواب فيما احتكمنا فيه إليه.(5:156)

الزّجّاج: أي ما أردنا بمطالبتنا بدم صاحبنا إلاّ إحسانا و طلبا لما يوافق الحقّ.(2:69)

ابن كيسان :حقّا و عدلا،نظيرها وَ لَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى التّوبة:107.(الثّعلبيّ 3:339)

الطّوسيّ: قيل:فيه قولان:

أحدهما:أي ما أردنا بالمطالبة بدم صاحبنا إلاّ إحسانا إلينا،و ما وافق الحقّ في أمرنا.

الثّاني:ما أردنا بالعدول عنك في المحاكمة إلاّ توفيقا بين الخصوم،و إحسانا بالتّقريب في الحكم دون الحمل على مرّ الحقّ.كلّ ذلك كذب منهم و إفك.(3:241)

نحوه شبّر.(2:61)

الواحديّ: إلاّ توفيقا بين الخصوم أي جمعا و تأليفا، و إحسانا بالتّقريب في الحكم دون الحمل على مرّ الحقّ، و كلّ ذلك كذب منهم.(2:74)

الزّمخشريّ: (الاّ احسانا)لا إساءة(و توفيقا)بين الخصمين،و لم نرد مخالفة لك و لا تسخّطا لحكمك،ففرّج عنّا بدعائك.و هذا وعيد لهم على فعلهم،و أنّهم سيندمون عليه حين لا ينفعهم النّدم،و لا يغني عنهم الاعتذار عند حلول بأس اللّه.

و قيل:جاء أولياء المنافق يطلبون بدمه و قد أهدره اللّه،فقالوا:ما أردنا بالتّحاكم إلى عمر (1)إلاّ أن يحسن إلى صاحبنا بحكومة العدل و التّوفيق بينه و بين خصمه، و ما خطر ببالنا أنّه يحكم له بما حكم به.(1:536)

مثله النّسفيّ(1:233)،و الخازن(1:461)،و نحوه أبو السّعود(2:157)،و البروسويّ(2:230)، و الشّوكانيّ(1:616)،و القاسميّ(5:1356).

الفخر الرّازيّ: في تفسير الإحسان و التّوفيق وجوه:

الأوّل:معناه ما أردنا بالتّحاكم إلى غير الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم إلاّ الإحسان إلى خصومنا،و استدامة الاتّفاق و الائتلاف فيما بيننا،و إنّما كان التّحاكم إلى غير الرّسول إحسانا إلى الخصوم،لأنّهم لو كانوا عند الرّسول لما قدروا على رفع صوت عند تقرير كلامهم،و لما قدروا على التّمرّد من حكمه،فإذن كان التّحاكم إلى غير الرّسول إحسانا إلى الخصوم.

الثّاني:أن يكون المعنى:ما أردنا بالتّحاكم إلى عمر إلاّ أنّه يحسن إلى صاحبنا بالحكم العدل،و التّوفيق بينه و بين خصمه،و ما خطر ببالنا أنّه يحكم بما حكم به الرّسول.ع.

ص: 291


1- لاحظ قصّة نزول الآية في نفس الموضع.

الثّالث:أن يكون المعنى:ما أردنا بالتّحاكم إلى غيرك يا رسول اللّه إلاّ أنّك لا تحكم إلاّ بالحقّ المرّ و غيرك يدور على التّوسّط،و يأمر كلّ واحد من الخصمين بالإحسان إلى الآخر،و تقريب مراده من مراد صاحبه،حتّى يحصل بينهما الموافقة.(10:158)

نحوه القرطبيّ(5:264)،و النّيسابوريّ(5:72)، و أبو حيّان(3:281).

البيضاويّ: ما أردنا بذلك إلاّ الفصل لوجه الأحسن و التّوفيق بين الخصمين،و لم نرد مخالفتك.

(1:227)

نحوه الشّربينيّ.(1:313)

ابن كثير :ما أردنا بذهابنا إلى غيرك،و تحاكمنا إلى أعدائك إلاّ الإحسان و التّوفيق،أي المداراة و المصانعة، لا اعتقادا منّا صحّة تلك الحكومة،كما أخبرنا تعالى عنهم في قوله: فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ يُسارِعُونَ فِيهِمْ يَقُولُونَ نَخْشى... فَيُصْبِحُوا عَلى ما أَسَرُّوا فِي أَنْفُسِهِمْ نادِمِينَ المائدة:52.(2:328)

الكاشانيّ: و هو التّخفيف عنك،(و توفيقا)بين الخصمين بالتّوسّط،و لم نرد مخالفتك.(1:431)

نحوه الطّباطبائيّ(4:404)،و عبد الكريم الخطيب (3:824).

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:المعنيّ بالآية عبد اللّه بن أبيّ،و المصيبة:ما أصابه و أصحابه من الذّلّ برجوعهم من غزوة بني المصطلق-و هي غزوة مريسيع-حين نزلت سورة المنافقين،فاضطرّوا إلى الخشوع و الاعتذار،على ما سيذكر في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

و قالوا:ما أردنا بالكلام بين الفريقين المتنازعين في تلك الغزوة إلاّ الخير،أو مصيبة الموت،لما تضرّع إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الإقالة و الاستغفار و استوهبه ثوبه، ليتّقي به النّار.(5:69)

رشيد رضا :(احسانا)في المعاملة،(و توفيقا)بينهم و بين خصمهم بالصّلح،أو الجمع بين منفعة الخصمين.

و قالوا:نحن نعلم أنّك لا تحكم إلاّ بمرّ الحقّ،لا تراعي فيه أحدا،فلم نر ضررا في استمالة خصومنا بقبول حكم طواغيتهم،و التّوفيق بين منفعتنا و منفعتهم.(5:229)

نحوه المراغيّ.(5:75)

عزّة دروزة :لم يريدوا صدّا عنه و لا جحودا،بما أنزل اللّه،و أنّ نيّتهم حسنة،و أنّ كلّ ما أرادوه هو التّوفيق في الخصومة،و حلّها بالمعروف و الحسنى.

(9:105)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ مقصود المنافقين من «الإحسان»هل هو الإحسان إلى طرفي الدّعوى أو إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله؟يمكن أن يكون مرادهم كلا الأمرين،فهم تذرّعوا بحجج مضحكة لتحاكمهم إلى الطّاغوت و الرّجوع إلى الأجانب،من جملتها أنّهم كانوا يقولون:

إنّ التّحاكم إلى الرّسول صلّى اللّه عليه و آله لا يناسب شأنه و لا يليق بمقامه،لأنّ الغالب أن يحصل شجار و صياح في محضر القضاة و من جانب المتداعين؛و ذلك أمر لا يناسب شأن النّبيّ و لا يليق بمكانته و محضره.

هذا مضافا إلى أنّ القضاء ينتهي دائما إلى الإضرار بأحد الطّرفين،و لذلك فهو يثير حفيظته و عداوته ضدّ

ص: 292

القاضي و الحاكم،و كأنّهم بأمثال هذه الحجج الواهية و الأعذار الموهونة،كانوا يحاولون تبرئة أنفسهم و تبرير مواقفهم الباطلة،و ادّعاء أنّ تحاكمهم إلى غير النّبيّ كان بهدف التّخفيف عن النّبيّ.

و ربّما اعتذروا لذلك قائلين:إنّ هدفنا لم يكن مادّيّا في الأساس بل كان التّوصّل إلى وفاق بين المتداعيين.(3:267)

فضل اللّه :إنّنا لم نرد من خلال ما فعلناه السّوء و الشّرّ لمن حولنا أو للإسلام،بل أردنا الإحسان و التّوفيق،فتلك هي نوايانا الحقيقيّة،و تلك هي مقاصدنا في كلّ التّحرّكات الّتي قمنا بها.و ربّما خيّل إليهم أنّ الحيلة قد تنطلي على المجتمع المسلم الّذي يتمتّع أفراده بطيبة الإيمان و طهارته،فيحملهم على الخير إذا كان محتملا للخير و الشّرّ.(7:339)

الوجوه و النّظائر

الحسن:

الحيريّ: باب الحسن على ستّة أوجه:

أحدها:محتسبا من قبله،كقوله: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً... البقرة:245،و مثله في الحديد:11،و قوله: وَ أَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً المائدة:12،و قوله: وَ أَقْرِضُوا اللّهَ قَرْضاً حَسَناً المزّمّل:20.

و الثّاني:الصّدق،كقوله: أَ لَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً طه:86.

و الثّالث:الحلال،كقوله: وَ رَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً هود:88،و قوله: تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً النّحل:67.

و الرّابع:الجنّة،كقوله: أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً القصص:61.

و الخامس:الحقّ،كقوله: أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فاطر:8.

و السّادس:ضدّ القبيح،كقوله: فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ الرّحمن:70.(199)

الحسنة و السّيّئة:

مقاتل:تفسير«الحسنة و السّيّئة»على خمسة وجوه:

فوجه منها:الحسنة:يعني النّصر و الغنيمة،و السّيّئة:

يعني القتل و الهزيمة،فذلك قوله في آل عمران:120، إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ يعني النّصر و الغنيمة يوم بدر،تسوؤهم، وَ إِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يعني القتل و الهزيمة يوم أحد يَفْرَحُوا بِها.

نظيرها في النّساء:78،79،حيث يقول: وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يعني النّصر و الغنيمة، يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يعني القتل و الهزيمة يوم أحد.كقوله أيضا في براءة التّوبة:50: إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ يعني النّصر و الغنيمة(تسؤهم) وَ إِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يعني القتل و الهزيمة.

و الوجه الثّاني:الحسنة و السّيّئة،يعني:التّوحيد و الشّرك،فذلك قوله في النّمل:89،90 مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ يعني التّوحيد فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها يقول منها

ص: 293

خير. وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ يعني الشّرك فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النّارِ.

و نظيرها في القصص:84،و أيضا في الأنعام:160.

و الوجه الثّالث:الحسنة يعني:كثرة المطر و الخصب، و السّيّئة يعني:قحط المطر و قلّة النّبات و الخير،و ذلك قوله في الأعراف:131، فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ يعني كثرة المطر و الخصب و الخير، قالُوا لَنا هذِهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يعني قحط المطر و قلّة الخير، يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَ مَنْ مَعَهُ الأعراف:131.

نظيرها فيها:95،حيث يقول: ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ مكان قحط المطر و قلّة الخير و الخصب (الحسنة).و قال: وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ الأعراف:

168،يعني كثرة المطر و الخصب،(و السّيّئات)قلّة المطر.

و قال في سورة الرّوم:36، وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يعني قحط المطر بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ.

و الوجه الرّابع:السّيّئة يعني العذاب في الدّنيا و الحسنة يعني العاقبة،فذلك قوله في الرّعد:6، وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ يعني في الدّنيا قَبْلَ الْحَسَنَةِ يعني قبل العاقبة.

و الوجه الخامس:الحسنة يعني:العفو و قول المعروف،و السّيّئة:قول القبيح و الأذى،فذلك قوله في القصص:54: وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ، يعني يدفعون بالقول المعروف و العفو قول الشّين و الأذى، كقوله في حم السّجدة:34: وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ يعني العفو و الصّفح، وَ لاَ السَّيِّئَةُ يعني الشّرّ من القول و الأذى.

نظيرها في المؤمنين:96، اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ يعني(ادفع)بالعفو و الصّفح،قول الشّين و الأذى،نظيرها في الرّعد:22.(108)

مثله هارون الأعور(47)،و نحوه الدّامغانيّ(245).

الحيريّ: باب الحسنة على اثني عشر وجها:

أحدها:الفتح و الغنيمة،كقوله: إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ آل عمران:120.نظيرها في التّوبة:50.

و الثّاني:التّوحيد،كقوله في الأنعام:160، و النّمل:89،و القصص:84: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها، مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها في السّورتين (1).

و الثّالث:المطر و الخصب،كقوله: ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ الأعراف:95،و قوله: وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ السَّيِّئاتِ الأعراف:168.

و الرّابع:العلم و العبادة،كقوله: وَ اكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ الأعراف:156.

و الخامس:الصّلاة،كقوله: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ هود:114.

و السّادس:العافية،كقوله: وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ الرّعد:6،و قوله: قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ النّمل:46.

و السّابع:القول اللّيّن،كقوله: بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ النّحل:125.و الثّامن:الكلام الحسن،كقوله:

وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ الرّعد:22،و قوله: وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّيِّئَةُ فصّلت:34.ص.

ص: 294


1- يشير إلى سورتي النّمل و القصص.

و التّاسع:الثّناء،كقوله: وَ آتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً النّحل:122.

و العاشر:الطّاعة،كقوله: وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً الشّورى:23.

و الحادي عشر:المرأة الصّالحة،كقوله: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً البقرة:201.

و الثّاني عشر:الحور العين،كقوله: وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً البقرة:201 قال ابن عبّاس:في الدّنيا شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،و في الآخرة الجنّة،و قال سهل بن عبد اللّه:في الدّنيا السّنّة و الجماعة،و في الآخرة النّعيم و الجنّة، و يقال:في الدّنيا التّوفيق،و في الآخرة القبول،و يقال:في الدّنيا السّنّة و الجماعة،و في الآخرة الشّفاعة،و يقال:في الدّنيا العافية،و في الآخرة الرّحمة،و يقال:في الدّنيا الزّوجة،و في الآخرة المغفرة.(200)

حسنا:

هارون الأعور:تفسير«حسنا»على خمسة وجوه:

فوجه منها:حسنا،يعني:حقّا،فذلك قوله عزّ و جلّ في البقرة:83: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً يعني حقّا.

قال أبو الحسن:نزلت هذه الآية في أهل الملل وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً يعني خيرا،لا تمسّوهم و لا تؤذوهم،فإنّهم ذمّة اللّه و رسوله.

قال:بلغنا عن الحسن[البصريّ]أنّه قال في هذه الآية: وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً قال:أمرك بالمعروف و نهيك عن المنكر من الحسن،ثمّ عاد إلى الحديث:

وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً أي حقّا في أمر محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،أنّه نبيّ.و قوله في طه:86 أَ لَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً يعني حقّا.

الوجه الثّاني:حسنا،يعني محتسبا،فذلك قوله في البقرة:245: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً.

الوجه الثّالث:الحسنى يعني:الجنّة؛و ذلك قوله في سورة القصص:61: أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً هي الجنّة، فَهُوَ لاقِيهِ داخل الجنّة،و قال في الكهف:

2: أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً عند اللّه الجنّة.و قال في يونس:

26 لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى الجنّة.

و الوجه الرّابع:حسنا،يعني:العفو؛و ذلك قوله في سورة الكهف:86: وَ إِمّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً يعني:

العفو.

و الوجه الخامس:حسنا،يعني برّا،و ذلك قوله في الأحقاف:15: وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً يعني برّا.و مثلها في الإسراء:23،قال: وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً يعني برّا.(60)

نحوه الدّامغانيّ.(249)

الحيريّ: باب«حسنا»على أربعة أوجه:

أحدها:الحقّ،كقوله: قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً البقرة:83.

و الثّاني:ضدّ القبح،كقوله: ...وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ آل عمران:195، طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ الرّعد:29.

و الثّالث:الدّرجات،كقوله: وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً الشّورى:23.

و الرّابع:التّوبة،كقوله: إِلاّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ

ص: 295

حُسْناً النّمل:11.(198)

الحسنى:

مقاتل:تفسير«الحسنى»على ثلاثة وجوه:

فوجه منها:(الحسنى)يعني:الجنّة،فذلك قوله في يونس:26: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى يعني الّذين وحّدوا،لهم الحسنى،يعنى:الجنّة وَ زِيادَةٌ يعني:

النّظر إلى وجه اللّه،نظيرها في النّجم:31؛حيث يقول:

وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى يعني:بالجنّة، و كقوله في الرّحمن:60: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ يقول:هل جزاء أهل التّوحيد إلاّ الجنّة.

و الوجه الثّاني:(الحسنى)أي البنون،فذلك قوله تعالى في النّحل:62: أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى أي البنون.

و الوجه الثّالث:(الحسنى)يعني الخير،فذلك قوله تعالى في التّوبة:107: إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى يقول:ما أردنا ببناء المسجد إلاّ الخير،و نظيرها في النّساء:62 إِنْ أَرَدْنا إِلاّ إِحْساناً وَ تَوْفِيقاً يعني الخير.(111)

مثله هارون الأعور(49)،و الدّامغانيّ(248)، و نحوه الحيريّ(198)،إلاّ أنّه قال:(الحقّ)مكان (الخير).

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الحسن:ضدّ القبح و نقيضه؛ و الجمع:محاسن.يقال:حسن و حسن يحسن حسنا،فهو حاسن و حسن،و هي حسنة و حسناء؛و الجمع:حسان.

و رجل حسن بسن:إتباع له.

و الحسنى:«فعلى»مصدر بمنزلة الحسن؛و الجمع:

حسنيات و حسن.و هي مؤلف الأحسن أيضا.

و الأحسن:اسم تفضيل؛و الجمع:أحاسن، و أحاسن القوم:حسانهم.

و الحسّان:أحسن من الحسن؛و الجمع:حسّانون، و امرأة حسّانة؛و الجمع:حسّانات.

و الحسان:الحسن و الحسّان.يقال:رجل حسان.

و التّحسين:اسم بني على«تفعيل»،و جمع على تحاسين.و حسّنت الشّيء تحسينا:زيّنته،و وجه محسّن:

حسن.

و الإحسان:ضدّ الإساءة.يقال:أحسنت إليه و به، فأنا محسن و محسان،و أحسن يا هذا،فإنّك محسان،أي لا تزال محسنا،و هو يحسن الشّيء:يعمله،و أحسن به الظّنّ:نقيض أساءه،و طعام محسنة للجسم:يحسن به.

و المحاسن في الأعمال:ضدّ المساوئ،و هي المواضع الحسنة من البدن أيضا.يقال:فلانة كثيرة المحاسن.

و الاستحسان:عدّ الشّيء حسنا.يقال:هو يستحسن الشّيء،و في الاصطلاح:ترك القياس و الأخذ بما هو أرفق للنّاس.

و حسيناؤه و حسيناه أن يفعل كذا:جهده و غايته.

2-و الحسن في الحديث:ما عرف مخرّجه و اشتهر رجاله؛إذ ينبغي أن يكون راويه مشهورا بالصّدق و الأمانة.و هو أدنى مرتبة من الحديث الصّحيح،لقصور راويه عن الحفظ و الوثوق.

و من الحديث الحسن،حديث الحسن المرويّ عن أحمد بن عمران البغداديّ؛قال:حدّثنا أبو الحسن،قال:

ص: 296

حدّثنا أبو الحسن،قال:حدّثنا أبو الحسن،قال:حدّثنا الحسن،عن الحسن،عن الحسن:«إنّ أحسن الحسن الخلق الحسن»الخصال للشّيخ الصّدوق(1:29)

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاءت من المجرّد فعلا ماضيا 3 مرّات،و تفضيلا 36 مرّة،و وصفا مفردا و جمعا 49 مرّة،و مصدرا 13 مرّة، و اسم مصدر 18 مرّة،و من باب الإفعال ماضيا 7 مرّات، و مضارعا و أمرا كلّ منهما مرّتين،و اسم فاعل 39 مرّة، و مصدرا 12 مرّة،في 177 آية:

1:إيتاء الحسنة في الدّنيا و الآخرة

1- وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما ظُلِمُوا لَنُبَوِّئَنَّهُمْ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ لَأَجْرُ الْآخِرَةِ أَكْبَرُ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ النّحل:41

2- وَ آتَيْناهُ فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ إِنَّهُ فِي الْآخِرَةِ لَمِنَ الصّالِحِينَ النّحل:122

3- وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النّارِ البقرة:201

4- وَ اكْتُبْ لَنا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ إِنّا هُدْنا إِلَيْكَ... الأعراف:156

5- ...ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ آل عمران:14

6- فَآتاهُمُ اللّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ آل عمران:148

7- وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ الرَّسُولَ فَأُولئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَ الصِّدِّيقِينَ وَ الشُّهَداءِ وَ الصّالِحِينَ وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً النّساء:69

8- ...مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ نِعْمَ الثَّوابُ وَ حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً الكهف:31

9- خالِدِينَ فِيها حَسُنَتْ مُسْتَقَرًّا وَ مُقاماً

الفرقان:76

10- ...وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ آل عمران:195

11- اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ طُوبى لَهُمْ وَ حُسْنُ مَآبٍ الرّعد:29

12- فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ وَ إِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَ حُسْنَ مَآبٍ ص:25

13- وَ إِنَّ لَهُ عِنْدَنا لَزُلْفى وَ حُسْنَ مَآبٍ ص:40

14- هذا ذِكْرٌ وَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ

ص:49

2:حسن القول

15- ...وَ قُولُوا لِلنّاسِ حُسْناً وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ البقرة:83

3:حسن العمل

16- وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً الشّورى:23

17- قُلْنا يا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمّا أَنْ تُعَذِّبَ وَ إِمّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْناً الكهف:86

18- إِلاّ مَنْ ظَلَمَ ثُمَّ بَدَّلَ حُسْناً بَعْدَ سُوءٍ فَإِنِّي غَفُورٌ رَحِيمٌ النّمل:11

19- وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً...

العنكبوت:8

20- أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً فَإِنَّ اللّهَ

ص: 297

يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ... فاطر:8

4:حسن النّساء

21- لا يَحِلُّ لَكَ النِّساءُ مِنْ بَعْدُ وَ لا أَنْ تَبَدَّلَ بِهِنَّ مِنْ أَزْواجٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكَ حُسْنُهُنَّ... الأحزاب:52

5:حسن القبول

22- فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَ أَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً... آل عمران:37

6:القرض الحسن

23- مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ... البقرة:245

24- ...وَ أَقْرَضْتُمُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً لَأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ... المائدة:12

25- مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَ لَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ الحديد:11

26- إِنَّ الْمُصَّدِّقِينَ وَ الْمُصَّدِّقاتِ وَ أَقْرَضُوا اللّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعَفُ لَهُمْ الحديد:18

27- إِنْ تُقْرِضُوا اللّهَ قَرْضاً حَسَناً يُضاعِفْهُ لَكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ... التّغابن:17

28- ...وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ أَقْرِضُوا اللّهَ قَرْضاً حَسَناً... المزّمّل:20

7:بلاء حسنا

29- ...وَ لِيُبْلِيَ الْمُؤْمِنِينَ مِنْهُ بَلاءً حَسَناً إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ... الأنفال:17

8:متاعا حسنا

30- وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً حَسَناً... هود:3

9:رزقا حسنا

31- قالَ يا قَوْمِ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كُنْتُ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ رَزَقَنِي مِنْهُ رِزْقاً حَسَناً... هود:88

32- وَ مِنْ ثَمَراتِ النَّخِيلِ وَ الْأَعْنابِ تَتَّخِذُونَ مِنْهُ سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً... النّحل:67

33- وَ مَنْ رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَ جَهْراً النّحل:75

34- وَ الَّذِينَ هاجَرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ قُتِلُوا أَوْ ماتُوا لَيَرْزُقَنَّهُمُ اللّهُ رِزْقاً حَسَناً... الحجّ:58

10:أجرا حسنا

35- ...وَ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً الكهف:2

36- فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللّهُ أَجْراً حَسَناً

الفتح:16

11:وعدا حسنا

37- ...قالَ يا قَوْمِ أَ لَمْ يَعِدْكُمْ رَبُّكُمْ وَعْداً حَسَناً... طه:86

38- أَ فَمَنْ وَعَدْناهُ وَعْداً حَسَناً فَهُوَ لاقِيهِ كَمَنْ مَتَّعْناهُ مَتاعَ الْحَياةِ الدُّنْيا... القصص:61

12:الحسنة و جزاؤها

39- إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ وَ إِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضاعِفْها... النّساء:40

40- ...لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ النّحل:30

41- لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ أَرْضُ اللّهِ واسِعَةٌ الزّمر:10

ص: 298

13:الأعمال الحسنة و السّيّئة و دفع السّيّئة

بالحسنة و مضاعفتها

42- وَ لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فصّلت:34

43- اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ نَحْنُ أَعْلَمُ بِما يَصِفُونَ المؤمنون:96

44- أُولئِكَ يُؤْتَوْنَ أَجْرَهُمْ مَرَّتَيْنِ بِما صَبَرُوا وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ القصص:54

45- وَ يَدْرَؤُنَ بِالْحَسَنَةِ السَّيِّئَةَ أُولئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدّارِ الرّعد:22

46- مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ

الأنعام:160

47- مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ* وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ النّمل:89 و 90

48- مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ القصص:84

49- فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ

الفرقان:70

50- إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ... هود:114

14:الشّفاعة الحسنة و السّيّئة

51- مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها وَ مَنْ يَشْفَعْ شَفاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها...

النّساء:85

15 و 16:الموعظة الحسنة و الجدال بالأحسن

52- اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ... النّحل:125

17:أسوة حسنة

53- لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ...

الأحزاب:21

54- قَدْ كانَتْ لَكُمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ فِي إِبْراهِيمَ وَ الَّذِينَ مَعَهُ... الممتحنة:4

55- لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِيهِمْ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ... الممتحنة:6

18:الحسنة و السّيّئة،أي الخيرات و الشّرور

56- إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها... آل عمران:120

57- ...وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ النّساء:78

58- ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ... النّساء:79

59- فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَ مَنْ مَعَهُ...

الأعراف:131

60- إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ... التّوبة:50

61- وَ يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ الْحَسَنَةِ...

الرّعد:6

62- قالَ يا قَوْمِ لِمَ تَسْتَعْجِلُونَ بِالسَّيِّئَةِ قَبْلَ

ص: 299

اَلْحَسَنَةِ... النّمل:46

63- ثُمَّ بَدَّلْنا مَكانَ السَّيِّئَةِ الْحَسَنَةَ حَتّى عَفَوْا... الأعراف:95

64- ...وَ بَلَوْناهُمْ بِالْحَسَناتِ وَ السَّيِّئاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ الأعراف:168

19-الأسماء الحسنى

65- وَ لِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها...

الأعراف:180

66- ...أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى...

الإسراء:110

67- اَللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى

طه:8

68- هُوَ اللّهُ الْخالِقُ الْبارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى... الحشر:24

20:الجزاء و الأعمال الحسنى

69- ...وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى... النّساء 95

70- ...وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ بِما صَبَرُوا... الأعراف:137

71- ...وَ لَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى وَ اللّهُ يَشْهَدُ إِنَّهُمْ لَكاذِبُونَ التّوبة:107

72- لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى...

الرّعد:18

73- ...وَ تَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى النّحل:62

74- وَ أَمّا مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى... الكهف:88

75- إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ الأنبياء:101

76- وَ لَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى فصّلت:50

77- ...وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ... الحديد:10

78- فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَ اتَّقى* وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرى الليل:5-7

79- وَ أَمّا مَنْ بَخِلَ وَ اسْتَغْنى* وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى* فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرى الليل:8-10

21:الحسنيين

80- قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنا إِلاّ إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ...

التّوبة:52

22:حسان

81- فِيهِنَّ خَيْراتٌ حِسانٌ الرّحمن:70

82- مُتَّكِئِينَ عَلى رَفْرَفٍ خُضْرٍ وَ عَبْقَرِيٍّ حِسانٍ الرّحمن:76

23:أحسن:تفضيلا

أ-فعل اللّه:

83- صِبْغَةَ اللّهِ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ صِبْغَةً وَ نَحْنُ لَهُ عابِدُونَ البقرة:138

84- ...ثُمَّ أَنْشَأْناهُ خَلْقاً آخَرَ فَتَبارَكَ اللّهُ أَحْسَنُ الْخالِقِينَ المؤمنون:14

85- أَ تَدْعُونَ بَعْلاً وَ تَذَرُونَ أَحْسَنَ الْخالِقِينَ

الصّافّات:125

86- لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ

التّين:4

ص: 300

ب-فعل الناس:

87- ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً النّساء:59

88- ...وَ زِنُوا بِالْقِسْطاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً الإسراء:35

89- وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها النّساء:86

90- وَ قُلْ لِعِبادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...

الإسراء:53

91: وَ مَنْ أَحْسَنُ دِيناً مِمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ... النّساء:125

92- ...وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ المائدة:50

93- وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ الأنعام:152،الإسراء:34

94- ...لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً... هود:7

95- إِنّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً الكهف:7

96- اَلَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَ الْحَياةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً... الملك:2

97- نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ بِما أَوْحَيْنا إِلَيْكَ هذَا الْقُرْآنَ... يوسف:3

98- ...لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ التّوبة:121

99- وَ لَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ النّحل:96

100- لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ... النّور:38

101- ...وَ يَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ الزّمر:35

102- ...وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ النّحل:97

103- ...وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ العنكبوت:7

104- أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا... الأحقاف:16

105- وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ العنكبوت:46

106- وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لِلَّذِينَ آمَنُوا أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَ أَحْسَنُ نَدِيًّا مريم:73

107- وَ كَمْ أَهْلَكْنا قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْنٍ هُمْ أَحْسَنُ أَثاثاً وَ رِءْياً مريم:74

108- أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ أَحْسَنُ مَقِيلاً الفرقان:24

109- وَ لا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ إِلاّ جِئْناكَ بِالْحَقِّ وَ أَحْسَنَ تَفْسِيراً الفرقان:33

110- اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ... الزّمر:23

111- وَ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ... الزّمر:55

ص: 301

112- اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ... الزّمر:18

113- ...فَخُذْها بِقُوَّةٍ وَ أْمُرْ قَوْمَكَ يَأْخُذُوا بِأَحْسَنِها الأعراف:145

114- وَ مَنْ أَحْسَنُ قَوْلاً مِمَّنْ دَعا إِلَى اللّهِ وَ عَمِلَ صالِحاً... فصّلت:33

23:ما أحسن اللّه فعله

115- اَلَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَ بَدَأَ خَلْقَ الْإِنْسانِ مِنْ طِينٍ السّجدة:7

116- ...وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ... المؤمن:64

117- ...وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ التّغابن:3

118- ...قَدْ أَحْسَنَ اللّهُ لَهُ رِزْقاً الطّلاق:11

24:ما أحسن النّاس فعله

119- ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ تَماماً عَلَى الَّذِي أَحْسَنَ... الأنعام:154

120- ...قالَ مَعاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوايَ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الظّالِمُونَ يوسف:23

121- ...قَدْ جَعَلَها رَبِّي حَقًّا وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ...

يوسف:100

122- ...وَ لا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيا وَ أَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ... القصص:77

123- إِنّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً

الكهف:30

124- إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها... الإسراء:7

125- لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَ اتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ

آل عمران:172

126- ثُمَّ اتَّقَوْا وَ أَحْسَنُوا وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ المائدة:93

127- لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ...

يونس:26

128- ...وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى

النّجم:31

129- وَ إِنْ تُحْسِنُوا وَ تَتَّقُوا فَإِنَّ اللّهَ كانَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيراً النّساء:128

130- ...وَ أَحْسِنُوا إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ

البقرة:195

131- ...وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً

الكهف:104

25:الاحسان

132- ...فَمَنْ عُفِيَ لَهُ مِنْ أَخِيهِ شَيْءٌ فَاتِّباعٌ بِالْمَعْرُوفِ وَ أَداءٌ إِلَيْهِ بِإِحْسانٍ... البقرة:178

133- اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ... البقرة:229

134- وَ السّابِقُونَ الْأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهاجِرِينَ وَ الْأَنْصارِ وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ... التّوبة:100

135- ...لا تَعْبُدُونَ إِلاَّ اللّهَ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً... البقرة:83

ص: 302

136- وَ اعْبُدُوا اللّهَ وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً... النّساء:36

137- أَلاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً

الأنعام:151

138- وَ قَضى رَبُّكَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً الإسراء:23

139- وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً...

الأحقاف:15

140- إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ وَ إِيتاءِ ذِي الْقُرْبى... النّحل:90

141- هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ

الرّحمن:60

142- ...ثُمَّ جاؤُكَ يَحْلِفُونَ بِاللّهِ إِنْ أَرَدْنا إِلاّ إِحْساناً وَ تَوْفِيقاً النّساء:62

26:المحسن و المحسنين و المحسنات
اشارة

143- بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ... البقرة:112

144- وَ مَنْ يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقى... لقمان:22

145- ...وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِما مُحْسِنٌ وَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ الصّافّات:113

146- إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ النّحل:128

147- وَ قُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ البقرة:58

148- ...وَ عَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتاعاً بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ البقرة:236

149- وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ الْعافِينَ عَنِ النّاسِ وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ آل عمران:134

150- ...فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ المائدة:13

151- ...خالِدِينَ فِيها وَ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ

المائدة:85

152- ...وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ

الأنعام:84

153- ...إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ بِهِ عَمَلٌ صالِحٌ إِنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ التّوبة:120

154- وَ اصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ

هود:115

155- وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ يوسف:22

156- ...نُصِيبُ بِرَحْمَتِنا مَنْ نَشاءُ وَ لا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ يوسف:56

157- إِنَّهُ مَنْ يَتَّقِ وَ يَصْبِرْ فَإِنَّ اللّهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ يوسف:90

158- وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ اسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (القصص:14

159- قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ الصّافّات:105

160- سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ* إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ الصّافّات:79،80

ص: 303

161- سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ* كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ الصّافّات:109،110

162- سَلامٌ عَلى مُوسى وَ هارُونَ* إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ الصّافّات:120،121

163- سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ* إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ الصّافّات:130،131

164- ...أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ* لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ الزّمر:33،34

165- كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ* إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ المرسلات:43،44

166- إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ

الأعراف:56

167- ...وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ الأعراف:161

168- ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ التّوبة:91

169- ...نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ يوسف:36

170- إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ يوسف:78

171- كَذلِكَ سَخَّرَها لَكُمْ لِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلى ما هَداكُمْ وَ بَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ الحجّ:37

172- ...لِيُنْذِرَ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ بُشْرى لِلْمُحْسِنِينَ الأحقاف:12

173- أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ الزّمر:58

174- وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا* وَ إِنَّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ العنكبوت:68،69

175- تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْحَكِيمِ* هُدىً وَ رَحْمَةً لِلْمُحْسِنِينَ لقمان:2،3

176- آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ الذّاريات:16

177- ...فَإِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِناتِ مِنْكُنَّ أَجْراً عَظِيماً الأحزاب:29

و يلاحظ أوّلا:أنّها جاءت بمفهوم واحد و مصاديق عديدة،نذكرها حسب ما رتّبنا الآيات:

الأوّل:جزاء الأعمال في الدّنيا و الآخرة،و قد ذكرا معا في(1-6)و خصوصا جزاء الآخرة في الباقي إلى (14)بألفاظ،في كلّ من الدّنيا و الآخرة:

1-الحسنة في الدّنيا و الآخرة(1-6).

2-متاع الحياة الدّنيا(5).

3-ثواب الدّنيا(4).

4-أجر الآخرة(1).

5-و إنّه في الآخرة لمن الصّالحين(2).

6-حسن ثواب الآخرة(6).

7-حسن الثّواب(10).

8-حسن المآب(5 و 14).

9-طوبى لهم و حسن مآب(11).

10-لهم الزّلفى و حسن مآب(12 و 13).

11-نعم الثّواب و حسنت مرتفقا(8).

12-حسنت مستقرّا و مقاما(9).

الثّاني:حسن القول(15)

ص: 304

الثّالث:حسن العمل بألفاظ:

1-اقتراف الحسنة و جزاؤها(16).

2-اتّخاذ الحسن(17).

3-تبديل السّوء بالحسن(18).

4-التّوصية بالوالدين حسنا(19).

5-من زيّن سوء عمله فرآه حسنا(20).

الرّابع:الإعجاب بحسن النّساء(21).

الخامس:حسن القبول و حسن الإنبات(22).

السّادس:القرض الحسن(23-28).

السّابع:البلاء الحسن(29).

الثّامن:المتاع الحسن(30).

التّاسع:الرّزق الحسن في الدّنيا(31-33)،أو في الآخرة(34).

العاشر:الأجر الحسن(35 و 36).

الحادي عشر:الوعد الحسن(37 و 38).

الثّاني عشر:فعل الحسنة و جزاؤها بأطوار:

1-مضاعفة الحسنة(39).

2-له عشر أمثالها(46).

3-له خير منها(47 و 48).

4-له حسنة في الدّنيا(40 و 41).

5-زيادة الحسنة(16 و 100 و 127).

الثّالث عشر:الشّفاعة الحسنة(51).

الرّابع عشر:الموعظة الحسنة و الجدال بالأحسن (52).

الخامس عشر:أسوة حسنة(53-55).

السّادس عشر:مقابلة الأعمال الحسنة و السّيّئة بأطوار:

1-عدم استواء الحسنة و السّيّئة(42).

2-درء السّيّئة و رفعها بالحسنة(42-45).

3-تبديل السّيّئات حسنات(49).

4-الحسنات يذهبن السّيّئات(50).

السّابع عشر:مقابلة الحسنة و السّيّئة بمعنى الخيرات و الشّرور للمؤمنين و الكافرين و المنافقين:

1-موضع المنافقين قبال الحسنة و السّيّئة للمؤمنين،و للنّبيّ عليه السّلام(57 و 60).

2-موضعهم قبال الحسنة و السّيّئة لهم(58).

3-الحسنة من اللّه و السّيّئة من النّاس(58).

4-استعجال الكفّار السّيّئة قبل الحسنة(61 و 62).

5-تبديل اللّه للكافرين الحسنة مكان السّيّئة(63).

6-بلاء الكفّار بالحسنات و السّيّئات(64).

و في آيات الحسنة و السّيّئة مجتمعتين بحوث:

1-مجموعها 19 آية:10 آيات في الأعمال(42- 51)منها آيتان جاءتا جمعا،و 9 آيات في الخير و الشّرّ (56-64)منها آية واحدة جاءت جمعا(64)،و الباقي مفردا.

2-تسع من آيات الأعمال تتحدّث عن مطلق الأعمال الحسنة و السّيّئة،و واحدة عن خصوص الشّفاعة الحسنة و السّيّئة،كما أنّ إحدى آيتي الجمع منها تتحدّث عن تبديل اللّه السّيّئات حسنات، و الأخرى عن إذهاب الحسنات السّيّئات و مآلهما إلى معنى واحد.لاحظ ب د ل:«يبدّل»،و ذ ه ب:

«يذهبن».

ص: 305

3-واحدة منها(42)تنفي أن تستوي الحسنة و السّيّئة،و هذه مع ثلاث بعدها(42-45)تتحدّث عن دفع السّيّئة و درئها بالحسنة،مع تفاوت بين الدّفع و الدّرء،ففي آيتين(42 و 43)يأمر بدفع السّيّئة بالّتي هي أحسن،مع فرق بينهما أيضا،حيث لم يذكر السّيّئة بعد الدّفع اعتمادا على ما قبلها في(42)فجاء لا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَ لاَ السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ و ذكرت في (43) اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ السَّيِّئَةَ.

و في آيتين بعدهما(44 و 45)جاء توصيف الصّالحين من أهل الكتاب و المؤمنين بأنّهم يدرءون بالحسنة السّيّئة و ليس فيهما أمر.لاحظ د ف ع،و د ر أ.

4-و جاءت في ثلاث بعدها(46-48)مضاعفة جزاء الحسنات،دون السّيّئات،باختلاف في سياقها، فقد نصّ في(46)على أنّ الحسنة تجزى بعشر أمثالها، و السّيّئة بمثلها تأكيدا أي نفي الظّلم على من جاء بها.

و نصّ في(47 و 48)على أنّ من جاء بالحسنة فله خير منها من دون تقدير،كما جاء في آيات مضاعفة الحسنات،و في بعضها أضعافا كثيرة بلا تحديد،و جاءت في خصوص الإنفاق مضاعفة جزاءه إلى سبعمائة و أكثر:

مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ البقرة:261.

و أمّا في جزاء الّذين أوتوا بالسّيّئة فقد أكّد في الآيتين أنّهم لا يجزون إلاّ ما كانوا يعملون نفيا للظّلم بهم.و الكلام في الجزاء طويل.لاحظ:ج ز ي:

«الجزاء»،و ض ع ف:«مضاعفة».

5-جاء في آية الشّفاعة(51)التّقابل بين من يشفع شفاعة حسنة،و من يشفع شفاعة سيّئة.فقال في الحسنة: يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْها، و في السّيّئة: يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْها. لاحظ:ش ف ع،و ن ص ب،و ك ف ل.

6-هذه الآيات كلّها مكّيّة،و سياقها مدح للمؤمنين،سوى واحدة(51)-و هي آية الشّفاعة- فمدنيّة،أوّلها مدح لمن يشفع شفاعة حسنة،و آخرها ذمّ لمن يشفع شفاعة سيّئة،و تجعل للفريقين سهما في شفاعتهما مع تفاوت سبق.لاحظ«ش ف ع».

7-هذه كلّها في آيات الأعمال،و أمّا آيات الخير و الشّرّ-و تقلّ عن تلك بواحدة-فسياقها ذمّ-عكس آيات الأعمال-و موردها الكفّار أو المنافقين،أو آل فرعون أو اليهود،حسب ما قبلها،فلاحظ،و أربع منها مدنيّة(56-58 و 60)و الباقي مكّيّة.

8-و من بينها آية واحدة(58)وقعت محلّ البحث من جهات،و هي من تتمّة ما قبلها،و تمامها أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَ لَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً* ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ وَ أَرْسَلْناكَ لِلنّاسِ رَسُولاً وَ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً النّساء:

78 و 79.

و إحدى تلك الجهات:أنّ القائلين بأنّ الحسنة من عند اللّه و السّيّئة من عندك مردّدون بين اليهود و المنافقين أو الفريقين معا.

ص: 306

فكان اليهود يقولون ذلك للنّبيّ كما كانوا يقولونه لموسى في(59): فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَ مَنْ مَعَهُ. أم هم المنافقون مثل عبد اللّه بن أبيّ،أم كلا الفريقين كانوا يقولونه للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و ثانيها:ما هو المراد بالحسنة و السّيّئة أ هما الخصب و عدمه في الثّمرات،أو المراد بالحسنة:النّصر في بدر، و بالسّيّئة:النّكث في أحد،أو المراد بهما:هو الطّاعة و المعصية،فتندرج هذه في آيات الأعمال،و تخرج من آيات الخير و الشّرّ؟

ثالثها:إذا أريد بهما الخير و الشّرّ فكيف الجمع بين قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ (57)و بين ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ (58) لاحظ النّصوص في الإجابة على هذه الأسئلة و لا سيّما نصّ الطّبرسيّ.

الثّامن عشر:الأسماء الحسنى(65-68).

التّاسع عشر:جزاء الأعمال الحسنى(69-79).

العشرون:الحسنيين(80)و في هذه الثّلاث بحوث:

1-(الحسنى)في(الأسماء الحسنى):تفضيل و هي مؤنّث«أحسن»مثل«أفضل فضلى»فمعنى الآيات الأربع أنّ للّه أحسن الأسماء،و أنّ أسماءه كلّها أحسن الأسماء.قال ابن منظور(13:116)في وَ لِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى: «الحسنى تأنيث الأحسن يقال:الاسم الأحسن و الأسماء الحسنى...و مثله لِنُرِيَكَ مِنْ آياتِنَا الْكُبْرى طه:23،و لأنّ الجماعة مؤنّثة...».

2-و أمّا في باقي الآيات ف(الحسنى)-كما يأتي- مصدر أو اسم مصدر.قال ابن منظور(13:115)في وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى (78)،و لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ (127):«و الحسنى:ضدّ السّوأى...و منه البؤس و البؤسى و النّعم و النّعمى...».

3-و منها«الحسنيين»تثنية الحسنى،و المراد بهما النّصر و الشّهادة،و هما أمنيّة المجاهدين في جهادهم.

4-الحسنى في الآيات(68-78)جاءت مصدرا قام مكان الوصف،و هي إمّا عمل،و إمّا جزاء أو وعد بالجزاء:

فالعمل في إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى (71)،نقلا عن المنافقين الّذين بنوا مسجدا ضرارا،حيث حلفوا أنّهم لم يريدوا بعملهم هذا إلاّ الحسنى.قال الطّبرسيّ(3:73):

«معناه أنّ هؤلاء يحلفون كاذبين ما أردنا ببناء هذا المسجد إلاّ الفعلة الحسنى من التّوسعة على أهل الضّعف و العلّة من المسلمين».

و الوعد في آيات:

1- وَ تَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ الْحُسْنى (70)أي أنجز وعده بالحسنى.قال الطّبرسيّ(2:470):«معناه صحّ كلام ربّك بإنجاز الوعد بإهلاك عدوّ بني إسرائيل و باستخلافهم في الأرض...و قيل:إنّ الكلمة الحسنى قوله سبحانه: وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ القصص:5.

2- لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى (72)،قال الطّبرسيّ(3:287):«و المراد به للّذين أجابوا دعوة اللّه و آمنوا به و أطاعوه الحسنى،و هي الجنّة»فالحسنى فيها إمّا وعد بالجنّة أو هي نفسها جزاء.

ص: 307

3- إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى (75)،قال الطّبرسيّ(4:64):«أي الموعدة بالجنّة.و قيل:

الحسنى:السّعادة عن ابن زيد،و كأنّه يذهب إلى (الكلمة)بأنّه سيسعد أو إلى العدة لهم على طاعتهم فأنّث الحسنى».

4- وَ صَدَّقَ بِالْحُسْنى، وَ كَذَّبَ بِالْحُسْنى (78 و 79)،قال الطّبرسيّ(5:502):«معناه صدّق بالعدة الحسنى...و كذّب بالجنّة أو الثّواب و الوعد...».

و أمّا الجزاء ففي آيات أيضا:

1- فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى (74).2- إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى (76).3- وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى (77).

4- وَ تَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى (73).

قال الطّبرسيّ: «إنّ لهم الحسنى:و هي البنون عن مجاهد،و قيل:معناه تصفون أنّ لهم-مع قبيح قولهم-من اللّه الجزاء الحسن،و المثوبة الحسنى و هي الجنّة...».

الحادي و العشرون:«حسان»جاء في آيتين:

خَيْراتٌ حِسانٌ، و عَبْقَرِيٍّ حِسانٍ (81 و 82) و هي جمع«حسن و حسناء»أي للمذكّر و المؤنّث معا.

ففي الأولى هي وصف خَيْراتٌ، قال الطّبرسيّ (5:211):«أي نساء خيرات الأخلاق حسان الوجوه...».

و في الثّانية وصف ل(عبقرىّ)و هي جمع أريد بها- كما حكى الطّبرسيّ-الزّرابيّ،أو الطّنافس،أو الدّيباج، أو البسط،أو كلّ ثوب موشيّ.لاحظ:«ع ب ق ر».

و اللاّفت للنّظر أنّ هذا اللّفظ كرّر مرّتين في سورة الرّحمن و لم يأت في غيرها،و الرّويّ فيها«فعلان» بتثليث الفاء،مثل«الرّحمن و القرآن و الإنسان»أو ما يوازيها أو يقاربها اسما مفردا و جمعا مثل(النّار و الأعلام)،أو فعلا مضارعا مثنّى مثل(تكذّبان و يبغيان).

و قد كرّرت فيها رويّا ألفاظ أخرى مثل(الميزان و جانّ)3 مرّات،و(المرجان و الاكرام و جنّتان)مرّتين و(تكذّبان)31 مرّة.

و بهذه المحاسن اللّفظيّة سمّيت السّورة«عروس القرآن»،و جاءت فيها أقصر الآيات القرآنيّة،و هي:

(مدهامّتان).

الثّاني و العشرون:«أحسن»تفضيلا 34 مرّة (83-123)،و هي أكثر صيغها عددا في القرآن بعد المحسن و المحسنين،و هي على أقسام:

أ-وصف اللّه تعالى في آيات:

1-«أحسن صبغة»(83).

2-«أحسن الخالقين»(84 و 85).

3-«أحسن حكما»(92).

ب-وصفا للقرآن في آيات:

1-«أحسن القصص»(97).

2-«أحسن تفسيرا»(109).

3-«أحسن الحديث»(110).

4-«أحسن ما أنزل إليكم»(111).

5-«أحسن القول»(114).

6-«يأخذوا بأحسنها»(113).

و قد سبق في نصوص هذه الآيات اختلافهم في معنى الأخذ بأحسنها و سنبحثها.

ج-الإنسان و أعماله:

ص: 308

1-«أحسن تقويم»(86).

2-«أحسن تأويلا»في الرّدّ إلى اللّه،و«الوزن بالقسطاس المستقيم»(87 و 88).

3-«ردّ التّحيّة بالأحسن»(89).

4-«القول الأحسن»(90 و 114).

5-«أحسن دينا»(91).

6-«ردّ مال اليتيم بالّتي هي أحسن»(93).

7-«بلاء من هو أحسن عملا»(94-96).

8-«الجدال بالّتي هي أحسن»(105).

9-«أحسن نديّا»(106)،أي قال الّذين كفروا للّذين آمنوا-إنكارا و تكذيبا-:أيّ الفريقين خير مقاما و مجلسا،و النّديّ: المجلس،لاحظ:«ن د ي».

10-«أحسن أثاثا و رأيا»(107).و كذلك قالوا لهم:أيّهما أحسن أثاثا و منظرا،لاحظ:«رأي».

11-«دفع السّيّئة بالّتي هي أحسن»(42 و 43).

12-«قبول أحسن الأعمال»(104).

13-«أصحاب الجنة أحسن مقيلا»(108)،أي أصحاب الجنّة موضع قيلولتهم-و هي الاستراحة في نصف النّهار أحسن-

د-جزاء الأعمال بأحسنها(98-103)،و قد سبق في نصوصهم اختلافهم في المراد بأحسنها هل الأحسن وصف للأعمال أو للجزاء؟و سنبحثها.

الثّالث و العشرون:ما أحسن اللّه أو أحسن النّاس فعله:

فما أحسن اللّه فعله ثلاثة:

1- «أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ» (115).و هي عامّة لجميع مخلوقات اللّه،و قد خصّ الإنسان من بينها بأنّه تعالى أحسن صورته(116 و 117)،و أحسن رزقه (118)،و خلقه في أحسن تقويم(86)،و أنّه وصف نفسه بخلقة الانسان بأحسن الخالقين(84).و هذه إن دلّت على شيء تدلّ على اهتمامه تعالى بالإنسان و برّزه من بين المخلوقات[لاحظ الإنسان]

2-«أحسن صور الإنسان»(116 و 117).

3-«أحسن للإنسان الرّزق»(118).

و ما أحسن النّاس فعله أمور شتّى و بعضها يرجع إلى اللّه أيضا احتمالا أو جزما:

1-إتيان اللّه موسى الكتاب تماما على الّذى احسن (119).و قد سبق في نصوصها اختلافهم في اَلَّذِي أَحْسَنَ أنّه موسى عليه السّلام،أو من أحسن من بني إسرائيل،أو كلّ محسن،أو ما أحسن اللّه به إلى موسى من النّبوّة،أو غيرها،فلاحظ.

2-ما أحسن إلى يوسف ربّه أي فرعون أو اللّه تعالى.(120).

3-إحسان اللّه إلى يوسف بإخراجه من السّجن و إتيان أهله من البدو.(121).

4-إحسان اللّه إلى نبيّنا عليه السّلام(122).

5-جزاء من أحسن عملا(124-131)،و قد جاء في الآيات بأساليب مختلفة.

6-الّذين يسيئون و يحسبون أنّهم يحسنون(131).

الرّابع و العشرون:العمل و الأمر و الجزاء و العشرة بإحسان 10 مرّات:

1-الأداء إلى وليّ المقتول بإحسان(132).

ص: 309

2-تسريح المرأة عند الطّلاق بإحسان(133).

3-اتّباع السّابقين من المهاجرين و الأنصار بإحسان (134).

4-الإحسان بالوالدين(135-139).

5-أمر اللّه بالعدل و الإحسان(140).

6-جزاء الإحسان بالإحسان(141).

الخامس و العشرون:ادّعاء الإحسان من المنافقين مرّة(142).

السّادس و العشرون:المحسن و المحسنين و المحسنات و جزاؤهم 39 مرّة و هم أصناف:

1-من أسلم وجهه للّه(143 و 144).

2 و 3-المتّقون و الصّابرون(146 و 154 و 157 و 164 و 165).

4-المجاهدون(174).

5 و 6-الكاظمون الغيظ و العافون عن النّاس (149).

7-من عفا و صفح عن المسيء(150).

8-الأنبياء و الصّالحون من ذرّيّاتهم(145 و 152 و 155 و 158-163).

9-المؤمنون و الصّالحون(151 و 153).

10-المستغفرون(147).

11-المحسنات من أزواج النّبيّ عليه السّلام(177).

12-من متّع النّساء المطلّقات بالمعروف(148).

و أمّا جزاؤهم فألوان و أقسام:

1-لهم أجرهم و ما يشاءون عند ربّهم(143 و 164).

2-إنّ اللّه معهم(146 و 174).

3-غفران الخطايا و زيادة(147).

4-الاستمساك بالعروة الوثقى(144).

5-إنّ اللّه يحبّهم(149 و 150).

6-الخلد في الجنّة و لذّاتها(151).

7-لا يضيع اللّه أجرهم(153-157).

8-رحمة اللّه قريب منهم(166).

9-ليس عليهم من سبيل(168).

10-يبشّرهم اللّه و رسوله(171 و 172).

11-سلام اللّه عليهم(160-163)

12-الهداية و الرّحمة لهم(175).

13-لهم علم تأويل الرّؤيا(169).

14-تمنّي المعذّبين أن يكونوا من المحسنين(173).

و يلاحظ ثانيا:أنّ هذه المادّة تبعا لمعناها اللّغويّ جاءت في القرآن مدحا دائما بألوان من الوعد و الجزاء و التّرحيب و التّبشير و التّرغيب،إلاّ في آيات يلوح منها الذّمّ،إلاّ أنّ الذّمّ فيها ليس في شيء حسن،بل في ادّعاء القبيح أو حسبانه حسنا،أو تمنّي الحسنة بلا موجب،أو الحسد على من أصابه حسنة،أو إسناد الحسنة إلى أنفسهم و إسناد السّيّئة إلى الأنبياء عليهم السّلام،و نحوها مثل:

1- أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً...

(20)،قال الطّبرسيّ(4:401):«يعني الكفّار زيّنت لهم نفوسهم أعمالهم:السّيّئة فتصوّروها حسنة،أو زيّنها الشّيطان لهم بأنّ أمالهم إلى الشّبه المضلّة و ترك النّظر في الأدلّة،و أغواهم حتّى تشاغلوا بما فيه عاجل

ص: 310

اللّذّة و ترك الكلفة.

2- وَ لَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى(71)، جاءت بشأن المنافقين الّذين بنوا مسجدا ضرارا و كفرا و تفريقا بين المسلمين،و إرصادا لمن حارب اللّه،و حلفوا أنّهم لم يريدوا به إلاّ الحسنى(71).

و قد سبق كلام الطّبرسيّ فيها.

3-جاءت بشأن الكفّار: وَ لَئِنْ رُجِعْتُ إِلى رَبِّي إِنَّ لِي عِنْدَهُ لَلْحُسْنى... (76)،قال الطّبرسيّ(5:18):

«أي لست على يقين من البعث،فإن كان الأمر على ذلك و رددت إلى ربّي أنّ لي عنده للحالة الحسنى و المنزلة الحسنى-و هي الجنّة-سيعطيني في الآخرة مثل ما أعطاني في الدّنيا...».

4-جاءت بشأن الكفّار أيضا: اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً (131).قال الطّبرسيّ(4:497):«أي بطل عملهم و اجتهادهم في الدّنيا،و يظنّون أنّهم بفعلهم محسنون و أنّ أفعالهم طاعة و قربة».

5-في الكفّار أيضا: وَ تَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى (73)،أي جعلوا البنات للّه و الأبناء لأنفسهم،أو أنّ لهم مع قبيح قولهم و عملهم من اللّه الجزاء الحسن و الجنّة،لاحظ الطّبرسيّ(3:369).

6- ...وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ... (57)،أي قال اليهود أو المنافقون ذلك للنّبيّ عليه السّلام،لاحظ الطّبرسيّ(2:78).

7- إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها (56)،هذا أيضا قول اليهود أو المنافقين، لاحظ الطّبرسيّ(1:462).

8- إِنْ تُصِبْكَ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكَ مُصِيبَةٌ يَقُولُوا قَدْ أَخَذْنا أَمْرَنا مِنْ قَبْلُ... (60)،و هذه وصف للمنافقين كما يشهد به آيات سورة التّوبة.

9- فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ...

(59)،بنو إسرائيل كانوا يقولونه لموسى عليه السّلام كما جاء في صدر الآية.

ثالثا:مجموع الآيات الحاوية لهذه المادّة(177) آية إلاّ أنّها كرّرت في بعضها فبلغت(194)كلمة،كما عدّدها عبد الرّزّاق نوفل في نصّه.

رابعا:الحسنة و السّيّئة جاءتا وصفا للأعمال، و للجزاء،و للخير و الشّرّ،و قد يتصادقان على الجزاء.

و إليك التّفصيل:

1-آيات الحسنة في الدّنيا و الآخرة كلّها جزاء للأعمال،و كذلك بعض آيات أعمال اللّه مثل: وَ مَنْ يَقْتَرِفْ حَسَنَةً نَزِدْ لَهُ فِيها حُسْناً (16)،و كثير من آيات القرض الحسن،و المتاع الحسن،و الرّزق الحسن، و الأجر الحسن،و فعل الحسنة،و الجزاء الحسنى،مثل وَ أَمّا مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى (74)،و آية الحسنيين(80)،و آيتي حسان(81 و 82)، و بعض آيات التّفضيل مثل: لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ، و ما بعدها(98-103)و أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً وَ أَحْسَنُ نَدِيًّا (106)،و(احسن مقيلا)(108)، قَدْ أَحْسَنَ اللّهُ لَهُ رِزْقاً (118)، و بعض آيات«ما أحسن النّاس فعله»،مثل لِلَّذِينَ

ص: 311

أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ، و ما بعدها:(127)،و آيات «الجزاء و الأعمال الحسنى»(69-79)،فالعنصر الأصليّ في هذه كلّها هو الجزاء.و بذلك فالجزاء في آياتها يستوعب أكثرها،و هذا فضل من اللّه تعالى؛حيث قارن الجزاء بالحسنى بهذا الحجم الضّخم.

2-آيات حسن العمل و حسن القول و حسن القبول،و القرض الحسن،و الوعد الحسن،و فعل الحسنة،و الشّفاعة الحسنة،و الموعظة الحسنة،و أسوة حسنة،و الأعمال الحسنة و السّيئة و الأعمال الحسنى،و ما أحسن النّاس فعله،و ما أحسن اللّه عمله،و آيات الإحسان و المحسنين كلّها وصف للأعمال،و هي تعادل آيات الجزاء،أو تقاربها كثرة.و معنى هذا أنّ الأعمال و جزاءها متلازمان،فلا يدع اللّه عملا بلا جزاء في الدّنيا أو في الآخرة،جزاء يناسبه إن خيرا فخيرا و إن شرّا فشرّا.

خامسا-جاء«أحسن»فعلا و وصفا و مصدرا كالمحسن و المحسنين و الإحسان في أكثر الآيات بمعنى «عمل عملا حسنا أيّ عمل كان».

و جاء بمعنيين آخرين:

1-التّفضّل في آيات: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ (140)،و بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً (135- 139)،فالإحسان فيها خصوص الإكرام أو التّفضّل و الإنفاق بلا طمع أجر و جزاء.قال الطّبرسيّ(2:380) في يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ: «و الإحسان هو التّفضّل،و لفظ الإحسان جامع لكلّ خير،و الأغلب عليه استعماله بإيتاء المال و بذل السّعي الجميل».و قد سبق في النّصوص الفرق بين العدل و الإحسان بتفصيل و يأتي في(ع د ل):فلاحظ.

2-العلم و المعرفة بعمل،جاء مرّة في نَبِّئْنا بِتَأْوِيلِهِ إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (169)،قال الطّوسيّ:(6:

138):«معناه أنّا نعلمك أو نظنّك ممّن يعرف تأويل الرّؤيا،و من ذلك قول عليّ عليه السّلام:«قيمة كلّ امرئ ما يحسنه»أي ما يعرفه.و قال الزّمخشريّ(2:319):«من الّذين يحسنون عبارة الرّؤيا،أي يجيدونها».

لكن الطّبريّ(12:215)رجّح فيها قول الضّحّاك و قتادة إنّه بمعنى الإحسان:«كان إذا مرض إنسان في السّجن قام عليه،و إذا احتاج جمع له...»،و يؤيّده أنّ نفس هذا الخطاب: إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ الّذي خاطب به يوسف صاحباه في السّجن قد خاطبه به إخوته أيضا: إِنَّ لَهُ أَباً شَيْخاً كَبِيراً فَخُذْ أَحَدَنا مَكانَهُ إِنّا نَراكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (170)،و لا يتحمّل هذا معنى إجادة العلم بشيء بل أرادوا به المحسن عملا و المتفضّل على النّاس دوما،فيبدو أنّ سيماء يوسف عليه السّلام أو سيرته دعت كل من عاشره إلى هذا القول له.

سادسا:في جملة من آياتها اشتدّ الجدال بين المعتزلة و الأشاعرة بناء على اختلافهم في أفعال العباد أنّها فعلهم أو فعل اللّه،و في الكبائر و غيرهما:

1- أَحْسَنُ الْخالِقِينَ (84 و 85)،قالت المعتزلة:

تدلّ على أنّ كلّ ما خلقه حسن و حكمة و صواب، فوجب أن لا يكون خالقا للكفر و المعصية،فوجب أن يكون العبد هو الموجد لهما.و أجابت الأشاعرة بأنّ كلّ شيء من اللّه حسن لا يتّصف بالقبح من حيث إنّه منه!

ص: 312

لاحظ النّصوص.

2- ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ (56)احتجّت المعتزلة ب وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ -بناء على إرادة المعصية بها-بأنّ العبد هو فاعلها دون اللّه.و أجابت الأشاعرة عنه بوجوه.

و قد طال الكلام بينهم في الجمع بينها و بين وَ إِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللّهِ (57)، فلاحظ النّصوص،لا سيّما نصّ الجبّائيّ و الفخر الرّازيّ.

3- إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى أُولئِكَ عَنْها مُبْعَدُونَ (75)،المعتزلة القائلون بعدم العفو عن الكبائر حملوها على وعد الثّواب،و الأشاعرة القائلون بالعفو حملوها على وعد العفو،لاحظ نصّ الفخر الرّازيّ فيها.و مثلها آيات أخرى.

سابعا:جاءت في التّفضيل آيات(111 و 112) تدعو إلى اتّباع أحسن ما أنزل اللّه مثل وَ اتَّبِعُوا أَحْسَنَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مع أنّ كلّ ما أنزل اللّه حسن لا تفاوت بينها.و قد فسّروها بوجوه:

1-أحكمه و أبينه.

2-فيها ما هو حسن و أحسن كالاقتصاص و العفو، و الانتصار و الصّبر،عن الزّمخشريّ و غيره...

3-يأخذ بالنّاسخ دون المنسوخ.

4-العمل بالمأمور به أحسن من العمل بالمنهيّ عنه.

5-فيما أنزل فرائض و فضائل و واجبات و نوافل، و الأفضل أن يجمع بين الفرائض و الفضائل و بين الواجبات و النّوافل.

6-الأحسن:المفروضات،و غيرها المباحات.

7-أن يأخذوا بما هو أكثر ثوابا.

8-الأحسن فيها بمعنى الحسن.كما قال: وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ الرّوم:27،و معناه هيّن.

9-أي ما أنزل أحسن بلا مقايسة،كما يقال:«اللّه أكبر».

10-في الشّرع حسن و أحسن،فكلّ ما كان أرفق فهو أحسن.

11-كلّ ما كان أحوط فهو أحسن.

12-الأحسن امتثال الأوامر و اجتناب النّواهي.

و لك الخيار في اختيار أحسنها.أو الأخذ بجميعها، كلّ واحد منها في مورده.

ثامنا:و جاءت فيها آيات(98-103)تحاكي أنّ اللّه يجزي بأحسن أعمالهم أو يتقبّل أحسنها مثل وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ (102)،و أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا (104)،فلو أريد بهما أنّه تعالى لا يجزيهم و لا يتقبّل منهم غير الأحسن فهذا ظلم و قد أوّلوها بوجوه:

1-يكتب طاعاتهم ليجزيهم عليها أحسن ممّا فعلوه.

2-يجزيهم أحسن ما كانوا يعملون،يعني ماله مدخل في استحقاق المدح و الثّواب من الواجبات و المندوبات و الطّاعات،دون المباحات الّتي لا مدخل لها في ذلك،و إن كانت حسنة.

3-يجزيهم أحسنها دون أسوإها فيغفر سيّئاتهم بفضله.

ص: 313

4-أحسنها ما تنفّلوا بها،لأنّها لم يحتم،بخلاف الفرائض.

5-يجزيهم بحسب أحسن أفراد أعمالهم أي يعطيهم جزاء الأدنى بجزاء الأعلى تفضّلا منه،و اختاره الطّباطبائيّ نافيا سائر الوجوه،أي إذا صلّى العبد صلوات مثلا،و كانت مختلفة كمالا و نقصا فسيجزيه اللّه لجميعها، بأحسنها و أكملها.

6-ليس في«أحسن»هنا معنى التّفضيل بل ذكر ترغيبا في العمل.

7-هذا كلّه بناء على أنّ«أحسن»وصف للأعمال كما هو الظّاهر،و بعضهم جعله وصفا للجزاء،أي يجزيهم جزاء أحسن من أعمالهم،فلاحظ النّصوص.

تاسعا:أمّا من ناحية التّعدية و اللّزوم في هذه المادّة،فجاء المجرّد منها فعلا و وصفا و مصدرا-لازما- مثل(7) وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً، و من باب«الإفعال» متعدّيا بنفسه إلى الفعل مرّات مثل(115) اَلَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ، (117) وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ، و(120) أَحْسَنَ مَثْوايَ، كما جاء بلا مفعول مرّات مثل(129) وَ إِنْ تُحْسِنُوا وَ تَتَّقُوا و (130) وَ أَحْسِنُوا إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ. و يبدو أنّ التّركيز في مثلها على نفس فعل الإحسان دون متعلّقه.

و من هذا القبيل جميع كلمات المحسن و المحسنين و المحسنات،فهي على كثرتها جاءت كلّها من دون متعلّق،تركيزا على الاتّصاف بنفس الإحسان،و هذا شائع في الصّفات،و لا سيّما في صفات اللّه تعالى،مثل:

الرّحمن و الرّحيم.

و أمّا تعديتها إلى غير الفعل الصّادر من فاعله،فقد جاءت بأربعة حروف:

1-«ل»في(124) إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها و هي لام العلّة،أي أحسنتم من أجل أنفسكم،كما قال: وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها، أو هي لام النّفع، أي أحسنتم لنفعها و حينئذ فتفيد اللاّم الضّرر في وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها و هو غير معهود!فلاحظ النّصوص.

2-«إلى»في(122) وَ أَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ و هي لانتهاء الغاية،كأنّ إحسان اللّه بدأ من مقامه السّامي و سلك مسافة بعيدة حتّى انتهى إلى العبد، و فيها من اللّطف ما لا يخفى.

3-«ب»في(121) وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ و الباء فيها للإلصاق، فتفيد القرب عكس(إلى)،أي إنّ اللّه أحسن بي من قرب،لأنّه قريب منّي،و فيها أيضا لطف مثل ما قبلها.

و من هذا القبيل آيات الإحسان بالوالدين(135- 139)فالباء فيها للإلصاق و القرب،أي ينبغي أن يلصق العبد و يقترب بهما لطفا و إحسانا كإحسان اللّه بعبده.

و تسجّله مقارنة حصر توحيد اللّه بالإحسان بهما في أربع منها.

و أمّا الأخيرة(139) وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ إِحْساناً فالباء فيها متعلّقة ب وَصَّيْنَا دون (احسانا)،و قد فرّق القرآن بين الأمرين بأن قال فيها:

وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ، و في تلك: وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً مقدّما(الوالدين)على(احسانا)اهتماما بهما

ص: 314

و رعاية للرّويّ.و احتمل تعلّقها ب(احسانا)فيها أيضا حفظا لوحدة السّياق الّذي صار مثلا قرآنيّا:(بالوالدين احسانا)،فلاحظ.

4-«من»في(125) لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَ اتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ، و هي ليست للتّعدية و لا متعلّقة ب(احسنوا)بل للتّبعيض بيانا ل(الّذين).

ص: 315

ص: 316

ح ش ر

اشارة

20 لفظا،43 مرّة:35 مكّيّة،8 مدنيّة

في 28 سورة:21 مكّيّة،7 مدنيّة

حشر 1:1 لنحشرنّهم 1:1

حشرتني 1:1 يحشر 2:2

حشرنا 1:1 يحشرون 3:3

حشرناهم 1:1 يحشروا 1:1

حشر 2:2 تحشرون 9:3-6

حشرت 1:1 احشروا 1:1

يحشرهم 6:5-1 حاشرين 3:3

نحشر 3:3 محشورة 1:1

نحشره 1:1 حشر 1:1

نحشرهم 3:3 الحشر 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحشر:حشر يوم القيامة،و قوله تعالى:

ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ الأنعام:38،قيل:هو الموت.

و المحشر:المجمع الّذي يحشر إليه القوم.و يقال:

حشرتهم السّنة؛و ذلك أنّها تضمّهم من النّواحي إلى الأمصار.

و الحشرة:ما كان من صغار دوابّ الأرض،مثل اليرابيع و القنافذ و الضّباب و نحوها،و هو اسم جامع لا يفرد منه الواحد إلاّ أن يقولوا:هذا من الحشرة.

قال الضّرير:الجراد و الأرانب و الكمأة من الحشرة، قد يكون دوابّ و غير ذلك.

و الحشور:كلّ ملزّز الخلق شديده.

و الحشر من الآذان و من قذذ السّهام:ما لطف كأنّما بري بريا.

و حشرت السّنان فهو محشور،أي رقّقته و ألطفته.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:92)

سيبويه :سهم حشر،و سهام حشر.

(ابن سيده 3:105)

اللّيث:إذا أصابت النّاس سنة شديدة فأجحفت

ص: 317

بالمال و أهلكت ذوات الأربع،قيل:قد حشرتهم السّنة تحشرهم و تحشرهم.(الأزهريّ 4:178)

الأحمر:الحشور:العظيم البطن.(الحربيّ 1:284)

مثله أبو عبيد.(الأزهريّ 4:174)

الأخفش الأكبر:الحبّة عليها قشرتان،فالّتي تلي الحبّة:الحشرة؛و الجميع:الحشر،و الّتي فوق الحشرة:

القصرة.

و المحشرة في لغة أهل اليمن:ما بقي في الأرض و ما فيها من نبات بعد ما يحصد الزّرع،فربّما ظهر من تحته نبات أخضر فذلك المحشرة.يقال:أرسلوا دوابّهم في المحشرة.(الأزهريّ 4:179)

سهم حشر و سهام حشر،كما قالوا:جون و جون، و ورد و ورد،و ثطّ و ثطّ.(الجوهريّ 2:630)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الحشر:المصغّر من الرّيش.(1:165)

الحشرات:ثمار البرّيّة مثل الصّمغ و الحبلة،حبلة السّمر و ما أشبهه.(1:169)

قال الحارثيّ: الحشر:التّبن،و الحماط:تبن الذّرة.(1:181)

الحشرات:هوامّ الأرض.(الحربيّ 1:283)

الحشور:العظيم الجنب،و امرأة حشورة و حوشبة.

(الحربيّ 1:284)

الأصمعيّ: الحشرات و الأحراش و الأحناش واحد،و هي هوامّ الأرض.(الأزهريّ 4:178)

أذن حشر:لطيفة دقيقة.

السّكّين الّتي يقذّ بها الرّيش،يقال لها:محشرة، و حربة حشر،أي دقيقة.(الحربيّ 1:284)

ابن الأعرابيّ: و الحشر:اللّزج في القدح من دسم اللّبن،و قيل:الحشر:اللّزج من اللّبن كالحشن.

و حشر عن الوطب،إذا كثر وسخ اللّبن عليه فقشر عنه.(ابن سيده 3:105)

حشرت العود،إذا بريته.[ثمّ استشهد بشعر]

(القاليّ 2:252)

ابن السّكّيت: و الحشور:المنتفخ الجنبين.

(135)

و الحشورة:العظيمة الجنبين.(370)

أذن حشر،أي لطيفة كأنّها حشرت حشرا،أي بريت و حدّدت،و كذلك غيرهما.

و آذان حشر،لا يثنّى و لا يجمع،لأنّه مصدر في الأصل.و هو مثل قولهم:ماء غور،و ماء سكب.و قد قيل:أذن حشرة.[ثمّ استشهد بشعر]

(الجوهريّ 2:630)

الدّينوريّ: الحشرة:القشرة الّتي تلي الحبّة؛ و الجمع:حشر.(ابن سيده 3:140)

الحربيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«يحشر النّاس يوم القيامة حفاة عراة»قوله:«يحشر النّاس»الحشر:جمع النّاس للقيامة.و المحشر:المجتمع،و حشرتهم السّنة:

جمعتهم،و ساقتهم إلى الخصب.

و في حديث آخر:«فلم أسمع لحشرة الأرض تحريما»و هو صغار دوابّ الأرض،مثل اليربوع و الضّبّ و نحوه.(1:282)

ابن دريد :و الحشر:معروف:يوم الحشر،

ص: 318

و حشرت القوم أحشرهم حشرا،إذا جمعتهم ثمّ سقتهم.

و المحشر:الموضع الّذي يحشر فيه.

و سهم حشر:خفيف،و أذن حشرة:مؤلّلة خفيفة.

و يقال:حشرتهم السّنة،إذا أصابهم الضّرّ حتّى يهبطوا الأمصار.[ثم استشهد بشعر]

و حشرات الأرض:دوابّها الصّغار؛واحدتها:

حشرة،مثل اليرابيع و الضّباب و القنافذ،و ما دون ذلك.

(2:133)

القاليّ: كلّ لطيف دقيق رقيق:حشر،يقال:حربة حشرة.(2:252)

الأزهريّ: و في النّوادر:حشر فلان في ذكره،و في بطنه و أحثل فيهما،إذا كانا ضخمين من بين يديه.

(4:178)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و الحشرة:القشرة تكون على حبّ السّنبلة، و موضع ذلك:المحشرة.

و قيل:هو ما بقي في الأرض من نبات بعد حصد الزّرع و ينبت أخضر.

و وطب حشر:اجتمع عليه الوسخ.و حشر فلان في رأسه و احتشر:كذلك.

و عجوز حشورة:هي المتظرّفة البخيلة.(2:424)

الخطّابيّ: [في حديث النّبيّ فيما كتب لأهل نجران حين صالحهم]

«...و على أن لا يحشروا و لا يعشروا»أي لا يؤخذ العشر من أموالهم و لا يكلّفوا الخروج في البعوث.

و قد كان صلّى اللّه عليه يستعين ببعض أهل الكفر على بعض،و استعان بيهود من بني قينقاع،و شهد معه صفوان حنينا،و صفوان مشرك.و هذا كحديثه الآخر في النّساء:«إنّهنّ لا يحشرن و لا يعشرن»و قد ذكره ابن قتيبة في كتابه.

و ذكر عن بسّام بن عبد الرّحمن أنّه قال:معناه أنّهنّ لا يخرجن في المغازي.ثمّ قال ابن قتيبة:و لا وجه لهذا،إنّما معناه أنّهنّ لا يحشرن إلى المصدّق ليأخذ منهنّ الصّدقات،و لكن تؤخذ الصّدقات منهنّ بمواضعهنّ.

و وجه الحديث ما ذهب إليه بسّام،لأنّ السّنّة في المسلمين كلّهم رجالهم و نسائهم أن لا يحشروا إلى المصدّق،و إنّما تؤخذ صدقاتهم عند مياههم و أفنيتهم، فلم يكن لتخصيصهنّ بهذا الحكم دون غيرهنّ معنى.

و ممّا يدلّ على أنّ«الحشر»يراد به:الجهاد حديثه الآخر...إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه قال:«لا هجرة بعد الفتح إنّما هو الحشر و النّيّة و الجهاد».

يريد بالحشر:الخروج في النّفير،و يزيده بيانا حديث وفد ثقيف،أنّهم اشترطوا على رسول اللّه أن لا يعشروا و لا يحشروا و لا يجبّوا،فقال لهم النّبيّ صلّى اللّه عليه:«لكم أن لا تعشروا و لا تحشروا،و لا خير في دين ليس فيه ركوع»يريد لا تؤخذ منكم الصّدقة و لا تكلّفون الجهاد.(1:501)

الجوهريّ: و الحشر من القذذ:ما لطف.

و سنان حشر:دقيق،و قد حشرته حشرا.

و الحشرة بالتّحريك:واحدة الحشرات،و هي صغار دوابّ الأرض.

و حشرت النّاس أحشرهم و أحشرهم حشرا:

ص: 319

جمعتهم،و منه يوم الحشر.

و حشرت السّنة مال فلان،أي أهلكته.

و المحشر بكسر الشّين:موضع الحشر.

و الحاشر:اسم من أسماء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.و قال:«لي خمسة أسماء:أنا محمّد،و أحمد،و الماحي:يمحو اللّه بي الكفر،و الحاشر:أحشر النّاس على قدميّ،و العاقب».

و الحشور مثال الجرول:المنتفخ الجنبين.يقال:

فرس حشور؛و الأنثى:حشورة.(2:630)

ابن فارس: الحاء و الشّين و الرّاء قريب المعنى من الّذي قبله[حشد]و فيه زيادة معنى،و هو السّوق و البعث و الانبعاث.

و أهل اللّغة يقولون:الحشر:الجمع مع سوق،و كلّ جمع:حشر.و العرب تقول:حشرت مال بني فلان السّنة،كأنّها جمعته:ذهبت به و أتت عليه.

و يقال:أذن حشرة،إذا كانت مجتمعة الخلق.

و من أسماء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم«الحاشر»معناه أنّه يحشر النّاس على قدميه،كأنّه يقدمهم يوم القيامة و هم خلفه.

و محتمل أن يكون لمّا كان آخر الأنبياء،حشر النّاس في زمانه.

و حشرات الأرض:دوابّها الصّغار،كاليرابيع و الضّباب و ما أشبهها،فسمّيت بذلك لكثرتها و انسياقها و انبعاثها.و الحشور من الرّجال:العظيم الخلق،أو البطن.

و ممّا شذّ عن الأصل قولهم للرّجل الخفيف:حشر.

و الحشر من القذذ:ما لطف.و سنان حشر،أي دقيق، و قد حشرته.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:66)

أبو هلال :الفرق بين الجمع و الحشر [لاحظ«ج م ع»](117)

الثّعالبيّ: الحشرات:صغار دوابّ الأرض.(57)

في تفصيل ضروب من الجماعات:فإذا حشروا لأمر ما فهم حشر.(225)

ابن سيده: حشرهم يحشرهم و يحشرهم حشرا:

جمعهم.

و الحشر:جمع النّاس ليوم القيامة.

و الحاشر:من أسماء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّه قال:«أحشر النّاس على قدميّ».

و حشر الإبل:جمعها كذلك.فأمّا قوله تعالى: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ الأنعام:38،فقيل:إنّ الحشر هاهنا الموت،و قيل:

النّشر؛و المعنيان متقاربان،لأنّه كلّه كفت و جمع.

و حشرتهم السّنة تحشرهم و تحشرهم:أهلكت مالهم،فضمّتهم إلى الأمصار.

و الحشرة:صغار دوابّ الأرض،كاليرابيع و القنافذ و الضّباب و نحوها،و هو اسم جامع لا يفرد؛و يجمع مسلّما.

و قيل:الصّيد كلّه حشرة،ما تعاظم منه و تصاغر، و قد أبنت أجناس الحشرات في«الكتاب:المخصّص».

و قيل:كلّ ما أكل من الصّيد:الطّائر و الماشي:

حشرة.

و الحشرة أيضا:ما أكل من بقل الأرض كالدّعاع و القتّ.

و حشر السّنان و السّكّين حشرا:أحدّه،فأرقّه و ألطفه.

ص: 320

و حربة حشرة و حشر-بلا هاء-و حشر.

و الحشر من القذاذ و الآذان:المؤلّلة الحديدة؛ و الجمع:حشور.

و المحشورة كالحشر.

و أذن حشرة و حشر:صغيرة لطيفة مستديرة.

و قال ثعلب:دقيقة الطّرف،سمّيت في الأخيرة بالمصدر، لأنّها حشرت حشرا،أي صغّرت و ألطفت.

فمن أفرده في الجمع و لم يؤنّث،فلهذه العلّة،كما قالوا:رجل عدل و رجال عدل و نسوة عدل،و من قال:

حشرات،فعلى حشرة.

و قيل:كلّ دقيق لطيف:حشر.

قال ابن الأعرابيّ: يستحبّ في البعير أن يكون حشر الأذن،و كذلك يستحبّ في النّاقة.

و سهم محشور و حشر:مستوي قذذ الرّيش.قال سيبويه:سهم حشر و سهام حشر.و في شعر«هذيل»:

سهم حشر،فإمّا أن يكون على النّسب كطعم،و إمّا أن يكون على الفعل توهّموه و إن لم يقولوا:حشر.

سهم حشر:ملزّق جيّد القذذ،و كذلك الرّيش.

و حشر العود حشرا،براه.[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](3:103)

الحشرة:الدّابّة الصّغيرة من دوابّ الأرض؛الجمع:

حشرات،منها اليربوع و الضّبّ و الورل و القنفذ و الفأرة و الجرذ و الحرباء و العظاية،و أمّ حبين و العضرفوط و سامّ أبرص و الدّسّاسة و الثّعلب و الهرّ و الأرنب.

و قيل:الصّيد أجمع حشرة ما تعاظم منه أو تصاغر، الواحد و الجمع في ذلك سواء.

و قيل:الحشرات:هوامّ الأرض ممّا لا سمّ له.الإفصاح 2:840)

الرّاغب: الحشر:إخراج الجماعة عن مقرّهم، و إزعاجهم عنه إلى الحرب و نحوها،و روي«النّساء لا يحشرن»أي لا يخرجن إلى الغزو.

و يقال ذلك في الإنسان و في غيره،يقال:حشرت السّنة مال بني فلان،أي أزالته عنهم.

و لا يقال:الحشر إلاّ في الجماعة.[ثمّ ذكر الآيات]

و سمّي يوم القيامة:يوم الحشر،كما سمّي يوم البعث و يوم النّشر.

و رجل حشر الأذنين،أي في أذنه انتشار و حدّة.(119)

الطّوسيّ: حشر يحشر حشرا،فالحشر:جمع القوم من كلّ ناحية إلى مكان.

و المحشر:مجتمعهم،و هو المكان الّذي يحشرون فيه.

و حشرتهم السّنة،إذا أجحفت بهم،لأنّها تضمّهم من النّواحي إلى المصر.

و سهم حشر:خفيف لطيف،لأنّه ضامر باجتماعه.

و منه أذن حشرة:لطيفة ضامرة.

و حشرات الأرض:دوابّها الصّغار؛و الواحدة:

حشرة،لاجتماعها من كلّ ناحية.

و دابّة حشور،إذا كان ملزّزة الخلق شديدة.

و رجل حشور،إذا كان عظيم البطن.

و حشرت السّنان فهو محشور،إذا رقّقته و ألطفته.

و أصل الباب:الاجتماع.(2:177)

ص: 321

مثله الطّبرسيّ.(1:298)

الزّمخشريّ: يساق النّاس إلى المحشر.و رأيت منهم حشرا،و النّاس منشورون محشورون.و انبثّت الحشرات.

و من المجاز:حشرت السّنة النّاس:أهبطتهم إلى الأمصار.

و حشر فلان في رأسه،إذا كان عظيم الرّأس، و كذلك حشر في بطنه و في كلّ شيء من جسده.

و أذن حشر و حشرة:لطيفة مجتمعة.

و قذّة حشر،و سنان حشر،إذا لطف.

و حشرت السّنان فهو محشور:لطّفته و دقّقته.(أساس البلاغة:84)

الطّبرسيّ: الحشر:الجمع مع سوق،و منه يقال للنّبيّ:الحاشر،لأنّه يحشر النّاس على قدميه،كأنّه يقدمهم و هم خلفه،لأنّه آخر الأصفياء،فيحشر النّاس في زمانه و ملّته.(1:413)

الحشر:الجمع مع سوق،و كلّ جمع حشر.

(2:350)

الحشر:جمع النّاس من كلّ ناحية،و منه الحاشر:

الّذي يجمع النّاس إلى ديوان الخراج.(5:256)

المدينيّ: الحشر:الجمع بكره و سوق.و منه قوله تعالى: وَ ابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ الشّعراء:36 أي الشّرط،لأنّهم يحشرون النّاس،أي يجمعونهم.

و منه في حديث أسمائه صلّى اللّه عليه و سلّم:«و أنا الحاشر أحشر النّاس على قدميّ»أي يقدمهم و هم خلفه.و قيل:لأنّ النّاس يحشرون بعد ملّته،دون ملّة غيره.

في الحديث:«لم تدعها تأكل من حشرات الأرض» قيل:هي صغار دوابّ الأرض،مثل اليربوع و الضّبّ.

و قال سلمة:هي هوامّ الأرض.و يقال لها:

الأحناش أيضا؛و الواحدة:حشرة.

و منه حديث التّلب:«لم أسمع لحشرة الأرض تحريما».

و أذن حشر و حشرة:لطيفة،و سهم حشر:لطيف الرّيش،و الحشر:الخفيف.(1:452)

ابن الأثير: و في الحديث:«انقطعت الهجرة إلاّ من ثلاث:جهاد أو نيّة أو حشر»[إلى أن قال:]

و الحشر:هو الجلاء عن الأوطان.و قيل:أراد بالحشر:الخروج في النّفير إذا عمّ.

و فيه:«نار تطرد النّاس إلى محشرهم»يريد به الشّام،لأنّ بها يحشر النّاس ليوم القيامة.

و منه الحديث الآخر:«و تحشر بقيّتهم النّار»أي تجمعهم و تسوقهم.

و فيه:«أنّ وفد ثقيف اشترطوا أن لا يعشروا و لا يحشروا»أي لا يندبون إلى المغازي و لا تضرب عليهم البعوث.

و قيل:لا يحشرون إلى عامل الزّكاة ليأخذ صدقة أموالهم،بل يأخذها في أماكنهم.

و حديث النّساء:«لا يعشرن و لا يحشرن»يعني للغزاة،فإنّ الغزو لا يجب عليهنّ.

و في حديث جابر:«فأخذت حجرا فكسرته و حشرته»هكذا جاء في رواية،و هو من حشرت السّنان،إذا دقّقته و ألطفته.و المشهور بالسّين

ص: 322

المهملة.(1:388)

الصّغانيّ: و المحشر بفتح الشّين لغة في المحشر بكسرها.(2:473)

الفيّوميّ: حشرتهم حشرا من باب«قتل»:

جمعتهم،و من باب«ضرب»:لغة،و بالأولى قرأ السّبعة.

و يقال:الحشر:الجمع مع سوق.و المحشر:

موضع الحشر.

و الحشرة:الدّابّة الصّغيرة من دوابّ الأرض؛ و الجمع:حشرات،مثل قصبة و قصبات.

و قيل:الحشرة:الفأرة و الضّباب و اليرابيع.

و الحشر مثل فلس بمعنى المحشور،كما قيل:ضرب الأمير،أي مضروبه،و منه قولهم:الأموال الحشريّة، أي المحشورة و هي المجموعة.(136)

الفيروزآباديّ: الحشر:ما لطف من الآذان للواحد و الاثنين و الجمع،و ما لطف من القذذ و الدّقيق من الأسنّة،و التّدقيق و التّلطيف و الجمع،يحشر و يحشر.

و المحشر و يفتح:موضعه،و الجلاء،و إجحاف السّنة الشّديدة بالمال.

و حشر في ذكره و في بطنه،إذا كانا ضخمين من بين يديه،و في رأسه إذا اعتزّه ذلك و كان أضخمه ك«احتشر».

و الحاشر:اسم للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و الحشرات:الهوامّ أو الدّوابّ الصّغار كالحشرة محرّكة فيهما،و ثمار البرّ كالصّمغ و غيره،و الحشرة أيضا:

القشرة الّتي تلي الحبّ؛الجمع:الحشر،و الصّيد كلّه أو ما تعاظم منه،أو ما أكل منه.

و الحشر:النّخالة،و بضمّتين لغيّة.

و الحشورة من الخيل:المنتفخ الجنبين،و العجوز المتظرّفة البخيلة،و المرأة البطينة،و الدّوابّ الملزّزة الخلق؛الواحد:حشور.

و وطب حشر ككتف:بين الصّغير و الكبير.(2:9)

الطّريحيّ: [ذكر مثل المتقدّمين و أضاف:]

و حشر الأجساد:هو عبارة عن جمع أجزاء بدن الميّت و تأليفها مثل ما كانت،و إعادة روحه المدبّرة إليه كما كان،و لا شكّ في إمكانه،و اللّه تعالى قادر على كلّ ممكن عالم بالجزئيّات،فيعيد الجزء المعيّن للشّخص المعيّن.

و لمّا كان حشر الأجساد حقّا،وجب أن لا تعدم أجزاء المكلّفين و أرواحهم،بل يتبدّل التّأليف و المزاج لما تقرّر فيما بينهم أنّ إعادة المعدوم محال،و إلاّ لزم تخلّل العدم في وجود واحد،فيكون الواحد اثنين.(3:270)

الجزائريّ: الفرق بين الحشر و النّشر:الحشر لغة:

إخراج الجماعة عن مقرّهم و إزعاجهم،و سوقهم إلى الحرب و نحوها.ثمّ خصّ في عرف الشّرع عند الإطلاق بإخراج الموتى عن قبورهم،و سوقهم إلى الموقف للحساب و الجزاء.

قال الرّاغب:لا يقال:الحشر إلاّ للجماعة.

قلت:هذا في أصل اللّغة،و إلاّ فقد يستعمل في الواحد و الاثنين.و منه دعاء الصّحيفة الشّريفة:

«و ارحمني في حشري و نشري»و النّشر:إحياء الميّت بعد موته،و منه قوله تعالى: ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ عبس:22،أي أحياه.(189)

ص: 323

مجمع اللّغة:الحشر:جمع النّاس أو غيرهم، حشرهم يحشرهم و يحشرهم حشرا،و الطّائفة الّتي تجمع:محشورة،و الّذي يجمعهم:حاشر،و هم حاشرون.

و حشر الشّيء:أهلكه،و قد يتضمّن الحشر معنى الرّجوع.(1:264)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حشر النّاس حشرا:

بعثهم من مضاجعهم و ساقهم،و الحاشر:الجامع للنّاس.

و حشر الشّيء:أهلكه.

و حشرت الوحوش:اجتمعت،و قيل:أهلكت.

و يوم الحشر:يوم البعث في القبور.

و الحشر:مكان تجمّع النّاس يوم القيامة.(1:134)

العدنانيّ: الحشرة لا الحشرة.

و يسمّون الهامّة من هوامّ الأرض،كالخنافس و العقارب،أو الدّابّة الصّغيرة من دوابّ الأرض كالفئران و الضّباب حشرة،و الصّواب:حشرة،كما ذكر الصّحاح،و المغرب،و المختار،و اللّسان،و المصباح، و القاموس،و المدّ،و محيط المحيط،و المتن،و الوسيط، و قاموس حتّي الطّبّيّ،و معجم الشّهابيّ.

و تجمع الحشرة على حشرات.و لم أعثر على المصدر الّذي اعتمد عليه الوسيط بجمعه الحشرة على «حشر»بدلا من حشرات.

و يقول الوسيط:إنّ الحشرة عند علماء الحيوان هي كلّ كائن يقطع في خلقه ثلاثة أطوار:يكون بيضة، فدودة،ففراشة.(155)

المصطفويّ: ظهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو البعث،و السّوق،و الجمع.ففيه قيود ثلاثة، و هذه القيود هي الفارقة بينها و بين البعث و النّشر و الجمع و السّوق و غيرها.

و أمّا الحشرة كطلبة فلا يبعد أن يكون في الأصل جمعا لحاشر،ثمّ غلبت عليه العلميّة،بمناسبة انبعاثها و خروجها عن مساكنها تحت الأرض،و نشرها و سيرها و تحصيلها المعاش.[ثمّ ذكر الآيات](2:241)

النّصوص التّفسيريّة

حشر

فَحَشَرَ فَنادى. النّازعات:23

ابن عبّاس: فنادى فحشر.(ابن عطيّة 5:433)

ابن زيد :صرخ و حشر قومه.(الطّبريّ 30:40)

الطّبريّ: فجمع قومه و أتباعه.(30:40)

نحوه أبو حيّان(8:421)،و القاسميّ(17:6050).

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:حشر السّحرة للمعارضة،و نادى جنده للمحاربة.

الثّاني:حشر النّاس للحضور،و نادى،أي خطب فيهم.(6:198)

الطّوسيّ: فالحشر:الجمع من كلّ جهة.و قد يكون الجمع بضمّ جزء إلى جزء،فلا يكون حشرا،فإذا جمع النّاس من كلّ جهة فذلك الحشر،و لهذا سمّي يوم الحشر،و الحاشر:الّذي يجمع النّاس من كلّ جهة إلى الخراج.و إنّما طلب السّحرة،فلمّا اجتمعوا ناداهم، فقال لهم: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى النّازعات:24.

(10:258)

ص: 324

الواحديّ: فجمع قومه و جنوده.(4:420)

مثله البغويّ(5:207)،و الطّبرسيّ(5:432)، و ابن الجوزيّ(9:21).

الميبديّ: [مثل الواحديّ و أضاف:]

و قيل:حشر السّحرة يوم الزّينة.(10:370)

الزّمخشريّ: فجمع السّحرة،كقوله: فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ الشّعراء:53.

(4:214)

مثله الفخر الرّازيّ.(31:42)

ابن عطيّة: جمع أهل مملكته ثمّ ناداهم بقوله:

أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى النّازعات:24.(5:433)

القرطبيّ: أي جمع أصحابه ليمنعوه منها.

و قيل:جمع جنوده للقتال و المحاربة،و السّحرة للمعارضة.

و قيل:حشر النّاس للحضور.(19:200)

البيضاويّ: فجمع السّحرة أو جنوده.(2:537)

مثله النّسفيّ(4:330)،و النّيسابوريّ(30:19)، و نحوه المراغيّ(30:27).

أبو السّعود :[مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:[جمع]جنوده،و يجوز أن يراد جميع النّاس.(6:369)

مثله البروسويّ(10:321)،و الآلوسيّ(30:30).

الطّباطبائيّ: الحشر:جمع النّاس بإزعاج، و المراد به جمعه النّاس من أهل مملكته،كما يدلّ عليه تفريع قوله: فَنادى* فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى النّازعات:23،24،عليه،فإنّه كان يدّعي الرّبوبيّة لأهل مملكته جميعا،لا لطائفة خاصّة منهم.

و قيل:المراد بالحشر:جمع السّحرة،لقوله تعالى:

فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ الشّعراء:53، و قوله: فَتَوَلّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ... طه:60.

و فيه أنّه لا دليل على كون المراد بالحشر في هذه الآية هو عين المراد بالحشر و الجمع في تينك الآيتين.(20:188)

حشرناهم

وَ يَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبالَ وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً. الكهف:47

الطّبريّ: جمعناهم إلى موقف الحساب.

(15:257)

مثله الفخر الرّازيّ.(21:133)

الطّوسيّ: أي بعثناهم و أحييناهم بعد أن كانوا أمواتا.(7:54)

نحوه الطّبرسيّ.(3:474)

الميبديّ: يعني الموتى من المؤمنين و الكافرين إلى الموقف و الحساب.(5:701)

نحوه البروسويّ.(5:252)

الزّمخشريّ: و جمعناهم إلى الموقف...

فإن قلت:لم جيء ب حَشَرْناهُمْ ماضيا بعد (نسيّر)و(ترى)؟

قلت:للدّلالة على أنّ حشرهم قبل التّسيير و قبل البروز ليعاينوا تلك الأهوال العظائم،كأنّه قيل:

و حشرناهم قبل ذلك.(2:487)

ص: 325

نحوه الرّازيّ(مسائل الرّازيّ: 201)،و البيضاويّ (2:15)،و النّسفيّ(3:15).

ابن عطيّة: أي أقمناهم من قبورهم،و جعلناهم لعرضة القيامة.(3:520)

أبو حيّان :[نقل قول ابن عطيّة و الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و الأولى أن تكون الواو واو الحال لا واو العطف، و المعنى:و قد حشرناهم،أي يوقع التّسيير في حالة حشرهم.

و قيل: وَ حَشَرْناهُمْ (و عرضوا)(و وضع الكتاب)ممّا وضع فيه الماضي موضع المستقبل لتحقّق وقوعه.(6:134)

أبو السّعود :جمعناهم إلى الموقف من كلّ أوب.

و إيثار صيغة الماضي بعد(نسيّر)و(ترى)للدّلالة على تحقّق الحشر المتفرّع على البعث الّذي ينكره المنكرون، و عليه يدور أمر الجزاء.و كذا الكلام فيما عطف عليه منفيّا و موجبا.[ثمّ ذكر مثل الزّمخشريّ]

(4:194)

صدر المتألهين :و الحشر بمعنى الجمع وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً.

و حشر الخلائق على أنحاء مختلفة،حسب أعمالهم و ملكاتهم،فلقوم على سبيل الوفد يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً مريم:85،و لقوم على وجه التّعذيب يَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللّهِ إِلَى النّارِ فصّلت:19،و بالجملة يحشر كلّ أحد إلى ما يتوجّه إليه باطنه،و يعمل لأجله ظاهره،و يحبّه بقلبه،و يشتاقه بجنانه اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْواجَهُمْ الصّافّات:

22، فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَ الشَّياطِينَ مريم:68.

و في الخبر عنه صلّى اللّه عليه و آله:«أنّه لو أحبّ أحدكم حجرا لحشر معه».(6:127)

الآلوسيّ: [نقل قول أبي السّعود و الزّمخشريّ و قال ردّا على الزّمخشريّ:]

و اعترض بأنّ في بعض الآيات مع الأخبار ما يدلّ على أنّ التّسيير و البروز عند النّفخة الأولى و فساد نظام العالم،و الحشر و ما عطف عليه عند النّفخة الثّانية،فلا ينبغي حمل الآية على معنى و حشرناهم قبل ذلك،لئلاّ تخالف غيرها،فليتأمّل.

ثمّ لا يخفى أنّ التّعبير بالماضي على الأوّل مجاز، و على هذا حقيقة،لأنّ المضيّ و الاستقبال بالنّظر إلى الحكم المقارن له لا بالنّسبة لزمان التّكلّم،و الجملة عليه كما في«الكشف»و غيره تحتمل العطف و الحاليّة من فاعل(نسيّر).

و قال أبو حيّان:الأولى جعلها حالا على هذا القول، و أوجبه بعضهم و علّله بأنّها لو كانت معطوفة لم يكن مضيّ بالنّسبة إلى التّسيير و البروز،بل إلى زمان التّكلّم فيحتاج إلى التّأويل الأوّل،ثمّ قال:و تحقيقه أنّ صيغ الأفعال موضوعة لأزمنة التّكلّم إذا كانت مطلقة،فإذا جعلت قيودا لما يدلّ على زمان كان مضيّها و غيره بالنّسبة إلى زمانه،انتهى.

و ليس بشيء،و الحقّ عدم الوجوب،و تحقيق ذلك أنّ الجمل الّتي ظاهرها التّعاطف يجوز فيها التّوافق و التّخالف في الزّمان،فإذا كان في الواقع كذلك فلا خفاء

ص: 326

فيه،و إن لم يكن،فلا بدّ للعدول من وجه.

فإن كان أحدهما قيدا للآخر،و هو ماض بالنّسبة إليه فهو حقيقة،و وجهه ما ذكر،و لا تكون الجملة معطوفة حينئذ.فإن عطفت و جعل المضيّ بالنّسبة لأحد المتعاطفين،فلا مانع منه،و هل هو حقيقة أو مجاز؟محلّ تردّد.و الّذي يحكم به الإنصاف اختيار قول أبي حيّان من أولويّة الحاليّة على ذلك.

و القول بأنّه لا وجه له،لا وجه له،و حينئذ يقدّر «قد»عند الأكثرين،أي و قد حشرناهم.(15:288)

الطّباطبائيّ: أي لم نترك منهم أحدا،فالحشر عامّ للجميع.(13:321)

حشر

وَ حُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ الطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ. النّمل:17

الطّبريّ: و جمع لسليمان جنوده من الجنّ و الإنس و الطّير في مسيرهم فهم يوزعون.(19:141)

نحوه الطّوسيّ(8:84)،و القرطبيّ(13:167)، و أبو السّعود(5:75).

الفخر الرّازيّ: فالحشر هو الإحضار،و الجمع من الأماكن المختلفة.(24:187)

الطّباطبائيّ: الحشر هو جمع النّاس و إخراجهم لأمر بإزعاج...

و كلمة الحشر و وصف المحشورين بأنّهم جنوده، و سياق الآيات التّالية،كلّ ذلك دليل على أنّ جنوده كانوا طوائف خاصّة من الجنّ و الإنس و الطّير،سواء كانت(من)في الآية للتّبعيض أو للبيان.(15:352)

حشرت

وَ إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ. التّكوير:5

أبيّ بن كعب:اختلطت.(الطّبريّ 30:67)

(حشرت)في الدّنيا في أوّل هول يوم القيامة،فإنّها تفرّ في الأرض و تجتمع إلى بني آدم تأنيسا بهم.

(ابن عطيّة 5:441)

ابن عبّاس: حشر البهائم:موتها،و حشر كلّ شيء:الموت،غير الجنّ و الإنس،فإنّهما يوقفان يوم القيامة.(الطّبريّ 30:67)

نحوه مجاهد.(الآلوسيّ 30:51)

يحشر كلّ شيء حتّى الذّباب.(القرطبيّ 19:227)

مثله قتادة(أبو حيّان 8:432)،و الزّجّاج(5:289).

تحشر الوحوش غدا،أي تجمع حتّى يقتصّ لبعضها من بعض،فيقتصّ للجمّاء من القرناء،ثمّ يقال لها:كوني ترابا فتموت.(القرطبيّ 19:227)

نحوه قتادة(ابن عطيّة 5:441)،و البغويّ(5:215).

مجاهد :حشرها:موتها.(الآلوسيّ 30:51)

مثله عكرمة.(الفرّاء 3:239)

الحسن :جمعت،و الحشر:الجمع.

مثله قتادة.(القرطبيّ 19:227)

نحوه الرّبيع.(الماورديّ 6:212)

قتادة :إنّ هذه الخلائق موافية يوم القيامة،فيقضي اللّه فيها ما يشاء.(الطّبريّ 30:67)

السّدّيّ: (حشرت)إلى القيامة للقضاء،فيقتصّ

ص: 327

للجمّاء من القرناء.(الماورديّ 6:213)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في معنى قوله:

وَ إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ فقال بعضهم:معنى ذلك:

ماتت.

و قال آخرون:بل معنى ذلك:و إذا الوحوش اختلطت.

و قال آخرون:بل معنى ذلك:جمعت.

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال:معنى (حشرت):جمعت،فأميتت،لأنّ المعروف في كلام العرب من معنى الحشر:الجمع،و منه قول اللّه: وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً ص:19،يعني مجموعة،و قوله: فَحَشَرَ فَنادى النّازعات:23،و إنّما يحمل تأويل القرآن على الأغلب الظّاهر من تأويله،لا على الأنكر المجهول.(30:67)

الطّوسيّ: قال عكرمة:حشرها:موتها.و غيره قال:معناه تغيّرت الأمور بأن صارت الوحوش الّتي تشرد في البلاد تجتمع مع النّاس؛و ذلك أنّ اللّه تعالى يحشر الوحوش ليوصل إليها ما تستحقّه من الأعواض على الآلام الّتي دخلت عليها،و ينتصف لبعضها من بعض،فإذا عوّضها اللّه تعالى،فمن قال:العوض دائم قال:

تبقى منعمة على الأبد.و من قال:العوض يستحقّ منقطعا اختلفوا،فمنهم من قال:يديمها اللّه تفضّلا لئلاّ يدخل على العوض غمّ بانقطاعه.و منهم من قال:إذا فعل بها ما تستحقّه من الأعواض جعلها ترابا.(10:281)

نحوه الطّبرسيّ.(5:443)

القشيريّ: أحييت،و جمعت في القيامة ليقتصّ لبعضها من بعض،فيقتصّ للجمّاء من القرناء،و هذا على جهة ضرب المثل؛إذ لا تكليف عليها.

و لا يبعد أن يكون بإيصال منافع إلى ما وصل إليه الألم اليوم على العوض جوازا لا وجوبا،على ما قاله أهل البدع.(6:260)

الميبديّ: قيل:تحشر لتصديق الوعد بالإحياء، لأنّ اللّه حكم بإحياء كلّ ميّت.و جاء في الحديث أنّها تحشر للقصاص في الموقف فيقتصّ للجمّاء من القرناء، ثمّ تصير ترابا.

و منهم من قال:إنّ القصاص ساقط عنها فيما يؤلم بعضها بعضا،و أمّا ما ينالها من الآلام و الشّدائد فإنّها لا محالة تعوّض عنها،ثمّ إنّ منهم من يقول:إنّها تعوّض في الدّنيا،و منهم من يقول:في الآخرة،و منهم من يقول:في الجنّة.

و قال بعضهم:يخلق اللّه لها رياضا فترعى فيها.

و قال بعضهم:يعني ما ليس لأهل الجنّة في إبقائها إنس،و ما كان لهم في لقائها أو صوتها إنس يدخلها الجنّة.

(10:394)

الزّمخشريّ: جمعت من كلّ ناحية.و قيل:إذا قضي بينها ردّت ترابا،فلا يبقى منها إلاّ ما فيه سرور لبني آدم و إعجاب بصورته كالطّاوس و نحوه.

و عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:حشرها:موتها،يقال إذا أجحفت السّنة بالنّاس و أموالهم:حشرتهم السّنة.

و قرئ (حشّرت) بالتّشديد.(4:222)

نحوه البيضاويّ(2:542)،و النّسفيّ(4:335)، و أبو حيّان(8:433)،و الشّربينيّ(4:491)،و

ص: 328

أبو السّعود(6:384).

ابن عطيّة: و حشر الوحوش:جمعها،و اختلف النّاس في هذا الجمع ما هو؟[ثمّ ذكر قول ابن عبّاس و قتادة و أبيّ بن كعب](5:441)

الفخر الرّازيّ: جمعت من كلّ ناحية.

قال المعتزلة:إنّ اللّه تعالى يحشر الحيوانات كلّها في ذلك اليوم ليعوّضها على آلامها الّتي وصلت إليها في الدّنيا بالموت و القتل و غير ذلك،فإذا عوّضت على تلك الآلام،فإن شاء اللّه أن يبقي بعضها في الجنّة إذا كان مستحسنا فعل،و إن شاء أن يفنيه أفناه على ما جاء به الخبر.و أمّا أصحابنا فعندهم أنّه لا يجب على اللّه شيء بحكم الاستحقاق،و لكنّه تعالى يحشر الوحوش كلّها فيقتصّ للجمّاء من القرناء،ثم يقال لها:موتي فتموت، و الغرض من ذكر هذه القصّة هاهنا وجوه:

أحدها:أنّه تعالى إذا كان يوم القيامة يحشر كلّ الحيوانات إظهارا للعدل،فكيف يجوز مع هذا أن لا يحشر المكلّفين من الإنس و الجنّ؟

الثّاني:أنّها تجتمع في موقف القيامة مع شدّة نفرتها عن النّاس في الدّنيا و تبدّدها في الصّحاري،فدلّ هذا على أنّ اجتماعها إلى النّاس ليس إلاّ من هول ذلك اليوم.

و الثّالث:أنّ هذه الحيوانات بعضها غذاء للبعض،ثمّ إنّها في ذلك اليوم تجتمع و لا يتعرّض بعضها لبعض،و ما ذاك إلاّ لشدّة هول ذلك اليوم.

و في الآية قول آخر لابن عبّاس:و هو أنّ حشر الوحوش عبارة عن موتها،يقال إذا أجحفت السّنة بالنّاس و أموالهم:حشرتهم السّنة.

و قرئ (حشّرت) بالتّشديد.(31:67)

نحوه البروسويّ.(10:345)

النّيسابوريّ: (نحو الفخر الرّازيّ و بعد بيان الوجه الثّالث من كلامه قال:]

قلت:هذا الاستدلال ضعيف،فإنّ الوحوش في الدّنيا أيضا مجتمعة مع النّاس و مع أضدادها،لكن في أمكنة مختلفة،فلم لا يجوز أن تكون في القيامة أيضا كذلك.(30:34)

الآلوسيّ: [نحو الفخر الرّازيّ،و ذكر بعض أقوال المتقدّمين ثمّ قال:]

و ذهب كثير إلى بعث جميع الحيوانات ميلا إلى هذه الأخبار و نحوها،فقد أخرج مسلم و التّرمذيّ عن أبي هريرة في هذه الآية،قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«لتؤدّنّ الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتّى يقاد للشّاة الجمّاء من الشّاة القرناء».و زاد أحمد بن حنبل«و حتّى الذّرّة من الذّرّة».

و مال حجّة الإسلام الغزاليّ و جماعة إلى أنّه لا يحشر غير الثّقلين،لعدم كونه مكلّفا و لا أهلا للكرامة بوجه.و ليس في هذا الباب نصّ من كتاب أو سنّة معوّل عليها يدلّ على حشر غيرهما من الوحوش،و خبر مسلم و التّرمذيّ و إن كان صحيحا لكنّه لم يخرج مخرج التّفسير للآية.

و يجوز أن يكون كناية عن العدل التّامّ،و إلى هذا القول أميل،و لا أجزم بخطإ القائلين بالأوّل،لأنّ لهم ما يصلح مستندا في الجملة،و اللّه تعالى أعلم.

و قرأ الحسن و عمرو بن ميمون (حشّرت) بالتّشديد

ص: 329

للتّكثير.(30:51)

القاسميّ: أي جمعت من كلّ جانب و اختلطت،لما دهم أو كارها و مكامنها من الزّلزال و التّخريب،فتخرج هائمة مذعورة من أثر زلزال الأرض و تقطّع أوصالها.(17:6068)

المراغيّ: أي ماتت و هلكت،تقول العرب إذا أضرّت السّنة بالنّاس و أصابتهم بالقحط و الجدب:

حشرتهم السّنة،أي أهلكتهم،و هلاكها يكون من هول ذلك الحادث العظيم.(30:54)

مغنية:تنفر مذعورة عند خراب الكون،و تموت خوفا.

و قال الرّازيّ و الطّبرسيّ: «إنّ اللّه يجمع الوحوش حتّى يقتصّ لبعضها من بعض»و يلاحظ بأنّ اللّه لا يحاسب حتّى يكلّف،و لا يكلّف حتّى يهب العقل،به يثيب،و به يعاقب،و لو كان للوحوش عقل لامتنعت عن الإنسان،و كانت معه بمنزلة سواء.(7:524)

الطّباطبائيّ: ظاهر الآية من حيث وقوعها في سياق الآيات الواصفة ليوم القيامة أنّ الوحوش محشورة كالإنسان،و يؤيّده قوله تعالى: وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ الأنعام:38.

و أمّا تفصيل حالها بعد الحشر و ما يؤول إليه أمرها، فلم يرد في كلامه تعالى،و لا فيما يعتمد عليه من الأخبار ما يكشف عن ذلك،نعم ربّما استفيد من قوله في آية الأنعام: أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ، و قوله: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ بعض ما يتّضح به الحال في الجملة لا يخفى على النّاقد المتدبّر.و ربّما قيل:إنّ حشر الوحوش من أشراط السّاعة لا ممّا يقع يوم القيامة،و المراد به:

خروجها عن غاباتها و أكنانها.(20:214)

شوقي ضيف:و اختلف المفسّرون في معنى (حشرت)فقيل:معناها بعثت،و إنّها تبعث كالإنس حتّى يقتصّ لبعضها من بعض،فيقتصّ للوحوش الّتي لا قرن لها من ذوات القرون،ثمّ يقال لها:كوني ترابا فتموت[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و قيل:ليس معنى الحشر في الآية الكريمة البعث، و إنّما معناه الجمع،أي إنّ الوحوش حين تبدأ علامة السّاعة في الظّهور تتجمّع و يموج بعضها في بعض من شدّة الفزع.و هذا المعنى أولى من حيث نسق الآيات؛إذ لا تزال تتحدّث عن أمارات فناء العالم،فهو حين تنزل به كوارث هذا الفناء،فتنطفئ الشّمس و النّجوم و يفقد السّحاب أمطاره،و تدمّر الجبال و تصبح هباء،حينئذ تتجمّع وحوش الأرض هائمة على وجهها،لا تفكّر في عدوان سواء على أمثالها أم على الإنسان،فهي في شغل بما نزل بها و بالكون من أهوال.و في ذلك تجسيم واضح لما يكون حينئذ من كرب عظيم و فزع شديد.

و قيل:معنى(حشرت)في الآية:ماتت.و كأنّ الوحوش تموت من شدّة الهول،و ما يأخذها من الفزع.(سورة الرّحمن و سور قصار:249)

مكارم الشّيرازيّ: فالحيوانات الّتي تراها تبتعد فرارا الواحدة عن الأخرى خوفا من الإيذاء و البطش، ستراها و قد جمعت في محفل واحد،و كلّ منها لا يلتفت

ص: 330

إلى ما حوله،لما سيصاب به من رهبة و أهوال ذلك اليوم الخطير.و سيفقد أثر كلّ خوف من أيّ مخلوق،لأنّ الخوف من الخالق الحقّ قد حان وقته على الجميع.

و نقول:إذا اضمحلّت كلّ خصائص الوحشيّة للحيوانات غير الأليفة،نتيجة لأهوال يوم القيامة فما سيكون مصير الإنسان حينئذ؟

و يعتقد كثير من المفسّرين بأنّ الآية تشير إلى حشر الحيوانات الوحشيّة في عرصة يوم القيامة لمحاسبتها على قدر ما تحمل من إدراك،و يستدلّون بالآية:38،من سورة الأنعام على ذلك،و الّتي تقول:

وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ...

ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ.

و الّذي يمكننا أن نقوله:إنّ الآية تتحدّث عن علائم نهاية الدّنيا المهولة و بداية عالم الآخرة؛و عليه فالتّفسير الأوّل أقرب من غيره مناسبة.(19:397)

فضل اللّه :أي جمعت و انزوت و اقترب بعضها من بعض،فلم يعد لديها إمكان التّحرّك بحرّيّة و وفق طريقتها الخاصّة الّتي تطلب بها غذاءها عادة،أو لتحمي بها نفسها من بعضها البعض،في ما اعتادته من افتراس بعضها البعض،و إذا الموقف قد أنساها كلّ شيء،و بحيث يمرّ الوحش القويّ بالحيوان الضّعيف فينسى غريزة الافتراس في ذاته،و يمرّ الضّعيف بالقويّ فلا يخاف منه.

و لكن هل المراد من الحشر هو حشرها في ساحة القيامة؟و هل للوحوش تكليف في الدّنيا حتّى تحاسب على الانحراف عنه في الآخرة؟أم أنّ للمسألة معنى آخر؟

ربّما يقال بالمعنى الأوّل:إنّ الوحوش محشورة كالإنسان،و يؤيّده قوله تعالى: وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ...

الأنعام:38.

و أمّا تفصيل حالها بعد الحشر و ما يؤول إليه أمرها، فلم يرد في كلامه تعالى،و لا في ما يعتمد عليه من الأخبار،ما يكشف عن ذلك،كما يقول صاحب «الميزان».[ثمّ ذكر كلام الطّبرسيّ و أضاف:]

و ربّما قيل:إنّ حشر الوحوش من أشراط السّاعة لا ممّا يقع يوم القيامة،و المراد به:خروجها عن غاباتها و أكنانها،و هذا هو المعنى الثّاني الّذي أثرناه في السّؤال، و ربّما كان هو الأقرب،لأنّ الآية واردة في أشراط السّاعة لا في وقائعها،في ما يوحي للإنسان بالرّعب؛ بحيث تصل المسألة في أهواله،إلى مستوى حشر الوحوش في مكان واحد بالرّغم من خروج ذلك عن طبيعتها.

أمّا مسألة الآية في سورة الأنعام،فقد يكون المراد بالحشر إلى اللّه غير الحشر في ساحة الحرب،لأنّه لم يثبت أنّ هناك تكليفا للحيوانات،و لا معنى لتعويض الحيوانات عن آلامها،و إلاّ لكان قتلها أو ذبحها موجبا لذلك،و لم يثبت ذلك من عقل و لا من نقل.(24:89)

يحشرهم

1- ...وَ مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَ يَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً. النّساء:172

الطّبريّ: فسيبعثهم يوم القيامة جميعا.(6:38)

مثله الطّوسيّ.(3:404)

ص: 331

أبو السّعود:أي المستنكفين و مقابليهم المدلول عليهم،ذكر عدم استنكاف المسيح و الملائكة عليهم السّلام و قد ترك ذكر أحد الفريقين في المفصّل تعويلا على إنباء التّفصيل عنه،و ثقة بظهور اقتضاء حشر أحدهما لحشر الآخر،ضرورة عموم الحشر للخلائق كافّة،كما ترك ذكر أحد الفريقين في التّفصيل عند قوله: فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ... النّساء:175،مع عموم الخطاب لهما، اعتمادا على ظهور اقتضاء إثابة أحدهما لعقاب الآخر، ضرورة شمول الجزاء للكلّ.

و قيل:الضّمير للمستنكفين،و هناك مقدّر معطوف عليه،و التّقدير:فسيحشرهم إليه يوم يحشر العباد لمجازاتهم،و فيه أنّ الأنسب بالتّفصيل الآتي اعتبار حشر الكلّ في الإجمال على نهج واحد.

و قرئ (فسيحشرهم) بكسر السّين و هي لغة، و قرئ (فسنحشرهم) بنون العظمة بطريق الالتفات.(2:228)

نحوه الآلوسيّ.(6:41)

البروسويّ: فسيجمعهم إليه يوم القيامة.

(2:331)

فريد وجدي:فسيجمعهم.و أصل الحشر:إخراج الجماعة عن مقرّهم،و إزعاجهم عنه إلى الحرب و نحوها، يقال:حشرهم يحشرهم حشرا.(133)

2- وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فَيَقُولُ أَ أَنْتُمْ... الفرقان:17

ابن عبّاس: حشر البعث.(الماورديّ 4:136)

مجاهد:حشر الموت.(الماورديّ 4:136)

الطّبريّ: و يوم نحشر هؤلاء المكذّبين بالسّاعة، العابدين الأوثان،و ما يعبدون من دون اللّه من الملائكة و الإنس و الجنّ...

و اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأه أبو جعفر القارئ و عبد اللّه بن كثير وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ فَيَقُولُ بالياء جميعا،بمعنى و يوم يحشرهم ربّك و يحشر ما يعبدون من دونه(فيقول).و قرأته عامّة قرّاء الكوفيّين (نحشرهم) بالنّون(فنقول).و كذلك قرأه نافع.

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب،أن يقال:إنّهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب.(18:190)

نحوه أبو زرعة(508)،و القرطبيّ(13:10).

الطّوسيّ: قرأ ابن كثير و أبو جعفر و حفص و يعقوب: (و يوم يحشرهم) بالياء،الباقون بالنّون و قرأ ابن عامر(فنقول)بالنّون،الباقون بالياء.

فمن قرأ(يحشرهم)بالياء،فتقديره:قل يا محمّد يوم يحشرهم اللّه و يحشر الأصنام الّتي يعبدونها من دون اللّه.

قال قوم:حشر الأصنام:إفناؤها،و قال آخرون:

يحشرها كما يحشر سائر الحيوان ليبكّت من جعلها آلهة.

و من قرأ بالنّون أراد أنّ اللّه المخبر بذلك عن نفسه.

و ابن عامر جعل المعطوف مثل المعطوف عليه،في أنّه حمله على أنّه إخبار من اللّه.

و من قرأ الأولى بالنّون و الثّانية بالياء عدل من الإخبار عن اللّه إلى الإخبار عن الغائب.(7:478)

ص: 332

ابن عطيّة:[ذكر اختلاف القراءة و قال:]

و قرأ الأعرج (نحشرهم) بكسر الشّين،و هي قليل في الاستعمال قويّة في القياس،لأنّ«يفعل»بكسر العين في المتعدّي أقيس من«يفعل»بضمّ العين.(4:203)

أبو حيّان :[ذكر اختلاف القراءة و قال:]

و قرأ الأعرج (يحشرهم) بكسر الشّين.قال صاحب«اللّوامح»:في كلّ القرآن و هو القياس في الأفعال المتعدّية الثّلاثيّة،لأنّ«يفعل»بضمّ العين قد يكون من اللاّزم الّذي هو«فعل»بضمّها في الماضي.[ثمّ ذكر قول ابن عطيّة و قال:]

و هذا ليس كما ذكر،بل فعل المتعدّي الصّحيح جميع حروفه،إذا لم يكن للمبالغة و لا حلقي عين و لا لام،فإنّه جاء على«يفعل»و«يفعل»كثيرا،فإن شهر أحد الاستعمالين اتّبع و إلاّ فالخيار،حتّى أنّ بعض أصحابنا خيّر فيهما،سمعا للكلمة أو لم يسمعا.(6:488)

نحوه الآلوسيّ.(18:248)

نحشر

يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً.

مريم:85

أبو حيّان :و عدّي(نحشر)ب إِلَى الرَّحْمنِ تعظيما لهم و تشريفا،و ذكر صفة الرّحمانيّة الّتي خصّهم بها كرامة؛إذ لفظ الحشر فيه جمع من أماكن متفرّقة، و أقطار شاسعة على سبيل القهر،فجاءت لفظة(الرّحمن) مؤذنة بأنّهم يحشرون إلى من يرحمهم.(6:216)

الطّباطبائيّ: ربّما استفيد من مقابلة قوله في هذه الآية: إِلَى الرَّحْمنِ قوله في الآية التّالية: إِلى جَهَنَّمَ أنّ المراد بحشرهم إلى الرّحمن حشرهم إلى الجنّة،و إنّما سمّي حشرا إلى الرّحمن،لأنّ الجنّة مقام قربه تعالى،فالحشر إليها حشر إليه.(14:110)

نحشرهم

وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا...

يونس:28

الطّوسيّ: أخبر تعالى في هذه الآية أنّه يوم يحشر الخلائق أجمعين.و الحشر:هو الجمع من كلّ أوب إلى الموقف،و إنّما يقومون من قبورهم إلى أرض الموقف.(5:422)

الفخر الرّازيّ: الضّمير في قوله: وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ عائد إلى المذكور السّابق؛و ذلك قوله:

وَ الَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ... يونس:27،فلمّا وصف اللّه هؤلاء الّذين يحشرهم بالشّرك و الكفر دلّ على أنّ المراد من قوله: وَ الَّذِينَ كَسَبُوا... الكفّار.

و حاصل الكلام:أنّه تعالى يحشر العابد و المعبود،ثمّ إنّ المعبود يتبرّأ من العابد،و يتبيّن له أنّه ما فعل ذلك بعلمه و إرادته...

و الحشر:الجمع من كلّ جانب إلى موقف واحد، و(جميعا)نصب على الحال،أي نحشر الكلّ حال اجتماعهم.(17:82)

القرطبيّ: أي نجمعهم،و الحشر:الجمع.(8:333)

الآلوسيّ: كلام مستأنف مسوق لبيان بعض آخر من أحوالهم الفظيعة،و تأخيره في الذّكر مع تقدّمه في

ص: 333

الوجود على بعض أحوالهم المحكيّة سابقا-كما قال بعض المحقّقين-للإيذان باستقلال كلّ من السّابق و اللاّحق بالاعتبار،و لو روعي التّرتيب الخارجي لعدّ الكلّ شيئا واحدا،و لذلك فصل عمّا قبله.و زعم الطّبرسيّ:أنّه تعالى لمّا قدّم ذكر الجزاء بيّن بهذا وقت ذلك،و عليه فالآية متّصلة بما ذكر آنفا،لكن لا يخفى أنّ ذلك لم يخرج مخرج البيان.

و أولى منه أن يقال:وجه اتّصاله بما قبله أنّ فيه تأكيدا لقوله سبحانه: ما لَهُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عاصِمٍ يونس:27،من حيث دلالته على عدم نفع الشّركاء لهم...و ضمير(نحشرهم)لكلا الفريقين من الّذين أحسنوا الحسنى،و الّذين كسبوا السّيّئات،لأنّه المتبادر من قوله تعالى:(جميعا).و من أفراد الفريق الثّاني بالذّكر في قوله سبحانه: ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أي للمشركين من بينهم و لأنّ توبيخهم و تهديدهم على رءوس الأشهاد أفظع،و الإخبار بحشر الكلّ في تهويل اليوم أدخل.و إلى هذا ذهب القاضي البيضاويّ و غيره، و كون مراده بالفريقين:فريقي الكفّار و المشركين، خلاف الظّاهر جدّا.

و قيل:الضمير للفريق الثّاني خاصّة،فيكون (الّذين اشركوا)من وضع الموصول موضع الضّمير، و النّكتة في تخصيص وصف إشراكهم في حيّز الصّلة من بين سائر ما اكتسبوه من السّيّئات ابتناء التّوبيخ و التّقريع عليه،مع ما فيه من الإيذان بكونه معظم جناياتهم و عمدة سيّئاتهم،و هو السّرّ في الإظهار في مقام الإضمار على القول الأخير.(11:106)

يحشر

1- قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَ أَنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى. طه:59

الطّبريّ: و أن يساق النّاس من كلّ فجّ و ناحية.(16:177)

الطّوسيّ: و قوله: أَنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى يحتمل أن يكون في موضع رفع،و تقديره:موعدكم حشر النّاس،و يحتمل أن يكون في موضع جرّ، و تقديره:يوم يحشر النّاس.(7:181)

الزّمخشريّ: قرئ (و ان تحشر النّاس) بالتّاء و الياء،يريد و أن تحشر يا فرعون و أن يحشر اليوم.

و يجوز أن يكون فيه ضمير فرعون ذكره بلفظ الغيبة،إمّا على العادة الّتي يخاطب بها الملوك،أو خاطب القوم بقوله:(موعدكم)و جعل(يحشر)لفرعون،و محلّ أَنْ يُحْشَرَ الرّفع أو الجرّ عطفا على اليوم أو الزّينة،و إنّما واعدهم ذلك اليوم ليكون علوّ كلمة اللّه و ظهور دينه، و كبت الكافر و زهوق الباطل على رءوس الأشهاد.(2:542)

نحوه القرطبيّ(11:214)،و أبو حيّان(6:254).

ابن عطيّة: و قوله: وَ أَنْ يُحْشَرَ النّاسُ عطف على(الزّينة)فهو في موضع خفض،و يحتمل أن يكون في موضع رفع على تقدير:و موعدكم أن يحشر النّاس، و يقلق عطفه على(اليوم)و فيه نظر.

و قرأ الجمهور (حشر النّاس) رفعا،و قرأ ابن مسعود و الخدريّ و جماعة (يحشر النّاس) بفتح الياء و ضمّ الشّين و نصب(النّاس)،و قرأت فرقة (نحشر النّاس)

ص: 334

بالنّون.و الحشر:الجمع،و معناه نحشر النّاس لمشاهده المعارضة و التّهيّؤ لقبول الحقّ حيث كان.

(4:49)

الفخر الرّازيّ: و إنّما قال:(يحشر)فإنّهم يجتمعون ذلك اليوم بأنفسهم من غير حاشر لهم.[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ](22:73)

نحوه النّيسابوريّ.(16:137)

2- وَ يَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللّهِ إِلَى النّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ. فصّلت:19

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه تعالى لمّا بيّن كيفيّة عقوبة أولئك الكفّار في الدّنيا،أردفه بكيفيّة عقوبتهم في الآخرة،ليحصل منه تمام الاعتبار في الزّجر و التّحذير.

و قرأ نافع (نحشر) بالنّون(اعداء)بالنّصب،أضاف الحشر إلى نفسه،و التّقدير:يحشر اللّه عزّ و جلّ أعداءه الكفّار من الأوّلين و الآخرين.و حجّته أنّه معطوف على قوله:(و نجّينا)فصّلت:18،فيحسن أن يكون على وفقه في اللّفظ،و يقوّيه قوله: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ مريم:85، وَ حَشَرْناهُمْ الكهف:47.

و أمّا الباقون فقرءوا على فعل ما لم يسمّ فاعله،لأنّ قصّة ثمود قد تمّت،و قوله: وَ يَوْمَ يُحْشَرُ ابتداء كلام آخر،و أيضا الحاشرون لهم هم المأمورون بقوله:

اُحْشُرُوا الصّافّات:22.و هم الملائكة،و أيضا إنّ هذه القراءة موافقة لقوله: فَهُمْ يُوزَعُونَ و أيضا فتقدير القراءة الأولى أنّ اللّه تعالى قال:و يوم نحشر أعداء اللّه إلى النّار،فكان الأولى على هذا التّقدير أن يقال:و يوم نحشر أعداءنا إلى النّار.(27:115)

الحشر

هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا... الحشر:2

ابن عبّاس: من شكّ أنّ المحشر بالشّام فليقرأ هذه الآية،و ذلك أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال لهم يومئذ:«اخرجوا» قالوا:إلى أين؟فقال:إلى أرض المحشر،فأنزل اللّه سبحانه: لِأَوَّلِ الْحَشْرِ. (الثّعلبيّ 9:268)

نحوه عكرمة.(القرطبيّ 18:2)

هم أوّل من حشر من أهل الكتاب و أخرج من دياره.(القرطبيّ 18:2)

عكرمة :المعنى لأوّل موضع الحشر و هو الشّام.(أبو حيّان:8:243)

مثله الزّهريّ.(أبو حيّان:8:243)

الحسن :إنّ هذا كان أوّل حشرهم،و الحشر الثّاني إلى أرض المحشر يوم القيامة.(ابن الجوزيّ 8:204)

قتادة :قيل:الشّام،و هم بنو النّضير حيّ من اليهود،فأجلاهم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من المدينة إلى خيبر، مرجعه من أحد.(الطّبريّ 28:28)

كان هذا أوّل الحشر،و الحشر الثّاني نار تحشرهم من المشرق إلى المغرب،تبيت معهم حيث باتوا،و تقيل معهم حيث قالوا،و تأكل منهم من تخلّف.

(الثّعلبيّ 9:269)

الزّهريّ: هم بنو النّضير قاتلهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حتّى صالحهم على الجلاء،فأجلاهم إلى الشّام و على أنّ لهم ما

ص: 335

أقلّت الإبل من شيء إلاّ الحلقة،و الحلقة:السّلاح،كانوا من سبط لم يصبهم جلاء فيما مضى،و كان اللّه عزّ و جلّ قد كتب عليهم الجلاء،و لو لا ذلك عذّبهم في الدّنيا بالقتل و السّباء.(الطّبريّ 28:28)

الكلبيّ: إنّما قال: لِأَوَّلِ الْحَشْرِ لأنّهم أوّل من حشروا من أهل الكتاب و نفوا من الحجاز.

(الثّعلبيّ 9:268)

الطّبريّ: لأوّل الجمع في الدّنيا،و ذلك حشرهم إلى أرض الشّام.(28:28)

الزّجّاج: هو أوّل حشر حشر إلى الشّام،ثمّ يحشر الخلق يوم القيامة إلى الشّام،و لذلك قيل:لأوّل الحشر.

فجميع اليهود و النّصارى يجلون من جزيرة العرب.

(5:144)

الثّعلبيّ: قال مرّة الهمدانيّ:كان هذا أوّل الحشر من المدينة،و الحشر الثّاني من خيبر و جميع جزيرة العرب إلى أذرعات و أريحا من الشّام في أيّام عمر بن الخطّاب و على بدنه (1).

قال يمان بن رباب:إنّما قال: لِأَوَّلِ الْحَشْرِ لأنّ اللّه سبحانه فتح على نبيّه عليه السّلام في أوّل ما قاتلهم.(9:269)

ابن العربيّ: للحشر أوّل و وسط و آخر،فالأوّل إجلاء بني النّضير،و الأوسط إجلاء خيبر،و الآخر حشر القيامة.(4:1764)

القرطبيّ: [ذكر أقوال المتقدّمين فلاحظ].

(18:2)

مكارم الشّيرازيّ: الحشر في الأصل تحريك جماعة و إخراجها من مقرّها إلى ميدان حرب و ما إلى ذلك.و المقصود منه هنا اجتماع حركة المسلمين من المدينة إلى قلاع اليهود،أو اجتماع اليهود لمحاربة المسلمين،و لأنّ هذا أوّل اجتماع من نوعه،فقد سمّي في القرآن الكريم بأوّل الحشر،و هذه بحدّ ذاتها إشارة لطيفة إلى بداية المواجهة المقبلة مع يهود بني النّضير و يهود خيبر و أمثالهم.

و العجب أنّ جمعا من المفسّرين قد ذكروا احتمالات للآية لا تتناسب أبدا مع محتواها،و من جملتها أنّ المقصود بالحشر الأوّل هو مقابل حشر يوم القيامة، و هو القيام من القبور إلى الحشر،و الأعجب من ذلك أنّ البعض أخذ هذه الآية دليلا على أنّ حشر يوم القيامة يقع في أرض الشّام الّتي أبعد اليهود إليها،و كأنّ كلّ هذه الاحتمالات الضّعيفة ناشئة من وجود كلمة الحشر،في الوقت الّذي كان هذا المصطلح ليس بمعنى الحشر في القيامة؛إذ إنّه يطلق على كلّ اجتماع و خروج من عقر، و الحضور في ميدان ما،قال تعالى: وَ حُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ الطَّيْرِ النّمل:17.

و كذلك ما ورد في الاجتماع العظيم لمشاهدة المحاججة الّتي خاضها موسى عليه السّلام مع سحرة فرعون؛حيث يقول سبحانه: وَ أَنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى طه:59.

(18:158)

و تقدّم كثير من النّصوص فلاحظ(أول)«لاوّل الحشر».

الوجوه و النّظائر

مقاتل:تفسير الحشر على وجهين:

ص: 336


1- كذا في الأصل.

فوجه منهما حشر:يعني جميع،فذلك قوله في يونس:45: وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ يعني لجميع المشركين،نظيرها في الفرقان:

17،و قال في الكهف:47: وَ حَشَرْناهُمْ يعني و جمعناهم فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً، و قال في إذا الشّمس كوّرت:5: وَ إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ يعني جمعت،و كقوله في النّمل:17: وَ حُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ نظيرها في ص:19،حيث يقول: وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوّابٌ و نحوه كثير.

و الوجه الثّاني:الحشر يقول السّوق،فذلك قوله في الصّافّات:22،23: اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا يقول:

سوقوا الّذين أشركوا و قرناءهم الشّياطين بعد الحساب إلى قوله: فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ و قال في بني إسرائيل:97: وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ يعني نسوقهم يوم القيامة على وجوههم إلى النّار،و قال في طه:102: وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يعني نسوق المشركين(يومئذ)بعد الحساب إلى جهنّم (زرقا).(الأشباه و النّظائر:167)

مثله هارون الأعور(163)،و الحيّريّ(207)، و الدّامغانيّ(241)،و الميبديّ(4:285).

الفيروزآباديّ: [نحو مقاتل و أضاف:].

و الحشر بهذا المعنى يختلف لمعان:

حشر الطّيور لداود و طيب ألحانه وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً ص:19.

و حشر الجنّ و غيره لسليمان عليه السّلام وَ حُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ النّمل:17.

و حشر السّحرة لفرعون و هامان: فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ الشّعراء:53.

و حشر الخلائق للملك الدّيّان وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ المائدة:96، وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً الأنعام:22،و يونس:28.

و حشر لأهل الظّلم و العدوان لعقوبتهم بالنّيران اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْواجَهُمْ الصّافّات:22.

و حشر للمتّقين إلى نعيم الجنان و الرّضوان يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً مريم:85.

(بصائر ذوي التّمييز 2:468)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحشرة،أي هامّة الأرض كالخنافس و العقارب،و صغار الدّوابّ كاليرابيع و القنافذ و الضّباب و نحوها.و الصّيد ما تعاظم منه و تصاغر،و كلّ ما أكل من بقل الأرض كالدّعاع و القتّ و هو اسم جامع لا يفرد الواحد،إلاّ أن يقولوا:هذا من الحشرة؛و الجمع:حشرات.

و الحشر:السّنة الشّديدة،تجحف بالمال و تهلك الحيوان،يقال:حشرت السّنة مال فلان،أي أهلكته، و قد حشرتهم السّنة تحشرهم و تحشرهم،و ذلك أنّها تضمّ النّاس و تجمعهم من النّواحي إلى الأمصار كما تتجمّع الحشرات.

و الحشر:ما بري و حدّد،كأنّه جمع جمعا.يقال:

سهم محشور و حشر،أي حفيف لطيف.قال الطّوسيّ:

ص: 337

«لأنّه ضامر باجتماعه،و منه:أذن حشرة:لطيفة ضامرة».

و حشر العود حشرا:براه،و حشر السّكّين و السّنان حشرا:أحدّه فأرقّه و ألطفه،و سنان حشر:

دقيق،و قد حشرته حشرا،و حربة حشرة:حديدة، و كلّ ذلك تشبيه بالحشرة و اجتماعها.

2-و قيل:الحشرة:القشرة الّتي تلي الحبّة؛و الجمع:

حشر،و هو الجشرة بالجيم،و ما ذكر تصحيف له.

و كذا اللّزج في القدح من دسم اللّبن،فهو الجشر:

وسخ الوطب من اللّبن.يقال:وطب جشر،أي وسخ.

و مثله عظم البطن و انتفاخه،و منه:جنب جاشر:

منتفخ.يقال:تجشّر بطنه،أي انتفخ.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها الماضي معلوما 4 مرّات و مجهولا مرّتين و المضارع معلوما 14 مرّة،و مجهولا 15 مرّة،و الأمر مرّة، و اسم الفاعل مرّتين،و اسم المفعول مرّة،و المصدر 3 مرّات،في 42 آية:

1:الحشر في الدّنيا

1- فَحَشَرَ فَنادى* فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى

النّازعات:23،24

2- ...وَ حَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ... الأنعام:111

3- وَ حُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ الطَّيْرِ... النّمل:17

4- قالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَ أَنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى طه:59

5- قالُوا أَرْجِهْ وَ أَخاهُ وَ ابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ الشّعراء:36

6- فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ

الشّعراء:53

7- وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوّابٌ ص:19

8- هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ... الحشر:2

2:الحشر في الآخرة

9- وَ إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ التّكوير:5

10- يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ ق:44

11- وَ تَرَى الْأَرْضَ بارِزَةً وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً الكهف:47

12- قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً طه:125

13- ...وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى طه:124

14- يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً طه:102

15- وَ يَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجاً مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآياتِنا فَهُمْ يُوزَعُونَ النّمل:83

16- فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَ الشَّياطِينَ...

مريم:68

17- وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ... الأنعام:22

18- وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ

ص: 338

أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَ شُرَكاؤُكُمْ... يونس:28

19- وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا... الإسراء:97

20- ...وَ مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَ يَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً النّساء:172

21- وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ... الأنعام:128

22- وَ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَحْشُرُهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ

الحجر:25

23- وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلاّ ساعَةً مِنَ النَّهارِ... يونس:45

24- وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ وَ ما يَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ... الفرقان:17

25- وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَ هؤُلاءِ إِيّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ سبأ:40

26- اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْواجَهُمْ وَ ما كانُوا يَعْبُدُونَ الصّافّات:22

27- وَ إِذا حُشِرَ النّاسُ كانُوا لَهُمْ أَعْداءً وَ كانُوا بِعِبادَتِهِمْ كافِرِينَ الأحقاف:6

28- ...وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ البقرة:203

29- قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَ تُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمِهادُ آل عمران:12

30- وَ لَئِنْ مُتُّمْ أَوْ قُتِلْتُمْ لَإِلَى اللّهِ تُحْشَرُونَ

آل عمران:158

31- ...وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ

المائدة:96

32- وَ أَنْ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ اتَّقُوهُ وَ هُوَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ الأنعام:72

33- ...وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ وَ أَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ الأنفال:24

34- وَ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ المؤمنون:79

35- ...وَ تَناجَوْا بِالْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ المجادلة:9

36- يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً

مريم:85

37- قُلْ هُوَ الَّذِي ذَرَأَكُمْ فِي الْأَرْضِ وَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ الملك:24

38- وَ يَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللّهِ إِلَى النّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ فصّلت:19

39- وَ أَنْذِرْ بِهِ الَّذِينَ يَخافُونَ أَنْ يُحْشَرُوا إِلى رَبِّهِمْ... الأنعام:51

40- ...ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ الأنعام:38

41- ...وَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ

الأنفال:36

42- اَلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً... الفرقان:34

يلاحظ أوّلا:أنّه جاء الحشر بمعنى الجمع في جميع المواضع ضمن محورين:

المحور الأوّل:الحشر في الدّنيا في مواضع:

ص: 339

الموضع الأوّل:حشر فرعون في(1)و(4)و(5) و(6)و فيها بحوث:

أ-اختلفوا في المحشور و المنادى و سبب الحشر في (1)،فقالوا:حشر السّحرة للمعارضة،و نادى جنده للمحاربة،أو حشر النّاس للحضور و نادى،أي خطب فيهم،أو طلب السّحرة،فلمّا اجتمعوا ناداهم،فقال لهم: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى النّازعات:24،أو جمع أصحابه ليمنعوه من الحيّة.

و قال الطّباطبائيّ: «الحشر:جمع النّاس بإزعاج، و المراد:جمعه النّاس من أهل مملكته،كما يدلّ عليه تفريع قوله: فَنادى* فَقالَ أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى النّازعات:23 و 24،عليه،فإنّه كان يدّعي الرّبوبيّة لأهل مملكته جميعا لا لطائفة خاصّة منهم».

ب-يظهر من قول ابن عبّاس:«فنادى فحشر» و قول ابن زيد:«صرخ و حشر قومه»في(1)أنّ النّداء مقدّم على الحشر،أي نادى فرعون قومه،فلمّا لبّوا نداءه فحشرهم.و لكنّ ظاهر السّياق يفيد خلاف ذلك،أي أنّ الحشر يسبق النّداء،و هو ما ذهب إليه سائر المفسّرين.

ثمّ إنّ في قول ابن عبّاس إشارة إلى أنّ ترتيب جملة فَحَشَرَ فَنادى رعاية للرّويّ،فعليه تكون الفاء في (فقال)استئنافيّة.و الصّواب أنّها عاطفة-على القول بعدم التّقديم و التّأخير-و كذلك في(فحشر)و(فنادى)، أي و حشرهم و ناداهم و قال لهم: أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلى.

ج-ذكرت في سورة الذّاريات قصّة موسى و فرعون فقط،و لم يذكر فيها هارون،خلافا لسورتي طه و الشّعراء،فقد ذكرت فيهما قصص أخرى،كما ذكر فيهما هارون.و لعلّ ذلك يرجع إلى قصر السّورة و إيجازها.

د-جاء الفعل مضارعا مبنيّا للمجهول في(4)،و فيه رأيان:

الأوّل:جمع النّاس قسرا،و هو ظاهر قول الطّبريّ:

«و أن يساق النّاس من كلّ فجّ و ناحية».

و الثّاني:جمع النّاس طوعا،و هو قول الفخر الرّازيّ:

«فإنّهم يجتمعون ذلك اليوم بأنفسهم من غير حاشر لهم».

و الثّاني هو الأظهر،لأنّ يوم الزّينة-كما ذكر المفسّرون-كان عيدا من أعياد المصريّين،فكانوا يتزيّنون فيه و يزيّنون به الأسواق،و يغلقون حوانيتهم، و يعطّلون أعمالهم،فكان حضورهم لمشاهدة السّجال بين موسى و فرعون من طوع أنفسهم.

ه-اختار موسى من الأيّام يوم الزّينة و من الأوقات وقت الضّحى،ليتسنّى للدّاني و القاصي من النّاس الوصول في الموعد المذكور،و يروا بأعينهم حجّته النّاطقة و آيته الصّادقة في رائعة النّهار،قال الزّمخشريّ:

«و إنّما واعدهم ذلك اليوم ليكون علوّ كلمة اللّه و ظهور دينه و كبت الكافر و زهوق الباطل على رءوس الأشهاد».

و-جملة أَنْ يُحْشَرَ النّاسُ ضُحًى في محلّ رفع خبر(موعدكم)،و تقديره:موعدكم أن يحشر النّاس أو حشر النّاس،أو في محلّ جرّ بالإضافة،و تقديره:يوم يحشر النّاس أو حشر النّاس،أو بعطفه على(الزّينة).

و احتمل الزّمخشريّ في حالة الجرّ أن يكون معطوفا

ص: 340

على اليوم،و قال ابن عطيّة:«يقلق عطفه على اليوم، و فيه نظر».

ز-قرئ «حشر النّاس» ،و نسبها ابن عطيّة إلى الجمهور،و«يحشر النّاس»،و هي قراءة ابن مسعود و الخدريّ و جماعة،و «نحشر النّاس» ،و «تحشر النّاس» ،خطابا لفرعون.

ح-إنّ(حاشرين)في(5)و(6)جمع حاشر،و هو الّذي يحشد الجموع و يجمعهم،مفعول به منصوب ب(ابعث)في(5)و ب(فارسل)في(6)،و كلا الفعلين بمعنى واحد،و-يكون(فى المدائن)متعلّقا بهما في الآيتين- و فاعلهما فرعون،و هو مستتر في(5)و ظاهر في(6).

ط-جاءت جملة وَ ابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ إنشاء على لسان أتباع فرعون،و جملة فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ خبرا،فكان الحاشرون للنّاس في(5)يحشدونهم للمحاججة،و في(6)يحشدونهم للقبض على موسى و قومه،فاستعمل«البعث»في السّلام و«الإرسال»في الحرب.

الموضع الثّاني:حشر مشركي مكّة في(2)و فيه بحثان:

أ-وصف اللّه فيها عنادهم و إصرارهم على الكفر ردّا على زعمهم أنّهم يؤمنون بالآيات إذا جاءتهم:

وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها الأنعام:109.ثمّ ذكر بعدها في(111) وَ لَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَ كَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَ حَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ أمثلة ثلاثة للآيات،و هي تنزيل الملائكة إليهم،و تكليم الموتى،و حشر كلّ شيء عليهم عيانا.و يدلّ قوله: ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ، على عظمة هذه الآيات و على شدّة عنادهم؛إذ هم لا يؤمنون باللّه،و إن تحقّقت هذه الآيات العظمى.

ب-استعملت(عليهم)صلة ل(حشرنا)لتوثيق الفعل،فهي إمّا على أصلها،أي بمعنى الاستعلاء،و هو معنويّ هنا،كما في قوله: وَ لَهُمْ عَلَيَّ ذَنْبٌ الشّعراء:14،و إمّا على غير أصلها،و هي هنا بمعنى لام التّعليل،كقوله: وَ لِتُكَبِّرُوا اللّهَ عَلى ما هَداكُمْ البقرة:

185،و تقدير الكلام:و حشرنا لأجلهم أولهم كلّ شيء قبلا.

الموضع الثّالث:حشر جنود سليمان في(3)و فيها بحثان أيضا:

أ-جاء الفعل(حشر)مجهولا مذكّرا-و«الجنود» جمع مكسّر ل«جند»-من دون الاتّصال بضمير التّأنيث،مع أنّ الفعل المسند إلى جمع التّكسير يتّصل بضمير التّأنيث عادة،كما في قوله: اُذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها الأحزاب:9.

و لعلّه للإشعار بأنّ تلك الجنود كانت مسخّرة لأمر اللّه تعالى تماما،و لم يكن لها شيء من الاختيار للتّحاشي عن أمره،لكي يسند الحشر إليها.فهذه الآية نظير آية (7) وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً كما يأتي بحثها.

ب-قال الطّباطبائيّ: سياق الآيات التّالية كلّ ذلك دليل على أنّ جنوده كانوا طوائف خاصّة من الجنّ

ص: 341

و الإنس و الطّير،سواء كانت(من)في الآية للتّبعيض أو للبيان.

و سخّرت له إضافة إلى ذلك الرّيح و الشّياطين،قال تعالى: فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ* وَ الشَّياطِينَ كُلَّ بَنّاءٍ وَ غَوّاصٍ ص:37 و 38،كما أذيبت له عين النّحاس و الحديد،قال:

وَ أَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ سبأ:12.

الموضع الرّابع:حشر الطّير لداود في(7):

أ-عطفت هذه الآية على الآية السّابقة على النّحو التّالي: إِنّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ بِالْعَشِيِّ وَ الْإِشْراقِ* وَ الطَّيْرَ مَحْشُورَةً كُلٌّ لَهُ أَوّابٌ ف(الطّير) مفعول به معطوف على الجبال،و(محشورة)حال معطوف على(يسبّحن)،و العامل فيهما(سخّرنا).

و إن قيل:لم جاء الحال في السّابقة فعلا و لم يجئ اسما،أي«مسبّحة»،أو جاء في اللاّحقة فعلا،أي «يحشرن»،فيتطابق الحالان في الاسميّة أو الفعليّة؟

قال الزّمخشريّ: «لمّا لم يكن في الحشر ما كان في التّسبيح من إرادة الدّلالة على الحدوث شيئا بعد شيء، جيء به اسما لا فعلا،و ذلك أنّه لو قيل:و سخّرنا الطّير يحشرن-على أنّ الحشر يوجد من حاشرها شيئا بعد شيء،و الحاشر هو اللّه عزّ و جلّ-لكان خلفا،لأنّ حشرها جملة واحدة أدلّ على القدرة».

ب-قرأ ابن أبي عبلة و الجحدريّ (و الطّير محشورة) برفعهما مبتدأ و خبرا،و الواو على ذلك استئنافيّة أو حاليّة.و ينتفي بهذه القراءة السّؤال السّابق،لأنّه ليس ثمّ عطف مفعول على مفعول،و حال على حال.

ج-قال ابن عبّاس:«كان داود عليه السّلام إذا سبّح جاوبته الجبال،و اجتمعت إليه الطّير فسبّحت معه، فاجتماعها إليه حشرها».و عقّب القرطبيّ قائلا:

«فالمعنى و سخّرنا الطّير مجموعة إليه لتسبّح اللّه معه، و قيل:أي و سخّرنا الرّيح لتحشر الطّيور إليه لتسبّح معه، أو أمرنا الملائكة تحشر الطّيور.

الموضع الخامس:حشر اليهود في(8)(لاوّل الحشر)و فيها بحوث:

أ-اختلفوا فيه،فقالوا:لأوّل الجمع في الدّنيا،و ذلك حشر اليهود من بني النّضير و نفيهم من جزيرة العرب، أو هم أوّل من حشروا من أهل الكتاب و أجلوا عن أرض العرب إلى الشّام،أو لأوّل جمعهم للقتال مع المسلمين،لأنّهم لم يجتمعوا له قبل،أو أنّ اللّه فتح على نبيّه في أوّل ما قاتلهم.

ب-عدّ فريق آخر لِأَوَّلِ الْحَشْرِ من إضافة الصّفة إلى الموصوف،و أصله عندهم«الحشر الأوّل»، و جعلوه قبال الحشر الثّاني،فقالوا:الحشر الأوّل حشر بني النّضير من المدينة إلى خيبر،و الحشر الثّاني حشرهم من خيبر إلى أرض الشّام،أو حشرهم إلى الشّام في الحشر الأوّل،و حشر النّاس عامّة إلى الشّام أيضا يوم القيامة في الحشر الثّاني،أو إخراجهم إلى الشّام في الحشر الأوّل،و الحشر الثّاني نار تحشرهم من المشرق إلى المغرب،أو أوّل الحشر القيامة،و آخره القيام من القبور.

ج-قال يمان بن رباب:«إنّما قال: لِأَوَّلِ الْحَشْرِ لأنّ اللّه سبحانه فتح على نبيّه عليه السّلام في أوّل ما قاتلهم».

ص: 342

و هو اختيارنا؛إذ ذكر اللّه تعالى قدرته في صدر سورة الحشر و سطوته على اليهود بإخراجهم من ديارهم،منّا على المسلمين الّذين ما كانوا يحسبون خروجهم منها، فخذلهم و قذف في قلوبهم الرّعب،و نصر اللّه نبيّه عليهم في أوّل المعركة عند التقاء الجمعين.

المحور الثّاني:الحشر في الآخرة في مواضع:

الموضع الأوّل:حشر الوحوش و الدّوابّ و الطّيور في(9)و(40)و فيهما بحوث:

أ-اختلفوا في حشر البهائم على ثلاثة أقوال:

الأوّل:حشرها:اختلاطها،أي تختلط الحيوانات الضّارية بالحيوانات الأليفة من دون أن يتعرّض بعضها لبعض،و ذلك لشدّة هول السّاعة.

الثّاني:حشرها:جمعها،قال ابن عبّاس:«تحشر الوحوش غدا،أي تجمع حتى يقتصّ لبعضها من بعض، فيقتصّ للجمّاء من القرناء،ثم يقال لها:كوني ترابا فتموت».و قال القشيريّ:«و هذا على جهة ضرب المثل؛إذ لا تكليف عليها».

الثّالث:حشرها:موتها،أي تموت من الفزع و هول ذلك اليوم،قال الزّمخشريّ:«يقال إذا أجحفت السّنة بالنّاس و أموالهم:حشرتهم السّنة».

ب-تبيّن من هذه الأقوال أنّهم على فريقين:

الأوّل:يرى أنّ البهائم تحشر يوم القيامة كما يحشر الجنّ و الإنس،و الثّاني:يرى أنّها لا تحشر و لا تبعث في ذلك اليوم.و قال الطّوسيّ:«و ذلك أنّ اللّه تعالى يحشر الوحوش ليوصل إليها ما تستحقّه من الأعواض على الآلام الّتي دخلت عليها،و ينتصف لبعضها من بعض، فإذا عوّضها اللّه تعالى،فمن قال العوض دائم قال:تبقى منعّمة على الأبد،و من قال:العوض يستحقّ منقطعا اختلفوا،فمنهم من قال:يديمها اللّه تفضّلا لئلاّ يدخل على العوض غمّ بانقطاعه،و منهم من قال:إذا فعل بها ما تستحقّه من الأعواض جعلها ترابا».

و قال الميبديّ: «منهم من قال:إنّ القصاص ساقط عنها فيما يؤلم بعضها بعضا،و أمّا ما ينالها من الآلام و الشّدائد فإنّها لا محالة تعوّض عنها.ثمّ إنّ منهم من يقول:إنّها تعوّض في الدّنيا،و منهم من يقول:في الآخرة،و منهم من يقول:في الجنّة،و قال بعضهم:يخلق اللّه لها رياضا فترعى فيها،و قال بعضهم:يعني ما ليس لأهل الجنّة في إبقائها أنس،و ما كان لهم في لقائها أو صوتها أنس يدخلها الجنّة».

و قال الطّباطبائيّ: «ظاهر الآية من حيث وقوعها في سياق الآيات الواصفة ليوم القيامة أنّ الوحوش محشورة كالإنسان،و يؤيّده قوله تعالى: وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ الأنعام:38، و أمّا تفصيل حالها بعد الحشر و ما يؤول إليه أمرها،فلم يرد في كلامه تعالى،و لا فيما يعتمد عليه من الأخبار ما يكشف عن ذلك.نعم ربّما استفيد من قوله في آية الأنعام: أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ، و قوله: ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ بعض ما يتّضح به الحال في الجملة لا يخفى على النّاقد المتدبّر،و ربّما قيل:إنّ حشر الوحوش من أشراط السّاعة لا ممّا يقع يوم القيامة،و المراد به خروجها من غاباتها و أكنانها».

ص: 343

و لمحمّد عبده في تفسير جزء«عمّ»رأي خاصّ في وَ إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ، و هو أنّها جاءت في عداد ما يحدث قبل يوم القيامة في هذا العالم،دون ما يحدث بعده، قال تعالى: وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ* وَ إِذَا الْجِبالُ سُيِّرَتْ* وَ إِذَا الْعِشارُ عُطِّلَتْ* وَ إِذَا الْوُحُوشُ حُشِرَتْ* وَ إِذَا الْبِحارُ سُجِّرَتْ إلى هنا راجع إلى حوادث الدّنيا قبل القيامة،ثمّ يقول: وَ إِذَا النُّفُوسُ زُوِّجَتْ أي ردّت الأرواح إلى الأجساد،أو كلّ نفس إلى نظيرها من أهل الجنّة أو النّار وَ إِذَا الْمَوْؤُدَةُ سُئِلَتْ* بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ و هكذا سائر الآيات.

فالمراد بها جمع الوحوش بلا خوف بعضها من بعض و كانت كذلك قبلها.و هذا وجه وجيه لو لا مجيء وَ إِذَا السَّماءُ كُشِطَتْ خلال ما يحدث بعد قيامها،فجائز ذكر ما يحدث بعدها خلال ما يحدث قبلها،فلاحظ.

و ممّن نفى بعثها من الفريق الثّاني ابن عطيّة،فردّ حديث ابن عبّاس المتقدّم و نظائره من الأحاديث إلى المجاز،و قال:«إنّما هي كناية عن العدل و ليست بحقيقة، فهو قول مردود ينحو إلى القول بالرّموز و نحوها».

و قال أبو حيّان:«و على القول بحشر البهائم مع النّاس اختلفوا في المعنى الّذي تحشر لأجله،فذهب أهل السّنّة إلى أنّها لإظهار القدرة على الإعادة،و في ذلك تخجيل لمن أنكر ذلك،فقال: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ يس:78.

و قال الآلوسيّ: «مال حجّة الإسلام الغزاليّ و جماعة إلى أنّه لا يحشر غير الثّقلين،لعدم كونه مكلّفا و لا أهلا للكرامة بوجه،و ليس في هذا الباب نصّ من كتاب أو سنّة معوّل عليها يدلّ على حشر غيرهما من الوحوش.

و خبر مسلم و التّرمذيّ و إن كان صحيحا،لكنّه لم يخرج مخرج التّفسير للآية،و يجوز أن يكون كناية عن العدل التّامّ».

و قال في موضع آخر:«إنّ قوله: إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ مجموعه مستعار على سبيل التّمثيل للموت،كما ورد في الحديث:«من مات فقد قامت قيامته»،فلا يرد عليه أنّ الحشر بعث من مكان إلى آخر،و تعديته ب(الى)تنصيص على أنّه لم يرد به الموت،مع أنّ في الموت أيضا نقلا من الدّنيا إلى الآخرة».

ج-قرئ (يحشرون) في(40): (حشّرت) للتّكثير،و نسبها الآلوسيّ إلى الحسن و عمرو بن ميمون، و هي تناسب معنى الجمع و الموت،أي أحضرت جميعا، أو حلّ بها الموت الذّريع.

الموضع الثّاني:حشر الخلق في(10)و(18) و(21)،و فيها بحوث:

أ-استعمل في(10)المصدر(حشر)موصوفا ب(يسير)،و في(18)و(21)الفعل المضارع (نحشرهم)و(يحشرهم)على التّوالي،متّصلين بالضّمير(هم)و مسندين إلى ضمير جمع المتكلّمين و ضمير المفرد الغائب على القراءة المشهورة،أو مسندين إلى ضمير الغيبة معا على القراءة غير المشهورة؛ إذ نقل أبو حيّان في ذيل تفسير(21)أنّه«قرأ حفص (يحشرهم) بالياء،و باقي السّبعة بالنّون».

ب-أرجع الفخر الرّازيّ الضّمير في(نحشرهم) من(18)إلى اَلَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ في الآية

ص: 344

اللاّحقة،و هم الكفّار برأيه،فقال:«فلمّا وصف اللّه هؤلاء الّذين يحشرهم بالشّرك و الكفر،دلّ على أنّ المراد من قوله:(و الّذين كسبوا...)الكفّار.

و لكنّ إرجاع الضّمير إلى الخلق أظهر،لأنّه قد تقدّم ذكره في الآيات السّابقة،و كذلك النّاس و الأنعام،و إليه ذهب الطّوسيّ و غيره.

ج-عدّ الطّبرسيّ الآية(18)متّصلة بما تقدّمها، فقال:«لمّا تقدّم ذكر الجزاء،بيّن سبحانه وقت الجزاء، فقال: وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً، أي نحشر الخلائق أجمعين».و عدّها الآلوسيّ مستأنفة،و استدرك على الطّبرسيّ قائلا:«لكن لا يخفى أنّ ذلك لم يخرج مخرج البيان،و أولى منه أن يقال:وجه اتّصاله بما قبله أنّ فيه تأكيدا لقوله سبحانه: ما لَهُمْ مِنَ اللّهِ مِنْ عاصِمٍ يونس:27،من حيث دلالته على عدم نفع الشّركاء لهم».

الموضع الثّالث:حشر الكافرين في آيات كثيرة، و فيها بحوث:

أ-قال الزّمخشريّ في(11):«فإن قلت:لم جيء ب(حشرناهم)ماضيا بعد(نسيّر)و(ترى)؟

قلت:للدّلالة على أنّ حشرهم قبل التّسيير و قبل البروز،ليعاينوا تلك الأهوال العظائم،كأنّه قيل:

و حشرناهم قبل ذلك».

و قال الآلوسيّ ردّا عليه:«و اعترض بأنّ في بعض الآيات مع الأخبار ما يدلّ على أنّ التّسيير و البروز عند النّفخة الأولى و فساد نظام العالم،و الحشر و ما عطف عليه عند النّفخة الثّانية،فلا ينبغي حمل الآية على معنى (و حشرناهم)قبل ذلك،لئلاّ تخالف غيرها،فليتأمّل».

ب-قال أبو حيّان في(11):«و قيل: وَ حَشَرْناهُمْ و(عرضوا)و وُضِعَ الْكِتابُ ممّا وضع فيه الماضي موضع المستقبل،لتحقّق وقوعه».و هو كذلك،لأنّ إخبار اللّه في الماضي و المستقبل سواء،و نظيره قوله: أَتى أَمْرُ اللّهِ فَلا تَسْتَعْجِلُوهُ الحجر:1،أي يأتي،و قوله:

وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النّارِ الأعراف:

44،أي ينادي.

ج-أخبر القرآن أنّ الكافر يحشر أعمى يوم القيامة،كما في(12)و(13)و(14)و(19)،و هل العمى هنا حقيقيّ أو مجازيّ؟قال ابن عبّاس:«يحشر بصيرا،ثمّ إذا استوى إلى المحشر أعمى»،و قال الجبّائي:«المراد من حشره أعمى لا يهتدي إلى شيء».

و يبدو من ظاهر هذه الآيات أنّ الكافرين يحشرون عميا حقيقة،لأنّهم يتكلّمون و ينطقون يوم القيامة،كما جاء ذلك في الآيات الثّلاث الأولى،ففي (12)و(13): وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى* قالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمى وَ قَدْ كُنْتُ بَصِيراً، و في(14): يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً* يَتَخافَتُونَ بَيْنَهُمْ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ عَشْراً، و(زرقا):عميا على قول الكعبيّ و الفرّاء.و لكنّهم لا ينطقون في(19) لأنّ اللّه حشرهم بكما و صمّا،و لو كان البكم و الصّمم مجازيّين،لبدر منهم كلام أو نطق.

د-قال الزّمخشريّ في(13):«لمّا توعّد المعرض عن ذكره بعقوبتين:المعيشة الضّنك في الدّنيا،و حشره أعمى

ص: 345

في الآخرة،ختم آيات الوعيد بقوله: وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَ أَبْقى طه:127،كأنّه قال:و للحشر على العمى الّذي لا يزول أبدا أشدّ من ضيق العيش المنقضي،أو أراد:و لتركنا إيّاه في العمى أشدّ و أبقى من تركه لآياتنا».

و قال الآلوسيّ: «فيه التفات من الغيبة إلى التّكلّم، للإيذان بكمال الاعتناء بأمر الحشر».

ه-قرئ (نحشره) في(13)بالجزم،أي(نحشره) عطفا على محلّ فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً، لأنّه جواب الشّرط.و قرئ أيضا (يحشره) بالياء،و (نحشره) بسكون الهاء على لفظ الوقف.قال أبو حيّان:«نقل ابن خالويه هذه القراءة عن أبان بن تغلب،و الأحسن تخريجه على لغة بني كلاب و عقيل،فإنّهم يسكّنون مثل هذه الهاء».و قرئ (نحشر) في(14)بالياء المفتوحة على الغيبة،أي (يحشر) ،و الضّمير للّه أو لإسرافيل.

و قال الزّمخشريّ:«و أمّا (يحشر المجرمون) فلم يقرأ به إلاّ الحسن»،و عراه القرطبيّ إلى طلحة بن مصرّف.

و-قيّد حشر الكافرين في(15)بالفوج من كلّ أمّة،و أطلق في سائر الآيات،و أكّد بلفظ(جميعا)في (17)و(20)و(25).و قرن حشرهم بالشّياطين في (16)و بما يعبدون في(24)،و بأزواجهم و ما يعبدون في (26).و تقدّم(يوم)الفعل(نحشر)في(15)و(يحشر) في(38)و(نحشرهم)في(17)و(يحشرهم)في(23) و(24)و(25).

ز-قال أبو السّعود في ضمير(فسيحشرهم)في (20):«الضّمير للمستنكفين،و هنالك مقدّر معطوف عليه،و التّقدير:فسيحشرهم إليه يوم يحشر العباد لمجازاتهم،و فيه أنّ الأنسب بالتّفصيل الآتي اعتبار حشر الكلّ في الإجمال على نهج واحد.و قرئ (فسيحشرهم) بكسر السّين،و هي لغة،و قرئ أيضا (فسنحشرهم) بنون العظمة بطريق الالتفات».

ح-قال الزّمخشريّ في(16):«المعنى أنّهم يحشرون مع قرنائهم من الشّياطين الّذين أغووهم، يقرن كلّ كافر مع شيطان في سلسلة.فإن قلت:هذا إذا أريد بالإنسان الكفرة خاصّة،فان أريد الأناسيّ على العموم،فكيف يستقيم حشرهم مع الشّياطين؟قلت:

إذا حشر جميع النّاس حشرا واحدا و فيهم الكفرة مقرونين بالشّياطين،فقد حشروا مع الشّياطين كما حشروا مع الكفرة.

فإن قلت:هلاّ عزل السّعداء عن الأشقياء في الحشر كما عزلوا عنهم في الجزاء؟قلت:لم يفرّق بينهم و بينهم في المحشر،و أحضروا حيث تجاثوا حول جهنّم،و أوردوا معهم النّار،ليشاهدوا السّعداء الأحوال الّتي نجّاهم اللّه منها و خلّصهم،فيزدادوا لذلك غبطة إلى غبطة و سرورا إلى سرور،و يشمتوا بأعداء اللّه و أعدائهم،فتزداد مساءتهم و حسرتهم و ما يغيظهم من سعادة أولياء اللّه و شماتتهم بهم».

ط-قرئ (نحشرهم) في(17)بالياء،أي (يحشرهم) ،و قال أبو حيّان:«قرأ أبو هريرة (نحشرهم) بكسر الشّين».

ى-قرئ (يحشرهم) و(فيقول)في(24)بالنّون فيهما،و هي قراءة ابن عامر،قال الطّوسيّ:«فمن قرأ (يحشرهم)بالياء فتقديره:قل يا محمّد:يوم يحشرهم

ص: 346

اللّه و يحشر الأصنام الّتي يعبدونها من دون اللّه.قال قوم:

حشر الأصنام:إفناؤها،و قال آخرون:يحشرها كما يحشر سائر الحيوان،ليبكّت من جعلها آلهة.و من قرأ بالنّون أراد أنّ اللّه المخبر بذلك عن نفسه،و ابن عامر جعل المعطوف مثل المعطوف عليه في أنّه حمله على أنّه إخبار من اللّه.و من قرأ الأولى بالنّون و الثّانية بالياء،عدل من الإخبار عن اللّه إلى الإخبار عن الغائب».

و قرئ أيضا (نحشرهم) بكسر الشّين،كما تقدّم في (17)،قال ابن عطيّة:«هي قليلة في الاستعمال قويّة في القياس،لأنّ(يفعل)بكسر العين في المتعدّي أقيس من (يفعل)بضمّ العين».

ك-قرئ(يحشرهم)و(يقول)في(25)بالنّون فيهما،كما في(24)،و نسب أبو حيّان قراءة النّون إلى الجمهور،و قراءة الياء إلى حفص.

ل-قرئ (ستغلبون و تحشرون) بالياء على الغيبة،أي (سيغلبون و يحشرون) في قراءة حمزة و الكسائيّ.

م-قال الفخر الرّازيّ في(38):«قرأ نافع (نحشر) بالنّون،(اعداء)بالنّصب،أضاف الحشر إلى نفسه، و التّقدير:يحشر اللّه عزّ و جلّ أعداءه الكفّار من الأوّلين و الآخرين،و حجّته أنّه معطوف على قوله:(و نجّينا) فصّلت:18،فيحسن أن يكون على وفقه في اللّفظ، و يقوّيه قوله: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ مريم:85، وَ حَشَرْناهُمْ الكهف:47.و أمّا الباقون فقرءوا على فعل ما لم يسمّ فاعله،لأنّ قصّة ثمود قد تمّت،و قوله:

وَ يَوْمَ يُحْشَرُ ابتداء كلام آخر.و أيضا الحاشرون لهم هم المأمورون بقوله:(احشروا)الصّافّات:22،و هم الملائكة.و أيضا أنّ هذه القراءة موافقة لقوله: فَهُمْ يُوزَعُونَ. و أيضا فتقدير القراءة الأولى أنّ اللّه تعالى قال: وَ يَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللّهِ إِلَى النّارِ، فكان الأولى على هذا التّقدير أن يقال:و يوم نحشر أعداءنا إلى النّار».

ن-اختلف في الحشر على الوجه في(42)،فقيل:

هو مجاز للذّلّة المفرطة و الهوان و الخزي؛من قول العرب:

مرّ فلان على وجهه،إذا لم يدر أين يذهب،و مضى على وجهه،إذا أسرع متوجّها لقصده.و قيل:هو حقيقة.

فالظّاهر أنّه يحشر الكافر على وجهه بأن يسحب على وجهه،و في الحديث:«إنّ الّذي أمشاهم على أرجلهم قادر أن يمشيهم على وجوههم».

الموضع الرّابع:حشر المستقدمين و المستأخرين في(22)،و فيهما بحوث:

أ-يعود الضّمير في(يحشرهم)إلى المستقدمين و المستأخرين من المسلمين المذكورين في الآية السّابقة، فمن هم المستقدمون من المسلمين و من هم المستأخرون منهم؟ذكر الطّبرسيّ ستّة أقوال في ذلك و قد تقدّم في أ خ ر:«المستاخرين».

ب-قرأ الأعمش (يحشرهم) بكسر الشّين،كما في (17)و(24)،و هي لغة.

الموضع الخامس:حشر المؤمنين في(28) و(30)و(31)و(33)و(35)و(36)و(39)،و فيها بحوث:

أ-أمر اللّه المؤمنين بالتّقوى في(28)و أعلمهم أنّهم

ص: 347

إليه يحشرون،و كذا في(31)و(35)،إلاّ أنّه جاء فيهما الأمر بالتّقوى دون الأمر بالعلم،كما وصف اللّه فيهما بمن يحشر إليه المؤمنون دون(28)على النّحو الآتي:

وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ.

و لا يخفى أنّ في(28)تأكيدا بفعل الأمر و حرف التأكيد وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ، و هذا يفيد التّشدّد في الحشر و تأكيده،و أنّهم محشورون إليه لا محالة.و نظيره قوله:

وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ البقرة:223، و قال أبو حيّان في(31):«هذا فيه تنبيه و تهديد،جاء عقيب تحليل و تحريم و ذكر الحشر؛إذ فيه يظهر من أطاع اللّه و عصى».

ب-قال الزّمخشريّ في(30):«لوقوع اسم اللّه تعالى هذا الموقع مع تقديمه،و إدخال اللاّم على الحرف المتّصل به شأن ليس بالخفيّ».و تعقّبه أبو حيّان بقوله:

«يشير بذلك إلى مذهبه من أنّ التّقديم يؤذن بالاختصاص،فكان المعنى عنده:فإلى اللّه لا غيره تحشرون.و هو عندنا لا يدلّ بالوضع على ذلك،و إنّما يدلّ التّقديم على الاعتناء بالشّيء و الاهتمام بذكره،كما قال سيبويه.و زاده حسنا هنا أنّ تأخّر الفعل هنا فاصلة، فلو تأخّر المجرور لفات هذا الغرض».

ج-ذكر حشر المتّقين خاصّة من المؤمنين في(36) متعدّيا ب(إلى)،قال أبو حيّان:«عدّي(نحشر)ب إِلَى الرَّحْمنِ تعظيما لهم و تشريفا،و ذكر صفة الرّحمانيّة الّتي خصّهم بها كرامة؛إذ لفظ الحشر فيه جمع من أماكن متفرّقة و أقطار شاسعة على سبيل القهر،فجاءت لفظة (الرّحمن)مؤذنة بأنّهم يحشرون إلى من يرحمهم».

و قال الطّباطبائيّ: «ربّما استفيد من مقابلة قوله في هذه الآية(الى الرّحمن)قوله في الآية التّالية(الى جهنّم) أنّ المراد بحشرهم إلى الرّحمن حشرهم إلى الجنّة،و إنّما سمّي حشرا إلى الرّحمن،لأنّ الجنّة مقام قربه تعالى، فالحشر إليها حشر إليه».

و يلاحظ ثانيا:استعملت أغلب مشتقّات هذه المادّة أفعالا مجهولة متعدّية ب«إلى»لكلا الفريقين:

المؤمنين و الكافرين في الحشر في الآخرة،و امتاز حشر المؤمنين عن حشر الكافرين بأنّ أفعاله مجهولة و متعدّية ب(إلى)فقط،عدا حشر المتّقين في(36)،فإنّ فعله جاء معلوما.و غلب على حشر المؤمنين تقدّم(إلى)على الفعل،عدا(36)و(39)،فإنّه تأخّر فيهما عن الفعل.

و قد وجّه أبو حيّان تقدّم المعمول على عامله بقوله:

«للاعتناء بمن يكون الحشر إليه،و لتواخي الفواصل».

و ثالثا:يحشر الكافرون يوم القيامة عميا،كما في (12)و(13)و(19)،و زرقا في(14)و أفواجا من كلّ أمّة في(15)،و جميعا في(17)و(20)و(25).و لكنّ المتّقين يحشرون وفدا في(36)،يجمعون إلى ربّهم الّذي غمرهم برحمته،و خصّهم برضوانه و كرامته،كما يفد الوفود على الملوك منتظرين للكرامة عندهم،كما قال الزّمخشريّ.

ص: 348

ح ص ب

اشارة

لفظان،5 مرّات،في 5 سور مكّيّة

حاصبا 4:4 حصب 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحصب:رميك بالحصباء،أي صغار الحصى أو كبارها.و في فتنة عثمان:«تحاصبوا حتّى ما أبصر أديم السّماء».

و الحصبة:معروفة تخرج بالجنب،حصب فهو محصوب.

و الحصب:الحطب للتّنّور أو في وقود،أمّا ما دام غير مستعمل للسّجور فلا يسمّى حصبا.

و الحاصب:الرّيح تحمل التّراب،و كذلك ما تناثر من دقاق البرد و الثّلج.[ثمّ استشهد بشعر]

و المحصّب:موضع الجمار.

و التّحصيب:النّوم بالشّعب الّذي مخرجه إلى الأبطح ساعة من اللّيل،ثمّ يخرج إلى مكّة.(3:123)

اليزيديّ: أرض محصبة:ذات حصباء،و محصاة:

ذات حصى.(الأزهريّ 4:260)

ابن شميّل: الحاصب:الحصباء في الرّيح،يقال:كان يومنا ذا حاصب،و ريح حاصب،و قد حصبتنا تحصبنا.

و ريح حصبة:فيها حصباء.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 4:260)

الفرّاء: الحصب في لغة أهل نجد:ما رميت به في النّار.و حصبت الرّجل حصبا،إذا رميته.

الحصبة:بثرة تخرج بالإنسان،و يجوز:الحصبة، و هما لغتان.(الأزهريّ 4:260)

الأصمعيّ: الإحصاب:أن يثير الحصى في عدوه.

و مكان حاصب:ذو حصباء.

و الحاصب:العدد الكثير من الرّحّالة،و هو معنى قوله:

*لنا حاصب مثل رجل الدّبى*

(الأزهريّ 4:260)

اللّحيانيّ: يكون ذلك[الإحصاب]في الفرس

ص: 349

و غيره ممّا يعدو.(ابن سيده 3:65)

أبو عبيد: أرض محصبة:ذات حصبة،و مجدرة ذات جدريّ.(الأزهريّ 4:260)

ابن الأعرابيّ: الحاصب،من التّراب:ما كان فيه الحصباء.(الأزهريّ 4:260)

ابن السّكّيت: الإحصاب:أن يثير الحصى في عدوه.(285)

ابن دريد :و الحصب،من قولهم:حصبت النّار أحصبها حصبا،إذا ألقيت فيها حطبا.

و قد سمّت العرب حصيبا و محصبا.

و المحصّب بمكّة:الموضع الّذي يحصب فيه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحصبة:داء يصيب النّاس معروف،و هو بثر يخرج على الإنسان شبيه بالجدريّ.

و الحصباء:الحصى الصّغار.

و حصّبت الموضع،إذا ألقيت فيه الحصى الصّغار.

و تحاصب القوم،إذا تقاذفوا بالحصى.

و ريح حاصب:تقشّر الحصى عن وجه الأرض.

(1:223)

و الحصبة:الّتي تشبه الجدريّ.

يقال:حصبة و حصبة.قال أبو حاتم:حصبة أفصح.

(3:300)

القاليّ: و الحواصب:الرّياح الّتي تسفي الحصباء.

(1:129)

الأزهريّ: يقال:حصبته أحصبه حصبا،إذا رميته بالحصباء،و الحجر المرميّ به:حصب،كما يقال:نفضت الشّيء نفضا،و المنفوض:نفض.فمعنى قوله: حَصَبُ جَهَنَّمَ الأنبياء:98،أي يلقون فيها كما يلقى الحطب في النّار.[إلى أن قال:]

و يقال للرّيح الّتي تحمل التّراب و الحصى:حاصب، و للسّحاب يرمي بالبرد و الثّلج:حاصب،لأنّه يرمي بهما رميا.[ثمّ استشهد بشعر]

و في الحديث:«أنّ عمر أمر بتحصيب المسجد».

و ذلك أن يلقى فيه الحصى الصّغار،ليكون أوثر للمصلّي و أغفر لما يلقى فيه من الأقشاب و الخراشيّ و الأقذار.

و يقال لموضع الجمار بمنى:المحصّب.

و أمّا التّحصيب فهو النّوم بالشّعب الّذي مخرجه إلى الأبطح ساعة من اللّيل،ثمّ يخرج إلى مكّة،و كان موضعا نزل به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من غير أن يسنّه للنّاس،فمن شاء حصّب و من شاء لم يحصّب.و قد حصب الرّجل فهو محصوب.(4:260)

الصّاحب:الحصب:الحطب الّذي يلقى في تنّور أو وقود.فأمّا ما دام غير مستعمل للسّجور فلا يسمّى حصبا.

و حصبت النّار حصبا:طرحت فيها حطبا.

و الحصب:رميك بالحصباء صغار الحصى و كبارها.

و قوله عزّ و جلّ: إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً القمر:

34،يعني حجارة قذفوا بها.

و المحصّب:موضع الجمار.

و التّحصيب:النّوم بالشّعب الّذي مخرجه إلى الأبطح.

و الحاصب:ريح تحمل التّراب،و ما تناثر من دقاق

ص: 350

البرد و الثّلج.

و الحصبة:معروفة،ما يخرج بالجسد،حصب الرّجل فهو محصوب.

و حصب القوم أشدّ الحصب،و أحصبوا عنه إحصابا:

ولّوا عنه.

و أحصب الفرس:مرّ مرّا سريعا،مثل أحصف.

و حصب في الأرض:ذهب فيها.

و تحصّب الحمام:خرج إلى الصّحاري لطلب الحبّ.(2:466)

الجوهريّ: الحصباء:الحصى.و أرض حصبة و محصبة بالفتح:ذات حصباء.

و حصّبت المسجد تحصيبا،إذا فرشته بها.و المحصّب:

موضع الجمار بمنى.و حصبت الرّجل أحصبه بالكسر،أي رميته بالحصباء.و حصب في الأرض:ذهب فيها.

و الحاصب:الرّيح الشّديدة الّتي تثير الحصباء؛ و كذلك الحصبة.[ثمّ استشهد بشعر]

و أحصب الفرس:أثار الحصباء في عدوه.

و الحصبة:بثر يخرج بالجسد،و قد يحرّك.تقول منه:

حصب جلده بالكسر يحصب.

و الحصب:ما يحصب به في النّار،أي يرمى.

و يحصب بالكسر:حيّ من اليمن،و إذا نسبت قلت:

يحصبيّ فتفتح الصّاد،مثل تغلب و تغلبيّ.(1:112)

ابن فارس: الحاء و الصّاد و الباء أصل واحد،و هو جنس من أجزاء الأرض،ثمّ يشتقّ منه،و هو الحصباء، و ذلك جنس من الحصى.و يقال:حصبت الرّجل بالحصباء.و ريح حاصب،اذا أتت بالغبار.

فأمّا الحصبة:فبثرة تخرج بالجسد،و هو مشبّه بالحصباء.فأمّا المحصّب بمنى فهو موضع الجمار.[ثمّ استشهد بشعر]

و من الباب:الإحصاب:أن يثير الإنسان الحصى في عدوه.و يقال:أرض محصبة،ذات حصباء.

فأمّا قولهم:حصّب القوم عن صاحبهم يحصّبون، فذلك تولّيهم عنه مسرعين كالحاصب،و هي الرّيح الشّديدة؛فهذا محمول على الباب.

و يقال:انّ الحصب من الألبان الّذي لا يخرج زبده، فذلك من الباب،أي لأنّه من برده يشتدّ حتّى يصير كالحصباء،فلا يخرج زبدا.(2:70)

ابن سيده: الحصبة و الحصبة و الحصبة:الّذي يخرج بالبدن،و قد حصب.

و الحصب و الحصبة:الحجارة؛واحدته:حصبة، و هو نادر.

و الحصباء:الحصى؛واحدته:حصبة،كقصبة و قصباء،و هو عند سيبويه اسم للجمع.

و مكان حصب:،ذو حصباء على النّسب،لأنّا لم نسمع لها فعلا.[ثمّ استشهد بشعر]

و أرض محصبة:كثيرة الحصباء.

و حصبه يحصبه حصبا:رماه بالحصباء،و تحاصبوا:

تراموا بالحصباء.

و الإحصاب:أن يثير الحصى في عدوه.

و حصّب الموضع:ألقى فيه الحصى الصّغار.

و المحصّب:موضع رمي الجمار بمنى.و قيل:هو الشّعب الّذي مخرجه إلى الأبطح،ينام فيه ساعة من

ص: 351

اللّيل،ثمّ يخرج إلى مكّة.

و الحاصب:ريح تحمل التّراب،و قيل:هو ما تناثر من دقاق البرد و الثّلج،و في التّنزيل: إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً القمر:34.

و الحصب:كلّ ما ألقيته في النّار من حطب و غيره، و في التّنزيل: حَصَبُ جَهَنَّمَ الأنبياء:98،و لا يكون الحطب حصبا حتّى يسجر به.و قيل:الحصب:الحطب عامّة.

و حصب النّار بالحصب يحصبها حصبا،أضرمها.

و حصب في الأرض:ذهب.

و يحصب:قبيلة.و قيل:إنّما هي«يحصب»نقلت من قولك:حصبه بالحصى،يحصبه،و ليس بقويّ.

(3:165)

الزّمخشريّ: حصبت الرّيح بالحصباء،و ريح حاصب و حصبوه.و في الحديث:«هل أحصبه لكم»،و تحاصبوا.

و في فتنة عثمان:«تحاصبوا حتّى ما أبصروا أديم السّماء».

و حصبوا المسجد:بسطوا فيه الحصباء.

و أرض محصبة:ذات حصى.

و تقول:هذا حاصب،و ليس بصاحب حَصَبُ جَهَنَّمَ الأنبياء:98.

و حصبت النّار:طرحته فيها.

و بتنا بالمحصّب،و هو موضع الجمار.

و أحصب الفرس في عدوه:أثار الحصى.

و فرس ملهب محصب:ثارت به الحصبة،و رجل محصوب.

و أرض محصبة و مجدرة:من الحصبة و الجدريّ.

و من المجاز:حصبوا عنه:أسرعوا في الهرب،كأنّهم ريح حاصب.(أساس البلاغة:85)

[في حديث عمر:]«لمّا حصّب المسجد قال له فلان:

لم فعلت هذا؟قال:هو أغفر للنّخامة و ألين في الموطئ».

هو تغطية سطحه بالحصباء،و هي الحصى الصّغار.

«يا لخزيمة حصّبوا».التّحصيب:إذا نفر الرّجل من منى إلى مكّة للتّوديع،أن يقيم بالأبطح حتّى يهجع به ساعة من اللّيل،ثمّ يدخل مكّة.

و روى:«أصبحوا»أراد أن يقيموا بالأبطح إلى أن يصبحوا.

و عن عائشة:ليس التّحصيب بشيء،إنّما كان منزلا نزله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،لأنّه كان أسمح للخروج.

[في حديث مقتل عثمان:]«...تحاصبوا في المسجد...» هو التّرامي بالحصباء.(الفائق 1:288)

المدينيّ: في حديث مسروق:«أتينا عبد اللّه رضى اللّه عنه في مجدّرين و محصّبين»:أي الّذين بهم الجدريّ،و الحصبة بسكون الصّاد و فتحها و كسرها،و هما جنسان من بثر يخرجان بالصّبيان غالبا.يقال منه:حصب فهو محصوب.

و المحصّب للتّكثير.(1:458)

ابن الأثير: فيه:«أنّه أمر بتحصيب المسجد»و هو أن تلقى فيه الحصباء،و هو الحصى الصّغار.

و منه حديث عمر:«أنّه حصّب المسجد،و قال:هو أغفر للنّخامة»أي أستر للبزاقة إذا سقطت فيه.

و منه الحديث:«نهى عن مسّ الحصباء في الصّلاة».

كانوا يصلّون على حصباء المسجد،و لا حائل بين

ص: 352

وجوههم و بينها،فكانوا إذا سجدوا سوّوها بأيديهم، فنهوا عن ذلك،لأنّه فعل من غير أفعال الصّلاة،و العبث فيها لا يجوز،و تبطل به اذا تكرّر.

و منه الحديث:«إن كان لا بدّ من مسّ الحصباء فواحدة»أي مرّة واحدة،رخّص له فيها،لأنّها غير مكرّرة.و قد تكرّر حديث مسّ الحصباء في الصّلاة.

و في حديث الكوثر:«فأخرج من حصبائه فإذا ياقوت أحمر»أي حصاه الّذي في قعره.

و في حديث عمر،قال:«يا لخزيمة حصّبوا»أي أقيموا بالمحصّب،و هو الشّعب الّذي مخرجه إلى الأبطح بين مكّة و منى.

و منه حديث عائشة:«ليس التّحصيب بشيء» أرادت به النّوم بالمحصّب عند الخروج من مكّة ساعة و النّزول به،و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم نزله من غير أن يسنّه للنّاس،فمن شاء حصّب،و من شاء لم يحصّب.

و المحصّب أيضا:موضع الجمار بمنى،سمّيا بذلك للحصى الّذي فيهما.

و يقال لموضع الجمار أيضا:حصاب،بكسر الحاء.

و منه حديث ابن عمر:«أنّه رأى رجلين يتحدّثان و الإمام يخطب،فحصبهما»أي رجمهما بالحصباء يسكتهما.

و في حديث عليّ: «قال للخوارج:أصابكم حاصب»أي عذاب من اللّه.و أصله:رميتم بالحصباء من السّماء.(1:393)

الفيّوميّ: الحصباء بالمدّ:صغار الحصى،و حصبته حصبا من باب«ضرب»،و في لغة من باب«قتل»:

رميته بالحصباء.

و حصبت المسجد و غيره:بسطته بالحصباء.

و حصّبته بالتّشديد مبالغة،فهو محصّب بالفتح اسم مفعول.

و منه المحصّب:موضع بمكّة على طريق منى، و يسمّى:البطحاء.و المحصّب أيضا:مرمى الجمار بمنى.

و الحصب بفتحتين:ما هيّئ للوقود من الحطب.

و الحصبة وزان كلمة-و إسكان الصّاد لغة-بثر يخرج بالجسد،و يقال:هي الجدريّ.(1:138)

الفيروزآباديّ: الحصبة،و يحرّك،و كفرحة:بثر يخرج بالجسد،و قد حصب بالضّمّ،فهو محصوب، و حصب،كسمع.

و الحصب،محرّكة،و الحصبة:الحجارة؛واحدتها:

حصبة،محرّكة نادر،و الحطب،و ما يرمى به في النّار:

حصب،أو لا يكون الحطب حصبا حتّى يسجر به.

و الحصباء:الحصى؛واحدتها:حصبة،كقصبة.

و أرض حصبة،كفرحة،و محصبة:كثيرتها.

و حصبه:رماه بها،و المكان:بسطها فيه،كحصّبه، و عن صاحبه:تولّى،كأحصب.

و تحاصبوا:تراموا بها.

و أحصب:أثار الحصباء في جريه.

و ليلة الحصبة،بالفتح:الّتي بعد أيّام التّشريق.

و التّحصيب:النّوم بالمحصّب:الشّعب الّذي مخرجه إلى الأبطح ساعة من اللّيل،أو المحصّب:موضع رمي الجمار بمنى.

و الحاصب:ريح تحمل التّراب،أو هو ما تناثر من

ص: 353

دقاق الثّلج و البرد،و السّحاب الّذي يرمي بهما.

و الحصب،محرّكة:انقلاب الوتر عن القوس،و بهاء:

اسم رجل.

و ككتف:اللّبن لا يخرج زبده من برده.

و كزبير:موضع باليمن فاقت نساؤه حسنا،و منه:

«إذا دخلت أرض الحصيب فهرول».

و يحصب،مثلّثة الصّاد:حيّ بها،و النّسبة:يحصبيّ مثلّثة أيضا،لا بالفتح فقط،كما زعم الجوهريّ.

و كيضرب:قلعة بالأندلس...

و تحصّب الحمام:خرج إلى الصّحراء لطلب الحبّ.

(1:57)

الطّريحيّ: و الحصباء:صغار الحصى،و في حديث قوم لوط:«فأوحى اللّه إلى السّماء أن أحصبيهم»أي ارميهم بالحصباء؛و واحدها:حصبة كقصبة.

و في الحديث:«فرقد رقدة بالمحصّب»هو بضمّ الميم و تشديد الصّاد:موضع الجمار عند أهل اللّغة، و المراد به هنا،كما نصّ عليه بعض شرّاح الحديث:

الأبطح؛إذ المحصّب يصحّ أن يقال لكلّ موضع كثيرة حصباؤه،و الأبطح:ميل واسع فيه دقاق الحصى،و هذا الموضع تارة يسمّى بالأبطح و أخرى بالمحصّب،أوّله عند منقطع الشّعب من وادى منى،و آخره متّصل بالمقبرة الّتي تسمّى عند أهل مكّة:بالمعلّى،و ليس المراد بالمحصّب:موضع الجمار بمنى،و ذلك لأنّ السّنّة يوم النّفر من منى أن ينفر بعد رمي الجمار،و أوّل وقته بعد الزّوال، و ليس له أن يلبث حتّى يمسي،و قد صلّى به النّبيّ المغرب و العشاء الآخرة،و قد رقد به رقدة،فعلمنا أنّ المراد من المحصّب ما ذكرناه.

و التّحصيب المستحبّ،هو النّزول في مسجد المحصبة و الاستلقاء فيه،و هو في الأبطح،و هذا الفعل مستحبّ تأسّيا بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.و ليس لهذا المسجد أثر في هذا الزّمان،فتتأدّى السّنّة بالنّزول في الأبطح قليلا ثمّ يدخل البيوت من غير أن ينام بالأبطح.

«و ليلة الحصبة»بالفتح بعد أيّام التّشريق،و هو صريح بأنّ يوم الحصبة هو يوم الرّابع عشر لا يوم النّفر، يؤيّده ما روي عن أبي الحسن عليه السّلام و قد سئل عن متمتّع لم يكن له هدي؟فأجاب:«يصوم أيّام منى،فإن فاته ذلك صام صبيحة يوم الحصبة و يومين بعد ذلك».

و الحصبة بالفتح فالسّكون و التّحريك لغة:بثر يخرج في الجسد.و حصب جلده بالكسر،إذا أصابته الحصبة.

(2:43)

مجمع اللّغة :الحصب:كلّ ما يلقى في النّار لتسجر به.

الحاصب:الرّيح المهلكة بالحصى أو غيره.

(1:265)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حصب النّار أو جهنّم:

ما يرمى فيها للتّهيّج و تزداد ضراما،و هو أيضا الحطب.

و حصبه:رماه بالحصباء و هي صغار الحجارة.

و الحاصب:الرّيح المهلكة ترمي بالحصباء.

(1:135)

العدنانيّ: الحصبة،الحصبة،الحصبة،و هو محصّب و محصوب.

و يقولون:حصّب الطّفل و هو محصّب،أي:أصيب

ص: 354

بالحصبة،و هي حمّى حادّة طفحيّة معدية،يصحبها زكام و سعال و غيرهما من علامات النّزلة.

و الصّواب:حصّب الطّفل فهو محصّب،جاء في النّهاية و في حديث مسروق:«أتينا عبد اللّه في مجدرين و محصّبين»هم الّذين أصابهم الجدريّ و الحصبة،و هما بثر يظهر في الجلد.

و ممّن ذكر ايضا حصّب فهو محصّب:اللّسان، و التّاج،و المدّ،و الوسيط.

و يجوز أن نقول أيضا:

أ-حصب الطّفل،فهو محصوب:الأساس، و اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

ب-أو حصب الطّفل،فهو محصوب:الأساس، و اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن.

أمّا الحمّى فهي:

1-الحصبة:الفرّاء،و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و الأساس،و النّهاية،و اللّسان،و المصباح، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط،و ذكرها قاموس حتّي الطّبّيّ دون ضبط حروفها بالشّكل.

2-أو الحصبة:الفرّاء،و الصّحاح،و الأساس، و النّهاية،و اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

3-أو الحصبة:الفرّاء،و هامش الصّحاح،و النّهاية، و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن.

و فعله:حصب جلد الطّفل يحصب حصبا و حصبا.

أمّا الفعل«حصّب»فمن معانيه:

1-حصّب الحاجّ:نام في المحصّب من منى ساعة من اللّيل،ثمّ خرج إلى مكّة.

2-أسرع في الهرب،مجاز.

3-حصّب المكان:بسطه بالحصباء،و فرشه بها.

(156)

المصطفويّ: حاصب:احتجر،قلع،اقتلع،شقّ، حفر،نحت.

و التّحقيق:أنّ الحصب مصدرا حقيقة في نزع شيء شديد متصلّب،و شقّه و خروجه.و باعتبار هذا الأصل يستعمل في خروج البثر و انشقاقه في جلد البدن و ظهوره فيه،و هكذا في اقتلاع الجمّارة و انشقاقها و ظهورها في سطح الأرض.

و الحاصب هو الرّيح أو ما يقلع و ينزع كلّما يكون في مسيرها من شجر أو حجر أو عمارة أو حيوان.

و المحصّب:ما يجعل ذا حصب،أي محصوبا و هو الأمكنة الّتي تقلع الحجارة منها للرّحى،و يصحّ إطلاقه على الحجارة الّتي انتزعت.

فالقيدان ملحوظان في حقيقة مفهوم المادّة،فلا يقال:حصبت الرّجل،إلاّ إذا قلعته من المكان الّذي استقرّ فيه،أو رميت اليه بالحصباء المنقلعة من الأرض، أي حصبت إليه أو عليه.

و أمّا الحصب:فهو الشّيء المتصلّب المنتزع، و الظّاهر من حجر أو غيره.

ص: 355

و أمّا حَصَبُ جَهَنَّمَ الأنبياء:98،فهو ما يكون متظاهرا و مرتفعا و متراءى و منتزعا من أهل جهنّم، فكأنّه واقع في رأسهم و في السّطح العالي منهم.

و أمّا قولهم:حصبت المسجد:فحقيقة هذا التّعبير إذا أريد تسطيح المسجد و نزع ما يعلو من السّطح،و تسوية ما ارتفع و ما انخفض.(2:243)

النّصوص التّفسيريّة

حاصبا

1- أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً الإسراء:68

ابن عبّاس: حجارة كما أرسل على قوم لوط.

(239)

قتادة :حجارة من السّماء.

(الطّبريّ 15:123)

نحوه الشّربينيّ.(2:220)

السّدّيّ: رام يرميكم بحجارة من سجّيل.

(أبو حيّان 6:60)

ابن جريج:مطر الحجارة إذا خرجتم من البحر.

(الطّبريّ 15:123)

أبو عبيدة :ريحا عاصفا تحصب.[ثمّ استشهد بشعر](1:385)

يعني ريحا شديدة،و هي الّتي ترمي بالحصباء و هي الحصى الصّغار.

مثله القتيبيّ.(القرطبيّ 10:292).

و نحوه أبو السّعود(4:145)

ابن قتيبة:الحاصب:الرّيح،سمّيت بذلك؛لأنّها تحصب أي ترمي بالحصباء،و هي الحصى الصّغار.

(259)

الطّبريّ: يقول:أو يمطركم حجارة من السّماء تقتلكم،كما فعل بقوم لوط...

و كان بعض أهل العربيّة يوجّه تأويل قوله: أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً إلى:أو يرسل عليكم ريحا عاصفا تحصب.

و أصل الحاصب:الرّيح تحصب بالحصباء، و الحصباء:الأرض فيها الرّمل و الحصى الصّغار.يقال في الكلام:حصب فلان فلانا،إذا رماه بالحصباء.إنّما وصف الرّيح بأنّها تحصب،لرميها النّاس بذلك.[و استشهد بالشّعر مرّتين](15:251)

الزّجّاج: الحاصب:التّراب الّذي فيه الحصباء، و الحصباء:حصى صغار.(3:251)

الطّوسيّ: بمعنى حجارة تحصبون بها أو ترمون بها، و الحصباء:الحصى الصّغار،و يقال:حصب الحصى يحصبه حصبا،إذا رماه رميا متتابعا،و الحاصب:

ذو الحصب،و الحاصب:فاعل الحصب.(6:501)

الواحديّ: عذابا يحصبكم،أى يرميكم بالحجارة.

و الحصب:الرّمي،و يقال:للرّيح الّتي تحمل التّراب و الحصباء:حاصب.(3:117)

الزّمخشريّ: و هي الرّيح الّتي تحصب،أي ترمي بالحصباء،يعني أو إن لم يصبكم بالهلاك من تحتكم بالخسف،أصابكم به من فوقكم بريح يرسلها عليكم فيها الحصباء يرجمكم بها،فيكون أشدّ عليكم من الغرق

ص: 356

في البحر.(2:458)

نحوه النّسفيّ(2:322)،و البروسويّ(5:183).

ابن عطيّة: و الحاصب:العارض الرّامي بالبرد و الحجارة،و نحو ذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه الحاصب الّذي أصاب قوم لوط.و الحصب:

الرّمي بالحصباء،و هي الحجارة الصّغار.(3:472)

الطّبرسيّ: أي أو هل أمنتم أن يرسل عليكم حجارة تحصبون بها،أي ترمون بها.و المعنى أنّه سبحانه قادر على إهلاككم في البرّ،كما أنّه قادر على إغراقكم في البحر.(3:426)

نحوه شبّر.(4:37)

الفخر الرّازيّ: إنّه تعالى قادر على أن يسلّط عليكم آفات البرّ من جانب التّحت أو من جانب الفوق.أمّا من جانب التّحت فبالخسف،و أمّا من جانب الفوق فبإمطار الحجارة عليهم،و هو المراد من قوله:

أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فكما لا يتضرّعون إلاّ إلى اللّه تعالى عند ركوب البحر،فكذلك يجب أن لا يتضرّعوا إلاّ إليه في كلّ الأحوال.[إلى أن قال:]

و قال الزّجّاج:الحاصب:التّراب الّذي فيه حصباء، و الحاصب على هذا:ذو الحصباء مثل اللاّبن و التّامر.

(21:11)

القرطبيّ: يقال للسّحابة الّتي ترمي بالبرد:

حاصب،و للرّيح الّتي تحمل التّراب و الحصباء:حاصب و حصبة أيضا.[ثمّ استشهد بشعر](10:292)

البيضاويّ: ريحا تحصب،أي ترمي بالحصباء.

(1:592)

أبو حيّان:و المعنى أنّ قدرته تعالى بالغة،فإن كان نجّاكم من الغرق و كفرتم نعمته،فلا تأمنوا إهلاكه إيّاكم و أنتم في البرّ:إمّا بأمر يكون من تحتكم،و هو تغوير الأرض بكم،أو من فوقكم بإرسال حاصب عليكم.

و هذه الغاية في تمكّن القدرة.(6:60)

الآلوسيّ: عن ابن عبّاس أنّه قال:هو مطر الحجارة،أي مطرا يحصبكم،أي يرميكم بالحصباء،و هو صغار الحجارة.

و عن قتادة أنّه فسّر الحاصب بالحجارة نفسها، و لعلّه حينئذ صيغة نسبة،أي ذا حصب،و يراد منه الرّمي.

و قال الفرّاء:الحاصب الرّيح الّتي ترمي بالحصباء، و قال الزّجّاج:هو التّراب الّذي فيه الحصباء.و الصّيغة عليه صيغة نسبة أيضا.[إلى أن قال:]

و اختار الزّمخشريّ و من تبعه تفسير الفرّاء.

و الظّاهر أنّ الكلام عليه على حقيقته،فالمعنى:أو إن لم يصبكم بالهلاك من تحتكم بالخسف،أصابكم به من فوقكم بريح يرسلها عليكم فيها الحصباء يرجمكم بها، فيكون أشدّ عليكم من الغرق في البحر.و يقال نحو هذا على سائر تفاسير«الحاصب».

و قال الخفاجيّ في وصف الرّيح بالرّمي بالحصباء:إنّه عبارة عن شدّتها و ذكرها إشارة إلى أنّهم خافوا إهلاك الرّيح في البحر،فقيل:إن شاء أهلككم بالرّيح في البرّ أيضا.

و لا أدري ما المانع من إرادة الظّاهر،و الشّدّة تلزم الرّمي المذكور عادة،و الإشارة هي الإشارة.(15:116)

ص: 357

القاسميّ: أي ريحا ترمي بالحصباء يرجمكم بها، فيكون أشدّ عليكم من الغرق.(10:3950)

الطّباطبائيّ: قيل:الحاصب:الرّيح المهلكة في البرّ،و القاصف:الرّيح المهلكة في البحر.(13:154)

2- فَكُلاًّ أَخَذْنا بِذَنْبِهِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً... العنكبوت:40

ابن عبّاس: حجارة،و هم قوم لوط.(335)

ريحا فيها حصى،و هم قوم لوط.

مثله قتادة.(الطّبرسيّ 4:283)

و نحوه ابن قتيبة(338)،و شبّر(5:63)،و القاسميّ (13:4750).

أبو عبيدة :أي ريحا عاصفا فيها حصى.و يكون في كلام العرب:الحاصب من الجليد و نحوه أيضا.[ثمّ استشهد بشعر](2:116)

نحوه الطّوسيّ.(8:209)

الطّبريّ: هم قوم لوط،الّذين أمطر اللّه عليهم حجارة من سجّيل منضود،و العرب تسمّي الرّيح العاصف الّتي فيها الحصى الصّغار أو الثّلج أو البرد و الجليد:حاصبا.[ثمّ استشهد بشعر](20:150)

نحوه البغويّ(3:557)

الزّمخشريّ: الحاصب لقوم لوط،و هي ريح عاصف فيها حصباء.

و قيل:ملك كان يرميهم.(3:206)

نحوه النّسفيّ(3:258)،و أبو حيّان(7:152)، و الشّربينيّ(3:140)،و أبو السّعود(5:152)، و البروسويّ(6:469)،و الآلوسيّ(20:159)

ابن عطيّة: قيل:معناه ما كانُوا سابِقِينَ الأمم إلى الكفر،أي قد كانت تلك عادة أمم مع رسل،و الّذين أرسل عليهم الحاصب قال ابن عبّاس:هم قوم لوط.

و يشبه أن يدخل قوم عاد في«الحاصب»لأنّ تلك الرّيح لا بدّ أنّها كانت تحصبهم بأمور مؤذية.الحاصب:

هو العارض من ريح أو سحاب إذا رمى بشيء.[ثمّ استشهد بشعر](4:317)

القرطبيّ: يعني قوم لوط،و الحاصب:ريح يأتي بالحصباء و الحصى الصّغار،و تستعمل في كلّ عذاب.

(13:344)

البيضاويّ: ريحا عاصفا فيها حصباء أو ملكا رماهم بها كقوم لوط.(2:210)

المراغيّ: كقوم عاد إذ قالوا:من أشدّ منّا قوّة؟ فجاءتهم ريح صرصر عاتية باردة شديدة الهبوب تحمل الحصباء،فألقتها عليهم.(20:141)

الطّباطبائيّ: و الحاصب:الحجارة،و قيل:الرّيح الّتي ترمي بالحصى،و على الأوّل فهم قوم لوط،و على الثّاني قوم عاد.(16:127)

المصطفويّ: أي ريحا أو عذابا آخر،ينزعهم و يقلعهم و يسوّيهم.(2:244)

مكارم الشّيرازىّ:و الحاصب معناه:الطّوفان الّذي فيه حصى كثيرة تتحرّك معه،و الحصباء:الحصى الصّغير.

و المقصود ب(منهم)هنا هم(عاد)قوم هود، و حسب ما جاء في بعض السّور كالذّاريات،و الحاقّة،

ص: 358

و القمر.أصابهم طوفان شديد مهلك خلال ثمانية أيّام و سبع ليال،فدمّرهم تدميرا.

يقول القرآن: سَخَّرَها عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيالٍ وَ ثَمانِيَةَ أَيّامٍ حُسُوماً فَتَرَى الْقَوْمَ فِيها صَرْعى كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ* فَهَلْ تَرى لَهُمْ مِنْ باقِيَةٍ الحاقّة:7،8.

(12:357)

3- إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ. القمر:34

4- أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً فَسَتَعْلَمُونَ كَيْفَ نَذِيرِ. الملك:17

معناهما مثل ما تقدّم.

حصب

إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ. الأنبياء:98

ابن عبّاس: حطب جهنّم،بلغة الحبشة.(275)

نحوه مجاهد و عكرمة(الطّبريّ 17:94)،و قتادة (الطّبرسيّ 4:64).

شجر جهنّم.

يقول:وقودها.(الطّبريّ 17:94)

الضّحّاك: يقول:إنّ جهنّم إنّما تحصب بهم،و هو الرّمي،يقول:يرمى بهم فيها.(الطّبريّ 17:94)

مثله أبو مسلم الأصفهانيّ(الطّبرسيّ 4:64)

الفرّاء: ذكر أنّ«الحصب»في لغة أهل اليمن:

الحطب...و عن رجل سمع عليّا[عليه السّلام]يقرأ (حطب) بالطّاء...و عن أبي الحويرث رفعه إلى عائشة أنّها قرأت ( حطب )كذلك...و عن ابن عبّاس أنّه قرأ (حضب) بالضّاد.و كلّ ما هيّجت به النّار أو أوقدتها به فهو حضب.

و أمّا«الحصب»فهو معنى لغة نجد:ما رميت به النّار، كقولك:حصبت الرّجل،أي رميته.(2:212)

نحوه الزّجّاج.(3:406)

أبو عبيدة :كلّ شيء ألقيته في نار فقد حصبتها.

و يقال:حصب في الأرض،أي ذهب فيها.(2:42)

ابن قتيبة :ما ألقي فيها،و أصله من الحصباء و هي الحصى.يقال:حصبت فلانا،إذا رميته حصبا بتسكين الصّاد،و ما رميت به«حصب»بفتح الصّاد.كما تقول:

نفضت الشّجرة نفضا،و ما وقع من ثمرها:نفض؛و اسم حصى الحجارة:حصب.(288)

الطّبرىّ: قال بعضهم:معناه:وقود جهنّم و شجرها.

و قال آخرون:بل معناه:حطب جهنّم.

و قال آخرون:بل معنى ذلك يرمى بهم في جهنّم.

و اختلف في قراءة ذلك،فقرأته قرّاء الأمصار حصب جهنم بالصّاد،و كذلك القراءة عندنا لإجماع الحجّة عليه.(17:94)

البغويّ: يعني وقودها،و قال مجاهد و قتادة:

حطبها.و الحصب في لغة أهل اليمن:الحطب.و قال عكرمة:هو الحطب بلغة الحبشة قال الضّحّاك:يعني يرمون بهم في النّار كما يرمى بالحصباء.

و أصل الحصب:الرّمي،قال اللّه عزّ و جلّ: أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً القمر:34 أي ريحا ترميهم بالحجارة.

ص: 359

و قرأ عليّ بن أبي طالب[عليه السّلام] (حطب جهنّم) .

(3:318)

الزّمخشريّ: و الحصب:المحصوب به:أي يحصب بهم في النّار.و الحصب:الرّمي.و قرئ بسكون الصّاد وصفا بالمصدر.و قرئ (حطب) و (حضب) بالضّاد متحرّكا و ساكنا.(2:584)

ابن عطيّة: و الحصب:ما توقد به النّار إمّا لأنّها تحصب به،أي ترمى،و إمّا أن تكون لغة في«الحطب»إذا رمي.و أمّا قبل أن يرمى به فلا يسمّى حصبا إلاّ بتجوّز.

و قرأ الجمهور (حصب) بالصّاد مفتوحة،و سكّنها ابن السّميفع (1)؛و ذلك على إيقاع المصدر موقع اسم المفعول.و قرأ عليّ بن أبي طالب[عليه السّلام]و أبيّ بن كعب و عائشة و ابن الزّبير (حطب جهنّم) بالطّاء.و قرأ ابن عبّاس (حضب جهنّم) بالضّاد منقوطة مفتوحة،و سكّنها كثير غيره.

و الحضب أيضا:ما يرمى به في النّار لتوقد به.

و المحضّب:العود الّذي تحرّك به النّار أو الحديد أو نحوه.

[ثمّ استشهد بشعر](4:101)

ابن الجوزيّ: [ذكر القراءات نحو ابن عطيّة و أضاف:]

و قرأ عروة و عكرمة و ابن يعمر و ابن أبي عبلة (حضب جهنّم) بإسكان الضّاد المعجمة،و قرأ أبو المتوكّل و أبو حيوة و معاذ القارئ(حضب)بكسر الحاء مع تسكين الضّاد المعجمة،و قرأ أبو مجلز و أبو رجاء و ابن محيصن (حصب) بفتح الحاء و بصاد غير معجمة ساكنة.

[ثمّ ذكر قول الزّجّاج و ابن قتيبة](5:390)

الفخر الرّازيّ: فالمراد يقذفون في نار جهنّم، فشبّههم بالحصباء الّتي يرمى بها الشّيء،فلمّا رمى بها كرمي الحصباء،جعلهم حصب جهنّم تشبيها.

(22:224)

القرطبيّ: [ذكر القراءات و الأقوال و أضاف:]

و يظهر من هذه الآية أنّ النّاس من الكفّار و ما يعبدون من الأصنام حطب لجهنّم،و نظير هذه الآية قوله تعالى: فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ البقرة:24.

و قيل:إنّ المراد بالحجارة:حجارة الكبريت-على ما تقدّم في البقرة-و أنّ النّار لا تكون على الأصنام عذابا و لا عقوبة لأنّها لم تذنب و لكن تكون عذابا على من عبدها:أوّل شيء بالحسرة،ثمّ تجمع على النّار فتكون نارها أشدّ من كلّ نار،ثمّ يعذّبون بها.

و قيل:تحمى فتلصق بهم زيادة في تعذيبهم.و قيل:

إنّما جعلت في النّار تبكيتا لعبادتهم.(11:343)

البيضاويّ: ما يرمى به إليها و تهيّج به،من حصبه يحصبه،إذا رماه بالحصباء.و قرئ بسكون الصّاد وصفا بالمصدر.(2:82)

نحوه الكاشانيّ.(3:355)

أبو حيّان :[ذكر القراءات كما سبق عن ابن عطيّة ثمّ قال:]

و جمع الكفّار مع معبوداتهم في النّار،لزيادة غمّهم و حسرتهم برؤيتهم معهم فيها إذ عذّبوا بسببهم،و كانوا يرجون الخير بعبادتهم،فحصل لهم الشّرّ من قبلهم،ع.

ص: 360


1- و يأتي في نصّ الآلوسيّ:ابن أبي السّميقع.

و لأنّهم صاروا لهم أعداء،و رؤية العدوّ ممّا يزيد في العذاب.[ثمّ استشهد بشعر](6:340)

ابن كثير :[ذكر القراءات و قال:]

و الجميع قريب.(4:597)

البروسويّ: بفتح المهملتين اسم لما يحصب،أي يرمى في النّار فتهيّج به،من حصبه،إذا رماه بالحصباء.

و لا يقال له:حصب إلاّ و هو في النّار،و أمّا قبل ذلك فيقال له:حطب و شجر و خشب و نحو ذلك.

و المعنى:تحصبون في جهنّم و ترمون،فتكونون وقودها،و هو بالفارسيّة[آتش انگيز](5:524)

شبّر:محصوبها و هو ما يحصب فيها،أي يرمى، يعني وقودها.(4:217)

الآلوسيّ: و الحصب:ما يرمى به و تهيّج به النّار،من حصبه،إذا رماه بالحصباء،و هي صغار الحجارة،فهو خاصّ وضعا عامّ استعمالا.و عن ابن عبّاس أنّه الحطب بالزّنجيّة.

و قرأ عليّ و أبيّ و عائشة و ابن الزّبير و زيد بن عليّ رضي اللّه تعالى عنهم (حطب) بالطّاء.و قرأ ابن أبي السّميقع و ابن أبي عبلة،و محبوب و أبو حاتم عن ابن بشير(حصب)بإسكان الصّاد،و رويت عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما.و هو مصدر وصف به للمبالغة.

و في رواية أخرى عنه قرأ (حضب) بالضّاد المعجمة المفتوحة،و جاء عنه أيضا إسكانها،و به قرأ كثّير عزّة، و معنى الكلّ واحد،و هو معنى الحصب بالصّاد.

(17:96)

المصطفويّ: للانحراف الكلّيّ عن مسير الحقّ و التّجاوز و الخروج عن الصّراط،فمرجعهم إلى جهنّم.

(2:244)

مكارم الشّيرازيّ: الحصب في الأصل يعني الرّمي و الإلقاء،لا سيّما لإلقاء قطع الحطب في التّنّور.

و قال بعضهم:إنّ للحطب في لغات العرب ألفاظا مختلفة،فبعض القبائل يسمّيه حصبا،و البعض الآخر خضبا،و لمّا كان القرآن يسعى للتّأليف بين القبائل و الطّوائف و القلوب،فإنّه كان يستعمل لغات مختلفة أحيانا،ليجمع القلوب عن هذا الطّريق،و من جملة ذلك كلمة(حصب)هذه،و الّتي كانت تمثّل تلفّظ أهل اليمن لكلمة«حطب».

و على كلّ حال فإنّ الآية هذه تقول للمشركين:

إنّكم و آلهتكم ستكونون حطب جهنّم،و ستلقون الواحد تلو الآخر في نار جهنّم كقطع الحطب الّتي لا قيمة لها.

(10:220)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحصب،أي الحجارة و الحصى؛واحدته:حصبة،و الحصبة:واحدة الحصباء، و هو الحصى.يقال:أرض حصبة و محصبة،أي كثيرة الحصباء،و مكان حاصب و حصب:ذو حصباء.

و الحصب:الرّمي بالحصباء.يقال:حصبه يحصبه حصبا،أي رماه بالحصباء،و تحاصبوا:تراموا بالحصباء.

و الإحصاب:إثارة الحصى عند العدو،يقال:

أحصب الفرس و غيره.

و التّحصيب:إلقاء الحصى الصّغار في موضع و فرشه بالحصباء،يقال:حصّب الموضع.و التّحصيب:نزول

ص: 361

المحصّب بمكّة،و ذلك إذا نفر الرّجل من منى إلى مكّة للتّوديع،أقام بالأبطح حتّى يهجع بها ساعة من اللّيل، ثمّ يدخل مكّة.

و المحصّب:موضع رمي الجمار بمنى،و هو الشّعب الّذي مخرجه إلى الأبطح بين مكّة و منى،سمّي بذلك للحصى الّذي فيه.

و الحصاب:موضع الجمار.

و الحاصب:ريح شديدة تحمل التّراب و الحصباء.

يقال:كان يومنا ذا حاصب،و قد حصبتنا تحصبنا.و ريح حصبة:فيها حصباء.

و الحصبة و الحصبة و الحصبة:البثر الّذي يخرج بالبدن و يظهر في الجلد،و هو مشبّه بالحصباء.يقال:

حصب جلده يحصب،و حصب فهو محصوب،و أرض محصبة:ذات حصبة.

2-و الحصب:الحطب بلغة الحبشة،كما قال ابن عبّاس،أو هو بلغة أهل اليمن،كما قال الفرّاء.و قال الفرّاء أيضا:هو ما رميت في النّار بلغة أهل نجد.

و يبدو أنّ أصله من الحصباء أيضا؛إذ يحصب ما يلقى في النّار كما تحصب الحصباء.يقال:حصب النّار بالحصب يحصبها حصبا،أي أضرمها.أو النّار تحصب ما يلقى فيها،و قوله تعالى: حَصَبُ جَهَنَّمَ الأنبياء:

98،يحتمل الوجهين.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها اسم مرّة،و اسم فاعل 4 مرّات،في 5 آيات:

1- إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ... الأنبياء:98

2- ...فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَ مِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ... العنكبوت:40

3- إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ القمر:34

4- أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً... الإسراء:68

5- أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً...

الملك:17

يلاحظ أوّلا:أنّ(حصب)أسند إلى(جهنّم)في(1) خبرا ل(انّكم)،و فيه بحوث:

1-ذكر في معناه قولان:حطب جهنّم و وقودها؛ و هو قول ابن عبّاس،و ما يحصب فيها،أي يرمى؛و هو قول الضّحّاك.و الأوّل أولى،و دليله قوله: فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً الجنّ:15،كما سيأتي في«ح ط ب».

2-اقتصر استعمال مادّتي«ح ص ب»و«ح ط ب» على مكّة،و استعملت مادّة«و ق د»في مكّة و المدينة، و هذا يدلّ على عمومها،و لذا يقال في معنى الحصب و الحطب:ما يوقد به النّار،أو وقود النّار،و لا يقال في معنى الوقود:الحصب أو الحطب.

3-جاء الحصب مجازا،قال الفخر الرّازيّ في حَصَبُ جَهَنَّمَ: «فشبّههم بالحصباء الّتي يرمى بها الشّيء،فلمّا رمي بها كرمي الحصباء،جعلهم حصب جهنّم تشبيها».و جاء الحطب في فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً حقيقة،قال الطّبرسيّ(5:371):«يلقون فيها

ص: 362

فتحرقهم كما تحرق النّار الحطب.أو يكون معناه فسيكونون لجهنّم حطبا توقد بهم،كما توقد النّار بالحطب».

4-ما دام الإحراق بالحطب حقيقة و الإحراق بالحصب مجازا،فالأوّل أشدّ احتراقا من الثّاني؛إذ يحرق به ما خلق من النّار،و هم الجنّ،و يحرق بالثّاني-أي الحصب-الإنس و ما يعبدون.

5-و الحصب و الحطب لغتان،و لا تبدل الصّاد من الطّاء في اللّغة،بل تبدل الصّاد من الضّاد،كما قرئ بذلك.و ذكر ابن عبّاس أنّ الحصب لغة في الحطب بلغة الحبشة،كما ذكر الفرّاء أنّه لغة يمنيّة أو نجديّة فيه.

6-قرئ«الحصب»بخمس لغات أخرى:(حصب) بسكون الصّاد،وصفا بالمصدر،و(حضب)بالضّاد ساكنا،و(حضب)بكسر الحاء مع تسكين الضّاد المعجمة،و(حضب)بفتح الحاء و الضّاد،و(حطب) بالطّاء،و قراءات الضّاد الثّلاث على البدل.

7-قال القرطبيّ: «يظهر من هذه الآية أنّ النّاس من الكفّار و ما يعبدون من الأصنام حطب لجهنّم...و أنّ النّار لا تكون على الأصنام عذابا و لا عقوبة،لأنّها لم تذنب، و لكن تكون عذابا على من عبدها أوّل شيء بالحسرة، ثم تجمع على النّار فتكون نارها أشدّ من كلّ نار،ثم يعذّبون بها.و قيل:تحمى فتلصق بهم زيادة في تعذيبهم.

و قيل:إنّما جعلت في النّار تبكيتا لعبادتهم».

و قال أبو حيّان:«و جمع الكفّار مع معبوداتهم في النّار لزيادة غمّهم و حسرتهم برؤيتهم معهم فيها؛إذ عذّبوا بسببهم،و كانوا يرجون الخير بعبادتهم،فحصل لهم الشّرّ من قبلهم،و لأنّهم صاروا لهم أعداء،و رؤية العدوّ ممّا يزيد في العذاب».

ثانيا:جاء(حاصبا)كعامل من عوامل العذاب خبرا عن الماضي في(2 و 3)و وعيدا للمستقبل في(4 و 5) و فيها بحوث:

1-قال أغلب المفسّرين:الحاصب:الحجارة، و المرسل عليهم-على هذا القول-قوم لوط،لأنّهم أهلكوا بها،كقوله تعالى: وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ هود:82.و قال بعضهم:الحاصب:

الرّيح،و المرسل عليهم-على هذا القول-عاد،لأنّهم أهلكوا بها،كقوله تعالى: وَ فِي عادٍ إِذْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الرِّيحَ الْعَقِيمَ الذّاريات:41.

و القولان متقاربان في اللّغة؛إذ الحاصب:الرّيح ذات الحصب،أي الحجارة و الحصر،كما تقدّم،فاللّه تعالى وجّه الرّيح المحمّلة بالتّراب و الحجارة نحوهم،و بعثها عليهم فدمّرتهم تدميرا،و هذا ما يفيده معنى الارسال، كما سيأتي في«ر س ل».

و لكنّهما متباعدان في الاستعمال القرآنيّ كما رأيت، لأنّ عامل العذاب يدلّ على المعذّب،فنظر الفريق الأوّل إلى سياق القرآن،و هم كبار المفسّرين،كابن عبّاس، و قتادة،و السّدّيّ،و ابن جريج،و الطّبريّ،و غيرهم، و نظر الفريق الثّاني إلى أصل اللّغة،و هم كبار اللّغويّين، كأبي عبيدة،و ابن قتيبة و الزّمخشريّ و غيرهم.

2-الحاصب في(2)جاء لإحدى الأمم السّابقة المذكورة قبله في سورة العنكبوت:و هم قوم نوح و إبراهيم و لوط و شعيب و صالح و هود و فرعون،ذكرهم

ص: 363

ثمّ قال: فَمِنْهُمْ مَنْ أَرْسَلْنا عَلَيْهِ حاصِباً وَ مِنْهُمْ مَنْ أَخَذَتْهُ الصَّيْحَةُ وَ مِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ وَ مِنْهُمْ مَنْ أَغْرَقْنا...، و قد جاء فيها أربعة أنواع من العذاب:

فالغرق لأصحاب نوح و هو منصوص في الآية(14) قبلها،و في آيات أخرى،و الحاصب لقوم لوط كما قال في (3) إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً، و الخسف لآل شعيب كما قال في الآية(37)قبلها فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ، و الصّيحة لهم أيضا وَ أَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ هود:94،و لعلّها هي الرّجفة نفسها.

و الخسف و الحجارة معا لقوم لوط أيضا،كما قال:

فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ هود:82،فتعيّن أنّ الحاصب في(2 و 3)هي الحجارة،فليكن كذلك في(4 و 5)وعيدا للمشركين بمكّة،و يؤيّده التّعبير عن نزوله ب(ارسلنا)فإنّه المناسب للحجارة.

3-اقترن إرسال الحاصب بخسف الأرض أي غورها في(2) وَ مِنْهُمْ مَنْ خَسَفْنا بِهِ الْأَرْضَ، و(4) أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ، و في(5) أَ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الْأَرْضَ فَإِذا هِيَ تَمُورُ* أَمْ أَمِنْتُمْ مَنْ فِي السَّماءِ أَنْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً الملك:16،17،و أمّا في(3)-و هي بشأن قوم لوط-فقد قورن بالحجارة ما يوازي الخسف في آية أخرى فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ هود:82،كما قورن ما يوازي الخسف بالصّيحة بشأن قوم صالح في وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ هود:67.

و لعلّ في اقتران الحاصب و الخسف و ما يقارنه مع تقديمها على الحاصب في بعضها و تأخيرها عنها في آخر، و معها الصّيحة نكتة.

و الّذي يخطر بالبال أنّ الصّيحة مقارنة بإرسال الحجارة كانت هي الباعثة على خسف الأرض و جعل عاليها سافلها.

4-جاء في أربعة منها(حاصبا)نكرة تهويلا و تكبيرا لا تحقيرا.

ثالثا:جاء الحصب و الحاصب في آيات و سور مكّيّة لكثرته في مكّة،و كان للنّاس أنس به؛إذ فيها المحصّب، و هو موضع الجمار في منى،و يسمّى النّوم ساعة من اللّيل في الشّعب الّذي مخرجه إلى الأبطح:التّحصيب،و فيها أيضا أراض محصّبة كثيرة،أي ذات حصباء،و منه:

مسجد المحصبة في الأبطح،و ليس لهذا المسجد أثر في هذا الزّمان،و ليلة الحصبة:بعد أيّام التّشريق،و هو اليوم الرّابع عشر،و قيل:يوم النّفر.

ص: 364

ح ص ح ص

اشارة

حصحص

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحصحصة:الحركة في الشّيء حتّى يستقرّ فيه و يستمكن منه.

و تحاصّ القوم تحاصّا،يعني الاقتسام من الحصّة.

و الحصحصة:بيان الحقّ بعد كتمانه.

و حصحص الحقّ،و لا يقال:حصحص الحقّ.

و الحصاص:سرعة العدو في شدّة.

و يقال:الحصاص:الضّراط.

و الحصّ:الورس،و إن جمع:فحصوص،يصبغ به، و هو الزّعفران أيضا.

و الحصّ:إذهابك الشّعر كما تحصّ البيضة رأس صاحبها.

و يقال:رجل أحصّ و امرأة حصّاء.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:13)

اللّيث:سنة حصّاء،إذا كانت جدبة.

و ناقة حصّاء،إذا لم يكن عليها وبر.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

الحصّة:النّصيب؛و جمعها:الحصص.و يقال:تحاصّ القوم تحاصّا،إذا اقتسموا.(الأزهريّ 3:400)

الكسائيّ: الحصحص و الكثكث:كلاهما الحجارة.

(الأزهريّ 3:403)

اليزيديّ: إذا ذهب الشّعر كلّه قيل:رجل أحصّ و امرأة حصّاء.

أحصصت القوم:أعطيتهم حصصهم.

(الأزهريّ 3:401)

ابن شميّل: ما يحصحص فلان إلاّ حول هذا الدّرهم ليأخذه.

و الحصحصة:لزوقه بك و إتيانه إيّاك و إلحاحه عليك.(الأزهريّ 3:403)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الحصحصة:الذّهاب في

ص: 365

الأرض.(الأزهريّ 3:403)

أبو زيد :و قالوا:حصّت الكمّة رأسي،إذا ألقت عنه الشّعر حصّا.و انحصّ رأسه انحصاصا،إذا سقط شعره.و تحصّص الظّبي و الحمار و البعير تحصّصا،إذا سقط شعره.

قال أبو الصّقر:حصصته شعرة.(207)

رجل أحصّ،إذا كان نكدا مشئوما.

و الأحصّ ما ذكره الجعديّ: فقال:

فقال تجاوزت الأحصّ و ماءه

و بطن شبيث و هو ذو مترسّم

(الأزهريّ 3:403)

الأصمعيّ: حصّاء:ناقة انحصّ وبرها.

(الأضداد:17)

الحصاص:شدّة العدو و سرعته.(أبو عبيد 2:272)

قرب حصحاص و حثحاث،و هو الّذي لا وتيرة فيه.(الأزهريّ 3:403)

قرب حصحاص مثل حثحاث،أي سريع ليس فيه فتور.(الجوهريّ 3:1033)

اللّحيانيّ: الحصحص لفلان،أي التّراب له.

نصب كأنّه دعاء،يذهب إلى أنّهم شبّهوه بالمصدر و إن كان اسما،كما قالوا:التّراب لك،فنصبوا.

(ابن سيده 2:493)

أبو عبيد: عن حمّاد عن عاصم عن أبي صالح عن أبي هريرة قال:«إنّ الشّيطان إذا سمع الأذان خرج و له حصاص»قال حمّاد قلت لعاصم ما الحصاص؟فقال:أ ما رأيت الحمار،إذا صرّ بأذنيه و مصع بذنبه وعدا فذلك حصاصه.[ثمّ ذكر قول الأصمعيّ و أضاف:]

و يقال:هو الضّراط في قول بعضهم؛قول عاصم أعجب إليّ،و هو قول الأصمعيّ أو نحوه.

(2:272)

في حديث ابن عمر:«أنّ امرأة أتته،فقالت:إنّ بنتي عريّس،و قد تمعّط شعرها و أمروني أن أرجلها بالخمر، فقال:إن فعلت ذاك فألقى اللّه في رأسها الحاصّة».

الحاصّة:ما يحصّ شعرها:يحلقه كلّه فيذهب به.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه يقال:بين بني فلان رحم حاصّة،أي قد قطعوها و حصّوها،لا يتواصلون عليها.

(الأزهريّ 3:400)

[في حديث سمرة:]«فعلت حتّى حصحص فيها».

الحصحصة:الحركة في الشّيء حتّى يستمكن و يستقرّ فيه.و يقال:حصحصت التّراب و غيره،إذا حرّكته و فحصته يمينا و شمالا.(الأزهريّ 3:402)

من أمثالهم في إفلات الجبان من الهلاك بعد الإشفاء عليه:أفلت و انحصّ الذّنب.(الأزهريّ 3:401)

ابن الأعرابيّ: بفيه الحصحص،أي التّراب.و قال أبو خيرة:الكثكث:التّراب.(الأزهريّ 3:403)

و تحصحص الوبر و الزّئبر:انجرد.

(ابن سيده 2:492)

ابن السّكّيت: و الحصحصة:الذّهاب في الأرض، و الخلبصة:الفرار.(301)

شمر:في حديث عليّ رضي اللّه عنه أنّه قال:«لأنّ أحصحص في يديّ جمرتين أحبّ إليّ من أن أحصحص

ص: 366

كعبتين».

الحصحصة:التّحريك و التّقليب للشّيء و التّرديد.

و قال الفقعسيّ: يقال:تحصحص و تحزحز،أي لزق بالأرض و استوى.

و حصحص فلان و دهمج،إذا مشى مشي المقيّد.

(الأزهريّ 3:403)

المبرّد: الحصحصة:المبالغة،و يقال:حصحص الرّجل،إذا بالغ في أمره.(الأزهريّ 3:402)

ابن دريد :حصّ شعره يحصّه حصّا،إذا جرّده، و انحصّ:انجرد.

و قال قوم من أهل اللّغة:حصّ شعره فهو محصوص، إذا حصّه غيره.

و الشّعر حصيص و محصوص.

و فرس حصيص،إذا قلّ شعر ثننه،و هو عيب.

و الأحصّ:ماء معروف،و الحصّ:الورس.

و أخذت حصّتي من كذا و كذا،أي نصيبي.

و حاصصت فلانا محاصّة و حصاصا،إذا قاسمته فأخذت حصّتك و أعطيته حصّته.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:60)

حصحص الشّيء،إذا وضح و ظهر.و منه قوله تعالى: اَلْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ يوسف:51.

و قالوا:ورد حصحاص،إذا كان بعيدا،و الحصحاص:

موضع معروف.

و قالوا:بفيه الحصحص،يعنون التّراب،كما قالوا:

الأثلب و الكثكث.

و يقال:حصحص البعير بصدره الأرض،إذا فحص الحصى بحرانه حتّى يلين ما تحته.(1:137)

رجل أحصّ بيّن الحصص،إذا كان قليل الشّعر:

شعر الرّأس،و كذلك في الخيل إذا قلّ شعر أذنابها.

(3:188)

الأزهريّ: [نقل قول الخليل ثمّ قال:]

الحصّ بمعنى الورس معروف صحيح.و قد قال بعضهم:الحصّ:اللّؤلؤ،و لست أحقّه و لا أعرفه.

[و قيل:]ريح حصّاء:صافية لا غبار فيها.

و يقال:انحصّ ورق الشّجر عنه و انحتّ،إذا تناثر.

يقال:طاير أحصّ الجناح،و رجل أحصّ اللّحية، و رحم حصّاء:مقطوعة.

[و قيل:]حاصصته الشّيء،أي قاسمته،فحصّني منه كذا يحصّني،أي صار ذلك حصّتي.

و قال ابن الفرج:كان حصيص القوم و بصيصهم كذا،أي عددهم.

الأحصّ:ماء كان نزل به كليب وائل،فاستأثر به دون بكر بن وائل،فقيل له:اسقنا،فقال:ليس فيه فضل عنّا.فلمّا طعنه الجسّاس استسقاهم الماء،فقال له جسّاس:تجاوزت الأحصّ،أي ذهب سلطانك عن الأحصّ،[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:400-402)

الصّاحب:الحصاص:شدّة العدو في سرعة، و الضّراط،و الجرب.

و الحصّ:الورس يصبغ به.

و الحصّ:ذهاب الشّعر سحجا،كما تحصّ البيضة رأس صاحبها،و هو الحلق أيضا.

و الأحصّ من الأيّام:الّذي تطلع شمسه و تصفو

ص: 367

سماؤه.

و سيف أحصّ:لا أثر فيه.

و الحصّ:السّرعة في العدو.

و رحم حصّاء:مقطوعة.

و الحصاص:الوجد،و رقّة القلب.

و رجل أحصّ:نكد.

و الحصّة:النّصيب؛و الجميع:الحصص.

و تحاصّ القوم:اقتسموا بالحصص.و أحصصت القوم:أعطيتهم الحصص.

و الحصحصة:الحركة في الشّيء حتّى يستقرّ فيه و يستمكن،و بيان الحقّ و وضوحه بعد كتمانه،و منه قوله تعالى: اَلْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ يوسف:51.

و باتت الإبل بقرب حصحاص،أي سريع.

و حصحص بخرئه:رمى به.

و الحصحص و الكثكث:التّراب،و كذلك الحصحاص و الحصاصاء.

و الحصّ:اللّؤلؤ،على التّشبيه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحصاصة:ما يبقى في الكرم بعد قطافه.

و الحصيصة:ما فوق أشعر الفرس.

و تحصّصت الطّريق و تحصّرته:بمعنى واحد.

(2:298)

الجوهريّ: رجل أحصّ بيّن الحصص،أي قليل شعر الرّأس.و قد حصّت البيضة رأسه.

و سنة حصّاء،أي جرداء لا خير فيها.

و الحاصّة:الدّاء الّذي يتناثر منه الشّعر.

و انحصّ شعره انحصاصا،أي تناثر.

و طائر أحصّ الجناح.

و الأحصّان:العبد و الحمار،لأنّهما يماشيان أثمانهما حتّى يهرما،فينتقص أثمانهما و يموتا.

و الحصّة:النّصيب.

و أحصصت الرّجل،أي أعطيته نصيبه.

و تحاصّ القوم يتحاصّون،إذا اقتسموا حصصا، و كذلك المحاصّة.

و الحصّ بالضّمّ:الورس،و يقال الزّعفران.

و الحصحص بالكسر:التّراب و الحجارة.

و حصحص الشّيء:بان و ظهر.يقال:الآن حصحص الحقّ.

و الحصحصة:تحريك الشّيء في الشّيء حتّى يستمكن و يستقرّ فيه.

و الحصحصة:الإسراع في السّير.

و ذو الحصحاص:موضع.

[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](3:1032)

ابن فارس: الحاء و الصّاد في المضاعف أصول ثلاثة:أحدها:النّصيب،و الآخر:وضوح الشّيء و تمكّنه،و الثّالث:ذهاب الشّيء و قلّته.

فالأوّل:الحصّة،و هي النّصيب.يقال:أحصصت الرّجل،إذا أعطيته حصّته.

و الثّاني:قولهم:حصحص الشّيء:وضح،قال اللّه تعالى: اَلْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ يوسف:51،و من هذا الحصحصة:تحريك الشّيء حتّى يستمكن و يستقرّ.

و الثّالث:الحصّ و الحصاص،و هو العدو.و انحصّ الشّعر عن الرّأس:ذهب.و رجل أحصّ:قليل الشّعر.

ص: 368

و حصّت البيضة شعر رأسه.

و الحصحصة:الذّهاب في الأرض.و رجل أحصّ و امرأة حصّاء،أي مشئومة،و هو من الباب،كأنّ الخير قد ذهب عنها.

و من هذا الباب:فلان يحصّ،إذا كان لا يجير أحدا.

و الأحصّان:العبد و العير،لأنّهما يماشيان أثمانهما حتّى يهرما فينتقص أثمانهما و يموتا.

و يقال:سنة حصّاء:جرداء لا خير فيها.

و من الّذي شذّ عن الباب قولهم للورس:حصّ.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:12)

ابن سيده: الحصّ و الحصاص:شدّة العدو في سرعة.

و الحصاص أيضا:الضّراط.

و حصّ الجليد النّبت يحصّه:أحرقه،لغة في حسّه.

و الحصّ حلق الشّعر،حصّه يحصّه حصّا،فحصّ حصصا،و انحصّ.

و الحصّ أيضا:إذهاب الشّعر سحجا،و الفعل كالفعل.

و حصّ شعره و انحصّ:انجرد،و رجل أحصّ:

منحصّ الشّعر،و ذنب أحصّ:لا شعر عليه.

و سنة حصّاء:جدبة قليلة النّبات،و قيل:هي الّتي لا نبات فيها.

و تحصّص الظّبي و الحمار و البعير:سقط شعره.

و الحصيص:اسم ذلك الشّعر.

و الحصيصة:ما جمع ممّا حلق أو نتف،و هي أيضا شعر الأذن و وبرها،كان محلوقا أو غير محلوق.و قيل:

هو الشّعر و الوبر عامّة؛و الأوّل أعرف.

و الحصيصة من الفرس:ما فوق الأشعر ممّا أطاف بالحافر،لقلّة ذلك الشّعر.

و فرس أحصّ و حصيص:قليل شعر الثّنّة و الذّنب،و هو عيب؛و الاسم:الحصص.

و الأحصّ:الزّمر الّذي لا يطول شعره؛و الاسم:

الحصص أيضا.

و الحصص في اللّحية:أن يتكسّر شعرها على صدره.

رجل أحصّ:قاطع للرّحم،و قد حصّ رحمه يحصّها حصّا.و رحم حصّاء:مقطوعة.

و الأحصّ أيضا:النّكد المشئوم.

و يوم أحصّ:شديد البرد لا سحاب فيه.و قيل لرجل من العرب:أيّ الأيّام أبرد؟فقال:الأحصّ الأزبّ.

يعني بالأحصّ:الّذي تصفو شماله و يحمرّ فيه الأفق و تطلع شمسه،و لا يوجد لها مسّ من البرد،و هو الّذي لا سحاب فيه،و لا ينكسر خصره.

و الأزبّ:يوم تهبّه النّكباء و تسوق الجهام و الصّرّاد و لا تطلع له شمس،و لا يكون فيه مطر.

و الأحصّان:العبد و العير لأنّهما يماشيان سنّهما حتّى يهرما فتنقص أثمانهما.

و الحصّة:النّصيب من الطّعام و الشّراب و الأرض و غير ذلك.

و تحاصّ القوم:اقتسموا حصصهم.

حاصّه محاصّة و حصاصا:قاسمه،فأخذ كلّ واحد

ص: 369

منهما حصّته.

و أحصّ القوم:أعطاهم حصصهم.

و أحصّه المكان:أنزله فيه،و منه قول بعض الخطباء و تحصّ من نظره بسطة حال الكفالة و الكفاية،أي تنزل.

و الحصّ:الورس؛و جمعه:أحصاص و حصوص، و لم يذكر سيبويه تكسير«فعل»من المضاعف على «فعول»إنّما كسّره على«فعال»كخفاف و عشاش.

و رجل حصحص و حصحوص:يتتبّع دقائق الأمور فيعلمها و يحصيها.

و الأحصّ:ماء معروف.

و بنو حصيص:بطن من العرب.

و الحصحصة:الذّهاب في الأرض،و قد حصحص.

و الحصحصة:الحركة في الشّيء حتّى يستقرّ فيه، و يستمكن منه و يثبت.

و الحصحصة:بيان الحقّ بعد كتمانه،و قد حصحص و لا يقال:حصحص.

و قرب حصحاص:بعيد.

و الحصحاص:موضع.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات]

(2:491)

الرّاغب: حصحص الحقّ،أي وضح؛و ذلك بانكشاف ما يقهره،و حصّ و حصحص،نحو:كفّ و كفكف،و كبّ و كبكب.

و حصّه:قطع منه إمّا بالمباشرة و إمّا بالحكم؛فمن الأوّل قول الشّاعر:

*قد حصّت البيضة رأسي*

و منه قيل:رجل أحصّ:انقطع بعض شعره،و امرأة حصّاء.

و قالوا:رجل أحصّ:يقطع بشؤمه الخيرات عن الخلق.

و الحصّة:القطعة من الجملة،و تستعمل استعمال النّصيب.(120)

الزّمخشريّ: حصص:أخذ حصّته،و أخذوا حصصهم.و يحصّني من المال كذا.و أحصصت القوم:

أعطيتهم حصصهم.

و حصّت البيضة رأسه فانحصّ.و انحصّ شعره، و انحصّ ريش الطّائر.

و رأس أحصّ،و رءوس حصّ.و طائر أحصّ الجناح.

و ألقى اللّه في رأسه الحاصّة.

و من المجاز:رجل أحصّ:مشئوم نكد لا خير فيه، و منه قيل للعبد و العير:الأحصّان.

و سنة حصّاء و بينهم رحم حصّاء:قطعاء لا توصل.

و قيل:لبعض العرب:أي الأيّام أقرّ،فقال:

الأحصّ الورد،و الأزبّ الهلّوف،أي المصحي و المغيم الّذي تهبّ نكباؤه.[ثمّ استشهد بشعر]

(أساس البلاغة:85)

عليّ عليه السّلام:«لأنّ أحصحص في يديّ جمرتين أحبّ إليّ من أن أحصحص كعبتين».

الحصحصة:تحريك الشّيء،أو تحرّكه حتّى يستقرّ و يتمكّن.

و منه حديث سمرة:«فعلت حتّى حصحص فيه».

أبو هريرة:«إنّ الشّيطان إذا سمع الأذان خرج و له

ص: 370

حصاص»هو حدّة العدو.(الفائق 1:288)

المدينيّ: في الحديث:«فجاءت سنة حصّت كلّ شيء»أي أذهبته.و الحصّ:إذهابك الشّعر عن الرّأس، كما تحصّ البيضة رأس صاحبها.

و تحاصّ شعره و حصّ و انحصّ،و رجل أحصّ، و ذنب أحصّ.(1:458)

الصّغانيّ: بنو حصيص،بفتح الحاء:من عبد القيس.

و فرس حصيص:قليل شعر الثّنّة.

و حصيصة بن أسعد:شاعر.

و رجل أحصّ،أي مشئوم،و امرأة حصّاء كذلك.

و ريح حصّاء:صافية لا غبار فيها.

و فلان يحصّ،إذا كان لا يجير أحدا.

و يقال:بين بني فلان رحم حاصّة،أي قد قطعوها و حصّوها،لا يتواصلون عليها.

و قد قال بعضهم:إنّ الحصّ بالضّمّ:اللّؤلؤ،و أنكره الأزهريّ.

و حصحص،إذا تحرّك.

و الحصحصة:أن يلزق الرّجل بك و يلحّ عليك.

و حصحص فلان،إذا مشى مشي المقيّد.

سيف أحصّ:لا أثر فيه.

و حصحص بخرئه:رمى به.

و الحصحاص و الحصاصاء:التّراب.

و الحصاصة:ما يبقى في الكرم بعد قطافه.

و الحصيصة:ما فوق أشعر الفرس.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:536)

الفيّوميّ: القسم؛و الجمع:حصص،مثل سدرة و سدر.

و حصّه من المال كذا يحصّه،من باب«قتل»:حصل له ذلك نصيبا.

و أحصصته بالألف:أعطيته حصّة.

و تحاصّ الغرماء:اقتسموا المال بينهم حصصا.

و حصحص الحقّ:وضح و استبان.(1:139)

الفيروزآباديّ: الحصّ:حلق الشّعر.

و الحاصّة:داء يتناثر منه الشّعر.

و بينهم رحم حاصّة،أي محصوصة أو ذات حصّ.

و حصّني منه كذا،أي صارت حصّتي منه كذا.

و هو يحصّ،أي لا يجير أحدا.

و رجل أحصّ بيّن الحصص:قليل شعر الرّأس، و كذا طائر أحصّ الجناح.

و الأحصّ:يوم تطلع شمسه و تصفو سماؤه،و سيف لا أثر فيه،و المشئوم.

و الأحصّان:العبد و الحمار.

و الأحصّ و شبيث:موضعان بتهامة و موضعان بحلب.

و الحصّاء:السّنة الجرداء لا خير فيها،و فرس سراقة بن مرداس،أو حزن بن مرداس.

و من النّساء:المشئومة،و من الرّياح:الصّافية بلا غبار.

و الحصّاصة:قرية قرب قصر ابن هبيرة.

و الحصّة بالكسر:النّصيب؛الجمع:حصص.

و الحصّ بالضّمّ:الورس أو الزّعفران؛الجمع:حصوص،

ص: 371

و اللّؤلؤة.

و الحصاص بالضّمّ:أن يصرّ الحمار بأذنيه و يمصع بذنبه،و الضّراط،و شدّة العدو و الجرب،و بهاء:ما يبقى في الكرم بعد قطافه.

و حصيصهم كذا،أي عددهم.

و فرس حصيص:قليل شعر الثّنّة،و شعر حصيص:

محصوص.

و حصيص:بطن من عبد القيس.و حصيصة بن أسعد:

شاعر.

و الحصيصة:ما فوق أشعر الفرس.

و الحصحص بالكسر:التّراب كالحصحاص و الحصاصاء، و الحجارة.

و قرب حصحاص:جادّ سريع بلا فتور.

و ذو الحصحاص:جبل مشرف على ذي طوى.

و أحصصته:أعطيته نصيبه،و عن أمره:عزلته.

و حصّص الشّيء تحصيصا و حصحص:بان و ظهر.

و تحاصّوا و حاصّوا:اقتسموا حصصا.

و الحصحصة:تحريك الشّيء في الشّيء حتّى يستمكن و يستقرّ فيه،و الإسراع،و فحص التّراب يمينا و شمالا، و الرّمي بالعذرة،و أن يلزق الرّجل بك و يلحّ عليك، و إثبات البعير ركبتيه للنّهوض،و بالسّلح:رميه،و مشي المقيّد.

و تحصحص:لزق بالأرض و استوى.

و انحصّ الشّعر:ذهب،و الذّنب:انقطع.

و في المثل:«أفلت و انحصّ الذّنب»يضرب لمن أشفى على الهلاك ثمّ نجا.(2:309)

الطّريحيّ: و الحصّة بالكسر:النّصيب؛و الجمع:

حصص،مثل سدرة و سدر.

و في الدّعاء:«و لا تحاصّنا بذنوبنا»أي لا تجعل لنا نصيبا من العذاب بسبب ذنوبنا.(1:166)

العدنانيّ: الحصّة لا الحصّة:

و يقولون:أخذ فلان حصّته من الميراث،أي:

نصيبه منه.و الصّواب:أخذ حصّته من الميراث:

الصّحاح،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و الأساس، و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و الكلّيّات،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و تجمع الحصّة على حصص.

و قد تعني الحصّة:

أ-القطعة من الجملة.

ب-الفترة من الزّمن«كلمة مولّدة».

و ممّا جاء في اللّسان:

1-الحصّة:النّصيب من الطّعام و الشّراب و الأرض و غير ذلك.

2-تحاصّ القوم تحاصّا:اقتسموا حصصهم.

3-حاصّه محاصّة و حصاصا:قاسمه فأخذ كلّ واحد منهما حصّته.

و يقال:حاصصته الشّيء:قاسمته،فحصّني منه كذا و كذا.[إلى أن قال:]

أمّا الحصّ فهو الورس أو الزّعفران؛و يجمع على:

أحصاص و حصوص.(157)

المصطفويّ: حاصص:حجز،قطع،قسم، فصل.

ص: 372

و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الفصل،بحيث يتعيّن و يتّضح القسم المفصول.

و باعتبار هذا المعنى تطلق على الحصّة المبانة، و النّصيب المعيّن،و القسمة المشخّصة،و الأمر المتّضح، و الموضوع المستقرّ المتمكّن من بين الموضوعات المختلفة، و ما فصل و ذهب و خرج عن كلّيّ أو محيط أو عنوان.

ففي كلّ من هذه المفاهيم لا بدّ أن تلاحظ جهة الفصل و التّعيّن.

و أمّا حصحص:فالزّيادة فيها للإلحاق،و تدلّ على زيادة المعنى و المبالغة في الانفصال و التّعيّن،و لازم هذا المعنى هو الوضوح.(2:245)

النّصوص التّفسيريّة

حصحص

...قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ. يوسف:51

ابن عبّاس: الآن تبيّن الحقّ ليوسف.(198)

نحوه مجاهد و قتادة،و ابن إسحاق،و ابن زيد (الطّبريّ 12:237)،و البغويّ(2:496)،و الخازن(3:

236)،و الشّربينيّ(2:114)،و الحجازيّ(12:73).

زيد بن عليّ: السّاعة وضح الحقّ.(224)

مثله أبو عبيدة(1:314)،و ابن قتيبة(218)

الطّبريّ: الآن تبيّن الحقّ و انكشف فظهر.

و أصل حصحص:حصّ،و لكن قيل:حصحص، كما قيل:فكبكبوا في كبّوا.و قيل:كفكف في كفّ،و ذرذر في ذرّ.

و أصل الحصّ:استئصال الشّيء،يقال منه:حصّ شعره،إذا استأصله جزّا.و إنّما أريد في هذا الموضع حَصْحَصَ الْحَقُّ: ذهب الباطل و الكذب،فانقطع، و تبيّن الحقّ فظهر.(12:237)

نحوه الماورديّ(3:47)،و محمّد حسنين مخلوف (388).

الزّجّاج: أي برز و تبيّن،و اشتقاقه في اللّغة من «الحصّة»أي بانت حصّة الحقّ و جهته من جهة الباطل.

(3:115)

الطّوسيّ: أي بان الحقّ.يقال:حصحص الأمر و حصحص الحقّ،أي حصل على أمكن وجوهه،و هو قول ابن عبّاس و مجاهد و قتادة.و أصله:حصّ،من قولهم:حصّ شعره،إذا استأصل قطعة منه،و الحصّة، أي القطعة من الشّيء،فمعنى حَصْحَصَ الْحَقُّ انقطع عن الباطل بظهوره.(6:154)

نحوه الطّبرسيّ(3:240)،و القرطبيّ(9:208).

الميبديّ: و قالت زليخا:الآن ظهر الصّدق،و الحقّ من الباطل.(5:80)

الزّمخشريّ: أي ثبت و استقرّ.و قرئ (حصحص) على البناء للمفعول،و هو من حصحص البعير،إذا ألقى ثفناته للإناخة.[ثمّ استشهد بشعر](2:326)

نحوه ابن عطيّة(3:253)،و البيضاويّ(1:499)، و أبو السّعود(3:402)،و القاسميّ(9:3552)، و الآلوسيّ(12:259).

الفخر الرّازيّ: معناه:وضح و انكشف و تمكّن في القلوب و النّفوس،من قولهم:حصحص البعير في

ص: 373

بروكه،إذا تمكّن و استقرّ في الأرض.(18:153)

نحوه النّيسابوريّ(13:12)،و البروسويّ(4:

272).

أبو حيّان :و قرئ (حصحص) على البناء للمفعول، أقرّت على نفسها بالمراودة و التزمت الذّنب،و أبرأت يوسف البراءة التّامّة.(5:317)

معصوم المدنيّ: هذا النّوع[الفرائد]يختصّ بالفصاحة دون البلاغة،لأنّه عبارة عن الإتيان بلفظة فصيحة،تتنزّل منزلة الفريدة من القصيدة،و هي الجوهرة الّتي لا نظير فيها،تدلّ على عظم فصاحة المتكلّم و قوّة عارضته،و جزالة غريبته؛بحيث لو أسقطت من الكلام عري من الفصاحة،كقوله تعالى:

اَلْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ يوسف:51،فلفظة (حصحص)فريدة،يعسر على الفصحاء الإتيان بمثلها في مكانها.(5:267)

فريد وجدي:أي ثبت و استقرّ،من حصحص البعير،إذا ألقى مباركه ليناخ،أو معناه ظهر،من حصّ شعره،إذا استأصله؛بحيث تظهر بشرة رأسه.(311)

المصطفويّ: انفصل الحقّ من الباطل و تبيّن و اتّضح.(2:245)

فضل اللّه :بانت حصّة الحقّ.(12:222)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحصحصة،أي تحريك التّراب و فحصه،يقال:حصحصت التّراب و غيره،أي حرّكته و فحصته يمينا و شمالا.و الحصحص:التّراب، يقال:الحصحص لفلان،أي التّراب له،و بفيه الحصحص:التّراب،كما يطلق على الحجارة أيضا للمقاربة.

و الحصحصة:تحريك البعير ركبتيه في التّراب للنّهوض بالثّقل،ثمّ عمّم في تحريك الشّيء في الشّيء حتّى يستمكن و يستقرّ فيه،يقال:تحصحص،أي لزق بالأرض و استوى.

و الحصحصة:بيان الحقّ بعد كتمانه،و قد حصحص، تشبيها بتحريك التّراب و فحصه،فاستقرّ بعد ظهوره و استوى.

و قيل:هو من الحصّة،أي بانت حصّة الحقّ من حصّة الباطل،و هو بعيد.

و حصحص الرّجل:أسرع في سيره،و ذهب في الأرض،و بالغ في أمره،و كلّ ذلك يفيد الاستمكان و الثّبات.

2-و قرب حصحاص:بعيد،و هو سير اللّيل لورد الغد،و سير حصحاص أيضا:سريع ليس فيه فتور.

و كلاهما من«ح ث ح ث».يقال:منه:قرب حثحاث:

شديد،و قرب حثحاث أيضا:سريع ليس فيه فتور.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«حصحص»مرّة في آية:

...قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ...

يوسف:51

يلاحظ أوّلا:أنّه من المفردات الوحيدة الجذر في القرآن،و فيه بحوث:

ص: 374

1-فسّروه بمعان،منها:تبيّن،و وضح،و انكشف، و برز،و بان،و ظهر،و ثبت و استقرّ،و كلّ ذلك من قولهم:حصحصت التّراب،أي حرّكته و فحصته يمينا و شمالا،أو من:حصحص البعير إذا لزق ركبتيه في التّراب حين النّهوض حتّى يثبتا و يستقرّا فيه.

2-قال الزّمخشريّ: «قرئ (حصحص) على البناء للمفعول،و هو من:حصحص البعير،إذا ألقى ثفناته للإناخة».و القراءة المشهورة أنسب للحال و أبين للمقال،لأنّ زليخا وقفت موقفا أبانت فيه الحقّ، و كشفت ما خفي من أمرها و أمر يوسف،و لا يستقيم ذلك إلاّ بمعنى واضح و معلوم مثل:(حصحص)،و ليس بمعنى مبهم و مجهول نحو«حصحص»،و لم يقرّه الخليل أيضا.

3-جاءت(حصحص)وحيدة الجذر،فريدة المعنى،و نظيرها(دمدم)في قوله: فَكَذَّبُوهُ فَعَقَرُوها فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها الشّمس:14، و(عسعس): وَ اللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ التّكوير:17.

و قال ابن معصوم في باب الفرائد:«هذا النّوع يختصّ بالفصاحة دون البلاغة،لأنّه عبارة عن الإتيان بلفظة فصيحة،تتنزّل منزلة الفريدة من القصيدة،و هي الجوهرة الّتي لا نظير لها،تدلّ على عظم فصاحة المتكلّم و قوّة عارضته،و جزالة غريبته؛بحيث لو أسقطت من الكلام عري من الفصاحة،كقوله تعالى: اَلْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ، فلفظة(حصحص)فريدة يعسر على الفصحاء الإتيان بمثلها في مكانها».

ثانيا:أرجع الطّبريّ و الزّجّاج و الطّوسيّ (حصحص)إلى«ح ص ص»،فقال الطّبريّ: «أصل الحصّ استئصال الشّيء،يقال منه:حصّ شعره،إذا استأصله جزّا،و إنّما أريد في هذا الموضع(حصحص الحقّ)ذهب الباطل و الكذب فانقطع،و تبيّن الحقّ فظهر».

و قال الزّجّاج:«اشتقاقه في اللّغة من«الحصّة»،أي بانت حصّة الحقّ و جهته من جهة الباطل».

و هو مذهب ذهب إليه بعض اللّغويّين و منهم ابن فارس،فقال في باب ما جاء من كلام العرب على أكثر من ثلاثة أحرف أوّله باء:«اعلم أنّ للرّباعيّ و الخماسيّ مذهبا في القياس يستنبطه النّظر الدّقيق؛و ذلك أنّ أكثر ما تراه منه منحوت،و معنى النّحت أن تؤخذ كلمتان و تنحت منهما كلمة تكون آخذة منهما جميعا بحظّ، و الأصل في ذلك ما ذكره الخليل من قولهم:حيعل الرّجل،إذا قال:حيّ على (1)».

ثالثا:ينبئ الفعل(حصحص)بصيغته أنّه يفيد المبالغة و الزّيادة في الظّهور و البيان،قال الصّغانيّ:

«الحصحصة:أن يلزق الرّجل بك و يلحّ عليك»،و قال ابن سيده:«رجل حصحص و حصحوص:يتتبّع دقائق الأمور فيعلمها و يحصيها،و الحصحصة:بيان الحقّ بعد كتمانه و قد حصحص،و لا يقال:حصحص».

و كما أنّ(حصحص)فريد في معناه،فهو وحيد في لفظه كذلك،إذ كرّر فيه الحاء و الصّاد على«فعلل»، و كلاهما حرف مهموس رخو،و يفوق الصّاد نظيره بأنّه من حروف الصّفير الّتي تتّصف بدرجة كبيرة من الرّخاوة و الاتّساع،فتضافر اللّفظ و المعنى في صياغته.).

ص: 375


1- مقاييس اللّغة(1:328).

ص: 376

ح ص د

اشارة

5 ألفاظ،6 مرّات:5 مكّيّة،1 مدنيّة

في 6 سور مكّيّة

حصدتم 1:1 الحصيد 1:1

حصيد 1:1 حصيدا 2:2

حصاده 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحصد:جزّ البرّ و نحوه،و قتل النّاس أيضا حصد.و قول اللّه تعالى: جَعَلْناهُمْ حَصِيداً الأنبياء:15،أي كالحصيد المحصود.

و الحصيدة:المزرعة إذا حصدت كلّها؛و الجمع:

الحصائد.

و قوله تعالى: وَ حَبَّ الْحَصِيدِ ق:9،أي و حبّ البرّ المحصود.

و أحصد البرّ،إذا أنى حصاده،أي حان وقت جزازه.

و الحصاد:اسم البرّ المحصود،و بعد ما يحصد.

و قوله تعالى: يَوْمَ حَصادِهِ الأنعام:141، و(حصاده)يريد:الوقت للجزاز.

و الأحصد:المحصد،و هو المحكم فتله و صنعته،من حبل و درع و نحوه.

و يقال للخلق الشّديد:أحصد،فهو محصد و مستحصد،وتر أحصد.

و الدّرع الحصداء:المحكمة.[و استشهد بالشّعر ثلاث مرّات](3:112)

الأصمعيّ: المحصد:الشّديد الفتل.

(الأضداد:88)

الحصاد:نبت له قصب ينبسط في الأرض،له وريقة على طرف قصبه.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:229)

اللّحيانيّ: حصد الزّرع و غيره من النّبات يحصده و يحصده حصدا و حصادا و حصادا:قطعه بالمنجل.

(ابن سيده 3:140)

ص: 377

عن أبي طيبة:«و حصد الرّجل حصدا:مات.

و قال:هي لغتنا».و إنّما قال هذا،لأنّ لغة الأكثر إنّما هو:

عصد.(ابن سيده 3:141)

ابن الأعرابيّ: أحصد الزّرع و استحصد سواء.

(ابن سيده 3:140)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«و هل يكبّ النّاس على مناخرهم في نار جهنّم إلاّ حصائد ألسنتهم».

الحصائد:ما قاله اللّسان،و قطع به على النّاس.

(1:463)

[ذكر كما عند الأزهريّ و أضاف:]

شبّه بما يحصد من الزّرع إذا جزّ.

(الأزهريّ 4:229)

ابن السّكّيت: يقال للقوم إذا اجتمعوا:قد اعصوصبوا،و استحصفوا،و استحصدوا.

و يقال:غيضة حصدة،إذا كانت كثيرة النّبت ملتفّة.

(52)

و يقال:استحصد عليه،إذا انفتل عليه غضبا.

و يقال:استحصد حبله،إذا غضب.(79)

حصاد و حصاد،بمعنى واحد.(إصلاح المنطق:104)

شمر:الحصد:شجر.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 4:229)

الدّينوريّ: الحصيد:الّذي حصدته الأيدي.

(ابن سيده 3:141)

الحصاء يشبه السّبط.(ابن سيده 3:142)

ابن دريد :الحصد،من قولهم:حصدت الزّرع و غيره أحصده و أحصده حصدا و حصادا،فأنا حاصد.

و الحصد:الشّيء المحصود،و الزّرع حصيد و محصود.

و جمع حاصد:حصّاد و حصدة.

و يقال:جاء زمن الحصاد و الحصاد.

و المحصد:المنجل الّذي يحصد به؛و الجمع:

محاصد.

و أحصدت الحبل إحصادا فهو محصد،إذا فتلته.

و رجل محصد الرّأي:سديده.

و درع حصداء:ضيّقة الحلق.

و قد سمّت العرب حصيدا و حصيدة.(2:122)

الأزهريّ: حصاد كلّ شجرة:ثمرتها،و حصاد البقول البرّيّة:ما تناثر من حبّتها عند هيجها.

و حصاد البروق:حبّة سوداء.[إلى أن قال:]

و قول اللّه عزّ و جلّ: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ الأنعام:141،يريد-و اللّه أعلم-يوم حصده و جزازه، يقال:حصاد و حصاد،و جزاز و جزاز،و جداد و جداد، و قطاف و قطاف.

و رأي مستحصد:محكم.

و استحصد أمر القوم و استحصف،إذا استحكم.

و يقال:أحصد الزّرع،إذا آن حصاده.

و حصده و احتصده بمعنى واحد،و استحصد الزّرع و أحصد،واحد.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(الأزهريّ 4:227)

الصّاحب:الحصد:جزّك البرّ و النّبات.

و الحصيدة:المزرعة إذا حصدت؛و الجميع:

الحصائد،من قوله تعالى: وَ حَبَّ الْحَصِيدِ ق:9، يعني:حقّ البرّ المحصود.

ص: 378

و حصد البرّ:حان حصاده.و الحصاد:اسم للبرّ المحصود.

و قتلى النّاس:حصيد،من قوله عزّ و جلّ:

جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ الأنبياء:15.

و حصد يحصد:في معنى عصد،أي مات.

و الحصد:مصدر الشّيء المحصد،و هو المحكم الفتل،من الحبال و الأوتار و الدّروع،و أحصد فهو محصد و حصيد مستحصد.و الدّرع الحصداء.

و استحصد القوم:اجتمعوا.

و استحصد فلان على فلان:غضب.

و الحصاد:نبت شبه السّبط،و هو أيضا شجرة مثل النّصيّ.(2:452)

الجوهريّ: حصدت الزّرع و غيره أحصده و أحصده حصدا،و الزّرع محصود و حصيد و حصيدة، و حصد بالتّحريك.

و«حصائد ألسنتهم»الّتي في الحديث،هو ما قيل في النّاس باللّسان و قطع به عليهم.

و المحصد:المنجل.

و أحصد الزّرع و استحصد:حان له أن يحصد.و هذا زمن الحصاد و الحصاد.

و حبل محصد،أي محكم مفتول،و حصد بكسر الصّاد.

و استحصد الحبل،أي استحكم.

و استحصد القوم،أي اجتمعوا و تظافروا.

و أحصدت الحبل:فتلته.

و رجل محصد الرّأي،أي سديده.(2:465)

ابن فارس:الحاء و الصّاد و الدّال أصلان:أحدهما قطع الشّيء،و الآخر إحكامه،و هما متفاوتان.

فالأوّل:حصدت الزّرع و غيره حصدا،و هذا زمن الحصاد و الحصاد.و في الحديث:«و هل يكبّ النّاس الحديث».فإنّ الحصائد جمع حصيدة،و هو كلّ شيء قيل في النّاس باللّسان و قطع به عليهم.و يقال:حصدت و احتصدت،و الرّجل محتصد.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأصل الآخر:قولهم:حبل محصد،أي ممرّ مفتول.

و من الباب شجرة حصداء،أي كثيرة الورق، و درع حصداء.محكمة،و استحصد القوم،إذا اجتمعوا.

(2:71)

دخول الألف في الأفعال لوجوه:...و الوجه السّادس:أن يكون بالألف إخبارا عن مجيء وقت،نحو:

أحصد الزّرع:حان له أن يحصد.(الصّاحبيّ: 102)

الثّعالبيّ: فإذا كانت[الدّرع]محكمة صلبة،فهي قضّاء و حصداء.(256)

أحصد الزّرع:حان أن يحصد.(310)

ابن سيده: رجل حاصد،من قوم حصدة و حصّاد.

و الحصاد و الحصاد:أوان الحصد.و الحصاد و الحصيد و الحصد:الزّرع المحصود.

و أحصد الزّرع:حان له أن يحصد.و استحصد:دعا إلى ذلك من نفسه.

و الحصيدة:أسافل الزّرع الّتي لا يتمكّن منها المنجل.

و الحصيدة:المزرعة لأنّها تحصد...و قيل:هو الّذي انتزعته الرّياح فطارت به.

و المحصد:الّذي جفّ و هو قائم.و الحصد:ما أحصد

ص: 379

من النّبات و جفّ.

و حصدهم يحصدهم حصدا:قتلهم.

و الحصد:اشتداد الفتل و استحكام الصّناعة في الأوتار و الحبال و الدّروع.حبل أحصد و حصد و محصد و مستحصد.

و رجل محصد الرّأي:محكمه-على التّشبيه بذلك.

و استحصد حبله:اشتدّ غضبه.

و درع حصداء:صلبة شديدة.

و استحصد القوم:اجتمعوا.

و الحصاد:نبات ينبت في البراق على نبتة الخافور يحبط الغنم.و قال أبو حنيفة:يشبه السّبط.

و الحصد:نبات أو شجر.

و حكى ابن جنّيّ عن أحمد بن يحيى:حاصود و حواصيد،و لم يفسّره و لا أدري ما هو.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](3:140)

حصد الحبل يحصد حصدا و أحصد و استحصد:

اشتدّ فتله،فهو حصد و حصيد و أحصد و محصد و مستحصد؛و درع حصداء.(الإفصاح 2:1013)

حصده يحصده حصدا و حصادا،و احتصده:قطعه.

(الإفصاح 2:1081)

الرّاغب: أصل الحصد:قطع الزّرع،و زمن الحصاد و الحصاد،كقولك:زمن الجداد و الجداد.و قال تعالى:

وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ الأنعام:141،فهو الحصاد المحمود في إبّانه.

و قوله عزّ و جلّ: حَتّى إِذا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَها وَ ازَّيَّنَتْ وَ ظَنَّ أَهْلُها أَنَّهُمْ قادِرُونَ عَلَيْها أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ يونس:

24،فهو الحصاد في غير إبّانه على سبيل الإفساد.

و منه استعير:حصدهم السّيف.

و قوله عزّ و جلّ: مِنْها قائِمٌ وَ حَصِيدٌ هود:100، و(حصيد)إشارة إلى نحو ما قال: فَقُطِعَ دابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الأنعام:45،و حَبَّ الْحَصِيدِ ق:9،أي ما يحصد ممّا منه القوت.

و قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«و هل يكبّ النّاس الحديث»فاستعارة.

و حبل محصد،و درع حصداء،و شجرة حصداء، كلّ ذلك منه.

و تحصّد القوم:تقوّى بعضهم ببعض.(120)

الزّمخشريّ: حصد الزّرع:جزّه،فهو حصيد؛ و جمعه:حصائد.

و هذا زمان الحصاد، وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ الأنعام:141.

و أخذوا حصاد الشّجر،أي ثمره.و أحصد الزّرع و استحصد.

و أحصد الحبل و أحصفه،و حبل محصد:محصف.

و قد استحصد الحبل،إذا استحكم فتله.

و من المجاز:حصدهم بالسّيف:قتلهم،«و هل يكبّ النّاس الحديث».

و من زرع الشّرّ حصد النّدامة.

(أساس البلاغة:85)

ابن الأثير: و منه حديث الفتح:«فإذا لقيتموهم غدا أن تحصدوهم حصدا»أي تقتلوهم و تبالغوا في قتلهم و استئصالهم،مأخوذ من:حصد الزّرع.

ص: 380

و منه حديث ظبيان:«يأكلون حصيدها».الحصيد:

المحصود،«فعيل»بمعنى«مفعول».(1:394)

الفيّوميّ: [نحو الجوهريّ ثمّ قال:]

حصدت الزّرع حصدا من باب:ضرب و قتل،فهو محصود و حصيد،و حصد بفتحتين.

و هذا أوان الحصاد و الحصاد.

و أحصد الزّرع بالألف و استحصد،إذا حان حصاده، فهو محصد و مستحصد بالكسر اسم فاعل.

و الحصيدة:موضع الحصاد.

و حصدهم بالسّيف:استأصلهم.(1:138)

نحوه الطّريحيّ.(3:38)

الفيروزآباديّ: حصد الزّرع و النّبات يحصده و يحصده حصدا و حصادا و حصادا:قطعه بالمنجل كاحتصده،و هو حاصد من حصدة و حصّاد.

و الحصاد:أوانه و يكسر،و نبت يخبط للغنم، و الزّرع المحصود كالحصد و الحصيد و الحصيدة.

و أحصد:حان أن يحصد كاستحصد،و الحبل:فتله.

و الحصيدة:أسافل الزّرع الّتي لا يتمكّن منها المنجل،و المزرعة.

و المحصد كمجمل:ما جفّ و هو قائم.

و الحصد محرّكة:نبات،و ما جفّ من النّبات، و اشتداد الفتل،و استحكام الصّناعة في الأوتار و الحبال و الدّروع.

حبل أحصد و حصد و محصد و مستحصد،و درع حصداء:ضيّقة الحلق محكمة،و شجرة حصداء:كثيرة الورق.

و حصد:مات.

و استحصد:غضب،و القوم:اجتمعوا و تظافروا، و الحبل:استحكم.

و كمنبر:المنجل.

و محصد الرّأي كمجمل:سديده.(1:298)

مجمع اللّغة :حصد الزّرع يحصده و يحصده حصدا و حصادا:قطعه في إبّان نضجه.

و يستعمل الحصد لغير الزّرع بمعنى القطع و الاستئصال،و الحصيد:ما يحصد،أي يقطع و يستأصل.

(1:266)

العدنانيّ: الحصاد و الحصاد و يخطّئون من يسمّي أوان الحصد:حصادا،و يقولون:إنّ الصّواب:هو الحصاد،و لكنّ الكلمتين كلتيهما صحيحتان.قال تعالى في الآية:141،من سورة الأنعام: كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ.

و ممّن ذكر«الحصاد»أيضا:المصحف المفسّر لمحمّد فريد وجدي،و معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الصّحاح، و معجم مقاييس اللّغة،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ، و الأساس،و النّهاية،و محيط المحيط،و أقرب الموارد، و المتن،و الوسيط.

و ممّن ذكر«الحصاد»:تفسير الجلالين،و المصحف المفسّر لوجدي،و الحديث الّذي جاء فيه«أنّه نهى عن حصاد اللّيل».

و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و النّهاية،و المختار،و اللّسان، و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،

ص: 381

و أقرب الموارد،و المتن.

أمّا فعله فهو:حصد الزّرع يحصده و يحصده حصدا.

و حصادا،و حصادا.و الزّرع محصود،و حصيد، و حصيدة،و حصد.(156)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو أخذ ما وصل إلى حدّ الكمال،أي أخذ المحصول من كلّ شيء و قطعه.

و هذا المعنى يختلف باختلاف الموارد،موضوعا و كمالا،و أخذا.فيقال:حصد الزّرع،إذا بلغ إلى نهايته في انتاج المحصول،و حصد النّاس،إذا بلغوا نهاية الخلاف و الكفر في مشيهم،و حبل محصد،إذا بلغ نهاية الإحكام المتوقّع منه،و شجرة حصداء،إذا بلغت كمال الاخضرار،و استحصد القوم،إذا بلغوا إلى حدّ من الارتباط الكامل المتوقّع منهم.

و أمّا القطاف:فهو الأخذ من الثمار،و لا يقال:حصد الشّجر أو الثّمر.

و أمّا الجداد و الجذاذ و الجزاز،فليس فيها قيد المحصول أو الثّمر ملحوظا.

و أمّا قولهم:أحصد الزّرع و استحصد الزّرع، فالمعنى:أحصد الزّرع نفسه و طلب من نفسه الحصاد و بلوغ أوانه،فكأنّه جعل نفسه ذا حصاد،و هذا المعنى ببلوغ أوان كماله و اقتضائه الحصاد.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و لا يخفى تناسب المعنى فيما بين الحصد و الحصب و الحصّ و الحصر و الحصن،و الجهة الجامعة بينها هي مفهوم الافتراق و الفصل.(2:246)

النّصوص التّفسيريّة

حصدتم

قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تَأْكُلُونَ. يوسف:47

راجع:«ذ ر و-فذروه»

حصيد

ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَ حَصِيدٌ.

هود:100

ابن عبّاس: ما قد خرب و هلك أهلها.(191)

يعني بالقائم:قرى عامرة.و الحصيد:قرى خامدة.

(الطّبريّ 12:112)

الحصيد:الخاوية.(الماورديّ 2:502)

مجاهد :(قائم):خاوية على عروشها،(و حصيد):

مستأصل،يعني محصودا كالزّرع إذا حصد.[ثمّ استشهد بشعر](القرطبيّ 9:95)

قتادة :(قائم):يرى مكانه،و(حصيد):لا يرى له أثر.(الطّبريّ 12:112)

نحوه مقاتل(البغويّ 2:464)،و ابن زيد(الطّبريّ 12:112)،و الزّجّاج(3:77)،و السّجستانيّ(88)، و الواحديّ(2:589).

القائم:الآثار،و الحصيد:الدّارس.

(الماورديّ 2:503)

أبو بصير:عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قرأ (فمنها قائما و حصيدا) بالنّصب،ثمّ قال:يا أبا محمّد،لا يكون حصيدا إلاّ بالحديد.

ص: 382

[و في رواية أخرى](فمنها قائم و حصيد) (1)أ يكون الحصيد إلاّ بالحديد.(العيّاشيّ 2:322)

الأعمش:الحصيد:ما قد خرّ بنيانه.

(الطّبريّ 12:112)

ابن جريج:حصيد:ملزق بالأرض.

(الطّبريّ 12:112)

الفرّاء: فالحصيد كالزّرع المحصود.و يقال:

حصدهم بالسّيف كما يحصد الزّرع.(2:27)

ابن قتيبة :(قائم)أي ظاهر للعين، وَ حَصِيدٌ قد أبيد و حصد.(209)

الطّبريّ: منها بنيانه بائد بأهله هالك،و منها قائم بنيانه عامر،و منها حصيد بنيانه خراب متداع،قد تعفى أثره دارس،من قولهم:زرع حصيد،إذا كان قد استؤصل قطعه،و إنّما هو محصود،و لكنّه صرف إلى«فعيل».

(12:112)

أبو مسلم الأصفهانيّ: (منها قائم)على بنائه لم يذهب أصلا و إن كان خاليا من أهله،(و حصيد)قد خرب و ذهب و اندرس أثره كالشّيء المحصود.

(الطّبرسيّ 3:191)

الطّوسيّ: فالقائم:المعمور،و الحصيد:الخراب من تلك الدّيار،لأنّ الإهلاك قد أتى عليها و لم تعمر فيما بعد.

و قيل: مِنْها قائِمٌ على بنائه و إن كان خاليا من أهله،و الحصد:قطع الزّرع من الأصل،فالحصيد منهم كالزّرع المحصود،و حصدهم بالسّيف،إذا قتلهم.

(6:61)

نحوه الطّبرسيّ.(3:191)

البغويّ: قائِمٌ: عامر، وَ حَصِيدٌ: خراب.

و قيل:(منها قائم):بقيت الحيطان و سقطت السّقوف، (و حصيد)أي انمحى أثره.(2:464)

الزّمخشريّ: (منها)الضّمير للقرى،أي بعضها باق و بعضها عافي الأثر،كالزّرع القائم على ساقه و الّذي حصد.(2:291)

نحوه الفخر الرّازيّ.(18:56)

ابن عطيّة: [نقل قول ابن عبّاس الثّاني و معنى قول قتادة و ابن جريج ثمّ قال:]

و الآية بجملتها متضمّنة التّخويف،و ضرب المثل للحاضرين من أهل مكّة و غيرهم.(3:205)

العكبريّ: وَ حَصِيدٌ: مبتدأ خبره محذوف،أي و منها حصيد،و هو بمعنى محصود.(2:713)

أبو السّعود :أي و منها حصيد،حذف لدلالة الأوّل عليه،شبّه ما بقي منها بالزّرع القائم على ساقه، و ما عفا و بطل بالحصيد.(3:350)

الآلوسيّ: أي و منها حصيد،فالعطف من عطف الجملة على الجملة،و هو الّذي يقتضيه المعنى،كما لا يخفى.[ثمّ قال:نحو الزّمخشريّ](12:135)

الطّباطبائيّ: الحصد:قطع الزّرع،شبّهها بالزّرع يكون قائما و يكون حصيدا،و المعنى:إن كان المراد بالقرى نفسها أنّ من القرى الّتي قصصنا أنباءها عليك، ما هو قائم لم تذهب بقايا آثارها الّتي تدلّ عليها بالمرّة، كقرى قوم لوط حين نزول قصّتهم في القرآن كما قال:

وَ لَقَدْ تَرَكْنا مِنْها آيَةً بَيِّنَةً لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ العنكبوت:م.

ص: 383


1- جاء في«نور الثّقلين للعروسيّ»بدون الاستفهام.

35،و قال: وَ إِنَّكُمْ لَتَمُرُّونَ عَلَيْهِمْ مُصْبِحِينَ* وَ بِاللَّيْلِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ الصّافّات:137-138،و منها ما انمحت آثاره و انطمست أعلامه كقرى قوم نوح و عاد.

و إن كان المراد ب(القرى):أهلها،فالمعنى:أنّ من تلك الأمم و الأجيال من هو قائم لم يقطع دابرهم البتّة، كأمّة نوح و صالح،و منهم من قطع اللّه دابرهم كقوم لوط،لم ينج منهم إلاّ أهل بيت لوط،و لم يكن لوط منهم.(11:6)

مكارم الشّيرازيّ: كلمة قائِمٌ: تشير إلى المدن و العمارات الّتي لا تزال باقية من الأقوام السّابقين، كأرض مصر الّتي كانت مكان الفراعنة و لا تزال آثار أولئك الظّالمين باقية بعد الغرق،فالحدائق و البساتين و كثير من العمارات المذهلة قائمة بعدهم.

و كلمة حَصِيدٌ: معناها اللّغويّ قطع النّباتات بالمنجل،و في هذه الكلمة إشارة إلى بعض الأراضي البائرة،كأرض قوم نوح و أرض قوم لوط؛حيث إنّ واحدة منهما دمّرها الغرق،و الثّانية أمطرت بالحجارة.

(7:54)

الحصيد

وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنّاتٍ وَ حَبَّ الْحَصِيدِ. ق:9

ابن عبّاس: الحبوب كلّها الّتي تحصد.(438)

مجاهد : وَ حَبَّ الْحَصِيدِ: الحنطة.

(الطّبريّ 26:152)

مثله ابن عطيّة.(5:158)

الضّحّاك: وَ حَبَّ الْحَصِيدِ: البرّ و الشّعير.

(القرطبيّ 17:6)

مثله قتادة.(الطّبريّ 26:152)

الفرّاء: و الحبّ هو الحصيد،و هو ممّا أضيف إلى نفسه،مثل قوله: إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ الواقعة:

95،و مثله: وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ق:

16،و الحبل هو الوريد بعينه،أضيف إلى نفسه لاختلاف لفظ اسميه.(3:76)

نحوه السّجستانيّ.(176)

ابن قتيبة :أراد:و الحبّ الحصيد،فأضاف الحبّ إلى الحصيد،كما يقال:صلاة الأولى،يراد:الصّلاة الأولى.و يقال:مسجد الجامع،يراد:المسجد الجامع.

(415)

نحوه الطّوسيّ.(9:360)

الطّبريّ: و حبّ الزرع المحصود من البرّ و الشّعير، و سائر أنواع الحبوب.(26:152)

الزّجّاج: أي و أنبتنا فيها حبّ الحصيد،فجمع بذلك جميع ما يقتات به من حبّ الحنطة و الشّعير،و كلّ ما حصد.(5:43)

الماورديّ: يعني البرّ و الشّعير،و كلّ ما يحصد من الحبوب،إذا تكامل و استحصد سمّي حصيدا.[ثمّ استشهد بشعر](5:342)

الزّمخشريّ: و حبّ الزّرع الّذي من شأنه أن يحصد و هو ما يقتات به من نحو الحنطة و الشّعير و غيرهما.(4:4)

نحوه البيضاويّ(2:413)،و النّيسابوريّ(26:

ص: 384

77)،و الشّربينيّ(4:81)،و الكاشانيّ(5:59).

الفخر الرّازيّ: فيه حذف،تقديره:و حبّ الزّرع الحصيد،و هو المحصود،أي أنشأنا جنّات يقطف ثمارها و أصولها باقية،و زرعا يحصد كلّ سنة و يزرع في كلّ عام أو عامين.

و يحتمل أن يقال:التّقدير:و ننبت الحبّ الحصيد؛ و الأوّل هو المختار.(28:157)

العكبريّ: أي و حبّ النّبت المحصود،و حذف الموصوف.

و قال الفرّاء:هو في تقدير صفة الأوّل،أي و الحبّ الحصيد.و هذا بعيد،لما فيه من إضافة الشّيء إلى نفسه، و مثله:حبل الوريد،أي حبل العرق الوريد،و هو «فعيل»بمعنى«فاعل»أي وارد،أو بمعنى مورود فيه.

(2:1174)

الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال تعالى: وَ حَبَّ الْحَصِيدِ و أراد به الحبّ الحصيد،فأضاف الشّيء إلى نفسه،و الإضافة تقتضي المغايرة بين المضاف و المضاف إليه؟

قلنا:معناه:و حبّ الزّرع الحصيد أو النّبات الحصيد.

الثّاني:أنّ إضافة الشّيء إلى نفسه جائزة عند اختلاف اللّفظين،كما في قوله تعالى: حَقُّ الْيَقِينِ الواقعة:95،و حَبْلِ الْوَرِيدِ ق:16،و وَ الدّارُ الْآخِرَةُ الأعراف:169،و وَعْدَ الصِّدْقِ الأحقاف:16.(مسائل الرّازيّ 322)

القرطبيّ: التّقدير:و حبّ النّبت الحصيد،و هو كلّ ما يحصد.هذا قول البصريّين.و قال الكوفيّون:هو من باب إضافة الشّيء إلى نفسه،كما يقال:مسجد الجامع، و ربيع الأوّل،و حبّ اليقين،و حبل الوريد و نحوها،قاله الفرّاء.

و الأصل:الحبّ الحصيد،فحذفت الألف و اللاّم و أضيف المنعوت إلى النّعت.(17:6)

أبو حيّان :أي الحبّ الحصيد،فهو من حذف الموصوف و إقامة الصّفة مقامه،كما يقوله البصريّون، و الحصيد:كلّ ما يحصد ممّا له حبّ كالبرّ و الشّعير.

(8:121)

أبو السّعود :أي حبّ الزّرع الّذي شأنه أن يحصد من البرّ و الشّعير و أمثالهما.و تخصيص إنبات حبّه بالذّكر،لأنّه المقصود بالذّات.(6:124)

نحوه القاسميّ.(15:5486)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

فالإضافة لما بينهما من الملابسة،و الحصيد بمعنى المحصود،صفة لموصوف مقدّر،كما أشرنا إليه،فليس من قبيل مسجد الجامع،و لا من مجاز الأوّل كما توهّم، و تخصيص إنبات حبّه بالذّكر،لأنّه المقصود بالذّات.

(26:176)

الطّباطبائيّ: المحصود من الحبّ و هو من إضافة الموصوف إلى الصّفة،و المعنى ظاهر.(18:341)

فضل اللّه :الّذي يزرعه النّاس فيتحوّل إلى سنابل يحصدونها و يجدون فيه الغذاء الّذي يبني أجسادهم.

(21:176)

مكارم الشّيرازيّ: أمّا حَبَّ الْحَصِيدِ فإشارة إلى الحبوب الّتي تعدّ مادّة أساسيّة لغذاء الإنسان كالحنطة

ص: 385

و الشّعير و الذّرّة و غيرها.(17:18)

حصيدا

1- ...أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ... يونس:24

ابن عبّاس: كحصيد الصّيف.(172)

لا شيء فيها.(الفخر الرّازيّ 17:74)

الضّحّاك: يعني المحصود.(الفخر الرّازيّ 17:74)

أبو عبيدة :أي مستأصلين،و الحصيد من الزّرع و النّبات:المجذوذ من أصله،و هو يقع أيضا لفظه على لفظ الجميع من الزّرع و النّبات،فجاء في هذه الآية على معنى الجميع.و قد يقال:حصائد الزّرع:اللّواتي تحصد.

(1:277)

الطّبريّ: يعني مقطوعة مقلوعة من أصولها،و إنّما هي محصودة،صرفت إلى حصيد.(11:102)

نحوه الثّعلبيّ.(5:127)

الشّريف الرّضيّ: استعارة أخرى لأنّ الحصيد من صفة النّبات لا من صفة الأرض،و المعنى:فجعلنا نباتها كذلك.فاكتفى بذكر الأرض من ذكر النّبات،لأنّ النّبات فيها،و منشؤه منها.(43)

الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:ذاهبا،الثّاني:

يابسا.(2:430)

نحوه ابن كثير.(3:459)

الواحديّ: محصودا لا شيء فيها،و الحصيد:

المقطوع المستأصل.(2:544)

مثله ابن الجوزيّ.(4:21)

البغويّ: أي محصودة مقطوعة.(2:416)

الزّمخشريّ: شبيها بما يحصد من الزّرع في قطعه و استئصاله.(2:233)

مثله النّيسابوريّ(11:72)،و نحوه البيضاويّ(1:

444)،و أبو السّعود(3:231)،و الكاشانيّ(2:399).

ابن عطيّة: حَصِيداً «فعيل»بمعنى«مفعول».

و عبّر ب«حصيد»عن التّالف الهالك من النّبات،و إن لم يهلك بحصاد؛إذ الحكم فيهما واحد،و كأنّ الآفة حصدته قبل أوانه.(3:114)

الطّبرسيّ: أي محصودة،و معناها مقطوعة مقلوعة ذاهبة يابسة.(3:103)

نحوه شبّر.(3:150)

الفخر الرّازيّ: [نقل قول الضّحّاك ثمّ قال:]

و على هذا،المراد بالحصيد:الأرض الّتي حصد نبتها.و يجوز أن يكون المراد بالحصيد:النّبات.

(17:74)

القرطبيّ: فَجَعَلْناها حَصِيداً مفعولان،أي محصودة مقطوعة لا شيء فيها.و قال:«حصيدا»و لم يؤنّث،لأنّه«فعيل»بمعنى«مفعول».(8:328)

ابن كثير :أي يابسا بعد الخضرة و النّضارة.

(3:495)

أبو حيّان :الحصيد:«فعيل»بمعنى«مفعول»،أي المحصود،و لم يؤنّث كما لم تؤنّث امرأة جريح،و عبّر ب«حصيد»عن التّالف استعارة،جعل ما هلك من الزّرع بالآفة قبل أوانه حصيدا لعلاقة ما بينهما من الطّرح على الأرض.

ص: 386

و قيل:يجوز أن تكون تشبيها بغير الأداة،و التّقدير:

فجعلناها كالحصيد.(5:144)

الآلوسيّ: أي شبيها بما حصد من أصله.و الظّاهر أنّ هذا من التّشبيه لذكر الطّرفين فيه،فإنّ المحذوف في قوّة المذكور.

و جوّز أن يكون هناك استعارة مصرّحة،و الأصل:

جعلنا نباتها هالكا فشبّه الهالك بالحصيد و أقيم اسم المشبّه به مقامه.و لا ينافيه تقدير المضاف كما توهّم،لأنّه لم يشبّه الزّرع بالحصيد بل الهالك به.

و ذهب السّكّاكيّ إلى أنّ في الكلام استعارة بالكناية؛ حيث شبّهت الأرض المزخرفة و المزيّنة بالنّبات النّاضر المونق الّذي ورد عليه ما يزيله و يفنيه،و جعل «الحصيد»تخيّلا،و لا يخفى بعده.(11:101)

فضل اللّه : حَصِيداً يتطاير في الهواء فلا يبقى هناك أيّ شيء في الأرض،فلا خضرة،و لا جمال، و لا حياة،و إنّما هو الموت المتمثّل في هذا الجفاف الّذي يأكل كلّ حيويّة في هذا الجوّ المعشب المليء بالخضرة و الحياة،فيتحوّل إلى أوراق يابسة لا تملك إلاّ أن تتحوّل إلى تراب خفيف تعبت به الرّيح الخفيفة و العاتية،فيتطاير هنا و هناك،و يذهب مع الرّيح في أجواء الفراغ و الضّياع.

(11:295)

2- فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ. الأنبياء:15

ابن عبّاس: كحصيد الصّيف.(269)

الحصاد.(الطّبريّ 17:9)

مجاهد:إنّهم كانوا أهل حصون،و إنّ اللّه بعث عليهم بخت نصّر،فبعث إليهم جيشا،فقتلهم بالسّيف، و قتلوا نبيّا لهم،فحصدوا بالسّيف.(الطّبريّ 17:9)

الحسن :بالعذاب.(الماورديّ 3:439)

قتادة :حتّى دمّر اللّه عليهم و أهلكهم.

حتّى هلكوا.(الطّبريّ 17:9)

أبو عبيدة :و الحصيد:مجازه مجاز المستأصل،و هو يوصف بلفظ واحد و الاثنين،و الجميع من الذّكر و الأنثى سواء،كأنّه أجري مجرى المصدر الّذي يوصف به الذّكر و الأنثى و الاثنان و الجميع منه على لفظه.و في آية أخرى:

كانَتا رَتْقاً الأنبياء:30،مثله.(2:36)

الطّبريّ: ...حتّى قتلهم اللّه،فحصدهم بالسّيف،كما يحصد الزّرع،و يستأصل قطعا بالمناجل.(17:9)

القمّيّ: بالسّيف و تحت ظلال السّيف،و هذا كلّه ممّا لفظه ماض و معناه مستقبل،و هو ممّا ذكرناه ممّا تأويله بعد تنزيله.(2:68)

السّجستانيّ: معناه-و اللّه أعلم-أنّهم حصدوا بالسّيف و الموت كما يحصد الزّرع،فلم يبق منهم بقيّة.

(124)

نحوه الواحديّ(3:232)،و البغويّ(3:285).

الشّريف الرّضيّ: في هذه الآية استعارتان،لأنّه سبحانه جعل القوم الّذين أهلكهم بعذابه بمنزلة النّبات المحصود الّذي أنيم بعد قيامه و أهمد بعد اشتطاطه و اهتزازه.

و الاستعارة الأخرى قوله تعالى: خامِدِينَ و الخمود من صفات النّار،كما كان الحصيد من صفات

ص: 387

النّبات،فكأنّه سبحانه شبّه همود أجسامهم بعد حراكها بخمود النّار بعد اشتعالها.

و قد يجوز أيضا-و اللّه أعلم-أن يكون المراد تشبيههم بالنّبات الّذي حصد ثمّ أحرق،فيكون ذلك أبلغ في صفتهم بالهلاك و البوار و إمحاء المعالم و الآثار، لاجتماع صفتي الحصد و الإحراق.[إلى أن قال:]

و قيل:معنى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً أي سلّط عليهم السّيف يختليهم كما تختلي الزّروع بالمنجل،و قد جاء في الكلام«جعله اللّه حصيد سيفك و أسير خوفك».(113)

الماورديّ: الحصيد:قطع الاستئصال كحصاد الزّرع.(3:439)

نحوه الطّوسيّ.(7:235)

الزّمخشريّ: الحصيد:الزّرع المحصود،أي جعلناهم مثل الحصيد،شبّههم به في استئصالهم و اصطلامهم،كما تقول:جعلناهم رمادا،أي مثل الرّماد،و الضّمير المنصوب هو الّذي كان مبتدأ،و المنصوبان بعده كانا خبرين له،فلمّا دخل عليها«جعل»نصبها جميعا على المفعوليّة.

فإن قلت:كيف ينصب«جعل»ثلاثة مفاعيل؟

قلت:حكم الاثنين الآخرين حكم الواحد،لأنّ معنى قولك:جعلته حلوا حامضا،جعلته جامعا للطّعمين،و كذلك معنى ذلك:جعلناهم جامعين لمماثلة الحصيد و الخمود.(2:565)

نحوه الفخر الرّازيّ.(22:147)

ابن عطيّة: أي بالعذاب...و الحصيد يشبّه بحصيد الزّرع بالمنجل الّذي ردّهم الهلاك كذلك.(4:76)

الطّبرسيّ: أي محصودا مقطوعا.(4:41)

مثله الطّباطبائيّ.(14:256)

العكبريّ: حَصِيداً مفعول ثان،و التّقدير:مثل حصيد،فلذلك لم يجمع،كما لا يجمع«مثل»المقدّر.

(2:913)

البيضاويّ: مثل الحصيد،و هو النّبت المحصود، و لذلك لم يجمع.(2:68)

نحوه أبو السّعود.(4:327)

النّيسابوريّ: الحصيد:المحصود،كقوله: مِنْها قائِمٌ وَ حَصِيدٌ شبّهوا بالزّرع المستأصل و النّار الّتي تخمد فتصير رمادا،أي جعلناهم مشبّهين بالمحصود و الخامد.

و وحّد(حصيدا)لأنّ المراد زرعا حصيدا،و لأنّ«فعيلا» قد يستوي فيه الواحد و الجمع.(17:9)

الشّربينيّ: كالزّرع المحصود بالمناجل،بأن قتلوا بالسّيف.

تنبيه:حصيد على وزن«فعيل»بمعنى«مفعول» و لذلك لم يجمع لأنّه يستوي فيه الجمع و غيره.

(2:499)

الآلوسيّ: أي إلى أن جعلناهم بمنزلة النّبات المحصود و النّار الخامدة في الهلاك،قاله العلاّمة الثّاني في «شرح المفتاح».

ثمّ قال:في ذلك استعارتان بالكناية بلفظ واحد، و هو ضمير(جعلناهم)حيث شبّه بالنّبات و بالنّار، و أفرد بالذّكر و أريد به المشبّه بهما،أعني النّبات و النّار، ادّعاء بقرينة أنّه نسب إليه الحصاد الّذي هو من خواصّ

ص: 388

النّبات،و الخمود الّذي هو من خواصّ النّار،و لا يجعل من باب التّشبيه مثل هم صمّ بكم عمي،لأنّ جمع (خامدين)جمع العقلاء ينافي التّشبيه؛إذ ليس لنا قوم خامدون يعتبر تشبيه أهل القرية بهم،إذ الخمود من خواصّ النّار بخلاف الصّمم مثلا،فإنّه يجعل بمنزلة هم كقوم صمّ،و كذا يعتبر(حصيدا)بمعنى محصودين على استواء الجمع و الواحد في«فعيل»بمعنى«مفعول»ليلائم (خامدين).نعم يجوز تشبيه هلاك القوم بقطع النّبات و خمود النّار،فيكون استعارة تصريحيّة تبعيّة في الوصفين انتهى.

و كذا في«شرح المفتاح»للسّيّد السّند بيد أنّه جوّز أن يجعل(حصيدا)فقط من باب التّشبيه بناء على ما في «الكشّاف»أي جعلناهم مثل الحصيد،كما تقول:

جعلناهم رمادا،أي مثل الرّماد.و جعل غير واحد إفراد الحصيد لهذا التّأويل،فإنّ مثلا لكونه مصدرا في الأصل يطلق على الواحد و غيره،و هو الخبر حقيقة في التّشبيه البليغ،و يلزم على ذلك صحّة:الرّجال أسد،و هو كما ترى.

و اعترض على قول الشّارحين:«إذ ليس لنا إلخ» بأنّ فيه بحثا مع أنّ مدار ما ذكراه من كون(خامدين) لا يحتمل التّشبيه،جمعه جمع العقلاء المانع من أن يكون صفة للنّار حتّى لو قيل:خامدة كان تشبيها،و قد صرّح به الشّريف في حواشيه،لكنّه محلّ تردّد،لأنّه لمّا صحّ الحمل في التّشبيه ادّعاء فلم لا يصحّ جمعه لذلك؟و لولاه لما صحّت الاستعارة أيضا.و ذهب العلاّمة الطّيّبيّ و الفاضل اليمنيّ إلى التّشبيه في الموضعين،ففي الآية أربعة احتمالات فتدبّر جميع ذلك.

و(خامدين)مع(حصيدا)في حيّز المفعول الثّاني ل«الجعل»كجعلته حلوا حامضا،و المعنى:جعلناهم جامعين للحصاد و الخمود،أو لمماثلة الحصيد و الخامد،أو لمماثلة الحصيد و الخمود،أو جعلناهم هالكين على أتمّ وجه،فلا يرد أنّ«الجعل»نصب ثلاثة مفاعيل هنا،و هو ممّا ينصب مفعولين،أو هو حال من الضّمير المنصوب في جعلناهم:أو من المستكنّ في حَصِيداً، أو هو صفة ل(حصيدا)و هو متعدّد معنى.

و اعترض بعضهم بأنّ كونه صفة له مع كونه تشبيها، أريد به ما لا يعقل يأباه كونه للعقلاء.(17:17)

ابن عاشور :و الحصيد:فعيل بمعنى مفعول،أي المحصود،و هذه الصّيغة تلازم الإفراد و التّذكير إذا جرت على الموصوف بها كما هنا.

و الحصد:جزّ الزّرع و النّبات بالمنجل لا باليد.و قد شاع إطلاق الحصيد على الزّرع المحصود بمنزلة الاسم الجامد.

و الخامد:اسم فاعل من خمدت النّار تخمد بضمّ الميم إذا زال لهيبها.

شبّهوا بزرع حصد،أي بعد أن كان قائما على سوقه خضرا،فهو يتضمّن قبل هلاكهم بزرع في حسن المنظر و الطّلعة،كما شبّه بالزّرع في قوله تعالى: كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرّاعَ، الفتح:29.

و يقال للنّاشئ:أنبته اللّه نباتا حسنا،قال تعالى:

وَ أَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً، آل عمران:37.فللإشارة إلى

ص: 389

الشّبهين شبه البهجة و شبه الهلك أوثر تشبيههم حين هلاكهم بالحصيد.

و كذلك شبّهوا حين هلاكهم بالنّار الخامدة فتضمن تشبيههم قبل ذلك بالنّار المشبوبة في القوّة و البأس كما شبّه بالنّار في قوله تعالى: كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ المائدة:64،و قوله تعالى: مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ ناراً البقرة:17.فحصل تشبيهان بليغان و ليسا باستعارتين مكنيتين لأنّ ذكر المشبّه فيهما مانع من تقوّم حقيقة الاستعارة خلافا للعلاّمتين التّفتازانيّ و الجرجانيّ في«شرحيهما للمفتاح»متمسّكين بصيغة جمعهم في قوله تعالى:جعلناهم:فجعلا ذلك استعارتين مكنيتين إذ شبّهوا بزرع حين انعدامه،و نار ذهب قوّتها و حذف المشبّه بهما و رمز إليهما بلازم كلّ منهما-و هو الحصد و الخمود-فكان حَصِيداً وصفا في المعنى للضّمير المنصوب في جعلناهم:فالحصيد هنا وصف ليس منزلا منزلة الجامد كالّذي في قوله تعالى:

وَ حَبَّ الْحَصِيدِ ق:9،و بذلك لم يكن قوله تعالى:

حَصِيداً من قبيل التّشبيه البليغ إذ لم يشبّهوا بحصيد زرع بل أثبت لهم أنّهم محصودون استعارة مكنيّة مثل نظيره في قوله تعالى: خامِدِينَ الّذي هو استعارة لا محالة كما هو مقتضى مجيئه بصيغة الجمع المذكّر،و مبنى الاستعارة على تناسي التّشبيه.و هذا تكلّف منهما و لم أدر ما ذا دعاهما إلى ارتكاب هذا التّكلّف.

و انتصب حَصِيداً خامِدِينَ على أنّ كليهما مفعول ثان مكرّر لفعل الجعل كما يخبر عن المبتدأ بخبرين و أكثر،فإنّ مفعولي«جعل»أصلهما المبتدأ و الخبر و ليس ثانيهما وصفا لأوّلهما،كما هو ظاهر.(17:22)

فضل اللّه :فحصدناهم و قطّعنا وجوههم من الأرض،في عمليّة إبادة و استئصال.(15:196)

حصاده

...كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ. الأنعام:141

ابن عبّاس: يوم كيله،و إن قرأت بنصب الحاء يقول:يوم يحصد.(120)

الفرّاء: بالكسر حجازيّة،و أهل نجد و تميم بالفتح.

[و هذا شاهد بارتباط القراءات باللّهجات]

(أبو زرعة:275)

الزّجّاج: يجوز الحصاد و الحصاد،و تقرأ بهما جميعا، و مثله الجداد و الجداد لصرام النّخل.(2:297)

نحوه أبو زرعة.(275)

الفارسيّ: اختلفوا في فتح الحاء و كسرها من قوله عزّ و جلّ يَوْمَ حَصادِهِ: فقرأ ابن كثير،و نافع، و حمزة،و الكسائيّ(حصاده)بكسر الحاء.

و قرأ عاصم،و أبو عمرو،و ابن عامر (حصاده) مفتوحة الحاء.

قال سيبويه:جاءوا بالمصادر حين أرادوا انتهاء الزّمان على مثال:فعال و ذلك الصّرام،و الجرام، و الجذاذ،و القطاع،و الحصاد،و ربّما دخلت اللّغة في بعض هذا،فكان فيه فعال و فعال.فقد تبيّنت ممّا قال:

إنّ الحصاد و الحصاد لغتان.[ثمّ استشهد بأشعار و بحث حولها](2:217)

ص: 390

نحوه الفخر الرّازيّ.(13:213)

[و فيه مباحث راجع ح ق ق:«حقّ»]

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحصد،و هو جزّ النّبات بالمحصد،أي بالمنجل،يقال:حصد الزّرع يحصده و يحصده حصدا و حصادا و حصادا،و احتصده،أي قطعه،فهو محصود و حصيد و حصيدة و حصد و حصاد، و رجل حاصد من قوم حصدة و حصّاد.و الحصاد و الحصاد:أوان الحصد،و أحصد الزّرع و استحصد:حان له أن يحصد.

و الحصد:ما أحصد من النّبات و جفّ،و المحصد:

الّذي قد جفّ و هو قائم.

و الحصيد:أسافل الزّرع الّتي تبقى،لا يتمكّن منها المنجل.

و الحصيدة:المزرعة إذا حصدت كلّها؛و الجمع:

حصائد.

ثمّ استعير الحصد للقتل.يقال:حصدهم يحصدهم و يحصدهم حصدا،أي قتلهم.

و منه اشتقّ الفتل و الإحكام أيضا.يقال:أحصدت الحبل،أي فتلته،و استحصد الحبل:استحكم،و حبل أحصد و حصد و محصد و مستحصد:محكم مفتول.

و وتر أحصد:شديد الفتل.

و درع حصداء:صلبة شديدة محكمة.

و يقال للخلق الشّديد:أحصد محصد حصد مستحصد.

و من المجاز:رجل محصد الرّأي:محكمه سديده، و رأي مستحصد:محكم،و استحصد أمر القوم و استحصف:استحكم،و استحصد القوم:اجتمعوا و تضافروا،و استحصد حبله:اشتدّ غضبه.

2-و زعم«آرثر جفري»أنّ الحصاد-قطع النّبات- سريانيّ المنشأ،و استعمله لأوّل مرّة الزّرّاع العرب القاطنون في المناطق الحدوديّة.و استدلّ على ذلك بعدم وروده في الشّعر العربيّ القديم،و باستعمال لفظ«الخضد» في جنوب الجزيرة العربيّة بهذا المعنى،أي الحصاد.

و لكن يردّه قول الأعشى:

قالوا البقيّة،و الهنديّ يحصدهم

و لا بقيّة إلاّ الثّار و انكشفوا

أي السّيف يقطع رقابهم،و هو تشبيه بحصد النّبات بالمحصد،كما تقدّم.

و لا شاهد له أيضا في استعمال«الخضد»بمعنى الحصاد في جنوب الجزيرة العربيّة،لأنّ أصل الخضد:انثناء العود اللّيّن،أمّا القطع فهو مجازيّ فيه.

انظر خ ض د:«مخضود».

الاستعمال القرآنيّ

جاءت فعلا ماضيا و مصدرا كلّ منهما مرّة و«فعيلا» 4 مرّات،في 6 آيات:

1- قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ... إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تَأْكُلُونَ يوسف:47

2- ...كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ... الأنعام:141

ص: 391

3- وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنّاتٍ وَ حَبَّ الْحَصِيدِ ق:9

4- ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْقُرى نَقُصُّهُ عَلَيْكَ مِنْها قائِمٌ وَ حَصِيدٌ هود:100

5- ...أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً أَوْ نَهاراً فَجَعَلْناها حَصِيداً... يونس:24

6- فَما زاَلَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ حَتّى جَعَلْناهُمْ حَصِيداً خامِدِينَ الأنبياء:15

يلاحظ أوّلا:فسّر(حصدتم)في(1)ب«جززتم» و«صرمتم»،و فيه بحوث:

1-أصله«حصدتموه»،فالواو زائدة،يؤتى بها لإشباع ضمّة الميم،و الهاء تعود على«ما»في(فما)إن كانت موصولة،أو على«الزّرع»إن كانت شرطيّة.

و قيل:هي جواب شرط مقدّر،أي إن زرعتم فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ.

2-في الآية طباق بين(تزرعون)و(حصدتم)،و بين (فذروه)و(تاكلون).و جعل الزّمخشريّ(تزرعون)بمعنى الأمر،فقال:«إنّما يخرج الأمر في صورة الخبر للمبالغة في إيجاب المأمور به،فيجعل كأنّه يوجد فهو يخبر عنه، و الدّليل على كونه في معنى الأمر قوله: فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ.

و تعقّبه أبو حيّان و جعل(فذروه)بمعنى المضارع، فقال:«لا يدلّ الأمر بتركه في سنبله على أنّ(تزرعون) في معنى«ازرعوا»،بل(تزرعون)إخبار غيب بما يكون منهم من توالي الزّرع سبع سنين.و أمّا قوله:(فذروه) فهو أمر إشارة بما ينبغي أن يفعلوه».

و قال الآلوسيّ: «التّحقيق ما في«الكشف»من أنّ الأظهر أنّ(تزرعون)على أصله،لأنّه تأويل المنام، بدليل قوله الآتي:(ثمّ ياتى)،و قوله: فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ اعتراض،اهتماما منه عليه السّلام بشأنهم قبل تتميم التّأويل،و فيه ما يؤكّد أمر السّابق و اللاّحق كأنّه قد كان،فهو يأمرهم بما فيه صلاحهم،و هذا هو النّظم المعجز».

3-تعدّ هذه الآية بداية تألّق يوسف عليه السّلام و مؤتنف كلامه و حكمته،و لم يسبقها إلاّ قصصه رؤياه على أبيه:

يا أَبَتِ إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ رَأَيْتُهُمْ لِي ساجِدِينَ يوسف:4،و دعاؤه اللّه: قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَ إِلاّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَ أَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ

يوسف:33،و قد نطق بالعلم و الحكمة و هو في السّجن، فانطلق منه نحو الدّرجات المنيفة و الأقدار الشّريفة، و عزا ذلك إلى اللّه تعالى: رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ فاطِرَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ أَنْتَ وَلِيِّي فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ تَوَفَّنِي مُسْلِماً وَ أَلْحِقْنِي بِالصّالِحِينَ يوسف:101.

ثانيا:ورد«الحصاد»في(2)و فيه بحوث:

1-الحصاد بمعنى الحصد،أي جزّ النّبات بالمحصد، أي المنجل،لاحظ«حقّ».

2-اختار أبو حيّان أن يكون عود الضّمير في (حصاده)على ما عاد عليه في(ثمره)،و هو ما تقدّم في قوله: وَ النَّخْلَ وَ الزَّرْعَ مُخْتَلِفاً أُكُلُهُ وَ الزَّيْتُونَ وَ الرُّمّانَ مُتَشابِهاً وَ غَيْرَ مُتَشابِهٍ الأنعام:141،و قال:

ص: 392

«قيل:يعود على النّخل،لأنّه ليس في الآية ما يجب أن يؤتى حقّه عند جذاذه إلاّ النّخل.و قيل:يعود على الزّيتون و الرّمّان،لأنّهما أقرب مذكور».

و أمّا حكم ما يؤتى حقّه و مقداره،فهو مبسوط في كتب الفقهاء،و من تكلّم في آيات الأحكام.

3-قال الشّيخ الطّوسيّ: «قرأ أهل البصرة و ابن عامر و عاصم (حصاده) بفتح الحاء،و الباقون بكسرها، و هما لغتان».و قال سيبويه:«جاءوا بالمصادر حين أرادوا انتهاء الزّمان على مثال(فعال)،نحو:الضّرام و الجزاز و الجداد و القطاف و الحصاد،و ربّما دخلت اللّغتان في بعض هذا،و كان فيه فعال و فعال».

ثالثا:جاء الحصيد حقيقة في(3)،معرّفا بالألف و اللاّم،و فيه بحوث:

1-الحصيد«فعيل»بمعنى«مفعول»،من:حصد الزّرع حصدا و حصادا،أي جزّه،و هو هنا الحنطة،أو الحنطة و الشّعير،أو الحبوب المحصودة كلّها،كما قال المفسّرون.

2-قال الكوفيّون في حَبَّ الْحَصِيدِ: هو ممّا أضيف إلى نفسه،لأنّ الحبّ هو الحصيد،و نظيره قوله:

حَبْلِ الْوَرِيدِ ق:16،و حَقُّ الْيَقِينِ الواقعة:95، و قولهم:مسجد الجامع،و ربيع الأوّل،و صلاة الأولى.

و حجّتهم أنّ إضافة الشّيء إلى نفسه جائزة عند اختلاف اللّفظين.

و قال البصريّون:فيه موصوف محذوف،و تقديره:

حبّ الزّرع الحصيد،فأقيمت الصّفة مقامه.و يبدو أنّ قول الكوفيّين هو الأرجح،لاستغنائه عن التّقدير و خلوّه من التّكلّف.

3-قال أبو السّعود:«تخصيص إنبات حبّه بالذّكر لأنّه المقصود بالذّات»،و لكن ما هو المقصود من إنبات (الجنّات)؟أ هو شجرها و ثمرها-و هو الظّاهر-أم شيء آخر لم يذكر فيها؟

رابعا:جاء(حصيد)مجازا في(4-6)نكرة،و فيها بحوث:

1-(حصيد)-كما في(3)-«فعيل»بمعنى«مفعول»، على التّشبيه بالزّرع المحصود،أي المستأصل في الثّلاث، و القرى الخامدة و الخاوية،و الخراب و المندرسة،و خرّ بنيانها و ألزقت بالأرض في(4)،و الأرض الّتي حصد نباتها،و الّتي لا شيء فيها في(5)،و الظّالمون الهالكون في (6).

2-سياق الكلام في(4)و(6)خبر و في(5)إنشاء، و مراده أهل القرى،لأنّ العذاب ينزل عليهم فيشمل ديارهم و قراهم،و نظيره قوله: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنّا فِيها وَ الْعِيرَ الَّتِي أَقْبَلْنا فِيها يوسف:82.

3-استعمل الجعل مسندا إلى اللّه في(5)و(6)، و وقع أثره على الكافرين من أهل القرى،فصيّرهم (حصيدا)كما صيّر قوم نوح(غثاء): فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ بِالْحَقِّ فَجَعَلْناهُمْ غُثاءً المؤمنون:41،و أصحاب الفيل كالعصف المأكول: فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ الفيل:5، و الزّرع حطاما: ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً الزّمر:21، و سيأتي في«ح ط م».

ص: 393

ص: 394

ح ص ر

اشارة

6 ألفاظ،6 مرّات:1 مكّيّة،5 مدنيّة

في 5 سور:1 مكّيّة،4 مدنيّة

حصرت 1:-1 حصيرا 1:1

احصروهم 1:-1 احصروا 1:-1

حصورا 1:-1 احصرتم 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :حصر حصرا،أي عيّ فلم يقدر على الكلام.و حصر صدر المرء،أي ضاق عن أمر حصرا.

و الحصر:اعتقال البطن،حصر،و به حصر،و هو محصور.

و الحصار:موضع يحصر فيه المرء،حصروه حصرا، و حاصروه.

و الإحصار:أن يحصر الحاجّ عن بلوغ المناسك مرض أو عدوّ.

و الحصور:من لا إربة له في النّساء.

و الحصور كالهيوب:المحجم عن الشّيء.

و الحصير:سفيفة من برديّ و نحوه.

و حصير الأرض:وجهها؛و جمعه حصر،و العدد:

أحصرة.

و الحصير:فرند السّيف.

و الحصير:الجنب،قال تعالى: وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً الإسراء:8،أي يحصرون فيها.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:113)

اللّيث:في حديث حذيفة أنّه قال:«تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير»،إنّه أراد بالحصير:حصير الجنب،و هو عرق أو لحمة تمتدّ معترضا على جنب الدّابّة إلى ناحية بطنها،فشبّهها بذلك.

(الخطّابيّ 2:333)

الضّبّيّ: إذا ردّ الرّجل عن وجه يريده فقد أحصر.

(الأزهريّ 4:233)

الكسائيّ: الحصور:النّاقة الضّيّقة الإحليل،و قد

ص: 395

حصرت و أحصرت.(الأزهريّ 4:234)

اليزيديّ: الحصر:من الغائط،و الأسر:من البول.

مثله الأصمعيّ.(الأزهريّ 4:231)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الحصار:أن تأخذ وراكا فتضعه على النّاقة.و الوراك:كساء صغير قدر الإزار و ليس له عرض.حصرت تحصر،و احتصرت.

(1:149)

الحصيران:ما بين الرّفغ إلى موضع الحزام.

(1:158)

الحصير:الصّاءة.(1:189)

الحصير:الماء.[ثمّ استشهد بشعر](1:201)

شرب القوم فحصر عليهم فلان،أي بخل.

(إصلاح المنطق:210)

الحصير:الجنب.(الأزهريّ 4:234)

حصرني الشّيء و أحصرني،أي حبسني.

(الجوهريّ 2:632)

أبو عبيدة :حصر الرّجل في الحبس،و أحصر في السّفر من مرض أو انقطاع به.(الأزهريّ 4:233)

الأصمعيّ: الحصار:حقيبة تلقى على البعير و يرفع مؤخّرها فيجعل كآخرة الرّحل،و يحشى مقدّمها فيكون كقادمة الرّحل،يقال منه:قد احتصرت البعير احتصارا.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:234)

الحصير:ما بين العرق الّذي يظهر في جنب البعير و الفرس،معترضا فما فوقه إلى منقطع الجنب.

(الأزهريّ 4:234)

ابن بزرج:يقال للّذي به الحصر:محصور،و قد حصر عليه بوله يحصر حصرا أشدّ الحصر.و قد أخذه الحصر و أخذه الأسر،شيء واحد،و هو أن يمسك ببوله فلا يبول.

و يقولون:حصر عليه بوله و خلاؤه،و رجل حصر بالعطاء.

و يقال:قوم محصرون،إذا حوصروا في حصن، و كذلك هم محصرون في الحجّ.(الأزهريّ 4:231)

الأخفش: و يقال للملك:حصير،لأنّه محجوب.

و الحصير:الجنب،و الحصير:البساط الصّغير من النّبات.(الأزهريّ 4:233)

حصرت الرّجل فهو محصور،أي حبسته.

و أحصرني بولي و أحصرني مرضي،أي جعلني أحصر نفسي.(الجوهريّ 2:632)

ابن الأعرابيّ: أرض محصورة و منصورة و مضبوطة،أي ممطورة.(الأزهريّ 4:235)

[الحصور]هو الّذي لا يشتهي النّساء و لا يقربهنّ، و أمّا العاقر فهو الّذي يأتيهنّ ثمّ لا يولد.و كلّه من الحبس و الاحتباس.

و الحصير:الطّريق؛و الجمع:حصر.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 3:144)

ابن السّكّيت: يقال:قد أحصره المرض،إذا منعه من السّفر أو من حاجة يريدها.قال اللّه عزّ و جلّ: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ البقرة:196،و قد حصره العدوّ يحصرونه حصرا،إذا ضيّقوا عليه،و منه قوله: أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ النّساء:90،أي ضاقت.

و منه قيل للمحبس:حصير،أي يضيّق به على

ص: 396

المحبوس.قال اللّه جلّ و عزّ: وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً الإسراء:8،أي محبسا.

و منه رجل حصور و حصير،و هو الضّيّق الّذي لا يخرج مع القوم ثمنا إذا اشتروا الشّراب.[و استشهد بالشّعر مرّتين](إصلاح المنطق:230)

يقال:حصر فلان بوله،و حقن بوله،و صرى و صرب بوله.(إصلاح المنطق:406)

الحصير:المحبس.و يقال:رجل حصور و حصير،إذا كان ضيّقا،حكاهما لنا أبو عمرو.

يقال:قد حصرت القوم في مدينة بغير ألف،و قد أحصره المرض،أي منعه من السّفر.

و الحصور:الّذي لا يأتي النّساء.(الأزهريّ 4:233)

شمر:الحصير:لحم ما بين الكتف إلى الخاصرة.

(الأزهريّ 4:234)

يقال للنّاقة:إنّها لحصرة الشّخب نشبة الدّرّ.

(الأزهريّ 4:235)

ابن أبي اليمان :و الحصر بالأمر،يقال:حصر الرّجل يحصر حصرا،إذا استحيا و ضاقت عليه الحيلة.(370)

و الحصور:الّذي لا يأتي النّساء.(405)

المبرّد: قوله (1):أحصر:أضيق به ذرعا.

(1:387)

أصل الحصر و الإحصار:المنع،و أحصره المرض.

و حصر في الحبس أقوى من أحصر،لأنّ القرآن جاء بها.

و أحصرت الجمل و حصّرته و حصرته:جعلت له حصارا،و هو كساء يجعل حول سنامه.

(الأزهريّ 4:235)

الحصور:الّذي لا يدخل في اللّعب و الأباطيل.

(الطّبرسيّ 1:438)

ثعلب :حصرت الرّجل في منزله،إذا حبسته.

و أحصره المرض بالألف،إذا منعه من السّير.(22)

أصل الحصر و الإحصار:الحبس.و منه يقال للّذي لا يبوح بسرّه:حصر:لأنّه حبس نفسه عن البوح.

و الحصر:احتباس الغائط.

و الحصير:الملك،لأنّه كالمحبوس بين الحجّاب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحصير:معروف،سمّي به لانضمام بعض أجزائه إلى بعض،تشبيها باحتباس الشّيء مع غيره.

(الفخر الرّازيّ 5:159)

الزّجّاج: الرّواية عند أهل اللّغة أنّه يقال للرّجل الّذي يمنعه الخوف أو المرض من التّصرّف:قد أحصر فهو محصر.و يقال للرّجل الّذي حبس:قد حصر فهو محصور.

و قال الفرّاء:لو قيل للّذي حبس:أحصر لجاز،كأنّه يجعل حابسه بمنزلة المرض و الخوف الّذي منعه من التّصرّف.و ألحق في هذا ما عليه أهل اللّغة من أنّه يقال للّذي يمنعه الخوف و المرض:أحصر،و للمحبوس:

حصر.

و إنّما كان ذلك هو الحقّ،لأنّ الرّجل إذا امتنع من التّصرّف فقد حبس نفسه،فكأنّ المرض أحبسه،أي جعله يحبس نفسه،و قوله:حصرت فلانا إنّما هو حبسته،ر.

ص: 397


1- قول عمر بن أبي ربيعة في الشّعر.

لا أنّه حبس نفسه،و لا يجوز فيه أحصر.(1:267)

و الحصور:الّذي لا ينفق على النّدامى،و هو ممّن يفضلون عليه.

و الحصور:الّذي يكتم السّرّ،أي يحبس السّرّ في نفسه.

و الحصير:هذا المرمول الّذي يجلس عليه.إنّما سمّي حصيرا،لأنّه دوخل بعضه على بعض في النّسيج،أي حبس بعضه على بعض.

و يقال للسّجن:الحصير،لأنّ النّاس يحصرون فيه، و يقال:حصرت الرّجل،إذا حبسته،و أحصره المرض، إذا منعه من السّير.

و الحصير:الملك.

و قول اللّه جلّ و علا: وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً الإسراء:8،أي حبسا.

و يقال:أصاب فلانا حصر،إذا احتبس عليه بطنه، و يقال في البول:أصابه أسر،إذا احتبس عليه بوله [و استشهد بالشّعر مرّتين].(1:406)

ابن دريد :و الحصر:مصدر حصرت الرّجل أحصره و أحصره،إذا حبسته.

و أصل الحصر:الضّيق،و منه الحصر و هو احتباس النّجو،كناية عن ضيق المخرج.

و حصر الرّجل في خطبته أو كلامه،إذا عيّ عنها.

و الحصر:الّذي لا يبوح بسرّه.

و الحصير:اللّحمة المعترضة في جنب الفرس،تراها إذا ضمر.

و الحصير:الملك،كأنّه محجوب.

و قد سمّي الجنب حصيرا،لأجل العصبة الّتي فيه.

و المحصرة:قتب صغير يحصر عليه البعير،و تلقى عليه أداة الرّاكب.و اسم ذلك:الحصار،و البعير:محصور.

و الحصير:عربيّ معروف،و سمّي حصيرا لانضمام بعضه إلى بعض.

و الحصير أيضا:المحبس،و كذا فسّر في التّنزيل في قوله عزّ و جلّ: وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً الإسراء:8،أي محبسا.

و أحصرت الرّجل إحصارا،إذا منعته من التّصرّف، فكأنّ الحصر:الضّيق،و الإحصار:المنع.

و في التّنزيل: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فإن منعتم من مرض أو غيره،و أحصر الرّجل،إذا منع من التّصرّف لمرض أو عائق،و حصرت الرّجل عن وجهه،إذا منعته عنه، و حصرت البعير أحصره حصرا،إذا شددته بالحصار، و هو كساء يطرح على ظهره،ثمّ يكتفل.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:134)

و الحصير:عصبة مستعرضة في الجنب.(3:507)

الأزهريّ: كلّ من ضاق صدره بأمر فقد حصر.[ثمّ استشهد بشعر](4:231)

و الحصر:نشب الدّرّة في العروق من خبث النّفس و كراهة الدّرّة.

و يقال للحصار:محصرة،للكساء حول السّنام.

(4:235)

الصّاحب:الحصر:ضرب من العيّ،حصر فلان و حصر صدره يحصر حصرا:ضاق.

و الحصار:الموضع الّذي يحصر فيه الإنسان،تقول:

ص: 398

حصروه و حاصروه.

و الإحصار:أن يحصر الحاجّ عن بلوغ المناسك مرض أو نحوه.

و الحصير:المحصور المحبوس.و هو الملك المحجوب أيضا.

و الحصور كالهيوب:المحجم عن الشّيء.و هو أيضا:

الّذي يحبس رفده عن النّدامى.

و رجل حصور و حصير:لا يشرب.

و الحصر:اعتقال البطن،و صاحبه:محصور.و قيل:

لا يقال إلاّ في البول.

و الحصر بالسّرّ:الكتوم له.

و الحصير:سفيفة (1)من برديّ.

و حصير الأرض:وجهها؛و الجميع:الحصر،و العدد:

أحصرة.

و الحصير:فرند السّيف،و هو الطّريق أيضا.

و تحصّرت الطّريق:ركبته.

و الحصير:العصبة الّتي تبدو في جنب الفرس بين الصّفاق و الأضلاع.

و الحصار:حقيبة تلقى على البعير،يقال:احتصرت البعير،و الحصرة و الحصرة:كذلك.

و الحصور من الغنم:الضّيّقة الإحليل.(2:454)

الخطّابيّ: [في حديث أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بقتل القبطيّ:] «فلمّا رآني (2)رقي على شجرة،فرفعت الرّيح ثوبه،فإذا هو حصور،فأتيت النّبيّ عليه السّلام فأخبرته،فقال:إنّما شفاء العيّ السّؤال...».

الحصور:الّذي لا يأتي النّساء،و هو المجبوب في هذا الحديث،سمّي حصورا لأنّه حصر عن الجماع،أي حبس عنه و منع منه.جاء على وزن«فعول»و معناه«مفعول»، كما قالوا:شاة حلوب،و فرس ركوب.قال اللّه تعالى في قصّة يحيى: وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً آل عمران:39.

(1:698)

[ثمّ نقل كلام اللّيث في حديث حذيفة و أضاف:]

و قال غيره:معناه أنّ الفتن تحيط بالقلوب من جميع جوانبها،و يقال:حصرته القوم،أي أطافوا به.

(2:333)

الجوهريّ: حصره يحصره حصرا:ضيّق عليه و أحاط به.

الحصير:الضّيّق البخيل،و الحصير:البارية، و الحصير:الجنب،و الحصير:الملك،لأنّه محجوب.

و الحصير:المحبس.قال اللّه تعالى: وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً الإسراء:8.

و الحصيرة:موضع التّمر،و هو الجرين.

و الحصار:وسادة تلقى على البعير و يرفع مؤخّرها فيجعل كآخرة الرّحل،و يحشى مقدّمها فيجعل كقادمة الرّحل،تقول منه:احتصرت البعير.

و الحصر:العيّ،يقال:حصر الرّجل يحصر حصرا، مثل تعب تعبا.

و الحصر أيضا:ضيق الصّدر،يقال:حصرت صدورهم،أي ضاقت.م.

ص: 399


1- جاء في الهامش:و في المحكم و اللّسان و التّاج:سقيفة، و لعلّها تصحيف.
2- الضّمير يعود إلى الإمام عليّ عليه السّلام.

و حصر أيضا بمعنى بخل.و كلّ من امتنع من شيء فلم يقدر عليه فقد حصر عنه،و لهذا قيل:حصر في القراءة،و حصر عن أهله.

و الحصر:الكتوم للسّرّ.

و الحصور:النّاقة الضّيّقة الإحليل.

تقول منه:حصرت النّاقة بالفتح و أحصرت.

و الحصور:الّذي لا يأتي النّساء.

و الحصور:الضّيّق البخيل،مثل الحصير.

و الحصر بالضّمّ:اعتقال البطن.تقول منه:حصر الرّجل و أحصر،على ما لم يسمّ فاعله.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](2:630)

ابن فارس: الحاء و الصّاد و الرّاء أصل واحد،و هو الجمع و الحبس و المنع[ثمّ نقل قول أبي عمرو و الأصمعيّ و أضاف:]

و أيّ ذلك كان فهو من الّذي ذكرناه من الجمع،لأنّه مجمع الأضلاع.

و الحصر:العيّ،كأنّ الكلام حبس عنه و منع منه.

و الحصر:ضيق الصّدر.

و من الباب الحصر،و هو اعتقال البطن،يقال منه حصر و أحصر.و النّاقة الحصور،و هي ضيّقة الإحليل، و القياس واحد.

فأمّا الإحصار فأن يحصر الحاجّ عن البيت بمرض أو نحوه.و ناس يقولون:حصره المرض و أحصره العدوّ.

و الكلام في حصره و أحصره مشتبه عندي غاية الاشتباه،لأنّ ناسا يجمعون بينهما و آخرون يفرقون.

و ليس فرق من فرق بين ذلك،و لا جمع من جمع ناقضا القياس الّذي ذكرناه،بل الأمر كلّه دالّ على الحبس.

و من الباب:الحصور:الّذي لا يأتي النّساء،فقال قوم:هو«فعول»بمعنى«مفعول»كأنّه حصر أي حبس.

و قال آخرون:هو الّذي يأبى النّساء كأنّه أحجم هو عنهنّ،كما يقال:حصور،إذا حبس رفده و لم يخرج ما يخرجه النّدامى.

و من الباب:الحصر بالسّرّ،و هو الكتوم له.

و الحصار:وسادة تحشى و تجعل لقادمة الرّحل، يقال:احتصرت البعير احتصارا.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:72)

أبو هلال :الفرق بين الحصر و الحبس:أنّ الحصر هو الحبس مع التّضييق،يقال:حصرهم في البلد،لأنّه إذا فعل ذلك فقد منعهم عن الانفساح في الرّعي و التّصرّف في الأمور.و يقال:حبس الرّجل عن حاجته و في الحبس،إذا منعه عن التّصرّف فيها.و لا يقال:حصر في هذا المعنى دون أن يضيّق عليه،و هو في حصار،أي ضيق.

و الحصر:احتباس النّجو،كأنّه من ضيق المخرج،كذا قال أهل اللّغة.

و يجوز أن يقال:إنّ الحبس يكون لمن تمكّنت منه، و الحصر لمن لم تتمكّن منه؛و ذلك أنّك إذا حاصرت أهل بلد في البلد فإنّك لم تتمكّن منهم،و إنّما تتوصّل بالحصر إلى التّمكّن منهم،و الحصر في هذا سبب التّمكّن، و الحبس يكون بعد التّمكّن.

الفرق بين الحصر و الإحصار:قالوا:الإحصار في اللّغة:منع بغير حبس،و الحصر:المنع بالحبس.

ص: 400

قال الكسائيّ: ما كان من المرض قيل فيه:أحصر، و قال أبو عبيدة:ما كان من مرض أو ذهاب نفقة قيل فيه:أحصر،و ما كان من سجن أو حبس قيل فيه:

حصر،فهو محصور.

و قال المبرّد:هذا صحيح.

و إذا حبس الرّجل الرّجل قيل:حبسه،و إذا فعل به فعلا عرّضه به لأن يحبس قيل:أحبسه،و إذا عرّضه للقتل قيل:أقتله،و سقاه،إذا أعطاه إناء يشرب منه، و أسقاه،إذا جعل له سقيا،و قبّره،إذا تولّى دفنه،و أقبره جعل له قبرا.

فمعنى قوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ عرض لكم شيء يكون سببا لفوات الحجّ.(93)

ابن سيده: حصر حصرا فهو حصر:عيّ في منطقه.

و حصر صدره:ضاق...

و كلّ من بعل بشيء فقد حصر.

و الحصور من الإبل:الضّيّقة الأحاليل،و قد حصرت و أحصرت.

و حصره يحصره حصرا فهو محصور و حصير، و أحصره،كلاهما:حبسه عن السّفر و غيره...

و الحصير:الملك،سمّي بذلك لأنّه محصور،أي محجوب.

و الحصير:المحبس،و في التّنزيل: وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً الإسراء:8.

و حصره المرض:حبسه على المثل.

و حصيرة التّمر:الموضع الّذي يحصر فيه.

و الحصار:المحبس،كالحصير.

و الحصر و الحصر:احتباس البطن،و قد حصر غائطه و أحصر.

و رجل حصر:كتوم للسّرّ حابس له،لا يبوح به.

و الحصير و الحصور:الممسك البخيل.

و الحصور:الهيوب المحجم عن الشّيء.

و الحصور:الّذي لا إربة له في النّساء،و كلاهما من ذلك.و في التّنزيل في صفة«يحيى» وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً آل عمران:39.

و حصر الشّيء يحصره حصرا:استوعبه.

و الحصير:وجه الأرض؛و الجمع:أحصرة و حصر.

و الحصير:سقيفة تصنع من برديّ و أسل ثمّ تفترش، سمّي بذلك،لأنّه يلي وجه الأرض.

و الحصيران:الجنبان.

و قيل:الحصير:ما بين العرق الّذي يظهر في جنب البعير و الفرس معترضا فما فوقه إلى منقطع الجنب.

و حصيرا السّيف:جانباه،و حصيره:فرنده الّذي تراه كأنّه مدبّ النّمل.

و الحصار و المحصرة:حقيبة تلقى على البعير و يرفع مؤخّرها فيجعل كآخرة الرّحل،و يحشى مقدّمها فيكون كقادمة الرّحل.

و قيل:هو مركب يركب به الرّاضة.و قيل:هو كساء يطرح على ظهره يكتفل به.

و حصر البعير يحصره و يحصره حصرا و احتصره:

شدّه بالحصار.

و المحصرة:قتب صغير يحصر به البعير،و يلقى

ص: 401

عليه أداة الرّاكب.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات]

(3:143)

الطّوسيّ: و اختلف أهل اللّغة في الفرق بين الإحصار،و الحصر،فقال الكسائيّ،و أبو عبيدة،و أكثر أهل اللّغة:إنّ الإحصار:المنع بالمرض،أو ذهاب النّفقة؛ و الحصر بحبس العدوّ.و قال الفرّاء:يجوز كلّ واحد منهما مكان الآخر.

و خالف في ذلك أبو العبّاس،و الزّجّاج،و احتجّ المبرّد بنظائر ذلك،كقولهم:حبسه،أي جعله في الحبس، و أحبسه أي عرّضه للحبس،و قتله:أوقع به القتل، و أقتله:عرّضه للقتل،و قبره:دفنه في القبر،و أقبره:

عرّضه للدّفن في القبر،فكذلك حصره:حبسه،أي أوقع به الحصر،و أحصره:عرّضه للحصر.

و يقال:أحصره إحصارا،إذا منعه،و حصره يحصره حصرا،إذا حبسه.

و حصر حصرا:إذا عيّ في الكلام.

و حاصره محاصرة،إذا ضيّق عليه في القتال.

و الحصر:الضّيق،هذا حصر شديد.

و الحصر:الّذي لا يبوح بسرّه،لأنّه قد حبس نفسه عن البوح به.

و الحصير:الملك،و الحصير:المحبس،و منه قوله تعالى: وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً الإسراء:8.

و الحصور:الّذي لا إربة له في النّساء.

و الحصور:الهيوب المحجم عن الشّيء.

و الحصر:البخيل لحبسه رفده،و أصل الباب:

الحبس.(2:155)

نحوه الطّبرسيّ.(1:289)

و الحصر:المنع من الخروج عن محيط،و أحصر الرّجل إحصارا و حاصره العدوّ محاصرة و حصارا.

و حصر في كلامه حصرا،و انحصر الشّيء انحصارا.

و الحصر و الحبس و الأسر نظائر.(5:203)

نحوه الطّبرسيّ.(3:6)

الحصير:البساط المرمول،يحصر بعضه على بعض بذلك الضّرب من النّسج.

و يقال للجنبين:الحصيران،لحصرهما ما أحاطا به من الجوف و ما فيه.

و قيل:لأنّ بعض أضلاعه حصر مع بعض.

و يسمّى البساط الصّغير:حصيرا.

و حصير بمعنى محصور،كرضيّ بمعنى مرضيّ.

(6:452)

نحوه الطّبرسيّ.(3:398)

الرّاغب: الحصر:التّضييق،قال عزّ و جلّ:

وَ احْصُرُوهُمْ أي ضيّقوا عليهم.و قال عزّ و جلّ:

وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً الإسراء:8،أي حابسا.قال الحسن:معناه مهادا،كأنّه جعله الحصير المرمول.

فإنّ الحصير سمّي بذلك لحصر بعض طاقاته على بعض.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]

و تسميته بذلك إمّا لكونه محصورا نحو محجّب،و إمّا لكونه حاصرا،أي مانعا لمن أراد أن يمنعه من الوصول إليه.

و قوله عزّ و جلّ: وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً آل عمران:39،

ص: 402

فالحصور:الّذي لا يأتي النّساء:إمّا من العنّة،و إمّا من العفّة و الاجتهاد في إزالة الشّهوة.و الثّاني أظهر في الآية، لأنّ بذلك يستحقّ المحمدة.

و الحصر و الإحصار:المنع من طريق البيت؛ فالإحصار يقال في المنع الظّاهر كالعدوّ،و المنع الباطن كالمرض.

و الحصر لا يقال إلاّ في المنع الباطن.

فقوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فمحمول على الأمرين،و كذلك قوله: لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ البقرة:273،و قوله عزّ و جلّ: أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ النّساء:90،أي ضاقت بالبخل و الجبن،و عبّر عنه بذلك كما عبّر عنه بضيق الصّدر، و عن ضدّه بالبرّ و السّعة.(120)

الزّمخشريّ: حصرتهم حصرا:حبستهم،و اللّه حاصر الأرواح في الأجسام و أحصر الحاجّ،إذا حبسوا عن المضيّ بمرض أو خوف أو غيرهما فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ.

و حصر الرّجل و أحصر:اعتقل بطنه،و به حصر، و أعوذ باللّه من الحصر و الأسر.

و حاصرهم العدوّ حصارا،و بقينا في الحصار أيّاما، أي في المحاصرة أو في مكانها.و حوصروا محاصرا شديدا.

و حصر صدره،و حصر لسانه،و حصر في كلامه و في خطبته:عيّ،و نعوذ باللّه من العجب و البطر،و من العيّ و الحصر.

و رجل حصور:لا يرغب في النّساء.

و هو بخيل حصور و حصر،و قد حصر على قومه.

و في قلبه و لسانه و يديه حصر أي ضيق و عيّ و بخل.

و هو حصر بالأسرار:لا يفشيها.

و غضب الحصير على فلان،أي الملك،سمّي لاحتجابه.و خلّده الحصير في الحصير أي في المحبس، وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً.

و دابّة عريض الحصيرين،أي الجنبين.

و أوجع اللّه حصيريه،إذا ضرب ضربا شديدا.

و إذا استحيا الرّجل من شيء فتركه،أو دخل بامرأة فعجز عنها،أو تعذّر عليه الوصول إلى مراده قيل:قد حصر عنه و حصر دونه.و امرأة حصراء:رتقاء.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](أساس البلاغة:85)

ابن مسعود رضى اللّه عنه:«لدغ رجل و هو محرم بالعمرة فأحصر...»أي منع بسبب اللّدغ،من قوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ. (الفائق 1:288)

[في حديث أبي بكر]:«...قد حلّ سفرة معلّقة في مؤخّر الحصار...»الحصار:حقيبة يرفع مؤخّرها فيجعل كآخرة الرّحل،و يحشى مقدّمها فيكون كقادمة الرّحل، يركب بها البعير،و يقال:قد احتصرت البعير بالحصار.

(الفائق 1:358)

[في حديث حذيفة:]«تعرض الفتن على القلوب عرض الحصير...».قيل:الحصير:عرق يمتدّ معترضا على جنب الدّابّة إلى ناحية بطنها،أو لحمة.

(الفائق 2:418)

الطّبرسيّ: و الإحصار:المنع عن التّصرّف لمرض أو حاجة.و الحصر هو منع الغير،و ليس كالأوّل،لأنّه

ص: 403

منع النّفس.(1:386)

الحصر:الضّيق،و كلّ من ضاقت نفسه عن شيء من فعل أو كلام يقال:قد حصر،و منه الحصر في القراءة.

و الحصر:اعتقال البطن.(2:87)

ابن الأثير: في حديث الحجّ:«المحصر بمرض لا يحلّ حتّى يطوف بالبيت».

الإحصار:المنع و الحبس،يقال:أحصره المرض أو السّلطان،إذا منعه عن مقصده،فهو محصر،و حصره،إذا حبسه فهو محصور.

و في حديث زواج فاطمة:«فلمّا رأت عليّا إلى جنب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حصرت و بكت»أي استحيت و انقطعت،كأنّ الأمر ضاق بها كما يضيق الحبس على المحبوس.

[ثمّ ذكر حديث القبطيّ نحو الخطّابيّ و أضاف:]

و هو في هذا الحديث المجبوب الذّكر و الأنثيين، و ذلك أبلغ في الحصر لعدم آلة الجماع.

و فيه:«أفضل الجهاد و أجمله حجّ مبرور،ثمّ لزوم الحصر».و في رواية أنّه قال لأزواجه:«هذه ثمّ لزوم الحصر»،أي إنّكنّ لا تعدن تخرجن من بيوتكنّ و تلزمن الحصر،هي جمع الحصير الّذي يبسط في البيوت،و تضمّ الصّاد،و تسكّن تخفيفا.

[ثمّ ذكر حديث حذيفة نحو اللّيث و أضاف:]

و قيل:هو ثوب مزخرف منقوش إذا نشر أخذ القلوب بحسن صنعته،فكذلك الفتنة تزيّن و تزخرف للنّاس،و عاقبة ذلك إلى غرور.

و في حديث أبي بكر:«أنّ سعدا الأسلميّ قال:رأيته بالخذوات و قد حلّ سفرة معلّقة في مؤخّرة الحصار»

الحصار:حقيبة يرفع مؤخّرها فيجعل كآخرة الرّحل،و يحشى مقدّمها فيكون كقادمته،و تشدّ على البعير و يركب،يقال منه:احتصرت البعير بالحصار.

و في حديث ابن عبّاس:«ما رأيت أحدا أخلق للملك من معاوية،كان النّاس يردون منه أرجاء واد رحب،ليس مثل الحصر العقص»يعني ابن الزّبير.

الحصر:البخيل،و العقص:الملتوي الصّعب الأخلاق.(1:395)

الصّغانيّ: الحصير:وجه الأرض.

و الحصيرة:اللّحمة المعترضة في جنب الفرس،تراها إذا ضمر.

و قد سمّوا:حصّارا،و حصيرة.

و المحصرة:قتب صغير يحصر به البعير و يلقى عليه أداة الرّاكب،يقال منه:بعير محصور.

و أرض محصورة،أي ممطورة.

و الحاصر،و المحتصر:الأسد.

و الحصور:المجبوب.

و تحصّرت الطّريق:ركبته.

و حصروا به:أطافوا به.و حصروا به:ضاقوا به.

(2:474).

الفيّوميّ: حصره العدوّ حصرا من باب«قتل»:

أحاطوا به،و منعوه من المضيّ لأمره.

و قال ابن السّكّيت و ثعلب:حصره العدوّ في منزله:

حبسه،و أحصره المرض بالألف:منعه من السّفر.و قال الفرّاء:هذا هو كلام العرب و عليه أهل اللّغة.

و قال ابن القوطيّة و أبو عمرو الشّيبانيّ: حصره

ص: 404

العدوّ و المرض و أحصره،كلاهما بمعنى:حبسه.

و حصرت الغرماء في المال،و الأصل:حصرت قسمة المال في الغرماء،لأنّ المنع لا يقع عليهم بل على غيرهم من مشاركتهم لهم في المال.و لكنّه جاء على وجه القلب،كما قيل:أدخلت القبر الميّت.و حاصره محاصرة و حصارا.

و حصر الصّدر حصرا من باب«تعب»:ضاق.

و حصر القارئ:منع القراءة،فهو حصر.

و الحصور:الّذي لا يشتهي النّساء.

و حصير الأرض:وجهها،و الحصير:الحبس، و الحصير:الباريّة؛و جمعها:حصر،مثل بريد و برد.

و تأنيثها بالهاء عامّيّ.(1:138)

الفيروزآباديّ: الحصر،كالضّرب و النّصر:

التّضييق،و الحبس عن السّفر و غيره،كالإحصار.

و للبعير:شدّه بالحصار،كاحتصاره.

و بالضّمّ:احتباس ذي البطن،حصر،كعني،فهو محصور،و أحصر.

و بالتّحريك:ضيق الصّدر،و البخل،و العيّ في المنطق،و أن يمتنع عن القراءة فلا يقدر عليه،الفعل كفرح.

و الحصير:الضّيّق الصّدر.كالحصور،و الباريّة، و عرق يمتدّ معترضا على جنب الدّابّة إلى ناحية بطنها، أو لحمة كذلك،أو العصبة الّتي بين الصّفاق و مقطّ الأضلاع،و الجنب،و الملك،و السّجن،و المجلس، و الطّريق،و الماء،و الصّفّ من النّاس و غيرهم،و وجه الأرض؛جمعه:أحصرة و حصر،و فرند السّيف،أو جانباه،و البخيل،و الّذي لا يشرب الشّراب بخلا،و جبل لجهينة،أو ببلاد غطفان،و كلّ ما نسج من جميع الأشياء، و ثوب مزخرف موشّى،إذا نشر أخذت القلوب مأخذه لحسنه،و الضّيّق الصّدر،و واد،و حصن باليمن،و ماء من مياه نملى.

و بهاء:جرين التّمر،و اللّحمة المعترضة في جنب الفرس،تراها إذا ضمّر...

و الحصور:النّاقة الضّيّقة الإحليل،و حصر،ككرم و فرح،و أحصر،و من لا يأتي النّساء و هو قادر على ذلك،أو الممنوع منهنّ،أو من لا يشتهيهنّ و لا يقربهنّ، و المجبوب،و البخيل،كالحصر،و الهيوب المحجم عن الشّيء،و الكاتم للسّرّ.

و الحصراء:الرّتقاء.

و الحصّار،ككتّان:اسم جماعة.

و ككتاب و سحاب:و ساد يرفع مؤخّرها،و يحشى مقدّمها،كالرّحل يلقى على البعير،و يركب،كالمحصرة، أو هي قتب صغير.و بعير محصور:عليه ذلك،و بفتح الميم:الإشرارة يجفّف عليها الأقط.

و أحصره المرض أو البول:جعله يحصر نفسه.

و المحتصر:الأسد.

و محاصرة العدوّ:معروف.

و حصره:استوعبه،و القوم بفلان:أطافوا به.

و كفرح:بخل،و عن المرأة:امتنع عن إتيانها، و بالسّرّ:صانه.(2:9)

[نحو الرّاغب إلاّ أنّه أضاف:]

و الحصير:الباريّ،و في المثل:أسير على حصير.[إلى

ص: 405

أن قال في حديث حذيفة:]

و قالوا:المراد من هذا أنّ الحصير:ثوب مزخرف موشيّ حسن،إذا نشر أخذت القلوب مآخذه لحسن وشيه و صنعته،و كذلك الفتنة تزيّن للنّاس و تزخرف، و عاقبة ذلك إلى غرور.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(بصائر ذوي التّمييز 2:470)

الطّريحيّ: و في الحديث:«هلك المحاصير و نجا المقرّبون قلت:و ما المحاصير؟قال:المستعجلون».

و الحصير:ما اتّخذ من سعف النّخل قدر طول الرّجل و أكثر منه؛و الجمع:حصر.و تضمّ الصّاد و تسكّن تخفيفا.

و الحصر:العيّ،يقال:حصر الرّجل يحصر حصرا، من باب«تعب»:عيي.

و الحصر:العدّ.و الحفظ،يقال:حصرت كلامك،أي حفظته.و منه قوله:«إن كان الوقت محصورا فكذا»أي محفوظا من زيادة و نقصان.

و الإحصار:العدو،و منه:حصر الجواد.(3:270)

مجمع اللّغة :حصر صدره يحصر حصرا:ضاق.

و حصره يحصره حصرا:ضيّق عليه و أحاط به.

أحصره إحصارا:منعه و حال بينه و بين قصده، سواء كان المنع ظاهرا أو باطنا،يقال:أحصره العدوّ، و أحصره المرض.(1:266)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حصره:ضيّق عليه و أحاط به،و حصر صدره:ضاق،و حصر:استحيا من شيء فتركه.

و الحصور:من يعصم نفسه من الشّهوات،أو من يمتنع عن الزّواج زهدا فيه،و أحصره المرض:حبسه و منعه من الحركة.

و حاصر العدوّ:أحاط به.

و الحصير:الحابس عن الحركة،و البساط من ألياف النّبات، وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً أي محبسا و سجنا لهم،و أحصروا في سبيل اللّه:حبسوا عن التّصرّف في معايشهم خوف العدوّ،و قيل:انقطعوا للجهاد،و الأوّل أظهر.(1:136)

العدنانيّ: حصر الغائط و البول و حصرهما،أسر البول و الغائط،أسر البول و أسره.

و يسمّون احتباس البول حصرا،و هو خطأ،صوابه الأسر:خلف الأحمر،و الأصمعيّ،و ابن الأعرابيّ،و ابن السّكّيت في«إصلاح المنطق»و اليزيديّ،و الصّحاح، و المغرب و المختار،و القاموس،و أقرب الموارد،و تذكرة أبي عليّ.

و يجيزون أيضا الأسر و الأسر كليهما:الأساس، و اللّسان،و المدّ،و محيط المحيط.ذكر الأسر في مادّة «حصر»،و أقرب الموارد في الذّيل،و المعجم الكبير.

و هنالك من يجيز الأسر و الأسر معا:شرّاح فصيح ثعلب،و المحكم،و اللّبليّ الأندلسيّ،و التّاج،و المدّ:

و الوسيط.

و يقول اللّسان و المتن:إنّ الأسر يعني احتباس البول أو الغائط.

و يقول آخرون:إنّ الحصر وحده هو اعتقال البطن، «احتباس الغائط»منهم:خلف الأحمر،و الأصمعيّ، و اليزيديّ،و الصّحاح،و الأساس،و المغرب،و المختار، و القاموس،و المتن،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،

ص: 406

و المعجم الكبير.

و يجيز المدّ و أقرب الموارد:الحصر أيضا«بمعنى اعتقال البطن».بينما يرى ابن بزرج،و اللّسان،و التّاج، و المدّ،و المتن،و الوسيط،أنّ الحصر:يعني اعتقال البطن، أو احتباس البول.

و يجيز اللّسان،و التّاج،و المتن،و الوسيط:الحصر أيضا بمعنى:اعتقال البطن،و احتباس البول.

و يقول الكسائيّ،و اللّسان،و القاموس،و التّاج:إنّ معنى حصر الرّجل و أحصر:اعتقل بطنه.

أمّا أحصرني بولي فمعناه:جعلني أحصر:أحبس نفسي،كما يقول أبو عمرو الشّيبانيّ،و ابن القوطيّة الأندلسيّ،و الصّحاح،و المختار،و اللّسان،و المصباح، و محيط المحيط.

و أحصرني مرضي معناه:جعلني مرضي أحبس نفسي،معجم ألفاظ القرآن الكريم،و أبو عمرو الشّيبانيّ و ابن القوطيّة الأندلسيّ،و الصّحاح،و الرّاغب الأصفهانيّ،و المختار،و اللّسان،و المصباح،و محيط المحيط، و الوسيط.

و يقال في الدّعاء:أبى اللّه لك أسرا:احتباسا في البول.و فعله،كما جاء في المعجم الكبير:أسر يأسر أسرا فهو:أسر،و أسر بوله يؤسر أسرا فهو مأسور.(157)

المصطفويّ: ظهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:

هو المحدوديّة و الضّيق،و هي من باب«تعب»لازم بمناسبة الكسرة،و من باب«نصر»متعدّ،و يقال:حصر صدره،أي ضاق من جهة محدوديّته،فهو حصر، و حصره،أي ضيّقه و حدّه،فهو حصير و حصور.و يقال:

حاصره،إذا أدام في تضييقه و حدّه.و أحصره،إذا كان النّظر إلى جهة الصّدور.

ثمّ إنّ هذا الأصل-أي الصّيرورة ذا ضيق وحدّ،أو جعله ذا ضيق وحدّ-منطبق على موارد الاستعمال و المعاني المذكورة كلّها.

و أمّا مفاهيم الإحاطة و المنع و الجمع و غيرها،فمن لوازم الأصل.[ثمّ ذكر آيات و قال:]

و لمّا كانت الصّفة المشبّهة تدلّ على الثّبوت و اللّزوم:

فالحصير و الحصور يقرب معناهما من مفهوم الحصر،إلاّ أنّ الثّبوت في صيغة«فعل»أشدّ،كما أنّ الثّبوت في صيغة «فعول»أشدّ من«فعيل».

فالحصور هو من ثبت له الحصر،فكأنّ مفهوم الحصر لازم و غير متعدّ،فصيغة«الإحصار»مضافا إلى تحقّق مفهوم الحصر،تدلّ على جهة صدور الحصر من فاعل،و هذه الجهة لها خصوصيّة.(2:248)

النّصوص التّفسيريّة

حصرت

إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ... النّساء:90

ابن عبّاس: ضاقت قلوبهم من شدّة النّفقة بسبب العهد.(76)

نحوه السّدّيّ(211)،و الطّبرسيّ(2:88) و الطّباطبائيّ(5:31).

الفرّاء: يقول:ضاقت صدورهم عن قتالكم أو قتال قومهم،فذلك معنى قوله: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ

ص: 407

أي ضاقت صدورهم،و قد قرأ الحسن (حصرة صدورهم) .و العرب تقول:أتاني ذهب عقله،يريدون:

قد ذهب عقله.و سمع الكسائيّ بعضهم يقول:فأصبحت نظرت إلى ذات التّنانير.

فإذا رأيت«فعل»بعد«كان»ففيها«قد»مضمرة، إلاّ أن يكون مع«كان»جحد،فلا تضمر فيها«قد»مع جحد،لأنّها توكيد،و الجحد لا يؤكّد،أ لا ترى أنّك تقول:

ما ذهبت،و لا يجوز:ما قد ذهبت.(1:282)

أبو عبيدة :من الضّيق،و هي من الحصور.[ثمّ استشهد بشعر](1:136)

نحوه ابن قتيبة.(134)

المبرّد: إنّه دعاء من اللّه عليهم بأن تحصر صدورهم.(الماورديّ 1:516)

الطّبريّ: يعني:ضاقت صدورهم عن أن يقاتلوكم أو أن يقاتلوا قومهم.و العرب تقول لكلّ من ضاقت نفسه عن شيء من فعل أو كلام:قد حصر،و منه الحصر في القراءة.

و في قوله: أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ متروك،ترك ذكره لدلالة الكلام عليه،و ذلك أنّ معناه أو جاءوكم قد حصرت صدورهم،فترك ذكر«قد»لأنّ من شأن العرب فعل مثل ذلك،تقول:أتاني فلان ذهب عقله، بمعنى:قد ذهب عقله.و مسموع منهم أصبحت نظرت إلى ذات التّنانير،بمعنى:قد نظرت.

و لإضمار«قد»مع الماضي جاز وضع الماضي من الأفعال في موضع الحال،لأنّ«قد»إذا دخلت معه أدنته من الحال،و أشبه الأسماء.و على هذه القراءة،أعني (حصرت)قرأ القرّاء في جميع الأمصار،و بها يقرأ لإجماع الحجّة عليها.

و قد ذكر عن الحسن البصريّ أنّه كان يقرأ ذلك (او جاءوكم حصرة صدورهم) نصبا،و هي صحيحة في العربيّة فصيحة،غير أنّه غير جائز القراءة بها عندي، لشذوذها و خروجها عن قراءة قرّاء الإسلام.(5:198)

الزّجّاج: معناه:ضاقت صدورهم عن قتالكم و قتال قومهم،و قال النّحويّون:إنّ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ معناه أو جاءوكم قد حصرت صدورهم، لأنّ(حصرت)لا يكون حالا إلاّ ب«قد»و قال بعضهم:

حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ خبر بعد خبر،كأنّه قال:(او جاءوكم)،ثمّ أخبر فقال: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ. (2:89)

الماورديّ: معنى(حصرت)أي ضاقت،و منه حصر العدوّ و هو الضّيق،و منه حصر العداة،لأنّهم قد ضاقت عليهم مذاهبهم.

ثمّ فيه قولان:أحدهما:أنّه إخبار من اللّه عنهم بأنّ صدورهم حصرت.و الثّاني:[قول المبرّد و قد تقدّم].

(1:516)

الطّوسيّ: معناه:قد حصرت،لأنّه في موضع الحال،و الماضي إذا كان المراد به الحال قدّر معه«قد»كما يقولون:جاء فلان،و ذهب عقله،و المعنى:قد ذهب عقله.

و سمع الكسائيّ من العرب من يقول:أصبحت نظرت إلى ذات التّنانير،بمعنى:قد نظرت.و إنّما جاز ذلك،لأنّ

ص: 408

«قد»تدني الفعل من الحال.

و قرأ الحسن و يعقوب (حصرة صدورهم) منصوبا على الحال،و أجاز يعقوب الوقف بالهاء.و هو صحيح في المعنى،و قراءة القرّاء بخلافه.

و معنى حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ ضاقت عن أن يقاتلوكم أو يقاتلوا قومهم.و كلّ من ضاقت نفسه عن شيء من فعل أو كلام يقال:قد حصر.و منه الحصر في القراءة،و ما قلناه معنى قول السّدّيّ و غيره.(3:286)

الواحديّ: معنى(حصرت):ضاقت،و كلّ من ضاق صدره بأمر فقد حصر.و هؤلاء الّذين وصفوا بضيق الصّدر عن القتال هم بنو مدلج،كان بينهم و بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عهد أن لا يقاتلوه،فنهى اللّه تعالى عن قتال هؤلاء المرتدّين إن اتّصلوا بأهل عهد المسلمين،إمّا بحلف أو بجوار،لأنّ من انضمّ إلى قوم ذوي عهد مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فلهم حكمهم في حقن الدّم و المال.(2:92)

البغويّ: أي ضاقت صدورهم.قرأ الحسن و يعقوب(حصرة)منصوبة منوّنة،أي ضيّقة صدورهم، يعني القوم الّذين جاءوكم،و هم بنو مدلج كانوا عاهدوا أن لا يقاتلوا المسلمين،و عاهدوا قريشا أن لا يقاتلوهم، (حصرت):ضاقت صدورهم أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أي عن قتالكم للعهد الّذي بينكم، أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ يعني من أمن منهم.

و يجوز أن يكون معناه أنّهم لا يقاتلونكم مع قومهم و لا يقاتلون قومهم معكم،يعني قريشا قد ضاقت صدورهم لذلك.

و قال بعضهم:«أو»بمعنى«الواو»كأنّه يقول:إلى قوم بينكم و بينهم ميثاق،أو جاءوكم حصرت صدورهم،أو قد حصرت صدورهم عن قتالهم.

(1:674)

الزّمخشريّ: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ في موضع الحال بإضمار«قد»و الدّليل عليه قراءة من قرأ (حصرة صدورهم) و (حصرات صدورهم) و (حاصرات صدورهم) .و جعله المبرّد صفة لموصوف محذوف على:

جاءوكم قوما حصرت صدورهم.

و قيل:هو بيان ل(جاءوكم)و هم بنو مدلج،جاءوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم غير مقاتلين.و الحصر:الضّيق و الانقباض.(1:552)

نحوه ابن الجوزيّ(2:159)،و البيضاويّ(1:235)، و أبو السّعود(2:177)،و البروسويّ(2:257)،و شبّر (2:80)،و القاسميّ(5:1439).

ابن عطيّة: ضاقت و حرجت،و منه الحصر في القول،و هو ضيق الكلام على المتكلّم.و قرأ الحسن و قتادة (حصرة) كذا قال الطّبريّ،و حكى ذلك المهدويّ عن عاصم من رواية حفص،و حكي عن الحسن أنّه قرأ (حصرات) و في مصحف أبيّ سقط أَوْ جاؤُكُمْ و(حصرت)عند جمهور النّحويّين في موضع النّصب على الحال بتقدير:قد حصرت.

و هذا يصحب الفعل الماضي إذا كان في موضع الحال، و الدّاعي إليه أن يفرق بين تقدير الحال و بين خبر مستأنف،كقولك:جاء زيد ركب الفرس.فإن أردت بقولك:ركب الفرس خبرا آخر عن زيد لم تحتج إلى تقدير«قد»،و إن أردت به الحال من زيد قدّرته ب«قد».

ص: 409

قال الزّجّاج:(حصرت)خبر بعد خبر.و قال المبرّد:(حصرت)دعاء عليهم.

و قال بعض المفسّرين:لا يصحّ هنا الدّعاء،لأنّه يقتضي الدّعاء عليهم بأن لا يقاتلوا قومهم،ذلك فاسد.

و قول المبرّد يخرّج على أنّ الدّعاء عليهم بأن لا يقاتلوا المسلمين تعجيز لهم،و الدّعاء عليهم بأن لا يقاتلوا قومهم تحقير لهم،أي هم أقلّ و أحقر،و يستغنى عنهم،كما تقول إذا أردت هذا المعنى:لا جعل اللّه فلانا عليّ و لا معي أيضا،بمعنى استغنى عنه و استقلّ دونه.

(2:90)

الفخر الرّازيّ: معناه ضاقت صدورهم عن المقاتلة،فلا يريدون قتالكم لأنّكم مسلمون،و لا يريدون قتالهم لأنّهم أقاربهم.

و اختلفوا في موضع قوله: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ و ذكروا وجوها:

الأوّل:أنّه في موضع الحال بإضمار«قد»و ذلك لأنّ «قد»تقرّب الماضي من الحال،أ لا تراهم يقولون:قد قامت الصّلاة،و يقال:أتاني فلان ذهب عقله،أي أتاني فلان قد ذهب عقله.و تقدير الآية:أو جاءوكم حال ما قد حصرت صدورهم.

الثّاني:أنّه خبر بعد خبر،كأنّه قال: أَوْ جاؤُكُمْ ثمّ أخبر بعده فقال: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ. و على هذا التّقدير يكون قوله: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ بدلا من (جاءوكم).

الثّالث:أن يكون التّقدير:جاءوكم قوما حصرت صدورهم،أو جاءوكم رجالا حصرت صدورهم.فعلى هذا التّقدير قوله: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ نصب،لأنّه صفة لموصوف منصوب على الحال،إلاّ أنّه حذف الموصوف المنتصب على الحال،و أقيمت صفته مقامه.

و قوله: أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ معناه:

ضاقت قلوبهم عن قتالكم و عن قتال قومهم،فهم لا عليكم و لا لكم.(10:223)

العكبريّ: (حصرت)فيه وجهان:

أحدهما:لا موضع لهذه الجملة،و هي دعاء عليهم بضيق صدورهم عن القتال.

و الثّاني:لها موضع،و فيه وجهان:

أحدهما:هو جرّ صفة ل(قوم)،و ما بينهما صفة أيضا، و جاؤُكُمْ معترض،و قد قرأ بعض الصّحابة: (بينكم و بينهم ميثاق حصرت صدورهم) بحذف أَوْ جاؤُكُمْ.

و الثّاني:موضعها نصب،و فيه وجهان:

أحدهما:موضعها حال،و«قد»مرادة،تقديره:أو جاءوكم قد حصرت.

و الثّاني:هو صفة لموصوف محذوف،أي جاءوكم قوما حصرت،و المحذوف حال موطّئة.

و يقرأ(حصرة)بالنّصب على الحال،و بالجرّ صفة لقوم.و إن كان قد قرئ (حصرة) بالرّفع فعلى أنّه خبر، و(صدورهم)مبتدأ،و الجملة حال.(1:378)

القرطبيّ: أي ضاقت.[ثمّ استشهد بشعر]

و معنى حصرت:قد حصرت،فأضمرت«قد»قاله الفرّاء،و هو حال من المضمر المرفوع في(جاءوكم)كما تقول:جاء فلان ذهب عقله،أي قد ذهب عقله.

ص: 410

و قيل:هو خبر بعد خبر قاله الزّجّاج،أي جاؤُكُمْ، ثمّ أخبر فقال: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ، فعلى هذا يكون(حصرت)بدلا من جاؤُكُمْ.

و قيل:(حصرت)في موضع خفض على النّعت ل(قوم).

و في حرف أبيّ(الاّ الّذين يصلون الى قوم بينكم و بينهم ميثاق حصرت صدورهم)ليس فيه أَوْ جاؤُكُمْ. و قيل:تقديره:أو جاءوكم رجالا أو قوما حصرت صدورهم،فهي صفة موصوف منصوب على الحال.

و قرأ الحسن (او جاءوكم حصرة صدورهم) نصب على الحال،و يجوز رفعه على الابتداء و الخبر.و حكي(او جاؤكم حصرات صدورهم)و يجوز الرّفع.

و قال محمّد بن يزيد:(حصرت صدورهم)هو دعاء عليهم،كما تقول:لعن اللّه الكافر،و قاله المبرّد،و ضعّفه بعض المفسّرين،و قال:هذا يقتضي ألاّ يقاتلوا قومهم، و ذلك فاسد لأنّهم كفّار و قومهم كفّار.

و أجيب بأنّ معناه صحيح،فيكون عدم القتال في حقّ المسلمين تعجيزا لهم،و في حقّ قومهم تحقيرا لهم.

و قيل:(او)في(جاءوكم)بمعنى«الواو»كأنّه يقول:

إلى قوم بينكم و بينهم ميثاق،و جاءوكم ضيّقة صدورهم عن قتالكم و القتال معكم،فكرهوا قتال الفريقين.

و يحتمل أن يكونوا معاهدين على ذلك،فهو نوع من العهد.

أو قالوا:نسلم و لا نقاتل،فيحتمل أن يقبل ذلك منهم في أوّل الإسلام حتّى يفتح اللّه قلوبهم للتّقوى و يشرحها للإسلام.و الأوّل أظهر،و اللّه أعلم.

(او يقاتلوا)في موضع نصب،أي عن أن يقاتلوكم.(5:309)

أبو حيّان :و معنى(حصرت):ضاقت.و أصل الحصر في المكان،ثمّ توسّع فيه حتّى صار في القول.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:معناه كرهت،و المعنى كرهوا قتالكم مع قومهم معكم.

و قيل:معناه أنّهم لا يقاتلونكم و لا يقاتلون قومهم معكم،فيكونون لا عليكم و لا لكم.[ثمّ ذكر القراءات و قال:]

فأمّا قراءة الجمهور،فجمهور النّحويّين على أنّ الفعل في موضع الحال،فمن شرط دخول«قد»على الماضي إذا وقع حالا،زعم أنّها مقدّرة.و من لم ير ذلك لم يحتج إلى تقديرها،فقد جاء منه ما لا يحصى كثرة بغير «قد».و يؤيّد كونه في موضع الحال قراءة من قرأ ذلك اسما منصوبا.

و عن المبرّد قولان:

أحدهما:أنّ ثمّ محذوفا هو الحال و هذا الفعل صفته، أي أو جاءوكم قوما حصرت صدورهم.

و الآخر:أنّه دعاء عليهم فلا موضع له من الإعراب.

و ردّ الفارسيّ على المبرّد في أنّه دعاء عليهم بأنّا أمرنا أن نقول:اللّهمّ أوقع بين الكفّار العداوة،فيكون في قوله: أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ نفي ما اقتضاه دعاء المسلمين عليهم.[ثمّ ذكر قول ابن عطيّة و أضاف:]

و قال غير ابن عطيّة:أو تكون سؤالا لموتهم،على أنّ قوله:(قومهم)قد يعبّر به عن من ليسوا منهم بل عن

ص: 411

معاديهم.

و أجاز أبو البقاء أن يكون(حصرت)في موضع جرّ صفة ل(قوم)و أَوْ جاؤُكُمْ معترض.قال:يدلّ عليه قراءة من أسقط(او)و هو أبيّ،و أجاز أيضا أن يكون (حصرت)بدلا من(جاءوكم).قال:بدل اشتمال،لأنّ المجيء مشتمل على الحصر و غيره.

و قال الزّجّاج: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ خبر بعد خبر.

قال ابن عطيّة:يفرق بين تقدير الحال و بين خبر مستأنف في قولك:جاء زيد ركب الفرس،أنّك إن أردت الحال بقولك:ركب الفرس قدّرت«قد»و إن أردت خبرا بعد خبر لم نحتج إلى تقديرها.

و قال الجرجانيّ: تقديره:ان جاءوكم حصرت، فحذف«أن».و ما ادّعاه من الإضمار لا يوافق عليه أن يقاتلوكم،تقديره:عن أن يقاتلوكم.(3:317)

ابن كثير :أي ضيّقة صدورهم مبغضين أن يقاتلوكم،و لا يهون عليهم أيضا أن يقاتلوا قومهم معكم، بل هم لا لكم و لا عليكم.(2:354)

الآلوسيّ: قوله تعالى: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ حال بإضمار«قد»و يؤيّده قراءة الحسن (حصرة صدورهم) و كذا قراءة (حصرات) و (حاصرات) ، و احتمال الوصفيّة السّببيّة ل(قوم)لاستواء النّصب و الجرّ بعيد.

و قيل:هو صفة لموصوف محذوف،هو حال من فاعل جاؤُكُمْ أي جاءوكم قوما حصرت صدورهم،و لا حاجة حينئذ إلى تقدير«قد»:و ما قيل:

إنّ المقصود بالحاليّة هو الوصف،لأنّها حال موطّئة فلا بدّ من«قد»سيّما عند حذف الموصوف،فما ذكر التزام لزيادة الإضمار من غير ضرورة غير مسلّم.

و قيل:بيان ل جاؤُكُمْ و ذلك كما قال الطّيّبيّ، لأنّ مجيئهم غير مقاتلين و حصرت صدورهم أن يقاتلوكم بمعنى واحد.

و قال العلاّمة الثّاني:من جهة أنّ المراد بالمجيء:

الاتّصال و ترك المعاندة و المقاتلة لا حقيقة المجيء،أو من جهة أنّه بيان لكيفيّة المجيء.

و قيل:بدل اشتمال من جاؤُكُمْ لأنّ المجيء مشتمل على الحصر و غيره.و قيل:إنّها جملة دعائيّة، و ردّ بأنّه لا معنى للدّعاء على الكفّار بأن لا يقاتلوا قومهم بل بأن يقع بينهم اختلاف و قتل،و الحصر بفتحتين:

الضّيق و الانقباض.(5:110)

احصروهم

فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ... التّوبة:5

ابن عبّاس: احبسوهم عن المبيت.(153)

نحوه ابن قتيبة(183)،و البغويّ(2:318)، و ابن الجوزيّ(3:398)،و مغنية(4:12).

يريد:إن تحصنوا فاحصروهم.(الواحديّ 2:479)

ابن زيد :لا تتركوهم يضربون في البلاد و لا يخرجون للتّجارة،ضيّقوا عليهم.(الطّبريّ 10:78)

الفرّاء: و حصرهم:أن يمنعوا من البيت الحرام.

(1:421)

ص: 412

الطّبريّ: يقول:و امنعوهم التّصرّف في بلاد الإسلام،و دخول مكّة.(10:78)

نحوه الواحديّ(2:479)،و الفخر الرّازيّ(15:

225)،و النّسفيّ(2:116)

الماورديّ: وَ احْصُرُوهُمْ على وجه التّخيير في اعتبار الأصلح من الأمرين.

و في قوله: وَ احْصُرُوهُمْ وجهان:أحدهما:أنّه استرقاقهم،و الثّاني:أنّه الفداء بمال أو شراء.(2:340)

الزّمخشريّ: و احصروهم و قيّدوهم و امنعوهم من التّصرّف في البلاد.(2:175)

نحوه أبو السّعود.(3:123)

الطّبرسيّ: معناه:و احبسوهم و استرقّوهم،أو فادوهم بمال.(3:7)

نحوه شبّر.(3:52)

القرطبيّ: يريد عن التّصرّف إلى بلادكم و الدّخول إليكم،إلاّ أن تأذنوا لهم فيدخلوا إليكم بأمان.(8:73)

البيضاويّ: و احبسوهم،أو حيلوا بينهم و بين المسجد الحرام.(1:406)

نحوه البروسويّ.(3:387)

الشّربينيّ: أي بالحبس عن إتيان المسجد الحرام، و التّصرّف في بلاد الإسلام في القلاع و الحصون،حتّى يضطرّوا إلى الإسلام أو القتل.(1:590)

القاسميّ: أي احبسوهم في المكان الّذي هم فيه، لئلاّ يتبسّطوا في سائر البلاد.(8:3072)

المراغيّ: حصرهم و حبسهم حيث يعتصمون بمعقل أو حصن،بأن يحاط بهم و يمنعوا من الخروج و الانفلات،حتّى يسلموا و ينزلوا على حكمهم بشرط ترضونه،أو بدون شرط.(10:58)

الطّباطبائيّ: إن ظفر بهم و أمكن قتلهم قتلوا،و إن لم يمكن ذلك قبض عليهم و أخذوا،و إن لم يمكن أخذهم حصروا و حبسوا في كهفهم،و منعوا من الخروج إلى النّاس و مخالطتهم،و إن لم يعلم محلّهم قعد لهم في كلّ مرصد ليظفر بهم فيقتلوا أو يؤخذوا.(9:152)

حصورا

...وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً وَ نَبِيًّا مِنَ الصّالِحِينَ. آل عمران:39

ابن مسعود:أنّه كان عنّينا لا ماء له.

مثله ابن عبّاس و الضّحّاك.(الماورديّ 1:390)

نحوه ابن المسيّب.(البغويّ 1:437)

الحصور:الّذي لا يأتي النّساء.(الطّبريّ 3:255)

مثله الحسن و قتادة(الماورديّ 1:390)،و الفرّاء (1:213)

ابن عبّاس: لم يكن له شهوة إلى النّساء.(46)

نحوه سعيد بن جبير و الحسن و عطاء و قتادة (البغويّ 1:437)،و السّدّيّ(الطّبريّ 3:257).

ابن المسيّب:الحصور:الّذي لا يغشى النّساء،و لم يكن ما معه إلاّ مثل هدبة الثّوب.(الطّبريّ 3:256)

ابن قتيبة :قال ابن عيينة و غيره:«الحصور»الّذي لا يأتي النّساء،و هو«فعول»بمعنى«مفعول»كأنّه محصور عنهنّ،أي مأخوذ محبوس عنهنّ.

و أصل الحصر:الحبس،و مثله ممّا جاء فيه«فعول»

ص: 413

بمعنى«مفعول»:ركوب بمعنى مركوب،و حلوب بمعنى محلوب،و هيوب بمعنى مهيب.(105)

الطّبريّ: يعني بذلك ممتنعا من جماع النّساء،من قول القائل:حصرت من كذا أحصر،إذا امتنع منه،و منه قولهم:حصر فلان في قراءته،إذا امتنع من القراءة فلم يقدر عليها،و كذلك حصر العدوّ:حبسهم النّاس و منعهم إيّاهم التّصرّف،و لذلك قيل للّذي لا يخرج مع ندمائه شيئا:حصور.

و يقال أيضا للّذي لا يخرج سرّه و يكتمه:حصور، لأنّه يمنع سرّه أن يظهر،و أصل جميع ذلك واحد،و هو المنع و الحبس.[و استشهد بالشّعر مرّتين)(3:255)

الزّجّاج: أي لا يأتي النّساء،و إنّما قيل للّذي لا يأتي النّساء:حصور لأنّه حبس عمّا يكون من الرّجال،كما يقال في الّذي لا يتيسّر له الكلام:قد حصر في منطقه.(1:406)

الواحديّ: هو الّذي لا يأتي النّساء و لا يقربهنّ.

(1:434)

البغويّ: الحصور:أصله من الحصر و هو الحبس، و الحصور في قول ابن مسعود و ابن عبّاس و سعيد بن جبير و قتادة و عطاء و الحسن:الّذي لا يأتي النّساء و لا يقربهنّ.و هو على هذا القول«فعول»بمعنى«فاعل» يعني:أنّه يحصر نفسه عن الشّهوات.

قال سعيد بن المسيّب:هو العنّين الّذي لا ماء له، فيكون الحصور بمعنى المحصور،يعني الممنوع من النّساء.

قال:كان له مثل هدبة الثّوب،و قد تزوّج مع ذلك ليكون أغضّ لبصره.

و فيه قول آخر:أنّ الحصور هو الممتنع من الوطء مع القدرة عليه.و اختار قوم هذا القول لوجهين:

أحدهما:لأنّ الكلام خرج مخرج الثّناء،و هذا أقرب إلى استحقاق الثّناء.

و الثّاني:أنّه أبعد من إلحاق الآفة بالأنبياء.

(1:437)

الزّمخشريّ: الحصور:الّذي لا يقرب النّساء حصرا لنفسه،أي منعا لها من الشّهوات.و قيل:هو الّذي لا يدخل مع القوم في الميسر.[ثمّ استشهد بشعر]

فاستعير لمن لا يدخل في اللّهو.

و قد روي أنّه مرّ و هو طفل بصبيان،فدعوه إلى اللّعب،فقال:ما للّعب خلقت.(1:428)

ابن عطيّة: أصل هذه اللّفظة الحبس و المنع،و منه الحصير،لأنّه يحصر من جلس عليه،و منه سمّي السّجن:

حصيرا و جهنّم حصيرا،و منه حصر العدوّ و إحصار المرض و العذر.و منه قيل للّذي لا ينفق مع ندمائه:

حصور.

و يقال للّذي يكتم السّرّ:حصور و حصر.

و أجمع من يعتدّ بقوله من المفسّرين على أنّ هذه الصّفة ليحيى عليه السّلام،إنّما هي الامتناع من وطء النّساء.إلاّ ما حكى مكّيّ من قول من قال:إنّه الحصور عن الذّنوب، أي لا يأتيها.[إلى أن قال:]

ذهب بعض العلماء إلى أنّ حصر يحيى عليه السّلام كان لأنّه لم يكن له إلاّ مثل الهدبة.و ذهب بعضهم إلى أنّ حصره كان لأنّه كان عنّينا لا يأتي النّساء،و إن كانت خلقته غير ناقصة.

ص: 414

و ذهب بعضهم إلى أنّ حصره كان بأنّه كان يمسك نفسه تقى و جلدا في طاعة اللّه،و كانت به القدرة على جماع النّساء.قالوا:و هذا أمدح له،و ليس له في التّأويلين الأوّلين مدح،إلاّ بأنّ اللّه يسّر له شيئا لا تكسّب له فيه.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:430)

نحوه ابن الجوزيّ.(1:383)

الطّبرسيّ: [ذكر بعض الأقوال و أضاف:]

و معناه:أنّه يحصر نفسه عن الشّهوات أي يمنعها...

و قيل:الحصور:الّذي لا يدخل في اللّعب و الأباطيل، عن المبرّد.

و قيل:هو العنّين،عن ابن المسيّب و الضّحّاك.و هذا لا يجوز على الأنبياء،لأنّه عيب و ذمّ،و لأنّ الكلام خرج مخرج المدح.(1:438)

الفخر الرّازيّ: الصّفة الثّالثة[ليحى عليه السّلام:]قوله:

(و حصورا)،و فيه مسألتان:

المسألة الأولى في تفسير الحصور:الحصر في اللّغة:

الحبس،يقال:حصره يحصره حصرا،و حصر الرّجل، أي اعتقل بطنه،و الحصور:الّذي يكتم السّرّ و يحبسه، و الحصور:الضّيّق البخيل.

و أمّا المفسّرون:فلهم قولان:

أحدهما:أنّه كان عاجزا عن إتيان النّساء،ثمّ منهم من قال:كان ذلك لصغر الآلة،و منهم من قال:كان ذلك لتعذّر الإنزال،و منهم من قال:كان ذلك لعدم القدرة.

فعلى هذا الحصور«فعول»بمعنى«مفعول»كأنّه قال:

محصور عنهنّ،أي محبوس،و مثله ركوب بمعنى مركوب، و حلوب بمعنى محلوب.

و هذا القول عندنا فاسد،لأنّ هذا من صفات النّقصان،و ذكر صفة النّقصان في معرض المدح لا يجوز، و لأنّ على هذا التّقدير لا يستحقّ به ثوابا و لا تعظيما.

و القول الثّاني،و هو اختيار المحقّقين:أنّه الّذي لا يأتي النّساء،لا للعجز بل للعفّة و الزّهد،و ذلك لأنّ الحصور هو الّذي يكثر منه حصر النّفس و منعها،كالأكول الّذي يكثر منه الأكل،و كذا الشّروب و الظّلوم و الغشوم.

و المنع إنّما يحصل لو كان المقتضى قائما،فلو لا أنّ القدرة و الدّاعية كانتا موجودتين،و إلاّ لما كان حاصرا لنفسه، فضلا عن أن يكون حصورا،لأنّ الحاجة إلى تكثير الحصر و الدّفع إنّما تحصل عند قوّة الرّغبة و الدّاعية و القدرة؛و على هذا:الحصور بمعنى الحاصر«فعول»بمعنى «فاعل».

المسألة الثّانية:احتجّ أصحابنا بهذه الآية على أنّ ترك النّكاح أفضل،و ذلك لأنّه تعالى مدحه بترك النّكاح،و ذلك يدلّ على أنّ ترك النّكاح أفضل في تلك الشّريعة.و إذا ثبت أنّ التّرك في تلك الشّريعة أفضل، وجب أن يكون الأمر كذلك في هذه الشّريعة بالنّص و المعقول:أمّا النّص فقوله تعالى: أُولئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللّهُ فَبِهُداهُمُ اقْتَدِهْ الأنعام:90،و أمّا المعقول فهو أنّ الأصل في الثّابت بقاؤه على ما كان،و النّسخ على خلاف الأصل.(8:39)

القرطبيّ: (و حصورا)أصله من:الحصر و هو الحبس،حصرني الشّيء و أحصرني،إذا حبسني.

و ناقة حصور:ضيّقة الإحليل،و الحصور:الّذي لا يأتي النّساء،كأنّه محجم عنهنّ،كما يقال:رجل حصور و حصير،

ص: 415

إذا حبس رفده و لم يخرج ما يخرجه النّدامى،يقال:شرب القوم فحصر عليهم فلان،أي بخل،عن أبي عمرو.

و في التّنزيل: وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً أي محبسا.و الحصير:الملك،لأنّه محجوب.

فيحيى عليه السّلام حصور«فعول»بمعنى«مفعول»لا يأتي النّساء،كأنّه ممنوع ممّا يكون في الرّجال،عن ابن مسعود و غيره.و«فعول»بمعنى«مفعول»كثير في اللّغة،و من ذلك حلوب بمعنى محلوب.

و قال ابن مسعود أيضا و ابن عبّاس و ابن جبير و قتادة و عطاء و أبو الشّعثاء و الحسن و السّدّيّ و ابن زيد:

هو الّذي يكفّ عن النّساء و لا يقربهنّ مع القدرة.

و هذا أصحّ الأقوال لوجهين:أحدهما:أنّه مدح و ثناء عليه،و الثّناء إنّما يكون عن الفعل المكتسب دون الجبلّة في الغالب.الثّاني:أنّ«فعولا»في اللّغة من صيغ الفاعلين.

و لعلّ هذا كان شرعه،فأمّا شرعنا فالنّكاح،كما تقدّم...

و قيل:معناه الحابس نفسه عن معاصي اللّه عزّ و جلّ.

[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](4:77)

ابن كثير :[ذكر الأقوال و الرّوايات ثمّ أضاف:]

و قد قال القاضي عياض في كتابه«الشّفاء»:اعلم أنّ ثناء اللّه تعالى على يحيى أنّه كان(حصورا)ليس كما قاله بعضهم:إنّه كان هيوبا،أو لا ذكر له.بل قد أنكر هذا حذّاق المفسّرين و نقّاد العلماء،و قالوا:هذه نقيصة و عيب،و لا يليق بالأنبياء عليهم السّلام.و إنّما معناه أنّه معصوم من الذّنوب،أي لا يأتيها،كأنّه حصور عنها.و قيل:مانعا نفسه من الشّهوات،و قيل:ليست له شهوة في النّساء.

و قد بان لك من هذا أنّ عدم القدرة على النّكاح نقص،و إنّما الفضل في كونها موجودة ثمّ يمنعها:إمّا بمجاهدة كعيسى،أو بكفاية من اللّه عزّ و جلّ كيحيى عليه السّلام.

ثمّ هي في حقّ من قدر عليها و قام بالواجب فيها، و لم تشغله عن ربّه درجة عليا،و هي درجة نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم الّذي لم يشغله كثرتهنّ عن عبادة ربّه بل زاده ذلك عبادة بتحصينهنّ،و قيامه عليهنّ و إكسابه لهنّ،و هدايته إيّاهنّ.

بل قد صرّح أنّها ليست من حظوظ دنياه هو،و إن كانت من حظوظ دنيا غيره.فقال:«حبّب إليّ من دنياكم»هذا لفظه.

و المقصود أنّه مدح ليحيى بأنّه حصور،ليس أنّه لا يأتي النّساء،بل معناه-كما قاله هو و غيره-أنّه حصور من الفواحش و القاذورات،و لا يمنع ذلك من تزويجه بالنّساء الحلال و غشيانهنّ و إيلادهنّ.بل قد يفهم وجود النّسل له من دعاء زكريّا المتقدّم؛حيث قال: هَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ ذُرِّيَّةً طَيِّبَةً آل عمران:38،كأنّه قال ولدا له ذريّة و نسل و عقب،و اللّه سبحانه و تعالى أعلم.

(2:35)

الشّربينيّ: أي مبالغا في حبس النّفس عن الشّهوات و الملاهي.روي أنّه مرّ و هو طفل بصبيان فدعوه إلى اللّعب،فقال:ما للّعب خلقت.

و قال سعيد بن المسيّب:الحصور:هو المعسر الّذي لا ماء له،فيكون الحصور بمعنى المحصور،كأنّه ممنوع من

ص: 416

النّساء.[ثمّ ذكر نحو البغويّ](1:213)

أبو السّعود :(و حصورا)عطف على ما قبله،أي مبالغا في حصر النّفس و حبسها عن الشّهوات مع القدرة.[ثمّ ذكر رواية الشّربينيّ](1:364)

نحوه الكاشانيّ(1:310)،و البروسويّ(2:31).

شبّر:لا يأتي النّساء،كما عن الصّادق عليه السّلام،أو مبالغا في حبس النّفس عن الشّهوات و الملاهي.(1:319)

الآلوسيّ: (و حصورا)عطف على ما قبله،و معناه الّذي لا يأتي النّساء مع القدرة على ذلك،قاله ابن عبّاس في إحدى الرّوايات عنه،و في بعضها:إنّه العنّين الّذي لا ذكر له يتأتّى به النّكاح و لا ينزل.

و روى الحفّاظ عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:أنّ ما معه عليه السّلام كان كالأنملة،و في بعض الرّوايات كالقذاة،و في أخرى كالنّواة،و في بعض كهدبة الثّوب.

قيل:و الأصحّ الأوّل؛إذ العنّة عيب لا يجوز على الأنبياء،و بتسليم أنّها ليست بعيب فلا أقلّ أنّها ليست بصفة مدح،و الكلام مخرج مخرج المدح.

و ما أخرجه الحفّاظ على تقدير صحّته يمكن أن يقال:إنّه من باب التّمثيل،و الإشارة إلى عدم انتفاعه عليه السّلام بما عنده،لعدم ميله للنّكاح،لما أنّه في شغل شاغل عن ذلك.

و من هنا قيل:إنّ التّبتّل لنوافل العبادات أفضل من الاشتغال بالنّكاح،استدلالا بحال يحيى عليه السّلام.

و من ذهب إلى خلافه احتجّ بما أخرجه الطّبرانيّ عن أبي أمامة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«أربعة لعنوا في الدّنيا و الآخرة،و أمّنت الملائكة:رجل جعله اللّه تعالى ذكرا فأنّث نفسه و تشبّه بالنّساء،و امرأة جعلها اللّه تعالى أنثى فتذكّرت و تشبّهت بالرّجال،و الّذي يضلّ الأعمى، و رجل حصور،و لم يجعل اللّه تعالى حصورا إلاّ يحيى بن زكريّا».و في رواية:«لعن اللّه تعالى و الملائكة رجلا تحصّر بعد يحيى بن زكريّا».

و يجوز أن يراد بالحصور:المبالغ في حصر النّفس و حبسها عن الشّهوات مع القدرة،و قد كان حاله عليه السّلام أيضا كذلك.(3:148)

القاسميّ: أي لا يقرب النّساء حصرا لنفسه،أي منعا لها عن الشّهوات،عفّة و زهدا و اجتهادا في الطّاعة.(4:839)

الطّباطبائيّ: و الحصور:هو الّذي لا يأتي النّساء، و المراد بذلك في الآية بقرينة السّياق الممتنع عن ذلك للإعراض عن مشتهيات النّفس زهدا.(3:177)

مكارم الشّيرازيّ: الحصور من الحصر،أي الّذي يضع نفسه موضع المحاصرة،أو الّذي يمتنع عن الزّواج.

و إلى هذا ذهب بعض المفسّرين،كما أشير إليه في بعض الأحاديث.و من مميّزاته أيضا أنّه سيكون من الأنبياء و الصّالحين.

و هل العزوبة فضيلة؟هنا يتبادر إلى الذّهن سؤال يقول:إذا كان«الحصر»هو العزوف عن الزّواج،فهل هذا محمدة يمتاز بها الإنسان،بحيث يوصف بها يحيى؟

في الجواب نقول:ليس هناك ما يدلّ على أنّ الحصر المذكور في الآية يقصد به العزوف عن الزّواج،فالحديث المنقول بهذا الخصوص ليس موثوقا به من حيث أسانيده.فلا يستبعد أن يكون المعنى هو العزوف عن

ص: 417

الشّهوات و الأهواء و حبّ الدّنيا،و في صفات الزّاهدين.

ثانيا:من المحتمل أن يكون يحيى مثل عيسى قد عاش في ظروف خاصّة،اضطرّته إلى التّرحال من أجل تبليغ رسالته،فاضطرّ إلى حياة العزوبة.و هذا لا يمكن أن يكون قانونا عامّا للنّاس،فإذا مدحه اللّه لهذه الصّفة فذلك لأنّه تحت ضغط ظروفه عزف عن الزّواج،و لكنّه استطاع في الوقت نفسه أن يحصّن نفسه من الزّلل،و أن يحافظ على طهارته من التّلوّث.إنّ قانون الزّواج فطريّ، فلا يمكن في أيّ دين أن يشرّع قانون ضدّه،و عليه فالعزوبة ليست صفة محمودة لا في الإسلام و لا في الأديان الأخرى.(2:357)

فضل اللّه :حصر شهواته،فلا يدعها تتحرّك في نطاق الإشباع و الارتواء.و كان ذلك من القيم الكبيرة في ذلك الوقت،لما يدلّ عليه من الطّاقة الرّوحيّة العظيمة الّتي تدفع الإرادة إلى الصّلابة و التّضحية.(5:355)

حصيرا

عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَ إِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً. الإسراء:8

ابن عبّاس: سجنا و محبسا.(234)

نحوه قتادة(الطّبريّ 15:45)،و البغويّ(3:123)، و الزّمخشريّ(2:439)،و القرطبيّ(10:224)،و النّسفيّ (2:308)،و شبّر(4:10).

يقول:جعل اللّه مأواهم فيها.(الطّبريّ 15:45)

مجاهد :يحصرون فيها.(الطّبريّ 15:45)

الحسن :الحصير:فراش و مهاد.(الطّبريّ 15:45)

قتادة:محبسا حصورا.(الطّبريّ 15:45)

قد عاد بنو إسرائيل،فسلّط اللّه عليهم هذا الحيّ محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه،يأخذون منهم الجزية عن يد،و هم صاغرون.(ابن كثير 4:283)

ابن زيد :سجنا يسجنون فيها،حصروا فيها.(الطّبريّ 15:45)

أبو عبيدة :من الحصر و الحبس،فكان معناه محبسا،و يقال للملك:حصير لأنّه محجوب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحصير أيضا:البساط الصّغير،فيجوز أن تكون جهنّم لهم مهادا بمنزلة الحصير.و يقال للجنبين:

حصيران،يقال:لأضربنّ حصيريك و صقليك.

(1:371)

ابن قتيبة :أي محبسا،من حصرت الشّيء،إذا حبسته«فعيل»بمعنى«فاعل».(351)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم:و جعلنا جهنّم للكافرين سجنا يسجنون فيها.

و قال آخرون:معناه و جعلنا جهنّم للكافرين فراشا و مهادا.

قال الحسن:الحصير:فراش و مهاد،و ذهب الحسن بقوله هذا إلى أنّ«الحصير»في هذا الموضع عني به الحصير الّذي يبسط و يفترش،و ذلك أنّ العرب تسمّي البساط الصّغير:حصيرا.فوجّه الحسن معنى الكلام إلى أنّ اللّه جعل جهنّم للكافرين به بساطا و مهادا،كما قال:

لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَ مِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ الأعراف:

ص: 418

41،و هو وجه حسن و تأويل صحيح.

و أمّا الآخرون فوجّهوه إلى أنّه«فعيل»من الحصر الّذي هو الحبس.و قد بيّنت ذلك بشواهده في سورة البقرة،و قد تسمّي العرب الملك:حصيرا بمعنى أنّه محصور،أي محجوب عن النّاس.

و يقال للبخيل:حصور و حصر،لمنعه ما لديه من المال عن أهل الحاجة،و حبسه إيّاه عن النّفقة.

و منه الحصر في المنطق،لامتناع ذلك عليه و احتباسه إذا أراده،و منه أيضا الحصور عن النّساء، لتعذّر ذلك عليه و امتناعه من الجماع،و كذلك الحصر في الغائط:احتباسه عن الخروج.و أصل ذلك كلّه واحد و إن اختلفت ألفاظه.

فأمّا الحصيران فالجنبان.

و الصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال:معنى ذلك و جعلنا جهنّم للكافرين حصيرا فراشا و مهادا لا يزايله،من الحصير الّذي بمعنى البساط،لأنّ ذلك إذا كان كذلك كان جامعا معنى الحبس و الامتهاد،مع أنّ الحصير بمعنى البساط في كلام العرب أشهر منه بمعنى الحبس،و أنّها إذا أرادت أن تصف شيئا بمعنى حبس شيء فإنّما تقول:هو له حاصر أو محصر،فأمّا الحصير فغير موجود في كلامهم،إلاّ إذا وصفته بأنّه مفعول به، فيكون في لفظ«فعيل»و معناه مفعول به.أ لا ترى بيت لبيد:«لدى باب الحصير»فقال:لدى باب الحصير،لأنّه أراد لدى باب المحصور،فصرف«مفعولا»إلى«فعيل».

فأمّا«فعيل»في الحصر بمعنى وصفه بأنّه الحاصر،فذلك ما لا نجده في كلام العرب،فلذلك قلت:قول الحسن أولى بالصّواب في ذلك.

و قد زعم بعض أهل العربيّة من أهل البصرة أنّ ذلك جائز.و لا أعلم لما قال وجها يصحّ إلاّ بعيدا،و هو أن يقال:جاء حصير،بمعنى حاصر،كما قيل:عليم،بمعنى عالم،و شهيد بمعنى شاهد.و لم يسمع ذلك مستعملا في الحاصر،كما سمعنا في عالم و شاهد.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](15:44)

الزّجّاج: معناه حبسا،أخذ من قوله:حصرت الرّجل،إذا حبسته فهو محصور.و هذا حصيره،أي محبسه.و الحصير:المنسوج،إنّما سمّي حصيرا،لأنّه حصرت طاقاته بعضها مع بعض.و الجنب يقال له:

الحصير،لأنّ بعض الأضلاع محصور مع بعض.

(3:228)

نحوه ابن الجوزيّ.(5:12)

الثّعلبيّ: معينا (1)سجنا و محبسا،من الحصر و هو الحبس.و العرب تسمّي البخيل حصورا،و الملك حصيرا، لأنّه محجوب محبوس عن النّاس.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه انحصر في الكلام،إذا احتبس عليه و أعياه، و الرّجل الحصور عن النّساء،و حصر الغائط.

قال الحسن: وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً أي فراشا و مهادا،ذهب إلى الحصير الّذي يفرش؛و ذلك أنّ العرب تسمّي البساط الصّغير حصيرا،و هو وجه حسن و تأويل صحيح.(6:86)

نحوه الماورديّ.(3:231)

القشيريّ: أي محبسا و مصيرا.فالمؤمن و إن كاني.

ص: 419


1- كذا،و لعلّه معيا من أعيا يعيي.

صاحب ذنوب و إن كانت كبيرة،فإنّ من خرج من دنياه على إيمانه فلا محالة يصل يوما إلى غفرانه.(4:9)

يقال للّذي يفترش:حصيرا،لحصر بعضه على بعض بالنّسج.(القرطبيّ 10:224)

أبو البركات: حصيرا بمعنى حاصرة،فصرف من حاصرة إلى حصير،كما صرف مؤلم إلى أليم.

(ابن الجوزيّ 5:12)

الفخر الرّازيّ: الحصير«فعيل»فيحتمل أن يكون بمعنى«الفاعل»أي و جعلنا جهنّم حاصرة لهم،و يحتمل أن يكون بمعنى«مفعول»أي و جعلناها موضعا محصورا لهم.

و المعنى أنّ عذاب الدّنيا و إن كان شديدا قويّا إلاّ أنّه قد يتفلّت بعض النّاس عنه،و الّذي يقع في ذلك العذاب يتخلّص عنه:إمّا بالموت،و إمّا بطريق آخر.و أمّا عذاب الآخرة فإنّه يكون حاصرا للإنسان محيطا به،لا رجاء في الخلاص عنه،فهؤلاء الأقوام لهم من عذاب الدّنيا ما وصفناه،و يكون لهم بعد ذلك من عذاب الآخرة ما يكون محيطا بهم من جميع الجهات،و لا يتخلّصون منه أبدا.(20:160)

نحوه الشّربينيّ.(2:285)

البيضاويّ: محبسا لا يقدرون على الخروج منها أبد الآباد.و قيل:بساطا كما يبسط الحصير.(1:579)

أبو حيّان :و الحصير:السّجن.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال الحسن:يعني فراشا،و عنه أيضا:هو مأخوذ من الحصر.و الّذي يظهر أنّها حاصرة لهم محيطة بهم من جميع جهاتهم،فحصير معناه ذات حصر؛إذ لو كان للمبالغة لزمته التّاء لجريانه على المؤنّث،كما تقول:رحيمة و عليمة،و لكنّه على معنى النّسب،كقوله: اَلسَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ المزّمّل:18،أي ذات انفطار.(6:11)

ابن كثير :أي مستقرّا و محصرا و سجنا،لا محيد لهم عنه.(4:283)

أبو السّعود :[نحو البيضاويّ و أضاف:]

و إنّما عدل عن أن يقال:و جعلنا جهنّم لكم،تسجيلا على كفرهم بالعود،و ذمّا لهم بذلك،و إشعارا بعلّة الحكم.

(4:113)

البروسويّ: أي محبسا و مقرّا يحصرون فيه، لا يستطيعون الخروج منها أبد الآباد،فهو«فعيل»بمعنى «فاعل»أي حاصرة لهم و محيطة بهم.

و تذكيره إمّا لكونه بمعنى النّسبة ك«لابن و تامر»،أو لحمله على«فعيل»بمعنى«المفعول»،أو بالنّظر إلى لفظ جهنّم؛إذ ليس فيه علامة التّأنيث.(5:135)

الآلوسيّ: قال ابن عبّاس و غيره:أي سجنا.[ثمّ استشهد بشعر]

فإن كان اسما للمكان المعروف،فهو جامد لا يلزم تأنيثه و تذكيره،و إن كان بمعنى حاصر،أي محيط بهم، و«فعيل»بمعنى«فاعل»،يلزم مطابقته.فعدم المطابقة هنا إمّا لأنّه على النّسب ك«لابن و تامر»،أي ذات حصر، و على ذلك خرّج قوله تعالى: اَلسَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ المزّمّل:18،أي ذات انفطار.أو لحمله على«فعيل»بمعنى «مفعول».

و قيل:التّذكير على تأويل(جهنّم)بمذكّر.و قيل:

لأنّ تأنيثها ليس بحقيقيّ،نقل ذلك أبو البقاء،و هو كما

ص: 420

ترى.[ثمّ ذكر قول الحسن و الرّاغب و قال:]

فحصير على هذا بمعنى محصور،و في الكلام التّشبيه البليغ.

و جاء الحصير بمعنى السّلطان،و أنشد الرّاغب في ذلك البيت السّابق (1)،ثمّ قال:و تسميته بذلك إمّا لكونه محصورا،نحو محجّب،و إمّا لكونه حاصرا،أي مانعا لمن أراد أن يمنعه من الوصول إليه.

و حمل ما في الآية على ذلك ممّا لم أر من تعرّض له، و الحمل عليه في غاية البعد،فلا ينبغي أن يحمل عليه و إن تضمّن معنى لطيفا يدرك بالتّأمّل.(15:21)

نحوه ملخّصا القاسميّ.(10:3904)

فضل اللّه :حابسا.[إلى أن قال:]

تحصرهم فلا يفلت منهم أحد.(14:36).

احصروا

لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ... البقرة:273

ابن عبّاس: يقول:إنّما الصّدقات للفقراء الّذين حبسوا أنفسهم.(39)

إنّهم أهل الصّفّة حبسوا أنفسهم على طاعة اللّه.

مثله مقاتل.(ابن الجوزيّ 1:327)

سعيد بن جبير: إنّهم قوم أصابتهم جراحات مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فصاروا زمنى.(ابن الجوزيّ 1:328)

مجاهد :مهاجري قريش بالمدينة مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أمر بالصّدقة عليهم.(الطّبريّ 3:96)

قتادة:حصروا أنفسهم في سبيل اللّه للغزو.

(الطّبريّ 3:96)

نحوه الخازن(1:248)،و أبو السّعود(1:315)، و البروسويّ(1:434).

السّدّيّ: هم فقراء المهاجرين،و حصرهم المشركون في المدينة.(166)

منعهم الكفّار بالخوف منهم.(الماورديّ 1:346)

الكسائيّ: [مثل سعيد بن جبير و أضاف:]

أحصروا من المرض،و لو أراد الحبس لقال:

حصروا،و إنّما الإحصار من الخوف،أو المرض.و الحصر:

الحبس في غيرهما.(ابن الجوزيّ 1:327)

ابن زيد :كانت الأرض كلّها كفرا،لا يستطيع أحد أن يخرج يبتغي من فضل اللّه،إذا خرج خرج في كفر.(الطّبريّ 3:96)

الطّبريّ: يعني تعالى ذكره بذلك الّذين جعلهم جهادهم عدوّهم يحصرون أنفسهم فيحبسونها عن التّصرّف،فلا يستطيعون تصرّفا.و قد دلّلنا فيما مضى قبل على أنّ معنى الإحصار:تصيير الرّجل المحصر بمرضه أو فاقته أو جهاده عدوّه و غير ذلك من علله،إلى حالة يحبس نفسه فيها عن التّصرّف في أسبابه،بما فيه الكفاية فيما مضى قبل.و قد اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك،فقال بعضهم في ذلك بنحو الّذي قلنا فيه.

و قيل:كانت الأرض كلّها حربا على أهل هذا البلد، و كانوا لا يتوجّهون جهة إلاّ لهم فيها عدوّ،فقال اللّه عزّ

ص: 421


1- و مقامه غلب الرّقاب كأنّهم جنّ على باب الحصير قيام

و جلّ: لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الآية، كانوا هاهنا في سبيل اللّه.

و قال آخرون:بل معنى ذلك الّذين أحصرهم المشركون فمنعوهم التّصرّف.و لو كان تأويل الآية على ما تأوّله السّدّيّ،لكان الكلام للفقراء الّذين حصروا في سبيل اللّه،و لكنّه(أحصروا)،فدلّ ذلك على أنّ خوفهم من العدوّ الّذي صيّر هؤلاء الفقراء إلى الحال الّتي حبسوا -و هم في سبيل اللّه-أنفسهم،لا أنّ العدوّ هم كانوا حابسيهم.و إنّما يقال لمن حبسه العدوّ:حصره العدوّ و إذا كان الرّجل المحبس من خوف العدوّ،قيل:أحصره خوف العدوّ.(3:96)

الزّجّاج: قالوا في(احصروا)قولين:قالوا:

أحصرهم فرض الجهاد فمنعهم من التّصرّف.و قالوا:

أحصرهم عدوّهم،لأنّه شغلهم بجهاده.

و معنى(احصروا)صاروا إلى أن حصروا أنفسهم للجهاد.

كما تقول:رابط في سبيل اللّه.(1:356)

الماورديّ: في(احصروا)أربعة أقاويل:[الأوّل و الثّاني قول قتادة و السّدّيّ،و قد تقدّما]

الثّالث:منعهم الفقر من الجهاد.

و الرّابع:منعهم التّشاغل بالجهاد عن طلب المعاش.(1:346)

الزّمخشريّ: هم الّذين أحصرهم الجهاد.

(1:398)

نحوه البيضاويّ(1:141)،و النّسفيّ(1:137)، و شبّر(1:277).

ابن عطيّة:و المعنى حبسوا و منعوا.و ذهب بعض اللّغويّين إلى أنّ:أحصر و حصر بمعنى واحد،من الحبس و المنع،سواء كان ذلك بعدوّ أو بمرض،و نحوه من الأعذار،حكاه ابن سيده و غيره.

و فسّر السّدّيّ هنا«الإحصار»بأنّه بالعدوّ.و ذهب بعضهم إلى أنّ«أحصر»إنّما يكون بالمرض و الأعذار، و«حصر»بالعدوّ.و على هذا فسّر ابن زيد و قتادة، و رجّحه الطّبريّ.

و تأوّل في هذه الآية أنّهم هم حابسو أنفسهم بربقة الدّين و قصد الجهاد،و خوف العدوّ إذا أحاط بهم الكفر، فصار خوف العدوّ عذرا أحصروا به.

هذا متّجه،كأنّ هذه الأعذار أحصرتهم،أي جعلتهم ذوي حصر،كما قالوا:قبّره:أدخله في قبره، و أقبره:جعله ذا قبر،فالعدوّ و كلّ محيط يحصر، و الأعذار المانعة«تحصر»بضمّ التّاء و كسر الصّاد،أي تجعل المرء كالمحاط به.(1:368)

الطّبرسيّ: معناه النّفقة المذكورة في هذه الآية،و ما قبلها للفقراء الّذين حبسوا و منعوا في طاعة اللّه،أي منعوا أنفسهم من التّصرّف في التّجارة للمعاش:إمّا لخوف العدوّ من الكفّار،و إمّا للمرض و الفقر،و إمّا للإقبال على العبادة.و قوله: فِي سَبِيلِ اللّهِ يدلّ على أنّهم حبسوا أنفسهم عن التّقلّب،لاشتغالهم بالعبادة و الطّاعة.

(1:387)

الفخر الرّازيّ: فنقول:الإحصار في اللّغة أن يعرض للرّجل ما يحول بينه و بين سفره،من مرض أو كبر أو عدوّ أو ذهاب نفقة،أو ما يجري مجرى هذه الأشياء،

ص: 422

يقال:أحصر الرّجل فهو محصر،و مضى الكلام في معنى «الإحصار»عند قوله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ بما يغني عن الإعادة.

أمّا التّفسير فقد فسّرت هذه الآية بجميع الأعداد الممكنة في معنى الإحصار:

فالأوّل:أنّ المعنى:أنّهم حصروا أنفسهم و وقفوها على الجهاد،و أنّ قوله: فِي سَبِيلِ اللّهِ مختصّ بالجهاد في عرف القرآن،و لأنّ الجهاد كان واجبا في ذلك الزّمان، و كان تشتدّ الحاجة إلى من يحبس نفسه للمجاهدة مع الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم فيكون مستعدّا لذلك متى مسّت الحاجة، فبيّن تعالى في هؤلاء الفقراء أنّهم بهذه الصّفة.[ثمّ ذكر بقيّة التّفاسير](7:85)

ابن كثير :يعني المهاجرين الّذين قد انقطعوا إلى اللّه و إلى رسوله و سكنوا المدينة،و ليس لهم سبب يردّون به على أنفسهم ما يغنيهم.(1:575)

الشّربينيّ: أي حبسوا على الجهاد و هم فقراء المهاجرين،كانوا نحوا من أربعمائة،لم يكن لهم مساكن بالمدينة و لا عشائر،كانوا يسكنون صفّة المسجد، يستغرقون أوقاتهم بالتّعلّم و العبادة،و كانوا يخرجون في كلّ سريّة يبعثها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و هم المشهورون بأصحاب الصّفّة،فحثّ اللّه عليهم النّاس،فكان من عنده فضل أتاهم به إذا أمسى.(1:182)

الآلوسيّ: أي حبسهم الجهاد أو العمل في مرضاة اللّه تعالى.(3:46)

نحوه القاسميّ.(3:689)

الطّباطبائيّ: الحصر:هو المنع و الحبس،و الأصل في معناه:التّضييق.[ثمّ نقل كلام الرّاغب فيه](2:399)

مكارم الشّيرازيّ: أي الّذين شغلتهم الأعمال الهامّة كالجهاد و محاربة العدوّ،و تعليم فنون الحرب، و تحصيل العلوم الأخرى،عن العمل في سبيل الحصول على لقمة العيش،كأصحاب الصّفّة الّذين كانوا خير مصداق لهذا الوصف.(2:236)

احصرتم

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ... البقرة:196

ابن مسعود:إنّ كلّ مانع يمنعه عن الوصول إلى البيت الحرام و المضيّ في إحرامه،من عدوّ أو مرض أو جرح أو ذهاب نفقة أو ضلال راحلة يبيح له التّحلّل.

مثله:النّخعيّ و الحسن و مجاهد و عطاء و قتادة و عروة بن الزّبير و سفيان الثّوريّ.(البغويّ 1:246)

ابن عبّاس: حبستم عن الحجّ و العمرة من عدوّ أو مرض.(27)

من أحرم بحجّ أو بعمرة ثمّ حبس عن البيت بمرض يجهده أو عذر يحبسه،فعليه قضاؤها.(الطّبريّ 2:213)

الحصر:حصر العدوّ،فيبعث الرّجل بهديه،فإن كان لا يستطيع أن يصل إلى البيت من العدوّ،فإن وجد من يبلغها عنه إلى مكّة،فإنّه يبعث بها و يحرم.

(الطّبريّ 2:214)

نحوه ابن عمر و أنس بن مالك و الشّافعيّ.

(الماورديّ 1:255)

إنّ المريض إن لم يكن معه هدي حلّ حيث حبس،

ص: 423

و إن كان معه هدي لم يحلّ حتّى يبلغ الهدي محلّه،ثمّ لا قضاء عليه،و إنّما قال اللّه: فَإِذا أَمِنْتُمْ و الأمن إنّما هو من العدوّ فليس المريض في الآية.(ابن عطيّة 1:267)

مجاهد :أنّه كان يقول:الحصر:الحبس كلّه.يقول:

أيّما رجل اعترض له في حجّته أو عمرته فإنّه يبعث بهديه من حيث يحبس.

فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ يمرض إنسان أو يكسر أو يحبسه أمر فغلبه كائنا ما كان،فليرسل بما استيسر من الهدي، و لا يحلق رأسه،و لا يحلّ حتّى يوم النّحر.

(الطّبريّ 2:213)

إنّه كلّ حابس من عدوّ أو مرض أو عذر.مثله قتادة و عطاء و أبو حنيفة.(الماورديّ 1:254)

نحوه ابن عمر و عبد اللّه بن الزّبير و سعيد بن المسيّب و سعيد بن جبير و الشّافعيّ و أحمد و إسحاق(البغويّ 1:

246)،و عطاء و مجاهد و قتادة و أبو حنيفة(ابن الجوزيّ:

1:204).

عطاء: الإحصار:كلّ شيء يحبسه.

(الطّبريّ 2:213)

المحصر بالمرض كالمحصر بالعدوّ.

(ابن عطيّة 1:267)

مالك: بلغني أنّ رسول اللّه حلّ و أصحابه بالحديبيّة فنحروا الهدي و حلقوا رءوسهم،و حلّوا من كلّ شيء قبل أن يطوفوا بالبيت،و قبل أن يصل إليه الهدي،ثمّ لم نعلم أنّ رسول اللّه أمر أحدا من أصحابه و لا ممّن كان معه أن يقضوا شيئا،و لا أن يعودوا لشيء.

و سئل مالك عمّن أحصر بعدوّ و حيل بينه و بين البيت،فقال:

يحلّ من كلّ شيء و ينحر هديه و يحلق رأسه حيث يحبس،و ليس عليه قضاء إلاّ أن يكون لم يحجّ قطّ،فعليه أن يحجّ حجّة الإسلام.

قال:و الأمر عندنا فيمن أحصر بغير عدوّ بمرض أو ما أشبهه،أن يبدأ بما لا بدّ منه،و يفتدي ثمّ يجعلها عمرة، و يحجّ عاما قابلا و يهدي.(الطّبريّ 2:212)

المحصر بالمرض لا يحلّه إلاّ البيت،و يقيم حتّى يفيق و إن أقام سنين.فإذا وصل البيت بعد فوت الحجّ قطع التّلبية في أوائل الحرم و حلّ بعمرة،ثمّ تكون عليه حجّة قضاء،و فيها يكون الهدي.(ابن عطيّة 1:267)

الإمام الباقر عليه السّلام:المصدود يذبح حيث صدّ و يرجع صاحبه فيأتي النّساء.و المحصور يبعث بهديه، و يعدهم يوما فإذا بلغ الهدي أحلّ هذا في مكانه.

(الكاشانيّ 1:212)

قتادة :المحصر هو الخوف و المرض،و الحابس إذا أصابه ذلك بعث بهديه،فإذا بلغ الهدي محلّه حلّ.(الطّبريّ 2:213)

الإمام الصّادق عليه السّلام:المحصور:غير المصدود، و المحصور:المريض،و المصدود:الّذي يردّه المشركون كما ردّوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و الصّحابة،ليس من مرض.

و المصدود تحلّ له النّساء،و المحصور لا تحلّ له النّساء.(الكاشانيّ 1:212)

الكسائيّ: ما كان من مرض أو ذهاب نفقة يقال منه:أحصر فهو محصر.مثله أبو عبيدة.

(البغويّ 1:246)

ص: 424

الفرّاء:العرب تقول للّذي يمنعه من الوصول إلى إتمام حجّه أو عمرته خوف أو مرض،و كلّ ما لم يكن مقهورا كالحبس و السّجن،يقال للمريض:قد أحصر، و في الحبس و القهر:قد حصر.فهذا فرق بينهما.

و لو نويت في قهر السّلطان أنّها علّة مانعة و لم تذهب إلى فعل الفاعل،جاز لك أن تقول:قد أحصر الرّجل.

و لو قلت في المرض و شبهه:إنّ المرض قد حصره أو الخوف،جاز أن تقول:حصرتم.

و قوله:(و سيّدا و حصورا)آل عمران:39،يقال:إنّه المحصر عن النّساء،لأنّها علّة و ليس بمحبوس.فعلى هذا فابن.(1:117)

أبو عبيدة :أي إن قام بكم بعير،أو مرضتم،أو ذهبت نفقتكم،أو فاتكم الحجّ،فهذا كلّه محصر.

و المحصور:الّذي جعل في بيت،أو دار،أو سجن.

(1:69)

ابن قتيبة : فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ من الإحصار،و هو أن يعرض للرّجل ما يحول بينه و بين الحجّ من مرض أو كسر أو عدوّ،يقال:أحصر الرّجل إحصارا فهو محصر.

فإن حبس في سجن أو دار قيل:قد حصر فهو محصور.(78)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في«الإحصار» الّذي جعل اللّه على من ابتلى به في حجّه و عمرته ما استيسر من الهدي،فقال بعضهم:هو كلّ مانع أو حابس منع المحرم و حبسه عن العمل الّذي فرضه اللّه عليه في إحرامه،و وصوله إلى البيت الحرام.[ثمّ ذكر قول ابن عبّاس و غيره و أضاف:]

و علّة من قال بهذه المقالة أنّ الإحصار معناه في كلام العرب:منع العلّة من المرض و أشباهه غير القهر و الغلبة من قاهر أو غالب،إلاّ غلبة علّة من مرض أو لدغ أو جراحة،أو ذهاب نفقة أو كسر راحلة.

فأمّا منع العدوّ و حبس حابس في سجن،و غلبة غالب حائل بين المحرم و الوصول إلى البيت من سلطان أو إنسان قاهر مانع،فإنّ ذلك إنّما تسمّيه العرب:حصرا لا إحصارا.قالوا:و ممّا يدلّ على ذلك قول اللّه جلّ ثناؤه:

وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً يعني به حاصرا،أي حابسا.قالوا:و لو كان حبس القاهر الغالب من غير العلل الّتي وصفنا يسمّى إحصارا،لوجب أن يقال:قد أحصر العدوّ.قالوا:و في اجتماع لغات العرب على حوصر العدوّ و العدوّ محاصر دون أحصر العدوّ و هم محصرون و أحصر الرّجل بالعلّة من المرض و الخوف، أكبر الدّلالة على أنّ اللّه جلّ ثناؤه إنّما عنى بقوله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ بمرض أو خوف أو علّة مانعة.

قالوا:و إنّما جعلنا حبس العدوّ و منعه المحرم من الوصول إلى البيت،بمعنى حصر المرض قياسا،على ما جعل اللّه جلّ ثناؤه من ذلك للمريض الّذي منعه المرض من الوصول إلى البيت،لا بدلالة ظاهر قوله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ إذ كان حبس العدوّ و السّلطان و القاهر علّة مانعة نظيرة العلّة المانعة من المرض و الكسر.

و قال آخرون:معنى قوله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فإن حبسكم عدوّ عن الوصول إلى البيت،أو حابس قاهر من بني آدم.

ص: 425

قالوا:فأمّا العلل العارضة في الأبدان كالمرض و الجراح و ما أشبهها فإنّ ذلك غير داخل في قوله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ.... [و نقل قول مالك ثمّ قال:]

و علّة من قال هذه المقالة،أعني من قال قول مالك:

إنّ هذه الآية نزلت في حصر المشركين رسول اللّه و أصحابه عن البيت،فأمر اللّه نبيّه و من معه بنحر هداياهم و الإحلال،قالوا:فإنّما أنزل اللّه هذه الآية في حصر العدوّ،فلا يجوز أن يصرف حكمها إلى غير المعنى الّذي نزلت فيه.

قالوا:و أمّا المريض فإنّه إذا لم يطق لمرضه السّير حتّى فاتته عرفة،فإنّما هو رجل فاته الحجّ،عليه الخروج من إحرامه بما يخرج به من فاته الحجّ،و ليس من معنى المحصر الّذي نزلت هذه الآية في شأنه.

و أولى التّأويلين بالصّواب في قوله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ تأويل من تأوّله بمعنى:فإن أحصركم خوف عدوّ أو مرض أو علّة عن الوصول إلى البيت،أي صيّركم خوفكم أو مرضكم تحصرون أنفسكم فتحبسونها عن النّفوذ،لما أوجبتموه على أنفسكم من عمل الحجّ و العمرة.فلذا قيل:(احصرتم)لما أسقط ذكر الخوف و المرض يقال منه:أحصرني خوفي من فلان عن لقائك،و مرضي عن فلان،يراد به جعلني أحبس نفسي عن ذلك.فأمّا إذا كان الحابس الرّجل و الإنسان قيل:

حصرني فلان عن لقائك،بمعنى حبسني عنه.

فلو كان معنى الآية ما ظنّه المتأوّل من قوله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فإن حبسكم حابس من العدوّ عن الوصول إلى البيت،لوجب أن يكون(فان حصرتم).

و ممّا يبيّن صحّة ما قلناه من أنّ تأويل الآية مراد بها إحصار غير العدوّ،و أنّه إنّما يراد بها الخوف من العدوّ، قوله: فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ و الأمن إنّما يكون بزوال الخوف،و إذا كان ذلك كذلك فمعلوم أنّ الإحصار الّذي عنى اللّه في هذه الآية،هو الخوف الّذي يكون بزواله الأمن.

و إذا كان ذلك كذلك،لم يكن حبس الحابس الّذي ليس مع حبسه خوف على النّفس من حبسه،داخلا في حكم الآية بظاهرها المتلوّ،و إن كان قد يلحق حكمه عندنا بحكمه من وجه القياس،من أجل أنّ حبس من لا خوف على النّفس من حبسه كالسّلطان غير المخوفة عقوبته،و الوالد و زوج المرأة و إن كان منهم،أو من بعضهم حبس و منع عن الشّخوص لعمل الحجّ،أو الوصول إلى البيت بعد إيجاب الممنوع الإحرام،غير داخل في ظاهر قوله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ لما وصفنا من أنّ معناه:فإن أحصركم خوف عدوّ،بدلالة قوله: فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ، و قد بيّن الخبر الّذي ذكرنا آنفا عن ابن عبّاس أنّه قال:الحصر:حصر العدوّ.

و إذ كان ذلك أولى التّأويلين بالآية لما وصفنا،و كان ذلك منعا من الوصول إلى البيت،فكلّ مانع عرض للمحرم فصدّه عن الوصول إلى البيت،فهو له نظير في الحكم.(2:212)

الجصّاص :[حكى قول أهل اللّغة في اختصاص الإحصار بالمرض و ذهاب النّفقة،و الحصر بحصر العدوّ و أيّده برواية ابن عبّاس المتقدّمة ثمّ قال:]

و قد اختلف السّلف في حكم المحصر على ثلاثة

ص: 426

أنحاء:روي عن ابن مسعود و ابن عبّاس العدوّ و المرض سواء يبعث بدم و يحلّ به إذا نحر في الحرم،و هو قول أبي حنيفة و أبي يوسف و محمّد و زفر و الثّوريّ.

و الثّاني:قول ابن عمر:إنّ المريض لا يحلّ و لا يكون محصرا إلاّ بالعدوّ،و هو قول مالك و اللّيث و الشّافعيّ.

و الثّالث:قول ابن الزّبير و عروة بن الزّبير:إنّ المرض و العدوّ سواء لا يحلّ إلاّ بالطّواف،و لا نعلم لهما موافقا من فقهاء الأمصار.

قال أبو بكر:و لمّا ثبت بما قدّمته من قول أهل اللّغة أنّ اسم الإحصار يختصّ بالمرض،و قال اللّه: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ وجب أن يكون اللّفظ مستعملا فيما هو حقيقة فيه،و هو المرض،و يكون العدوّ داخلا فيه بالمعنى.

فإن قيل:فقد حكي عن الفرّاء أنّه أجاز فيهما لفظ «الإحصار».

قيل له:لو صحّ ذلك كانت دلالة الآية قائمة في إثباته في المرض،لأنّه لم يدفع وقوع الاسم على المرض،و إنّما أجازه في العدوّ،فلو وقع الاسم على الأمرين،لكان عموما فيهما موجبا للحكم في المريض و المحصور بالعدوّ جميعا.

فإن قيل:لم تختلف الرّواة أنّ هذه الآية نزلت في شأن الحديبيّة و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه ممنوعين بالعدوّ، فأمرهم اللّه بهذه الآية بالإحلال من الإحرام،فدلّ على أنّ المراد بالآية هو العدوّ.

قيل له:لمّا كان سبب نزول الآية هو العدوّ،ثمّ عدل عن ذكر«الحصر»و هو يختصّ بالعدوّ إلى«الإحصار» الّذي يختصّ بالمرض،دلّ ذلك على أنّه أراد إفادة الحكم في المرض ليستعمل اللّفظ على ظاهره.و لمّا أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أصحابه بالإحلال و حلّ هو،دلّ على أنّه أراد حصر العدوّ من طريق المعنى لا من جهة اللّفظ،فكان نزول الآية مفيدا للحكم في الأمرين.

و لو كان مراد اللّه تعالى تخصيص العدوّ بذلك دون المرض،لذكر لفظا يختصّ به دون غيره،و مع ذلك لو كان اسما للمعنيين لم يكن نزوله على سبب موجبا للاقتصار بحكمه عليه،بل كان الواجب اعتبار عموم اللّفظ دون السّبب.[ثمّ أيّده بالرّوايات و حكم العقل إلى أن قال:]

و الإحصار من الحجّ و العمرة سواء.و حكي عن محمّد بن سيرين أنّ الإحصار يكون من الحجّ دون العمرة،و ذهب إلى أنّ العمرة غير موقّتة،و أنّه لا يخشى الفوات.و قد تواترت الأخبار بأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان محرما بالعمرة عام الحديبيّة و أنّه أحلّ من عمرته بغير طواف، ثمّ قضاها في العام القابل في ذي القعدة،و سمّيت عمرة القضاء.و قال اللّه تعالى: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ، ثمّ قال: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ و ذلك حكم عائد إليهما جميعا.و غير جائز الاقتصار على أحدهما دون الآخر،لما فيه من تخصيص حكم اللّفظ بغير دلالة.(1:325-329)

الطّوسيّ: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فيه خلاف،قال قوم:

فإن منعكم خوف،أو عدوّ،أو مرض،أو هلاك بوجه من الوجوه،فامتنعتم لذلك.و قال آخرون:إن منعكم حابس قاهر.

فالأوّل قول مجاهد،و قتادة،و عطاء،و هو المرويّ

ص: 427

عن ابن عبّاس،و هو المرويّ في أخبارنا.و الثّاني ذهب إليه مالك بن أنس.

فالأوّل أقوى لما روي في أخبارنا،و لأنّ«الإحصار» هو أن يجعل غيره بحيث يمتنع من الشّيء.و حصره:منعه، و لهذا يقال:حصر العدوّ،و لا يقال:أحصر.(2:155)

نحوه الطّبرسيّ(1:291)،و شبّر(1:198).

الواحديّ: أي حبستم و منعتم عن إتمام الحجّ.

و أصل الحصر و الإحصار:الحبس،يقال:من حصرك هاهنا،و من أحصرك؟و كلّ من أحرم بحجّ أو عمرة وجب عليه الإتمام،فإن أحصره عدوّ أو سلطان، نحر هديا لإحصاره حيث أحصر،و حلّ من إحرامه.

(1:297)

البغويّ: اختلف العلماء في الإحصار الّذي يبيح للمحرم التّحلّل من إحرامه.[ثمّ نقل قول ابن مسعود و الكسائيّ المتقدّمان،ثمّ قال:]

و إنّما جعل هاهنا حبس العدوّ إحصارا قياسا على المرض إذ كان في معناه،و احتجّوا بما روي عن عكرمة عن الحجّاج بن عمرو الأنصاريّ قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«من كسر أو عرج فقد حلّ عليه الحجّ من قابل».قال عكرمة:فسألت ابن عبّاس و أبا هريرة فقالا:

صدق.

و ذهب جماعة إلى أنّه لا يباح له التّحلّل إلاّ بحبس العدوّ،و هو قول ابن عباس.و قال:لا حصر إلاّ حصر العدوّ،و روي معناه عن ابن عمر و عبد اللّه بن الزّبير، و هو قول سعيد بن المسيّب و سعيد بن جبير،و إليه ذهب الشّافعيّ و أحمد و إسحاق.و قالوا:الحصر و الإحصار بمعنى واحد.

و قال ثعلب:تقول العرب:حصرت الرّجل عن حاجته فهو محصور،و أحصره العدوّ،إذا منعه عن السّير، فهو محصر.و احتجّوا بأنّ نزول هذه الآية في قصّة الحديبيّة،و كان ذلك حبسا من جهة العدوّ،و يدلّ عليه قوله تعالى في سياق الآية: فَإِذا أَمِنْتُمْ، و الأمن يكون من الخوف.

و ضعّفوا حديث الحجّاج بن عمرو بما ثبت عن ابن عبّاس أنّه قال:لا حصر إلاّ حصر العدوّ.و تأوّله بعضهم على أنّه إنّما يحلّ بالكسر و العرج إذا كان قد شرط ذلك في عقد الإحرام.كما روي أنّ ضباعة بنت الزّبير كانت وجعة،فقال لها النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:حجّي و اشترطي و قولي:اللّهمّ محلّي حيث حبستني.(1:246)

نحوه الخازن.(1:148)

الزّمخشريّ: يقال:أحصر فلان:إذا منعه أمر من خوف أو مرض أو عجز،قال اللّه تعالى: اَلَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ البقرة:273.[ثمّ استشهد بشعر]

و حصر،إذا حبسه عدوّ عن المضيّ أو سجن،و منه قيل للمحبس:الحصير،و للملك:الحصير،لأنّه محجوب.

هذا هو الأكثر في كلامهم،و هما بمعنى المنع في كلّ شيء، مثل صدّه و أصدّه.

و كذلك قال الفرّاء و أبو عمرو الشّيبانيّ،و عليه قول أبي حنيفة،كلّ منع عنده من عدوّ كان أو مرض أو غيرهما معتبر في إثبات حكم الإحصار،و عند مالك و الشّافعيّ منع العدوّ وحده،و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«من كسر أو عرج فقد حلّ و عليه الحجّ من قابل».(1:344)

ص: 428

نحوه النّسفيّ.(1:100)

ابن عطيّة: قال علقمة و عروة بن الزّبير و غيرهما:

الآية في من أحصر بالمرض لا بالعدوّ.و قال ابن عبّاس و غيره بعكس ذلك.و المشهور من اللّغة:أحصر بالمرض و حصر بالعدوّ.و في«المجمل»لابن فارس:حصر و أحصر بالعدوّ.و قال الفرّاء:هما بمعنى واحد في المرض و العدوّ.

و الصّحيح أنّ حصر إنّما هي فيما أحاط و جاور فقد يحصر العدوّ و الماء و نحوه و لا يحصر المرض،و أحصر معناه:جعل الشّيء ذا حصر،كأقبر و أحمى و غير ذلك.

فالمرض و الماء و العدوّ و غير ذلك قد يكون محصرا لا حاصرا،أ لا ترى أنّ العدوّ كان محصرا في عام الحديبيّة،و في ذلك نزلت هذه الآية عند جمهور أهل التّأويل.(1:266)

ابن العربيّ: فيها اثنتان و ثلاثون مسألة...

المسألة السّابعة:قوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ هذه آية مشكلة عضلة من العضل،فيها قولان:

أحدهما:منعتم بأيّ عذر كان،قاله مجاهد و قتادة و أبو حنيفة.

الثّاني:منعتم بالعدوّ خاصّة،قاله ابن عمر،و ابن عبّاس،و أنس،و الشّافعيّ،و هو اختيار علمائنا،و رأي أكثر أهل اللّغة و محصّليها على أنّ أحصر:عرّض للمرض،و حصر:نزل به الحصر.

و قد اتّفق علماء الإسلام على أنّ الآية نزلت سنة ستّ في عمرة الحديبيّة حين صدّ المشركون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن مكّة،و ما كانوا حبسوه و لكن حبسوا البيت و منعوه،و قد ذكر اللّه تعالى القصّة في سورة الفتح،فقال:

وَ الْهَدْيَ مَعْكُوفاً أَنْ يَبْلُغَ مَحِلَّهُ الفتح:25.

و قد تأتي أفعال يكون فيها:فعل و أفعل بمعنى واحد، و المراد بالآية رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه،و معناها:فإن منعتم.

و يقال:و منع الرّجل عن كذا،فإنّ المنع مضاف إليه أو إلى الممنوع عنه.

و حقيقة المنع عندنا:العجز الّذي يتعذّر معه الفعل، و قد بيّنّاه في كتب الأصول،و الّذي يصحّ أنّ الآية نزلت في الممنوع بعذر،و أنّ لفظها في كلّ ممنوع.و معناها يأتي إن شاء اللّه.[ثمّ قال:]

المسألة الثّانية عشرة:في تأكيد معنى قوله تعالى:

فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ و تتميمه.و قد بيّنّا أنّ معنى قوله تعالى:

أُحْصِرْتُمْ منعتم،فإن كان المنع بعدوّ،ففيه نزلت الآية كما تقدّم،و هو يحلّ في موضعه،و يحلق رأسه،و ينحر هديا إن كان معه،أو يستأنف هديا كما تقدّم.

و إن كان المنع بمرض لم يحلّه عند علمائنا إلاّ البيت، خلافا لأبي حنيفة؛حيث أجرى الآية على عمومها أخذا بمطلق المنع.و زاد أصحابه و من قال بقوله عن أهل اللّغة:

أنّه يقال:حصره العدوّ و أحصره المرض،قاله أبو عبيدة و الكسائيّ.

قلنا:قال غيرهما عكسه،و قد بيّنّاها في«ملجئة المتّفقين».و حقيقته هاهنا منع العدوّ،فإنّه منعهم و لم يحبسهم،و المنع كان مضافا إلى البيت،فلذلك حلّ في موضعه،و هذا المريض المنع مضاف إليه،فكان عليه أن يصبر حتّى يصير إلى موضع الحلّ.

ص: 429

و للقوم أحاديث ضعيفة،و آثار عن السّلف أكثرها معنعن،و قد بيّنّا ذلك في«مسائل الخلاف».

المسألة الثّالثة عشرة:لا خلاف بين علماء الأمصار أنّ«الإحصار»عامّ في الحجّ و العمرة.و قال ابن سيرين:

لا إحصار في العمرة،لأنّها غير مؤقّتة.

قلنا:و إن كانت غير مؤقّتة،لكن في الصّبر إلى زوال العدوّ ضرر،و في ذلك نزلت الآية و به جاءت السّنّة،فلا معدل عنها.

المسألة الرّابعة عشرة:إذا منعه العدوّ يحلّ في موضعه و لا قضاء عليه،و به قال الشّافعيّ.

و قال أبو حنيفة:عليه القضاء،لأنّ اللّه سبحانه أوجب عليه ما استيسر من الهدي خاصّة،و لم يذكر قضاء.و متعلّقهم أمران:أحدهما:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قضى عمرة الحديبيّة في العام الآخر.

قلنا:إنّما قضاها،لأنّ الصّلح وقع على ذلك إرغاما للمشركين و إتماما للرّؤيا و تحقيقا للموعد،و هي في الحقيقة ابتداء عمرة أخرى،و سمّيت عمرة القضيّة،من المقاضاة لا من القضاء.

الثّاني:المعنى قالوا:تحلّل من نسكه قبل تمامه،فلم يكن بدّ من قضائه كالفائت و المفسد.

قلنا:الفاسد هو فيه ملوم،و الفائت هو فيه منسوب إلى التّقصير،و هذا مغلوب،و لا فائدة في اتّباع المعنى،مع ما قلناه من ظاهر الآية.(1:119)

ابن الجوزيّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و المعنى:فإن أحصرتم دون تمام الحجّ و العمرة فحللتم،فعليكم ما استيسر من الهدي.(1:204)

الفخر الرّازيّ: [نقل كلام ثعلب المتقدّم في «النّصوص اللّغويّة»و أضاف:]

إذا عرفت هذا فنقول:اتّفقوا على أنّ لفظ«الحصر» مخصوص بمنع العدوّ إذا منعه عن مراده و ضيّق عليه.أمّا لفظ«الإحصار»فقد اختلفوا فيه على ثلاثة أقوال:

الأوّل:و هو اختيار أبي عبيدة و ابن السّكّيت، و الزّجّاج،و ابن قتيبة،و أكثر أهل اللّغة،أنّه مختصّ بالمرض.قال ابن السّكّيت:يقال:أحصره المرض،إذا منعه من السّفر.و قال ثعلب في«فصيح الكلام»:أحصر بالمرض،و حصر بالعدوّ.

و القول الثّاني:أنّ لفظ«الإحصار»يفيد الحبس و المنع،سواء كان بسبب العدوّ أو بسبب المرض،و هو قول الفرّاء.

و القول الثّالث:إنّه مختصّ بالمنع الحاصل من جهة العدوّ،و هو قول الشّافعيّ رضى اللّه عنه،و هو المرويّ عن ابن عبّاس و ابن عمر،فإنّهما قالا:لا حصر إلاّ حصر العدوّ.

و أكثر أهل اللّغة يردّون هذا القول على الشّافعيّ رضى اللّه عنه.

و فائدة هذا البحث تظهر في مسألة فقهيّة،و هي أنّهم اتّفقوا على أنّ حكم الإحصار عند حبس العدوّ ثابت.

و هل يثبت بسبب المرض و سائر الموانع؟قال أبو حنيفة رضى اللّه عنه:يثبت،و قال الشّافعيّ: لا يثبت و حجّة أبي حنيفة ظاهرة على مذهب أهل اللّغة،لأنّ أهل اللّغة رجلان:

أحدهما:الّذين قالوا:الإحصار مختصّ بالحبس الحاصل بسبب المرض فقط.و على هذا المذهب تكون هذه الآية نصّا صريحا في أنّ إحصار المرض يفيد هذا

ص: 430

الحكم.

و الثّاني:الّذين قالوا:الإحصار اسم لمطلق الحبس، سواء كان حاصلا بسبب المرض أو بسبب العدوّ.و على هذا القول حجّة أبي حنيفة تكون ظاهرة أيضا،لأنّ اللّه تعالى علّق الحكم على مسمّى الحصار،فوجب أن يكون الحكم ثابتا عند حصول الإحصار،سواء حصل بالعدوّ أو بالمرض.

و أمّا على القول الثّالث:و هو أنّ الإحصار اسم للمنع الحاصل بالعدوّ،فهذا القول باطل باتّفاق أهل اللّغة، و بتقدير ثبوته فنحن نقيس المرض على العدوّ بجامع دفع الحرج،و هذا قياس جليّ ظاهر.فهذا تقرير قول أبي حنيفة رضى اللّه عنه،و هو ظاهر قويّ.

و أمّا تقرير مذهب الشّافعيّ رضى اللّه عنه،فهو أنّا ندّعي أنّ المراد بالإحصار في هذه الآية:منع العدوّ فقط، و الرّوايات المنقولة عن أهل اللّغة معارضة بالرّوايات المنقولة عن ابن عبّاس و ابن عمر.و لا شكّ أنّ قولهما أولى لتقدّمهما على هؤلاء الأدنى في معرفة اللّغة و في معرفة تفسير القرآن،ثمّ إنّا بعد ذلك نؤكّد هذا القول بوجوه من الدّلائل:

الحجّة الأولى:أنّ الإحصار«إفعال»من الحصر، و الإفعال تارة يجيء بمعنى التّعدية نحو:ذهب زيد و أذهبته أنا،و يجيء بمعنى:صار ذا كذا،نحو:أغدّ البعير إذا صار ذا غدة،و أجرب الرّجل إذا صار ذا إبل جربى.

و يجيء بمعنى وجدته بصفة كذا،نحو:أحمدت الرّجل،أي وجدته محمودا.و«الإحصار»لا يمكن أن يكون للتّعدية، فوجب إمّا حمله على الصّيرورة أو على الوجدان.

و المعنى:أنّهم صاروا محصورين أو وجدوا محصورين.

ثمّ إنّ أهل اللّغة اتّفقوا على أنّ المحصور هو الممنوع بالعدوّ لا بالمرض،فوجب أن يكون معنى«الإحصار» هو أنّهم صاروا ممنوعين بالعدوّ،أو وجدوا ممنوعين بالعدوّ؛و ذلك يؤكّد مذهبنا.

الحجّة الثّانية:أنّ الحصر عبارة عن المنع،و إنّما يقال للإنسان:إنّه ممنوع من فعله،و محبوس عن مراده،إذا كان قادرا عن ذلك الفعل متمكّنا منه،ثمّ إنّه منعه مانع عنه.

و القدرة:عبارة عن الكيفيّة الحاصلة بسبب اعتدال المزاج و سلامة الأعضاء،و ذلك مفقود في حقّ المريض، فهو غير قادر البتّة على الفعل،فيستحيل الحكم عليه بأنّه ممنوع،لأنّ إحالة الحكم على المانع تستدعي حصول المقتضى.

أمّا إذا كان ممنوعا بالعدوّ فهاهنا القدرة على الفعل حاصلة،إلاّ أنّه تعذّر الفعل لأجل مدافعة العدوّ،فصحّ هاهنا أن يقال:إنّه ممنوع من الفعل،فثبت أنّ لفظة «الإحصار»حقيقة في العدوّ،و لا يمكن أن يكون حقيقة في المرض.

الحجّة الثّالثة:أنّ معنى قوله:(احصرتم)أي حبستم و منعتم،و الحبس لا بدّ من حابس،و المنع لا بدّ له من مانع،و يمتنع وصف المرض بكونه حابسا و مانعا،لأنّ الحبس و المنع فعل،و إضافة الفعل إلى المرض محال عقلا، لأنّ المرض عرض لا يبقى زمانين،فكيف يكون فاعلا و حابسا و مانعا.و أمّا وصف العدوّ بأنّه حابس و مانع، فوصف حقيقيّ،و حمل الكلام على حقيقة أولى من حمله مجازا.

ص: 431

الحجّة الرّابعة:أنّ الإحصار مشتقّ من الحصر،و لفظ الحصر لا إشعار فيه بالمرض،فلفظ الإحصار وجب أن يكون خاليا عن الإشعار بالمرض،قياسا على جميع الألفاظ المشتقّة.

الحجّة الخامسة:أنّه تعالى قال بعد هذه الآية: فَمَنْ كانَ مِنْكُمْ مَرِيضاً أَوْ بِهِ أَذىً مِنْ رَأْسِهِ فعطف عليه المريض،فلو كان المحصر هو المريض أو من يكون المريض داخلا فيه،لكان هذا عطفا للشّيء على نفسه.

فإن قيل:إنّه خصّ هذا المرض بالذّكر،لأنّ له حكما خاصّا،و هو حلق الرّأس،فصار تقدير الآية:إن منعتم بمرض تحلّلتم بدم،و إن تأذّى رأسكم بمرض حلقتم و كفّرتم.

قلنا:هذا و إن كان حسنا لهذا الغرض،إلاّ أنّه مع ذلك يلزم عطف الشّيء على نفسه،أمّا إذا لم يكن المحصر مفسّرا بالمريض،لم يلزم عطف الشّيء على نفسه،فكان حمل المحصر على غير المريض يوجب خلوّ الكلام عن هذا الاستدلال،فكان ذلك أولى.

الحجّة السّادسة:قال تعالى في آخر الآية: فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ و لفظ الأمن إنّما يستعمل في الخوف من العدوّ لا في المرض،فإنّه يقال في المرض:شفي و عوفي و لا يقال:أمن.

فإن قيل:لا نسلّم أنّ لفظ الأمن لا يستعمل إلاّ في الخوف،فإنّه يقال:أمن المريض من الهلاك،و أيضا خصوص آخر الآية لا يقدح في عموم أوّلها.

قلنا:لفظ«الأمن»إذا كان مطلقا غير مقيّد فإنّه لا يفيد إلاّ الأمن من العدوّ.

و قوله:خصوص آخر الآية لا يمنع من عموم أوّلها.

قلنا:بل يوجب،لأنّ قوله: فَإِذا أَمِنْتُمْ ليس فيه بيان أنّه حصل الأمن ممّا ذا،فلا بدّ و أن يكون المراد حصول الأمن من شيء تقدّم ذكره،و الّذي تقدّم ذكره و هو الإحصار،فصار التّقدير:فإذا أمنتم من ذلك الإحصار.

و لمّا ثبت أنّ لفظ الأمن لا يطلق إلاّ في حقّ العدوّ، وجب أن يكون المراد من هذا الإحصار:منع العدوّ، فثبت بهذه الدّلائل أنّ الإحصار المذكور في الآية هو منع العدوّ فقط،أمّا قول من قال:إنّه منع المرض صاحبه خاصّة،فهو باطل بهذه الدّلائل.

و فيه دليل آخر:و هو أنّ المفسّرين أجمعوا على أنّ سبب نزول هذه الآية أنّ الكفّار أحصروا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بالحديبيّة،و النّاس و إن اختلفوا في أنّ الآية النّازلة في سبب هل تتناول غير ذلك السّبب؟إلاّ أنّهم اتّفقوا على أنّه لا يجوز أن يكون ذلك السّبب خارجا عنه.فلو كان «الإحصار»اسما لمنع المرض،لكان سبب نزول الآية خارجا عنها،و ذلك باطل بالإجماع.فثبت بما ذكرنا أنّ «الإحصار»في هذه الآية عبارة عن منع العدوّ،و إذا ثبت هذا فنقول:لا يمكن قياس منع المرض عليه،و بيانه من وجهين:

الأوّل:أنّ كلمة«إن»شرط عند أهل اللّغة،و حكم الشّرط انتفاء المشروط عند انتفائه ظاهرا،فهذا يقتضي أن لا يثبت الحكم إلاّ في الإحصار الّذي دلّت الآية عليه، فلو أثبتنا هذا الحكم في غيره قياسا كان ذلك نسخا للنّصّ بالقياس،و هو غير جائز.

ص: 432

الوجه الثّاني:أنّ الإحرام شرع لازم لا يحتمل النّسخ قصدا،أ لا ترى أنّه إذا جامع امرأته حتّى فسد حجّه لم يخرج من إحرامه،و كذلك لو فاته الحجّ حتّى لزمه القضاء و المرض ليس كالعدوّ،و لأنّ المريض لا يستفيد بتحلّله و رجوعه أمنا من مرضه.و أمّا المحصر بالعدوّ فإنّه خائف من القتل إن قام،فإذا رجع فقد تخلّص من خوف القتل.

فهذا ما عندي في هذه المسألة على ما يليق بالتّفسير.

(5:159)

القرطبيّ: قوله تعالى: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فيه اثنتا عشرة مسألة:

الأولى:قال ابن العربيّ: هذه آية مشكلة،عضلة من العضل.

قلت:لا إشكال فيها،و نحن نبيّنها غاية البيان، فنقول:الإحصار هو المنع من الوجه الّذي تقصده بالعوائق جملة،ف«جملة»أي بأيّ عذر كان،كان حصر عدوّ أو جور سلطان أو مرض،أو ما كان.

و اختلف العلماء في تعيين المانع هنا على قولين:

الأوّل:قال علقمة و عروة ابن الزّبير و غيرهما:هو المرض لا العدوّ،و قيل:العدوّ خاصّة،قاله ابن عبّاس و ابن عمر و أنس و الشّافعيّ قال ابن العربيّ: و هو اختيار علمائنا...

قلت:ما حكاه ابن العربيّ من أنّه اختيار علمائنا، فلم يقل به إلاّ أشهب وحده،و خالفه سائر أصحاب مالك في هذا.و قالوا:الإحصار إنّما هو المرض،و أمّا العدوّ فإنّما يقال فيه:حصر حصرا فهو محصور،قاله الباجيّ في «المنتقى».[ثمّ نقل كلام الزّجّاج و أهل اللّغة في استعمال الحصر و الإحصار و قال:]

قلت:ما ادّعته الشّافعيّة قد نصّ الخليل بن أحمد و غيره على خلافه.قال الخليل :حصرت الرّجل حصرا:

منعته و حبسته،و أحصر الحاجّ عن بلوغ المناسك من مرض أو نحوه.هكذا قال،جعل الأوّل ثلاثيّا من حصرت و الثّاني في المرض رباعيّا.و على هذا خرّج قول ابن عبّاس:لا حصر إلاّ حصر العدوّ.

و قال ابن السّكّيت:أحصره المرض،إذا منعه من السّفر أو من حاجة يريدها،و قد حصره العدوّ يحصرونه،إذا ضيّقوا عليه فأطافوا به،و حاصروه محاصرة و حصارا.

قال الأخفش:حصرت الرّجل فهو محصور،أي حبسته.قال:و أحصرني بولي و أحصرني مرضي،أي جعلني أحصر نفسي.

قال أبو عمرو الشّيبانيّ: حصرني الشّيء و أحصرني، أي حبسني.

قلت:فالأكثر من أهل اللّغة على أنّ«حصر»في العدوّ،و«أحصر»في المرض.و قد قيل ذلك في قول اللّه تعالى: لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ البقرة:

273.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال الزّجّاج:الإحصار عند جميع أهل اللّغة إنّما هو من المرض،فأمّا من العدوّ فلا يقال فيه:إلاّ حصر،يقال:

حصر حصرا،و في الأوّل أحصر إحصارا،فدلّ على ما ذكرناه.

و أصل الكلمة من الحبس،و منه الحصير:للّذي يحبس نفسه عن البوح بسرّه،و الحصير:الملك لأنّه

ص: 433

كالمحبوس من وراء الحجاب،و الحصير:الّذي يجلس عليه لانضمام بعض طاقات البرديّ إلى بعض،كحبس الشّيء مع غيره.

الثّانية:و لمّا كان أصل الحصر:الحبس قالت الحنفيّة:

المحصر من يصير ممنوعا من مكّة بعد الإحرام بمرض أو عدوّ أو غير ذلك،و احتجّوا بمقتضى الإحصار مطلقا.

قالوا:و ذكر الأمن في آخر الآية لا يدلّ على أنّه لا يكون من المرض،قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«الزّكام أمان من الجذام»، و قال:«من سبق العاطس بالحمد أمن من الشّوص و اللّوص و العلّوص».الشّوص:وجع السّنّ،و اللّوص:وجع الأذن،و العلّوص:وجع البطن،أخرجه ابن ماجه في سننه.

قالوا:و إنّما جعلنا حبس العدوّ حصارا،قياسا على المرض إذا كان في حكمه،لا بدلالة الظّاهر.

و قال ابن عمر و ابن الزّبير و ابن عبّاس و الشّافعيّ و أهل المدينة:المراد بالآية حصر العدوّ،لأنّ الآية نزلت في سنة ستّ في عمرة الحديبيّة،حين صدّ المشركون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن مكّة.

قال ابن عمر:خرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فحال كفّار قريش دون البيت،فنحر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم هديه و حلق رأسه.

و دلّ على هذا قوله تعالى: فَإِذا أَمِنْتُمْ و لم يقل:برأتم، و اللّه أعلم.[ثمّ أدام البحث في مسائل:

1-مكان ذبح هدي الحصر.

2-شرط الإحلال ذبح الهدي.

3-المحصر بمرض كالمحصر بعدوّ.

4-وجوب قضاء العمرة و الحجّ على المحصر و عدمه.

5-عدم جواز إحلال من كسر أو عرج من مكانه.

6-الإحصار عامّ يشمل الحجّ و العمرة.

7-لا يجوز قتال الحاصر،مسلما كان أو كافرا.

8-عدم الحصر مع رجاء زوال الحصر.فلاحظ]

(2:371-378)

البيضاويّ: منعتم،يقال:حصره العدوّ و أحصره، إذا حبسه و منعه من المضيّ،مثل صدّه و أصدّه،و المراد:

حصر العدوّ عند مالك و الشّافعيّ لقوله تعالى: فَإِذا أَمِنْتُمْ، و لنزوله في الحديبيّة،و لقول ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما:لا حصر إلاّ حصر العدوّ،و كلّ منع من عدوّ أو مرض أو غيرهما عند أبي حنيفة،لما روي عنه عليه الصّلاة و السّلام:«من كسر أو عرج فقد حلّ فعليه الحجّ من قابل».و هو ضعيف مؤوّل بما إذا شرط الإحلال به،لقوله عليه الصّلاة و السّلام لضباعة بنت الزّبير:

«حجّي و اشترطي و قولي:اللّهمّ محلّي حيث حبستني».(1:106)

نحوه أبو السّعود.(1:249)

أبو حيّان : فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ ظاهره ثبوت هذا الحكم للأمّة،و أنّه يتحلّل بالإحصار.و روي عن عائشة و ابن عبّاس:أنّه لا يتحلّل من إحرامه إلاّ بأداء نسكه، و المقام على إحرامه إلى زوال إحصاره،و ليس لمحرم أن يتحلّل بالإحصار بعد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.فإن كان إحرامه بعمرة لم يفت،و إن كان بحجّ ففاته،قضاه بالفوات بعد إحلاله منه.

و تقدّم الكلام في«الإحصار»و ثبت بنقل من نقل من أهل اللّغة:أنّ الإحصار و الحصر سواء،و أنّهما يقالان في المنع بالعدوّ و بالمرض و بغير ذلك من الموانع،فتحمل الآية على ذلك،و يكون سبب النّزول ورد على أحد

ص: 434

مطلّقات الإحصار،و ليس في الآية تقييد،و بهذا قال قتادة و الحسن و عطاء و النّخعيّ و مجاهد و أبو حنيفة[ثمّ نقل أقوال المفسّرين فيمن خالف هذا الرّأي، فلاحظ](2:72)

ابن كثير :ذكروا أنّ هذه الآية نزلت في سنة ستّ، أي عام الحديبيّة،حين حال المشركون بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و بين الوصول إلى البيت،و أنزل اللّه في ذلك سورة الفتح بكمالها،و أنزل لهم رخصة أن يذبحوا ما معهم من الهدي و كان سبعين بدنة،و أن يحلقوا رءوسهم،و أن يتحلّلوا من إحرامهم.فعند ذلك أمرهم عليه السّلام بأن يحلقوا رءوسهم و أن يتحلّلوا،فلم يفعلوا انتظارا للنّسخ،حتّى خرج فحلق رأسه ففعل النّاس.و كان منهم من قصّر رأسه و لم يحلقه،فلذلك قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«رحم اللّه المحلّقين».

قالوا:و المقصّرين يا رسول اللّه،فقال:في الثّالثة:

«و المقصّرين».

و قد كانوا اشتركوا في هديهم ذلك كلّ سبعة في بدنة، و كانوا ألفا و أربعمائة،و كان منزلهم بالحديبيّة خارج الحرم.و قيل:بل كانوا على طرف الحرم-فاللّه أعلم- و لهذا اختلف العلماء هل يختصّ الحصر بالعدوّ فلا يتحلّل إلاّ من حصره عدوّ لا مرض و لا غيره؟على قولين:[الأوّل:قول ابن عبّاس و ابن عمر و طاوس و الزّهريّ و زيد بن أسلم:«لا حصر إلاّ حصر العدوّ» و قد تقدّم]

و القول الثّاني:أنّ الحصر أعمّ من أن يكون بعدوّ أو مرض أو ضلال،و هو التّوهان عن الطّريق،أو نحو ذلك.

[ثمّ ذكر الرّوايات في هذا المعنى،و قد سبقت]

(1:409)

الفاضل المقداد:يقال:أحصر الرّجل،إذا منع من مراده بمرض أو عدوّ أو غيرهما،قال اللّه تعالى: اَلَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ البقرة:276،و حصر،إذا حبسه عدوّ عن المضيّ أو سجن،و منه قيل للحبس:الحصر، و هما بمعنى المنع من كلّ شيء،مثل صدّه و أصدّه.

فعند أبي حنيفة:كلّ منع بعدوّ أو مرض أو غيرهما، يثبت له حكم الإحصار،و عند مالك و الشّافعيّ و أحمد يختصّ الحصر بمنع العدوّ وحده.

و أمّا المنع بالمرض فقالوا:يبقى على إحرامه و لا يتحلّل حتّى يصل إلى البيت.فإن فاته الحجّ،فعل ما يفعله المفوّت من عمل العمرة و الهدي و القضاء،هذا إذا لم يشترط عندهم.أمّا مع الشّرط فالصّد و الحصر سواء.

و عند أصحابنا الإماميّة:أنّ«الإحصار»يختصّ بالمرض و«الصّد»بالعدوّ و ما ماثله،لاشتراك الجميع في المنع من بلوغ المراد.و لمّا كان لكلّ منهما حكم ليس للآخر اختصّ باسم،فإنّ حكم الممنوع بالمرض أن يبعث هديه مع أصحابه،و يواعدهم يوما لذبحه،فيتحلّل في ذلك اليوم من كلّ شيء إلاّ من النّساء،حتّى يحجّ في القابل إن كان حجّه واجبا،أو يطاف عنه للنّساء إن كان حجّه ندبا.و الممنوع بالعدوّ يذبح هديه حينئذ،و يحلّ له كلّ شيء حتّى النّساء.

و هنا فروع:يتحقّق«الصّدّ»عندنا بالمنع عن الموقفين معا لا عن أحدهما،مع حصول الآخر.أمّا الصّدّ عن مكّة مع حصول الموقفين خاصّة فإشكال،أقربه عدم تحقّقه إن كان قد تحلّل،فيبقى على إحرامه بالنّسبة إلى

ص: 435

الطّيب و النّساء و الصّيد لا غير،حتّى يأتي بباقي المناسك.

و إن لم يتحلّل يتحقّق فيتحلّل و يعيد الحجّ من قابل،و به قال مالك و أبو حنيفة و الشّافعيّ في القديم،و قال في الجديد،و أحمد:الإحصار في الكلّ متحقّق.(1:287)

البروسويّ: أي منعتم و صددتم عن الحجّ، و الوصول إلى البيت بمرض أو عدوّ أو عجز أو ذهاب نفقة أو راحلة،أو سائر العوائق بعد الإحرام بأحد النّسكين.و هذا تعميم عند أبي حنيفة،لأنّ الخطاب و إن كان للنّبيّ و أصحابه و كانوا ممنوعين بالعدوّ،لكن الاعتبار لعموم اللّفظ لا لخصوص السّبب.(1:311)

الآلوسيّ: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ مقابل لمحذوف،أي هذا إن قدرتم على إتمامها.و الإحصار و الحصر كلاهما في أصل اللّغة بمعنى المنع مطلقا.و ليس الحصر مختصّا بما يكون من العدوّ،و الإحصار بما يكون من المرض و الخوف،كما توهّم الزّجّاج من كثرة استعمالهما كذلك، فإنّه قد يشيع استعمال اللّفظ الموضوع للمعنى العامّ في بعض أفراده،و الدّليل على ذلك أنّه يقال:حصره العدوّ و أحصره،كصدّه و أصدّه.فلو كانت النّسبة إلى العدوّ معتبرة في مفهوم الحصر،لكان التّصريح بالإسناد إليه تكرارا.و لو كانت النّسبة إلى المرض و نحوه معتبرة في مفهوم الإحصار،لكان إسناده إلى العدوّ مجازا،و كلاهما خلاف الأصل.[ثمّ نقل أقوال الفقهاء إلى أن قال:]

و روى الطّحاويّ من حديث عبد الرّحمن بن زيد، قال:أهلّ رجل بعمرة-يقال له:عمر بن سعيد-فلسع، فبينا هو صريع في الطّريق إذ طلع عليه ركب فيهم ابن مسعود،فسألوه فقال:ابعثوا بالهدي،و اجعلوا بينكم و بينه يوم أمارة،فإذا كان ذلك فليحلّ.

و أخرج ابن أبي شيبة عن عطاء:لا إحصار إلاّ من مرض أو عدوّ أو أمر حابس،و روى البخاريّ مثله عنه، و قال عروة:كلّ شيء حبس المحرم فهو إحصار.

و ما استدلّ به الخصم مجاب عنه:أمّا الأوّل فستعلم ما فيه،و أمّا الثّاني فإنّه لا عبرة بخصوص السّبب،و الحمل على أنّه للتّأييد يأبى عنه ذكره باللاّم استقلالا.و القول بأنّ(احصرتم)ليس عامّا؛إذ الفعل المثبت لا عموم له، فلا يراد إلاّ ما ورد فيه،و هو حبس العدوّ بالاتّفاق،ليس بشيء،لأنّه و إن لم يكن عامّا لكنّه مطلق،فيجري على إطلاقه.

و أمّا الثّالث فلأنّه بعد تسليم حجّيّة قول ابن عبّاس رضى اللّه عنه في أمثال ذلك،معارض بما أخرجه ابن جرير و ابن المنذر عنه في تفسير الآية،أنّه كان يقول:من أحرم بحجّ أو عمرة ثمّ حبس عن البيت بمرض يجهده أو عدوّ يحبسه،فعليه ذبح ما استيسر من الهدي،فكما خصّص في الرّواية الأولى عمّم في هذه،و هو أعلم بمواقع التّنزيل...(2:80)

الطّباطبائيّ: الإحصار هو الحبس،و المنع،و المراد:

الممنوعيّة عن الإتمام بسبب مرض أو عدوّ،بعد الشّروع بالإحرام.(2:76)

مكارم الشّيرازيّ: تقول الآية: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فإنّ المحرم إن منعه مانع من أعمال الحجّ و العمرة كالمرض أو الخوف من العدوّ،عليه أن يذبح ما تيسّر له من الهدي.

جدير بالذّكر أنّه إذا كان المانع مرضا،فعلى المعتمر

ص: 436

بالعمرة المفردة أن يرسل الهدي إلى مكّة لذبحه هناك، و إن كان خوفا من عدوّ،فعليه أن يذبح الهدي حيث أحصر،كما فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله في الحديبيّة،و إن كان المحرم قد أحرم للحجّ أو منعه مرض،فيجب إرسال هديه إلى منى.(2:28)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: الحصر على ثلاثة أوجه:

أحدهما:الضّيق،كقوله: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ النّساء:90.

و الثّاني:حبسا،كقوله: وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً الإسراء:8،يقال:تسلّطا،و يقال:حبسا.

و الثّالث:المنع،كقوله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ البقرة:196.(215)

الدّامغانيّ: الحصر على ثلاثة أوجه:الضّيق، الحبس،الّذي لا يأتي النّساء.

فوجه منها الحصر:الضّيق،قوله: أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ النّساء:90،أي ضاقت قلوبهم و صدورهم.

و الوجه الثّاني:الحصر يعني الحبس،قوله: فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ البقرة:196،يقول:حبستم،كقوله:

وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً الإسراء:8،يعني محبسا.

و الوجه الثّالث:الحصور:الّذي لا يأتي النّساء،و لا يكون له شهوة النّساء،كقوله: وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً وَ نَبِيًّا مِنَ الصّالِحِينَ آل عمران:39،أي لم يكن له شهوة النّساء.(261)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحصر،أي ضيق عروق الإبل و أحاليلها،يقال للنّاقة:إنّها لحصرة الشّخب،نشبة الدّرّ.و الحصور من الإبل:الضيّقة الأحاليل،و قد حصرت و أحصرت.

و استعمل في احتباس البطن و البول توسّعا،لأنّ الأصل في إمساك البول الأسر،كما تقدّم في«أ س ر».

و قد حصر غائطه و أحصر فهو محصور،و حصر عليه بوله يحصر حصرا أشدّ الحصر،و هو أن يمسك ببوله يحصر حصرا فلا يبول،يقال:حصر عليه بوله و خلاؤه.

و استعمل في الحبس و المنع تجوّزا،يقال:حصره المرض يحصره حصرا،فهو محصور و حصر،أي حبسه، و أحصره:منعه من السّفر أو من حاجة يريدها، و حصرني الشّيء و أحصرني:حبسني،و حصره يحصره و يحصره:ضيّق عليه و أحاط به.

و الحصير:المحبس،يقال:هذا حصيره،أي محبسه، و هو الحصار أيضا.و الحصير:الملك،سمّي بذلك لأنّه محصور،أي محجوب.

و الإحصار:أن يحصر الحاجّ عن بلوغ المناسك بمرض أو نحوه،و قد أحصر،و هم محصرون في الحجّ.

و قوم محصرون:حوصروا في حصن.و حصره العدوّ يحصرونه و يحصرونه:ضيّقوا عليه و أحاطوا به، و حاصروه محاصرة و حصارا،و حصر به القوم:أطافوا.

و الحصار و المحصرة:كساء يطرح على ظهر البعير، يجعل حول سنامه،يقال:حصر البعير يحصره و يحصره

ص: 437

حصرا و احتصره،أي شدّه بالحصار،و حصرت الجمل و أحصرته:جعلت له حصارا.

و المحصرة:قتب صغير يحصر به البعير،و يلقى عليه أداة الرّاكب.

و الحصير و الحصور:الممسك البخيل الضّيّق،يقال:

رجل حصر بالعطاء،و قد حصر.و الحصور:الّذي لا ينفق على النّدامى،يقال:شرب القوم فحصر عليهم فلان،أي بخل.

و الحصور:الّذي لا إربة له في النّساء،و الهيوب المحجم عن الشّيء،و كلاهما من الإمساك و المنع.

و الحصر:ضرب من العيّ،يقال:حصر الرّجل حصرا فهو حصر،أي عيي في منطقه.

و الحصر:ضيق الصّدر،يقال:حصر صدره،أي ضاق،و إذا ضاق المرء عن أمر قيل:حصر صدر المرء عن أهله يحصر حصرا،و رجل حصر:كتوم للسّرّ، حابس له،لا يبوح به.

ثمّ استعمل في الجمع أيضا،و هو قريب من الباب، و منه:الحصير:الطّريق،و الجمع:أحصرة و حصر،لأنّه يجمع النّاس و يحصرهم،من قولهم:حصر الشّيء يحصره حصرا،أي استوعبه.

و الحصير:الباريّة (1)،لأنّه حصرت طاقته بعضها مع بعض.

و الحصير:الجنب،لأنّ بعض الأضلاع محصور مع بعض،و هما الحصيران،و حمل عليه حصير السّيف:جانباه.

و الحصير:لهم ما بين الكتف إلى الخاصرة،و عرق يمتدّ معترضا على جنب الدّابّة إلى ناحية بطنها،كأنّه مجمع الأضلاع،كالحصير،أي الجنب.

و حصيرة التّمر:الموضع الّذي يحصر فيه،و هو الجرين،و ذكر في«ح ض ر»أيضا،و هنا موضعه.

2-و شاع في هذا العصر اصطلاح«الحصار الاقتصاديّ»،و هو قيام دولة أو مجموعة دول بفرض طوق من الحظر الاقتصاديّ على دولة أو دول أخرى لأغراض سياسيّة،و لا تفكّ الحصار عنها حتّى ترضخ لمطالبها،و تقضي منها مآربها.

و أضحى هذا النّهج اليوم سيفا بقبضة الدّول العظمى،تشهره متى شاءت في مواجهة الدّول النّامية، تبتزّها به و تقهرها،فتنال بذلك من سيادتها و استقلالها.

و كان هذا النّهج الغاشم سائدا قديما في البحر،عبر محاصرة شواطئ الدّولة المحاصرة و ثغورها بواسطة الأسطول البحريّ للدّولة المحاصرة،دون إعلان الحرب، و لذا كان يطلق عليه«الحصر السّلميّ».

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الماضي و الأمر مجرّدا كلّ منهما مرّة، و(فعول و فعيل)كلّ منهما مرّة أيضا،و من باب الإفعال الماضي مجهولا مرّتين،في 6 آيات:

1- ...أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ... النّساء:90

2- ...وَ خُذُوهُمْ وَ احْصُرُوهُمْ وَ اقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ... التّوبة:5

3- ...فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ...

ص: 438


1- الحصير المنسوج من القصب،انظر(ب و ر).

4- لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ...

البقرة:273

5- ...أَنَّ اللّهَ يُبَشِّرُكَ بِيَحْيى مُصَدِّقاً بِكَلِمَةٍ مِنَ اللّهِ وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً... آل عمران:39

6- ...وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً

الإسراء:8

يلاحظ أوّلا:أنّ الحصر في(1) أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ بمعنى الضّيق،و هو الأصل في هذه المادّة كما تقدّم،و فيها بحوث:

1-قال الفرّاء:«العرب تقول:أتاني ذهب عقله، يريد:قد ذهب عقله.و سمع الكسائيّ بعضهم يقول:

فأصبحت نظرت إلى ذات التّنانير».فقوله:(حصرت) في موضع الحال،لأنّ«قد»إذا دخلت على الفعل الماضي أدنته من الحال و أشبه الأسماء.و المعنى على هذا القول:أو جاءوكم قد حصرت صدورهم.

أو يكون قوله:(حصرت)صفة لموصوف منصوب على الحال،ثمّ حذف و أقيمت الصّفة مقامه،و التّقدير:أو جاءوكم قوما حصرت صدورهم-و«قوما»حال موطّئة،أي مؤوّلة ب«جماعة»و نحوها-أو صفة مجرورة ل(قوم)المتقدّم ذكره،و ما بينهما صفة أيضا،و(جاءوكم) معترض.

و قال الزّجّاج:قال بعضهم:هو خبر بعد خبر،كأنّه قال: أَوْ جاؤُكُمْ ثمّ أخبر فقال: حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ. فعلى هذا يكون(حصرت) بدلا من(جاءوا).

2-ذكر المبرّد أنّه«دعاء من اللّه عليهم بأن تحصر صدورهم»،و قضى بعض المفسّرين بفساده،لأنّه يستلزم ألاّ يقاتلوا قومهم،و هم كفّار و قومهم كفّار.

و أجابهم ابن عطيّة قائلا:«قول المبرّد يخرّج على أنّ الدّعاء عليهم بأن لا يقاتلوا المسلمين تعجيز لهم، و الدّعاء عليهم بأن لا يقاتلوا قومهم تحقير لهم».

3-قرأ الحسن (حصرة صدورهم) بالنّصب على الحال،و قرئ أيضا (حصرات صدورهم) ،و (حاصرات صدورهم) ،و هذه القراءات تؤيّد من جعل القراءة المشهورة في موضع الحال بإضمار«قد».غير أنّ الطّبريّ لم يجز قراءة الحسن،لشذوذها و خروجها عن قراءة قرّاء الأمصار-كما قال-و أضاف الطّوسيّ قائلا:«أجاز يعقوب الوقف بالهاء».و قال العكبريّ:«إن كان قد قرئ (حصرة) بالرّفع فعلى أنّه خبر،و (صدورهم) مبتدأ، و الجملة حال».و كذا قال القرطبيّ،إلاّ أنّه زاد على ذلك، فأجاز رفع (حصرات صدورهم) أيضا.

ثانيا:جاءت سائر الآيات بمعنى الحبس و المنع، و منها الآية(3): فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ و هي من آيات الأحكام،و نحجم هنا عن الخوض في حكم المحبوس عن الوصول إلى البيت الحرام،احترازا من الإطالة،سوى ذكر نكتتين:

1-ذهب أغلب اللّغويّين و المفسّرين إلى أنّ «الإحصار»منع بالمرض،و«الحصر»منع بالسّجن و الحبس.و منهم من جعلهما منعا بالعدوّ،و قد جمع الفاضل المقداد القولين،فقال:«يقال:أحصر الرّجل،إذا منع من مراده بمرض أو عدوّ أو غيرهما،قال اللّه تعالى: اَلَّذِينَ

ص: 439

أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ البقرة:273،و حصر،إذا حبسه عدوّ عن المضيّ أو سجن،و منه قيل للحبس:الحصر، و هما بمعنى المنع من كلّ شيء،مثل:صدّه و أصدّه».

و ذهب بعض إلى أنّ الإحصار و الحصر سواء، و اختلفوا في معناهما؛فقال الواحديّ: «أصل الحصر و الإحصار:الحبس،يقال:من حصرك هاهنا،و من أحصرك»؟و قال ابن عطيّة:«في المجمل لابن فارس:

حصر و أحصر بالعدوّ.و قال الفرّاء:هما بمعنى واحد في المرض و العدوّ».

2-اتّفق الجمهور على أنّ هذه الآية نزلت سنة ستّ للهجرة في عمرة الحديبيّة حين صدّ المشركون المسلمين عن مكّة،و لكنّهم اختلفوا في حكمها،أ هو في العدوّ أم المرض؟

قال الطّبريّ: «إنّما أنزل اللّه هذه الآية في حصر العدوّ،فلا يجوز أن يصرف حكمها إلى غير المعنى الّذي نزلت فيه».

و قال الجصّاص:«فإن قيل:لم تختلف الرّواة أنّ هذه الآية نزلت في شأن الحديبيّة،و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه ممنوعين بالعدوّ،فأمرهم اللّه بهذه الآية بالإحلال من الإحرام،فدلّ على أنّ المراد بالآية هو العدوّ.قيل له:لمّا كان سبب نزول الآية هو العدوّ،ثمّ عدل عن ذكر الحصر -و هو يختصّ بالعدوّ-إلى الإحصار الّذي يختصّ بالمرض،دلّ ذلك على أنّه أراد إفادة الحكم في المرض، ليستعمل اللّفظ على ظاهره».

قال ابن عطيّة:«و الصّحيح أنّ(حصر)إنّما هي فيما أحاط و جاور،فقد يحصر العدوّ و الماء و نحوه و لا يحصر المرض.و(احصر)معناه جعل الشّيء ذا حصر،كأقبر و أحمى و غير ذلك،فالمرض و الماء و العدوّ و غير ذلك قد يكون محصرا لا حاصرا،أ لا ترى أنّ العدوّ كان محصرا في عام الحديبيّة،و في ذلك نزلت هذه الآية عند جمهور أهل التّأويل».

ثالثا:اختلف في من أحصر و في معنى الإحصار في (4) لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ ففيها بحثان.

1-قالوا:المراد بالفقراء في هذه الآية هم فقراء المهاجرين،أو قوم أصابتهم جراحات مع النّبيّ فصاروا زمنى،أو الّذين أحصرهم المشركون فمنعوهم التّصرّف، أو أهل الصّفّة حصروا أنفسهم في سبيل اللّه للغزو.

و سياق الآيات قبلها و بعدها يعمّ الجميع،بأن تصرف الصّدقات العامّة الّتي ينفقها النّاس في حاجات هؤلاء الفقراء عامّة.

2-قالوا في معنى(احصروا):حبسوا أنفسهم على طاعة اللّه،و هو قول ابن عبّاس،أو حبسهم المشركون في المدينة،و هو قول السّدّيّ،أو منعهم الفقر من الجهاد،و هو قول ابن عبّاس أيضا،أو منعهم التّشاغل بالجهاد عن طلب المعاش.

و قال ابن عطيّة:«كأنّ هذه الأعذار أحصرتهم،أي جعلتهم ذوي حصر،كما قالوا:قبّره:أدخله في قبره، و أقبره:جعله ذا قبر،فالعدوّ و كلّ محيط يحصر، و الأعذار المانعة تحصر،بضمّ التّاء و كسر الصّاد،أي تجعل المرء كالمحاط به».

رابعا:اتّفقوا على أنّ(حصورا)في(5) وَ سَيِّداً وَ حَصُوراً هو الّذي لا يغشى النّساء و لا يأتيهنّ،إلاّ

ص: 440

أنّهم اختلفوا في علّة ذلك على قولين:

1-كان عنّينا لا ماء له،و لم يكن معه إلاّ مثل هدبة الثّوب،أو مثل الأنملة أو القذاة أو النّواة،و هو قول المتقدّمين من الصّحابة و التّابعين.و«حصور»على هذا القول«فعول»بمعنى«مفعول»،كأنّه محصور عنهنّ،أي ممنوع محبوس عنهنّ،و نظيره«ركوب»،أي مركوب، و«حلوب»أي محلوب.

2-كان قادرا على الوطء،إلاّ أنّه يمسك نفسه تقى و جلدا في طاعة اللّه،و هو قول المتأخّرين،كالبغويّ و الزّمخشريّ و غيرهما.و«حصور»على ذلك«فعول» بمعنى«فاعل»،أي يحصر نفسه و يمنعها من الشّهوات.

قال البغويّ: «اختار قوم هذا القول لوجهين:

أحدهما:لأنّ الكلام خرج مخرج الثّناء،و هذا أقرب إلى استحقاق الثّناء.

و الثّاني:أنّه أبعد من إلحاق الآفة بالأنبياء».

خامسا:فسّروا(حصيرا)في(6)بمعنيين:

1-السّجن و المحبس،و هو قول ابن عبّاس و قتادة و ابن زيد،و إليه ذهب أغلب المفسّرين.و هو على هذا القول«فعيل»بمعنى«فاعل»من قولهم:حصرت الرّجل، أي حبسته،فأنا حاصر و هو محصور،و هذا حصيره،أي محبسه.

و قال أبو حيّان:«و الّذي يظهر أنّها حاصرة لهم محيطة بهم من جميع جهاتهم،فحصير معناه ذات حصر؛ إذ لو كان للمبالغة لزمته التّاء،لجريانه على المؤنّث،كما تقول:رحيمة و عليمة،و لكنّه على معنى النّسب،كقوله:

اَلسَّماءُ مُنْفَطِرٌ بِهِ المزّمّل:18،أي ذات انفطار».

و يحتمل أن يكون«فعيلا»بمعنى«مفعول»من قولهم للملك«حصير»:أي محصور محجوب عن النّاس،فعليه تكون جهنّم للكافرين موضعا محصورا.

2-الفراش و المهاد،و هو قول الحسن،و اختاره بعض كالطّبريّ،و وجّه هذا المعنى إلى القول:«لأنّ ذلك إذا كان كذلك،كان جامعا معنى الحبس و الامتهاد،مع أنّ الحصير بمعنى البساط في كلام العرب أشهر منه بمعنى الحبس،و أنّها إذا أرادت أن تصف شيئا بمعنى حبس شيء،فإنّما تقول:هو له حاصر أو محصر.فأمّا الحصير فغير موجود في كلامهم،إلاّ إذا وصفته بأنّه:مفعول به، فيكون في لفظ«فعيل»و معناه:«مفعول»به،أ لا ترى بيت لبيد:«لدى باب الحصير»؟فقال:لدى باب الحصير،لأنّه أراد لدى باب المحصور،فصرف«مفعولا» إلى«فعيل»فأمّا«فعيل»في الحصر بمعنى وصفه بأنّه الحاصر،فذلك ما لا نجده في كلام العرب،فلذلك قلت:

قول الحسن أولى بالصّواب في ذلك».

ص: 441

ص: 442

ح ص ل

اشارة

حصّل

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :حصل يحصل حصولا،أي بقي و ثبت و ذهب ما سواه،من حساب أو عمل و نحوه،فهو حاصل.

و التّحصيل:تمييز ما يحصل؛و الاسم:الحصيلة.[ثمّ استشهد بشعر]

و حوصلة الطّائر:معروف.و الحوصلة:طير أعظم من طير الماء،طويل العنق بحريّة،جلودها بيض تلبس؛ و يجمع:حواصل.

و الحوصل:الشّاة الّتي عظم ما فوق سرّتها من بطنها.

و يقال:احونصل الطّير،إذ ثنى عنقه،و أخرج حوصلته.(3:116)

ابن شميّل: من أدواء الخيل:الحصل و القصل.

و الحصل:سفّ الفرس التّراب من البقل،فيجتمع منه تراب في بطنه فيقتله.فإن قتله الحصل قيل:إنّه لحصل.

(الأزهريّ 4:242)

أبو زيد :الحوصلّة للطّير بمنزلة المعدة للإنسان، و هي المصارين لذي الظّلف و الخفّ.و القانصة من الطّير تدعى:الجرّيئة مهموزة على«فعّيلة».

(الأزهريّ 4:242)

اللّحيانيّ: الحصالة:ما يخرج منه[الطّعام]فيرمى به إذا كان أجلّ من التّراب و الدّقاق قليلا.

(ابن سيده 3:150)

ابن الأعرابيّ: زاورة القطاة:ما تحمل فيه الماء لفراخها،و هي حوصلتها،و الغراغر:الحواصل.و يقال:

حوصلة و حوصلّة و حوصلاء ممدود،بمعنى واحد.(الأزهريّ 4:241)

الحصل في أولاد الإبل:أن تأكل التّراب و لا تخرج الجرّة،و ربّما قتلها ذلك.

ص: 443

و في الطّعام:مريراؤه و حصله و غفاه و فغاه و حثالته و حفالته،بمعنى واحد.

و حصّل (1)النّخل،إذا استدار بلحه.

الحاصل:ما خلص من الفضّة،من حجارة المعدن.

و يقال للّذي يخلّصه:محصّل.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:242)

الدّينوريّ: الحصل و الحصالة:ما بقي من الشّعير و البرّ في البيدر إذا نقي و عزل رديئه.(ابن سيده 3:150)

الحربيّ: و الحوصلة من الطّير بمنزلة المعدة، و تدعى القانصة من الطّير.(3:1206)

ابن دريد :الحصل:البلح قبل أن يشتدّ و تظهر ثفاريقه؛الواحدة:حصلة و حصلة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:ما حصل في يدي منه شيء،أي ما رجع منه إليّ شيء،و لا اجتمع في يدي منه شيء.و منه اشتقاق «الحوصلة»الواو زائدة.

و الحصيل:ضرب من النّبت،ذكره الحرمازيّ.و لا أدري ما حقيقته.

و حصل بطنه يحصل حصلا،إذا أصابه اللّوى،لغة يمانيّة.

و قد يقال:حصل الفرس،إذا اشتكى بطنه عن أكل التّراب.(2:163)

يقال لحوصلة الطّائر:حوصل و حوصلّة مثقّل.

و قال آخر:الحوصل:جمع الحوصلة و الحوصلاء أيضا.

[ثمّ استشهد بشعر](3:364)

الأزهريّ: و حوصل الرّوض:قراره،و هو أبطؤها هيجا،و به سمّيت حوصلة الطّائر،لأنّها قرار ما يأكله.

[و قيل]:أحصل القوم فهم محصلون،إذا حصّل نخلهم،و ذلك إذا استبان البسر و تدحرج.(4:242)

الصّاحب:حصل الشّيء يحصل حصولا، و الحاصل:الباقي الثّابت.

و التّحصيل:تمييز ما يحصل؛و الاسم:الحصيلة.

و حصلت الشّيء فحصل،كقولهم:نقصته فنقص.

و التّحصيل:أن ينزل النّاس كلّ منهم منزلة، و الحصل:مثله.

و الحوصلة:حوصلة الطّائر.و يقال:حوصلّة و حوصلاء ممدود.

و احونصل الطّائر:ثنى عنقه،و أخرج حوصلته.

و المحوصل و المحصوصل من البطون:الّذي خرج بطنه من قبل سرّته.

و الحصل:ما يسقط من البسر صغارا؛الواحدة:

حصلة.

و الحصالة:سقاطة البرّ.

و حصل الصّبيّ،إذا وقعت الحصاة في أنثييه.

و الحصل:أن يأكل الإبل بقلا فيه تراب و حصى.

و المحصّلة:الّتي تغسل تراب الفضّة.

و التّحصيل:إخراج الذّهب من الفضّة.

و الحوصل:نبت.(2:458)

الجوهريّ: حصّلت الشّيء تحصيلا.ا.

ص: 444


1- في الهامش:جاء في القاموس و اللّسان«حصل»من غير تشديد.و يأتي عن الأزهريّ و غيره مشدّدا.

و حاصل الشّيء و محصوله:بقيّته.

و الحصائل:البقايا؛الواحدة:حصيلة.

و المحصّلة:المرأة الّتي تحصّل تراب المعدن.

و تحصيل الكلام:ردّه إلى محصوله.

و الحصيل:نبت.

و قد حصل الفرس حصلا،إذا اشتكى بطنه من أكل تراب النّبت.

و الحصل أيضا:البلح قبل أن يشتدّ و تظهر ثفاريقه؛ الواحدة:حصلة.و قد أحصل النّخل.

و الحصالة بالضّمّ:ما يبقى في الأندر من الحبّ بعد ما يرفع الحبّ؛و هو الكناسة.

و الحوصلة:واحدة حواصل الطّير،و قد حوصل،أي ملأ حوصلته.يقال:«حوصلي و طيري».[و استشهد بالشّعر مرّتين](4:1669)

ابن فارس: الحاء و الصّاد و اللاّم أصل واحد منقاس،و هو جمع الشّيء،و لذلك سمّيت حوصلة الطّائر،لأنّه يجمع فيها.

و يقال:حصّلت الشّيء تحصيلا.و زعم ناس من أهل اللّغة أنّ أصل التّحصيل؛استخراج الذّهب أو الفضّة من الحجر أو من تراب المعدن،و يقال لفاعله:المحصّل.

فإن كان كذا فهو القياس؛و الباب كلّه محمول عليه.

و الحصل:البلح قبل أن يشدّ و يظهر ثفاريقه، الواحدة:حصلة.

و هذا أيضا من الباب،أعني:الحصل،لأنّه حصّل من النّخلة.

و ممّا شذّ عن الباب-و ما أدري ممّ اشتقاقه-قولهم:

حصل الفرس،إذا اشتكى بطنه عن أكل التّراب.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:68)

ابن سيده: ...و المحصول:الحاصل،و هو أحد المصادر الّتي جاءت على«مفعول»كالمعمول و الميسور و المعسور.

و تحصّل الشّيء:تجمّع و ثبت.

و حصلت الدّابّة حصلا:أكلت التّراب فبقي في جوفها ثابتا،و إذا وقع في الكرش لم يضرّها،و إذا وقع في القبّة قتلها.

و قيل:الحصل أن يثبت الحصى في لاقطة الحصى، و هي ذوات الأطباق في قطنة البعير،فلا تخرج في الجرّة حين يجترّ،فربّما قتل إذا توكّأت على جردانه.

و الحصل:ما تناثر من حمل النّخلة و هو أخضر غضّ،مثل الخرز الخضر الصّغار.

و الحصل:البلح قبل أن يشتدّ و تظهر ثفاريقه؛ واحدته:حصلة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:هو الطّلع إذا اصفرّ،و قد حصّل النّخل.

قيل:التّحصيل:استدارة البلح،و قيل:أحصل البلح،إذا خرج من ثفاريقه صغارا.

و الحصل من الطّعام:ما يخرج منه فيرمى به من دنقة،و زؤان و نحوهما.

و الحوصل و الحوصلة و الحوصلاء من الطّائر و الظّليم،بمنزلة المعدة للإنسان.

و احونصل الطّائر:ثنى عنقه و أخرج حوصلته.

ص: 445

و حوصلة الإنسان و كلّ شيء:مجتمع الثّفل أسفل من السّرّة.و قيل:الحوصلة:المريطاء،و هو أسفل البطن إلى العانة،و قيل:هو ما بين السّرّة إلى العانة.

و ناقة ضخمة الحوصلة،أي البطن.

و المحوصل:الّذي يخرج أسفله من قبل سرّته مثل بطن الحبلى.

و الحوصل:الشّاة الّتي عظم من بطنها ما فوق سرّتها.

و حوصلة الحوض:مستقرّ الماء في أقصاه.

و حوصلاء و الحوصلاء:موضع.(3:150)

الرّاغب: التّحصيل:إخراج اللّبّ من القشور، كإخراج الذّهب من حجر المعدن،و البرّ من التّبن.قال اللّه تعالى: وَ حُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ العاديات:10، أي أظهر ما فيها و جمع،كإظهار اللّبّ من القشر و جمعه، أو كإظهار الحاصل من الحساب.

و قيل:للحثالة:الحصيل.

و حصل الفرس،إذا اشتكى بطنه عن أكله.

و حوصلة الطّير:ما يحصل فيه من الغذاء.(121)

الزّمخشريّ: حصل له كذا حصولا.

و حصل عليه من حقّي كذا،أي بقي.

و ما حصل في يدي شيء منه،أي ما رجع.و ما حصلت منه على شيء.

و مضى الكرام،فحصلت بعدهم على ناس لئام.

و هذا حاصل المال،أي باقيه بعد الحساب.

و هذا محصول كلامه،و محصول مراده،و فيه وجهان:

أحدهما:أن يكون مصدرا،كالمعقول و المجلود،وضع موضع الفاعل،كما وضع صوم و فطر موضع صائم و مفطر.

و الثّاني:أن يقال:حصله بمعنى حصّله.

و ما لفلان محصول و لا معقول،أي رأي و تمييز.

و حصّل المال في يده،و حصّل العلم.

و اجتهد فما تحصّل له شيء.

و حصّل تراب المعدن:ميّز الذّهب منه و خلّصه.

و حصّل الدّقيق بالمحصل،و هو المنخل.

و حصّلوا النّاس في الدّيوان:ميّزوا بين شاهدهم و غائبهم،و حيّهم و ميّتهم.

و حصّل كلامه:ردّه إلى محصوله.

و ما حصيلتك و ما حصائلك؟أي ما حصّلته.و سمّي «كتاب الحصائل»لأنّ صاحبه زعم أنّه حصّل فيه ما فات الخليل.[و استشهد بالشّعر ثلاث مرّات]

(أساس البلاغة:86)

ابن الأثير: فيه:«بذهبة لم تحصّل من ترابها»أي لم تخلّص.و حصّلت الأمر:حقّقته و أثبتّه؛و الذّهب:يذكّر و يؤنّث.(1:396)

الفيّوميّ: حصل الشّيء حصولا،و حصل لي عليه كذا:ثبت و وجب.و حصّلته تحصيلا...

و حاصل الشّيء و محصوله واحد.

و حوصلة الطّائر،بتخفيف اللاّم و تثقيلها.(1:139)

الفيروزآباديّ: الحاصل من كلّ شيء:ما بقي و ثبت،و ذهب ما سواه.حصل حصولا و محصولا.

ص: 446

و التّحصيل:تمييز ما يحصل؛و الاسم:الحصيلة.

و تحصّل:تجمّع و ثبت.

و المحصول:الحاصل.

و حصلت الدّابّة،كفرح:أكلت التّراب أو الحصى، فبقي في جوفها.و الصّبيّ: وقع الحصى في أنثييه.

و الحصل،محرّكة و بالفتح:البلح قبل أن يشتدّ،أو إذا اشتدّ و تدحرج،و الطّلع إذا اصفرّ،و قد حصّل النّخل فيهما تحصيلا،و أحصل،و ما يخرج من الطّعام فيرمى به كالزّؤان،و ما يبقى من الشّعير و البرّ في البيدر إذا عزل رديئه،كالحصالة فيهما.

و كأمير:نبات.

و الحوصل و الحوصلاء و الحوصلة،و تشدّد لامها، من الطّير كالمعدة للإنسان.

و احونصل:ثنى عنقه،و أخرج حوصلته.أو الحوصلة:أسفل البطن إلى العانة من كلّ شيء،و من الحوض:مستقرّ الماء في أقصاه،كالحوصل.

و المحوصل.

و المحوصل:من يخرج أسفله من قبل سرّته كالحبلى.

و الحوصل:شاة عظم من بطنها ما فوق سرّتها.

و حوصلاء:موضع.

و المحصّلة كمحدّثة:المرأة تحصّل تراب المعدن.

و حوصل:ملأ حوصلته.

و الحيصل:الباذنجان.

حصلت النّخلة،كفرح:فسدت أصول سعفها، و صلاحها أن تشعل النّار في كربها حتّى يحترق ما فسد من ليفها و سعفها،ثمّ تجود.(3:368)

مجمع اللّغة :حصّل الشّيء تحصيلا:أظهره و جمعه و ميّزه.(1:267)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حصّل الشّيء تحصيلا:أظهره و جمعه.و أصل التّحصيل:إخراج اللّبّ من القشر،و التّمييز بينهما.(1:136)

المصطفويّ: و يظهر من هذه الكلمات أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ما يستنتج و يبقى من فعل و انفعال أو عمل،أو فكر مادّيّا أو معنويّا.

و أمّا مفهوم البقيّة و الثّابت و الواجب و الجمع:

فباعتبار ما يبقى في مقام الاستنتاج،و ما ثبت بعد العمل، و ما وجب،و ما جمع بعد فعل و انفعال.

و أمّا الحوصلة فباعتبار كونها وسيلة لانتاج الغذاء، و فيها يتحقّق الفعل و الانفعال،و تتحصّل نتيجة العمل، و الحوصل ككوثر:الواو و الثّاء زيدتا للمبالغة.

و أمّا حصل بالكسر،بمعنى اشتكى،فباعتبار الكسر المناسب لكسر الثّبوت.[ثمّ ذكر الآيات.لاحظ النّصوص التّفسيريّة](2:250)

النّصوص التّفسيريّة

حصّل

وَ حُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ العاديات:10

ابن عبّاس: بيّن ما في القلوب من الخير و الشّرّ و البخل و السّخاوة.(517)

نحوه الفرّاء(3:286)،و الطّبريّ(30:280).

ص: 447

الكلبيّ: ميّز ما فيها.(الماورديّ 6:326)

نحوه الثّوريّ(الطّبريّ 30:280)،و أبو عبيدة (2:308)،و ابن قتيبة(536).

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:أحدها:[قول الكلبيّ و قد تقدّم]

و الثّاني:استخرج ما فيه.

الثّالث:كشف ما فيها.(6:326)

الواحديّ: أي ميّز و بيّن ما فيها من الخير و الشّرّ.

و التّحصيل:تمييز ما يحصل.(4:545)

البغويّ: أي ميّز و أبرز ما فيه من خير أو شرّ.

(5:296)

نحوه القاسميّ.(17:6240)

ابن عطيّة: تحصيل ما في الصّدور:تمييزه و كشفه ليقع الجزاء عليه من إيمان و كفر و نيّة،و يفسّره قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:

«يبعث النّاس يوم القيامة على نيّاتهم».

و قرأ يحيى بن يعمر و نصر بن عاصم بفتح الحاء و الصّاد.(5:515)

الطّبرسيّ: أي ميّزوا بين ما فيها من الخير و الشّرّ.

قيل:معناه و أظهر ما أخفته الصّدور ليجازى على السّرّ كما يجازى على العلانية.(5:530)

الفخر الرّازيّ: و في التّفسير وجوه:

أحدها:معنى(حصّل)جمع في الصّحف،أي أظهر محصّلا مجموعا.

و ثانيها:أنّه لا بدّ من التّمييز بين الواجب و المندوب،و المباح و المكروه و المحظور.فإنّ لكلّ واحد حكما على حدة،فتمييز البعض و تخصيص كلّ واحد منها بحكمه اللاّئق به هو التّحصيل،و منه قيل للمنخل:

المحصل.

و ثالثها:أنّ كثيرا ما يكون باطن الإنسان بخلاف ظاهره.أمّا في يوم القيامة فإنّه تتكشّف الأسرار و تنتهك الأستار،و يظهر ما في الباطن،كما قال: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ الطّارق:9.

و اعلم أنّ حظّ الوعظ منه أن يقال:إنّك تستعدّ فيما لا فائدة لك فيه،فتبني المقبرة و تشتري التّابوت و تفصّل الكفن و تغزل العجوز الكفن،فيقال:هذا كلّه للدّيدان فأين حظّ الرّحمن؟بل المرأة إذا كانت حاملا فإنّها تعدّ للطّفل ثيابا،فإذا قلت لها:لا طفل لك فما هذا الاستعداد؟فتقول:أ ليس يبعثر ما في بطني؟فيقول الرّبّ لك:ألا يبعثر ما في بطن الأرض فأين الاستعداد؟

و قرئ (و حصل) بالفتح و التّخفيف،بمعنى ظهر.

(32:68)

نحوه البروسويّ.(10:498)

البيضاويّ: جمع محصّلا في الصّحف،أو ميّز ما في الصّدور من خير أو شرّ.(2:572)

أبو حيّان :قرأ ابن يعمر و نصر بن عاصم و محمّد بن أبي سعدان (و حصّل) مبنيّا للفاعل،و الجمهور مبنيّا للمفعول.و قرأ ابن يعمر أيضا و نصر بن عاصم أيضا (و حصل) مبنيّا للفاعل خفيف الصّاد.و المعنى جمع ما في المصحف،أي أظهر محصّلا مجموعا.

و قيل:ميّز ليقع الجزاء عليه.(8:505)

الشّربينيّ: أي أخرج و جمع بغاية السّهولة.

(4:578)

ص: 448

الآلوسيّ: أي جمع في القلوب من العزائم المصمّمة، و أظهر كإظهار اللّبّ من القشر،و جمعه أو ميّزه خيره من شرّه.فقد استعمل حصّل الشّيء بمعنى ميّزه من غيره، كما في«البحر».

و أصل التّحصيل:إخراج اللّبّ من القشر كإخراج الذّهب من حجر المعدن،و البرّ من التّبن.و تخصيص ما في القلوب لأنّه الأصل لأعمال الجوارح،و لذا كانت الأعمال بالنّيّات،و كان أوّل الفكر آخر العمل،فجميع ما عمل تابع له،فيدلّ على الجميع صريحا و كناية.[ثمّ ذكر القراءتين مثل أبي حيان و فيه:أبي معدان بدل(أبي سعدان)،و قال:ف(ما)عليه هو الفاعل].(30:220)

الطّباطبائيّ: تحصيل ما في الصّدور:تمييز ما في باطن النّفوس من صفة الإيمان و الكفر و رسم الحسنة و السّيّئة،قال تعالى: يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ الطّارق:9.

(20:347)

المصطفويّ: أي استنتج و استخرج محصول ما كان في صدورهم من الصّفات القلبيّة و الأخلاق الباطنيّة و العلائق و الصّور مَنْ أَتَى اللّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ الشّعراء:

89، قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكّاها وَ قَدْ خابَ مَنْ دَسّاها الشّمس:9،10.

و ليعلم أنّ حشر النّاس على الصّور و الكيفيّات الّتي انفعلت قلوبهم بها،و تصوّرت و تحقّقت عليها،و هذا معنى الحديث:«لكلّ امرئ ما نوى».(2:250)

مكارم الشّيرازيّ: الكلمة في الآية تعني فصل الخير عن الشّرّ في القلوب،الإيمان عن الكفر،أو الصّفات الحسنة عن السّيّئة،أو النّوايا الحسنة عن الخبيثة،تفصل في ذلك اليوم و تظهر،و ينال كلّ فرد حسب ذلك جزاؤه.كما قال سبحانه في موضع آخر:

يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ الطّارق:9.(20:363)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحصل،و هو اجتماع تراب البقل في بطن الدّابّة.يقال:حصلت الدّابّة حصلا،أي أكلت التّراب فبقي في جوفها ثابتا،و فرس حصل:قتله الحصل،و حصل الفرس حصلا:اشتكى بطنه من أكل تراب النّبت،و الحصيل:ضرب من النّبات.

و الحصل:ما تناثر من حمل النّخلة و هو أخضر غضّ مثل الخرز الخضر الصّغار،و البلح قبل أن يشتدّ و تظهر ثفاريقه،أي أقماعه؛واحدته:حصلة.و قد أحصل النّخل،و حصّل النّخل:استدار بلحه،و أحصل القوم فهم محصلون:حصّل نخلهم؛و ذلك إذا استبان البسر و تدحرج.و كلّ ذلك تشبيه باجتماع التّراب في بطن الدّابّة.

و الحصل و الحصالة:ما يبقى من الشّعير و البرّ في البيدر إذا نقّي و عزل رديئه،و هو الكناسة،على التّشبيه.

و الحاصل:ما خلص من الفضّة من حجارة المعدن، و يقال للّذي يخلّصه:محصّل،و المحصّلة:المرأة الّتي تحصّل تراب المعدن،أو الّتي تميّز الذّهب من الفضّة،و هو تشبيه بالحصل.

و منه:الحوصلة و الحوصلّة و الحوصلاء و الحوصل من الطّائر و الظّليم[ذكر النّعام]،و هو بمنزلة المعدة من الإنسان،لأنّه يجتمع فيها ما يأكله،على التّشبيه

ص: 449

بالحصل،و قد حوصل:ملأ حوصلته،و احونصل الطّائر:

ثنى عنقه و أخرج حوصلته.

ثمّ استعيرت الحوصلة لغير الطّير؛حوصلة الإنسان و كلّ شيء:مجتمع الثّفل أسفل من السّرّة.يقال:ناقة ضخمة الحوصلة،أي البطن،و كذا الشّاة الّتي عظم من بطنها ما فوق سرّتها.

و المحوصل و المحوصل:الّذي يخرج أسفله من قبل سرّته مثل بطن الحبلى.

و حوصلة الحوض:مستقرّ الماء في أقصاه.

و حوصل الرّوض:قراره،و هو أبطؤها هيجا.

و من المجاز أيضا:حصّلت الأمر،أي حقّقته و أبنته، و الحصيلة:اسم من التّحصيل،و هو تمييز ما يحصل؛ و الجمع:حصائل،و قد حصّلت الشّيء تحصيلا، و تحصيل الكلام:ردّه إلى محصوله.

و الحاصل:ما بقي من الشّيء و ثبت و ذهب ما سواه، يكون من الحساب و الأعمال و نحوها،و هو المحصول.

يقال:حصل الشّيء يحصل حصولا،و ما حصل في يدي منه شيء:ما رجع منه إليّ شيء و لا اجتمع في يدي منه شيء.

2-و حصالة الطّعام و حسالته و حثالته و حفالته:ما يخرج منه فيرمى به،و هو الرّديء من كلّ شيء،على البدل بين هذه الحروف،و لم يشر إليها أحد من اللّغويّين،أو ممّن تكلّم في هذا الفنّ كابن السّكّيت،إلاّ أنّه قال باقتضاب:الحفالة و الحثالة:الرّديء من كلّ شيء،و قال أبو عبيدة مثله (1).

و قال اللّحيانيّ: الحصالة:ما يخرج من الطّعام فيرمى به،إذا كان أجلّ من التّراب و الدّقاق قليلا.و قد تكرّر قوله في«ح ث ل»و«ح ف ل»أيضا،دون التّصريح بإبدال بعضها من بعض.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها(حصّل)مرّة:

وَ حُصِّلَ ما فِي الصُّدُورِ العاديات:10

يلاحظ أوّلا:أنّهم ذكروا في معنى(حصّل)وجوها:

قال ابن عبّاس: «بيّن ما في القلوب من الخير و الشّرّ و البخل و السّخاوة»،و قال الكلبيّ:«ميّز ما فيها»،و قال الماورديّ:«استخرج ما فيها».فهذه أوجه ثلاثة، أضاف إليها الفخر الرّازيّ وجها رابعا فقال:«جمع في الصّحف،أي أظهر محصّلا مجموعا».

ثانيا:و لعلّ أنسب معنى إلى«التّحصيل»هو ما ذكره الفخر الرّازيّ،أي الجمع،لقربه من اللّغة،فكأنّه يجمع ما في الصّدور يوم القيامة،كما يجتمع الحصل في بطن الدّابّة،و من السّياق أيضا،لأنّه يكون طباقا مع(بعثر) الّذي يتقدّمه في الآية السّابقة أَ فَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ، فما في الصّدور يجمّع،و ما في القبور يفرّق.

قرئ أيضا: (حصّل) مبنيّا للفاعل،و الضّمير يرجع إلى اللّه،و (حصل) مخفّفا مبنيّا للفاعل أيضا،و ضمير الفاعل يرجع إلى(ما)الّذي يتلوه مباشرة.

ثالثا:يبدو من الاستعمال اللّغويّ و القرآنيّ أنّ المحصّل في الصّدور ذو جانب سلبيّ فقط،و ليس ذا

ص: 450


1- كتاب الإبدال(125).

جانبين:سلبيّ و إيجابيّ كالخير و الشّرّ و البخل و السّخاء، كما ذكر بعضهم،فكما يقتل الحصل الدّابّة و يؤذيها، فكذلك المحصّل،فهو يضرّ الإنسان يوم القيامة و يهلكه.

و تصف السّورة الإنسان بالكفر و الجحود،فأوّلها تشديد و تأكيد،و آخرها تهديد و وعيد.

رابعا:جاء لفظ(حصّل)وحيد الجذر في القرآن،كما جاءت أربعة ألفاظ أخرى كذلك في نفس السّورة على اختصارها،و هي:ضبحا و قدحا و نقعا و لكنود في:

وَ الْعادِياتِ ضَبْحاً* فَالْمُورِياتِ قَدْحاً*... فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً*... إِنَّ الْإِنْسانَ لِرَبِّهِ لَكَنُودٌ لاحظ موادّها، و لا يخلو ذلك من سرّ،و اللّه تعالى أعلم بسرّ كتابه.

ص: 451

ص: 452

ح ص ن

اشارة

10 ألفاظ،18 مرّة:3 مكّيّة،15 مدنيّة

في 7 سور:2 مكّيّتان،5 مدنيّة

حصونهم 1:-1 محصنين 2:-2

أحصنت 2:1-1 محصنات 1:-1

أحصنّ 1:-1 المحصنات 7:-7

لتحصنكم 1:1 محصّنة 1:-1

تحصنون 1:1 تحصّنا 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحصن:كلّ موضع حصين لا يوصل إلى ما في جوفه.يقال:حصن الموضع حصانة و حصّنته و أحصنته.و حصن حصين،أي لا يوصل إلى ما في جوفه.

و الحصان:الفرس الفحل،و قد تحصّن،أي تكلّف ذلك؛و يجمع على:حصن.

و امرأة محصنة:أحصنها زوجها،و محصنة:أحصنت زوجها،و يقال:فرجها.

و امرأة حاصن بيّنة الحصن و الحصانة،أي العفافة عن الرّيبة.و امرأة حصان الفرج.

و جماعة الحاصن:حواصن و حاصنات.

و أحسن ما يجمع عليه الحصان:حصانات.

و المحصن:المكتل.

و الحصينة:اسم للدّرع المحكمة النّسج.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](3:118)

اللّيث:حصن يحصن حصانة...(الأزهريّ 4:244)

سيبويه :و قالوا:بناء حصين،و امرأة حصان.فرّقوا بين البناء و المرأة حين أرادوا أن يخبروا أنّ البناء محرز لمن لجأ إليه،و أنّ المرأة محرزة لفرجها.

و الحصنان:موضع،النّسب إليه حصني،كراهية اجتماع إعرابين.(ابن سيده 3:154)

الكسائيّ: فرس حصان:بيّن التّحصّن،و امرأة

ص: 453

حصان بفتح الحاء:بيّنة الحصانة و الحصن.

(الأزهريّ 4:245)

ابن شميّل: حصنت المرأة نفسها،و امرأة حصان و حاصن.(الأزهريّ 4:246)

أبو عمرو الشّيبانيّ: و المحصن:الزّبيل الصّغير.

(1:201)

أبو زيد :و الأحصّان:العبد و العير،لأنّهما يماشيان أثمانهما حتّى يهرما،فتنقص أثمانهما أو يموتا.(96)

ابن الأعرابيّ: كلام العرب كلّه على«أفعل»فهو «مفعل»إلاّ ثلاثة أحرف:أحصن فهو محصن،و ألفج فهو ملفج،و أسهب فهو مسهب.(الأزهريّ 4:245)

أحصن الرّجل فهو محصن-بفتح الصّاد فيهما-نادر.

(ابن سيده 3:153)

و حصين:موضع.(ابن سيده 3:154)

في حديث الأشعث:«تحصّن في محصن»المحصن:

القصر،و القفل،و الزّبيل الكبير.(المدينيّ 1:459)

اليزيديّ: سألني و الكسائيّ المهديّ عن النّسبة إلى البحرين و إلى حصنين،لم قالوا:حصني و بحرانيّ؟

فقال الكسائيّ: كرهوا أن يقولوا:حصنانيّ،لاجتماع النّونين.

و قلت أنا:كرهوا أن يقولوا:بحريّ فيشبه النّسبة إلى البحر.(الجوهريّ 5:2101)

ابن السّكّيت: و الحصان:الحافظة لفرجها،يقال:

حصنت تحصن حصنا.[ثمّ استشهد بشعر]

و نساء حواصن،و رجل محصّن،و هو الّذي قد تزوّج امرأة محصنة،و هي الحرّة ما لم تفضح نفسها بريبة.

(330)

و تقول:هذه امرأة حصان و حاصن،و قد حصنت تحصن حصنا،و هي العفيفة.[ثمّ استشهد بشعر]

و كذلك امرأة محصنة،إذا أحصنت فرجها،و امرأة محصنة كذلك،إذا أحصنها زوجها.(إصلاح المنطق:374)

شمر:الحصينة من الدّروع:الأمينة المتدانية الحلق الّتي لا يحيك فيها السّلاح.(الأزهريّ 4:244)

امرأة حصان و حاصن،و هي العفيفة.

(الأزهريّ 4:245)

أصل الحصانة:المنع،و لذلك قيل:مدينة حصينة، و درع حصينة.[و استشهد بالشّعر في المواضع الثّلاثة]

(الأزهريّ 4:246)

ثعلب :كلّ امرأة عفيفة:محصنة و محصنة،و كلّ امرأة متزوّجة:محصنة بالفتح،لا غير.[ثمّ استشهد بشعر](الجوهريّ 5:2101)

و يقال لكلّ ممنوع:محصن.(ابن فارس 2:69)

الزّجّاج: و الإحصان:إحصان الفرج،و هو إعفافه.

يقال:امرأة حصان:بيّنة الحصن،و فرس حصان بيّنة التّحصّن و التّحصين،و بناء حصين:بيّن الحصانة.و لو قيل في كلّه:الحصانة،لكان بإجماع.(2:37)

ابن دريد :الحصن:معروف،و اشتقاقه من حصّنت الشّيء تحصينا،إذا حظرته و منعته.و منه حصّنت المرأة،إذا زوّجتها.

و كلّ شيء منعته فقد حصّنته و حويته.

ص: 454

و امرأة حصان بفتح الحاء:عفيفة.

و قال بعض أهل اللّغة:الحواصن:الحبالى.

و فرس حصان بكسر الحاء،إذا ضنّ بمائه فلم ينز إلاّ على حجر كريمة،ثمّ كثر ذلك في كلامهم حتّى سمّوا كلّ ذكر حصانا.

و مكان حصين:منيع.

و ذكر قوم أنّ الزّبيل يسمّى محصنا،و لا أعرف حقيقته.

و قد سمّت العرب:حصنا و حصينا و محصنا.

و امرأة محصنة:متزوّجة،و حاصن:عفيفة.

و أحصن الرّجل فهو محصن،إذا تزوّج.و هذا أحد ما جاء على«أفعل»فهو«مفعل».

و حصنان:موضع معروف،و النّسب إليه حصني.

كرهوا ترادف النّون فيه أن يقولوا:حصنانيّ،كما قالوا:

بحرانيّ.فأمّا تكنيتهم الثّعلب أبا الحصين فشيء قد جرى على ألسن العرب قديما.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:165)

الأزهريّ: و خيل العرب حصونها،و هم إلى اليوم يسمّونها حصونا ذكورها و إناثها.

و سئل بعض الحكّام عن رجل جعل مالا له في الحصون،فقال:اشتروا خيلا و احملوا عليها في سبيل اللّه.

و العرب تسمّي السّلاح كلّه حصنا،و جعل ساعدة الهذليّ النّصال:أحصنة.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(4:247)

الصّاحب:الحصن:كلّ موضع حصين،حصن يحصن حصانة،و أحصنه أهله.

و الدّرع الحصينة:المحكمة.

و الحصان:الفرس الفحل،و قد تحصّن؛و الجميع:

الحصن.

و امرأة حصان الفرج:بيّنة الحصن و الحصن و الحصانة.و هي تحصن،إذا عفّت.

و أحصن الرّجل فهو محصن،مثل أسهب فهو مسهب.

و المحصنة:الّتي أحصنها زوجها،و المحصنة:

أحصنت فرجها.

و الحواصين:جماعة حاصن.

و المحصن من الرّجال:المتزوّج،و هو أيضا:

الشّيء المدّخر،أحصن:ادّخر،من قوله عزّ ذكره: إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تُحْصِنُونَ يوسف:48.

و المحصن:المكتل و الزّبيل.

و الحصانيّات:ضرب من الطّير.

و دارة محصن:في ديار نمير.(2:460)

ابن جنّيّ: قولهم:فرس حصان،مشتقّ من الحصانة،لأنّه محرز لفارسه،كما قالوا في الأنثى:حجر، و هو من:حجر عليه،أي منعه.(ابن سيده 3:154)

الخطّابيّ: و الحصان:الفحل.يقال:فرس حصان بكسر الحاء،و امرأة حصان بفتحها.(2:469)

الجوهريّ: الحصن:واحد الحصون.يقال:حصن حصين:بيّن الحصانة.[ثمّ استشهد بشعر]

و حصّنت القرية،إذا بنيت حولها.و تحصّن العدوّ.

و أحصن الرّجل،إذا تزوّج،فهو محصن بفتح الصّاد، و هو أحد ما جاء على«أفعل»فهو«مفعل».

ص: 455

و أحصنت المرأة:عفّت،و أحصنها زوجها،فهي محصنة و محصنة.

و حصنت المرأة بالضّمّ حصنا،أي عفّت،فهي حاصن و حصان بالفتح،و حصناء أيضا:بيّنة الحصانة.

و فرس حصان بالكسر:بيّن التّحصين و التّحصّن.

و يقال:إنّه سمّي حصانا لأنّه ضنّ بمائه فلم ينز إلاّ على كريمة.ثمّ كثر ذلك حتّى سمّوا كلّ ذكر من الخيل حصانا.(5:2101)

ابن فارس: الحاء و الصّاد و النّون أصل واحد منقاس،و هو الحفظ و الحياطة و الحرز.فالحصن معروف؛و الجمع:حصون.

و الحاصن و الحصان:المرأة المتعفّفة الحاصنة فرجها.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الفعل من هذا حصن.

و ذكر ناس أنّ«القفل»يسمّى محصنا.

و يقال:أحصن الرّجل فهو محصن،و هذا أحد ما جاء على«أفعل»فهو«مفعل».(2:69)

ابن سيده: حصن المكان حصانة فهو حصين:

منع،و أحصنه و حصّنه.

و الحصن:كلّ موضع حصين،لا يوصل إلى ما في جوفه؛و الجمع:حصون.

و درع حصين و حصينة:محكمة.

و امرأة حصان:عفيفة و متزوّجة أيضا،من نسوة حصن و حصانات؛و حاصن من نسوة حواصن و حاصنات.و قد حصنت حصنا و حصنا و حصنا و تحصّنت،و في التّنزيل إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً النّور:33.

و أحصنها البعل و حصّنها،و أحصنت نفسها.

و قرئ: (و المحصنات) و (المحصنات) و في التّنزيل: اَلَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها التّحريم:12.

و رجل محصن:متزوّج،و قد أحصنه التّزوّج.

و استعار الشّمّاخ (1)الحصان للدّرّة،لشرفها و منعة مكانها.

و الحصان:الفحل من الخيل؛و الجمع:حصن.

و تحصّن الفرس:صار حصانا.

و الحواصن من النّساء،الحبالى.

و أحصنت المرأة:حملت،و كذلك الأتان.

و المحصن:القفل.

و المحصن:المكتلة الّتي هي الزّنبيل،و لا يقال:

محصنة.

و الحصن:الهلال.

و حصين،اسم رجل.

و الحصن:ثعلبة بن عكابة،و تيم اللاّت،و ذهل.سمّوا بذلك للحصن الّذي كانوا يسكنونه باليمامة.

قيل:و إنّما سمّي ثعلبة بن عكابة الحصن،لأنّه حصّن الغنيمة من الضّحيان،أي منعها.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](3:153)

الحصان:الحافظة لفرجها،و هي على نحو قولهم:بناء حصين في المعنى،أرادوا أن يخبروا أنّ البناء محرز لمن لجأ إليه،و أنّ المرأة محرزة لفرجها،و قد حصنت حصنا و حصنا.

و تحصّنت و أحصنت هي،أي عفّت فهي محصنة،ر.

ص: 456


1- شاعر.

و هي الحرّة.و حصّنها البعل،و أحصنها.(الإفصاح 1:330)

الحصان:الذّكر من الخيل؛الجمع:حصن.مشتقّ من الحصن،لأنّه كالحصن لراكبه.

و تحصّن المهر:صار حصانا.(الإفصاح 2:665)

الرّاغب: الحصن:جمعه حصون،قال اللّه تعالى:

مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللّهِ الحشر:2،و قوله عزّ و جلّ: لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ الحشر:

14،أي مجعولة بالإحكام كالحصون.و تحصّن،إذا اتّخذ الحصن مسكنا.

ثمّ يتجوّز به في كلّ تحرّز،و منه درع حصينة:لكونها حصنا للبدن،و فرس حصان:لكونه حصنا لراكبه[ثمّ استشهد بشعر]

و قوله تعالى: إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تُحْصِنُونَ يوسف:48، أي تحرزون في المواضع الحصينة الجارية مجرى الحصن.

و امرأة حصان و حاصن؛و جمع الحصان:حصن، و جمع الحاصن:حواصن.

و يقال:حصان للعفيفة و لذات حرمة،و قال تعالى:

وَ مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها التّحريم:12.

و أحصنت و حصنت،قال اللّه تعالى: فَإِذا أُحْصِنَّ النّساء:25،أي تزوّجن،و أحصنّ:زوّجن.

و الحصان في الجملة:المحصنة إمّا بعفّتها أو تزوّجها،أو بمانع من شرفها و حرّيّتها.

و يقال:امرأة محصن و محصن.فالمحصن يقال إذا تصوّر حصنها من نفسها،و المحصن يقال إذا تصوّر حصنها من غيرها.[ثمّ ذكر الآيات](121)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:472)

الزّمخشريّ: حصّن نفسه و ماله،و تحصّن، و مدينة حصينة.

و امرأة حصان و حاصن:بيّنة الحصانة و الحصن، و نساء حواصن،و قد حصنت المرأة و تحصّنت، و أحصنها زوجها،فهي محصنة،و أحصنت فرجها فهي محصنة.

و فرس حصان:بيّن التّحصّن و التّحصين.و تقول:

«ركب الحصان و أردف الحصان».

و من المجاز:جاء يحمل حصنا،أي سلاحا.

و قال رجل لعبيد اللّه بن الحسن:إنّ أبي أوصى بثلث ماله للحصون،فقال:اذهب فاشتر به خيلا،فقال الرّجل:إنّما قال:الحصون؟قال:أ ما سمعت قول الأسعر الجعفيّ:

و لقد علمت على توقّي الرّدى

أنّ الحصون الخيل لا مدر القرى

(أساس البلاغة:86)

المدينيّ: أحصنت الشّيء:ادّخرته و حفظته.[ثمّ استشهد بشعر]

الحصان:المرأة العفيفة،و الحصان بالكسر:الفرس العتيق.و كلّ هذا من الحصن،و هو ما يتحصّن و يتحفّظ به،فالمرأة سمّيت به،لأنّ اللّه عزّ و جلّ حصّنها،أو أحصنت هي فرجها.

و الفرس يحصّن عمّا ليس بكريم من الخيل.هذا هو الأصل،ثمّ يسمّى كلّ ذكر من الخيل حصانا.(1:459)

ابن الأثير: فيه ذكر«الإحصان و المحصنات في غير موضع».أصل الإحصان:المنع،و المرأة تكون

ص: 457

محصنة بالإسلام و بالعفاف و الحرّيّة،و بالتّزويج.يقال:

أحصنت المرأة فهي محصنة،و محصنة،و كذلك الرّجل.

و المحصن بالفتح:يكون بمعنى الفاعل و المفعول، و هو أحد الثّلاثة الّتي جئن نوادر.يقال:أحصن فهو محصن،و أسهب فهو مسهب،و ألفج فهو ملفج.

و في حديث الأشعث:«تحصّن في محصن»المحصن:

القصر،و الحصن.يقال:تحصّن العدوّ،إذا دخل الحصن و احتمى به.(1:397)

الفيّوميّ: الحصن:المكان الّذي لا يقدر عليه لارتفاعه؛و جمعه:حصون.

و حصن بالضّمّ:حصانة فهو حصين،أي منيع.

و يتعدّى بالهمزة و التّضعيف،فيقال:أحصنته،و حصّنته.

و الحصان بالكسر:الفرس العتيق.قيل:سمّي بذلك،لأنّ ظهره كالحصن لراكبه.

و قيل:لأنّه ضنّ بمائه فلم ينز إلاّ على كريمة،ثمّ كثر ذلك حتّى سمّي كلّ ذكر من الخيل حصانا،و إن لم يكن عتيقا؛و للجمع:حصن،مثل كتاب و كتب.

و الحصان بالفتح:المرأة العفيفة؛و جمعها:حصن أيضا،و قد حصنت مثلّث الصّاد،و هي بيّنة الحصانة بالفتح،أي العفّة.

و أحصن الرّجل بالألف:تزوّج،و الفقهاء يزيدون على هذا:وطئ،في نكاح صحيح.

قال الشّافعيّ: إذا أصاب الحرّ البالغ امرأته أو أصيبت الحرّة البالغة بنكاح،فهو إحصان في الإسلام و الشّرك،و المراد:في نكاح صحيح.

و اسم الفاعل من أحصن إذا تزوّج،محصن-بالكسر على القياس،قاله ابن القطّاع-و محصن بالفتح على غير قياس.و المرأة محصنة بالفتح أيضا على غير قياس،و منه قوله تعالى: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ النّساء:

24،أي و يحرم عليكم المتزوّجات.

و أمّا أحصنت المرأة فرجها،إذا عفّت فهي محصنة بالفتح و الكسر أيضا.و قرئ بذلك في السّبعة.[ثمّ ذكر الآيات](1:139)

الفيروزآباديّ: حصن ككرم:منع فهو حصين، و أحصنه و حصّنه.

و الحصن بالكسر:كلّ موضع حصين لا يوصل إلى جوفه؛الجمع:حصون و أحصان و حصنة،و الهلاك و السّلاح و أحد و عشرون موضعا.

و بنو حصن:حيّ.

و درع حصين و حصينة:محكمة.

و امرأة حصان كسحاب:عفيفة أو متزوّجة؛الجمع:

حصن بضمّتين و حصانات.

و قد حصنت ككرمت حصنا مثلّثة،و تحصّنت فهي حاصن و حاصنة و حصناء؛الجمع:حواصن و حاصنات.

و أحصنها البعل و حصّنها،و أحصنت هي فهي محصنة و محصنة:عفّت أو تزوّجت أو حملت.

و الحواصن:الحبالى.

و رجل محصن كمكرم،و قد أحصنه التّزوّج.

و أحصن:تزوّج،و هو محصن كمسهب.

و كسحاب:الدّرّة.

و ككتاب:الفرس الذّكر،أو الكريم المضنون بمائه؛ الجمع:ككتب.

ص: 458

و تحصّن:صار حصانا بيّن التّحصّن و التّحصين.

و كمنبر:القفل،و الزّبيل.

و أبو الحصين كزبير:الثّعلب.

و سمّوا حصنا بالكسر،و كزبير و أمير.

و الحصانيّات:طير.

و الأحصنة:النّصال.

و حصنان:بلدة و قلعة بوادي ليّة،و هو حصني.(4:216)

الطّريحيّ: و الحصن:واحد الحصون،و هو المكان المرتفع،لا يقدر عليه لارتفاعه،و منه:«الفقهاء حصون الإسلام كحصن سور المدينة».

و حصن بالضّمّ حصانة فهو حصين،أي منيع.

و يتعدّى بالهمزة و التّضعيف،فيقال:أحصنته و حصّنته.

و في الدّعاء:«أسألك بدرعك الحصينة»أي الّتي يتحصّن و يستدفع بها المكاره.

و في دعاء الاستنجاء:«اللّهمّ حصّن فرجي»أراد ستره و عفّته و صونه عن المحرّمات،و منه:«حصّنوا أموالكم بالزّكاة».(6:237)

مجمع اللّغة :1-الحصن:المكان المحميّ المنيع؛ و جمعه:حصون.

2-و حصّنه تحصينا:جعله حصينا منيعا.

3-أحصنه إحصانا:جعله في المواضع الحصينة الّتي تجري مجرى الحصن.

4-و أحصن الرّجل:تزوّج،فهو محصن،و هم محصنون.

و أحصنه:زوّجه.

و أحصن فرجه:صانه بالعفّة.

5-و المحصنة و جمعها:محصنات،هي الحرّة أو العفيفة أو المتزوّجة.

6-و تحصّن تحصّنا:صان نفسه بالعفّة أو الزّواج.(1:267)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حصن حصانة:صار منيعا محصنا.

و أحصنت المرأة:صارت عفيفة.

و أحصن فرجه:صانه بالعفّة،و أحصنت:تزوّجت فعفّت.

و أحصنها زوجها،فهي محصنة؛و جمعها:محصنات.

و الحصن:واحد الحصون،و هو المكان المنيع.

و التّحصّن:التّعفّف.و تحصنون:تحفظون و تصونون.

و أحصنه و حصّنه:جعله في حرز و مكان منيع.

(1:136)

محمود شيت:التّحصين:درس لتعليم أساليب تحصين المواضع الدّفاعيّة.و تقوية الموضع بالحفر و بالأسلاك الشّائكة،و بالألغام و بالنّار.(1:188)

المصطفويّ: الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الحفظ المطلق في الظّاهر و المعنى.يقال:حصن فهو حصين،و لا يبعد أن يكون«الحصن»صفة في الأصل كملح.

و أحصنه أي حفظه و صانه،فهو محصن،و تلك محصنة،أي محفوظة و محدودة:إمّا من جانب العقل أو الشّرع أو الوليّ أو الزّوج،أو غيرها.

ص: 459

و المرأة المحصنة،أي المحفوظة العفيفة.و أكثر إطلاقها في الحرائر العفيفة،ثمّ في المتزوّجة المحفوظة.

و الفرق بين الحفظ و الحصن:أنّ الحفظ متعدّ،و معناه يتعلّق على غيره،و يتحقّق أثره في متعلّقة و لو اعتبارا، بخلاف الحصن،فإنّ الحصانة صفة في صاحبها،و يظهر أثرها فيه دون غيره.و أيضا إنّ الحفظ يطلق في مقابل التّعدّي،و في معرض التّجاوز،بخلاف الحصن فإنّ مفهومه كالعفّة،حالة شخصيّة و ملحوظة في نفسها،من دون نظر إلى خلافها و ما يناقضها،فحقيقة معنى «أحصنته»أي جعلته ذا حصن،لا حفظته.

فالتّعبير في تفسير المادّة بالحفظ،أي المحفوظيّة المطلقة،من باب ضيق اللّفظ و التّقريب.

فالأولى أن يقال:إنّ الحصانة هي المحفوظيّة المطلقة في نفسها و من حيث هي،و من دون نظر إلى ما يخالفها و يناقضها.راجع«الحفظ».

فتفسير المادّة بالعفّة أو بالمنيع أو بالحرز و بأمثالها:

تقريبيّ لا تحقيقيّ.

و أمّا الفرس الحصان:فباعتبار عفّته و طمأنينته و رزانته،و وقاره.

فظهر أنّ«المحصن»بصيغة الفاعل غير «المحصن»بصيغة المفعول،و قد يكون الفرق بينهما بالاعتبار،و يكون مصداقهما واحدا.

و من هذا اشتبه الفرق على بعضهم،و قالوا:إنّ محصنا أحد ما جاء على«أفعل»فهو«مفعل».[لاحظ النّصوص التّفسيريّة](2:252)

النّصوص التّفسيريّة

حصونهم

هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللّهِ... الحشر:2

الطّوسيّ: أي حسبوا أنّ الحصون الّتي هم فيها تمنعهم من عذاب اللّه و إنزاله بهم على يد نبيّه،فجعل تعالى امتناعهم من رسوله امتناعا منه.(9:561)

الطّبرسيّ: أي فظنّ بنو النّضير أنّ حصونهم لوثاقتها تمنعهم من سلطان اللّه و إنزال العذاب بهم على يد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،حصّنوها و هيّئوا آلات الحرب فيها.(5:258)

الفخر الرّازيّ: قالوا:كانت حصونهم منيعة فظنّوا أنّها تمنعهم من رسول اللّه.و في الآية تشريف عظيم لرسول اللّه،فإنّها تدلّ على أنّ معاملتهم مع رسول اللّه هي بعينها نفس المعاملة مع اللّه.

فإن قيل:ما الفرق بين قولك:ظنّوا أنّ حصونهم تمنعهم أو مانعتهم،و بين النّظم الّذي جاء عليه؟

قلنا:في تقديم الخبر على المبتدإ دليل على فرط وثوقهم بحصانتها و منعها إيّاهم،و في تصيير ضميرهم اسما،و إسناد الجملة إليه دليل على اعتقادهم في أنفسهم أنّهم في عزّة و منعة لا يبالون بأحد يطمع في منازعتهم،و هذه المعاني لا تحصل في قولك:و ظنّوا أنّ حصونهم تمنعهم.(29:279)

القرطبيّ: قيل:هي الوطيح و النّطاة و السّلالم

ص: 460

و الكتيبة.(18:3)

أبو حيّان :و حصونهم:الوصم و الميضاة و السّلالم و الكثيبة.(8:243)

الآلوسيّ: كانت(حصونهم)على ما قيل:أربعة:

الكثيبة،و الوطيح و السّلالم،و النّطاة.و زاد بعضهم:

الوخدة،و بعضهم:شفا،و الّذي في القاموس أنّه موضع بخيبر،أو واد به.(28:40)

لاحظ م ن ع:«مانعتهم».

احصنت

1- وَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا وَ جَعَلْناها وَ ابْنَها آيَةً لِلْعالَمِينَ. الأنبياء:91

ابن عبّاس: حفظت جيب درعها.(275)

الطّبريّ: حفظت،و منعت فرجها ممّا حرّم اللّه عليها إباحته فيها.(17:84)

نحوه الثّعلبيّ(6:305)،و البغويّ(3:315)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:عفّت فامتنعت عن الفاحشة.

و الثّاني:أنّ المراد بالفرج:فرج درعها،منعت منه جبريل قبل أن تعلم أنّه رسول.(3:469)

الطّوسيّ: يعني مريم بنت عمران.و الإحصان:

إحراز الشّيء من الفساد،فمريم أحصنت فرجها بمنعه من الفساد،فأثنى اللّه عليها و رزقها ولدا عظيم الشّأن،لا كالأولاد المخلوقين من النّطفة،فجعله نبيّا.(7:276)

القشيريّ: يعني مريم،و قد نفى عنها سمة الفحشاء،و هجنة الذّمّ.(4:193)

الميبديّ: من الفاحشة.و قيل:حفظت فرجها من الأزواج.(6:303)

الزّمخشريّ: إحصانا كلّيّا من الحلال و الحرام جميعا،كما قالت: وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَ لَمْ أَكُ بَغِيًّا مريم:20.(2:582)

نحوه أبو حيّان(6:336)،و القاسميّ(11:4305).

الطّبرسيّ: و اذكر مريم الّتي حفظت فرجها و حصّنته،و عفّت و امتنعت من الفساد.(4:62)

ابن عطيّة: المعنى:و اذكر اَلَّتِي أَحْصَنَتْ و هي مريم بنت عمران أمّ عيسى،و الفرج فيما قاله الجمهور و هو ظاهر القرآن:الجارحة المعروفة،و في إحصانها هو المدح.

و قالت فرقة:الفرج هنا فرج ثوبها الّذي منه نفخ الملك،و هذا ضعيف.(4:98)

الفخر الرّازيّ: فيه قولان:

أحدهما:[و هو قول الزّمخشريّ]

و الثّاني:من نفخة جبريل عليه السّلام؛حيث منعته من جيب درعها قبل أن تعرفه؛و الأوّل أولى،لأنّه الظّاهر من اللّفظ.(22:218)

الشّربينيّ: أي حفظته من الحلال و الحرام حفظا، يحقّ له أن يذكر و يتحدّث به،كما قال تعالى حكاية عنها:

وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَ لَمْ أَكُ بَغِيًّا مريم:20،لأنّ ذلك غاية في العفّة و الصّيانة و التّخلّي عن الملاذّ،إلى الانقطاع إلى اللّه تعالى بالعبادة،مع ما جمعت مع ذلك من الأمانة و الاجتهاد في متانة الدّيانة.(2:528)

الآلوسيّ: و الإحصان بمعناه اللّغويّ،و هو المنع مطلقا.(17:88)

ص: 461

سيّد قطب:أحصنته فصانته من كلّ مباشرة.

و الإحصان يطلق عادة على الزّواج بالتّبعيّة،لأنّ الزّواج يحصن من الوقوع في الفاحشة.

و أمّا هنا فيذكر في معناه الأصيل،و هو الحفظ و الصّون أصلا من كلّ مباشرة شرعيّة أو غير شرعيّة؛ و ذلك تنزيها لمريم عن كلّ ما رماها به اليهود مع يوسف النّجّار،الّذي كان معها في خدمة الهيكل،و الّذي تقول عنه الأناجيل المتداولة:إنّه كان قد تزوّجها،و لكنّه لم يدخل بها و لم يقربها.(4:2395)

الطّباطبائيّ: المراد ب اَلَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها:

مريم ابنة عمران،و فيه مدح لها بالعفّة و الصّيانة،و ردّ لما اتّهمها به اليهود.(14:316)

مكارم الشّيرازيّ: ظاهر الآية أنّ مريم قد حفظت طهارتها و عفّتها من كلّ أشكال التّلوّث بما ينافي العفّة.إلاّ أنّ بعض المفسّرين احتمل في معنى هذه الآية:

أنّها امتنعت من الاتّصال بالرّجال،سواء كان ذلك من الحلال أو الحرام،كما تقول الآية: وَ لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ وَ لَمْ أَكُ بَغِيًّا مريم:20.

إنّ هذه الصّفة في الحقيقة مقدّمة لإثبات إعجاز ولادة عيسى،و كونه آية.(10:213)

فضل اللّه :فعاشت العفّة و الطّهارة كأقسى ما تكون العفّة،و كأنقى ما تكون الطّهارة،ممّا جعلها مثلا حيّا للإنسانة المؤمنة العظيمة،الّتي عبدت اللّه فشعرت بمسئوليّة العبادة،في انسجامها مع حركة وجودها في الحياة،كأفضل ما تكون الأخلاق الفرديّة و الاجتماعيّة، و بذلك كانت موضعا لكرامة اللّه في المعجزة الخارقة،في حملها و ولادتها،و صبرها و قوّتها.(15:262)

2- وَ مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها...

التّحريم:12

معناها مثل ما قبلها.

احصنّ

...فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ... النّساء:25.

ابن مسعود:إحصانها:إسلامها.(الطّبريّ 5:22)

نحوه الشّعبيّ و النّخعيّ و السّدّيّ.(الطّبريّ 5:23)

ابن عبّاس: تزوّجن الولائد.(68)

مجاهد :إحصان الأمة أن ينكحها الحرّ،و إحصان العبد أن ينكح الحرّة.(الطّبريّ 5:23)

الحسن :أحصنتهنّ البعولة.

نحوه قتادة.(الطّبريّ 5:23)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأه بعضهم: (فاذا احصنّ) بفتح الألف،بمعنى إذا أسلمن، فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالإسلام.

و قرأه آخرون فَإِذا أُحْصِنَّ بمعنى فإذا تزوّجن، فصرن ممنوعات الفروج من الحرام بالأزواج.

و الصّواب من القول في ذلك عندي:أنّهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في أمصار الإسلام،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب في قراءته الصّواب.

فإن ظنّ ظانّ أنّ ما قلنا في ذلك غير جائز؛إذ كانتا مختلفتي المعنى،و إنّما تجوز القراءة بالوجهين،فيما اتّفقت عليه المعاني،فقد أغفل؛و ذلك أنّ معنيي ذلك و إن

ص: 462

اختلفا فغير دافع أحدهما صاحبه،لأنّ اللّه قد أوجب على الأمة ذات الإسلام و غير ذات الإسلام،على لسان رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم،الحدّ.[ثمّ ذكر رواية و أضاف:]

قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«أقيموا الحدود على ما ملكت أيمانكم»فلم يخصص بذلك ذات زوج منهنّ،و لا غير ذات زوج،فالحدود واجبة على موالي الإماء إقامتها عليهنّ إذا فجرن،بكتاب اللّه و أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

فإن قال قائل:فما أنت قائل فيما حدّثكم به ابن بشّار أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله سئل عن الأمة تزني و لم تحصن،قال:

اجلدها،فإن زنت فاجلدها،فإن زنت فاجلدها،فإن زنت-فقال في الثّالثة أو الرّابعة-فبعها...

فقد بيّن أنّ الحدّ الّذي وجب إقامته بسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على الإماء،هو ما كان قبل إحصانهنّ،فأمّا ما وجب من ذلك عليهنّ بالكتاب،فبعد إحصانهنّ.

قيل له:قد بيّنّا أنّ أحد معاني الإحصان:الإسلام، و أنّ الآخر منه:التّزويج،و أنّ الإحصان كلمة تشتمل على معان شتّى،و ليس في رواية من روى عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه سئل عن الأمة تزني قبل أن تحصن،بيان أنّ الّتي سئل عنها النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،هي الّتي تزني قبل التّزويج.[و في ذلك بحث طويل إن شئت راجع.](5:21)

الأزهريّ: و قال أبو عبيد:أجمع القرّاء على نصب الصّاد في الحرف الأوّل من النّساء،فلم يختلفوا في فتح هذه،لأنّ تأويلها ذوات الأزواج يسبين فيحلّهنّ السّباء لمن وطئها من المالكين لها،و تنقطع العصمة بينهنّ و بين أزواجهنّ،بأن يحضن حيضة و يطهرن منها.

فأمّا ما سوى الحرف الأوّل فالقرّاء مختلفون،فمنهم من يكسر الصّاد،و منهم من يفتحها.فمن نصب ذهب إلى ذوات الأزواج،و من كسر ذهب إلى أنهنّ أسلمن فأحصنّ أنفسهنّ فهنّ محصنات.

قلت:و أمّا قول اللّه جلّ و عزّ: فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ فإنّ ابن مسعود قرأ (فاذا احصنّ) و قال:

إحصان الأمة:إسلامها،و كان ابن عبّاس يقرؤها فَإِذا أُحْصِنَّ على ما لم يسمّ فاعله،و يفسّره:فإذا أحصنّ بزوج،و كان لا يرى على الأمة حدّا ما لم تتزوّج،و كان ابن مسعود يرى عليها نصف حدّ الحرّة إذا أسلمت و إن لم تزوّج،و بقوله يقول فقهاء الأمصار،و هو الصّواب.

و قرأ ابن كثير و نافع و أبو عمرو و عبد اللّه بن عامر و يعقوب فَإِذا أُحْصِنَّ بضمّ الألف،و قرأ حفص عن عاصم مثله،و أمّا أبو بكر عن عاصم فقد فتح الألف.

و قرأ حمزة و الكسائيّ (فاذا احصنّ) بفتح الألف.

(4:245)

الماورديّ: قرأ بفتح الألف حمزة و الكسائيّ و أبو بكر عن عاصم،و معنى ذلك:أسلمن،فيكون إحصانها هاهنا إسلامها.و هذا قول ابن مسعود، و الشّعبيّ.[ثمّ ذكر رواية و قال:]

و قرأ الباقون بضمّ الألف،و معنى ذلك تزوّجن، فيكون إحصانها هاهنا تزويجها،و هذا قول ابن عبّاس و مجاهد،و الحسن.(1:473)

الرّاغب: قيل:(المحصنات):المزوّجات،تصوّرا أنّ زوجها هو الّذي أحصنها و(المحصنات)بعد قوله:

(حرّمت)بالفتح لا غير و في سائر المواضع بالفتح

ص: 463

و الكسر،لأنّ اللّواتي حرم التّزوّج بهنّ المزوّجات دون العفيفات،و في سائر المواضع يحتمل الوجهين.(121)

الطّوسيّ: من قرأ بالضّمّ،قال:معناه تزوّجن، ذكر ذلك ابن عبّاس،و سعيد بن جبير،و مجاهد،و قتادة.

و من فتح الهمزة قال:معناه أسلمن،و روي ذلك عن عمر،و ابن مسعود،و الشّعبيّ،و إبراهيم،و السّدّيّ.

و قال الحسن:يحصنها الزّوج،و يحصنها الإسلام.

و هو الأولى،لأنّه لا خلاف أنّه يجب عليها نصف الحدّ إذا زنت،و إن لم تكن ذات زوج،كما أنّ عليها ذلك و إن كان لها زوج،لأنّه و إن كان لها زوج لا يجب عليها الرّجم،لأنّه لا يتبعّض،فكان عليها نصف الحدّ خمسين جلدة.

على أنّ قوله: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ يعني نصف الحدّ ما على الحرائر،و ليس المراد به ذوات الأزواج.فالإحصان المذكور للأمة:

التّزويج،و المذكور للمحصنات:الحرّيّة،و بيّنّا أنّه يعبّر به عن الأمرين.

و قال بعضهم:إذا زنت الأمة قبل أن تتزوّج،فلا حدّ عليها،و إنّما عليها نصف الحدّ إذا تزوّجت بظاهر الآية.

(3:171)

ابن عطيّة: [ذكر القراءتين ثمّ قال:]

فوجه الكلام أن تكون القراءة الأولى بالتّزوّج، و الثّانية بالإسلام أو غيره،ممّا هو من فعلهنّ،و لكن يدخل كلّ معنى منهما على الآخر.

و اختلف المتأوّلون فيما هو الإحصان هنا؟فقال الجمهور:هو الإسلام،فإذا زنت الأمة المسلمة حدّت نصف حدّ الحرّة،و إسلامها هو إحصانها الّذي في الآية.

و قالت فرقة:إحصانها الّذي في الآية،هو التّزويج لحرّ،فإذا زنت الأمة المسلمة الّتي لم تتزوّج فلا حدّ عليها،قاله سعيد بن جبير و الحسن و قتادة.

و قالت فرقة:الإحصان في الآية:التّزوّج،إلاّ أنّ الحدّ واجب على الأمة المسلمة بالسّنّة،و هي الحديث الصّحيح في مسلم و البخاريّ أنّه قيل:يا رسول اللّه، الأمة إذا زنت و لم تحصن؟فأوجب عليها الحدّ.

قال الزّهريّ: فالمتزوّجة محدودة بالقرآن، و المسلمة غير المتزوّجة محدودة بالحديث.

و هذا الحديث و السّؤال من الصّحابة يقتضي أنّهم فهموا من القرآن أنّ معنى(أحصنّ):تزوّجن،و جواب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم على ذلك يقتضي تقرير المعنى.

و من أراد أن يضعّف قول من قال:إنّه الإسلام،بأنّ الصّفة لهنّ بالإيمان قد تقدّمت و تقرّرت،فذلك غير لازم،لأنّه جائز أن يقطع في الكلام و يزيد.(2:39)

محصنين

1- ...وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ... النّساء:24

ابن عبّاس: يقول:كونوا معهنّ متزوّجين.(68)

مجاهد :متناكحين.(الطّبريّ 5:11)

نحوه الماورديّ(1:471)،و الميبديّ(2:468).

السّدّيّ: محصنين غير زناة.(الطّبريّ 5:11)

الفرّاء: قوله:(محصنين)يقول:أن تبتغوا الحلال غير الزّنى.(1:261)

ص: 464

الطّبريّ: (محصنين):أعفّاء بابتغائكم ما وراء ما حرّم عليكم من النّساء بأموالكم.(5:11)

الزّجّاج: أي عاقدين التّزويج،غير مسافحين.

(2:36)

مثله الطّوسيّ.(3:165)

متزوّجين غير زناة.و الإحصان:إحصان الفرج، و هو إعفافه،و منه قوله: أَحْصَنَتْ فَرْجَها الأنبياء:

91،أي أعفّته.(الأزهريّ 4:246)

الأزهريّ: [نقل كلام الزّجّاج و قال:]

و الأمة إذا زوّجت جاز أن يقال:قد أحصنت لأنّ تزويجها قد أحصنها و كذلك إذا أعتقت فهي محصنة لأنّ عتقها قد أعفّها،و كذلك إذا أسلمت فإنّ إسلامها إحصان لها.(4:246)

ابن عطيّة: معناه متعفّفين أي تحصنون أنفسكم بذلك.(2:36)

نحوه الفخر الرّازيّ(10:46)،و الصّابونيّ(1:447).

الطّبرسيّ: أي متزوّجين غير زانين.(2:32)

القرطبيّ: نصب على الحال،و معناه متعفّفين عن الزّنى.(5:127)

نحوه البروسويّ.(2:188)

أبو حيّان :و انتصب(محصنين)على الحال،و غَيْرَ مُسافِحِينَ حال مؤكّدة،لأنّ الإحصان لا يجامع السّفاح.(3:217)

الآلوسيّ: حال من فاعل(تبتغوا).و المراد بالإحصان هنا:العفّة،و تحصين النّفس عن الوقوع فيما لا يرضي اللّه تعالى.(5:4)

مكارم الشّيرازيّ: ثمّ إنّه يشير سبحانه إلى حلّيّة الزّواج بغير هذه الطّوائف من المذكورات في هذه الآية و الآيات السّابقة؛إذ يقول: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ أي أنّه يجوز لكم أن تتزوّجوا بغير هذه الطّوائف من النّساء، شريطة أن يتمّ ذلك وفق القوانين الإسلاميّة،و أن يرافق مبادئ الفقه و الطّهر،و يبتعد عن جادّة الفجور و الفسق.(3:159)

فضل اللّه :أعفّة،تقصرون أنفسكم على ما أحلّ اللّه،فالمراد بإحصان العفّة ما يقابل السّفاح،و ليس الاحتراز عن الزّواج.(7:172)

2- وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ...

المائدة:5

معناها مثل ما قبلها.

المحصنات

1- وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ.

النّساء:24

الإمام عليّ عليه السّلام:ذوات الأزواج من المشركين.

(القرطبيّ 5:123)

ابن عبّاس: ذوات الأزواج.(68)

نحوه ابن زيد،و عبد اللّه،و ابن المسيّب، و الحسن.(الطّبريّ 5:2-6)

العفيفة العاقلة من مسلمة،أو من أهل الكتاب.

ص: 465

نحوه مجاهد.(الطّبريّ 5:5)

سعيد بن جبير: الأربع،فما بعدهنّ حرام.

نحوه ابن جريج،و السّدّيّ.(الطّبريّ 5:5)

الفرّاء: (المحصنات):العفائف،و(المحصنات):

ذوات الأزواج الّتي أحصنهنّ أزواجهنّ.و النّصب في (المحصنات)أكثر.

و قد روى علقمة(المحصنات)بالكسر في القرآن كلّه،إلاّ قوله: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ هذا الحرف الواحد،لأنّها ذات الزّوج من سبايا المشركين.

يقول:إذا كان لها زوج في أرضها استبرأتها بحيضة و حلّت لك.(1:260)

الطّبريّ: و اختلف أهل التّأويل في(المحصنات) الّتي عناهنّ اللّه في هذه الآية،فقال بعضهم:هنّ ذوات الأزواج غير المسبيّات منهنّ،و ملك اليمين:السّبايا اللّواتي فرّق بينهنّ و بين أزواجهنّ السّباء،فحللن لمن صرن له بملك اليمين،من غير طلاق كان من زوجها الحربيّ لها.[ثمّ نقل أقوال المفسّرين و قال:]

فأمّا(المحصنات)فإنّهنّ جمع محصنة،و هي الّتي قد منع فرجها بزوج،يقال منه:أحصن الرّجل امرأته،فهو يحصنها إحصانا،و حصنت هي،فهي تحصن حصانة،إذا عفّت،و هي حاصن من النّساء:عفيفة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال أيضا إذا هي عفّت و حفظت فرجها من الفجور:قد أحصنت فرجها،فهي محصنة،كما قال جلّ ثناؤه: وَ مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها التّحريم:12،بمعنى:حفظته من الرّيبة،و منعته من الفجور.

و إنّما قيل لحصون المدائن و القرى:حصون،لمنعها من أرادها و أهلها،و حفظها ما وراءها ممّن بغاها من أعداءها،و لذلك قيل للدّرع:«درع حصينة».

فإذا كان أصل الإحصان ما ذكرنا،من المنع و الحفظ،فبيّن أنّ معنى قوله: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ: و الممنوعات من النّساء حرام عليكم. إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ.

و إذ كان ذلك معناه،و كان الإحصان قد يكون ب«الحرّيّة»،كما قال جلّ ثناؤه: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ المائدة:5،و يكون ب«الإسلام»،كما قال تعالى ذكره: فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ النّساء:25،و يكون ب«العفّة»،كما قال جلّ ثناؤه: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ النّور:4،و يكون ب«الزّوج»،و لم يكن تبارك و تعالى خصّ محصنة دون محصنة في قوله:

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ، فواجب أن يكون كلّ محصنة-بأيّ معاني الإحصان كان إحصانها-حراما علينا:سفاحا أو نكاحا،إلاّ ما ملكته أيماننا منهنّ بشراء،كما أباحه لنا كتاب اللّه جلّ ثناؤه،أو نكاح،على ما أطلقه لنا تنزيل اللّه.

فالّذي أباحه تبارك و تعالى لنا نكاحا من الحرائر الأربع سوى اللّواتي حرّمن علينا بالنّسب و الصّهر،و من الإماء ما سبينا من العدوّ،سوى اللّواتي وافق معناهنّ معنى ما حرّم علينا من الحرائر،بالنّسب و الصّهر،فإنّهنّ

ص: 466

و الحرائر فيما يحلّ و يحرم بذلك المعنى متّفقات المعاني.

[و قد أطال الكلام في المحصنات فلاحظ](5:1)

الزّجّاج: القراءة بالفتح،قد أجمع على الفتح في هذه،لأنّ معناها اللاّتي أحصنّ بالأزواج.و لو قرئت (و المحصنات)لجاز لأنّهنّ يحصنّ فروجهنّ بأن يتزوّجن.و قد قرئت الّتي سوى هذه(المحصنات)، و(المحصنات).(2:35)

الماورديّ: فيه أربعة أقاويل:

أحدها: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ يعني ذوات الأزواج إلاّ ما ملكت أيمانكم بالسّبي.و هذا قول عليّ، و ابن عبّاس،و أبي قلابة،و الزّهريّ،و مكحول،و ابن زيد.

و الثّاني:أنّ(المحصنات):ذوات الأزواج،حرام على غير أزواجهنّ إلاّ ما ملكت أيمانكم من الإماء،إذا اشتراها مشتر بطل نكاحها و حلّت لمشتريها،و يكون بيعها طلاقها.و هذا قول ابن مسعود،و أبيّ بن كعب، و جابر بن عبد اللّه،و أنس بن مالك،و ابن عبّاس في رواية عكرمة عنه،و سعيد بن المسيّب،و الحسن.

قال الحسن:طلاق الأمة يثبت نسبها (1)،و بيعها، و عتقها،و هبتها،و ميراثها،و طلاق زوجها.

الثّالث:أنّ المحصنات من النّساء العفائف،إلاّ ما ملكت أيمانكم بعقد النّكاح،أو ملك اليمين.و هذا قول عمر،و سعيد بن جبير،و أبي العالية،و عبيدة السّلمانيّ، و عطاء،و السّدّيّ.

و الرّابع:أنّ هذه الآية نزلت في نساء كنّ هاجرن إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و لهنّ أزواج،فتزوّجهنّ المسلمون،ثمّ قدم أزواجهنّ مهاجرين،فنهي المسلمون عن نكاحهنّ، و هذا قول أبي سعيد الخدريّ.(1:469)

الطّوسيّ: قيل:فيه ثلاثة أقوال:

أحدها:-و هو الأقوى-ما قاله عليّ عليه السّلام،و ابن مسعود،و ابن عبّاس،و أبو قلابة،و ابن زيد،عن أبيه، و مكحول،و الزّهريّ،و الجبّائيّ: أن المراد به ذوات الأزواج إلاّ ما ملكت أيمانكم،من سبي من كان لها زوج.

و قال بعضهم مستدلاّ على ذلك بخبر أبي سعيد الخدريّ: و إنّ الآية نزلت في سبي أوطاس.و من خالفهم ضعّف هذا الخبر بأنّ سبي أوطاس كانوا عبدة الأوثان، دخلوا في الإسلام.

الثّاني:قال أبيّ بن كعب،و جابر بن عبد اللّه،و أنس ابن مالك،و ابن مسعود-في رواية أخرى عنه-و سعيد ابن المسيّب،و الحسن،و إبراهيم:إنّ المراد به ذوات الأزواج إلاّ ما ملكت أيمانكم ممّن قد كان لها زوج،لأنّ بيعها طلاقها.

و قال ابن عبّاس:طلاق الأمة ستّ:سبيها طلاقها، و بيعها،و عتقها،و هبتها،و ميراثها،و طلاقها.

و حكي عن عليّ عليه السّلام،و عمر،و عبد الرّحمن بن عوف:أنّ السّبي خاصّة طلاقها،قالوا:لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله خيّر بريرة بعد أن أعتقتها عائشة،و لو بانت بالعتق لما صحّ.و زعم هؤلاء أنّ طلاقها كطلاق الحرّة.

الثّالث:قال أبو العالية و عبيدة،و سعيد بن جبير، و عطاء،و اختاره الطّبريّ: إنّ المحصنات:العفائف،إلاّ ما ملكت أيمانكم بالنّكاح،أو بالثّمن ملك استمتاعا.

ص: 467


1- في التّبيان:بسبيها.

بالمهر و البيّنة،أو ملك استخدام بثمن الأمة.(3:162)

نحوه الطّبرسيّ.(2:31)

الواحديّ: يعني ذوات الأزواج،و هنّ محرّمات على كلّ أحد إلاّ على أزواجهنّ،لذلك عطفن على المحرّمات في الآية الّتي قبلها.

و الإحصان:يقع على معان منها:الحرّيّة،كقوله:

وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ النّور:4،يعني الحرائر.و منها:العفاف،كقوله: مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ النّساء:25،يعني عفائف،و منها:

الإسلام،من ذلك قوله: فَإِذا أُحْصِنَّ النّساء:25، أي أسلمن،و منها:كون المرأة ذات زوج،من ذلك قوله: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ. (2:33)

البغويّ: يعني ذوات الأزواج،لا يحلّ للغير نكاحهنّ قبل مفارقة الأزواج،و هذه السّابعة من النّساء اللاّتي حرمن بالسّبب.(1:594)

الزّمخشريّ: القراءة بفتح الصّاد،و عن طلحة بن مصرّف أنّه قرأ بكسر الصّاد،و هنّ ذوات الأزواج، لأنّهنّ أحصنّ فروجهنّ بالتّزويج،فهنّ محصنات و محصنات.(1:518)

ابن عطيّة: (و المحصنات)عطف على المحرّمات قبل،و التّحصّن:التّمنّع.يقال:حصن المكان:إذا امتنع،و منه الحصن،و حصنت المرأة:امتنعت بوجه من وجوه الامتناع،و أحصنت نفسها،و أحصنها غيرها.

و الإحصان تستعمله العرب في أربعة أشياء،و على ذلك تصرّفت اللّفظة في كتاب اللّه عزّ و جلّ:

فتستعمله في الزّواج،لأنّ ملك الزّوجة منعة و حفظ.

و يستعملون الإحصان في الحرّيّة،لأنّ الإماء كان عرفهنّ في الجاهليّة الزّنى،و الحرّة بخلاف ذلك،أ لا ترى إلى قول هند بنت عتبة للنّبيّ عليه السّلام،حين بايعته:و هل تزني الحرّة؟فالحرّيّة منعة و حفظ.

و يستعملون الإحصان في الإسلام،لأنّه حافظ، و منه قول النّبيّ عليه السّلام:«الإيمان قيد الفتك».[ثمّ أتى بأشعار تدلّ على أنّ الإسلام منعة]

و يستعملون الإحصان في العفّة،لأنّه إذا ارتبط بها إنسان و ظهرت على شخص ما و تخلّق بها،فهي منعة و حفظ.

و حيثما وقعت اللّفظة في القرآن،فلا تجدها تخرج عن هذه المعاني،لكنّها قد تقوى فيها بعض هذه المعاني دون بعض،بحسب موضع و موضع،و سيأتي بيان ذلك في أماكنه إن شاء اللّه.

[ثمّ ذكر الأقوال السّابقة.إلى أن قال:]

و قال ابن عبّاس:(المحصنات):العفائف من المسلمين،و من أهل الكتاب.

و بهذا التّأويل يرجع معنى الآية إلى تحريم الزّنى.

و أسند الطّبريّ عن عروة أنّه قال في تأويل قوله تعالى:

(و المحصنات)هنّ الحرائر،و يكون إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ معناه بنكاح.

هذا على اتّصال الاستثناء،و إن أريد الإماء،فيكون الاستثناء منقطعا.

و روي عن أبي سعيد الخدريّ أنّه قال:كان نساء يأتيننا مهاجرات،ثمّ يهاجر أزواجهنّ،فمنعناهنّ بقوله

ص: 468

تعالى:(و المحصنات...)و هذا قول يرجع إلى ما قد ذكر من الأقوال.

و أسند الطّبريّ أنّ رجلا قال لسعيد بن جبير:أ ما رأيت ابن عبّاس حين سئل عن هذه الآية وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ فلم يقل شيئا؟فقال سعيد:

كان ابن عبّاس لا يعلمها.

و أسند أيضا عن مجاهد أنّه قال:لو أعلم من يفسّر لي هذه الآية لضربت إليه أكباد الإبل،قوله:

(و المحصنات)إلى قوله:(حكيما).

و لا أدري كيف نسب هذا القول إلى ابن عبّاس و لا كيف انتهى مجاهد إلى هذا القول؟

و روي عن ابن شهاب أنّه سئل عن هذه الآية وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ، فقال:يروى أنّه حرّم في هذه الآية ذوات الأزواج و العفائف من حرائر و مملوكات،و لم يحلّ شيئا من ذلك إلاّ بالنّكاح أو الشّراء و التّملّك.

و هذا قول حسن عمّم لفظ الإحصان و لفظ ملك اليمين،و على هذا التّأويل يتخرّج عندي قول مالك في «الموطّأ»فإنّه قال:«هنّ ذوات الأزواج»،و ذلك راجع إلى أنّ اللّه حرّم الزّنى،ففسّر الإحصان بالزّواج،ثمّ عاد عليه بالعفّة.[ثمّ ذكر القراءات](2:34)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ لفظ الإحصان جاء في القرآن على وجوه:[فذكر نحو الواحديّ إلاّ أنّه قال:]

و رابعها:كون المرأة ذات زوج،يقال:امرأة محصنة، إذا كانت ذات زوج،و قوله: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ يعني ذوات الأزواج، و الدّليل على أنّ المراد ذلك أنّه تعالى عطف (المحصنات)على المحرّمات فلا بدّ و أن يكون الإحصان سببا للحرمة،و معلوم أنّ الحرّيّة و العفاف و الإسلام لا تأثير له في ذلك،فوجب أن يكون المراد منه المزوّجة، لأنّ كون المرأة ذات زوج له تأثير في كونها محرّمة على الغير.

و اعلم أنّ الوجوه الأربعة مشتركة في المعنى الأصليّ اللّغويّ،و هو المنع،و ذلك لأنّا ذكرنا أنّ الإحصان عبارة عن المنع،فالحرّيّة سبب لتحصين الإنسان من نفاذ حكم الغير فيه،و العفّة أيضا مانعة للإنسان عن الشّروع فيما لا ينبغي،و كذلك الإسلام مانع من كثير ممّا تدعو إليه النّفس و الشّهوة،و الزّوج أيضا مانع للزّوجة من كثير من الأمور،و الزّوجة مانعة للزّوج من الوقوع في الزّنى، و لذلك قال عليه الصّلاة و السّلام:«من تزوّج فقد حصّن ثلثي دينه»فثبت أنّ المرجع بكلّ هذه الوجوه إلى ذلك المعنى اللّغويّ،و اللّه أعلم.[و له بحث فقهيّ مستوفى، فلاحظ](10:39)

أبو حيّان :الإحصان:التّزوّج أو الحرّيّة أو الإسلام أو العفّة.و على هذه المعاني تصرّفت هذه اللّفظة في القرآن،و يفسّر كلّ مكان بما يناسبه منها.لاحظ م ل ك:

«ملكت».(3:214)

أبو السّعود :[ذكر القراءات ثمّ قال نحو الواحديّ]

(2:120)

نحوه البروسويّ(2:188)،و الآلوسيّ(5:2).

الطّباطبائيّ: (المحصنات)بفتح الصّاد اسم مفعول من الإحصان،و هو المنع،و منه الحصن الحصين،

ص: 469

أي المنيع.يقال:أحصنت المرأة،إذا عفّت فحفظت نفسها،و امتنعت عن الفجور.قال تعالى: اَلَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها التّحريم:12،أي عفّت.و يقال:

أحصنت المرأة-بالبناء للفاعل و المفعول-إذا تزوّجت فأحصن زوجها أو التّزوّج إيّاها من غير زوجها.

و يقال:أحصنت المرأة،إذا كانت حرّة فمنعها ذلك من أن يمتلك الغير بضعها،أو منعها ذلك من الزّنى،لأنّ ذلك كان فاشيا في الإماء.

و الظّاهر أنّ المراد ب(المحصنات)في الآية هو المعنى الثّاني،أي المتزوّجات دون الأوّل و الثّالث،لأنّ الممنوع المحرّم-في غير الأصناف الأربعة عشر المعدودة في الآيتين-هو نكاح المزوّجات فحسب،فلا منع من غيرها من النّساء،سواء كانت عفيفة أو غيرها،و سواء كانت حرّة أو مملوكة.فلا وجه لأن يراد ب(المحصنات) في الآية:العفائف،مع عدم اختصاص حكم المنع بالعفائف،ثمّ يرتكب تقييد الآية بالتّزويج،أو حمل اللّفظ على إرادة الحرائر،مع كون الحكم في الإماء أيضا مثلهنّ،ثمّ ارتكاب التّقييد بالتّزويج،فإنّ ذلك أمر لا يرتضيه الطّبع السّليم.

فالمراد ب(المحصنات)من النّساء:المزوّجات، و هي الّتي تحت حبالة التّزويج،و هو عطف على موضع أمّهاتكم،و المعنى:و حرّمت عليكم كلّ مزوّجة من النّساء ما دامت مزوّجة ذات بعل.

و على هذا يكون قوله: إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ رفعا لحكم المنع عن محصنات الإماء،على ما ورد في السّنّة أنّ لمولى الأمة المزوّجة أن يحول بين مملوكته و زوجها،ثمّ ينالها عن استبراء،ثمّ يردّها إلى زوجها.

[ثمّ نقل بعض الأقوال و ردّها فلاحظ](4:266)

عبد الكريم الخطيب :في هذه الآية بيان لآخر المحرّمات من النّساء،و هنّ ستّة عشر صنفا،منهنّ خمسة عشر في الآيتين السّابقتين،و صنف واحد في هذه الآية، و هو:المحصنات من النّساء.

و(المحصنات)هنّ اللاّتي تحصّنّ بالزّواج،و صرن في عصمة الغير،أو تحصّنّ في بيوتهنّ،و ملكن أنفسهنّ، و لم يتزوّجن بعد.فهؤلاء هنّ في حصن يحرم على الرّجل دخوله عليهنّ،إلاّ عن الطّريق الشّرعيّ بالزّواج منهنّ، بعد أن تزول الحواجز الّتي كانت تحول بين الرّجل و بين حلّهنّ له.

فإذا طلّقت المرأة المحصنة،أو مات عنها زوجها، و انقضت عدّتها المقدّرة في الطّلاق،أو في الموت،أحلّ لها من كان من غير محارمها أن يخطبها إلى نفسه،و أن يمهرها،و يتزوّج بها،إذا رضيت أو رضي أهلها به زوجا.

و كذلك المرأة غير المتزوّجة،هي محرّمة على الرّجل الّذي أحلّ له الزّواج منها،حتّى يخطبها لنفسه،و ترضى به أو يرضى به أهلها زوجا،ثمّ يمهرها،و يعقد عليها عقدا صحيحا مستوفيا شروطه.

فهؤلاء اَلْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ محرّمات حرمة موقوتة بحواجز قائمة،فإذا زالت تلك الحواجز حلّ الزّواج بهنّ.

و لهذا جيء بهذا الصّنف من المحرّمات في آخر المحرّمات،ملحقا بصنف آخر حرّم حرمة مؤقّتة،و هو الزّواج من الأختين،فإنّ الزّواج بالثّانية منها محرّم حرمة

ص: 470

مؤقّتة إلى أن تبين الأولى بطلاق أو موت،و تنقضي عدّتها.(3:737)

مكارم الشّيرازيّ: أي و يحرم الزّواج بالنّساء اللاّتي لهنّ أزواج.و(المحصنات):جمع المحصنة،و هي مشتقّة من«الحصن»و قد أطلقت على المرأة ذات الزّوج،لأنّها بالزّواج برجل تكون قد أحصنت فرجها من الفجور.

و كذا أطلقت على النّساء العفيفات النّقيّات الجيب، أو اللاّتي يعشن في كنف رجل و تحت كفالته،و بذلك يحفظن أنفسهنّ و يحصنها من الفجور و الزّنى.

و قد تطلق هذه اللّفظة على الحرائر مقابل الإماء، لأنّ حرّيّتهنّ تكون بمثابة حصن يحفظهنّ من أن يتجاوز حدوده أحد دون إذنهنّ،إلاّ أنّه من الواضح أنّ المراد بها في الآية هو ذوات الأزواج.

إنّ هذا الحكم لا يختصّ بالنّساء المحصنات المسلمات،بل يشمل المحصنات حتّى غير المسلمات، أي أنّه يحرم الزّواج بهنّ مهما كان دينهنّ.(3:157)

فضل اللّه :[نحو الطّباطبائيّ و أضاف:]

و هكذا تكون الفقرة واردة للمنع من زواج المتزوّجات من أشخاص آخرين،سواء أ كانت المرأة عفيفة أم غير عفيفة،أو كانت حرّة أم مملوكة،لأنّ الزّواج المتعدّد،ليس مشروعا بالنّسبة إلى المرأة،بل تقتصر شرعيّته على الرّجل.(7:179)

2- وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ... النّساء:25

ابن عبّاس: الحرائر.(68)

مثله ابن قتيبة(124)،و الواحديّ(2:35)، و البغويّ(1:599)،و الشّربينيّ(1:295).

أن ينكح الحرائر،فلينكح من إماء المؤمنين.

نحوه مجاهد و سعيد بن جبير و ابن زيد.

الطّبريّ(5:17)

الطّبريّ: و اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته جماعة من قرّاء الكوفيّين و المكّيّين (ان ينكح المحصنات) بكسر الصّاد،مع سائر ما في القرآن من نظائر ذلك،سوى قوله: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ النّساء:24،فإنّهم فتحوا الصّاد منها،و وجّهوا تأويله إلى أنّهنّ محصنات بأزواجهنّ،و أنّ أزواجهنّ هم أحصنوهنّ.و أمّا سائر ما في القرآن فإنّهم تأوّلوا في كسرهم الصّاد منه إلى أنّ النّساء هنّ أحصنّ أنفسهنّ بالعفّة.

و قرأت عامّة قرّاء المدينة و العراق ذلك كلّه بالفتح، بمعنى أنّ بعضهنّ أحصنهنّ أزواجهنّ،و بعضهنّ أحصنهنّ حرّيّتهنّ أو إسلامهنّ.

و قرأ بعض المتقدّمين كلّ ذلك بالكسر،بمعنى أنّهنّ عففن،و أحصنّ أنفسهنّ.و ذكرت هذه القراءة-أعني بكسر الجميع عن علقمة-على الاختلاف في الرّواية عنه.

و الصّواب عندنا من القول في ذلك:أنّهما قراءتان مستفيضتان في قراءة الأمصار،مع اتّفاق ذلك في المعنى، فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب الصّواب،إلاّ في الحرف الأوّل من سورة النّساء،و هو قوله: وَ الْمُحْصَناتُ

ص: 471

مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فإنّي لا أستجيز الكسر في صاده،لاتّفاق قراءة الأمصار على فتحها.و لو كانت القراءة بكسرها مستفيضة استفاضتها بفتحها، كان صوابا القراءة بها كذلك،لما ذكرنا من تصرّف «الإحصان»في المعاني الّتي بيّنّاها،فيكون معنى ذلك لو كسر:و العفائف من النّساء حرام عليكم،إلاّ ما ملكت أيمانكم،بمعنى أنهنّ أحصنّ أنفسهنّ بالعفّة.(5:17)

الزّجّاج: (المحصنات)هنّ الحرائر،و قيل أيضا:

العفائف،و قد قال بعض أصحابنا:إنّهنّ الحرائر خاصّة.

و زعم من قال:إنّهنّ العفائف:حرّم على النّاس أن يتزوّجوا بغير العفيفة،و ليس ينبغي للإنسان أن يتزوّج بغير عفيفة.

و احتجّ قائل هذا القول بأنّ قوله عزّ و جلّ: اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ النّور:3، منسوخ،و أنّ قوله: وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ النّور:

32،يصلح أن يكون يتزوّج الرّجل من أحبّ من النّساء.

و الدّليل على أنّ المحصنات هنّ العفائف قوله:

وَ مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها التّحريم:

12،أي أعفّت فرجها.(2:39)

ابن عطيّة: و(المحصنات)في هذا الموضع:

الحرائر،يدلّ على ذلك التّقسيم بينهنّ و بين الإماء.

و قالت فرقة:معناه:العفائف،و هو ضعيف،لأنّ الإماء يقعن تحته،و قد تقدّم الذّكر للقراءة في (المحصنات) .(2:37)

نحوه القرطبيّ.(5:139)

الطّبرسيّ: الحرائر المؤمنات.(2:34)

أبو السّعود :و المراد ب(المحصنات):الحرائر، بدليل مقابلتهنّ بالمملوكات،فإنّ حرّيّتهنّ أحصنتهنّ عن ذلّ الرّقّ و الابتذال،و غيرهما من صفات القصور و النّقصان.(2:124)

مثله البروسويّ(2:190)،و نحوه الآلوسيّ(5:7).

الطّباطبائيّ: و المراد ب(المحصنات):الحرائر، بقرينة مقابلته بالفتيات.و هذا بعينه يشهد على أن ليس المراد بها:العفائف،و إلاّ لم تقابل بالفتيات،بل بها و بغير العفائف.و ليس المراد بها ذوات الأزواج؛إذ لا يقع عليها العقد،و لا المسلمات،و إلاّ لاستغنى عن التّقييد ب(المؤمنات).(4:275)

فضل اللّه :أي المؤمنات الحرائر.و لعلّ المناسبة في التّعبير عن الحرائر ب(المحصنات)هو أنّ الحرّيّة تحصن المرأة الحرّة،من خلال طبيعة الواقع الاجتماعيّ الّذي تعيشه،في نطاق القيم العائليّة الّتي تربط الفرد بمجتمعه، في حركة العلاقات المحكومة،لاعتبارات شرف العائلة و أجواء الإحساس بالكرامة،ممّا يخلق لدى الفرد الحرّ -رجلا كان أو امرأة-حالة نفسيّة منفتحة على احترام الذّات،و الابتعاد عن الابتذال الّذي يجلب العار للإنسان في وجوده الفرديّ و الاجتماعيّ،و الانطلاق من الضّمير الإنسانيّ الّذي يخضع للحسابات الدّقيقة المانعة من السّقوط و الانحدار،الأمر الّذي يجعل الحرّيّة-بحسب طبيعتها الذّاتيّة و تقاليدها الاجتماعيّة-مرادفة للعفّة.

أمّا الأمة،فإنّ انتقالها من مالك إلى مالك-بحسب طبيعة الواقع التّجاريّ الّذي يجعلها سلعة تتناقلها

ص: 472

الأيدي-يجعلها بعيدة عن الإحصان،و قريبة إلى الابتذال،بالإضافة إلى افتقادها-في هذا الضّياع الإنسانيّ في مدى حركيّة الملكيّة-العمق الّذي يشدّها إلى العائلة،و يربطها بتقاليدها و يحصنها بقيمها،و يدفعها إلى الالتزام بشرف العائلة و تقاليدها و عزّتها،الأمر الّذي يبتعد بها عن صفة الإحصان،من حيث طبيعة الأمور.[ثمّ أدام البحث](7:189)

3- اَلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ... المائدة:5

ابن عبّاس: تزويج الحرائر العفائف.(89)

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ هي الذّمّيّات،فأمّا الحربيّات فإنّ نساءهم حرام على المسلمين.(الثّعلبيّ 4:22)

هو على العهد دون دار الحرب،فيكون خاصّا.

(القرطبيّ 6:79)

ابن المسيّب:هي عامّة في جميع الكتابيّات حربيّة كانت أو ذمّيّة.

مثله الحسن.(الثّعلبيّ 4:22)

الشّعبيّ: إحصان اليهوديّة و النّصرانيّة ألاّ تزني و أن تغتسل من الجنابة.(الطّبريّ 6:105)

مجاهد :الحرائر.(الطّبريّ 6:104)

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ...: العفائف.

(الطّبريّ 6:105)

مثله السّدّيّ و الثّوريّ.(الطّبريّ 6:106)

الإمام الباقر عليه السّلام:[في حديث عن زرارة بن أعين قال:سألت أبا جعفر عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ:

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ فقال:]

هذه منسوخة بقوله: وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ الممتحنة:10.(البحرانيّ 3:331)

الإمام الصّادق عليه السّلام: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ هنّ المسلمات.

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ... هنّ العفائف.

(البحرانيّ 3:333)

[في حديث]«سئل الصّادق عليه السّلام عن قول اللّه عزّ و جلّ: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ النّساء:25، قال:هنّ ذوات الأزواج.قال:قلت:و ما اَلْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ؟ قال:هنّ العفائف».(العروسيّ 1:594)

أبو عبيدة :أي ذوات الأزواج.(1:154)

أبو عبيد: يذهب إلى أنّه لا يحلّ نكاح إماء أهل الكتاب،لقوله تعالى: فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ. (القرطبيّ 6:79)

الطّبريّ: و اختلف أهل التّأويل في المحصنات اللاّتي عناهنّ اللّه عزّ ذكره بقوله: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ فقال بعضهم:عنى بذلك الحرائر خاصّة، فاجرة كانت أو عفيفة.و أجاز قائلو هذه المقالة نكاح الحرّة،مؤمنة كانت أو كتابيّة،من اليهود و النّصارى، من أيّ أجناس كانت،بعد أن تكون كتابيّة،فاجرة

ص: 473

كانت أو عفيفة.و حرّموا إماء أهل الكتاب أن تتزوّجهنّ بكلّ حال،لأنّ اللّه جلّ ثناؤه شرط في نكاح الإماء الإيمان،بقوله: وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ النّساء:25.[و نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

و قال آخرون:إنّما عنى اللّه بقوله:(و المحصنات...):

العفائف من الفريقين،إماء كنّ أو حرائر،فأجاز قائلو هذه المقالة نكاح إماء أهل الكتاب الدّائنات دينهم بهذه الآية،و حرّموا البغايا من المؤمنات و أهل الكتاب.

ثمّ اختلف أهل التّأويل في حكم قوله عزّ ذكره:

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ أ عامّ أم خاصّ؟

فقال بعضهم:هو عامّ في العفائف منهنّ،لأنّ المحصنات:العفائف،و للمسلم أن يتزوّج كلّ حرّة و أمة كتابيّة،حربيّة كانت أو ذمّيّة.و اعتلّوا في ذلك بظاهر قوله تعالى: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ... و أنّ المعنيّ بهنّ العفائف،كائنة من كانت منهنّ.و هذا قول من قال:

عنى ب(المحصنات)في هذا الموضع:العفائف.

و قال آخرون:بل اللّواتي عنى بقوله جلّ ثناؤه (و المحصنات)إلخ:الحرائر منهنّ،و الآية عامّة في جميعهنّ،فنكاح جميع الحرائر اليهود و النّصارى جائز.

حربيّات كنّ أو ذمّيّات،من أيّ أجناس اليهود و النّصارى كنّ.و هذا قول جماعة من المتقدّمين و المتأخّرين.

و قال آخرون منهم:بل عنى بذلك:نكاح بني إسرائيل الكتابيّات منهنّ خاصّة،دون سائر أجناس الأمم الّذين دانوا باليهوديّة و النّصرانيّة،و ذلك قول الشّافعيّ و من قال بقوله.

و قال آخرون:بل ذلك معنيّ به نساء أهل الكتاب الّذين لهم من المسلمين ذمّة و عهد.فأمّا أهل الحرب فإنّ نساءهم حرام على المؤمنين.

و أولى الأقوال في ذلك عندنا بالصّواب،قول من قال:عنى بقوله:(و المحصنات...):حرائر المؤمنين و أهل الكتاب،لأنّ اللّه جلّ ثناؤه لم يأذن بنكاح الإماء الأحرار في الحال الّتي أباحهنّ لهم،إلاّ أن يكنّ مؤمنات، فقال عزّ ذكره: وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً فلم يبح منهنّ إلاّ المؤمنات،فلو كان مرادا بقوله:

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ: العفائف،لدخل العفائف من إمائهم في الإباحة،و خرج منها غير العفائف من حرائرهم و حرائر أهل الإيمان،و قد أحلّ اللّه لنا حرائر المؤمنات و إن كنّ قد أتين بفاحشة بقوله: وَ أَنْكِحُوا الْأَيامى مِنْكُمْ....

و قد دلّلنا على فساد قول من قال:لا يحلّ نكاح من أتى الفاحشة من نساء المؤمنين و أهل الكتاب للمؤمنين في موضع غير هذا،بما أغنى عن إعادته في هذا الموضع، فنكاح حرائر المسلمين و أهل الكتاب حلال للمؤمنين، كنّ قد أتين بفاحشة،أو لم يأتين بفاحشة،ذمّيّة كانت أو حربيّة،بعد أن تكون بموضع لا يخاف النّاكح فيه على ولده،أن يجبر على الكفر،بظاهر قول اللّه جلّ و عزّ (و المحصنات)إلخ.

ص: 474

فأمّا قول الّذي قال:عنى بذلك نساء بني إسرائيل الكتابيّات منهنّ خاصّة،فقول لا يوجب التّشاغل بالبيان عنه،لشذوذه،و الخروج عمّا عليه علماء الأمّة، من تحليل نساء جميع اليهود و النّصارى.و قد دلّلنا على فساد قول قائل هذه المقالة،من جهة القياس في غير هذا الموضع،بما فيه الكفاية فكرهنا إعادته.(6:104)

نحوه ملخّصا الثّعلبيّ(4:22)،و البغويّ(2:19).

الزّجّاج: أي و أحلّ لكم المحصنات،و هنّ العفائف، و قيل:الحرائر.و الكتاب يدلّ على أنّ الأمة إذا كانت غير مؤمنة لم يجز التّزويج بها،لقوله: وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً... النّساء:25.(2:151)

الماورديّ: يعني نكاح المحصنات،و فيهنّ قولان:

أحدهما:أنّهنّ الحرائر من الفريقين،سواء كنّ عفيفات أو فاجرات.فعلى هذا لا يجوز نكاح إمائهنّ، و هذا قول مجاهد،و الشّعبيّ،و به قال الشّافعيّ.

و الثّاني:أنّهنّ العفائف،سواء كنّ حرائر أم إماء.

فعلى هذا يجوز نكاح إمائهنّ،و هذا قول مجاهد و الشّعبيّ أيضا،و به قال أبو حنيفة.

و في المحصنات من الّذين أوتوا الكتاب قولان:

أحدهما:المعاهدات دون الحربيّات،و هذا قول ابن عبّاس.

و الثّاني:عامّة أهل الكتاب،من معاهدات و حربيّات، و هذا قول الفقهاء،و جمهور السّلف.(2:17)

الطّوسيّ: و قال قوم:أراد بذلك الذّمّيّات منهنّ.

ذهب إليه ابن عبّاس،و اختار الطّبريّ أن يكون المراد بذلك الحرائر من المسلمات و الكتابيّات.و عندنا لا يجوز العقد على الكتابيّة نكاح الدّوام،لقوله تعالى: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ البقرة:221، و لقوله: وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ الممتحنة:10.

فإذا ثبت ذلك،قلنا في قوله: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ تأويلان:

أحدهما:أن يكون المراد بذلك:اللاّئي أسلمن منهنّ،و المراد بقوله: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ من كنّ في الأصل مؤمنات ولدن على الإسلام.قيل:إنّ قوما كانوا يتحرّجون من العقد على الكافرة إذا أسلمت،فبيّن اللّه بذلك أنّه لا حرج في ذلك، فلذلك أفردهنّ بالذّكر،حكى ذلك البلخيّ.

و الثّاني:أن يخصّ ذلك بنكاح المتعة أو ملك اليمين، لأنّه يجوز عندنا وطؤهنّ بعقد المتعة،و ملك اليمين،على أنّه روى أبو الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام:أنّ ذلك منسوخ بقوله: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ البقرة:

221،روي عن أبي عبد اللّه عليه السّلام أنّه قال:هو منسوخ بقوله: وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ.

(3:445)

نحوه الطّبرسيّ.(2:162).

الميبديّ: و أحلّ لكم نكاح حرائر المسلمات و حرائر الكتابيّات،و الإحصان هاهنا بمعنى الحرّيّة.

يقول:يحلّ لكم نكاح الحرائر من المؤمنات و حرائر أهل الإنجيل و التّوراة،و أمّا نكاح الإماء من أهل الكتاب فلا يجوز،على مذهب الشّافعيّ؛إذ قال اللّه: وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً... مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ.

و هذه الآية دليل على أنّ الإيمان شرط في نكاح

ص: 475

الإماء،على خلاف أهل العراق فإنّهم يقولون بجواز نكاح الإماء الكتابيّات.و المحصنات في هذه الآية عفائف،و لسن حرائر على قولهم.

و لا يجوز نكاح الفواجر سواء كنّ من المؤمنات أم من الكتابيّات،و سواء من الإماء أم من الحرائر،و هو قول السّدّيّ.

و القول الأوّل أولى،لأنّه قول أكثر العلماء و الفقهاء.

(3:35)

الزّمخشريّ: الحرائر أو العفائف،و تخصيصهنّ بعث على تخيّر المؤمنين لنطفهم.و الإماء من المسلمات يصحّ نكاحهنّ بالاتّفاق،و كذلك نكاح غير العفائف منهم.

و أمّا الإماء الكتابيّات فعند أبي حنيفة هنّ كالمسلمات،و خالفه الشّافعيّ.

و كان ابن عمر لا يرى نكاح الكتابيّات،و يحتجّ بقوله:

وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ البقرة:221، و يقول:لا أعلم شركا أعظم من قولها:إنّ ربّها عيسى.

و عن عطاء قد أكثر اللّه المسلمات و إنّما رخّص لهم يومئذ.

(1:595)

ابن عطيّة: عطف على الطّعام المحلّل.و الإحصان في كلام العرب و في تصريف الشّرع مأخوذ من المنعة، و منه:الحصن،و هو مترتّب بأربعة أشياء:الإسلام، و العفّة،و النّكاح،و الحرّيّة.

فيمتنع في هذا الموضع أن يكون الإسلام،لأنّه قد نصّ أنّهنّ من أهل الكتاب.و يمتنع أن يكون النّكاح،لأنّ ذات الزّوج لا تحلّ.و لم يبق إلاّ الحرّيّة و العفّة فاللّفظة تحتملهما.

و اختلف أهل العلم بحسب هذا الاحتمال،فقال مالك رحمه اللّه و مجاهد و عمر بن الخطّاب و جماعة من أهل العلم:(المحصنات)في هذه الآية:الحرائر،فمنعوا نكاح الأمة الكتابيّة.

و قالت جماعة من أهل العلم:(المحصنات)في هذه الآية:العفائف،منهم مجاهد أيضا و الشّعبيّ و غيرهم، فجوّزوا نكاح الأمة الكتابيّة،و به قال سفيان و السّدّيّ...

و قال أبو ميسرة:مملوكات أهل الكتاب بمنزلة حرائرهنّ العفائف منهنّ،حلال نكاحهنّ.

و منع بعض العلماء زواج غير العفيفة بهذه الآية.

(2:159)

الفخر الرّازيّ: و في(المحصنات)قولان:أحدهما:

أنّها الحرائر،و الثّاني:أنّها العفائف،و على التّقدير الثّاني يدخل فيه نكاح الأمة،و القول الأوّل أولى لوجوه:

أحدها:أنّه تعالى قال بعد هذه الآية: إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ، و مهر الأمة لا يدفع إليها بل إلى سيّدها.

ثانيها:أنّا بيّنّا في تفسير قوله تعالى: وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ النّساء:25،أنّ نكاح الأمة إنّما يحلّ بشرطين:عدم طول الحرّة،و حصول الخوف من العنت.

ثالثها:أنّ تخصيص العفائف بالحلّ يدلّ ظاهرا على تحريم نكاح الزّانية،و قد ثبت أنّه غير محرّم،أمّا لو حملنا

ص: 476

(المحصنات)على الحرائر،يلزم تحريم نكاح الأمة، و نحن نقول به على بعض التّقديرات.

رابعها:أنّا بيّنّا أنّ اشتقاق الإحصان من التّحصّن، و وصف التّحصّن في حقّ الحرّة أكثر ثبوتا منه في حقّ الأمة،لما بيّنّا أنّ الأمة و إن كانت عفيفة إلاّ أنّها لا تخلو من الخروج و البروز و المخالطة مع النّاس بخلاف الحرّة، فثبت أنّ تفسير(المحصنات)بالحرائر أولى من تفسيرها بغيرها.[و له بحث مستوفى في جواز نكاح الأمة فلاحظ](11:146)

القرطبيّ: [نقل أقوال المفسّرين و انتهى إلى قول أبي عبيدة و قال:]

و هذا القول الّذي عليه جلّة العلماء.(6:79)

أبو حيّان :[نحو ابن عطيّة و أضاف]

فإن قلت:يكون ثمّ محذوف،أي و المحصنات اللاّتي كنّ كتابيّات فأسلمن،و يكون قد وصفهنّ بأنهنّ من الّذين أوتوا الكتاب باعتبار ما كنّ عليه،كما قال: وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ آل عمران:199، و قال: مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ أُمَّةٌ قائِمَةٌ آل عمران:113، ثمّ قال بعد يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ آل عمران:

114.

قلت:إطلاق لفظ(اهل الكتاب)ينصرف إلى اليهود و النّصارى دون المسلمين،و دون سائر الكفّار،و لا يطلق على مسلم أنّه من أهل الكتاب،كما لا يطلق عليه يهوديّ و لا نصرانيّ.

فأمّا الآيتان فأطلق الاسم مقيّدا بذكر«الإيمان» فيهما،و لا يوجد مطلقا في القرآن بغير تقييد إلاّ و المراد بهم اليهود و النّصارى.

و أيضا فإنّه قال: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ فانتظم ذلك سائر المؤمنات ممّن كنّ مشركات أو كتابيّات،فوجب أن يحمل قوله:

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ... الكتابيّات اللاّتي لم يسلمن،و إلاّ زالت فائدته؛إذ قد اندرجن في قوله:

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ.

و أيضا فمعلوم من قوله تعالى: وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ المائدة:5،أنّه لم يرد به طعام المؤمنين الّذين كانوا من أهل الكتاب،بل المراد اليهود و النّصارى، فكذلك هذه الآية.

فإن قيل:يتعلّق في تحريم الكتابيّات بقوله تعالى:

وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ الممتحنة:10،قيل:هذا في الحربيّة إذا خرج زوجها مسلما،أو الحربيّ تخرج امرأته مسلمة،أ لا ترى إلى قوله: وَ سْئَلُوا ما أَنْفَقْتُمْ وَ لْيَسْئَلُوا ما أَنْفَقُوا الممتحنة:10؟و لو سلّمنا العموم لكان مخصوصا بقوله: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ و الظّاهر جواز نكاح الحربيّة الكتابيّة لاندراجها في عموم: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ....

و خصّ ابن عبّاس هذا العموم بالذّمّيّة،فأجاز نكاح الذّمّيّة دون الحربيّة،و تلا قوله تعالى: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ إلى قوله: وَ هُمْ صاغِرُونَ التّوبة:29.و لم يفرق غيره من الصّحابة بين الحربيّات و الذّمّيّات.[ثمّ ذكر حكم نساء نصارى بني تغلب](3:432)

أبو السّعود :(و المحصنات من المؤمنات)رفع

ص: 477

على أنّه مبتدأ حذف خبره،لدلالة ما تقدّم عليه،أي حلّ لكم أيضا،و المراد بهنّ:الحرائر العفائف، و تخصيصهنّ بالذّكر للبعث على ما هو الأولى،لا لنفي ما عداهنّ،فإنّ نكاح الإماء المسلمات صحيح بالاتّفاق، و كذا نكاح غير العفائف منهنّ.و أمّا الإماء الكتابيّات فهنّ كالمسلمات عند أبي حنيفة رضى اللّه عنه،خلافا للشّافعيّ رضى اللّه عنه وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ... أي هنّ أيضا حلّ لكم و إن كنّ حربيّات.و قال ابن عبّاس:

«لا تحلّ الحربيّات».(2:240)

نحوه البروسويّ(2:348)،و الآلوسيّ(6:65).

الطّباطبائيّ: الإتيان في متعلّق الحكم بالوصف، أعني ما في قوله: اَلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ من غير أن يقال:من اليهود و النّصارى مثلا،أو يقال:من أهل الكتاب،لا يخلو من إشعار بالعلّيّة،و اللّسان لسان الامتنان،و المقام مقام التّخفيف و التّسهيل،فالمعنى:إنّا نمتنّ عليكم بالتّخفيف و التّسهيل في رفع حرمة الازدواج بين رجالكم و المحصنات من نساء أهل الكتاب،لكونهم أقرب إليكم من سائر الطّوائف غير المسلمة،و هم أوتوا الكتاب و أذعنوا بالتّوحيد و الرّسالة، بخلاف المشركين و الوثنيّين المنكرين للنّبوّة،و يشعر بما ذكرنا أيضا تقييد قوله: أُوتُوا الْكِتابَ بقوله: مِنْ قَبْلِكُمْ فإنّ فيه إشعارا واضحا بالخطط و المزج و التّشريك.

و كيف كان لمّا كانت الآية واقعة موقع الامتنان و التّخفيف،لم تقبل النّسخ بمثل قوله تعالى:

وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ البقرة:221، و قوله تعالى: وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ الممتحنة:

10،و هو ظاهر.

على أنّ الآية الأولى واقعة في سورة البقرة،و هي أوّل سورة مفصّلة نزلت بالمدينة قبل المائدة،و كذا الآية الثّانية واقعة في سورة الممتحنة،و قد نزلت بالمدينة قبل الفتح،فهي أيضا قبل المائدة نزولا،و لا وجه لنسخ السّابق للاّحق مضافا إلى ما ورد:أنّ المائدة آخر ما نزلت على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فنسخت ما قبلها،و لم ينسخها شيء.

على أنّك قد عرفت في الكلام على قوله تعالى:

وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ... في الجزء الثّاني من الكتاب:أنّ الآيتين-أعني آية البقرة و آية الممتحنة-أجنبيّتان من الدّلالة على حرمة نكاح الكتابيّة.

و لو قيل:بدلالة آية الممتحنة بوجه على التّحريم، كما يدلّ على سبق المنع الشّرعيّ ورود آية المائدة في مقام الامتنان و التّخفيف-و لا امتنان و لا تخفيف لو لم يسبق منع-كانت آية المائدة هي النّاسخة لآية الممتحنة لا بالعكس،لأنّ النّسخ شأن المتأخّر،و سيأتي في البحث الرّوائيّ كلام في الآية الثّانية.

ثمّ المراد ب(المحصنات)في الآية:العفائف،و هو أحد معاني الإحصان؛و ذلك أنّ قوله: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يدلّ على أنّ المراد ب(المحصنات)غير ذوات الأزواج و هو ظاهر،ثمّ الجمع بين المحصنات من أهل الكتاب و المؤمنات على ما مرّ من توضيح معناها،

ص: 478

يقضي بأنّ المراد ب(المحصنات)في الموضعين معنى واحد،و ليس هو الإحصان بمعنى الإسلام،لمكان قوله:

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ، و ليس المراد ب(المحصنات):الحرائر،فإنّ الامتنان المفهوم من الآية لا يلائم تخصيص الحلّ بالحرائر دون الإماء،فلم يبق من معاني الإحصان إلاّ العفّة،فتعيّن أنّ المراد ب(المحصنات):العفائف.

و بعد ذلك كلّه إنّما تصرّح الآية بتشريع حلّ المحصنات من أهل الكتاب للمؤمنين من غير تقييد بدوام أو انقطاع،إلاّ ما ذكره من اشتراط الأجر،و كون التّمتّع بنحو الإحصان لا بنحو المسافحة و اتّخاذ الأخدان،فينتج أنّ الّذي أحلّ للمؤمنين منهنّ أن يكون على طريق النّكاح عن مهر و أجر دون السّفاح،من غير شرط آخر من نكاح دوام أو انقطاع.و قد تقدّم في قوله تعالى:

فَمَا اسْتَمْتَعْتُمْ بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ النّساء:24،في الجزء الرّابع من الكتاب أنّ المتعة نكاح كالنّكاح الدّائم، و للبحث بقايا تطلب من علم الفقه.(5:204)

عبد الكريم الخطيب :من الطّيّبات الّتي أباحها اللّه للمسلمين اَلْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ و هنّ اللاّئي تنعقد رابطة الزّواج بهنّ انعقادا صحيحا،بألاّ تكون المرأة المؤمنة من المحارم،و لا أن تكون في عصمة الغير،و لا في عدّتها منه،و لا أن تكون مع وجود أربع زوجات غيرها.

و الشّأن في المحصنات من المؤمنات،المحصنات (1)من الكتابيّات،و هذا ما يشير إليه قوله تعالى:

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ و قد أشرنا إلى هذا عند تفسير قوله تعالى: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ...

البقرة:221.(3:1039)

فضل اللّه :الحرائر كما قيل،و قيل:العفيفات من الزّنى،و هو الأقرب.و قد ذكر أنّ للإحصان معاني أربعة:

الإسلام،و التّزوّج،و الحرّيّة،و العفّة.(8:53)

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ و أحلّ اللّه لكم الزّواج بالعفيفات من المؤمنات وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ... فيجوز الزّواج بهنّ،لأنّهنّ يؤمنّ باللّه و اليوم الآخر و بالتّوراة و الإنجيل،ممّا يجعل هناك قاعدة للعلاقة الزّوجيّة،باعتبار أنّ المسلم يؤمن بذلك كلّه أيضا،خلافا للكوافر اللاّتي لا يؤمنّ باللّه بل يلتزمن الشّرك،فلا يجوز للمسلمين التّزوّج و الإمساك بعصم الكوافر أو بالمشركات حتّى يؤمنّ.

و على ضوء هذا فإنّ المسألة في الزّواج ترتكز على الإيمان حتّى مع اختلاف بعض خصوصيّاته،ممّا لا مجال فيه للكافرين باللّه و المشركين به.و هذا ما جاءت به الآية الكريمة وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ الممتحنة:

10،حيث وردت في سياق الزّواج بالنّساء الكافرات من مجتمع مكّة،فلا تشمل نساء أهل الكتاب.و الآية الكريمة وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ البقرة:221،فإنّها لا تشمل أهل الكتاب،لأنّ مصطلح المشركين في القرآن لا يشملهم.

و لا تصلح كلّ منهما-على تقدير الشّمول-أن تكون ناسخة لهذه الآيات،لأنّها متأخّرة عنها،و لات.

ص: 479


1- كذا و لعلّ الصّحيح:و المحصنات.

ينسخ السّابق اللاّحق.

و قد حاول بعض المانعين لزواج الكتابيّة تأويل الآية بأنّ المراد ب وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ...

اللاّتى أسلمن منهنّ-بعد كفر-و المراد ب وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ اللاّتي كنّ في الأصل مؤمنات بأن ولدن على الإسلام،و ذلك أنّ قوما كانوا يتحرّجون من العقد على من أسلمت عن كفر،فبيّن سبحانه أنّه لا حرج في ذلك،فلهذا أفردهنّ بالذّكر.

حكى ذلك أبو القاسم النّجفيّ.

و لكن هذا القول مردود بأنّه دعوى من دون دليل، لأنّ ظاهر المقابلة بين المؤمنات و اللاّتي من أهل الكتاب إرادة التّنوّع في واقع الانتماء الدّينيّ،لا في الانتماء السّابق، مع اتّحاد الانتماء الحاليّ.(8:57)

4- وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً... النّور:4

ابن عبّاس: الحرائر المسلمات العفائف.(292)

نحوه البغويّ(3:382)،و الطّبريّ(18:75).

الزّجّاج: و(المحصنات)هاهنا:اللّواتي أحصنّ فروجهنّ بالعفّة.(4:30)

الطّوسيّ: أي يقذفون العفائف من النّساء بالزّنى و الفجور.(7:408)

نحوه البيضاويّ(2:122)،و الفاضل المقداد(2:

347)،و الطّبرسيّ(4:126).

ابن عطيّة: و حكى الزّهراويّ أنّ في المعنى الأنفس المحصنات فهي تعمّ بلفظها الرّجال و النّساء،و يدلّ على ذلك قوله تعالى: اَلْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ النّساء:

24،و الجمهور على فتح الصّاد من(المحصنات)، و كسرها يحيى بن وثّاب.

و(المحصنات):العفائف في هذا الموضع،لأنّ هذا هو الّذي يجب به جلد القاذف،و العفّة أعلى معاني الإحصان؛إذ في طيّه الإسلام،و في هذه النّازلة الحرّيّة، و منه قول حسّان:*حصان رزان*البيت،و منه قوله تعالى: وَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها الأنبياء:91.

(4:164)

الفخر الرّازيّ: [له هاهنا أبحاث لاحظ ر م ي:

«يرمون»](23:152)

نحوه القرطبيّ.(12:172)

أبو حيّان :الظّاهر:أنّ المراد النّساء العفائف.و خصّ النّساء بذلك و إن كان الرّجال يشركونهنّ في الحكم،لأنّ القذف فيهنّ أشنع و أنكر للنّفوس،و من حيث هنّ هوى الرّجال ففيه إيذاء لهنّ،و لأزواجهنّ و قراباتهنّ.

و قيل:المعنى الفروج المحصنات،كما قال: اَلَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها. و قيل:الأنفس المحصنات،قاله ابن حزم و حكاه الزّهراويّ.

فعلى هذين القولين يكون اللّفظ شاملا للنّساء و للرّجال،و يدلّ على الثّاني قوله: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ النّساء:24،و ثمّ محذوف،أي بالزّنى،و خرج ب(المحصنات)من ثبت زناها أو زناه.و استلزم الوصف بالإحصان:الإسلام،و العقل،و البلوغ،و الحرّيّة.

(6:431)

الشّربينيّ: جمع محصنة،و هي هنا المسلمة الحرّة

ص: 480

المكلّفة العفيفة.(2:599)

أبو السّعود :و يعتبر في الإحصان هاهنا مع مدلوله الوضعيّ الّذي هو العفّة عن الزّنى:الحرّيّة،و البلوغ و الإسلام...راجع ر م ي:«يرمون».(4:439)

البروسويّ: و(المحصنات):العفائف،و هو بالفتح يقال إذا تصوّر حصنها من نفسها،و بالكسر يقال إذا تصوّر حصنها من غيرها.

و الحصن في الأصل معروف،ثمّ تجوّز به في كلّ تحرّز، و منه:«درع حصينة»لكونها حصنا للبدن،و«فرس حصان»لكونه حصنا لراكبه،و«امرأة حصان»للعفيفة.

و المعنى:و الّذين يقذفون العفائف بالزّنى،بدليل ذكر المحصنات عقيب الزّواني،و تخصيص(المحصنات) لشيوع الرّمي فيهنّ،و إلاّ فقذف الذّكر و الأنثى سواء في الحكم الآتي.

و المراد المحصنات الأجنبيّات،لأنّ رمي الأزواج أي النّساء الدّاخلات تحت نكاح الرّامين حكمه سيأتي.

(6:117)

الآلوسيّ: [له بحث لاحظ ر م ي:«يرمون»]

(18:88)

عبد الكريم الخطيب :و قد ذكرت(المحصنات) و لم يذكر«المحصنون»لأنّ المرأة تبعتها في هذه الجريمة -إذا ثبتت-أفدح من الرّجل،و كذلك ذكر(المحصنات) و لم يذكر غير المحصنات،لهذا السّبب عينه.فالجميع داخلون في هذا الحكم،نساء و رجالا،محصنات و غير محصنات،و محصنين و غير محصنين.

و إنّما ذكر الإحصان،للدّلالة به على التّعفّف و التّصوّن،و أنّ الّذي يرمي بتلك التّهمة إنّما يرمي عفيفا متصوّنا،أو من شأنه أن يكون هكذا،أو من شأن المسلمين أن يظنّوا به هذا الظّنّ،قبل أن يتّهموا...

(9:1220)

فضل اللّه :العفيفات،سواء أ كنّ من المتزوّجات أم غير المتزوّجات.و قد خصّ الآية بالنّساء،مع شمول الحكم للرّجال،لأنّ المجتمع الغالب هو مجتمع الرّجل الّذي يوجّه مسئوليّة الزّنى إلى المرأة أكثر من الرّجل، باعتبارها العنصر الأضعف الّذي لا يملك الكثير من فرص الدّفاع عن نفسه،ممّا يجعلها عرضة لخطر الاتّهام غير المسئول.

و لهذا أراد القرآن تأكيد حمايتها،بعيدا عن كلّ الامتيازات،و توجيه الوعي الإسلاميّ للإنسان،لأنّ الإسلام يرى الحقّ في معطياته الواقعيّة،هو الأساس الّذي يحكم القويّ و الضّعيف معا بميزان واحد،لذا اعتبر البيّنة العادلة قاعدة للحكم،و جعل الحديث عن الزّنى في حقّ كلّ واحد،خاضعا لقيام البيّنة على وقوعه.أمّا إذا انطلق النّاس في الحديث غير المسئول،فرموا المحصنات أو المحصنين. ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ يؤكّدون مشاهدتهم للعمليّة الجنسيّة بتفاصيلها الدّقيقة فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً. (16:237)

تحصّنا

وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لِتَبْتَغُوا عَرَضَ الْحَياةِ الدُّنْيا... النّور:33

ابن عبّاس: تعفّفا عن الزّنى.(295)

ص: 481

مثله الطّبريّ(18:132)،و نحوه الماورديّ(4:101)، و الفخر الرّازيّ(23:221)،و البروسويّ(6:150).

الطّوسيّ: قوله: إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً صورته صورة الشّرط و ليس بشرط،و إنّما ذكر لعظم الإفحاش في الإكراه على ذلك.

و قيل:إنّها نزلت على سبب،فوقع النّهي عن المعنيّ على تلك الصّفة.(7:434)

البغويّ: أي إذا أردن،و ليس معناه الشّرط،لأنّه لا يجوز إكراههنّ على الزّنى إن لم يردن تحصّنا،كقوله تعالى: وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ آل عمران:

139،أي إذا كنتم مؤمنين.

و قيل:إنّما شرط إرادة التّحصّن،لأنّ الإكراه إنّما يكون عند إرادة التّحصّن،فإذا لم ترد التّحصّن بغت طوعا.و التّحصّن:التّعفّف.

و قال الحسين بن الفضل:في الآية تقديم و تأخير، تقديره:و انكحوا الأيامى منكم إن أردن تحصّنا،و لا تكرهوا فتياتكم على البغاء.(3:414)

الزّمخشريّ: إن قلت:لم أقحم قوله: إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً.

قلت:لأنّ الإكراه لا يتأتّى إلاّ مع إرادة التّحصّن، و آمر الطّيّعة المواتية للبغاء لا يسمّى مكرها و لا أمره إكراها،و كلمة(ان)و إيثارها على«إذا»إيذان بأنّ المساعيات كنّ يفعلن ذلك برغبة و طواعية منهنّ،و أنّ ما وجد من«معاذة و مسيكة»من حيّز الشّاذّ النّادر.

(3:66)

الطّبرسيّ: إنّما شرط إرادة التّحصّن،لأنّ الإكراه لا يتصوّر إلاّ عند إرادة التّحصّن،فإن لم ترد المرأة التّحصّن بغت بالطّبع،فهذه فائدة الشّرط.(4:140)

القرطبيّ: قوله تعالى: إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً راجع إلى الفتيات؛و ذلك أنّ الفتاة إذا أرادت التّحصّن فحينئذ يمكن و يتصوّر أن يكون السّيّد مكرها،و يمكن أن ينهى عن الإكراه.

و إذا كانت الفتاة لا تريد التّحصّن فلا يتصوّر أن يقال للسّيّد:لا تكرهها،لأنّ الإكراه لا يتصوّر فيها و هي مريدة للزّنى.فهذا أمر في سادة و فتيات حالهم هذه.

و إلى هذا المعنى أشار ابن العربيّ،فقال:«إنّما ذكر اللّه تعالى إرادة التّحصّن من المرأة،لأنّ ذلك هو الّذي يصوّر الإكراه.فأمّا إذا كانت هي راغبة في الزّنى لم يتصوّر إكراه»،فحصّلوه.

و ذهب هذا النّظر عن كثير من المفسّرين،فقال بعضهم:قوله: إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً راجع إلى الأيامى.

قال الزّجّاج و الحسين بن الفضل:في الكلام تقديم و تأخير،أي و أنكحوا الأيامى و الصّالحين من عبادكم إن أردن تحصّنا.و قال بعضهم:هذا الشّرط في قوله: إِنْ أَرَدْنَ ملغى،و نحو ذلك ممّا يضعف،و اللّه الموفّق.

(12:254)

الشّربينيّ: [نحو الزّمخشريّ و الطّبرسيّ](2:622)

أبو السّعود :ليس لتخصيص النّهي بصورة إرادتهنّ التّعفّف عن الزّنى،و إخراج ما عداها من حكمه، كما إذا كان الإكراه بسبب كراهتهنّ الزّنى لخصوص الزّاني أو لخصوص الزّمان،أو لخصوص المكان،أو لغير ذلك من الأمور المصحّحة للإكراه في الجملة،بل للمحافظة

ص: 482

على عادتهم المستمرّة؛حيث كانوا يكرهونهنّ على البغاء و هنّ يردن التّعفّف عنه،مع وفور شهوتهنّ الآمرة بالفجور،و قصورهنّ في معرفة الأمور الدّاعية إلى المحاسن الزّاجرة عن تعاطي القبائح.

فإنّ عبد اللّه بن أبيّ كانت له ستّ جوار يكرههنّ على الزّنى،و ضرب عليهنّ ضرائب،فشكت اثنتان منهنّ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فنزلت.

و فيه من زيادة تقبيح حالهم،و تشنيعهم على ما كانوا عليه من القبائح ما لا يخفى،فإنّ من له أدنى مروءة لا يكاد يرضى بفجور من يحويه حرمه من إمائه،فضلا عن أمرهنّ به أو إكراههنّ عليه،لا سيّما عند إرادتهنّ التّعفّف،فتأمّل.

و دع عنك ما قيل:من أنّ ذلك لأنّ الإكراه لا يتأتّى إلاّ مع إرادة التّحصّن.

و ما قيل:من أنّه إن جعل شرطا للنّهي لا يلزم من عدمه جواز الإكراه،لجواز أن يكون ارتفاع النّهي لامتناع المنهيّ عنه.

فإنّهما بمعزل من التّحقيق.

و إيثار كلمة(ان)على«إذا»مع تحقّق الإرادة في مورد النّصّ،حتما للإيذان بوجوب الانتهاء عن الإكراه،عند كون إرادة التّحصّن في حيّز التّردّد و الشّكّ، فكيف إذا كانت محقّقة الوقوع،كما هو الواقع؟

و تعليله بأنّ الإرادة المذكورة منهنّ في حيّز الشّاذّ النّادر،مع خلوّه عن الجدوى بالكلّيّة يأباه اعتبار تحقّقها إباء ظاهرا.(4:457)

نحوه البروسويّ(6:150)،و الآلوسيّ(18:157).

خليل ياسين:ما الفائدة في اشتراط إرادة التّحصّن في النّهي عن الإكراه؟أو ليس مفهوم الشّرط على هذا يكون:أكرهوهنّ على البغاء إن لم يردن التّحصّن،و هو لغو واضح،لأنّهنّ إذا لم يردن التّحصّن لا يحوّجن أحدا إلى أن يكرههنّ على البغاء؟

ج-الإكراه على البغاء لا يتصوّر إلاّ عند إرادة التّحصّن،فإذا لم ترد المرأة التّحصّن بغت،فلا موقع لإكراهها حينئذ،فالقضيّة الشّرطيّة لا مفهوم لها.

(2:58)

مكارم الشّيرازيّ: و جدير بالذّكر أنّ عبارة إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً لا تعني إن رغبن في الفساد،فلا مانع من إجبارهنّ،بل تعني نفي الموضوع بشكل تامّ،لأنّ مسألة الإكراه تصدق في حالة عدم الرّغبة فيه،و إلاّ فبيع الجسد و إشاعة هذا الفعل بأيّة صورة كانت،إنّما هو من الذّنوب العظام.

و جاءت هذه العبارة لتثير غيرة مالكي الجواري إن كان لهم أدنى غيرة،و مفهومها أنّ هؤلاء الجواري هنّ بمستوى أوطأ،و على الرّغم من ذلك لا يرغبن في ارتكاب الفاحشة...(11:82)

لتحصنكم

وَ عَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ. الأنبياء:80

ابن عبّاس: لتمنعكم.(274)

نحوه البغويّ.(3:301)

السّدّيّ: أي ليحرزكم و يمنعكم من وقع السّلاح

ص: 483

فيكم.(الطّبرسيّ 4:58)

الفرّاء: (ليحصنكم)و(لنحصنكم).فمن قال:

(ليحصنكم)بالياء كان لتذكير اللّبوس،و من قال:

(لتحصنكم)بالتّاء ذهب إلى تأنيث الصّنعة،و إن شئت جعلته لتأنيث الدّروع،لأنّها هي اللّبوس.و من قرأ:

(لنحصنكم)بالنّون،يقول:لنحصنكم نحن.و على هذا المعنى يجوز ليحصنكم-بالياء-اللّه(من باسكم) أيضا.(2:209)

الطّبريّ: [نحو الفرّاء ثمّ قال:]

و أولى القراءات في ذلك بالصّواب عندي:قراءة من قرأه بالياء،لأنّها القراءة الّتي عليها الحجّة من قرّاء الأمصار،و إن كانت القراءات الثّلاث الّتي ذكرناها متقاربات المعاني؛و ذلك أنّ الصّنعة هي اللّبوس، و اللّبوس هي الصّنعة،و اللّه هو المحصن به من البأس، و هو المحصن بتصيير اللّه إيّاه كذلك.و معنى قوله:

(ليحصنكم)ليحرزكم،و هو من قوله:قد أحصن فلان جاريته.(17:55)

الزّجّاج: [ذكر القراءات نحو الفرّاء و قال:]

فهذه الثّلاثة الأوجه قد قرئ بهنّ،و يجوز فيها ثلاث لم يقرأ بهنّ،لأنّ القراءة سنّة،يجوز(لنحصّنكم)بالنّون و التّشديد،و(لتحصّنكم)بالتّاء و التّشديد، و(ليحصّنكم)بالياء مشدّدة الصّاد في هذه الثّلاث.

(3:400)

الطّوسيّ: قرأ (لنحصنكم) بالنّون أبو بكر عن عاصم،و قرأ ابن عامر و حفص عن عاصم بالتّاء، الباقون بالياء.

فمن قرأ بالتّاء،فلأنّ الدّروع مؤنّثة،فأسند الفعل إليها.

و من قرأ بالياء أضافه إلى(لبوس)،و هو مذكّر.

و يجوز أن يكون أسند الفعل إلى اللّه،و يجوز أن يضيفه إلى التّعليم،ذكره أبو عليّ.

و من قرأ بالنّون أسند الفعل إلى اللّه،ليطابق قوله:

(و علّمناه).(7:266)

نحوه الطّبرسيّ.(4:56)

الميبديّ: [ذكر القراءات ثمّ قال:]

و يجوز أن يكون من فعل داود،لأنّ الهاء في قوله:

(علّمناه)راجعة إليه،أي علّمنا داود صنعة لبوس ليحصنكم بمصنوعه من بأسكم.و جائز أن يكون من فعل التّعليم،أي علّمناه ليحصنكم التّعليم.(6:281)

الزّمخشريّ: [اكتفى بذكر القراءات ملخّصا نحو الزّجّاج](2:581)

البيضاويّ: (لكم)متعلّق ب«علّم»أو صفة ل(لبوس)، لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ بدل منه،بدل الاشتمال بإعادة الجارّ،و الضّمير لداود عليه السّلام،أو ل(لبوس).[ثمّ ذكر القراءات](2:78)

الشّربينيّ: [نحو البيضاويّ ثمّ قال:]

و مرجع الضّمير يختلف باختلاف القراءات،فقرأ شعبة بالنّون،فالضّمير للّه تعالى.و قرأ ابن عامر و حفص بالتّاء على التّأنيث،فالضّمير ل(صنعة)أو ل(لبوس) على تأويل الدّرع،و قرأ الباقون بالياء التّحتيّة،فالضّمير ل(داود)أو ل(لبوس).(2:516)

أبو السّعود :أي اللّبوس بتأويل الدّرع،و قرئ

ص: 484

بالتّذكير،على أنّ الضّمير ل(داود)عليه السّلام أو ل(لبوس)، و قرئ بنون العظمة،و هو بدل اشتمال من(لكم)بإعادة الجارّ،مبيّن لكيفيّة الاختصاص و المنفعة المستفادة من لام(لكم).(4:351)

نحوه الآلوسيّ.(17:77)

فضل اللّه :فتحميكم من ضربات السّلاح الموجّهة إلى أجسادكم؛و ذلك حين ألان اللّه الحديد لداود ممّا جعل انتاجه للدّروع سهلا؛بحيث يمكنه صنع الكثير منه.

(15:252)

تحصنون

ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تُحْصِنُونَ. يوسف:48

ابن عبّاس: تحرزون.(198)

مثله أبو عبيدة(1:313)،و ابن قتيبة(218).

تخزنون.(الطّبريّ 12:231)

مثله السّيوطيّ.(2:21)

قتادة :ممّا تدّخرون(الطّبريّ 12:231)

السّدّيّ: ممّا ترفعون.(الطّبريّ 12:231)

الطّبريّ: يقول:إلاّ يسيرا ممّا تحرزونه.

و الإحصان:التّصيير في الحصل،و إنّما المراد منه:

الإحراز:[ثمّ نقل أقوال المفسّرين و قال:]

و هذه الأقوال في قوله:(تحصنون)و إن اختلفت ألفاظ قائليها فيه،فإنّ معانيها متقاربة،و أصل الكلمة و تأويلها على ما بيّنت.(12:231)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:[قول قتادة]

الثّاني:ممّا تخزنون في الحصون.

و يحتمل وجها ثالثا:إلاّ قليلا ممّا تبذرون،لأنّ في استبقاء البذر تحصين الأقوات.(3:44)

البغويّ: تحرزون و تدّخرون للبذر.(2:495)

نحوه الطّبرسيّ(3:238)،و الفخر الرّازيّ(18:

150)،و الشّربينيّ(2:113)،و أبو السّعود(3:400)، و البروسويّ(4:269)،و الطّباطبائيّ(11:19).

الميبديّ: تدّخرون استظهارا و عدة لبذور الزّراعة.(5:78)

الزّمخشريّ: تحرزون و تخبئون.(2:325)

مثله النّسفيّ(2:225)،و نحوه أبو حيّان(5:315)، و الآلوسيّ(12:255).

القرطبيّ: أي ممّا تحبسون لتزرعوا،لأنّ في استبقاء البذر تحصين الأقوات.و قال أبو عبيدة:

تحرزون،و قال قتادة:تدّخرون.و المعنى واحد،و هو يدلّ على جواز احتكار الطّعام إلى وقت الحاجة.(9:204)

الطّباطبائيّ: و الإحصان:الإحراز و الادّخار، و المعنى ثمّ يأتي من بعد ذلك،أي ما ذكر من السّنين الخصبة سبع سنين شداد يشدّدن عليكم،يأكلن ما قدّمتم لهنّ،إلاّ قليلا ممّا تحرزون و تدّخرون.

(11:190)

فضل اللّه :و تدّخرون و تحتفظون به من القليل القليل،كأنّ هذه السّنين سباع ضارية تكرّ على النّاس لافتراسهم و أكلهم،فيقدّمون لها ما ادّخروه من الطّعام، فتأكله و تنصرف عنهم.(12:220)

ص: 485

محصّنة

لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ... الحشر:14

ابن عبّاس: في مدائن و قصور حصينة.(465)

الطّبريّ: إلاّ في محصّنة بالحصون،لا يبرزون لكم بالبراز.(28:47)

نحوه البغويّ(5:62)،و الميبديّ(10:51)، و الطّبرسيّ(5:264).

الطّوسيّ: يعني ممتنعة جعل عليها حصون.(9:569)

الزّمخشريّ: بالخنادق و الدّروب دون أن يصحروا لكم و يبارزوكم،لقذف اللّه الرّعب في قلوبهم،و أنّ تأييد اللّه تعالى و نصرته معكم.(4:85)

نحوه الفخر الرّازيّ(29:289)،و البيضاويّ(2:

467)،و النّسفيّ(4:243)،و أبو حيّان(8:249)، و الشّربينيّ(4:252)،و أبو السّعود(6:230)، و البروسويّ(9:441)،و الآلوسيّ(28:58)،و المراغيّ (28:47).

القرطبيّ: أي بالحيطان و الدّور،يظنّون أنّها تمنعهم منكم.(18:35)

الطّباطبائيّ: في قرى حصينة محكمة،أو من وراء جدر من غير بروز.(19:212)

مكارم الشّيرازيّ: (محصّنة)من مادّة حصن،على وزن«قسم»بمعنى حصن،و بناء على هذا فإنّ القرى المحصّنة تعني القرى الّتي تكون في أمان بوسيلة أبراجها و خنادقها،و المواضع الّتي تعيق تقدّم العدوّ فيها.

(18:192)

الوجوه و النّظائر

مقاتل:تفسير«المحصنات»على ثلاثة وجوه:

فوجه منها:المحصنات:يعني الحرائر،فذلك قوله:

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ النّساء:24،و قوله أيضا:

وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ، النّساء:25،يعني الحرائر.و قال أيضا: فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ النّساء:25،يعني الحرائر.

الوجه الثّاني:محصنات:يعني عفائف،فذلك قوله:

مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ النّساء:25،يعني الزّنى في العلانية.و قال: مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ المائدة:5، يعني أعفّاء لفروجهنّ عن الفواحش،يعني غير معلنين الزّنى.و قال: إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ النّور:

23،يعني العفائف عن الفواحش.و قال: وَ مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها التّحريم:12،عن الفواحش.

و الوجه الثّالث:محصنات:يعني مسلمات،فذلك قوله: فَإِذا أُحْصِنَّ النّساء:25،يعني فإذا أسلمن و هنّ الولائد.و قال: وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ النّور:4،يعني المسلمات الحرائر.(146)

هارون الأعور:[نحو مقاتل إلاّ أنّه استشهد بآيات أكثر منه].(135)

الحيريّ: المحصنات على أربعة أوجه:[فذكر نحو مقاتل و قال:]

الثّالث:المتزوّجات،كقوله: وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ النّساء:24.(543)

ص: 486

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحصن،و هو كلّ موضع منيع لا يوصل إلى ما في جوفه؛و الجمع:حصون.يقال:

حصن المكان يحصن حصانة،أي منع فهو حصين، و أحصنه صاحبه و حصّنه:جعله حصينا،و حصّنت القرية:بنيت حولها،و حصن حصين:من الحصانة، و تحصّن العدوّ:دخل الحصن و احتمى به،و المحصن:

القصر و الحصن،و منه:درع حصين و حصينة:محكمة.

ثمّ استعير معنى«الحصانة»لكلّ ما يمنع و يحمى.

يقال:امرأة حصان،أي عفيفة بيّنة الحصانة و الحصن، و المتزوّجة أيضا،من نسوة حصن و حصانات،و هي امرأة حاصن أيضا،من نسوة حواصن و حاصنات،و قد حصنت تحصن حصنا و حصنا و حصنا،أي عفّت عن الرّيبة،فهي حصان.و حصّنت المرأة نفسها و تحصّن و أحصنت نفسها،و أحصنها و حصّنها زوجها،فهي المحصنة،و هنّ المحصنات:العفائف من النّساء.يقال:

أحصنت المرأة،فهي محصنة و محصنة.

و يقال على التّوسّع:أحصن الرّجل،أي عفّ،فهو محصن و محصن،أو تزوّج،فهو محصن،و قد أحصنه التّزوّج.و أحصنت الأتان:حملت.

و الحصان:الفحل من الخيل؛و الجمع:حصن.و سمّي حصانا لأنّه ضنّ بمائه،فلم ينز إلاّ على كريمة.ثمّ كثر ذلك حتّى سمّوا كلّ ذكر من الخيل حصانا.يقال:تحصّن الفرس،أي صار حصانا،و فرس حصان:بيّن التّحصّن.

2-و استبعد«فرانكل»أن يكون لفظ«الحصن» عربيّا،لأمرين:الأوّل:أنّ العرب لا عهد لها به في الجزيرة العربيّة.و الثّاني:أنّ الحصن يعني القوّة،و ليس القلعة، على حدّ زعمه.و استدلّ بلفظ«حاسن»العبريّ، و«حسن»الآراميّ و السّريانيّ،اللّذين يقابلهما لفظ «الخشن»في العربيّة (1).

و لعمري إنّ هذا القول لقريب من السّفسطة،بعيد عن الحقّ؛إذ لو حقّ على عرب شمال الجزيرة العربيّة،لما حقّ على عرب الجنوب اليمنيّين قطّ،لأنّهم كانوا ذوي قصور مشيّدة،و قلاع ممهّدة.كما أنّ الحصن يعني القلعة و المكان المنيع،مثلما تقدّم في النّصوص،و ليس القوّة، على ما زعم،بل القوّة عرض لهذا المعنى و ليس أصلا.

و أمّا مقابلته ما ورد في العبريّة و الآراميّة و السّريانيّة بهذا المعنى مع لفظ الخشن،فهو تمحّل واضح، و تعسّف فاضح.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت من باب«الإفعال»فعلا ماضيا معلوما مرّتين،و مجهولا مرّة،و مضارعا و اسم فاعل مذكّر كلّ منهما مرّتين،و اسم مفعول مؤنّث جمعا 8 مرّات،و مفردا مرّة،و من باب«التّفعّل»مصدرا،و من المجرّد اسما،كلّ منهما مرّة في 12 آية:

1- وَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها فَنَفَخْنا فِيها مِنْ رُوحِنا... الأنبياء:91

2- وَ مَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها... التّحريم:12

3- وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ

ص: 487


1- انظر«معجم الألفاظ الدّخيلة في القرآن الكريم».

أَيْمانُكُمْ كِتابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ... النّساء:24

4- وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ... وَ آتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ... النّساء:25

5- اَلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ... المائدة:5

6- وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ... النّور:4

7- إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ الْغافِلاتِ الْمُؤْمِناتِ لُعِنُوا... النّور:23

8- ...وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً... النّور:33

9- وَ عَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ الأنبياء:80

10- يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تُحْصِنُونَ

يوسف:48

11- ...وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللّهِ... الحشر:2

12- لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ... الحشر:14

يلاحظ أوّلا:أنّها جاءت من باب«الإفعال»فعلا، و اسم مفعول مرّات،و من«التّفعّل»مصدرا مرّة في 8 آيات:(1-8)بشأن النّساء-و كلّها راجعة إلى الزّواج و العفاف-و جاءت اسم فاعل بشأن الرّجال مرّتين فقط في(3 و 5)فيبدو أنّها غلبت على النّساء،بل جاء في النّصوص أنّها تجاوزت منهنّ إلى الرّجال،فكأنّهنّ الأصل فيها.

و جاءت بمعنى الحفظ أو الحرز فعلا مضارعا في(9 و 10)،و اسما،و اسم مفعول من«التّفعيل»كلّ منهما مرّة في(11 و 12)فتنحصر الآيات في سياقين:العفاف، و الزّواج،و الحفظ،و الحرز:أربعة معان.هذا هو الإجمال، و التّفصيل كالآتي.

و ثانيا:ما جاء بسياق العفاف و الزّواج ثلاثة أقسام:

الأوّل:ما هو صريح في العفاف مثل:

1-ما جاء بشأن مريم عليها السّلام(1 و 2) اَلَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَها أي عفّت و امتنعت عن الفاحشة،و حفظت فرجها عن الزّنى،و هذا كناية عن عفافها،و جاء في النّصوص لها معنيان آخران:

أحدهما:حفظت جيب درعها أن ينظر إليها جبرائيل،قبل أن تعلم أنّه رسول.

ثانيهما:حفظت فرجها من الأزواج.

و كلاهما خلاف الظّاهر،مع أنّ أوّلهما كاشف عن عفافها أيضا،و ثانيهما ليس فيه مدح و فضيلة لها،إلاّ إذا كان دفعا لشبهة أنّ ولدها من زوجها لا من روح القدس.فهذا أيضا كاشف بنحو عن عفافها.

ص: 488

2-ما جاءت تعبيرا عن عفّة الرّجال الّذين تزوّجوا (3 و 5) مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ فإنّ غَيْرَ مُسافِحِينَ بيان ل(محصنين).

3-ما جاءت تعبيرا عن عفّة النّساء المزوّجات(4):

مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ وَ لا مُتَّخِذاتِ أَخْدانٍ، و فيها وصفان كاشفان عن عفتهنّ:«غير مسافحات، غير متّخذات أخدان».

4-ما جاء في حلّيّة نكاح المحصنات من المؤمنات و من أهل الكتاب،فالمراد بهنّ العفائف من الطّائفتين،على خلاف يأتي في(5): وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ.

5-ما جاء وصفا للنّساء اللاّتي لم يستطع المسلم أن ينكحهنّ و هنّ حرائر(4) وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ.

6-ما جاء في رمي المحصنات(6 و 7) اَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ.

7-ما جاءت بشأن الفتيات اللاّتي أردن تحصّنا(8) أي أردن العفاف عن الزّنى.

الثّاني:ما هو صريح في الزّواج مثل:

1-ما جاء في تحريم نكاح ذوات الأزواج(3):

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ فإنّها عطف على ما قبلها من صنوف المحرّمات زواجهنّ،أي ذوات الأزواج محرّم نكاحهنّ فهنّ خارجات عمّا بعدها: وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ. و حملها أكثرهم أيضا على ذوات الأزواج لأنّهنّ أحصنّ بالأزواج،و هذا من قولهم:أحصن الرّجل امرأته،و في إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ بحث طويل، لاحظ النّصوص.

2-ما جاء في الإماء اللاّتي تزوّجن فأتين بفاحشة (4) فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ، و فيها خلاف قراءة و تفسيرا سبق في النّصوص.

3-ما جاء في ذوات الأزواج من الحرائر اللاّتي أتون بفاحشة،فقد أشير إليهنّ في ذيل الآية فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ أي إنّ لكلّ من الزّانيات ذوات الأزواج-سواء كنّ حرائر أو إماء- عذاب،و عذاب الإماء نصف عذاب الحرائر.

ثالثا في تلك الآيات بحوث:

1-في قراءتها:اتّفقوا على قراءة(3) وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ أنّها بفتح الصّاد،أي اللاّتي أحصنّ بالأزواج،حتّى أنّه روي عن علقمة:«أنّ (المحصنات)بالكسر في القرآن كلّه إلاّ في هذه الآية.

و قد قرئت في غيرها من الآيات(المحصنات)بالفتح و الكسر معا،و قد صرّحوا بذلك في(4) أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ و وجهه أنّ ذوات الأزواج محصنات بالأزواج و محصنات بأنفسهنّ بزواجهنّ.

2-قالوا:إنّ الإحصان-في هذه الآيات-يقع على معان أربعة،أو يحصل بأمور أربعة؛قال الزّمخشريّ:

«منها الحرّيّة،كقوله(6): وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ يعني الحرائر،و الظّاهر«العفائف»كما سبق.

ص: 489

و منها العفاف كقوله(4): مُحْصَناتٍ غَيْرَ مُسافِحاتٍ يعني عفائف.

و منها الإسلام،من ذلك قوله(4): فَإِذا أُحْصِنَّ فَإِنْ أَتَيْنَ بِفاحِشَةٍ... أي أسلمن،و فيه نظر كما يأتي.

و منها كون المرأة ذات زوج،و من ذلك(3):

وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ....

و ذكرها«أبو حيّان»ثمّ قال:«و على هذه المعاني تصرّفت هذه اللّفظة في القرآن،و يفسّر كلّ مكان بما يناسبه منها».و ذكرها الفخر الرّازيّ و حمل(3) وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ... على ذوات الأزواج بحجّة أنّها-كما سبق-عطف على المحرّمات فلا بدّ أن يكون«الإحصان»سببا للحرمة،و ليس لتلك المعاني أثر فيها،سوى كونها من ذوات الأزواج.

و قد صرّح بأنّ الوجوه الأربعة مشتركة في المعنى الأصليّ اللّغويّ،و هو المنع.فالحرّيّة تحصن الإنسان من نفاذ حكم الغير فيه،و العفّة تمنعه عن الشّروع فيما لا ينبغي،و الإسلام مانع من كثير ممّا تدعو إليه النّفس و الشّهوة،و الزّوج أيضا مانع للزّوجة من كثير من الأمور،و الزّوجة مانعة للزّوج من الوقوع في الزّنى...

و نظيره الطّباطبائيّ.

و قد فصّلها الطّبريّ في وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ و كلّهم عيال عليه،فلاحظ النّصوص.

و عندنا أنّ معنيين منها،و هما العفاف و الزّواج مقبولان-كما سبق-و إن كان الزّواج راجعا إلى العفاف أيضا،لأنّه قاطع السّفاح،و أمّا المعنيان الآخران أي الإسلام و الحرّيّة،فغير مسلّم في الآيات إلاّ بتكلّف، فالأصل فيها هو العفاف.

3-و اختلفوا في شأن نزول بعض تلك الآيات،و في معنى«الإحصان»فيها و في قراءتها:

منها(4) فَإِذا أُحْصِنَّ قرئ (فاذا احصنّ) بفتح الألف،أي أسلمن-و هو غير مسلّم-و بضمّها،أي تزوّجنّ فصرن ممنوعات الفروج بالأزواج،و أجازهما الطّبريّ،لأنّهما قراءتان معروفتان مستفيضتان في أمصار الإسلام،و أنّ اختلاف معناهما لا يمنع من القراءة بهما و تبعه من بعده،فلاحظ النّصوص.

و منها(3) اَلْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ... فلم يختلفوا في قراءتها بالفتح،و لا في أنّها ذوات الأزواج -كما سبق-سوى ما قيل:إنّهنّ العفائف، إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ بعقد النّكاح أو ملك اليمين،و خصّها بعضهم بنساء هاجرن و لهنّ أزواج فتزوّجهنّ المسلمون،ثمّ قدم أزواجهنّ مهاجرين،فنهي المسلمون عن نكاحهنّ.

و منها(4) وَ مَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ مِنْكُمْ طَوْلاً أَنْ يَنْكِحَ الْمُحْصَناتِ الْمُؤْمِناتِ... فقرئت(المحصنات) بالفتح،أي محصنات بأزواجهنّ،و بالكسر أي هنّ أحصنّ أزواجهنّ،أو حرّيّتهنّ،أو إسلامهنّ.

و عندنا أنّها بقراءتيها-كما سبق-محمولة على العفائف.و يجوز حملها على الحرائر بقرينة ذيلها فَمِنْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ أي من لا يستطع نكاح المؤمنات الحرائر،فلينكح الفتيات المؤمنات.و اختاره الزّجّاج و ابن عطيّة و غيرهما بدليل المقابلة بينها و بين المملوكات.

و ذكرها الطّباطبائيّ ثمّ قال:«و هذا بعينه يشهد على

ص: 490

أنّ ليس المراد بها العفائف،و إلاّ لم تقابل بالفتيات،بل بها و بغير العفائف.و ليس المراد بها ذوات الأزواج؛إذ لا يقع عليها العقد،و لا المسلمات،و إلاّ لاستغنى عن التّقييد بالمؤمنات».

و قال فضل اللّه:«و لعلّ المناسبة في التّعبير عن الحرائر ب(المحصنات)هو أنّ الحرّيّة تحصن المرأة الحرّة من خلال طبيعة الواقع الاجتماعيّ الّذي تعيشه في نطاق القيم العائليّة،الّتي تربط الفرد بمجتمعه،في حركة العلاقات المحكومة،لاعتبارات شرف العائلة،و أجواء الإحساس بالكرامة،ممّا يخلق لدى الفرد الحرّ-رجلا كان أو امرأة-حالة نفسيّة منفتحة على احترام الذّات، و الابتعاد عن الابتذال الّذي يجلب العار للإنسان،في وجوده الفرديّ و الاجتماعيّ،و الانطلاق من الضّمير الإنسانيّ الّذي يخضع للحسابات الدّقيقة المانعة من السّقوط و الانحدار،الأمر الّذي يجعل الحرّيّة-بحسب طبيعتها الذّاتيّة و تقاليدها الاجتماعيّة-مرادفة للعفّة.أمّا الأمة فإنّ انتقالها من مالك إلى مالك-بحسب طبيعة الواقع التّجاريّ الّذي يجعلها سلعة تتناقلها الأيدي- يجعلها بعيدة عن الإحصان و قريبة إلى الابتذال...».

و منها(5) وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ و هي مردّدة بين قولين:الحرائر و العفائف.

فمن قال بالأوّل أجاز نكاح الحرّة مؤمنة كانت أو كتابيّة،فاجرة كانت أو عفيفة،على خلاف بينهم هل تعمّ «أهل الكتاب»اليهود و النّصارى كما هو المعتاد في القرآن،أو تخصّ بني إسرائيل خاصّة،أو أهل الذّمّة منهم دون الحربيّات؟و منع بعضهم نكاح الإماء من أهل الكتاب،لأنّ اللّه شرط في نكاح الإماء الإيمان،بقوله (4): مِنْ فَتَياتِكُمُ الْمُؤْمِناتِ، و اختاره الطّبرسيّ، و احتجّ عليه،و ردّ غيره،و كذلك الفخر الرّازيّ احتجّ عليه بوجوه،فلاحظ.

و من قال بالثّاني أجاز العفائف من الفريقين إماء كنّ أو حرائر،و حرّم البغايا منهما.

و قال الطّوسيّ: و عندنا-الشّيعة الإماميّة-لا يجوز العقد على الكتابيّة نكاح الدّوام،لقوله: وَ لا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكاتِ حَتّى يُؤْمِنَّ البقرة:221،و وَ لا تُمْسِكُوا بِعِصَمِ الْكَوافِرِ الممتحنة:10،و حمل وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ تارة على من أسلم منهنّ، حاملا وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ على من كنّ في الأصل مؤمنات ولدن على الإسلام،و أخرى على اختصاصها بنكاح المتعة،على أنّه روي عن الباقرين أنّه منسوخ بالآيتين السّابقتين.

و قد ردّه فضل اللّه شارحا الفرق بين الكتابيّ و المشرك،لاشتراك الكتابيّ المسلم في أصول العقيدة، فلا تكون هذه منسوخة بالآيتين،لاختصاصهما بالمشركين،فضلا عن تأخّرها عنهما نزولا،و لا ينسخ السّابق اللاّحق.

و قد ردّد الزّمخشريّ(المحصنات)في الآية بين الحرائر و العفائف،و نقل الأقوال في نكاح الإماء غير المسلمات.

و ذهب الطّباطبائيّ إلى أنّ تعليق الحكم بوصف «أهل الكتاب»مشعر بالعلّيّة،و اللّسان لسان الامتنان

ص: 491

و التّخفيف،فخصّ الآية بنكاح نساء أهل الكتاب دون المشركات،و أنكر نسخها بالآيتين،كما أنكر الفرق بين النّكاح الدّائم و المتعة لإطلاق الآية.و اختار إرادة العفاف بها،و أنّ(المحصنات)في الموردين بمعنى العفائف دون الإسلام أو ذوات الأزواج،فلاحظ النّصوص.

و منها(8) وَ لا تُكْرِهُوا فَتَياتِكُمْ عَلَى الْبِغاءِ إِنْ أَرَدْنَ تَحَصُّناً، قالوا:إنّ الشّرط ليس حاصرا،لعدم جواز إكراههنّ على الزّنى إن لم يردن تحصّنا،و إنّما الشّرط محمول على أنّ الإكراه لا يتحقّق إلاّ عند إرادة التّحصّن، أو هو محمول على ما كان شائعا من إكراه الفتيات من غير رضاهنّ،فإنّ عبد اللّه بن أبيّ كانت له ستّ جوار يكرههنّ على الزّنى و ضرب عليهنّ الضّرائب،فشكت اثنتان منهنّ إلى النّبيّ عليه السّلام،فنزلت الآية.

على أنّ هذا الشّرط تقبيح لحالهم على ما كانوا عليه من الدّناءة و القبائح؛حيث كانوا يكرهون بالزّنى من يكرهه حرصا للمال،فمن كان له أدنى مروءة لا يرضى بفجور من يحويه حرمه من إمائه فضلا عن إكراههنّ عليه.و أيضا هذا الشّرط إثارة لغيرتهم بأنّهم أدنى مروءة و أقبح حرصا و سفاها من الجواري.

و إيثار كلمة(ان)على(إذا)للإيذان بوجوب الانتهاء عن الإكراه،عند كون إرادة التّحصّن في حيّز التّردّد و الشّكّ،فكيف إذا كانت محقّقة الوقوع كما هو الواقع؟و لا يحمل على أنّ هذه الإرادة منهنّ كانت في حيّز الشّاذّ منهنّ-كما قال الزّمخشريّ-لكونها أمرا واقعا شائعا منهنّ.

و عليه فلا يسمع إلى ما قيل:إنّ في الآية تقديما و تأخيرا،أي«و أنكحوا الأيامى منكم إن أردن تحصّنا، و لا تكرهوا فتياتكم على البغاء»!

فانقدح أنّ هذا الشّرط ليس له مفهوم،و لو كان فهو رفع النّهي دون الأمر بالإكراه،كما قال خليل ياسين.

رابعا:تلك بحوث في آيات العفاف و الزّواج،و أمّا آيات الحفظ و الحرز فأربعة:

الأولى:(9): وَ عَلَّمْناهُ صَنْعَةَ لَبُوسٍ لَكُمْ لِتُحْصِنَكُمْ مِنْ بَأْسِكُمْ و قبلها: وَ سَخَّرْنا مَعَ داوُدَ الْجِبالَ يُسَبِّحْنَ وَ الطَّيْرَ وَ كُنّا فاعِلِينَ، فالضّمير الغائب في عَلَّمْناهُ راجع إلى داود عليه السّلام،أي علّمنا داود صنعة لبوس،فيرجع نفعها لكم فتحصنكم في حروبكم.و فيها بحوث:

1-قرئت(لتحصنكم)بالياء و التّاء و النّون،و ترجع الباء إلى اللّبوس،أو اللّه،أو داود،أو التّعليم،فإنّ كلاّ منها تحصنكم،و التّاء إلى الصّنعة أو إلى داود أو اللّبوس باعتبار الدّروع.و النّون للمتكلّم أي نحصنكم نحن، فتطابق(علّمناه).و قد اختار الطّبريّ الياء،لأنّها قراءة الأمصار،مع اعترافه بأنّ القراءات الثّلاث متقاربة المعاني،و لكلّ منها مناسبة للسّياق.

و قال الزّجّاج:«فهذه الثّلاثة الأوجه قد قرئ بهنّ، و يجوز فيها ثلاث لم يقرأ بهنّ،لأنّ القراءة سنّة»ثمّ ذكر (يحصّنكم)بالتّشديد بثلاثة أوجه.

2-(لكم)متعلّقة ب(علّمناه)أو صفة(لبوس)، و(لتحصنكم...)بدل اشتمال منه.

3-الإحصان فيها هو الحفظ و الحرز.

4-يبدو منها أنّ داود أوّل من صنع الدّرع،فبقى

ص: 492

ميراثا منه للنّاس جميعا،قال فضل اللّه:«و ذلك حين ألان اللّه لداود الحديد ممّا جعل إنتاجه الدّروع سهلا؛بحيث يمكنه صنع الكثير منه».

5-و حيث إنّ هذه الصّنعة من إلهام اللّه،فيجب الشّكر له،فقال: فَهَلْ أَنْتُمْ شاكِرُونَ. و بذلك يتجلّى لنا موضع المخترعين و الصّانعين عند اللّه تعالى.

الثّانية:(10) إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تُحْصِنُونَ و فيها بحوث أيضا:

1-جاءت في تأويل رؤيا ملك مصر حيث رأى سبع بقرات سمان يأكلهنّ سبع عجاف،و سبع سنبلات خضر و أخر يابسات،فعرضها على المعبّرين عنده، فقالوا:أضغاث أحلام و لم يعبّروها،فعبّرها يوسف، فقال: تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً فَما حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تَأْكُلُونَ* ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ سَبْعٌ شِدادٌ يَأْكُلْنَ ما قَدَّمْتُمْ لَهُنَّ إِلاّ قَلِيلاً مِمّا تُحْصِنُونَ* ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النّاسُ وَ فِيهِ يَعْصِرُونَ يوسف:47-49.

2-قالوا في معنى(تحصنون):تحرزون،تخزنون، تدّخرون،ترفعون،تخزنون في الحصون،تدّخرون للبذر، تبذرون،تدّخرون استظهارا و عدة لبذور الزّراعة، تحرزون و تخبئون،تحبسون لتزرعوا،لأنّ في استبقاء البذر تحصين الأقوات.

قال الطّبريّ: «إلاّ يسيرا ممّا تحرزونه،و الإحصان:

التّصيير في الحصن،و إنّما المراد منه:الإحراز،ثمّ نقل الأقوال فيه و قال:هذه الأقوال و إن اختلفت ألفاظ قائليها فيه،فإنّ معانيها متقاربة،و أصل الكلمة و تأويلها على ما بيّنت».

و قال الطّباطبائيّ: «الإحصان:الإحراز و الادّخار...»، و قال فضل اللّه:«و تدّخرون و تحتفظون به من القليل القليل،كأنّ هذه السّنين سباع ضارية تكرّ على النّاس لافتراسهم و أكلهم،فيقدّمون لها ما ادّخروه من الطّعام، فتأكله و تنصرف عنهم».

و نقول:إذا كان أصل المادّة-كما سبق-الحصن، فالإحصان جعل الشّيء في الحصن،و سائر المعاني تعبير عن هذا المعنى،مع الاحتفاظ بالغرض منه و بما يقارنه من المعاني،إلاّ أنّ السّياق يشعر بأنّ إحصان القليل في السّنين الشّداد ليس ادّخارا للأكل في عام بعدها،لأنّه سنة خصبة فليس إلاّ للبذر.

الثّالثة(11): وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللّهِ، جاءت في قصّة بني النّضير من طوائف اليهود القاطنين بالمدينة؛حيث عاهدوا النّبيّ لدى هجرته على أن لا يقاتلوه و لا يقاتلوا معه،ثمّ نقضوا عهدهم بعد غزوة أحد،و راحوا إلى مكّة و حالفوا قريشا على أن تكون كلمتهم واحدة ضدّ النّبيّ عليه السّلام،فأمر النّبيّ بقتل رئيسهم كعب بن أشرف،ثمّ خرج النّبيّ إليهم ليستعينهم في دية قتيلين من بني عامر-و كان بينهم و بين بني النّضير حلف -فخانوه مرّة ثانية،و أرادوا قتله بإلقاء صخرة عليه، فحاصرهم المسلمون،فتحصّنوا في حصونهم الأربعة، ظانّين أنّها تصونهم من المؤمنين،و لم تصنهم فأجبروا على الجلاء إلى الشّام أو خيبر،و نزلت فيهم سورة الحشر.فلاحظ القصّة في التّفاسير و المغازي،و راجع ح ش ر:«الحشر».

ص: 493

الرّابعة(12): لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ، و هي من تتمّة قصّة بني النّضير أيضا.قال الطّبرسيّ:«أى ممتنعة حصينة،المعنى أنّهم لا يبرزون لحربكم،و إنّما يقاتلونكم متحصّنين بالقرى».و قال الفخر الرّازيّ:«لا يقاتلونكم إلاّ إذا كانوا في قرى محصّنة بالخنادق و الدّروب...».

و يخطر بالبال أنّ صيغة«التّفعيل»هنا للتّشديد و المبالغة نظير«فرّق»و«غلّظ»فلاحظ.

ثالثا:الآيات أكثرها مدنيّة،لأنّها تشريع راجع إلى العفاف و الزّواج أو القتال،و ليس فيها مكّيّة سوى 3 آيات في ثلاث قصص-و القصص كما نعلم-أكثرها مكّيّة:

إحداها:(1)قصّة مريم عليها السّلام-و كرّرت في(2)- و هي مدنيّة-تأكيدا لحكم تشريعيّ يرتبط بعفاف النّساء في سورة التّحريم.

ثانيتها:(9)قصّة داود عليه السّلام،و هذه و الأولى من سورة الأنبياء.

ثالثتها:(10)قصّة يوسف عليه السّلام.

رابعا:و الآيات تندرج في عنصرين العفاف-و هو أكثرها-و الحصن.و الثّاني هو الأصل،لكن غلب العنصر الأوّل-و هو مجاز-على الثّاني،لكن ليس أجنبيّا عنه، لأنّ بين المرأة و الحصن مناسبة أخلاقيّة و اجتماعيّة، فإنّ موضعها بحسب طبيعتها البيوت دون الأسواق و النّوادي و المجمّعات.

ص: 494

ح ص ي

اشارة

9 ألفاظ،11 مرّة:8 مكّيّة،3 مدنيّة

في 10 سور:8 مكّيّة،2 مدنيّة

احصى 1:1 تحصوه 1:-1

احصاه 1:-1 تحصوها 2:2

احصاها 1:1 احصوا 1:-1

احصاهم 1:1 احصى 1:1

احصيناه 2:2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحصى:صغار الحجارة،و ثلاث حصيات؛ و الواحدة:حصاة.

و الحصى:العدد الكثير،شبّه بحصى الحجارة لكثرتها.

و حصاة الرّجل:رزانته،و حصاة اللّسان:ذرابته.

و يقال:حصاة العقل،لأنّ المرء يحصي بها على نفسه،فيعلم ما يأتي و ما يذر،و ناس يقولون:أصاة.

و في الحديث:«و هل يكبّ النّاس على مناخرهم في جهنّم إلاّ حصى ألسنتهم؟».و يقال:حصائد.

و يقال لكلّ قطعة من المسك:حصاة.

و الحصاة:داء يقع في المثانة،يخثر البول،فيشتدّ حتّى يصير كالحصاة؛حصي الرّجل فهو محصيّ.

و الإحصاء:إحاطة العلم باستقصاء العدد.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:267)

نحوه اللّيث.(الأزهريّ 5:163)

ابن شميّل: الحصى:ما حذفت به حذفا،و هو ما كان مثل بعر الغنم.(الزّبيديّ 10:91)

الأصمعيّ: فلان ذو حصاة و أصاة،إذا كان حازما كتوما على نفسه،يحفظ سرّه.

و الحصاة:العقل،و هو«فعلة»من أحصيت.

(الأزهريّ 5:164)

ابن الأعرابيّ: فلان ذو حصى،أي ذو عدد،بغير هاء.و هو من الإحصاء لا من حصى الحجارة.

ص: 495

و فلان حصيّ و حصيف و مستحص.إذا كان شديد العقل،و قال اللّه جلّ و عزّ: وَ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً الجنّ:28،أي أحاط علمه باستيفاء عدد كلّ شيء.(الأزهريّ 5:164)

ابن السّكّيت: و يقال للرّجل الكثير العدد:كثر عدده،و كثر قبصه،و كثر حصاه.(إصلاح المنطق:414)

المبرّد: الحصى،يعني الدّم.يقال:عند العرق،إذا خرج الدّم منه بحدّة،و ينفي الحصى:يعني الدّم بشدّة جريه.[ثمّ استشهد بشعر](1:320)

ابن دريد :الحصى:من الحجارة معروف،و الحصى:

من العدد،و الإحصاء:مصدر أحصى يحصي إحصاء.

(3:233)

الأزهريّ: [ردّ على الرّواية الّتي جاءت عند الخليل و قال:]

قلت:و الرّواية الصّحيحة«إلاّ حصائد ألسنتهم» و قد مرّ تفسيره في بابه،و أمّا الحصاة فهو العقل نفسه.

و أمّا قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ للّه تسعة و تسعين اسما من أحصاها دخل الجنّة»،فمعناه-و اللّه أعلم-من أحصاها علما و إيمانا بها،و يقينا بأنّها صفات اللّه جلّ و عزّ،و لم يرد الإحصاء الّذي هو العدّ.

و الحصاة:العقل،اسم من الإحصاء في هذا الموضع.

[ثمّ استشهد بشعر](5:163)

الصّاحب:الحصى:صغار الحجارة،و كثرة العدد، تشبيها بذلك.

و من أمثالهم في تعظيم الأمر:«صمّت حصاة بدم»أي كثرت الدّماء حتّى لو وقعت حصاة لم تقع إلاّ على دم.

و يقولون في الرّقى:حصاة حصّ أثره،و نواة نأت داره.

و حصاة الرّجل:رزانته و عقله،و ما أحصاه.

و كلّ قطعة من المسك:حصاة

و الحصاة:داء يقع في المثانة؛حصي الرّجل فهو محصيّ،و حصى أيضا.

و الإحصاء:إحاطة العلم باستقصاء العدد.

و حصاة القسم:المقلة.(3:160)

الخطّابيّ: [ذكر حديث إنّ للّه تسعة و تسعين اسما و قال:]معنى الإحصاء في اللّغة على ثلاثة أوجه:

أحدها:الإحصاء الّذي هو بمعنى العدّ،كقوله تعالى:

وَ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً الجنّ:28.

و الثّاني:بمعنى الإطاقة،كقوله سبحانه: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ المزّمّل:20،أي لن تطيقوه.

و الثّالث:بمعنى العقل و المعرفة.

و يروى عن ابن عبّاس أنّه قال:«أحصيت كلّ القرآن إلاّ حرفين»يريد أدركت علمه و عقلت معناه.

و يقال:فلان ذو حصاة،إذا كان ذا عقل و تحصيل.قال الشّاعر:

و أنّ لسان المرء ما لم تكن له

حصاة على عوراته لدليل

فمن حمل الخبر على معنى الإحصاء الّذي هو العدّ، قال:إنّ معناه أنّ من يعدّ هذه الأسماء ذاكرا للّه عزّ و جلّ و مثنيا عليه بها،و استدلّ بها في ذلك بأنّ التّسعة و التّسعين لمّا كانت عددا من الأعداد،ثمّ عطف بالإحصاء عليها،علم أنّ المراد به إحصاء العدد دون غيره.

ص: 496

و من حمله على الإطاقة،قال:معناه أن يطيق القيام بحقّها في معاملة اللّه تعالى بها،و مطالبة النّفس بمواجبها، فيخطر بقلبه معنى العفو و المغفرة إذا سمّاه عفوّا و غفورا فيرجو مغفرة اللّه و عفوه.و يحذر نقمته إذا قال:المنتقم.

و يثق بما وعد من الرّزق،و تطمئنّ به نفسه إلى ما ضمنه منه إذا قال:الرّزّاق.و إذا قال:رقيب راقب ربّه و علم أنّه مطّلع على سرّه.إلى ما يشبه ذلك من الأمور الّتي تقتضيها معاني هذه الأسماء.

و أمّا من تأوّله على الإحصاء الّذي هو العقل و المعرفة،قال:معناه من عرفها،و عقل معانيها و آمن بها، استحقّ دخول الجنّة.و هذه الأقاويل الثّلاثة كلّها متوجّهة غير بعيدة،و اللّه أعلم.(1:729)

الجوهريّ: الحصاة:واحدة الحصى،و تجمع على حصيات،مثل بقرة و بقرات.

و حصاة المسك:قطعة صلبة توجد في فأرة المسك.

و فلان ذو حصاة،أي ذو عقل و لبّ.

و أرض محصاة:ذات حصى.

و أحصيت الشّيء:عددته.و قولهم:نحن أكثر منهم حصى،أي عددا.

و الحصو:المنع.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(6:2315)

ابن فارس: الحاء و الصّاد و الحرف المعتلّ ثلاثة أصول:الأوّل:المنع،و الثّاني:العدّ و الإطاقة،و الثّالث:

شيء من أجزاء الأرض.

فالأوّل:الحصو.قال الشّيبانيّ: هو المنع،يقال:

حصوته،أي منعته.

و الأصل الثّاني:أحصيت الشّيء،إذا عددته و أطقته.قال اللّه تعالى: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ المزّمّل:

20،و قال تعالى: أَحْصاهُ اللّهُ وَ نَسُوهُ المجادلة:6.

و الأصل الثّالث:الحصى،و هو معروف.يقال:أرض محصاة،إذا كانت ذات حصى.و قد قيل:حصيت تحصى.

و ممّا اشتقّ منه:الحصاة.يقال:ما له حصاة،أي ما له عقل.و هو من هذا،لأنّ في الحصى قوّة و شدّة.و الحصاة:

العقل،لأنّ به تماسك الرّجل و قوّة نفسه.

و يقال لكلّ قطعة من المسك:حصاة،فهذا تشبيه لا قياس.

و إذا همز فأصله تجمّع الشّيء.يقال:أحصأت الرّجل،إذا أرويته من الماء،و حصئ هو.و يقال:حصأ الصّبيّ من اللّبن،إذا ارتضع حتّى تمتلئ معدته،و كذلك الجدي.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:69)

الثّعالبيّ: الحصى:صغار الحجارة.(57)

ابن سيده: الحصاة:من الحجارة معروفة؛و جمعها:

حصيات،و حصى،و حصيّ.

و حصيته:ضربته بالحصى.

و أرض محصاة:كثيرة الحصى.

و الحصاة:داء يقع في المثانة،و هو أن يخثر البول فيشتدّ حتّى يصير كالحصاة،و قد حصي.

و حصاة القسم:الحجارة الّتي يتصافنون عليها الماء.

و الحصى:العدد الكثير،تشبيها بالحصى من الحجارة في الكثرة.

و الحصاة:العقل و الرّزانة.و فلان ذو حصاة و أصاة، أي عقل و رأى.

ص: 497

و ما له حصاة و لا أصاة،أي رأي يرجع إليه.

و الحصاة:القطعة من المسك.

و أحصى الشّيء:أحاط به.و في التّنزيل: وَ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً الجنّ:28.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(3:420)

حصاه يحصيه حصيا:ضربه بالحصى،أو رماه به.

(الإفصاح 2:1034)

الرّاغب: الإحصاء:التّحصيل بالعدد.يقال:

أحصيت كذا،و ذلك من لفظ الحصى،و استعمال ذلك فيه من حيث إنّهم كانوا يعتمدونه بالعدّ،كاعتمادنا فيه على الأصابع.

قال اللّه تعالى: وَ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً الجنّ:

28،أي حصّله أحاط به،و قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«من أحصاها دخل الجنّة»،و قال:«نفس تنجيها خير لك من إمارة لا تحصيها»،و قال تعالى: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ.

المزّمّل:20

و روي:«استقيموا و لن تحصوا»أي لن تحصّلوا ذلك.و وجه تعذّر إحصائه و تحصيله هو أنّ الحقّ واحد و الباطل كثير،بل الحقّ بالإضافة إلى الباطل كالنّقطة بالإضافة إلى سائر أجزاء الدّائرة،و كالمرمى من الهدف، فإصابة ذلك شديدة،و إلى هذا أشار ما روي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«شيّبتني هود و أخواتها»،فسئل ما الّذي شيّبك منها؟فقال قوله تعالى: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ.

هود:112

و قال أهل اللّغة:لن تحصوا،أي لا تحصوا ثوابه.

(121)

الزّمخشريّ: هم أكثر من الحصى.و رمى بسبع حصيات.و وقعت الحصاة في مثانته.و حصي فهو محصيّ.

و أرض محصاة:كثيرة الحصى.و حسناتك لا تحصى.و هذا أمر لا أحصيه:لا أطيقه و لا أضبطه.

و من المجاز:لم أر أكثر منهم حصى،أي عددا.

و فلان ذو حصاة:وقور،و ماله حصاة و لا أصاة،أي رزانة.

و عنده حصاة من المسك،أي قطعة[و استشهد بالشّعر مرّتين](أساس البلاغة:86)

«استقيموا و لن تحصوا...»أي لن تطيقوا الاستقامة في كلّ شيء،حتّى لا تميلوا؛من قوله تعالى: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ. المزّمّل:20

و معنى التّركيب:الضّبط،فالعادّ يضبط ما يعدّه و يحصره،و كذلك المطيق للشّيء ضابط له.و منه الحصو، و هو المنع،يقال:حصوتني حقّي.(الفائق 1:287)

ابن الأثير: في أسماء اللّه تعالى:«المحصي»هو الّذي أحصى كلّ شيء بعلمه و أحاط به،فلا يفوته دقيق منها و لا جليل،و الإحصاء:العدّ و الحفظ[ثمّ ذكر حديث تسعة و تسعين و قال:]

أي من أحصاها علما بها و إيمانا.

و قيل:أحصاها،أي حفظها على قلبه.

و قيل:أراد من استخرجها من كتاب اللّه تعالى و أحاديث رسوله،لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لم يعدّها لهم،إلاّ ما جاء في رواية عن أبي هريرة،و تكلّموا فيها.

و قيل:أراد من أطاق العمل بمقتضاها،مثل من يعلم أنّه سميع بصير فيكفّ لسانه و سمعه عمّا لا يجوز له،

ص: 498

و كذلك باقي الأسماء.

و قيل:أراد من أخطر بباله عند ذكرها معناها، و تفكّر في مدلولها معظّما لمسمّاها،و مقدّسا معتبرا بمعانيها،و متدبّرا راغبا فيها و راهبا.

و بالجملة ففي كلّ اسم يجريه على لسانه يخطر بباله الوصف الدّالّ عليه.

و منه الحديث:«لا أحصي ثناء عليك»أي لا أحصي نعمك و الثّناء بها عليك،و لا أبلغ الواجب فيه.

و الحديث الآخر:«أكلّ القرآن أحصيت»؟أي حفظت.

و قوله للمرأة:«أحصيها حتّى نرجع»أي احفظيها.

و فيه:«أنّه نهى عن بيع الحصاة»هو أن يقول البائع أو المشتري:إذا نبذت إليك الحصاة فقد وجب البيع.

و قيل:هو أن يقول:بعتك من السّلع ما تقع عليه حصاتك إذا رميت بها،أو بعتك من الأرض إلى حيث تنتهي حصاتك.و الكلّ فاسد،لأنّه من بيوع الجاهليّة.

و كلّها غرر لما فيها من الجهالة.و جمع الحصاة:حصى.

(1:397)

الفيّوميّ: الحصى:معروف؛الواحدة:حصاة.

و أحصيت الشّيء بالألف:علمته،و أحصيته:عددته، و أحصيته:أطقته.

و قوله عليه السّلام:«لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك».قال الغزاليّ في«الإحياء»:ليس المراد أنّي عاجز عن التّعبير عمّا أدركته،بل معناه الاعتراف بالقصور عن إدراك كنه جلاله.و على هذا فيرجع المعنى إلى الثّناء على اللّه بأتمّ الصّفات و أكملها،الّتي ارتضاها لنفسه و استأثر بها،فهي لا تليق إلاّ بجلاله.(1:140).

الفيروزآباديّ: الحصى:صغار الحجارة؛الواحدة:

حصاة،جمعها:حصيات و حصيّ.

و حصيته:ضربته بها.

و أرض محصاة:كثيرتها.

و العدد،أو الكثير.

و أحصاه:عدّه أو حفظه أو عقله.

و الحصاة:اشتداد البول في المثانة حتّى يصير كالحصاة،و قد حصي كعني،و العقل،و الرّأي،و هو حصيّ كغنيّ: وافر العقل.

و الحصو المغص في البطن،و المنع.

و حصي الشّيء كرضي:أثّر فيه،و الأرض:كثر حصاها.

و حصّاه تحصية:وقّاه،و تحصّى:توقّى.

و الحصوان محرّكة:موضع باليمن.(4:319)

الطّريحيّ: و فيه:«تركك حديثا لم تدره خير من روايتك حديثا لم تحصه»أي لم تحط به خبرا،من الإحصاء:الإحاطة بالشّيء حصرا و تعدادا.

و في حديث أسماء:«لا تحص فيحصى عليك»المراد:

عدّ الشّيء للقنية و الادّخار و الاعتداد به،«فيحصى عليك»يحتمل أن يراد به يحبس عليك مادّة الرّزق، و يقلّله بقطع البركة حتّى يصير كالشّيء المعدود،و الآخر أنّه يحاسبك في الآخرة.[قد تركنا كثيرا من كلامه حذرا من التّكرار](1:102)

الزّبيديّ: و مما يستدرك عليه[ الفيروزآباديّ]:نهر حصويّ:كثير الحصى،و أرض حصية كفرحة:كثيرة

ص: 499

الحصى.

و الحصاوي:خبز عمل على الحصاة،عاميّة.

و بيع الحصاة:أن يقول أحدهما:إذا نبذت الحصاة إليك فقد وجب البيع،أو أن يقول:بعتك من السّلع ما تقع عليه حصاتك إذا رميت بها،أو بعتك من الأرض إلى حيث تنتهي حصاتك،و الكلّ منهيّ عنه،لما فيه من الغرر و الجهالة.

و حصاة القسم:الحجارة الّتي يتصافنون عليها الماء.

و الحصاة:العدّ،اسم من الإحصاء.[ثمّ استشهد بشعر].(10:92)

مجمع اللّغة :أحصى الشّيء إحصاء:عدّه،و يلزم منه الإحاطة به و حفظه.

و جاء منه أفعل التّفضيل«أحصى»على غير القياس.(1:268)

محمّد إسماعيل إبراهيم:أحصى الشّيء:عدّه، ضبطه،حفظه.

لا يحصي الأمر:لا يطيقه و لا يقدر على ضبطه.

و الإحصاء هو التّحصيل بالعدد،لأنّ النّاس كانت تعتمد على الحصى في العدّ كاعتمادنا فيه على الأصابع.

و أحصيناه كتابا،أي حصرناه بالكتابة.(1:136)

العدنانيّ: حصاه و أحصاه.

و يخطّئون من يقول:حصاه،و يقولون:إنّ الصّواب هو:رماه بالحصى.

و في العربيّة:حصاه يحصيه حصيا:ضربه بالحصى، أو رماه بها:اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و أهمل«الوسيط»ذكر الفعل:أحصاه إحصاء:عدّه، و لكنّه ورد في الآية:28،من سورة الجنّ: وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً، و في الآية:6،من سورة المجادلة: أَحْصاهُ اللّهُ وَ نَسُوهُ، و في الآية:20،من سورة المزّمّل: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ.

و ورد ذكر الفعل«أحصى»في خمس آيات أخرى، بمعنى:عدّ.

و ورد في قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«استقيموا و لن تحصوه، و اعلموا أنّ خير أعمالكم الصّلاة»،أي استقيموا في كلّ شيء حتّى لا تميلوا،و لن تطيقوا الاستقامة،من قوله(علم ان لن تحصوه)أي لن تطيقوا عدّه و ضبطه.

و ممّن ذكر الفعل«أحصى»أيضا بمعنى:عدّ:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الأزهريّ،و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و النّهاية،و المختار،و اللّسان،و المصباح، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و دوزيّ، و أقرب الموارد،و المتن.

و لمّا كان معظم العرب في الجاهليّة يجهلون الحساب، فقد عمدوا إلى إحصاء إبلهم بالحصى،و كان أصحابها يقفون على باب الحظيرة،و في يد كلّ منهم مخلاة،يضعون فيها حصاة كلّما خرجت ناقة.

و عند ما يئوب الرّعاة بالإبل مساء،كانوا يقفون على أبواب الحظائر،و المخالي في أيديهم،ليلقوا منها حصاة كلّما دخل جمل أو ناقة الحظيرة.فإذا جاء عدد الحصى كعدد الإبل،نعم صاحبها بالا،و إلاّ صبّ جام نقمته على الرّاعي المهمل.فكان وضع الإحصاء في أوّل الأمر للإبل،ثمّ أطلق عليها و على غيرها.

ص: 500

و في الضّاد أفعال كثيرة شبيهة بالفعل:حصاه، فنقول:أذنه:أصاب أذنه،و أفخه:ضرب يأفوخه.

و أنفه:ضرب أنفه.[ثمّ أدام الكلام في هذا النّوع من الاشتقاق،فلاحظ](158)

الحصاة:و يسمّون الواحدة من صغار الحجارة حصوة،و الصّواب:حصاة؛و الجمع:حصى و حصيّ و حصيّ و حصيات.

و من معاني الحصى:

1-العدد،و قيل:الكثير منه.[ثمّ استشهد بشعر]

2-الحصاة:داء يقع بالمثانة،و هو أن يخثر البول حتّى يصير كالحصاة.

3-ثابت الحصاة:عاقل.

4-الحصاة:العقل.(معجم الأخطاء الشّائعة:67)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة،هو الضّبط علما و إحاطة،و إليه يرجع كلّما قيل في مختلف موارد استعمالها:فالحصاة تطلق على ما ضبط و تجمّع في محلّ كالمتحجّر،و القطعة المتصلّبة في المسك،و تطلق على اللّبّ و العقل،باعتبار كونه ضابطا و حافظا للصّلاح و الخير.

و أمّا العلم و العدد:فبمناسبة الضّبط،فإنّ العدد مقدّمة للضّبط،كما أنّ العلم و الإحاطة من نتائج الضّبط و من آثاره.

و أمّا المنع و الإطاقة:فمن لوازم الضّبط لشيء، فيوجب منع غيره.[إلى أن قال:]

ثمّ إنّ المجرّد من الإحصاء،لم يستعمل إلاّ قليلا،و منه «الحصى»بمعنى المنضبط المتحجّر،و بمعنى العقل المنضبط المتحصّل من جريان تكوّن الإنسان،فظهر الفرق بين:

العدّ،و الحصى،و الإحاطة،و الحساب،راجع الحسب.

(2:255)

النّصوص التّفسيريّة

احصى

لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً. الجنّ:28

ابن عبّاس: أحصاه.و يقال:عالم بعددهم كما علم بحال المزّمّل بثيابه.(489)

أي أحصى ما خلق و عرف عدد ما خلق،لم يفته علم شيء حتّى مثاقيل الذّرّ و الخردل.

(الطّبرسيّ 5:374)

الجبّائيّ: معناه أنّه لا شيء يعلمه عالم أو يذكره ذاكر إلاّ و هو تعالى عالم به و محص له.و الإحصاء فعل و ليس هو بمنزلة العلم،فلا يجوز أن يقال:أحصى ما لا يتناهى،كما يجوز أن يقال:علم ما لا يتناهى،لأنّ الإحصاء مثل المحصي لا يكون إلاّ فعلا متناهيا.

فإذا لم يجز أن يفعل ما لا يتناهى لم يجز أن يقال:

يحصي ما لا يتناهى،و الفرق بينهما واضح.

(الطّوسيّ 10:159)

الطّبريّ: يقول:علم عدد الأشياء كلّها،فلم يخف عليه منها شيء.(29:123)

الزّجّاج: فهذا المضمر في وَ أَحْصى للّه عزّ و جلّ لا لغيره،و نصب(عددا)على ضربين:على معنى و أحصى كلّ شيء في حال العدد،فلم تخف عليه سقوط ورقة و لا حبّة في ظلمات الأرض،و لا رطب و لا يابس.

ص: 501

و يجوز أن يكون(عددا)في موضع المصدر المحمول على معنى(و أحصى)،لأنّ معنى(أحصى)و عدّ كلّ شيء عددا.(5:238)

نحوه الثّعلبيّ.(10:57)

الماورديّ: يعني من خلقه الّذي يعزب إحصاؤه عن غيره.(6:123)

الطّوسيّ: معناه أنّه يعلم الأشياء مفصّلة بمنزلة من يحصيها ليعلمها كذلك.(10:159)

الزّمخشريّ: من القطر و الرّمل و ورق الأشجار و زبد البحار،فكيف لا يحيط بما عند الرّسل من وحيه و كلامه؟

و(عددا)حال،أي و ضبط كلّ شيء معدودا محصورا،أو مصدر في معنى إحصاء.(4:173)

مثله النّسفيّ(4:302)،و نحوه النّيسابوريّ(29:72).

ابن عطيّة: وَ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ معناه كلّ شيء معدود.(5:385)

الطّبرسيّ: و قيل:معناه عدّ جميع المعلومات المعدومة و الموجودة عدّا،فعلم صغيرها و كبيرها و قليلها و كثيرها،و ما يكون و ما لا يكون،و ما كان و لو لم يكن، و لو كان كيف كان.(5:374)

نحوه فضل اللّه.(23:171)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله: وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ فهو يدلّ على كونه تعالى عالما بالجزئيّات،و أمّا قوله:

وَ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً فهو يدلّ على كونه عالما بجميع الموجودات.

فإن قيل:إحصاء العدد إنّما يكون في المتناهي، و قوله: كُلَّ شَيْءٍ يدلّ على كونه غير متناه،فلزم وقوع التّناقض في الآية.

قلنا:لا شكّ أنّ إحصاء العدد إنّما يكون في المتناهي، فأمّا لفظة كُلَّ شَيْءٍ فإنّها لا تدلّ على كونه غير متناه، لأنّ الشّيء عندنا هو الموجودات،و الموجودات متناهية في العدد،و هذه الآية أحد ما يحتجّ به على أنّ المعدوم ليس بشيء،و ذلك لأنّ المعدوم لو كان شيئا،لكانت الأشياء غير متناهية،و قوله: أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً يقتضي كون تلك المحصيات متناهية،فيلزم الجمع بين كونها متناهية و غير متناهية،و ذلك محال،فوجب القطع بأنّ المعدوم ليس بشيء،حتّى يندفع هذا التّناقض.

(30:170)

العكبريّ: (عددا)مصدر،لأنّ أحصى بمعنى عدّ، و يجوز أن يكون تمييزا،و اللّه أعلم.(2:1245)

القرطبيّ: أي أحاط بعدد كلّ شيء و عرفه و علمه،فلم يخف عليه منه شيء.[ثمّ ذكر نحو الزّجّاج و أضاف:]

فهو سبحانه المحصي،المحيط العالم،الحافظ لكلّ شيء.(19:29)

الشّربينيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

تنبيه:هذه الآية تدلّ على أنّه تعالى عالم بالجزئيّات و بجميع الموجودات،و(عددا)يجوز أن يكون تمييزا منقولا من المفعول به،و الأصل:أحصى عدد كلّ شيء، كقوله تعالى: وَ فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً القمر:12،أي عيون الأرض.و أن يكون منصوبا على الحال،أي و ضبط كلّ شيء معدودا محصورا.و أن يكون مصدرا في معنى

ص: 502

الإحصاء.(4:410)

أبو السّعود :[نحو الشّربينيّ و أضاف:]

و أيّا ما كان ففائدته بيان أنّ علمه تعالى بالأشياء ليس على وجه كلّيّ إجماليّ بل على وجه جزئيّ تفصيليّ، فإنّ الإحصاء قد يراد به الإحاطة الإجماليّة،كما في قوله تعالى: وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لا تُحْصُوها إبراهيم:34، و النّحل:18،أي لا تقدروا على حصرها إجمالا فضلا عن التّفصيل،و ذلك لأنّ أصل الإحصاء:أنّ الحاسب إذا بلغ عقدا معيّنا من عقود الأعداد كالعشرة و المائة و الألف،وضع حصاة ليحفظ بها كمّيّة ذلك العقد،فيبني على ذلك حسابه هذا.(6:319)

نحوه البروسويّ.(10:202)

الآلوسيّ: وَ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ أي ممّا كان و ممّا سيكون عَدَداً أي فردا فردا،حال من فاعل (يسلك)بتقدير«قد»أو بدونه،جيء به لمزيد الاعتناء بأمر علمه تعالى بجميع الأشياء،و تفرّده سبحانه بذلك على أتمّ وجه؛بحيث لا يشاركه سبحانه في ذلك الملائكة الّذين هم وسائط العلم،فكأنّه قيل:لكن المرتضى الرّسول يعلّمه اللّه تعالى بواسطة الملائكة بعض الغيوب ممّا له تعلّق ما برسالته،و الحال أنّه تعالى قد أحاط علما بجميع أحوال أولئك الوسائط،و علم جلّ و علا جميع الأشياء بوجه جزئيّ و تفصيليّ،فأين الوسائط منه تعالى!

أو حال من فاعل(ابلغوا)جيء به للإشارة إلى أنّ الرّصد أنفسهم لم يزيدوا و لم ينقصوا فيما بلغوا،كأنّه قيل:

ليعلم الرّسول أن قد أبلغ الرّصد إليه رسالات ربّه في حال أنّ اللّه تعالى قد علم جميع أحوالهم و علم كلّ شيء، فلو أنّهم زادوا أو نقصوا عند الإبلاغ لعلمه سبحانه،فما كان يختارهم للرّصديّة و الحفظ.(29:96)

القاسميّ: أي فردا فردا لسعة علمه،تقرير ثان لإحاطته بما عند الرّسل من وحيه و كلامه،و وعد و وعيد،كما عرف من نظائره.(16:5956)

مغنيّة: وَ أَحاطَ اللّه علما بِما لَدَيْهِمْ أي بكلّ ما قاله الأنبياء،لا يفوته من أقوالهم حرف واحد.و فوق ذلك فإنّ اللّه تعالى قد أحاط علما بجميع الكائنات كبيرها و صغيرها وَ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً فكيف لا يحصي على رسله أقوالهم و أنفاسهم،و هم يبلّغون رسالاته إلى عباده؟

و الغرض من هذا التّأكيد،هو التّنبيه إلى أنّ الأنبياء معصومون عن الخطأ في تبليغ الوحي،فلا يزيدون فيه.

و لا ينقصون منه حرفا،و لا يبدّلون حرفا:بحرف وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى* إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى النّجم:3،4.

(7:443)

احصه

...يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللّهُ وَ نَسُوهُ... المجادلة:6

ابن عبّاس: حفظ اللّه عليهم أعمالهم.(461)

نحوه الواحديّ.(4:263)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:أحصى اللّه ما عملوا، فعدّه عليهم،و أثبته و حفظه.(28:12)

الطّوسيّ: أي أحصاه اللّه عليهم و أثبته في كتاب أعمالهم.(9:546)

ص: 503

مثله الطّبرسيّ.(5:250)

الزّمخشريّ: أحاط به عددا لم يفته منه شيء.

(4:73)

مثله النّسفيّ،(4:233)و نحوه البيضاويّ(2:460)، و الكاشانيّ(5:144)،و الطّباطبائيّ(19:180).

الفخر الرّازيّ: أي أحاط بجميع أحوال تلك الأعمال من الكمّيّة و الكيفيّة،و الزّمان و المكان،لأنّه تعالى عالم بالجزئيّات.(29:263)

نحوه النّيسابوريّ(28:15)،و الشّربينيّ(4:224)، و أبو حيّان(8:234).

أبو السّعود :استئناف وقع جوابا عمّا نشأ ممّا قبله من السّؤال،إمّا عن كيفيّة التّنبئة أو عن سببها،كأنّه قيل:

كيف ينبّئهم بأعمالهم و هي أعراض متقضّية متلاشية؟ فقيل:أحصاه اللّه عددا،لم يفته منه شيء.(6:216)

مثله الآلوسيّ.(28:23)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و قال بعضهم:الإحصاء:عدّ بإحاطة و ضبط،إذ أصله العدد بآحاد الحصى للتّقوّي في الضّبط،فهو أخصّ من العدّ لعدم لزوم الإحاطة فيه.(9:397)

احصيها

ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصاها...

[مثل ما قبلها]الكهف:49

احصهم

لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَ عَدَّهُمْ عَدًّا. مريم:94

ابن عبّاس: حفظهم.(259)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:لقد أحصى الرّحمن خلقه كلّهم،و عدّهم عدّا،فلا يخفى عليه مبلغ جميعهم، و عرف عددهم،فلا يعزب عنه منهم أحد.(16:132)

الطّوسيّ: أي علم تفاصيلهم و أعدادهم فكأنّه عدّهم،لا يخفى عليه شيء من أحوالهم.(7:154)

الزّمخشريّ: الإحصاء:الحصر و الضّبط،يعني حصرهم بعلمه،و أحاط بهم.(2:526)

الفخر الرّازيّ: أي كلّهم تحت أمره و تدبيره و قهره و قدرته،فهو سبحانه محيط بهم،و يعلم مجمل أمورهم و تفاصيلها،لا يفوته شيء من أحوالهم.(21:255)

البيضاويّ: حصرهم و أحاط بهم؛بحيث لا يخرجون عن حوزة علمه و قبضة قدرته.(2:43)

نحوه الشّربينيّ(2:446)،و أبو السّعود(4:261)، و الآلوسيّ(16:142).

الطّباطبائيّ: و المراد بإحصائهم و عدّهم:تثبيت العبوديّة لهم،فإنّ العبيد إنّما تتعيّن لهم أرزاقهم و تتبيّن وظائفهم،و الأمور الّتي يستعملون فيها بعد الإحصاء و عدّهم و ثبتهم في ديوان العبيد،و به تسجّل عليهم العبوديّة.(14:112)

مكارم الشّيرازيّ: أي لا تتصوّر بأنّ محاسبة كلّ هؤلاء العباد غير ممكن،و عسير عليه سبحانه،فإنّ علمه واسع إلى الحدّ الّذي ليس يحصي عدد هؤلاء و حسب، بل إنّه عالم و مطّلع على كلّ خصوصيّاتهم،فلا هم يستطيعون الفرار من حكومته،و لا يخفى عليه شيء من أعمالهم.(9:450)

ص: 504

فضل اللّه:فهو الّذي خلقهم،و هو الّذي يرزقهم، و هو المحيط بهم،و لذلك فقد أحصى عددهم و وظائفهم و أمكنتهم،في مظهر من مظاهر قوّته،أمام مظهر خضوعهم و ضعفهم.(15:80)

احصيناه

...وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ. يس:12

النّبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله:[في حديث أنّه صلّى اللّه عليه و آله نزل بأرض قرعاء (1)فقال لأصحابه:]

ائتوا بحطب،فقالوا:يا رسول اللّه نحن بأرض قرعاء ما بها من حطب،قال:فليأت كلّ انسان بما قدر عليه، فجاءوا به حتّى رموا بين يديه بعضه على بعض،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:هكذا تجمع الذّنوب،ثمّ قال:إيّاكم و المحقّرات من الذّنوب فإنّ لكلّ شيء طالبا،ألا و أنّ طالبها يكتب ما قدّموا و آثارهم وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ (العروسيّ 4:378)

ابن عبّاس: كتبناه في اللّوح المحفوظ.(369)

الطّبريّ: أثبتناه.(22:155)

الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:علمناه،الثّاني:

حفظناه.(5:9)

القشيريّ: أثبتنا تفصيله.(5:213)

الواحديّ: بيّنّاه و حفظناه.(3:511)

ابن الجوزيّ: حفظناه.(7:9)

الفخر الرّازيّ: أَحْصَيْناهُ: أبلغ من كتبناه،لأنّ من كتب شيئا مفرّقا يحتاج إلى جمع عدده،فقال:هو محصى فيه.(26:50)

البروسويّ: ضبطناه و بيّنّاه.قال ابن الشّيخ:أصل الإحصاء العدّ،ثمّ استعير للبيان و الحفظ،لأنّ العدّ يكون لأجلهما.(7:376)

نحوه الآلوسيّ.(22:219)

و لاحظ أ م م:«إمام»و ب ي ن:«مبين».

تحصوه

...وَ اللّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ... المزّمّل:20

ابن عبّاس: أن لن تحفظوا ساعات اللّيل.(491)

نحوه الفرّاء.(3:200)

الضّحّاك: يريد تقدير نصف اللّيل و ثلثه و ربعه.

(الماورديّ 6:132)

زيد بن عليّ: أن لن تطيقوه.(441)

مثله ابن قتيبة(494)،و سعيد و الحسن و سفيان (الطّبريّ 29:140)،و أبو زرعة(732)و الواحديّ(4:

377)،و البغويّ(5:170)،و الخازن(7:141).

مقاتل:يعني قيام ثلثي اللّيل الأوّل،و لا نصف اللّيل،و لا ثلث اللّيل.(4:478)

الطّبريّ: علم ربّكم أيّها القوم الّذين فرض عليهم قيام اللّيل،أن لن تطيقوا قيامه.(29:140)

القمّيّ: و كان الرّجل يقوم و لا يدري متى ينتصف اللّيل و متى يكون الثّلثان؟و كان الرّجل يقوم حتّى يصبح مخافة أن لا يحفظه،فأنزل اللّه إِنَّ رَبَّكَ... عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ (2:392)

ص: 505


1- لا نبات فيها.

الميبديّ: هذا نسخ أوّل السّورة،أي علم أن لن تطيقوا قيام اللّيل في النّصف و الثّلث و الثّلثين فَتابَ عَلَيْكُمْ. (10:270)

الزّمخشريّ: و المعنى:أنّكم لا تقدرون عليه.

و الضّمير في لَنْ تُحْصُوهُ لمصدر(يقدّر)،أي علم أنّه لا يصحّ منكم ضبط الأوقات،و لا يتأتّى حسابها بالتّعديل و التّسوية إلاّ أن تأخذوا بالأوسع للاحتياط؛ و ذلك شاقّ عليكم بالغ منكم.(4:179)

نحوه أبو الفتوح(20:14)،و النّيسابوريّ(29:81)، و الشّربيني(4:422)،و شبّر(6:307).

ابن عطيّة: لن تستطيعوا قيامه لكثرته و شدّته، فخفّف اللّه عنكم فضلا منه،لا لقلّة جهلهم بالتّقدير و إحصاء الوقت،و نحو هذا تعطي عبارة الحسن و ابن جبير تُحْصُوهُ: تطيعوه.(5:390)

الطّبرسيّ: [ذكر قولي مقاتل و الحسن ثمّ قال:]

و قيل:معناه لن تطيقوا المداومة على قيام اللّيل، و يقع منكم التّقصير فيه.(5:382)

الفخر الرّازيّ: فيه مسألتان:

المسألة الأولى:الضّمير في أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ عائد إلى مصدر مقدّر،أي علم أنّه لا يمكنكم إحصاء مقدار كلّ واحد من أجزاء اللّيل و النّهار على الحقيقة،و لا يمكنكم أيضا تحصيل تلك المقادير على سبيل الظّنّ و الاحتياط إلاّ مع المشقّة التّامّة.

المسألة الثّانية:احتجّ بعضهم على تكليف ما لا يطاق بأنّه تعالى قال: لَنْ تُحْصُوهُ أي لن تطيقوه،ثمّ إنّه كان كلّفهم به،و يمكن أن يجاب عنه بأنّ المراد صعوبته لا أنّهم لا يقدرون عليه،كقول القائل:ما أطيق أن أنظر إلى فلان؛ إذا استثقل النّظر إليه.(30:186)

الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال تعالى: وَ اللّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ، و لم يقل تعالى:أن لن تحصوهما،أي لن تعرفوا تحقيق مقادير ساعات اللّيل و النّهار؟

قلنا:الضّمير عائد إلى مصدر يقدّر،معناه:لن تحصوا تقديرهما.(مسائل الرّازيّ:358)

القرطبيّ: أي لن تطيقوا معرفة حقائق ذلك و القيام به.و قيل:أي لن تطيقوا قيام اللّيل.

و الأوّل:أصحّ،فإنّ قيام اللّيل ما فرض كلّه قطّ.

[إلى أن قال:]

و(ان)مخفّفة من الثّقيلة،أي علم أنّكم لن تحصوه، لأنّكم إن زدتم ثقل عليكم،و احتجتم إلى تكليف ما ليس فرضا،و ان نقصتم شقّ ذلك عليكم.(19:51)

البيضاويّ: أي لم تحصوا تقدير الأوقات،و لن تستطيعوا ضبط السّاعات.(2:515)

نحوه أبو السّعود(6:324)،و الكاشانيّ(5:243)، و المراغيّ(29:120)،و مغنيّة(7:452).

النّسفيّ: لن تطيقوا قيامه على هذه المقادير إلاّ بشدّة و مشقّة،و في ذلك حرج.(4:306)

أبو حيّان :[نحو القرطبيّ و أضاف:]

و(ان)مخفّفة من الثّقيلة،و الضّمير في(تحصوه) الظّاهر أنّه عائد على المصدر المفهوم من(يقدّر)أي أن لن تحصوا تقدير ساعات اللّيل و النّهار لا تحيطوا بها على الحقيقة.

ص: 506

و قيل الضّمير يعود على القيام المفهوم من قوله:

فَتابَ عَلَيْكُمْ. (8:366)

السّمين:[ذكر القراءتين النّصب و الجرّ في وَ نِصْفَهُ وَ ثُلُثَهُ ثمّ قال:]

و على قراءة النّصب فسّر الحسن (تحصوه) بمعنى تطيقوه.و أمّا قراءة الجرّ فمعناها أنّه قيام مختلف مرّة أدنى من الثّلثين،و مرّة أدنى من النّصف،و مرّة أدنى من الثّلث، و ذلك لتعذّر معرفة البشر بمقدار الزّمان مع عذر النّوم.(6:409)

ابن كثير :أي القرض الّذي أوجبه عليكم.

(7:150)

البروسويّ: لن تقدروا على تقدير الأوقات على حقائقها،و لن تستطيعوا ضبط السّاعات أبدا.فالضّمير عائد إلى المصدر المفهوم من(يقدّر)...

و روي استقيموا و لن تحصوا،أي لن تحصلوا ذلك، لأنّ الحقّ واحد و الباطل كثير،بل الحقّ بالإضافة إلى الباطل كالنّقطة بالإضافة إلى سائر أجزاء الدّائرة، و كالمرمى من الهدف،و إصابة ذلك شديدة.

و احتجّ بعضهم بهذه الآية على وقوع تكليف ما لا يطاق،فإنّه تعالى قال: لَنْ تُحْصُوهُ أي لن تطيقوه، ثمّ إنّه كلّفهم بتقدير السّاعات و القيام فيها؛حيث قال:

قُمِ اللَّيْلَ إلخ.و يمكن أن يجاب عنه بأنّ المراد صعوبته لا أنّهم لا يقدرون عليه أصلا،كما يقال:لا أطيق أن أنظر إلى فلان إذا استثقل النّظر إليه.

و في«التّأويلات النّجميّة»يعني السّلوك من ليل الطّبيعة إلى نهار الحقيقة بتقدير اللّه لا بتقدير السّالك.علم أن لن تقدروا على مدّة ذلك السّلوك بالوصول إلى اللّه؛إذ الوصول مترتّب على فضل اللّه و رحمته لا على سلوككم و سيركم،فكم من سالك انقطع في الطّريق و رجع القهقرى و لم يصل،كما قيل:«ليس كلّ من سلك وصل، و لا كلّ من وصل اتّصل،و لا كلّ من اتّصل انفصل».

(10:219)

الآلوسيّ: فإنّ الضّمير لمصدر(يقدّر)لا للقيام المفهوم من الكلام.و المعنى:علم أنّ الشّأن لن تقدروا على تقدير الأوقات،و لن تستطيعوا ضبط السّاعات، و لا يتأتّى لكم حسابها بالتّعديل و التّسوية إلاّ أن تأخذوا بالأوسع للاحتياط،و ذلك شاقّ عليكم بالغ منكم.

(29:111)

عزّة دروزة :هنا بمعنى لن تصلوا إلى الغاية من عبادته،أو لن تطيقوه.(1:85)

ابن عاشور :و جملة عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ يجوز أن تكون خبرا ثانيا عن(انّ)بعد الخبر في قوله: يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ... المزّمّل:20.

و يجوز أن تكون استئنافا بيانيّا لما ينشأ عن جملة إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ من ترقّب السّامع لمعرفة ما مهّد له بتلك الجملة،فبعد أن شكرهم على عملهم خفّف عنهم منه.و الضّمير المنصوب في(تحصوه)عائد إلى القيام المستفاد من أَنَّكَ تَقُومُ.

و الإحصاء حقيقته:معرفة عدد شيء معدود مشتقّ من اسم الحصى جمع حصاة،لأنّهم كانوا إذا عدّوا شيئا كثيرا جعلوا لكلّ واحد حصاة،و هو هنا مستعار للإطاقة.شبّهت الأفعال الكثيرة من ركوع و سجود

ص: 507

و قراءة في قيام اللّيل،بالأشياء المعدودة.و بهذا فسّر الحسن و سفيان،و منه قوله في الحديث:«استقيموا و لن تحصوا»أي و لن تطيقوا،تمام الاستقامة،أي فخذوا منها بقدر الطّاقة.

و(ان)مخفّفة من الثّقيلة،و اسمها ضمير شأن محذوف و خبره الجملة،و قد وقع الفصل بين(ان)و خبرها بحرف النّفي،لكون الخبر فعلا غير دعاء و لا جامد حسب المتّبع في الاستعمال الفصيح.و(ان)و جملتها سادّة مسدّ مفعولي (علم)إذ تقديره علم عدم إحصائكموه واقعا.

(29:263)

الطّباطبائيّ: الإحصاء:تحصيل مقدار الشّيء و عدده و الإحاطة به،و ضمير لَنْ تُحْصُوهُ للتّقدير، أو للقيام مقدار ثلث اللّيل أو نصفه أو أدنى من ثلثيه، و إحصاء ذلك مع اختلاف اللّيالي طولا و قصرا في أيّام السّنة ممّا لا يتيسّر لعامّة المكلّفين،و يشتدّ عسرا لمن نام أوّل اللّيل و أراد القيام بأحد المقادير الثّلاثة،دون أنّ يحتاط بقيام جميع اللّيل أو ما في حكمه.

فالمراد بقوله: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ علمه تعالى بعدم تيسّر إحصاء المقدار الّذي أمروا بقيامه من اللّيل، لعامّة المكلّفين.(20:75)

عبد الكريم الخطيب :أي علم اللّه سبحانه و تعالى أنّكم لن تحصوا أوصاف الثّناء عليه سبحانه و تعالى،مهما طال قيامكم باللّيل.و هذا ما يشير إليه الرّسول الكريم في قوله،مناجيا ربّه:«سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك».

و هذا الّذي ذهبنا إليه،هو المعنى الّذي نستريح له، و لم نجد أحدا من المفسّرين قد ذهب إلى هذا الرّأي،و إنّما كانت آراؤهم كلّها تدور حول معنى واحد،هو أنّ اللّه سبحانه علم أنّكم لن تقدروا على إحصاء اللّيل و تحديد مواقيته،و معرفة متى يكون ثلث اللّيل أو نصفه،أو ثلثاه؟أمّا النّهار فإنّه من الممكن ضبط أجزائه،و لهذا عاد الضّمير في(تحصوه)على اللّيل وحده،دون أن يعود عليه هو و النّهار.هكذا يقولون.

و هذا المعنى الّذي يذهب إلى معنى العجز عن إحصاء أجزاء اللّيل،و إن كان له مفهوم وقت نزول القرآن؛ حيث لم تكن هناك المقاييس الزّمنيّة المعروفة اليوم، كالسّاعة و نحوها،فإنّ هذا المفهوم الآن غير واقع، و القرآن الكريم حكم قاض بالحقّ المطلق و شاهد ناطق بالصّدق المصفّى،أبد الدّهر لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ فصّلت:42.

ثم إنّ إحصاء اللّيل،و تقدير وقته،من الممكن أن يتحقّق حتّى في زمن نزول هذه الآية،و ذلك برصد النّجوم،و تحديد منازلها،و قد كان العرب على علم بهذا و أنّ نظرة من أحدهم إلى مواقع النّجوم في السّماء كان يعرف بها أين هو من اللّيل؟و ما ذا ذهب منه؟و ما ذا بقي؟

و من إعجاز القرآن الكريم أنّه يتّسع لمفاهيم الحياة كلّها في كلّ زمان و مكان،و على هذا يمكن أن يتوارد على قوله تعالى: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ أكثر من مفهوم،و كلّ مفهوم،منها يسدّ حاجة النّاس في عصرهم،و ما بلغته مداركهم من العلم.

و على هذا يكون قوله تعالى: وَ اللّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ خبرا عن اللّه سبحانه و تعالى،و يكون قوله

ص: 508

تعالى: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ خبرا ثانيا،أي و اللّه يقدّر اللّيل و النّهار،و اللّه علم أن لن تحصوه،أي تبلغوا حقّ الثّناء عليه.

و يجوز أن يكون قوله تعالى: وَ اللّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ صلة لموصول محذوف،هو صفة للّه،بمعنى و اللّه المقدّر للّيل و النّهار.و يكون قوله تعالى: عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ خبرا للفظ الجلالة،بمعنى:و اللّه المقدّر للّيل و النّهار علم أن لن تحصوا الثّناء عليه مهما امتدّ الزّمن بكم،و طال اللّيل أم قصر.(15:1270)

مكارم الشّيرازيّ: (لن تحصوه):من الإحصاء و هو عدّ الشّيء،أي علم أنّكم لا تستطيعون إحصاء مقدار اللّيل الّذي أمرتم بقيامه و الإحاطة بالمقادير الثّلاثة.

و قال البعض:إنّ معنى الآية أنّكم لا تتمكّنون من المداومة على هذا العمل طيلة أيّام السّنة،و لا يتيسّر لعامّة المكلّفين إحصاء ذلك لاختلاف اللّيالي طولا و قصرا،مع وجود الوسائل الّتي توقظ الإنسان.

(19:132)

تحصوها

...وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لا تُحْصُوها... إبراهيم:34

ابن عبّاس: لا تحفظوها و لا تشكروها.(214) أبو العالية :لا تطيقون عدّها.

الكلبيّ: لا تحفظوها.(الواحديّ 3:33)

الطّبريّ: و إن تعدّوا أيّها النّاس نعمة اللّه الّتي أنعمها عليكم،لا تطيقوا إحصاء عددها،و القيام بشكرها،إلاّ بعون اللّه لكم عليها.(13:227)

نحوه البغويّ(3:42)و ابن كثير(4:140) و المراغيّ(13:157)

الطّوسيّ: و إن تروموا عدّها بقصدكم إليه لا تحصونها لكثرتها.و يروى عن طلق بن حبيب،أنّه قال:إنّ حقّ اللّه أثقل من أن تقوم به العباد،و إنّ نعم اللّه أكثر من أن تحصيها العباد،و لكن،أصبحوا تائبين، و أمسوا تائبين.(6:297)

مثله الطّبرسيّ(3:316)،و ابن الجوزيّ(4:365)، و الخازن(4:38)،و نحوه الواحديّ(3:33)

الزّمخشريّ: لا تحصروها و لا تطيقوا عدّها و بلوغ آخرها،هذا إذا أرادوا أن يعدّوها على الإجمال،و أمّا التّفصيل فلا يقدر عليه و لا يعلمه إلاّ اللّه.(2:379)

مثله النّسفيّ(2:263)،و أبو حيّان(5:428)، و الشّربينيّ(2:183).

ابن عطيّة: أي لكثرتها و عظمها في الحواسّ و القوى و الإيجاد بعد العدم،و الهداية للإيمان و غير ذلك.

(3:340)

الفخر الرّازيّ: أي لا تقدرون على تعديد جميعها لكثرتها.و اعلم أنّ الإنسان إذا أراد أن يعرف أنّ الوقوف على أقسام نعم اللّه ممتنع،فعليه أن يتأمّل في شيء واحد ليعرف عجز نفسه عنه.[ثمّ ذكر مثالين على ذلك]

(19:129)

نحوه النّيسابوريّ.(13:129)

القرطبيّ: و لا تطيقوا عدّها،و لا تقوموا بحصرها لكثرتها،كالسّمع و البصر و تقويم الصّور،إلى غير ذلك

ص: 509

من العافية و الرّزق،نعم لا تحصى و هذه النّعم من اللّه،فلم تبدّلون نعمة اللّه بالكفر!و هلاّ استعنتم بها على الطّاعة؟(9:376)

الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال تعالى: وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لا تُحْصُوها، و الإحصاء و العدّ بمعنى واحد، كذا نقله الجوهريّ،فيكون المعنى:و إن تعدّوا نعمة اللّه لا تعدّوها،و هو متناقض،كقولك:إن تر زيدا لا تبصره،إذ الرّؤية و الإبصار واحد؟

قلنا:بعض المفسّرين فسّر الإحصاء بالحصر،فإن صحّ ذلك لغة اندفع السّؤال،و يؤيّد ذلك قول الزّمخشريّ (لا تحصوها):أي لا تحصروها و لا تطيقوا عدّها و بلوغ آخرها.و على القول الأوّل فيه إضمار تقديره:و إن تريدوا عدّ نعمة اللّه لا تعدّوها.

فإن قيل:كيف قال تعالى: لا تُحْصُوها و هو يوهم أنّ نعم اللّه غير متناهية،و كلّ نعمة ممتنّ بها علينا فهي مخلوقة،و كلّ مخلوق متناه؟

قلنا:لا نسلّم أنّه يوهم أنّها لا تتناهى،و ذلك لأنّ المفهوم منه منحصر في أنّا لا نطيق عدّها أو حصر عددها.و يجوز أن يكون الشّيء متناهيا في نفسه، و الإنسان لا يطيق عدده كرمل القفار و قطر البحار و ورق الأشجار،و ما أشبه ذلك.(مسائل الرّازيّ: 163)

البيضاويّ: لا تحصروها و لا تطيقوا عدّ أنواعها، فضلا عن أفرادها فإنّها غير متناهية،و فيه دليل على أنّ المفرد يفيد الاستغراق بالإضافة.(1:532)

نحوه الكاشاني(3:89)،و شبّر(3:362).

أبو السّعود :(لا تحصوها):لا تطيقوا بحصرها و لو إجمالا،فإنّها غير متناهية.و أصل الإحصاء:أنّ الحاسب إذا بلغ عقدا معيّنا من عقود الأعداد وضع حصاة ليحفظ بها،ففيه إيذان بعدم بلوغ مرتبة معتدّ بها من مراتبها، فضلا عن بلوغ غايتها.[ثمّ ذكر مثالا فلاحظ]

(3:489)

البروسويّ: [مثل البيضاويّ و أضاف:]

و أصل الإحصاء أنّ الحساب كان إذا بلغ عقدا معيّنا من عقود الأعداد وضعت له حصاة ليحفظ بها ثم استؤنف العدد.و المعنى لا توجد له غاية فتوضع له حصاة.(4:422)

الآلوسيّ: و قد نصّ بعضهم على أنّ المفرد يفيد الاستغراق بالإضافة،و ما قيل:إنّ الاستغراق ليس مأخوذا من الإضافة بل من الشّرط و الجزاء المخصوصين، فيه نظر،لأنّ الحكم المذكور يقتضي صحّة إرادته منه و لولاه تنافيا.

و المراد ب لا تُحْصُوها: لا تطيقوا حصرها و لو إجمالا،فإنّها غير متناهية.و أصل الإحصاء:العدّ بالحصى،فإنّ العرب كانوا يعتمدونه في العدّ كاعتمادنا فيه على الأصابع،ثمّ استعمل لمطلق العدّ.[ثمّ أدام البحث نحو أبي السّعود و ذكر أمثلة](13:227)

الطّباطبائيّ: [نقل كلام الرّاغب ثمّ قال:]

و في الجملة إشارة إلى خروج النّعم عن طوق الإحصاء،و لازمه كون حوائج الإنسان الّتي رفعها اللّه بنعمه غير مقدور للإنسان إحصاؤها.

و كيف يمكن إحصاء نعمه تعالى و عالم الوجود بجميع اجزائه و ما يلحق بها من الأوصاف و الأحوال مرتبطة

ص: 510

منتظمة،و نافع بعضها في بعض متوقّف بعضها على بعض،فالجميع نعمة بالنّسبة إلى الجميع،و هذا أمر لا يحيط به إحصاء.(12:61)

عبد الكريم الخطيب :بمعنى أنّ النّعمة الواحدة من نعم اللّه،هي نعم كثيرة،لا تحصى،و أنّ أيّا منها-و إن بدا صغيرا-لا يستطيع الإنسان أن يؤدّي للّه حقّ شكره.

فكيف و نعم اللّه-لا نعمته-تلبسنا ظاهرا و باطنا؟و مع هذا فإنّ الإنسان لا يحمد اللّه،و لا يشكر له،على ما أسبغ عليه من نعم،بل يرى دائما أنّه مغبون.(7:187)

مكارم الشّيرازيّ: لأنّ النّعم المادّيّة و المعنويّة للخالق شملت جميع وجودكم،و هي غير قابلة للإحصاء، فضلا عن ذلك فإنّ ما تعلمونه من النّعم أقلّ بكثير ممّا لا تعلمونه.(7:452)

فضل اللّه :و كيف يستطيع الإنسان إحصاء مواقع نعم اللّه في حياته،في مفرداتها الصّغيرة و الكبيرة الّتي تتجلّى آثارها في كلّ لحظة،بالمستوى الّذي يجعل كلّ شيء من حوله مظهرا من مظاهر نعم اللّه عليه،لعلاقته بالحياة الّتي يحياها،في المبدإ و في التّفاصيل.

(13:113)

احصوا

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ... الطّلاق:1

ابن عبّاس: احفظوا طهرهنّ من ثلاث حيض و الغسل منها بانقضاء العدّة.(475)

السّدّيّ: أي احفظوا العدّة.(455)

ابن قتيبة:يريد الحيض،و يقال:الأطهار.(470)

الطّبريّ: و أحصوا هذه العدّة و أقراءها فاحفظوها.

(28:132)

القمّيّ: وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ و ذلك أن تدعها حتّى تحيض،فإذا حاضت ثمّ طهرت و اغتسلت طلّقها تطليقة من غير أن يجامعها،و يشهد على طلاقها إذا طلّقها،ثمّ إذا شاء راجعها و يشهد على رجعتها إذا راجعها،فإذا أراد طلاقها الثّانية فإذا حاضت و طهرت و اغتسلت طلّقها الثّانية،و أشهد على طلاقها من غير أن يجامعها،ثمّ إن شاء راجعها و يشهد على رجعتها ثمّ يدعها حتّى تحيض ثمّ تطهر،فإذا اغتسلت طلّقها الثّالثة،و هو فيما بين ذلك قبل أن يطلّق الثّالثة أملك بها إن شاء راجعها،غير أنّه إن راجعها ثمّ بدا له أن يطلّقها اعتدّت بما طلّق قبل ذلك.

و هكذا السّنّة في الطّلاق،لا يكون الطّلاق إلاّ عند طهرها من حيضها من غير جماع كما وصفت،و كلّما راجع فليشهد فإن طلّقها ثمّ راجعها حبسها ما بدا له،ثمّ إن طلّقها الثّانية ثمّ راجعها حبسها بواحدة ما بدا له،ثمّ إن طلّقها تلك الواحدة الباقية بعد ما كان راجعها اعتدّت ثلاثة قروء،و هي ثلاث حيضات،و إن لم تكن تحيض فثلاثة أشهر،و إن كان بها حمل فإذا وضعت انقضى أجلها،و هو قوله تعالى: وَ اللاّئِي يَئِسْنَ مِنَ الْمَحِيضِ مِنْ نِسائِكُمْ إِنِ ارْتَبْتُمْ فَعِدَّتُهُنَّ ثَلاثَةُ أَشْهُرٍ وَ اللاّئِي لَمْ يَحِضْنَ فعدّتهنّ أيضا ثلاثة أشهر وَ أُولاتُ الْأَحْمالِ أَجَلُهُنَّ أَنْ يَضَعْنَ حَمْلَهُنَّ. الطّلاق:4.(2:373)

الثّعلبيّ: أي عدد أقراءها فاحفظوها.(9:334)

الطّوسيّ: يعني مدّة زمان العدّة.(10:30)

ص: 511

الواحديّ: إنّما أمر بإحصاء العدّة لتوزيع الطّلاق على الأقراء إذا أراد أن يطلّق ثلاثا،و هو أحسن من جمعها في قرء واحد،و للعلم ببقاء زمان الرّجعة،و لمراعاة النّفقة و السّكنى.(4:311)

نحوه البغويّ(5:108)،و الشّربينيّ(4:310).

الزّمخشريّ: اضبطوها بالحفظ،و أكملوها ثلاثة أقراء مستقبلات كوامل،لا نقصان فيهنّ.(4:119)

نحوه البيضاويّ(2:482)،و أبو السّعود(6:260)، و الكاشانيّ(5:186)،و المشهديّ(10:470).

ابن عربيّ: من المخاطب بأمر الإحصاء؟و فيه ثلاثة أقوال:أحدها أنّهم الأزواج.الثّاني أنّهم الزّوجات.

الثّالث أنّهم المسلمون.

«و الصّحيح أنّ المخاطب بهذا اللّفظ الأزواج،لأنّ الضّمائر كلّها من(طلّقتم)و(احصوا)و لا تُخْرِجُوهُنَّ على نظام واحد يرجع إلى الأزواج و لكن الزّوجات داخلة فيه بالإلحاق بالزّوج،لأنّ الزّوج يحصي ليراجع، و ينفق أو يقطع،و ليسكن أو يخرج،و ليلحق نسبه أو يقطع.و هذه كلّها أمور مشتركة بينه و بين المرأة،و تنفرد المرأة دونه بغير ذلك.و كذلك الحاكم يفتقر إلى الإحصاء للعدّة للفتوى عليها،و فصل الخصومة عند المنازعة فيها.و هذه فوائد الإحصاء المأمور به.(4:1826)

مثله القرطبيّ.(18:153)

الطّبرسيّ: أي عدّوا الأقراء الّتي تعتدّ بها.و قيل:

معناه عدّوا أوقات الطّلاق لتطلّقوا للعدّة.

و إنّما أمر اللّه سبحانه بإحصاء العدّة،لأنّ لها فيها حقّا،و هي النّفقة و السّكنى،و للزّوج فيها حقّا،و هي المراجعة و منعها عن الأزواج لحقّه و ثبوت نسب الولد، فأمره تعالى بإحصائها ليعلم وقت المراجعة و وقت فوت المراجعة و تحريمها عليه و رفع النّفقة و السّكنى،و لكيلا تطول العدّة،لاستحقاق زيادة النّفقة،أو تقصرها لطلب الزّوج.(5:304)

نحوه ابن الجوزيّ(8:288)،و أبو حيّان(8:282)، و الطّباطبائيّ(19:312)،و فضل اللّه(22:283).

الفخر الرّازيّ: وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ أي أقراءها، فاحتفظوا لها،و احفظوا الحقوق و الأحكام الّتي تجب في العدّة،و احفظوا نفس ما تعتدّون به و هو عدد الحيض ثمّ جعل الإحصاء إلى الأزواج يحتمل وجهين:أحدهما:

أنّهم هم الّذين يلزمهم الحقوق و المؤن.و ثانيهما:ليقع تحصين الأولاد في العدّة.(30:30)

النّسفيّ: [مثل الزّمخشرىّ و أضاف:]

و خوطب الأزواج لغفلة النّساء.(4:264)

البروسويّ: أي و اضبطوها بحفظ الوقت الّذي وقع فيه الطّلاق،و أكملوها ثلاثة أقراء كوامل لا نقصان فيهنّ، أي ثلاث حيض كما عند الحنفيّة،لأنّ الغرض من العدّة استبراء الرّحم و كماله بالحيض الثّلاث لا بالأطهار كما يغسل الشّيء ثلاث مرّات لكمال الطّهارة.

و المخاطب بالإحصائهم:الأزواج لا الزّوجات و لا المسلمون،و إلاّ يلزم تفكيك الضّمائر،و لكنّ الزّوجات داخلة فيه بالإلحاق.و قال أبو اللّيث:أمر الرّجال بحفظ العدّة،لأنّ في النّساء غفلة،فربّما لا تحفظ عدّتها.و إليه مال الكاشفيّ.

فالزّوج يحصي ليتمكّن من تفريق الطّلاق على

ص: 512

الأقراء إذا أراد أن يطلّق ثلاثا،فإنّ إرسال الثّلاث في طهر واحد مكروه عند أبي حنيفة و أصحابه،و إن كان لا بأس به عند الشّافعيّ و أتباعه؛حيث قال:لا أعرف في عدد الطّلاق سنّة و لا بدعة و هو مباح،و ليعلم بقاء زمان الرّجعة ليراجع إن حدثت له الرّغبة فيها،و ليعلم زمان وجوب الإنفاق عليه و انقضائه،و ليعلم أنّها هل تستحقّ عليه أن يسكنها في البيت أو له أن يخرجها،و ليتمكّن من إلحاق نسب ولدها به و قطعه عنه.(10:27)

الآلوسيّ: و اضبطوها و أكملوها ثلاثة قروء كوامل.و أصل معنى الإحصاء:العدّ بالحصى،كما كان معتادا قديما،ثمّ صار حقيقة فيما ذكر.(28:133)

المراغيّ: أي و احفظوها و اعرفوا ابتداءها و انتهاءها،لئلاّ تطول على المرأة،و احفظوا الأحكام و الحقوق الّتي تجب فيها.

و إنّما خوطب الأزواج بذلك دون النّساء،لأنّهم هم الّذين تلزمهم الحقوق و المؤن المرتّبة عليه.(28:135)

نحوه مغنيّة.(7:348)

ابن عاشور :الإحصاء:معرفة العدّ و ضبطه.و هو مشتقّ من الحصى،و هي صغار الحجارة،لأنّهم كانوا إذا كثرت أعداد شيء جعلوا لكلّ معدود حصاة،ثمّ عدّوا ذلك الحصى.قال تعالى: وَ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً الجنّ:28.

و المعنى:الأمر بضبط أيّام العدّة و الإتيان على جميعها و عدم التّساهل فيها،لأنّ التّساهل فيها ذريعة إلى أحد أمرين:إمّا التّزويج قبل انتهائها،فربّما اختلط النّسب.

و إمّا تطويل المدّة على المطلّقة في أيّام منعها من التّزوّج، لأنّها في مدّة العدّة لا تخلو من حاجة إلى من يقوم بها.

و إمّا فوات أمد المراجعة إذا كان المطلّق قد ثاب إلى مراجعة امرأته.

و التّعريف في العدّة للعهد،فإنّ الاعتداد مشروع من قبل،كما علمته آنفا،و الكلام على تقدير مضاف،لأنّ المحصى أيّام العدّة.

و المخاطب بضمير أَحْصُوا هم المخاطبون بضمير إِذا طَلَّقْتُمُ، فيأخذ كلّ من يتعلّق به هذا الحكم حظّه من المطلّق و المطلّقة،و من يطّلع على مخالفة ذلك من المسلمين،و خاصّة ولاة الأمور من الحكّام و أهل الحسبة، فإنّهم الأولى بإقامة شرائع اللّه في الأمّة،و بخاصّة إذا رأوا تفشّي الاستخفاف بما قصدته الشّريعة.

ففي العدّة مصالح كثيرة،و تحتها حقوق مختلفة، اقتضتها تلك المصالح الكثيرة.و أكثر تلك الحقوق للمطلّق و المطلّقة،و هي تستتبع حقوقا للمسلمين و ولاة أمورهم في المحافظة على تلك الحقوق،و خاصّة عند التّحاكم.(28:267)

مكارم الشّيرازيّ: (احصوا)من مادّة الإحصاء بمعنى الحساب،و هي في الأصل مأخوذة من«حصى» بمعنى الحجر المعروف،لأنّ كثيرا من النّاس كانوا يلجئون في حساب المسائل المختلفة إلى طريقة عدّ الحصى،لعدم استطاعتهم القراءة و الكتابة.

و الجدير بالملاحظة هنا أنّ المخاطب في حساب العدّة هم الرّجال و ليس النّساء،و ذلك لوقوع مسئوليّة «النّفقة و السّكن»على عاتق الرّجال،كما أنّ الرّجوع عن الطّلاق يعود إليهم و ليس إلى النّساء،فهنّ ملزمات

ص: 513

و ينبغي أن يدقّقوا في ذلك لتعيين تكليفهنّ.(18:369)

فلسفة ضبط و إحصاء العدّة:

ممّا لا شكّ فيه أنّ للعدّة حكمتين أساسيّتين،أشير إليهما في القرآن الكريم و الرّوايات الإسلاميّة:

الأولى:مسألة حفظ النّسل و اتّضاح وضع المرأة من حيث الحمل و عدمه.

و الأخرى:هي توفير فرصة جيّدة للرّجوع عن الطّلاق،و العودة إلى الحياة الأولى،و القضاء على عوامل الانفصال الّتي تمّت الإشارة إليها في الآية،علما بأنّ الاسلام يؤكّد بقاء النّساء في بيوت الأزواج أثناء العدّة، ممّا يسمح لهم بالبحث مرّة أخرى عن وسائل للعودة، و ترك الانفصال عن بعضهما.

و خصوصا في حالة الطّلاق الرّجعيّ؛حيث لا يحتاج الرّجوع إلى الزّوجة إلى أيّ مراسيم أو أمور رسميّة،و كلّ عمل يعتبر عودة عن هذا الطّريق و لو بمجرّد وضع الرّجل يده على جسم المرأة،حتّى لو كان بدون شهوة، فإنّه يعتبر رجوعا عن الطّلاق.

و إذا ما مرّت هذه الفترة-أي فترة العدّة-دون أن تظهر أيّ بادرة للصّلح و التّوافق،فهذا يعني أنّهما غير مستعدّين للاستمرار في الحياة الزّوجيّة.(18:376)

احصى

ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً. الكهف:12

ابن عبّاس: أحفظ لما مكثوا في الكهف.(244)

نحوه الخازن.(4:165)

الفرّاء:و أمّا(احصى)،فيقال:أصوب،أي أيّهم قال بالصّواب.(2:136)

الطّبريّ: أصوب لقدر لبثهم فيه أمدا.(15:206)

مثله الطّوسيّ.(7:13)

الفارسيّ: (احصى)ليس من باب«أفعل التّفضيل» لأنّ هذا البناء من غير الثّلاثيّ المجرّد ليس بقياس.فأمّا قولهم:ما أعطاه للدّرهم،و ما أولاه للمعروف،و أعدى من الجرب،و أفلس من ابن المذلق فمن الشّواذّ،و الشّاذّ لا يقاس عليه،بل الصّواب أنّ(احصى)فعل ماض و هو خبر المبتدإ،و المبتدأ و الخبر مفعول(نعلم).

(الفخر الرّازيّ 21:84)

نحوه أبو البركات.(2:101)

الميبديّ: (احصى):«أفعل»،من الإحصاء و هو العدّ...و قيل:(احصى)فعل ماض أي أحاط علما بأمد لبثهم.(5:650)

الزّمخشريّ: (احصى)فعل ماض،أي أيّهم أضبط.

(امدا)لأوقات لبثهم.

فإن قلت:فما تقول فيمن جعله من أفعل التّفضيل؟

قلت:ليس بالوجه السّديد،و ذلك أنّ بناءه من غير الثّلاثيّ المجرّد ليس بقياس،و نحو أعدى من الجرب و أفلس من ابن المذلق شاذّ،و القياس على الشّاذّ في غير القرآن ممتنع،فكيف به؟!و لأنّ(امدا)لا يخلو إمّا أن ينتصب ب«أفعل»فأفعل لا يعمل،و إمّا أن ينصب ب(لبثوا)فلا يسدّ عليه المعنى.

فإن زعمت أنّي أنصبه بإضمار فعل يدلّ عليه (احصى)كما أضمر في قوله:*و أضرب منّا بالسّيوف

ص: 514

القوانسا*على نضرب القوانس،فقد أبعدت المتناول و هو قريب؛حيث أبيت أن يكون(احصى)فعلا،ثمّ رجعت مضطرّا إلى تقديره و إضماره.

فإن قلت:كيف جعل اللّه تعالى العلم بإحصائهم المدّة غرضا في الضّرب على آذانهم؟

قلت:اللّه عزّ و جلّ لم يزل عالما بذلك،و إنّما أراد ما تعلّق به العلم من ظهور الأمر له،ليزدادوا إيمانا و اعتبارا، و يكون لطفا لمؤمني زمانهم،و آية بيّنة لكفّاره.

(2:474)

نحوه البيضاويّ(2:5)،و النّسفيّ(3:4)،و الشّربينيّ (2:354)،و الكاشانيّ(3:234)،و الآلوسيّ(15:213)

ابن عطيّة: فالظّاهر الجيّد فيه أنّه فعل ماض، و(امدا)منصوب به على المفعول،و الأمد:الغاية،و تأتي عبارة عن المدّة من حيث للمدّة (1)غاية،هي أمدها على الحقيقة.

و قال الزّجّاج:(احصى)هو«أفعل»و(امدا)على هذا نصب على التّفسير.

و يلحق هذا القول من الاختلال أنّ«أفعل»لا يكون من فعل رباعيّ إلاّ في الشّاذّ،و(احصى)فعل رباعيّ، و يحتجّ لقول أبي إسحاق بأنّ«أفعل»من الرّباعيّ قد كثر،كقولك ما أعطاه للمال،و آتاه للخير.(3:500)

ابن الجوزيّ: لنعلم أ هؤلاء أحصى للأمد أو هؤلاء؟

(5:114)

العكبريّ: و في(احصى) وجهان:

أحدهما:هو فعل ماض،و(امدا)مفعوله، لِما لَبِثُوا نعت له،قدّم عليه فصار حالا،أو مفعولا له،أي لأجل لبثهم.

و قيل:اللاّم زائدة،و(ما)بمعنى الّذي،و(امدا)مفعول (لبثوا)،و هو خطأ.و إنّما الوجه أن يكون تمييزا،و التّقدير:

لما لبثوه.

و الوجه الثّاني:هو اسم،و(امدا)منصوب بفعل دلّ عليه الاسم،و جاء(احصى)على حذف الزّيادة،كما جاء:هو أعطى للمال،و أولى بالخير.(2:839)

النّيسابوريّ: أي أكثر فائدة و أتمّ عائدة،لأمد لبثهم في الدّنيا الّتي هي مزرعة الآخرة.(15:124)

أبو حيّان :[نقل كلام الزّمخشريّ و قال:]

أمّا دعواه الشّذوذ،فهو مذهب أبي عليّ،و قد ذكرنا أنّ ظاهر مذهب سيبويه جواز بنائه من«أفعل»مطلقا، و أنّه مذهب أبي إسحاق،و أنّ التّفصيل اختيار ابن عصفور و قول غيره،و الهمزة في(احصى)ليست للنّقل.

و أمّا قوله:«فأفعل لا يعمل»ليس بصحيح،فإنّه يعمل في التّمييز.(6:105)

السّمين:يجوز فيه وجهان:

أحدهما:أنّه أفعل تفضيل،و هو خبر ل«ايّهم»، و«ايّهم»استفهاميّة،و هذه الجملة معلّقة للعلم قبلها.

و الوجه الثّاني:أن يكون(احصى)فعلا ماضيا، و(امدا)مفعوله،و(لما لبثوا)متعلّق به،أو حال من(امدا)، و اللاّم فيه مزيدة.و على هذا ف(امدا)منصوب ب(لبثوا)، و(ما)مصدريّة،أو بمعنى الّذي.و اختار الأوّل،أعني كون(احصى)للتّفضيل الزّجّاج،و التّبريزيّ،و اختار الثّاني أبو عليّ،و الزّمخشريّ،و ابن عطيّة.[ثمّ نقل كلامة.

ص: 515


1- كذا،و الظّاهر:من حيث أنّ للمدّة غاية.

الزّمخشريّ و قال:]

و ناقشه الشّيخ،فقال:أمّا دعواه أنّه شاذّ،فمذهب سيبويه خلافه؛و ذلك أنّ«أفعل»فيه ثلاثة مذاهب:

الجائز مطلقا،و يعزى لسيبويه.و المنع مطلقا،و هو مذهب الفارسيّ.و التّفصيل بين أن تكون همزته للتّعدية فيمتنع، و بين أن لا تكون فيجوز،و هذا ليست الهمزة فيه للتّعدية.و أمّا قوله:«أفعل لا يعمل»فليس بصحيح،لأنّه لا (1)يعمل في التّمييز،و(امدا)تمييز لا مفعولا به،كما تقول:زيدا أقطع النّاس سيفا،و زيدا أقطع للهام سيفا.

قلت:الّذي أحوج الزّمخشريّ إلى عدم جعله تمييزا مع ظهوره في بادئ الرّأي،عدم صحّة معناه؛و ذلك أنّ التّمييز شرطه في هذا الباب أن يصبح نسبة ذلك الوصف الّذي قبله إليه،و يتّصف به،أ لا ترى إلى مثاله في قوله:زيدا أقطع النّاس سيفا،كيف يصحّ أن يسند إليه، فيقال:زيد قطع سيفه،و سيفه قاطع،إلى غير ذلك،و هنا ليس الإحصاء من صفة«الأمد»و لا يصحّ نسبته إليه، و إنّما هو من صفات الحزبين،و هو دقيق.و كان الشّيخ نقل عن أبي البقاء نصبه على التّمييز،و أبو البقاء لم يذكر نصبه على التّمييز حال جعله(احصى)أفعل تفضيل، و إنّما ذكر ذلك حين ذكر أنّه فعل ماض.(4:437)

السّيوطيّ: [في معرفة إعرابه]

التّاسع:أن يتأمّل عند ورود المشتبهات،و من ثمّ خطئ من قال في أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً: إنّه أفعل تفضيل،و المنصوب تمييز.و هو باطل،فإنّ«الأمد»ليس محصيا،بل محصى،و شرط التّمييز المنصوب بعد«أفعل» كونه فاعلا في المعنى،فالصّواب أنّه فعل،و(امدا)مفعول، مثل وَ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً الجنّ:28.(2:317)

البروسويّ: و الأمد بمعنى المدى،كالغاية في قولهم:

ابتداء الغاية،على طريق التّجوّز بغاية الشّيء عنه.

فالمراد بالمدى:المدّة،كما أنّ المراد بالغاية المسافة،و هو مفعول ل(احصى)،و الجارّ و المجرور حال منه،قدّمت عليه لكونه نكرة.ف(احصى)فعل ماض هنا،و هو الصّحيح،لا أفعل تفضيل،لأنّ المقصود بالاختيار إظهار عجز الكلّ عن الإحصاء رأسا،لا إظهار أفضل الحزبين و تمييزه عن الأدنى،مع تحقّق أصل الإحصاء فيهما.

(5:220)

القاسميّ: أي لنعلم واقعا ما علمنا أنّه سيقع،و هو أيّ الحزبين المختلفين في مدّة لبثهم،أشدّ إحصاء،أي إحاطة و ضبطا لغاية مدّة لبثهم،فيعلموا قدر ما حفظهم اللّه بلا طعام و لا شراب،و أمنهم من العدوّ.فيتمّ لهم رشدهم في شكره،و تكون لهم آية تبعثهم على عبادته.(11:4026)

عزّة دروزة :أكثر إحصاء و حسابا و علما.(6:8)

مجمع اللّغة :أي أيّهما أتمّ إحاطة و حفظا لما لبثوه.(1:269)

مغنيّة:و(اىّ الحزبين)مبتدأ،و(احصى)خبر، و(امدا)مفعول ل(احصى)،مثل أحصيت الأيّام و عددت الشّهور.و لا يصحّ جعله تمييزا،لأنّ التّمييز في مثله بمعنى أحسن وجها،و أكثر مالا،أي حسن وجهه و كثر ماله،و الأمد لا يحصي نفسه.(5:104)

الطّباطبائيّ: (احصى)فعل ماض من الإحصاء.ن.

ص: 516


1- الظّاهر أنّ«لا»زائدة كما جاء عند أبي حيّان.

[إلى أن قال]

و قيل:(احصى)اسم تفضيل من الإحصاء بحذف الزّوائد،كقولهم:هو أحصى للمال و أفلس من ابن المذلق، و(امدا)منصوب بفعل يدلّ عليه(احصى)و لا يخلو من تكلّف،و قيل غير ذلك.(13:249)

ابن عاشور :يحتمل أن يكون فعلا ماضيا،و أن يكون اسم تفضيل مصوغا من الرّباعيّ على خلاف القياس.و اختار الزّمخشريّ في«الكشّاف»تبعا لأبي عليّ الفارسيّ الأوّل،تجنّبا لصوغ اسم التّفضيل على غير قياس لقلّته.و اختار الزّجّاج الثّاني،و مع كون صوغ اسم التّفضيل من غير الثّلاثيّ ليس قياسا،فهو كثير في الكلام الفصيح و في القرآن.

فالوجه،أنّ(احصى)اسم تفضيل،و التّفضيل منصرف إلى ما في معنى الإحصاء من الضّبط و الإصابة.

و المعنى:لنعلم أيّ الحزبين أتقن إحصاء،أي عدّا بأن يكون هو الموافق للواقع و نفس الأمر،و يكون ما عداه تقريبا و رجما بالغيب؛و ذلك هو ما فصّله قوله تعالى:

سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ الكهف:22.(15:27)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحصى:صغار الحجارة؛ الواحدة:حصاة،و الجمع:حصيات و حصى و حصيّ و حصيّ.يقال:حصيته بالحصى أحصيه،أي رميته بالحصى،و نهر حصويّ:كثير الحصى،و أرض محصاة و حصية:كثيرة الحصى،و قد حصيت تحصى.

و حصاة القسم:الحجارة الّتي يتقاسمون بها الماء بالحصص،و حصاة المسك:قطعة صلبة توجد في فأرة المسك.و الحصاة:داء يقع بالمثانة،و هو أن يخثر البول، فيشتدّ حتّى يصير كالحصاة،و قد حصي الرّجل فهو محصيّ.

و الحصاة:اسم من الإحصاء،أي العدّ،لأنّهم كانوا يعدّون بالحصى،يقال:أحصيت الشّيء،أي عددته، و أحصى فلان الشّيء:أحاط به،و فلان ذو حصى:ذو عدد.

و الحصاة:العقل و الرّزانة،تشبيها بحصى الحجارة لثقلها.يقال:هو ثابت الحصاة،أي عاقل،و فلان ذو حصاة و أصاة:عقل و رأي.و فلان حصيّ و حصيف و مستحص:شديد العقل.

و الحصى:العدد الكثير،تشبيها بالحصى من الحجارة في الكثرة.يقال:نحن أكثر منهم حصى،أي عددا.

2-و أمّا الحصو بمعنى المنع و المغص في البطن،فليس من هذا الباب،فهو واويّ،و قد خلط ابن فارس بينه و بين اليائيّ،و جعله أصلا من أصول ثلاثة.

و لعلّ«الحصو»لغة في«الحصى»،أي صغار الحجارة؛إذ لا زلنا نسمع أهل العراق يقولون:الحصو، يريدون به الحصى،و يفردونه على لفظ«حصوة»،و لا يعرفون لغة الياء أبدا.

و لعلّها بقيّة من لغة قديمة قد أميتت على مرّ الأيّام، و لم يحط بها أرباب اللّغة،كلفظ«الخصوة»في الحديث:

«إنّ اللّه يجعل مكان كلّ شوكة مثل خصوة التّيس الملبود»،قال شمر:لم نسمع في واحدة الخصى إلاّ خصية

ص: 517

بالياء،لأنّ أصله من الياء (1).

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الفعل الماضي من باب«الإفعال»6 مرّات، و المضارع 3 مرّات،و الأمر مرّة،و التّفضيل من المجرّد مرّة -على قول-في 11 آية:

1- لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَ عَدَّهُمْ عَدًّا مريم:94

2- ...وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً

الجنّ:28

3- أَحْصاهُ اللّهُ وَ نَسُوهُ المجادلة:6

4- ...وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ

يس:12

5- وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ كِتاباً النّبأ:29

6- يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصاها... الكهف:49

7- ...عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ... المزّمّل:20

8- ...إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفّارٌ إبراهيم:34

9- وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ النّحل:18

10- فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ

الطّلاق:1

11- ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً الكهف:12

يلاحظ أوّلا:أنّ الفعل الماضي جاء منسوبا إلى اللّه مثبتا 6 مرّات،و المضارع منسوبا إلى النّاس منفيّا نصفه:

3 مرّات،تأكيدا لكمال علم اللّه و نقص علم النّاس، و خمسة ممّا نسب إلى اللّه جاءت في إحصاء أعمال العباد في صحيفة الأعمال،و واحدة منها(1)في إحصاء نفوس النّاس،و سياقها ليس بعيدا عن إحصاء أعمالهم أيضا.

و ما نفي عن النّاس هو إحصاء وقت صلاة اللّيل في (7)،و إحصاء نعمة اللّه في(8 و 9).و ما أمروا به هو إحصاء عدّة النّساء في(10).

و أمّا التّفضيل في(11)-على خلاف فيه-فمنسوب إلى أحد الحزبين من أصحاب الكهف لمقدار ما لبثوا فيه.

ثانيا:في(1) لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَ عَدَّهُمْ عَدًّا بحوث:

1-جمع اللّه فيها بين الإحصاء و العدّ إكمالا و إنهاء و دقّة،في إحاطته بالنّاس علما و قدرة،و في عبوديّتهم له في الدّنيا و الآخرة كما يحكي عنه سياق الآيات: إِنْ كُلُّ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ إِلاّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً* لَقَدْ أَحْصاهُمْ وَ عَدَّهُمْ عَدًّا* وَ كُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً.

2-كلّ من الإحصاء و العدّ و إن تعلّق بالنّفوس إلاّ أنّ السّياق لا يأبى-كما سبق-عن شموله لأعمالهم،و لا سيّما بملاحظة أنّ قبلها و بعدها تحدّث عن حال النّاس في الآخرة إِلاّ آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً، و آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً.

3-قالوا في معنى الإحصاء و العدّ:حفظهم،عدّهم فلا يخفى عليه مبلغ جميعهم،و لا يعزب عنه منهم أحد،علم تفاصيلهم و أعدادهم،فكأنّه عدّهم،لا يخفى عليه شيء من أحوالهم،حصرهم بعلمه و أحاط بهم،كلّهم تحت

ص: 518


1- انظر مادّة(خ ص ي)من اللّسان.

أمره و تدبيره و قهره و قدرته،فهو محيط بهم،يعلم مجمل أحوالهم و تفاصيلها،لا يفوته شيء من أحوالهم، حصرهم و أحاط بهم بحيث لا يخرجون عن حوزة علمه و قبضة قدرته.

و قال الطّباطبائيّ: «و المراد بإحصائهم و عدّهم:

تثبيت العبوديّة لهم،فإنّ العبيد إنّما تتعيّن لهم أرزاقهم و تتبيّن وظائفهم،و الأمور الّتي يستعملون فيها بعد الإحصاء،و عدّهم و ثبتهم في ديوان العبيد،و به تسجّل عليهم العبوديّة»و هذا يربط بينها و بين ما قبلها أي آتِي الرَّحْمنِ عَبْداً.

و قريب منه قول فضل اللّه:«فهو الّذي خلقهم،و هو الّذي يرزقهم و هو المحيط بهم،و لذلك فقد أحصى عددهم و وظائفهم و أمكنتهم في مظهر من مظاهر قوّته أمام مظهر خضوعهم و ضعفهم».

و الحاصل من جميعها أنّ الإحصاء و العدّ كناية عن إحاطته تعالى بهم علما و قدرة،و عبوديّتهم له كناية عن كونهم مقهورين له تعالى،و إلاّ فليس هناك إحصاء و عبوديّة بمعناهما الشّائع.

ثالثا:في(2) وَ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً أيضا بحوث:

1-هي أيضا في سياق إحاطة علمه تعالى لكن بخصوص الرّسل عليهم السّلام،كما قال: عالِمُ الْغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلى غَيْبِهِ أَحَداً* إِلاّ مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ رَصَداً* لِيَعْلَمَ أَنْ قَدْ أَبْلَغُوا رِسالاتِ رَبِّهِمْ وَ أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ وَ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً أي يظهر على غيبه من ارتضى من رسول و يجعل له رصدا حفاظا على إبلاغهم رسالات اللّه و إحاطة بحالهم،كأنّه أحصى كلّ شيء منهم.

2-جمع فيها أيضا بين الإحصاء و العدّ،فأتى بالفعل من«الإحصاء»،و بالمصدر من«العدّ»كأنّه قال:أحصى كلّ شيء إحصاء و عدّه عدّا.و عليه ف(عددا)مفعول مطلق ل(احصى)من غير لفظه،بدلا من الإتيان بفعلين و مفعولين.و هذا أحسن ممّا قالوا فيه:إنّه تمييز،أي أحصى كلّ شيء عددا،أو حال أي أحصاه معدودا،أو صفة لكلّ شيء،أي أحصى كلّ شيء معدود،أو منقولا عن المفعول به،أي أحصى عدد كلّ شيء،نظير وَ فَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً القمر:12،أي فجّرنا عيون الأرض.

و على كلّ حال ف(عددا)متعلّق ب(كلّ شىء) و(احصى)دون«يسلك»و(ابلغوا)كما جاء في نصّ الآلوسيّ،فلاحظ.

3-و الإحصاء و العدّ فيها أيضا كناية عن إحاطة علمه و قدرته على كلّ شيء،و نعم ما قال الطّوسيّ:

«معناه أنّه يعلم الأشياء مفصّلة بمنزلة من يحصيها ليعلمها كذلك».

فهذا تعميم بعد تخصيص؛حيث خصّ أوّلا إحاطته بما لديهم،ثمّ عمّم علمه فهو بمنزلة العلّة له،أي هو محيط بهم،لأنّه عالم بكلّ شيء،كأنّه أحصاهم و عدّهم عدّا.

و المفعول المطلق(عددا)هنا للتّأكيد.

4-و قد فرّق الجبّائيّ بين«أحصى»و«علم»بأنّ «أحصى»فعل فلا يشمل ما لا يتناهى،و العلم يشمل ما لا يتناهى،قال:«فإذا لم يجز أن يفعل ما لا يتناهى لم يجز

ص: 519

أن يقال:يحصي ما لا يتناهى.»و فيه أنّ الإحصاء-كما سبق-كناية عن العلم،و تأكيد أنّه يعلم الأشياء كأنّه عدّها،و يشهد به سياق وَ أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً.

5-و فرّق الفخر الرّازيّ بين أَحاطَ بِما لَدَيْهِمْ، و بين أَحْصى كُلَّ شَيْءٍ عَدَداً، بأنّ الأوّل دلّ على علمه تعالى بالجزئيّات،و الثّاني على علمه بجميع الموجودات.و لا وجه لما ذكر بل الفرق هو العموم و الخصوص كما سبق.

ثمّ إنّه طرح سؤالا و هو أنّ إحصاء العدد إنّما يكون في المتناهي و(كلّ شىء)يدلّ على كونه غير متناه فلزم التّناقض؟

و أجاب بأنّ(احصى)يدلّ على المتناهي و(كلّ شىء)لا يدلّ على غير المتناهي،لأنّ الشّيء عندنا هو الموجودات،و الموجودات متناهية.و أضاف:«إنّ هذه الآية أحد ما يحتجّ به على أنّ المعدوم ليس بشيء،لأنّ المعدوم لو كان شيئا لكانت الأشياء غير متناهية...».

و ما قاله هذان العلمان:الجبّائيّ المعتزليّ،و الرّازيّ الأشعريّ خروج عن المفهوم الشّائع للآيات و تحميل على القرآن للمصطلحات المذهبيّة المتنازع فيها بين الفريقين،منذ أكثر من ألف سنة.و نحن نبّهنا عليها لئلاّ يقع العلماء الجدد في تكلّف أمثالها.

6-قال مغنيّة:«و الغرض من هذا التّأكيد هو التّنبيه إلى أنّ الأنبياء معصومون عن الخطأ في تبليغ الوحي،فلا يزيدون فيه،و لا ينقصون منه حرفا،و لا يبدّلون حرفا بحرف وَ ما يَنْطِقُ عَنِ الْهَوى* إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى النّجم:3 و 4.

7-و فرّق بعضهم بين الإحصاء و العدّ:بأنّ الإحصاء عدّ بإحاطة و ضبط؛إذ أصله العدد بآحاد الحصى للتّقوّي في الضّبط،فهو أخصّ من العدّ لعدم لزوم الإحاطة فيه.

و لا بأس به في أصل اللّغة،لا في المنظور القرآنيّ،و الجمع بينهما للتّأكيد لا للفرق بينهما.

رابعا:في(3) أَحْصاهُ اللّهُ وَ نَسُوهُ، قالوا:حفظ عليهم أعمالهم،فعدّه عليهم و أثبته في كتاب أعمالهم،لم يفته منه شيء،أحاط بجميع أعمالهم و أحوالهم كمّا و كيفا، مكانا و زمانا،لأنّه عالم بالجزئيّات،و ضمير المفعول فيهما راجع إلى(ما عملوا)كأنّه قيل:كيف ينبّههم بأعمالهم، و هي أعراض متقضّية متلاشية؟فقيل:أحصاه اللّه عددا لم يفته شيء.لاحظ ن س ي:«نسوه».

خامسا:في(4) وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ، قالوا في(احصيناه):أثبتناه،ضبطناه،كتبناه، و نحوها،و التّفسير ب(كتبناه)من أجل تفسير إِمامٍ مُبِينٍ ب«كتاب مبين».

لاحظ أ م م:«إمام»،و ك ت ب:«كتاب».

سادسا:قالوا في(7) عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ: لن تحفظوا ساعات اللّيل،تقدير نصف اللّيل و ثلثه و ربعه -و هو ألصق بما قبلها-لن تطيقوا قيام اللّيل في النّصف و الثّلث و الثّلثين،لا تقدرون عليه،لن تحصوا أوصاف الثّناء عليه مهما طال قيامكم باللّيل،كما قال صلّى اللّه عليه و سلّم:

«سبحانك لا أحصي ثناء عليك أنت كما أثنيت على نفسك»،لا تتمكّنون من المداومة على هذا العمل،و نحوها.

و الخلاف فيها يرتفع بملاحظة ما قبلها،فإنّ اللّه أمر نبيّه في صدر سورة المزّمّل بأن يقوم اللّيل نصفه أو ينقص

ص: 520

منه قليلا أو يزيد عليه،ثمّ قال في آخرها: إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنى مِنْ ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَ نِصْفَهُ وَ ثُلُثَهُ وَ طائِفَةٌ مِنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَ اللّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَ النَّهارَ عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُا ما تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ...، فذيلها نسخ صدرها-و هي أحد موارد النّسخ في القرآن، فهي حجّة على من أنكر النّسخ رأسا-و صدرها مكّيّة نزلت في أوائل البعثة،أمّا ذيلها فالظّاهر أنّها نزلت بالمدينة،و لهذا لم يلاحظ فيها نظم المكّيّات:من رعاية قصر الآيات؛بل جاءت في آية واحدة هي من أطول الآيات بعد«آية الدّين»و فيها تذكار بأمر الجهاد:

وَ آخَرُونَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ، و الجهاد من الأحكام المدنيّة.

و خلاف آخر بينهم في مرجع ضمير المفعول تُحْصُوهُ، و في معناها،فبعضهم أرجع الضّمير إلى قيام ثلثي اللّيل و سائر الأوقات،فقال:لا تطيقون قيامها لعدم علمكم بها،و منهم من أرجعه إلى مقدار ثلثي اللّيل و نصفه و ثلثه،فقال:«لا تحفظوا،أو لا تقدّروا هذه المقادير:الثّلثين و الثّلث و النّصف».فكان الرّجل يقوم و لا يدري متى ينتصف اللّيل،و متى يكون الثّلثان أو الثّلث،و كان الرّجل يقوم حتّى الصّبح مخافة أن لا يحفظه.

و لهذا قلنا:إنّ رجوع الضّمير إلى تقدير الأوقات ألصق بالسّياق،و يناسبه«الإحصاء»أي لا تقدرون أن تحصوا هذه المقادير.

و من أجل ذلك حملها بعضهم على تكليف ما لا يطاق،و احتجّ بها على جوازه.و الجواب عنه أنّ اللّه خيّر نبيّه في صدرها بين هذه المقادير مع تقييدها ب(قليلا)تنبيها على أنّه لا يجب لحاظها بالدّقّة،و أنّه يكفيه ما قرب منها،و هذا ممّا يطاق.إلاّ أنّ بعض المؤمنين كانوا يراعون الدّقّة فيها فصعب عليهم الأمر فنسخها اللّه كما قال: فَتابَ عَلَيْكُمْ.

و فيها بحوث أخرى تعلم بمراجعة النّصوص،لا سيّما ما طوّلوه في إعراب الآية،فلاحظ.

سابعا:في(8 و 9) وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لا تُحْصُوها بحوث:

1-هاتان آيتان من سورتين مكّيّتين:«إبراهيم و النّحل»،و قد تكلّم اللّه فيهما عن رءوس النّعم الّتي أنعم اللّه بها على الإنسان:منها خلق السّماوات و الأرض، و إنزال الماء من السّماء،و إنبات الثّمرات به،و تسخير الشّمس و القمر و النّجوم،و اللّيل و النّهار،و تسخير الفلك في البحر،و تسخير الأنهار و البحار و نحوها من الآيات الّتي جاءت قبل الآيتين بسياق مشابه،ثمّ قال بعدها في الأولى وَ آتاكُمْ مِنْ كُلِّ ما سَأَلْتُمُوهُ وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفّارٌ.

و قال في الثّانية: أَ فَمَنْ يَخْلُقُ كَمَنْ لا يَخْلُقُ أَ فَلا تَذَكَّرُونَ* وَ إِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللّهِ لا تُحْصُوها إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ.

فذيّل الأولى بقوله: إِنَّ الْإِنْسانَ لَظَلُومٌ كَفّارٌ، ترهيبا و إنذارا و وعيدا،و ذيّل الثّانية بقوله: إِنَّ اللّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ، ترغيبا و إرجاء،و وعدا،فجمع فيهما ما ينتهي إلى حصول الخوف و الرّجاء في قلوب العباد المطلوب منهم.

2-و من«رسم الخطّ القرآنيّ»في كلمة(نعمت)أنّها جاءت في الأولى بالتّاء الطّويلة في سورة إبراهيم مرّتين،

ص: 521

و بالتّاء المدوّرة في سورة النّحل مرّتين أيضا.

و نحن نفصّل في اشباه ذلك في القرآن أنّ الكاتب للموضعين كان متعدّدا،و كلّ واحد كتب حسب الرّسم الّذي اعتاده،فبقي الرّسمان في القرآن.

علما بأنّ المسلمين احتفظوا بالرّسم القرآنيّ،-كما احتفظوا بالقراءات-و لا علاقة له بالنّزول بل بالكتابة، بخلاف القراءات فإنّ لها علاقة بالنّزول بوجه عندهم.

لاحظ:ن ع م:«نعمة اللّه».

3-و قد جمع فيهما أيضا-كما جمع في(1 و 2)-بين العدّ و الإحصاء مع تفاوت:و هو أنّ العدّ أخّر عن الإحصاء في(1 و 2)كمرادف و تأكيد له-على خلاف فيه سبق-أمّا في(8 و 9)فقدّم عليه في جملة شرطيّة، و هذا كالصّريح في الفرق بينهما بأنّ العدّ بدو العمل و الإحصاء نهايته،أي مهما تعدّونها لا تتمكّنون من الإحاطة عليها بالضّبط.

ثامنا في(10)بحوث أيضا:

1-قد جمع اللّه فيها أيضا بين المادّتين«الإحصاء و العدّ»إلاّ أنّ«العدّة»فيها اسم لعدد معيّن من الشّهور و الأيّام،و هو مقدار ما يجب على النّساء إمساكهنّ عن الزّواج بغير الزّوج الأوّل،و لكلّ من الزّوجين فيها حقوق و أحكام.و هذا المقدّر يختلف بحسب عدّة الطّلاق و عدّة الوفاة،و فيها خلاف بين الفقهاء في أنّ العبرة بالحياض أو الأطهار و الأطهار هي المعتبرة عند فقهاء الإماميّة.

2-في المخاطب ب(احصوا)-كما قال القرطبيّ-ثلاثة أقوال:أنّهم الأزواج،أو الزّوجات،أو المسلمون، و حكي عن ابن العربيّ:«أنّ الصّحيح الأوّل،لأنّ الضّمائر في الآية كلّها طَلَّقْتُمُ، أَحْصُوا، و لا تُخْرِجُوهُنَّ على نظام واحد ترجع إلى الأزواج،و لكن الزّوجات داخلة فيه بالإلحاق بالزّوج،لأنّ الزّوج يحصي ليراجع و ينفق،أو يقطع.و ليسكن أو يخرج،و ليلحق نسبه أو يقطع،و هذه كلّها أمور مشتركة بينه و بين المرأة،و تنفرد المرأة دونه بغير ذلك-مثل الخروج و التّزويج بآخر- و كذلك الحاكم يفتقر إلى الإحصاء للعدّة للفتوى عليها، و فصل الخصومة عند المنازعة،و هذه فوائد الإحصاء المأمور به».

و قال الفخر الرّازيّ: «جعل الإحصاء إلى الأزواج يحتمل وجهين:أحدهما:أنّهم هم الّذين يلزمهم الحقوق و المؤن.و ثانيهما:ليقع تحصين الأولاد في العدّة».

و قال النّسفيّ: «و خوطب الأزواج لغفلة النّساء» و قد نقل هذا عن غيره أيضا.و هذا منهم عجيب!!

و قال ابن عاشور:«و المخاطب بضمير(احصوا)هم المخاطبون بضمير إِذا طَلَّقْتُمُ، فيأخذ كلّ من يتعلّق به هذا الحكم حظّه من المطلّق و المطلّقة،و من يطّلع على مخالفة ذلك من المسلمين،و خاصّة ولاة الأمور من الحكّام و أهل الحسبة،فإنّهم الأولى بإقامة شرائع اللّه في الأمّة،و بخاصّة إذا رأوا تفشّي الاستخفاف بما قصدته الشّريعة...».

و هذا أقرب إلى سياق الآية،فإنّها تخاطب و تنادي النّبيّ عليه السّلام: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ... رمزا إلى أنّ هذا الحكم يحتاج إلى مداخلة وليّ الأمر فيه و إشرافه، و لا سيّما عند الاختلاف بين الزّوجين،ثمّ تخاطب

ص: 522

المؤمنين إِذا طَلَّقْتُمُ رمزا إلى أنّ للأمّة حقّ الولاية في إجراء الأحكام مباشرة،أو معاضدة للولاة،و يعدّ هذا واجبا كفائيّا عليهم.

و نظيرها: اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ النّور:2، وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا المائدة:38،و نحوهما.

3-و قد خاض بعضهم هنا في حكمة تشريع العدّة للنّساء نكلها إلى محلّها:ع د د:«العدّة».

تاسعا:في(11) أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى بحثان:

1-ما المراد بالحزبين؟لاحظ:ح ز ب:«الحزبين».

2-هل(احصى)أفعل تفضيل من«حصى»أو فعل ماض من باب الإفعال؟قولان،و قد أطالوا الكلام فيه و في إعراب الآية.لاحظ نصّ السّمين،فإنّه أجمعها.

ص: 523

ص: 524

ح ض ر

اشارة

11 لفظا،25 مرة:15 مكّيّة،10 مدنيّة

في 16 سورة:12 مكّيّة،4 مدنيّة

حضر 5:-5 أحضرت 1:1

حضروه 1:1 أحضرت 1:-1

يحضرون 1:1 لنحضرنّهم 1:1

حاضرا 1:1 محضرا 1:-1

حاضرى 1:-1 محضرون 7:7

حاضرة 2:-2 المحضرين 2:2

محتضر 1:1

النّصوص اللّغويّة

أبو عمرو ابن العلاء:يقال:طلعت حضار و الوزن، و هما كوكبان يطلعان قبل سهيل،فإذا طلع أحدهما ظنّ أنّه سهيل،و كذلك الوزن إذا طلع،و هما محلّفان (1)عند العرب،سمّيا محلّفين لاختلاف النّاظرين إليهما إذا طلعا، فيحلف أحدهما أنّه سهيل،و يحلف الآخر أنّه ليس به.(الأزهريّ 4:201)

الخليل :الحضر:خلاف البدو،و الحاضرة:خلاف البادية،لأنّ أهل الحاضرة حضروا الأمصار و الدّيار.

و البادية يشبه أن يكون اشتقاق اسمه من:بدا يبدو، أي برز و ظهر،و لكنّه اسم لزم ذلك الموضع خاصّة دون ما سواه.

و الحضرة:قرب الشّيء،تقول:كنت بحضرة الدّار.

و ضربته بحضرة فلان،و بمحضره أحسن في هذا.

و الحاضر:هم الحيّ إذا حضروا الدّار الّتي بها مجتمعهم،فصار الحاضر اسما جامعا كالحاجّ و السّامر و نحوهما.

و الحضر و الحضار:من عدو الدّابّة،و الفعل:

الإحضار.

و فرس محضير،بمعنى محضار،غير أنّه لا يقال إلاّ

ص: 525


1- كذا،و في اللّسان سمّيا محلفين من(أحلف)،و هكذا يأتي عن ابن سيده.

بالياء،و هو من نوادر كلام العرب.

و الحضير:ما اجتمع من جائية المدّة في الجرح،و ما اجتمع من السّخد في السّلى و نحوه.

و المحاضرة:أن يحاضرك إنسان بحقّك فيذهب به مغالبة و مكابرة.

و الحضار:اسم جامع للإبل البيض كالهجان؛ الواحدة و الجميع في الحضار سواء.

و تقول:حضار،أي احضر،مثل نزال بمعنى انزل.

و تقول:حضرت الصّلاة-لغة أهل المدينة-بمعنى حضرت،و كلّهم يقولون:تحضر.

و حضار:اسم كوكب معروف،مجرور أبدا.

و حضر موت:اسمان جعلا اسما واحدا،ثمّ سمّيت به تلك البلدة،و نظيره:أحمرجون[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](3:101)

سيبويه :فممّا جاء و آخره راء:سفار و هو اسم ماء، و حضار و هو اسم كوكب،و لكنّهما مؤنّثان ك«ماويّة و الشّعرى»،كأنّ تلك اسم الماءة،و هذه اسم الكوكبة.(3:279)

الكسائيّ: يقال:كلّمته بحضرة فلان،و بعضهم يقول:بحضرة و حضرة.و كلّهم يقول:بحضر فلان.(إصلاح المنطق:117)

الأمويّ: ناقة حضار،إذا جمعت قوّة و رحلة،يعني جودة المشي.(الأزهريّ 4:200)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الحضير:الّذي يخرج من الشّاة من القذى بعد ولادها.(1:146)

حضير النّاقة:ما تلقي بعد نتاجها من القذر إلى عشرين ليلة،و هي الصّاءة.

و قال الغنويّ: رجل حضرموتيّ،و البلد حضر موت.

(1:158)

المحتضر:المجنون.[ثمّ استشهد بشعر](1:185)

و الحضر:العفل،و هو العجان.يقال:وضع عليها حضره،و هو ركب الرّجل و المرأة.(1:192)

الإحضار:الذّهاب في الحضر.[ثمّ استشهد بشعر](1:194)

و الحضيرة:أن يكون خلف القوم،و النّفيضة:

قدّامهم.[ثمّ استشهد بشعر](1:203)

الإحضار:أن تضع ما كان من متاع أو طعام عند إنسان ثمّ تنطلق،كما يصنع الّذين يحجّون إذا بلغوا الثّعلبيّة،و هو الحضر.(1:217)

الفرّاء: حضيرة النّاس،و هي الجماعة.

(الأزهريّ 4:202)

أبو عبيدة :الحضيرة:الصّاءة تتبع السّلى،و هي لفافة الولد.(الأزهريّ 4:200)

أبو زيد :رجل حضر،إذا حضر بخير.و يقال:إنّه ليعرف من بحضرته و من بعقوته.(الأزهريّ 4:203)

الأصمعيّ: الحضيرة:النّفر يغزى بهم العشرة فمن دونهم.[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:42)

ألقت الشّاة حضيرتها،و هو ما ألقت بعد الولادة من القذى.(الأزهريّ 4:200)

العرب تقول:اللّبن محتضر فغطّه،يعني تحضره الدّوابّ و غيرها من أهل الأرض.(الأزهريّ 4:201)

و حضر المريض و احتضر،إذا نزل به الموت،

ص: 526

و حضرني الهمّ و احتضرني و تحضّرني.

الحضيرة:الّذين يحضرون الماء.(الأزهريّ 4:202)

أبو عبيد: الحضيرة:ما بين سبعة رجال إلى ثمانية.

(الأزهريّ 4:202)

الباهليّ: الحضيرة:موضع التّمر،و أهل الفلج يسمّونها الصّوبة.(إصلاح المنطق:346)

ابن الأعرابيّ: يقال لأذن الفيل:الحاضرة،و لعينه:

الهاصّة.

و الحضراء من النّوق و غيرها:المبادرة في الأكل و الشّرب.

و الحضر:مدينة بنيت قديما بين دجلة و الفرات.

الحضر:التّطفيل و هو الشّولقي،و هو القرواش، و الواغل.

و الحضر:الرّجل الواغل الرّاشن.

و الحضرة:الشّدّة.(الأزهريّ 4:202)

ابن السّكّيت: و يقال:إنّه لحضر و لحضر معا،و هو الّذي يتعرّض لطعام القوم،و هو عنه غنيّ،و هو نحو الرّاشن.(255)

و يقال للّذي يتحيّن طعام النّاس حتّى يحضره:هذا رجل حضر و حضر.(617)

باب مشي الخيل و عدوها:...فإذا ارتفع حتّى يكون إحضارا قيل:مرّ يحضر و مرّ يجري و يجرى.(685)

الحضيرة:الخمسة و الأربعة يغزون.[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:355)

و تقول:فلان بدويّ و فلان حضريّ.

و يقال:على الماء حاضر،و هؤلاء قوم حضّار،إذا حضروا المياه.(إصلاح المنطق:382)

شمر:[ردّا على قول الأمويّ المتقدّم]لم أسمع الحضار بهذا المعنى،إنّما الحضار:بيض الإبل.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال:حضر القاضي امرأة تحضر،و إنّما أندرت التّاء لوقوع القاضي بين الفعل و المرأة.(الأزهريّ 4:201)

الجاحظ:و يقال:اللّبن محتضر فغطّ إناءك.كأنّهم يرون أنّ الجنّ تشرع فيه...

و جاء في الحديث:«لا تبيتوا في المعصفر،فإنّها محتضرة»أي يحضرها الجنّ و العمّار.(4:257)

و الحاضر[في شعر الكميت]:الّذي لا يبرحه البعوض،لأنّ البعوض من الماء يتخلّق فكيف يفارقه...(5:404)

ابن أبي اليمان :الحضر:قصر كان لبعض الملوك الأوّلين.(360)

المبرّد: [المحاضير]:جمع محضير و هو الفرس السّريع.(1:315)

أبو سهل الهرويّ: و قد حضرني قوم و شيء،أي شهدني و لم يغب عنّي.

و أحضر الرّجل و الغلام بالألف،إذا عدوا،أي جريا.(22)

ثعلب :حضار:نجم يخفى في بعد.

(ابن سيده 3:123)

ابن دريد :و الحضر:خلاف البدو.

و حضرت القوم أحضرهم حضورا،إذا شهدتهم.

و الحاضر:خلاف الغائب.

ص: 527

و أحضر الفرس يحضر إحضارا،إذا عدا عدوا شديدا،و استحضرته استحضارا.

و الحضيرة:الجماعة من النّاس ما بين الخمسة إلى العشرة يغزى بهم.

و حاضرت الرّجل محاضرة و حضارا،إذا عدوت معه.

و حاضرته،إذا جاثيته عند سلطان أو في خصومة.

و محضر القوم:مرجعهم إلى المياه بعد النّجعة؛ و الجمع:المحاضر.

و فرس محضار:شديد الحضر،و محضير أيضا؛ و الجمع:محاضير.

و من نوادر كلامهم:فرس محضير؛و الجمع:محاضير، و لا يكادون يقولون:محضار.

و ألقت الشّاة حضيرتها،و هي ما تلقيه بعد الولد من المشيمة و غيرها.

و قد سمّت العرب:حاضرا و حضيرا و محاضرا.

و حضرت القوم أحضرهم حضورا،إذا شهدتهم.

و الحاضرة:القوم الحضور.

و حضور:موضع باليمن.

و الإبل الحضار:البيض،و هو جمع لا واحد له من لفظه،مثل الهجان سواء.

و حضير الكتائب:رجل من سادة العرب معروف.

و حضار و الوزن:نجمان يطلعان قبل سهيل.

و حضرة الرّجل:فناؤه.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:136)

الحضوريّ: منسوب إلى حضور،و هم بطن من حمير، أو موضع.

و في الحديث:«كفّن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في ثوبين حضوريين»، و قالوا:«سحوليين»و كلاهما موضع معروف باليمن.

(2:288)

و الحضرمة:اللّحن في الكلام و إفساده،كلام محضرم.

فأمّا حضر موت:فاسم رجل،و النّسب إليه حضرميّ،و هم الحضارم.(3:328)

و محضار و محضير:فرس شديد الحضر.و ردّ هذا الحرف البصريّون إلاّ أبا عبيدة،و ذكروا عن الخليل أنّه قال:فرس محضير،و هو شاذّ.(3:419)

الأزهريّ: المحضر عند العرب:المرجع إلى أعداد المياه.

و الحاضرة:الّذين يرجعون إلى المحاضر في القيظ، و ينزلون على الماء العدّ،و لا يفارقونها إلى أن يقع ربيع الأرض يملأ الغدران،فينتجعونه.

و كلّ من نزل على ماء عدّ،و لم يتحوّل عنه شتاء و لا صيفا فهو حاضر،سواء نزلوا في القرى و الأرياف و الدّور المدريّة،أو بنوا الأخبية على المياه،فقرّوا بها و رعوا ما حواليها من الكلأ.

قال اللّيث:الحضور:جمع الحاضر.قلت:و العرب تقول:حيّ حاضر بغير هاء،إذا كانوا نازلين على ماء عدّ.

يقال:حاضر بني فلان على ماء كذا و كذا،و يقال للمقيم على الماء:حاضر؛و جمعه:حضور،و هو ضدّ المسافر،و كذلك يقال للمقيم:شاهد و خافض.[نقل

ص: 528

كلام شمر:حضر القاضي امرأة ثمّ قال:]

و اللّغة الجيّدة:حضرت تحضر.

يقال للرّجل يصيبه اللّمم و الجنون:فلان محتضر.

[ثمّ استشهد بشعر].(4:198)

الفارسيّ: حضيرة العسكر:مقدّمتهم.

(ابن سيده 3:122)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]الحضر:خلاف البدو،و الحاضرة:ضدّ البادية.و الحضارة و البداوة، و الحضارة مثله.

و الحضور:جماعة الحاضر.

و الحضرة:قرب الشّيء.

و ضربته بمحضر فلان و بحضرته و حضرته و حضره و حضره.و حضر يحضر حضورا.

و الحاضر:الحيّ إذا حضروا مجتمعهم،و قوم حضّر.

و جمع المحضر:المحاضر.

و المحاضرة:أن يحاضرك إنسان بحقّك،فيذهب به غلبة.

و حضار:في معنى احضر.

و حضرت الصّلاة و حضرت،تحضر فيهما.

و الحضيرة:الجماعة من القوم سبعة أو ثمانية؛و جمعها:

حضائر،و كذلك الحضرة.

و الحضر و الحضار:من عدو الدّوابّ،و الفعل:

أحضر إحضارا.

و فرس محضير و محضيرة و محضار.

و رجل حضر:شديد الحضر.و حضر:حضر بخير و بيان،و إنّه لحسن الحضرة.و هو منّي حضر الفرس.

و الحضير:ما اجتمع من جائية المدّة في الجرح،و من السّخد في السّلى.

و حضار و الوزن:كوكبان،و هو المحلف.

و يسمّى الثّور الأبيض:حضار.

و يقال للإبل:لك شومها و حضارها،و تكسر الحاء أيضا.

و ناقة حضار:إذا جمعت قوّة و رحلة.

و حضر موت:اسمان جعلا اسما واحدا،و فيه لغات.

و الحاضر:العيدان و صغار الحطب،في قوله:

*عليها عدوليّ الهشيم و حاضره*

و الحضار:داء يكون في الإبل.

و الحضر من الرّجال:الّذي يتعرّض لطعام القوم، و هو عنه غنيّ.

و الحضر:قصر.

و محضوراء:ماء من مياه العرب.(2:439)

الخطابيّ: و الحضيرة:ما بين السّبعة الرّجال إلى الثّمانية.(1:292)

قال أبو زيد:البداوة و الحضارة بالكسر،و قال الأصمعيّ: البداوة و الحضارة بالفتح.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:344)

في حديث أسامة:«أنّه كان في سريّة و أميرها غالب بن عبد اللّه،و أنّهم قد أحاطوا ليلا بالحاضر،و في الحاضر نعم...».

الحاضر:الحيّ الحضور في المكان الّذي اتّخذوه دارا، اسم جامع لهم كالحاجّ و السّامر،و نحو ذلك.و ربّما جعلوه اسما للمكان المحضور فاعلا بمعنى مفعول،يقال:نزلنا

ص: 529

حاضر بني فلان.[ثم استشهد بشعر](2:288)

ابن جنّيّ: فيه[حضر موت]عندي قولان:

أحدهما:أنّه لمّا كان علما و مركّبا دخله تغيير الفتحة إلى الضّمّة،كأشياء تجوز في الأعلام مختصّة بها،كموهب و تهلل.

و الآخر:أن يكون لمّا رأى الاسمين قد ركّبا معا و جريا مجرى الشّبه،تمّم الشّبه بينهما فضمّ الميم ليصير حضر موت،على وزن عضر فوط.فإذا فعل هذا،ذهب في ترك صرفه إلى التّعريف و التأنيث للبلدة.

(ابن سيده 3:124)

الجوهريّ: حضرة الرّجل:قربه و فناؤه.

و الحضر:بلد بإزاء مسكن.

و يقال:كلّمته بحضرة فلان و بمحضر من فلان،أي بمشهد منه.

و حكى يعقوب:كلّمته بحضر فلان،بالتّحريك.

و الحضر أيضا:خلاف البدو.

و المحضر:السّجلّ،و المحضر:المرجع إلى المياه.

و فلان حسن المحضر،إذا كان ممّن يذكر الغائب بخير.يقال:فلان حسن الحضرة و الحضرة.

و كلّمته بحضرة فلان و حضرته و حضرته.

و الحضر بالضّمّ:العدو.يقال:أحضر الفرس إحضارا و احتضر،أي عدا.و استحضرته:أعديته.

و هذا فرس محضير،أي كثير العدو.و لا يقال:

محضار،و هو من النّوادر.

و الحاضر:خلاف البادي.و الحاضرة:خلاف البادية،و هي المدن و القرى و الرّيف.

و البادية:خلاف ذلك.يقال:فلان من أهل الحاضرة و فلان من أهل البادية،و فلان حضريّ و فلان بدويّ.

و الحاضر:الحيّ العظيم.يقال:حاضر طيّئ،و هو جمع،كما يقال:سامر للسّمار،و حاجّ للحجّاج.

و فلان حاضر بموضع كذا،أي مقيم به.و يقال:على الماء حاضر.

و هؤلاء قوم حضّار،إذا حضروا المياه،و محاضر، و حضرة،مثل كافر و كفرة.

و حضار،مثل قطام:نجم.يقال:«حضار و الوزن محلفان»و هما نجمان يطلعان قبل سهيل،فيحلف أنّهما سهيل للشّبه.

و الحضيرة:الأربعة و الخمسة يغزون؛و الجمع:

الحضائر.

و الحضيرة:ما اجتمع في الجرح من المدّة،و في السّلى من السّخد.يقال:ألقت الشّاة حضيرتها،و هي ما تلقيه بعد الولد من السّخد و القذى.

و حاضرته:جاثيته عند السّلطان،و هو كالمبالغة و المكاثرة.

و حاضرته حضارا:عدوت معه.

و الحضار أيضا من الإبل:الهجان،واحده و جمعه سواء.

و يقال:ناقة حضار،إذا جمعت قوّة و رحلة،أي جودة سير.

و الحضور:نقيض الغيبة،و قد حضر الرّجل حضورا، و أحضره غيره.و حكى الفرّاء حضر بالكسر،لغة فيه.

يقال:حضرت القاضي اليوم امرأة.و كلّهم يقول:يحضر

ص: 530

بالضّمّ.

و رجل حضر:لا يصلح للسّفر.

و المحتضر:الّذي يأتي الحضر،و هو خلاف البادي.

و حضره الهمّ و احتضره و تحضّره،بمعنى.

و اللّبن محتضر و محضور،أي كثير الآفة،و أنّ الجنّ تحضره.يقال:اللّبن محتضر فغطّ إناءك.و الكنف محضورة.

و قوله تعالى: وَ أَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ المؤمنون:98،أي أن تصيبني الشّياطين بسوء.

و قوم حضور،أي حاضرون،و هو في الأصل مصدر.

و حضور بالفتح:بلد باليمن.

و حضر موت:اسم بلد و قبيلة أيضا،و هما اسمان جعلا واحدا.و إن شئت بنيت الاسم الأوّل على الفتح و أعربت الثّاني إعراب ما لا ينصرف،فقلت:هذا حضر موت.و إن شئت أضفت الأوّل إلى الثّاني،فقلت:

هذا حضر موت،أعربت حضرا،و خفضت موتا.و كذلك القول في سامّ أبرص،و رام هرمز.

و النّسبة إليه حضرميّ،و التّصغير:حضير موت، تصغّر الصّدر منهما.و كذلك الجمع،يقال:فلان من الحضارمة.[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](2:632)

نحوه الرّازيّ.(158)

ابن فارس: الحاء و الضّاد و الرّاء إيراد الشّيء، و وروده و مشاهدته.و قد يجيء ما يبعد عن هذا و إن كان الأصل واحدا.

فالحضر:خلاف البدو.و سكون الحضر:الحضارة.

فأمّا الحضر الّذي هو العدو فمن الباب أيضا،لأنّ الفرس و غيره يحضران ما عندهما من ذلك.يقال:

أحضر الفرس،و هو فرس محضير:سريع الحضر، و محضار.و يقال:حاضرت الرّجل،إذا عدوت معه.

و قول العرب:«اللّبن محضور»فمعناه كثير الآفة، و يقولون:إنّ الجانّ تحضره.و يقولون:«الكنف محضورة».

و تأوّل ناس قوله تعالى: ...وَ أَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ أي أن يصيبوني بسوء.و الباب كلّه واحد، و ذلك أنّهم يحضرونه بسوء.

و يقال للحاضر و هي (1)الحيّ العظيم.

و الحضيرة:الجماعة ليست بالكثيرة.

و يقال:المحاضرة:المغالبة،و حاضرت الرّجل:

جاثيته عند سلطان أو حاكم.

و يقال:ألقت الشّاة حضيرتها،و هي ما تلقيه بعد الولد من المشيمة و غيرها.و هذا قياس صحيح؛و ذلك أنّ تلك الأشياء تسمّى الشّهود،و قد ذكرت في بابها.

و حضرة الرّجل:فناؤه.

و الحضيرة:ما اجتمع من المدّة في الجرح.

و يقال:حضرت الصّلاة،و لغة أهل المدينة:

حضرت،و كلّهم يقول:تحضر.و هذا من نادر ما يجيء من الكلام على«فعل يفعل».و قد جاءت فيه من الصّحيح غير المعتلّ كلمة واحدة و قد ذكرت في بابها.

و يقال:رجل حضر،إذا كان لا يصلح للسّفر.و هذا كقولهم:رجل نهر،إذا كان يصلح لأعمال النّهار دون اللّيل...

ص: 531


1- كذا في الأصل،و لعلّه:و يقال:الحاضر،هو...

و يقولون:إنّ الحضر شحمة في المأنة و فوقها.

و ممّا شذّ عن الباب الحضر،و هو حصن.

و العرب تقول:«حضار و الوزن محلفان»و ذلك أنّ النّاس يحلفون عليهما أنّهما سهيل،لأنّهما يشبهانه.

و المحلف:الشّيء الّذي يحوج إلى الحلف.

و حضار الإبل:بيضها.[و استشهد بالشّعر 7 مرّات]

(2:75)

الثّعالبيّ: فصل في تقسيم العدو:عدا الإنسان، أحضر الفرس.أرقل البعير...(200)

ابن سيده: الحضور:نقيض المغيب.حضر يحضر حضورا و حضارة؛و يعدّى فيقال:حضره،و حضره يحضره،و هو شاذّ.و المصدر كالمصدر.

و تحضّره الهمّ،كحضره.

و أحضر الشّيء،و أحضره إيّاه.

و كان ذلك بحضرة فلان و حضرته و حضرته و حضره و محضره.و رجل حاضر،و قوم حضّر و حضور.

و إنّه لحسن الحضرة،إذا حضر بخير.

و الحضر و الحضرة و الحاضرة و الحضارة و الحضارة:

خلاف البادية،سمّيت بذلك لأنّ أهلها حضروا الأمصار و مساكن الدّيار الّتي يكون لهم بها قرار.و البادية يشبه أن يكون اشتقاق اسمه من:بدا يبدو،أي برز و ظهر، و لكنّه اسم لزم ذلك الموضع خاصّة دون ما سواه.

و الحاضرة و الحاضر:الحيّ إذا حضروا الدّار الّتي فيها مجتمعهم.

و حاضروا المياه و حضّارها:الكائنون عليها قريبا، لأنّهم يحضرونها أبدا.

و المحضر،المرجع إلى المياه.

و رجل حضر و حضر،يتحيّن طعام النّاس حتّى يحضره.

و الحضيرة:موضع التّمر.

و الحضيرة:جماعة القوم.و قيل:الحضيرة من الرّجال،السّبعة أو الثّمانية.

و قيل:الحضيرة:الأربعة أو الخمسة يغزون.و قيل:

هم النّفر يغزى بهم.و قيل:هم العشرة فمن دونهم.

و الحضيرة،ما تلقيه المرأة من ولادها.

و حضيرة النّاقة:ما ألقته بعد الولادة.

و الحضيرة:انقطاع دمها.

و الحضيرة:دم غليظ يجتمع في السّلى.

و الحضيرة:ما اجتمع في الجرح من جايئة المادّة،و في السّلى من السّخد و نحو ذلك.

و المحاضرة:المجالدة،و هو أن يغالبك على حقّك، فيغلبك عليه و يذهب به.

و رجل حضر:ذو بيان.

و حضار-مبنيّة مؤنّثة-نجم يطلع قبل سهيل فيظنّ النّاس به أنّه سهيل،و هو أحد المحلفين.

و الحضار من الإبل:البيضاء،الواحد و الجمع في ذلك سواء.

و حضار:اسم للثّور الأبيض.

و الحضر:شحمة في العانة و فوقها.

و الحضر و الإحضار:ارتفاع الفرس في عدوه عن الثّعلبيّة.فالحضر:الاسم،و الإحضار:المصدر.و قال كراع:«أحضر الفرس إحضارا و حضرا،و كذلك

ص: 532

الرّجل».و عندي:أنّ الحضر الاسم و الإحضار المصدر.

و فرس محضير؛الذّكر و الأنثى في ذلك سواء.

و المحضرة:الدّرّة تضرب بها الدّابّة-عن «الهجريّ»-أرى ذاك لأنّها إذا ضربت بها أحضرت.

و حضير الكتائب:رجل من سادات العرب،و قد سمّت:حاضرا و محاضرا و حضيرا.

و الحضر:موضع.

و حضر موت:اسم بلد،و لغة هذيل:حضر موت.

و حضور:جبل باليمن.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(3:121)

الحضرة:الفناء.(الإفصاح 1:565)

الحضر:عدو في وثب.و قيل:ارتفاع الحصان في عدوه.

أحضر الفرس و الرّجل فهو محضار و محضير.

(الإفصاح 2:754)

الطّوسيّ: و الحاضر و الشّاهد من النّظائر،و نقيض الحاضر:الغائب.

و يقال:حضر حضورا،و أحضره إحضارا، و استحضره استحضارا،و احتضره احتضارا،و حاضره محاضرة.

و الحضر:خلاف البدو.

و حضرت القوم أحضرهم حضورا،إذا شهدتهم.

و الحاضر:خلاف الغائب.

و أحضر الفرس إحضارا،إذا عدا عدوا شديدا، و استحضرته استحضارا.

و الحضيرة:الجماعة من النّاس ما بين الخمسة إلى العشرة.

و حاضرت الرّجل محاضرة و حضارا،إذا عدوت معه.

و حاضرته،إذا جاثيته عند السّلطان،أو في خصومة.

و محضر القوم:مرجعهم إلى المياه بعد النّجعة.

و فرس محضير،و لا يقال:محضار.

و ألقت الشّاة حضيرتها،يعني المشيمة و غيرها.

و الإبل الحضار:البيض.لا واحد لها من لفظها مثل الهجان سواء.

و حضرة الرّجل:فناؤه.

و أصل الباب:الحضور:خلاف الغيبة.(1:475)

نحوه الطّبرسيّ.(1:214)

الرّاغب: الحضر:خلاف البدو.

و الحضارة و الحضارة:السّكون بالحضر كالبداوة و البداوة،ثمّ جعل ذلك اسما لشهادة مكان أو إنسان،أو غيره.

و الحضر خصّ بما يحضر به الفرس إذا طلب جريه، يقال:أحضر الفرس.و استحضرته:طلبت ما عنده من الحضر.

و حاضرته محاضرة و حضارا،إذا حاججته من الحضور،كأنّه يحضر كلّ واحد حجّته،أو من الحضر كقولك:جاريته.

و الحضيرة:جماعة من النّاس يحضر بهم الغزو، و عبّر به عن حضور الماء.

و المحضر يكون مصدر حضرت،و موضع الحضور.

(122)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:474)

ص: 533

الزّمخشريّ: حضرني فلان،و أحضرته، و استحضرته.و طلبته فأحضرنيه صاحبه.و هو من حاضري البلد،و من الحضور.

و فعلت كذا و فلان حاضر،و فعلته بحضرته، و بمحضره.

و حضار بمعنى أحضر.و حاضرته:شاهدته.

و هو من أهل الحضر،و الحاضرة،و الحواضر.و هو حضريّ بيّن الحضارة،و بدويّ بيّن البداوة.و هو بدويّ يتحضّر،و حضريّ يتبدّى.

و أحضر الفرس،و ما أشدّ حضره!و فرس محضير، و خيل محاضير.

و تقول:ما السّبق في المضامير إلاّ للجرد المحاضير.

و هو منّي حضر الفرس.و حاضرته:عاديته من الحضر.

و حضرم في كلامه:لم يعربه.و في أهل الحضر الحضرمة،كأنّ كلامه يشبه كلام أهل حضر موت،لأنّ كلامهم ليس بذاك،أو يشبه كلام أهل الحضر،و الميم زائدة.

و من المجاز:حضرت الصّلاة.و أحضر ذهنك.

و جاءنا و نحن بحضرة الدّار،و حضرة الماء[بتثليث الحاء]:بقربهما.

و كنت حضرة الأمر،إذا كنت حاضره.

و حضرت الأمر بخير،إذا رأيت فيه رأيا صوابا و كفيته.و فلان حسن الحضرة،إذا كان كذلك.و إنّه لحضر:لا يزال يحضر الأمور بخير.و جمع الحضرة يريد بناء دار،و هي عدّة البناء من الآجرّ و الجصّ و غيرهما.

و اللّبن محضور و محتضر،فغطّ إناءك أن يحضره الذّباب و الهوامّ.

و هو حاضر الجواب،و حاضر بالنّوادر.

و حضر المريض و احتضر:حضره الموت.

و حضره الهمّ و احتضره و تحضّره.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](أساس البلاغة:86)

[في حديث]كعب بن عجرة«...فانطلقت محضرا...»أي مسرعا.(الفائق 1:291)

ابن الشّجريّ: فرس محضير،أي شديد الحضر و هو العدو.(2:84)

المدينيّ: قوله تعالى: وَ أَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ المؤمنون:98،أي يصيبني الشّيطان بسوء.

و منه:«الكنف محضورة،و الحشوش محتضرة»أي يحضرها الجنّ.

في الحديث:«كنّا بحاضر يمرّ بنا النّاس».الحاضر:

القوم النّزول على ماء يقيمون به و لا يرحلون عنه، فاعل بمعنى مفعول.

في رواية:«كنّا بحضرة ماء ممرّ من النّاس»،و في أخرى:«كنّا بحضر عظيم».و هو حديث عمرو بن سلمة الجرميّ.

و يقال للمتأهّل:الحاضر،لاجتماعهم إذا حضروا.

و قوله تعالى: إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ الصّافّات:158، أي يحضرون الحساب و النّار و نحوهما.يقال:أحضرته فحضر،و قد يكسر ضاده في الماضي،و يضمّ في المستقبل،مثل:فضل يفضل في الشّواذّ.

و في الحديث:«هجرة الحاضر»الحاضر:المكان المحضور.يقال:نزلنا حاضرهم.(1:460)

ص: 534

ابن الأثير:في حديث ورود النّار:«ثمّ يصدرون عنها بأعمالهم كلمح البرق،ثمّ كالرّيح،ثم كحضر الفرس».الحضر بالضّمّ:العدو.و أحضر يحضر فهو محضر،إذا عدا.

و منه الحديث:«أنّه أقطع الزّبير حضر فرسه بأرض المدينة».

و منه حديث كعب بن عجرة:«فانطلقت مسرعا أو محضرا فأخذت بضبعيه».

و فيه:«لا يبع حاضر لباد».الحاضر:المقيم في المدن و القرى،و البادي:المقيم بالبادية.و المنهيّ عنه أن يأتي البدويّ البلدة و معه قوت يبغي التّسارع إلى بيعه رخيصا،فيقول له الحضريّ: اتركه عندي لأغالي في بيعه.فهذا الصّنيع محرّم،لما فيه من الإضرار بالغير، و البيع إذا جرى مع المغالاة منعقد.

و هذا إذا كانت السّلعة ممّا تعمّ الحاجة إليها كالأقوات،فإن كانت لا تعمّ،أو كثر القوت و استغني عنه، ففي التّحريم تردّد،يعوّل في أحدهما على عموم ظاهر النّهي،و حسم باب الضّرر،و في الثّاني على معنى الضّرر و زواله.

و قد جاء عن ابن عبّاس سئل عن معنى«لا يبع حاضر لباد»فقال:لا يكون له سمسارا.

[ذكر حديث الجرميّ السّابق عند المدينيّ و أضاف:]

و يقال للمناهل:المحاضر،للاجتماع و الحضور عليها.

قال الخطّابيّ: ربّما جعلوا الحاضر اسما للمكان المحضور.

يقال:نزلنا حاضر بني فلان،فهو فاعل بمعنى مفعول.

و منه حديث أسامة:«و قد أحاطوا بحاضر فعم».

و في حديث أكل الضّبّ:«إنّي تحضرني من اللّه حاضرة»أراد الملائكة الّذين يحضرونه.و حاضرة:

صفة طائفة أو جماعة.

و منه حديث صلاة الصّبح:«فإنّها مشهودة محضورة» أي تحضرها ملائكة اللّيل و النّهار.

و فيه:«قولوا ما بحضرتكم»أي ما هو حاضر عندكم موجود،و لا تتكلّفوا غيره.

و فيه:«أنه عليه السّلام ذكر الأيّام و ما في كلّ منها من الخير و الشّرّ،ثمّ قال:و السّبت أحضر،إلاّ أنّ له أشطرا»أي هو أكثر شرّا.و هو«أفعل»من الحضور،و منه قولهم:حضر فلان و احتضر،إذا دنا موته.

و فيه ذكر«حضير»و هو بفتح الحاء و كسر الضّاد:

قاع يسيل عليه فيض النّقيع،بالنّون.

و في حديث مصعب بن عمير«أنّه كان يمشي في الحضرميّ»هو النّعل المنسوبة إلى حضر موت المتّخذة بها.[و فيه أحاديث أخرى](1:398)

الفيّوميّ: حضرت مجلس القاضي حضورا،من باب«قعد»:شهدته.

و حضر الغائب حضورا:قدم من غيبته.

و حضرت الصّلاة فهي حاضرة،و الأصل:حضر وقت الصّلاة.و الحضر بفتحتين:خلاف البدو،و النّسبة إليه:حضريّ،على لفظه.

و حضر:أقام بالحضر.

و الحضارة بفتح الحاء و كسرها:سكون الحضر.

و حضرني كذا:خطر ببالي.

و حضره الموت و احتضره:أشرف عليه فهو في

ص: 535

النّزع،و هو محضور و محتضر بالفتح.

و كلّمته بحضرة فلان،أي بحضوره.و حضرة الشّيء:فناؤه و قربه.

و كلّمته بحضر فلان،و زان«سبب»لغة،و بمحضره، أي بمشهده.

و حضيرة التّمر:الجرين.

و حضر فلان بالكسر لغة،و اتّفقوا على ضمّ المضارع مطلقا.و قياس كسر الماضي أن يفتح المضارع، لكن استعمل المضموم مع كسر الماضي شذوذا،و يسمّى تداخل اللّغتين.

و حضر موت:بليدة من اليمن بقرب عدن،و ينسب إليها:حضرميّ.(1:140)

الفيروزآباديّ: حضر،كنصر و علم حضورا و حضارة:ضدّ غاب كاحتضر و تحضّر،و يعدّى يقال:

حضره و تحضّره.و أحضر الشّيء و أحضره إيّاه.

و كان بحضرته مثلّثة،و حضره و حضرته محرّكتين و محضره بمعنى.

و هو حاضر من حضّر و حضور و حسن الحضرة بالكسر،إذا حضر بخير.

و الحضر محرّكة و الحضرة و الحاضرة و الحضارة و يفتح:خلاف البادية.

و الحضارة:الإقامة في الحضر.

و الحضر:بلدة بإزاء مسكن بناه السّاطرون الملك، و ركب الرّجل و المرأة،و التّطفيل،و شحمة في المأنة و فوقها.

و بالضّمّ:ارتفاع الفرس في عدوه كالإحضار، و الفرس محضير لا محضار،أو لغيّة.

و ككتف و ندس:الّذي يتحيّن طعام النّاس حتّى يحضره.

و كندس:الرّجل ذو البيان و الفقه.

و ككتف:لا يريد السّفر أو حضريّ.

و المحضر:المرجع إلى المياه،و خطّ يكتب في واقعة خطوط الشّهود في آخره بصحّة ما تضمّنه صدره،و القوم الحضور،و السّجلّ،و المشهد،و قرية بأجا.

و محضرة:ماء لبني عجل بين طريقي الكوفة و البصرة إلى مكّة.

و حاضوراء:ماء.

و الحضيرة كسفينة:موضع التّمر،و جماعة القوم،أو الأربعة أو الخمسة أو الثّمانية أو التّسعة أو العشرة أو النّفر يغزى بهم،و مقدّمة الجيش،و ما تلقيه المرأة من ولادها،و انقطاع دمها؛و الحضير:جمعها،أو دم غليظ في السّلى،و ما اجتمع في الجرح.

و المحاضرة:المجالدة،و المجاثاة عند السّلطان،و أن يعدو معك،و أن يغالبك على حقّك فيغلبك و يذهب به.

و كقطام:نجم.

و حضر موت و تضمّ الميم:بلد،و قبيلة.و يقال:هذا حضر موت،و يضاف فيقال:حضر موت بضمّ الرّاء،و إن شئت لا تنوّن الثّاني؛و التّصغير:حضير موت.

و نعل حضرميّة:ملسّنة،و حكي نعلان حضرموتيّتان.

و حضور كصبور:جبل،و بلد باليمن.

و الحاضر:خلاف البادي،و الحيّ العظيم،و حبل من

ص: 536

حبال الدّهناء،و قرية بقنّسرين،و محلّة عظيمة بظاهر حلب.

و الحاضرة:خلاف البادية،و أذن الفيل...

و اللّبن محضور،أي كثير الآفة تحضره الجنّ، و الكنف محضورة:كذلك.

و حضرنا عن ماء كذا:تحوّلنا عنه.

و كسحاب:جبل بين اليمامة و البصرة،و الهجان أو الحمر من الإبل و يكسر،لا واحد لها أو الواحد و الجمع سواء.

و بالكسر:الخلوق بوجه الجارية.

و ناقة حضار:جمعت قوّة و جودة سير.

و كجبّانة:بلد باليمن.

و كغراب:داء للإبل.

و محضوراء و يقصر:ماء لبني أبي بكر ابن كلاب.

و الحضراء من النّوق و غيرها:المبادرة في الأكل و الشّرب.

و كعنق:الرّجل الواغل...

و احتضر بالضّمّ،أي حضره الموت.

و كلّ شرب محتضر،أي يحضرون حظوظهم من الماء،و تحضر النّاقة حظّها منه.(2:10)

الطّريحيّ: في الحديث ذكر الاحتضار،و هو السّوق،سمّي به قيل:لحضور الموت و الملائكة الموكّلين به و إخوانه و أهله عنده.

و فلان محتضر،أي قريب من الموت.

و منه:«إذا احتضر الإنسان وجّه»يعني جهة القبلة.

[ثمّ أدام نحو السّابقين](3:272)

مجمع اللّغة:1-حضر يحضر حضورا:ضدّ غاب، فهو حاضر،و هي حاضرة.

2-و حضره الموت:جاءه.و حضر المجلس:شهده.

3-و القرية حاضرة البحر:الّتي تكون مشرفة على البحر و تشهده.

4-أحضره إحضارا:جعله يحضر.و اسم المفعول محضر؛و جمعه محضرون.و قد يتعدّى«أحضر»إلى مفعولين.

5-المحتضر:ما يحضر و يشهد.(1:269)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:137)

العدنانيّ: الحضرة و الجناب.

و يقولون:أذن حضرة الحاكم،أو جناب الحاكم بكذا و كذا.و الصّواب:أذن السّيّد فلان الحاكم بكذا و كذا؛لأنّ:

1-العرب تأبى عليهم ديمقراطيّتهم الأصيلة العريقة،الّتي فطروا عليها،أن يعظّموا ملوكهم و رؤساءهم و زعماءهم، و يضعوهم في مرتبة أعلى ممّن يخاطبهم من شعوبهم، و حياة الخليفة الرّاشد عمر بن الخطّاب العظيم خير شاهد على ذلك.

2-و لأنّ كلمات التّعظيم و الإجلال ليست عربيّة الأصول،بل انتقلت إلى العربيّة من الفرس،ثمّ الأتراك الّذين ثبّت حكمهم الطّويل البلاد العربيّة هذه الكلمات في الضّاد،حتّى أصبحت راسخة الأصول عندنا،ككلمتي حضرة و جناب،اللّتين لا تزالان تتصدّران الكلمات الّتي نكتبها على غلافات رسائلنا.

أمّا الحضرة في اللّغة العربيّة،فمعناها كما جاء في الوسيط:

ص: 537

أ-الحضور.يقال:كلّمته بحضرة فلان.

ب-قرب الشّيء.يقال:كنت بحضرة الدّار.

ج-حضرة الرّجل:فناؤه.

د-المدينة.

ه-عدّة البناء من الآجرّ و الجصّ و غيرهما.

و ممّن ذكر المعنى الدّخيل لكلمتي:حضرة و جناب من معجماتنا الحديثة:محيط المحيط،و المتن.فممّا قاله محيط المحيط:و المولّدون يستعملون الحضرة استعمال الجناب، الّذي قال عنه:«يقولون:ننهي إلى جنابك مثلا،أي نلقي كلامنا بين يديك،و ذلك في الأصل،ثمّ توسّعوا حتّى جعلوا الجناب لغوا،يراد به مجرّد التّعظيم،فيقولون:هذا غلام جنابك،أي غلامك.و ذلك يستعمل لمن هم دون الوزراء من الأكابر».

و من معاني الجناب الفصيحة:

أ-النّاحية.

ب-مرّوا يسيرون جنابيه:حواليه.

ج-فناء الدّار أو المحلّة.

د-أنا في جناب فلان:كنفه و رعايته.

ه- وسيم رحب الجناب،و خصيب الجناب:سخيّ.

و أرى أن نهمل استعمال كلمتي:الحضرة و الجناب، بمعناهما المولّد،في أحاديثنا و كتاباتنا،و نقول:إلى السّيّد فلان،بدلا من:إلى حضرة فلان أو جنابه.

و لن نستطيع مواصلة الإقدام على استعمال هاتين الكلمتين المولّدتين،إلاّ إذا صدر بذلك قرار مجمعيّ، نستطيع الاعتماد عليه.

حاضر و محاضرة،خطب و خطبة

و يخطّئون من يقول:حاضر و محاضرة،و يرون أنّ الصّواب هو:خطب و خطبة.

و أرى أنّ المحدثين قد أحسنوا في تسمية ما يلقيه العلماء و الأدباء من بحوث بالمحاضرات،و تسمية ما يلقيه السّاسة و القادة العسكريّون بالخطب،للتّفرقة بين البحوث العلميّة و الأدبيّة العميقة الهادئة،الّتي تعنى كثيرا بتزويد العقول بالمعرفة،و الأقوال الّتي تعنى كثيرا بإثارة العواطف و ملامسة أوتار القلوب.

جاء في اللّسان:«المحاضرة:المجالدة،و هو أن يغالبك على حقّك،فيغلبك عليه،و يذهب به».فنقل القاموس المحيط عنه ذلك،ثمّ نقله التّاج عنهما.

و أنا أرجّح-كما رجّح المدّ-أنّ هنالك تصحيفا صيّر المجادلة مجالدة؛لأنّ المعجمات الثّلاثة تقول بعد ذلك:إنّ معنى حاضره هو:جاثاه،أي جثا كلّ من الرّجلين إزاء الآخر،قبالة السّلطان،أو الحاكم،أو القاضي، و ركبهما متلامسة،و راح كلّ منهما يدلي بحججه،لإثبات حقّه في الأمر المتنازع عليه.و هذا يحتاج إلى مناقشة أي مجادلة،لا إلى مجالدة(مضاربة بالسّيف)في حضرة السّلطان،و هذا غير معقول.

و كان القدماء يقولون:المحاضرات الشّعريّة،و يعنون بها المناظرات.

قال المبرّد في الكامل:«و من أمثال العرب:«خير العلم ما حوضر به،أي ما حفظ فكان للمذاكرة».

و جاء في مفردات الرّاغب الأصفهانيّ: حاضرته محاضرة و حضارا،إذا حاججته،من الحضور كأنّ كلّ واحد يحضر حجّته.

ص: 538

و قال الحريريّ في صدر مقامته القهقريّة:«فهزّني لقصدهم هوى المحاضرة،و استجلاء جنى المناظرة».

و جاء في الأساس و مستدرك التّاج:حاضرته:

شاهدته.و قال مجاز الأساس و مستدرك التّاج:هو حاضر بالجواب و النّوادر،أي يقولها ارتجالا،أو ببديهة سريعة.

و جاء في التّاج:«المحاضرة:أن يغالبك على حقّك، فيغلبك عليه،و يذهب به».

و قال محيط المحيط:«فلان حسن المحاضرة:حسن المجالسة للنّاس».

و ورد في المتن:«المحاضرة:الاعتراض و المجادلة.

و أحسب أنّ هذا هو سبب التّسمية لهذا البحث،لأنّه يتهيّأ للجدل و الاعتراض بعد إلقائه».

و جاء في المعجم الوسيط:«حاضر القوم:جالسهم و حادثهم بما يحضره،و منه:فلان حسن المحاضرة.

و حاضرهم:ألقى عليهم محاضرة»(محدثة).

فهذه الشّواهد كلّها تدلّ على أنّ هناك صلة قويّة بين المعنى القديم للمحاضرة و المعنى الحديث.

و حبّا في التّفريق بين معنى الخطبة و المحاضرة،أرى أن نوافق على استعمال«الخطبة»للموضوعات الّتي تلقى من على المنابر،و الّتي تسود في مادّتها العاطفة؛و استعمال «المحاضرة»للموضوعات العلميّة و الأدبيّة الّتي تلقى من على المنابر،و الّتي يسود في مادّتها العقل.

فعسى أن نفوز قريبا بقرار مجمعيّ يحقّق هذه الرّغبة.

حضرميّ

و ينسبون إلى حضر موت بقولهم:حضرموتيّ،و هي النّسبة الّتي انفرد بذكرها النّحو الوافي مع نسبة أخرى هي:حضريّ،و لكن:

ترى المعجمات أنّ النّسبة إلى حضر موت هي حضرميّ: الصّحاح،و المغرب،و معجم البلدان.و المختار.

و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و همع الهوامع،و التّاج، و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و يجمع الحضرميّ على:حضارمة.(159)

استعدّ للامتحان لا حضّر له.

و يقولون:حضّر الطّالب للامتحان النّهائيّ، و الصّواب:استعدّ الطّالب للامتحان النّهائيّ.و جاء في الوسيط:حضّر الدّرس:أعدّه.

أمّا الفعل«حضّره»فمعناه:جعله حاضرا،أو:أعدّه.

احتضر فلان.

و يقولون:أخذ فلان إلى المستشفى و هو يحتضر.

و الصّواب:و هو يحتضر،لأنّنا نقول:احتضر فلان،أي حضره الموت،أو احتضره الموت.جاء في الآية:18،من سورة النّساء: حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ، و جاء في مجاز الأساس:«حضر المريض و احتضر:حضره الموت.[ثمّ استشهد بشعر].

و جاء في الصّحاح أنّ«المحتضر هو الّذي يأتي الحضر،و هو خلاف البادي».

و احتضر المجلس:حضره و-نزل به.قال تعالى في الآية:28،من سورة القمر: كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ أي يحضره مستحقّوه.(معجم الأخطاء الشّائعة:67)

محمود شيت:الحضيرة:جماعة القوم أو المعدّون للقتال منهم،و من العسكر:مقدّمتهم،و موضع التّمر؛

ص: 539

الجمع:حضائر،و حضير.

المحضار:الشّديد العدو؛الجمع:محاضير.

المحضر:المنهل،و الّذين يردون الماء و يقيمون عليه،و السّجلّ،و صحيفة تكتب في واقعة،و في آخرها خطوط الشّهود بما تضمّنه صدورها،كمحضر جلسة مجلس الوزراء:أو محضر رجال الشّرطة؛الجمع:محاضر.

و يقال:فلان حسن المحضر،إذا كان ممّن يذكر الغائب بخير.

أحضر الخطّة:أكمل إعدادها.

حاضر:ألقى محاضرة على الجنود أو الضّبّاط أو على قطعته العسكريّة.

استحضر:أعدّ.يقال:خطّة مستحضرة:أعدّت سابقا،يقابلها:خطّة مرتجلة.

الحضر:عدو الخيل و نحوها بأقصى سرعتها.

الحضيرة:أصغر وحدة عسكريّة بقيادة آمر، و يكون عدد رجالها اعتياديّا بين ثمانية و عشرة.

المحضر:سجّل التّحقيق في المجالس التّحقيقيّة،و في المحاكم العسكريّة.(1:188)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ما يقابل المغيب،أي الحالة المتحصّلة المستقرّة بعد القدوم إلى شيء.

فالقدوم و الورود قبل الاستقرار المتحصّل،كما أنّ المشاهدة و الإشراف و القرب من لوازم ذلك الأصل و آثاره.

ثمّ إنّ الحضور يختلف مفهوما باختلاف موارده و متعلّقاته.فيقال:حضر البدويّ البلد،إذا استقرّ في المصر.و حضر الفرس،إذا تهيّأ و اشتغل بالعدو.

و حضرت الصّلاة،إذا دخلت وقتها،فكأنّ الصّلاة قد تجسّم مفهومها المأمور بإتيانه و العمل به في حضرة المكلّف.و حضر الموت:ورد و قرب و استقرّ في الحضرة.و حضر كذا،فيما إذا خطر بالبال.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

فظهر أنّ النّظر في موارد استعمال هذه المادّة إلى جهة الاستقرار في قبال شيء،و ليس فيها نظر إلى حيثيّة الورود أو القرب أو الشّهود أو غيرها.(2:257)

النّصوص التّفسيريّة

حضر

1- أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ...

البقرة:133

البغويّ: أي حين قرب يعقوب من الموت.

(1:170)

الزّمخشريّ: أي حين احتضر.(1:313)

ابن عطيّة: معنى الآية:حضر يعقوب مقدّمات الموت،و إلاّ فلو حضر الموت لما أمكن أن يقول شيئا.(1:214)

أبو حيّان :[نحو ابن عطيّة و أضاف:]و منه: وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ما هُوَ بِمَيِّتٍ إبراهيم:17،أي و يأتيه دواعيه و أسبابه.[ثمّ استشهد بشعر]

و في قوله:(حضر)كناية غريبة أنّه غائب لا بدّ أن يقدم،و لذلك يقال في الدّعاء:و اجعل الموت خير غائب ننتظره.

ص: 540

و قرئ (حضر) بكسر الضّاد،و قد ذكرنا أنّ ذلك لغة،و أنّ مضارعها بضمّ الضّاد شاذّ،و قدّم المفعول هنا على الفاعل للاعتناء.(1:401)

أبو السّعود :المراد بحضور الموت:حضور أسبابه.

(1:202)

الآلوسيّ: حضر من باب«قعد».و قرئ (حضر) بالكسر،و مضارعه أيضا يحضر بالضّمّ،و هي لغة شاذّة.

(1:390)

2- كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ...

البقرة:180

ابن عبّاس: عند الموت.(25)

الزّجّاج: ليس هو أنّه كتب عليه أن يوصي إذا حضره الموت،لأنّه إذا عاين الموت يكون في شغل عن الوصيّة و غيرها.و لكن المعنى كتب عليكم أن توصوا و أنتم قادرون على الوصيّة،فيقول الرّجل:إذا حضرني الموت،أي إذا أنا متّ فلفلان كذا،على قدر ما أمر به.(1:250)

نحوه ابن الجوزيّ.(1:181)

الماورديّ: ليس يريد به ذكر الوصيّة عند حلول الموت،لأنّه في شغل عنه،و لكن تكون العطيّة بما تقدّم من الوصيّة عند حضور الموت.(1:231)

الطّوسيّ: و الحضور:وجود الشّيء؛بحيث يمكن أن يدرك.[ثمّ ذكر مثل الزّجّاج](2:109)

الواحديّ: يريد:أسباب الموت و مقدّماته من العلل و الأمراض.(1:268)

مثله البغويّ(1:210)،و الميبديّ(1:476).

الزّمخشريّ: إذا دنا منه،و ظهرت أماراته.

(1:333)

نحوه البيضاويّ(1:99)،و النّسفيّ(1:92)، و الخازن(1:126)،و الشّربينيّ(1:117)،و شبّر(1:

182)،و القاسميّ(3:406)،و رشيد رضا(2:134)، و المراغيّ(2:65)،و عزّة دروزة(7:273)،و مغنيّة(1:

278).

ابن عطيّة: مجاز،لأنّ المعنى إذا تخوّف و حضرت علاماته.(1:248)

الطّبرسيّ: أي أسباب الموت من مرض،و نحوه من الهرم.و لم يرد إذا عاين البأس و ملك الموت،لأنّ تلك الحالة تشغله عن الوصيّة.

و قيل:فرض عليكم الوصيّة في حال الصّحّة أن تقولوا:إذا حضرنا الموت.(1:267)

ابو الفتوح :إذا قارب،لأنّه لا يمكن حمله على الحقيقة،لأنّ حضور الموت يسقط التّكليف عنه.فلا يصحّ توجّه الخطاب إليه أو حضر أمارات الموت من العلل و الأمراض المخوفة.(2:342)

الفخر الرّازيّ: ليس المراد منه معاينة الموت،لأنّ في ذلك الوقت يكون عاجزا عن الإيصاء،ثمّ ذكروا في تفسيره وجهين:

الأوّل و هو اختيار الأكثرين:أنّ المراد حضور أمارة الموت،و هو المرض المخوف،و ذلك ظاهر في اللّغة.يقال فيمن يخاف عليه الموت:أنّه قد حضره الموت،كما يقال لمن قارب البلد:أنّه قد وصل.

ص: 541

و الثّاني قول الأصمّ:إنّ المراد فرض عليكم الوصيّة في حال الصّحّة بأن تقولوا:إذا حضرنا الموت فافعلوا كذا.

قال القاضي:و القول الأوّل أولى لوجهين:

أحدهما:أنّ الموصي و إن لم يذكر في وصيّته الموت جاز.

و الثّاني:أنّ ما ذكرناه هو الظّاهر،و إذا أمكن ذلك لم يجز حمل الكلام على غيره.(5:64)

نحوه النّيسابوريّ.(2:93)

القرطبيّ: و حضور الموت:أسبابه،و متى حضر السّبب كنّت به العرب عن المسبّب.[ثمّ استشهد بشعر].(2:258)

أبو حيّان :[نحو الواحديّ و أضاف:]

و العرب تطلق على أسباب الموت موتا على سبيل التّجوّز،و قال تعالى: وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ما هُوَ بِمَيِّتٍ إبراهيم:17.

و الخطاب في(عليكم)للمؤمنين مقيّدا بالإمكان على تقدير التّجوّز في حضور الموت.و لو جرى نظم الكلام على خطاب المؤمنين،لكان إذا حضركم الموت، لكنّه روعيت دلالة العموم في(عليكم)من حيث المعنى إذ المعنى؛كتب على كلّ واحد منكم،ثمّ أظهر ذلك المضمر؛إذ كأن يكون إذا حضره الموت،فقيل:إذا حضر أحدكم.و نظيره مراعاة المعنى في العموم.قول الشّاعر...

[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:16)

أبو السّعود :أي حضر أسبابه و ظهر أماراته،أو دنا نفسه من الحضور.و تقديم المفعول لإفادة كمال تمكّن الفاعل عند النّفس وقت وروده عليها.(1:239)

نحوه الآلوسيّ.(2:52)

البروسويّ: أي حضر أسبابه و ظهر أمارته و آثاره من العلل و الأمراض؛إذ لا اقتدار على الوصيّة عند حضور نفس الموت.

و العامل في(إذا)مدلول(كتب)لأنّ الكتب بمعنى الإيجاب لا يحدث وقت حضور الموت بل الحادث تعلّقه بالمكلّف وقت حضور موته،فكأنّه قيل:توجّه عليكم إيجاب اللّه تعالى و مقتضى كتابه إذا حضر،فعبّر عن توجّه الإيجاب و تعلّقه ب(كتب)للدّلالة على أنّ هذا المعنى مكتوب في الأزل.(1:286)

3- ...حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ... النّساء:18

4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ...

المائدة:106

معناهما مثل ما قبلهما.

5- وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينُ... النّساء:8

لاحظ:ق س م:«القسمة».

حضروه

وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا... الأحقاف:29

ص: 542

ابن عبّاس: فَلَمّا حَضَرُوهُ أي النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و هو ببطن نخل.(426)

حضروا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،يتعرّفون الأمر الّذي حدث من قبله ما حدث في السّماء،و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لا يشعر بمكانهم.(الطّبريّ 26:31)

الطّبريّ: اختلف أهل العلم في صفة حضورهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال بعضهم:[و ذكر قول ابن عبّاس و أضاف:]

و قال آخرون:بل أمر نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يقرأ عليهم القرآن،و أنّهم جمعوا له بعد أن تقدّم اللّه إليه بإنذارهم، و أمره بقراءة القرآن عليهم.[إلى أن قال:]

فلمّا حضروا القرآن و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقرأ،قال بعضهم لبعض:أنصتوا لنستمع القرآن.(26:31-33)

الماورديّ: يحتمل وجهين:

أحدهما:فلمّا حضروا قراءة القرآن قال بعضهم لبعض:أنصتوا لسماع القرآن.

الثّاني:لمّا حضروا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قالوا:أنصتوا لسماع قوله.(5:287)

نحوه ملخّصا الطّوسيّ(9:284)،و الفخر الرّازيّ (28:32)،و البيضاويّ(2:390)

الواحديّ: أي حضروا استماع القرآن.(4:115)

الزّمخشريّ: الضّمير للقرآن،أي فلمّا كان بمسمع منهم،أو لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و تعضده قراءة من قرأ: (فلمّا قضى) أي أتمّ قراءته و فرغ منها.(3:526)

ابن عربيّ: أي حضروا العقل القرآنيّ،الجامع للكمالات،عند ظهور النّور الفرقانيّ عليك.(2:492)

أبو حيّان:فلمّا حضروه،أي القرآن أي كانوا بمسمع منه.و قيل:حضروا الرّسول و هو التفات من (إليك)إلى ضمير الغيب.(8:67)

أبو السّعود : فَلَمّا حَضَرُوهُ أي القرآن عند تلاوته،أو الرّسول عند تلاوته له على الالتفات،و الأوّل هو الأظهر.(6:78)

نحوه الآلوسيّ.(26:30)

عبد الكريم الخطيب :أي كانوا بمحضر منه، بكيانهم كلّه،حسّا و معنى.فالحضور هنا حضور تجتمع له ملكات الحاضر كلّها،و لهذا كان من الجنّ هذا الإدراك السّريع،و الفهم الفاقة لما استمعوا إليه من آيات اللّه،و إنّه ما إن وقع لآذانهم شيء من القرآن،حتّى خشعوا بين يديه.(13:296)

الطّباطبائيّ: ضمير(حضروه)للقرآن بما يلمح إليه من المعنى الحدثيّ.(18:216)

مكارم الشّيرازيّ: و ذلك حينما كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يتلو آيات القرآن في جوف اللّيل،أو في صلاة الصّبح.(16:274)

فضل اللّه : فَلَمّا حَضَرُوهُ في الموقع الّذي يمكّنهم من الاستماع إليه.(21:39)

يحضرون

وَ أَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ. المؤمنون:98

ابن عبّاس: من أن يحضروني،يعني الشّياطين في الصّلاة و عند الموت.(290)

عكرمة :عند النّزع.(الزّمخشريّ 3:42)

ص: 543

الكلبيّ: في الصّلاة عند تلاوة القرآن.

(الماورديّ 4:66)

ابن زيد :من أن يحضرون في شيء من أمري.

(الطّبريّ 18:51)

نحوه الثّعلبيّ.(7:55)

الطّبريّ: يقول:و قل:أستجير بك ربّ أن يحضرون في أموري.(18:51)

الماورديّ: أي يشهدوني و يقاربوني.و فيه وجهان:أحدهما:[قول الكلبيّ].

و الثّاني:في أحواله كلّها،و هذا قول الأكثرين.

(4:66)

الطّوسيّ: ...أَنْ يَحْضُرُونِ هؤلاء الشّياطين فيوسوسون لي،و يغووني عن الحقّ.(7:393)

الواحديّ: أَنْ يَحْضُرُونِ في أموري،أي أن يصيبوني بالسّوء،لأنّ الشّيطان لا يحضر ابن آدم إلاّ بسوء.(3:297)

مثله ابن الجوزيّ(5:489)،و نحوه البغويّ(3:373).

الزّمخشريّ: أمر بالتّعوّذ من نخساتهم بلفظ المبتهل إلى ربّه المكرّر لندائه،و بالتّعوّذ من أن يحضروه أصلا و يحوموا حوله.(3:42)

نحوه النّسفيّ.(3:127)

ابن عطيّة: أَنْ يَحْضُرُونِ أن يكونوا معي في أموري،فإنّهم إذا حضروا الإنسان كانوا معدّين للهمز، فإذا لم يكن حضور فلا همز.(4:155)

مثله القرطبيّ.(12:148)

الطّبرسيّ: أي يشهدوني و يقاربوني و يصدّوني عن طاعتك.و قيل:معناه أن يحضروني في الصّلاة عند تلاوة القرآن،و قيل:في الأحوال كلّها.(4:117)

الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:

أحدهما: أَنْ يَحْضُرُونِ عند قراءة القرآن لكي يكون متذكّرا فيقلّ سهوه.

و قال آخرون:بل استعاذ باللّه من نفس حضورهم، لأنّه الدّاعي إلى وسوستهم،كما يقول المرء:أعوذ باللّه من خصومتك،بل أعوذ باللّه من لقائك.(23:119)

البيضاويّ: يحوموا حولي في شيء من الأحوال،أو تخصيص حال الصّلاة و قراءة القرآن و حلول الأجل، لأنّها أحرى الأحوال بأن يخاف عليه.(2:114)

النّيسابوريّ: ثمّ أمره بالتّعوّذ من أن يحضروه أصلا،كما يقال:أعوذ باللّه من خصومتك بل أعوذ باللّه من لقائك.[ثمّ نقل قولي ابن عبّاس و عكرمة و قال:]

و الأولى العموم.(18:38)

نحوه أبو حيّان.(6:420)

الشّربينيّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]

و هم إنّما يحضرون بالسّوء،و لو لم تصل إليّ وساوسهم فإنّ بعدهم بركة.(2:590)

نحوه المراغيّ.(18:54)

أبو السّعود :أمر عليه السّلام بأن يعوذ به تعالى من حضورهم بعد ما أمر بالعوذ به من همزاتهم،للمبالغة في التّحذير من ملابستهم.و إعادة الفعل مع تكرير النّداء، لإظهار كمال الاعتناء بالمأمور به،و عرض نهاية الابتهال في الاستدعاء.[ثمّ قال نحو البيضاويّ](4:431)

نحوه الآلوسيّ.(18:62)

ص: 544

البروسويّ: أصله يحضرونني فحذفت إحدى النّونين ثمّ حذفت ياء المتكلّم اكتفاء بالكسرة،أي من أن يحضروني و يحوموا حولي،في حال من الأحوال صلاة أو تلاوة،أو عند الموت،أو غير ذلك.(6:104)

ابن عاشور :هو تعوّذ من قربهم،لأنّهم إذا اقتربوا منه لحقه أذاهم.(18:99)

مكارم الشّيرازيّ: أي حضور الشّياطين في اجتماعات النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله الّذي يؤدّي إلى إغفال المجتمعين و إلحاق الأذى بهم.(10:446)

فضل اللّه : أَنْ يَحْضُرُونِ في كلّ مواقع الفكر و الحركة و الشّعور و الحياة.(16:195)

حاضرا

...وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً... الكهف:49

ابن عبّاس: مكتوبا.(248)

الطّبريّ: حاضِراً في كتابهم ذلك مكتوبا مثبتا، فجوّزوا بالسّيّئة مثلها،و الحسنة ما اللّه جازيهم بها.

(15:259)

نحوه المراغيّ.(15:158)

الواحديّ: مكتوبا مثبتا،ذكره في الكتاب.

(3:152)

نحوه البيضاويّ(2:15)،و الشّربينيّ(2:383).

الزّمخشريّ: حاضِراً في الصّحف عتيدا،أو جزاء ما عملوا.(2:487)

مثله الفخر الرّازيّ(21:134)،و أبو حيّان(6:135).

الطّبرسيّ: [مثل الواحديّ]و قيل:معناه:وجدوا جزاء ما عملوا حاضرا.فجعل وجود الجزاء كوجود الأعمال توسّعا.(3:474)

نحوه ابن الجوزيّ.(5:153)

أبو السّعود :مسطورا عتيدا.(4:195)

البروسويّ: مثبتا في كتابهم.و في«التّأويلات» لأنّهم كتبوا صالح أعمالهم بقلم أفعالهم في صحائف قلوبهم،و سوء أعمالهم في صحائف نفوسهم.و قد يوجد عكس ما في هذه الصّحائف على صفحات الأرواح نورانيّا أو ظلمانيّا.(5:254)

الآلوسيّ: مسطورا في كتاب كلّ منهم،أو عتيدا بين أيديهم نقدا غير مؤجّل،و اختير المعنى الأخير و إن كان فيه ارتكاب خلاف الظّاهر،لأنّ الكلام عليه تأسيس محض.(15:292)

ابن عاشور :و جملة وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً عطف على جملة وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً لما أفهمته الصّلة من أنّهم لم يجدوا غير ما عملوا،أي لم يحمل عليهم شيء لم يعملوه،لأنّ اللّه لا يظلم أحدا فيؤاخذه بما لم يقترفه.(15:82)

الطّباطبائيّ: ظاهر السّياق كون الجملة تأسيسا لا عطف تفسير،لقوله: لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً...

الكهف:49.و عليه فالحاضر عندهم نفس الأعمال بصورها المناسبة لها لا كتابتها،كما هو ظاهر أمثال قوله:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ التّحريم:7،و يؤيّده قوله بعده: وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً فإنّ انتفاء الظّلم بناء على تجسّم الأعمال أوضح،لأنّ ما يجزون به إنّما هو عملهم،يرد

ص: 545

إليهم و يلحق بهم،لا صنع في ذلك لأحد،فافهم ذلك.

(13:325)

حاضرى

...ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ...

البقرة:196

ابن عبّاس: لمن لم يكن أهله و منزله في الحرم،لأنّه ليس على أهل الحرم هدي التّمتّع.(27)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(1:221)

أنّهم أهل الحرم.

مثله مجاهد و قتادة و طاوس.(الماورديّ 1:257)

عكرمة :هم دون المواقيت.(البغويّ 1:249)

نحوه مكحول.(الطّبريّ 2:256)

مكحول:بين مكّة و المواقيت.

مثله عطاء.(الماورديّ 1:258)

الإمام الباقر عليه السّلام:ذلك أهل مكّة ليس لهم متعة و لا عليهم عمرة[قيل:فما حدّ ذلك؟قال:]

ثمانية و أربعون ميلا عن جميع نواحي مكّة دون عسفان و ذات عرق.(الكاشانيّ 1:214)

عطاء:عرفة،و مرّ،و عرنة،و ضجنان،و الرّجيع، و نخلتان.

جعل أهل عرفة من أهل مكّة في قوله:(ذلك...).

(الطّبريّ 2:256)

الزّهريّ: من كان على يوم أو يومين فهو من حاضري المسجد الحرام.(ابن عطيّة 1:271)

أنّهم أهل الحرم،و من قرب منزله منه كأهل عرفة و الرّجيع.

مثله مالك.(الماورديّ 1:258)

السّدّيّ: إنّ هذا لأهل الأمصار،ليكون عليهم أيسر من أن يحجّ أحدهم مرّة و يعتمر أخرى،فتجمع حجّته و عمرته في سنة واحدة.(الطّبريّ 2:255)

الرّبيع:يعني المتعة أنّها لأهل الآفاق،و لا تصلح لأهل مكّة.(الطّبريّ 2:255)

الإمام الصّادق عليه السّلام:من كان منزله على ثمانية عشر ميلا من بين يديها،و ثمانية عشر ميلا عن خلفها، و ثمانية عشر ميلا عن يمينها،و ثمانية عشر ميلا عن يسارها،فلا متعة له مثل مرّ و أشباهها (1).

(الكاشانيّ 1:214)

أبو حنيفة:حاضروا المسجد الحرام و أهل المواقيت فمن دونها إلى مكّة.(الزّمخشريّ 1:345)

نحوه النّسفيّ.(1:101)

ابن جريج:أهل عرفة و الرّجيع و ضجنان.

(البغويّ 1:249)

ابن المبارك:ما كان دون المواقيت إلى مكّة.(الطّبريّ 2:256)

ابن زيد :أهل مكّة و فجّ و ذي طوى،و ما يلي ذلك فهو من مكّة.(الطّبريّ 2:256)

الشّافعيّ: من كان على مسافة لا يقصر في مثلها الصّلاة.(الماورديّ 1:258)

كلّ من كان وطنه من مكّة على أقلّ من مسافة

ص: 546


1- بطن مرّ،و يقال له:مرّ الظّهران:موضع على مرحلة من مكّة.

القصر،فهو من حاضري المسجد الحرام.

(البغويّ 1:249)

الفرّاء: يقول:ذلك لمن كان من الغرباء من غير أهل مكّة،فأمّا أهل مكّة فليس ذلك عليهم.(1:118)

الطّبريّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و أولى الأقوال في ذلك بالصّحّة عندنا قول من قال:

إنّ حاضري المسجد الحرام من هو حوله،ممّن بينه و بينه من المسافة ما لا تقصر إليه الصّلوات،لأنّ حاضر الشّيء في كلام العرب هو الشّاهد له بنفسه.و إذ كان ذلك كذلك -و كان لا يستحقّ أن يسمّى غائبا إلاّ من كان مسافرا شاخصا عن وطنه،و كان المسافر لا يكون مسافرا إلاّ بشخوصه عن وطنه إلى ما تقصر في مثله الصّلاة،و كان من لم يكن كذلك لا يستحقّ اسم غائب عن وطنه و منزله-كان كذلك من لم يكن من المسجد الحرام على ما تقصر إليه الصّلاة غير مستحقّ أن يقال:هو من غير حاضريه؛إذ كان الغائب عنه هو من وصفنا صفته.

و إنّما لم تكن المتعة لمن كان من حاضري المسجد الحرام،من أجل أنّ التّمتّع إنّما هو الاستمتاع بالإحلال من الإحرام بالعمرة إلى الحجّ،مرتفقا في ترك العود إلى المنزل و الوطن بالمقام بالحرم،حتّى ينشئ منه الإحرام بالحجّ،و كان المعتمر متى قضى عمرته في أشهر الحجّ ثمّ انصرف إلى وطنه،أو شخص عن الحرم إلى ما تقصر فيه الصّلاة،ثمّ حجّ من عامه ذلك،بطل أن يكون مستمتعا، لأنّه لم يستمتع بالمرفق الّذي جعل للمستمتع من ترك العود إلى الميقات،و الرّجوع إلى الوطن بالمقام في الحرم، و كان المكّيّ من حاضري المسجد الحرام لا يرتفق بذلك، من أجل أنّه متى قضى عمرته أقام في وطنه بالحرم،فهو غير مرتفق بشيء ممّا يرتفق به من لم يكن أهله من حاضري المسجد الحرام،فيكون متمتّعا بالإحلال من عمرته إلى حجّه.(2:256)

الزّجّاج: أي هذا الفرض على من لم يكن من (1)أهله بمكّة.و حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أصله:

حاضرين المسجد الحرام،فسقطت النّون للإضافة و سقطت الياء في الوصل،لسكونها و سكون اللاّم في المسجد،و أمّا الوقف فتقول فيه متى اضطررت إلى أن تقف حاضِرِي.

(1:269)

ابن الأنباريّ: إنّ هذا الفرض لمن كان من الغرباء، و إنّما ذكر أهله،و هو المراد بالحضور،لأنّ الغالب على الرّجل أن يسكن حيث أهله ساكنون.

(ابن الجوزيّ 1:208)

القمّيّ: و ذلك لمن ليس هو مقيم بمكّة و لا من أهل مكّة،أمّا أهل مكّة و من كان حول مكّة على ثمانية و أربعين ميلا،فليست لهم متعة و إنّما يفردون الحجّ.

(1:69)

الطّوسيّ: من كان بينه و بينها اثنا عشر ميلا من أربع جوانبها.[ثمّ نقل أقوال الآخرين](2:161)

مثله الطّبرسيّ.(1:291)

الواحديّ: [نحو الفرّاء و أضاف:]

و ذكر اللّه تعالى حضور الأهل،و المراد به:حضور المحرم،و لكنّ الغالب أن يسكن الرّجل حيث أهلهة.

ص: 547


1- جاء في الهامش:على من لم يكن بين أهله بمكّة.

ساكنون،و كلّ من كانت داره على مسافة لا يقصر إليها الصّلاة فهو من حاضري المسجد الحرام،لأنّه يقرب من مكّة.(1:300)

ابن عطيّة: و اختلف النّاس في حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ بعد الإجماع على أهل مكّة و ما اتّصل بها،و قال الطّبريّ:بعد الإجماع على أهل الحرم.و ليس كما قال.فقال بعض العلماء:من كان حيث تجب الجمعة عليه بمكّة فهو حضريّ،و من كان أبعد من ذلك فهو بدويّ.

فجعل اللّفظة من الحضارة و البداوة.

و قال بعضهم:من كان بحيث لا تقصر الصّلاة إلى مكانه فهو حاضر أي شاهد،و من كان أبعد من ذلك فهو غائب.[ثمّ نقل أقوالا أخر](1:271)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في المراد بحاضري المسجد الحرام،فقال مالك:هم أهل مكّة و أهل ذي طوى.

[و ذكر أقوالا أخر ثمّ قال:]

و لفظ الآية موافق لمذهب مالك رحمه اللّه،لأنّ أهل مكّة هم الّذين يشاهدون المسجد الحرام و يحضرونه، فلفظ الآية لا يدلّ إلاّ عليهم.إلاّ أنّ الشّافعيّ قال:كثيرا ما ذكر اللّه المسجد الحرام،و المراد منه:الحرم،قال تعالى:

سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الإسراء:1،و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إنّما أسري به من الحرم لا من المسجد الحرام،و قال: ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ الحجّ:33،و المراد:الحرم،لأنّ الدّماء لا تراق في البيت و المسجد.

إذا ثبت هذا فنقول:المراد من المسجد الحرام هاهنا ما ذكرناه،و يدلّ عليه وجهان:

الأوّل:الحاضر ضدّ المسافر،و كلّ من لم يكن مسافرا كان حاضرا.و لمّا كان حكم السّفر إنّما ثبت في مسافة القصر،فكلّ من كان دون مسافة القصر لم يكن مسافرا و كان حاضرا.

الثّاني:أنّ العرب تسمّي أهل القرى:حاضرة و حاضرين،و أهل البرّ:بادية و بادين.و مشهور كلام النّاس:أهل البدو و الحضر،يراد بهما:أهل الوبر و المدر.

[إلى أن قال:]

اللّه تعالى ذكر حضور الأهل،و المراد حضور المحرم لا حضور الأهل،لأنّ الغالب على الرّجل أنّه يسكن حيث أهله ساكنون.(5:174)

نحوه النّيسابوريّ(2:165)،و الآلوسيّ(2:84).

القرطبيّ: [نحو ابن عطيّة،و نقل قوله و أقوالا أخرى ثمّ قال:]

و على هذه الأقوال مذاهب السّلف في تأويل الآية.

(2:404)

البيضاويّ: و هو من كان من الحرم على مسافة القصر عندنا،فإنّه مقيم في الحرم أو في حكمه،و من مسكنه وراء الميقات عنده[أبي حنيفة]،و أهل الحلّ عند طاوس،و غير المكّيّ عند مالك.(1:108)

أبو حيّان :[نقل الأقوال ثمّ قال:]

و الظّاهر أنّ حاضري المسجد الحرام هم سكّان مكّة فقط،لأنّهم هم الّذين يشاهدون المسجد الحرام،و سائر الأقوال لا بدّ فيها من ارتكاب مجاز،فيه بعد،و بعضه أبعد من بعض.و ذكر حضور الأهل و المراد حضوره هو،لأنّ

ص: 548

الغالب أن يسكن حيث أهله ساكنون.(2:81)

الفاضل المقداد:و لأصحابنا قولان:

أحدهما:من كان على اثني عشر ميلا فما دون،و لم نظفر له بدليل.

و ثانيهما:ثمانية و أربعون ميلا،و هو الحقّ لما رواه زرارة عن الباقر عليه السّلام«قال:قلت له:ما معنى قول اللّه تعالى: ذلِكَ لِمَنْ... قال:يعني أهل مكّة ليس عليهم متعة،كلّ من كان أهله دون ثمانية و أربعين ميلا ذات عرق و عسفان،و كلّما يدور حول مكّة فهو ممّن دخل في هذه الآية،و كلّ من كان أهله وراء ذلك فعليه المتعة».(1:299)

الشّربينيّ: و هم من مساكنهم دون مرحلتين من الحرم،لقربهم منه.و القريب من الشّيء يقال:إنّه حاضره،قال تعالى: وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ الأعراف:163،أي قريبة منه.

(1:130)

أبو السّعود :و هو من كان من الحرم على مسافة القصر عند الشّافعيّ،و من كان مسكنه وراء الميقات عندنا،و أهل الحلّ عند طاوس،و غير أهل مكّة عند مالك.(1:250)

نحوه البروسويّ(1:312)،و المراغيّ(2:95).

القاسميّ: (ذلك)أي وجوب دم التّمتّع أو بدله لمن لم يجد لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أي:بل كان أهله على مسافة الغيبة منه.و أمّا من كان أهله حاضريه بأن يكون ساكنا في مكّة،فهو في حكم القرب من اللّه،فاللّه تعالى يجبر بفضله.

و قال بعض المجتهدين:إنّ ذلك إشارة إلى التّمتّع المفهوم من قوله: فَمَنْ تَمَتَّعَ و ليست للهدي و الصّوم، فلا متعة و لا قران لحاضري المسجد الحرام،عنده.[إلى أن قال:]

و الحضور:ملازمة الوطن.(3:490)

رشيد رضا :و ذلك أنّ أهل الآفاق هم الّذين يحتاجون إلى هذا التّمتّع،لما يلحقهم من المشقّة بالسّفر إلى الحجّ وحده،ثمّ السّفر إلى العمرة وحدها.هذا ما اختاره الأستاذ الإمام و عليه الحنفيّة،فلا متعة و لا قران عندهم لحاضري المسجد الحرام.[ثمّ أدام الكلام في نقل الأقوال](2:223)

عزّة دروزة :لمن لم يكن مقيما مع أهله في منطقة المسجد الحرام إقامة دائمة،فهذا له أن يتمتّع بالعمرة إلى الحجّ بدون كفّارة.(7:303)

الطّباطبائيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و التّعبير عن النّائي البعيد بأن لا يكون أهله حاضري المسجد الحرام من ألطف التّعبيرات،و فيه إيماء إلى حكمة التّشريع و هو التّخفيف و التّسهيل.(2:77)

الصّابونيّ: [نقل الأقوال و منها قول المالكيّة:

و هو:غير المكّيّ ثمّ قال:]

لعلّ ما ذهب إليه المالكيّة هو الأرجح،و اللّه تعالى أعلم.(1:253)

مكارم الشّيرازيّ: مناسك حجّ التّمتّع المذكورة تختصّ بالأفراد البعيدين عن مكّة،و لا تشمل السّاكنين قرب المسجد الحرام.

المعروف بين الفقهاء:أنّ حجّ التّمتّع يجب على من

ص: 549

كان مسكنه يبعد عن المسجد الحرام مسافة تزيد على 48 ميلا،أمّا سكنة مكّة و من يبعدون عنها في شعاع المسافة المذكورة،فعليهم حجّ القران أو الإفراد،و شرح ذلك مذكور في كتب الفقه.(2:29)

حاضرة

1- ...إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاّ تَكْتُبُوها... البقرة:282

الطّبريّ: ثمّ استثنى جلّ ذكره ممّا نهاهم عنه أن يسأموه من اكتتاب كتب حقوقهم على غرمائهم بالحقوق الّتي لهم عليهم،ما وجب لهم قبلهم من حقّ،عن مبايعة بالنّقود الحاضرة يدا بيد،فرخّص لهم في ترك اكتتاب الكتب بذلك،لأنّ كلّ واحد منهم،أعني من الباعة و المشترين،يقبض إذا كان التّواجب بينهم فيما يتبايعونه بعد ما وجب له قبل مبايعيه قبل المفارقة،فلا حاجة لهم في ذلك إلى اكتتاب أحد الفريقين على الفريق الآخر كتابا بما وجب لهم قبلهم،و قد تقابضوا الواجب لهم عليهم،فلذلك قال تعالى ذكره: إِلاّ أَنْ تَكُونَ...

لا أجل فيها و لا تأخير و لا نساء فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاّ تَكْتُبُوها يقول:فلا حرج عليكم ألاّ تكتبوها، يعني التّجارة الحاضرة.(3:131)

الثّعلبيّ: قرأها[تجارة]عاصم بالنّصب على خبر «كان»و أضمر الاسم،و مجازه:إلاّ أن تكون التّجارة تجارة،و المبايعة تجارة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ الباقون بالرّفع على وجهين:

أحدهما:أن يكون معنى الكون الوقوع،أراد:إلاّ أن تقع تجارة،و حينئذ لا خبر له.

و الثّاني:أن يجعل الاسم في التّجارة و الخبر في الفعل، و هو قوله تعالى: تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ تقديره:إلاّ أن تكون تجارة حاضرة دائرة بينكم،و معنى الآية:إلاّ أن تكون تجارة حاضرة يدا بيد تديرونها بينكم،ليس فيها أجل و لا نسيئة.(2:296)

لاحظ ت ج ر:«تجارة».

2- وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ...

الأعراف:163

الطّبريّ: يقول:كانت بحضرة البحر،أي بقرب البحر و على شاطئه.(9:90)

نحوه ابن الجوزيّ(3:276)،و الثّعلبيّ(4:295).

الزّمخشريّ: قريبة منه راكبة لشاطئه.(2:125)

نحوه أبو السّعود(3:43)،و الآلوسيّ(9:90).

ابن عطيّة: يحتمل أن يريد معنى الحضور،أي البحر فيها حاضر،و يحتمل أن يريد معنى الحضارة على جهة التّعظيم لها،أي هي الحاضرة في مدن البحر.

(2:467)

الطّبرسيّ: أي مجاورة البحر،و قريبة من البحر، على شاطئ البحر.(2:491)

الفخر الرّازيّ: يعني قريبة من البحر و بقربه و على شاطئه.و الحضور:نقيض الغيبة،كقوله تعالى: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ البقرة:196.

(15:36)

أبو حيّان :و معنى حاضِرَةَ الْبَحْرِ: بقرب البحر

ص: 550

مبنيّة بشاطئه.و يحتمل أن يريد معنى الحاضرة على جهة التّعظيم لها،أي هي الحاضرة في قرى البحر،فالتّقدير:

حاضرة قرى البحر،أي يحضر أهل قرى البحر إليها لبيعهم و شرائهم و حاجتهم.(4:410)

الشّربينيّ: أي مجاورة بحر القلزم على شاطئه.[ثمّ ذكر مثل الفخر الرّازيّ](1:529)

ابن عاشور :و وصفت بأنّها حاضِرَةَ الْبَحْرِ بمعنى الاتّصال بالبحر و القرب منه،لأنّ الحضور يستلزم القرب.(8:327)

عبد الكريم الخطيب :أي قائمة عليه،و بمحضر منه،أي ليست بعيدة عنه،بل هي مشرفة عليه.

(5:504)

الطّباطبائيّ: أي قريبة منه مشرفة عليه من حضر الأمر،إذا أشرف عليه و شهده.(8:294)

مكارم الشّيرازيّ: تعيش على ساحل البحر.

(5:244)

مثله فضل اللّه.(10:270)

احضرت

عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ. التّكوير:14

ابن عبّاس: ما قدّمت من خير أو شرّ.(503)

الطّبريّ: علمت نفس عند ذلك ما أحضرت من خير،فتصير به إلى الجنّة،أو شرّ فتصير به إلى النّار، يقول:يتبيّن له عند ذلك ما كان جاهلا به،و ما الّذي كان فيه صلاحه من غيره.(30:74)

نحوه ابن عطيّة.(5:443)

الفخر الرّازيّ: من المعلوم أنّ العمل لا يمكن إحضاره،فالمراد إذن:ما أحضرته في صحائفها،و ما أحضرته عند المحاسبة،و عند الميزان من آثار تلك الأعمال،و المراد:ما أحضرت من استحقاق الجنّة و النّار.

(31:70)

أبو السّعود :و المراد بما أحضرت:أعمالها من الخير و الشّرّ،و بحضورها إمّا حضور صحائفها كما يعرب عنه نشرها،و إمّا حضور أنفسها على ما قالوا:من أنّ الأعمال الظّاهرة في هذه النّشأة بصور عرضيّة تبرز في النّشأة الآخرة بصور جوهريّة مناسبة لها في الحسن و القبح،على كيفيّات مخصوصة و هيئات معيّنة،حتّى أنّ الذّنوب و المعاصي تتجسّم هناك،و تتصوّر بصورة النّار.

و على ذلك حمل قوله تعالى: وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ التّوبة:49،و العنكبوت:54،و إِنَّ الَّذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوالَ الْيَتامى ظُلْماً إِنَّما يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ ناراً النّساء:10،و كذا قوله عليه الصّلاة و السّلام في حقّ من يشرب من آنية الذّهب و الفضّة:«إنّما يجرجر في بطنه نار جهنّم».و لا بعد في ذلك،ألا يرى أنّ العلم يظهر في عالم المثال على صورة اللّبن،كما لا يخفى على من له خبرة بأحوال الحضرات الخمس.و قد روي عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما أنّه يؤتى بالأعمال الصّالحة على صور حسنة،و بالأعمال السّيّئة على صور قبيحة،فتوضع في الميزان.

و أيّا ما كان فإسناد إحضارها إلى النّفس مع أنّها تحضر بأمر اللّه تعالى،كما ينطق به: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً آل عمران:30،لأنّها لمّا

ص: 551

عملتها في الدّنيا فكأنّها أحضرتها في الموقف.و معنى علمها بها حينئذ أنّها تشاهدها على ما هي عليه في الحقيقة،فإن كانت صالحة تشاهدها على صور أحسن ممّا كانت تشاهدها عليه في الدّنيا،لأنّ الطّاعات لا تخلو فيها عن نوع مشقّة.و إن كانت سيّئة تشاهدها على خلاف ما كانت تشاهدها عليه هاهنا،لأنّها كانت مزيّنة لها موافقة لهواها.(6:385)

نحوه الآلوسيّ(30:56)

الطّباطبائيّ: المراد بالنّفس:الجنس،و المراد بما أحضرت:عملها الّذي عملته.يقال:أحضرت الشّيء، أي وجدته حاضرا،كما يقال:أحمدته،أي وجدته محمودا.

فالآية في معنى يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ آل عمران:30.

(20:215)

و قد تركنا كثيرا من النّصوص حذرا من التّكرار.

احضرت

...وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ... النّساء:128

ابن عبّاس: جبلت الأنفس على الشّحّ و البخل، فتبخل بنصيب زوجها.(81)

الواحديّ: أي ألزمت البخل.(2:125)

الزّمخشريّ: معنى إحضار الأنفس الشّحّ:أنّ الشّحّ جعل حاضرا لها لا يغيب عنها أبدا،و لا تنفكّ عنه،يعني أنّها مطبوعة عليه.و الغرض أنّ المرأة لا تكاد تسمح بقسمتها و بغير قسمتها،و الرّجل لا تكاد نفسه تسمح أن يقسم لها و أن يمسكها إذا رغب عنها و أحبّ غيرها.(1:568)

نحوه البيضاويّ(1:248)،و النّسفيّ(1:254)، و الشّربينيّ(1:336)،و أبو السّعود(2:204).

ابن عطيّة: معذرة عن عبيده تعالى،أي لا بدّ للإنسان بحكم خلقته و جبلّته من أن يشحّ إرادته حتّى يحمل صاحبه على بعض ما يكره.(2:120)

نحوه القرطبيّ.(5:406)

الفخر الرّازيّ: الشحّ هو البخل،و المراد:أنّ الشّحّ جعل كالأمر المجاور للنّفوس اللاّزم لها،يعني أنّ النّفوس مطبوعة على الشّحّ.ثمّ يحتمل أن يكون المراد منه أنّ المرأة تشحّ ببذل نصيبها و حقّها،و يحتمل أن يكون المراد أنّ الزّوج يشحّ بأن يقضي عمره معها مع دمامة وجهها و كبر سنّها،و عدم حصول اللّذّة بمجالستها.(11:67)

نحوه النّيسابوريّ.(5:161)

أبو حيّان :[نقل قول الزّمخشريّ ثمّ قال:]

قوله:«و معنى إحضار الأنفس الشّحّ:أنّ الشّحّ جعل حاضرا لا يغيب عنها أبدا»جعله من باب القلب و ليس بجيّد،بل التّركيب القرآنيّ يقتضي أنّ(الانفس)جعلت حاضرة للشّحّ لا تغيب عنه،لأنّ(الانفس)هو المفعول الّذي لم يسمّ فاعله،و هي الّتي كانت فاعلة قبل دخول همزة النّقل؛إذ الأصل:حضرت الأنفس الشّحّ.على أنّه يجوز عند الجمهور في هذا الباب إقامة المفعول الثّاني مقام الفاعل على تفصيل في ذلك،و إن كان الأجود عندهم إقامة الأوّل،فيحتمل أن تكون(الانفس)هي المفعول الثّاني و(الشّحّ)هو المفعول الأوّل و قام الثّاني مقام الفاعل.و الأولى حمل القرآن على الأفصح المتفق عليه.

ص: 552

(3:364)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و أصل الكلام:أحضر اللّه الأنفس الشّحّ.فلمّا بني للمفعول أقيم مفعوله الأوّل مقام الفاعل.(2:296)

الآلوسيّ: و«حضر»متعدّ لواحد و«أحضر» لاثنين،و الأوّل هو(الأنفس)القائم مقام الفاعل؛و الثّاني (الشّحّ).و المراد أحضر اللّه تعالى الأنفس الشّحّ و هو البخل مع الحرص.و يجوز أن يكون القائم مقام الفاعل هو الثّاني،أي إنّ الشّحّ جعل حاضرا لها لا يغيب عنها أبدا.أو أنّها جعلت حاضرة له مطبوعة عليه،فلا تكاد المرأة تسمح بحقوقها من الرّجل،و لا الرّجل يكاد يجود بالإنفاق و حسن المعاشرة مثلا على الّتي لا يريدها.

و ذكر شيخ الإسلام:أنّ في ذلك تحقيقا للصّلح و تقريرا له بحثّ كلّ من الزّوجين عليه،لكن لا بالنّظر إلى حال نفسه،فإنّ ذلك يستدعي التّمادي في الشّقاق،بل بالنّظر إلى حال صاحبه،فإنّ شحّ نفس الرّجل و عدم ميلها عن حالتها الجبلّيّة بغير استمالة ممّا يحمل المرأة على بذل بعض حقوقها إليه لاستمالته،و كذا شحّ نفسها بحقوقها ممّا يحمل الرّجل على أن يقنع من قبلها بشيء يسير و لا يكلّفها بذل الكثير،فيتحقّق بذلك الصّلح الّذي هو خير.(5:162)

الطّباطبائيّ: الشّحّ هو البخل،معناه:أنّ الشّحّ من الغرائز النّفسانيّة الّتي جبلها اللّه عليها لتحفظ به منافعها، و تصونها عن الضّيعة،فما لكلّ نفس من الشّحّ هو حاضر عندها،فالمرأة تبخل بمالها من الحقوق في الزّوجيّة كالكسوة و النّفقة و الفراش و الوقاع،و الرّجل يبخل بالموافقة و الميل إذا أحبّ المفارقة،و كره المعاشرة،و لا جناح عليهما حينئذ أن يصلحا ما بينهما بإغماض أحدهما أو كليهما عن بعض حقوقه.(5:101)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(3:419).

فضل اللّه :أي البخل،فإنّه من الغرائز الإنسانيّة الّتي تكمن في داخل الإنسان فتمنعه من العطاء،و تحول بينه و بين تقديم التّنازلات من أجل الوصول إلى الحلول الوسط في العلاقات الإنسانيّة،ممّا يعقّد الحياة لدى جميع الفرقاء المتنازعين و يحوّلها إلى جحيم،فلا مناص من الصّلح الّذي يقود الطّرفين إلى بعض من الحقّ،بدلا من حرمانه منه بأجمعه.(7:489).

محضرا

يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً...

آل عمران:30

ابن عبّاس: مكتوبا في ديوانها.(45)

قتادة :موفّرا.(الطّبريّ 3:231)

مثله الطّبريّ.(3:231)

الرّاغب: أي مشاهدا معاينا في حكم الحاضر عنده.

(122)

الزّمخشريّ: أي يوم تجد عملها محضرا وادّة تباعد ما بينها و بين اليوم،أو عمل السّوء محضرا،كقوله:

وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً الكهف:49،يعني مكتوبا في صحفهم يقرءونه،و نحوه فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللّهُ وَ نَسُوهُ المجادلة:6.(1:423)

ص: 553

الطّبرسيّ: و نظيره قوله: وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً الكهف:49، عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ التّكوير:14،ثمّ اختلف في كيفيّة وجود العمل محضرا، فقيل:تجد صحائف الحسنات و السّيّئات،عن أبي مسلم و غيره،و هو اختيار القاضي.

و قيل:ترى جزاء عملها من الثّواب و العقاب،فأمّا أعمالهم فهي أعراض قد بطلت،و لا يجوز عليها الإعادة فيستحيل أن ترى محضرة.(1:431)

القرطبيّ: (محضرا):حال من الضّمير المحذوف من صلة(ما)،تقديره:يوم تجد كلّ نفس ما عملته من خير محضرا.هذا على أن يكون(تجد)من وجدان الضّالّة، و(ما)من قوله: وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ عطف على(ما) الأولى،و(تودّ)في موضع الحال من(ما)الثّانية.و إن جعلت(تجد)بمعنى«تعلم»كان(محضرا)المفعول الثّاني، و كذلك تكون(تودّ)في موضع المفعول الثّاني،تقديره:

يوم تجد كلّ نفس جزاء ما عملت محضرا.(4:59)

أبو البركات: (محضرا):منصوب على الحال من (ما)و العامل فيه(تجد).(1:199)

القيسي:حال من المضمر المحذوف من صلة(ما) تقديره:ما عملته من خير محضرا.(1:135)

أبو حيّان :قيل:و معنى(محضرا)على هذا موفّرا غير مبخوس.(2:427)

محضرون

1- وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ. الرّوم:16

ابن عبّاس: معذّبون.(339)

يحيى بن سلاّم:مدخلون.(الماورديّ(4:302)

ابن شجرة:مقيمون.الماورديّ(4:302)

نازلون.(القرطبيّ 14:14)

الطّبريّ: فأولئك في عذاب اللّه محضرون،و قد أحضرهم اللّه إيّاها،فجمعهم فيها.(21:28)

نحوه الميبديّ.(7:424)

الماورديّ: فيه خمسة تأويلات:

أحدها:مدخلون،قاله يحيى بن سلاّم.

الثّاني:نازلون،و منه قوله: إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ البقرة:180،و المائدة:106،أي نزل به.

الثّالث:مقيمون،قاله ابن شجرة.

الرّابع:معذّبون.

الخامس:مجموعون.و معاني هذه التّأويلات متقاربة.(4:302)

نحوه القرطبيّ(14:14)،و الشّوكانيّ(4:273).

الطّوسيّ: أي محضرون فيها.و لفظة«الإحضار» لا تستعمل إلاّ فيما يكرهه الإنسان،و منه حضور الوفاة.

و يقال:أحضر فلان مجلس السّلطان،إذا جيء به بما لا يؤثره.و الإحضار:إيجاد ما به يكون الشّيء حاضرا إمّا بإيجاد عينه كإحضار المعنى في النّفس،أو بإيجاد غيره كإيجاد ما به يكون الإنسان حاضرا.(8:236)

نحوه الطّبرسيّ.(4:299)

الزّمخشريّ: لا يغيبون عنه،و لا يخفّف عنهم.

(3:217)

نحوه ابن عطيّة(4:332)،و ابن الجوزيّ(6:293)،

ص: 554

و الفخر الرّازيّ(25:102)،و البيضاويّ(2:218)، و النّسفيّ(3:268)،و النيسابوريّ(21:27)،و الشّربينيّ (3:160)،و أبو السّعود(5:168)،و الكاشانيّ (4:128)،و شبّر(5:82)،و القاسميّ(13:4770)، و المراغيّ(21:33).

أبو حيّان :مجموعون له لا يغيب أحد منهم عنه.

[إلى أن قال:]

و جاء(محضرون)باسم الفاعل لاستعماله للثّبوت، فهم إذا دخلوا العذاب يبقون فيه محضرين،فهو وصف لازم لهم.(7:165)

البروسويّ: مدخلون على الدّوام لا يغيبون عنه أبدا.قال بعضهم:«الإحضار إنّما يكون على إكراه فيجاء به على كراهة»أي يحضرون العذاب في الوقت الّذي يحبر فيه المؤمنون في روضات الجنان،فيكونون على عذاب و ويل و ثبور،كما يكون المؤمنون على ثواب و سماع و حبور.(7:15)

الآلوسيّ: على الدّوام لا يغيبون عنه أبدا.و الظّاهر أنّ الفسقة من أهل الإيمان غير داخلين في أحد الفريقين:

أمّا عدم دخولهم في الّذين كفروا و كذّبوا بالآيات و البعث فظاهر،و أمّا عدم دخولهم في الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات،فإمّا لأنّ ذلك لا يقال في العرف إلاّ على المؤمنين المجتنبين للمفسقات على ما قيل،و إمّا لأنّ المؤمن الفاسق يصدق على المؤمن الّذي لم يعمل شيئا من الصّالحات أصلا،فهم غير داخلين في ذلك باعتبار جميع الأفراد،و حكمهم معلوم من آيات أخر،فلا تغفل.

(21:27)

عزّة دروزة:مساقون إليها سوقا.و الإحضار،هو إجبار المرء على الحضور.(6:288)

عبد الكريم الخطيب :إشارة إلى أنّهم يساقون إلى العذاب سوقا،و يدفعون إلى البلاء دفعا،إنّهم يودّون أن يفرّوا من هذا البلاء الّذي بين أيديهم،و لكن هناك من يمسك بهم على هذا البلاء،و يدفعهم إليه،في قوّة قاهرة مذلّة،لا يملكون لها دفعا.(11:491)

2- وَ لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ.

الصّافّات:158

هي بمعنى ما قبلها.

المحضرين

1- ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ. القصص:61

ابن عبّاس: من المعذّبين في النّار.(329)

مجاهد :أهل النّار،أحضروها.(الطّبريّ 20:97)

قتادة :أي في عذاب اللّه.(الطّبريّ 20:97)

الكلبيّ: المحمولين.(الماورديّ 4:261)

يحيى بن سلاّم:المحضرين في النّار.

(الماورديّ 4:261)

مثله الطّوسيّ(8:167)،و القرطبيّ(13:302)، و نحوه ابن قتيبة(334).

الطّبريّ: يعني من المشهدين عذاب اللّه،و أليم عقابه.(20:97)

الرّمّانيّ: المحضرين للجزاء.(الماورديّ 4:261)

الزّمخشريّ: من الّذين أحضروا النّار،و نحوه

ص: 555

لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ الصّافّات:57، فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ الصّافّات:127.(3:187)

نحوه النّسفيّ.(3:242)

الطّبرسيّ: المحضرين للجزاء و العقاب.و قيل:من المحضرين في النّار.(4:261)

الفخر الرّازيّ: تخصيص لفظ المحضرين بالّذين أحضروا للعذاب أمر عرف من القرآن،قال تعالى:

لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ الصّافّات:57، فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ الصّافّات:127،و في لفظه إشعار به،لأنّ الإحضار مشعر بالتّكليف و الإلزام،و ذلك لا يليق بمجالس اللّذّة،إنّما يليق بمجالس الضّرر و المكاره.

(25:6)

البيضاويّ: المحضرين للحساب أو العذاب.

(2:198)

مثله الكاشانيّ(4:98)،و نحوه البروسويّ(6:420).

الشّربينيّ: أي المقهورين على الحضور إلى مكان يودّ لو افتدى منه بملء الأرض ذهبا لم يقبل منه.

(3:112)

أبو السّعود :ثمّ نحضره أو أحضرناه يوم القيامة النّار أو العذاب.و إيثار الجملة الاسميّة للدّلالة على التّحقّق حتما.و في جعله من جملة المحضرين من التّهويل ما لا يخفى،و(ثمّ)للتّراخي في الزّمان أو في الرّتبة.

و قرئ (ثمّ هو) بسكون الهاء تشبيها للمنفصل بالمتّصل.(5:131)

نحوه الطّباطبائيّ.(16:63)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و لا يضرّ كون خبرها ظرفا مع العدول،و حصول الدّلالة على التّحقّق،لو قيل:أحضرناه،لا ينافي ذلك.

و قد يقال:إنّ فيما ذكر في النّظم الجليل شيء آخر غير الدّلالة على التّحقيق ليس في قولك،ثمّ احضرناه يوم القيامة كالدّلالة على التّقوى أو الحصر،و الدّلالة على التّهويل و الإيقاع في حيرة،و لمجموع ذلك جيء بالجملة الاسميّة.

و(يوم)متعلّق بالمحضرين المذكور،و قدّم عليه للفاصلة،أو هو متعلّق بمحذوف،و قد مرّ الكلام في مثل ذلك.و(ثمّ)للتّراخي في الرّتبة دون الزّمان و إن صحّ، و كان فيه إبقاء اللّفظ على حقيقته،لأنّه أنسب بالسّياق، و هو أبلغ و أكثر إفادة.و أرباب البلاغة يعدلون إلى المجاز ما أمكن،لتضمّنه لطائف النّكات.(20:99)

مكارم الشّيرازيّ: إشارة إلى الإحضار في محضر اللّه يوم القيامة للحساب،و فسّرها البعض بالإحضار في نار جهنّم،و لكنّ التّفسير الأوّل أنسب كما يبدو.

و على كلّ حال فإنّ هذا التّعبير يدلّ بصورة واضحة على أنّ المجرمين يساقون مكرهين،و على غير رغبة منهم إلى تلك العرصات المخوفة،و ينبغي أن يكون الأمر كذلك،لأنّ وحشة الحساب و القضاء يوم القيامة و مشاهدها تغمر وجودهم هناك.(12:251)

فضل اللّه :الّذين يقفون بين يدي اللّه ليحاسبهم على مواقفهم في الكفر و العصيان،فلا يجدون لهم من دون اللّه وليّا و لا نصيرا،فكيف يفكّر هؤلاء الكافرون؟ و كيف يفضّلون النّتائج الزّائلة على النّتائج الدّائمة؟!(17:321)

ص: 556

2- وَ لَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ.

الصّافّات:57

هي بمعنى ما قبلها.

محتضر

وَ نَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ.

القمر:28

ابن عبّاس: كلّ شارب لحضور صاحبه.(449)

مجاهد :يحضرون بهم الماء إذا غابت[النّاقة]و إذا جاءت حضروا اللّبن.(الطّبريّ 27:102)

مقاتل:إنّ النّاقة تحضر الماء يوم ورودها،و تغيب عنهم يوم ورودهم.(الماورديّ 5:416)

الفرّاء: يحتضره أهله و من يستحقّه.(3:108)

نحوه ابن قتيبة(433)،و ابن الجوزيّ(8:97).

الطّبريّ: كلّ شرب من ماء يوم غبّ النّاقة،و من لبن يوم ورودها،محتضر يحتضرونه.(27:102)

الزّجّاج: يحضر القوم الشّرب يوما،و تحضر النّاقة يوما.(5:90)

نحوه الواحديّ(4:211)،و البغويّ(4:325)، و الميبديّ(9:392)،و الطّبرسيّ(5:191)،و النّسفيّ (4:204)،و النّيسابوريّ(27:54)،و الخازن(6:229)، و المراغيّ(27:89)،و مغنيّة(7:196)،و الطّباطبائيّ (19:80).

الماورديّ: و فيه وجهان:أحدهما:[قول مقاتل].

الثّاني:أنّ ثمود يحضرون الماء يوم غبّها فيشربون، و يحضرون اللّبن يوم وردها فيحلبون.(5:416)

الطّوسيّ: أي كلّ قسم يحضره من هوله.و قيل:

المعنى نبّئهم أيّ يوم لهم و أيّ يوم لها،إلاّ أنّه غلّب من يعقل،فقال:نبّئهم.

و قيل:كانت النّاقة تحضر شربها و تغيب وقت شربهم.و كلّ فريق يحضر وقت شربه.(9:454)

الرّاغب: أي يحضره أصحابه.(122)

الزّمخشريّ: محضور لهم أو للنّاقة.و قيل:

يحضرون الماء في نوبتهم،و اللّبن في نوبتها.(4:40)

نحوه أبو حيّان.(8:181)

ابن عطيّة: محضور مشهود متواسى فيه.(5:218)

الفخر الرّازيّ: أي كلّ شرب محتضر للقوم بأسرهم،لأنّه لو كان ذلك لبيان كون الشّرب محتضرا للقوم أو النّاقة فهو معلوم،لأنّ الماء ما كان يترك من غير حضور،و إن كان لبيان أنّه تحضره النّاقة يوما و القوم يوما،فلا دلالة في اللّفظ عليه.و أمّا إذا كانت العادة قبل النّاقة على أن يرد الماء قوم في يوم و آخرون في يوم آخر، ثمّ لمّا خلقت النّاقة كانت تنقص شرب البعض و تترك شرب الباقين من غير نقصان،فقال: كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ كم أيّها القوم.فردّوا كلّ يوم الماء و كلّ شرب ناقص تقاسموه و كلّ شرب كامل تقاسموه.

(29:54)

القرطبيّ: أي يحضره من هوله.[ثمّ نقل قولي مقاتل و مجاهد](17:141)

البيضاويّ: يحضره صاحبه في نوبته أو يحضر عنه غيره.(2:437)

ص: 557

نحوه أبو السّعود(6:169)،و الكاشانيّ(5:103)، و شبّر(6:121)،و القاسميّ(15:5601)،و مجمع اللّغة (1:270)،و عزّة دروزة(2:64)،و فضل اللّه(21:288).

البروسويّ: يحضره صاحبه في نوبته.فليس معنى كون الماء مقسوما بين القوم و النّاقة أنّه جعل قسمين:

قسم لها و قسم لهم،بل معناه جعل الشّرب بينهم على طريق المناوبة يحضره القوم يوما و تحضره النّاقة يوما.

و قسمة الماء إمّا لأنّ النّاقة عظيمة الخلق ينفر منها حيواناتهم،أو لقلّة الماء.(9:277)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(17:303)

الآلوسيّ: يحضره صاحبه في نوبته،فتحضر النّاقة تارة و يحضرونه أخرى.

و قيل:يتحوّل عنه غير صاحبه من«حضر عن كذا»:تحوّل عنه.

و قيل:يمنع عنه غير صاحبه،مجاز عن«الحظر» بالظّاء،بمعنى المنع بعلاقة السّببيّة فإنّه مسبّب عن حضور صاحبه في نوبته،و هو كما ترى.

و قيل:يحضرون الماء في نوبتهم و اللّبن في نوبتها.

و المعنى كلّ شرب من الماء و اللّبن تحضرونه أنتم.

(27:89)

عبد الكريم الخطيب :أي كلّ شرب لهم،أو للنّاقة،يحضره صاحبه،من غير عدوان.(14:641)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ:الحضور على سبعة أوجه:مكتوبا، معذّبا،مقيما،حالا،مجاورا،سماعا،الحضور بعينه.

فوجه منها:حاضرا أي مكتوبا،في الكهف:49 وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً، كقوله في آل عمران:

30: يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً أي مكتوبا.

و الوجه الثّاني:المحضرين:المعذّبين،قوله في الصّافّات:57: وَ لَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ يعني من المعذّبين،كقوله في الرّوم:16:

فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ يعني معذّبين.

و الوجه الثّالث:الحاضر:المستوطن المقيم،قوله في البقرة:196: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ يعني المقيمين.

و الوجه الرّابع:حاضرا يعني حالا،قوله في سورة البقرة:282: إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً يعني حالته.

و الوجه الخامس:الحضور:المجاورة،قوله في الأعراف:163: حاضِرَةَ الْبَحْرِ أي مجاورة له،و هم أهل إيلة.

و الوجه السّادس:الحضور يعني السّماع،قوله تعالى في الأحقاف:29: فَلَمّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا يعني سمعوه.

و الوجه السّابع:الحضور بعينه،قوله تعالى في القمر:28:

كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ. (282)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحضر:خلاف البادية، و هي المدن و القرى و الرّيف،و تدعى الحضرة و الحاضرة

ص: 558

أيضا.يقال:فلان من أهل الحاضرة،و فلان من أهل البادية،و فلان حضريّ،و فلان بدويّ.

و الحاضر:خلاف البادي؛يقال:فلان حاضر بموضع كذا،أي مقيم به،و الحاضر:اسم للمكان المحضور،يقال:

نزلنا حاضر بني فلان،و الحاضر و الحاضرة:الحيّ العظيم أو القوم.و المحتضر:الّذي يأتي الحضر،و رجل حضر:

لا يصلح للسّفر،و هم حضور و حاضرون،و الحضارة:

الإقامة في الحضر.

و الحاضر:كلّ من نزل على ماء عدّ(جار)،و لم يتحوّل عنه شتاء و لا صيفا،و حيّ حاضر:نازل على ماء عدّ.يقال:حاضر بني فلان على ماء كذا و كذا؛و الجمع:

حضور.و حاضر و المياه و حضّارها:الكائنون عليها قريبا منها،و هؤلاء قوم حضّار:حضروا المياه.

و المحضر:المنهل،و المرجع إلى المياه.

ثمّ أطلق على كلّ شهود حضرة و حضورا.يقال:

حضر يحضر حضورا و حضارة،و أحضر الشّيء و أحضره إيّاه،تشبيها بتجمّع الحضر،و كنت بحضرة الدّار:قربها،و كان ذلك بحضرة فلان و حضرته و حضرته و حضره و محضره:بقربه و فنائه،و كلّمته بحضر فلان و بحضرته و بمحضر منه:بمشهد منه،و رجل حاضر،و قوم حضّر و حضور.و إنّه لحسن الحضرة و الحضرة،إذا حضر بخير،و هو حضر،و فلان حسن المحضر،إذا كان ممّن يذكر الغائب بخير.و رجل حضر و حضر:يتحيّن طعام النّاس حتّى يحضره،و الحضراء من النّوق و غيرها:المبادرة في الأكل و الشّرب.و اللّبن محتضر و محضور فغطّه:كثير الآفة،أي يحتضره الجنّ و الدّوابّ و غيرها من أهل الأرض،و فلان محتضر:

مصاب باللّمم و الجنون.

و الحضيرة:جماعة القوم،و هم العشرة فما دونهم، و حضيرة العسكر:مقدّمتهم.

و الحضيرة:ما تلقيه المرأة و النّاقة و الشّاة بعد الولادة،يقال:ألقت الشّاة حضرتها.قال ابن فارس:

«و هذا قياس صحيح،و ذلك أنّ تلك الأشياء تسمّى الشّهود».

و الحضر:ارتفاع الفرس في عدوه،لإحضاره ما عنده من العدو،يقال:أحضر الفرس إحضارا و حضرا، و كذلك الرّجل،و احتضر:عدا،و استحضرته:أعديته، و هو فرس محضير و محضار،و حاضرت الرّجل إحضارا:

عدوت معه.

و المحاضرة:المجالدة،و هو أن يحاضرك إنسان بحقّك، فيذهب به مغالبة أو مكابرة،و حاضرته:جاثيته عند السّلطان،و هو كالمغالبة و المكاثرة،و رجل حضر:ذو بيان.

و حضار:نجم يطلع قبل سهيل،فإذا طلع ظنّ النّاس أنّه سهيل للشّبه،و كذلك«الوزن»إذا طلع.يقال:طلعت حضار و الوزن.

و حضر المريض و احتضر:نزل به الموت و حضره، و يقال أيضا:حضرني الهمّ و احتضرني و تحضّرني.

2-و قد ولّدت ألفاظ من هذه المادّة أو غيّرت معانيها،فشطّت عن أصلها،و ندّت عن بابها،و منها:

الحضارة.فالأصل فيها-كما تقدّم-السّكون بالحضر،ثمّ جعلت اسما لشهادة مكان أو إنسان أو غيره.أمّا اليوم

ص: 559

فإنّها تعني مظاهر الرّقيّ العلميّ و الفنّيّ و الأدبيّ و الاجتماعيّ في الحضر،و نسب إليها،فقيل:إنسان حضاريّ،و سلوك حضاريّ،و بلد حضاريّ،و مجتمع حضاريّ و غير ذلك.

و يلتقي المعنيان-القديم و الجديد-في سكنى الحضر، و يفترقان في الأخذ بأسبابه،فالرّجل الحضاريّ لغة من يسكن الحضر فحسب،و هو كذلك في الاصطلاح،إلاّ أنّه يشترط فيه أن يتّصف بصبغة علميّة أو فنّيّة أو أدبيّة أو اجتماعيّة.

و كلاهما لا يكترث بالمنحى الدّينيّ و الخلقيّ للأفراد، فلذا يقال:الحضارة البابليّة،و الحضارة المصريّة، و الحضارة الفارسيّة،و الحضارة الأوربيّة،و هلمّ جرّا.

و منها:المحضر:المنهل،ثمّ أطلقه المولّدون على صحيفة تكتب في واقعة،و في آخرها خطوط الشّهود بما تضمّنه صدرها.و يطلقه الإيرانيّون اليوم على مكان إبرام العقود و المعاهدات،كمحضر الزّواج و الطّلاق، و محضر بيع و شراء العقارات و الأموال المنقولة.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مجرّدا الماضي 6 مرّات،و المضارع مرّة، و اسم الفاعل 4 مرّات،و من باب الإفعال الماضي المعلوم و المجهول و المضارع كلّ منها مرّة،و اسم المفعول مفردا مرّة،و جمعا 9 مرّات،و من باب الافتعال اسم المفعول مرّة في 25 آية:

1- أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ...

البقرة:133

2- كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْراً الْوَصِيَّةُ لِلْوالِدَيْنِ وَ الْأَقْرَبِينَ البقرة:180

3- ...حَتّى إِذا حَضَرَ أَحَدَهُمُ الْمَوْتُ قالَ إِنِّي تُبْتُ الْآنَ... النّساء:18

4- ...شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ... المائدة:106

5- وَ إِذا حَضَرَ الْقِسْمَةَ أُولُوا الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينُ فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ... النّساء:8

6- وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا... الأحقاف:29

7- وَ أَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ المؤمنون:98

8- ...وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ...

النساء:128

9- ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ... البقرة:196

10- ...إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ... البقرة:282

11- وَ سْئَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ... الأعراف:163

12- وَ إِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ* عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ التّكوير:13،14

13- ...ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا

مريم:68

14- ...وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً الكهف:49

15- يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ

ص: 560

مُحْضَراً... آل عمران:30

16- وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ الرّوم:16

17- وَ الَّذِينَ يَسْعَوْنَ فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ سبأ:38

18- وَ إِنْ كُلٌّ لَمّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ

يس:32

19- إِنْ كانَتْ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ يس:53

20- لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَ هُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ يس:75

21- فَكَذَّبُوهُ فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ

الصّافّات:127

22- ...وَ لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ

الصّافّات:158

23- ...ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ

القصص:61

24- وَ لَوْ لا نِعْمَةُ رَبِّي لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ

الصّافّات:57

25- وَ نَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ القمر:28

يلاحظ أوّلا:كنّي بالموت في(1-4)عن أسبابه و أماراته،و فيها بحوث:

1-قال ابن عطيّة في(1):«حضر يعقوب مقدّمات الموت،و إلاّ فلو حضر الموت لما أمكن أن يقول شيئا».

و نظيره قوله: وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ما هُوَ بِمَيِّتٍ إبراهيم:17،يريد مقدّماته و أماراته.

و قال أبو حيّان:«في(حضر)كناية غريبة أنّه غائب لا بدّ أن يقدم،و لذلك يقال في الدّعاء:و اجعل الموت خير غائب ننتظره».و نرى أنّه ليس كناية بل تصريحا، و فاعله محذوف مضاف إلى الموت،و هو ملك،ثمّ أقيم المضاف إليه مقامه.

2-قرئ (حضر) في(1)بكسر الضّاد و مضارعه «يحضر»بضمّها،و هي لغة شاذّة،و المشهور حضر يحضر،و كذلك جاء(يحضرون)بالضّمّ في(7).

3-قدّم المفعول على الفاعل في هذه الآيات للاعتناء،كما قال أبو حيّان،أو لإفادة كمال تمكّن الفاعل عند النّفس وقت وروده عليها،كما قال الآلوسيّ.أو لعلّه للحصر،أي كما أنّ الموت يحضر الأنبياء مثل يعقوب في (1)،فهو كذلك يحضر الأسواء من النّاس،كما في(2- 4)،فالحصر يفيد العبرة و الموعظة.

4-قال الطّوسيّ في(2):«الحضور:وجود الشّيء بحيث يمكن أن يدرك،و ليس معناه في الآية إذا حضره الموت،أي إذا عاين الموت،لأنّه في تلك الحال في شغل عن الوصيّة،لكن المعنى:كتب عليكم أن توصوا و أنتم قادرون على الوصيّة،فيقول الإنسان:إذا حضرني الموت-أي إذا أنا متّ-فلفلان كذا».و قال أبو الفتوح:

«معناه إذا قارب،لأنّه لا يمكن حمله على الحقيقة؛إذ حضور الموت عنده يسقط التّكليف عنه،فلا يصحّ توجيه الخطاب إليه».

ثانيا-حضر في(5 و 6)بمعناه المعروف،و هو الحضور من دون تأويل إلى غيره من المعاني،و فيه

ص: 561

بحث:

ثانيا:اختلف في ضمير المفعول في(6) فَلَمّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا أ هو للنّبيّ أم للقرآن؟قال ابن عبّاس:«أي النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و هو ببطن نخل».و عقّب الزّمخشريّ:«و تعضده قراءة من قرأ (فلمّا قضى) أي أتمّ قراءته و فرغ منها».

و قال الطّبريّ: «فلمّا حضروا القرآن و رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقرأ،قال بعضهم لبعض:أنصتوا لنستمع القرآن».و هو الأظهر كما قال أبو السّعود.

ثالثا:الحضور في(7) وَ أَعُوذُ بِكَ رَبِّ أَنْ يَحْضُرُونِ الشّهادة و المقاربة،و فيه بحثان:

1-خصّ بعضهم حضور الشّياطين في الصّلاة و عند قراءة القرآن و عند الموت،لأنّها-كما قال البيضاويّ- أحرى الأحوال بأن يخاف عليه.

و خصّه المكارم الشّيرازيّ بحضور الشّياطين في اجتماعات النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله الّذي يؤدّي إلى إغفال المجتمعين و إيذائهم.

و عمّمه آخرون في جميع الأمور،و هو قول أغلب المفسّرين،قال النّيسابوريّ:«ثمّ أمره بالتّعوّذ من أن يحضروه أصلا،كما يقال:أعوذ باللّه من خصومتك،بل أعوذ باللّه من لقائك».و قال فضل اللّه:«في كلّ مواقع الفكر و الحركة و الشّعور و الحياة».

2-قال البروسويّ: «أصله يحضرونني،فحذفت إحدى النّونين،ثم حذفت ياء المتكلّم اكتفاء بالكسرة».

و النّون المحذوفة هي نون المضارعة،و علّة حذفها دخول «أن»النّاصبة على الفعل،و النّون المكسورة هي نون الوقاية،و قد كسرت لتدلّ على الياء المحذوفة،و لا نعلم علّة حذفها،اللّهمّ إلاّ لاجتهاد كتّاب الوحي.

و لكن هل يقتضي حذف الياء خطّا حذفها عند الوقف لفظا؟لا نرى مبرّرا لذلك،لأنّ الكسرة الدّالّة عليها بمنزلة تنوين العوض في نحو:حينئذ و يومئذ و ساعتئذ؛إذ لا يجوز أن نقول:حينئذ و يومئذ و ساعتئذ، بدون تنوين.

و المختار عندنا أن يقرأ هذا الحرف و أمثاله بالياء وقفا و وصلا على الأصل،و مثله: (و لا ينقذونى) يس:23، و (وَ لِيَ دِينِ) الكافرون:6،و غيرهما.و هذا يرجع إلى رسم القرآن الّذي كان من قبل الكاتب،لا إلى القراءة.

رابعا:فسّرت(8) وَ أُحْضِرَتِ الْأَنْفُسُ الشُّحَّ بأنحاء مختلفة:

1-جبّلت الأنفس على الشّحّ و البخل،و ألزمت البخل،و جعل الشّحّ حاضرا للنّفس لا يغيب عنها أبدا، أو جعل النّفس حاضرة للشّحّ لا تغيب عنه أبدا.و قال الزّمخشريّ: «الغرض أنّ المرأة لا تكاد تسمح بقسمتها و بغير قسمتها،و الرّجل لا تكاد نفسه تسمح أن يقسم لها و أن يمسكها إذا رغب عنها و أحبّ غيرها».

و كذا قال الطّباطبائيّ ثم أضاف:«لا جناح عليهما حينئذ أن يصلحا ما بينهما بإغماض أحدهما أو كليهما عن بعض حقوقه».

2-تعقّب أبو حيّان الزّمخشريّ الّذي ذهب إلى أنّ الشّحّ جعل حاضرا للنّفس لا يغيب عنها أبدا،فقال:

«جعله من باب القلب،و ليس بجيّد،بل التّركيب القرآنيّ يقتضي أنّ الأنفس جعلت حاضرة للشّحّ لا تغيب عنه،

ص: 562

لأنّ(الانفس)هو المفعول الّذي لم يسمّ فاعله،و هي الّتي كانت فاعلة قبل دخول همزة النّقل؛إذ الأصل:

حضرت الأنفس الشّحّ».

3-يرجع الخلاف بين الزّمخشريّ و أبي حيّان إلى المفعول الّذي قام مقام الفاعل،أ هو الأوّل أم الثّاني؟و أيّ منهما الأوّل؟أ هو الأنفس أم الشّحّ؟و احتجّ أبو حيّان على الزّمخشريّ بقوله:«على أنّه يجوز عند الجمهور في هذا الباب إقامة المفعول الثّاني مقام الفاعل على تفصيل في ذلك،و إن كان الأجود عندهم إقامة الأوّل،فيحتمل أن تكون الأنفس هي المفعول الثّاني و الشّحّ هو المفعول الأوّل،و قام الثّاني مقام الفاعل،و الأولى حمل القرآن على الأفصح المتّفق عليه».

خامسا:ذكر في(9) ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أنّ التّمتّع بالإحلال من الإحرام بالعمرة إلى الحجّ لمن ليس من أهل مكّة،و فيها بحوث:

1-اتّفقوا جميعا على أنّه ليس لأهل مكّة متعة و لا عليهم عمرة،إلاّ أنّهم اختلفوا في تحديد حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ على أقوال:

من كان على اثني عشر ميلا فما دون،أو على ثمانية و أربعين ميلا.و هو ما ذهب إليه الإماميّة.

من لا يلزمه تقصير الصّلاة من موضعه إلى مكّة، و هو مذهب الشّافعيّ و أصحابه.

هم أهل المواقيت و من وراءها من كلّ ناحية و هي:

ذو الحليفة و الجحفة و قرن المنازل و يلملم و ذات عرق، و هو مذهب أبي حنيفة و أصحابه.

هم أهل مكّة و ما اتّصل بها خاصّة،و هو مذهب مالك و أصحابه.

و منهم من سمّى مواطن أهل مكّة،و هي:عرفة و مرّ و عرنة و ضجنان و الرّجيع و نخلتان،و هو قول عطاء.أو أهل مكّة و فجّ و ذي طوى و ما يلي ذلك،و هو قول ابن زيد.

و منهم من حدّده بالوقت،فقال:من كان على يوم أو يومين،و هو قول الزّهريّ.أو من كان مسكنه دون مرحلتين من الحرم،و هو قول الشّربينيّ.

و منهم من ردّ ذلك إلى اللّغة كالفخر الرّازيّ،فقال:

«العرب تسمّي أهل القرى حاضرة و حاضرين،و أهل البرّ بادية و بادين،و مشهور كلام النّاس:أهل البدو و الحضر،يراد بهما أهل الوبر و المدر».

و روى ابن عطيّة عن بعض العلماء قولهم:«من كان حيث تجب الجمعة عليه بمكّة فهو حضريّ،و من كان أبعد من ذلك فهو بدويّ»،ثمّ قال:«فجعل اللّفظة من الحضارة و البداوة».

2-جعل التّمتّع لأهل الآفاق و الأمصار لئلاّ يشقّ عليهم السّفر إلى الحجّ مرّة،ثمّ السّفر إلى العمرة مرّة أخرى،فيجتمع حجّهم و عمرتهم في عام واحد،فيكون ذلك عليهم أيسر.

3-و لكن لم ذكر أهل المتمتّع بالعمرة إلى الحجّ دونه و هو المراد بالحضور؟قال ابن الأنباريّ: «لأنّ الغالب على الرّجل أن يسكن حيث أهله ساكنون».

قال الطّباطبائيّ: «التّعبير عن النّائي البعيد بأن لا يكون أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ من ألطف

ص: 563

التّعبيرات،و فيه إيماء إلى حكمة التّشريع،و هو التّخفيف و التّسهيل».

سادسا:ورد اسم الفاعل«حاضر»مفردا و جمعا، و مذكّرا و مؤنّثا في الآيات(9-11 و 14)بمعنى القرب عامّة،و بمعان أخرى خاصّة:

فسّر في(9) لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ بالقرب من مكّة و المسجد الحرام كما تقدّم، و بالقرب من البحر في(11) كانَتْ حاضِرَةَ الْبَحْرِ، و احتمل ابن عطيّة التّعظيم للقرية،أي هي الحاضرة في قرى البحر،و قال أبو حيّان:«فالتّقدير حاضرة قرى البحر،أي يحضر أهل قرى البحر إليها لبيعهم و شرائهم و حاجتهم»،و فسّر في الآيتين الأخريتين بما يلائم السّياق و للحال.فمعنى(10) تِجارَةً حاضِرَةً: إلاّ أن تكون تجارة حاضرة يدا بيد تديرونها بينكم،و معنى (14) وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً و وجدوا ما عملوا مكتوبا مثبتا.و فسّرها الزّمخشريّ في أحد قوليه بأنّهم وجدوا جزاء ما عملوا حاضرا،و عقّب الطّبرسيّ قائلا:

«فجعل وجود الجزاء كوجود الأعمال توسّعا».و تعقّبه الآلوسيّ بأنّه«فيه ارتكاب خلاف الظّاهر،لأنّ الكلام عليه تأسيس محض».

سابعا:وقعت(12) عَلِمَتْ نَفْسٌ ما أَحْضَرَتْ جوابا للشّرط،و فيها بحثان:

1-المراد بالإحضار:الأعمال،أي أعمال النّفس من الخير و الشّرّ.و هل تحضر الأعمال؟قال الفخر الرّازيّ:

«من المعلوم أنّ العمل لا يمكن إحضاره،فالمراد إذن ما أحضرته في صحائفها،و ما أحضرته عند المحاسبة و عند الميزان من آثار تلك الأعمال،و المراد ما أحضرت من استحقاق الجنّة و النّار».الأظهر أنّ إحضار الأعمال الإتيان بها،و التّقدير:علمت نفس ما وجدت حاضرا من عملها،يقال:أحضرت الشّيء،أي وجدته حاضرا، نحو:أحمدته،أي وجدته محمودا،و هو معنى مجازيّ؛إذ الأعمال لا تبقى.قال الطّبرسيّ:«و المعنى أنّه لا يشذّ عنها شيء،فكأنّها كلّها حاضرة».

2-لما ذا أسند إحضار الأعمال إلى النّفس و هي تحضر بأمره تعالى؟و ما معنى علمها بها؟قال أبو السّعود:

«لأنّها لمّا عملتها في الدّنيا فكأنّها أحضرتها في الموقف.

و معنى علمها بها حينئذ أنّها تشاهدها على ما هي عليه في الحقيقة،فإن كانت صالحة تشاهدها على صور أحسن ممّا كانت تشاهدها عليه في الدّنيا».

ثامنا:جاء اسم المفعول من«أحضر»مفردا في (15)،و جمعا في(16)إلى(24)،و فيها بحوث:

1-فسّر في(15) تَجِدُ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً بأنّه مكتوب،و موفّر،و مشاهد و معاين،فتجد النّفس صحائف الحسنات و السّيّئات،أو جزاء عملها من الثّواب و العقاب.و نصب(محضرا)على الحاليّة، و صاحب الحال هو الضّمير المحذوف من صلة(ما)، و العامل(تجد)،و التّقدير:يوم تجد كلّ نفس ما عملته من خير محضرا.

2-و فسّر في(16) فَأُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ بأنّ الكافرين معذّبون،و مدخلون،و نازلون،و مقيمون، و مجموعون،و مساقون،و لا يغيبون،و هي ألفاظ متقاربة المعنى.و غلط أبو حيّان حين ظنّ أنّ قوله:(محضرون)

ص: 564

اسم فاعل،فقال:جاء«محضرون»باسم الفاعل لاستعماله للثّبوت،فهم إذا دخلوا العذاب يبقون محضرين،فهو وصف لازم لهم».

و قال الطّوسيّ: «لفظة الإحضار لا تستعمل إلاّ فيما يكرهه الإنسان،و منه حضور الوفاة،و يقال:أحضر فلان مجلس السّلطان،إذا جيء به بما لا يؤثره.

و الإحضار:إيجاد ما به يكون الشّيء حاضرا إمّا بإيجاد عينه،كإحضار المعنى في النّفس،أو بإيجاد غيره،كإيجاد ما به يكون الإنسان حاضرا».

3-قال الفخر الرّازيّ في(23) ثُمَّ هُوَ يَوْمَ الْقِيامَةِ مِنَ الْمُحْضَرِينَ: «تخصيص لفظ(المحضرين) بالّذين أحضروا للعذاب أمر عرف من القرآن،قال تعالى: لَكُنْتُ مِنَ الْمُحْضَرِينَ الصّافّات:57، فَإِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ الصّافّات:127.و في لفظه إشعار به،لأنّ الإحضار مشعر بالتّكليف و الإلزام،و ذلك لا يليق بمجالس اللّذّة،إنّما يليق بمجالس الضّرر و المكاره».

و قال أبو السّعود أيضا:«إيثار الجملة الاسميّة للدّلالة على التّحقّق حتما،و في جعله من جملة المحضرين من التّهويل ما لا يخفى.و(ثمّ)للتّراخي في الزّمان أو في الرّتبة».

تاسعا:ذكرت في(25) أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ قصّة ثمود و ناقة صالح،و فيها بحثان:

1-اختلفوا في اسم المفعول(محتضر)على قولين:

أ-تحضر النّاقة الماء يوم ورودها،و تغيب عنهم يوم ورودهم.

ب-يحضرون الماء يوم غبّها فيشربون،و يحضرون اللّبن يوم وردها فيحلبون.

و قال الفخر الرّازيّ: «أي كلّ شرب محتضر للقوم بأسرهم،لأنّه لو كان ذلك لبيان كون الشّرب محتضرا للقوم أو النّاقة،فهو معلوم،لأنّ الماء ما كان يترك من غير حضور،و إن كان لبيان أنّه تحضره النّاقة يوما و القوم يوما،فلا دلالة في اللّفظ عليه».

2-إن قيل:لم قسّم الماء بينهم؟يقال:لكثرة شربها الماء في غبّها،أو لقلّة الماء،أو كما قال البروسويّ: «لأنّ النّاقة عظيمة الخلق تنفر منها حيواناتهم».

لاحظ ق س م:«قسمة».

ص: 565

ص: 566

ح ض ض

اشارة

لفظان،3 مرّات:في 3 سور مكّيّة

يحضّ 2:2 تحاضّون 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :حضّ،الحضّيضى و الحثّيثى من الحضّ و الحثّ.و قد حضّ يحضّ حضّا.

و الحضض:دواء يتّخذ من أبوال الإبل.

و الحضيض:قرار الأرض عند سفح الجبل.(3:13)

اللّيث:حضّ يحضّ حضّا،و هو الحثّ على الخير.

و الحضّيضى كالحثّيثى.(الأزهريّ 3:397)

اليزيديّ: هو الحضض،و الحضظ،و الحظظ، و الحظظ.(الأزهريّ 3:398)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الحضيض:البياض الّذي يخرج من البهيمة،إذا اشتهت الفحل،قاله العبسيّ.

(1:142)

و الحضيض:قبل الجبل،و هو وسط بين الأعلى و الأسفل.[ثمّ استشهد بشعر](1:192)

الأصمعيّ: [في حديث]:«إنّ فلانا كتب:إنّ العدوّ بعرعرة الجبل و نحن بحضيضه».العرعرة:أعلى الجبل، و الحضيض:أسفله عند منقطعه؛حيث يفضي إلى الأرض.[ثمّ استشهد بشعر](أبو عبيد 2:456)

نحوه القاليّ.(1:77)

الحضّيّ،بضمّ الحاء:الحجر الّذي تجده بحضيض الجبل،و هو منسوب كالسّهليّ و الدّهريّ.[ثمّ استشهد بشعر](الجوهريّ 3:1071)

شمر:[نقل كلام اليزيديّ ثمّ قال:]

و لم أسمع الضّاد مع الظّاء إلاّ في هذا.و هو الحدل.

(الأزهريّ 3:398)

المبرّد: الحضيض:المستقرّ من الأرض إذا انحدر عن الجبل،و لا يقال:حضيض إلاّ بحضرة جبل،يقال:

حضيض الجبل،و يطرح الجبل فيستغنى عنه،لأنّ هذا لا يكون إلاّ له،و من ذلك قول امرئ القيس:

*نظرت إليه قائما بالحضيض*

(1:92)

ص: 567

ابن دريد:حضضت الرّجل على الشّيء أحضّه حضّا،أي حرّضته؛و الاسم:الحضّ.

و يقال:حضّ و حضّ مثل الضّعف و الضّعف.

و الحضض و الحضض:دواء معروف،و ذكروا أنّ الخليل كان يقول:الحضظ بالضّاد و الظّاء،و لم يعرفه أصحابنا.(1:61)

و يقال:الحضض،و يقال:الحظظ،و بالضّمّ أيضا، و هو صمغ مرّ نحو الصّبر و المرّ،و ما أشبههما.(3:188)

و ألقاه اللّه في حضوضى،و هو لهيب النّار معرفة، لا تدخلها الألف و اللاّم.

و حضوضى:موضع لا تدخله ألف و لام.(3:233)

و حضيض الجبل:سفحه،و سفح ما لاقاك.

و الحجر الحضّيّ: الّذي يكون في الحضيض.

(3:234)

القاليّ: الحضيض:القرار إذا اتّصل بالجبل،و في الحديث:«إنّ العدوّ بعرعرة الجبل و نحن بحضيضه».

فالعرعرة:أعلاه،و الحضيض:أسفله.(1:77)

الأزهريّ: يقال:حضّضت القوم على القتال تحضيضا،إذا حرّضتهم.(3:397)

و قال ابن الفرج:يقال:احتضضت نفسي لفلان و ابتضضتها،إذا استزدتها.(3:398)

الصّاحب:الحضّ على الخير:كالحثّ،إلاّ أنّ الحثّ أجمع.و الحضّيضى:كالحثّيثى.

و الحضض:دواء يتّخذ من أبوال الإبل.

و الحضيض:قرار الأرض؛و جمعه:أحضّة و حضض.

و هو الحجر أيضا.

و الحضوضاة:بمنزلة الضّوضاة.

و الحضوضى:البعد أيضا.

و احتضضت من فلان شيئا:أخذته منه قسرا.

و احتضضت نفسي لك:استزدتها.

و أخرجت إليه حضيضتي و بضيضتي،أي ملك يدي.

و ما عنده حضض و لا بضض،أي شيء.

و الحجر الحضّيّ: الّذي في حضيض الجبل.

و حضوضى:جبل في البحر ينفى إليه الخليع.و اسم للنّار.

و الحضحض:نبت،عن أبي مالك.(2:297)

الجوهريّ: حضّه على القتال حضّا،أي حثّه.

و حضّضه،أي حرّضه؛و الاسم:الحضّيضى.

و التّحاضّ:التّحاثّ.

و المحاضّة:أن يحثّ كلّ واحد منهما صاحبه.

و قرئ: (و لا تحاضّون على طعام المسكين) الفجر:18.

و الحضّ بالضّمّ:الاسم.

و في الحديث أنّه أهدي إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم هديّة فلم يجد شيئا يضعه عليه،فقال:«ضعه بالحضيض،فإنّما أنا عبد آكل كما يأكل العبد».يعني بالأرض.

و الحضض و الحضض بضمّ الضّاد الأولى و فتحها:

دواء معروف،و هو صمغ مرّ كالصّبر.(3:1071)

ابن سيده: الحضّ:ضرب من الحثّ في السّير و السّوق،و كلّ شيء.

و الحضّ أيضا:أن تحثّه على شيء لا سير فيه و لا سوق.حضّه يحضّه حضّا و حضّضه و هم يتحاضّون،

ص: 568

و الاسم:الحضّ،و الحضّيضى،و الحضّيضى،و الكسر أعلى.و لم يأت على«فعّيل»بالضّمّ غيرها.

و قال ابن دريد:الحضّ و الحضّ لغتان،كالضّعف و الضّعف.و الصّحيح ما بدأنا به من أنّ الحضّ:المصدر، و الحضّ:الاسم.

و الحضض و الحضض:دواء يتّخذ من أبوال الإبل.

و فيه لغات أخر سيأتي ذكرها إن شاء اللّه.

و الحضض:كحل الخولان.

و الحضض:و الحضض:عصارة الصّبر.

و الحضيض:قرار الأرض عن سفح الجبل.و قيل:هو في أسفله.و السّفح من رواء الحضيض،فالحضيض ممّا يلي الجبل،و السّفح دون ذلك؛و الجمع:أحضّة و حضض.

و أحمر حضّيّ: شديد الحمرة.

و الحضحض:نبت.(2:490)

الرّاغب: الحضّ:التّحريض كالحثّ،إلاّ أنّ الحثّ يكون بسوق و سير،و الحضّ لا يكون بذلك.و أصله من الحثّ على الحضيض،و هو قرار الأرض.قال اللّه تعالى:

وَ لا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ الحاقّة:34.(122)

البطليوسيّ: الحضّ بالضّاد:مصدر حضضت الرّجل على الأمر،إذا أغريته به.(140)

و الحضيض بالضّاد:المغري بالشّيء،و الحضيض:

أسفل الجبل.(141)

و الحظظ و الحضض:الكحل الّذي يقال له:الخولان، يقال بضمّ الظّاء و الضّاد و فتحهما.(185)

الزّمخشريّ: حضّه على الخير.و تركه في الحضيض.

(أساس البلاغة:87)

المدينيّ: قول اللّه تبارك و تعالى: وَ لا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ الحاقّة:34،الحضّ:الحثّ على الخير.

و الخليل يفرّق بين الحضّ و الحثّ،فيقول:الحثّ:في السّير و السّوق،و في كلّ شيء.و الحضّ:لا يكون في سير و لا سوق.

و منه الحديث:«فأين الحضّيضى»و هو الحضّ أيضا.

الحضيض:قرار الأرض.و قيل:منقطع الجبل،إذا أفضيت منه إلى الأرض.و قيل:وسط الجبل بين أعلاه و أسفله.

حديث طاوس:«لا بأس بالحضض»أي في التّداوي به،و هو دواء يعقد من أبوال الإبل.

و قال الأزهريّ: هو بالظّاء.و قيل بضاد ثمّ بظاء،و قد يفتح أوسطه.و يقال:هو أيضا ما يخرج من المقر بعد الصّبر.(1:462)

ابن الأثير: منه حديث عثمان:«فتحرّك الجبل حتّى تساقطت حجارته بالحضيض».

و فيه ذكر:«الحضّ على الشّيء»جاء في غير موضع،و هو الحثّ على الشّيء.يقال:حضّه و حضّضه؛ و الاسم:الحضّيضى،بالكسر و التّشديد و القصر.

و منه الحديث:«فأين الحضّيضى»؟

و في حديث طاوس:«لا بأس بالحضض»يروى بضمّ الضّاد الأولى و فتحها.و قيل:هو بظاءين.و قيل:

بضاد ثمّ ظاء،و هو دواء معروف.

و قيل:إنّه يعقد من أبوال الإبل.

و قيل:هو عقّار،منه مكّيّ،و منه هنديّ،و هو

ص: 569

عصارة شجر معروف له ثمر كالفلفل،و تسمّى ثمرته:

الحضض.

و منه حديث سليم بن مطير:«إذا أنا برجل قد جاء كأنّه يطلب دواء أو حضضا».(1:400)

الفيّوميّ: حضّه على الأمر حضّا من باب«قتل»:

حمله عليه،و التّحضيض منه لكنّه شدّد مبالغة.

قال النّحاة:و دخوله على المستقبل حثّ على الفعل و طلب له،و على الماضي توبيخ على ترك الفعل،نحو:هلاّ تنزل عندنا.و هلاّ نزلت.

و حروف التّحضيض:هلاّ و ألاّ بالتّشديد،و لو لا و لو ما.(1:140)

الفيروزآباديّ: حضّه عليه حضّا و حضّا و حضّيضى و حضّيضى:حثّه و أحماه عليه كحضّضه و الاسم:الحضّ بالضّمّ.

و الحضيض:القرار في الأرض؛الجمع:أحضّة و حضض.

و الحضض كزفر و عنق؛العربيّ منه:عصارة الخولان،و الهنديّ:عصارة الفيلزهرج،و كلاهما نافع للأورام الرّخوة و الخوّارة و القروح...

و نبات،و دواء آخر يتّخذ من أبوال الإبل.

و كصبور:نهر كان بين القادسيّة و الحيرة.

و الحضحض كقنفذ:نبت.

و حضوضى كشرورى و صبور:جبل في البحر كانت العرب تنفي إليه خلعاءها.

و الحضوضى:البعد،و النّار.

و الحضوضاة:الضوضاة.

و ما عنده حضض و لا بضض:شيء.

و أخرجت إليه حضيضتي و بضيضتي:ملك يدي.

و المحاضّة:أن يحضّ كلّ صاحبه.

و التّحاضّ:التّحاثّ.

و احتضضت نفسي كابتضضت.(2:340)

مجمع اللّغة :حضّه على الفعل يحضّه حضّا:حثّه.

و تحاضّ القوم على الخير:حثّ كلّ منهم غيره على فعله.(1:270)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:137)

المصطفويّ: قد سبق في«الحثّ»أنّ قيد السّوق و السّير مأخوذ في الحثّ دون الحضّ.و قلنا في «الحرض»:إنّ الأصل الواحد فيه:هو الانقطاع،و جعل الهمّ همّا واحدا.

و لا يبعد أن يكون ما يقول في«المفردات»صحيحا، و أصله من الحثّ على الحضيض،و هو قرار الأرض.

فحقيقة هذه المادّة هي التّرغيب و البعث على أمر هو دون شأنه،و لو اعتبارا و توهّما.و هذا القيد هو الفارق بينها و بين سائر الموادّ.

و إطلاق الحضيض على قرار عند سفح الجبل بهذا الاعتبار،أي بلحاظ التّنازل و التّسفّل بالنّسبة إلى أعلى الجبل.(2:259)

النّصوص التّفسيريّة

يحضّ

1- وَ لا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ. الحاقّة:34

ابن عبّاس: لا يحثّ.(484)

ص: 570

الطّبريّ: لا يحضّ النّاس على إطعام أهل المسكنة و الحاجة.(29:64)

الواحديّ: لا يطعم المسكين في الدّنيا و لا يأمر أهله بذلك.(4:348)

مثله البغويّ(5:149)،و نحوه الميبديّ (10:214).

الطّوسيّ: أي لا يحثّ على ذلك،ممّا يجب عليه من الزّكاة و الكفّارات و النّذور.(10:106)

الزّمخشريّ: و في قوله: وَ لا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ دليلان قويّان على عظم الجرم في حرمان المسكين.

أحدهما:عطفه على الكفر،و جعله قرينة له.

و الثّاني:ذكر الحضّ دون الفعل،ليعلم أنّ تارك الحضّ بهذه المنزلة،فكيف بتارك الفعل![ثمّ استشهد بشعر]

و عن أبي الدّرداء أنّه كان يحضّ امرأته على تكثير المرق لأجل المساكين،و كان يقول:خلعنا نصف السّلسلة بالإيمان أ فلا نخلع نصفها الآخر؟

و قيل:هو منع الكفّار،و قولهم: أَ نُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللّهُ أَطْعَمَهُ يس:47،و المعنى على بذل طعام المسكين.

(4:154)

مثله الشّربينيّ(4:377)،و نحوه أبو حيّان(8:326).

ابن عطيّة: المراد به: وَ لا يَحُضُّ عَلى إطعام طَعامِ الْمِسْكِينِ و أضاف الطّعام إلى اَلْمِسْكِينِ من حيث له إليه نسبة ما،و خصّت هذه الخلّة من خلال الكافر بالذّكر،لأنّها من أضرّ الخلال في البشر،إذا كثرت في قوم هلك مساكينهم.(5:361)

الطّبرسيّ: إنّه كان يمنع الزّكاة و الحقوق الواجبة.

(5:348)

الفخر الرّازيّ: فيه قولان:أحدهما:و لا يحضّ على بذل طعام المسكين.و الثّاني:أنّ الطّعام هاهنا اسم أقيم مقام الإطعام،كما وضع العطاء مقام الإعطاء في قوله:

*و بعد عطائك المائة الرّتاعا*

[إلى أن قال:]

دلّت الآية على أنّ الكفّار يعاقبون على ترك الصّلاة و الزّكاة،و هو المراد من قولنا:إنّهم مخاطبون بفروع الشّرائع.(30:115)

البيضاويّ: و لا يحثّ على بذل طعامه أو على إطعامه،فضلا عن أن يبذل من ماله.و يجوز أن يكون ذكر«الحضّ»للإشعار بأنّ تارك الحضّ بهذه المنزلة، فكيف بتارك الفعل!

و فيه دليل على تكليف الكفّار بالفروع.و لعلّ تخصيص الأمرين بالذّكر،لأنّ أقبح العقائد الكفر باللّه تعالى،و أشنع الرّذائل البخل و قسوة القلب.(2:501)

نحوه أبو السّعود(6:297)،و الآلوسيّ(29:50).

النّسفيّ: و فيه إشارة إلى أنّه كان لا يؤمن بالبعث، لأنّ النّاس لا يطلبون من المساكين الجزاء فيما يطعمونهم، و إنّما يطعمونهم لوجه اللّه و رجاء الثّواب في الآخرة.فإذا لم يؤمن بالبعث لم يكن له ما يحمله على إطعامهم،أي أنّه مع كفره لا يحرّض غيره على إطعام المحتاجين.[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ](4:288)

النّيسابوريّ: ذكر سبب هذا الوعيد الشّديد،و هو

ص: 571

عدم الإيمان باللّه العظيم و عدم بذل المال للمساكين.و لعلّ الأوّل إشارة إلى فساد القوّة النّظريّة،و الثّاني إلى فساد القوّة العمليّة.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الزّمخشريّ](29:41)

الطّباطبائيّ: الحضّ:التّحريض و التّرغيب، و الآيتان في مقام التّعليل للأمر بالأخذ و الإدخال في النّار،أي إنّ الأخذ ثمّ التّصلية في الجحيم و السّلوك في السّلسلة،لأجل أنّه كان لا يؤمن باللّه العظيم،و لا يحرّض على طعام المسكين،أي يساهل في أمر المساكين و لا يبالي بما يقاسونه.(19:401)

المصطفويّ: يقال:حضّه على الأمر،أي رغّبه و حمله عليه،و حضّضه أي جعله ذا حضّ،و حاضّه أي أدام الحضّ،و تحاضّ أي قبل الحضّ و المحاضّة.

و معنى الآية الكريمة:أنّه لا يجعل نفسه أو غيره منبعثا و متحرّكا و متمايلا على موضوع طعام المسكين،أي متوجّها إلى هذا التّكليف و راغبا إليه.

و في التّعبير بهذه المادّة في هذا المورد:إشارة إلى عظمة هذه الوظيفة و أهمّيّة هذا الموضوع،فإنّ تقبيح عدم الحضّ الّذي هو قبل العمل يوجب شدّة التّقبيح و المنع عن العمل نفسه.

ثمّ إنّ التّوجّه و الرّغبة إلى طعام المسكين أعمّ من أن يكون من جهة تناول طعامهم و إجابة دعوتهم،أو من جهة تهيئة الطّعام لهم،و الفكر و التّدبير في أمر معاشهم، و لكن كلمة(على)ظاهرة في المعنى الأخير.(2:259)

2- وَ لا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ. الماعون:3

ابن عبّاس: لا يحثّ و لا يحافظ.(520)

الفرّاء: لا يحافظ على إطعام المساكين،و لا يأمر به.

(3:294)

الطّبريّ: و لا يحثّ غيره على إطعام المحتاج من الطّعام.(30:311)

القمّيّ: لا يرغب في إطعام المساكين.(2:444)

الماورديّ: أي لا يفعله و لا يأمر به،و ليس الذّمّ عامّا حتّى يتناول من تركه عجزا،و لكنّهم كانوا يبخلون و يعتذرون لأنفسهم،يقولون: أَ نُطْعِمُ مَنْ لَوْ يَشاءُ اللّهُ أَطْعَمَهُ يس:47،فنزلت هذه الآية فيهم،و يكون معنى الكلام:لا يفعلونه إن قدروا،و لا يحثّون عليه إن عجزوا.(6:351)

الطّوسيّ: معناه:و لا يحثّ على طعام المسكين بخلا به،لأنّه لو كان لا يحضّ عليه عجزا عنه لم يذمّ به،و كذلك لو لم يحضّ عليه من غير قبيح كان منه لم يذمّ عليه،لأنّ الذّمّ لا يستحقّ إلاّ بما له صفة الوجوب إذا أخلّ به،أو القبيح إذا فعله على وجه مخصوص.(10:415)

الواحديّ: و لا يطعمه و لا يأمر بإطعامه،لأنّه يكذّب بالجزاء.(4:558)

مثله البغويّ(5:312)،و نحوه الطّبرسيّ(5:547).

الزّمخشريّ: و لا يبعث أهله على بذل طعام المسكين،جعل علم التّكذيب بالجزاء منع المعروف، و الإقدام على إيذاء الضّعيف،يعني أنّه لو آمن بالجزاء و أيقن بالوعيد،لخشي اللّه تعالى و عقابه،و لم يقدم على ذلك فحين أقدم عليه علم أنّه مكذّب.

فما أشدّه من كلام،و ما أخوفه من مقام،و ما أبلغه في

ص: 572

التّحذير من المعصية!و إنّها جديرة بأن يستدلّ بها على ضعف الإيمان،و رخاوة عقد اليقين.(4:289)

نحوه النّسفيّ(4:379)،و الشّربينيّ(4:594).

ابن عطيّة: أي لا يأمر بصدقة،و لا يرى ذلك صوابا.(5:527)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله: وَ لا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ ففيه وجهان:

أحدهما:أنّه لا يحضّ نفسه على طعام المسكين، و إضافة الطّعام إلى المسكين تدلّ على أنّ ذلك الطّعام حقّ المسكين،فكأنّه منع المسكين ممّا هو حقّه؛و ذلك يدلّ على نهاية بخله و قساوة قلبه و خساسة طبعه.

و الثّاني:لا يحضّ غيره على إطعام ذلك المسكين بسبب أنّه لا يعتقد في ذلك الفعل ثوابا،و الحاصل أنّه تعالى جعل علم التّكذيب بالقيامة:الإقدام على إيذاء الضّعيف و منه المعروف،يعني أنّه لو آمن بالجزاء و أيقن بالوعيد لما صدر عنه ذلك،فموضع الذّنب هو التّكذيب بالقيامة.

و هاهنا سؤالان:

السّؤال الأوّل:أ ليس قد لا يحضّ المرء في كثير من الأحوال،و لا يكون آثما؟

الجواب:لأنّ غيره ينوب منابه،أو لأنّه لا يقبل قوله،أو لمفسدة أخرى يتوقّعها.أمّا هاهنا فذكر أنّه لا يفعل ذلك إلاّ لما أنّه مكذّب بالدّين.

السّؤال الثّاني:لم لم يقل:و لا يطعم المسكين؟

الجواب:إذا منع اليتيم حقّه فكيف يطعم المسكين من مال نفسه،بل هو بخيل من مال غيره.و هذا هو النّهاية في الخسّة،فلأن يكون بخيلا بمال نفسه أولى،و ضدّه في مدح المؤمنين وَ تَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ البلد:17، وَ تَواصَوْا بِالْحَقِّ وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ العصر:3.

(32:113)

أبو السّعود : وَ لا يَحُضُّ أي أهله و غيرهم من الموسرين عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ، و إذا كان حال من ترك حثّ غيره على ما ذكر،فما ظنّك بحال من ترك ذلك مع القدرة عليه.(6:475)

البيضاويّ: وَ لا يَحُضُّ أهله و غيره عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ لعدم اعتقاده بالجزاء،و لذلك رتّب الجملة على يكذّب بالفاء.(2:578)

مثله الكاشانيّ.(5:380)

الآلوسيّ: أي و لا يبعث أحدا من أهله و غيرهم من الموسرين عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ أي بذل طعام المسكين،و هو ما يتناول من الغذاء.[إلى أن قال:]

و قرأ زيد بن عليّ رضي اللّه عنهما: (و لا يحاضّ) مضارع حاضضت،و هذه الجملة عطف على جملة الصّلة داخلة معها في حيّز التّعريف للمكذّب،فيكون سبحانه و تعالى قد جعل علامته الإقدام على إيذاء الضّعيف، و عدم بذل المعروف،على معنى أنّ ذلك من شأنه،و لوازم جنسه.(30:242)

الطّباطبائيّ: الحضّ:التّرغيب،و الكلام على تقدير مضاف،أي لا يرغّب النّاس على إطعام طعام المسكين.

قيل:إنّ التّعبير بالطّعام دون الإطعام للإشعار بأنّ المسكين كأنّه مالك لما يعطى له،كما في قوله تعالى: وَ فِي

ص: 573

أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ الذّاريات:19.

و قيل:الطّعام في الآية بمعنى الإطعام.

و التّعبير بالحضّ دون الإطعام،لأنّ الحضّ أعمّ من الحضّ العمليّ الّذي يتحقّق بالإطعام.(20:368)

مكارم الشّيرازيّ: (يحضّ)أي يحرّض،و الحضّ مثل الحثّ،إلاّ أنّ الحثّ-كما يقول الرّاغب-يكون بسوق و سير،و الحضّ لا يكون بذلك.

و صيغة المضارع في الفعلين:(يدعّ)و(يحضّ)تدلّ على استمرارهم على مثل هذا العمل في حقّ الأيتام و المساكين.

و يلاحظ هنا بشأن الأيتام،أنّ العواطف الإنسانيّة تجاه هؤلاء أكثر أهمّيّة من إطعامهم و إشباعهم،لأنّ آلام اليتيم تأتي من فقدانه مصدر العاطفة و الغذاء الرّوحيّ،و التّغذية الجسميّة تأتي في المرحلة التّالية.

و مرّة أخرى نرى القرآن يتحدّث عن إطعام المساكين،و هو من أهمّ أعمال البرّ،و في الآية إشارة إلى أنّك إذا لم تستطع إطعام المساكين،فشجّع الآخرين على ذلك.(20:441)

فضل اللّه :فلا يتحسّس حرمان المحرومين،و لا فقر الفقراء،و لا شقاء المساكين،بل يعيش القسوة الّتي لا تتأثّر بأيّ مظهر من مظاهر البؤس،و لا تتحمّل أيّة مسئوليّة تجاه أهله في التّخفيف عنهم و الإعانة لهم.إمّا بالمساعدة المباشرة في ما يملكه من إمكاناتها،أو بالمساعدة غير المباشرة،في حضّ الآخرين و دعوتهم إلى تحمّل مسئوليّاتهم تجاه حلّ مشكلتهم الّتي هي مشكلة إنسانيّة،كما هي مسئوليّة إلهيّة في ما يفرضه اللّه على النّاس من ذلك.(24:441)

تحاضّون

وَ لا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ. الفجر:18

ابن عبّاس: و لا تحثّون أنفسكم و غيرها.(510)

مقاتل:و لا تطعمون مسكينا.

(الفخر الرّازيّ 31:173)

الفرّاء: قرأ الأعمش و عاصم بالألف و فتح التّاء، و قرأ أهل المدينة (و لا تحضّون) و قرأ الحسن البصريّ (و يحضّون و ياكلون) و قد قرأ بعضهم (تحاضّون) برفع التّاء،و كلّ صواب.كأنّ (تحاضّون) :تحافظون،و كأنّ (تحضّون):تأمرون بإطعامه،و كأنّ(تحاضّون):يحضّ بعضكم بعضا.(3:261)

نحوه الأزهريّ.(3:397)

الطّبريّ: [نحو الفرّاء ثمّ أضاف:]

و الصّواب من القول في ذلك عندي:أنّ هذه القراءات معروفات في قراءة الأمصار،أعني القراءات الثّلاث صحيحات المعاني،فبأيّ ذلك قرأ القارئ فمصيب.(30:183)

القمّيّ: أي لا تدعوهم،و هم الّذين غصبوا آل محمّد حقّهم،و أكلوا أموال اليتامى و فقراءهم و أبناء سبيلهم.

(2:420)

أبو زرعة:قرأ أبو عمرو: (كلاّ بل لا يكرمون...و لا يحضّون...و يأكلون...و يحبّون) بالياء.و حجّته أنّه أتى عقيب الخبر عن النّاس،فأخرج الخبر عنهم؛إذ أتى في سياق الخبر عنهم،ليأتلف الكلام على نظام واحد.

ص: 574

و قرأ الباقون:بالتّاء على المخاطبة،أي قل لهم.

و قالوا:إنّ المخاطبة بالتّوبيخ أبلغ من الخبر،فجعل الكلام بلفظ الخطاب.

قرأ عاصم و حمزة و الكسائيّ (و لا تحاضّون) بالألف، أي لا يحضّ بعضهم على ذلك بعضا.و حجّتهم قوله:

وَ تَواصَوْا بِالصَّبْرِ وَ تَواصَوْا بِالْمَرْحَمَةِ البلد:17، أي أوصى بعضهم بعضا.و الأصل:«تتحاضّون»، فحذفت التّاء الثّانية للتّاء الأولى.

و قرأ الباقون: (تحضّون) أي لا تأمرون بإطعام المسكين.

و حجّتهم قوله: إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللّهِ الْعَظِيمِ الحاقّة:33، وَ لا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ الفجر:18.

قال محمّد بن يزيد:قوله:(و لا يحضّون)أي لا يحضّ الرّجل غيره،فهاهنا مفعول محذوف مستغنى عن ذكره، كقوله: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ آل عمران:110،أي تأمرون غيركم.و حذف المفعول هاهنا كالمجيء به؛إذ فهم معناه.(762)

الطّوسيّ: [ذكر القراءات إلى أن قال:]تقول:

حضضته،بمعنى حثثته،و تَحَاضُّونَ بمعنى تحضّون، فاعلته و فعلته،إلاّ أنّ المفاعلة بين اثنين فأكثر.

(10:345)

الواحديّ: أي لا يأمرون بإطعامه.و من قرأ لا تَحَاضُّونَ أراد لا يتحاضّون فحذف الياء،و المعنى:

لا يحضّ بعضكم بعضا.(4:484)

نحوه الطّبرسيّ.(5:488)

الزّمخشريّ: و قرئ (يكرمون) و ما بعده بالياء و التّاء.و قرئ (تحاضّون) أي يحضّ بعضكم بعضا.و في قراءة ابن مسعود (و لا تحاضّون) بضمّ التّاء من المحاضّة.

(4:252)

نحوه أبو السّعود.(6:427)

ابن عطيّة: [ذكر القراءات نحو أبي زرعة و أضاف:]

قرأ عبد اللّه بن مبارك (تحاضّون) بضمّ التّاء،على وزن«تقاتلون»أي أنفسكم،أي بعضكم بعضا،و رواها الشّيزريّ عن الكسائيّ.و قد يجيء«فاعلت»بمعنى «فعلت»و هذا منه.و إلى هذا ذهب أبو عليّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و يحتمل أن تكون«مفاعلة»،و يتّجه ذلك على زحف ما (1)،فتأمّله.و قرأ الأعمش (تتحاضّون) بتاءين.(5:479)

نحوه أبو حيّان.(8:471)

العكبريّ: المفعول محذوف،أي لا يحضّون أحدا، أي لا يحضّون أنفسهم.و يقرأ (و لا تحاضّون) ،و هو فعل لازم بمعنى تتحاضّون.(2:1286)

البيضاويّ: و لا يحثّون أهلهم على طعام المسكين فضلا عن غيرهم.(2:558)

نحوه الكاشانيّ.(5:326)

الشّربينيّ: أي يحثّون حثّا عظيما.(4:534)

الآلوسيّ: وَ لا تَحَاضُّونَ بحذف إحدى التّاءين من تتحاضّون،أي و لا يحضّ و لا يحثّ بعضكم بعضا عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ أي على إطعامه،فالطّعام مصدرم.

ص: 575


1- كذا،و هو مبهم.

بمعنى الإطعام كالعطاء بمعنى الإعطاء.[إلى أن ذكر القراءة ب (يحضّون،و تحضّون) ثمّ قال:]

و الفعل على القراءتين جوّز أن يكون متعدّيا، و مفعوله محذوف فقيل:أنفسهم أو أنفسكم،و قيل:

أهليهم أو أهليكم،و قيل:أحدا،و جوّز و هو الأولى أن يكون منزلا منزلة اللاّزم،للتّعميم.(30:127)

سيّد قطب :و لا تتحاضّون فيما بينكم على إطعام المسكين.السّاكن الّذي لا يتعرّض للسّؤال و هو محتاج.

و قد اعتبر عدم التّحاضّ و التّواصي على إطعام المسكين قبيحا مستنكرا،كما يوحي بضرورة التّكافل في الجماعة في التّوجيه إلى الواجب و إلى الخير العامّ.و هذه سمة الإسلام.(6:3905)

الطّباطبائيّ: أصله:(و لا تتحاضّون)و هو تحريض بعضهم بعضا على التّصدّق على المساكين المعدمين، و منشؤه حبّ المال،كما في الآية الآتية: وَ تُحِبُّونَ الْمالَ إلخ.(20:283)

مكارم الشّيرازيّ: تَحَاضُّونَ من«الحضّ»، و هو التّرغيب،فلا يكفي إطعام المسكين بل يجب على النّاس أن يتواصوا،و يحثّ بعضهم البعض الآخر على ذلك،لتعمّ هذه السّنّة التّربويّة كلّ المجتمع.(20:175)

الأصول اللّغويّة

1-لهذه المادّة أصلان:الأوّل:الحضّ،و هو ضرب من الحثّ في السّير و السّوق و كلّ شيء؛و الاسم منه:

الحضّ و الحضّيضى.يقال:حضّه يحضّه و حضّضه،أي حثّه،و حضّضت القوم على القتال تحضيضا:حرّضتهم، و المحاضّة:أن يحثّ كلّ واحد منهما صاحبه،و التّحاضّ:

التّحاثّ،و احتضضت نفسي لفلان و ابتضضتها:استزدتها.

و الثّاني:الحضيض:القرار من الأرض عند منقطع الجبل؛و الجمع:أحضّة و حضض،و الحضّيّ: الحجر الّذي تجده بحضيض الجبل.

2-و قيل:الحضض و الحضض:دواء يتّخذ من أبوال الإبل،و عصارة الصّبر،و كحل الخولان،و هو ليس منه، بل من الحضظ و الحضظ،بالضّاد و الظّاء.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها المضارع مجرّدا مرّتين،و من التّفاعل أو المفاعلة مرّة في ثلاث آيات:

1- إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللّهِ الْعَظِيمِ* وَ لا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ الحاقّة:33،34

2- فَذلِكَ الَّذِي يَدُعُّ الْيَتِيمَ* وَ لا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ الماعون:2،3

3- كَلاّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ* وَ لا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ الفجر:17،18

يلاحظ أوّلا:أنّ نسق(1)و(2)واحد،و كلاهما ذمّ للكافر،و فيهما بحثان:

1-أدّى الكفر باللّه العظيم و التّواني في طعام المسكين بصاحبه في(1)إلى غلّه و تصليته الجحيم،و سلكه في سلسلة ذات سبعين ذراعا.و وصف الكافر في(2) بالتّكذيب بالدّين و دعّ اليتيم و التّواني في طعام المسكين، و لا شكّ أنّ مصيره مصير صاحبه في(1)،بل يزيد عليه عذابا،لأنّه ارتكب جناية ما ارتكبها الأوّل،و هي دعّ

ص: 576

اليتيم.

2-قال الآلوسيّ في(2):«قرأ زيد بن عليّ رضي اللّه تعالى عنهما (و لا يحاضّ) -بالغيبة-:مضارع حاضضت»،و لم نعثر على أصل هذه القراءة في كتب المتقدّمين.

ثانيا:خوطب الكافرون بما كانوا يفعلونه في(3)، و فيها بحثان:

1-أخبر اللّه عن حال الجاهليّين في جاهليّتهم بأنّهم كانوا لا يكرمون اليتيم،و لا يتحاضّون على طعام المسكين،و يأكلون التّراث أكلا لمّا،و يحبّون المال حبّا جمّا.فوصفهم بوصفين في المجال الاجتماعيّ،و هما الأوّلان،و بوصفين في المجال الاقتصاديّ،و هما الأخيران اللّذان كانا الباعث على الاتّصاف بالوصفين الأوّلين.

2-الأصل فيه«تتحاضّون»،فحذفت التّاء الأولى تخفيفا،و فيه قراءات:(تحاضّون)بضمّ التّاء من المحاضّة، و(تحضّون)بحذف الألف،و(يحضّون)بالياء و حذف الألف أيضا.

و الفرق بينها أنّ حضّ أي بعث الغير على شيء،و لم يذكر المفعول في القراءتين الأخيرتين.قال الآلوسيّ:

«و الفعل على القراءتين جوّز أن يكون متعدّيا،و مفعوله محذوف،فقيل:أنفسهم،أو أنفسكم،و قيل:أهليهم و أهليكم،و قيل:أحدا.و جوّز-و هو الأولى-أن يكون منزلا منزلة اللاّزم للتّعميم».

و قال أبو زرعة:«فهاهنا مفعول محذوف مستغنى عن ذكره،كقوله: تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ آل عمران:110، أي تأمرون غيركم.و حذف المفعول هاهنا كالمجيء به؛إذ فهم معناه».

و الحقّ أنّ كلّ فعل ركّز على معناه دون متعلّقه فهو بمنزلة اللاّزم،و كم له نظير في صفات اللّه تعالى و غيرها في القرآن.

أمّا في الأوليين:(تحاضّون)-أي تتحاضّون- و(تحاذّون)فهما من باب التّفاعل أو المفاعلة،و معناهما الاشتراك في الفعل،و المفعول مفهوم منهما،أي حضّ بعضهم بعضا،فلا حاجة لهما إلى مفعول.

و قد فرّق الفرّاء و الطّبريّ بينهما،فقالا:(تحاضّون) بفتح التّاء أي يحضّ بعضكم بعضا،و بضمّ التّاء أي تحافظون،و لم نعرف سرّ هذا الفرق.

ثمّ إنّ قراءة الخطاب هي الموافقة لما قبلها:

لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ، و لما بعدها: وَ تَأْكُلُونَ التُّراثَ فهي أولى من قراءة الغيبة،اعتمادا على وحدة السّياق.

ثالثا:ربّما يسأل سائل و يقول:اشتهر العرب بالكرم و العطاء،فكيف يمنعون عطاءهم اليتيم،و يبخلون بإكرام المسكين؟يقال له:يدخل ذلك في باب العموم و الخصوص في وجه؛إذ نزل ذلك في أفراد من أهل مكّة، فذكر مثلا أنّ سورة الماعون نزلت في أبي سفيان،و كان ينحر في كلّ أسبوع جزورا،فطلب منه يتيم شيئا فقرعه بعصاه،و قيل:نزلت في غيره.

أو ذكر ذلك للتّهويل و التّشنيع لندرته في مجتمع الجزيرة العربيّة و غرابته،فأنكره القرآن و أزرى بمن قام به.

رابعا:الآيات الثّلاث مكّيّة،تحكي عن الجوّ

ص: 577

الاجتماعيّ في مكّة،من شيوع الأيتام و المساكين فيها، على أثر الحروب المتوالية بين القبائل،و لعوامل أخرى، و قد اشتركت في أنّ لسانها ذمّ،و أنّ«الحضّ»فيها منفيّ، إدانة لكلّ من لا يحضّ على طعام المسكين،كما اشتركت اثنتان منهما(2 و 3)بضمّ الاهتمام بأمر اليتيم إلى طعام المسكين،مقدّما له على مسكين باختلاف في السّياق، فجاء في(2)دعّ اليتيم،و في(3)عدم إكرامه،و ذكر بدله في(1): إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللّهِ الْعَظِيمِ، و عدم الإيمان باللّه مفهوم من(2 و 3)،و لا سيّما من(1): أَ رَأَيْتَ الَّذِي يُكَذِّبُ بِالدِّينِ، و هو أصل كلّ مفسدة فرديّة و اجتماعيّة،إضافة إلى الحرص على جمع المال،كما جاء في(3): وَ تَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا* وَ تُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا.

و قد ركّزت هذه الآيات على طعام المسكين الحاكي عن انتشار الجوع في مكّة،دون إعانة المسكين و نحوها، و الجوع عبارة عن أشدّ المعيشة و أدناها.و قد جاء فيها بسياق واحد وَ لا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ مقارنة فيها بالعقاب الأخرويّ.

و قد لفّ به في(1): خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ* ثُمَّ فِي سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ* إِنَّهُ كانَ لا يُؤْمِنُ بِاللّهِ الْعَظِيمِ* وَ لا يَحُضُّ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ* فَلَيْسَ لَهُ الْيَوْمَ هاهُنا حَمِيمٌ* وَ لا طَعامٌ إِلاّ مِنْ غِسْلِينٍ* لا يَأْكُلُهُ إِلاَّ الْخاطِؤُنَ الحاقّة:30-37، مصرّحا بأنّ له طعام من غسلين جزاء لكونه لا يحضّ على طعام المسكين.

و أمّا في(2 و 3)فأخّر عنه العقاب مجرّدا عن مماثلته له،فجاء في(2): فَوَيْلٌ لِلْمُصَلِّينَ* اَلَّذِينَ هُمْ عَنْ صَلاتِهِمْ ساهُونَ... الماعون:4 و 5،و في(3): كَلاّ إِذا دُكَّتِ الْأَرْضُ دَكًّا دَكًّا* وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا* وَ جِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَ أَنّى لَهُ الذِّكْرى الفجر:21-23،لاحظ ط ع م:«طعام»،و س ك ن:«مسكين».

ص: 578

ح ط ب

اشارة

لفظان،مرّتان،في سورتين مكّيّتين

الحطب 1:1 حطبا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحطب معروف.حطب يحطب حطبا و حطبا،المخفّف مصدر،و المثقّل اسم.و حطبت القوم،إذا احتطبت لهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال للمخلّط في كلامه و أمره:«حاطب ليل»مثلا له،لأنّه لا يتفقّد كلامه كحاطب اللّيل،لا يبصر ما يجمع في حبله،من رديء و جيّد.

و حطب فلان بفلان،إذا سعى به.

و الحطب في القرآن:النّميمة.و يقال:هو الشّوك كانت[أمّ جميل امرأة أبي لهب]تحمله فتلقيه على طريق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

و يقال للشّديد الهزال:حطب.(3:173)

اللّيث:الحطب:ما أعدّ من الشّجر سبوبا (1)للنّار.(ابن منظور 1:321)

الأصمعيّ: من أمثالهم في الأمر يبرم و لم يشهده صاحبه،قولهم:«صفقة لم يشهدها حاطب».و كان أصله أنّ بعض آل حاطب باع بيعة غبن فيها،فقيل ذلك.

(الأزهريّ 4:393)

أبو عبيد: قال أكثم بن صيفيّ:«المكثار كحاطب ليل».

و إنّما شبّهه بحاطب اللّيل،لأنّه ربّما نهشته الحيّة، كذلك المكثار،ربّما أصابه في إكثاره بعض ما يكره.

(الأزهريّ 4:393)

ابن شميّل: العنب كلّ عام يقطع من أعاليه شيء، و يسمّى ما يقطع منه:الحطاب.

و يقال:قد استحطب عنبكم،فاحطبوه حطبا،أي اقطعوا حطبه.(الأزهريّ 4:394)

ابن دريد :الحطب معروف،و الحاطب و المحتطب سواء.و مثل من أمثالهم:«المسهب كحاطب اللّيل».

ص: 579


1- في معاجم اللّغة:شبوبا.

فالمسهب:الّذي يتجاوز في كثرة الكلام حتّى يكثر خطاؤه.يقول:فهو كحاطب اللّيل؛لأنّ حاطب اللّيل لا يعدم أن يهجم على حيّة أو سبع.

و واد حطيب:كثير الحطب.

و قد سمّت العرب حاطبا،و حويطبا.و بنو حاطبة:

بطن منهم.(1:225)

و حطب،و أحطب الوادي،إذا كثر حطبه.(3:438)

الأزهريّ: و يقال للمخلّط في كلامه:حاطب ليل.

قيل:شبّه الجاني على نفسه بلسانه بحاطب اللّيل،لأنّه إذا حطب ليلا ربّما وقعت يده على أفعى فنهشته،و كذلك الّذي لا يزمّ لسانه و يهجوا النّاس و يذمّهم،ربّما كان ذلك سببا لحتفه.

و يقال للّذي يحتطب الحطب فيبيعه:حطّاب،و يقال:

جاءت الحطّابة.

و قال أبو تراب:سمعت بعضهم يقول:احتطب عليه في الأمر و احتقب،بمعنى واحد.(4:394)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و مال حطب:هزلى.

و الحطاب:ما يقطع من أعالي قضبان الكرم،يقال:

استحطب عنبكم فاحطبوه.

و الحطوبة:شبه حزمة من حطب؛و جمعها:حطوبات.

و إذا أعان الرّجل القوم و نصرهم قيل:حطب في حبلهم.

و احتطب عليه في الأمر،و احتقب.

و حطب علينا بخير.(3:28)

الجوهريّ: الحطب:معروف.تقول منه:حطبت و احتطبت،إذا جمعته.

و يقال لمن يتكلّم بالغثّ و السّمين:«حاطب ليل» لأنّه لا يبصر ما يجمع في حبله.

و حطبني فلان،إذا أتاك بالحطب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحطّابة:الّذين يحتطبون.

و أحطب الكرم:حان أن يقطع منه الحطب.

و ناقة محاطبة:تأكل الشّوك اليابس.

و مكان حطيب:كثير الحطب.

و الحطب:الرّجل الشّديد الهزال.و الأحطب مثله.

و قولهم:«صفقة لم يشهدها حاطب»هو حاطب بن أبي بلتعة،و كان حازما.(1:113)

ابن فارس: الحاء و الطّاء و الباء أصل واحد،و هو الوقود،ثمّ يحمل عليه ما يشبّه به.

فالحطب معروف.يقال:حطبت أحطب حطبا.

و يقال للمخلّط في كلامه:حاطب ليل.

و يقال:حطبني عبدي،إذا أتاك بالحطب.

و يقال:مكان حطيب:كثير الحطب.

و يقال:ناقة محاطبة:تأكل الشّوك اليابس.

يقال:حطب فلان بفلان:سعى به.

و يقال:إنّ الأحطب:الشّديد الهزال،و كذلك الحطب،كأنّه شبّه بالحطب اليابس.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:79)

ابن سيده: الحطب:ما أعدّ من الشّجر شبوبا للنّار.

ص: 580

حطب يحطب حطبا،و احتطب:جمع الحطب.

و حطب فلانا حطبا،يحطبه،و احتطب له:جمعه له.

و رجل حاطب ليل:مخلّط في أمره و كلامه،و لا يتفقّد كلامه،كالحاطب باللّيل كلّ رديء و جيّد،لأنّه لا يبصر ما يجمع في حبله.

و أرض حطيبة:كثيرة الحطب،و كذلك واد حطيب.

و قد حطب و أحطب.

و احتطبت الإبل:رعت دقّ الحطب.

و بعير حطّاب:يرعى الحطب،و لا يكون ذلك إلاّ من صحّة و فضل قوّة؛و الأنثى:حطّابة.

و الحطاب في الكرم:أن يقطع حتّى ينتهي إلى ما جرى فيه الماء.

و استحطب العنب:احتاج أن يقطع شيء من أعاليه.

و حطبوه:قطعوه.

و المحطب:المنجل الّذي يقطع به.

و حطب به:سعى.

و الأحطب:الشّديد الهزال.

و قد سمّت حاطبا و حويطبا.

و بنو حاطبة:بطن.و حيطوب:موضع.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](3:245)

الرّاغب: فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً الجنّ:15،أي ما يعدّ للإيقاد،و قد حطب حطبا و احتطبت.

و قيل للمخلّط في كلامه:حاطب ليل،لأنّه ما يبصر ما يجعله في حبله.

و حطبت لفلان حطبا:عملته له.

و مكان حطيب:كثير الحطب.

و ناقة محاطبة:تأكل الحطب.

و قوله تعالى: حَمّالَةَ الْحَطَبِ اللّهب:4،كناية عنها بالنّميمة.

و حطب فلان بفلان:سعى به.و فلان يوقد بالحطب الجزل،كناية عن ذلك.(122)

الزّمخشريّ: حطب الحطّاب و احتطب.و إماء حواطب،و فلان يحطب رفقاءه و يسقيهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و من المجاز:هو حاطب ليل:المخلّط في كلامه، و فلان يحمل الحطب بين القوم:إذا مشى بالنّمائم، و حطب فلان بصاحبه:سعى به.و حطب في حبله:نصره و أعانه،و إنّك لتحطب في حبله و تميل إلى هواه.و حطبت علينا بخير.و ما له حطب:هزل.

و قد أحطب عنبكم،و استحطب:إذا حان أن يقنب، و يقطع ما يجب قطعه،و قد حطبوا كرمهم حطبا،و قطعوا حطبه و حطابه.(أساس البلاغة:87)

الصّغانيّ: الحطوبة:شبه حزمة من حطب.

و إذا نصر الرّجل القوم قيل:حطب في حبلهم.

(1:105)

الفيّوميّ: الحطب:معروف؛و جمعه:أحطاب.

و حطبت الحطب حطبا من باب«ضرب»:جمعته، و اسم الفاعل:حاطب،و به سمّي.و منه حاطب بن أبي بلتعة،و حطّاب أيضا على المبالغة.

و احتطب:مثل حطب.

ص: 581

مكان حطيب:كثير الحطب.

و حطب بفلان:سعى به.(1:141)

الطّريحيّ: و حطبت حطبا من باب«ضرب»:

جمعته،و احتطبت مثله.

و منه الدّعاء:«عائذ ممّا احتطبت على ظهري»أي ممّا جمعت و اكتسبت من الذّنوب على ظهري.

و الحطّابة بالتّشديد:الّذين يحتطبون الحطب.

(2:44)

الفيروزآباديّ: الحطب،محرّكة:ما أعدّ من الشّجر شبوبا.

و حطب كضرب:جمعه،كاحتطب،و فلانا:جمعه له، أو أتاه به.

و أرض حطيبة،و مكان حطيب،و قد حطب و أحطب.و هو حاطب ليل:مخلّط في كلامه.

و احتطب:رعى دقّ الحطب.و بعير حطّاب:يرعاه.

و الحطاب،ككتاب:أن يقطع الكرم حتّى ينتهي إلى حدّ ما جرى فيه الماء.

و استحطب العنب:احتاج أن يقطع أعاليه.

و المحطب:المنجل.

و حطب به:سعى.

و الأحطب:الشّديد الهزال،كالحطب،ككتف،أو المشئوم،و هي حطباء.

و حطب في حبلهم يحطب:نصرهم.

و الحطوبة:شبه حزمة من حطب.

و احتطب عليه في الأمر:احتقب،و المطر:قلع أصول الشّجر.

و ناقة محاطبة:تأكل الشّوك اليابس.(1:58)

المصطفويّ: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ما يتوقّد،فالحطب اسم ذات كفرس،ثمّ يشتقّ منه الفعل بالاشتقاق الانتزاعيّ،فيقال:حطب يحطب،أي هيّأ الحطب و جمعه.و حطبه،أي أتاه به،و جمعه إليه،فهو حاطب و حطّاب.

و يستعار عن الشّديد الهزال بالأحطب.

و أمّا حطب بفلان،أي سعى به،فهو مأخوذ من مفهوم التّوقّد،فكأنّ السّاعي بعمله يوقد نار الخصومة، و مثله النّميمة.(2:260)

النّصوص التّفسيريّة

الحطب

وَ امْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ. اللّهب:4

ابن عبّاس: نقّالة النّميمة،كانت تمشي بالنّميمة بين المسلمين و الكافرين.(521)

كانت تحمل الشّوك،فتطرحه على طريق النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، ليعقره و أصحابه.(الطّبريّ 30:338)

نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 30:339)

إنّها كانت تمشي بالنّميمة بين النّاس،فتلقي بينهم العداوة،و توقد نارها بالتّهييج،كما توقد النّار الحطب فسمّى النّميمة حطبا.

مثله مجاهد،و قتادة،و السّدّيّ،و عكرمة.

(الطّبرسيّ 5:559)

ص: 582

نحوه الحسن.(الماورديّ 6:367)

عكرمة :كانت تمشي بالنّميمة.

مثله مجاهد،و الثّوريّ.(الطّبريّ 30:339)

سعيد بن جبير: معناه:حمّالة الخطايا.

(الثّعلبيّ 10:327)

مثله أبو مسلم الأصفهانيّ.(الطّبرسيّ 5:559)

الرّبيع:كانت تنشر السّعدان على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فيطؤه كما يطأ الحرير و الفرند.(الثّعلبيّ 10:327)

ابن زيد :كانت تلقي في طريق النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم الشّوك.

كانت تأتي بأغصان الشّوك،فتطرحها باللّيل في طريق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(الطّبريّ 30:339)

العوفيّ: كانت تضع العضاه على طريق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فكأنّما يطأ به كثيبا.(الطّبريّ 30:339)

قتادة :كانت تحطب الكلام،و تمشي بالنّميمة.

كانت تعيّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بالفقر،و كانت تحتطب فعيّرت بذلك.(الثّعلبيّ 10:326)

الفرّاء: ترفع(الحمّالة)و تنصب؛فمن رفعها فعلى جهتين:يقول:سيصلى نار جهنّم هو و امرأته حمّالة الحطب،تجعله من نعتها.و الرّفع الآخر(و امراته حمّالة الحطب)تريد:و امرأته حمّالة الحطب في النّار،فيكون فِي جِيدِها هو الرّافع.و إن شئت رفعتها ب(الحمّالة)، كأنّك قلت:ما أغنى عنه ماله و امرأته هكذا.

و أمّا النّصب فعلى جهتين:

إحداهما:أن تجعل(الحمّالة)قطعا لأنّها نكرة؛أ لا ترى أنّك تقول:و امرأته الحمّالة الحطب،فإذا ألقيت الألف و اللاّم كانت نكرة،و لم يستقم أن تنعت معرفة بنكرة.

و الوجه الآخر:أن تشتمها بحملها الحطب،فيكون نصبها على الذّمّ،كما قال صلّى اللّه عليه و سلّم سيّد المرسلين،سمعها الكسائيّ من العرب.و قد ذكرنا مثله في غير موضع.

و في قراءة عبد اللّه: (و امراته حمّالة للحطب) نكرة منصوبة،و كانت تنمّ بين النّاس،فذلك حملها الحطب.

يقول:تحرّش بين النّاس،و توقد بينهم العداوة.

(3:298)

الأخفش: يقول:و تصلى امرأته حمّالة الحطب، و(حمّالة الحطب)من صفتها.

و نصب بعضهم حَمّالَةَ الْحَطَبِ على الذّمّ، كأنّه قال:ذكرتها حمّالة الحطب.

و يجوز أن تكون حَمّالَةَ الْحَطَبِ نكرة نوى بها التّنوين،فتكون حالا ل(امراته)و تنصب بقوله:

(تصلى).(2:745)

ابن قتيبة :قال ابن عبّاس-في رواية أبي صالح عنه-:الحطب:النّميمة.و كانت تنمّ و تؤرّش بين النّاس.

و من هذا قيل:«فلان يحطب عليّ»إذا أغرى به،شبّهوا النّميمة بالحطب،و العداوة و الشّحناء بالنّار،لأنّهما يقعان بالنّميمة،كما تلتهب النّار بالحطب.و يقال:«نار الحقد لا تخبو».فاستعاروا الحطب في موضع النّميمة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال بعض المتقدّمين:كانت تعيّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بالفقر كثيرا،و هي تحتطب على ظهرها بحبل من ليف في

ص: 583

عنقها.

و لست أدري كيف هذا!لأنّ اللّه عزّ و جلّ وصفه بالمال و الولد،فقال: ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَ ما كَسَبَ اللّهب:2.(تأويل مشكل القرآن:159)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة حَمّالَةَ الْحَطَبِ فقرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة و الكوفة و البصرة: (حمّالة الحطب) بالرّفع،غير عبد اللّه بن أبي إسحاق،فإنّه قرأ ذلك نصبا فيما ذكر لنا عنه.

و اختلف فيه عن عاصم،فحكي عنه الرّفع فيها و النّصب،و كأنّ من رفع ذلك جعله من نعت المرأة، و جعل الرّفع للمرأة ما تقدّم من الخبر،و هو سَيَصْلى.

و قد يجوز أن يكون رافعها الصّفة،و ذلك قوله: فِي جِيدِها، و تكون(حمّالة)نعتا للمرأة.

و أمّا النّصب فيه فعلى الذّمّ،و قد يحتمل أن يكون نصبها على القطع من المرأة،لأنّ المرأة معرفة،و حَمّالَةَ الْحَطَبِ نكرة.

و الصّواب من القراءة في ذلك عندنا:الرّفع،لأنّه أفصح الكلامين فيه،و لإجماع الحجّة من القرّاء عليه.

و اختلف أهل التّأويل في معنى قوله: حَمّالَةَ الْحَطَبِ فقال بعضهم:كانت تجيء بالشّوك فتطرحه في طريق رسول اللّه،ليدخل في قدمه إذا خرج إلى الصّلاة.

و يقال: حَمّالَةَ الْحَطَبِ: نقّالة للحديث.

و قال آخرون:قيل لها ذلك:حمّالة الحطب،لأنّها كانت تحطب الكلام،و تمشي بالنّميمة،و تعيّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بالفقر.

و قال بعضهم:كانت تعيّر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بالفقر، و كانت تحطب فعيّرت بأنّها كانت تحطب.

و أولى القولين في ذلك بالصّواب عندي،قول من قال:

كانت تحمل الشّوك،فتطرحه في طريق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، لأنّ ذلك هو أظهر معنى ذلك.(30:338)

نحوه الزّجّاج.(5:375)

القمّيّ: كانت امّ جميل بنت صخر،و كانت تنمّ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و تنقل أحاديثه إلى الكفّار،أي احتطبت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.(2:448)

الثّعلبيّ: يقال:الحديث،و الكذب.[ثمّ ذكر قول ابن عبّاس و قال:]

يقول العرب:فلان يحطب على فلان،إذا ورش (1)و أغزى.[ذكر قول قتادة ثمّ قال:]

و هذا قول غير قويّ،لأنّ اللّه سبحانه وصفهم بالمال و الولد،و حمل الحطب ليس بعيب.

[قال]مرّة الهمدانيّ: كانت أمّ جميل تأتي كلّ يوم بإبّالة من الحسك فتطرحه على طريق المسلمين،فبينما هي ذات يوم حاملة حزمة أعيت فقعدت على حجر تستريح،فأتاها ملك فحدّثها من خلفها فأهلكها.

و قال سعيد بن جبير:حمّالة الخطايا،و دليله قوله سبحانه: وَ هُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ الأنعام:31،و قول العرب:فلان يحطب على ظهره،إذا أساء،فلان حاطب قريته،إذا كان الجاني فيهم،و فلان محطوب عليه،إذا كان مجنيّا عليه.ش.

ص: 584


1- التّوريش:التّحريش.

و قراءة العامّة بالرّفع فيهما،و اختاره أبو عبيد و أبو حاتم،و لها وجهان:

أحدهما:سيصلى نارا هو و امرأته حمّالة الحطب.

و الثّاني:و امرأته حمّالة الحطب في النّار أيضا.

و حجّة الرّافعين...قراءة عبد اللّه (و امراته حمّالة للحطب) .

و قرأ الحسن و ابن أبي إسحاق و ابن محتضر و الأعرج و عاصم (حمّالة) بالنّصب،و لها وجهان:

أحدهما:الحال و القطع؛لأنّ أصله:و امرأته الحمّالة الحطب،فلمّا ألقيت الألف و اللاّم نصب الكلام.

و الثّاني:على الذّمّ و الشّتم،كقوله سبحانه:

مَلْعُونِينَ الأحزاب:61.

و روى ابن أبي الزّياد عن أبيه،قال:كان عامّة العرب يقرءون حَمّالَةَ الْحَطَبِ و قرأ أبو قلابة (و امراته حاملة الحطب) على«فاعلة»،و الحطب:جمع، واحدتها:حطبة.

و قال بعض أهل اللّغة:الحطب هاهنا:جمع الحاطب، و هو الجانب المذنب،يعني أنّها كانت تحملهم بالنّميمة على معاداته،و نظيره من الكلام راصد و رصد و حارس و حرس و طالب و طلب و غائب و غيب،و العلّة في تشبيههم النّميمة.بالحطب هي أنّ الحطب يوقد و يضرم كذلك النّميمة[إلى أن قال:]

و العلّة الثّانية:أنّ الحطب يصير نارا،و النّار سبب التّفريق،فكذلك النّميمة.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(10:327)

الماورديّ: في حَمّالَةَ الْحَطَبِ أربعة أوجه:[ثمّ ذكر قول ابن عبّاس و قتادة و السّدّيّ و قال:]

الرّابع:أنّه أراد ما حملته من الآثام في عداوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،لأنّه كالحطب في مصيره إلى النّار.

(6:367)

نحوه ابن الجوزيّ.(9:260)

الطّوسيّ: و قيل:حمّالة الحطب في النّار.و في ذلك دلالة أيضا قاطعة على أنّها تموت على الكفر.(10:428)

الزّمخشريّ: هي أمّ جميل بنت حرب أخت أبي سفيان،و كانت تحمل حزمة من الشّوك و الحسك و السّعدان فتنثرها باللّيل في طريق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قيل:كانت تمشي بالنّميمة.و يقال للمشّاء بالنّمائم المفسد بين النّاس:يحمل الحطب بينهم،أي يوقد بينهم النّائرة،و يورّث الشّرّ،قال:

من البيض لم تصطد على ظهر لأمة

و لم تمش بين الحيّ بالحطب الرّطب

جعله رطبا ليدلّ على التّدخين الّذي هو زيادة في الشّرّ.

و رفعت عطفا على الضّمير في(سيصلى)،أي سيصلى هو و امرأته،و فِي جِيدِها في موضع الحال أو على الابتداء،و فِي جِيدِها الخبر.

و قرئ حَمّالَةَ الْحَطَبِ بالنّصب على الشّتم.و أنا أستحبّ هذه القراءة،و قد توسّل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بجميل من أحبّ شتم أمّ جميل.

و قرئ (حمّالة للحطب) ،و (حمّالة للحطب)

ص: 585

بالتّنوين،و الرّفع،و النّصب.(4:297)

نحوه النّسفيّ(4:382)،و أبو السّعود(6:485).

ابن عطيّة: [ذكر قول ابن عبّاس ثمّ قال:]

و على هذا التّأويل،ف(حمّالة)معرفة يراد به الماضي.و قيل:إنّ قوله: حَمّالَةَ الْحَطَبِ استعارة لذنوبها الّتي تحطبها على نفسها لآخرتها،ف(حمّالة)على هذا نكرة،يراد بها الاستقبال.

و قيل:هي استعارة لسعيها على الدّين و المؤمنين،كما تقول:فلان يحطب على فلان و في حبل فلان،فكانت هي تحطب على المؤمنين و في حبل المشركين.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

و قرأ أبو قلابة (حاملة) الميم بعد الألف.(5:535)

نحوه أبو حيّان.(8:526)

الطّبرسيّ: قرأ عاصم: حَمّالَةَ الْحَطَبِ بالنّصب و الباقون بالرّفع.

و أمّا حَمّالَةَ الْحَطَبِ، فمن رفع جعله وصفا لقوله:

(و امراته) ،و يدلّ على أنّ الفعل قد وقع،كقولك:مررت برجل ضارب عمرا أمس.فهذا لا يكون إلاّ معرفة،و لا يقدّر فيه إلاّ الانفصال،كما يقدّر في هذا النّحو،إذا لم يكن الفعل واقعا.

و أمّا ارتفاع (امراته) فيحتمل وجهين:

أحدهما:العطف على فاعل سَيَصْلى، التّقدير:

سيصلى نارا هو و امرأته،إلاّ أنّ الأحسن أن لا يؤكّد لما جرى من الفصل بينهما،و يكون حَمّالَةَ الْحَطَبِ على هذا وصفا لها.و يجوز في قوله: فِي جِيدِها أن يكون في موضع حال،و فيها ذكر منها،و يتعلّق بمحذوف.

و يجوز فيه وجه آخر و هو أن يرتفع(امراته) بالابتداء،و(حمّالة)وصف لها،و فِي جِيدِها خبر المبتدإ.

و أمّا النّصب في حَمّالَةَ الْحَطَبِ، فعلى الذّمّ لها، كأنّها كانت اشتهرت بذلك،فجرت الصّفة عليها للذّمّ،لا للتّخصيص و التّخليص من موصوف غيرها.[و ذكر قول ابن عبّاس ثمّ قال]

قالت العرب:فلان يحطب على فلان،إذا كان يغري به قال:

*و لم يمش بين الحيّ بالحطب الرّطب*

أي لم يمش بالنّميمة.(5:559)

الفخر الرّازيّ: ذكروا في تفسير كونها حَمّالَةَ الْحَطَبِ وجوها:

أحدها:أنّها كانت تحمل حزمة من الشّوك و الحسك فتنثرها باللّيل في طريق رسول اللّه.فإن قيل:إنّها كانت من بيت العزّ فكيف يقال:إنّها حمّالة الحطب؟قلنا:لعلّها كانت مع كثرة مالها خسيسة،أو كانت لشدّة عداوتها تحمل بنفسها الشّوك و الحطب،لأجل أن تلقيه في طريق رسول اللّه.

و ثانيها:أنّها كانت تمشي بالنّميمة،يقال للمشّاء بالنّمائم المفسد بين النّاس:يحمل الحطب بينهم،أي يوقد بينهم النّائرة،و يقال للمكثر:هو حاطب ليل.

و ثالثها:[هو قول قتادة]

و الرّابع:قول أبي مسلم و سعيد بن جبير:أنّ المراد ما

ص: 586

حملت من الآثام في عداوة الرّسول،لأنّه كالحطب في تصييرها إلى النّار.و نظيره أنّه تعالى شبّه فاعل الإثم بمن يمشي و على ظهره حمل،قال تعالى: فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتاناً وَ إِثْماً مُبِيناً الأحزاب:58،و قال تعالى: يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ الأنعام:31،و قال تعالى:

وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ الأحزاب:72.[ثمّ ذكر القراءات]

(32:171)

نحوه النّيسابوريّ(30:205)،و الخازن(7:267).

القرطبيّ: قوله تعالى:(و امراته):أمّ جميل.و قال ابن العربيّ:العوراء أمّ قبيح،و كانت عوراء حمّالة الحطب.

[ثمّ ذكر الأقوال،كما سبق عن الطّبريّ و أضاف:]

و قيل:المعنى حمّالة الحطب في النّار،و فيه بعد.[ثمّ ذكر القراءات](20:239)

البيضاويّ: يعني حطب جهنّم،فإنّها كانت تحمل الأوزار بمعاداة الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و تحمل زوجها على إيذائه.أو النّميمة،فإنّها توقد نار الخصومة،أو حزمة الشّوك و الحسك،فإنّها كانت تحملها فتنثرها باللّيل في طريق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قرأ عاصم بالنّصب على الشّتم.(2:581)

نحوه الكاشانيّ.(5:388)

أبو حيّان :[ذكر نحوا ممّا سبق عن ابن عطيّة، و الزّمخشريّ].(8:526)

السّمين:(و امراته)قرأ العامّة بالرّفع على أنّها جملة من مبتدإ و خبر سيقت للإخبار بذلك.و قيل:عطف على الضّمير في(سيصلى)سوّغه الفصل بالمفعول، و حَمّالَةَ الْحَطَبِ على هذا فيها أوجه:

كونها نعتا ل(امراته)،و جاز ذلك لأنّ الإضافة حقيقيّة؛إذ المراد المضيّ.

أو كونها بيانا،أو كونها بدلا،لأنّها قريب من الجوامد لتمحّض إضافتها.

أو كونها خبرا لمبتدإ مضمر،أي هي حمّالة.[إلى أن قال:]

و يضعّف جعلها حالا-عند الجمهور-من الضّمير في الجارّ بعدها،إذا جعلناها مرفوعة بالعطف على الضّمير المعنويّ.

و استشكل بعضهم الحاليّة،لما تقدّم من أنّ المراد به المضيّ فتتعرّف بالإضافة،فكيف تكون حالا عند الجمهور؟

ثمّ أجاب بأنّ المراد:الاستقبال،لأنّه ورد في التّفسير أنّها تحمل يوم القيامة حزمة من حطب هو حقيقة،و الثّاني:أنّه مجاز عن المشي بالنّميمة،و رمي الفتن بالنّميمة بين النّاس.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ أبو قلابة (حاملة الحطب) على وزن«فاعلة» و هي محتملة لقراءة العامّة،و عياض (حمّالة للحطب) بالتّنوين و جرّ المفعول بلام زائدة تقوية للعامل،كقوله:

فَعّالٌ لِما يُرِيدُ البروج:16،و أبو عمرو في رواية (و امراته)باختلاس الهاء دون إشباع.(6:586)

ابن كثير :كانت زوجته من سادات نساء قريش، و هي أمّ جميل،و اسمها أروى بنت حرب بن أميّة،و هي أخت أبي سفيان،و كانت عونا لزوجها على كفره و جحوده و عناده،فلهذا تكون يوم القيامة عونا عليه في

ص: 587

عذابه في نار جهنّم،و لهذا قال تعالى: حَمّالَةَ الْحَطَبِ* فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ يعني تحمل الحطب فتلقي على زوجها،ليزداد على ما هو فيه،و هي مهيّأة لذلك، مستعدّة له.(7:400)

الشّربينيّ: فيه وجهان:أحدهما:هو حقيقة.[ثمّ ذكر قول قتادة،و ابن زيد،و مرّة الهمدانيّ]

الوجه الثّاني:أنّ ذلك مجاز عن المشي بالنّميمة، و رمي الفتن بين النّاس.

[ثمّ ذكر قول سعيد بن جبير،و القراءات كما سبق عن الزّمخشريّ](4:607)

العروسيّ: [نحو القمّيّ و أضاف:]

و في«نهج البلاغة»:من كتاب له عليه السّلام إلى معاوية جوابا:«و منّا خير نساء العالمين،و منكم حمّالة الحطب».(5:699)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه قال:]

و قيل:[نصب حمّالة]على الحاليّة،بناء على أنّ الإضافة غير حقيقيّة؛إذ المراد أنّها تحمل يوم القيامة حزمة حطب كالزّقّوم و الضّريع،و في جيدها سلاسل النّار،كما يعذّب كلّ مجرم بما يناسب حاله في جرمه.[ثمّ ذكر قول قتادة و قال:]

فالنّصب حينئذ على الشّتم حتما.(10:535)

الآلوسيّ: [ذكر الأقوال ثمّ قال:]

و الظّاهر أنّ الحطب عليه مستعار للخطايا بجامع أنّ كلاّ منهما مبدأ للاحتراق.

و قيل:الحطب جمع حاطب كحارس و حرس،أي تحمل الجناة على الجنايات،و هو محمل بعيد.

(30:263)

عبد الكريم الخطيب : وَ امْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ معطوف على فاعل(سيصلى)أي سيصلى هو نارا ذات لهب،و ستصلى امرأته معه هذه النّار،ذات اللّهب.

و حَمّالَةَ الْحَطَبِ منصوب على الذّمّ،بفعل محذوف قصد به التّخصيص للصّفة الغالبة عليها، و تقديره:أعني،أو أقصد حمّالة الحطب.

و حَمّالَةَ الْحَطَبِ أي حمّالة الفتنة،الّتي تؤجّج بها نار العداوة،و تسعى بها بين النّاس،لتثير النّفوس على النّبيّ،و تهيّج عداوة المشركين له.

فقد كانت امرأة أبي لهب-و اسمها أمّ جميل بنت حرب،أخت أبي سفيان-أشدّ نساء قريش عداوة للنّبيّ، و سلاطة لسان،و سوء قالة فيه،كما كان ذلك شأن زوجها أبي لهب من بين مشركي قريش كلّهم.و هكذا تتآلف النّفوس الخبيثة،و تتزاوج،و تتوافق،و تتجاذب.

و قيل: حَمّالَةَ الْحَطَبِ أي حمّالة الذّنوب،الّتي أشبه بالحطب الّذي يتّخذ وقودا،و الّذي يتعرّض لأيّة شرارة تعلق به،فتأتي على كلّ ما اتّصل من أثاث و غيره،و هذا ما يشير إليه قوله تعالى: يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ الأنعام:31.

و انظر إلى الإعجاز القرآنيّ في وصف امرأة أبي لهب و سعيها بالفتنة،و إغراء الصّدور على النّبيّ بأنّها حمّالة الحطب،فهذا الحطب الّذي تحمله،مع مجاورته للّهب الّذي هو كيان زوجها كلّه،لا بدّ أن يشتعل يوما،و قد كان...فأصبح الرّجل و زوجه وقودا لنار جهنّم.

و انظر مرّة أخرى إلى هذا الإعجاز في التّفرقة بين

ص: 588

أَبِي لَهَبٍ و حَمّالَةَ الْحَطَبِ إنّه هو الّذي أوقد فيها هذه النّار،بما تطاير من شرره إلى هذا الحطب الّذي تحمله،و هو الّذي أوقع بها هذا البلاء،إنّها كانت تحمل حطبا،و حسب،و هذا الحطب-و إن كان من وقود النّار- إلاّ أنّه قد يسلم منها،لو لم يخالطها،و يعلق بها،و أمّا و قد خالطها أبو لهب،فلا بدّ أن تشتعل و تحترق.

(15:1706)

ابن عاشور :[ذكر أسماء أمّ جميل و حملها الحطب و الشّوك ثمّ قال:]

فلمّا حصل لأبي لهب و عيد مقتبس من كنيته،جعل لامرأته و عيد مقتبس لفظه من فعلها،و هو حمل الحطب في الدّنيا،فأنذرت بأنّها تحمل الحطب في جهنّم ليوقد به على زوجها،و ذلك خزي لها و لزوجها؛إذ جعل شدّة عذابه على يد أحبّ النّاس إليه،و جعلها سببا لعذاب أعزّ النّاس عليها.[ثمّ ذكر القراءة ل(حمّالة)بالرّفع و النّصب، على أنّها صفة في الأولى،و حال في الثّانية](30:530)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: وَ امْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ عطف على ضمير الفاعل المستكنّ في (سيصلى)،و التّقدير:و ستصلى امرأته...إلخ.و حَمّالَةَ الْحَطَبِ بالنّصب وصف مقطوع عن الوصفيّة للذّمّ، أي أذمّ حمّالة الحطب.و قيل:حال من(امراته)،و هو معنى لطيف على ما سيأتي.و قوله تعالى: فِي جِيدِها...

حال ثانية من(امراته).

و الظّاهر أنّ المراد بالآيتين أنّها ستتمثّل في النّار الّتي تصلاها يوم القيامة في هيئتها الّتي كانت تتلبّس بها في الدّنيا،و هي أنّها كانت تحمل أغصان الشّوك و غيرها تطرحها باللّيل في طريق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تؤذيه بذلك، فتعذّب بالنّار و هي تحمل الحطب.(20:385)

مكارم الشّيرازيّ: [ذكر نحو الفخر الرّازيّ ملخّصا ثمّ قال:]

و بين هذه المعاني،المعنى الأوّل أنسب،و إن كان الجمع بينها غير مستبعد أيضا.(20:488)

المصطفويّ: أي تحمل ما يتوقّد:إمّا ظاهرا كالشّوك و الحسك و غيرهما،أو معنا كالأعمال غير المرضيّة الّتي هي حطب جهنّم،و توجب احتراق صاحبها بتوقّدها.(2:261)

حطبا

وَ أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً. الجنّ:15

ابن عبّاس: شجرا.(489)

الطّبريّ: (حطبا)توقد بهم.(29:114)

الطّوسيّ: أي استحقّوا بذلك أن يكونوا وقود النّار يوم القيامة يحرقون بها.(10:153)

الواحديّ: كانوا وقودا للنّار في الآخرة.(4:366)

نحوه البغويّ(5:161)،و القرطبيّ(19:16)

ابن عطيّة: نظير قوله تعالى: وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ البقرة:24.(5:382)

الطّبرسيّ: يلقون فيها فتحرقهم كما تحرق النّار الحطب.أو يكون معناه:فسيكونون لجهنّم حطبا توقد بهم كما توقد النّار الحطب.(5:371)

الفخر الرّازيّ: فيه سؤالان:

الأوّل:لم ذكر عقاب القاسطين و لم يذكر ثواب

ص: 589

المسلمين؟

الجواب:بل ذكر ثواب المؤمنين،و هو قوله تعالى:

تَحَرَّوْا رَشَداً أي توخّوا رشدا عظيما لا يبلغ كنهه إلاّ اللّه تعالى،و مثل هذا لا يتحقّق إلاّ في الثّواب.

السّؤال الثّاني:الجنّ مخلوقون من النّار،فكيف يكونون حطبا للنّار؟

الجواب:أنّهم و إن خلقوا من النّار،لكنّهم تغيّروا عن تلك الكيفيّة و صاروا لحما و دما،هكذا قيل.

و هاهنا آخر كلام الجنّ.(30:160)

نحوه الخازن.(7:134)

البيضاويّ: (حطبا)توقد بهم،كما توقد بكفّار الإنس.(2:510)

نحوه أبو السّعود(6:316)،و البروسويّ(10:196)، و الآلوسيّ(29:89).

النّسفيّ: وقودا،و فيه دليل على أنّ الجنّيّ الكافر يعذّب في النّار و يتوقّف في كيفيّة ثوابهم.(4:300)

ابن عاشور :شبّه حلول الكافرين في جهنّم بحلول الحطب في النّار،على طريقة التّلميح و التّحقير،أي هم لجهلهم كالحطب الّذي لا يعقل،كقوله تعالى: فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ البقرة:24.

و إقحام فعل(كانوا)لتحقيق مصيرهم إلى النّار، حتّى كأنّهم كانوا كذلك من زمن مضى.(29:220)

الطّباطبائيّ: فيعذّبون بتسعّرهم و اشتعالهم بأنفسهم كالقاسطين من الإنس،قال تعالى: فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النّاسُ البقرة:24.

و قد عدّ كثير منهم قوله: فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ...

لِجَهَنَّمَ حَطَباً تتمّة لكلام الجنّ يخاطبون به قومهم.

و قيل:إنّه من كلامه تعالى يخاطب به النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

(20:45)

المصطفويّ: فإنّهم متوغّلون في الظّلمة و الفساد و الكفر و السّخط و الغضب من اللّه العزيز.و هذه صفات تتوقّد بها جهنّم،و تتكوّن منها نار جهنّم إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ الأنبياء:98.

(2:261)

فضل اللّه :لأنّ ذلك هو الجزاء العادل للكافرين الّذين أقام اللّه عليهم الحجّة في مسألة الإيمان،فتمرّدوا عليها و ساروا في خطّ الضّلال،و هذه هي مشكلة الّذين عاشوا في حياتهم عقليّة الخضوع للآخرين،في التّلاعب بوجودهم و بأفكارهم و مشاعرهم،ممّا جعلهم يعيشون الذّهنيّة الحطبيّة الّتي تجعلهم وقودا لكلّ نار،يريد الآخرون أن يشعلوها ليحرقوا بها خصومهم،أو ليحرقوهم بها في الدّنيا و الآخرة.(23:159)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحطب،و هو ما أعدّ من الشّجر شبوبا للنّار.يقال:حطب يحطب حطبا و حطبا، و احتطب احتطابا:جمع الحطب.و حطب فلانا حطبا يحطبه و احتطب له:جمعه له و أتاه به،و حطبني فلان:

أتاني بالحطب.و الحطّاب:الّذي يحتطب الحطب فيبيعه؛ و الجمع:حطّابة.يقال:جاءت الحطّابة،أي الّذين يحتطبون،و المحطب:المنجل.و أرض حطيبة:كثيرة الحطب،و كذلك واد حطيب،و قد حطب و أحطب.

ص: 590

و احتطبت الإبل:رعت دقّ الحطب،و بعير حطّاب:

يرعى الحطب،و كذا ناقة حطّابة،و ناقة محاطبة:تأكل الشّوك اليابس.

و الحطاب:ما يقطع من أعالي العنب.يقال:

استحطب العنب،أي احتاج أن يقطع شيء من أعاليه، و قد استحطب عنبكم فاحطبوه حطبا:اقطعوا حطبه.

و حطبوه:قطعوه،و أحطب الكرم:حان أن يقطع منه الحطب.

و من المجاز:رجل حاطب ليل:يتكلّم بالغثّ و السّمين،مخلّط في كلامه و أمره،لا يتفقّد كلامه، كالحاطب باللّيل الّذي يحطب كلّ رديء و جيّد،لأنّه لا يبصر ما يجمع في حبله.

و حطب فلان بفلان:سعى به.

و الأحطب:الرّجل الشّديد الهزال،و هو الحطب.

و في المثل:«صفقة لم يشهدها حاطب»،هو حاطب ابن أبي بلتعة،و كان حازما.

2-و قد أميت اليوم قولهم:حطبوا العنب،أي قطعوه، و لا يعرف له استعمال أبدا،و حلّ محلّه«التّقليم»في حطب الكرم و سائر الشّجر.يقال:قلّم الشّجرة،أي قطع حطبها و ما طال من أغصانها.و هو مشتقّ من قولهم:قلّم الظّفر و الحافر و العود،أي قطعه بالقلمين،انظر«ق ل م».

و شاع في هذا العصر أيضا التّشذيب و التّهذيب بهذا المعنى.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«حطب»مرّتين في آيتين:

1- وَ امْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ* فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ اللّهب:4،5

2- وَ أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً

الجنّ:15

يلاحظ أوّلا:أنّ في(1)بحثين:

الأوّل:ذكروا لمعنى الحطب وجوها:

1-الحطب فيها مجاز لا حقيقة،و هو اختيار ابن عبّاس،قال:«حمّالة النّميمة،كانت تمشي بالنّميمة بين النّاس،فتلقي بينهم العداوة،و توقد نارها بالتّهييج،كما توقد النّار الحطب».و قال سعيد ابن جبير:«حمّالة الخطايا»،و دليله قوله: وَ هُمْ يَحْمِلُونَ أَوْزارَهُمْ عَلى ظُهُورِهِمْ الأنعام:31.

2-الحطب فيها حقيقة لا مجاز،و هو اختيار الرّبيع، قال:«كانت تنشر السّعدان على رسول اللّه،فكأنّما يطأ به كثيبا».و قال قتادة:«كانت تعيّر رسول اللّه بالفقر، و كانت تحتطب فعيّرت بذلك».و ردّ بأنّه تعالى وصف أبا لهب بالمال و الولد،فقال: ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَ ما كَسَبَ اللّهب:2.

3-و هذان الوجهان راجعان إلى الدّنيا.و قيل:هي حمّالة الحطب في النّار،في الآخرة لا في الدّنيا.

4-و الأقرب هو الوجه الأوّل،و هو أن يكون الحطب مجازا،فقد شبّهت النّميمة بالحطب،فاستعير في موضعها.و لعلّ ما جاء في كتاب الإمام عليّ عليه السّلام جوابا إلى معاوية يهدي إلى هذا المعنى،و ممّا ورد فيه قوله مفتخرا عليه:«و منّا النّبيّ و منكم المكذّب»يريد به

ص: 591

أبا لهب،ثم قال:«و منّا خير نساء العالمين،و منكم حمّالة الحطب (1)».

5-عدّ عبد الكريم الخطيب هذا الوصف إعجازا قرآنيّا بوجهين:

الأوّل:توصيف المرأة ب حَمّالَةَ الْحَطَبِ مجاورا للّهب الّذي هو كيان زوجها،فلا بدّ و أن يشتعل يوما- و قد اشتعل-و أصبحا وقودا للنّار.

الثّاني:التّفرقة بين«أبي لهب»و«حمّالة الحطب»بأنّه هو الّذي أوقد فهذه النّار بما تطاير من شرره إلى هذا الحطب الّذي تحمله هي،و هو من وقود النّار،إلاّ أنّه قد يسلم منها لو لم يخالطها أبو لهب،أمّا و قد خالطها فلا بدّ و أن تشتعل و تحترق.

و خلاصتهما أنّ الجمع بين اللّفظين:«لهب» و«حطب»ليس لمجرّد الفاصلة،بل بينهما علاقة ماسّة معنويّة من وجوه:منها تطاير لهب الزّوج إلى حطب المرأة فاشتعل و أحرقهما معا.فقال:«انظر إلى الإعجاز القرآنيّ في وصف امرأة أبي لهب و سعيها بالفتنة،و إغراء الصّدور على النّبيّ بأنّها حمّالة الحطب،فهذا الحطب الّذي تحمله،مع مجاورته للّهب الّذي هو كيان زوجها كلّه،لا بدّ أن يشتعل يوما و قد كان،فأصبح الرّجل و زوجه وقودا لنار جهنّم.

و انظر مرّة أخرى إلى هذا الإعجاز في التّفرقة بين «أبي لهب»و«حمّالة الحطب»،إنّه هو الّذي أوقد فيها هذه النّار،بما تطاير من شرره إلى هذا الحطب الّذي تحمله،و هو الّذي أوقع بها هذا البلاء،إنّها كانت تحمل حطبا و حسب،و هذا الحطب و إن كان من وقود النّار،إلاّ أنّه قد يسلم منها لو لم يخالطها و يعلق بها،و أمّا و قد خالطها أبو لهب،فلا بدّ أن تشتعل و تحترق».

الثّاني:في قراءتها بحوث:

1-قرئ (حمّالة) بالرّفع و النّصب؛فالرّفع على النّعت ل(امراته)،و(امراته)معطوف على الضّمير في (سيصلى)،أي سيصلى نارا هو و امرأته حمّالة الحطب،أو (امراته)مرفوع بالابتداء،و(حمّالة)نعت له أيضا،و فِي جِيدِها خبر المبتدإ،أو الخبر مقدّر،و التّقدير:و امرأته حمّالة الحطب في النّار.

و النّصب على الذّمّ و الشّتم،كأنّه قال:ذكرتها أو قصدتها أو ذممتها(حمّالة الحطب)،و هو كقوله تعالى:

مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلاً الأحزاب:61.أو على الحال و القطع،أي (حمّالة)حال ل(امراته)،منصوبة ب(ستصلى)،و مقطوع من(امراته)،لأنّ المرأة معرفة،و(حمّالة)نكرة نوي بها التّنوين.

2-كما قرئ أيضا (و امراته حمّالة للحطب) و (امراته حمّالة للحطب) بالتّنوين و الرّفع و النّصب،و (حاملة الحطب) على وزن«فاعلة».

3-و يبدو من أقوال المفسّرين أنّ قراءة(حمّالة) بالرّفع كانت هي المشهورة أوّل الأمر،و قراءة(حمّالة) بالنّصب كانت غير المشهورة،و كانوا يسمّون الأولى قراءة العامّة،و الثّانية قراءة الخاصّة المشار إليها باسم قارئها أو بكلمة(بعضهم)،قال الطّبرسيّ:«قرأ عاصم (حَمّالَةَ الْحَطَبِ) بالنّصب،و الباقون بالرّفع...».

ثانيا:الحطب في(2)فيه وجهان:فهو إمّا من يلقى في).

ص: 592


1- نهج البلاغة-الكتب و الرّسائل:الكتاب(28).

جهنّم،و هم القاسطون من الجنّ،فتوقد بهم كما توقد النّار بالحطب،و نظيره قوله: فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ البقرة:24،و قوله: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ الأنبياء:98.و إمّا يلقون في جهنّم فتحرقهم كما تحرق النّار الحطب.و يؤيّد الوجه الأوّل أنّ طبيعة الجنّ الّذين خلقوا من النّار أنّها تحرق و تحترق.

ثالثا:جاء(الحطب)في(1)معرفة،و(حطبا)في(2) نكرة،و كلاهما من سورتين مكّيّتين،و لم يأت إلاّ هذا اللّفظ من هذه المادّة في القرآن.و اقترن الحطب في(2) بلفظ(جهنّم)،و اقترن في(1)بجهنّم أو النّار تقديرا،على قول من قال:هي حمّالة الحطب في النّار.

و ينبئ هذا التّلازم بين الحطب و جهنّم أنّهما ممقوتان في البيئة المكّيّة،فالحطب شبوب النّار،و جهنّم أتونها.

و ليس هناك أنكى في مشركي مكّة من التّعريض لذمّهم بذكر هذين العنصرين:الحطب و النّار،و خاصّة أنّه ذكر (اللّهب)كنية لعبد العزّى بن عبد المطّلب،و حَمّالَةَ الْحَطَبِ وصفا لزوجه أروى بنت حرب بن أميّة.

و تقدّم بيان الفرق بين الحصب و الحطب في«ح ص ب».

ص: 593

ص: 594

ح ط ط

اشارة

حطّة

لفظ واحد،مرّتان،في سورتين:1 مكّيّة،1 مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحطّ:وضع الأحمال عن الدّوابّ.و الحطّ:

الحدر من العلوّ.و حطّت النّجيبة و انحطّت في سيرها من السّرعة.

و حطّ عنه ذنوبه.

و الحطاطة:بثرة تخرج في الوجه صغيرة تقبّح اللّون و لا تقرّح.

و بلغنا أنّ بني إسرائيل حيث قيل لهم: وَ قُولُوا حِطَّةٌ البقرة:58،إنّما قيل لهم ذلك حتّى يستحطّوا بها أوزارهم فتحطّ عنهم.

و يقال للجارية الصّغيرة:يا حطاطة.

و جارية محطوطة المتنين،أي ممدودة حسنة.

[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](3:18)

اللّيث:إذا طني البعير فالتزقت رئته بجنبه،يقال:

حطّ الرّجل عن جنب بعيره بساعده دلكا على حيال الطّنى،حتّى ينفصل عن الجنب.تقول:حطّ عنه،و حطّ.

و الحطّ:الحدر من العلوّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و الفعل اللاّزم الانحطاط.

و يقال للهبوط:حطوط.(الأزهريّ 3:415)

حطّت في سيرها و انحطّت،أي اعتمدت؛يقال ذلك للنّجيبة السّريعة.

و يقال:حطّ اللّه عنك وزرك،و لا أنقض ظهرك.

(الأزهريّ 3:416)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الحطاط:الّتي كأنّها ثآليل في حشفة الرّجل.[ثمّ استشهد بشعر](1:187)

حطّ و حتّ؛بمعنى واحد.(الأزهريّ 3:417)

الحطّة:نقصان المرتبة،و أديم محطوط.

الحطائط:الصّغير من النّاس و غيرهم.[و استشهد

ص: 595

بالشّعر مرّتين](الأزهريّ 3:418)

الحطمط:الصّغير من كلّ شيء،يقال:صبيّ حطمط.

[ثمّ استشهد بشعر](الصّغانيّ 4:118)

انحطّت النّاقة في سيرها،أي أسرعت.

(الجوهريّ 3:1119)

أبو زيد :يقال:قد حطّ السّعر فهو يحطّ حطّا و حطوطا،إذا رخص.(100)

ابن الأعرابيّ: الحطط:الأبدان النّاعمة،و الحطط أيضا:مراكد السّفل (1).(الأزهريّ 3:417)

الفرّاء: حطّ السّعر و انحطّ حطوطا و كسر و انكسر:

يريد فتر،سعر مقطوط و قد قطّ السّعر و قطّ السّعر،و قطّ اللّه السّعر،إذا غلا.(الأزهريّ 3:416)

الأصمعيّ: الحطّ:الاعتماد على السّير.و ناقة حطوط،و قد حطّت في سيرها.

الحطاط:البثر؛الواحدة:حطاطة.[و استشهد بالشّعر مرّتين](الأزهريّ 3:415-417)

ابن دريد :حطّ الحمل عن البعير يحطّه حطّا،و كلّ شيء أنزلته عن ظهر أو غيره فقد حططته.

و الحطّ:حطّ الأديم بالمحطّ،و هي خشبة يصقل بها الأديم أو ينقش و يملّس.[ثمّ استشهد بشعر]

حطّ الأديم يحطّه حطّا،إذا نقشه أو ملّسه.

و حطّ اللّه وزره حطّا.

و الحطاط:واحدتها حطاطة،و هو بثر صغار أبيض يظهر في الوجوه،و من ذلك قولهم للشّيء إذا استصغروه:

حطاطة.قال أبو حاتم:هو عربيّ معروف مستعمل.

و الحطوط:الأكمة الصّعبة الانحدار.(1:61)

الحطنطى:يعيّر به الرّجل إذا نسب إلى حمق.

(3:398)

يقال:سألني فلان الحطّيطى،إذا كان عليه شيء فسأله أن يحطّ عنه.(3:406)

الحطحطة:السّرعة في المشي من عمل أو غيره.

(الصّغانيّ 4:118)

الأزهريّ: «حطّ اللّه عنك وزرك»في الدّعاء،أي خفّف عن ظهرك ما أثقله من الإزر.

و في الحديث:«جلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى غصن شجرة يابسة،فقال بيده (2)و حطّ ورقها»معناه:و حتّ ورقها.

و الحطيطة:ما يحطّ من جملة الحساب فينقص منه، اسم من الحطّ،و تجمع حطائط.يقال:حطّ عنه حطيطة وافية.

و المحطّ:من الأدوات.

[و قيل:]المحطّ:من أدوات النّطّاعين،و الّذين يجلّدون الدّفاتر:حديدة معطوفة الطّرف.

و يقول صبيان الأعراب في أحاجيهم:ما حطائط بطائط تميس تحت الحائط،يعنون الذّرّة.

و الحطاط:شدّة العدو.

و الكعب الحطيط:الأدرم.

و الحطّان:التّيس.

و حطّان:من أسماء العرب.(3:416-418)

سمعت أنّ شهر رمضان في الإنجيل أو بعض الكتب).

ص: 596


1- و في الصّغانيّ عنه:مراكب السّفل.(4:119)
2- أي أخذ(الفائق 1:292).

يسمّى«حطّة»بالكسر،لأنّها تحطّ من وزر صائميها.

(الصّغانيّ 4:118)

الصّاحب:الحطّ في وضع الأحمال:معروف، و الاعتماد في السّير،و في السّعر،و هو الحدر من العلوّ.

و اللاّزم:الانحطاط.

و الحطوط:كالحدور.

و حطّة:كلمة تستحطّ بها الأوزار.

و الحطاطة:بثرة في الوجه.

و جارية محطوطة المتنين:ممدودة حسنة.

و المحطّ:ما يحطّ به الجلد.

و سيف محطوط:مرهف.

و حر حطائط بطائط-إتباع-أي ضخم.

و الحطائطة:برّة حمراء صغار.

و حطّ البعير فهو محطوط،إذا طني فيضجع،فيمرّ بين أضلاعه وتد إمرارا لا يحزّق.

و رجل حطوطى،أي نزق؛و حطّيطى من الحطّ.

و أتانا بطعام فحططنا فيه-مخفّف و مشدّد-أي أكلنا.

و انحطّ الشّيء و حطحط:بمعنى.(2:304)

الجوهريّ: حطّ الرّحل و السّرج و القوس.

و حطّ،أي نزل.و المحطّ:المنزل.

و انحطّ السّعر و غيره.

و تقول:استحطّني فلان من الثّمن شيئا،و الحطيطة كذا و كذا من الثّمن.

و قوله تعالى:(حطّة)،أي حطّ عنّا أوزارنا.

و يقال:هي كلمة أمر بها بنو إسرائيل لو قالوها لحطّت أوزارهم.

و حطّه،أي حدره.

و الحطوط:الحدور.

و الحطوط:النّجيبة السّريعة.

و جارية محطوطة المتنين،أي ممدودة مستوية.

و حطّ البعير في السّير حطاطا:اعتمد في زمامه.

و رجل حطائط بالضّمّ،أي صغير.

و حطائط بن يعفر:أخو الأسود.[إلى أن قال:]

و الحطاط:بالفتح:شبيه بالبثور يكون حول الحوق.

الواحدة حطاطة.و ربّما كانت في الوجه.

و الحطاط أيضا:زبد اللّبن.

و المحطّ بالكسر:الّذي يوشم به.و يقال:هو الحديدة الّتي تكون مع الخرّازين ينقشون بها الأديم.

و عمران بن حطّان،بكسر الحاء،و هو فعلان.

[و استشهد بالشّعر خمس مرّات](3:1119)

ابن فارس: الحاء و الطّاء أصل واحد،و هو إنزال الشّيء من علوّ.يقال:حططت الشّيء أحطّه حطّا،و قوله تعالى: حِطَّةٌ قالوا:تفسيرها:اللّهمّ حطّ عنّا أوزارنا.

و من هذا الباب قولهم:جارية محطوطة المتنين، كأنّما حطّ متناها بالمحطّ.

و من هذا الباب قولهم:رجل حطائط،أي صغير قصير،كأنّه حطّ حطّا.

و من هذا الباب قولهم للنّجيبة السّريعة:حطوط، كأنّها لا تزال تحطّ رحلا بأرض.

و ممّا شذّ عن هذا القياس:الحطاط:بثرة تكون بالوجه.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:13)

ابن سيده: الحطّ:الوضع:حطّه يحطّه حطّا فانحطّ.

ص: 597

و حطّ الحمل عن البعير يحطّه حطّا:أنزله.

و كلّ ما أنزله عن ظهر فقد حطّه.

و حطّ اللّه وزره:وضعه،مثل بذلك.

و استحطّه وزره:سأله أن يحطّه عنه؛و الاسم:

الحطّة.

و حكي أنّ بني إسرائيل إنّما قيل لهم: وَ قُولُوا حِطَّةٌ البقرة:58،و الأعراف:161،ليستحطّوا بذلك أوزارهم،فتحطّ عنهم.

و سأله الحطّيطى،أي الحطّة.

و حطّ السّعر يحطّ حطّا و حطوطا:رخص.

و الحطاطة و الحطائط و الحطيط:الصّغير،و هو من هذا،لأنّ الصّغير محطوط.

و الحطائطة:بثرة صغيرة حمراء.

و جارية محطوطة المتنين:ممدودتهما.

و ألية محطوطة:لا مأكمة لها.

و الحطوط:الأكمة الصّعبة الانحدار.و قال ابن دريد:

«الحطوط:الأكمة الصّعبة»فلم يذكر ارتفاعا و لا انحدارا.

و الحطّ:الحدر من علو،حطّه يحطّه حطّا فانحطّ.

و المنحطّ من المناكب:المستقلّ الّذي ليس بمرتفع و لا مستفل،و هو أحسنها.

و الحطاطة:بثرة تخرج في الوجه صغيرة،تقيّح و لا تقرّح؛و الجمع:حطاط.

و قد حطّ وجهه و أحطّ،و ربّما قيل ذلك لمن سمن وجهه و تهيّج.

و الحطاطة:الجارية الصّغيرة،تشبّه بذلك.

و الحطاط مثل البثر في باطن الحوق.

و قيل:حطاط الكمرة:حروفها.

و حطّ البعير حطاطا و انحطّ:اعتمد في الزّمام على أحد شقّيه.

و نجيبة منحطّة في سيرها و حطوط.

و حطّ البعير و حطّ عنه،إذا طني فالتوت رئته بجنبه،فحطّ الرّحل عن جنبه بساعده دلكا على حيال الطّنى،حتّى ينفصل عن الجنب.

و قال اللّحيانيّ: حطّ البعير الطّنيّ-و هو الّذي لزقت رئته بجنبه-و ذلك أن يضجع على جنبه ثمّ يؤخذ وتد فيمرّ على أضلاعه إمرارا لا يحرق.

و حطّ الجلد يحطّه حطّا:سطّره و صقله و نقشه.

و المحطّ المحطّة:حديدة أو خشبة يصقل بها الجلد حتّى يلين و يبرق.

و الحطاط:الرّائحة الخبيثة.

و يحطوط:واد معروف.

و حطحط في مشيه و عمله:أسرع.[و استشهد بالشّعر أربع مرّات](2:501)

الحطّ:النّزول.حطّ فلان يحطّ حطّا:نزل.

و المحطّ و المحطّة:المنزل.

و حطّه يحطّه:وضعه.(الإفصاح 1:283)

الطّوسيّ: (حطّة):مصدر،مثل ردّة و جدّة،من:

رددت و جددت.

تقول:حططت عنها أحطّ حطّا.و انحطّ انحطاطا.

و الحطّ و الوضع و الخفض نظائر.(1:264)

الزّمخشريّ: حطّوا الأحمال عن ظهور الدّوابّ، يقال:حطّوا عنها.

ص: 598

و حطّ كلّ شيء:حدره.

و أخذوا في الحطوط،أي في الحدور.

و من المجاز:حطّ اللّه أوزارهم،و حطّ اللّه وزرك، وَ قُولُوا حِطَّةٌ البقرة:58،و استحطّوا أوزاركم.

و ناقة حطوط:سريعة السّير،و حطّت في سيرها و انحطّت.

و حطّ في عرض فلان،إذا اندفع في شتمه.

و حطّ في هواه،و انحطّ فيه.و يقال:أكل من حلوائهم،فانحطّ في أهوائهم.

و انحطّ السّعر،و حطّ حطوطا،و الأسعار حاطّة و منحطّة.

و أتانا بطعام فحططنا فيه،أي أكثرنا منه.و أحططنا فيه،أي أقللنا منه.

و جارية محطوطة المتنين،كأنّما حطّا بالمحطّ،و هو ما يحطّ به الأديم،أي يدلك و يصقل،يكون مع الأساكفة و المجلّدين.

و سيف محطوط:مرهف.

و كعب حطيط:أدرم.و اشترى سلعة فاستحطّ من الثّمن مائة.و طلب منه الحطيطة فأبى.

و حطّ رحله:أقام.[و استشهد بالشّعر ثلاث مرّات]

(أساس البلاغة:87)

«جلس صلّى اللّه عليه و آله إلى غصن شجرة يابسة،فقال بيده (1)فحطّ ورقها».الحطّ و الحتّ،بمعنى واحد.

(الفائق 1:292)

ابن الأثير: في الحديث:«من ابتلاه اللّه ببلاء في جسده فهو له حطّة»أي تحطّ عنه خطاياه و ذنوبه.و هي «فعلة»من:حطّ الشّيء يحطّه،إذا أنزله و ألقاه.

و منه الحديث في ذكر حطّة بني إسرائيل،و هو قوله تعالى: وَ قُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ البقرة:58 أي قولوا:حطّ عنّا ذنوبنا،و ارتفعت على معنى:مسألتنا حطّة،أو أمرنا حطّة.

و منه حديث عمر:«إذا حططتم الرّحال فشدّوا السّروج»أي إذا قضيتم الحجّ،و حططتم رحالكم عن الإبل،و هي الأكوار و المتاع،فشدّوا السّروج على الخيل للغزو.

و في حديث سبيعة الأسلميّة:«فحطّت إلى السّلب» أي مالت إليه،و نزلت بقلبها نحوه.

و فيه:«إنّ الصّلاة تسمّى في التّوراة:حطوطا».

(1:402)

الصّغانيّ: الكعب الحطيط:الأدرم.و الحطيّطة و البطيّطة،مثال دجيّجة،تصغير دجاجة:السّرفة.[إلى أن قال:]

و يقال للجارية الصّغيرة:يا حطاطة،مثال سحابة.

و يحطوط،مثال يعسوب:واد معروف.[إلى أن قال:]

حطائطة:برّة حمراء صغيرة.

و حطّ البعير،إذا طني.

و رجل حطوطى:نزق.

و حطّين:قرية بين أرسوف و قيسارية،بها قبر شعيب صلوات اللّه عليه.(4:118)ل.

ص: 599


1- العرب تجعل القول عبارة عن جميع الأفعال فتقول:قال بيده:أي أخذ بيده،و قال برجله:أي مشى...و كلّ ذلك على المجاز في الاستعمال.

الفيروزآباديّ: الحطّ:الوضع كالاحتطاط، و الرخص كالحطوط،و الحدر من علو إلى سفل،و صقل الجلد و نقشه بالمحطّ و المحطّة لحديدة أو خشبة معدّة لذلك.

و استحطّه وزره:سأله أن يحطّه عنه؛و الاسم:الحطّة و الحطّيطى بكسرهما.

و الحطاطة بالفتح و الحطائط بالضّمّ و الحطيط:

الصّغير.

و ألية محطوطة:لا مأكمة لها.

و المنحطّ من المناكب:أحسنها.

و الحطاط كسحاب:شبه البثر يخرج في باطن الحوق أو حوله،و ربّما كانت في الوجه تقيح و لا تقرّح؛الواحدة بهاء،و زبد اللّبن،و من الكمرة حروفها.

حطّ وجهه:خرج به الحطاط،أو سمن وجهه و تهيّج كأحطّ فيهنّ.

و البعير حطاطا بالكسر:اعتمد في الزّمام على أحد شقّيه كانحطّ.

و في الطّعام:أكله كحطّط.

و حطّ البعير بالضّمّ:طني فالتوت رئته بجنبه،فحطّ الرّحل عن جنبه بساعده دلكا على حيال الطّنى،حتّى ينفصل عن الجنب.

و الحطاط بالضّمّ:الرّائحة الخبيثة.

و يحطوط:واد معروف.

و كسحابة:الجارية الصّغيرة،و كلّ شيء يستصغر.

و حطحط:انحطّ و أسرع.

و الحطط بضمّتين:الأبدان النّاعمة،و مراكب السّفل، أو الصّواب:مراتب السّفل.

و الحطيطة:ما يحطّ من الثّمن،و مصغّرة:السّرفة.

و الأحطّ:الأملس المتنين.

وَ قُولُوا حِطَّةٌ البقرة:58 أي حطّ عنّا ذنوبنا،أو مسألتنا حطّة،أي أن تحطّ عنّا ذنوبنا،فبدّلوا و قالوا:هطّا سمهاثا،أي حنطة حمراء،و هي أيضا اسم رمضان في الإنجيل أو غيره.

و رجل حطوطى كحبركى:نزق.

و الحطوط:النّجيبة السّريعة.

و حطّين كسجّين:قرية بالشّام فيها قبر شعيب عليه السّلام.

و الحطّان بالكسر:التّيس،و والد عمران الشّاعر، و ابن عوف شاعر شبّب الأخنس التّغلبيّ بابنته.[ثمّ استشهد بشعر]

و حر حطائط بطائط:ضخم،و الحطائط أيضا:

الصّغير القصير منّا...،و ذرّة صغيرة حمراء؛الواحدة بهاء:

و قول بعضهم:برّة و هم.

و منه قول صبيانهم في أحاجيهم:«ما حطائط بطائط تميس تحت الحائط».يعنون به الذّرّ.

و استحطّني من ثمنه شيئا:استنقصنيه.

الحمطط كزبرج:الصّغير من كلّ شيء.(2:367)

محمود شيت:[نحو المتقدّمين إلاّ أنّه قال:] المحطّة:المحطّ؛جمعه:محاطّ و محطّات.

المحطّة:المحطّ؛جمعه:محاطّ،و محطّات...،حطّت الطّائرة:نزلت.

انحطّت الطّائرة:نزلت و انحدرت.

حطّوط المطار:مهبطه.

ص: 600

المحطّ:مكان النّزول في المطار.

المحطّة:محطّة الوقود:مكان الوقود.

محطّة إخلاء الخسائر:الّتي تخلى الخسائر إليها.

المحطوط:سيف محطوط:مرهف،مصقول.

(1:191)

المصطفويّ: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو النّزول عمّا يلاحظ فيه من مقام أو تكليف أو ثقل أو حمل،مادّيّا أو معنويّا.و قريب منها مفهوم الحتّ و الحبط و الحدر و الهدر،و هذا القيد هو الفارق.(2:262)

النّصوص التّفسيريّة

حطّة

1- ...وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ... البقرة:58

ابن مسعود:إنّهم أمروا بالسّجود،و أن يقولوا:

حِطَّةٌ فدخلوا يزحفون على أستاهم و يقولون:حنطة حبّة حمراء في شعرة.(ابن عطيّة 1:150)

ابن عبّاس: وَ قُولُوا حِطَّةٌ أن تحطّ عنّا خطايانا.

(9)

يحطّ عنكم خطاياكم.

مثله الرّبيع،و نحوه عطاء و ابن زيد.

(الطّبريّ 1:300)

حِطَّةٌ: مغفرة.

أمروا أن يستغفروا.(الطّبريّ 1:300 و 301)

نحوه سعيد بن جبير.(القرطبيّ 1:411)

قولوا هذا الأمر حقّ كما قيل لكم.

(الطّبريّ 1:301)

يعني«لا إله إلاّ اللّه»لأنّها تحطّ الذّنوب.

(الثّعلبيّ 1:202)

نحوه عكرمة.(الطّبريّ 1:300)

الحسن :أي احطط عنّا خطايانا.

مثله قتادة.(الطّبريّ 1:300)

السّدّيّ: قالوا:«هطّا سماهاثا»،و هي لفظة عبريّة تفسيرها:حنطة حمراء،و كان ذلك في التّيه.(114)

مقاتل:إنّهم أصابوا خطيئة بإبائهم على موسى دخول الأرض الّتي فيها الجبّارون،فأراد اللّه أن يغفرها لهم،فقيل لهم: قُولُوا حِطَّةٌ. (الواحديّ 1:144)

أبان بن تغلب:[معناه]التّوبة.

(القرطبيّ 1:411)

الفرّاء: يقول-و اللّه أعلم-قولوا:ما أمرتم به،أي هي حطّة،فخالفوا إلى كلام بالنّبطيّة،فذلك قوله:

فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ البقرة:59.

و بلغني أنّ ابن عبّاس قال:أمروا أن يقولوا:نستغفر اللّه،فإن يك كذلك فينبغي أن تكون حِطَّةٌ منصوبة في القراءة،لأنّك تقول:قلت:لا إله إلاّ اللّه،فيقول القائل:

قلت كلمة صالحة.و إنّما تكون الحكاية إذا صلح قبلها إضمار ما يرفع أو يخفض أو ينصب،فإذا ضممت ذلك كلّه فجعلته كلمة كان منصوبا بالقول،كقولك:مررت بزيد،ثمّ تجعل هذه كلمة،فتقول:قلت كلاما حسنا.ثمّ تقول:قلت:زيد قائم،فيقول:قلت كلاما.و تقول:قد ضربت عمرا،فيقول أيضا:قلت كلمة صالحة.(1:38)

أبو عبيدة : وَ قُولُوا حِطَّةٌ رفع،و هي مصدر

ص: 601

من:حطّ عنّا ذنوبنا،تقديره:مدّة من مددت،حكاية،أي قولوا:هذا الكلام،فلذلك رفع.(1:41)

ابن الأعرابيّ: حنطة سمقاثا،أي حنطة جيّدة.

أي:كلمة بها تحطّ عنكم خطاياكم،و هي:لا إله إلاّ اللّه.(الأزهريّ 3:416)

ابن قتيبة : حِطَّةٌ رفع على الحكاية،و هي كلمة أمروا أن يقولوها في معنى الاستغفار،من حططت، أي حطّ عنّا ذنوبنا.(50)

الطّبريّ: تأويل قوله: حِطَّةٌ «فعلة»من قول القائل:حطّ اللّه عنك خطاياك فهو يحطّها حطّة،بمنزلة الرّدّة و الحدّة و المدّة،من:حددت و مددت...[إلى أن قال:]

و قال آخرون:معنى ذلك:قولوا:لا إله إلاّ اللّه،كأنّهم وجّهوا تأويله:قولوا الّذي يحطّ عنكم خطاياكم،و هو قول:لا إله إلاّ اللّه.

و قال آخرون بمثل معنى قول عكرمة،إلاّ أنّهم جعلوا القول الّذي أمروا بقيله الاستغفار.

و قال آخرون نظير قول عكرمة،إلاّ أنّهم قالوا القول الّذي أمروا أن يقولوه،هو أن يقولوا:هذا الأمر حقّ كما قيل لكم.

و اختلف أهل العربيّة في المعنى الّذي من أجله رفعت «الحطّة»فقال بعض نحويّي البصرة:رفعت الحطّة بمعنى، قولوا:ليكن منكم حطّة لذنوبنا،كما تقول للرّجل:سمعك.

و قال آخرون منهم:هي كلمة أمرهم اللّه أن يقولوها مرفوعة،و فرض عليهم قيلها كذلك.

و قال بعض نحويّي الكوفيّين:رفعت الحطّة بضمير «هذه»،كأنّه قال:و قولوا:هذه حطّة.

و قال آخرون منهم:هي مرفوعة بضمير معناه الخبر،كأنّه قال:قولوا ما هو حطّة،فتكون(حطّة)حينئذ خبرا ل«لما».

و الّذي هو أقرب عندي في ذلك إلى الصّواب و أشبه بظاهر الكتاب،أن يكون رفع(حطّة)بنيّة خبر محذوف، قد دلّ عليه ظاهر التّلاوة،و هو دخولنا الباب سجّدا حطّة،فكفى من تكريره بهذا اللّفظ ما دلّ عليه الظّاهر من التّنزيل،و هو قوله: وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً كما قال جلّ ثناؤه: وَ إِذْ قالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْماً اللّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذاباً شَدِيداً قالُوا مَعْذِرَةً إِلى رَبِّكُمْ الأعراف:163،يعني موعظتنا إيّاهم معذرة إلى ربّكم،فكذلك عندي تأويل قوله: وَ قُولُوا حِطَّةٌ يعني بذلك: وَ إِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُولُوا دخولنا ذلك سجّدا(حطّة)لذنوبنا،و هذا القول على نحو تأويل الرّبيع بن أنس و ابن جريج و ابن زيد الّذي ذكرناه آنفا.

و أمّا على تأويل قول عكرمة،فإنّ الواجب أن تكون القراءة بالنّصب في(حطّة)لأنّ القوم إن كانوا أمروا أن يقولوا:لا إله إلاّ اللّه،أو أن يقولوا:نستغفر اللّه، فقد قيل لهم:قولوا هذا القول،ف(قولوا)واقع حينئذ على الحطّة،لأنّ الحطّة على قول عكرمة هي قول:لا إله إلاّ اللّه،و إذ كانت هي قول:لا إله إلاّ اللّه،فالقول عليها واقع، كما لو أمر رجل رجلا بقول الخير،فقال له:قل خيرا، نصبا،و لم يكن صوابا أن يقول له:قل خير،إلاّ على استكراه شديد.

ص: 602

و في إجماع القرّاء على رفع«الحطّة»بيان واضح على خلاف الّذي قاله عكرمة من التّأويل في قوله: وَ قُولُوا حِطَّةٌ و كذلك الواجب على التّأويل الّذي رويناه عن الحسن و قتادة في قوله: وَ قُولُوا حِطَّةٌ أن تكون القراءة في(حطّة)نصبا،لأنّ من شأن العرب إذا وضعوا المصادر مواضع الأفعال و حذفوا الأفعال،أن ينصبوا المصادر.[ثمّ استشهد بشعر]

و كقول القائل للرّجل:سمعا و طاعة،بمعنى أسمع سمعا و أطيع طاعة،و كما قال جلّ ثناؤه: مَعاذَ اللّهِ يوسف:

23،بمعنى:نعوذ باللّه.(1:300)

الزّجّاج: معناه:و قولوا:مسألتنا حطّة،أي حطّ ذنوبنا عنّا،و كذلك القراءة،و لو قرئ(حطّة)كان وجهها في العربيّة كأنّهم قيل لهم:قولوا:احطط عنّا ذنوبنا حطّة.

فحرّفوا هذا القول،و قالوا لفظة غير هذه اللّفظة الّتي أمروا بها.و جملة ما قالوا أنّه أمر عظيم سمّاهم اللّه به فاسقين.(1:139)

أبو مسلم الأصفهانيّ: معناه:أمرنا حطّة،أي أن نحطّ في هذه القرية و نستقرّ فيها.(الفخر الرّازيّ 3:89)

القمّيّ: أي حطّ عنّا ذنوبنا.فبدّلوا ذلك،و قالوا:

(حنطة).(1:48)

القفّال:معناه:اللّهمّ حطّ عنّا ذنوبنا،فإنّا إنّما انحططنا لوجهك و إرادة التّذلّل لك،فحطّ عنّا ذنوبنا.

(الفخر الرّازيّ 3:89)

الأصمّ:إنّ هذه اللّفظة من ألفاظ أهل الكتاب،أي لا يعرف معناها في العربيّة.(الفخر الرّازيّ 3:89)

الإسكافيّ: المسألة الرّابعة في هذه الآية:تقديم قوله عزّ من قائل: وَ قُولُوا حِطَّةٌ... في سورة الأعراف،و تأخيره في سورة البقرة عن قوله: وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً.

و الجواب عن ذلك-ممّا يحتاج إليه في مواضع من القرآن،في هذه الآية الّتي قصدنا الفرق بين مختلفاتها- و هو أنّ ما أخبر اللّه تعالى به من قصّة موسى عليه السّلام و بني إسرائيل و سائر الأنبياء صلوات اللّه عليهم و سلامه،و ما حكاه من قولهم عزّ و جلّ لهم،لم يقصد إلى حكاية الألفاظ بأعيانها،و إنّما قصد إلى اقتصاص معانيها.و كيف لا يكون كذلك،و اللّغة الّتي خوطبوا بها غير العربيّة،فإذا حكاية اللّفظ زائلة،و تبقى حكاية المعنى.

و من قصد حكاية المعنى كان مخيّرا بأن يؤدّيه بأيّ لفظ أراد،و كيف شاء من تقديم و تأخير بحرف لا يدلّ على ترتيب،كالواو،و لو قصد حكاية اللّفظ ثمّ وقع في المحكيّ اختلاف لم يجز.فلو قال قائل حاكيا عن غيره:

قال فلان:زيد و عمرو ذهبا...و كان هذا لفظا محكيّا،ثمّ قال ثانيا قاصدا إلى حكاية هذه اللّفظة من كلامه:عمرو و زيد ذهبا...لم يجز له ذلك،لأنّه غيّر قوله و أخّر ما قدّمه،و إن قصد حكاية المعنى كان ذلك مرخّصا له.

(16)

الطّوسيّ: [نقل أقوال بعض المفسّرين كابن عبّاس و قتادة و عكرمة و الحسن ثمّ قال:]

و كلّ هذه الأقوال محطّ الذّنوب فيترحّم لحطّه عنها.

(1:263)

الواحديّ: هي«فعلة»من الحطّ،و هو وضع الشّيء من أعلى إلى أسفل.يقال:حطّ الحمل من الدّابّة،و السّيل

ص: 603

يحطّ الحجر عن الجبل.[ثمّ استشهد بشعر].

فالحطّة من الحطّ،مثل الرّدّة من الرّدّ.و يجوز أن يكون اسما،و يجوز أن يكون مصدرا.(1:143)

الزّمخشريّ: (حطّة)«فعلة»من الحطّ كالجلسة و الرّكبة،و هي خبر مبتدإ محذوف،أي مسألتنا حطّة،أو أمرك حطّة.

و الأصل:النّصب بمعنى حطّ عنّا ذنوبنا حطّة،و إنّما رفعت لتعطي معنى الثّبات،كقوله:

*صبر جميل فكلانا مبتلى*

و الأصل:صبرا عليّ،أصبر صبرا.و قرأ ابن أبي عبلة بالنّصب على الأصل.[إلى أن قال:]

فإن قلت:هل يجوز أن تنصب(حطّة)في قراءة من نصبها ب(قولوا)على معنى:قولوا هذه الكلمة.

قلت:لا يبعد،و الأجود أن تنصب بإضمار فعلها، و ينتصب محلّ ذلك المضمر ب(قولوا).(1:283)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ إلاّ أنّه قال:]

و كلّ واحد من هذه الأقوال ممّا يحطّ الذّنوب،فيصحّ أن يترجم عنه ب(حطّة).(1:119)

الفخر الرّازيّ: ففيه وجوه:أحدها،و هو قول القاضي:المعنى أنّه تعالى بعد أن أمرهم بدخول الباب على وجه الخضوع،أمرهم بأن يقولوا ما يدلّ على التّوبة؛ و ذلك لأنّ التّوبة صفة القلب،فلا يطّلع الغير عليها.فإذا اشتهر واحد بالذّنب ثمّ تاب بعده،لزمه أن يحكي توبته لمن شاهد منه الذّنب،لأنّ التّوبة لا تتمّ إلاّ به؛إذ الأخرس تصحّ توبته و إن لم يوجد منه الكلام بل لأجل تعريف الغير عدوله عن الذّنب إلى التّوبة،و لإزالة التّهمة عن نفسه.

و كذلك من عرف بمذهب خطأ،ثمّ تبيّن له الحقّ، فإنّه يلزمه أن يعرّف إخوانه الّذين عرفوه بالخطإ عدوله عنه،لنزول عنه التّهمة في الثّبات على الباطل،و ليعودوا إلى موالاته بعد معاداته.فلهذا السّبب ألزم اللّه تعالى بني إسرائيل مع الخضوع الّذي هو صفة القلب أن يذكروا اللّفظ الدّالّ على تلك التّوبة،و هو قوله: وَ قُولُوا حِطَّةٌ.

فالحاصل أنّه أمر القوم بأن يدخلوا الباب على وجه الخضوع،و أن يذكروا بلسانهم التماس حطّ الذّنوب،حتّى يكونوا جامعين بين ندم القلب و خضوع الجوارح و الاستغفار باللّسان.و هذا الوجه أحسن الوجوه و أقربها إلى التّحقيق.[ثمّ ذكر قول الأصمّ و الزّمخشريّ إلى أن قال:]

و رابعها،قول أبي مسلم الأصفهانيّ: معناه أمرنا حطّة،أي أن نحطّ في هذه القرية و نستقرّ فيها.و زيّف القاضي ذلك بأن قال:لو كان المراد ذلك لم يكن غفران خطاياهم متعلّقا به،و لكن قوله: وَ قُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ يدلّ على أنّ غفران الخطايا كان لأجل قولهم:حطّة،و يمكن الجواب عنه بأنّهم لمّا حطّوا في تلك القرية حتّى يدخلوا سجّدا مع التّواضع،كان الغفران متعلّقا به.

فإن قال قائل:هل كان التّكليف واردا بذكر هذه اللّفظة بعينها أم لا؟

قلنا:روي عن ابن عبّاس أنّهم أمروا بهذه اللّفظة بعينها.و هذا محتمل و لكنّ الأقرب خلافه لوجهين:

ص: 604

أحدهما:أنّ هذه اللّفظة عربيّة و هم ما كانوا يتكلّمون بالعربيّة.

و ثانيهما،و هو الأقرب:أنّهم أمروا بأن يقولوا قولا دالاّ على التّوبة و النّدم و الخضوع،حتّى أنّهم لو قالوا مكان قولهم: حِطَّةٌ: اللّهمّ إنّا نستغفرك و نتوب إليك، لكان المقصود حاصلا،لأنّ المقصود من التّوبة:إمّا القلب و إمّا اللّسان.أمّا القلب فالنّدم،و أمّا اللّسان فذكر لفظ يدلّ على حصول النّدم في القلب،و ذلك لا يتوقّف على ذكر لفظة بعينها.(3:89)

القرطبيّ: يحتمل أن يكونوا تعبّدوا بهذا اللّفظ بعينه،و هو الظّاهر من الحديث.

روى مسلم عن أبي هريرة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:

«قيل لبني إسرائيل: اُدْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ فبدّلوا فدخلوا الباب يزحفون على أستاهم،و قالوا:حبّة في شعرة»،و أخرجه البخاريّ و قال:«فبدّلوا و قالوا:حطّة حبّة في شعرة».في غير الصّحيحين:«حنطة في شعر».[إلى أن قال:]

و كان قصدهم خلاف ما أمرهم اللّه به،فعصوا و تمرّدوا و استهزءوا،فعاقبهم اللّه بالزّجر،و هو العذاب.

(1:411)

البيضاويّ: أي مسألتنا أو أمرك(حطّة)و هي «فعلة»من الحطّ كالجلسة.و قرئ بالنّصب على الأصل، بمعنى حطّ عنّا ذنوبنا حطّة،أو على أنّه مفعول(قولوا)، أي قولوا هذه الكلمة.

و قيل:معناه أمرنا(حطّة)أي أن نحطّ في هذه القرية، و نقيم بها.(1:58)

نحوه أبو السّعود.(1:137)

النّيسابوريّ: و المعنى أنّهم أمروا بقول معناه التّوبة و الاستغفار،فخالفوه إلى قول ليس معناه معنى ما أمروا به،و لم يمتثلوا أمر اللّه.و ليس الغرض أنّهم أمروا بلفظ معيّن،و هو لفظ(حطّة)فجاءوا بلفظ آخر،لأنّهم لو جاءوا بلفظ آخر مستقلّ بمعنى ما أمروا به لم يؤاخذوا به، كما لو قالوا مكان حطّة؛نستغفرك و نتوب إليك،أو اللّهمّ اعف عنّا،و نحو ذلك.

و قيل:قالوا مكان(حطّة):حنطة،و قيل:قالوا بالنّبطيّة-و النّبط قوم ينزلون بالبطائح بين العراقين- «حطّا سمقاثا»أي حنطة حمراء،استهزاء منهم بما قيل لهم،و عدولا عن طلب ما عند اللّه إلى طلب ما يشتهون.

(1:323)

الكاشانيّ: و قولوا:سجودنا للّه تعظيما للمثال و اعتقادنا الولاية حطّة لذنوبنا و محو لسيّئاتنا.(1:120)

نحوه البحرانيّ.(1:401)

المشهديّ: أي مسألتنا،أو أمرك حطّة،كالحلبة.

و قرئ بالنّصب على الأصل بمعنى حطّ عنّا ذنوبنا حطّة.

قال البيضاويّ: أو على أنّه مفعول(قولوا)،أي قولوا هذه الكلمة.و فيه أنّه لا يكون مفعول القول إلاّ جملة مفيدة،أو مفردا يفيد معناها،ك«قلت شعرا»،فالصّواب أن يقال حينئذ:معناه قولوا أمرا حاطّا لذنوبكم.

(1:254)

الآلوسيّ: أي مسألتنا،أو شأنك يا ربّنا أن تحطّ عنّا ذنوبنا،و هي«فعلة»من الحطّ،كالجلسة.و ذكر أبان أنّها بمعنى التّوبة.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 605

و الحقّ أنّ تفسيرها بذلك تفسير باللاّزم،و من البعيد قول أبي مسلم:إنّ المعنى أمرنا حطّة أي أن نحطّ في هذه القرية و نقيم بها،لعدم ظهور تعلّق الغفران به و ترتّب التّبديل عليه،إلاّ أن يقال:كانوا مأمورين بهذا القول عند الحطّ في القرية لمجرّد التّعبّد،و حين لم يعرفوا وجه الحكمة بدّلوه.

و قرأ ابن أبي عبلة بالنّصب بمعنى حطّ عنّا ذنوبنا (حطّة)أو نسألك ذلك،و يجوز أن يكون النّصب على المفعوليّة ل(قولوا)أي قولوا هذه الكلمة بعينها-و هو المرويّ عن ابن عبّاس-و مفعول القول عند أهل اللّغة يكون مفردا إذا أريد به لفظه.

و لا عبرة بما في«البحر»من المنع إلاّ أنّه يبعد هذا أنّ هذه اللّفظة عربيّة و هم ما كانوا يتكلّمون بها،و لأنّ الظّاهر أنّهم أمروا أن يقولوا قولا دالاّ على التّوبة و النّدم، حتّى لو قالوا:اللّهمّ إنّا نستغفرك و نتوب إليك،لكان المقصود حاصلا،و لا تتوقّف التّوبة على ذكر لفظة بعينها، و لهذا قيل:الأوجه في كونها مفعولا ل(قولوا)أن يراد:

قولوا أمرا حاطّا لذنوبكم من الاستغفار،و حينئذ يزول عن هذا الوجه الغبار.

ثمّ هذه اللّفظة على جميع التّقادير عربيّة معلومة الاشتقاق،و المعنى و هو الظّاهر المسموع.و قال الأصمّ:

هي من ألفاظ أهل الكتاب لا نعرف معناها في العربيّة.

و ذكر عكرمة أنّ معناها:لا إله إلاّ اللّه،و هو من الغرابة بمكان.(1:265)

مغنيّة: وَ قُولُوا حِطَّةٌ. بعد أن أمرهم اللّه سبحانه أن يدخلوا بخضوع و خشوع،أيضا أمرهم أن يقرنوا الخشوع بقول التّضرّع و التّذلّل مثل:نستغفر اللّه، و نسأله التّوبة،ليحصل التّوافق و التّلاؤم بين القول و الفعل،تماما كما تقول في ركوعك:«سبحان ربّي العظيم»،و في سجودك:«سبحان ربّي الأعلى».

و ليس من الضّروريّ أن يتلفّظوا بلفظ(حطّة) بالذّات و على سبيل التّعبّد،كما قال كثير من المفسّرين، و لا أن يكون المراد من(حطّة)العمل الّذي يحطّ الذّنوب كما في تفسير«المنار»نقلا عن محمّد عبده،حيث قال:إنّ اللّه لم يكلّفهم بالتّلفّظ؛إذ لا شيء أيسر على الإنسان منه.

و يلاحظ بأنّ اللّه قد كلّف عباده بالكلام و التّلفّظ في الصّلاة،و أعمال الحجّ،و في الأمر بالمعروف،و ردّ التّحيّة، و أداء الشّهادة،بل و بإخراج الحروف من مخارجها في بعض الموارد.(1:110)

فضل اللّه : وَ قُولُوا حِطَّةٌ و ابتهلوا إلى اللّه في اعتراف صادق بالتّوبة،و النّدم عن كلّ التّاريخ الخاطئ الّذي عشتموه في خطاياكم،و قولوا-في ابتهالاتكم- اللّهمّ حطّ عنّا خطايانا،فإنّ اللّه سوف يستجيب لكم ذلك،و يغفر لكم خطيئاتكم.(2:58)

2- ...وَ قُولُوا حِطَّةٌ وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ... الأعراف:161

الزّمخشريّ: فإن قلت:كيف اختلفت العبارة هاهنا و في سورة البقرة؟

قلت:لا بأس باختلاف العبارتين إذا لم يكن هناك تناقض،و لا تناقض بين قوله: اُسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَ كُلُوا مِنْها و بين قوله:(فكلوا)لأنّهم إذا سكنوا

ص: 606

القرية فتسبّبت سكناهم للأكل منها،فقد جمعوا في الوجود بين سكناها و الأكل منها،و سواء قدّموا الحطّة على دخول الباب أو أخّروها،فهم جامعون في الإيجاد بينهما؛و ترك ذكر الرّعد لا يناقض إثباته.(2:124)

ابن عطيّة: قرأ السّبعة و الحسن و أبو رجاء و مجاهد و غيرهم (حطّة) بالرّفع،و قرأ الحسن بن أبي الحسن (حطّة) بالنّصب.

الرّفع على خبر ابتداء تقديره:طلبنا حطّة؛و النّصب على المصدر،أي حطّ ذنوبنا حطّة،و هذا على أن يكلّفوا قول لفظة معناها حطّة.و قد قال قوم:كلّفوا قولا حسنا مضمّنه الإيمان و شكر اللّه،ليكون حطّة لذنوبهم،فالكلام على هذا كقولك:قل خيرا.(2:466)

الفخر الرّازيّ: إنّ ألفاظ هذه الآية تخالف ألفاظ الآية في سورة البقرة من وجوه:[إلى أن قال:]

و أمّا الرّابع و هو قوله في سورة البقرة: وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُولُوا حِطَّةٌ و في سورة الأعراف على العكس منه،فالمراد التّنبيه على أنّه يحسن تقديم كلّ واحد من هذين الذّكرين على الآخر،إلاّ أنّه لمّا كان المقصود منهما تعظيم اللّه تعالى،و إظهار الخضوع و الخشوع،لم يتفاوت الحال بحسب التّقديم و التّأخير.

(15:34)

الآلوسيّ: مرّ الكلام فيه في البقرة،غير أنّ ما فيها عكس ما هنا في التّقديم و التّأخير،و لا ضير في ذلك، لأنّ المأمور به هو الجمع بين الأمرين من غير اعتبار التّرتيب بينهما.

و قال القطب:فائدة الاختلاف التّنبيه على حسن تقديم كلّ من المذكورين على الآخر،لأنّه لمّا كان المقصود منهما تعظيم اللّه تعالى و إظهار الخشوع و الخضوع،لم يتفاوت الحال في التّقديم و التّأخير.

(9:89)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحطّ،أي الوضع،ضدّ الرّفع.يقال:حطّ الحمل عن البعير يحطّه حطّا،أي أنزله، و حطّ الرّحل و السّرج و القوس:أنزله؛و المحطّ:المنزل.

و حطّ اللّه عنه وزره:وضعه،و استحطّه وزره:سأله أن يحطّه عنه؛و الحطّة:الاسم من ذلك،و سأله الحطّيطى:

الحطّة.

و أديم محطوط:حطّ بالمحطّ أو المحطّة،و هي حديدة أو خشبة يصقل بها الجلد حتّى يلين و يبرق، يقال:حطّ الجلد بالمحطّ يحطّه حطّا،أي سطره و صقله و نقشه.

و الحطاطة و الحطائط و الحطيط:الصّغير،و هو من هذا،لأنّ الصّغير محطوط،و الحطاطة:الجارية الصّغيرة.

و الحطاطة:بثرة تخرج بالوجه صغيرة تقبّح و لا تقرّح؛و الجمع:حطاط،و قد حطّ وجهه و أحطّ،و هي الحطائطة أيضا.و ربّما قيل ذلك لمن سمن وجهه و تهيّج، و هو من هذا الباب أيضا،لصغره و انحطاطه.

و الحطّ:الاعتماد على السّير،يقال:حطّ البعير حطاطا و انحطّ،أي اعتمد في الزّمام على أحد شقّيه.

و الحطوط:النّجيبة السّريعة،و ناقة حطوط،كأنّها لا تزال تحطّ رحلا بأرض،و قد حطّت في سيرها و انحطّت:

ص: 607

أسرعت و اعتمدت.

و حطّ البعير و حطّ عنه:طني فالتزقت رئته بجنبه، فحطّ الرّحل عن جنبه بساعده دلكا حيال الطّنى حتّى ينفصل عن الجنب.

و الحطّ:الحدر من علوّ.يقال:حطّه يحطّه حطّا فانحطّ،و الحطوط:الأكمة الصّعبة الانحدار.و المنحطّ من المناكب:المستفل الّذي ليس بمرتفع و لا مستفل،و هو أحسنها،و جارية محطوطة المتنين:ممدودة حسنة مستوية،كأنّما حطّ متناها بالمحطّ،و ألية محطوطة:

لا مأكمة لها.

و الحطيطة:اسم من الحطّ،و هو ما يحطّ من جملة الحساب فينقص منه؛و الجمع:حطائط.يقال:حطّ عنه حطيطة وافية،و الحطيطة كذا و كذا من الثّمن، و استحطّني فلان من الثّمن شيئا.و حطّ السّعر يحطّ حطّا و حطوطا:رخص،و انحطّ السّعر حطوطا:فتر.

و الحطّة:نقصان المرتبة،و الحطط:جمع حطّة،و هي مراتب السّفل.

2-و اعتبر المستشرقون لفظ«الحطّة»دخيلا في العربيّة،و خبطوا في ذلك خبط عشواء،فقال بعضهم:هو معرّب من اللّفظ العبريّ«حطا»،و قال بعض آخر:هو معرّب من اللّفظ السّريانيّ«حطيطا»،و قال آخرون غير ذلك.و اعتبره بعض منهم لغزا لا يهتدى إليه،و عدّ الأقوال الّتي قيلت فيه غير مقنعة (1).

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها المصدر مرّتين في آيتين:

1- ...وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ... البقرة:58

2- ...وَ قُولُوا حِطَّةٌ وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ... الأعراف:161

يلاحظ أوّلا:أنّ الآيتين جاءتا بلفظ واحد وَ قُولُوا حِطَّةٌ في حادثة واحدة،و هي دخول بني إسرائيل الأرض المقدّسة،و فيهما بحوث:

1-فسّروا«الحطّة»بخمسة معان:حطّ الخطايا،أي وضعها،و التّوبة،و أمرنا حطّة،أي أنّ نحطّ في هذه القرية و نستقرّ فيها،و قولوا:لا إله إلاّ اللّه،و قولوا:هذا الأمر حقّ،كما قيل لكم.

و لكنّ الأصمّ قال:«إنّ هذه اللّفظة من ألفاظ أهل الكتاب،أي لا يعرف معناها في العربيّة».

و أقرب هذه الأقوال:الأوّل،أي حطّ الخطايا،لأنّه يجاري اللّغة،و إليه ذهب أغلب المفسّرين،و أبعدها الثّالث،أي أمرنا حطّة،و هو قول أبي مسلم الأصفهانيّ، و عقّبه الفخر الرّازيّ قائلا:«و زيّف القاضي ذلك بأن قال:لو كان المراد ذلك،لم يكن غفران خطاياهم متعلّقا به،و لكنّ قوله: وَ قُولُوا حِطَّةٌ نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ يدلّ على أنّ غفران الخطايا كان لأجل قولهم:(حطّة).

و يمكن الجواب عنه بأنّهم لمّا حطّوا في تلك القرية حتّى يدخلوا سجّدا مع التّواضع،كان الغفران متعلّقا به».

2-أمر اللّه بني إسرائيل في(1)بدخول القرية و الأكل منها حيث شاءوا رغدا،و دخول الباب سجّدا،

ص: 608


1- انظر«حطّة»من«معجم الألفاظ الدّخيلة في القرآن الكريم»-أثر«آرثر جفري».

و قول حطّة،و وعدهم-إن فعلوا ذلك-غفران خطاياهم و زيادة المحسنين.و حكى قبلها قصّة اتّخاذهم العجل، و العفو عنهم و التّوبة عليهم،و طلبهم من موسى رؤية اللّه جهرة،و نزول الصّاعقة عليهم.و قال بعدها مباشرة:

فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَنْزَلْنا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَفْسُقُونَ البقرة:59،ثمّ حكى استسقاء موسى لقومه من الحجر.

و أمرهم في(2)بسكنى القرية و الأكل منها حيث شاءوا،و قول حطّة،و دخول الباب سجّدا،و وعدهم-إن فعلوا ذلك-غفران خطيئاتهم و زيادة المحسنين.و حكى قبلها طلبهم من موسى أن يجعل لهم صنما إلها،و قصّة اتّخاذهم العجل،و استسقاء موسى لقومه من الحجر.ثم قال بعدها مباشرة: فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ قَوْلاً غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِجْزاً مِنَ السَّماءِ بِما كانُوا يَظْلِمُونَ الأعراف:162.

3-و بين الآيتين اختلاف في اللّفظ و العبارة بالتّقديم و التّأخير،و الإضافة و الإبدال؛حيث بدأ كلامه في(1) بقوله: وَ إِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ فَكُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ رَغَداً، و في(2): وَ إِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَ كُلُوا مِنْها حَيْثُ شِئْتُمْ، فالاختلاف بينهما في (قلنا)و(قيل)،و(ادخلوا)و(اسكنوا)،و(فكلوا) و(وكلوا)،و أضيف(رغدا)إلى(1)دون(2)،و(لهم) إلى(2)دون(1).

و تلاه قوله في(1)بالتّقديم: وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً وَ قُولُوا حِطَّةٌ، و في(2)بالتّأخير: وَ قُولُوا حِطَّةٌ وَ ادْخُلُوا الْبابَ سُجَّداً، ثمّ ختم كلامه في(1)بإبدال (خطاياكم):جمع تكسير خطيئته،من(خطياتكم):جمع سلامة لخطيئة في(2):و إضافة الواو في(1)دون(2)، فقال في(1): نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ وَ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ، و في(2): نَغْفِرْ لَكُمْ خَطِيئاتِكُمْ سَنَزِيدُ الْمُحْسِنِينَ.

و تكلّم بعض المفسّرين حول هذا التّغاير بين الآيتين،فقال الزّمخشريّ:«لا بأس باختلاف العبارتين إذا لم يكن هناك تناقض،و لا تناقض بين قوله:

اُسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ وَ كُلُوا مِنْها و بين قوله:(فكلوا)، لأنّهم إذا سكنوا القرية فتسبّبت سكناهم للأكل منها، فقد جمعوا في الوجود بين سكناهم و الأكل منها،و سواء قدّموا الحطّة على دخول الباب أو أخّروها،فهم جامعون في الإيجاد بينهما،و ترك الرّغد لا يناقض إثباته».

و قال الفخر الرّازيّ: «فالمراد التّنبيه على أنّه يحسن تقديم كلّ واحد من هذين الذّكرين على الآخر،إلاّ أنّه لمّا كان المقصود منهما تعظيم اللّه تعالى و إظهار الخضوع و الخشوع،لم يتفاوت الحال بحسب التّقديم و التّأخير».

و قال الآلوسيّ: «لا ضير في ذلك،لأنّ المأمور به هو الجمع بين الأمرين من غير اعتبار التّرتيب بينهما».

و لقائل أن يقول في وجه هذا التّأخير و التّقديم:إنّ (الواو)فيهما حاليّة،و المراد:قولوا(حطّة)حال الدّخول فقدّم اُدْخُلُوا الْبابَ في(1)،و أخّر في(2)دلالة على أن يقولوها حين الدّخول،و يبدو أنّ وَ قُولُوا حِطَّةٌ وَ ادْخُلُوا الْبابَ أبرز دلالة على هذه النّقطة.

و يعاضده لفظ(سجّدا)فيهما،فإنّه حال ل اُدْخُلُوا

ص: 609

اَلْبابَ فلتكن إحدى الجملتين حالا أيضا للأخرى، أي أدخلوا الباب قائلين:حطّة،و قولوا:حطّة داخلين الباب.و المعاكسة بينهما تقديما و تأخيرا،و جعل كلّ منهما أصلا مرّة و فرعا أخرى تسجيل لذلك.و هذه نكتة لم ينبّهوا عليها.

4-ذكروا في علّة رفع(حطّة)أقوالا،منها:خبر لمبتدإ محذوف،و التّقدير:هذه حطّة،-و هو الأولى-أو طلبنا أو مسألتنا حطّة.و قرئ (حطّة) بالنّصب أيضا، و النّصب إمّا على المصدر،أي حطّ ذنوبنا حطّة،أو على المفعول،أي قولوا هذه الكلمة.

ثانيا:لا يستبعد أن يكون لفظ حِطَّةٌ مستعملا في العربيّة و العبريّة القديمة بمعنى الحطّ،أي الوضع،ثمّ أهمل في العبريّة و بقي مستعملا في العربيّة،و هذا ما يؤيّده قول ابن عبّاس:«إنّهم أمروا بهذه اللّفظة بعينها».

و لا زالت هناك كلمات كثيرة متقاربة في اللّفظ و المعنى في كلتا اللّغتين،و منها:«علاه»،أي علا و صعد (الخروج 19:3)،و«قيمح»،أي أقمح(التّكوين 18:6)، و«حردل»الواردة في التّلمود،أي خردل،و هكذا في سائر اللّغات السّاميّة.

ثالثا:قوله: قُولُوا حِطَّةٌ تعليم و تلقين،و نظيره قوله: قُلِ اللّهُمَّ مالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَ تَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَ تُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَ تُذِلُّ مَنْ تَشاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ تُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ تُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ تُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَ تَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ آل عمران:26 و 27،و قوله: وَ قُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَ أَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَ اجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطاناً نَصِيراً الإسراء:80.

و اختار لهم من الألفاظ«حطّة»دون غيرها كالتّوبة و الإنابة و الأوبة،لعلمه بتمرّدهم على أوامره و عدم انصياعهم لقوله،لأنّ الحطّة من الحطّ،و هو يفيد-كما تقدّم-الضّعة و الخساسة و الخمول و السّقوط،فكأنّه وضعه ليناسب حالهم،و يشير إلى منزلتهم،فانحطّت بذلك درجتهم،و اتّضعت رتبتهم،و سقطت منزلتهم.

أو لأنّ(حطّة)أقرب إلى«السّجدة»في إفادة الخضوع و في مقارنة و مناسقة القول و الفعل،كما سبق.

رابعا:الجمع بين(سجّدا)و قول(حطّة)تأكيد إظهار الذّلّ و الخشوع قولا و عملا-كما نضمّ نحن سجدة الصّلاة بذكر-في آن واحد،و هو حين الدّخول،و القول تفسير للعمل،أي سجودنا هذا حطّة،و هما معا يجلبان غفران اللّه تعالى،فإنّ جملة نَغْفِرْ لَكُمْ خَطاياكُمْ، أو (خطياتكم)بمنزلة جواب شرط محذوف،أي إن سجدتم و قلتم:حطّة،نغفر لكم خطاياكم.

خامسا:أراد اللّه لبني إسرائيل أن ينخلعوا عن نخوتهم و استكبارهم عملا و قولا،مغفورا لهم خطاياهم حين يدخلون الأرض المقدّسة سالمين نفسا،كما أراد لهم رغد العيش فيها،مقدّما هذا على ذاك فيهما،ترغيبا لهم إلى الدّخول و إلى اكتساب سلامة النّفس و الغفران معا، ليتناسبوا قداسة البلد.

سادسا:الآية(1)مدنيّة نزلت خلال آيات كثيرة نزلت في سورة البقرة،تذكارا لليهود بسابقتهم،عبرة لهم بها،و(2)مكّيّة نزلت تنبيها للمشركين ليعتبروا بأحوال

ص: 610

بني إسرائيل،فالأولى خطاب لليهود وجها لوجه.و في سياقها إحكام: وَ إِذْ قُلْنَا ادْخُلُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ...، و الثّانية حكاية فليست بتلك الإحكام: وَ إِذْ قِيلَ لَهُمُ اسْكُنُوا هذِهِ الْقَرْيَةَ...، و لعلّ جميع تلك الفروق بينهما الّتي تقدّمت منبعثة عن هذا الأمر،و منها تبديل خطايا في (1)-و هي جمع تكسير تدلّ على الكثرة- ب(خطياتكم)-في(2)و هي جمع سالم لا يفيد الكثرة، فعند المواجهة لليهود شدّد في خطاياهم،و لم يشدّد فيها عند الحكاية عنهم،فلاحظ و تأمّل.

ص: 611

ص: 612

ح ط م

اشارة

3 ألفاظ،6 مرّات:5 مكّيّة،1 مدنيّة

في 5 سور:4 مكّيّة،1 مدنيّة

يحطمنّكم 1:1 حطاما 3:2-1

الحطمة 2:2

النّصوص اللّغويّة

ابن عبّاس: قال له رجل:أ رأيت الحطيم؟قال:

«لا حطيم،إنّ أهل الجاهليّة كانوا يسمّونه الحطيم،و إنّما هو الجدر،كان أحدهم إذا حلف جاء بمحجنه أو بسوطه، فوضعه عليه،و إنّما هو الجدر،فمن طاف بالبيت فليطف من ورائه».(الحربيّ 2:389)

الحطيم:الجدر،يعني جدار حجر الكعبة.

(الجوهريّ 5:1901)

الخليل: الحطم:كسرك الشّيء اليابس كالعظام و نحوها،حطمته فانحطم؛و الحطام:ما تحطّم منه.

و قشر البيض:حطام.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحطمة:السّنة الشّديدة.

و حطمة الأسد في المال:عيثه (1)و فرسه.

و الحطمة:النّار.و قيل:الحطمة:باب من جهنّم.

و الحطيم:حجر مكّة.(3:175)

ابن شميّل: الحطيم:الّذي فيه الميزاب،و إنّما سمّي حطيما،لأنّ البيت رفع و ترك ذاك محطوما.

(الأزهريّ 4:400)

أبو عمرو الشّيبانيّ: غنم حطمة،أي كثيرة.[ثمّ استشهد بشعر](1:216)

أبو عبيدة :يقال للرّجل الأكول:إنّه لحطمة.

(الخطّابيّ 2:424)

أبو زيد :يقال للنّار الشّديدة:حطمة.

يقال للعكرة من الإبل:حطمة لحطمها الكلأ،و كذلك

ص: 613


1- أي إفساده و قتله.

الغنم إذا كثرت.(الأزهريّ 4:400)

الأصمعيّ: [في حديث]عن ابن عبّاس:«لمّا تزوّج عليّ فاطمة[عليهما السّلام]قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:أعطها شيئا،قال:

ليس عندي.قال:فأين درعك الحطميّة؟».

الدّرع الحطميّة:منسوب إلى إنسان،و قيل:منسوب إلى حيّ من عبد القيس.

[في حديث]عن جعفر:«كنّا نخرج مع مالك بن دينار زمن الحطمة،فيعظ في الطّريق».

الحطمة:السّنة الشّديدة و الجدب.

(الحربيّ 2:388،391)

إذا تكسّر يبيس البقل فهو حطام.

(الأزهريّ 4:401)

اللّحيانيّ: الحطيم:ما بقي من نبات عام أوّل ليبسه و تحطّمه.(ابن سيده 3:248)

شمر:الحطميّة من الدّروع:الثّقيلة العريضة.(الأزهريّ 4:401)

ابن السّكّيت: الحطم:مصدر حطمت الشّيء أحطمه حطما،و الحطم:مصدر حطمت الدّابّة تحطم حطما.(إصلاح المنطق:62)

و رجل حطمة:كثير الأكل.(إصلاح المنطق:429)

الحربيّ: ...عن عائشة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«لو لا أنّ قومك حديث عهد بكفر،لأسّست البيت على أساسه الّذي كان عليه،و كانوا يرون أنّ نصف الحطيم من البيت».

و قوله:«الحطيم من البيت»الحطيم:الحجر من الكعبة.

و قال لنا أبو نصر:هو الباب حيث يحتطم النّاس بعضهم بعضا،أي يكسر.قال اللّه تعالى: يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ النّمل:18، يقول:يدوسنّكم و يكسرنّكم.

و رأيت أكثر القرّاء فتحوا الياء من(يحطمنّكم)إلاّ قتادة،فإنّه رفع الياء و نصب الحاء،و أنشدنا أبو نصر:

و موضع متنى ركبتين و سجدة

توخّى بها ركن الحطيم الميامن

وصف رجلا مرّ في فلاة،فلم يجد بها إلاّ موضع ركبتين،يعني رجل سجد توخّى بسجوده الحطيم،فهو يمين المصلّي و يسار البيت،و إن جعلت«الميامن»للحطيم فيمينه الباب و وجه الكعبة،و إن جعلت الحطيم الباب، فيمينه الحجر الأسود.

و الحطيم:كسرك الشّيء اليابس.[ثمّ استشهد بشعر].

و الحطم في كلّ حافر من شيئين يفجّ أرساغه، و يفسد عصبه،حطم يحطم حطما.(2:388)

المبرّد: يقال:رجل حطم،للّذي يأتي على الزّاد لشدّة أكله.

و يقال للنّار الّتي لا تبقي:حطمة.(1:227)

ابن دريد :حطمت الشّيء أحطمه حطما،إذا كسرته.و كلّ متكسّر حطام.و قد قرئ (لا يحطمنّكم سليمان و جنوده).

قال:و كان أبو عمر و ابن العلاء يتعجّب ممّن يقرأ (لا يحطمنّكم) و يقول:إنّما التّحطيم للشّيء اليابس نحو الزّجّاج و ما أشبهه.

ص: 614

و كلّ شيء كسرته فكسارته حطام،و كذلك اليبيس من النّبت.قال اللّه جلّ ذكره: ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً الحديد:20.

و الحطيم:موضع بمكّة،كانوا يحلفون فيه في الجاهليّة، فيحطم الكاذب.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

و الحطمة:السّنة المجدبة.(2:172)

و سنة حاطوم:جدبة تعقب جدبا،لا يقال:حاطوم إلاّ للجدب المتوالي.(3:390)

الأزهريّ: حجر مكّة يقال له:الحطيم ممّا يلي الميزاب.

و حطم فلانا أهله،إذا كبر فيهم،كأنّهم صيّروه شيخا محطوما بطول الصّحبة.

و قالت عائشة في النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«بعد ما حطمتموه».

و يقال للجوارس:حاطوم و هاضوم.

و حطام الدّنيا:عرضها و أثرها و زينتها.

و قال اللّه عزّ و جلّ: كَلاّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ الهمزة:4،الحطمة:اسم من أسماء النّار.

و يقال:شرّ الرّعاء الحطمة،و هو الرّاعي الّذي لا يمكّن رعيّته من المراتع الخصيبة و يقبضها،و لا يدعها تنتشر في المرعى.

و يقال:راع حطم بغير هاء،إذا كان عنيفا كأنّه يحطمها،أي يكسرها إذا ساقها أو أساقها لعنفه بها.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:فلان قد حطمته السّنّ،إذا أسنّ و ضعف.

و حطام الدّنيا:كلّ ما فيها من مال يفنى و لا يبقى.

و يقال للهاضوم:حاطوم.

و فرس حطم،إذا هزل أو أسنّ،فضعف.

و قال بعضهم:هي[الحطميّة من الدّروع]الّتي تكسر السّيوف.و كان لعليّ رضى اللّه عنه درع يقال لها:الحطميّة.

(4:400)

الصّاحب:الحطم:كسرك الشّيء اليابس،حطمته فانحطم.و الحطام:ما تحطّم من ذلك.

و قشر البيض:حطامه.

و الحطمة:السّنة الشّديدة.

و الحطم:الرّجل الّذي لا يشبع،و الّذي يحطم كلّ شيء و يكسره.

و الحاطوم:الجوارشن

و سنة حاطوم:مجدبة.

و حطم الأسد في المال:عيثه.

و الحطمة:النّار.و قيل:باب من أبواب جهنّم.

و الحطيم:حجر مكّة.

و حطمة السّيل:دفّاع معظمه.

و الحطم:الضّعف،بفتحتين.يقال:حطمت الدّابّة تحطم حطما:ضعفت.و هو في كلّ ذي حافر:تفسّخ أرساغه و فساد عصبه.

و حطمة القوم:صوتهم.

و تحطّم الزّرع:استحصد.

و الحطميّة:دروع،و لا أدري إلى ما تنسب.

و الحطمط:الصّغير من كلّ شيء.(3:30)

الخطّابيّ: [في حديث]:«إذا شرب منه هطم طعامهم».هطم معناه سرعة الهضم،و أصله:الحطم و هو الكسر،قلبوا الحاء هاء.

ص: 615

و يقال للرّاعي إذا وصف بالعنف:حطمة؛و ذلك لأنّه يحمل الإبل بعضها على بعض في السّوق فتتحطّم و تكسّر.

و الحطمة:اسم جهنّم لأنّها تحطم من ألقي فيها.قال اللّه تعالى: كَلاّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ الهمزة:4.

...سمعت زبير بن بكّار يقول:قدر حطمة،إذا كانت تقذف ما طبخ فيها.(2:424)

الجوهريّ: [نحو المتقدّمين و أضاف:]

و حطمة السّيل مثل طحمته،و هي دفعته.

و الحطم:المتكسّر في نفسه.

و يقال للفرس إذا تهدّم لطول عمره:حطم.

و يقال:حطمت الدّابّة بالكسر،أي أسنّت.

و حطمته السّنّ بالفتح حطما.[إلى أن قال:]

و يقال للعكرة من الإبل:حطمة،لأنّها تحطم كلّ شيء.

و الحطام:ما تكسّر من اليبيس.(5:1900)

الثّعالبيّ: حطم العظم،إذا كسره بعد الجبر.

(241)

ابن سيده: الحطم:الكسر في أيّ وجه كان،و قيل:

هو كسر اليابس خاصّة.حطمه يحطمه حطما،و حطّمه، فانحطم و تحطّم.و الحطمة و الحطام:ما تحطّم من ذلك.

و صعدة حطم،كما قالوا:كسر،كأنّهم جعلوا كلّ قطعة منه حطمة.

و حطام البيض:قشره.

و الحطمة و الحطمة و الحاطوم:السّنة الشّديدة،لأنّها تحطم كلّ شيء.و قيل:لا تسمّى حاطوما إلاّ فى الجدب المتوالي.

و حطمة الأسد في المال:عيثه و فرسه،لأنّه يحطمه.

و أسد حطوم:يحطم كلّ شيء يدقّه،و كذلك ريح حطوم.

و لا تحطم علينا المرتع،أي لا ترع عندنا فتفسد المرعى.

و إبل حطمة،و غنم حطمة:كثيرة تحطم الأرض بخفافها و أظلافها،و تحطم شجرها و بقلها فتأكله.

و نار حطمة:شديدة.و في التّنزيل: كَلاّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ الهمزة:4.

و قيل:الحطمة باب من أبواب جهنّم؛نعوذ باللّه منها و قال الزّجّاج:الحطمة اسم من أسماء النّار.و كلّ ذلك من «الحطم»الّذي هو الكسر و الدّقّ.

و رجل حطم و حطم:لا يشبع،لأنّه يحطم كلّ شيء.

و حطم فلانا أهله:كبر فيهم،فكأنّه بما حمّلوه من أثقالهم كسروه.و في حديث عائشة رضي اللّه عنها:«بعد ما حطمتموه»،تعني النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم-التّفسير للهروىّ فى «الغريبين».

و انحطم النّاس عليه:تزاحموا

و الحطيم:حجر بمكّة،سمّي بذلك لانحطام النّاس عليه.و قيل:لأنّهم كانوا يحلفون عنده في الجاهليّة فيحطم الكاذب و هو ضعيف.

و حطمت الدّابّة حطما:هزلت.

و ماء حاطوم:ممرئ.

و الحطميّة:دروع تنسب إلى رجل كان يعملها.

و بنو حطمة:بطن[و استشهد بالشّعر ثلاث مرّات].

(3:248)

ص: 616

الزّمخشريّ: حطم متنه فانحطم و تحطّم.

و أسد حطوم،و ما أشدّ حطمته!و حطم الوادي.

و ذهبت بهم حطمة السّيل.و طارت الرّيح بحطام التّبن.

و هذا حطام البيض:لكساره.و جمع حطام الدّنيا، شبّه بالكسار تخسيسا له.

و عن بعض العرب:قد تحطّمت الأرض يبسا، فأنشبوا فيها المخاطب و هي المناجل،أي تكسّرت زروع الأرض و تفتّتت،لفرط يبسها فجزّوها.

و تحطّم البيض عن الفراخ.

و من المجاز:أصابتهم حطمة،أي أزمة.

و راع حطم و حطمة،كأنّه يحطم المال لعنفه في السّوق.

و«شرّ الرّعاء الحطمة».

و حطمته السّنّ العالية.و حطمت فلانة زوجها،إذا أسنّ و هي تحته.و حطم فلانا قومه،إذا أسنّ بين أظهرهم.

و منه الحديث:«و ذلك بعد ما حطمتموه».

و رجل حطمة:أكول.و نعم حاطوم الطّعام البطّيخ!

و لا تحطم علينا،أي لا ترع عندنا فتفسد علينا المرعى.[و استشهد بالشّعر ثلاث مرّات]

(أساس البلاغة:87)

المدينيّ: سودة رضي اللّه عنها«استأذنت أن تدفع قبل حطمة النّاس»أي قبل أن يحطم بعضهم بعضا، و يزدحم بعضهم على بعض.

و أصل الحطم:الكسر،و منه في حديث فتح مكّة:

«احبس أبا سفيان عند حطم الجبل»أي بالموضع الّذي حطم منه،أي ثلم من عرضه،فبقي منقطعا.و يحتمل أن يريد:عند مضيق الجبل،حيث يزحم بعضهم بعضا.

(1:464)

ابن الأثير: في حديث زواج فاطمة رضي اللّه عنها «أنّه قال لعليّ:أين درعك الحطميّة؟»هي الّتي تحطم السّيوف،أي تكسرها.و قيل:هي العريضة الثّقيلة، و قيل:هي منسوبة إلى بطن من عبد القيس يقال لهم:

حطمة بن محارب،كانوا يعملون الدّروع.و هذا أشبه الأقوال.

و منه الحديث:«شرّ الرّعاء الحطمة»هو العنيف برعاية الإبل في السّوق و الإيراد و الإصدار،و يلقي بعضها على بعض،و يعسفها.ضربه مثلا لوالي السّوء.

و يقال أيضا حطم،بلا هاء.

و منه حديث عليّ رضى اللّه عنه:«كانت قريش إذا رأته في حرب قالت:احذروا الحطم احذروا القطم».

و منه قول الحجّاج في خطبته:«قد لفّها اللّيل بسوّاق حطم»أي عسوف عنيف.

و الحطم من أبنية المبالغة،و هو الّذي يكثر منه الحطم.و منه سمّيت النّار:الحطمة،لأنّها تحطم كلّ شيء.

و منه حديث توبة كعب بن مالك:«إذن يحطمكم النّاس»أي يدوسونكم و يزدحمون عليكم.

و منه سمّي«حطيم مكّة»و هو ما بين الرّكن و الباب.

و قيل:هو الحجر المخرج منها،سمّي به لأنّ البيت رفع و ترك هو محطوما.

و قيل:لأنّ العرب كانت تطرح فيه ما طافت به من الثّياب،فتبقى حتّى تنحطم بطول الزّمان،فيكون«فعيلا»

ص: 617

بمعنى«فاعل».

و منه حديث هرم بن حبّان:«أنّه غضب على رجل فجعل يتحطّم عليه غيظا»أي يتلظّى و يتوقّد؛مأخوذ من الحطمة:النّار.(1:402)

الفيّوميّ: حطم الشّيء حطما من باب«تعب» فهو حطم،إذا تكسّر.

و يقال للدّابّة إذا أسنّت:حطم.

و يتعدّى بالحركة فيقال:حطمته حطما من باب «ضرب»فانحطم،و حطّمته بالتّشديد مبالغة.

و الحطيم:حجر مكّة.(1:141)

الفيروزآباديّ: الحطم:الكسر أو خاصّ باليابس، حطمه يحطمه و حطّمه فانحطم و تحطّم.

و الحطمة بالكسر و كثمامة:ما تحطّم من ذلك.

و صعدة حطم ككسر باعتبار الأجزاء،و كغراب:ما تكسّر من اليبيس،و من البيض:قشره.

و الحطيم:حجر الكعبة،أو جداره،أو ما بين الرّكن و زمزم و المقام و زاد بعضهم الحجر،أو من المقام إلى الباب،أو ما بين الرّكن الأسود إلى الباب إلى المقام،حيث يتحطّم النّاس للدّعاء،و كانت الجاهليّة تتحالف هناك، و ما بقي من نبات عام أوّل.

و كزبير:تابعيّ.

و الحطمة و يضمّ و الحاطوم:السّنة الشّديدة، و الهاضوم.

و كصبور و شدّاد و منبر:الأسد.

و كهمزة:الكثير من الإبل و الغنم،و الشّديدة من النّيران،و اسم لجهنّم أو باب لها،و الرّاعي الظّلوم للماشية يهشم بعضها ببعض كالحطم.

و«شرّ الرّعاء الحطمة»حديث صحيح،و وهم الجوهرىّ في قوله:مثل.

و حطمة بن محارب كان يعمل الدّروع و الحطميّات منه،أو هي الّتي تكسر السّيوف،أو الثّقيلة العريضة.

و تحطّم غيظا:تلظّى.

و الحطم محرّكة:داء في قوائم الدّابّة.

و ككتف:المتكسّر في نفسه.

و بنو حطامة كثمامة:بطن،و هم غير بني خطامة.

(4:99)

الطّريحيّ: الحطام:ما يحطم من عيدان الزّرع إذا يبس...

و في الحديث تكرّر ذكر«الحطيم»و هو ما بين الرّكن الّذي فيه الحجر الأسود،و بين الباب،كما جاءت به الرّواية.سمّي حطيما،لأنّ النّاس يزدحمون فيه على الدّعاء،و يحطّم بعضهم بعضا.

و قيل:لأنّ من حلف هناك عجّلت عقوبته.

و تسمية الحجر بالحطيم من أوضاع الجاهليّة،كان عادتهم أنّهم إذا كانوا يتحالفون بينهم كانوا يحطمون،أي يدفعون فعلا أو سوطا أو قوسا إلى الحجر،علامة لعقد حلفهم،فسمّوه به لذلك.

و قيل:سمّي بذلك لما حطم من جداره،فلم يسوّ ببناء البيت،و ترك خارجا.

و في الخبر:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إذا رفع يديه في الدّعاء لم يحطّمها حتّى يمسح بهما وجهه».

قيل في تعليله:هو أنّ مسح الوجه بهما في خاتمة

ص: 618

الدّعاء،نظرا إلى أنّ كفّيه ملئت من البركات السّماويّة و الأنوار الإلهيّة،فهو يفيض منها على وجهه الّذي هو أولى الأعضاء بالكرامة.

و الحطم هو بفتح الحاء و كسر الطّاء:الّذي ينكسر من الهزال،و منه الحديث:«لا سهم للحطم».(6:42)

مجمع اللّغة :الحطم:كسر الشّيء،مثل الهشم و نحوه،حطمه يحطمه حطما.

و الحطام:ما تكسّر من اليابس.

و الحطمة:الكثيرة التّحطيم،و أطلقت على جهنّم لتحطيمها المكذّبين بها.(1:271)

محمود شيت:[نحو السّابقين و أضاف:]حطم الجيش الأعداء:كسرهم و انتصر عليهم.

حطّم القائد خصمه:كسره و انتصر عليه.

حطام الطّائرة:ما تحطّم منها.

الحطيميّة:الدّبّابة الثّقيلة الّتي تتحطّم عليها أسلحة مقاومتها.(1:192)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة،هو كسر الهيئة للشّيء،و إزالة نظمه،و إفناء الحالة المتوقّعة المتحصّلة،مادّيّة أو معنويّة.

و إطلاق الحطام على الأموال الدّنيويّة،باعتبار زوالها و عدم ثبوتها،و كونها في معرض الفناء و الانهدام.

و أمّا الحطمة فصيغة مبالغة كضحكة و همزة،باعتبار شدّة تلك الصّفة فيها،فإنّها تحطم كلّ من ورد فيها.

و أمّا الحطيم،فباعتبار انكسار حالة كلّ من وصل إليه و زاره خضوعا أو لعلّه كان منكسرا في زمان.

(2:264)

النّصوص التّفسيريّة

يحطمنّكم

...يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ. النّمل:18

ابن عبّاس: لا يكسرنّكم و لا يدوسنّكم.(317)

الطّبريّ: لا يكسرنّكم و لا يقتلنّكم.(19:142)

الزّجّاج: يقرأ: لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ و (لا تحطّمنّكم سليمان) و (لا يحطّمنّكم) جائزة.(2:11)

الزّمخشريّ: و قرئ (مسكنكم) و (لا يحطمنكم) بتخفيف النّون.و قرئ (لا يحطّمنّكم) بفتح الحاء و كسرها.و أصله:يحتطمنّكم.و لمّا جعلها قائلة و النّمل مقولا لهم كما يكون في أولي العقل،أجرى خطابهم مجرى خطابهم.

فإن قلت: لا يَحْطِمَنَّكُمْ ما هو؟

قلت:يحتمل أن يكون جوابا للأمر و أن يكون نهيا بدلا من الأمر،و الّذي جوّز أن يكون بدلا منه أنّه في معنى:لا تكونوا حيث أنتم،فيحطمكم على طريقة لا أريتك هاهنا،أراد:لا يحطمنّكم جنود سليمان،فجاء بما هو أبلغ،و نحوه:

*عجبت من نفسي و من إشفاقها*

(3:142)

ابن العربيّ: لا يكسرنّكم القلب و القوى الرّوحانيّة، بالإماتة و الإفناء.و هذا هو السّير الحكميّ باكتساب الملكات الفاضلة،و تعديل الأخلاق،و إلاّ لما بقيت للنّملة الكبرى و لصغارها عين،و لا أثر في الفناء

ص: 619

بتجلّيات الصّفات.(2:197)

الفخر الرّازيّ: [نحو الزّمخشريّ إلى أن قال:]

و ثالثها:ما رأيت في بعض الكتب أنّ تلك النّملة إنّما أمرت غيرها بالدّخول،لأنّها خافت على قومها أنّها إذا رأت سليمان في جلالته،فربّما وقعت في كفران نعمة اللّه تعالى.و هذا هو المراد بقوله: لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ فأمرتها بالدّخول في مساكنها لئلاّ ترى تلك النّعم،فلا تقع في كفران نعمة اللّه تعالى.و هذا تنبيه على أنّ مجالسة أرباب الدّنيا محذورة.(24:187)

العكبريّ: لا يَحْطِمَنَّكُمْ نهي مستأنف.و قيل:

هو جواب الأمر،و هو ضعيف،لأنّ جواب الأمر لا يؤكّد بالنّون في الاختيار.(2:1006)

أبو حيّان :(لا يحطمنكم)مخفّفة النّون الّتي قبل الكاف.و قرأ الحسن و أبو رجاء و قتادة و عيسى بن عمر الهمدانيّ الكوفيّ و نوح القاضي بضمّ الياء و فتح الحاء و شدّ الطّاء و النّون مضارع«حطّم»مشدّدا.و عن الحسن بفتح الياء و إسكان الحاء و شدّ الطّاء،و عنه كذلك مع كسر الحاء،و أصله:لا يحتطمنّكم من الاحتطام.و قرأ ابن أبي إسحاق و طلحة و يعقوب و أبو عمرو في رواية عبيد كقراءة الجمهور إلاّ أنّهم سكّنوا نون التّوكيد.و قرأ الأعمش بحذف النّون و جزم الميم.

و الظّاهر أنّ قوله:(لا يحطمنكم)بالنّون خفيفة أو شديدة نهي مستأنف،و هو من باب:لا أرينّك هاهنا، نهت غير النّمل و المراد النّمل،أي لا تظهروا بأرض الوادي فيحطمكم،و لا تكن هنا فأراك.[ثمّ ذكر كلام الزّمخشريّ و قال:]

و أمّا تخريجه على أنّه أمر،فلا يكون ذلك إلاّ على قراءة الأعمش؛إذ هو مجزوم مع أنّه يحتمل أن يكون استئناف نفي.و أمّا مع وجود نون التّوكيد فإنّه لا يجوز ذلك إلاّ إن كان في الشّعر.و إذ لم يجز ذلك في جواب الشّرط إلاّ في الشّعر،فأحرى أن لا يجوز في جواب الأمر إلاّ في الشّعر،و كونه جواب الأمر متنازع فيه،على ما قرّر في النّحو.[ثمّ استشهد بشعر،إلى أن قال:]

و أمّا تخريجه على البدل فلا يجوز،لأنّ مدلول(لا يحطمنّكم)مخالف لمدلول(ادخلوا).

و أمّا قوله:«لأنّه في معنى:لا تكونوا حيث أنتم فيحطمنّكم»فهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب،و البدل من صفة الألفاظ.نعم لو كان اللّفظ القرآنيّ: «لا تكونوا حيث أنتم لا يحطمنّكم»لتخيّل فيه البدل،لأنّ الأمر بدخول المساكن نهي عن كونهم في ظاهر الأرض.

و أمّا قوله:«إنّه أراد لا يحطمنّكم جنود سليمان»إلى آخره،فيسوّغ زيادة الأسماء و هو لا يجوز،بل الظّاهر إسناد الحطم إليه و إلى جنوده،و هو على حذف مضاف، أي خيل سليمان و جنوده،أو نحو ذلك ممّا يصحّ تقديره.

(7:61)

الشّربينيّ: أي يكسرنّكم و يهشمنّكم،أي لا تبرزوا فيحطمكم،فهو نهي لهم عن البروز في صورة نهيه،و هو أبلغ من التّصريح بنهيهم،لأنّ من نهى أميرا عن شيء كان لغيره أشدّ نهيا.(3:48)

أبو السّعود :نهي في الحقيقة للنّمل عن التّأخّر في دخول مساكنهم،و إن كان بحسب الظّاهر نهيا له عليه السّلام و لجنوده عن الحطم،كقولهم:لا أرينّك هاهنا،فهو

ص: 620

استئناف أو بدل من الأمر.[ثمّ استشهد بالشّعر]

لا جواب له،فإنّ النّون لا تدخله في السّعة.و قرئ (لا يحطمنّكم) بفتح الحاء و كسرها،و أصله:لا يحتطمنّكم.

(5:76)

الآلوسيّ: الحطم:الكسر،و المراد به:الإهلاك.[ثمّ قال:نحو أبي السّعود و أضاف:]

و قول بعضهم:إذا كان المعنى النّهي عن التّوقّف حتّى تحطم يحصل الاتّحاد بين الجملتين،يقتضي أنّه بدل كلّ من كلّ،بناء على أنّ الأمر بالشّيء عين النّهي عن ضدّه، و على ما ذكر لا حاجة إليه.و بالجملة اعتراض أبي حيّان على وجه الإبدال باختلاف مدلولي الجملتين ليس في محلّه.[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ و بعض كلام أبي حيّان و أدام:]

و جوّز أن تكون حالا من الجنود و الضّمير لهم،و أيّا ما كان ففي تقييد الحطم بعدم الشّعور بمكانهم المشعر بأنّه لو شعروا بذلك لم يحطموا،ما يشعر بغاية أدب النّملة مع سليمان عليه السّلام و جنوده...

و روي أنّ سليمان عليه السّلام لمّا سمع قول النّملة: يا أَيُّهَا النَّمْلُ إلخ قال:ائتوني بها فأتوا بها،فقال:لم حذّرت النّمل ظلمي؟أ ما علمت أنّي نبيّ عدل فلم قلت: لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ؟

فقالت:أ ما سمعت قولي: وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ و مع ذلك إنّي لم أرد حطم النّفوس و إنّما أردت حطم القلوب، خشيت أن يروا ما أنعم اللّه تعالى به عليك من الجاه و الملك العظيم فيقعوا في كفران النّعم،فلا أقلّ من أن يشتغلوا بالنّظر إليك عن التّسبيح.(19:178)

الطّباطبائيّ: لا يطأنّكم بأقدامهم.(15:353)

حطاما

1- ...ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ. الزّمر:21

ابن عبّاس: يابسا،كذلك الدّنيا تفنى و لا تبقى.

(387)

مقاتل:هذا مثل ضرب للدّنيا،بينا ترى النّبت أخضر؛إذ تغيّر فيبس ثمّ هلك،و كذلك الدّنيا و زينتها.

(ابن الجوزيّ 7:172)

أبو عبيدة :أي رفاتا،و الحطام و الرّفات و الدّرين واحد في كلام العرب،و هو ما يبس فتحاتّ من النّبات.

(2:189)

ابن قتيبة :مثل الرّفات و الفتات.(383)

الطّبريّ: الحطام:فتات التّبن و الحشيش.يقول ثمّ يجعل ذلك الزّرع بعد ما صار يابسا فتاتا متكسّرا.

(23:208)

نحوه الطّوسيّ.(9:20)

الزّجّاج: الحطام:ما تفتّت و تكسّر من النّبت و غيره،و مثل الحطام:الرّفات و الدّرين.(4:351)

القمّيّ: الحطام إذا يبست و تفتّت.(2:248)

نحوه ابن عطيّة.(4:527).

الواحديّ: دقاقا متكسّرا متفتّتا.(3:576)

نحوه البغويّ.(4:84)

القرطبيّ: أي فتاتا مكسّرا،من تحطّم العود إذا تفتّت من اليبس.(15:246)

ص: 621

الآلوسيّ: فتاتا متكسّرا كأن لم يغن بالأمس، و لكون هذه الحالة من الآثار القويّة علّقت بجعل اللّه تعالى كالإخراج.(23:256)

2- ...لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ.

الواقعة:65

ابن عبّاس: يابسا بعد خضرته.(455)

عطاء:تبنا لا قمح فيه.(الواحديّ 4:237)

أبو عبيدة :الحطام:الهشيم و الرّفات و الرّخام واحد،و متاع الدّنيا حطام.(2:251)

الطّبريّ: يعني هشيما لا ينتفع به في مطعم و غذاء.

(27:198)

مثله الطّوسيّ(9:505)،و الطّبرسيّ(5:223).

الزّجّاج: أي أبطلناه حتّى يكون متحطّما،لا حنطة فيه و لا شيء ممّا تزرعون.(5:114)

السّجستانيّ: فتاتا،و الحطام:ما تحطّم من عيدان الزّرع إن يبس.(187)

الماورديّ: الحطام:الهشيم الهالك الّذي لا ينتفع به، فنبّه بذلك على أمرين:

أحدهما:ما أولاهم من النّعم في زرعهم؛إذ لم يجعله حطاما ليشكروه.

الثّاني:ليعتبروا بذلك في أنفسهم،كما أنّه يجعل الزّرع حطاما إذا شاء،كذلك يهلكهم إذا شاء ليتّعظوا فينزجروا.(5:460)

الواحديّ: المعنى:أنّه يقول:لو نشاء لجعلنا ما تحرثون كلأ يصير بعد يبسه حطاما متكسّرا لا حنطة فيه.

(4:237)

الزّمخشريّ: الحطام من حطم كالفتات،و الجذاذ من فتّ و جذّ،و هو ما صار هشيما و تحطّم.(4:57)

ابن عطيّة: الحطام:اليابس المتفتّت من النّبات الصّائر إلى ذهاب،و به شبّه حطام الدّنيا.(5:249)

الفخر الرّازيّ: الحطام كالفتات و الجذاذ،و هو من «الحطم»كما أنّ الفتات و الجذاذ من:الفتّ و الجذّ، و«الفعال»في أكثر الأمر يدلّ على مكروه أو منكر:أمّا في المعاني:فكالسّبات و الفواق و الزّكام و الدّوار و الصّداع، لأمراض و آفات في النّاس و النّبات.و أمّا في الأعيان فكالجذاذ و الحطام و الفتات،و كذا إذا لحقته الهاء كالبرادة و السّحالة.

و فيه زيادة بيان،و هو أنّ ضمّ الفاء من الكلمة يدلّ على ما ذكرنا في الأفعال،فإنّا نقول فعل ما لم يسمّ فاعله، و كان السّبب أنّ أوائل الكلم لمّا لم يكن فيه التّخفيف المطلق و هو السّكون لم يثبت التّثقيل المطلق و هو الضّمّ، فإذا ثبت فهو لعارض.فإن علم كما ذكرنا فلا كلام،و إن لم يعلم كما في برد و قفل،فالأمر خفيّ يطول ذكره،و الوضع يدلّك عليه في الثّلاثيّ.(29:183)

القرطبيّ: أي متكسّرا،يعني الزّرع.[ثمّ قال مثل الماورديّ](17:218)

أبو حيّان :الحطام:اليابس المتفتّت الّذي لم يكن له حبّ ينتفع به.(8:211)

ابن كثير :أي لأيبسناه قبل استوائه و استحصاده.

(6:533)

الشّربينيّ: أي مكسورا مفتّتا لا حبّ فيه قبل

ص: 622

النّبات،حتّى لا يقبل الخروج،أو بعده ببرد مفرط أو حرّ مهلك أو غير ذلك،فلا ينتفع به.(4:193)

الآلوسيّ: هشيما متكسّرا متفتّتا لشدّة يبسه،بعد ما انبتناه و صار بحيث طمعتم في حيازة غلاله.

(27:148)

نحوه الطّباطبائيّ.(19:135)

المراغيّ: و لو شئنا لأيبسناه قبل استوائه و استحصاده،فأصبح لا ينتفع به في مطعم و لا في غذاء، فصرتم تعجبون من سوء حاله إثر ما شاهدتم فيه من الخضرة و النّضرة و البهجة و الرّواء،و تقولون:حقّا إنّا لمعذّبون مهلكون لهلاك أرزاقنا،لا بل هذا أمر قدّر علينا لنحس طالعنا،و سوء حظّنا.(27:147)

مكارم الشّيرازيّ: في الآية يؤكّد الدّور الهامشيّ للإنسان في نموّ و رشد النّباتات،فيقول: لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ نعم،يستطيع البارئ أن يرسل رياحا سامّة تيبّس البذور قبل الإنبات و تحطمها، أو يسلّط عليها آفة تتلفها بعد الإنبات كالجراد،أو تنزل عليها صاعقة كبيرة بحيث لا تبقي و لا تذر إلاّ شيئا من التّبن اليابس،و عند ذلك تضطربون و تندمون عند مشاهدتكم لمنظرها.

هل كان بالإمكان حدوث مثل هذه الأمور إذا كنتم أنتم الزّارعون الحقيقيّون؟إذن فاعلموا أنّ كلّ هذه البركات من مصدر آخر،و هو اللّه سبحانه.

حطام:من مادّة«حطم»على وزن«حتم»تعني في الأصل:كسر الشّيء،و غالبا ما تطلق على كسر الأشياء اليابسة،كالعظام النّخرة و سيقان النّباتات الجافّة، و المقصود هنا هو التّبن.

و يحتمل أيضا أنّ المقصود بالحطام هنا،هو فساد البذور في التّربة و عدم نموّها.(17:449)

فضل اللّه :أي هشيما تذروه الرّياح،فلا تحصلون منه على شيء،بتحريك عوامل تقتله و تمنعه من الاكتمال.

(21:340)

3- ...ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً...

الحديد:20

ابن عبّاس: يابسا بعد صفرته،كذلك الدّنيا لا تبقى كما لا يبقى هذا النّبات.(458)

الزّجّاج: أي متحطّما متكسّرا ذاهبا،و ضرب اللّه هذا مثلا لزوال الدّنيا.(5:127)

الطّوسيّ: أي هشيما بأن يهلكه اللّه،مثل أفعال الكافر بذلك،فإنّها و إن كانت على ظاهر الحسن فإنّ عاقبتها إلى هلاك و دمار،مثل الزّرع الّذي ذكره.

(9:531)

القرطبيّ: أي فتاتا و تبنا فيذهب بعد حسنه،كذلك دنيا الكافر.(17:259)

الآلوسيّ: هشيما متكسّرا من اليبس.

(27:185)

الحطمة

1 و 2- كَلاّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ* وَ ما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ. الهمزة:4،5

الضّحّاك: إنّه اسم درك من أدراك جهنّم،و هو

ص: 623

الدّرك الرّابع.(الماورديّ 6:336)

الكلبيّ: هو الباب السّادس[من أبواب جهنّم].

(الماورديّ 6:336)

مقاتل:هي تحطم العظام،و تأكل اللّحوم حتّى تهجم على القلوب.(الواحديّ 4:553)

ابن زيد :إنّه اسم من أسماء جهنّم.

(الماورديّ 6:336)

مثله الواحديّ(4:553)،و نحوه الزّجّاج.(5:362)

الفرّاء: (الحطمة):اسم من أسماء النّار،كقوله:

«جهنّم،و سقر،و لظى».فلو ألقيت منها الألف و اللاّم إذ كانت اسما،لم يجر.(3:290)

الطّبريّ: (الحطمة)اسم من أسماء النّار،كما قيل لها:

«جهنّم،و سقر و لظى».و أحسبها سمّيت بذلك لحطمها كلّ ما ألقي فيها،كما يقال للرّجل الأكول:الحطمة.

(30:294)

القمّيّ: (الحطمة):النّار الّتي تحطم كلّ شيء.

(2:441)

الماورديّ: و فيها ثلاثة أوجه:

أحدها:أنّه اسم باب من أبواب جهنّم،قاله ابن واقد.[ثمّ ذكر قول الضّحّاك و ابن زيد و أضاف]و في تسميتها بذلك وجهان:

أحدهما:لأنّها تحطم ما ألقي فيها،أي تكسره و تهدّه.

[ثمّ استشهد بشعر] (1).(6:336)

نحوه ابن الجوزيّ.(9:229)

الطّوسيّ: قال: وَ ما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ تفخيما لها،ثمّ فسّرها فقال: نارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ أي هي نار اللّه الموقدة،و(الحطمة):الكثيرة الحطم،أي الأكل،و رجل حطمة.و حطم الشّيء،إذا كسره و أذهبه، و تحطّم،إذا تكسّر.و أصله:الكسر المهلك.(10:408)

نحوه الطّبرسيّ.(5:538)

الزّمخشريّ: النّار الّتي من شأنها أن تحطم كلّ ما يلقى فيها.و يقال للرّجل الأكول:إنّه لحطمة.و قرئ (الحاطمة) يعني أنّها تدخل في أجوافهم حتّى لا تصل إلى صدورهم،و تطّلع على أفئدتهم...(4:284)

نحوه البيضاويّ(2:575)،و النّسفيّ(4:376).

الفخر الرّازيّ: و أمّا(الحطمة)فقال المبرّد:إنّها النّار الّتي تحطم كلّ من وقع فيها،و رجل حطمة،أي شديد الأكل يأتي على زاد القوم.

و أصل الحطم في اللّغة:الكسر،و يقال:شرّ الرّعاء الحطمة،يقال:راع حطمة و حطم بغير هاء،كأنّه يحطم الماشية،أي يكسرها عند سوقها لعنفه.

قال المفسّرون:(الحطمة):اسم من أسماء النّار،و هي الدّركة الثّانية من دركات النّار.و قال مقاتل:هي تحطم العظام و تأكل اللّحوم حتّى تهجم على القلوب.و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«إنّ الملك ليأخذ الكافر فيكسره على صلبه،كما توضع الخشبة على الرّكبة فتكسر،ثمّ يرمي به في النّار».

و اعلم أنّ الفائدة في ذكر«جهنّم»بهذا الاسم هاهنا وجوه:

أحدها:الاتّحاد في الصّورة،كأنّه تعالى يقول:إن كنت همزة لمزة فوراءك الحطمة.ي.

ص: 624


1- كذا في الأصل لم يأت بالوجه الثّاني.

و الثّاني:أنّ الهامز بكسر عين ليضع قدره فيلقيه في الحضيض،فيقول اللّه تعالى:وراءك الحطمة،و في الحطم كسر،فالحطمة تكسرك و تلقيك في حضيض جهنّم، لكنّ الهمزة ليس إلاّ الكسر بالحاجب.أمّا الحطمة فإنّها تكسر كسرا،لا تبقي و لا تذر.

و الثّالث:أنّ الهمّاز اللّمّاز يأكل لحم النّاس،و الحطمة أيضا اسم للنّار من حيث إنّها تأكل الجلد و اللّحم،و يمكن أن يقال:

ذكر وصفين:الهمز و اللّمز،ثمّ قابلهما باسم واحد، و قال:خذ واحدا منّي بالاثنين منك،فإنّه يفي و يكفي.

فكأنّ السّائل يقول:كيف يفي الواحد بالاثنين؟فقال:إنّما تقول هذا لأنّك لا تعرف هذا الواحد،فلذلك قال: وَ ما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ. (32:93)

نحوه النّيسابوريّ.(30:177)

القرطبيّ: هي نار اللّه،سمّيت بذلك لأنّها تكسر كلّ ما يلقى فيها و تحطمه و تهشمه.[ثمّ استشهد بشعر، إلى أن قال:]

وَ ما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ على التّعظيم لشأنها و التّفخيم لأمرها.ثمّ فسّرها ما هي،فقال: نارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ... (20:184)

الشّربينيّ: أي الطّبقة من جهنّم الّتي من شأنها أن تحطم،أي تكسر بشدّة و عنف كلّ ما طرح فيها،فيكون أخسر الخاسرين.و يقال للرّجل الأكول:إنّه لحطمة وَ ما أَدْراكَ... مَا الْحُطَمَةُ أي الدّركة النّاريّة الّتي سمّيت هذا الاسم بهذه الخاصّة،و إنّه ليس في الوجود الّذي شاهدتموه ما يقاربها،ليكون مثالا لها،ثمّ فسّرها بقوله تعالى: نارُ اللّهِ... (4:586)

أبو السّعود :أي في النّار الّتي شأنها أن تحطم و تكسر كلّ ما يلقى فيها كما أنّ شأنه كسر أعراض النّاس و جمع المال.

و قوله: وَ ما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ لتهويل أمرها ببيان أنّها ليست من الأمور الّتي تنالها عقول الخلق.

(6:470)

مغنية:هي جهنّم تحطّم و تدمّر الطّغاة المتغطرسين، و النّبذ يشعر بالازدراء و الاحتقار، وَ ما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ إنّها فوق التّصوّر، نارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ هي نار اللّه لا نار النّاس،و نار الغضب لا نار الحطب.

(7:608)

الطّباطبائيّ: (الحطمة)مبالغة من الحطم،و هو الكسر،و جاء بمعنى الأكل،و هي من أسماء جهنّم،على ما يفسّرها قول الآتي: نارُ اللّهِ الْمُوقَدَةُ.

و المعنى:ليس مخلّدا بالمال كما يحسب،أقسم ليموتنّ و يقذفنّ في الحطمة. وَ ما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ تفخيم و تهويل.(20:359)

مكارم الشّيرازيّ: (الحطمة):صيغة مبالغة من «حطم»أي هشّم.و هذا يعني أنّ نار جهنّم تهشّم أعضاء هؤلاء.و يستفاد من بعض الرّوايات أنّ(الحطمة)ليست كلّ نار جهنّم،بل هي طبقة خاصّة منها.

تهشّم الأعضاء بدل احتراقها في نار جهنّم،ربّما صعب فهمه في الماضي.و لكنّ المسألة اليوم ليست بعجيبة بعد أن اتّضحت شدّة تأثير أمواج الانفجار، و تبيّن أنّ الأمواج النّاتجة عن انفجار كبير قادرة على

ص: 625

تهشيم الإنسان،بل تهشيم العمارات الضّخمة بأعمدتها الحديديّة المستحكمة.

عبارة(نار اللّه)دليل على عظمة هذه النّار، و(الموقدة)تعني استعارها المستمرّ.

و العجيب أنّ هذه النّار ليست مثل نار الدّنيا الّتي تحرق الجلد أوّلا ثمّ تنفذ إلى الدّاخل.بل هي تبعث بلهبها أوّلا إلى القلب،و تحرق الدّاخل تبدأ أوّلا بالقلب ثمّ بما يحيطه،ثمّ تنفذ إلى الخارج.

ما هذه النّار الّتي تبعث بشررها إلى قلب الإنسان أوّلا؟!ما هذه النّار الّتي تحرق الدّاخل قبل الخارج؟!كلّ شيء في القيامة عجيب،و مختلف كثيرا عن هذا العالم، حتّى إحراق نارها.و لما ذا لا تكون كذلك،و قلوب هؤلاء الطّاغين مركز للكفر و الكبر و الغرور،و بؤرة حبّ الدّنيا و الثّروة و المال؟!(20:409)

فضل اللّه :الّتي تحطم كلّ كيان الإنسان الّذي يدخلها،لأنّها تحرق كلّ شيء فيه.و هكذا يتحوّل مصير هذا المخلوق-المستكبر المحتقر للآخرين ممّن هم دونه- مآلا،إلى أن ينبذ في النّار كما تنبذ الأشياء الحقيرة الّتي لا غنى فيها. وَ ما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ فهي من المفاهيم الّتي قد يدرك الإنسان معناها اللّغويّ في ما توحي به من معنى الموقع الّذي تتحطّم الأشياء فيه،و لكنّه لا يدرك حقيقته الواقعيّة في وجوده الفعليّ.(24:414)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحطام،و هو ما تكسّر من اليبيس،و حطام البيض:قشره.يقال:حطمه يحطمه حطما فانحطم،و حطّمه و تحطّم.و الحطمة و الحطام:ما تحطّم من ذلك،نحو يبيس البقل،و الحطيم:ما بقي من نبات عام أوّل،ليبسه و تحطّمه.و صعدة حطم:قصبة كسر،كأنّهم جعلوا كلّ قطعة منها حطمة.

و الحطم:المتكسّر في نفسه،و الفرس إذا تهدّم لطول عمره.يقال:فرس حطم،أي هزل و أسنّ فضعف، و حطمت الدّابّة:أسنّت،و فلان حطمته السّنّ حطما:أسنّ و ضعف،و حطم فلانا أهله:كبر فيهم،كأنّهم بما حمّلوه من أثقالهم صيّروه شيخا محطوما،و حطام الدّنيا:كلّ ما فيها من مال يفنى و لا يبقى.

و حطمة الأسد في المال:عيثه و فرسه،لأنّه يحطمه، و أسد حطوم:يحطم كلّ شيء يدقّه،و كذلك ريح حطوم.

و إبل و غنم حطمة:كثيرة تحطم الأرض بخفافها و أظلافها،و تحطم شجرها و بقلها فتأكله.يقال:لا تحطم علينا المرتع،أي لا ترع عندنا فتفسد علينا المرعى.

و الحطميّة:دروع تنسب إلى بطن من عبد القيس، يقال لهم:حطمة بن محارب،كانوا يعملون الدّروع،و هي الّتي تحطم السّيوف.

و نار حطمة:شديدة،اسم من أسماء النّار،من الحطم الّذي هو الكسر و الدّقّ،لأنّها تحطم كلّ شيء.

و رجل حطمة:كثير الأكل،و رجل حطم و حطم:

لا يشبع،لأنّه يحطم كلّ شيء،و رجل حطم و حطمة:

قليل الرّحمة للماشية،يهشم بعضها ببعض.

و حطمة السّيل:مثل طحمته،و هي دفعته.

و الحطمة و الحطمة و الحاطوم:السّنة الشّديدة،لأنّها تحطم كلّ شيء.يقال:أصابتهم حطمة،أي سنة و جدب.

ص: 626

و الحطيم:حجر مكّة ممّا يلي الميزاب،سمّي بذلك لانحطام النّاس عليه،أي تزاحمهم و تدافعهم.

2-و استحدث المعاصرون اصطلاح«حطام الطّائرة»، و«حطام السّفينة»،و«حطام الحافلة»،و يعنون بها البقايا الّتي تخلّفت منها بعد سقوطها و غرقها و انقلابها أو اصطدامها،و فصيحه:الرّكام.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها فعل مضارع مرّة،و مصدر-أريد به الاسم-3 مرّات،و اسم مرّتين،في 6 آيات:

1- ...اُدْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ... النّمل:18

2- ...ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً... الزّمر:21

3- لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ

الواقعة:65

4- ...ثُمَّ يَهِيجُ فَتَراهُ مُصْفَرًّا ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً...

الحديد:20

5- كَلاّ لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ الهمزة:4

6- وَ ما أَدْراكَ مَا الْحُطَمَةُ الهمزة:5

يلاحظ أوّلا أنّ فيها ثلاثة محاور:

المحور الأوّل:أنّ الحطم في(1)جاء مؤكّدا و منهيّا و مبدلا،و فيه بحوث:

1-قالوا في(لا يحطمنّكم):لا يكسرنّكم،و لا يدوسنّكم،و لا يطأنّكم،و لا يهشمنّكم،و لا يقتلنّكم، و لا يهلكنّكم.و هو عين ما قاله اللّغويّون أو قريب منه، إلاّ القتل و الإهلاك فإنّه بعيد عن اللّغة،و كأنّ قائله نظر بعينه،و صوّر في فكره صورة لأفواج من النّمل تداس بأرجل الخيل،فتقتل جملة.

و لكنّه لو نظر إلى هذا المنظر بعين نملة-و هي تبصر ما لا يبصره الإنسان-لشاهد أطرافا مكسّرة،و رءوسا مهشّمة،و لمّا بعدت النّظرتان،بعد معنى القتل عن الحطم، فالقتل يخصّ الإنسان،و الحطم يخصّ النّمل.

2-أثار الزّمخشريّ مسألة الملازمة بين جملتي اُدْخُلُوا مَساكِنَكُمْ و لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ، و احتمل كون الثّانية جوابا للأولى أو بدلا منها،و قدّر معنى البدل بقوله:«لا تكونوا حيث أنتم فيحطمكم،على طريقة:لا أرينّك هاهنا،أراد لا يحطمنّكم جنود سليمان،فجاء بما هو أبلغ،و نحوه:

*عجبت من نفسي و من إشفاقها*

و ردّه أبو حيّان بأنّ الحطم هنا لا يجوز في جواب الأمر،لوجود نون التّوكيد،و كذا في البدل،لاختلاف مدلولي(ادخلوا)و(لا يحطمنّكم).و قال:«و أمّا قوله:لأنّه في معنى لا تكونوا حيث أنتم فيحطمنّكم،فهذا تفسير معنى لا تفسير إعراب،و البدل من صفة الألفاظ...و أمّا قوله:إنّه أراد لا يحطمنّكم جنود سليمان...إلى آخره، فيسوّغ زيادة الأسماء،و هو لا يجوز،بل الظّاهر إسناد الحطم إليه و إلى جنوده،و هو على حذف مضاف،أي خيل سليمان و جنوده،أو نحو ذلك ممّا يصحّ تقديره».

و قال الآلوسيّ منتصرا للزّمخشريّ: «و قول بعضهم:

«إذا كان المعنى النّهي عن التّوقّف حتّى تحطم يحصل الاتّحاد بين الجملتين»يقتضي أنّه بدل كلّ من كلّ،بناء

ص: 627

على أنّ الأمر بالشّيء عين النّهي عن ضدّه،و على ما ذكر لا حاجة إليه.و بالجملة اعتراض أبي حيّان على وجه الإبدال باختلاف مدلولي الجملتين،ليس في محلّه.

3-قرئ (يحطمنّكم) بقراءات أخر: (يحطمنكم) بتخفيف النّون،و(يحطمكم)بحذف النّون و جزم الميم، و(يحطّمنّكم)و(يحطّمنّكم)بفتح الحاء و كسرها،و أصله:

يحتطمنّكم من الاحتطام،و(يحطّمنّكم)بضمّ الياء و فتح الحاء،و (تحطّمنّكم) كالقراءة السّابقة إلاّ أنّها بالتّاء.

المحور الثّاني:الحطام فيما يؤول إليه الزّرع في(2 -4)و فيها بحوث:

1-فسّروه باليابس و الرّفات و الفتات و الدّقاق و الهشيم و المتكسّر و المتحطّم،يريدون به عامّة النّبات بساقه و ورقه و ثمره و جذره.غير أنّ بعضهم خصّ به نباتا بعينه،قال عطاء:«تبنا لا قمح فيه»،فأوّله بنبات الحنطة.و يقرب منه قول الطّبريّ:«فتات التّبن و الحشيش»،لأنّ التّبن يطلق خاصّة على ما تهشّم من سيقان القمح و الشّعير بعد درسه.

و لكنّ الآيات الثّلاث تتحدّث عن النّبات عامّة؛إذ ورد في(2): ثُمَّ يُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً مُخْتَلِفاً أَلْوانُهُ، و في(3) قبلها: أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ الواقعة:63،و في(4):

كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفّارَ نَباتُهُ.

2-ذكر في(2 و 4)نزول الغيث و إخراج الزّرع و هيجانه و اصفراره ثمّ حطامه،إلاّ أنّ(2)ابتدأت باستفهام إنكاريّ أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسَلَكَهُ يَنابِيعَ فِي الْأَرْضِ؟ و انتهت بتذكير إِنَّ فِي ذلِكَ لَذِكْرى لِأُولِي الْأَلْبابِ، و وقع الجعل فيها على الحطام: ثُمَّ يَجْعَلُهُ حُطاماً. و ابتدأت(4)بذمّ الحياة الدّنيا،و شبّهت بمطر أنبت زرعا أعجب الزّرّاع اِعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ وَ زِينَةٌ وَ تَفاخُرٌ بَيْنَكُمْ وَ تَكاثُرٌ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ كَمَثَلِ غَيْثٍ أَعْجَبَ الْكُفّارَ نَباتُهُ، و انتهت بتهديد و وعيد و ذمّ الدّنيا وَ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ شَدِيدٌ وَ مَغْفِرَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رِضْوانٌ وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ، كما أخبر بأنّ الزّرع سوف يكون حطاما ثُمَّ يَكُونُ حُطاماً.

فجاء في(2)جعله حطاما و في(4)كونه حطاما، و الجعل صريح في إسناده إلى اللّه،دون الكون،فقد جاء نتيجة طبيعيّة لفعل اللّه،و الأمر سهل.

و لم يذكر في(3)إلاّ وقوع الجعل على الحطام كما في (2)،و قد سبقها استفهام إنكاريّ أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ* أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ الواقعة:63 و 64.

3-قال الفخر الرّازيّ: «الفعال في أكثر الأمر يدلّ على مكروه أو منكر،أمّا في المعاني فكالسّبات و الفواق و الزّكام و الدّوار و الصّداع،لأمراض و آفات في النّاس و النّبات.و أمّا في الأعيان فكالجذاذ و الحطام و الفتات، و كذا إذا لحقته الهاء كالبرادة و السّحالة...».

المحور الثّالث:الحطمة جاءت في(5 و 6)على التّوالي للتّهويل و التّشنيع،و فيهما بحوث أيضا:

1-إنّه اسم من أسماء النّار،كما أجمع عليه المفسّرون، إلاّ أنّ بعضهم عدّه الدّرك الرّابع منها.و عدّه آخرون الدّرك السّادس أو غير ذلك.و قال الطّبريّ:«سمّيت بذلك لحطمها كلّ ما ألقي فيها،كما يقال للرّجل الأكول:

الحطمة»،و قال الطّباطبائيّ:«مبالغة من الحطم،و هو

ص: 628

الكسر،و جاء بمعنى الأكل».

2-كرّرت(الحطمة)مرّتين متواليتين تفخيما لشأنها،و توسّطتهما جملة وَ ما أَدْراكَ مَا الّتي تفيد التّفخيم لحال النّار و التّعظيم لأمرها،و نحوه قوله:

سَأُصْلِيهِ سَقَرَ* وَ ما أَدْراكَ ما سَقَرُ المدّثّر:26 و 27،كما وردت بوزن(همزة)،و(لمزة)في الآية الأولى من نفس السّورة وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ، و اختصّت الحطمة بهما،مثلما اختصّت(سقر)بالمجرمين،كقوله: إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ* يَوْمَ يُسْحَبُونَ فِي النّارِ عَلى وُجُوهِهِمْ ذُوقُوا مَسَّ سَقَرَ القمر:47 و 48.

3-قال الزّمخشريّ: «قرئ (الحاطمة) ،يعني أنّها تدخل في أجوافهم حتّى تصل إلى صدورهم،و تطّلع على أفئدتهم».و القراءة المشهورة أنسب للسّياق لفظا و معنى، لأنّ(الحطمة)من صيغ المبالغة،مثل:الأكلة،أي الأكّال، و هو الشّديد الأكل،و الضّحكة،أي الضّحّاك،و هو الشّديد الضّحك.ثم إنّها تشاكل رويّ سائر الآيات.

ثانيا:المحاور الثّلاثة ليست بعيدة عن المعنى اللّغويّ، و هو الكسر و التّفتيت،إلاّ أنّ الأوّل يصوّر صدوره عن الفاعل،و الأخيران يصوّران نتيجة الفعل:إمّا في الطّبيعة و هو مسير كلّ نبات أنبته اللّه،و إمّا في الآخرة كنتيجة للأعمال السّيّئة الّتي تبدّلت نارا تحطم و تحرق كلّ ما ألقي فيها.

و فرق آخر بين الحطام و الحطمة:أنّ الأوّل يصوّر انفعاليّة شديدة،و الثّاني فعاليّة أكيدة،و الأوّل اسم جنس،و الثّاني اسم علم.

ثالثا:لسان الآيات جميعا ذمّ و إدانة في المحاور الثّلاثة،و كلّها مكّيّ،سوى(4)فمدنيّ،و الأولى قصّة و ثلاثة بعدها وصف للطّبيعة،و الأخيرتان وصف للعذاب.

ص: 629

ص: 630

ح ظ ر

اشارة

لفظان،مرّتان،في سورتين مكّيّتين

محظورا 1:1 المحتظر 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحظار:حائط الحظيرة،و الحظيرة تتّخذ من خشب أو قصب.و المحتظر:متّخذها لنفسه،فإذا لم تخصّه بها فهو محظر،و يقال:حاظر من حظر،خفيف.

و كلّ من حظر بينك و بين شيء فقد حظره عليك، قال اللّه تعالى: وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً الإسراء:

20،أي ممنوعا.

و كلّ شيء حجز بين شيئين فهو حجاز و حظار.

(3:196)

أبو عمرو الشّيبانيّ: و يتّخذون أحظارا للسّمك؛ و الواحد:حظر،فإذا دخل فيه السّمك لم يخرج منه،فإذا صادوا ما فيها من السّمك،قالوا:قد بار فلان حظره،و قد جاء البوّار.(1:143)

و الحظر:الغصن،أو بعضه،يسقط فييبس،و الحظر:

الرّطب.(1:189)

أبو عبيد: و يقال للرّجل القليل الخير:إنّه لنكد الحظيرة.أراه سمّى أمواله حظيرة،لأنّه حظرها عنده و منعها،و هي«فعيلة»بمعنى«مفعولة».

(الجوهريّ 2:634)

ابن دريد :حظرت الشّيء أحظره حظرا فهو محظور،إذا حزته.

و الحظار:ما حظرته على غنم و غيرها بأغصان الشّجر أو بما كان،و هي الحظيرة و الحظر.[ثمّ استشهد بشعر]

و جاء فلان بالحظر الرّطب.

و يقال للكذّاب أيضا:جاء بالحظر الرّطب،إذا جاء بكذب مستشنع.

و يقال للنّمّام:فلان يوقد في الحظر الرّطب.

و المحظار:ضرب من الذّباب.(2:138)

و الحظربة:الضّيق في المعاش.(3:302)

ص: 631

الأزهريّ: [نقل قول اللّيث ثمّ قال:]

قلت:و سمعت العرب تقول للجدار من الشّجر -يوضع بعضه على بعض ليكون ذرى للمال،يردّ عنه برد الشّمال في الشّتاء-حظار بفتح الحاء،و قد حظّر فلان على نعمه.[إلى أن قال]

و يقال للحطب الرّطب الّذي يحظر به:الحظر.[ثمّ استشهد بشعر]

و في حديث أكيدر دومة:«و لا يحظر عليكم النّبات» يقول:لا تمنعون من الزّراعة حيث شئتم.و يجوز أن يكون معناه:لا يحمى عليكم المرتع.

و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«لا حمى في أراك» فقال له رجل:أراكة في حظاري،فقال:«لا حمى في الأراك».

رواه شمر و قيّده بخطّه«في حظاري»بكسر الحاء، و قال:أراد بحظار الأرض الّتي فيها الزّرع المحاط عليه.(4:454)

الصّاحب:الحظار:حائط الحظيرة تتّخذ من خشب أو قصب،و صاحبها:محتظر إذا اتّخذها لنفسه،فإذا لم يختصّ بها فهو محظّر.

و كلّ ما حال بينك و بين شيء فقد حظره عليك.

و الحظارة:بمعنى الحظيرة.

و الحظر:الشّجر ذو الشّوك يحظر به على الشّاء و غيرها.

و مشى فلان بين الحيّ بالحظر الرّطب،أي بالنّمائم و الكذب.و قيل:بمال كثير،و قيل:بالخيبة.

و الحظار بفتح الحاء:ما حال بينك و بين المكان أن تدخله.

و المحظار:ضرب من الذّباب،و لا أحقّه.(3:59)

الجوهريّ: الحظر:الحجر،و هو خلاف الإباحة.

و المحظور:المحرّم.

و الحضار:الحظيرة تعمل الإبل من شجر،لتقيها الرّيح و البرد.

و المحتظر:الّذي يعمل الحظيرة.

و قرئ: (كهشيم المحتظر) ،فمن كسره جعله الفاعل،و من فتحه جعله المفعول به.[ثمّ ذكر قول أبي عبيد](2:634)

ابن فارس: الحاء و الظّاء و الرّاء أصل واحد يدلّ على المنع.يقال:حظرت الشّيء أحظره حظرا،فأنا حاظر و الشّيء محظور.قال اللّه تعالى: وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً الإسراء:20.و الحظار:ما حظر على غنم أو غيرها بأغصان،أو شيء من رطب شجر أو يابس، و لا يكاد يفعل ذلك إلاّ بالرّطب منه ثمّ ييبس،و فاعل ذلك:المحتظر.قال اللّه تعالى: فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ القمر:31،أي الّذي يعمل الحظيرة للغنم، ثمّ ييبس ذلك فيتهشّم.

و يقال:جاء فلان بالحظر الرّطب،إذا جاء بالكذب المستشنع.و يقال:هو يوقد في الحظر،إذا كان ينمّ،و قد مضى شاهده (1).(2:80)

أبو هلال :الفرق بين المحظور و الحرام:أنّ الشّيء يكون محظورا إذا نهى عنه ناه و إن كان حسنا،كفرض».

ص: 632


1- *و لم تمش بين النّاس بالحطب الرّطب* و روي أيضا«بالحظر الرّطب».

السّلطان التّعامل ببعض النّقود،أو الرّعي ببعض الأرضين و إن لم يكن قبيحا.و الحرام لا يكون إلاّ قبيحا، و كلّ حرام محظور و ليس كلّ محظور حراما.

و المحظور يكون قبيحا إذا دلّت الدّلالة على أنّ من حظره لا يحظر إلاّ القبيح،كالمحظور في الشّريعة،و هو ما أعلم المكلّف أو دلّ على قبحه،و لهذا لا يقال:إنّ أفعال البهائم محظورة و إن وصفت بالقبح.

و قال أبو عبد اللّه الزبيريّ: الحرام يكون مؤبّدا، و المحظور قد يكون إلى غاية.

و فرّق أصحابنا بين قولنا:«و اللّه لا آكله»فقالوا:إذا حرّمه على نفسه حنث بأكل الخبز.و إذا قال:«و اللّه لا آكله»لم يحنث حتّى يأكله كلّه.و جعلوا تحريمه على نفسه بمنزلة قوله:«و اللّه لا آكل منه شيئا».(190)

ابن سيده: حظر الشّيء يحظره حظرا و حظارا، و حظر عليه:منعه.و كلّ من حال بينك و بين شيء فقد حظره عليك،و في التّنزيل: وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً الإسراء:20.

و قول العرب:لا حظار على الأسماء،يعني أنّه لا يمنع أحد أن يسمّي بما شاء أو يتسمّى به.

و حظر عليه حظرا:حجز و منع.

و الحظيرة:جرين التّمر-نجديّة-لأنّه يحظره و يحصره.

و الحظيرة:ما أحاط بالشّيء،و هي تكون من قصب و خشب.[ثمّ استشهد بشعر]

و كلّ ما حال بينك و بين الشّيء فهو حظار و حظار.

و احتظر القوم و حظروا:اتّخذوا حظيرة.

و حظروا أموالهم:حبسوها في الحظائر من تضييق.

و الحظر:الشّجر المحتظر به،و قيل:الشّوك الرّطب.

و وقع في الحظر الرّطب،إذا وقع فيما لا طاقة له به، و أصله:أنّ العرب تجمع الشّوك الرّطب فتحظّر به،فربّما وقع فيه الرّجل فنشب فيه،فشبّهوه بهذا.

و جاء بالحظر الرّطب،أي بكثرة من المال و النّاس، و قيل:بالكذب المستشنع.

و أوقد في الحظر الرّطب:نمّ.

و حظيرة القدس:الجنّة.

و المحظار:ذباب أخضر يلسع،كذباب الآجام.

(3:282)

الرّاغب: الحظر:جمع الشّيء في حظيرة.

و المحظور:الممنوع.

و المحتظر:الّذي يعمل الحظيرة.قال تعالى: فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ القمر:31.

و قد جاء فلان بالحظر الرّطب،أي الكذب المستبشع.(123)

الزّمخشريّ: النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم سأله أبيض بن حمّال عن حمى الأراك،فقال:«لا حمى في الأراك».فقال:أراكة في حظاري.قال:«لا حمى في الأراك».أراد أرضا قد حظرها و حوّط عليها.و فيه لغتان:الفتح و الكسر،و حين أحياها كانت تلك الأراكة فيها.(الفائق 1:292)

حظر عليه كذا:حيل بينه و بينه، وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً الإسراء:20.

و هذا محظور:غير مباح.

و الغنم في الحظيرة و في المحتظر.

ص: 633

و احتظر لغنمه:اتّخذ حظيرة،و حظارة:ما يحظر به من السّعف و القصب،و هو حائط الحظيرة.

(أساس البلاغة:88)

الطّبرسيّ: المحتظر:الّذي يعمل على بستانه أو غنمه،و هو المنع من الفعل.(5:190)

المدينيّ: و الحظار:حائط الحظيرة المتّخذ من خشب أو قصب،و المحتظر:الّذي يتّخذها لنفسه،فإن اتّخذها لغيره فهو محظّر و حاظر.و أصل الحظر:المنع.

(1:465)

ابن الأثير: «لا يلج حظيرة القدس مدمن خمر».

أراد بحظيرة القدس:الجنّة،و هي في الأصل:الموضع الّذي يحاط عليه لتأوي إليه الغنم و الإبل،يقيهما البرد و الرّيح.

و منه الحديث:«لا حمى في الأراك»فقال له رجل:

أراكة في حظاري.أراد الأرض الّتي فيها الزّرع المحاط عليها كالحظيرة.و تفتح الحاء و تكسر.

و كانت تلك الأراكة الّتي ذكرها في الأرض الّتي أحياها قبل أن يحييها،فلم يملكها بالإحياء و ملك الأرض دونها؛إذ كانت مرعى للسّارحة.

و منه الحديث:«أتته امرأة فقالت:يا نبيّ اللّه ادع اللّه لي فلقد دفنت ثلاثة،فقال:لقد احتظرت بحظار شديد من النّار».

و الاحتظار:فعل الحظار،أراد لقد احتميت بحمى عظيم من النّار،يقيك حرّها و يؤمنك دخولها.

و منه حديث مالك بن أنس:«يشترط صاحب الأرض على المساقي شدّ الحظار»يريد به حائط البستان.

و في حديث أكيدر:«لا يحظر عليكم النّبات»أي لا تمنعون من الزّراعة حيث شئتم.و الحظر:المنع،و منه قوله تعالى: وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً الإسراء:

20.

و كثيرا ما يرد في الحديث ذكر المحظور،و يراد به:

الحرام.و قد حظرت الشّيء،إذا حرّمته.و هو راجع إلى المنع.(1:404)

الفيّوميّ: حظرته حظرا،من باب«قتل»:منعته.

و حظرته:حزته.

و يقال لما حظر به على الغنم و غيرها من الشّجر ليمنعها و يحفظها:حظيرة؛و جمعها:حظائر و حظار،مثل:

كريمة و كرائم و كرام.

و احتظرتها،إذا عملتها؛فالفاعل:محتظر.(1:141)

الفيروزآباديّ: حظر الشّيء،و عليه:منعه، و حجر،و اتّخذ حظيرة،كاحتظر،و المال:حبسه فيها، و الشّيء:حازه.

و الحظيرة:جرين التّمر،و المحيط بالشّيء،خشبا أو قصبا.

و الحظار:ككتاب:الحائط،و يفتح،و ما يعمل للإبل من شجر ليقيها البرد.

و ككتف:الشّجر المحتظر به،و الشّوك الرّطب.

و وقع في الحظر الرّطب،أي فيما لا طاقة له به.

و أوقد فيه،أي نمّ.

و جاء به،أي بكثرة من المال و النّاس،أو بالكذب المستبشع.

و حظيرة القدس:الجنّة.

و المحظار:ذباب أخضر.

ص: 634

و زمن التّحظير:إشارة إلى ما فعل عمر من قسمة وادي القرى بين المسلمين و بين بني عذرة،و ذلك بعد إجلاء اليهود.

و الحظيرة:بلد من عمل دجيل.

و الحظائر:موضع باليمامة.

و هو نكد الحظيرة:قليل الخير.

و المحظور:المحرّم وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً الإسراء:20،أي مقصورا على طائفة دون أخرى.

(2:11)

الطّريحيّ: الحظر:المنع...و منه حديث المولى:«إذا امتنع من الطّلاق كان أمير المؤمنين يجعله في حظيرة من قصب يحبسه فيها».

و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«الثّابت على سنّتي معي في حظيرة القدس»أي في الجنّة،و مثله:«لا يلج حظيرة القدس مدمن الخمر».

و حظيرة المحاريب:بيت المقدس في القديم.

و المحظور:المحرّم.و الحظر:الحجر،و هو خلاف الإباحة.

و في حديث المعيشة:«من آجر نفسه فقد أحظر على نفسه الرّزق»أي منع،من قوله:حظرته حظرا،من باب «قتل»:منعته.

و في الحديث:«وصّى بناقته أن يحظر لها حظارا» الحظار بالكسر مثل الحظيرة تعمل للإبل،كما تقدّم.

(3:273)

مجمع اللّغة :الحظر:المنع،حظره يحظره حظرا.

فالشّيء محظور.

المحتظر:صانع الحظيرة المتّخذة من الشّجر،لتقي الإبل و الدّوابّ البرد و الرّيح.(1:271)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حظر:منع،و المحظور:

الممنوع المحرّم.

و المحتظر هو الّذي يقيم في حظيرة للماشية من عيدان الشّجر اليابس المفتّت و«هشيم المحتظر»هو ما تفتّت و تهشّم من الشّجر اليابس،عند ما يعمل المحتظر حظيرة و زريبة الماشية منه.(1:138)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الحقيقة في هذه المادّة:

هي المحدوديّة،أي جعل شيء مجتمعا محدودا و محتازا.

و الفرق بينها و بين المنع و الجمع و الحدّ:أنّ المنع هو إيجاد المانع عن سريان شيء و جريانه و حركته عن خارج،و الحدّ قريب منه.و النّظر في الجمع إلى الأفراد في مقابل الفرق.

فيعتبر في الحظر كلتا الوجهتين من المحدوديّة و الممنوعيّة.[ثمّ ذكر آيات](2:266)

النّصوص التّفسيريّة

محظورا

كُلاًّ نُمِدُّ هؤُلاءِ وَ هَؤُلاءِ مِنْ عَطاءِ رَبِّكَ وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً الإسراء:20

ابن عبّاس: محبوسا عن البرّ و الفاجر.(235)

ممنوعا.(الماورديّ 3:237)

نحوه الحسن(ابن كثير 4:297)،و ابن زيد(الطّبريّ 15:61)،و الطّوسيّ(6:463)،و الواحديّ(3:102)، و البغويّ(3:126)،و ابن الجوزيّ(5:21)،و القرطبيّ

ص: 635

(10:236).

قتادة :منقوصا.(الطّبريّ 15:60)

مثله ابن كثير.(4:297)

الطّبريّ: يقول:و ما كان عطاء ربّك الّذي يؤتيه من يشاء من خلقه في الدّنيا ممنوعا عمّن بسطه عليه،لا يقدر أحد من خلقه منعه من ذلك،و قد آتاه اللّه إيّاه.

(15:60)

نحوه الفخر الرّازيّ.(20:181)

الزّمخشريّ: ممنوعا،لا يمنعه من عاص لعصيانه.(2:443)

نحوه البيضاويّ(1:581)،و الشّربينيّ(2:293)، و شبّر(4:15).

ابن عطيّة: أي إنّ رزقه في الدّنيا لا يضيق عن مؤمن و لا كافر،و قلّما تصلح هذه العبارة لمن يمدّ بالمعاصي الّتي توبقه،و المحظور:الممنوع.(3:446)

الطّبرسيّ: معناه:و ما كان رزق ربّك محبوسا عن الكافر لكفره،و لا عن الفاسق لفسقه.

سؤال:فإن قيل:هل يجوز أن يريد المكلّف بعمله العاجل و الآجل؟

و الجواب:نعم،إذا جعل العاجل تبعا للآجل، كالمجاهد في سبيل اللّه،يقاتل لإعزاز الدّين،و يجعل الغنيمة تبعا.(3:407)

أبو السّعود :ممنوعا ممّن يريده بل هو فائض على من قدّر له بموجب المشيئة المبنيّة على الحكمة،و إن وجد منه ما يقتضي الحظر كالكافر،و هو في معنى التّعليل لشموله الإمداد للفريقين.و التّعرّض لعنوان الرّبوبيّة في الموضعين للإشعار بمبدئيّتها لما ذكر من الإمداد و عدم الحظر.(4:121)

نحوه البروسويّ(5:145)،و الآلوسيّ(15:48).

المراغيّ: أي إنّ كلاّ من الفريقين مريدي العاجلة و مريدي الآجلة السّاعي لها سعيها و هو مؤمن،يمدّه ربّه بعطائه و يوسّع عليه الرّزق،و يكثر الأولاد و غيرهما من زينة الدّنيا،فإنّ عطاءه ليس بالممنوع من أحد من خلقه مؤمنا كان أو كافرا،فكلّهم مخلوق في دار العمل،فوجب إزالة العذر و رفع العلّة،و إيصال متاع الدّنيا إليهم،على القدر الّذي يقتضيه صلاحهم.

ثمّ تختلف أحوال الفريقين،ففريق العاجلة إلى جهنّم و بئس المهاد،و فريق الآجلة إلى جنّات تجري من تحتها الأنهار،و نعم عقبى الدّار.(15:28)

الطّباطبائيّ: أي ممنوعا،و الحظر:المنع،فأهل الدّنيا و أهل الآخرة مستمدّون من عطائه،منعّمون بنعمته،ممنونون بمنّته.(13:68)

المصطفويّ: أي و ما كان نواله و دفعه شيئا محدودا بحدود،و ممنوعا من مانع خارجيّ.(2:266)

المحتظر

إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ القمر:31

ابن عبّاس: فصاروا كالشّيء الّذي داسته الغنم في الحظيرة.(449)

و المعنى:أنّهم بادوا و هلكوا فصاروا كيبيس الشّجر المفتّت إذا تحطّم.(الطّبرسيّ 5:192)

ص: 636

كالعظام المحترقة.

نحوه قتادة.(الطّبريّ 27:103)

سعيد بن جبير: إنّه التّراب الّذي يتناثر من الحائط و تصيبه الرّيح،فيحتظر مستديرا.

(الماورديّ 5:417)

الضّحّاك: الحظيرة تتّخذ للغنم فتيبس،فتصير كهشيم المحتظر،هو الشّوك الّذي تحظر به العرب حول مواشيها من السّباع.(الطّبريّ 27:103)

أنّها الحظار البالية من الخشب إذا صار هشيما.[ثمّ استشهد بشعر](الماورديّ 5:417)

السّدّيّ: هو المرعى بالصّحراء حين ييبس و يحترق،و تسفيه الرّيح.(ابن كثير 6:476)

الثّوريّ: هو ما تناثر من الحظيرة إذا ضربتها بالعصا،و هو«فعيل»بمعنى«مفعول».

(القرطبيّ 17:142)

ابن زيد :(الهشيم):اليابس من الشّجر الّذي فيه الشّوك،و(المحتظر):الّذي تحظر به العرب حول ماشيتها من السّباع.(الماورديّ 5:417)

الفرّاء: الّذي يحتظر على هشيمه.و قرأ الحسن وحده (كهشيم المحتظر) فتح الظّاء،فأضاف الهشيم إلى (المحتظر)و هو كما قال: إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ الواقعة:95،و الحقّ هو اليقين،و كما قال: وَ لَدارُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ يوسف:109،فأضاف الدّار إلى الآخرة، و هي الآخرة،و(الهشيم):الشّجر إذا يبس.(3:108)

أبو عبيدة :صاحب الحظيرة،و(المحتظر)هو الحظار،و(الهشيم):ما يبس من الشّجر أجمع.(2:241)

ابن قتيبة:و الهشيم:يابس النّبت الّذي يتهشّم، أي يتكسّر.

و المحتظر:صاحب الحظيرة.و كأنّه يعني صاحب الغنم الّذي يجمع الحشيش في الحظيرة لغنمه.

و من قرأ (المحتظر) بفتح الظّاء،أراد الحظار،و هو الحظيرة.

و يقال:(المحتظر)هاهنا:الّذي يحظر على غنمه و بيته بالنّبات،فييبس و يسقط،و يصير هشيما بوطء الدّوابّ و النّاس.(434)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:فكانوا بهلاكهم بالصّيحة بعد نضارتهم أحياء،و حسنهم قبل بوارهم كيبس الشّجر الّذي حظرته بحظير،حظرته بعد حسن نباته،و خضرة ورقه قبل يبسه.

و قد اختلف أهل التّأويل في المعنيّ بقوله: كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ فقال بعضهم:عنى بذلك العظام المحترقة، و كأنّهم وجّهوا معناه إلى أنّه مثل هؤلاء القوم بعد هلاكهم و بلائهم بالشّيء الّذي أحرقه محرق في حظيرته.

و قال آخرون:بل عني بذلك التّراب الّذي يتناثر من الحائط.

و قال آخرون:بل هو حظيرة الرّاعي للغنم.

و قال آخرون:بل هو الورق الّذي يتناثر من خشب الحطب.(27:102)

الزّجّاج: اَلْمُحْتَظِرِ بكسر الظّاء،و يقرأ(المحتظر) بفتح الظّاء،و(الهشيم):ما يبس من الورق و تكسّر و تحطّم،أي فكانوا كالهشيم الّذي يجمعه صاحب الحظيرة،أي بلغ الغاية في الجفاف،حتّى بلغ إلى أن يجمع

ص: 637

ليوقد.

و من قرأ (المحتظر) بفتح الظّاء فهو اسم للحظيرة، المعنى كهشيم المكان الّذي يحتظر فيه الهشيم.

و من قرأ (المحتظر) بكسر الظّاء نسبة إلى الّذي يجمع الهشيم من الحطب في الحظيرة،فإنّ ذلك المحتظر،لأنّه فاعل.(5:90)

الطّوسيّ: أي صاروا كالهشيم،و هو المنقطع بالتّكسير و التّرضيض،هشم أنفه يهشمه إذا كسره، و منه الهاشمة و هي شجّة مخصوصة.و الهشم هاهنا:يبس الشّجر المتفتّت الّذي يجمعه صاحب الحظيرة، و(المحتظر):المبتني حظيرة على بستانه أو غيره،تقول:

احتظر احتظارا،و هو من الحظر،و هو المنع من الفعل بحائط أو غيره،و قد يكون الحظر بالنّهي.و قرئ بفتح الظّاء و هو المكان الّذي يحتظر فيه الهشيم.و قيل:الهشيم:

حشيش يابس متفتّت يجمعه المحتظر.(9:455)

الواحديّ: الهشيم:حطام الشّجر و البقل،و المحتظر:

الّذى يتّخذ لغنمه حظيرة يمنعها من برد الرّيح.يقال:

احتظر على غنمه،إذا جمع الشّجر و وضع بعضها فوق بعض.

و المعنى:أنّهم بادوا و أهلكوا،فصاروا كيبيس الشّجر إذا تحطّم.(4:211)

نحوه الطّبرسيّ.(5:192)

الزّمخشريّ: و الهشيم:الشّجر اليابس المتهشّم المتكسّر،و المحتظر:الّذي يعمل الحظيرة.و ما يحتظر به ييبس بطول الزّمان،و تتوطّؤه البهائم،فيتحطّم و يتهشّم.

و قرأ الحسن بفتح الظّاء،و هو موضع الاحتظار،أي الحظيرة.(4:40)

نحوه النّسفيّ.(4:204)

ابن عطيّة: و قرأ النّاس: كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ بكسر الظّاء،و معناه الّذي يصنع حظيرة من الرّعاء و نحوهم، قاله أبو إسحاق السّبيعيّ و الضّحّاك و ابن زيد،و هي مأخوذة من الحظر و هو المنع.و العرب و أهل البوادي يصنعونها للمواشي و للسّكنى أيضا،من الأغصان و الشّجر المورق و القصب و نحوه.

و هذا كلّه هشيم يتفتّت إمّا في أوّل الصّنعة،و إمّا عند بلى الحظيرة و تساقط أجزائها.[ثمّ نقل أقوال المفسّرين إلى أن قال:]

و قد روي عن سعيد بن جبير أنّه فسّر كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ بأن قال:هو التّراب الّذي سقط من الحائط البالي.

و هذا متوجّه،لأنّ الحائط حظيرة،و السّاقط هشيم...

و ما ذكرناه عن ابن عبّاس و قتادة هو على قراءة كسر الظّاء،و في هذا التّأويل بعض البعد.

و قال قوم:(المحتظر)بالفتح:الهشيم نفسه،و هو «مفتعل»،و هو كمسجد الجامع و شبهه.(5:218)

ابن الجوزيّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و المراد من جميع ذلك:أنّهم بادوا و هلكوا حتّى صاروا كالشّيء المتحطّم.(8:98)

الفخر الرّازيّ: المسألة الثّالثة:لما ذا شبّههم به؟

قلنا:يحتمل أن يكون التّشبيه بكونهم يابسين كالحشيش بين الموتى الّذين ماتوا من زمان،و كأنّه يقول:

ص: 638

سمعوا الصّيحة فكانوا كأنّهم ماتوا من أيّام.

و يحتمل أن يكون لأنّهم انضمّوا بعضهم إلى بعض، كما ينضمّ الرّفقاء عند الخوف داخلين بعضهم في بعض، فاجتمعوا بعضهم فوق بعض كحطب الحاطب الّذي يصفّه شيئا فوق شيء،منتظرا حضور من يشتري منه شيئا،فإنّ الحطّاب الّذي عنده الحطب الكثير يجعل منه كالحظيرة.

و يحتمل أن يكون ذلك لبيان كونهم في الجحيم،أي كانوا كالحطب اليابس الّذي للوقيد،فهو محقّق لقوله تعالى: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ الأنبياء:98،و قوله تعالى: فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً الجنّ:15،و قوله: أُغْرِقُوا فَأُدْخِلُوا ناراً نوح:

25،كذلك ماتوا فصاروا كالحطب الّذي لا يكون إلاّ للإحراق،لأنّ الهشيم لا يصلح للبناء.(29:56)

نحوه الشّربينيّ.(4:150)

البيضاويّ: كالشّجر اليابس المتكسّر الّذي يتّخذه من يعمل الحظيرة لأجلها،أو كالحشيش اليابس الّذي يجمعه صاحب الحظيرة لماشيته في الشّتاء.

(2:438)

مثله أبو السّعود(6:169)،و نحوه الكاشانيّ(5:103)، و شبّر(6:121)،و البروسويّ(2:278)،و القاسميّ (15:5602)

أبو حيّان : كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ و هو ما تفتّت و تهضّم من الشّجر.و(المحتظر)الّذي يعمل الحظيرة، فإنّه تتفتّت منه حالة العمل،و تتساقط أجزاء ممّا يعمل به،أو يكون الهشيم:ما يبس من الحظيرة بطول الزّمان، تطؤه البهائم فيتهشّم.(8:181)

ابن كثير :أي فبادوا عن آخرهم،لم تبق منهم باقية،و خمدوا و همدوا كما يهمد يبيس الزّرع و النّبات، قاله غير واحد من المفسّرين.(6:476)

الآلوسيّ: أي كالشّجر اليابس الّذي يجمعه صاحب الحظيرة لماشيته في الشّتاء.

[و نقل كلام أبي حيّان و أضاف:]و تعقّب هذا بأنّ الأظهر عليه كهشيم الحظيرة،و الحظيرة:الزّريبة الّتي تصنعها العرب و أهل البوادي للمواشي و السّكنى،من الأغصان و الشّجر المورق و القصب،من الحظر و هو المنع.

و قرأ الحسن و أبو حيوة و أبو السّمال و أبو رجاء و عمرو بن عبيد (المحتظر) بفتح الظّاء،على أنّه اسم مكان،و المراد به:الحظيرة نفسها،أو هو اسم مفعول.

قيل:و يقدّر له موصوف،أي كهشيم الحائط المحتظر،أو لا يقدّر على أنّ المحتظر الزّريبة نفسها،كما سمعت.

و جوّز أن يكون مصدرا،أي كهشيم الاحتظار،أي ما تفتّت حالة الاحتظار.(27:90)

الطّباطبائيّ: (المحتظر):صاحب الحظيرة،و هي كالحائط يعمل ليجعل فيه الماشية،و«هشيم المحتظر:» الشّجر اليابس و نحوه،يجمعه صاحب الحظيرة لماشيته، و المعنى ظاهر.(19:81)

مكارم الشّيرازيّ: (المحتظر)في الأصل من «حظر»،على وزن«حفز»بمعنى المنع،و لذلك فإنّ إعداد الحظائر للحيوانات و المواشي تكون مانعة لها من الخروج و لدرء المخاطر عنها؛و مفردها:الحظيرة،و محتظر:على

ص: 639

وزن«محتسب»و هو الشّخص الّذي يملك مثل هذا المكان.

و الاستعراض الّذي ذكرته الآية الكريمة حول عذاب قوم ثمود عجيب جدّا،و معبّر للغاية؛حيث لم يرسل اللّه لهم جيوشا من السّماء أو الأرض للتّنكيل بهم، و إنّما كان عذابهم بالصّيحة السّماويّة العظيمة،فكانت صاعقة رهيبة،أخمدت الأنفاس،و كان انفجارا هائلا حطّم كلّ شيء في قريتهم،إذ وصلت إشعاعات موجه القاتلة إليها،فأصبحت بيوتهم و قصورهم كحظيرة المواشي،و أجسادهم المحطّمة كالنّبات اليابس المرضوض المهشّم.(17:305)

المصطفويّ: و الاحتضار هو قصد الحظر و اختياره،و المحتظر:من يختار و يريد أن يوجد حظرا و حظيرة،و الحظيرة:هي المحيط المحدود الممنوع.

و لمّا كان الاعتبار و التّوجّه في الحظيرة إلى جهة المحدوديّة و الممنوعيّة فقط،فتتّخذ من القصب و الشّجر و أمثالهما،كما أنّ الملحوظ في البيت جهة البيتوتة،و في الحياط جهة الإحاطة،و في الدّار جهة الإدارة.

و الهشيم:كلّ شجر يابس متكسّر،و إضافته إلى (المحتظر)لأنّه يعمل منه الحظيرة.و لعلّ المناسبة،كون أجسادهم اليابسة المتكسّرة وسيلة لإدامة عيش المؤمنين و اجتماعهم و حفظ نظامهم؛حيث هلكت أعداؤهم، و ارتفعت الموانع و المزاحمة و العداوة.(2:266)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحظار،أي الحظيرة،و هي ما أحاط بالشّيء من قصب و خشب و شجر،يعمل للإبل لتقيها البرد و الرّيح.و الحظار و الحظار:حائط الحظيرة، و ما يوضع من الشّجر بعضه على بعض ليكون درى للمال،يردّ عنه برد الشّمال في الشّتاء،و قد حظر فلان على نعمه،و رجل محتظر:اتّخذ لنفسه حظيرة،و احتظر القوم و حظروا:اتّخذوا حظيرة،و حظروا أموالهم:حبسوها في الحظائر من تضييق.

و الحظيرة:جرين التّمر.قال ابن سيده:«نجديّة، لأنّه يحظره و يحصره،و حظيرة القدس:الجنّة».

و الحظر:الشّجر المحتظر به،و الشّوك الرّطب.يقال:

وقع في الحظر الرّطب،أي وقع في ما لا طاقة له به،و جاء بالحظر الرّطب،أي بكثرة من المال و النّاس،و الكذب المستشنع،و أوقد في الحظر الرّطب:نمّ.

و كلّ ذلك ممّا تجوّزوا فيه،و منه أيضا:إنّه لنكد الحظيرة،يقال ذلك للرّجل القليل الخير،سمّى أمواله حظيرة،لأنّه حظرها عنده و منعها«فعيلة»بمعنى «مفعولة».

ثمّ توسّع فيه،و استعمل في كلّ منع.يقال:حظر عليه حظرا،أي حجر و منع،و حظرت الشّيء:حرّمته، و المحظور:المحرّم.يقال:حظر الشّيء يحظره حظرا و حظارا.

2-و المحظار:ذباب أخضر يلسع كذباب الآجام، و لعلّه ممّا يكثر الحظر عليه،أي المنع،لأنّ«مفعالا»من صيغ المبالغة.و لم يتعرّض له ابن فارس،و لم يثبته الصّاحب،فقال بعد ذكره:«و لا أحقّه».

3-و الحظر في الفقه:ما يثاب بتركه و يعاقب على

ص: 640

فعله،و في الاقتصاد:المنع الّذي تفرضه دولة أو عدّة دول على دولة أو دول أخرى،لعزلها أو إضعافها.و هو إمّا حقّ مشروع،كالحظر الاقتصاديّ الّتي تفرضه الجامعة العربيّة على إسرائيل،و إمّا باطل موضوع، كالحظر الّذي تمارسه أمريكا و حلفاؤها ضدّ الدّول ذات السّيادة،و منها إيران.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«محظور و المحتظر»كلّ واحد مرّة في آيتين:

1- وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً الإسراء:20

2- إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ صَيْحَةً واحِدَةً فَكانُوا كَهَشِيمِ الْمُحْتَظِرِ القمر:31

يلاحظ أوّلا:أنّ في(1)بحوثا:

1-أجمعوا على أنّ(محظورا)يعني ممنوعا أو محبوسا، إلاّ قتادة فإنّه قال:«منقوصا»،و هو بعيد في اللّغة.و لعلّه أراد به قوله تعالى: وَ إِنّا لَمُوَفُّوهُمْ نَصِيبَهُمْ غَيْرَ مَنْقُوصٍ هود:109.

2-لفظ(محظور)هنا من بدائع الكلام؛حيث لا يقوم مقامه لفظ من مترادفاته،نحو:ممنوع و مردود و مصروف و محجوب و محجور و محجوز و غيرها،لأنّ المحظور «مفعول»من:حظر ماله:حبسه في الحظيرة،فكأنّه يقول:ليس عطاء ربّك محظورا بحظار أو حظيرة،فلا يسيّج بسياج،و لا يرتج برتاج،بل يشمل القاصي و الدّاني،و المحسن و الجاني.

3-إن قيل:ما حكمة شمول عطائه تعالى المؤمن و الكافر؟فهلاّ مدّ به المؤمن فيقوى على طاعته،و منع عن الكافر فيضعف في معصيته؟

فيقال:إنّ الدّنيا دار محنة و عمل،فينبغي التّمتّع بلذّاتها على قدر مقدّر لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ النّساء:165،ثمّ إنّ مدّ المؤمن دون الكافر من عطاء اللّه،انحاز الكافر إلى جبهة الإيمان طمعا فيه، فيكون دافعه إلى الإيمان مادّيّا،فيغبن المؤمن الحقيقيّ حينئذ و يظلم.

ثانيا:في(2)بحوث أيضا:

1-اختلفوا في(المحتظر)على قولين:الأوّل:الحظيرة، و هو قول المتقدّمين،كابن عبّاس و الضّحّاك و الثّوريّ و ابن زيد.و الثّاني:صاحب الحظيرة،و هو قول من تلاهم و كذا المتأخّرين،كالفرّاء و أبي عبيدة و ابن قتيبة و الزّجّاج و الطّوسيّ و الواحديّ و الزّمخشريّ و ابن عطيّة و البيضاويّ و الطّباطبائيّ.

و القول الثّاني هو المشهور في اللّغة،و لذا قال به من تكلّم فيه من المفسّرين،أو من كان ذا حسّ لغويّ من المفسّرين،كما ترى.

و هناك أيضا قولان غير مشهورين،و هما:العظام المحترقة،و هو أحد قولي ابن عبّاس،قال الطّبريّ:

«و كأنّهم وجّهوا معناه إلى أنّه مثل هؤلاء القوم بعد هلاكهم و بلائهم بالشّيء الّذي أحرقه محرق في حظيرته».و التّراب الّذي يتناثر من الحائط و تصيبه الرّيح،فيحتظر مستديرا،و هو قول سعيد بن جبير.

2-القراءة المشهورة في(المحتظر)بكسر الظّاء و هو ظاهر في صاحب الحظيرة،و قرئ بالفتح أيضا،أي الحظار،و هو الحظيرة،و يراد به المكان الّذي يحتظر فيه

ص: 641

الهشيم،ف(المحتظر)-على هذه القراءة-هو الهشيم نفسه، فأضيف إليه،كقوله تعالى: إِنَّ هذا لَهُوَ حَقُّ الْيَقِينِ الواقعة:95،و كلاهما بمعنى،لأنّ الحقّ هو اليقين، و كقولهم:مسجد الجامع.

و لعلّ المتقدّمين فسّروا(المحتظر)بالحظيرة وفقا لهذه القراءة،أي قراءة الفتح،و اللّه أعلم.

3-قوله:«هشيم المحتظر»تشبيه-أي كالنّبات المنكسر الّذي جمعه المحتظر في حظيرته للأنعام-و قد وصف تعالى حال ثمود و نزول العذاب عليهم بأنماط شتّى،كقوله: فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ* كَأَنْ لَمْ يَغْنَوْا فِيها هود:67 و 68 و 94 و 95،و أَنّا دَمَّرْناهُمْ وَ قَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ* فَتِلْكَ بُيُوتُهُمْ خاوِيَةً بِما ظَلَمُوا النّمل:51 و 52،و فَأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ الذّاريات:44،و فَدَمْدَمَ عَلَيْهِمْ رَبُّهُمْ بِذَنْبِهِمْ فَسَوّاها الشّمس:14 و غيرها.

ص: 642

ح ظ ظ

اشارة

لفظان،7 مرّات:2 مكّيّة،5 مدنيّة

في 5 سور:2 مكّيّة،3 مدنيّة

حظّا 3:-3 حظّ 4:2-2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحظّ:النّصيب من الفضل و الخير؛ و الجميع:الحظوظ.و فلان حظيظ،و لم نسمع فيه فعلا.

و ناس من أهل حمص يقولون:حنظ،فإذا جمعوا رجعوا إلى الحظوظ،و تلك النّون عندهم غنّة ليست بأصليّة.و إنّما يجري على ألسنتهم في المشدّد نحو الرّزّ، يقولون:رنز،و نحو أترجّة يقولون:أترنجة،و نحو اجّار يقولون:انجار،فإذا جمعوا تركوا الغنّة و رجعوا إلى الصّحّة، فقالوا:أجاجير و حظوظ.(3:22)

أبو عمرو الشّيبانيّ: رجل محظوظ و مجدود.و يقال:

فلان أحظّ من فلان،و أجدّ منه.(الأزهريّ 3:425)

الفرّاء: الحظيظ:الغنيّ الموسر.(الأزهريّ 3:425)

أبو زيد :رجل حظيظ جديد،إذا كان ذا حظّ من الرّزق.يقال:حظظت في الأمر فأنا أحظّ حظّا.

و جمع الحظّ:أحظّ و حظوظ و حظاء ممدود،و ليس بقياس.(الأزهريّ 3:425)

ابن السّكّيت: تقول:فلان مجدود في كذا و كذا، و فلان محظوظ،و فلان جدّ حظّ،و فلان جدي حظي، و فلان جديد حظيظ،إذا كان له جدّ.

(إصلاح المنطق:374)

أبو الهيثم:يقال هم يحظّون بهم و يجدّون بهم.

و واحد الأحظاء:حظّ (1)منقوص،و أصله:حظّ.

(الأزهريّ 3:425)

الأزهريّ: [نقل كلام اللّيث في معنى الحظّ ثمّ قال:]

للحظّ فعل جاء عن العرب،و إن لم يعرفه اللّيث و لم يسمعه.

أبو عبيد عن اليزيديّ: هو[الحظيظ]الحظظ،و قال

ص: 643


1- و في اللّسان نقلا عن أبي الهيثم:واحد الأحظّاء حظي.

غيره:الحظظ،على مثال«فعل».قال شمر:و هو الحدل.(3:425)

الصّاحب:الحظّ:النّصيب من الخير؛و جمعه:

حظوظ.و حظظت في الأمر أحظّ.

و الحظوة و الحظّ:واحد.و الحظوظة على«فعولة»:

جمع الحظّ.

و ليس لي في هذا الأمر حظّ نار،أي رزق.

(2:309)

الجوهريّ: الحظّ:النّصيب و الجدّ.و جمع القلّة:

أحظّ،و الكثير:حظوظ،و أحاظ على غير قياس،كأنّه جمع أحظ.

تقول منه:ما كنت ذا حظّ،و لقد حظظت تحظّ فأنت حظّ و حظيظ و محظوظ،أي جديد ذو حظّ من الرّزق.

و أنت أحظّ من فلان.

و الحظظ و الحظظ:لغة في الحضض،و هو دواء.

و حكى أبو عبيد عن اليزيديّ الحضظ أيضا،فجمع بين الضّاد و الظّاء،[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:1172)

أبو هلال :الفرق بين الحظّ و القسم:أنّ كلّ قسم حظّ و ليس كلّ حظّ قسما.و إنّما القسم ما كان عن مقاسمة؛و ما لم يكن عن مقاسمة فليس بقسم.فالإنسان إذا مات و ترك مالا و وارثا واحدا قيل:هذا المال كلّه حظّ هذا الوارث،و لا يقال:هو قسمه،لأنّه لا مقاسم له فيه.فالقسم:ما كان من جملة مقسومة،و الحظّ:قد يكون ذلك،و قد يكون الجملة كلّها.

الفرق بين النّصيب و الحظّ:أنّ النّصيب يكون في المحبوب و المكروه،يقال:وفّاه اللّه نصيبه من النّعيم أو من العذاب،و لا يقال:حظّه من العذاب إلاّ على استعارة بعيدة،لأنّ أصل الحظّ:هو ما يحظّه اللّه تعالى للعبد من الخير،و النّصيب:ما نصب له لينا له،سواء كان محبوبا أو مكروها.

و يجوز أن يقال:الحظّ اسم لما يرتفع به المحظوظ، و لهذا يذكر على جهة المدح،فيقال:لفلان حظّ و هو محظوظ،و النّصيب:ما يصيب الإنسان من مقاسمة،سواء ارتفع به شأنه أم لا.و لهذا يقال:لفلان حظّ في التّجارة، و لا يقال:له نصيب فيها،لأنّ الرّبح الّذي يناله فيها ليس عن مقاسمة.

الفرق بين الرّزق و الحظّ:أنّ الرّزق هو العطاء الجاري في الحكم على الإدرار،و لهذا يقال:أرزاق الجند، لأنّها تجري على إدرار،و الحظّ لا يفيد هذا المعنى،و إنّما يفيد ارتفاع صاحبه به على ما ذكرنا.

قال بعضهم:يجوز أن يجعل اللّه للعبد حظّا في شيء ثمّ يقطعه عنه و يزيله مع حياته و بقائه،و لا يجوز أن يقطع رزقه مع إحيائه.و بين العلماء في ذلك خلاف.ليس هذا موضع ذكره.(135)

ابن سيده: الحظّ:النّصيب،يقال:هو ذو حظّ في كذا؛و الجمع:أحظّ و حظوظ و حظاظ،و أحاظ و حظاء الأخيرتان من محوّل التّضعيف.

و من العرب من يقول:حنظ،و ليس ذلك بمقصود، إنّما هو غنّة تلحقهم في المشدّد،بدليل أنّ هؤلاء إذا جمعوا قالوا:حظوظ.و قد حظظت في الأمر حظّا.

و رجل حظيظ و حظّيّ-على النّسب-و محظوظ،كلّه ذو حظّ من الرّزق.و لم أسمع ل«محظوظ»بفعل،يعني أنّهم

ص: 644

لم يقولوا:حظّ.

و فلان أحظّ من فلان:أجدّ منه.فأمّا قولهم:أحظيته عليه،فقد يكون من هذا الباب،على أنّه من المحوّل، و قد يكون من«الحظوة».

و قوله تعالى: وَ ما يُلَقّاها إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ فصّلت:35،الحظّ هاهنا:الجنّة،و من وجبت له فهو ذو حظّ عظيم من الخير.

و الحظظ و الحظظ:صمغ كالصّبر،و قيل:هو عصارة الشّجر المرّ،و قيل:هو كحل الخولان.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:512)

الحظّ:النّصيب و الجدّ،أو خاصّ بالنّصيب من الخير و الفضل؛الجمع:حظوظ و حظّ و حظوظة و أحظّ و حظاظ.و جمع أحظّ:أحاظ.

و رجل حظّ و حظيظ و حظّيّ و محظوظ:ذو حظّ، مجدود.

حظظت في الأمر تحظّ حظّا:حسن حظّك.

و أحظظت:صرت ذا حظّ من الرّزق.

و يقال:هذا أحظّ من هذا.(الإفصاح 2:1244)

الرّاغب: الحظّ:النّصيب المقدّر،و قد حظظ و أحظّ فهو محظوظ.و قيل في جمعه:أحاظ و أحظّ،قال اللّه تعالى:

فَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ المائدة:14،و قال تعالى:

لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ النّساء:11.(123)

المدينيّ: في حديث المرجّل:«من حظّ الرّجل نفاق أيّمه و موضع حقّه».الحظّ:الجدّ،و هو حظيظ و محظوظ،أي يكون حقّه في ذمّة أمين.(1:465)

ابن الأثير: في حديث عمر:«من حظّ الرّجل نفاق أيّمه و موضع حقّه».الحظّ:الجدّ و البخت.و فلان حظيظ و محظوظ،أي من حظّه أن يرغب في أيّمه،و هي الّتي لا زوج لها من بناته و أخواته،و لا يرغب عنهنّ،و أن يكون حقّه في ذمّة مأمون-جحوده و تهضّمه-ثقة و فيّ به.(1:405)

الفيّوميّ: الحظّ:الجدّ.و فلان محظوظ،و هو أحظّ من فلان.و الحظّ:النّصيب؛و الجمع:حظوظ،مثل فلس و فلوس.(1:141)

الفيروزآباديّ: [نحو ابن سيده في الإفصاح و أضاف:]و كصرد:صمغ كالصّبر.(2:409)

الطّريحيّ: و في الحديث:«من أراد بالعلم الدّنيا فهو حظّه»أي نصيبه،و ليس له حظّ في الآخرة.

و مثله:«من أنشد شعرا يوم الجمعة فهو حظّه»و قيل في معناه:أي يحبط ثواب أعماله في ذلك اليوم،و لعلّه شعر خاصّ.

و مثله:«من أتى المسجد لشيء فهو حظّه»أي إن أتاه لعبادة فله الثّواب،و إن أتاه لشغل دنيويّ،لا يحصل له إلاّ ذاك.(4:283)

مجمع اللّغة :الحظّ:النّصيب،و الحظّ:الجدّ و السّعادة.(1:272)

محمّد إسماعيل إبراهيم:الحظّ:النّصيب من الخير و اليسر و السّعادة،و يطلق على الشّرّ،و هي مرادفة لكلمة«بخت»الفارسيّة المستعملة في العامّيّة.

(1:138)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو القسم و الحصّة المخصوصة الّتي تكون مورد استفادة

ص: 645

لشخص معيّن.فالقسم و النّصيب و الحصّة كلّ منها أعمّ من الحظّ.

لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ النّساء:11،أي ضعف ما يخصّ للأنثى.

وَ ما يُلَقّاها إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ فصّلت:35،أي ما يوفّق بهذه السّجيّة و هي مقابلة الإساءة بالإحسان إلاّ من كان له حظّ عظيم من الكمال.

فَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ المائدة:14،أي نسوا ما يخصّهم من التّكاليف و الأحكام المتعلّقة بهم، و هي حظّهم و نصيبهم من الأوامر الإلهيّة.

و لا يخفى لطف التّعبير في هذه الآيات الكريمة بالحظّ دون النّصيب و القسمة و السّهم و الحصّة:لاستفادة قيد الاستفادة منه دونها.

و غير خفيّ أنّ هذا القيد و لزومه يلازم مفهوم النّسيان،و نسيان الحظّ:عبارة عن عدم الاستفادة و فقدان العمل به،فالنّسيان في مقابل الاستفادة من الحصّة.كما أنّ تلقية السّجيّة إذا كان صاحبها ذا حظّ،أي مستفيدا من نصيبه.(2:267)

النّصوص التّفسيريّة

حظّا

1- ...يُرِيدُ اللّهُ أَلاّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ. آل عمران:176

جاء في أكثر التّفاسير بمعنى النّصيب.

2- ...يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَ نَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ... المائدة:13

ابن عبّاس: تركوا بعضا.(90)

تركوا نصيبا ممّا ذكّروا به يعني ممّا أنزل على موسى.

مثله السّدّيّ.(الطّوسيّ 3:470)

تركوا نصيبا ممّا أمروا به في كتابهم،و هو الإيمان بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(الفخر الرّازيّ 11:187)

قتادة :نسوا كتاب اللّه بين أظهرهم،و عهد اللّه الّذي عهده إليهم،و أمر اللّه الّذي أمرهم به.

(الطّبريّ 6:158)

السّدّيّ: تركوا نصيبا.(225)

نحوه ابن قتيبة(142)،و الزّجّاج(2:160).

أبو عبيدة :أي نصيبهم من الدّين.(1:158)

الماورديّ: يعني نصيبهم من الميثاق المأخوذ عليهم.(2:21)

الطّبرسيّ: تركوا نصيبا ممّا وعظوا به و ممّا أمروا في كتابهم من اتّباع النّبيّ فصار كالمنسيّ عندهم.

(2:173)

القرطبيّ: أي نسوا عهد اللّه الّذي أخذه الأنبياء عليهم من الإيمان بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و بيان نعته.(6:116)

النّيسابوريّ: تركوا نصيبا وافرا أو قسطا وافيا.

(6:68)

نحوه أبو السّعود(2:249)،و شبّر(2:154)، و الآلوسيّ(6:89).

أبو حيّان :و هذا الحظّ هو من الميثاق المأخوذ عليهم.و قيل:أنساهم نصيبا من الكتاب بسبب معاصيهم،و قيل:تركوا نصيبهم ممّا أمروا به من الإيمان

ص: 646

بالرّسول،و بيان نعته.(3:446)

3- فَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ المائدة:14

مثل ما قبلها.

حظّ

1- يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ... النّساء:11

ابن عبّاس: نصيب الأنثيين.(65)

ذلك أنّه لمّا نزلت الفرائض الّتي فرض اللّه فيها ما فرض للولد الذّكر و الأنثى و الأبوين،كرهها النّاس أو بعضهم،و قالوا:«تعطى المرأة الرّبع و الثّمن،و تعطى الابنة النّصف،و يعطى الغلام الصّغير،و ليس من هؤلاء أحد يقاتل القوم و لا يحوز الغنيمة!!اسكتوا عن هذا الحديث لعلّ رسول اللّه ينساه،أو نقول له فيغيّره».

فقال بعضهم:يا رسول اللّه،أ نعطي الجارية نصف ما ترك أبوها،و ليست تركب الفرس و لا تقاتل القوم، و نعطي الصّبيّ الميراث و ليس يغني شيئا؟!و كانوا يفعلون ذلك في الجاهليّة،لا يعطون الميراث إلاّ من قاتل،يعطونه الأكبر فالأكبر.(الطّبريّ 4:275)

كان المال للولد،و كانت الوصيّة للوالدين و الأقربين، فنسخ اللّه من ذلك ما أحبّ،فجعل للذّكر مثل حظّ الأنثيين،و جعل للأبوين لكلّ واحد منهما السّدس مع الولد،و للزّوج الشّطر و الرّبع،و للزّوجة الرّبع و الثّمن.(الطّبريّ 4:276)

السّدّيّ: كان أهل الجاهليّة لا يورّثون الجواري و لا الصّغار من الغلمان،و لا يرث من ولده إلاّ من طاق القتال،فمات عبد الرّحمن أخو حسّان بن ثابت،و ترك امرأة يقال لها:«أمّ كجّة»و ترك خمس أخوات،فجاءت الورثة يأخذون ماله،فشكت«أمّ كجّة»ذلك إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فأنزل اللّه: فَإِنْ كُنَّ نِساءً... إلى: فَلَهَا النِّصْفُ ثمّ قال في«أمّ كجّة»: وَ لَهُنَّ الرُّبُعُ مِمّا تَرَكْتُمْ إِنْ لَمْ يَكُنْ لَكُمْ وَلَدٌ فَإِنْ كانَ لَكُمْ وَلَدٌ فَلَهُنَّ الثُّمُنُ مِمّا تَرَكْتُمْ. (197)

الإمام الصّادق عليه السّلام:[في علّة تفضيل إرث الذّكر على الأنثى قال:]

لما جعل اللّه لها من الصّداق.(الكاشانيّ 1:394)

[و في حديث آخر:]لأنّه ليس عليها جهاد و لا نفقة و لا معقلة.(الكاشانيّ 1:394)

الإمام الرّضا عليه السّلام:[في علّة التّفضيل قال:]إنّهنّ يرجعن عيالا عليهم.(الكاشانيّ 1:394)

الطّبريّ: يقول:يعهد إليكم ربّكم إذا مات الميّت منكم و خلّف أولادا ذكورا و إناثا،فلولده الذّكور و الإناث ميراثه أجمع بينهم،للذّكر مثل حظّ الأنثيين،إذا لم يكن له وارث غيرهم،سواء فيه صغار ولده و كبارهم و إناثهم،في أنّ جميع ذلك بينهم،للذّكر مثل حظّ الأنثيين.

(3:616)

الزّمخشريّ: إن قلت:هلاّ قيل:للأنثيين مثل حظّ الذّكر،أو للأنثى نصف حظّ الذّكر؟

قلت:ليبدأ ببيان حظّ الذّكر لفضله،كما ضوعف حظّه لذلك،و لأنّ قوله: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ قصد إلى بيان فضل الذّكر،و قولك:«للأنثيين مثل حظّ

ص: 647

الذّكر»قصد إلى بيان نقص الأنثى،و ما كان قصد إلى بيان فضله كان أدلّ على فضله من القصد إلى بيان نقص غيره عنه،لأنّهم كانوا يورّثون الذّكور دون الإناث،و هو السّبب لورود الآية،فقيل:كفى الذّكور أن ضوعف لهم نصيب الإناث،فلا يتمادى في حظّهنّ حتّى يحرمن مع إدلائهنّ من القرابة،بمثل ما يدلون به.

فإن قلت:فإنّ حظّ الأنثيين الثّلثان،فكأنّه قيل:

للذّكر الثّلثان.

قلت:أريد حال الاجتماع لا الانفراد،أي إذا اجتمع الذّكر و الأنثيان كان له سهمان كما أنّ لهما سهمين،و أمّا في حال الانفراد فالابن يأخذ المال كلّه،و البنتان يأخذان الثّلثين.و الدّليل على أنّ الغرض حكم الاجتماع أنّه أتبعه حكم الانفراد،و هو قوله: فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا ما تَرَكَ و المعنى:للذّكر منهم،أي من أولادكم،فحذف الرّاجع إليه،لأنّه مفهوم،كقولهم:

السّمن منوان بدرهم.(1:505)

نحوه البيضاويّ.(1:206)

الفخر الرّازيّ: [نحو الزّمخشريّ،و له بحث مستوفى أكثره فقهيّ،فراجع](9:203-211)

نحوه القرطبيّ.(5:55-67)

العكبريّ: الجملة في موضع نصب ب(يوصى)،لأنّ المعنى:يفرض لكم،أو يشرع في أولادكم،و التّقدير:في أمر أولادكم.(1:334)

أبو حيّان :لمّا أبهم في قوله: نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ في المقدار و الأقربين،بيّن في هذه الآية المقادير،و من يرث من الأقربين.و بدأ ما لأولاد و إرثهم من والديهم،كما بدأ في قوله: لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ بهم،و في قوله: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ إجمال أيضا بيّنه بعد،و بدأ بقوله:(للذّكر) و تبيّن ما له دلالة على فضله،و كان تقديم الذّكر أدلّ على فضله من ذكر بيان نقص الأنثى عنه،و لأنّهم كانوا يورّثون الذّكور دون الإناث،فكفاهم أن ضوعف لهم نصيب الإناث،فلا يحرمن إذ هنّ يدلين بما يدلون به من الولديّة.(3:180)

أبو السّعود : لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ جملة مستأنفة جيء بها لتبيين الوصيّة و تفسيرها.و قيل:محلّها النّصب ب(يوصيكم)على أنّ المعنى يفرض عليكم و يشرع لكم هذا الحكم.و هذا قريب ممّا رآه الفرّاء،فإنّه يجري ما كان بمعنى القول من الأفعال مجراه في حكاية الجملة بعده،و نظيره قوله تعالى: وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ المائدة:9.

و قوله تعالى:(للذّكر)لا بدّ له من ضمير عائد إلى «الأولاد»محذوف ثقة بظهوره،كما في قولهم:السّمن منوان بدرهم،أي للذّكر منهم.و قيل:الألف و اللاّم قائم مقامه،و الأصل:لذكرهم،و(مثل)صفة لموصوف محذوف،أي للذّكر منهم حظّ الأنثيين.

و البداءة ببيان حكم الذّكر،لإظهار مزيّته على الأنثى،كما أنّها المناط في تضعيف حظّه،و إيثار اسمي الذّكر و الأنثى على ما ذكر أوّلا من الرّجال و النّساء، للتّنصيص على استواء الكبار و الصّغار من الفريقين في الاستحقاق،من غير دخل للبلوغ و الكبر في ذلك أصلا، كما هو زعم أهل الجاهليّة؛حيث كانوا لا يورّثون

ص: 648

الأطفال كالنّساء.(2:104)

الآلوسيّ: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ في موضع التّفصيل و البيان للوصيّة،فلا محلّ للجملة من الإعراب.

و جعلها أبو البقاء في موضع نصب على المفعوليّة ل(يوصى)باعتبار كونه في معنى القول،أو الفرض أو الشّرع،و فيه تكلّف.و المراد:أنّه يعدّ كلّ ذكر بأنثيين، حيث اجتمع الصّنفان من الذّكور و الإناث و اتّحدت جهة إرثهما،فيضعّف للذّكر نصيبه،كذا قيل.و الظّاهر أنّ المراد بيان حكم اجتماع الابن و البنت على الإطلاق.و لا بدّ في الجملة من ضمير عائد إلى«الأولاد»محذوف ثقة بظهوره،كما في قولهم:السّمن منوان بدرهم،و التّقدير هنا:للذّكر منهم،فتدبّر.

و تخصيص الذّكر بالتّنصيص على حظّه-مع أنّ مقتضى كون الآية نزلت في المشهور لبيان المواريث ردّا لما كانوا عليه من توريث الذّكور دون الإناث-الاهتمام بالإناث،و أن يقال:للأنثيين مثل حظّ الذّكر (1)،لأنّ الذّكر أفضل.و لأنّ ذكر المحاسن أليق بالحكيم من غيره، و لذا قال سبحانه: إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَ إِنْ أَسَأْتُمْ فَلَها الإسراء:7،فقدّم ذكر الإحسان و كرّره دون الإساءة،و لأنّ في ذلك تنبيها على أنّ التّضعيف كاف في التّفضيل،فكأنّه حيث كانوا يورّثون الذّكور دون الإناث قيل لهم:كفى الذّكور أن ضوعف لهم نصيب الإناث،فلا يحرمن عن الميراث بالكلّيّة مع تساويهما في جهة الإرث.

و إيثار اسمي الذّكر و الأنثى على ما ذكر أوّلا من الرّجال و النّساء،للتّنصيص على استواء الكبار و الصّغار من الفريقين في الاستحقاق،من غير دخل للبلوغ و الكبر في ذلك أصلا-كما هو زعم أهل الجاهليّة-حيث كانوا لا يورّثون الأطفال كالنّساء.

و الحكمة في أنّه تعالى جعل نصيب الإناث من المال أقلّ من نصيب الذّكور نقصان عقلهنّ و دينهنّ كما جاء في الخبر،مع أنّ احتياجهنّ إلى المال أقلّ،لأنّ أزواجهنّ ينفقون عليهنّ،و شهوتهنّ أكثر فقد يصير المال سببا لكثرة فجورهنّ،و ممّا اشتهر:

إنّ الشّباب و الفراغ و الجده

مفسدة للمرء أيّ مفسده

و روي عن جعفر الصّادق رضى اللّه عنه:أنّ حوّاء عليها السّلام أخذت حفنة من الحنطة و أكلت،و أخذت أخرى و خبّأتها،ثمّ أخرى و دفعتها إلى آدم عليه السّلام،فلمّا جعلت نصيب نفسها ضعف نصيب الرّجل،قلب الأمر عليها، فجعل نصيب المرأة نصف الرّجل.ذكره بعضهم،و لم أقف على صحّته.(4:216)

ابن عاشور :و جملة: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ بيان لجملة يُوصِيكُمُ لأنّ مضمونها هو معنى مضمون الوصيّة،فهي مثل البيان في قوله تعالى: فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ طه:120،و تقديم الخبر على المبتدإ في هذه الجملة للتّنبيه من أوّل الأمر،على أنّ الذّكر صار له شريك في الإرث و هو الأنثى،لأنّه لم يكن لهم به عهد من قبل؛إذ كان الذّكور يأخذون المال الموروث كلّه و لا حظّ للإناث،كما تقدّم آنفا في تفسير قوله تعالى:

لِلرِّجالِ نَصِيبٌ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ النّساء:7.ل.

ص: 649


1- كذا،و الظّاهر:لا لأنّ الذّكر أفضل.

و جعل حظّ الأنثيين هو المقدار الّذي يقدّر به حظّ الذّكر، و لم يكن قد تقدّم تعيين حظّ للأنثيين حتّى يقدّر به،فعلم أنّ المراد تضعيف حظّ الذّكر من الأولاد على حظّ الأنثى منهم.و قد كان هذا المراد صالحا لأن يؤدّي بنحو:للأنثى نصف حظّ ذكر،أو للأنثيين مثل حظّ ذكر؛إذ ليس المقصود إلاّ بيان المضاعفة.

و لكن قد أوثر هذا التّعبير لنكتة لطيفة،و هي الإيماء إلى أنّ حظّ الأنثى صار في اعتبار الشّرع أهمّ من حظّ الذّكر؛إذ كانت مهضومة الجانب عند أهل الجاهليّة، فصار الإسلام ينادي بحظّها في أوّل ما يقرع الأسماع،قد علم أنّ قسمة المال تكون باعتبار عدد البنين و البنات.(4:45)

الطّباطبائيّ: و أمّا قوله: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ ففي انتخاب هذا التّعبير إشعار بإبطال ما كانت عليه الجاهليّة من منع توريث النّساء،فكأنّه جعل إرث الأنثى مقرّرا معروفا،و أخبر بأنّ للذّكر مثله مرّتين،أو جعله هو الأصل في التّشريع و جعل إرث الذّكر محمولا عليه يعرف بالإضافة إليه.و لو لا ذلك لقال:للأنثى نصف حظّ الذّكر؛و إذن لا يفيد هذا المعنى و لا يلتئم السّياق معه -كما ترى-هذا ما ذكره بعض العلماء و لا بأس به،و ربّما أيّد ذلك بأنّ الآية لا تتعرّض بنحو التّصريح مستقلاّ إلاّ لسهام النّساء و إن صرّحت بشيء من سهام الرّجال، فمع ذكر سهامهنّ معه،كما في الآية التّالية و الآية الّتي في آخر السّورة.

و بالجملة قوله: لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ في محلّ التّفسير،لقوله: يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ و اللاّم في (الذّكر)و(الانثيين)لتعريف الجنس،أي إنّ جنس الذّكر يعادل في السّهم أنثيين،و هذا إنّما يكون إذا كان هناك في الورّاث ذكر و أنثى معا،فللذّكر ضعفا الأنثى سهما،و لم يقل:للذّكر مثل حظّي الأنثى أو مثلا حظّ الأنثى،ليدلّ الكلام على سهم الأنثيين إذا انفردتا بإيثار الإيجاز،على ما سيجيء.

و على أيّ حال إذا تركّبت الورثة من الذّكور و الإناث،كان لكلّ ذكر سهمان،و لكلّ أنثى سهم،إلى أيّ مبلغ بلغ عددهم.(4:207)

مكارم الشّيرازيّ: بذلك يشير إلى حكم الطّبقة الأولى من الورثة-و هم الأولاد و الآباء و الأمّهات- و من البديهيّ أنّه لا رابطة أقوى و أقرب من رابطة الأبوّة و البنوّة،و لهذا قدّموا على بقيّة الورثة من الطّبقات الأخرى.

ثمّ إنّ من الجدير بالاهتمام من ناحية التّركيب اللّفظيّ جعل الأنثى هي الملاك و الأصل في تعيين سهم الرّجل، أي إنّ سهمها من الإرث هو الأصل،و إرث الذّكر هو الفرع الّذي يعرف بالقياس على نصيب الأنثى من الإرث.و هذا نوع من التّأكيد لتوريث النّساء،و مكافحة للعادة الجاهليّة المعتدية القاضية بحرمانهنّ من الإرث و الميراث،حرمانا كاملا.(3:118)

فضل اللّه :[نقل كلام الطّباطبائيّ ثمّ أضاف:]

إنّ الحديث جاء عن سهم الذّكر متفرّعا على سهم الأنثى،كما لو كانت الأنثى هي الأصل في الإرث،باعتبار أنّ حصّته مثل حصّة أنثيين،و بذلك كانت تقاس بها بدلا من العكس و إلاّ يقال:للأنثى نصف حظّ الذّكر.(7:115)

ص: 650

2- وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ... النّساء:176

مثل ما قبلها

3- ...يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. القصص:79

ابن عبّاس: نصيب كثير.(331)

الضّحّاك: لذو درجة عظيمة.(الماورديّ 4:269)

السّدّيّ: لذو جدّ عظيم.(الماورديّ 4:269)

الطّبريّ: لذو نصيب من الدّنيا.(20:115)

الزّمخشريّ: الحظّ:الجدّ،و هو البخت و الدّولة، وصفوه بأنّه رجل مجدود مبخوت،يقال:فلان ذو حظّ و حظيظ و محظوظ،و ما الدّنيا إلاّ أحاظ و جدود.

(3:192)

الآلوسيّ: قيل:نصيب كثير من الدّنيا.و الحظّ:

البخت و السّعد،و يقال:فلان ذو حظّ و حظيظ و محظوظ.

(20:122)

الطّباطبائيّ: الحظّ هو النّصيب من السّعادة و البخت.(16:79)

4- وَ ما يُلَقّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَ ما يُلَقّاها إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ. فصّلت:35

ابن عبّاس: ثواب وافر في الجنّة،مثل محمّد عليه الصّلاة و السّلام و أصحابه.(403)

الّذين أعدّ اللّه لهم الجنّة.(الطّبريّ 24:120)

ذو نصيب وافر من الخير.(الماورديّ 5:182)

الحسن:و اللّه ما عظم حظّ قطّ دون الجنّة.

(الماورديّ 5:182)

قتادة :الحظّ العظيم:الجنّة.(الطّبريّ 24:120)

السّدّيّ: ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ: ذو جدّ.

(الطّبريّ 24:120)

الطّبريّ: ذو نصيب و جدّ،له سابق في المبرّات عظيم.(24:120)

الزّجّاج: الحظّ:الجنّة،أي و ما يلقّاها إلاّ من وجبت له الجنّة.و معنى ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ أي حظّ عظيم في الخير.(4:386)

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه[نقلها و أضاف:]

و يحتمل رابعا:أنّه ذو الخلق الحسن.(5:182)

الطّوسيّ: من الثّواب و الخير.(9:126)

نحوه الواحديّ.(4:36)

ابن عطيّة: من الجنّة و ثواب الآخرة.(5:16)

الطّبرسيّ: أي ذو نصيب وافر من الرّأي و العقل.

و قيل:إلاّ ذو نصيب عظيم من الثّواب و الخير.(5:13)

أبو حيّان :[نقل قول ابن عبّاس و قتادة ثمّ قال:]

و قيل:إلاّ ذو عقل،و قيل:ذو خلق حسن.

(7:498)

الشّربينيّ: من الفضائل النّفسانيّة.(3:518)

الكاشانيّ: من الخير و كمال النّفس.(4:361)

الطّباطبائيّ: أي ذو نصيب وافر من كمال الإنسانيّة و خصال الخير.(17:392)

فضل اللّه :من الإيمان و الوعي و الإنسانيّة النّابضة بكلّ معاني الخير و الإحسان.(20:120)

ص: 651

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحظّ،أي النّصيب و الجدّ؛ و الجمع:أحظّ و حظوظ و حظاظ.يقال:فلان ذو حظّ و قسم من الفضل،و هو ذو حظّ في كذا،و ما كنت ذا حظّ، و لقد حظظت تحظّ،و قد حظظت في الأمر فأنا أحظّ حظّا، و رجل حظيظ و حظّيّ و محظوظ:ذو حظّ من الرّزق.

و الحظيظ:الغنيّ الموسر،و أنت حظّ و حظيظ و محظوظ:

جديد ذو حظّ من الرّزق.

2-و قيل:الحظظ و الحظظ:صمغ كالصّبر،و كحل الخولان،و هو الحضظ و الحضظ،كما تقدّم في «ح ض ض».

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«حظّ»فقط مكسورا 4 مرّات،و منصوبا 3 مرّات،في 7 آيات:

1- يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ... النّساء:11

2- ...وَ إِنْ كانُوا إِخْوَةً رِجالاً وَ نِساءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ... النّساء:176

3- ...يا لَيْتَ لَنا مِثْلَ ما أُوتِيَ قارُونُ إِنَّهُ لَذُو حَظٍّ عَظِيمٍ القصص:79

4- وَ ما يُلَقّاها إِلاَّ الَّذِينَ صَبَرُوا وَ ما يُلَقّاها إِلاّ ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ فصّلت:35

5- ...يُرِيدُ اللّهُ أَلاّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ آل عمران:176

6- ...يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَ نَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ... المائدة:13

7- ...أَخَذْنا مِيثاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ... المائدة:14

يلاحظ أوّلا:أنّ«حظّ»في الجميع بمعنى النّصيب،إلاّ أنّه يختلف مصداقا،ففي(1 و 2)هو نصيب الوارث من الإرث،و في(3)نصيب قارون من المال،و في(4)حظّ المنعم من نعيم الجنّة،و في(5)حظّ الكافر من العذاب، و في(6 و 7)مقدار ما نسي اليهود و النّصارى ممّا ذكّروا به من كتابهم،فما جاء في التّفاسير من المعاني المختلفة ليس في أصل المعنى بل في المصاديق،و أنّهم دائما يخلطون بين المفاهيم و المصاديق،و هنا قالوا:حظّ على وجهين:

النّصيب،و الجنّة!!

ثانيا:الحظّ في(1 و 2)لا يدلّ على الكثرة و القلّة بل يقدّر بحسب مقدار مال الميّت،و في(3 و 4)يدلّ على الكثرة لاتّصافه فيهما ب(عظيم)موزّعا بين نعيم الدّنيا و نعيم الآخرة.و هذه كلّها مثبت عكس الثّلاث الباقية.

و في(5)نفي لعموم الحظّ في الآخرة،لأنّه نكرة في سياق النّفي أَلاّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ. و هذه منفيّة،و في (6 و 7)نسيان لما ذكّروا به،و هو في معنى النّفي أيضا.

و«حظّا»فيهما يفيد البعض،و هو إلى القلّة أقرب منه إلى الكثرة،لأنّ ما نسوه من كتبهم كان أقلّ ممّا احتفظوا به من حيث اللّفظ،و إن كان من حيث المعنى كثيرا.

ثالثا:الآيات كلّها جاءت بشأن الدّنيا موزّعة بين الحظّ المادّيّ في(1-3)،و الحظّ المعنويّ في(4 و 6 و7)، إلاّ واحدة(5)فجاءت بشأن الآخرة،و كلّها مدنيّ إلاّ اثنتين(4 و 5)فمكّيّتان،و اثنتان منها(1 و 2)تشريع

ص: 652

للمسلمين،و اثنتان(6 و 7)إدانة لأهل الكتاب،و اثنتان (4 و 5)تبشير و إنذار،و واحدة(3)قصّة.

رابعا:أسند الحظّ في(1)و(2)إلى(الانثيين)،و لم يسند إلى الذّكر،و حظّه ضعف حظّ الأنثى من الإرث، تأكيدا لفضلها و الاهتمام بها في الميراث؛إذ كانت لا تورّث في الجاهليّة و لأنّ الأصل في تقسيم الإرث أقلّ السّهام، فإذا كان الإرث بين الأولاد ذكرا و أنثى فأقلّ السّهام سهم الأنثى.انظر«أ ن ث»و«و ر ث».

و لو توهّم أحد أنّه لو قال:(لأنثى نصف الذّكر)كان أبين و أقصر فيدفعه أنّه موهم لما لا ترضى به النّساء!!

خامسا:وصف الحظّ في(3)و(4)بالعظمة،و هو قسمان:وصف باطل في(3)وصفه به اَلَّذِينَ يُرِيدُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا، يريدون صاحبه،أي قارون؛و وصف حقّ في(4)،وصفه به اللّه،يريد به دفع السّيّئة بالحسنة.

سادسا:نفي الحظّ في(5)عن الكافرين في الآخرة بإرادة اللّه،و عن اليهود في(6)،و النّصارى في(7) بنسيان حظّ مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ في الدّنيا.

ص: 653

ص: 654

ح ف د

اشارة

حفدة

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحفد:الخفّة في العمل و الخدمة.

و سمعت في شعر محدث«حفّدا أقدامها»أي سراعا خفافا.و في القنوت:«و إليك نسعى و نحفد»أي نخفّ في مرضاتك.

و الاحتفاد:السّرعة في كلّ شيء.

و قول اللّه عزّ و جلّ: بَنِينَ وَ حَفَدَةً النّحل:72، يعني البنات و هنّ خدم الأبوين في البيت.

و يقال:الحفدة:ولد الولد.و عند العرب الحفدة:

الخدم.

و المحفد:شيء يعلف فيه.

و الحفدان:فوق المشي كالخبب.

و المحافد:وشي الثّوب؛الواحد:محفد.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](3:185)

ابن شميّل: من قال الحفدة:الأعوان،فهو أتبع لكلام العرب ممّن قال:الأصهار.(الأزهريّ 4:427)

...يقال لطرف الثّوب:محفد،بكسر الميم.

(الأزهريّ 4:428)

أبو عمرو الشّيبانيّ: التّحفيد:العدو الّذي ليس بشديد،و هو الحفدان،و الحفد.(1:141)

قال الأكوعيّ: المحفد:السّنام.(1:161)

و الحوافد:حفد يحفد حفدانا،و هو مثل الرّسيم.

(1:194)

و الحفد:الخبب.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(1:199)

الأصمعيّ: المحافد في الثّوب:وشيه؛واحدها:

محفد.(الأزهريّ 4:428)

أصل الحفد:مداركة الخطو.(الرّاغب:124)

أبو عبيد: في حديث عمر في قنوت الفجر قوله:

«و إليك نسعى و نحفد،نرجو رحمتك...».قوله:نحفد،

ص: 655

أصل الحفد:الخدمة و العمل،يقال:حفد يحفد حفدا.

و أمّا المعروف في كلامهم فإنّ الحفد هو الخدمة، فقوله:«نسعى و نحفد»،هو من ذاك،يقول:إنّا نعبدك و نسعى في طلب رضاك.

و فيها لغة أخرى:أحفد إحفادا.

فأراد عمر بقوله:«و إليك نسعى و نحفد»العمل للّه بطاعته.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:96)

ابن الأعرابيّ: الحفدة:صنّاع الوشي،و الحفد:

الوشي.

المحتد و المحفد و المحفد و المحكد:الأصل.

أبو قيس:مكيال و اسمه المحفد،و هو القنقل.

(الأزهريّ 4:428)

المحفد:أصل السّنام.[ثمّ استشهد بشعر]

(الجوهريّ 2:466)

مثله ابن السّكّيت.(ابن سيده 3:263)

و المحفد:الأصل عامّة.(ابن سيده 3:263)

ابن أبي اليمان :و الحفد:العمل و الخدمة،و منه:

«و إليك نسعى و نحفد»،و قال اللّه عزّ و جلّ: مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَ حَفَدَةً النّحل:72.(310)

الثّوريّ: حدّثنا عاصم عن زرّ قال:قال عبد اللّه:

يا زرّ،هل تدري ما الحفدة؟قال:نعم،حفّاد الرّجل:من ولده و ولد ولده.قال:لا،و لكنّهم الأصهار.

قال عاصم:و زعم الكلبيّ أنّ زرّا قد أصاب،قالوا:

و كذب الكلبيّ.(الأزهريّ 4:427)

ابن دريد :الحفد من قولهم:حفد يحفد حفدا،إذا أسرع في المشي.و بعير حفّاد،إذا كان سريع المشي، و كذلك الظّليم.

فأمّا الحفدة فاختلف فيها أهل اللّغة،فقال قوم:

الحشم،و قال آخرون:الأختان،و قال آخرون:الخدم.

[ثمّ استشهد بشعر]

فأمّا قولهم في القنوت:«إليك نسعى و نحفد» فتأويله:نخدم بالطّاعة.

و الحفدان:ضرب من سير الإبل.

و المحفدة و المحفد و المحفاد:إناء يكال به.

(2:123)

الأزهريّ: قال أبو تراب:احتفد و احتمد و احتفل، بمعنى واحد.(4:428)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و احتفد:في معنى احتفل.

و ما لك تحافدني بالكلام،أي تنافرني.

و فلان محفود،أي مكرم.

و يقال من السّرعة:حفد و أحفد.

و المحفد:شيء يعلف فيه.و قيل:قدح يكال به.

و المحفد:السّنام،و هو أصل الرّجل كالمحتد.

(3:42)

الخطّابيّ: [في حديث عمر]

قوله:«أخشى حفدة»،يريد إقباله على أقاربه، و حفوفة في مرضاتهم.و أصل الحفد:الخدمة و الخفّة في العمل.

يقال:حفدني بخير و هو حافدي.[ثمّ استشهد بشعر].

و قال غيره[أبو عبيدة]:الحفدة:الخدم،و يقال لولد

ص: 656

الولد:الحفدة.(2:111)

الجوهريّ: الحفد:السّرعة.تقول:حفد البعير و الظّليم حفدا و حفدانا،و هو تدارك السّير،و بعير حفّاد.

و في الدّعاء:«و إليك نسعى و نحفد».

و أحفدته:حملته على الحفد و الإسراع.

و يجعل حفد و أحفد بمعنى.و الحفدة:الأعوان و الخدم، و قيل:ولد الولد؛واحدهم:حافد.

و رجل محفود،أي مخدوم.

و سيف محتفد:سريع القطع.

و المحفد بالكسر:قدح يكيلون به.

و محفد الرّجل بفتح الميم:محتده،و أصله.و محفد الثّوب أيضا:وشيه؛و الجمع:محافد.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:466)

ابن سيده: حفد يحفد حفدا و حفدانا،و احتفد:

خفّ في العمل و أسرع.

و حفد يحفد حفدا:خدم.و الحفد و الحفدة:الأعوان و الخدمة؛واحدهم:حافد.

و حفدة الرّجل:بناته،و قيل:أولاد أولاده،و قيل:

الأصهار،و قيل:الأعوان.

و الحفيد:ولد الولد؛و الجمع:حفداء.

و الحفد و الحفدان و الإحفاد في المشي:دون الخبب، و قيل:هو ربطاء الرّبك،و الفعل كالفعل.

و المحفد،المحفد:شيء يعلف فيه.و قيل:هو مكيال يكال به.[ثمّ استشهد بشعر]

و محفد الثّوب:وشيه.(3:263)

الحفدان:حفد الفرس يحفد حفدا و حفدانا:مشى مشيا دون الخبب.و قيل:إذا دارك المشي و فيه قرمطة فهو الحفد.(الإفصاح 2:686)

حفد البعير يحفد حفدا و حفدا و حفدانا؛و أحفد الدّابّة:حملها على الإسراع و مداركة الخطو.

(الإفصاح 2:755)

الطّوسيّ: و أصل الحفد:الإسراع في العمل،و منه:

يسعى و يحفد،و مرّ البعير يحفد حفدانا،إذا مرّ يسرع في سيره،و حفد يحفد حفدا و حفدانا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحفدة:جمع حافد،مثل كامل و كملة.(6:407)

الرّاغب: قال اللّه تعالى: وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَ حَفَدَةً جمع حافد،و هو المتحرّك المتبرّع بالخدمة،أقارب كانوا أو أجانب.

قال المفسّرون:هم الأسباط و نحوهم،و ذلك أنّ خدمتهم أصدق.[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان محفود،أي مخدوم،و هم الأختان و الأصهار، و في الدّعاء«إليك نسعى و نحفد».

و سيف محتفد:سريع القطع.(123)

الزّمخشريّ: حفد البعير حفدا،و حفودا،و حفدانا:

أسرع في سيره و دارك الخطو.[ثمّ استشهد بشعر]

و أحفد بعيره.

و من المجاز:حفد فلان في الأمر و احتفد:أسرع فيه، و خفّ في القيام به.

و حفدت فلانا:خدمته و خففت إلى طاعته،و رجل محفود:مخدوم مطاع.

و هو حافد فلان،و هم حفدته،أي خدمه و أعوانه.و منه قيل لأولاد الابن:الحفدة بَنِينَ وَ حَفَدَةً النّحل:72.

ص: 657

و هو من حفدة الأدب.(أساس البلاغة:88)

[في حديث أمّ معبد:]«محفود محشود».محفود:

مخدوم،و أصل الحفد:مداركة الخطو.محشود:مجتمع عليه.

(الفائق 1:99)

[في وصف عثمان عن عمر:]«أخشى حفده و أثرته» حفده،أي حفوفه في مرضات أقاربه،و حقيقة الحفد:

الجمع.و هو من أخوات الحفل و الحفش.

و منه المحفد بمعنى المحفل،و احتفد بمعنى احتفل عن الأصمعيّ.

و قيل لمن يخفّف في الخدمة و للسّائر إذا خبّ:حافد، لأنّه يحتشد في ذلك و يجمع له نفسه،و يأتي بخطاه متتابعة.

و يصدّقه قولهم:جاء الفرس يحفش،أي يأتي بجري بعد جري.و الحفش هو الجمع.(الفائق 3:275)

الصّغانيّ: و المحفد،مثال مجلس:قرية من قرى اليمن من ميفعة.و مثال مقعد:قرية بأسفل السّحول.

و الاحتفاد:الاحتفال.

و المحفد:شيء تعلف فيه الدّوابّ.(2:223)

الفيّوميّ: حفد حفدا،من باب ضرب:أسرع،و في الدّعاء:«و إليك نسعى و نحفد»أي نسرع إلى الطّاعة، و أحفد إحفادا مثله.

و حفد حفدا:خدم،فهو حافد؛و الجمع:حفدة مثل كافر و كفرة.و منه قيل للأعوان:حفدة.

و قيل لأولاد الأولاد:حفدة،لأنّهم كالخدّام في الصّغر.(1:141)

الفيروزآباديّ: حفد يحفد حفدا و حفدانا:خفّ في العمل و أسرع كاحتفد و خدم.

و الحفد محرّكة:الخدم و الأعوان،جمع:حافد،و مشي دون الخبب كالحفدان و الإحفاد.و حفدة الرّجل:بناته و أولاد أولاده كالحفيد أو الأصهار،و صنّاع الوشي.

و المحفد كمجلس أو منبر:شيء يعلف فيه الدّوابّ،و كمنبر:طرف الثّوب،و قدح يكال به، و كمجلس:الأصل،و أصل السّنام و وشي الثّوب.

سيف محتفد:سريع القطع.و أحفده:حمله على الإسراع.و رجل محفود:مخدوم.

و الحفرد كزبرج:حبّ الجوهر و نبت.

و الحفندد كسفرجل:صاحب المال الحسن القيام عليه.(1:299)

الطّريحيّ: الحفدة بالتّحريك:جمع حافد،مثل كافر و كفرة.قيل:هم الأعوان و الخدم،و قيل:أختان،و قيل:

أصهار،و قيل:بنو المرأة من الزّوج الأوّل،و قيل:ولد الولد،لأنّهم كالخدّام في الصّغر،و لعلّه الأصحّ كما يشهد له قوله صلّى اللّه عليه و آله:«تقتل حفدتي بأرض خراسان»يعني عليّ ابن موسى الرّضا عليه السّلام.(3:38)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حفد حفدا و حفودا:

أسرع في الخدمة و الطّاعة،و منه:«و إليك نسعى و نحفد».

و الحفيد:ولد الولد ذكرا كان أو أنثى.و الحفدة:أبناء الأبناء أو الأعوان.(1:139)

العدنانيّ: الحفدة و الحفداء و الحفد و الأحفاد.

و يخطّئون من يجمع الحفيد على:أحفاد،و يقولون:إنّ الصّواب هو:حفدة و حفداء و حفد،و هم مصيبون في ذلك،لاعتمادهم على قوله تعالى: وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ

ص: 658

أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَ حَفَدَةً النّحل:72.

و على قول التّاج:من المجاز حفدة الرّجل:بناته،أو أولاد أولاده؛مفردها:حفيد؛و الجمع:حفداء.

و على ما جاء في متن اللّغة و الوسيط:الحفد و الحفدة:

جمع حافد،و الحفداء:جمع حفيد.

و يرى الغلايينيّ أنّ الأحفاد هو جمع قياسيّ صحيح، و هو جمع ل«حفد»اسم جمع ل«حافد».

و لا اعتراض لي على رأي الغلايينيّ،و إن كانت الأحفاد من جموع القلّة،لأنّ النّحو الوافي يقول:إنّ العرب استعملت صيغة«أفعال»في الكثرة أيضا،و إن كان استعمالها في القلّة أكثر.

(معجم الأخطاء الشّائعة:67)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الإعانة بخلوص و سرعة.و باعتبار هذا المعنى تطلق على الخادم بسرعة،و على أولاد الأولاد و الأختان إذا كانوا أعوانا،و على السّيف القاطع فإنّه نعم المعين في مقابل الأعداء،و كذلك البعير الحفّاد إذا أعان في السّير،و المحفد لكونه معيّنا في تعيين المقدار.

(2:269)

النّصوص التّفسيريّة

حفدة

وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَ حَفَدَةً وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَ فَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ. النّحل:72

ابن مسعود:الأختان.(الطّبريّ 14:143)

مثله ابن عبّاس و نحوه أبو الضّحى و النّخعيّ و سعيد بن جبير.(الطّبريّ 14:144)

و هو مرويّ عن الإمام الصّادق عليه السّلام.

(الطّبرسيّ 3:373)

الحفدة:الأصهار،و هم قرابة الزّوجة.

مثله أبو الضّحى و النّخعيّ و سعيد بن جبير.

(ابن عطيّة 3:408)

و مثله ابن عبّاس.(الطّبريّ 14:144)

ابن عبّاس: من أعانك فقد حفدك.[ثمّ استشهد بشعر](الطّبريّ 14:144)

هم الولد و ولد الولد.

بنو امرأة الرّجل ليسوا منه.(الطّبريّ 14:146)

مثله الحوفيّ.(الواحديّ 3:74)

بنوك حين يحفدونك و يرفدونك و يعينونك و يخدمونك.(الطّبريّ 14:146)

مجاهد :ابنه و خادمه.

نحوه طاوس.(الطّبريّ 14:145)

أنصارا و أعوانا و خدّاما.(الطّبريّ 14:145)

عكرمة :هم الّذين يعينون الرّجل من ولده و خدمه.(الطّبريّ 14:145)

نحوه عطاء.(البغويّ 3:88)

الحفدة:من خدمك من ولدك و ولد ولدك.

(الطّبريّ 14:146)

الضّحّاك: يعني ولد الرّجل يحفدونه و يخدمونه، و كانت العرب إنّما تخدمهم أولادهم الذّكور.

(الطّبريّ 14:146)

ص: 659

الحسن:البنين و بني البنين.و من أعانك من أهل و خادم فقد حفدك.(الطّبريّ 14:145)

قتادة :مهنة يمهنونك و يخدمونك من ولدك،كرامة أكرمكم اللّه بها.(الطّبريّ 14:145)

الإمام الصّادق عليه السّلام:الحفدة:بنو البنت،و نحن حفدة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

[و في حديث آخر]هم الحفدة و هم العون منهم، يعني البنين.(البحرانيّ 5:581)

مقاتل:يعني بالبنين:الصّغار،و الحفدة:الكبار يحفدون أباهم بالخدمة؛و ذلك أنّهم كانوا في الجاهليّة يخدمهم أولادهم.(2:477)

نحوه الكلبيّ.(البغويّ 3:88)

مالك:الخدم و الأعوان في رأي.

(ابن العربيّ 3:1162)

ابن زيد :الحفدة:الخدم من ولد الرّجل،هم ولده و هم يخدمونه و ليس تكون العبيد من الأزواج.كيف يكون من زوجي عبد إنّما الحفدة ولد الرّجل و خدمه.(الطّبريّ 14:146)

الفرّاء: و الحفدة:الأختان،و قالوا:الأعوان.و لو قيل:«الحفد»كان صوابا،لأنّ واحدهم:حافد،فيكون بمنزلة الغائب و الغيب،و القاعد و القعد.(2:110)

أبو عبيدة :أعوانا و خدّاما.(1:364)

ابن قتيبة :الحفدة:الخدم و الأعوان.و يقال:هم بنون و خدم.

و يقال:الحفدة:الأصهار.و أصل الحفد:مداركة الخطو،و الإسراع في المشي،و إنّما يفعل هذا الخدم،فقيل لهم:حفدة؛واحدهم:حافد،مثل كافر و كفرة.(246)

الطّبريّ: و اختلف أهل التّأويل في المعنيّين بالحفدة،فقال بعضهم:هم الأختان،أختان الرّجل على بناته.

و قال آخرون:هم أعوان الرّجل و خدمه.

و قال آخرون:هم ولد الرّجل و ولد ولده.

و قال آخرون:هم بنو امرأة الرّجل من غيره.

و الصّواب من القول في ذلك عندي:أن يقال:إنّ اللّه تعالى أخبر عباده معرّفهم نعمه عليهم،فيما جعل لهم من الأزواج و البنين،فقال تعالى: وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً الآية،فأعلمهم أنّه جعل لهم من أزواجهم بنين و حفدة.و الحفدة في كلام العرب:جمع حافد،كما الكذبة:جمع كاذب،و الفسقة:جمع فاسق.[إلى أن قال:]

و إذ كان معنى«الحفدة»ما ذكرنا،من أنّهم المسرعون في خدمة الرّجل،المتخفّفون فيها،و كان اللّه تعالى ذكره أخبرنا:أنّ ممّا أنعم به علينا أن جعل لنا حفدة تحفد لنا،و كان أولادنا و أزواجنا الّذين يصلحون للخدمة منّا و من غيرنا،و أختاننا الّذين هم أزواج بناتنا من أزواجنا و خدمنا من مماليكنا،إذا كانوا يحفدوننا، فيستحقّون اسم(حفدة).

و لم يكن اللّه تعالى دلّ بظاهر تنزيله و لا على لسان رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم و لا بحجّة عقل،على أنّه عنى بذلك نوعا من الحفدة دون نوع منهم،و كان قد أنعم بكلّ ذلك علينا،لم يكن لنا أن نوجّه ذلك إلى خاصّ من الحفدة دون عامّ، إلاّ ما اجتمعت الأمّة عليه أنّه غير داخل فيهم.

ص: 660

و إذا كان ذلك كذلك،فلكلّ الأقوال الّتي ذكرنا عمّن ذكرنا وجه في الصّحّة،و مخرج في التّأويل،و إن كان أولى بالصّواب من القول ما اخترنا،لما بيّنّا من الدّليل.

(14:143)

الزّجّاج: اختلف النّاس في تفسير الحفدة.[فذكر الأقوال و أضاف:]

و حقيقة هذا أنّ اللّه عزّ و جلّ جعل من الأزواج بنين و من يعاون على ما يحتاج إليه بسرعة و طاعة،يقال:

حفد يحفد حفدا و حفدا و حفدانا،إذا أسرع.[ثمّ استشهد بشعر](3:212)

نحوه الماورديّ(3:202)،و الواحديّ(3:74).

البغويّ: [نقل القول الثّاني لابن مسعود ثمّ قال:]

فيكون معنى الآية على هذا القول:و جعل لكم من أزواجكم بنين و بنات تزوّجونهم،فيحصل بسببهم الأختان و الأصهار.(3:88)

الزّمخشريّ: و الحفدة:جمع حافد،و هو الّذي يحفد، أي يسرع في الطّاعة و الخدمة،و منه قول القانت:

«و إليك نسعى و نحفد».[ثمّ استشهد بشعر]

و اختلف فيهم فقيل:هم الأختان على البنات، و قيل:أولاد الأولاد،و قيل:أولاد المرأة من الزّوج الأوّل،و قيل المعنى:و جعل لكم حفدة،أي خدما يحفدون في مصالحكم و يعينونكم.

و يجوز أن يراد بالحفدة:البنون أنفسهم،كقوله:

سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً النّحل:67،كأنّه قيل:و جعل لكم منهنّ أولادا،هم بنون و هم حافدون،أي جامعون بين الأمرين.(2:419)

نحوه النّسفيّ(2:293)،و الشّربينيّ(2:249)،و أبو السّعود(4:77).

ابن عطيّة: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و لا خلاف أنّ معنى الحفد:الخدمة و البرّ و المشي مسرعا في الطّاعة،و منه في القنوت:«و إليك نسعى و نحفد».و الحفدان:خبب فوق المشي.[ثمّ استشهد بشعر]

و هذه الفرق الّتي ذكرت أقوالها إنّما بنيت على أنّ كلّ أحد جعل له من زوجه بنون و حفدة.و هذا إنّما هو في الغالب و عظم النّاس.

و يحتمل عندي أنّ قوله: مِنْ أَزْواجِكُمْ إنّما هو على العموم و الاشتراك،أي من أزواج البشر جعل اللّه لهم البنين،و منهم جعل الخدمة،فمن لم تكن له قطّ زوجة فقد جعل اللّه له حفدة،و حصل تحت النّعمة،و أولئك الحفدة هم من الأزواج.

و هكذا تترتّب النّعمة الّتي تشمل جميع العالم، و تستقيم لفظة«الحفدة»على مجراها في اللّغة؛إذ البشر بجملتهم لا يستغني أحد منهم عن حفدة.

و قالت فرقة:«الحفدة»هم البنون.و هذا يستقيم على أن تكون الواو عاطفة صفة لهم،كما لو قال:جعلنا لهم بنين و أعوانا،أي و هم لهم أعوان،فكأنّه قال:و هم حفدة.(3:408)

ابن الجوزيّ: في«الحفدة»خمسة أقوال:[نقلها، و نقل قول ابن عبّاس:أنّهم الخدم ثمّ قال:]

و هذا القول يحتمل وجهين:أحدهما:أنّه يراد بالخدم الأولاد،فيكون المعنى أنّ الأولاد يخدمون.[ثمّ نقل قول

ص: 661

ابن قتيبة و قال:]

و الثّاني:أن يراد بالخدم المماليك،فيكون معنى الآية:

و جعل لكم من أزواجكم بنين،و جعل لكم حفدة من غير الأزواج،ذكره ابن الأنباريّ.(4:469)

الفخر الرّازيّ: [ذكر كلام بعض أهل اللّغة و قال:]

فمعنى الحفدة في اللّغة:الأعوان و الخدم،ثمّ يجب أن يكون المراد من الحفدة في هذه الآية:الأعوان الّذين حصلوا للرّجل من قبل المرأة،لأنّه تعالى قال: وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَ حَفَدَةً فالأعوان الّذين لا يكونون من قبل المرأة،لا يدخلون تحت هذه الآية.

إذا عرفت هذا فنقول:قيل:هم الأختان،و قيل:هم الأصهار،و قيل:ولد الولد.و الأولى دخول الكلّ فيه،لما بيّنّا أنّ اللّفظ محتمل للكلّ،بحسب المعنى المشترك الّذي ذكرناه.(20:81)

ابن العربيّ: و فيها ثمانية أقوال:[و نقلها ثمّ قال:]

هذه الأقوال كما سردناها إمّا أخذت عن لغة،و إمّا عن تنظير،و إمّا عن اشتقاق،و قد قال اللّه تعالى: وَ هُوَ الَّذِي خَلَقَ مِنَ الْماءِ بَشَراً فَجَعَلَهُ نَسَباً وَ صِهْراً الفرقان:54،فالنّسب ما دار بين الزّوجين،و الصّهر ما تعلّق بهما.و يقال:أختان المرأة و أصهار الرّجل عرفا و لغة،و يقال لولد الولد:الحفيد...

و الظّاهر عندي من قوله:(بنين)أولاد الرّجل من صلبه،و من قوله:(حفدة)أولاد ولده.و ليس في قوّة اللّفظ أكثر من هذا.و نقول:تقدير الآية على هذا:و اللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجا،و من أزواجكم بنين، و من البنين حفدة.

و يحتمل أن يريد به:و اللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجا،و جعل لكم من أزواجكم بنين و حفدة،فيكون البنين من الأزواج،و الحفدة من الكلّ؛من زوج و ابن، يريد به خدّاما،يعني أنّ الأزواج و البنين يخدمون الرّجل بحقّ قوّاميّته و أبوّته.[إلى أن قال:]

و يروى أنّ الحفدة:البنات يخدمن الأبوين في المنازل.(3:1161)

القرطبيّ: [ذكر روايات و أقوال في معنى«الحفدة» و أضاف:]و روى زرّ عن عبد اللّه،قال:الحفدة:الأصهار، و قاله إبراهيم،و المعنى متقارب.

قال الأصمعيّ: الختن من كان من قبل المرأة مثل أبيها و أخيها و ما أشبههما،و الأصهار منهما جميعا.يقال:

أصهر فلان إلى بني فلان و صاهر.

و قول عبد اللّه:هم الأختان يحتمل المعنيين جميعا، يحتمل أن يكون أراد أبا المرأة و ما أشبهه من أقربائها، و يحتمل أن يكون أراد و جعل لكم من أزواجكم بنين و بنات تزوّجونهنّ،فيكون لكم بسببهنّ أختان.

و قال عكرمة:الحفدة:من نفع الرّجل من ولده، و أصله:من حفد يحفد-بفتح العين في الماضي و كسرها في المستقبل-إذا أسرع في سيره.[ثمّ استشهد بشعر،إلى أن قال:]

قال المهدويّ: و من جعل الحفدة:الخدم،جعله منقطعا ممّا قبله،ينوي به التّقديم،كأنّه قال:جعل لكم حفدة و جعل لكم من أزواجكم بنين.

قلت:ما قاله الأزهريّ: من أنّ الحفدة أولاد الأولاد هو ظاهر القرآن بل نصّه،أ لا ترى أنّه قال: وَ جَعَلَ لَكُمْ

ص: 662

مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَ حَفَدَةً فجعل«الحفدة و البنين» منهنّ.[ثمّ أدام البحث،فلاحظ](10:143)

البيضاويّ: أولاد أولاد و بنات،فإنّ الحافد هو المسرع في الخدمة،و البنات يخدمن في البيوت أتمّ خدمة.

و قيل:هم الأختان على البنات،و قيل:الرّبائب.

و يجوز أن يراد بها:البنون أنفسهم،و العطف لتغاير الوصفين.(1:563)

نحوه شبّر.(3:430)

أبو حيّان :و الظّاهر أنّ عطف(حفدة)على(بنين) يفيد كون الجميع من الأزواج،و أنّهم غير البنين...

و قيل:البنات،لأنّهنّ يخدمن في البيوت أتمّ خدمة.ففي هذا القول خصّ البنين بالذّكران لأنّه جمع مذكّر،كما قال:

اَلْمالُ وَ الْبَنُونَ زِينَةُ الْحَياةِ الدُّنْيا الكهف:46،و إنّما الزّينة في الذّكور.

و قيل:(و حفدة)منصوب ب«جعل»مضمر،و ليسوا داخلين في كونهم من الأزواج.

و قالت فرقة:الحفدة هم البنون،أي جامعون بين البنوّة و الخدمة،فهو من عطف الصّفات لموصوف واحد.(5:515)

ابن كثير :...يقال:الحفدة:الرّجل يعمل بين يدي الرّجل،يقال:فلان يحفد لنا،أي يعمل لنا.[ثمّ نقل الأقوال و قال:]

قلت:فمن جعل(و حفدة)متعلّقا ب(ازواجكم)فلا بدّ أنّ يكون المراد:الأولاد و أولاد الأولاد أو الأصهار، لأنّهم أزواج البنات أو أولاد الزّوجة،و كذا قال الشّعبيّ و الضّحّاك فإنّهم يكونون غالبا تحت كنف الرّجل و في حجره و في خدمته.و قد يكون هذا هو المراد من قوله عليه السّلام في حديث نضرة بن أكثم:«و الولد عبد لك» رواه أبو داود.

و أمّا من جعل الحفدة الخدم،فعنده أنّه معطوف على قوله: ...جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً الشّورى:

11،أي جعل لكم الأزواج و الأولاد خدما.(4:210)

البروسويّ: [بيّن معناه لغة و قال:]

حمل الحفدة على البنات-كما فعله البعض،بناء على أنّهنّ يخدمنه في البيوت أتمّ خدمة-ضعيف،لأنّ الخطاب لكون السّورة مكّيّة مع المشركين،و هم كانوا تسودّ وجوههم حين الإخبار بالبنات،فلا يناسب مقام الامتنان حملها عليهنّ.(5:58)

الآلوسيّ: مِنْ أَزْواجِكُمْ أي منها،فوضع الظّاهر موضع الضّمير للإيذان،بأنّ المراد:جعل لكلّ منكم من زوجه لا من زوج غيره(بنين)،و بأنّ نتيجة الأزواج هو التّوالد.

(و حفدة):جمع حافد،ككاتب و كتبة.[إلى أن قال:] و جاء في لغة-كما قال أبو عبيدة-أحفد إحفادا،و قيل:

الحفد سرعة القطع،و قيل:مقاربة الخطو.

و المراد بالحفدة-على ما روي عن الحسن و الأزهريّ،و جاء في رواية عن ابن عبّاس،و اختاره ابن العربيّ-أولاد الأولاد،و كونهم من الأزواج حينئذ بالواسطة.

و قيل:البنات،عبّر عنهنّ بذلك إيذانا بوجه المنّة، فإنّهنّ في الغالب يخدمن في البيوت أتمّ خدمة.

و قيل:البنون،و العطف لاختلاف الوصفين البنوّة

ص: 663

و الخدمة،و هو منزّل منزلة تغاير الذّات،و قد مرّ نظيره، فيكون ذلك امتنانا بإعطاء الجامع لهذين الوصفين الجليلين،فكأنّه قيل:و جعل لكم منهنّ أولادا هم بنون و هم حافدون،أي جامعون بين هذين الأمرين.و يقرب منه ما روي عن ابن عبّاس:من أنّ البنين صغار الأولاد و الحفدة كبارهم،و كذا ما نقل عن مقاتل من العكس.

و كأنّ ابن عبّاس نظر إلى أنّ الكبار أقوى على الخدمة،و مقاتل نظر إلى أنّ الصّغار أقرب للانقياد لها و امتثال الأمر بها،و اعتبر الحفد بمعنى مقاربة الخطّ (1).

و قيل:أولاد المرأة من الزّوج الأوّل،و أخرجه ابن جرير و ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس.

و أخرج الطّبرانيّ و البيهقيّ في سننه،و البخاريّ في تاريخه،و الحاكم-و صحّحه-عن ابن مسعود:أنّهم الأختان.و أريد بهم على ما قيل:أزواج البنات،و يقال لهم:أصهار.[ثمّ استشهد بشعر]

و النّصب على هذا بفعل مقدّر،أي و جعل لكم حفدة،لا بالعطف على(بنين)لأنّ القيد إذا تقدّم يعلّق بالمتعاطفين،و أزواج البنات ليسوا من الأزواج.و ضعّف بأنّه لا قرينة على تقدير خلاف الظّاهر،و فيه دغدغة لا تخفى.

و قيل:لا مانع من العطف،بأن يراد بالأختان:أقارب المرأة كأبيها و أخيها لا أزواج البنات،فإنّ إطلاق الأختان عليه إنّما هو عند العامّة،و أمّا عند العرب فلا،كما في«الصّحاح»و تجعل(من)سببيّة.و لا شكّ أنّ الأزواج سبب لجعل الحفدة بهذا المعنى،و هو كما ترى.

و تعقّب تفسيره بالأختان و الرّبائب بأنّ السّياق للامتنان و لا يمتنّ بذلك.و أجيب بأنّ الامتنان باعتبار الخدمة،و لا يخفى أنّه مصحّح لا مرجّح.

و قيل:الحفدة هم الخدم و الأعوان،و هو المعنى المشهور له لغة،و النّصب أيضا بمقدّر،أي و جعل لكم خدما يحفدون في مصالحكم و يعينونكم في أموركم.

و قال ابن عطيّة بعد نقل عدّة أقوال في المراد من ذلك:و هذه الأقوال مبنيّة على أنّ كلّ أحد جعل له من زوجته بنون و حفدة،و لا يخفى أنّه باعتبار الغالب، و يحتمل أن يحمل قوله تعالى: مِنْ أَزْواجِكُمْ على العموم و الاشتراك،أي جعل من أزواج البشر البنين و الحفدة،و يستقيم على هذا إجراء الحفدة على مجراها في اللّغة؛إذ البشر بجملتهم لا يستغني أحدهم عن حفدة، انتهى.

و حينئذ لا يحتاج إلى تقدير،لكن لا يخفى أنّ فيه بعدا، و تأخير المنصوب في الموضعين عن المجرور-لما مرّ غير مرّة-من التّشويق،و تقديم المجرور ب«اللاّم»على المجرور ب«من»للإيذان من أوّل الأمر،بعود منفعة الجعل إليهم إمدادا للتّشويق،و تقوية له.(14:190)

عبد الكريم الخطيب :و الحفدة،و هم أبناء الأبناء،أو هم الكبار من الأبناء الّذين يكونون عضدا لآبائهم،يسعون معهم،و يحملون عبء الحياة عنهم...

فالحفد:السّعي في سرعة،و منه ما ورد في القنوت:

«و إليك نسعى و نحفد».(7:329)

الطّباطبائيّ: [نقل قول الرّاغب و غيره ثمّ قال:]

و المراد بالحفدة في الآية:الأعوان الخدم من البنين،ه.

ص: 664


1- كذا،و الظّاهر:الخطو كما جاء فيما قبله.

لمكان قوله: وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ و لذا فسّر بعضهم قوله: بَنِينَ وَ حَفَدَةً بصغار الأولاد و كبارهم، و بعضهم بالبنين و الأسباط،و هم بنو البنين.

و المعنى:و اللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجا تألفونها و تأنسون بها،و جعل لكم من أزواجكم بالإيلاد بنين و حفدة و أعوانا،تستعينون بخدمتهم على حوائجكم، و تدفعون بهم عن أنفسكم المكاره و رزقكم من الطّيّبات، و هي ما تستطيبونه من أمتعة الحياة،و تنالونه بلا علاج و عمل كالماء و الثّمرات،أو بعلاج و عمل كالأطعمة و الملابس و نحوها.(12:297)

مكارم الشّيرازيّ: الحفدة بمعنى حافد،و هي في الأصل بمعنى الإنسان الّذي يعمل بسرعة و نشاط،دون انتظار أجر و جزاء.[و نقل الأقوال ثمّ قال:]

و يبدو أنّ المعنى الأوّل:«أولاد الأولاد»أقرب من غيره،على ما ذكرناه من سعة مفهوم حفدة في الأصل.

و على أيّة حال فوجود القوى الإنسانيّة من الأبناء و الأحفاد و الأزواج للإنسان من النّعم الإلهيّة الكبيرة الّتي أنعمها جلّ اسمه على الإنسان،لأنّهم يعينون مادّيّا و معنويّا في حياته الدّنيا.(8:231)

المصطفويّ: أي أعوانا لكم في حياتكم و بعد مماتكم،إعانة مادّيّة أو معنويّة،من أقاربها و ممّن يقرب بالحسب و السّبب.

و التّفسير بأولاد الأولاد و إن كانوا مصداق «الأعوان»غير وجيه،فإنّ كلمة البنين تشملها في المرتبة الثّانية.و أبعد منه تفسيرها بالخدم:فإنّ الآية مصرّحة بكون الحفدة من الأزواج،و هي نعمة متحصّلة في إثر الزّواج،و الخدمة لا ربط لها بالازدواج و الأزواج.

(2:270)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحفد:ضرب من المشي دون الخبب،و هو الحفدان و الإحفاد.يقال:حفد البعير و الظّليم يحفد حفدا و حفدانا،و أحفد إحفادا،و بعير حفّاد،و أحفدته:حملته على الحفد و الإسراع.

ثمّ حمل على من يخفّ إلى العمل و الخدمة.يقال:حفد يحفد حفدا و حفدانا،و احتفد احتفادا،أي خفّ في العمل و أسرع،و حفد يحفد حفدا:خدم،و منه:سيف محتفد:

سريع القطع.

و الحفد و الحفدة:الأعوان و الخدمة؛واحدهم:حافد، و حفدة الرّجل:أولاد أولاده،و بناته،و أصهاره،لأنّهم يخدمونه و يعينونه،و هم الحفداء أيضا؛و الواحد:حفيد، و رجل محفود:مخدوم.يقال:حفدت و أحفدت،و أنا حافد و محفود.

و الحفد:الوشي،لأنّ الثّوب يزدان به،كما يزدان الرّجل بحفدته،و هو المحفد أيضا؛و الجمع:محافد، و الحفدة:صنّاع الوشي.و المحفد:طرف الثّوب،أي حاشيته،و الحاشية:أهل الرّجل و خاصّته،تشبيها بالحافد و الحفيد.

2-و المحفد:الأصل،و محفد الرّجل:أصله،و قيل:

السّنام،أو أصله.و فاؤه بدل من التّاء،كما في قولهم:شيخ تاكّ و فاكّ،أي أحمق بالغ الحمق.و هو المحقد و المحكد أيضا.

ص: 665

3-و بين«الحفد»و«الخفد»اشتقاق أكبر.يقال من «خ ف د»:خفد يخفد خفدا و خفدانا،أي أسرع في مشيه.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«حفدة»مرّة في آية:

...وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَ حَفَدَةً...

النّحل:72

يلاحظ أوّلا:أنّ لفظ«الحفدة»وحيد الجذر في القرآن،و فيه بحوث:

1-اختلفوا في المراد بهم:أهم أولاد الزّوجين أم المماليك أم كلاهما؟ثلاثة أقوال.

و اختلفوا أيضا في الأوّل على أقوال:الأولاد،و أولاد الأولاد،و الأولاد الكبار خاصّة،و الأولاد الصّغار خاصّة،و البنات،و الرّبائب،و الأختان،و الأصهار.

و ممّن ذهب إلى القول الثّاني مالك،فقال:«الخدم و الأعوان»،و كذا أبو عبيدة و ابن قتيبة.و ذهب مجاهد و عكرمة و الحسن و غيرهم إلى القول الثّالث،قال مجاهد:

«ابنه و خادمه»،و قال ابن عبّاس:«من أعانك فقد حفدك».

2-و ردّ ابن زيد القول الثّاني،فقال:«كيف يكون من زوجي عبد؟إنّما الحفدة ولد الرّجل و خدمه».و روى القرطبيّ قول المهدويّ: «من جعل الحفدة الخدم،جعله منقطعا ممّا قبله،ينوي به التّقديم،كأنّه قال:جعل لكم حفدة،و جعل لكم من أزواجكم بنين».و علّل الآلوسيّ التّقدير بقوله:«لأنّ القيد إذا تقدّم يعلّق بالمتعاطفين، و أزواج البنات ليسوا من الأزواج.و ضعّف بأنّه لا قرينة على تقدير خلاف الظّاهر،و فيه دغدغة لا تخفى».

3-و وجّهوا القول الأوّل،فممّن ذهب إلى أنّه الأولاد ابن العربيّ،قال:«الظّاهر عندي من قوله:(بنين)أولاد الرّجل من صلبه،و من قوله:(حفدة)أولاد ولده،و ليس في قوّة اللّفظ أكثر من هذا،و نقول:تقدير الآية على هذا:

و اللّه جعل لكم من أنفسكم أزواجا،و من أزواجكم بنين، و من البنين حفدة».

و منهم من خصّ الأولاد بالكبار أو الصّغار و هو ابن عبّاس و مقاتل،قال الآلوسيّ: «كأنّ ابن عبّاس نظر إلى أنّ الكبار أقوى على الخدمة،و مقاتل نظر إلى أنّ الصّغار أقرب للانقياد لها و امتثال الأمر بها،و اعتبر الحفد بمعنى مقاربة الخطو».

و منهم من خصّهم بالبنين دون البنات كالزّمخشريّ، فقال:«يجوز أن يراد بالحفدة البنون أنفسهم،كقوله:

سَكَراً وَ رِزْقاً حَسَناً النّحل:67،كأنّه قيل:و جعل لكم منهنّ أولادا هم بنون و هم حافدون،أي جامعون بين الأمرين».

و منهم من خصّهم بالبنات دون البنين كالبيضاويّ، فقال:«أولاد أولاد و بنات،فإنّ الحافد هو المسرع في الخدمة،و البنات يخدمن في البيوت أتمّ خدمة».

و منهم من ذهب إلى أنّه الأختان و الأصهار،قال البغويّ:«قال ابن مسعود و النّخعيّ:الحفدة أختان الرّجل على بناته،و عن ابن مسعود أيضا:أنّهم الأصهار،فيكون معنى الآية على هذا القول:و جعل لكم من أزواجكم بنين و بنات تزوّجونهم،فيحصل بسببهم الأختان و الأصهار».

ص: 666

و عمّمه الطّبريّ فقال:«لم يكن اللّه تعالى دلّ بظاهر تنزيله و لا على لسان رسوله و لا بحجّة عقل على أنّه عنى بذلك نوعا من الحفدة دون نوع منهم،و كان قد أنعم بكلّ ذلك علينا،لم يكن لنا أن نوجّه ذلك إلى خاصّ من الحفدة دون عامّ،إلاّ ما اجتمعت الأمّة عليه أنّه غير داخل فيهم،و إذا كان ذلك كذلك فلكلّ الأقوال الّتي ذكرنا عمّن ذكرنا وجه في الصّحّة و مخرج في التّأويل».

و قال ابن عطيّة أيضا:«يحتمل عندي أنّ قوله: مِنْ أَزْواجِكُمْ إنّما هو على العموم و الاشتراك،أي من أزواج البشر جعل اللّه لهم البنين،و منهم جعل الخدمة، فمن لم تكن له قطّ زوجة،فقد جعل اللّه له حفدة،و حصل تحت النّعمة،و أولئك الحفدة هم من الأزواج،و هكذا تترتّب النّعمة الّتي تشمل جميع العالم،و تستقيم لفظة «الحفدة»على مجراها في اللّغة،إذ البشر بجملتهم لا يستغني أحد منهم عن حفدة».

و ردّ ابن عطيّة القول بأنّهم البنون فقال:«هذا يستقيم على أن تكون الواو عاطفة صفة لهم،كما لو قال:

جعلنا لهم بنين و أعوانا،أي و لهم أعوان،فكأنّه قال:

و هم حفدة».

و ضعّف البروسويّ قول من قال:الحفدة هم البنات، و علّل ذلك بقوله:«لأنّ الخطاب-لكون السّورة مكّيّة- مع المشركين،و هم كانوا تسودّ وجوههم حين الإخبار بالبنات،فلا يناسب مقام الامتنان حملها عليهنّ».

و لنا قول آخر سنتعرّض له ضمن تفسير الآية،و هو أنّ المراد بالبنين:الأولاد،و بالحفدة:أولاد الأولاد نسلا بعد نسل.

ثانيا:الحفيد:من الحفد،و هو ضرب من المشي دون الخبب،كما تقدّم،و الخبب:ضرب من العدو،فكأنّ الحافد-مفرد الحفدة-يعدو حينما يعمل و يخدم،و هذا من ديدن الصّغار لا الكبار.فالحفدة:هم أولاد الأولاد،سواء كانوا ذكورا أم أناثا،و يدخل فيهم البنون الصّغار،و كذا الخفّ من الخدم على التّوسّع.

ثالثا:هذه الآية بدأت ب(اللّه)كآيتين قبلها،و بينها علاقة في اشتمالها على ذكر مراتب الخلقة و أطوارها.

فجاء في الأولى: وَ اللّهُ خَلَقَكُمْ ثُمَّ يَتَوَفّاكُمْ وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ لِكَيْ لا يَعْلَمَ بَعْدَ عِلْمٍ شَيْئاً إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ قَدِيرٌ النّحل:70.

و جاء في الثّانية: وَ اللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَ فَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ النّحل:

71.

و جاء في الثّالثة: وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَ حَفَدَةً وَ رَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ أَ فَبِالْباطِلِ يُؤْمِنُونَ وَ بِنِعْمَتِ اللّهِ هُمْ يَكْفُرُونَ النّحل:72.

فذكر في الأولى مراتب الحياة،و في الثّانية مراتب الرّزق،و في الثّالثة مراتب الأسرة من خلق الزّوجين من جنس واحد،ثمّ مراتب ما يولد منهما من البنين و الحفدة، و هذا السّياق يقتضي أنّ«البنين»هم الأولاد و«حفدة» من يولد منهم في طول التّناسل،فأريد بها أولاد الأولاد نسلا بعد نسل،و هذا الوجه أمسّ بالسّياق من الوجوه الّتي ذكروها،فلاحظ و تأمّل.

ص: 667

و لا يبعد إرادة الذّكور و الأناث من(بنين)هنا؛حيث لم يذكر معه البنات كما ذكر في آيات أخرى.لاحظ:

«ابن:بنين».

رابعا:و في هذه السّورة آيات أخر مبدوءة ب(اللّه) كلّها تنبيه على مراحل الخلقة مثل(65): وَ اللّهُ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَحْيا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ، و(78): وَ اللّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ، و(80): وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَ يَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها أَثاثاً وَ مَتاعاً إِلى حِينٍ، و(81): وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمّا خَلَقَ ظِلالاً وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَ جَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَ سَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ كَذلِكَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تُسْلِمُونَ.

فذكر في(65)مراحل إحياء الأرض ابتداء بإنزال الماء من السّماء ثمّ إحياء الأرض بعد موتها،و في(78) مراحل تكوين الإنسان ابتداء من إخراجه من بطن أمّه، ثمّ تقوية قواه الحسّيّة و العقليّة،و في(80)مراحل سكن الإنسان من البيوت الثّابتة و الخيام المتنقّلة،ثمّ مراحل لباسه،و في(81)مراحل مسكنه من الجبال و الظّلال، و سرابيله الّتي تقيه من الحرّ و البرد و البأس.

خامسا:و قد ذيّل هذه الآيات السّتّ الّتي بدأت ب(اللّه)تنبيها على مراحل الحياة إمّا بعلم اللّه و قدرته،أو بنعمته على العباد،أو بالتّرغيب إلى شكره و التّحذير عن كفرانه،فلاحظ:أ ل ه«اللّه».

ص: 668

ح ف ر

اشارة

لفظان مرّتان،في سورتين:1 مكّيّة،1 مدنيّة

حفرة 1:-1 الحافرة 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحفيرة:الحفرة في الأرض،و الحفر:اسم المكان الّذي حفر،كخندق أو بئر.[ثمّ استشهد بشعر]

و البئر إذا كانت فوق قدرها سمّيت:حفرا و حفيرا و حفيرة.

و حفير و حفيرة اسما موضعين جاءا في الشّعر.

و الحافر:الدّابّة.و قول العرب:«النّقد عند الحافر» تقول:إذا اشتريته لا تبرح حتّى تنقد.

و إذا أعمّوا اسم الدّوابّ قالوا:الحافر خير من الظّلف،أي ذوات الحوافر خير من ذوات الظّوالف.

و الحافرة:العودة في الشّيء حتّى يردّ آخره على أوّله،و في الحديث:«إنّ هذا الأمر لا يترك على حاله حتّى يردّ على حافرته»أي على أوّل تأسيسه.

و قوله تعالى: أَ إِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ النّازعات:10،أي في الخلق الأوّل بعد ما نموت كما كنّا.

و الحفر،و الحفر لغة:ما يلزق بالأسنان من ظاهر و باطن.تقول:حفرت أسنانه حفرا؛و لغة أخرى:حفرت تحفر حفرا.

و الحفراة:نبت من نبات الرّبيع.و الحفراة:خشبة ذات أصابع تذرّى بها الكدوس المدوسة،و ينقّى بها البرّ، بلغة ناس من أهل اليمن.(3:212)

سيبويه :هذا باب«فعل»:اعلم أنّ كلّ«فعل»كان اسما معروفا في الكلام أو صفة،فهو مصروف.فالأسماء نحو:صرد و جعل،و ثقب و حفر،إذا أردت جماع الحفرة و الثّقبة.(3:222)

الكسائيّ: الحفر بتسكين،و قد حفر فوه يحفر حفرا.(الأزهريّ 5:18)

العرب تقول:«النّقد عند الحافرة»معناه عند أوّل كلمة،يريد لا تبرح حتّى تنقد.(الخطّابيّ 1:472)

ابن شميّل: رجل محافر:ليس له شيء.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:19)

ص: 669

أبو عمرو الشّيبانيّ: و قال السّعديّ:احتفر أكرة في النّهي[أي حفرة في النّهر]فاستق منها.(1:58)

و قال الكلابيّ: أرّيت للجمل و للفرس،إذا حفرت حفرة فدفنت عودا،فيه رسن،ثمّ دفنته و أخرجت عروة الرّسن فربطت به،و هو الآريّ،و هي الآخيّة؛و الجماعة:

الأواري.(1:60)

تقول:حفر حتّى أثلج،إذا بلغ الطّين.(1:104)

و الحفر:بثر يخرج في لثة الصّبيّ،فيقال:صبيّ محفور.(1:151)

الفرّاء: و العرب تقول:أتيت فلانا ثمّ رجعت على حافرتي،أي رجعت من حيث جئت.و من ذلك قول العرب:«النّقد عند الحافرة»،و الحافر معناه إذا قال:«قد بعتك رجعت عليه بالثّمن»و هما في المعنى واحد.

و بعضهم يقول:«النّقد عند الحافر»،يريد عند حافر الفرس،و كأنّ هذا المثل جرى في الخيل.

و قال بعضهم:الحافرة:الأرض الّتي تحفر فيها قبورهم،فسمّاها الحافرة،و المعنى يريد المحفورة،كما قال:

ماءٍ دافِقٍ الطّارق:6،مدفوق.(الأزهريّ 5:17)

أبو عبيدة :يقال:أحفر المهر للإثناء و الإرباع و القروح،و أفرّت الإبل للإثناء،إذا ذهبت رواضعها و طلع غيرها.

يقال:أحفر المهر إحفارا فهو محفر،و إحفاره أن يتحرّك الثّنيّتان السّفليان و العلييان من رواضعه،فإذا تحرّكن قالوا:قد أحفرت.

ثنايا رواضعه فسقطن.

و أوّل ما يحفرن فيما بين ثلاثين شهرا أدنى ذلك إلى ثلاثة أعوام،ثمّ يسقطن،فيقع عليها اسم الإبداء،ثمّ يبدي فيخرج له ثنيّتان سفليان و ثنيّتان علييان مكان ثناياه الرّواضع الّتي سقطن بعد ثلاثة أعوام،فهو مبد.

ثمّ يثنّي فلا يزال ثنيّا حتّى يحفر إحفارا،و إحفاره أن يتحرّك له الرّباعيّتان السّفليان و الرّباعيّتان العلييان من رواضعه،و إذا تحرّكن قيل:قد أحفرت رباعيّات رواضعه،فيسقطن.

و أوّل ما يحفرن في استيفائه أربعة أعوام،ثمّ يقع عليها اسم الإبداء،ثمّ لا يزال رباعيّا حتّى يحفر للقروح، و هو أن يتحرّك قارحاه،و ذلك إذا استوفى خمسة أعوام، ثمّ يقع عليه اسم الإبداء على ما وصفنا،ثمّ هو قارح.(الأزهريّ 5:19)

أبو زيد :أتيت فلانا،ثمّ رجعت على حافرتي،أي في طريقي الّذي أصعدت فيه.و يقال:عاد فلان في حافرته،أي طريقته الأولى.(الخطّابيّ 1:472)

لو كانت العنز غزيرة،لحفرها ذلك،لأنّهم يلحّون عليها في الحلب لغزارتها،فتهزل.(أساس البلاغة:88)

ابن الأعرابيّ: أحفر الرّجل،إذا رعى إبله الحفرى، و هو نبت.

و أحفر إذا عمل بالحفراة،و هي الرّفش (1)الّذي تذرّى به الحنطة،و هي الخشبة المصمتة الرّأس،فأمّا المفرّج فهو العضم بالضّاد.و المعزقة في غير هذا:المرّ، و الرّفش في غير هذا:الأكل الكثير.(الأزهريّ 5:18)

حفر،إذا جامع.و حفر،إذا فسد.(الأزهريّ 5:20)ه.

ص: 670


1- في الأصل في الموردين«الرّقش»بالقاف،و الصّواب ما أثبتناه.

ابن السّكّيت:و تقول في مثل:«النّقد عند الحافرة» أي عند أوّل كلمة.

و يقال:التقى القوم فاقتتلوا عند الحافرة،أي عند ما التقوا.قال اللّه تبارك و تعالى: أَ إِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ النّازعات:10،أي في أوّل أمرنا.[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:295)

[و تقول:في أسنانه حفر]هو سلاق في أصول الأسنان،و يقال:أصبح فم فلان محفورا.

(الجوهريّ 2:635)

أبو حاتم: يقال:حافر اليربوع محافرة،و فلان أروغ من يربوع محافر؛و ذلك أن يحفر في لغز من ألغازه فيذهب سفلا،و يحفر الإنسان حتّى يعيي فلا يقدر عليه،و يشبّه عليه الجحر فلا يعرفه من غيره فيدعه،و إذا فعل اليربوع ذلك قيل لمن يطلبه:دعه لقد حافر فلا يقدر عليه أحد.

إنّه إذا حافر أبى أن يحفر التّراب و لا ينبثه و لا يذرّي وجه جحره،يقال:قد حثا،فترى الجحر مملوءا ترابا مستويا مع ما سواه إذا حثا،و يسمّى ذلك:الحاثياء، ممدود،يقال:ما أشدّ اشتباه حاثيائه.(الأزهريّ 5:19)

شمر:[الحفر في الأسنان]:هو أن يحفر القلح أصول الأسنان بين اللّثة و أصل السّنّ،من ظاهر و باطن،يلحّ على العظم حتّى يتقشّر العظم إن لم يدرك سريعا،يقال:

أخذ فيه حفر و حفرة.(الأزهريّ 5:18)

ابن قتيبة :و الحافر ممسك للحبل لا يفارقه ما دام به مربوطا،و الحبل ممسك للحافر.

(تأويل مشكل القرآن:194)

الدّينوريّ: الحفرى ذات ورق و شوك صغار، لا تكون إلاّ في الأرض الغليظة،و لها زهرة بيضاء،و هي تكون مثل جثّة الحمامة.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن سيده 3:310)

الحربيّ: عن أبي هريرة قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:

«لا سبق إلاّ في خفّ أو حافر أو نصل».يريد الإبل،لأنّ لها أخفافا،و للبقر أظلاف،و للخيل حوافر.

و منه قوله:«ليبلغنّ الإسلام مبلغ الخفّ و الحافر» يريد الإبل و الخيل.(2:852)

المبرّد: يقال:حافر موقور،و هو أن يصيبه داء يشبه الرّهصة.و في كلّ حافر حاميتان،و هما حرفاه عن يمين و شمال،و مقدّمه السّنبك،و مؤخّره الدّابرة.

(2:90)

هذه[الحافرة]كلمة كانوا يتكلّمون بها عند السّبق، و الحافرة:الأرض المحفورة.أقلّ ما يقع حافر الفرس على الحافرة فقد وجب النّقد،يعني في الرّهان،أي كما يسبق فيقع حافره عليها،تقول:هات النّقد.(الأزهريّ 5:17)

ثعلب :و بأسنانه حفر و حفر،بسكون الفاء و فتحها، إذا فسدت أصولها،و هي صفرة تركب الأسنان،و تأكل اللّثة.(87)

قولهم:«النّقد عند الحافرة»معناه النّقد عند السّبق؛ و ذلك أنّ الفرس إذا سبق أخذ الرّهن.و الحافرة:الّتي حفر الفرس بقوائمه،قال اللّه تعالى: أَ إِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ النّازعات:10.

و الحافرة:الأرض،و الأصل فيها:محفورة،فصرفت عن مفعولة إلى فاعلة،كما قيل:ماء دافق،أي مدفوق.

ص: 671

و سرّ كاتم:أي مكتوم.(الخطّابيّ 1:472)

كراع النّمل:و الحفر:الهزال.

(ابن سيده 3:310)

ابن دريد :و الحفر:معروف،و هو مصدر حفرت الأرض أحفرها حفرا.و الموضع المحفور:الحفير و الحفرة، و التّراب المستخرج من الحفرة.

الحفر:و هذا باب مطّرد،حفرت الشّيء و ما أخرجته حفر،و هدمت الشّيء هدما و ما سقط منه هدم،و نقضت الشّيء أنقضه نقضا،و ما سقط منه نقض.

و الحفر و الحفير:موضعان بين مكّة و البصرة.

و في أسنان الرّجل الحفر،و هو نقد فيها أو اصفرار أو فساد.

و حفرت أسنانه حفرا،و قالوا:حفرا أيضا.

و حفير:موضع معروف.

و حافر الدّابّة:معروف،و إنّما سمّي حافرا،لأنّه يؤثّر في الأرض.

و الحفرى:ضرب من النّبات.

و الحافرة،من قولهم:رجع فلان على حافرته:إذا رجع على الطّريق الّذي أخذ فيه.

و رجع الشّيخ على حافرته،إذا خرف.

و قولهم:«النّقد عند الحافر»أي حاضر،و أصله:أنّ الخيل كانت أكرم ما يتبايعونه بينهم،و كانوا لا يبيعونها بنسيئة،فيقول الرّجل للرّجل:النّقد عند الحافر،أي لا يزول حافره حتّى تأخذ ثمنه.

و قال آخرون:لا نبرح من مقامنا حتّى نزن ثمن الفرس،ثمّ كثر ذلك في كلامهم حتّى صار كلّ ما يباع بنقد قيل:النّقد عند الحافر،و يقال أيضا:عند الحافرة.

و كلّ حديدة حفرت بها الأرض فهي حافر و محفار و محفرة.

و الأحفار:مواضع معروفة.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:138)

القاليّ: و يقال:نقد الحافر،إذا تقشّر،و حافر نقد.

و يقال:«النّقد عند الحافرة»أي عند أوّل كلمة.

و قال بعض اللّغويّين:كانت الخيل أفضل ما يباع، فإذا اشترى الرّجل الفرس قال له صاحبه:النّقد عند الحافر،أي عند حافر الفرس في موضعه قبل أن يزول.

و قال اللّه تعالى: أَ إِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ، أي إلى خلقنا الأوّل.[ثمّ استشهد بشعر](1:28)

و يقال:إنّه لضبّ تلعة لا يؤخذ مذنّبا و لا يدرك حفرا،أي لا يؤخذ بذنبه و لا يلحق لبعد حفره،و لبعد أغويّته و هي الحفرة.(ذيل الأماليّ 2:68)

الأزهريّ: الأحفار المعروفة في بلاد العرب ثلاثة؛ فمنها:حفر أبي موسى،و هي ركايا احتفرها أبو موسى الأشعريّ على جادّة البصرة،و قد نزلت بها و استقيت من ركاياها،و هي ما بين ماويّة و المنجشانيّات.و ركايا الحفر مسنويّة،بعيدة الرّشاء،عذبة الماء.مسنويّة أي يستقى منها بالسّانية،و هذا كقولهم:زرع مسقويّ،أي يسقى.

و منها حفر ضبّة:و هي ركايا بناحية الشّواجن بعيدة القعر،عذبة الماء.

و منها حفر سعد بن زيد مناة بن تميم:و هي بحذاء العرمة وراء الدّهناء،يستقى منها بالسّانية عند حبل من

ص: 672

حبال الدّهناء،يقال له:حبل الحاضر...(5:16)

[الحفرى]هو من أردإ المراعي.

و يقال:حفرت ثرى فلان،إذا فتّشت عن أمره و وقفت عليه.(5:19،20)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و يقولون:«النّقد عند الحافر»و يروى«عند الحافرة»أي عند أوّل كلمة،و قيل:عند تولية الرّجل عنك عند وجوب البيع.

و يقولون:لا أفعله حتّى يردّ على حافرته،مثل قولهم:عوده على بدئه.

و أصبح فم فلان محفورا:و هو سلاق يأخذ في أصول الأسنان.

و الحفراة و الحفرى:نبت من نبات الرّبيع.

و حفر:أسماء مواضع:حفر الرّباب،و حفر سعد، و حفر بني العنبر.و هو«فعل»بمعنى«مفعول»،لأنّها مواضع محفورة.

و حفير:موضع معروف.

و أحفر المهر إحفارا،للإثناء و الإرباع؛و ذلك إذا تحرّكت ثنيّته و همّت سنّه بالخروج-و حفر الولد النّاقة، و هو أن يمتصّها حتّى يهزلها.

و شرّ حافور و عافور،أي كثير.

و الحافّيرة-مشدّدة الفاء-:سمكة مستديرة سوداء.

(3:84)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّ أبيّ بن كعب قال:سألته عن التّوبة النّصوح؟فقال:هو النّدم على الذّنب حين يفرط منك،فتستغفر اللّه بندامتك عند الحافر،ثمّ لا تعود إليه أبدا».قوله:عند الحافر:معناه عند مواقعة الذّنب لا تؤخّرها،فتكون مصرّا.

و يقال:التقى القوم فاقتتلوا عند الحافرة،أي عند أوّل ما التقوا.(1:472)

الجوهريّ: حفرت الأرض و احتفرتها.و الحفرة:

واحدة الحفر.

و استحفر النّهر:حان له أن يحفر.

و الحفر،بالتّحريك:التّراب يستخرج من الحفرة، و هو مثل الهدم.و يقال:هو المكان الّذي حفر.

و الحافر:واحد حوافر الدّابّة،و قد استعاره الشّاعر في القدم.

و يقال:رجع على حافرته،أي في الطّريق الّذي جاء منه.

و الحفير:القبر.

و حفره حفرا:هزله.يقال:ما حامل إلاّ و الحمل يحفرها،إلاّ النّاقة فإنّها تسمن عليه.

و تقول:في أسنانه حفر،و قد حفرت تحفر حفرا،مثل كسر يكسر كسرا،إذا فسدت أصولها.

و بنو أسد تقول:في أسنانه حفر،بالتّحريك.و قد حفرت حفرا،مثال تعبت تعبا،و هي أردأ اللّغتين.

و أحفر المهر للإثناء و الإرباع و القروح،إذا ذهبت رواضعه و طلع غيرها.

و الحفرى،مثال الشّعرى:نبت.

و الحفراة:الخشبة ذات الأصابع الّتي يذرّى بها.

(2:634)

ابن فارس: الحاء و الفاء و الرّاء أصلان:أحدهما:

ص: 673

حفر الشّيء،و هو قلعه سفلا،و الآخر:أوّل الأمر.

فالأوّل:حفرت الأرض حفرا؛و حافر الفرس من ذلك،كأنّه يحفر به الأرض.

و من الباب:الحفر في الفم،و هو تأكّل الأسنان.يقال:

حفر فوه يحفر حفرا.

و الحفر:التّراب المستخرج من الحفرة،كالهدم.

و يقال:هو اسم المكان الّذي حفر.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أحفر المهر للإثناء و الإرباع،إذا سقط بعض أسنانه لنبات ما بعده.

و يقال:ما من حامل إلاّ و الحمل يحفرها،إلاّ النّاقة فإنّها تسمن عليه.فمعنى يحفرها يهزلها.

و الأصل الثّاني:الحافرة،و في قوله تعالى: أَ إِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ النّازعات:10،يقال:إنّه الأمر الأوّل،أي أ نحيا بعد ما نموت؟.

و يقال:الحافرة من قولهم:رجع فلان على حافرته، إذا رجع على الطّريق الّذي أخذ فيه.

و رجع الشّيخ على حافرته،إذا هرم و خرف.

و قولهم:«النّقد عند الحافر»أي لا يزول حافر الفرس حتّى تنقدني ثمنه.و كانت لكرامتها عندهم لا تباع نساء،ثمّ كثر ذلك حتّى قيل في غير الخيل أيضا.

(2:84)

الثّعالبيّ: الحافر للدّابّة،كالفرسن للبعير.(46)

الحافرة:أوّل الأمر،و هي من قول اللّه عزّ و جلّ:

أَ إِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ أي في أمرنا.و يقال في المثل:«النّقد عند الحافرة»أي عند أوّل كلمة.(54)

فصل في ترتيب سنّ الغلام:يقال للصّبيّ إذا ولد:

رضيع،و طفل،ثمّ فطيم،ثمّ دارج،ثمّ حفر،ثمّ يافع،ثمّ شرخ،ثمّ مطبّخ،ثمّ كوكب.(110)

فصل فيما يتولّد في بدن الإنسان من الفضول و الأوساخ:...فإذا كان في الأسنان،فهو حفر.(139)

ابن سيده: حفر الشّيء يحفره حفرا،و احتفره:نقّاه، كما يحفر الأرض بالحديدة.و اسم المحتفر:الحفرة، و الحفيرة،و الحفر.

و الحفر:البئر الموسّعة فوق قدرها.

و الحفر:التّراب المخرج من الشّيء المحفور؛و الجمع من كلّ ذلك:أحفار،و أحافير:جمع الجمع.و قد تكون الأحافير جمع حفير،كقطيع و أقاطيع.

و المحفرة و المحفر و المحفار:المسحاة و نحوها، ممّا يحتفر به.

و ركيّة حفيرة،و حفر بديع؛و جمع الحفر:أحفار.

و أتى يربوعا مقصّعا أو مرهّطا فحفره و حفر عنه و احتفره.

و كانت سورة«براءة»تسمّى الحافرة؛و ذلك لأنّها حفرت عن قلوب المنافقين،و ذلك لأنّه لمّا فرض القتال تبيّن المنافق من غيره،و من يوالي المؤمنين ممّن يوالي أعداءهم.

و الحفر و الحفر:سلاق في أصول الأسنان.و قيل:هو صفرة تعلو الأسنان،و قد حفر فوه،و حفر يحفر حفرا، و حفر حفرا،فيهما.

و أحفر الصّبيّ: سقطت له الثّنيّتان العلييان و السّفليان، فإذا سقطت رواضعه قيل:حفرت.

و أحفر المهر للإثناء و الإرباع:سقطت ثناياه لهما.

ص: 674

و التقى القوم فاقتتلوا عند الحافرة،أي عند أوّل ما التقوا.

و أتيت فلانا ثمّ رجعت على حافرتي،أي طريقي الّذي أصعدت فيه خاصّة،فإن رجع على غيره لم يقل ذلك.[ثمّ استشهد بآية النّازعات:10،و شعر]

و الحافرة:الخلقة الأولى.

و الحافر من الدّوابّ،يكون للخيل و البغال و الحمير، اسم كالكاهل و الغارب؛و الجمع:حوافر.قال:

أولى فأولى يا امرأ القيس بعد ما

خصفن بآثار المطيّ الحوافرا

أراد:خصفن بالحوافر آثار المطيّ،يعني أثار أخفافه، فحذف الباء من«الحوافر»و زاد أخرى عوضا منها في «آثار المطيّ».هذا على قول من لم يعتقد القلب و هو أمثل،فما وجدت مندوحة عن القلب لم ترتكبه.

و من هنا قال بعضهم:معنى قولهم:«النّقد عند الحافر»أنّ الخيل كانت أعزّ ما يباع،فكانوا لا يبارحون من اشتراها حتّى ينقد البائع.و ليس ذلك بقويّ.

و يقولون للقدم:حافر،إذا أرادوا تقبيحها...

و حفر الغرز العنز يحفرها حفرا:أهزلها.

و هذا غيث لا يحفره أحد،أي لا يعلم أحد أين أقصاه.

و الحفرى:نبت،و قيل:هو شجر ينبت في الرّمل لا يزال أخضر،و هو من نبات الرّبيع.[ثمّ ذكر قول الدّينوريّ و قال]

الواحدة من كلّ ذلك:حفراة.

و ناس من اليمن يسمّون الخشبة ذات الأصابع الّتي يذرى بها الكدس المدوس و ينقّى بها البرّ من التّبن:

الحفراة.

و حفرة و حفيرة،و حفير و حفر و يقالان بالألف و اللاّم:موضع.و كذلك أحفار و الأحفار.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](3:309)

الحفر:أن تؤكل اللّثة و تحسر عن الأسنان،و قد حفر الفم يحفر حفرا و حفرا.(الإفصاح 1:494)

حفر السّيل الوادي يحفره حفرا:جعله أخدودا.(الإفصاح 2:985)

حفر البئر و نحوها يحفرها حفرا و احتفرها:نبشها بالمحفار،و هو المسحاة و كلّ ما يحفر به.

(الإفصاح 2:989)

حفر الشّيء يحفره حفرا و احتفره:أحدث فيه حفرة.

و المحفرة و المحفار:كلّ ما يحفر به.

و الحفّار:من صناعته الحفارة.

(الإفصاح 2:1218)

الرّاغب: قال اللّه تعالى: وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ آل عمران:103،أي مكان محفور.و يقال لها:

حفيرة.

و الحفر:التّراب الّذي يخرج من الحفرة،نحو نقض لما ينقض.

و المحفار و المحفر،و المحفرة:ما يحفر به،و سمّي حافر الفرس تشبيها لحفره في عدوه.[إلى أن قال:]

و قيل:رجع على حافرته،و رجع الشّيخ إلى حافرته،أي هرم،نحو قوله: وَ مِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلى أَرْذَلِ الْعُمُرِ النّحل:70.

ص: 675

و قولهم:«النّقد عند الحافرة»لما يباع نقدا،و أصله في الفرس إذا بيع،فيقال:لا يزول حافره أو ينقد ثمنه.

و الحفر:تأكّل الأسنان،و قد حفر فوه حفرا،و أحفر المهر للإثناء و الإرباع.(124)

الزّمخشريّ: حفر النّهر بالمحفار،و احتفره.

و كثر الحفر على الشّطّ،أي تراب الحفر.

و دلّوه في الحفرة و الحفيرة و الحفير،و هو القبر.

و حفر عن الضّبّ و اليربوع ليستخرجه.و يتّسع فيه،فيقال:حفرت الضّبّ و احتفرته.و حافر اليربوع، إذا أمعن في حفره.

و فلان أروغ من يربوع محافر،و هو نصّ مكشوف، و برهان جليّ ينادي على صحّة ما ذكرت في(يخادعون اللّه)و حاشى اللّه.

و هذا البلد ممرّ العساكر،و مدقّ الحوافر.

و فلان يملك الخفّ و الحافر.

و من المجاز:وطئه كلّ خفّ و حافر.

و رجع إلى حافرته،أي إلى حالته الأولى.

و رجع فلان على حافرته،إذا شاخ و هرم.

و التقوا فاقتتلوا عند الحافرة.

و النّقد عند الحافرة و الحافر،و قد ذكرت حقيقة الكلمة في«الكشّاف»عن حقائق التّنزيل.

و حفر فوه و حفر،إذا تأكّلت أسنانه،و في أسنانه حفر،و حفر.و فم فلان محفور،أي حفره الأكال.

و حفرت رواضع المهر،إذا تحرّكت للسّقوط،لأنّها إذا سقطت بقيت منابتها حفرا،فكأنّها إذا نغضت أخذت في الحفر،و أحفر المهر،إذا حفرت رواضعه.

و حفر الفصيل أمّه حفرا،و هو استلاله طرقها،حتّى يسترخي لحمها بامتصاصه إيّاها.

و ما من حامل إلاّ و الحمل يحفرها إلاّ النّاقة،أي يهزلها.

و حفرت ثرى فلان،إذا فتّشت عن أمره.

و تحفّر السّيل:اتّخذ حفرا في الأرض.[و استشهد بالشّعر مرّتين](أساس البلاغة:88)

[ذكر حديث أبيّ بن كعب عن التّوبة و أضاف:] كانوا لكرامة الفرس عندهم و نفاستهم بها لا يبيعونها بالنّساء،فقالوا:«النّقد عند الحافر»و سيّروه مثلا،أي عند بيع الحافر في أوّل وهلة العقد،من غير تأخير، و المراد بالحافر:ذات الحافر و هي الفرس،و من قال:عند الحافرة،فله وجهان:

أحدهما:أنّه لمّا جعل الحافر في معنى الدّابّة نفسها، و كثر استعماله على ذلك من غير ذكر الذّات،فقيل:اقتنى فلان الخفّ و الحافر،أي ذواتهما،ألحقت بتسمية الذّات بها.

و الثّاني:أن يكون«فاعلة»من الحفر،لأنّ الفرس بشدّة دوسها تحفر الأرض،كما سمّيت فرسا لأنّها تفرسها،أي تدقّها.هذا أصل الكلمة،ثمّ كثرت حتّى استعملت في كلّ أوّليّة،فقيل:رجع إلى حافره و حافرته، و فعل كذا عند الحافر و الحافرة.و المعنى:تنجيز النّدامة و الاستغفار عند مواقعة الذّنب من غير تأخير،لأنّ التّأخير من الإصرار.(الفائق:1:293)

نحوه المدينيّ.(1:467)

الطّبرسيّ: و الحافرة بمعنى:المحفورة،مثل ماء دافق،

ص: 676

أي مدفوق.

و قيل:الحافرة:الأرض المحفورة.

و رجع الشّيخ في حافرته،أي رجع من حيث جاء، و ذلك كرجوع القهقرى.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:«النّقد عند الحافر»أي لا يزول حافر الفرس حتّى ينقد الثّمن،لأنّه لكرامته لا يباع نسيئة،ثمّ كثر حتّى قيل في غير الحافرة.(5:429)

ابن الأثير: و منه حديث سراقة:«قال:يا رسول اللّه أ رأيت أعمالنا الّتي نعمل أ مؤاخذون بها عند الحافر؛خير فخير،أو شرّ فشرّ،أو شيء سبقت به المقادير و جفّت به الأقلام؟».

و فيه ذكر«حفر أبي موسى»و هي بفتح الحاء و الفاء:

ركايا احتفرها على جادّة البصرة إلى مكّة.

و فيه ذكر«الحفير»بفتح الحاء و كسر الفاء:نهر بالأردن نزل عنده النّعمان بن بشير.و أما بضمّ الحاء و فتح الفاء،فمنزل بين ذي الحليفة و ملل،يسلكه الحاجّ.

(1:406)

الفيّوميّ: حفرت الأرض حفرا،من باب«ضرب».

و سمّي حافر الفرس و الحمار من ذلك،كأنّه يحفر الأرض بشدّة وطئه عليها.

و حفر السّيل الوادي:جعله أخدودا.

و حفر الرّجل امرأته حفرا:كناية عن الجماع.

و الحفر بفتحتين،بمعنى المحفور،مثل العدد و الخبط و النّفض،بمعنى المعدود و المخبوط و المنفوض.و منه قيل للبئر الّتي حفرها أبو موسى بقرب البصرة:حفر، و تضاف إليه فيقال:«حفر أبي موسى».

و قال الأزهريّ: الحفر:اسم المكان الّذي حفر، كخندق أو بئر؛و الجمع:أحفار،مثل سبب و أسباب.

و الحفيرة:ما يحفر في الأرض«فعيلة»بمعنى «مفعولة»؛و الجمع:حفائر.و الحفرة مثلها؛و الجمع:حفر، مثل غرفة و غرف.و حفرت الأسنان حفرا،من باب «ضرب»و في لغة لبني أسد:حفرت حفرا،من باب «تعب»إذا فسدت أصولها بسلاق يصيبها.حكى اللّغتين الأزهريّ و جماعة.

و لفظ ثعلب و جماعة:بأسنانه حفر و حفر.لكن ابن السّكّيت جعل الفتح من لحن العامّة،و هذا محمول على أنّه ما بلغه لغة بني أسد.(1:141)

الفيروزآباديّ: حفر الشّيء يحفره و احتفره:نقّاه، كما تحفر الأرض بالحديدة،و المرأة:جامعها،و العنز:

هزلها،و ثرى زيد:فتّش عن أمره و وقف عليه،و الصّبيّ:

سقطت رواضعه.

و الحفرة و الحفيرة:المحتفر.

و المحفر و المحفار و المحفرة:المسحاة،و ما يحفر به.

و الحفر بالتّحريك:البئر الموسّعة و يسكّن،و التّراب المخرج من المحفور؛جمعه:أحفار،و جمع الجمع:أحافير، و سلاق في أصول الأسنان أو صفرة تعلوها،و يسكّن، و الفعل كعني و ضرب و سمع.

و أحفر الصّبيّ: سقطت له الثّنيّتان العلييان و السفليان للإثناء و الإرباع،و المهر:سقطت ثناياه و رباعيّاته،و فلانا بئرا:أعانه على حفرها.

و الحفير:القبر.

ص: 677

و الحافر:واحد حوافر الدّابّة.

و التقوا فاقتتلوا عند الحافرة،أي أوّل الملتقى.

و رجعت على حافرتي،أي طريقي الّذي أصعدت فيه.

و الحافرة:الخلقة الأولى،و العود في الشيء حتّى يردّ آخره على أوّله.

و النّقد عند الحافرة و الحافر،أي عند أوّل كلمة.

و أصله:أنّ الخيل أكرم ما كانت عندهم،و كانوا لا يبيعونها نسيئة،يقوله الرّجل للرّجل،أي لا يزول حافره حتّى يأخذ ثمنه.

أو كانوا يقولونها عند السّبق و الرّهان،أي أوّل ما يقع حافر الفرس على الحافر أي المحفور،فقد وجب النّقد.هذا أصله،ثمّ كثر حتّى استعمل في كلّ أوّليّة.

و غيث لا يحفره أحد،أي لا يعلم أقصاه.

و الحفراة بالكسر:نبات؛جمعها:حفرى،و خشبة ذات أصابع ينقّى بها البرّ من التّبن.

و الحافّيرة بشدّ الفاء:سمكة سوداء.

و الحفّار:من يحفر القبر،و فرس سراقة بن مالك الصّحابيّ.

و ككتاب:عود يعوّج ثمّ يجعل في وسط البيت، و يثقب في وسطه،و يجعل العمود الأوسط.(2:12)

الطّريحيّ: و الحفرة بالضّمّ فالسّكون:واحدة الحفر كغرفة و غرف،و منه قولهم:«من حفر حفرة وقع فيها».

و في حديث الميّت:«تؤدّيك إلى حفرتك»يعني إلى قبرك.

و في الحديث:«الرّهان في الحافر».

و الحفر بالتّحريك:التّراب يستخرج من الحفرة.

(3:274)

مجمع اللّغة :1-الحفرة:جزء من الأرض نزع ترابه فانخفض.

2-و رجع فلان إلى حافرته،أي عاد إلى حاله الأولى.(1:272)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حفر الأرض:أحدث فيها حفرة.

و الحافرة:الطّريق الّتي جاء فيها الإنسان و حفرها بمشيه،و يقصد بقولهم:رجع على حافرته و فيها:رجع إلى الأحوال الّتي كان عليها من قبل،أو شاخ و هرم.(1:

139)

محمود شيت:الحفّارة:صنعة الحفّار.

الحفر:ما حفر من الأشياء،و البئر الموسّعة فوق قدرها،و التّراب المستخرج من المكان المحفور،و الهزال، و صفرة تعلو الأسنان؛جمعه:أحفار،و جمع الجمع:

أحافير.

الحفرة:المذراة،و الفأس.

الحفّار:من صناعته الحفارة،و غلب على حافر القبور.

الحافر:قدم الحيوان؛جمعه:حوافر.

الحفر:يقال:التّدريب على الحفر:تدريب العسكريّين على حفر تحصينات الميدان.

حفرة السّلاح:ما يحفر في الأرض لإخفاء السّلاح، و صيانته من نيران العدوّ.

المحفار:آلة الحفر.

ص: 678

الحفّارة:ما يحفر بها بالوسائط الآليّة؛جمعها:

حفّارات.(1:193)

المصطفويّ: و التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة،هو قريب من القلع سفلا.يقال:حفر الأرض، و احتفرها،إذا حفرها باختياره و انتخابه.و الحفرة «فعلة»بمعنى ما يحفر كاللّقمة.و الحفير و الحافر يطلقان على الحفرة.و يطلق الحافر أو الحافرة على حافر الدّابّة، و هو كالقدم من الإنسان باعتبار حفره الأرض و تأثيره فيها،و هذا المعنى متعدّ.

و أمّا استعمال الحافر بمعنى أوّل الأمر:فباعتبار أنّ الحفر أوّل مرتبة من البناء لعمارة أو فلاحة أو استخراج ماء أو إقدام آخر و لو معنى،كتهيئة المورد و إيجاد المقتضى و استعداد المحلّ و توفيق المقدّمات.

و أمّا الحفر في الأسنان:فباعتبار حدوث حفر صغار في الأسنان أو في أطرافها،بعوارض و علل مربوطة.

(2:271)

النّصوص التّفسيريّة

حفرة

...وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها...

آل عمران:103

ابن عبّاس: على طرف هوّة من النّار،يعني الشّطّ و هو الكفر.(53)

الطّبريّ: و كنتم يا معشر المؤمنين-من الأوس و الخزرج-على حرف حفرة من النّار.و إنّما ذلك مثل لكفرهم الّذي كانوا عليه قبل أن يهديهم اللّه للإسلام.

يقول تعالى ذكره:و كنتم على طرف جهنّم بكفركم الّذي كنتم عليه قبل أن ينعم اللّه عليكم بالإسلام، فتصيروا بائتلافكم عليه إخوانا،ليس بينكم و بين الوقوع فيها إلاّ أن تموتوا على ذلك من كفركم،فتكونوا من الخالدين فيها،فأنقذكم اللّه منها بالإيمان الّذي هداكم له.(4:36)

و هكذا أكثر التّفاسير.

القشيريّ: بكونكم تحت أسر مناكم،و رباط حظوظكم و هواكم.(1:279)

الفخر الرّازيّ: المعنى:أنّكم كنتم مشرفين بكفركم على جهنّم،لأنّ جهنّم مشبهة بالحفرة الّتي فيها النّار، فجعل استحقاقهم للنّار بكفرهم كالإشراف منهم على النّار،و المصير منهم إلى حفرتها.فبيّن تعالى أنّه أنقذهم من هذه الحفرة،و قد قربوا من الوقوع فيها.(8:175)

الحافرة

يَقُولُونَ أَ إِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ.

النّازعات:10

ابن عبّاس: إلى الدّنيا.(500)

الحياة.

نحوه القرظيّ و السّدّيّ.(الطّبريّ 30:34)

نحوه العوفيّ(الماورديّ 6:195)،و السّيوطيّ(2:53)، و شبّر(6:357).

أ إنّا لنحيا بعد موتنا،و نبعث من مكاننا هذا؟(الطّبريّ 30:34)

نحوه الحسن(الثّعلبيّ 10:125)،و القمّيّ(2:403).

ص: 679

مجاهد:الأرض،نبعث خلقا جديدا.

(الطّبريّ 30:34)

نحوه قتادة(الطّبريّ 30:34)،و زيد بن عليّ (459).

يعني مشركي قريش و من قال بقولهم في إنكار المعاد،يستبعدون وقوع البعث بعد المصير إلى الحافرة، و هي القبور.(ابن كثير 7:205)

ابن زيد :النّار.(الطّبريّ 30:34)

الفرّاء: يقال:إلى أمرنا الأوّل إلى الحياة،و العرب تقول:أتيت فلانا ثمّ رجعت على حافرتي،أي رجعت إلى حيث جئت.[ثمّ أدام ما ذكرناه في اللّغة](3:232)

نحوه اليزيديّ.(411)

أبو عبيدة :من حيث جئنا،كما قال:رجع فلان في حافرته من حيث جاء،و على حافرته من حيث جاء.(2:284)

نحوه ابن قتيبة.(513)

الطّبريّ: أ إنّا لمردودون إلى حالنا الأولى قبل الممات،فراجعون أحياء كما كنّا قبل هلاكنا،و قبل مماتنا، و هو من قولهم:رجع فلان على حافرته،إذا رجع من حيث جاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال آخرون:الحافرة:الأرض المحفورة الّتي حفرت فيها قبورهم،فجعلوا ذلك نظير قوله: مِنْ ماءٍ دافِقٍ الطّارق:6،يعني مدفوق،و قالوا:الحافرة بمعنى المحفورة، و معنى الكلام عندهم:أ إنّا لمردودون في قبورنا أمواتا؟

و قال آخرون:الحافرة:النّار.(30:33)

الزّجّاج: أي إنّا نردّ في الحياة بعد الموت.[ثمّ قال نحو أبي عبيدة](5:278)

نحوه السّجستانيّ(210)،و طنطاويّ(25:33).

الرّمّانيّ: إنّها الأرض المحفورة.

(الماورديّ 6:195)

الثّعلبيّ: أي إلى أوّل الحال و ابتداء الأمر،فراجعون أحياء كما كنّا قبل حياتنا، (1)و هو من قول العرب:رجع فلان على حافرته،إذا رجع من حيث جاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:البعد عند الحافر و عند الحافرة،أي في العاجل عند ابتداء الأمر و أوّل سومه،و التقى القوم فاقتتلوا عند الحافرة،أي عند أوّل كلمة.

و قال بعضهم:الحافرة:الأرض الّتي فيها تحفر قبورهم فسمّيت حافرة،و هي بمعنى المحفورة،كقوله سبحانه: ماءٍ دافِقٍ الطّارق:6،و عِيشَةٍ راضِيَةٍ الحاقّة:21.

و معنى الآية:لمردودون إلى الأرض فنبعث خلقا جديدا،ثمّ مردودون في قبورنا أمواتا،و هذا قول مجاهد و الخليل بن أحمد.

و قيل:سمّيت الأرض حافرة،لأنّها مستقرّ الحوافر، كما سمّي القدم أرضا،لأنّها على الأرض.و مجاز الآية:نردّ فنمشي على أقدامنا،و هذا معنى قول قتادة.

(10:125)

نحوه البغويّ(5:206)،و الميبديّ(10:399)، و ابن الجوزيّ(9:18)،و القرطبيّ(19:195)،و الخازنه.

ص: 680


1- كذا و الظّاهر«هلاكنا»كما في الطّبريّ،و قد أخذه من الطّبريّ و يوافقه في أكثر كلامه.

(7:172)،و السّمين بتفاوت يسير(6:471)، و الشّربينيّ(4:477).

الطّوسيّ: حكاية عمّا قاله الكافرون المنكرون للبعث و النّشور،فإنّهم ينكرون النّشر و يتعجّبون من ذلك،و يقولون على وجه الإنكار: أَ إِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ.

و قيل:حافرة بمعنى محفورة،مثل: ماءٍ دافِقٍ الطّارق:6،بمعنى مدفوق.

و قال ابن عبّاس و السّدّيّ: (الحافرة):الحياة الثّانية.

و قيل:(الحافرة):الأرض المحفورة،أي نردّ في قبورنا بعد موتنا أحياء.[ثمّ استشهد بشعر]

فالحافرة:الكائنة على حفر أوّل الكرّة.يقال:رجع في حافرته،إذا رجع من حيث جاء؛و ذلك كرجوع القهقرى،فردّوا في الحافرة،أي ردّوا كما كانوا أوّل مرّة، و يقال:رجع فلان على حافرته،أي من حين جاء.(10:254)

نحوه الطّبرسيّ(5:431)،و أبو الفتوح(20:135).

الواحديّ: أ نردّ إلى أوّل حالنا و ابتداء أمرنا،فنصير أحياء كما كنّا.يقال:رجع فلان من حافرته،أي رجع من حيث جاء.و الحافرة عند العرب:اسم لأوّل الشّيء و ابتداء الأمر.(4:419)

نحوه النّسفيّ(4:329)،و المراغيّ(30:25)،و مغنيّة (7:507).

الزّمخشريّ: في الحالة الأولى،يعنون الحياة بعد الموت.

فإن قلت:ما حقيقة هذه الكلمة؟

قلت:يقال:رجع فلان في حافرته،أي في طريقه الّتي جاء فيها فحفرها،أي أثّر فيها بمشيه فيها،جعل أثر قدميه حفرا،كما قيل:حفرت أسنانه حفرا،إذا أثّر الأكال في أسناخها،و الخطّ المحفور في الصّخر.

و قيل:«حافرة»كما قيل:عيشة راضية،أي منسوبة إلى الحفر و الرّضا،أو كقولهم:نهارك صائم،ثمّ قيل لمن كان في أمر فخرج منه ثمّ عاد إليه:رجع إلى حافرته،أي إلى طريقته و حالته الأولى.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:«النّقد عند الحافرة»يريدون عند الحالة الأولى،و هي الصّفقة.

و قرأ أبو حيوة: (في الحفرة)، و الحفرة بمعنى المحفورة.

يقال:حفرت أسنانه فحفرت حفرا،و هي حفرة.و هذه القراءة دليل على أنّ(الحافرة)في أصل الكلمة بمعنى المحفورة.(4:212)

نحوه الفخر الرّازيّ(31:35)،و البيضاويّ ملخّصا (2:537)،و الكاشانيّ(5:280).

ابن عطيّة: (الحافرة):لفظة توقعها العرب على أوّل أمر رجع إليه من آخره،يقال:عاد فلان في الحافرة،إذا ارتكس في حال من الأحوال.[ثمّ استشهد بشعر]

و المعنى: أَ إِنّا لَمَرْدُودُونَ إلى الحياة بعد مفارقتها بالموت.

و قال مجاهد و الخليل :(الحافرة):الأرض«فاعلة» بمعنى محفورة،و قيل:بل هو على النّسب،أي ذات حفر، و المراد:القبور لأنّها حفرت للموتى،فالمعنى:أ إنّا لمردودون أحياء في قبورنا.

و قال زيد بن أسلم:(الحافرة):في النّار.

ص: 681

و قرأ أبو حيوة (في الحفرة) بغير ألف،فقيل:بمعنى الحافرة،و قيل:هي الأرض المنتنة المتغيّرة بأجساد موتاها،من قولهم:حفرت أسنانه،إذا تآكلت و تغيّر ريحها.(5:432)

نحوه أبو حيّان.(8:420)

النّيسابوريّ: أي الحالة الأولى و هي الحياة، و أصله من قولهم:رجع فلان في حافرته،أي طريقه الّتي جاء فيها.جعل أثر قدميه حفرا،فالطّريق في الحقيقة محفورة إلاّ أنّها سمّيت حافرة على الإسناد المجازيّ،أو على وتيرة النّسبة،أي ذات حفر،كما قلنا: فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ القارعة:7،و نحوه: كَرَّةٌ خاسِرَةٌ النّازعات:

12.(30:18)

أبو السّعود : يَقُولُونَ... حكاية لما يقوله المنكرون للبعث المكذّبون بالآيات النّاطقة به،إثر بيان وقوعه بطريق التّوكيد القسميّ،و ذكر مقدّماته الهائلة، و ما يعرض عند وقوعها للقلوب و الأبصار،أي يقولون- إذا قيل لهم:إنّكم تبعثون-منكرين له متعجّبين منه:أ إنّا لمردودون بعد موتنا في الحافرة.[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ ملخّصا](6:367)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه قال:]

أي منسوبة إلى الحفر و الرّضى،أو على تشبيه القابل بالفاعل،أي في تعلّق الحفر بكلّ منهما،فأطلق اسم الثّاني على الأوّل للمشابهة،كما يقال:صام نهاره،تشبيها لزمان الفعل بفاعله.

و قال مجاهد و الخليل بن أحمد:الحافرة:هي الأرض الّتي يحفر فيها القبور،و لذا قال في«التّأويلات النّجميّة» أي حافرة أجسادنا و قبور صدورنا.(10:317)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و قيل:إنّه تعالى شأنه لمّا أقسم على البعث و بيّن ذلّهم و خوفهم،ذكر هنا إقرارهم بالبعث،و ردّهم إلى الحياة بعد الموت.فالاستفهام لاستغراب ما شاهدوه بعد الإنكار، و الجملة مستأنفة استئنافا بيانيّا لما يقولون إذ ذاك.

و الظّاهر ما تقدّم،و إنّ القول في الدّنيا و أيّا ما كان فهو من قولهم:رجع فلان في حافرته،أي طريقته الّتي جاء فيها فحفرها،أي أثّر فيها بمشيه،و القياس:المحفورة.

فهي إمّا بمعنى ذات حفر،أو الإسناد مجازيّ،أو الكلام على الاستعارة المكنيّة بتشبيه القابل بالفاعل، و جعل الحافريّة تخييلا،و ذلك نظير ما ذكروا في عِيشَةٍ راضِيَةٍ. و يقال لكلّ من كان في أمر فخرج منه ثمّ عاد إليه:رجع إلى حافرته.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه المثل:«النّقد عند الحافرة»فقد قيل:الحافرة فيه بمعنى الحالة الأولى،و هي الصّفقة،أي النّقد حال العقد.لكن نقل الميدانيّ عن ثعلب أنّ معناه:النّقد عند السّبق،و ذلك أنّ الفرس إذا سبق أخذ الرّهن.

و(الحافرة):الأرض الّتي حفرها السّابق بقوائمه،على أحد«التّأويلات».

و قيل:(الحافرة)جمع الحافر بمعنى القدم،أي يقولون:

أ إنّا لمردودون أحياء نمشي على أقدامنا و نطأ بها الأرض.

و لا يخفى أنّ أداء اللّفظ هذا المعنى غير ظاهر.

و عن مجاهد:(الحافرة):القبور المحفورة،أي لمردودون أحياء في قبورنا.و عن زيد بن أسلم:هي النّار، و هو كما ترى.

ص: 682

و قرأ أبو حيوة و أبو بحريّة و ابن أبي عبلة (في الحفرة) بفتح الحاء و كسر الفاء،على أنّه صفة مشبّهة من حفر اللاّزم ك«علم»،مطاوع حفر بالبناء للمجهول.يقال:

حفرت أسنانه فحفرت حفرا بفتحتين،إذا أثّر الأكال في أسناخها و تغيّرت،و يرجع ذلك إلى معنى المحفورة.و قيل:

هي الأرض المنتنة المتغيّرة بأجساد موتاها.(30:27)

نحوه ملخّصا القاسميّ.(17:6046)

بنت الشّاطئ:و الحفرة في اللّغة معروفة،و الحفر:

إخراج التّراب من الحفرة،و المحفرة:المسحاة أو ما يحفر به،و سمّي حافر الفرس لحفره في عدوه.و سمّوا القبر حفيرا،كما سمّوا من يحفر القبور حفّارا.

أمّا الحافرة فأصل استعمالها أنّ العرب كانت لا تبيع الخيل نسيئة،بل تقول:«النّقد عند الحافرة»تعني ألاّ يزول حافر الحصان عن مكانه حتّى ينقد ثمنه،ثمّ نقل استعماله إلى كلّ حالة أولى،و منه قيل للخلقة الأولى:

حافرة-قاموس،البحر المحيط-و قالوا:رجع فلان في حافرته،أي في طريقه الّتي جاء فيها فحفرها،أي أثّر فيها بمشيه،جعلوا أثر قدميه حفرا.

و قد جاءت المادّة في القرآن مرّتين:آل عمران:

103: وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ، و النّازعات:

10: أَ إِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ.

و بكلا المعنيين:حفرة القبر،و الحالة الأولى:فسّرت آية النّازعات،و قد اقتصر الزّمخشريّ على المعنى الثّاني، و مثله الشّيخ محمّد عبده.

و قيل:(الحافرة):النّار،ذكره أبو حيّان،و هو ما لا يستطاع حمل اللّفظ عليه،فيما نرى،إلاّ على بعد و تكلّف.

و قيل:(الحافرة):جمع حافر،بمعنى القدم،أي أحياء نمشي على أقدامنا،و نطأ بها الأرض.و ليس من الهيّن عندنا أن يستعمل الحافر للإنسان إلاّ أن يستعار.

و قال ابن عبّاس:(الحافرة)الحياة الثّانية«جاء في الطّبريّ و البحر».

و الأولى أن يستبقي اللّفظ دلالته اللّغويّة على حفرة القبر،و على الحالة الأولى.فيكون السّؤال حين ترجف الراجفة:أ إنّا لمردودون إلى الحياة؛إذ نحن في حفرة القبر؟

(1:119)

سيّد قطب :أ نحن مردودون إلى الحياة،عائدون في طريقنا الأولى.يقال:رجع في حافرته،أي في طريقه الّتي جاء منها.فهم في وهلتهم و ذهولهم يسألون:إن كانوا راجعين في طريقهم إلى حياتهم؟و يدهشون:كيف يكون هذا بعد إذ كانوا عظاما نخرة.منخوبة يصوت فيها الهواء؟

و لعلّهم يفيقون،أو يبصرون،فيعلمون أنّها كرّة إلى الحياة،و لكنّها الحياة الأخرى،فيشعرون بالخسارة و الوبال في هذه الرّجعة،فتندمنّهم تلك الكلمة قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ. النّازعات:12.(6:3813)

مجمع اللّغة :أي أ نعود في الدّنيا كما كنّا،أو في الخلق الأوّل و إلى الحياة بعد الموت.(1:272)

ابن عاشور :و المراد ب(الحافرة):الحالة القديمة، يعني الحياة.و إطلاقات الحافرة كثيرة في كلام العرب، لا تتميّز الحقيقة منها عن المجاز.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و اعتبره الأظهر](30:62)

الطّباطبائيّ: و(الحافرة):على ما قيل:أوّل الشّيء

ص: 683

و مبتداه،و الاستفهام للإنكار استبعادا،و المعنى يقول هؤلاء:أ إنّا لمردودون بعد الموت إلى حالتنا الأولى و هي الحياة؟

و قيل:(الحافرة)بمعنى المحفورة،و هي أرض القبر، و المعنى:أ نردّ من قبورنا بعد موتنا أحياء،و هو كما ترى.

و قيل:الآية تخبر عن اعترافهم بالبعث يوم القيامة، و الكلام كلامهم بعد الإحياء،و الاستفهام للاستغراب، كأنّهم لمّا بعثوا و شاهدوا ما شاهدوا يستغربون ما شاهدوا،فيستفهمون عن الرّدّ إلى الحياة بعد الموت.و هو معنى حسن لو لم يخالف ظاهر السّياق.(20:185)

عبد الكريم الخطيب :أي أ نردّ إلى الحياة الدّنيا مرّة أخرى بعد أن نموت،و نتحوّل إلى عظام بالية؟إنّ هذه الأحداث لتشير إلى أنّ هناك بعثا و حياة بعد الموت.

لقد قال الّذين يحدّثوننا عن يوم القيامة:إنّ هناك إرهاصات تسبقه،و هذه هي الإرهاصات.فهل يقع البعث حقّا؟إنّ ذلك ممّا تشهد له هذه الأحداث.

و هكذا تتردّد في صدورهم الخواطر المزعجة، و الوساوس المفزعة.(15:1434)

المصطفويّ: الظّرف في محلّ حال،و المعنى:أ نحن نردّ مع كوننا مقبورين في القبور،و كنّا عظاما نخرة تحت الأرض،و في تلك الحفر.

و المفسّرون غفلوا عن حقيقة معنى«الحافر»و عن استعماله مقرونا بحرف«في»دون«إلى»أو«على»، و يشير إلى هذا القول في«المفردات».

و لا يخفى أنّ صيغة«فاعل»قد تكون لمجرّد نسبة الحدث إلى الذّات،و للثّبوت،كما في الصّفات المشبّهة المأخوذة من الأفعال المتعدّية،فلا تكون متعدّية، كالهالك و الحافر.(2:271)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحفر،و هو المكان الّذي حفر،و كذا التّراب المخرج من الشّيء المحفور،سمّي به للمقاربة؛و الجمع:أحفار و أحافير.يقال:استحفر النّهر، أي حان له أن يحفر.

و الحفر:البئر الموسّعة فوق قدرها،و هي الحفيرة و الحفير أيضا.يقال:ركيّة حفيرة،و حفر بديع.

و الحفرة:ما يحفر في الأرض،كالحفر؛و الجمع:حفر.

و الحفير:القبر،«فعيل»بمعنى«مفعول».

و المحفر و المحفرة و المحفار:المسحاة و نحوها ممّا يحتفر به.

و الحفراة:الرّفش الّذي يذرّى به الحنطة،و هي الخشبة المصمتة الرّأس.يقال:أحفر الرّجل،أي عمل بالحفراة.

و الحافرة:الأرض الّتي تحفر فيها قبورهم،أي المحفورة،«فاعلة»بمعنى«مفعولة».

و الحفر و الحفر:فساد أصول الأسنان،و ما يعلوها من صفرة و سلاق.يقال:حفرت أسنانه تحفر حفرا،و في أسنانه حفر،و قد حفرت تحفر حفرا و حفرت تحفر:

فسدت أصولها.و أخذ فمه حفر و حفر،و أصبح فم فلان محفورا،و قد حفر فوه،و حفر يحفر حفرا،و حفر حفرا.

و أحفر الصّبيّ: سقطت له الثّنيّتان العلييان و السّفليان، فإذا سقطت رواضعه قيل:حفرت،و كذلك أحفر المهر

ص: 684

إحفارا فهو محفر،و أحفر المهر للإثناء و الإرباع و القروح:

سقطت ثناياه لذلك.

و الحفر:الهزال.يقال:حفر الغرز العنز يحفرها حفرا، أي أهزلها.

و الحافر من الدّوابّ:واحد حوافر الدّابّة،يكون للخيل و البغال و الحمير،من الحفر،لأنّها تحفر الأرض بشدّة دوسها.

و الحافرة:مؤنّث الحافر،و ألحقت به علامة التأنيث إشعارا بتسمية الذّات بها،و في المثل:«النّقد عند الحافرة و الحافر»،يقال ذلك في الرّهان،أي يجب النّقد عند ما يقع حافر الفرس على الحافرة،أي على الأرض.و يقال عند بيعه أيضا،إذا قال:قد بعتك،رجعت عليه بالثّمن.

و الحافرة أيضا:مكان التقاء المتقاتلين،لأنّه يحفر بحوافر خيولهم.يقال:التقى القوم فاقتتلوا عند الحافرة، و أتيت فلانا ثمّ رجعت على حافرتي،أي رجعت من حيث جئت،كأنّي حفرته بقدميّ عند مجيئي.

و الحافرة:الخلقة الأولى،و هو مجاز من الحفر.

و من المجاز أيضا قولهم:حفرت ثرى فلان،أي فتّشت عن أمره و وقفت عليه،و هذا غيث لا يحفره أحد:

لا يعلم أحد أين أقصاه،و حفر:جامع،و فسد،و حفر الشّيء يحفره حفرا و احتفره:نقّاه،كما تحفر الأرض بالحديدة.

2-و الحفريّات:علم مستحدث يبحث عن المتحجّرات و البقايا العضويّة للكائنات الحيّة الّتي اندفنت في جوف الأرض منذ عصور سحيقة.

3-و استعمل من لا دراية له في اللّغة من المعاصرين لفظ الحفر بدل«النّقش»،فسمّى النّقش على المعادن و الصّفائح المعدنيّة و الأخشاب حفرا،و هو خلاف الأصل.اللّهمّ إلاّ بملاحظة انصراف«النّقش»إلى مجرد التّصوير بلا نحت و حفر،و(الحفر)خاصّ بما فيه حفرة.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظان:«حفرة و الحافرة»في آيتين:

1- ...وَ كُنْتُمْ عَلى شَفا حُفْرَةٍ مِنَ النّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها... آل عمران:103

2- يَقُولُونَ أَ إِنّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ

النّازعات:10

يلاحظ أوّلا:جاءت«حفرة»في(1)بمعنى الهوّة، و فيه بحوث:

1-استعملت الحفرة و ما يدانيها معنى في الدّرجات المنحطّة،و هي الأخدود: قُتِلَ أَصْحابُ الْأُخْدُودِ* اَلنّارِ ذاتِ الْوَقُودِ البروج:4،5،و البئر: فَكَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها وَ هِيَ ظالِمَةٌ فَهِيَ خاوِيَةٌ عَلى عُرُوشِها وَ بِئْرٍ مُعَطَّلَةٍ وَ قَصْرٍ مَشِيدٍ الحجّ:45،و الرّسّ: وَ عاداً وَ ثَمُودَ وَ أَصْحابَ الرَّسِّ وَ قُرُوناً بَيْنَ ذلِكَ كَثِيراً الفرقان:38،و الجبّ: قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ لا تَقْتُلُوا يُوسُفَ وَ أَلْقُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يوسف:10، فَلَمّا ذَهَبُوا بِهِ وَ أَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يوسف:15.

كما استعمل ما يناقضها معنى في الدّرجات الرّفيعة، كالغرف: لكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِنْ فَوْقِها غُرَفٌ مَبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ الزّمر:20، و الرّبوة: كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها

ص: 685

ضِعْفَيْنِ البقرة:265،و الدّرجات: فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى طه:75.قال ابن عبّاس:«الدّرك لأهل النّار كالدّرج لأهل الجنّة،إلاّ أنّ الدّرجات بعضها فوق بعض،و الدّركات بعضها أسفل من بعض».

2-ذكرت«حفرة»هنا كناية عن الحالة المتردّية الّتي كانوا عليها في الجاهليّة-و تنكيرها تأكيد لها-و لو أراد خطر النّار و العذاب فيها فقط،لقال:و كنتم على شفا النّار،كقوله: أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ التّوبة:109،أ لا ترى أنّه لا يجوز أن تكون(حفرة)بدلا من(النّار)،لأنّهما ليسا بمعنى واحد؟و مِنَ النّارِ: جارّ و مجرور متعلّق بمحذوف نعت ل(حفرة)،و نظيره قوله: لَهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ ظُلَلٌ مِنَ النّارِ الزّمر:16.

3-اختلفوا في الضّمير:(منها)في فَأَنْقَذَكُمْ مِنْها علام يعود؟قالوا:هو عائد على النّار،لأنّه الأقرب، و قال آخرون:على(حفرة)و قال بعض:على(شفا)، و هو مذكّر اكتسب التّأنيث ممّا أضيف إليه،و هو حفرة.

و نرى أنّه يعود على(حفرة)حسب القول الثّاني،لما ذكرنا في النّقطة(2)،و به يستقيم المعنى و يستغني عن التّقدير و التّمحّل.

4-و الجدير بالذّكر أنّ(الإنقاذ)يقال لمن سقط في الماء و غيره فأنجاه أحد،و هم لم يسقطوا هنا بعد في النّار، لكنّهم كانوا مشرفين على السّقوط فعبّر عن حفظهم من السّقوط ب(الإنقاذ)مبالغة في الإشراف،و القرب من السّقوط.[لاحظ ن ق ذ:«أنقذ»]

ثانيا:جاءت(الحافرة)في الثّانية على«فاعلة» خلافا للفظها معنى لأنّها بمعنى المحفورة،أو موافقة له بمعنى ذات حفرة،و فيها بحوث:

1-فسّرت بالحياة،و الدّنيا،و الأرض أو الأرض المحفورة،و القبور،و النّار و غير ذلك.و هي حكاية لقول مشركي مكّة في الدّنيا إنكارا للبعث و النّشور،أو قول الكافرين في الآخرة استغرابا.

و قال الطّبريّ في معناه:«أ إنّا لمردودون إلى حالنا الأولى قبل الممات،فراجعون أحياء كما كنّا قبل هلاكنا و قبل مماتنا،و هو من قولهم:رجع فلان على حافرته،إذا رجع من حيث جاء...و قال آخرون:الحافرة:الأرض المحفورة الّتي حفرت فيها قبورهم،فجعلوا ذلك نظير قوله: مِنْ ماءٍ دافِقٍ الطّارق:6،يعني مدفوق،و قالوا:

الحافرة بمعنى المحفورة،و معنى الكلام عندهم:أ إنّا لمردودون في قبورنا أمواتا»؟

و قال الثّعلبيّ: «قيل:سمّيت الأرض حافرة لأنّها مستقرّ الحوافر،كما سمّي القدم أرضا لأنّها على الأرض، و مجاز الآية:نردّ نمشي على أقدامنا».

و فسّرها الزّمخشريّ بالحالة الأولى،أي الحياة بعد الموت،و قال:«يقال:رجع فلان في حافرته،أي في طريقه الّتي جاء فيها فحفرها،أي أثّر فيها بمشيه فيها، جعل أثر قدميه حفرا،كما قيل:حفرت أسنانه حفرا،إذا أثّر الأكال في أسناخها».

و قال ابن عطيّة:«قيل:بل هو على النّسب،أي ذات حفر،و المراد:القبور،لأنّها حفرت للموتى،فالمعنى أ إنّا لمردودون أحياء في قبورنا؟...و قيل:هي الأرض المنتنة المتغيّرة بأجساد موتاهم،من قولهم:حفرت أسنانه،إذا

ص: 686

تأكّلت و تغيّر ريحها».

و نسبها البروسويّ إلى الحفر ثمّ قال:«أو على تشبيه القابل بالفاعل،أي في تعلّق الحفر بكلّ منهما،فأطلق اسم الثّاني على الأوّل للمشابهة،كما يقال:صام نهاره، تشبيها لزمان الفعل بفاعله».

و قال الآلوسيّ: «قيل:الحافرة:جمع الحافر بمعنى القدم،أي يقولون:أ إنّا لمردودون أحياء نمشي على أقدامنا و نطأ بها الأرض؟و لا يخفى أنّ أداء اللّفظ هذا المعنى غير ظاهر».

2-جعل الرّاغب قوله:(فى الحافرة)موضع الحال، أي أ إنّا لمردودون و نحن في الحافرة؟يعني في القبور.و هو بعيد،لأنّ إنكار الكافرين أو استغرابهم هو لبعثهم و نشورهم،كما ذهب إليه المفسّرون،و ليس لحالهم و مآلهم،و سياق السّورة ينبئ بذلك،كقوله: أَ إِذا كُنّا عِظاماً نَخِرَةً النّازعات:11.

و تبعه المصطفويّ فقال:«الظّرف في محلّ حال، و المعنى:أ نحن نردّ مع كوننا مقبورين في القبور،و كنّا عظاما نخرة تحت الأرض و في تلك الحفر.و المفسّرون غفلوا عن حقيقة معنى الحافر و عن استعماله مقرونا بحرف«في»دون«إلى»أو«على»،و يشير إلى هذا القول في المفردات».

و لا يخفى ضعف حجّته و خطل كلامه؛إذ قوله:

«أ نحن نردّ مع كوننا مقبورين في القبور»خال من الحال، لأنّ«مقبورين»خبر«كوننا»،و لا يسوغ في اللّغة:أقبره في القبر.

3-قرئ (في الحفرة) ،أي المحفورة،قال الزّمخشريّ:

«و هذه القراءة دليل على أنّ(الحافرة)في أصل الكلمة بمعنى المحفورة».

و(الحافرة)على القراءة المشهورة رويّ للألفاظ:

الرّاجفة،و الرّادفة،و واجفة،و خاشعة قبلها،و خاسرة، و واحدة،و بالسّاهرة بعدها.و(الحفرة)على القراءة غير المشهورة رويّ للفظ(نخرة)الّذي يليها مباشرة،و قرئ اللّفظ الأخير أيضا (ناخرة) على وزن«فاعلة»كسائر الألفاظ المذكورة.

ص: 687

ص: 688

ح ف ظ

اشارة

25 لفظا،44 مرّة:31 مكّيّة،13 مدنيّة

في 23 سورة:16 مكّيّة،7 مدنيّة

حفظ 1:-1 حافظين 4:4

حفظناها 1:1 الحافظين 1:-1

يحفظوا 1:-1 محفوظ 1:1

يحفظونه 1:-1 محفوظا 1:1

يحفظن 1:-1 حفظة 1:1

نحفظ 1:1 حفيظ 8:8

احفظوا 1:-1 حفيظا 3:2-1

حافظ 1:1 حفظا 2:2

حافظا 1:1 حفظهما 1:-1

حافظات 1:-1 يحافظون 3:3

الحافظات 1:-1 حافظوا 1:-1

حافظون 5:5 استحفظوا 1:-1

الحافظون 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحفظ:نقيض النّسيان،و هو التّعاهد و قلّة الغفلة.

و الحفيظ:الموكّل بالشّيء يحفظه.

و الحفظة:جمع الحافظ،و هم الّذين يحصون أعمال بني آدم من الملائكة.

و الاحتفاظ:خصوص الحفظ.تقول:احتفظت به لنفسي،و استحفظته كذا،أي سألته أن يحفظه عليك.

و التّحفّظ:قلّة الغفلة حذرا من السّقطة في الكلام و الأمور.

و المحافظة:المواظبة على الأمور من الصّلوات، و العلم و نحوه.

و الحفاظ:المحافظة على المحارم،و منعها عند الحروب.

و الاسم منه:الحفيظة،يقال:هو ذو حفيظة.

و أهل الحفائظ:المحامون من وراء إخوانهم متعاهدون لأمورهم،مانعون لعوراتهم.

و الحفظة:مصدر الاحتفاظ عند ما يرى من حفيظة

ص: 689

الرّجل.تقول:أحفظته فاحتفظ حفظة،أي أغضبته.

و تقول:احفاظّت الجيفة،أي انتفخت.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:198)

ابن شميّل: الطّريق الحافظ،هو البيّن المستقيم الّذي لا ينقطع.فأمّا الطّريق الّذي يبين مرّة ثمّ ينقطع أثره و يمحى فليس بحافظ.(الأزهريّ 4:460)

أبو عمرو الشّيبانيّ: يقال:ما أحفظ كتاب هذا المصحف!إذا لم يكن فيه خطأ،و هو حفيظ الخطّ.

(1:160)

أبو زيد :أحفظته إحفاظا و أحشمته إحشاما و أوأبته إيئابا؛و الاسم الإبة،و كلّه واحد؛و ذلك إذا عبته عند القوم و أسمعته ما يكره حتّى يغضبه،و هي الحفظة و الحشمة و الحشمة.(246)

اللّحيانيّ: و رجل حافظ من قوم حفّاظ و حفيظ.

و إنّه لحافظ العين،أي لا يغلبه النّوم.

(ابن سيده 3:284)

ابن السّكّيت: يقال:واظب على الشّيء يواظب مواظبة.و حافظ عليه يحافظ محافظة،و حارض يحارض محارضة.(443)

و قد أحفظت الرّجل إحفاظا،إذا أغضبته.و قد حفظت العلم و غيره أحفظه حفظا.

(إصلاح المنطق:230)

ابن دريد :حفظت الشّيء أحفظه حفظا،و حافظت على الرّجل محافظة و حفاظا،إذا حفظته في مغيبه.

و أحفظني الشّيء إحفاظا،إذا أغضبني.

و الحفيظة:الحميّة،و مثل من أمثالهم:«إنّ الحفائظ تنقض الأحقاد».و تفسير هذا:أنّه إذا كان بينك و بين ابن عمّك عداوة،و عليه في قلبك حقد،ثمّ رأيته يظلم حميت له،فنسيت ما في قلبك و نصرته.

و الحفظة نحو الحفيظة.[ثمّ استشهد بشعر].

(2:174)

الأزهريّ: الحفيظ:من صفات اللّه جلّ و عزّ، لا يعزب عن حفظه الأشياء كلّها مثقال ذرّة في السّماوات و لا في الأرض،و قد حفظ على خلقه و عباده ما يعملون من خير أو شرّ،و قد حفظ السّماوات و الأرض بقدرته و لا يئوده حفظهما،و هو العليّ العظيم.

و رجل حافظ و قوم حفّاظ،و هم الّذين رزقوا حفظ ما سمعوا،و قلّما ينسون شيئا يعونه.

و يقال:حافظ على الأمر و العمل و ثابر عليه بمعنى، و حارض و بارك،إذا داوم عليه.

الحفاظ:المحافظة على العهد،و الوفاء بالعقد، و التّمسّك بالودّ.

و الحفيظة:الغضب لحرمة تنتهك من حرماتك،أو جار ذي قرابة يظلم من ذويك،أو عهد ينكث.

و المحفظات:الأمور الّتي تحفظ الرّجل،أي تغضبه إذا وتر في حميمه أو في جيرانه.[ثمّ استشهد بشعر]

و حرم الرّجل:محفظاته أيضا.

و قال اللّيث:احفاظّت الجيفة،إذا انتفخت.

قلت:هذا تصحيف منكر،و الصّواب:اجفأظّت بالجيم.و روى سلمة عن الفرّاء أنّه قال:الجفيظ:المقتول المنتفخ بالجيم،و هكذا قرأت في نوادر ابن بزرج له بخطّ أبي الهيثم الّذي عرفته له:اجفأظّت بالجيم،و الحاء

ص: 690

تصحيف.و قد ذكر اللّيث هذا الحرف في كتاب الجيم، فظننت أنّه كان متحيّرا فيه،فذكره في موضعين.

(4:458)

الصّاحب:الحفظ:ضدّ النّسيان.

و الحفيظ:الموكّل بالشّيء يحفظه،و كذلك الحافظ.

و الحفظة:الجماعة؛منه:و رجل حافظ و قوم حفّاظ.

و التّحفّظ:قلّة الغفلة في الأمور.

و المحافظة:المواظبة على الصّلاة و غيرها.

و الحفاظ:المحافظة على المحارم؛و الاسم:الحفيظة.

و أهل الحفائظ:أهل الحفاظ.

و الحفظة:مصدر الاحتفاظ.عند ما ترى من حفيظة الرّجل،تقول:احتفظته فاحتفظ حفظة.و منه قولهم في المثل:«الحفائظ تحلّل الأحقاد».

و احفاظّت الجيفة:انتفخت.(3:61)

الجوهريّ: حفظت الشّيء حفظا،أي حرسته.

و حفظته أيضا،بمعنى استظهرته.

و الحفظة:الملائكة الّذين يكتبون أعمال بني آدم.

و المحافظة:المراقبة.

و يقال:إنّه لذو حفاظ و ذو محافظة،إذا كانت له أنفة.

و الحفيظ:المحافظ،و منه قوله تعالى: وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ هود:86.

يقال:احتفظ بهذا الشّيء،أي احفظه.و التّحفّظ:

التّيقّظ و قلّة الغفلة.

و تحفّظت الكتاب،أي استظهرته شيئا بعد شيء.

و حفّظته الكتاب،أي حملته على حفظه.

و استحفظته:سألته أن يحفظه.

و الحفيظة:الغضب و الحميّة،و كذلك الحفظة بالكسر.و قد أحفظته فاحتفظ،أي أغضبته فغضب.[ثمّ استشهد بشعر]

و قولهم:«إنّ الحفائظ تنقض الأحقاد»،أي إذا رأيت حميمك يظلم حميت له و إن كان عليه في قلبك حقد.(3:

1172)

ابن فارس: الحاء و الفاء و الظّاء أصل واحد،يدلّ على مراعاة الشّيء،يقال:حفظت الشّيء حفظا.

و الغضب:الحفيظة،و ذلك أنّ تلك الحال تدعو إلى مراعاة الشّيء.يقال للغضب:الإحفاظ،يقال:أحفظني، أي أغضبني.

و التّحفّظ:قلّة الغفلة.

و الحفاظ:المحافظة على الأمور.(2:87)

أبو هلال :الفرق بين الحفظ و الرّعاية:أنّ نقيض الحفظ:الإضاعة،و نقيض الرّعاية:الإهمال،و لهذا يقال للماشية إذا لم يكن لها راع:همل.و الإهمال هو ما يؤدّي إلى الضّياع،فعلى هذا يكون الحفظ:صرف المكاره عن الشّيء لئلاّ يهلك،و الرّعاية:فعل السّبب الّذي يصرف المكاره عنه.

و من ثمّ يقال:فلان يرعى العهود بينه و بين فلان، أي يحفظ الأسباب الّتي تبقى معها تلك العهود،و منه راعي المواشي لتفقّده أمورها،و نفي الأسباب الّتى يخشى عليها الضّياع منها.

فأمّا قولهم للسّاهر:إنّه يرعى النّجوم،فهو تشبيه براعي المواشي،لأنّه يراقبها كما يراقب الرّاعي مواشيه.

الفرق بين الحفظ و الكلاءة:أنّ الكلاءة هي إمالة

ص: 691

الشّيء إلى جانب يسلم فيه من الآفة،و من ثمّ يقال:

كلأت السّفينة،إذا قرّبتها إلى الأرض،و الكلاء:مرفأ السّفينة،فالحفظ أعمّ،لأنّه جنس الفعل،فإن استعملت إحدى الكلمتين في مكان الأخرى فلتقارب معنييهما.

الفرق بين الحفظ و الحراسة:أنّ الحراسة حفظ مستمرّ،و لهذا سمّي الحارس حارسا،لأنّه يحرس في اللّيل كلّه،أو لأنّ ذلك صناعته فهو يديم فعله؛و اشتقاقه من «الحرس»و هو الدّهر.

و الحراسة هو أن يصرف الآفات عن الشّيء قبل أن تصيبه صرفا مستمرّا،فإذا أصابته فصرفها عنه سمّي ذلك تخليصا،و هو مصدر؛و الاسم:الخلاص.و يقال:

حرس اللّه عليك النّعمة،أي صرف عنها الآفة صرفا مستمرّا.

و الحفظ لا يتضمّن معنى الاستمرار،و قد حفظ الشّيء و هو حافظ،و الحفيظ مبالغة.

و قالوا:الحفيظ في أسماء اللّه بمعنى العليم و الشّهيد، فتأويله الّذي لا يعزب عنه الشّيء.و أصله:أنّ الحافظ للشّيء عالم به في أكثر الأحوال،إذا كان من خفيت عليه أحواله لا يتأتّى له حفظه.

و الحفيظ بمعنى عليم توسّع،أ لا ترى أنّه لا يقال:إنّ اللّه حافظ لقولنا و قدّامنا،على معنى قولنا:فلان يحفظ القرآن،و لو كان حقيقة لجرى في باب العلم كلّه.

الفرق بين الحفيظ و الرّقيب:أنّ الرّقيب هو الّذي يرقبك لئلاّ يخفى عليه فعلك،و أنت تقول لصاحبك إذا فتّش عن أمورك:أ رقيب عليّ أنت؟و تقول:راقب اللّه، أي اعلم أنّه يراك فلا يخفى عليه فعلك،و الحفيظ لا يتضمّن معنى التّفتيش عن الأمور و البحث عنها.

الفرق بين الحفظ و الحماية:أنّ الحماية تكون لما لا يمكن إحرازه و حصره مثل الأرض و البلد،تقول:هو يحمي البلد و الأرض،و إليه حماية البلد.

و الحفظ يكون لما يحرز و يحصر،و تقول:هو يحفظ دراهمه و متاعه،و لا تقول:يحمي دراهمه و متاعه،و لا يحفظ الأرض و البلد،إلاّ أن يقول ذلك عامّيّ لا يعرف الكلام.

الفرق بين الحفظ و الضّبط:أنّ ضبط الشّيء:شدّة الحفظ له لئلاّ يفلت منه شيء،و لهذا لا يستعمل في اللّه تعالى،لأنّه لا يخاف الإفلات.و يستعار في الحساب فيقال:فلان يضبط الحساب،إذا كان يتحفّظ فيه من الغلط.(169-170)

ابن سيده: الحفظ:نقيض النّسيان،حفظ الشّيء حفظا.و عدّوه فقالوا:هو حفيظ علمك و علم غيرك.

و إنّه لحافظ العين،أي لا يغلبه النّوم-عن اللّحيانيّ-و هو من ذلك،لأنّ العين تحفظ صاحبها إذا لم يغلبها النّوم.

و الحافظ و الحفيظ:الموكّل على الشّيء.

و الحفظة:الّذين يحصون أعمال بني آدم من الملائكة، و هم الحافظون.

و في التّنزيل: وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ الانفطار:

10،و لم يأت في القرآن مكسّرا.

و حفظ المال و السّرّ حفظا:رعاه...

و استحفظه إيّاه:استرعاه،و في التّنزيل: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ المائدة:44.

و احتفظ الشّيء لنفسه:خصّها به.

ص: 692

و التّحفّظ:قلّة الغفلة في الأمور،كأنّه على حذر من السّقوط.[ثمّ استشهد بشعر]

و المحافظة:المواظبة على الأمر،و في التّنزيل:

حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ البقرة:238،أي صلّوها في أوقاتها.

و المحافظة و الحفاظ:الذّبّ عن المحارم و المنع لها عند الحروب؛و الاسم:الحفيظة.

و الحفظة و الحفيظة:الغضب،و قد أحفظه فاحتفظ.

و لا يكون الإحفاظ إلاّ بكلام قبيح من الّذي يعرض له، و إسماعه إيّاه ما يكره.

و احفاظّت الجيفة:انتفخت.(3:284)

حفظ القرآن يحفظه حفظا:وعاه على ظهر قلبه و استظهره،فهو حافظ و حفيظ؛و الجمع:حفّاظ و حفظة.

و حفّظه العلم و الكلام:جعله يحفظه.

(الإفصاح 1:221)

حفظ الشّيء يحفظه حفظا:حرسه و منعه من الضّياع و التّلف،فهو حافظ و حفيظ؛و الجمع:حفّاظ و حفظة.

و احتفظه و به لنفسه:خصّها به.

و استحفظه الشّيء:سأله أن يحفظه.و قيل:استودعه إيّاه.(الإفصاح 2:1365)

الطّوسيّ: حفظ الشّيء:جعله على ما ينفي عنه الضّياع،فمن ذلك:حفظ القرآن بدرسه و مراعاته،حتّى لا ينسى،و منه حفظ المال بإحرازه بحيث لا يضيع بتخطّف الأيدي له،و حفظ السّماء من كلّ شيطان بالمنع بما أعدّ له من الشّهاب.(6:324)

الحافظ:الحافظ المانع من هلاك الشّيء،حفظه يحفظه حفظا،و احتفظ به احتفاظا.فأمّا أحفظه فمعناه أغضبه،و تحفّظ من الأمر،إذا امتنع بحفظ نفسه منه، و حافظ عليه،إذا واظب عليه بالحفظ.(10:324)

الرّاغب: الحفظ يقال تارة لهيئة النّفس الّتي بها يثبت ما يؤدّي إليه الفهم،و تارة لضبط في النّفس، و يضادّه:النّسيان،و تارة لاستعمال تلك القوّة،فيقال:

حفظت كذا حفظا،ثمّ يستعمل في كلّ تفقّد و تعهّد و رعاية.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

و التّحفّظ قيل:هو قلّة العقل،و حقيقته إنّما هو تكلّف الحفظ لضعف القوّة الحافظة.و لمّا كانت تلك القوّة من أسباب العقل توسّعوا في تفسيرها كما ترى.

و الحفيظة:الغضب الّذي تحمل عليه المحافظة ثمّ استعمل في الغضب المجرّد،فقيل:أحفظني فلان،أي أغضبني.(124)

البطليوسيّ: الحافظ بالظّاء:ضدّ التّاسي و الغافل، و كلّ من تعهّد شيئا و لم يضيعه فهو حافظ له.(167)

و المحافظة على الشّيء:المداومة عليه،و من ذلك قول اللّه تعالى: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ البقرة:238.

و رجل ذو حفيظة و حفاظ:إذا كان محاميا عن الشّيء ذابّا عنه.

و الحفظة:الملائكة الّذين يكتبون أعمال الخلق...(242)

الزّمخشريّ: هو من الحفّاظ،و هم الكرام الحفظة.

و استحفظه مالا أو سرّا بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ المائدة:44.

و حافظ على الشّيء.و هو محافظ على سبحة

ص: 693

الضّحى:مواظب عليها حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ البقرة:

238.

و احتفظ بالشّيء،و تحفّظ به:عني بحفظه،و احتفظ بما أعطيتك فإنّ له شأنا.

و عليك بالتّحفّظ من النّاس،و هو التّوقّي.

و حفّظه القرآن.و هو حفيظ عليه:رقيب.

و تقلّدت بحفيظ الدّرّ،أي بمحفوظه و مكنونه لنفاسته.

و هو من أهل الحفيظة و الحفظة،و هم أهل الحفائظ و المحفظات،و هي الحميّة و الغضب عند حفظ الحرمة.

و في المثل:«المقدرة تذهب الحفيظة»يضرب في وجوب العفو عند المقدرة.

و يقولون:أ لك محفظة،أي حرمة تحفظك أي تغضبك، يقال أحفظه كذا،أي أغضبه.

و اذهب في حفيظة:في تقيّة و تحفّظ.

و من المجاز:طريق حافظ:واضح.قال النّضر:هو البيّن،يستقيم لك ما استقمت له مثل محزّ العنق،فأمّا الطّريق الّذي يقود اليومين ثمّ ينقطع،فليس بحافظ.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](88)

الطّبرسيّ: الحفظ:ضبط الشّيء في النّفس،ثمّ يشبّه به ضبطه بالمنع من الذّهاب.و الحفظ:خلاف النّسيان.

و أحفظه:أغضبه،لأنّه حفظ عليه ما يكرهه،و منه الحفيظة:الحميّة،و الحفاظ:المحافظة.(1:342)

ابن برّيّ: عن القزّاز قال:استحفظته الشّيء:

جعلته عنده يحفظه،يتعدّى إلى مفعولين،و مثله كتبت الكتاب و استكتبته الكتاب.(ابن منظور 7:442)

ابن الأثير:في حديث حنين:«أردت أن أحفظ النّاس،و أن يقاتلوا عن أهليهم و أموالهم»أي أغضبهم، من الحفيظة:الغضب.و منه الحديث:«فبدرت منّي كلمة أحفظته»أي أغضبته.(1:408)

الفيّوميّ: حفظت المال و غيره حفظا،إذا منعته من الضّياع و التّلف،و حفظته:صنته عن الابتذال،و احتفظت به.

و التّحفّظ:التّحرّز.و حافظ على الشّيء محافظة، و رجل حافظ لدينه و أمانته و يمينه و حفيظ أيضا؛و الجمع:

حفظة و حفّاظ،مثل كافر في جمعيه.

و حفظ القرآن،إذا وعاه على ظهر قلبه.

و استحفظته الشّيء:سألته أن يحفظه.و قيل:

استودعته إيّاه،و فسّر بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ المائدة:44،بالقولين.(142)

الفيروزآباديّ: حفظه كعلمه:حرسه،و القرآن:

استظهره،و المال:رعاه،فهو حفيظ و حافظ،من حفّاظ و حفظة.

و رجل حافظ العين:لا يغلبه النّوم.

و الحفيظ:الموكّل بالشّيء كالحافظ،و في الأسماء الحسنى:الّذي لا يعزب عنه شيء في السّماوات و لا في الأرض تعالى شأنه.

و الحافظ:الطّريق البيّن المستقيم.

و الحفظة محرّكة:الّذين يحصون أعمال العباد من الملائكة،و هم الحافظون.

و الحفظة بالكسر،و الحفيظة:الحميّة و الغضب.

و أحفظه:أغضبه فاحتفظ،أو لا يكون إلاّ بكلام قبيح.

ص: 694

و المحافظة:المواظبة و الذّبّ عن المحارم كالحفاظ؛ و الاسم:الحفيظة.

و احتفظه لنفسه:خصّها به.

و التّحفّظ:الاحتراز.

و الحفظ:قلّة الغفلة.

و استحفظه إيّاه:سأله أن يحفظه.

و احفاظّت الحيّة:انتفخت،أو الصّواب بالجيم.

(2:409)

الطّريحيّ: في الحديث المشهور:«من حفظ على أمّتي أربعين حديثا بعثه اللّه يوم القيامة فقيها عالما».

قال بعض الأفاضل:الحفظ-بالكسر فالسّكون- مصدر قولك:«حفظت الشّيء»من باب علم،و هو الحفاظة عن الاندراس.

و لعلّه أراد بالحديث هنا ما يعمّ الحفظ عن ظهر القلب و الكتاب و النّقل بين النّاس و لو من الكتاب، و هذا أظهر الاحتمالات في هذا المقام،و«على»في قوله:

«على أمّتي»بمعنى اللاّم،أي لأمّتي.

و قيل:أراد بالحفظ ما كان عن ظهر القلب،لما نقل من أنّ ذلك هو المتعارف المشهور في الصّدر السّالف لا غير،حتّى قيل:إنّ تدوين الحديث من المستحدثات المتجدّدة في المائة الثّانية من الهجرة.

و الظّاهر من ترتّب الجزاء-كما قيل-على مجرّد حفظ الحديث،و إنّ معناه غير شرط في حصول الثّواب، فإنّ حفظ الحديث كحفظ ألفاظ القرآن،و قد دعا صلّى اللّه عليه و آله لناقل الحديث،و إن لم يكن عالما بمعناه،في قوله صلّى اللّه عليه و آله:

«رحم اللّه امرأ سمع مقالتي فوعاها،فأدّاها كما سمعها، فربّ حامل فقه ليس بفقيه،و ربّ حامل فقه إلى أفقه منه».

و هل يصدق على من حفظ حديثا واحدا يتضمّن أربعين حديثا،كلّ يستقلّ بمعناه أنّه حفظ الأربعين؟ احتمالان.و القول به غير بعيد،و يتمّ الكلام في بقيّة الحديث في محلّه إن شاء اللّه تعالى.

و الحفظ:ضد النّسيان،و احتفظته و حفظته بمعنى.

و منه قوله عليه السّلام:«احتفظوا بكتبكم».

و التّحفّظ:التّيقّظ و التّحرّز و قلّة الغفلة.و منه قوله عليه السّلام:«إن اسعد القلب بالرّضى نسي التّحفّظ»يعني في الأمور.

و الحفيظة:الغضب و الحميّة.و منه الحديث:«من دعائم النّفاق الحفظة».

و في الدّعاء«اللّهمّ صلّ على المستحفظين من آل محمّد صلّى اللّه عليه و آله».قرئت بوجهين:بالبناء للفاعل،و المعنى:

استحفظوا الأمانة،أي حفظوها،و البناء للمفعول،و المعنى استحفظهم اللّه إيّاها،و المراد بهم:الأئمّة من أهل البيت رضى اللّه عنه،لأنّهم حفظوا الدّين و الشّريعة.

و روي:«أنّهم سمّوا مستحفظين،لأنّهم استحفظوا الاسم الأكبر»و هو الكتاب الّذي يعلم به علم كلّ شيء الّذي كان مع الأنبياء،الّذي قال تعالى: ...رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ المؤمن:78،و أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْمِيزانَ الحديد:25،فالكتاب:الاسم الأكبر.(4:285)

مجمع اللّغة :مادّة الحفظ في كلّ ما تصرّف منها ترجع إلى الرّعاية و الصّيانة.

1-حفظ الشّيء يحفظه حفظا:رعاه و صانه،فهو

ص: 695

حفيظ و حافظ،و هم حافظون و حفظة،و هي حافظة و هنّ حافظات.و اسم المفعول:محفوظ.

و قد يضمّن حافظ و حفيظ معنى رقيب مهيمن، فيعدّى بحرف«على».

و الحفيظ من صفات اللّه عزّ و جلّ حفظ السّماوات و الأرض بقدرته.

2-حافظ على الشّيء:صانه و رعاه.و المحافظة على الصّلاة:صونها و رعايتها؛و ذلك لا يكون إلاّ بالمواظبة عليها.

3-استحفظه سرّا أو مالا:ائتمنه عليه ليحفظه.

(1:272)

محمّد إسماعيل إبراهيم:[نحو مجمع اللّغة و أضاف:]

و الحفيظ:الرّقيب المحافظ،و الحفظة:الملائكة الّذين يكتبون حسنات النّاس و سيّئاتهم.

و كتاب حفيظ:كتاب جامع و حافظ لتفاصيل الأشياء كلّها،كلّيّاتها و جزئيّاتها.

و المحفوظ:المصون،و اللّوح المحفوظ:هو أمّ الكتاب، و هو الأصل الّذي يعوّل عليه في الأحكام،و هو محفوظ من التّبديل و التّغيير.

و الحفيظ:من أسماء اللّه الحسنى،و معناه العليم بما في الكون جملة و تفصيلا،و هو الّذي يحفظه من التّلف و الاختلال.(139)

المصطفويّ: و لا يخفى أنّ مفهوم الحفظ يختلف باختلاف الموارد و الموضوعات.يقال:حفظ المال من التّلف،و حفظ الأمانة من الخيانة،و حفظ الصّلاة من الفوت،و حافظه،أي راقبه،و تحفّظ،أي تحرّز بحفظ نفسه عمّا لا يلائم،و حفظ يمينه و عهده،أي عمل بتعهّده و وفى به،و حفظ القرآن على ظهر قلبه،و أحفظه،أي جعله حافظا،و منه يقال للغضب:الإحفاظ،فإنّه يجعل صاحبه حافظا و محفوظا،فإنّ الغضب هو دفع ما لا يلائم و الدّفاع عن الضّرر.

فالحفظ في الأعيان: وَ نَحْفَظُ أَخانا يوسف:65، و في الأعمال: وَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ الأنعام:92،و في المعاني: وَ ما كُنّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ يوسف:81،و في العهود: وَ احْفَظُوا أَيْمانَكُمْ المائدة:

89،و في الإطلاق و العموم: وَ رَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ سبأ:21، وَ عِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ ق:4.

ثمّ إنّ الحافظ يستعمل في مورد نسبة الحدث إلى ذات حدوثا،و في الحفيظ يلاحظ معنى الثّبوت و الاستقرار،كما أنّ المحافظة يلاحظ فيها معنى الاستمرار، بمقتضى صيغة«المفاعلة».

و قد سبق في«الحسب»أنّه عبارة عن الإشراف و الاختبار و الدّقّة.و في«الحرس»أنّه عبارة عن المراقبة، و يستعمل في ذوي العقلاء.

فحقيقة الحفظ هي الرّعاية و الضّبط مطلقا،راجع:

ح ر س:«الحرس».(2:272)

النّصوص التّفسيريّة

حفظ-حافظات

...فَالصّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللّهُ... النّساء:34

ابن عبّاس: حافِظاتٌ لأنفسهنّ و مال

ص: 696

أزواجهنّ...بحفظ اللّه إيّاهنّ بالتّوفيق.(69)

مجاهد :بحفظ اللّه إيّاهنّ.

مثله عطاء و مقاتل.(ابن الجوزيّ 2:75)

و نحوه سفيان.(الطّبريّ 5:60)

عطاء:يعني يحفظ اللّه لهنّ؛إذ صيّرهنّ كذلك.

(الماورديّ 1:481)

قتادة :حافظات لما استودعهنّ اللّه من حقّه، و حافظات لغيب أزواجهنّ.(الطّبريّ 5:60)

نحوه الماورديّ.(1:481)

السّدّيّ: تحفظ على زوجها ماله و فرجها،حتّى يرجع كما أمرها اللّه.(202)

نحوه أبو روق.(الواحديّ 2:46)

الفرّاء: القراءة بالرّفع[اللّه]و معناه:حافظات لغيب أزواجهنّ بما حفظهنّ اللّه حين أوصى بهنّ الأزواج.

و بعضهم يقرأ: (بما حفظ اللّه) فنصبه على أن يجعل الفعل واقعا،كأنّك قلت:حافظات للغيب بالّذي يحفظ اللّه،كما تقول:بما أرضى اللّه،فتجعل الفعل ل(ما)فيكون في مذهب مصدر.و لست أشتهيه،لأنّه ليس بفعل لفاعل معروف،و إنّما هو كالمصدر.(1:265)

ابن قتيبة :أي لغيب أزواجهنّ بما حفظ اللّه،أي بحفظ اللّه إيّاهنّ.(126)

الطّبريّ: حافظات لأنفسهنّ عند غيبة أزواجهنّ عنهنّ في فروجهنّ و أموالهنّ،و للواجب عليهنّ من حقّ اللّه في ذلك و غيره.[ثمّ ذكر اختلاف القراءتين كما تقدّم، و أضاف:]

و الصّواب من القراءة في ذلك ما جاءت به قراءة المسلمين من القراءة مجيئا يقطع عذر من بلغه،و يثبت عليه حجّته،دون ما انفرد به أبو جعفر،فشذّ عنهم.

و تلك القراءة برفع اسم(اللّه)تبارك و تعالى بِما حَفِظَ اللّهُ مع صحّة ذلك في العربيّة و كلام العرب،و قبح نصبه في العربيّة،لخروجه عن المعروف من منطق العرب، و ذلك أنّ العرب لا تحذف الفاعل مع المصادر،من أجل أنّ الفاعل إذا حذف معها،لم يكن للفعل صاحب معروف.

و في الكلام متروك استغني بدلالة الظّاهر من الكلام عليه من ذكره،و معناه فَالصّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللّهُ فأحسنوا إليهنّ و أصلحوا،و كذلك هو فيما ذكر في قراءة ابن مسعود.(5:60)

الزّجّاج: تأويله-و اللّه أعلم-بالشّيء الّذي يحفظ أمر اللّه و دين اللّه.و يحتمل أن يكون على معنى:بحفظ اللّه، أي بأن يحفظن اللّه،و هو راجع إلى أمر اللّه.(2:47)

بما أوجبه اللّه على أزواجهنّ من مهورهنّ و نفقتهنّ حتّى صرن بها محفوظات.(الماورديّ 1:481)

نحوه النّحّاس.(2:78)

القمّيّ: يعني تحفظ نفسها إذا غاب عنها زوجها.

(1:137)

ابن جنّيّ: الكلام على حذف مضاف،تقديره:بما حفظ دين اللّه و أمر اللّه.(ابن عطيّة 2:47)

الواحديّ: بِما حَفِظَ اللّهُ بما حفظهنّ اللّه في إيجاب المهر و النّفقة،و إيصاء الزّوج بهنّ.(2:46)

البغويّ: أي حافظات للفروج في غيبة الأزواج.

و قيل:حافظات لسرّهم. بِما حَفِظَ اللّهُ. [ثمّ ذكر

ص: 697

القراءتين،كما تقدّم].(1:612)

الزّمخشريّ: الغيب:خلاف الشّهادة،حافظات لمواجب الغيب،إذا كان الأزواج غير شاهدين لهنّ، حفظن ما يجب عليهنّ حفظه في حال الغيبة من:الفروج و البيوت و الأموال.و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«خير النّساء امرأة إن نظرت إليها سرّتك،و إن أمرتها أطاعتك،و إذا غبت عنها حفظتك في مالها و نفسها»و تلا الآية.

و قيل:للغيب لأسرارهم بِما حَفِظَ اللّهُ بما حفظهنّ اللّه حين أوصى بهنّ الأزواج في كتابه.و أمر رسوله عليه الصّلاة و السّلام،فقال:«استوصوا بالنّساء خيرا»،أو بما حفظهنّ اللّه و عصمهنّ و وفّقهنّ لحفظ الغيب،أو بما حفظهنّ حين وعدهنّ الثّواب العظيم على حفظ الغيب،و أوعدهنّ بالعذاب الشّديد على الخيانة.

و ما مصدريّة.

و قرئ (بما حفظ اللّه) بالنّصب،على أنّ(ما) موصولة،أي حافظات للغيب بالأمر الّذي يحفظ حقّ اللّه و أمانة اللّه،و هو التّعفّف و التّحصّن و الشّفقة على الرّجال و النّصيحة لهم.

و قرأ ابن مسعود (فالصّوالح قوانت حوافظ للغيب بما حفظ اللّه فاصلحوا إليهنّ) .(1:524)

نحوه البيضاويّ(1:218)،و النّسفيّ(1:223)، و الشّربينيّ(1:300)،و أبو السّعود(2:133)، و المشهديّ(1:443)،و البروسويّ(2:202).

ابن عطيّة: في مصحف ابن مسعود(فالصّوالح قوانت حوافظ)و هذا بناء يختصّ بالمؤنّث.و قال ابن جنّيّ:و التّكسير أشبه لفظا بالمعنى؛إذ هو يعطي الكثرة، و هي المقصود هنا.

و بِما حَفِظَ اللّهُ الجمهور على رفع اسم(اللّه) بإسناد الفعل إليه،و قرأ أبو جعفر ابن القعقاع(اللّه) بالنّصب على إعمال(حفظ).

فأمّا قراءة الرّفع ف(ما)مصدريّة،تقديره:يحفظ اللّه،و يصحّ أن تكون بمعنى«الّذي»و يكون العائد الّذي في(حفظ)ضمير نصب،و يكون المعنى إمّا حفظ اللّه و رعايته الّتي لا يتمّ أمر دونها،و إمّا أوامره و نواهيه للنّساء،فكأنّها حفظه،فمعناه:أنّ النّساء يحفظن بإرادته و بقدره.

و أمّا قراءة ابن القعقاع (بما حفظ اللّه) فالأولى أن تكون(ما)بمعنى«الّذي»و في(حفظ)ضمير مرفوع، و المعنى حافظات للغيب بطاعة و خوف و برّ و دين حفظ اللّه في أوامره حين امتثلنها.

و قيل:يصحّ أن تكون(ما)مصدريّة،على أنّ تقدير الكلام:بما حفظن اللّه،و ينحذف الضّمير.و في حذفه قبح لا يجوز إلاّ في الشّعر.[ثمّ استشهد بشعر].(2:47)

الطّبرسيّ: يعني لأنفسهنّ و فروجهنّ في حال غيبة أزواجهنّ،عن قتادة و عطاء و الثّوريّ.و يقال:الحافظات لأموال أزواجهنّ في حال غيبتهم،راغبات بحقوقهم و حرمتهم.و الأولى أن يحمل على الأمرين،لأنّه لا تنافي بينهما بِما حَفِظَ اللّهُ. [و نقل القول الثّاني للزّجّاج و أضاف:]

و قيل:بحفظ اللّه لهنّ و عصمته،و لو لا أن حفظهنّ اللّه و عصمهنّ لما حفظن أزواجهنّ بالغيب.(2:43)

الفخر الرّازيّ: ...و أمّا حال المرأة عند غيبة الزّوج

ص: 698

فقد وصفها اللّه تعالى بقوله: حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ. و اعلم أنّ الغيب خلاف الشّهادة،و المعنى كونهنّ حافظات بمواجب الغيب؛و ذلك من وجوه:

أحدها:أنّها تحفظ نفسها عن الزّنى لئلاّ يلحق الزّوج العار بسبب زناها،و لئلاّ يلتحق به الولد المتكوّن من نطفة غيره.

و ثانيها:حفظ ماله عن الضّياع.

و ثالثها:حفظ منزله عمّا لا ينبغي.و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم [الحديث كما سبق عن الزّمخشريّ]

المسألة الثّالثة:(ما)في قوله: بِما حَفِظَ اللّهُ فيه وجهان:

الأوّل:بمعنى«الّذي»،و العائد إليه محذوف، و التّقدير:بما حفظه اللّه لهنّ،و المعنى:أنّ عليهنّ أن يحفظن حقوق الزّوج في مقابلة ما حفظ اللّه حقوقهنّ على أزواجهنّ؛حيث أمرهم بالعدل عليهنّ،و إمساكهنّ بالمعروف،و إعطائهنّ أجورهنّ،فقوله: بِما حَفِظَ اللّهُ يجري مجرى ما يقال:هذا بذاك،أي هذا في مقابلة ذاك.

و الوجه الثّاني أن تكون(ما)مصدريّة،و التّقدير:

بحفظ اللّه،و على هذا التّقدير ففيه وجهان:

الأوّل:أنّهنّ حافظات للغيب بما حفظ اللّه إيّاهنّ، أي لا يتيسّر لهنّ حفظ إلاّ بتوفيق اللّه،فيكون هذا من باب إضافة المصدر إلى الفاعل.

و الثّاني:أنّ المعنى هو أنّ المرأة إنّما تكون حافظة للغيب بسبب حفظهنّ اللّه،أي بسبب حفظهنّ حدود اللّه و أوامره،فإنّ المرأة لو لا أنّها تحاول رعاية تكاليف اللّه و تجتهد في حفظ أوامره لما أطاعت زوجها.و هذا الوجه يكون من باب إضافة المصدر إلى المفعول.(10:89)

نحوه النّيسابوريّ.(5:36)

العكبريّ: قرئ (فالصّوالح قوانت حوافظ) و هو جمع تكسير دالّ على الكثرة،و جمع التّصحيح لا يدلّ على الكثرة بوضعه،و قد استعمل فيها،كقوله تعالى:

وَ هُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ سبأ:37.

بِما حَفِظَ اللّهُ في(ما)ثلاثة أوجه:بمعنى«الّذي»، و نكرة موصوفة،و العائد محذوف على الوجهين، و مصدريّة.

و قرئ: (بما حفظ اللّه) بنصب اسم اللّه،و(ما)على هذه القراءة بمعنى«الّذي»،أو نكرة،و المضاف محذوف، و التّقدير:بما حفظ أمر اللّه،أو دين اللّه.

و قال قوم:هي مصدريّة،و التّقدير:بحفظهنّ اللّه.

و هذا خطأ،لأنّه إذا كان كذلك خلا الفعل عن ضمير الفاعل،لأنّ الفاعل هنا جمع المؤنّث،و ذلك يظهر ضميره،فكان يجب أن يكون:بما حفظهنّ اللّه.و قد صوّب هذا القول،و جعل الفاعل فيه للجنس،و هو مفرد مذكّر،فلا يظهر له ضمير.(1:354)

أبو حيّان :[نقل الأقوال الماضية ثمّ قال:]

و قيل:(ما)مصدريّة،و في(حفظ)ضمير مرفوع، تقديره:بما حفظهنّ اللّه،و هو عائد على(الصّالحات).

قيل:و حذف ذلك الضّمير،و في حذفه قبح لا يجوز إلاّ في الشّعر.[ثمّ استشهد بشعر]

و المعنى حفظن اللّه في أمره حين امتثلنه؛و الأحسن في هذا أن لا يقال:إنّه حذف الضّمير،بل يقال:إنّه عاد الضّمير عليهنّ مفردا،كأنّه لوحظ الجنس،و كأنّ

ص: 699

(الصّالحات)في معنى:من صلح.و هذا كلّه توجيه شذوذ أدّى إليه قول من قال في هذه القراءة:إنّ(ما)مصدريّة، و لا حاجة إلى هذا القول بل ينزّه القرآن عنه.

و في قراءة عبد اللّه و مصحفه: (فالصّوالح قوانت حوافظ للغيب بما حفظ اللّه فاصلحوا إليهنّ) و ينبغي حملها على التّفسير،لأنّها مخالفة لسواد الإمام،و فيها زيادة.و قد صحّ عنه بالنّقل الّذي لا شكّ فيه أنّه قرأ و أقرأ على رسم السّواد،فلذلك ينبغي أن تحمل هذه القراءة على التّفسير.(3:240)

نحوه السّمين.(2:358)

الآلوسيّ: حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ أي يحفظن أنفسهنّ و فروجهنّ في حال غيبة أزواجهنّ.قال الثّوريّ،و قتادة:

أو يحفظن في غيبة الأزواج ما يجب حفظه في النّفس و المال،فاللاّم بمعنى«في»و(الغيب)بمعنى الغيبة،و«أل» عوض عن المضاف إليه على رأي.

و يجوز أن يكون المراد:حافظات لواجب الغيب أي لما يجب عليهنّ حفظه حال الغيبة،فاللاّم على ظاهرها.

و قيل:المراد حافظات لأسرار أزواجهنّ،أي ما يقع بينهم و بينهنّ في الخلوة،و منه المنافسة و المنافرة،و اللّطمة المذكورة في الخبر،و حينئذ لا حاجة إلى ما قيل في اللاّم، و لا إلى تفسير(الغيب)بالغيبة.

إلاّ أنّ ما أخرجه ابن جرير و البيهقيّ و غيرهما،من حديث أبي هريرة.[و ذكر الحديث المتقدّم]

يبعّد هذا القول؛و من النّاس من زعم أنّه أنسب بسبب النّزول.[ثمّ نقل بعض الأقوال المتقدّمة و القراءتين فلاحظ](5:24)

الطّباطبائيّ: أي يجب عليهنّ أن يحفظن جانبهم في جميع ما لهم من الحقوق إذا غابوا.

و أمّا قوله بِما حَفِظَ اللّهُ فالظّاهر أنّ(ما) مصدريّة،و الباء للآلة،و المعنى:إنّهنّ قانتات لأزواجهنّ حافظات للغيب بما حفظ اللّه لهم من الحقوق؛حيث شرع لهم القيمومة،و أوجب عليهنّ الإطاعة،و حفظ الغيب لهم.

و يمكن أن يكون الباء للمقابلة،و المعنى حينئذ:أنّه يجب عليهنّ القنوت و حفظ الغيب في مقابلة ما حفظ اللّه من حقوقهنّ؛حيث أحيا أمرهنّ في المجتمع البشريّ، و أوجب على الرّجال لهنّ المهر و النّفقة،و المعنى الأوّل أظهر.

و هناك معان ذكروها في تفسير الآية،أضربنا عن ذكرها،لكون السّياق لا يساعد على شيء منها،فلاحظ.

(4:344)

مكارم الشّيرازيّ: فَالصّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ، و هذا يعني أنّ النّساء بالنّسبة إلى الوظائف المناطة إليهنّ في مجال العائلة على نوعين أو صنفين:

الطّائفة الأولى:و هنّ(الصّالحات)أي الغير المنحرفات(القانتات)أي الخاضعات تجاه الوظائف العائليّة«الحافظات للغيب»اللاّتي لا يحفظن حقوق الأزواج و شئونهم في حضورهم خاصّة،بل يحفظنهم في غيبتهم،يعني أنّهنّ لا يرتكبن أيّة خيانة،سواء في مجال المال أو في المجال الجنسيّ،أو في مجال حفظ مكانة الزّوج و شأنه الاجتماعيّ،و أسرار العائلة في غيبته،و يقمن بمسئوليّاتهنّ تجاه الحقوق الّتي فرضها اللّه عليهنّ،و الّتي

ص: 700

عبّر عنها في الآية بقوله: بِما حَفِظَ اللّهُ خير قيام.

و من الطّبيعيّ أن يكون الرّجال مكلّفين باحترام أمثال هذه النّسوة،حفظ حقوقهنّ،و عدم إضاعتها.

و الطّائفة الثّانية هنّ النّسوة اللاّتي يتخلّفن عن القيام بوظائفهنّ...(3:194)

فضل اللّه : فَالصّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللّهُ... هذه صورة مشرقة من صور النّساء المؤمنات الواعيات،اللاّتي يفهمن مسئوليّتهنّ الشّرعيّة تجاه أزواجهنّ،في ما يفرضه اللّه عليهنّ-من خلال عقد الزّواج-من قيود و التزامات؛فيخشعن للّه في كلّ موقف من المواقف الّتي تواجههنّ فيها عوامل الإغراء،و نوازع النّفس الأمّارة بالسّوء،و يقفن وقفة إيمانيّة خالصة قويّة رافضة لكلّ ذلك،موقنات بأنّ قيمة المؤمن في إيمانه هي أن يلتزم بعهده و ميثاقه،فلا يسيء إليه في قليل أو كثير؛ و بذلك يحفظن أزواجهنّ في غيبتهم،من خلال ما يفرضه عليهنّ الزّواج،من أمانة النّفس و المال و السّرّ و العرض، و غيرها من الأمور الّتي حفظها اللّه في تشريعه،و أراد من الزّوجات أن يحفظنها في ممارستهنّ العمليّة.

إنّ الالتزام الزّوجيّ يحوّل الحياة الزّوجيّة إلى أمانة في عنق الزّوجين،في كلّ ما يترتّب عليها من التزامات و مسئوليّات؛و بذلك يفقد كلّ واحد منهما حرّيّته الفرديّة.ففي ما يتعلّق بالزّوجة،ليس لها الحرّيّة في أن تهب نفسها لمن تشاء،و ليست حرّة في أن تتصرّف بأموال زوجها بما شاءت من دون رضاه،أو تفضي إلى الآخرين بما تعرفه من أسرار الحياة الزّوجيّة،أو أسرار زوجها الخاصّة،فإنّ ذلك كلّه أمانة اللّه في عنقها،و ليس ذلك قيد عبوديّة،كما يحاول بعض النّاس اعتباره، مصوّرين مؤسّسة الزّواج ذروة المأساة بالنّسبة إلى المرأة، متباكين على الحرّيّة الّتي تفقدها المرأة من خلالها.

أمّا السّرّ في ما قلناه،فلأنّ القيود الزّوجيّة تؤكّد جانب الحرّيّة و لا تلغيها،لأنّها انطلقت من موقع إرادة المرأة الحرّة الّتي هي شرط في صحّة العقد،و لم تنطلق من سيطرة إرادة أخرى على حياتها،إنّ مفهوم الحرّيّة يلتقي بالفكرة الّتي تجعل قرار الإنسان خاضعا لإرادته الحرّة، فبإمكانه أن يتّخذ قرارا أو لا يتّخذه،و لكنّه إذا أراد و التزم بالقرار،كان التزامه تأكيدا لمعنى الحرّيّة الّتي كان القرار أحد نتائجها الطّبيعيّة.(7:238)

حفظناها

...وَ حَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ. الحجر:17

ابن عبّاس: كانت الشّياطين لا يحجبون عن السّماوات و كانوا يدخلونها،و يأتون بأخبارها فيلقون على الكهنة ما سمعوا،فلمّا ولد عيسى عليه السّلام منعوا من ثلاث سماوات،فلمّا ولد محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم منعوا من السّماوات كلّها أجمع،فما منهم من أحد يريد استراق السّمع إلاّ رمي بشهاب.(البغويّ 3:52)

النّحّاس: أي لا يصل إليها،و لا يسمع شيئا من الوحي إلاّ مسارقة.(4:16)

الطّوسيّ: حفظ السّماء من كلّ شيطان بالمنع،بما أعدّ له من الشّهاب.(6:324)

ابن عطيّة: حفظ السّماء هو بالرّجم بالشّهب،على ما تضمّنته الأحاديث الصّحاح.[ثمّ ذكر بعض

ص: 701

الأحاديث](3:354)

الفخر الرّازي:إن قيل:ما معنى وَ حَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ و الشّيطان لا قدرة له على هدم السّماء،فأيّ حاجة إلى حفظ السّماء منه؟

قلنا:لمّا منعه من القرب منها،فقد حفظ السّماء من مقاربة الشّيطان،فحفظ اللّه السّماء منهم،كما قد يحفظ منازلنا عن متجسّس يخشى منه الفساد.(19:168)

أبو حيّان :و الضّمير في حَفِظْناها عائد على السّماء،و لذلك قال الجمهور:إنّ الضّمير في وَ زَيَّنّاها عائد على السّماء حتّى لا تختلف الضّمائر.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن ابن عطيّة](5:449)

أبو السّعود :مرميّ بالنّجوم،فلا يقدر أن يصعد إليها،و يوسوس في أهلها،و يتصرّف فيها،و يقف على أحوالها.(4:12)

الآلوسيّ: و المراد بحفظها من الشّيطان:إمّا منعه عن التّعرّض لها على الإطلاق،و الوقوف على ما فيها في الجملة،فالاستثناء في قوله تعالى: إِلاّ مَنِ اسْتَرَقَ السَّمْعَ الحجر:18،متّصل،و إمّا المنع عن دخولها و الاختلاط مع أهلها،على نحو الاختلاط مع أهل الأرض،فهو حينئذ منقطع.(14:23)

الطّباطبائيّ: وَ حَفِظْناها أي السّماء مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ أن ينفذ فيها فيطّلع على ما تحتويه من الملكوت،إلاّ من استرق السّمع من الشّياطين بالاقتراب منه،ليسمع ما يحدّث به الملائكة من أحاديث الغيب المتعلّقة بمستقبل الحوادث و غيرها،فإنّه يتبعه شهاب مبين.(12:138)

يحفظوا

قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ...

النّور:30

الإمام عليّ عليه السّلام:و فرض على البصر أن لا ينظر إلى ما حرّم اللّه عزّ و جلّ عليه،فقال عزّ من قائل: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ... فحرّم أن ينظر أحد إلى فرج غيره.

(المشهديّ 7:47)

ابن عبّاس: عن الحرام.(294) أبو العالية :كلّ فرج ذكر حفظه في القرآن،فهو من الزّنى،إلاّ هذه ...وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ النّور:31،فإنّه يعني السّتر.(الطّبريّ 18:116)

نحوه ابن زيد.(الزّمخشريّ 3:60)

الإمام الصّادق عليه السّلام:[في حديث يذكر فيه فرض الإيمان على الجوارح...]فقال تبارك و تعالى: قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ فنهاهم أن ينظروا إلى عوراتهم و أن ينظر المرء إلى فرج أخيه و يحفظ فرجه أن ينظر إليه،و قال: وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ من أن تنظر إحداهنّ إلى فرج أختها و تحفظ فرجها من أن ينظر إليها،و قال:كلّ شيء في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزّنى إلاّ هذه الآية،فإنّها من النّظر.

(الكاشانيّ 3:429)

الطّبريّ: أن يراها من لا يحلّ له رؤيتها،بلبس ما يسترها عن أبصارهم.(18:116)

الماورديّ: فيه قولان:

أحدهما:أنّه يعني بحفظ الفرج:عفافه،و العفاف

ص: 702

يكون عن الحرام دون المباح،و لذلك لم يدخل فيه حرف التّبعيض،كما دخل في غضّ البصر.

الثّاني:[نقل قول أبي العالية](4:89)

الطّوسيّ: أمر من اللّه تعالى أن يحفظ الرّجال فروجهم عن الحرام،و عن إبدائها حيث ترى.

(7:428)

الزّمخشريّ: إن قلت:كيف دخلت(من)في غضّ البصر دون حفظ الفروج؟

قلت:دلالة على أنّ أمر النّظر أوسع،أ لا ترى أنّ المحارم لا بأس بالنّظر إلى شعورهنّ و صدورهنّ و ثديهنّ و أعضادهنّ و أسوقهنّ و أقدامهنّ،و كذلك الجواري المستعرضات،و الأجنبيّة ينظر إلى وجهها و كفّيها، و قدميها في إحدى الرّوايتين،و أمّا أمر الفرج فمضيّق، و كفاك فرقا أن أبيح النّظر إلاّ ما استثني منه،و حظر الجماع إلاّ ما استثني منه.

و يجوز أن يراد مع حفظها عن الإفضاء إلى ما لا يحلّ حفظها عن الإبداء.(3:60)

نحوه النّسفيّ(3:140)،و الشّربينيّ(2:615)، و مغنيّة(5:414).

ابن عطيّة: حفظ الفروج يحتمل أن يريد في الزّنى، و يحتمل أن يريد في ستر العورة،و الأظهر أنّ الجميع مراد،و اللّفظ عامّ،و بهذه الآية حرّم العلماء دخول الحمّام بغير مئزر.[ثمّ نقل كلام أبي العالية و قال:]

و لا وجه لهذا التّخصيص عندي.(4:177)

نحوه القرطبيّ.(12:223)

الطّبرسيّ: عمّن لا يحلّ لهم و عن الفواحش.

(4:137)

الفخر الرّازيّ: فالمراد به:عمّا لا يحلّ.[ثمّ نقل قول أبي العالية و قال:]

و هذا ضعيف،لأنّه تخصيص من غير دلالة،و الّذي يقتضيه الظّاهر أن يكون المعنى:حفظها عن سائر ما حرّم اللّه عليه من الزّنى و المسّ و النّظر،و على أنّه إن كان المراد حظر النّفس فالمسّ و الوطء أيضا مرادان بالآية؛إذ هما أغلظ من النّظر،فلو نصّ اللّه تعالى على النّظر،لكان في مفهوم الخطاب ما يوجب حظر الوطء و المسّ،كما أنّ قوله تعالى: فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ الإسراء:23،اقتضى حظر ما فوق ذلك من السّبّ و الضّرب.(23:205)

البيضاويّ: وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ إلاّ على أزواجهم أو ما ملكت أيمانهم،و لمّا كان المستثنى منه كالشّاذّ النّادر بخلاف الغضّ،أطلقه و قيّد الغضّ بحرف التّبعيض،و قيل:حفظ الفروج هاهنا خاصّة:

سترها.(2:124)

أبو حيّان :أي من الزّنى و من التّكشّف.[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ،و نقل قول أبي العالية و قال:]

و لا يتعيّن ما قاله،بل حفظ الفرج يشمل النّوعين.(6:447)

الكاشانيّ: من النّظر المحرّم.(3:429)

البروسويّ: عمّن لا يحلّ،أو يستروها حتّى لا تظهر.[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ](6:140)

القاسميّ: وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ أي عن الإفضاء

ص: 703

إلى محرّم،أو عن الإبداء و الكشف.[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:إنّ الغضّ و الحفظ عن الأجانب.و بعض الغضّ ممنوع بالنّسبة إليهم،و بعضه جائز بخلاف الحفظ، فلا وجه لدخول(من)فيه،كذا في«العناية».

(12:4504)

المراغيّ: بمنعها من عمل الفاحشة،أو بحفظها من أنّ أحدا ينظر إليها،و قد جاء في الحديث:«احفظ عورتك إلاّ من زوجتك أو ما ملكت يمينك».(18:98)

الطّباطبائيّ: المقابلة بين قوله: يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ و يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ يعطي أنّ المراد بحفظ الفروج:سترها عن النّظر لا حفظها عن الزّنى و اللّواطة كما قيل،و قد ورد في الرّواية عن الصّادق عليه السّلام:«أنّ كلّ آية في القرآن في حفظ الفروج فهي من الزّنى إلاّ هذه الآية،فهي من النّظر».و على هذا يمكن أن تتقيّد أولى الجملتين بثانيتهما،و يكون مدلول الآية هو النّهي عن النّظر إلى الفروج،و الأمر بسترها.(15:111)

يحفظن

وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ... النّور:31

[و هي مثل ما قبلها تماما]

حافظون

1- وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. المؤمنون:5

ابن عبّاس: يعفون فروجهم من الحرام.(285)

الكلبيّ: يعني يعفون عمّا لا يحلّ لهم.

(الواحديّ 3:284)

الطّبريّ: يحفظونها من إعمالها في شيء من الفروج.

(18:4)

الزّجّاج: أي يحفظون فروجهم عن المعاصي.

(4:6)

القشيريّ: لفروجهم حافظون ابتغاء نسل يقوم بحقّ اللّه.و يقال ذلك إذا كان مقصوده التّعفّف و التّصاون عن مخالفات الإثم.(4:240)

البغويّ: حفظ الفرج:التّعفّف عن الحرام.

(3:359)

مثله الميبديّ.(6:417)

ابن عطيّة: محجزون.(4:136)

البيضاويّ: لا يبذلونها إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ.

(2:102)

أبو حيّان :«حفظ»لا يتعدّى ب«على»،فقيل:

«على»بمعنى«من»أي إلاّ من أزواجهم،كما استعملت «من»بمعنى«على»في قوله: وَ نَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الأنبياء:77،أي على القوم.قاله الفرّاء،و تبعه ابن مالك و غيره،و الأولى أن يكون من باب التّضمين،ضمّن (حافظون)معنى ممسكون أو قاصرون،و كلاهما يتعدّى ب«على»كقوله:أمسك عليك زوجك.(6:396)

ابن كثير :أي و الّذين قد حفظوا فروجهم من الحرام،فلا يقعون فيما نهاهم اللّه عنه من زنى و لواط، لا يقربون سوى أزواجهم الّتي أحلّها اللّه لهم...(5:8)

الشّربينيّ: أي دائما لا يتّبعونها شهوتها.و الفرج:

ص: 704

اسم لسوأة الرّجل و المرأة،و حفظه:التّعفّف عن الحرام.

(2:571)

أبو السّعود :ممسكون لها.(4:403)

البروسويّ: ممسكون لها من الحرام،و لا يرسلونها و لا يبذلونها.(6:68)

عبد الكريم الخطيب :أي أنّهم كما حفظوا ألسنتهم عن اللّغو،و كفّوا جوارحهم عن الشّرّ و الأذى، حفظوا فروجهم من الدّنس،و لزموا بها جانب العفّة و الطّهارة.(9:1112)

الطّباطبائيّ: حفظ الفرج كناية عن الاجتناب عن المواقعة،سواء كانت زنى أو لواطا،أو بإتيان البهائم و غير ذلك.(15:10)

فضل اللّه :بما يعنيه ذلك من التزام بحدود اللّه الشّرعيّة الّتي حدّدها لحركة الغريزة الجنسيّة،ضمن نظام متوازن يكفل تحقيق الإشباع و الارتواء الجسديّ الّذي يطلبه الإنسان من العلاقة الجنسيّة،و ينظّم تلك العلاقة في إطار يحفظ الأسرة،و يمنع الفوضى على مستوى الأنساب.(16:135)

2- وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ. المعارج:29

نصّها و تفسيرها نظير ما قبلها.

يحفظونه

لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ... الرّعد:11

كعب الأحبار:لو تجلّى لابن آدم كلّ سهل و حزن، لرأى على كلّ شيء من ذلك شياطين،لو لا أنّ اللّه وكّل بكم ملائكة يذبّون عنكم في مطعمكم و مشربكم و عوراتكم،إذن لتخطّفتم.(الطّبريّ 13:119)

يحفظونه من الجنّ و الهوامّ المؤذية ما لم يأت قدر.

مثله أبو مالك.(الماورديّ 3:99)

و نحوه ابن عبّاس.(القرطبيّ 9:291)

الإمام عليّ عليه السّلام:إنّ مع كلّ رجل ملكين يحفظانه ممّا لم يقدّر،فإذا جاء القدر،خلّيا بينه و بينه،و إنّ الأجل جنّة حصينة.(الطّبريّ 13:119)

نحوه ابن عبّاس(الطّبريّ 13:115)،و أبو أمامة (الطّبريّ 13:119)،و الإمام الباقر عليه السّلام(القمّيّ 1:

360)،و الإمام الصّادق عليه السّلام(العيّاشيّ 2:381).

ابن عبّاس: يحفظونه من أمر اللّه حتّى يأتي أمر اللّه.

(الماورديّ 3:99)

سعيد بن جبير: الملائكة:الحفظة،و حفظهم إيّاه:

من أمر اللّه.(الطّبريّ 13:117)

إنّها[المعقّبات]الملائكة يتعاقبون،تعقب ملائكة اللّيل ملائكة النّهار،و ملائكة النّهار ملائكة اللّيل،و هم الحفظة يحفظون على العبد عمله.

مثله مجاهد و الحسن و قتادة و الجبّائيّ.

(الطّبرسيّ 3:280)

و نحوه القرطبيّ.(9:293)

النّخعيّ: يحفظونه من الجنّ.

مثله مجاهد.(ابن الجوزيّ 4:312)

مجاهد :مع كلّ إنسان حفظة يحفظونه من أمر اللّه.

نحوه الحسن و الجبّائيّ.(الطّبرسيّ 3:281)

ص: 705

يحفظونه بأمر اللّه.(الماورديّ 3:99)

مثله قتادة(الطّبريّ 13:118)،و ابن قتيبة(225).

عكرمة : يَحْفَظُونَهُ أي عند نفسه من أمر اللّه، و لا رادّ لأمره،و لا دافع لقضائه.(الماورديّ 3:98)

الضّحّاك: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ أي يحفظونه من الموت ما لم يأت أجله.(الماورديّ 3:98)

الحسن :أي حفظهم إيّاه من عند اللّه لا من عند أنفسهم.(النّحّاس 3:480)

يحفظون ما تقدّم من عمله و ما تأخّر إلى أن يموت فيكتبونه.(الطّبرسيّ 3:281)

نحوه قتادة.(القرطبيّ 9:292)

السّدّيّ: ليس من عبد إلاّ له معقّبات من الملائكة:

ملكان يكونان في النّهار،فإذا جاء اللّيل صعدا،و أعقبهما ملكان،فكانا معه ليله حتّى يصبح،يحفظونه من بين يديه و من خلفه،و لا يصيبه شيء لم يكتب عليه،إذا غشي شيء دفعاه عنه،أ لم تره يمرّ بالحائط فإذا جاز سقط،فإذا جاء الكتاب خلّوا بينه و بين ما كتب له،و هم من أمر اللّه، أمرهم أن يحفظوه.(322)

يحفظونه من أمر اللّه إلى أمر اللّه،ممّا لم يقدّر اللّه إلى ما قدّر اللّه.(الواحديّ 3:8)

الفرّاء: و المعقّبات من أمر اللّه عزّ و جلّ يحفظونه، و ليس يحفظ من أمره إنّما هو تقديم و تأخير،و اللّه أعلم، و يكون«و يحفظونه»ذلك الحفظ من أمر اللّه و بأمره و بإذنه عزّ و جلّ،كما تقول للرّجل:أجيئك من دعائك إيّاي و بدعائك إيّاي،و اللّه أعلم بصواب ذلك.(2:60)

أبو عبيدة :مجازه:ملائكة تعقّب بعد ملائكة، و حفظة تعقّب باللّيل حفظة النّهار،و حفظة النّهار تعقّب حفظة اللّيل،و منه قولهم:فلان عقّبني،و قولهم:عقّبت في أثره.

يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ أي بأمر اللّه يحفظونه من أمره.(1:324)

أبو سليمان الدّمشقيّ: يحفظونه لأمر اللّه فيه، حتّى يسلموه إلى ما قدّر له.(ابن الجوزيّ 4:312)

الطّبريّ: و أمّا قوله: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ فإنّ أهل العربيّة اختلفوا في معناه،فقال بعض نحويّي الكوفة:

[و ذكر كلام الفرّاء و أضاف:]

و قال بعض نحويّي البصريّين:معنى ذلك:يحفظونه عن أمر اللّه،كما قالوا:أطعمني من جوع و عن جوع، و كساني عن عري و من عري.

و قد دلّلنا فيما مضى على أنّ أولى القول بتأويل ذلك أن يكون قوله: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ من صفة حرس هذا المستخفي باللّيل،و هي تحرسه ظنّا منها أنّها تدفع عنه أمر اللّه،فأخبر تعالى ذكره،أنّ حرسه ذلك لا يغني عنه شيئا إذا جاء أمره،فقال: وَ إِذا أَرادَ اللّهُ بِقَوْمٍ سُوْءاً فَلا مَرَدَّ لَهُ وَ ما لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ والٍ الرّعد:11.

(13:122)

الزّجّاج: أي للإنسان ملائكة يعتقبون،يأتي بعضهم بعقب بعض. يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ المعنى حفظهم إيّاه من أمر اللّه،أي ممّا أمرهم اللّه تعالى،به،لا أنّهم يقدرون أن يدفعوا أمر اللّه،كما تقول:يحفظونه عن أمر اللّه.(3:142)

النّحّاس: أي يحفظون عليه كلامه و فعله.(3:479)

الماورديّ: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ تأويله

ص: 706

يختلف بحسب اختلاف المعقّبات،فإن قيل بالقول الأوّل:

إنّهم حرّاس الأمراء،ففي قوله: يَحْفَظُونَهُ [ وجهان:]

[الأوّل:]أي عند نفسه من أمر اللّه و لا رادّ لأمره و لا دافع لقضائه،قاله ابن عبّاس و عكرمة.

الثّاني:أنّ في الكلام حرف نفي محذوفا،و تقديره:

لا يحفظونه من أمر اللّه.

و إن قيل بالقول الثّاني:إنّ المعقّبات ما يتعاقب من أمر اللّه و قضائه،ففي تأويل قوله تعالى: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ وجهان:

أحدهما:يحفظونه من الموت ما لم يأت أجله،قاله الضّحّاك.

الثّاني:يحفظونه من الجنّ و الهوامّ المؤذية ما لم يأت قدر،قاله أبو مالك و كعب الأحبار.

و إن قيل:بالقول الثّالث،و هو الأشبه:إنّ المعقّبات الملائكة،ففيما أريد بحفظهم له وجهان:

أحدهما:يحفظون حسناته و سيّئاته بأمر اللّه.

الثّاني:يحفظون نفسه.

فعلى هذا في تأويل قوله تعالى: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ ثلاثة أوجه:

أحدها:يحفظونه بأمر اللّه،قاله مجاهد.

الثّاني:يحفظونه من أمر اللّه حتّى يأتي أمر اللّه،و هو محكيّ عن ابن عبّاس.

الثّالث:أنّه على التّقديم و التّأخير،و تقديره:له معقّبات من أمر اللّه تعالى يحفظونه من بين يديه و من خلفه،قاله إبراهيم.

و في هذه الآية قولان:

أحدهما:أنّها عامّة في جميع الخلق،و هو قول الجمهور.

الثّاني:أنّها خاصّة نزلت في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حين أزمع عامر بن الطّفيل و أربد بن ربيعة أخو لبيد على قتل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فمنعه اللّه عزّ و جلّ منهما،و أنزل هذه الآية فيه،قاله ابن زيد.(3:98)

الزّمخشريّ: يحفظونه من بأس اللّه و نقمته إذا أذنب بدعائهم له،و مسألتهم ربّهم أن يمهله رجاء أن يتوب و ينيب،كقوله: قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ، الأنبياء:42.(2:352)

ابن عطيّة: و قوله: يَحْفَظُونَهُ يحتمل معنيين:

أحدهما:أن يكون بمعنى يحرسونه،و يذبّون عنه؛ فالضّمير محمول ليحفظ.

و المعنى الثّاني:أن يكون بمعنى حفظ الأقوال و تحصيلها،ففي اللّفظة حينئذ حذف مضاف،تقديره:

يحفظون أعماله،و يكون هذا حينئذ من باب وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف:82،و هذا قول ابن جريج.

و قوله: مِنْ أَمْرِ اللّهِ من جعل يَحْفَظُونَهُ بمعنى يحرسونه،كان معنى قوله: مِنْ أَمْرِ اللّهِ يراد به:

«المعقّبات»،فيكون في الآية تقديم و تأخير،أي له معقّبات من أمر اللّه يحفظونه من بين يديه و من خلفه.

قال أبو الفتح:ف مِنْ أَمْرِ اللّهِ في موضع رفع،لأنّه صفة لمرفوع و هي«المعقّبات».

و يحتمل هذا التّأويل في قوله: مِنْ أَمْرِ اللّهِ مع التّأويل الأوّل في يَحْفَظُونَهُ.

و من تأوّل الضّمير في(له)عائد على العبد،و جعل «المعقّبات»الحرس،و جعل الآية في رؤساء الكافرين،

ص: 707

جعل قوله: مِنْ أَمْرِ اللّهِ بمعنى يحفظونه بزعمه من قدر اللّه،و يدفعونه في ظنّه،عنه؛و ذلك لجهالته باللّه تعالى.

و بهذا التّأويل جعلها المتأوّل في الكافرين.قال أبو الفتح:ف مِنْ أَمْرِ اللّهِ على هذا في موضع نصب، كقولك:حفظت زيدا من الأسد،ف«من الأسد»معمول ل«حفظت».و قال قتادة:معنى مِنْ أَمْرِ اللّهِ: بأمر اللّه، أي يحفظونه ممّا أمر اللّه،و هذا تحكّم في التّأويل.و قال قوم:المعنى الحفظ من أمر اللّه،و قد تقدّم نحو هذا.

(3:301)

الطّبرسيّ: مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ أي يطوفون به كما يطوف الموكّل بالحفظة.[إلى أن قال:]

يحفظونه من وجوه المهالك و المعاطب،و من الجنّ و الإنس و الهوامّ...و قيل:معناه يحفظونه عن خلق اللّه فتكون(من)بمعنى«عن»كما في قوله: وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ قريش:4،أي عن خوف.(3:281)

العكبريّ: يجوز أن يكون يَحْفَظُونَهُ صفة ل(معقّبات)و أن يكون حالا ممّا يتعلّق به الظّرف. مِنْ أَمْرِ اللّهِ أي من الجنّ و الإنس،فتكون(من)على بابها.

و قيل:(من)بمعنى الباء،أي بأمر اللّه،و قيل:بمعنى «عن».(2:754)

البيضاويّ: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ من بأسه متى أذنب بالاستمهال أو الاستغفار له،أو يحفظونه من المضارّ،أو يراقبون أحواله من أجل أمر اللّه تعالى.

(1:515)

نحوه أبو السّعود(3:443)،و المشهديّ(5:84).

أبو حيّان:و قيل:يحفظونه من بأس اللّه و نقمته، كقولك:حرست زيدا من الأسد،و معنى ذلك إذا أذن اللّه لهم في دعائهم أن يمهله رجاء أن يتوب عليه و ينيب، كقوله تعالى: قُلْ مَنْ يَكْلَؤُكُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ مِنَ الرَّحْمنِ الأنبياء:42،يصير معنى الكلام إلى التّضمين، أي يدعون له بالحفظ من نقمات اللّه رجاء توبته.

و من جعل«المعقّبات»الحرس و جعلها في رؤساء الكفّار ف يَحْفَظُونَهُ معناه في زعمه و توهّمه من هلاك اللّه،و يدفعون قضاءه في ظنّه،و ذلك لجهالته باللّه تعالى.

[و قد تقدّم كلامه في«أمر»فلاحظ].(5:372)

الآلوسيّ: مِنْ أَمْرِ اللّهِ متعلّق بما عنده،و(من) للسّببيّة أي يحفظونه من المضارّ بسبب أمر اللّه تعالى لهم بذلك،و يؤيّد ذلك أنّ عليّا كرّم اللّه تعالى وجهه،و ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما،و زيد بن عليّ،و جعفر بن محمّد،و عكرمة رضي اللّه تعالى عنهم قرءوا (بامر اللّه) بالباء،و هي ظاهرة في السّببيّة.

و جوّز أن يتعلّق بذلك أيضا لكن على معنى:

يحفظونه من بأسه تعالى متى أذنب بالاستمهال أو الاستغفار له،أي يحفظونه باستدعائهم من اللّه تعالى أن يمهله و يؤخّر عقابه ليتوب،أو يطلبون من اللّه تعالى أن يغفر له و لا يعذّبه أصلا.

و قال في«البحر»:إنّ معنى الكلام يصير على هذا الوجه إلى التّضمين،أي يدعون له بالحفظ من نقمات اللّه تعالى.[إلى أن قال:]

و معنى يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ أنّهم يحفظونه من قضاء اللّه تعالى و قدره،و يدفعون عنه ذلك في توهّمه

ص: 708

لجهله باللّه تعالى.و يجوز أن يكون من باب الاستعارة التّهكّميّة على حدّ ما اشتهر في قوله تعالى: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ آل عمران:21،فهو مستعار لضدّه و حقيقته لا يحفظونه.و على ذلك يخرج قول بعضهم:إنّ المراد:لا يحفظونه،لا على أنّ هناك نفيا مقدّرا كما يتوهّم، و الأكثرون على أنّ المراد ب«المعقّبات»:الملائكة.

و في الصّحيح:«يتعاقب فيكم ملائكة باللّيل و ملائكة بالنّهار،و يجتمعون في صلاة الصّبح و صلاة العصر».و ذكروا أنّ مع العبد غير الملائكة الكرام الكاتبين ملائكة حفظة.[إلى أن قال:]

و الأخبار في هذا الباب كثيرة،و استشكل أمر الحفظ بأنّ المقدّر لا بدّ من أن يكون،و غير المقدّر لا يكون أبدا، فالحفظ من أيّ شيء؟

و أجيب بأنّ من القضاء و القدر ما هو معلّق،فيكون الحفظ منه،و لهذا حسن تعاطي الأسباب،و إلاّ فمثل ذلك وارد فيها بأن يقال:إنّ الأمر الّذي نريد أن نتعاطاه إمّا أن يكون مقدّرا وجوده فلا بدّ أن يكون،أو مقدّرا عدمه فلا بدّ أن لا يكون،فما الفائدة في تعاطيه و التّشبّث بأسبابه؟

و تعقّب هذا بأنّ ما ذكر إنّما حسن منّا لجهلنا بأنّ ما نطلبه من المعلّق أو من غيره،و المسألة المستشكلة ليست كذلك.و أنت تعلم أنّ اللّه تعالى جعل في المحسوسات أسبابا محسوسة،و ربط بها مسبّباتها حسبما تقضيه حكمته الباهرة،و لو شاء لأوجد المسبّبات من غير أسباب لغناه جلّ شأنه الذّاتيّ،و لا مانع من أن يجعل في الأمور غير المحسوسة أسبابا يربط بها المسبّبات كذلك.

و حينئذ يقال:إنّه جلّت عظمته جعل أولئك الحفظة أسبابا للحفظ،كما جعل في المحسوس نحو الجفن للعين سببا لحفظها،مع أنّه ليس سببا إلاّ للحفظ ممّا لم يبرم من قضائه و قدره جلّ جلاله،و الوقوف على الحكم بأعيانها ممّا لم نكلّف به،و العلم بأنّ أفعاله تعالى لا تخلو عن الحكم و المصالح على الإجمال ممّا يكفي المؤمن.

و يقال نحو هذا في أمر الكرام الكاتبين فهم موجودون بالنّصّ؛و قد جعلهم اللّه تعالى حفظة لأعمال العبد كاتبين لها،و نحن نؤمن بذلك و إن لم نعلم ما قلمهم و ما مدادهم و ما قرطاسهم،و كيف كتابتهم،و أين محلّهم، و ما حكمة ذلك؟مع أنّ علمه تعالى كاف في الثّواب و العقاب عليها،و كذا تذكّر الإنسان لها و علمه بها يوم القيامة كاف في دفع ما عسى أن يختلج في صدره عند معاينة ما يترتّب عليها.و من النّاس من خاض في بيان الحكمة و هو أسهل من بيان ما معها.(13:112)

عبد الكريم الخطيب : يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ أمر اللّه هنا،معناه تقديره،و حكمه،كما يقول سبحانه:

أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ الأعراف:54.

و المعنى:أنّهم يحفظونه بما أمروا به من تقدير اللّه، و حكمه،و قضائه في عباده.و هذا ما يشير إليه قوله تعالى: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ النّحل:2،و قوله سبحانه: وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا الشّورى:52.(7:80)

مغنيّة:ضمير(له)و(يديه)و(خلفه)يعود إلى الإنسان،كما هو الظّاهر من سياق الكلام.و(معقّبات) كناية عن حواسّ الإنسان و غرائزه الّتي لها تأثيرها في صيانته و حفظ كيانه،و(من)في قوله تعالى: مِنْ أَمْرِ

ص: 709

اَللّهِ بمعنى الباء،مثلها في قوله تعالى: يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ الشّورى:45،أي بطرف خفيّ،و في ذلك رواية عن الإمام جعفر الصّادق عليه السّلام.

و قال المفسّرون:المراد ب«المعقّبات»:الملائكة،و في بعض التّفاسير:أنّ اللّه يرسل عشرة من الملائكة بالنّهار يحرسون الإنسان،و عند الغروب يذهب هؤلاء،و يأتي عشرة آخرون يحرسونه باللّيل،و هكذا يفعل مع كلّ فرد من أفراد الإنسان في كلّ يوم من الأيّام،أمّا إبليس فيقوم بدور الغواية و تضليل الإنسان بالنّهار،و أولاده باللّيل.

و بالإضافة إلى أنّ هذا بعيد عن دلالة اللّفظ،فإنّ الأفهام و الأذواق ترفضه و تأباه،و الّذي نتصوّره نحن أنّ المراد ب«المعقّبات»:حواسّ الإنسان و غرائزه الّتي بها يحفظ وجوده و كيانه-كما أشرنا-و أنّ المعنى:أنّ اللّه سبحانه خلق الإنسان،و جعل فيه السّمع و البصر و الإدراك و غيرها من الصّفات و الغرائز لتحرسه و تصونه.و هذا المعنى و إن كان بعيدا عن دلالة اللّفظ، فإنّه يتّفق مع الواقع،و لا ينفيه السّياق،فبالإدراك يميّز الإنسان بين النّافع و الضّارّ،و بالبصر يعرف طريق السّلامة،و بحبّ الذّات يتحفّظ من المهلكات.(4:385)

الطّباطبائيّ: ظاهر السّياق أنّ الضّمائر الأربع(له) (يديه)(خلفه) يَحْفَظُونَهُ مرجعها واحد،و لا مرجع يصلح لها جميعا إلاّ ما في الآية السّابقة،أعني الموصول في قوله: مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ إلخ،فهذا الإنسان الّذي يعلم به اللّه سبحانه في جميع أحواله هو الّذي له معقّبات من بين يديه و من خلفه.

و تعقيب الشّيء إنّما يكون بالمجيء بعده و الإتيان من عقبه،فتوصيف المعقّبات بقوله: مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ إنّما يتصوّر إذا كان سائرا في طريق،ثمّ طاف عليه المعقّبات حوله.و قد أخبر سبحانه عن كون الإنسان سائرا هذا السّير بقوله: يا أَيُّهَا الْإِنْسانُ إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً فَمُلاقِيهِ الانشقاق:6،و في معناه سائر الآيات الدّالّة على رجوعه إلى ربّه،كقوله: وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ يس:83، وَ إِلَيْهِ تُقْلَبُونَ العنكبوت:21، فللإنسان و هو سائر إلى ربّه معقّبات تراقبه من بين يديه و من خلفه.

ثمّ من المعلوم من مشرب القرآن أنّ الإنسان ليس هو هذا الهيكل الجسمانيّ و البدن المادّيّ فحسب بل هو موجود تركّب من نفس و بدن،و العمدة فيما يرجع إليه من الشّئون هي نفسه،فلها الشّعور و الإرادة،و إليها يتوجّه الأمر و النّهي،و بها يقوم الثّواب و العقاب و الرّاحة و الألم و السّعادة و الشّقاء،و عنها يصدر صالح الأعمال و طالحها،و إليها ينسب الإيمان و الكفر و إن كان البدن كالآلة الّتي يتوسّل بها في مقاصدها و مآربها.

و على هذا يتّسع معنى ما بين يدي الإنسان و ما خلفه،فيعمّ الأمور الجسمانيّة و الرّوحيّة جميعا،فجميع الأجسام و الجسمانيّات الّتي تحيط بجسم الإنسان مدى حياته بعضها واقعة أمامه و بين يديه و بعضها واقعة خلفه،و كذلك جميع المراحل النّفسانيّة الّتي يقطعها الإنسان في مسيره إلى ربّه،و الحالات الرّوحية الّتي يعتورها و يتقلّب فيها من قرب و بعد،و غير ذلك، و السّعادة و الشّقاء،و الأعمال الصّالحة و الطّالحة،و ما

ص: 710

ادّخر لها من الثّواب و العقاب،كلّ ذلك واقعة خلف الإنسان أو بين يديه،و لهذه المعقّبات الّتي ذكرها اللّه سبحانه شأن فيها بما أنّ لها تعلّقا بالإنسان.

و الإنسان الّذي وصفه اللّه بأنّه لا يملك لنفسه ضرّا و لا نفعا و لا موتا و لا حياة و لا نشورا،لا يقدر على حفظ شيء من نفسه،و لا آثار نفسه الحاضرة عنده و الغائبة عنه،و إنّما يحفظها له اللّه سبحانه.قال تعالى: اَللّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ الشّورى:6،و قال: وَ رَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ سبأ:21،و قال يذكر الوسائط في هذا الأمر:

وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ الانفطار:10.

فلو لا حفظه تعالى إيّاها بهذه الوسائط الّتي سماّها حافظين تارة و معقّبات أخرى،لشمله الفناء من جهاتها، و أسرع إليها الهلاك من بين أيديها و من خلفها،غير أنّه كما أنّ حفظها بأمر من اللّه عزّ شأنه،كذلك فناؤها و هلاكها و فسادها بأمر من اللّه،لأنّ الملك للّه،لا يدبّر أمره و لا يتصرّف فيه إلاّ هو سبحانه،فهو الّذي يهدي إليه التّعليم القرآنيّ،و الآيات في هذه المعاني متكاثرة، لا حاجة إلى إيرادها.

و الملائكة أيضا إنّما يعملون ما يعملون بأمره،قال تعالى: يُنَزِّلُ الْمَلائِكَةَ بِالرُّوحِ مِنْ أَمْرِهِ النّحل:2، و قال: لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ الأنبياء:27.

و من هنا يظهر أنّ هذه المعقّبات:الحفّاظ،كما يحفظون ما يحفظون بأمر اللّه،كذلك يحفظونه من أمر اللّه، فإنّ جانب الفناء و الهلاك و الضّيعة و الفساد بأمر اللّه،كما أنّ جانب البقاء و الاستقامة و الصّحّة بأمر اللّه،فلا يدوم مركّب جسمانيّ إلاّ بأمر اللّه،كما لا ينحلّ تركيبه إلاّ بأمر اللّه،و لا تثبت حالة روحيّة أو عمل أو أثر عمل إلاّ بأمر من اللّه،كما لا يطرقه الحبط و لا يطرأ عليه الزّوال إلاّ بأمر من اللّه،فالأمر كلّه للّه و إليه يرجع الأمر كلّه.

و على هذا فهذه المعقّبات كما يحفظونه بأمر اللّه كذلك يحفظونه من أمر اللّه،و على هذا ينبغي أن ينزّل قوله في الآية المبحوث عنها: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ.

(11:308)

فضل اللّه :و تدخل الآية ضمن حديث اللّه عن تدبيره لحياة الإنسان،عبر قواعد و ضوابط و قوانين تحكمها في ثلاث نقاط:

1-إنّ اللّه قد جعل للإنسان في حياته عوامل و عناصر تحيط به من كلّ جوانبه،و تتعاقب على مدار السّاعة،بحيث يتّبع بعضها بعضا بشكل متواصل،و هذا ما عبّر عنه بالمعقّبات الّتي تتناوب في حياته،فلا تتركه وحده، يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ بما يمثّله ذلك الأمر من أوضاع و أخطار تجرّها إليه سنن اللّه المودعة في الكون، ممّا قد يهدم حياته،و يهزم استقراره،إذا واجهها وحده، دون ما وفّره اللّه لصونه من عناصر الحماية و الدّفاع في نفسه و جسده؛بحيث لا يشعر الإنسان بالقلق و الضّياع أمام الكون الكبير المملوء بالأخطار و المهالك،بل يشعر بالثّقة الكبيرة،لما ركّبه اللّه في داخله من أجهزة،و هيّأ له من أسباب،و ما أحاطه به من عناية و رعاية.فحسبه أنّه يتحرّك في أجواء الحفظ الشّامل من قبل اللّه.[ثمّ أدام الكلام في النّقطتين الأخريين الرّاجعتين إلى ذيل الآية]

(13:27)

ص: 711

احفظوا

...ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَ احْفَظُوا أَيْمانَكُمْ... المائدة:89

ابن عبّاس: لا تحلفوا.(الواحديّ 2:222)

الجبّائيّ: احفظوا أيمانكم عن الحنث،فلا تحنثوا.(الطّبرسيّ 2:238)

مثله الواحديّ.(2:222)

الطّبريّ: وَ احْفَظُوا يا أيّها الّذين آمنوا أَيْمانِكُمْ أن تحنثوا فيها،ثمّ تصنعوا الكفّارة فيها،بما وصفته لكم.(7:31)

الماورديّ: يحتمل وجهين:أحدهما:يعني احفظوها أن تحلفوا.و الثّاني:احفظوها أن تحنثوا.

(2:63)

الطّوسيّ: قيل في معناه قولان:

أحدهما:احفظوها أن تحلفوا بها،و معناه:لا تحلفوا.

الثّاني:احفظوها من الحنث و هو الأقوى،لأنّ الحلف مباح إلاّ في معصية بلا خلاف،و إنّما الواجب ترك الحنث؛ و ذلك يدلّ على أنّ اليمين في المعصية غير منعقدة،لأنّها لو انعقدت للزم حفظها،و إذا لم تنعقد لم تلزمه كفّارة،على ما بيّنّاه.(4:17)

نحوه الطّبرسيّ.(2:238)

البغويّ: قيل:أراد به ترك الحلف،أي لا تحلفوا.

و قيل و هو الأصحّ:أراد به إذا حلفتم فلا تحنثوا،فالمراد منه:حفظ اليمين عن الحنث.هذا إذا لم يكن يمينه على ترك مندوب أو فعل مكروه،فإن حلف على فعل مكروه أو ترك مندوب،فالأفضل أن يحنث نفسه و يكفّر[ثمّ استدلّ لذلك بحديث](2:80)

الزّمخشريّ: فبرّوا فيها و لا تحنثوا،أراد الأيمان الّتي الحنث فيها معصية،لأنّ«الأيمان»اسم جنس يجوز إطلاقه على بعض الجنس و على كلّه.

و قيل:احفظوها بأن تكفّروها،و قيل:احفظوها كيف حلفتم بها،و لا تنسوها تهاونا بها.(1:641)

ابن الجوزيّ: في قوله: وَ احْفَظُوا أَيْمانَكُمْ ثلاثة أقوال:

أحدها:أقلّوا منها،و يشهد له قوله: وَ لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ البقرة:224.

و الثّاني:احفظوا أنفسكم من الحنث فيها.

و الثّالث:راعوها لكي تؤدّوا الكفّارة عند الحنث فيها.(2:415)

الفخر الرّازيّ: [ذكر الوجهين الأوّلين في كلام ابن الجوزيّ و أضاف:]

و اللّفظ محتمل للوجهين،إلاّ أنّ على هذا التّقدير يكون مخصوصا بقوله عليه السّلام:«من حلف على يمين فرأى غيرها خيرا منها فليأت الّذي هو خير،ثمّ ليكفّر عن يمينه».(12:78)

نحوه النّيسابوريّ.(7:21)

القرطبيّ: وَ احْفَظُوا أَيْمانَكُمْ أي بالبدار إلى ما لزمكم من الكفّارة إذا حنثتم.و قيل:بترك الحلف،فإنّكم إذا لم تحلفوا لم تتوجّه عليكم هذه التّكليفات.(6:285)

البيضاويّ: بأن تضنّوا بها و لا تبذلوها لكلّ أمر،أو بأن تبرّوا فيها ما استطعتم و لم يفت بها خير،أو بأن تكفّروها إذا حنثتم.(1:290)

ص: 712

نحوه الكاشانيّ(2:81)،و البروسويّ(2:434).

النّسفيّ: فبرّوا فيها و لا تحنثوا إذا لم يكن الحنث خيرا،أو و لا تحلفوا أصلا.(1:300)

الشّربينيّ: أي من أن تنكثوها ما لم تكن من فعل برّ أو إصلاح بين النّاس.(1:395)

أبو السّعود :[نحو البيضاويّ و أضاف:]

و قيل:احفظوها كيف حلفتم بها،و لا تنسوها تهاونا بها.(2:316)

الآلوسيّ: وَ احْفَظُوا أَيْمانَكُمْ أي راعوها لكي تؤدّوا الكفّارة عنها إذا حنثتم،أو احفظوا أنفسكم من الحنث فيها و إن لم يكن الحنث معصية،أو لا تبذلوها و أقلّوا منها كما يشعر به قوله تعالى: وَ لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ البقرة:224،و عليه قول الشّاعر:

قليل الألايا حافظ ليمينه

إذا بدرت منه الأليّة برّت

أو احفظوها و لا تنسوا كيف حلفتم تهاونا بها.

و صحّح الشّهاب الأوّل،و اعترض الثّاني بأنّه لا معنى له،لأنّه غير منهيّ عن الحنث إذا لم يكن الفعل معصية،و قد قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«فليأت الّذي هو خير و ليكفّر»، و قال سبحانه: فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ التّحريم:2.فثبت أنّ الحنث غير منهيّ عنه إذا لم يكن معصية،فلا يجوز أن يكون اِحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ نهيا عن الحنث.

و الثّالث بأنّه ساقط واه،لأنّه كيف يكون الأمر بحفظ اليمين نهيا عن اليمين،و هل هو إلاّ كقولك:احفظ المال،بمعنى لا تكسبه،و أمّا البيت فلا شاهد فيه،لأنّ معنى «حافظ ليمينه»أنّه مراع لها بأداء الكفّارة،و لو كان معناه ما ذكر لكان مكرّرا مع ما قبله،أعني«قليل الألايا».

و اعترض الرّابع بأنّه بعيد،فتدبّر.(7:15)

عبد الكريم الخطيب : وَ احْفَظُوا أَيْمانَكُمْ إشارة إلى أنّ هذه الكفّارة هي دواء الدّاء،جلبه الإنسان إلى نفسه،و كان أحرى به أن يتجنّب هذا الدّاء،و أن يظلّ سليما معافى؛إذ أنّ الوقاية دائما خير من العلاج.

أمّا إذا كان الحلف على منكر،فإنّ الحنث فيه واجب، و لا كفّارة فيه،كمن حلف أن يشرب خمرا مثلا،فعليه أن يحنث في يمينه،و لا كفّارة عليه.

أمّا من حلف على غير منكر،ثمّ بان له أنّ الحنث في اليمين،يترتّب عليه إلحاق ضرر به أو بغيره،فإنّ الحنث خير له من البرّ بيمينه،و لكن عليه كفّارة الحنث.كمن حلف على ألاّ يسافر إلى جهة ما،ثمّ بدا له أنّ في السّفر خيرا يعود عليه منه،و كمن حلف ألاّ يتعامل في تجارة مع فلان،ثمّ ظهر له أنّ هذا يعود عليه أو عليهما بالخسارة و الضّرر،فالحنث هنا خير من البرّ باليمين،و في ذلك يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«من حلف على يمين...

أمّا حقوق النّاس فيما ترتّب على الحنث باليمين،فلن تشفع لها هذه الكفّارة،و لن تدفع عن الحانث ما نجم عن هذا الحنث من ضرر وقع على الغير بسببه،فذلك له حسابه عند اللّه،و له العقاب الرّاصد له.(4:16)

مغنيّة: اِحْفَظُوا أَيْمانَكُمْ من الابتذال،فإنّ لليمين باللّه حرمتها و عظمتها،قال تعالى: وَ لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ البقرة:224،ففي الحديث:

«إنّ نبيّ اللّه موسى أمر أن لا يحلفوا باللّه كاذبين،و أنا

ص: 713

آمركم أن لا تحلفوا باللّه كاذبين و لا صادقين».(3:121)

فضل اللّه : وَ احْفَظُوا أَيْمانَكُمْ من الإهمال و العبث و النّقض،لأنّ اليمين موقف يلتزم به الإنسان فيلزم به نفسه،فلا بدّ له من المحافظة على موقفه و التزامه، فإنّه متّصل بقيمة احترامه لشخصيّته من جهة،و لمن أقسم به-و هو اللّه-من جهة أخرى.

و قد جاءت بعض التّفاسير و الأحاديث بإدخال الحلف بفعل الحرام،و ترك الواجب في مفهوم يمين اللّغو.

و الظّاهر أنّه داخل فيه حكما و موضوعا،باعتبار إلغاء الشّارع له،لأنّ ما يجب حفظه من الأيمان هو ما يريد الشّارع للإنسان الالتزام به،فلا معنى لوجوب حفظ مثل هذه الأيمان غير المشروعة بطبيعتها،و ليست داخلة فيه موضوعا،لما سبق أنّ المراد باللّغو:ما كان عاريا عن القصد تماما،كما هو الكلام اللّغو الّذي لا يقصد الإنسان معناه.(8:320)

حافظ

إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ. الطّارق:4

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:وكّل بالمؤمن مائة و ستّون ملكا يذبّون عنه،كما يذبّ عن قصعة العسل الذّباب،و لو وكّل العبد إلى نفسه طرفة عين لاختطفته الشّياطين.

(الزّمخشريّ 4:241)

ابن عبّاس: يحفظ قولها و عملها حتّى يدفعها إلى المقابر.(508)

كلّ نفس عليها حفظة من الملائكة.

(الطّبريّ 30:143)

سعيد بن جبير:حافظ من اللّه يحفظ عليه أجله و رزقه.(الماورديّ 6:246)

ابن سيرين:إنّ كلّ نفس مكلّفة فعليها حافظ يحصي أعمالها،و يعدّها للجزاء عليها.

مثله قتادة.(ابن عطيّة 5:465)

قتادة :حفظة يحفظون عملك و رزقك و أجلك إذا توفّيته يا ابن آدم قبضت إلى ربّك.(الطّبريّ 30:143)

(لمّا)بمعنى إلاّ و تقديره:إن كلّ نفس إلاّ عليها حافظ.

من الملائكة يحفظون عليه عمله من خير أو شرّ.(الماورديّ 6:246)

الكلبيّ: حافظ من اللّه يحفظها و يحفظ قولها و فعلها حتّى يدفعها و يسلمها إلى المقادير،ثمّ يخلّي عنها.(البغويّ 5:239)

الفرّاء: قرأها العوامّ(لمّا)و خفّفها بعضهم.الكسائيّ كان يخفّفها،و لا نعرف جهة التّثقيل،و نرى أنّها لغة في هذيل،يجعلون«إلاّ»مع«إن»المخفّفة«لمّا»،و لا يجاوزون ذلك،كأنّه قال:ما كلّ نفس إلاّ عليها حافظ.و من خفّف قال:إنّما هي لام جواب ل«إن»،و«ما»الّتي بعدها صلة، كقوله: فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ النّساء:155،يقول:

فلا يكون في«ما»و هي صلة تشديد.

و قوله عزّ و جلّ: عَلَيْها حافِظٌ الحافظ من اللّه عزّ و جلّ يحفظها،حتّى يسلمها إلى المقادير.(3:255)

الأخفش: إنّ«ما»الّتي بعد اللاّم صلة زائدة، و تقديره:إن كلّ نفس لعليها حافظ.(الماورديّ 6:246)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء:فقرأه من قرّاء المدينة أبو جعفر،و من قرّاء الكوفة حمزة لَمّا عَلَيْها بتشديد

ص: 714

الميم،و ذكر عن الحسن أنّه قرأ ذلك كذلك.

عن هارون،عن الحسن أنّه كان يقرؤها إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ مشدّدة،و يقول:(الاّ عليها حافظ)و هكذا كلّ شيء في القرآن بالتّثقيل.

و قرأ ذلك من أهل المدينة نافع،و من أهل البصرة أبو عمرو:(لما)بالتّخفيف،بمعنى:إن كلّ نفس لعليها حافظ.و على أنّ اللاّم جواب«إن»،و«ما»الّتي بعدها صلة.و إذا كان ذلك كذلك،لم يكن فيه تشديد.

و القراءة الّتي لا أختار غيرها في ذلك:التّخفيف،لأنّ ذلك هو الكلام المعروف من كلام العرب،و قد أنكر التّشديد جماعة من أهل المعرفة بكلام العرب،أن يكون معروفا من كلام العرب،غير أنّ الفرّاء كان يقول:

لا نعرف جهة التّثقيل في ذلك،و نرى أنّها لغة في هذيل، يجعلون«إلاّ»مع«إن»المخفّفة«لما»،و لا يجاوزون ذلك، كأنّه قال:ما كلّ نفس إلاّ عليها حافظ،فإن كان صحيحا ما ذكر الفرّاء،من أنّها لغة هذيل،فالقراءة بها جائزة صحيحة،و إن كان الاختيار أيضا إذا صحّ ذلك عندنا:

القراءة الأخرى،و هي التّخفيف،لأنّ ذلك هو المعروف من كلام العرب،و لا ينبغي أن يترك الأعرف إلى الأنكر.

عن ابن عون،قال:قرأت عند ابن سيرين إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ فأنكره،و قال سبحان اللّه، سبحان اللّه.

فتأويل الكلام إذن:إن كلّ نفس لعليها حافظ من ربّها،يحفظ عملها،و يحصي عليها ما تكسب من خير أو شرّ.(30:142)

نحوه البغويّ.(5:239)

الزّجّاج:معناه لعليها حافظ،و«ما»لغو،و قرئت لَمّا عَلَيْها حافِظٌ بالتّشديد،و المعنى معنى«إلاّ»، استعملت«لمّا»في موضع«إلاّ»في موضعين:أحدهما هذا،و الآخر في باب القسم.يقال:سألتك لمّا فعلت بمعنى إلاّ فعلت.(5:311)

نحوه الطّوسيّ.(10:324)

القمّيّ: [حافظ]الملائكة.(2:415)

الماورديّ: في الحافظ قولان:[نقل قول ابن جبير و قتادة و أضاف:]

و يحتمل ثالثا:أن يكون الحافظ الّذي عليه:عقله، لأنّه يرشده إلى مصالحه،و يكفّه عن مضارّه.(6:246)

الواحديّ: أقسم اللّه تعالى بما ذكر أنّه ما من نفس إلاّ عليها حافظ من الملائكة يحفظ عملها و قولها و فعلها و يحصي ما تكتسب من خير أو شرّ.

و في قوله: لَمّا عَلَيْها قراءتان:التّخفيف و التّشديد،فمن خفّف كان«ما»لغوا،و المعنى:لعليها حافظ،و من شدّد جعل(لمّا)بمعنى«إلاّ»تقول:«سألتك لمّا فعلت»بمعنى إلاّ فعلت.(4:464)

نحوه الطّبرسيّ.(5:471)

الزّمخشريّ: فإن قلت:ما جواب القسم؟

قلت: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ لأنّ(ان) لا تخلو فيمن قرأ(لمّا)مشدّدة بمعنى«إلاّ»،أن تكون نافية،و فيمن قرأها مخفّفة على أنّ«ما»صلة،أن تكون مخفّفة من الثّقيلة،و أيّهما كانت فهي ممّا يتلقّى به القسم.

حافظ:مهيمن عليها رقيب،و هو اللّه عزّ و جلّ وَ كانَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً الأحزاب:52، وَ كانَ اللّهُ عَلى

ص: 715

كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتاً النّساء:85،و قيل:ملك يحفظ عملها و يحصي عليها ما تكسب من خير و شرّ.(4:241)

نحوه النّسفيّ(4:347)،و الشّربينيّ(4:516)،و أبو السّعود(6:410).

ابن عطيّة: قرأ جمهور النّاس(لما)،مخفّفة الميم، قال الحذّاق من النّحويّين و هم البصريّون:مخفّفة من الثّقيلة،و اللاّم لام التّأكيد الدّاخلة على الخبر.و قال الكوفيّون:(ان)بمعنى«ما»النّافية،و اللاّم بمعنى«إلاّ»، فالتّقدير:ما كان نفس إلاّ عَلَيْها حافِظٌ.

و قرأ عاصم و ابن عامر و حمزة و الكسائيّ و الحسن و الأعرج و أبو عمرو و نافع بخلاف عنهما.و قتادة:(لمّا) بتشديد الميم،و قال أبو الحسن الأخفش:(لمّا)بمعنى«إلاّ» لغة مشهورة في هذيل و غيرهم،يقال:أقسمت عليك لمّا فعلت كذا،أي إلاّ فعلت كذا.

و معنى الآية فيما قال قتادة و ابن سيرين و غيرهما:

إن كلّ نفس مكلّفة فعليها حافظ يحصي أعمالها و يعدّها للجزاء عليها،و بهذا الوجه تدخل الآية في الوعيد الزّاجر.

و قال الفرّاء:المعنى عَلَيْها حافِظٌ يحفظها حتّى يسلمها إلى القدر،و هذا قول فاسد المعنى،لأنّ مدّة الحفظ إنّما هي بقدر.(5:465)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:[ذكر الأقوال في قراءة(لمّا)]

المسألة الثّانية:ليس في الآية بيان أنّ هذا الحافظ من هو،و ليس فيها أيضا بيان أنّ الحافظ يحفظ النّفس عمّا ذا.

أمّا الأوّل ففيه قولان:الأوّل:قول بعض المفسّرين:

إنّ ذلك الحافظ هو اللّه تعالى.أمّا في التّحقيق فلأنّ كلّ موجود سوى اللّه ممكن،و كلّ ممكن فإنّه لا يترجّح وجوده على عدمه إلاّ لمرجّح،و ينتهي ذلك إلى الواجب لذاته،فهو سبحانه القيّوم الّذي بحفظه و إبقائه تبقى الموجودات،ثمّ إنّه تعالى بيّن هذا المعنى في السّماوات و الأرض على العموم في قوله: إِنَّ اللّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولا فاطر:41،و بيّنه في هذه الآية في حقّ الإنسان على الخصوص.

و حقيقة الكلام ترجع إلى أنّه تعالى أقسم أنّ كلّ ما سواه،فإنّه ممكن الوجود محدث محتاج مخلوق مربوب.

هذا إذا حملنا«النّفس»على مطلق الذّات،أمّا إذا حملناها على النّفس المتنفّسة و هي النّفس الحيوانيّة،أمكن أن يكون المراد من كونه تعالى حافظا لها:كونه تعالى عالما بأحوالها،و موصلا إليها جميع منافعها،و دافعا عنها جميع مضارّها.

و القول الثّاني:أنّ ذلك الحافظ هم الملائكة،كما قال:

وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً الأنعام:61،و قال: عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ* ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ق:17،18،و قال: وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ الانفطار:10،11،و قال: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ الرّعد:11.

أمّا البحث الثّاني:و هو أنّه ما الّذي يحفظه هذا الحافظ؟ففيه وجوه:

أحدها:أنّ هؤلاء الحفظة يكتبون عليه أعماله دقيقها و جليلها،حتّى تخرج له يوم القيامة كتابا يلقاه

ص: 716

منشورا.

و ثانيها: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ يحفظ عملها و رزقها و أجلها،فإذا استوفى الإنسان أجله و رزقه قبضه إلى ربّه،و حاصله يرجع إلى وعيد الكفّار و تسلية النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،كقوله: فَلا تَعْجَلْ عَلَيْهِمْ إِنَّما نَعُدُّ لَهُمْ عَدًّا مريم:84،ثمّ ينصرفون عن قريب إلى الآخرة،فيجازون بما يستحقّونه.

و ثالثها: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ يحفظها من المعاطب و المهالك فلا يصيبها إلاّ ما قدّر اللّه عليها.

و رابعها:[ذكر قول الفرّاء و الكلبيّ](31:128)

أبو حيّان :قرأ الجمهور(ان)خفيفة(كلّ)رفعا (لما)خفيفة،فهي عند البصريّين مخفّفة من الثّقيلة.

و(كلّ)مبتدأ،و اللاّم هي الدّاخلة للفرق بين«إن»النّافية و«إن»المخفّفة،و(ما)زائدة،و(حافظ)خبر المبتدإ، و(عليها)متعلّق به.و عند الكوفيّين(إن)نافية،و اللاّم بمعنى«إلاّ»و(ما)زائدة و(كلّ)و(حافظ)مبتدأ و خبر.

و التّرجيح بين المذهبين مذكور في علم النّحو.

و قرأ الحسن و الأعرج و قتادة و عاصم و ابن عامر و حمزة و أبو عمرو و نافع بخلاف عنهما(لمّا)مشدّدة، و هي بمعنى«إلاّ»لغة مشهورة في هذيل و غيرهم،تقول العرب:أقسمت عليك لمّا فعلت كذا،أي إلاّ فعلت،قاله الأخفش.فعلى هذه القراءة يتعيّن أن تكون نافية،أي ما كلّ نفس إلاّ عليها حافظ.

و حكى هارون أنّه قرئ(انّ)بالتّشديد،(كلّ) بالنّصب،فاللاّم هي الدّاخلة في خبر(انّ)و(ما)زائدة و(حافظ)خبر(انّ)و جواب القسم هو ما دخلت عليه (ان)سواء كانت المخفّفة أو المشدّدة أو النّافية،لأنّ كلاّ منها يتلقّى به القسم،فتلقّيه بالمشدّدة مشهور،و بالمخفّفة تَاللّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ الصّافّات:56،و بالنّافية وَ لَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما فاطر:41.

و قيل:جواب القسم إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ الطّارق:8،و ما بينهما اعتراض.و الظّاهر عموم كلّ نفس.(8:454)

الآلوسيّ: جواب القسم إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ، و ما بينهما اعتراض جيء به لما ذكر من تأكيد فخامة المقسم به المستتبع لتأكيد مضمون الجملة المقسم عليها.

و قيل:جوابه إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ و ما في البين اعتراض،و هو كما ترى،و(ان)نافية و(لمّا)بمعنى«إلاّ» و مجيئها كذلك لغة مشهورة،كما نقل أبو حيّان عن الأخفش في هذيل و غيرهم يقولون:أقسمت عليك،أو سألتك لمّا فعلت كذا،يريدون:إلاّ فعلت،و بهذا ردّ على الجوهريّ المنكر لذلك.و قال الرّضيّ:لا تجيء إلاّ بعد نفي ظاهر أو مقدّر،و لا تكون إلاّ في المفرّغ،أي بخلاف«إلاّ».

و(كلّ)لتأكيد العموم لتحقّق أصله من وقوع النّكرة في سياق النّفي،و هو مبتدأ،و الخبر على المشهور(حافظ) و(عليها)متعلّق به.و على ما سمعت عن الرّضيّ محذوف، أي ما كلّ نفس كائنة في حال من الأحوال إلاّ في حال أن يكون عليها حافظ،أي مهيمن و رقيب،و هو اللّه عزّ و جلّ،كما في قوله تعالى: وَ كانَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيباً الأحزاب:52.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:هو من يحفظ عملها من الملائكة عليهم السّلام و يحصي

ص: 717

عليها ما تكسب من خير أو شرّ،كما في قوله تعالى:

وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ الآية.و روي ذلك عن ابن سيرين و قتادة و غيرهما،و خصّصوا «النّفس»بالمكلّفة.

و قيل:هو من وكّل على حفظها و الذّبّ عنها من الملائكة،كما في قوله تعالى: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ الرّعد:11.[إلى أن قال:]

و قيل:هو العقل يرشد المرء إلى مصالحه،و يكفّه عن مضارّه.

و قرأ الأكثر(لما)بالتّخفيف،فعند الكوفيّين(ان) نافية كما سبق،و اللاّم بمعنى«إلاّ»و(ما)زائدة،و صرّحوا هنا بأنّ(كلّ)و(حافظ)مبتدأ و خبر،فلا تغفل.

و عند البصريّين(ان)مخفّفة من الثّقيلة،و(كلّ)مبتدأ و(ما)زائدة،و اللاّم هي الدّاخلة للفرق بين«إن»النّافية و«إن»المخفّفة،و(حافظ)خبر المبتدإ،و(عليها)متعلّق به،و قدّر ل(ان)ضمير الشّأن.

و تعقّب بأنّه لا حاجة إليه،لأنّه في غير المفتوحة ضعيف لعدم العمل،مع أنّه مخلّ بإدخال اللاّم الفارقة، لأنّه إذا كان الخبر جملة،فالأولى إدخال اللاّم على الجزء الأوّل،كما صرّح به في«التّسهيل»،و إدخالها على الجزء الثّاني كما صرّح به بعض الأفاضل في حواشيه عليه.

و لعلّ من قال:أي إنّ الشّأن كلّ نفس لعليها حافظ، لم يرد تقدير الضّمير،و إنّما أراد بيان حاصل المعنى.

و حكى هارون أنّه قرئ(انّ)بالتّشديد و(كلّ) بالنّصب و(لما)بالتّخفيف،فاللاّم هي الدّاخلة في خبر (انّ)و(ما)زائدة.

و على جميع القراءات أمر الجوابيّة ظاهر لوجود ما يتلقّى به القسم،و تلقّيه بالمشدّدة مشهور،و بالمخفّفة:

تَاللّهِ إِنْ كِدْتَ لَتُرْدِينِ الصّافّات:56،و بالنّافية وَ لَئِنْ زالَتا إِنْ أَمْسَكَهُما فاطر:41.(30:95)

عبد الكريم الخطيب :هو جواب القسم،أي ما كلّ نفس إلاّ عليها حافظ،أي حارس أمين،ضابط لكلّ ما تعمل من خير أو شرّ،أو أنّ كلّ نفس يقوم عليها من كيانها ما يحفظ عليها وجودها؛و ذلك بما أودع الخالق جلّ و علا فيها،من قوى مادّيّة و معنويّة،تجعل منها جميعا أسلحة عاملة تحمي الإنسان،و تدفع عنه ما يعترض طريقه على مسيرة الحياة،و إنّ أظهر حافظ يحفظ الإنسان هو عقله الّذي يميّز به الخير من الشّرّ، و الخبيث من الطّيّب.و لعلّ هذا أقرب إلى الصّواب؛إذ جاءت بعد هذه الآية دعوة للإنسان إلى أن يستعمل عقله،و ينظر في أصل خلقه،و مادّة وجوده.

(15:1522)

الطّباطبائيّ: جواب للقسم و(لمّا)بمعنى«إلاّ»، و المعنى:ما من نفس إلاّ عليها حافظ،و المراد من قيام الحافظ على حفظها:كتابة أعمالها الحسنة و السّيّئة على ما صدرت منها،ليحاسب عليها يوم القيامة و يجزى بها، فالحافظ هو الملك،و المحفوظ العمل،كما قال تعالى: وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ الانفطار:10-12.

و لا يبعد أن يكون المراد من حفظ النّفس:حفظ ذاتها و أعمالها،و المراد بالحافظ:جنسه،فتفيد أنّ النّفوس

ص: 718

محفوظة لا تبطل بالموت و لا تفسد،حتّى إذا أحيا اللّه الأبدان أرجع النّفوس إليها،فكان الإنسان هو الإنسان الدّنيويّ بعينه و شخصه،ثمّ يجزيه بما يقتضيه أعماله المحفوظة عليه من خير أو شرّ.

و يؤيّد ذلك كثير من الآيات الدّالّة على حفظ الأشياء،كقوله تعالى: قُلْ يَتَوَفّاكُمْ مَلَكُ الْمَوْتِ الَّذِي وُكِّلَ بِكُمْ الم السّجدة:11،و قوله: اَللّهُ يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِها وَ الَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنامِها فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضى عَلَيْهَا الْمَوْتَ الزّمر:42.

و لا ينافي هذا الوجه ظاهر آية الانفطار السّابقة،من أنّ حفظ الملائكة هو الكتابة،فإنّ حفظ نفس الإنسان أيضا من الكتابة على ما يستفاد من قوله: إِنّا كُنّا نَسْتَنْسِخُ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ الجاثية:29،و قد تقدّمت الإشارة إليه.

و يندفع بهذا الوجه الاعتراض على ما استدلّ به على المعاد من إطلاق القدرة،كما سيجيء،و محصّله أنّ إطلاق القدرة إنّما ينفع فيما كان ممكنا،لكن إعادة الإنسان بعينه محال،فإنّ الإنسان المخلوق ثانيا مثل الإنسان الدّنيويّ المخلوق أوّلا لا شخصه الّذي خلق أوّلا،و مثل الشّيء غير الشّيء لا عينه.

وجه الاندفاع أنّ شخصيّة الشّخص من الإنسان بنفسه لا ببدنه،و النّفس محفوظة فإذا خلق البدن و تعلّقت به النّفس،كان هو الإنسان الدّنيويّ بشخصه،و إن كان البدن بالقياس إلى البدن مع الغضّ عن النّفس،مثلا لا عينا.(20:258)

مكارم الشّيرازيّ: و لنرى لأيّ شيء كان هذا القسم: إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ يحفظ عليه أعماله،و تسجّل كلّ أفعاله ليوم الحساب،و كما جاء في الآيات:10-12،من سورة الانفطار: وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ.

فلا تظنّوا بأنّكم بعيدون عن الأنظار،بل أينما تكونوا فثمّة عليكم ملائكة مأمورين يسجّلون كلّ ما يبدر منكم.و هذا ما له الأثر البالغ في عمليّة إصلاح و تربية الإنسان.مع أنّ الآية لم تحدّد هويّة«الحافظ»،و لكنّ الآيات الأخرى تبيّن بأنّ«الحفظة»هم الملائكة و أنّ «المحفوظ»هو أعمال الإنسان،من الطّاعات و المعاصي.

و قيل:يراد بها حفظ الإنسان من الحوادث و المهالك،و لو لا ذلك لما خرج الإنسان من الدّنيا بالموت الطّبيعيّ،و الأطفال بالخصوص.أو المراد هو:حفظ الإنسان من وساوس الشّيطان،و لو لا هذا الحفظ لما سلم أحد من وساوس شياطين الجنّ و الإنس.

و بلحاظ ما تتطرّق إليه الآيات التّالية حول:المعاد و الحساب الإلهيّ،يكون التّفسير الأوّل أقرب من غيره و أنسب،و لو أنّ الجمع بينها لا يبعد عن احتمال إرادة الآية به.

و العلاقة ما بين المقسوم به و ما أقسم له وثيقة و عضويّة؛حيث إنّ السّماء العالية و النّجوم الّتي تتحرّك في مسارات منظّمة،دليل على وجود النّظم و الحساب الدّقيق في عالم الوجود،فكيف يمكن أن نتصوّر بأنّ أعمال الإنسان دون باقي الأشياء لا تخضع لهذه السّنّة،لتبقى سائبة بلا ضبط و تسجيل،و ليس عليها من حافظ؟!!(20:99)

ص: 719

فضل اللّه:و هذا هو ما أراد القسم تأكيده،و كلمة (لمّا)بمعنى«إلاّ»أي ما من نفس إلاّ و عليها حافظ يحفظ عليها أعمالها لتحاسب عليها يوم القيامة.و الظّاهر أنّ المراد بالحافظ:الملك الّذي يكتب صحيفة الأعمال.[ثمّ نقل كلام الطّباطبائيّ في الاحتمال الثّاني لحفظ النّفس و قال:]

و نلاحظ أنّ هذا الاحتمال بعيد عن الظّهور،من خلال أنّ السّياق ينطلق في بيان مسئوليّة الإنسان عن أعماله الّتي يواجهها في يوم القيامة،ممّا يفرض عليه الدّقّة في المحاسبة و المراقبة،و عدم الشّعور بالحرّيّة المطلقة في ما يأخذ به و في ما يدعه،و لا موجب للحديث عن حفظ النّفس و عدم بطلانها بالموت،فإنّ طبيعة الحديث عن المعاد يفرض ذلك من دون حاجة إلى هذا التّعبير البعيد عن الذّهن.أمّا ما ذكره شاهدا على ذلك من الآيتين، فالظّاهر أنّ المراد بهما:حفظ النّفس في الحياة من الموت قبل إتيان الأجل،و اللّه العالم.(24:181)

حافظا

...فَاللّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَ هُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ.

يوسف:64

كعب الأحبار:لمّا قال يعقوب: فَاللّهُ خَيْرٌ حافِظاً قال اللّه عزّ و جلّ:و عزّتي لأردّنّ عليك كليهما بعد ما توكّلت عليّ.(الواحديّ 2:621)

الفرّاء: فَاللّهُ خَيْرٌ حافِظاً و(حفظا).و هي في قراءة عبد اللّه (و اللّه خير الحافظين) و هذا شاهد للوجهين جميعا؛و ذلك أنّك إذا أضفت«أفضل»إلى شيء فهو بعضه،و حذف المخفوض يجوز و أنت تنويه.فإن شئت جعلته خيرهم حفظا فحذفت الهاء و الميم،و هي تنوى في المعنى،و إن شئت جعلت(حافظا)تفسيرا لأفضل،و هو كقولك:لك أفضلهم رجلا ثمّ تلغي الهاء و الميم،فتقول:

لك أفضل رجلا و خير رجلا.و العرب تقول:لك أفضلها كبشا،و إنّما هو تفسير الأفضل.إنّ ابن مسعود قرأ (فاللّه خير حافظا) و قد أعلمتك أنّها مكتوبة في مصحف عبد اللّه (خير الحافظين) .(2:49)

الطّبريّ: و اختلفت القرّاء في فَاللّهُ خَيْرٌ حافِظاً فقرأ ذلك عامّة قرّاء أهل المدينة و بعض الكوفيّين و البصريّين(فاللّه خير حفظا)بمعنى:و اللّه خيركم حفظا.

و قرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين و بعض أهل مكّة فَاللّهُ خَيْرٌ حافِظاً بالألف،على توجيه(الحافظ)إلى أنّه تفسير للخير،كما يقال:هو خير رجلا،و المعنى:فاللّه خيركم حافظا،ثمّ حذفت الكاف و الميم.

و الصّواب من القول في ذلك:أنّهما قراءتان مشهورتان متقاربتا المعنى،قد قرأ بكلّ واحدة منهما أهل علم بالقرآن،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب؛و ذلك أنّ من وصف اللّه بأنّه خيرهم حفظا،فقد وصفه بأنّه خيرهم حافظا،و من وصفه بأنّه خيرهم حافظا فقد وصفه بأنّه خيرهم حفظا.(13:11)

نحوه البغويّ.(2:501)

الزّجّاج: (فاللّه خير حفظا) و تقرأ(حافظا).

و(حفظا)منصوب على التّمييز،و(حافظا)منصوب على الحال،و يجوز أن يكون(حافظا)على التّمييز أيضا.

(3:118)

ص: 720

أبو عليّ الفارسيّ: وجه قراءة من قرأ(حفظا) بغير ألف،أنّه قد ثبت من قولهم: وَ نَحْفَظُ أَخانا يوسف:65،و قولهم: وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ يوسف:63، أنّهم أضافوا إلى أنفسهم حفظا،فالمعنى على الحفظ الّذي نسبوه إلى أنفسهم،و إن كان منهم تفريط في حفظ يوسف،كما قال: أَيْنَ شُرَكائِيَ النّحل:27،و لم يثبت للّه شريك،و لكن على معنى الشّركاء الّذين نسبتموهم إليّ،فكذلك المعنى على الحفظ الّذي نسبوه إلى أنفسهم، و المعنى فاللّه خير حفظا من حفظكم الّذي نسبتموه إلى أنفسكم.(الطّوسيّ 6:164)

نحوه أبو زرعة.(362)

الطّوسيّ: [ذكر القراءتين و قال:]

فمن قال:على لفظ الفاعل نصبه على الحال.

و يحتمل أن يكون نصبه على التّمييز،و لم ينصبه على الحال،و الحال يدلّ على أنّه تعالى الحافظ.و التّمييز يرجع إلى من يحفظ بأمره من الملائكة،و كلا الوجهين أجازهما الزّجّاج.

و من قرأ على المصدر نصبه على التّمييز لا غير،و لو قرئ (خير حافظ) على الإضافة لدلّ على أنّ الموصوف حافظ،و ليس كذلك التّمييز،و حقيقة«خير من كذا» أنّه أنفع منه على الإطلاق،و أنّه لا شيء أنفع منه.[ثمّ ذكر وجه قراءة من قرأ(حفظا)كما تقدّم عن الفارسيّ](6:164)

القشيريّ: فَاللّهُ خَيْرٌ حافِظاً يحفظ بنيامين فلا يصيبه شيء من قبلهم.و لم يقل يعقوب:فاللّه خير من يردّه إليّ،و لو قال ذلك لعلّه كان يردّه إليه سريعا.

(3:193)

الزّمخشريّ: فَاللّهُ خَيْرٌ حافِظاً فتوكّل على اللّه فيه و دفعه إليهم،و(حافظا)تمييز،كقولك:هو خيرهم رجلا،و للّه درّه فارسا،و يجوز أن يكون حالا.

و قرئ(حفظا)،و قرأ الاعمش: (فاللّه خير حافظ) ، و قرأ أبو هريرة: (خير الحافظين) .(2:331)

الطّبرسيّ: [نقل كلام أبي عليّ الفارسيّ و أضاف:]

و من قرأ(حافظا)فيكون(حافظا)منتصبا على التّمييز دون الحال كما كان(حفظا)كذلك،و لا يستحيل الإضافة في (فاللّه خير حافظ) و (خير الحافظين) كما يستحيل في (خير حفظا) .

فإن قلت:فهل كان ثمّ«حافظ»كما ثبت أنّه كان «حفظ»لما قدّمته؟

فالقول أنّه قد ثبت أنّه كان ثمّ«حافظ»لقوله: وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ يوسف:63،و لقوله: يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ الرّعد:11،فتقول:حافظ اللّه خير من حافظكم، كما كان حفظ اللّه خير من حفظكم،لأنّ اللّه سبحانه حافظه،كما أنّ له حفظا فحافظه خير من حافظكم،كما كان حفظه خيرا من حفظكم،و تقول:هو أحفظ حافظ، كما تقول:هو أرحم راحم،لأنّه سبحانه من الحافظين،كما كان من الرّاحمين.[إلى أن قال:]

فَاللّهُ خَيْرٌ حافِظاً أي حفظ اللّه خير من حفظكم.

(3:247)

الفخر الرّازيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:معناه وثقت بكم في حفظ يوسف عليه السّلام فكان ما كان،فالآن أتوكّل على اللّه في حفظ بنيامين.[إلى أن

ص: 721

قال:]

فإن قيل:هل يدلّ قوله: فَاللّهُ خَيْرٌ حافِظاً على أنّه أذن في ذهاب ابنه بنيامين في ذلك الوقت؟

قلنا:الأكثرون قالوا:يدلّ عليه،و قال آخرون:

لا يدلّ عليه،و فيه وجهان:

الأوّل:التّقدير أنّه لو أذن في خروجه معهم لكان في حفظ اللّه لا في حفظهم.

الثّاني:أنّه لمّا ذكر يوسف قال: فَاللّهُ خَيْرٌ حافِظاً أي ليوسف،لأنّه كان يعلم أنّه حيّ.(18:169)

أبو حيّان :[نقل كلام الزّمخشريّ في القراءة المشهورة و أضاف:]

و أجاز الزّمخشريّ أن يكون(حافظا)حالا،و ليس بجيّد،لأنّ فيه تقييد خير بهذه الحال.[إلى أن قال:]

و قال ابن عطيّة:و قرأ ابن مسعود (فاللّه خير حافظا و هو خير الحافظين) و ينبغي أن تجعل هذه الجملة تفسيرا لقوله: فَاللّهُ خَيْرٌ حافِظاً لا أنّها قرآن.

(5:322)

الشّربينيّ: فَاللّهُ المحيط علما و قدرة(خير حفظا)منكم و من كلّ أحد،ففيه التّفويض إلى اللّه تعالى و الاعتماد عليه في جميع الأمور.[ثمّ نقل القراءتين]

(2:121)

نحوه أبو السّعود.(3:409)

الآلوسيّ: فأرجو أن يرحمني بحفظه،و لا يجمع عليّ مصيبتين،و هذا كما ترى ميل منه عليه السّلام إلى الإذن و الإرسال لما رأى فيه من المصلحة،و فيه أيضا من التّوكّل على اللّه تعالى ما لا يخفى،و لذا روي أنّ اللّه تعالى قال:و عزّتي و جلالي لأردّهما عليك إذ توكّلت عليّ.

و نصب(حافظا)على التّمييز نحو:للّه درّه فارسا، و جوّز غير واحد أن يكون على الحاليّة.و تعقّبه أبو حيّان بأنّه ليس بجيّد،لما فيه من تقييد الخيريّة بهذه الحالة.

و ردّ بأنّها حال لازمة مؤكّدة لا مبيّنة و مثلها كثير،مع أنّه قول بالمفهوم،و هو غير معتبر و لو اعتبر ورد على التّمييز،و فيه نظر.

و قرأ أكثر السّبعة (حفظا) و نصبه على ما قال أبو البقاء:على التّمييز لا غير.و قرأ الأعمش (خير حافظ) على الإضافة،و إفراد(حافظ)،و قرأ أبو هريرة (خير الحافظين) على الإضافة و الجمع.

[ثمّ نقل قراءة ابن مسعود عن ابن عطيّة و كلام أبي حيّان](13:11)

الحافظين-الحافظات

...وَ الصّائِمِينَ وَ الصّائِماتِ وَ الْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَ الْحافِظاتِ... الأحزاب:35

ابن عبّاس: وَ الْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ عن الفجور من الرّجال وَ الْحافِظاتِ فروجهنّ من النّساء.(354)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:عن الفواحش.

الثّاني:أنّه أراد منافذ الجسد كلّها،فيحفظون أسماعهم عن اللّغو و الخنا،و أفواههم عن قول الزّور و أكل الحرام،و فروجهم عن الفواحش.(4:403)

الطّوسيّ: وَ الْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ من الزّنى

ص: 722

و ارتكاب أنواع الفجور، وَ الْحافِظاتِ فروجهنّ، و حذف من الثّاني لدلالة الكلام عليه.(8:341)

نحوه الطّبرسيّ.(4:358)

القشيريّ: في الظّاهر عن الحرام،و في الإشارة عن جميع الآثام.(5:162)

الواحديّ: عمّا لا يحلّ لهم.(3:471)

نحوه البغويّ(3:640)،و النّسفيّ(3:303).

ابن عطيّة: حفظ الفرج هو من الزّنى و شبهه، و تدخل مع ذلك الصّيانة من جميع ما يؤدّي إلى الزّنى،أو هو في طريقه،و في قوله: اَلْحافِظاتِ حذف ضمير يدلّ عليه المتقدّم،تقديره:و الحافظاتها.(4:385)

نحوه القرطبيّ(14:185)،و الشّربينيّ(3:247).

البيضاويّ: عن الحرام.(2:245)

مثله أبو السّعود(5:226)،و الكاشانيّ(4:190)، و المشهديّ(8:167).

ابن كثير :أي عن المحارم و المآثم إلاّ عن المباح،كما قال عزّ و جلّ: وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ. المؤمنون:5 -7.(5:461)

نحوه المراغيّ.(22:10)

البروسويّ: في الظّاهر عن الحرام،و في الحقيقة عن تصرّفات المكوّنات،أي و الحافظاتها،فحذف المفعول لدلالة المذكور عليه.(7:175)

الآلوسيّ: عمّا لا يرضى به اللّه تعالى.(22:21)

الطّباطبائيّ: أي لفروجهنّ؛و ذلك بالتّجنّب عن غير ما أحلّ اللّه لهم.(16:314)

فضل اللّه :عمّا حرّمه اللّه من العلاقة الجنسيّة كالزّنى و اللّواط و السّحاق و غيرها كالاستمناء،على أساس الاكتفاء بالعلاقات المحلّلة كالزّواج و نحوه،انطلاقا من امتثال أوامر اللّه و نواهيه في ذلك،في ما أراده للمؤمنين و المؤمنات من العفّة عن الحرام.(18:308)

حافظون

1- أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَ يَلْعَبْ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ. يوسف:12

ابن عبّاس: مشفقون.(194)

من كلّ ما تخافه عليه.(الواحديّ 2:602)

نحوه القرطبيّ.(9:140)

الطّبريّ: و نحن حافظوه من أن يناله شيء يكرهه أو يؤذيه.(12:159)

نحوه البيضاويّ(1:489)،و البروسويّ(4:221).

الطّوسيّ: و نحن حافظون له و مراعون لأحواله،فلا تخشى عليه.(6:107)

الطّبرسيّ: أي نحفظه لنردّه إليك،و قيل:نحفظه في حال لعبه.(3:215)

أبو حيّان :جملة حاليّة،و العامل فيه الأمر أو الجواب،و لا يكون ذلك من باب الإعمال،لأنّ الحال لا تضمر،و بأنّ الإعمال لا بدّ فيه من الإضمار إذا أعمل الأوّل.(5:285)

نحوه الآلوسيّ.(12:194)

ابن كثير :و نحن نحفظه و نحوطه من أجلك.(4:12)

ص: 723

الشّربينيّ: أي بليغون في الحفظ له حتّى نردّه إليك سالما.(2:93)

أبو السّعود : وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ من أن يناله مكروه،أكّدوا مقالتهم بأصناف التّأكيد،من إيراد الجملة اسميّة و تحليتها ب(إنّ)و اللاّم،و إسناد الحفظ إلى كلّهم، و تقديم(له)على الخبر احتيالا في تحصيل مقصدهم.

(3:370)

2- ...فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ. يوسف:63

ابن عبّاس: ضامنون بردّه إليك.(199)

الطّبريّ: من أن يناله مكروه في سفره.(13:10)

نحوه القرطبيّ(9:224)،و البيضاويّ(1:501)، و النّسفيّ(2:229)،و أبو السّعود(3:409)،و الكاشانيّ (3:31)،و القاسميّ(9:3563).

الطّوسيّ: نحن نحفظه و نحتاط عليه.(6:163)

نحوه أبو حيّان.(5:322)

الواحديّ: من أن يصيبه سوء أو مكروه.

(2:621)

مثله الطّبرسيّ.(3:248)

الفخر الرّازيّ: ضمنوا كونهم حافظين له.

(18:169)

ابن كثير :أي لا تخف عليه فإنّه سيرجع إليك.

(4:36)

الشّربينيّ: عن أن يناله مكروه حتّى نردّه إليك.(2:121)

نحوه البروسويّ(4:288)،و الآلوسيّ(13:11).

المراغيّ: في ذهابه و إيابه،فلا يناله مكروه تخافه، و كأنّهم كانوا يعتقدون أنّ أباهم لا بدّ أن يرفض إجابتهم، خوفا عليه من أن يحدث له مثل ما حدث ليوسف بدافع الحسد من قبل.(13:13)

3- إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ. الحجر:9

ابن عبّاس: وَ إِنّا لَهُ للقرآن لَحافِظُونَ من الشّياطين حتّى لا يزيدوا فيه و لا ينقصوا منه،و لا يغيّروا حكمه،و يقال: لَهُ لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم لَحافِظُونَ من الكفّار و الشّياطين.(216)

نحوه قتادة.(الطّبرسيّ 3:331)

مجاهد : لَحافِظُونَ عندنا.(الطّبريّ 14:8)

الحسن :حفظه حتّى يجزى به يوم القيامة.(الماورديّ 3:149)

متكفّل بحفظه إلى آخر الدّهر على ما هو عليه فتنقله الأمّة و تحفظه عصرا بعد عصر إلى يوم القيامة،لقيام الحجّة به على الجماعة من كلّ من لزمته دعوة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

(الطّبرسيّ 3:331)

حفظه بإبقاء شريعته إلى يوم القيامة.

(أبو حيّان 5:447)

قتادة :حفظه اللّه من أن يزيد فيه الشّيطان باطلا، أو ينقص منه حقّا.(الطّبريّ 14:8)

مثله ثابت البنانيّ.(القرطبيّ 10:5)

مقاتل:لأنّ الشّياطين لا يصلون إليه،لقولهم

ص: 724

للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:إنّك لمجنون يعلّمك الرّي (1).(2:425)

الفرّاء: يقال:إنّ الهاء الّتي في(له)يراد بها القرآن، (حافظون)أي راعون،و يقال:إنّ الهاء لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:و إنّا لمحمّد لحافظون.(2:85)

الجبّائيّ: معناه:و إنّا له لحافظون من أن تناله أيدي المشركين،فيسرعون إلى إبطاله،و منع المؤمنين من الصّلاة به.(الطّوسيّ 6:320)

الطّبريّ: إنّا للقرآن لحافظون من أن يزاد فيه باطل ما ليس منه،أو ينقص منه ما هو منه،من أحكامه و حدوده و فرائضه.و الهاء في قوله:(له)من ذكر الذّكر.

[إلى أن قال:]

و قيل:الهاء في قوله: وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ من ذكر محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،بمعنى:إنّا لمحمّد حافظون ممّن أراده بسوء من أعدائه.(14:7،8)

الزّجّاج: أي نحفظه من أن يقع فيه زيادة أو نقصان، كما قال: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ فصّلت:42.(3:174)

نحوه الثّعلبيّ(5:331)،و البغويّ(3:51).

الماورديّ: [نحو الفرّاء ثمّ قال:]

و في هذا الحفظ ثلاثة أوجه:[و نقل قول الحسن و قتادة ثمّ قال:]

الثّالث:إنّا له لحافظون في قلوب من أردنا به خيرا، و ذاهبون به من قلوب من أردنا به شرّا.(3:149)

الطّوسيّ: [نقل بعض الأقوال في المراد بالحفظ ثمّ قال:]

و في هذه الآية دلالة على حدوث القرآن،لأنّ ما يكون منزلا و محفوظا لا يكون إلاّ محدثا،لأنّ القديم لا يجوز عليه ذلك و لا يحتاج إلى حفظه.(6:320)

القشيريّ: أنزل التّوراة و قد وكل حفظه إلى بني إسرائيل بما استحفظوا من كتاب اللّه،فحرّفوا و بدّلوا، و أنزل الفرقان و أخبر أنّه حافظه،و إنّما يحفظه بقرّائه، فقلوب القرّاء خزائن كتابه،و هو لا يضيع كتابه.

(3:264)

الزّمخشريّ: هو حافظه في كلّ وقت من كلّ زيادة و نقصان و تحريف و تبديل،بخلاف الكتب المتقدّمة فإنّه لم يتولّ حفظها،و إنّما استحفظها الرّبّانيّين و الأحبار فاختلفوا فيما بينهم بغيا،فكان التّحريف،و لم يكل القرآن إلى غير حفظه.

فإن قلت:فحين كان قوله: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ردّ لإنكارهم و استهزائهم فكيف اتّصل بقوله: وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ؟

قلت:قد جعل ذلك دليلا على أنّه منزّل من عنده آية،لأنّه لو كان من قول البشر أو غير آية،لتطرّق عليه الزّيادة و النّقصان،كما يتطرّق على كلّ كلام سواه.

و قيل:الضّمير في(له)لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،كقوله تعالى:

وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ المائدة:67.(2:387)

نحوه النّسفيّ.(2:269)

ابن عطيّة: قالت فرقة:الضّمير في(له)عائد على محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،أي يحفظه من أذاكم و يحوطه من مكركم و غيره،ذكر الطّبريّ هذا القول و لم ينسبه،و في ضمن هذه العدة كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حتّى أظهر اللّه به الشّرعي.

ص: 725


1- في ل:الرّي،أ:الدّني.

و حان أجله.

و قالت فرقة-و هي الأكثر-:الضّمير في(له)عائد على القرآن،قاله مجاهد و قتادة.و المعنى: لَحافِظُونَ من أن يبدّل أو يغيّر،كما جرى في سائر الكتب المنزلة.

و في آخر ورقة من البخاريّ عن ابن عبّاس:أنّ التّبديل فيها إنّما كان في التّأويل،و أمّا في اللّفظ فلا.

و ظاهر آيات القرآن أنّهم بدّلوا اللّفظ،و وضع اليد في آية الرّجم هو في معنى تبديل الألفاظ.و قيل:

لَحافِظُونَ باختزانه في صدور الرّجال؛و المعنى متقارب.

و قال قتادة:هذه الآية نحو قوله تعالى: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ فصّلت:42.

(3:351)

الفخر الرّازيّ: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ و فيه مسائل:

المسألة الأولى:أنّ القوم إنّما قالوا: يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ الحجر:6،لأجل أنّهم سمعوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان يقول:«إنّ اللّه تعالى نزّل الذّكر عليّ»ثمّ إنّه تعالى حقّق قوله في هذه الآية فقال: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ.

فأمّا قوله: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ فهذه الصّيغة و إن كانت للجمع إلاّ أنّ هذا من كلام الملوك عند إظهار التّعظيم،فإنّ الواحد منهم إذا فعل فعلا أو قال قولا،قال:

إنّا فعلنا كذا،و قلنا كذا فكذا هاهنا.

المسألة الثّانية:الضّمير في قوله: لَهُ لَحافِظُونَ إلى ما ذا يعود؟فيه قولان:

القول الأوّل:إنّه عائد إلى(الذّكر)يعني:و إنّا نحفظ ذلك الذّكر من التّحريف و الزّيادة و النّقصان،و نظيره قوله تعالى في صفة القرآن: لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ فصّلت:42 و قال: وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً النّساء:82.

فإن قيل:فلم اشتغلت الصّحابة بجمع القرآن في المصحف،و قد وعد اللّه تعالى بحفظه،و ما حفظه اللّه فلا خوف عليه؟

و الجواب:أنّ جمعهم للقرآن كان من أسباب حفظ اللّه تعالى إيّاه،فإنّه تعالى لمّا أن حفظه قيّضهم لذلك.قال أصحابنا:و في هذه الآية دلالة قويّة على كون التّسمية آية من أوّل كلّ سورة،لأنّ اللّه تعالى قد وعد بحفظ القرآن،و الحفظ لا معنى له إلاّ أن يبقى مصونا من الزّيادة و النّقصان،فلو لم تكن التّسمية من القرآن لما كان القرآن مصونا عن التّغيير،و لما كان محفوظا عن الزّيادة.و لو جاز أن يظنّ بالصّحابة أنّهم زادوا،لجاز أيضا أن يظنّ بهم النّقصان؛و ذلك يوجب خروج القرآن عن كونه حجّة.

و القول الثّاني:أنّ الكناية في قوله:(له)راجعة إلى محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و المعنى و إنّا لمحمّد لحافظون.و هو قول الفرّاء، و قوّى ابن الأنباريّ هذا القول،فقال:لمّا ذكر اللّه الإنزال و المنزل دلّ ذلك على المنزل عليه،فحسنت الكناية عنه، لكونه أمرا معلوما،كما في قوله تعالى: إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فإنّ هذه الكناية عائدة إلى القرآن مع أنّه لم يتقدّم ذكره،و إنّما حسنت الكناية للسّبب المعلوم،فكذا هاهنا.إلاّ أنّ القول الأوّل أرجح القولين و أحسنهما، مشابهة لظاهر التّنزيل،و اللّه أعلم.

ص: 726

المسألة الثّالثة:إذا قلنا:الكناية عائدة إلى القرآن، فاختلفوا في أنّه تعالى كيف يحفظ القرآن؟

قال بعضهم:حفظه بأن جعله معجزا مباينا لكلام البشر،فعجز الخلق عن الزّيادة فيه و النّقصان عنه، لأنّهم لو زادوا فيه أو نقصوا عنه لتغيّر نظم القرآن، فيظهر لكلّ العقلاء أنّ هذا ليس من القرآن،فصار كونه معجزا كإحاطة السّور بالمدينة،لأنّه يحصنها و يحفظها.

و قال آخرون:إنّه تعالى صانه و حفظه من أن يقدر أحد من الخلق على معارضته.

و قال آخرون:أعجز الخلق عن إبطاله و إفساده،بأن قيّض جماعة يحفظونه و يدرسونه و يشهرونه،فيما بين الخلق إلى آخر بقاء التّكليف.

و قال آخرون:المراد بالحفظ هو أنّ أحدا لو حاول تغييره بحرف أو نقطة،لقال له أهل الدّنيا:هذا كذب و تغيير لكلام اللّه تعالى،حتّى أنّ الشّيخ المهيب لو اتّفق له لحن أو هفوة في حرف من كتاب اللّه تعالى،لقال له كلّ الصّبيان:أخطأت أيّها الشّيخ،و صوابه كذا و كذا،فهذا هو المراد من قوله: وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ.

و اعلم أنّه لم يتّفق لشيء من الكتب مثل هذا الحفظ، فإنّه لا كتاب إلاّ و قد دخله التّصحيف و التّحريف و التّغيير،إمّا في الكثير منه أو في القليل،و بقاء هذا الكتاب مصونا عن جميع جهات التّحريف-مع أنّ دواعي الملحدة و اليهود و النّصارى متوفّرة على إبطاله و إفساده-من أعظم المعجزات،و أيضا أخبر اللّه تعالى عن بقائه محفوظا عن التّغيير و التّحريف،و انقضى الآن قريبا من ستّمائة سنة فكان هذا إخبارا عن الغيب،فكان ذلك أيضا معجزا قاهرا.

المسألة الرّابعة:احتجّ القاضي بقوله: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ على فساد قول بعض الإماميّة [و قد انقرضوا]في أنّ القرآن قد دخله التّغيير و الزّيادة و النّقصان،قال:لأنّه لو كان الأمر كذلك لما بقي القرآن محفوظا.و هذا الاستدلال ضعيف،لأنّه يجري مجرى إثبات الشّيء بنفسه،فالإماميّة الّذين يقولون:إنّ القرآن قد دخله التّغيير و الزّيادة و النّقصان،لعلّهم يقولون:إنّ هذه الآية من جملة الزّوائد الّتي ألحقت بالقرآن،فثبت أنّ إثبات هذا المطلوب بهذه الآية يجرى مجرى إثبات الشّيء نفسه،و أنّه باطل،و اللّه أعلم.

[و لا يرضى الإماميّة بما ذكره عنهم](19:160)

نحوه النّيسابوريّ(14:9)،و الشّربيني(2:194).

القرطبيّ: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ يعني القرآن وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ من أن يزاد فيه أو ينقص منه...

فتولّى سبحانه حفظه فلم يزل محفوظا،و قال في غيره:

بِمَا اسْتُحْفِظُوا المائدة:44،فوكّل حفظه إليهم فبدّلوا و غيّروا.[ثمّ نقل عن يحيى بن أكثم]

كان للمأمون-و هو أمير إذ ذاك-مجلس نظر، فدخل في جملة النّاس رجل يهوديّ حسن الثّوب حسن الوجه طيّب الرّائحة،قال:فتكلّم فأحسن الكلام و العبارة،قال:فلمّا أن تقوّض المجلس دعاه المأمون،فقال له:إسرائيليّ؟قال:نعم.قال له:أسلم حتّى أفعل بك و أصنع،و وعده.فقال:ديني و دين آبائي!و انصرف.

قال:فلمّا كان بعد سنة جاءنا مسلما،قال:فتكلّم على الفقه فأحسن الكلام،فلمّا تقوّض المجلس دعاه المأمون،

ص: 727

و قال:أ لست صاحبنا بالأمس؟قال له:بلى.قال:فما كان سبب إسلامك؟

قال:انصرفت من حضرتك فأحببت أن أمتحن هذه الأديان،و أنت مع ما تراني حسن الخطّ،فعمدت إلى التّوراة فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها و نقصت، و أدخلتها الكنيسة فاشتريت منّي،و عمدت إلى الإنجيل فكتبت ثلاث نسخ فزدت فيها و نقصت،و أدخلتها البيعة فاشتريت منّي،و عمدت إلى القرآن فعملت ثلاث نسخ و زدت فيها و نقصت،و أدخلتها الورّاقين فتصفّحوها، فلمّا أن أوجدوا فيها الزّيادة و النّقصان رموا بها فلم يشتروها؛فعلمت أنّ هذا كتاب محفوظ،فكان هذا سبب إسلامي.

قال يحيى بن أكثم:فحججت تلك السّنة فلقيت سفيان بن عيينة فذكرت له الخبر،فقال لي:مصداق هذا في كتاب اللّه عزّ و جلّ.قال:قلت:في أيّ موضع؟قال:في قول اللّه تبارك و تعالى في التّوراة و الإنجيل: بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ المائدة:44،فجعل حفظه إليهم فضاع،و قال عزّ و جلّ: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ فحفظه اللّه عزّ و جلّ علينا فلم يضع.

و قيل: وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ أي لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم من أن يتقوّل علينا أو نتقوّل عليه.أو وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ من أن يكاد أو يقتل.نظيره وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ المائدة:67.

و(نحن)يجوز أن يكون موضعه رفعا بالابتداء و(نزّلنا)الخبر،و الجملة خبر(انّ).و يجوز أن يكون (نحن)تأكيدا لاسم(انّ)في موضع نصب،و لا تكون فاصلة،لأنّ الّذي بعدها ليس بمعرفة و إنّما هو جملة، و الجمل تكون نعوتا للنّكرات،فحكمها حكم النّكرات.(10:5)

البيضاويّ: أي من التّحريف و الزّيادة و النّقص، بأن جعلناه معجزا مباينا لكلام البشر؛بحيث لا يخفى تغيير نظمه على أهل اللّسان،أو نفى تطرّق الخلل إليه في الدّوام بضمان الحفظ له،كما نفى أن يطعن فيه بأنّه المنزّل له.و قيل:الضّمير في(له)للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.(1:538)

مثله المشهديّ.(5:228)

أبو حيّان :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:يحفظه في قلوب من أراد بهم خيرا حتّى لو غيّر أحد نقطة لقال له الصّبيان:كذبت،و صوابه كذا،و لم يتّفق هذا لشيء من الكتب سواه.و على هذا فالظّاهر أنّ الضّمير في(له)عائد على(الذّكر)لأنّه المصرّح به في الآية.و هو قول الأكثر:مجاهد و قتادة و غيرهما.

و قالت فرقة:الضّمير في(له)عائد على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،أي يحفظه من أذاكم و يحوطه من مكركم،كما قال تعالى: وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ و في ضمن هذه الآية التّبشير بحياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حتّى يظهر اللّه به الدّين.

(5:446)

أبو السّعود : إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ ردّ لإنكارهم التّنزيل و استهزائهم برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بذلك،و تسلية له، أي نحن بعظم شأننا و علوّ جنابنا نزّلنا ذلك الذّكر الّذي أنكروه و أنكروا نزوله عليك،و نسبوك بذلك إلى الجنون و عمّوا منزّله؛حيث بنوا الفعل للمفعول إيماء إلى أنّه أمر لا مصدر له،و فعل لا فاعل له وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ من

ص: 728

كلّ ما لا يليق به،فيدخل فيه تكذيبهم له و استهزاؤهم به دخولا أوّليّا،فيكون وعيدا للمستهزئين.

و أمّا الحفظ عن مجرّد التّحريف و الزّيادة و النّقص و أمثالها فليس بمقتضى المقام،فالوجه الحمل على الحفظ من جميع ما يقدح فيه من الطّعن فيه،و المجادلة في حقّيّته.

و يجوز أن يراد حفظه بالإعجاز دليلا على التّنزيل من عنده تعالى؛إذ لو كان من عند غير اللّه لتطرّق عليه الزّيادة و النّقص و الاختلاف.

و في سبك الجملتين من الدّلالة على كمال الكبرياء و الجلالة،و على فخامة شأن التّنزيل ما لا يخفى،و في إيراد الثّانية بالجملة الاسميّة دلالة على دوام الحفظ،و اللّه سبحانه أعلم.

و قيل:الضّمير المجرور للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم كقوله تعالى:

وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ المائدة:67،و تأخير هذا الكلام-و إن كان جوابا عن أوّل كلامهم الباطل،و ردّا له -لما ذكر آنفا و لارتباطه بما يعقبه من قوله تعالى: وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا أي رسلا،و إنّما لم يذكر لدلالة ما بعده عليه.

مِنْ قَبْلِكَ متعلّق ب(ارسلنا)أو بمحذوف هو نعت للمفعول المحذوف،أي رسلا كائنة من قبلك.(4:10)

البروسويّ: وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ في كلّ وقت من كلّ ما لا يليق به،كالطّعن فيه،و المجادلة في حقّيّته، و التّكذيب له،و الاستهزاء به،و التّحريف و التّبديل و الزّيادة و النّقصان،و نحوها.و أمّا الكتب المتقدّمة فلمّا لم يتولّ حفظها و استحفظها النّاس تطرّق إليها الخلل.

و في«التّبيان»:أو حافظون له من الشّياطين،من وساوسهم و تخاليطهم.

قال في«بحر العلوم»:حفظه إيّاه بالصّرفة،على معنى أنّ النّاس كانوا قادرين على تحريفه و نقصانه كما حرّفوا التّوراة و الإنجيل،لكنّ اللّه صرفهم عن ذلك،أو بحفظ العلماء و تصنيفهم الكتب الّتي صنّفوها في شرح ألفاظه و معانيه،ككتب التّفسير و القراءات،و غير ذلك.و في المثنوي:

مصطفى را وعده كرد الطاف حق

گر بميرى تو نميرد اين سبق...

تا قيامت باقيش داريم ما

تو مترس از نسخ دين اى مصطفى

و عن أبي هريرة قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ اللّه يبعث لهذه الأمّة على رأس كلّ مائة سنة من يجدّد لها دينها» ذكره أبو داود في سننه.و فيما ذكر إشارة إلى أنّ القرآن العظيم ما دام بين النّاس لا يخلو وجه الأرض عن المهرة من العلماء و القرّاء و الحفّاظ[ثمّ ذكر حديثا آخر و قال:]

فعلى العاقل التّمسّك بالقرآن و حفظه نظما و معنى، فإنّ النّجاة فيه.

و في الحديث:«من استظهر القرآن خفّف عن والديه العذاب و إن كانا مشركين».

و في حديث آخر:«اقرءوا القرآن و استظهروه فإنّ اللّه لا يعذّب قلبا وعى القرآن».

و في حديث آخر:«لو جعل القرآن في إهاب ثمّ ألقي في النّار ما احترق»أي من جعله اللّه حافظا للقرآن لا يحترق.

و سئل الفرزدق لم يهجوك جرير بالقيد.[ثمّ حكى قصّة عن الفرزدق في اهتمامه بحفظ القرآن و أدام:]

ص: 729

قيل:اشتغل الإمام زفر رحمه اللّه في آخر عمره بتعليم القرآن و تلاوته سنتين،ثم مات و رآه بعض شيوخ عصره في منامه،فقال:لو لا سنتان لهلك زفر.

قال الكاشفيّ: قيل:الضّمير عائد إلى الرّسول أي نحفظه من كيد الأعداء،كما قال تعالى: وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ المائدة:67.

گر جمله جهانم خصم گردند

نترسم چون نگهدارم تو باشى

ز شادى در همه حالم نگنجم

اگر يك لحظه غمخوارم تو باشى

و الإشارة إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ في قلوب المؤمنين -و هو قول:لا إله إلاّ اللّه-نظيره قوله تعالى: أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ المجادلة:22،و قوله: هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ السَّكِينَةَ فِي قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ الفتح:4، فالمنافق يقول:لا إله إلاّ اللّه،و لكن لم ينزله اللّه في قلبه و لم يحصل فيه الإيمان وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ أي في قلوب المؤمنين.و لو لم يحفظ اللّه الذّكر و الإيمان في قلوب المؤمن لما قدر المؤمن على حفظه،لأنّه ناس.(4:443)

شبّر: وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ عند أهل الذّكر فهما لا يفترقان،أو من كيد المشركين فلا يمكنهم إبطاله.

و قيل:الضّمير في(له)للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و يدلّ على أنّ القرآن محدث،لأنّه منزل و محفوظ.(3:374)

الآلوسيّ: أي نحن بعظم شأننا.[و ذكر نحو أبي السّعود إلى أن قال:]

وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ أي من كلّ ما يقدح فيه، كالتّحريف و الزّيادة و النّقصان و غير ذلك،حتّى أنّ الشّيخ المهيب لو غيّر نقطة يردّ عليه الصّبيان،و يقول له من كان:الصّواب كذا،و يدخل في ذلك استهزاء أولئك المستهزئين و تكذيبهم إيّاه دخولا أوّليّا.

و معنى حفظه من ذلك:عدم تأثيره فيه و ذبّه عنه، و قال الحسن:حفظه بإبقاء شريعته إلى يوم القيامة.[ثمّ نقل معنى كلام الزّمخشريّ و قال:]

و ذلك لأنّ نظمه لمّا كان معجزا لم يمكن زيادة عليه و لا نقص للإخلال بالإعجاز،كذا في«الكشف»،و فيه إشارة إلى وجه العطف و هو ظاهر.

و أنت تعلم أنّ الإعجاز لا يكون سببا لحفظه عن إسقاط بعض السّور،لأنّ ذلك لا يخلّ بالإعجاز،كما لا يخفى،فالمختار أنّ حفظ القرآن و إبقاءه كما نزل،حتّى يأتي أمر اللّه تعالى بالإعجاز و غيره ممّا شاء اللّه عزّ و جلّ،و من ذلك توفيق الصّحابة رضي اللّه تعالى عنهم لجمعه،حسبما علمته أوّل الكتاب.[إلى أن نقل استدلال الفخر الرّازيّ على كون«البسملة»من القرآن بدليل حفظه و أضاف:]

و لعمري أنّ تسمية مثل هذا بالخبال أولى من تسميته بالاستدلال.(14:16)

عزّة دروزة :تعليق على ما في[الآية]من معجزة ربّانيّة عظمى،و مع صلة الآية بسياق المناظرة بين النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و الكفّار،فإنّها صارت عنوان معجزة ربّانيّة عظمى،في حفظ اللّه تعالى قرآنه المجيد من كلّ تبديد و تغيير،و تحريف و زيادة و نقص مجمعا عليه في رسم واحد و نصّ واحد و مصحف واحد و ترتيب واحد،في مشارق الأرض و مغاربها،محتفظا بكلّ إشراقه و سنائه

ص: 730

و روحانيّته،و نفس ألفاظه و حروفه،و أسلوب ترتيله و تلاوته الّتي تلاها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و بترتيبه الّذي رتّبه:

آيات في سور،و سور في مصحف،ممّا لم يتيسّر لأيّ كتاب سماويّ و لا لأيّ نبيّ.

و قد ظلّ مرجع كلّ خلاف،و حكما في كلّ نزاع بين المسلمين،على اختلاف فرقهم و أهوائهم،و القول الفصل في كلّ مذهب،و عند كلّ نحلة من مذاهبهم و نحلهم على كثرتها،منذ وفاة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلى اليوم،و إلى ما شاء اللّه لهذا الكون أن يدوم.

و يكفي لتبيّن خطورة المعجزة الرّبّانيّة العظمى أن يذكر المرء ما كان من فتن و خلاف و شقاق و حروب و تنافس،في سبيل الحكم و السّلطان منذ صدر الإسلام الأوّل،و ما كان من اجتراء أصحاب الأهواء في ذلك العهد و بعده على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و الكذب عليه في وضع الأحاديث المتضمّنة تأييد فئة على فئة،و رأي على رأي، و دعوة على دعوة،و ما كان من وضع الأحاديث و الرّوايات لصرف آيات القرآن إلى غير وجهها الحقّ، و تأويلها بغير وجهها الحقّ بسبيل ذلك،و ما كان من استعلاء قوم على قوم و شيعة على شيعة استعلاء القوّة و السّلطان،مع اشتداد العداء و التّجريح،و اشتداد تيّار الأحاديث المفتراة.

و كان ممّن صار له السّلطان القويّ الواسع المديد فئات كانت تقيم دعوتها على صرف تلك الآيات إلى هواها،و تأويلها بغير وجهها الحقّ،و الاجتراء على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه بسبيل ذلك،و أن يذكر أنّ هذا كان في وقت لم يكن القرآن فيه مطبوعا و لا مصوّرا،و لم يكن من المستحيل فيه أن يجرأ الّذين اجترءوا على رسول اللّه و أصحابه و كذبوا عليهم،و صرفوا الآيات القرآنيّة إلى غير وجهها الحقّ-على كتاب اللّه تعالى- فيغيّروا و يبدّلوا و يزيدوا و ينقصوا تبديلا جوهريّا سائغا على المسلمين مؤيّدا لأهوائهم،و ينشروا به مصاحف عديدة،و بخاصّة في الآيات الّتي حاولوا صرفها عن وجهها الحقّ إلى تأييد أهوائهم و دعوتهم،أو إضعافها لتكون أكثر مطابقة مع الوجوه الّتي أريد صرفها إليها سلبا و إيجابا،و نفيا و إثباتا،و في وقت كانت الكتابة العربيّة سقيمة،و لم يكن قد اخترع النّقط و الشّكل، و كان التّشابه بين الحروف كثيرا،و احتمال اللّبس قويّا.

و لقد حفظت ببركة هذه المعجزة الرّبّانيّة اللّغة العربيّة-الّتي نزل بها-قويّة مشرقة بكلّ ما وصلت إليه من سعة و بلاغة و دقّة و نفوذ و عمق و نصاعة و ضوابط،لتظلّ لغة الأمّة العربيّة الفصحى في كلّ صقع و واد،و في كلّ دور و زمان،و هو ما لم يتيسّر للغة أمّة من أمم الأرض،و لتكون إلى ذلك لغة عبادة اللّه لجميع الأمم الإسلاميّة المنتشرة في أنحاء الأرض،خلال ثلاثة عشر قرنا،ثمّ خلال القرون الآتية،بل و لتترشّح لتكون لغة العالم الإسلامىّ بل لغة الإنسانيّة،حينما يأذن اللّه بتحقيق وعده و إظهار الإسلام على الدّين كلّه،كما جاء في آيات عديدة،منها آية سورة الفتح:28،هذه هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدى وَ دِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَ كَفى بِاللّهِ شَهِيداً.

و حفظت ببركتها الأمّة العربيّة قويّة الحيويّة صامدة أمام ما وقع عليها من نكبات،و تسلّل فيها من عناصر

ص: 731

غريبة،محتفظة بمواهبها العظيمة و خصائصها القوميّة، الّتي كان من مظاهرها أن اصطفى خاتم الأنبياء منها.

و أن نزل آخر كتاب سماويّ بها مصدّقا لما قبله و مهيمنا عليه.

و أن حملت عبء الدّعوة إلى اللّه و نشر رسالته المتمّمة لما سبقها،و الّتي بقيت نقيّة صافية كما هي في منبعها الأوّل،الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه،تنزيل من حكيم حميد.

و أن ترشّحت بذلك لتكون خير أمّة أخرجت للنّاس، إن هي قامت بما حملها إيّاه القرآن من ذلك العبء، و دعت إلى الخير،و أمرت بالمعروف،و نهت عن المنكر.

نقول هذا و نحن نعرف أنّ هناك بعض روايات تروى عن بعض آيات و كلمات و حروف مختلف عليها في القرآن.و أنّ بعض المستشرقين و المبشّرين تقوّلوا بعض الأقوال في صدد ذلك.غير أنّ هذا و ذاك لا يمسّ جوهرا،و ليس من شأنه أن ينقض المعجزة الرّبّانيّة العظمى.و هو من الضّآلة و القلّة إلى درجة لا تكاد تكون شيئا بالنّسبة للمجموع،كما أنّه لا يثبت على النّقد و التّمحيص،و هناك مستشرقون منصفون زيّفوا بقوّة الأقوال الصّادرة عن الهوى و الغرض و الحقد و التّعصّب.(4:126)

مغنيّة:المراد ب(الذّكر):القرآن.و قيل:إنّ ضمير (له)يعود إلى محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و إنّ اللّه يحفظه من أعدائه، و هذا خلاف ظاهر الآية،فيتعيّن إعادة الضّمير إلى القرآن.

و تسأل:من أيّ شيء يحفظ اللّه القرآن؟فإن كان المراد أنّ اللّه يحفظه من التّحريف-كما قال أكثر المفسّرين- فبالأمس القريب طبعت إسرائيل ألوف النّسخ من القرآن،و حرّفت ما اشتهت من الآيات،منها الآية(85) من سورة آل عمران الّتي صارت في قرآن إسرائيل:

«و من يبتغ غير الاسلام دينا يقبل منه».و إن كان المراد بالحفظ أنّه لا أحد يستطيع الطّعن فيه،فهذا خلاف الواقع؟

و ذكر الرّازيّ و الطّبرسيّ عددا من الأجوبة،و لكنّها غير مقنعة.و الّذي نراه أنّ المراد بحفظ القرآن:أنّ كلّ ما فيه هو حقّ ثابت و راسخ مدى الأزمان،لا يمكن ردّه و الطّعن فيه بالحجّة،بل كلّما تقدّمت العقول و العلوم ظهرت أدلّة جديدة على صدق القرآن و عظمته.و هذا المعنى الّذي فسّرنا فيه حفظ القرآن تدلّ عليه أو تشعر به الآية وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ* لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ فصّلت:42.

(4:468)

الطّباطبائيّ: صدر الآية مسوق سوق الحصر، و ظاهر السّياق أنّ الحصر ناظر إلى ما ذكر من ردّهم القرآن بأنّه من أهذار الجنون،و أنّه صلّى اللّه عليه و آله مجنون لا عبرة بما صنع و لا حجر.و من اقتراحهم أن يأتيهم بالملائكة ليصدّقوه في دعوته،و أنّ القرآن كتاب سماويّ حقّ.

و المعنى-على هذا و اللّه أعلم-أنّ هذا(الذّكر)لم تأت به أنت من عندك حتّى يعجزوك و يبطلوه بعنادهم و شدّة بطشهم و تتكلّف لحفظه ثمّ لا تقدر،و ليس نازلا من عند الملائكة حتّى يفتقر إلى نزولهم و تصديقهم إيّاه، بل نحن أنزلنا هذا الذّكر إنزالا تدريجيّا،و إنّا له لحافظون

ص: 732

بما له من صفة الذّكر،بما لنا من العناية الكاملة به.

فهو ذكر حيّ خالد مصون من أن يموت و ينسى من أصله،مصون من الزّيادة عليه بما يبطل به كونه ذكرا، مصون من النّقص كذلك،مصون من التّغيير في صورته و سياقه؛بحيث يتغيّر به صفة كونه ذكرا للّه،مبيّنا لحقائق معارفه.

فالآية تدلّ على كون كتاب اللّه محفوظا من التّحريف بجميع أقسامه،من جهة كونه ذكرا للّه سبحانه،فهو ذكر حيّ خالد.

و نظير الآية في الدّلالة على كون الكتاب العزيز محفوظا بحفظ اللّه،مصونا من التّحريف و التّصرّف بأيّ وجه كان،من جهة كونه ذكرا له سبحانه،قوله تعالى:

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمّا جاءَهُمْ وَ إِنَّهُ لَكِتابٌ عَزِيزٌ* لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ لا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ فصّلت:41،42.

و قد ظهر بما تقدّم أنّ اللاّم في(الذّكر)للعهد الذّكريّ، و أنّ المراد بالوصف لَحافِظُونَ هو الاستقبال،كما هو الظّاهر من اسم الفاعل،فيندفع به ما ربّما يورد على الآية أنّها لو دلّت على نفي التّحريف من القرآن،لأنّه ذكر، لدلّت على نفيه من التّوراة و الإنجيل أيضا،لأنّ كلاّ منهما ذكر،مع أنّ كلامه تعالى صريح في وقوع التّحريف فيهما.

و ذلك أنّ الآية بقرينة السّياق إنّما تدلّ على حفظ الذّكر الّذي هو القرآن بعد إنزاله إلى الأبد،و لا دلالة فيها على علّيّة الذّكر للحفظ الإلهيّ،و دوران الحكم مداره.

[ثمّ أطال الكلام في عدم تحريف القرآن فلاحظ.]

(12:101)

عبد الكريم الخطيب:[نحو بعض المتقدّمين في معنى الحفظ و أضاف:]

و السّؤال هنا:لم وكل اللّه سبحانه و تعالى حفظ الكتب السّماويّة السّابقة إلى أهلها،و لم يتولّ سبحانه و تعالى حفظها،و هي من كلماته،كما تولّى ذلك سبحانه، بالنّسبة للقرآن الكريم؟

و الجواب على هذا،و اللّه أعلم:

أوّلا:أنّ الكتب السّماويّة السّابقة مرادة لغاية محدودة،و لوقت محدود؛و ذلك إلى أن يأتي القرآن الكريم،الّذي هو مجمع هذه الكتب،و المهيمن عليها.و هو بهذا التّقدير الرّسالة السّماويّة إلى الإنسانيّة كلّها في جميع أوطانها و أزمانها.

فلو أنّ الكتب السّماويّة السّابقة،كان لها هذا الحفظ من اللّه سبحانه،لما دخلها هذا التّحريف و التّبديل،و من ثمّ لم يكن للقرآن الكريم هيمنة عليها،و لم يكن ناسخا لها.الأمر الّذي أراد اللّه سبحانه و تعالى للقرآن الكريم أن يجيء له.

و ثانيا:هذا التّبديل و التّحريف الّذي أدخله أهل الكتب السّابقة على كتبهم،لا يدخل منه شيء على آيات اللّه و كلماته.كما لم يدخل شيء من ذلك على آياته الكونيّة،الّتي يغوى بها الغاوون،و ينحرف بها المنحرفون.و كما لا يدخل شيء من النّقص على ذاته الكريمة،أو صفاته و كمالاته،إذا جدّف المجدفون على اللّه،و نظروا إلى ذاته و صفاته بعيون مريضة،و قلوب فاسدة،و عقول سقيمة.(7:218)

ص: 733

مكارم الشّيرازيّ: حفظ القرآن من التّحريف

بعد أن استعرضت الآيات السّابقة تحجّج الكفّار و استهزاءهم بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و القرآن،تأتي هذه الآية المباركة لتواسي قلب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من جهة،و لتطمئنّ قلوب المؤمنين المخلصين من جهة أخرى،من خلال طرح مسألة حيويّة ذات أهمّيّة بالغة لحياة الرّسالة، ألا و هي حفظ القرآن من أيادي التّلاعب و التّحريف إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ. فبناء هذا القرآن مستحكم و شمس وجوده لا يغطّيها غربال الضّلال، و مصباح هديه أبديّ الإنارة،و لو اتّحد أعتى جبابرة التّاريخ و طغاته و حكّامه الظّلمة،محفوفين بعلماء السّوء، و مزوّدين بأقوى الجيوش عدّة و عتادا،على أن يخمدوا نور القرآن و محاولة النّيل من نقائه،فلن يستطيعوا،لأنّ الحكيم الجبّار سبحانه تعهّد بحفظه و صيانته،فكيف بهم و هم فئة قليلة ضعيفة!

و قد اختلف المفسّرون في دلالة«حفظ القرآن»في هذه الآية المباركة.

1-قال بعضهم:الحفظ من التّحريف و التّغيير، و الزّيادة و النّقصان.

2-و قال البعض الآخر:حفظ القرآن من الضّياع و الفناء إلى يوم قيام السّاعة.

3-و قال غيرهم:حفظه أمام المعتقدات المضلّة المخالفة له.

بما أنّه لا يوجد أيّ تضادّ بين هذه التّفاسير،و سياقها ضمن المفهوم العامّ لعبارة إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ فلا داعي لحصر مصاديقها في بعد واحد،خصوصا و إنّ لَحافِظُونَ ذكرت بصيغة مطلقة،و ليس هناك ما يخصّصها.

الحقّ-وفقا لظاهر الآية المذكورة-فقد وعد اللّه تعالى بحفظ القرآن من جميع النّواحي:من التّحريف،من التّلف و الضّياع،و من سفسطات الأعداء المزاجيّة و وساوسهم الشّيطانيّة.

أمّا ما احتمله بعض قدماء المفسّرين بأنّه الحفظ على شخص النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،باعتبار أنّ ضمير(له)في الآية يعود إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،بدلالة إطلاق لفظة(الذّكر)على شخص النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في بعض الآيات،فهو احتمال يتعارض مع سياق الآيات السّابقة الّتي عنت ب(الذّكر)القرآن، بالإضافة إلى إشارة الآية المقبلة لهذا المعنى.[ثمّ أطال البحث حول عدم تحريف القرآن فلاحظ](8:20-30)

فضل اللّه : إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ الّذي تواجهون آياته بأساليب السّخريّة،دون وعي أو مسئوليّة،لأنّكم لم ترتكزوا في موقفكم من الرّسالة على موقع التّأمّل و التّدبّر،لتعرفوا عمق الإعجاز فيه،و تلتفتوا إلى أنّ اللّه هو الّذي أنزل آياته لتكون نورا و هدى للنّاس،و أنّ البشر لا يمكن أن يأتوا بسورة من مثله،لأنّ خصائصه الإبداعيّة شكلا و مضمونا فوق قدرتهم، وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ من الضّياع و من التّحريف،ليبقى وثيقة إلهيّة معصومة،يرجع النّاس إليها في كلّ جيل عند ما تشتبه الأمور،و تضطرب الأفكار،و تختلط المفاهيم و تتحرّك التّيّارات المضادّة أو التّحريفيّة،و تكثر الأكاذيب على صاحب الرّسالة.

فإنّ القرآن يبقى المرجع المعصوم الّذي يمثّل الحقيقة

ص: 734

الإلهيّة في كلّ آياته،و الميزان الصّادق الّذي يمكن للنّاس من خلاله أن يحدّدوا الحديث الصّادق من الكاذب،عند عرض التّركة الكبيرة من الأحاديث المنسوبة إلى الرّسول صلّى اللّه عليه و آله عليه،لأنّ ما خالفه زخرف،كما جاء في الحديث عن أئمّة أهل البيت؛بحيث يستطيع العارف بخصائص أسلوبه،أن يكتشف زيف كلّ كلمة تضاف إليه،في ما يضعه الواضعون،أو يحرّفه المحرّفون،فلا تقترب الكلمة من الآية،إلاّ لتبتعد عنها،فلا تؤثّر على سلامة النّصّ القرآنيّ في وعي المسلمين.

و هذا ما نلاحظه في إجماع المسلمين،إلاّ شاذّا منهم.

على أنّ النّصّ القرآنيّ الموجود بين يدي النّاس،هو ما أنزل اللّه على رسوله دون زيادة و نقصان،و أنّ الباطل لا يأتيه من بين يديه و لا من خلفه.(13:144)

الحافظون

...اَلْآمِرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَ النّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ. التّوبة:112

راجع:ح د د:«حدود».

حافظين

1- ...وَ ما شَهِدْنا إِلاّ بِما عَلِمْنا وَ ما كُنّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ.

يوسف:81

ابن عبّاس: يقول:لو علمنا الغيب ما ذهبنا به، و يقال:ما كنّا له باللّيل حافظين.(201)

لم نعلم ما كان يعمل في ليله و نهاره و مجيئه و ذهابه.(الثّعلبيّ 5:246)

يعنون أنّه سرق ليلا و هم نيام،و«الغيب»هو اللّيل بلغة حمير.(الثّعلبيّ 5:246)

مجاهد :لم نشعر أنّه سيسرق.

نحوه عكرمة و قتادة.(الطّبريّ 13:36)

و نحوه الحسن.(الطّوسيّ 6:180)

ما كنّا نعلم أنّ ابنك يسرق و يصير أمرنا إلى هذا، فلو علمنا ذلك ما ذهبنا به معنا،و إنّما قلنا:و نحفظ أخانا ممّا لنا إلى حفظه منه سبيل.

مثله قتادة.(الثّعلبيّ 5:246)

و نحوه الحسن(الواحديّ 2:626)،و الطّبريّ(13:

36).

ما كنّا نعلم أنّ ابنك يسترقّ.(الماورديّ 3:68)

لم نستطع أن نحفظه فلا يسرق.

(ابن الجوزيّ 4:268)

عكرمة :فلعلّها دسّت باللّيل في رحله.

(الثّعلبيّ 5:246)

ما كنّا لسرّ هذا الأمر حافظين و به عالمين،فلا ندري أنّه سرق أم كذّبوا عليه،و إنّما أخبرناك بما شاهدنا.(الطّبرسيّ 3:257)

ابن إسحاق :معناه:قد أخذت السّرقة من رحله و نحن ننظر،و لا علم لنا بالغيب فلعلّهم سرّقوه.

(الواحديّ 2:626)

نحوه الثّعلبيّ(5:246)

ابن زيد :لم نعلم أنّه سرق للملك شيئا،و لذلك حكمنا باسترقاق السّارق.(ابن الجوزيّ 4:268)

ص: 735

الفرّاء:يقول:لم نكن نحفظ غيب ابنك،و لا ندري ما يصنع إذا غاب عنّا.و يقال:لو علمنا أنّ هذا يكون لم نخرجه معنا.(2:53)

ابن قتيبة :يريدون:حين أعطيناك الموثق لنأتينّك به،أي لم نعلم أنّه يسرق،فيؤخذ.(221)

ابن كيسان :لم نعلم أنّك تصاب كما أصبت بيوسف،و لو علمنا ذلك لم نأخذ فتاك و لم نذهب به.

(الثّعلبيّ 5:246)

ابن الأنباريّ: لو علمنا من الغيب أنّ هذه البليّة تقع بابنك ما سافرنا به.(ابن الجوزيّ 4:268)

الطّوسيّ: قيل في معناها قولان:

أحدهما:[قول مجاهد]

و الثّاني:إنّا لا ندري باطن الأمر في السّرقة،و هو الأقوى.(6:180)

الواحديّ: المعنى:ما كنّا لغيب ابنك حافظين،أي إنّا كنّا نحفظه في محضره فإذا غاب عنّا ذهب عن حفظنا.

(2:626)

نحوه ابن الجوزيّ.[في قوله السّادس](4:268)

الزّمخشريّ: و ما علمنا أنّه سيسرق حين أعطيناك الموثق،أو ما علمنا أنّك تصاب به كما أصبت بيوسف.و من قرأ (سرّق) فمعناه:و ما شهدنا إلاّ بقدر ما علمنا من التّسريق. وَ ما كُنّا لِلْغَيْبِ: للأمر الخفيّ أسرق بالصّحّة أم دسّ الصّاع في رحله و لم يشعر.

(2:337)

نحوه البيضاويّ(1:505)،و أبو السّعود(3:422)، و المشهديّ(5:23)،و البروسويّ(4:304)،و شبّر(3:

301)،و الآلوسيّ(13:37).

ابن عطيّة: أي حين واثقناك،إنّما قصدنا ألاّ يقع منّا نحن في جهته شيء يكرهه،و لم نعلم الغيب في أنّه سيأتي هو بما يوجب رقّه.

و روي أنّ معنى قولهم: لِلْغَيْبِ أي اللّيل،بلغة حمير،فكأنّهم قالوا:و ما شهدنا عندك إلاّ بما علمناه من ظاهر حاله،و ما كنّا باللّيل حافظين لما يقع من سرقته هو،أو التّدليس عليه.(3:270)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(7:247)

الفخر الرّازيّ: ففيه وجوه:

الأوّل:أنّا قد رأينا أنّهم أخرجوا الصّواع من رحله، و أمّا حقيقة الحال فغير معلومة لنا،فإنّ الغيب لا يعلمه إلاّ اللّه.

و الثّاني:[نقل قول عكرمة]

و الثّالث:[نقل قول مجاهد و قتادة و الحسن]

و الرّابع:نقل أنّ يعقوب عليه السّلام قال لهم:فهب أنّه سرق و لكن كيف عرف الملك أنّ شرع بني إسرائيل أنّ من سرق يسترقّ؟بل أنتم ذكر تموه له لغرض لكم.

فقالوا عند هذا الكلام:إنّا قد ذكرنا له هذا الحكم قبل وقوعنا في هذه الواقعة،و ما كنّا نعلم أنّ هذه الواقعة نقع فيها،فقوله: وَ ما كُنّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ إشارة إلى هذا المعنى.

فإن قيل:فهل يجوز من يعقوب عليه السّلام أن يسعى في إخفاء حكم اللّه تعالى على هذا القول؟

قلنا:لعلّه كان ذلك الحكم مخصوصا بما إذا كان المسروق منه مسلما،فلهذا أنكر ذكر هذا الحكم عند

ص: 736

الملك الّذي ظنّه كافرا.(18:190)

القرطبيّ: أي لم نعلم وقت أخذناه منك أنّه يسرق،فلا نأخذه.(9:244)

النّيسابوريّ: وَ ما كُنّا لِلْغَيْبِ عند ارتحالنا من الغيب إلى الشّهادة حافِظِينَ لأنّه جعل السّقاية في رحله في غيبتنا.(13:36)

الشّربينيّ: [نحو مجاهد و أضاف:]

و حقيقة الحال غير معلومة لنا،فإنّ الغيب لا يعلمه إلاّ اللّه تعالى،فلعلّ الصّاع دسّ في رحله و نحن لا نعلم ذلك،فلعلّ حيلة دبّرت في ذلك غاب عنّا علمها،كما صنع في ردّ بضاعتنا.(2:129)

الطّباطبائيّ: قيل:أي لم نكن نعلم أنّ ابنك سيسرق فيؤخذ و يسترقّ،و إنّما كنّا نعتمد على ظاهر الحال،و لو كنّا نعلم ذلك لما بادرنا إلى تسفيره معنا،و لا أقدمنا على الميثاق.

و الحقّ أنّ المراد ب(الغيب)كونه سارقا مع جهلهم بها.و معنى الآية إنّ ابنك سرق و ما شهدنا في جزاء السّرقة إلاّ بما علمنا،و ما كنّا نعلم أنّه سرق السّقاية و أنّه سيؤخذ بها حتّى نكفّ عن تلك الشّهادة،فما كنّا نظنّ به ذلك.(11:229)

فضل اللّه :عند ما أعطيناك الميثاق بشكل مطلق، فلم نكن نعرف في ظلّ الأجواء العاطفيّة الّتي تحجب الرّؤية أنّه يمكن أن يسرق.و لكنّ الواقع فاجأنا بغير ما نتوقّع،و هذا ما جعلنا نواجه الحقيقة معك،لنتحمّل مسئوليّتنا أمام هذه الحادثة الّتي تهزّنا و تحطّمنا،على المستوى النّفسيّ،جميعا.(12:253)

2- وَ مِنَ الشَّياطِينِ مَنْ يَغُوصُونَ لَهُ وَ يَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَ كُنّا لَهُمْ حافِظِينَ. الأنبياء:82

ابن عبّاس: وَ كُنّا لَهُمْ: للشّياطين، حافِظِينَ من أن يعلو أحد على أحد في زمانه.(274)

يريد و سلطانه مقيم عليهم يفعل بهم ما يشاء.(الفخر الرّازيّ 22:202)

الكلبيّ: كان يحفظهم من أن يهيّجوا أحدا في زمانه.

(الفخر الرّازيّ 22:202)

الفرّاء: وَ كُنّا لَهُمْ: للشّياطين.و ذلك أنّهم كانوا يحفظون من إفساد ما يعملون،فكان سليمان إذا فرغ بعض الشّياطين من عمله وكّله بالعمل الآخر،لأنّه كان إذا فرغ ممّا يعمل فلم يكن له شغل كرّ على تهديم ما بنى، فذلك قوله: وَ كُنّا لَهُمْ حافِظِينَ. (2:209)

نحوه الزّجّاج.(3:410)

الطّبريّ: يقول:و كنّا لأعمالهم و لأعدادهم حافظين،لا يئودنا حفظ ذلك كلّه.(17:56)

الطّوسيّ: أي يحفظهم اللّه من الإفساد لما عملوه.

و قيل:كان حفظهم لئلاّ يهربوا من العمل.(7:270)

نحوه ابن الجوزيّ.(5:374)

البغويّ: حتّى لا يخرجون عن أمره.(2:303)

نحوه الطّبرسيّ(4:59)،و الشّربينيّ(2:518)، و مغنيّة(5:293).

الزّمخشريّ: و اللّه حافظهم أن يزيغوا عن أمره،أو يبدّلوا أو يغيّروا،أو يوجد منهم فساد في الجملة،فيما هم مسخّرون فيه.(2:581).

نحوه البيضاويّ(2:79)،و النّسفيّ(3:86)،و أبو

ص: 737

السّعود(4:352)،و الكاشانيّ(3:350)،و المشهديّ (6:419)،و البروسويّ(5:511)،و شبّر(4:211).

ابن عطيّة: قيل:معناه من إفسادهم ما صنعوه فإنّهم كان لهم حرص على ذلك،لو لا ما حال اللّه تعالى بينهم و بين ذلك.

و قيل:معناه عادين حاصرين،أي لا يشذّ عن علمنا و تسخيرنا أحد منهم.(4:94)

الفخر الرّازيّ: في تفسير وَ كُنّا لَهُمْ حافِظِينَ وجوه:

أحدها:أنّه تعالى وكّل بهم جمعا من الملائكة أو جمعا من مؤمني الجنّ.

ثانيها:سخّرهم اللّه تعالى بأن حبّب إليهم طاعته، و خوّفهم من مخالفته.

ثالثها:[مضى في قول ابن عبّاس].

فإن قيل:و عن أيّ شيء كانوا محفوظين؟

قلنا:فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:أنّه تعالى كان يحفظهم عليه لئلاّ يذهبوا و يتركوه.

و ثانيها:[نقل قول الكلبيّ]

و ثالثها:كان يحفظهم من أن يفسدوا ما عملوا،فكان دأبهم أنّهم يعملون بالنّهار ثمّ يفسدونه في اللّيل.

(22:202)

القرطبيّ: أي لأعمالهم.[إلى أن قال:]

و قيل:حافظين من أن يهربوا أو يمتنعوا،أو حفظناهم من أن يخرجوا عن أمره.(11:322)

النّيسابوريّ: من أن يزيغوا عن سواء السّبيل، و يميلوا عن جادّة الشّريعة،و قانون الطّريقة.(17:60)

أبو حيّان :[نحو الزّمخشريّ و الكلبيّ و أضاف:]

و قيل:حافظين حتّى لا يهربوا.قيل:سخّر الكفّار دون المؤمنين،و يدلّ عليه إطلاق لفظ(الشّياطين) و قوله:(حافظين)و المؤمن إذا سخّر في أمر لا يحتاج إلى حفظ،لأنّه لا يفسد ما عمل.(6:333)

ابن كثير :أي يحرسه اللّه أن يناله أحد من الشّياطين بسوء،بل كلّ في قبضته و تحت قهره، لا يتجاسر أحد منهم على الدّنوّ إليه و القرب منه،بل هو يحكم فيهم،إن شاء أطلق و إن شاء حبس منهم من يشاء،و لهذا قال: وَ آخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ ص:

38.(4:579)

نحوه المراغيّ.(17:59)

القاسميّ: أي مؤيّدين و معينين.(11:4296)

عبد الكريم الخطيب :في قوله: وَ كُنّا لَهُمْ حافِظِينَ إشارة إلى أنّهم محكومون بقدرة اللّه،و أنّ تلك القدرة هي الحافظة لهم،و الممسكة بهم على خدمة سليمان و طاعة أمره،و لو لا هذا لتفلّتوا منه،و خرجوا عن طاعته،فليس سليمان هو الّذي سخّر هذه الشّياطين، و إنّما اللّه سبحانه و تعالى هو الّذي سخّرها له.(9:932)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(10:198)

الطّباطبائيّ: و المراد بحفظ الشّياطين:حفظهم في خدمته،و منعهم من أن يهربوا أو يمتنعوا،أو يفسدوا عليه الأمر.(14:314)

نحوه فضل اللّه.(15:252)

ص: 738

3- وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ.

الانفطار:10،11

ابن عبّاس: من الملائكة يحفظونكم و يحفظون أعمالكم.(504)

نحوه الثّعلبيّ(10:148)،و الواحديّ(4:437)، و البغويّ(5:220)،و ابن عطيّة(5:447).

الطّبريّ: يقول:و إنّ عليكم رقباء حافظين يحفظون أعمالكم و يحصونها عليكم.(30:88)

القمّيّ: الملكان الموكّلان بالإنسان.(2:409)

الماورديّ: يعني الملائكة،يحفظ كلّ إنسان ملكان؛ أحدهما عن يمينه يكتب الخير،و الآخر عن شماله يكتب الشّرّ.(6:223)

الطّوسيّ: يعني من الملائكة يحفظون عليكم ما تعملون من الطّاعة و المعصية.(10:292)

نحوه الطّبرسيّ(5:450)،و فضل اللّه(24:116).

الزّمخشريّ: تحقيق لما يكذّبون به من الجزاء،يعني أنّكم تكذّبون بالجزاء،و الكاتبون يكتبون عليكم أعمالكم لتجازوا بها.(4:228)

نحوه الآلوسيّ.(30:65)

الفخر الرّازيّ: ملائكة اللّه موكّلون بكم،يكتبون أعمالكم حتّى تحاسبوا بها يوم القيامة،و نظيره قوله تعالى:

عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ* ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ق:17،18،و قوله تعالى: وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً الأنعام:61، [و له هاهنا مباحث:إلى أن قال:]

البحث الثّاني:أنّ قوله تعالى: وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ و إن كان خطاب مشافهة،إلاّ أنّ الأمّة مجمعة على أنّ هذا الحكم عامّ في حقّ كلّ المكلّفين،ثمّ هاهنا احتمالان:

أحدهما:أن يكون هناك جمع من الحافظين،و ذلك الجمع يكونون حافظين لجميع بني آدم،من غير أن يختصّ واحد من الملائكة بواحد من بني آدم.

و ثانيهما:أن يكون الموكّل بكلّ واحد منهم غير الموكّل بالآخر،ثمّ يحتمل أن يكون الموكّل بكلّ واحد من بني آدم واحدا من الملائكة،لأنّه تعالى قابل الجمع بالجمع؛و ذلك يقتضي مقابلة الفرد بالفرد،و يحتمل أن يكون الموكّل بكلّ واحد منهم جمعا من الملائكة،كما قيل:

اثنان باللّيل،و اثنان بالنّهار،أو كما قيل:إنّهم خمسة.(31:82)

القرطبيّ: أي رقباء من الملائكة.[إلى أن قال:]

و اختلف النّاس في الكفّار هل عليهم حفظة أم لا؟

فقال بعضهم:لا،لأنّ أمرهم ظاهر و عملهم واحد، قال اللّه تعالى: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ الرّحمن:

41.

و قيل:بل عليهم حفظة،لقوله تعالى: كَلاّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ* وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ الانفطار:9-12،و قال: وَ أَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ الحاقّة:25،و قال: وَ أَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ وَراءَ ظَهْرِهِ الانشقاق:10،فأخبر أنّ الكفّار يكون لهم كتاب و يكون عليهم حفظة.

فإن قيل:الّذي على يمينه أيّ شيء يكتب و لا حسنة له؟

قيل له:الّذي يكتب عن شماله يكون بإذن صاحبه

ص: 739

و يكون شاهدا على ذلك و إن لم يكتب،و اللّه أعلم.

(19:246)

أبو حيّان :استئناف إخبار،أي عليهم من يحفظ أعمالهم و يضبطها.و يظهر أنّها جملة حاليّة،و الواو واو الحال،أي تكذّبون بيوم الجزاء،و الكاتبون الحفظة يضبطون أعمالكم لأن تجازوا عليها،و في تعظيم الكتبة بالثّناء عليهم تعظيم لأمر الجزاء.(8:437)

نحوه أبو السّعود.(6:391)

ابن كثير :يعني و إنّ عليكم لملائكة حفظة كراما، فلا تقابلوهم بالقبائح.(7:234)

الطّباطبائيّ: إشارة إلى أنّ أعمال الإنسان حاضرة محفوظة يوم القيامة من طريق آخر،غير حضورها للإنسان العامل لها من طريق الذّكر؛و ذلك حفظها بكتابة كتّاب الأعمال من الملائكة الموكّلين بالإنسان،فيحاسب عليها،كما قال تعالى: وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً* اِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً الإسراء:13،14،فقوله: وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ أي إنّ عليكم من قبلنا حافظين يحفظون أعمالكم بالكتابة،كما يفيده السّياق.(20:226)

مكارم الشّيرازيّ: و«الحافظين»:هم الملائكة المكلّفون بحفظ و تسجيل أعمال الإنسان من خير أو شرّ، كما سمّتهم الآية:18،من سورة«ق»بالرّقيب العتيد:

ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ، كما و ذكرتهم الآية:17،من نفس السّورة: إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيانِ عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ.

و ثمّة آيات قرآنيّة أخرى تشير إلى رقابة الملائكة لما يفعله الإنسان في حياته.

إنّ نظر و شهادة اللّه عزّ و جلّ على أعمال الإنسان، ممّا لا شكّ فيه،فهو النّاظر لما يبدر من الإنسان قبل أيّ أحد،و أدقّ من كلّ شيء،و لكنّه سبحانه و لزيادة التّأكيد و لتحسيس الإنسان بعظم مسئوليّة ما يؤدّيه،فقد وضع مراقبين يشهدون على الإنسان يوم الحساب،و منهم هؤلاء الملائكة الكرام.

و قد فصّلنا أقسام المراقبين الّذين يحفّون بالإنسان من كلّ جهة،و ذلك ذيل الآيتين:20،21،من سورة فصّلت،و نوردها هنا إجمالا،و هي على سبعة أقسام:

أوّلا:ذات اللّه المقدّسة،كما في قوله تعالى: وَ لا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلاّ كُنّا عَلَيْكُمْ شُهُوداً إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ يونس:61.

ثانيا:الأنبياء و الأوصياء عليهم السّلام،بدلالة قوله تعالى:

فَكَيْفَ إِذا جِئْنا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَ جِئْنا بِكَ عَلى هؤُلاءِ شَهِيداً النّساء:41.

ثالثا:أعضاء بدن الإنسان،بدلالة قوله تعالى: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ النّور:24.

رابعا:جلد الإنسان و سمعه و بصره،بدلالة قوله تعالى: حَتّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ فصّلت:20.

خامسا:الملائكة،بدلالة قوله تعالى: وَ جاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَ شَهِيدٌ ق:21،و بدلالة الآية المبحوثة فيها أيضا.

سادسا:الأرض،المكان الّذي يعيش عليه الإنسان،

ص: 740

بدلالة قوله تعالى: يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها الزّلزال:4.

سابعا:الزّمان الّذي تجري فيه أعمال الإنسان، بدلالة ما روي عن الإمام عليّ عليه السّلام في قوله:«ما من يوم يمرّ على ابن آدم إلاّ قال له ذلك اليوم:يا ابن آدم أنا يوم جديد و أنا عليك شهيد».

و في كتاب«الاحتجاج»لأبي منصور الطّبرسيّ-و هو غير صاحب التّفسير-أنّ شخصا سأل الإمام الصّادق عليه السّلام عن علّة وضع الملائكة لتسجيل أعمال الإنسان،في حين أنّ اللّه عزّ و جلّ عالم السّرّ و أخفى؟ فقال الإمام عليه السّلام:«استعبدهم بذلك،و جعلهم شهودا على خلقه،ليكون العباد لملازمتهم إيّاهم أشدّ على طاعة اللّه مواظبة،و عن معصيته أشدّ انقباضا،و كم من عبد يهمّ بمعصية فذكر مكانهما فارعوى و كفّ،فيقول ربّي يراني، و حفظتي عليّ بذلك تشهد،و أنّ اللّه برأفته و لطفه وكّلهم بعباده،يذبّون عنهم مردة الشّياطين،و هوامّ الأرض، و آفات كثيرة من حيث لا يرون بإذن اللّه،إلى أن يجيء أمر اللّه عزّ و جلّ».

و نستفيد من هذه الرّواية أنّ للملائكة وظائف أخرى،إضافة لتسجيلهم لأعمال الإنسان،كحفظ الإنسان من الحوادث و الآفات و وساوس الشّيطان.(19:432)

4- وَ ما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ. المطفّفين:33

ابن عبّاس: وَ ما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ ما سلّطوا على المؤمنين حافِظِينَ لهم و لأعمالهم.(505)

الطّبريّ: يقول جلّ ثناؤه:و ما بعث هؤلاء الكفّار القائلون للمؤمنين:إنّ هؤلاء لضالّون،حافظين عليهم أعمالهم.يقول:إنّما كلّفوا الإيمان باللّه،و العمل بطاعته،و لم يجعلوا رقباء على غيرهم،يحفظون عليهم أعمالهم و يتفقّدونها.(30:111)

نحوه الفخر الرّازيّ(31:102)،و النّسفيّ(4:342).

الزّجّاج: أي ما أرسل هؤلاء القوم على أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يحفظون عليهم أعمالهم.(5:301)

نحوه الواحديّ(4:449)،و البغويّ(5:227)، و القرطبيّ(19:266)،و ابن كثير(7:244).

أبو مسلم الأصفهانيّ: و ما أرسلوا عليهم شاهدين،لأنّ شهادة الكفّار لا تقبل على المؤمنين،أي ليسوا شهداء عليهم بل المؤمنون شهداء على الكفّار، يشهدون عليهم يوم القيامة.(الطّبرسيّ 5:457)

الطّوسيّ: أي لم يرسل هؤلاء الكفّار حافظين على المؤمنين،فيحفظون ما هم عليهم،و المراد بذلك:الذّمّ لهم يعيب المؤمنين بالضّلال،من غير أن كلّفوا منعهم من المراد،و أن ينطقوا في ذلك بالصّواب،فضلّوا بالخطإ في نسبهم إيّاهم إلى الضّلال،فكانوا ألوم منهم لو أخطئوا فيه،و قد كلّفوا الاجتهاد.(10:305)

نحوه الطّبرسيّ.(5:457)

الزّمخشريّ: موكّلين بهم،يحفظون عليهم أحوالهم، و يهيمنون على أعمالهم،و يشهدون برشدهم و ضلالهم، و هذا تهكّم بهم،أو هو من جملة قول الكفّار،و أنّهم إذا رأوا المسلمين قالوا: إِنَّ هؤُلاءِ لَضالُّونَ و أنّهم لم يرسلوا عليهم حافظين،إنكارا لصدّهم إيّاهم عن الشّرك،و دعائهم إلى الإسلام،و جدّهم في ذلك.(4:233)

ص: 741

مثله الشّربينيّ(4:505)،و نحوه البيضاويّ (2:547)،و أبو السّعود(6:398)،و الكاشانيّ(5:

303)،و البروسويّ(10:373)،و الآلوسيّ(30:77).

ابن عطيّة: قال الطّبريّ و غيره:هو للكفّار، و المعنى:أنّهم يرمون المؤمنين بالضّلال،و الكفّار لم يرسلوا على المؤمنين حفظة لهم.

و قال بعض علماء التّأويل:بل المعنى بالعكس،و إنّ معنى الآية:و إذا رأى المؤمنون الكفّار قالوا:إنّهم لضالّون و هو الحقّ فيهم،و لكن ذلك يثير الكلام بينهم.فكأنّ في الآية حضّا على الموادعة،أي إنّ المؤمنين لم يرسلوا حافظين على الكفّار،و هذا كلّه منسوخ على هذا التّأويل بآية السّيف.(5:454)

نحوه أبو حيّان.(8:443)

مغنيّة:ضمير(ارسلوا)للكفّار،و ضمير(عليهم) للمؤمنين،و المعنى:أنّ اللّه سبحانه ما أرسل الكفّار رقباء على المؤمنين حتّى يحفظوا أعمالهم،و يحصوا حركاتهم.

و قال الشّيخ محمّد عبده:ضمير(ارسلوا)للمؤمنين، و ضمير(عليهم)للكافرين،و المعنى:قال الكافرون:

ما أرسل اللّه المؤمنين ليرشدونا و يعظونا.و هذا القول خلاف الظّاهر،و بعيد عن الأفهام.(7:538)

الطّباطبائيّ: أي و ما أرسل هؤلاء الّذين أجرموا حافظين على المؤمنين،يقضون في حقّهم بما شاءوا،أو يشهدون عليهم بما هووا،و هذا تهكّم بالمستهزئين.(20:239)

عبد الكريم الخطيب :هو ردّ على هؤلاء المجرمين،و على إنكارهم على المؤمنين ما هم فيه.إنّهم لم يرسلوا عليهم حافظين لهم،حارسين لما يتهدّدهم من سوء.و قد كان الأولى بهؤلاء المجرمين الضّالّين أن ينظروا إلى أنفسهم،و أن يحفظوها من هذا البلاء الّذي اشتمل عليهم.و لكن هكذا أهل السّوء أبدا،يشغلون عن أنفسهم و عن حراستها من المهالك و المعاثر،بالبحث عن عيوب النّاس،و تتبّع سقطاتهم و زلاّتهم،و التّشنيع بها عليهم.(15:1498)

فضل اللّه :من الّذي أعطى هؤلاء المجرمين صلاحيّة إصدار الأحكام على المؤمنين؟و ما ذا يملكون من الحقّ الّذي يبرّر لهم هذه النّظرات؟و من هم في التّقييم الإنسانيّ،ليجعلوا من أنفسهم قيّمين على النّاس،و على المؤمنين بالذّات؟

إنّ اللّه وحده هو الّذي يملك السّلطة كلّها،و هو الّذي يسلّط بعض عباده على بعض،في ما يراه من صلاحهم في ذلك كلّه.فهل أرسلهم اللّه عليهم حافظين ليتصرّفوا معهم بهذه الطّريقة،و ما ذا يحسبون أنفسهم؟

إنّ الآية تسخر منهم لأنّهم يتدخّلون في ما ليس من شأنهم،و يتّخذون لأنفسهم مركزا لا يملكونه و لا يرتفعون إليه،فليعرفوا قدرهم،و ليقفوا عند حدّهم،فما وكّلناهم بهم،و ما أرسلناهم عليهم حافظين.

(24:140)

محفوظ

بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ. البروج 21،22

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:إنّ اللّه تعالى خلق لوحا محفوظا من درّة بيضاء،صفحاتها من ياقوتة حمراء،قلمه نور،و كتابه

ص: 742

نور،للّه فيه في كلّ يوم ستّون و ثلاثمائة لحظة،يخلق و يرزق،و يميت و يحيي،و يعزّ و يذلّ،و يفعل ما يشاء.

(ابن كثير 7:263)

ابن عبّاس: يقول:مكتوب في لوح محفوظ من الشّياطين.(507)

إنّ في صدر اللّوح:لا إله إلاّ اللّه وحده،و دينه الإسلام،و محمّد عبده و رسوله،فمن آمن باللّه عزّ و جلّ و صدّق بوعده و اتّبع رسله أدخله الجنّة.

فاللّوح لوح من درّة بيضاء طويلة،طوله ما بين السّماء و الأرض،و عرضه بين المشرق و المغرب، و حافّتاه الدّرّ و الياقوت،و دفّتاه ياقوتة حمراء،و قلمه نور،و كلامه برّ،معقود بالعرش،و أصله في حجر ملك يقال له:«ماطريون»محفوظ من الشّياطين،فذلك قوله:

بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ للّه عزّ و جلّ فيه في كلّ يوم ثلاثمائة و ستّون لحظة،يحيي و يميت و يعزّ و يذلّ،و يفعل ما يشاء.(الثّعلبيّ 10:175)

نحوه مجاهد.(الطّبرسيّ 5:469)

أوّل شيء كتبه اللّه تعالى في اللّوح المحفوظ:«إنّي أنا اللّه لا إله إلاّ أنا،محمّد رسولي،من استسلم لقضائي و صبر على بلائي و شكر نعمائي كتبته صدّيقا،و بعثته مع الصّدّيقين،و من لم يستسلم لقضائي و لم يصبر على بلائي و لم يشكر نعمائي فليتّخذ إلها سواي».

(القرطبيّ 19:296)

أنس بن مالك:إنّ اللّوح المحفوظ الّذي ذكر اللّه [الآية]في جبهة إسرافيل.(الطّبريّ 30:140)

إنّه اللّوح المحفوظ الّذي كتب اللّه جميع ما كان و يكون فيه.(الطّوسيّ 10:322)

مجاهد : فِي لَوْحٍ في أمّ الكتاب.

(الطّبريّ 30:140)

المحفوظ:أمّ الكتاب.(الطّوسيّ 10:322)

الحسن :إنّ هذا القرآن المجيد عند اللّه في لوح محفوظ،ينزّل منه ما يشاء على من يشاء من خلقه.

(ابن كثير 7:262)

قتادة :عند اللّه.(الطّبريّ 30:140)

مقاتل:اللّوح المحفوظ عن يمين العرش.

(البغويّ 5:238)

الفرّاء: من خفض جعله من صفة اللّوح،و من رفع جعله للقرآن،و قد رفع«المحفوظ»شيبة،و أبو جعفر المدنيّان.(3:254)

نحوه الأخفش.(2:736)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في«محفوظ»فقرأ ذلك من قرأه من أهل الحجاز أبو جعفر القارئ و ابن كثير، و من قرأه من قرّاء الكوفة عاصم و الأعمش و حمزة و الكسائيّ،و من البصريّين أبو عمرو(محفوظ)خفضا، على معنى أنّ اللّوح هو المنعوت بالحفظ،و إذا كان ذلك كذلك كان التّأويل:في لوح محفوظ من الزّيادة فيه و النّقصان منه،عمّا أثبته اللّه فيه.

و قرأ ذلك من المكّيّين ابن محيصن،و من المدنيّين نافع(محفوظ)رفعا،ردّا على القرآن،على أنّه من نعته و صفته.و كان معنى ذلك على قراءتهما:بل هو قرآن مجيد،محفوظ من التّغيير و التّبديل في لوح.

و الصّواب من القول في ذلك عندنا:أنّهما قراءتان

ص: 743

معروفتان في قرأة الأمصار،صحيحتا المعنى،فبأيّهما قرأ القارئ فمصيب.و إذ كان ذلك كذلك،فبأيّ القراءتين قرأ القارئ،فتأويل القراءة الّتي يقرؤها على ما بيّنّا.

(30:140)

نحوه أبو زرعة.(757)

الزّجّاج: القرآن في اللّوح،و هو أمّ الكتاب عند اللّه، و قرئت(محفوظ)من نعت قرآن،المعنى بل هو قرآن مجيد محفوظ في لوح.(5:309)

القمّيّ: اللّوح المحفوظ له طرفان:طرف على يمين العرش،و طرف على جبهة إسرافيل،فإذا تكلّم الرّبّ جلّ ذكره بالوحي،ضرب اللّوح جبين إسرافيل فينظر في اللّوح فيوحي بما في اللّوح إلى جبرئيل عليه السّلام.

(2:414)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:أنّ اللّوح هو المحفوظ عند اللّه تعالى،و هو تأويل من قرأ بالخفض.

الثّاني:أنّ القرآن هو المحفوظ،و هو تأويل من قرأ بالرّفع.

و فيما هو محفوظ منه وجهان:أحدهما:من الشّياطين، الثّاني:من التّغيير و التّبديل.

و قال بعض المفسّرين:إنّ اللّوح شيء يلوح للملائكة فيقرءونه.(6:244)

الطّوسيّ: فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ عن التّغيير و التّبديل و النّقصان و الزّيادة.[إلى أن قال بعد ذكر القول الثّاني من أنس بن مالك:]

أي كأنّه بما ضمن اللّه من حفظه في لوح محفوظ،و من رفع(محفوظ)جعله صفة القرآن،و من قرأه بالخفض جعله صفة اللّوح.(10:322)

القشيريّ: فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ مكتوب فيه.[إلى أن قال:]

و القرآن كما هو محفوظ في اللّوح،كذلك محفوظ في قلوب المؤمنين،قال تعالى: بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ العنكبوت:49،فهو في اللّوح مكتوب،و في القلوب محفوظ.(6:281)

الواحديّ: فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ عند اللّه،و هو أمّ الكتاب،منه نسخ القرآن و الكتب،و هو الّذي يعرف باللّوح المحفوظ من الشّياطين،و من الزّيادة فيه و النّقصان.

و قرأ نافع (محفوظ) رفعا على نعت القرآن،كأنّه قيل:بل هو قرآن مجيد محفوظ في لوح؛و ذلك أنّ القرآن وصف بالحفظ في قوله تعالى: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9،فكما وصف بالحفظ في تلك الآية،كذلك وصف في هذه الآية بأنّه محفوظ.

و معنى حفظ القرآن:أنّه يؤمن من تحريفه و تبديله و تغييره،فلا يلحقه من ذلك شيء.

قال أبو الحسن الأخفش:و الأوّل هو الّذي يعرف.

و قال أبو عبيد:الوجه الخفض،لأنّ الآثار الواردة في اللّوح المحفوظ تصدّق ذلك.[ثمّ نقل بعض الرّوايات في اللّوح المحفوظ](4:463)

نحوه البغويّ(5:237)،و الطّبرسيّ(5:469).

الفخر الرّازيّ: قال هاهنا: فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ و قال في آية أخرى: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ كَرِيمٌ* فِي كِتابٍ

ص: 744

مَكْنُونٍ الواقعة 77،78،فيحتمل أن يكون:الكتاب المكنون و اللّوح المحفوظ واحدا.

ثمّ كونه محفوظا يحتمل أن يكون المراد كونه محفوظا عن أن يمسّه إلاّ المطهّرون،كما قال تعالى: لا يَمَسُّهُ إِلاَّ الْمُطَهَّرُونَ الواقعة:79،و يحتمل أن يكون المراد كونه محفوظا من اطّلاع الخلق عليه سوى الملائكة المقرّبين، و يحتمل أن يكون المراد أن لا يجرى عليه تغيير و تبديل.

(31:126)

القرطبيّ: أي مكتوب في لوح.[إلى أن قال:]

و قيل:اللّوح المحفوظ الّذي فيه أصناف الخلق و الخليقة،و بيان أمورهم،و ذكر آجالهم و أرزاقهم و أعمالهم،و الأقضية النّافذة فيهم،و مآل عواقب أمورهم،و هو أمّ الكتاب.(19:296)

البيضاويّ: فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ من التّحريف.

و قرأ نافع (محفوظ) بالرّفع صفة للقرآن.و قرئ (فى لوح) و هو الهواء،يعني ما فوق السّماء السّابعة الّذي فيه اللّوح.

(2:551)

نحوه أبو السّعود.(6:408)

ابن كثير :أي هو في الملإ الأعلى محفوظ من الزّيادة و النّقص،و التّحريف و التّبديل.(7:262)

البروسويّ: [نقل قول ابن عبّاس في معنى اللّوح المحفوظ،ثمّ قال:]

و في«التّأويلات النّجميّة»بل المتلوّ المقروء على الكفّار و المنافقين قرآن عظيم مجيد شريف،مثبوت في لوح القلب المحمّديّ،و في ألواح قلوب ورثته الأولياء العارفين المحبّين العاشقين،محفوظ من تحريف أيدي النّفس الكافرة و الهوى الماكر،و سائر القوى البشريّة السّارية في أقطار الوجود الإنسانيّ.و قد قال تعالى:

وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ أي في صدور الحفّاظ و قلوب المؤمنين.(10:395)

الآلوسيّ: فِي لَوْحٍ أي كائن في لوح مَحْفُوظٍ أي ذلك اللّوح من وصول الشّياطين إليه، و هذا هو اللّوح المحفوظ المشهور.[ثمّ نقل قول ابن عبّاس المتقدّم عن الثّعلبيّ،و قال:]

و جاء فيه[اللّوح المحفوظ]أخبار غير ذلك،و نحن نؤمن به،و لا يلزمنا البحث عن ماهيّته و كيفيّة كتابته، و نحو ذلك.نعم نقول:إنّ ما يزعمه بعض النّاس من أنّه جوهر مجرّد ليس في حيّز،و أنّه كالمرآة للصّور العلميّة، مخالف لظواهر الشّريعة،و ليس له مستند من كتاب و لا سنّة أصلا.

و قرأ ابن يعمر و ابن السّميفع (لوح) بضمّ اللاّم، و أصله في اللّغة:الهواء،و المراد به هنا مجازا:ما فوق السّماء السّابعة.و قرأ الأعرج و زيد بن عليّ و ابن محيصن و نافع بخلاف عنه (محفوظ) بالرّفع،على أنّه صفة ل(قران).

و(فى لوح)قيل:متعلّق به،و قيل:صفة أخرى ل(قران).

و تعقّب (1)بأنّ فيه تقديم الصّفة المركّبة على المفردة، و هو خلاف الأصل،و المعنى عليه قيل:محفوظ بعد التّنزيل من التّغيير و التّبديل و الزّيادة و النّقص،كما قال سبحانه: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9،و قيل:محفوظ في ذلك اللّوح عن وصول».

ص: 745


1- الظّاهر:أبو حيّان...و قد نقل عنه أخبار«اللّوح المحفوظ».

الشّياطين إليه،و اللّه تعالى أعلم.(30:94)

المراغيّ: أي هذا الّذي كذّبوا به كتاب شريف متفرّد في النّظم و المعنى،محفوظ من التّحريف،مصون من التّغيير و التّبديل.

و اللّوح المحفوظ شيء أخبرنا اللّه به،و أنّه أودعه كتابه،و لكن لم يعرّفنا حقيقته،فعلينا أن نؤمن به،و ليس علينا أن نبحث فيما وراء ذلك،ممّا لم يأت به خبر من المعصوم صلوات اللّه عليه و سلامه.(30:108)

مكارم الشّيرازيّ: فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ، لا تصل إليه يد العبث و الشّيطنة،و لا يصيبه أيّ تغيير أو تبديل، أو زيادة أو نقصان.

فلا تبتئس يا محمّد بما ينسبونه إليك افتراء،كأن يتّهموك بالشّعر،السّحر،الكهانة،و الجنون.فأصولك ثابتة،و طريقك نيّر،و القادر المتعال معك.

(مجيد)من المجد،و هو السّعة في الكرم و الجلال،و هو ما يصدق على القرآن تماما،فمحتواه واسع العظمة، و معانيه سامية على كافّة الأصعدة:العلميّة،العقائديّة، الأخلاقيّة،الوعظ و الإرشاد،و كذا في الأحكام و السّنن.

(لوح)بفتح اللاّم،هو الصّفحة العريضة الّتي يكتب عليها،و«اللّوح»بضمّ اللاّم:العطش،و الهواء بين السّماء و الأرض.

و يراد ب«اللّوح»هنا:الصّفحة الّتي كتب فيها القرآن،لكنّها ليست كالألواح المتعارفة عندنا،بل- و على قول ابن عبّاس-:إنّ اللّوح المحفوظ طوله ما بين السّماء و الأرض،و عرضه ما بين المشرق و المغرب!

و يبدو أنّ اللّوح المحفوظ،هو علم اللّه الّذي يملأ الشّرق و الغرب،و إنّه مصان من أيّ اختلاق أو تحريف.

نعم،فالقرآن من علم اللّه المطلق،و ما فيه يشهد على أنّه ليس نتيجة إشراقة عقليّة في عقل بشر،و لا هو بنتاج الشّياطين.

و يحتمل أن يكون هو المقصود ب أُمُّ الْكِتابِ و كِتابٌ مُبِينٌ الواردان في يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ الرّعد:39،و وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ الأنعام:59،علما بأنّ تعبير لَوْحٍ مَحْفُوظٍ لم يرد في القرآن إلاّ في هذا الموضع فقط.(20:90)

محفوظا

وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَ هُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ. الأنبياء:32

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:إنّ السّماء سقف مرفوع و موج مكفوف،يجري كما يجري السّهم محفوظا من الشّياطين.(أبو حيّان 6:309)

ابن عبّاس: مَحْفُوظاً من السّقوط.(271)

مجاهد :مرفوعا.(الطّبريّ 17:22)

الحسن :محفوظا من أن يطمع أحد في أن يتعرّض لها بنقض،أو أن يلحقها بلى،أو هدم على طول الدّهر.

(الطّبرسيّ 4:46)

قتادة :سقفا مرفوعا،و موجا مكفوفا.

(الطّبريّ 17:22)

(محفوظا)من البلى و التّغيّر على طول الدّهر.

(الآلوسيّ 17:38)

ص: 746

الفرّاء:لو قيل:محفوظة،يذهب بالتّأنيث إلى السّماء و بالتّذكير إلى السّقف،كما قال: أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى آل عمران:154،و(يغشى)،و قيل:(سقفا)و هي سماوات، لأنّها سقف على الأرض كالسّقف على البيت.

و معنى قوله: مَحْفُوظاً: حفظت من الشّياطين بالنّجوم.(2:201)

نحوه ابن قتيبة.(286)

الجبّائيّ: أي رفعنا السّماء فوق الخلق كالسّقف، محفوظا من الشّياطين بالشّهب الّتي ترمى بها،كما قال:

وَ حَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ الحجر:

17.(الطّبرسيّ 4:46)

نحوه الطّباطبائيّ.(14:280)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و جعلنا السّماء سقفا للأرض مسموكا،و قوله: مَحْفُوظاً يقول:حفظناها من كلّ شيطان رجيم.(17:21)

الزّجّاج: حفظه اللّه من الوقوع على الأرض(الاّ باذنه).و قيل:محفوظا،أي محفوظا بالكواكب،كما قال عزّ و جلّ: إِنّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ* وَ حِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ الصّافّات:6،7.

(3:390)

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:[نقل قول الزّجاج و الفرّاء و مجاهد،و أضاف:]

و يحتمل رابعا:محفوظا من الشّرك و المعاصي.

(3:445)

الطّوسيّ: إنّما ذكّرها،لأنّه أراد السّقف،و لو أنّث كان جائزا.

و قيل:حفظها اللّه من أن تسقط على الأرض.

و قيل:حفظها من أن يطمع أحد أن يتعرّض لها بنقض،و من أن يلحقها ما يلحق غيرها من الهدم أو الشّعث،على طول الدّهر.

و قيل:هي محفوظة من الشّياطين بالشّهب الّتي يرجمون بها.(7:245)

نحوه الطّبرسيّ.(4:46)

البغويّ: (...محفوظا)من أن تسقط،دليله قوله:

وَ يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاّ بِإِذْنِهِ الحجّ:65.

و قيل:محفوظا من الشّياطين بالشّهب،دليله قوله تعالى: وَ حَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ الحجر:

17.(3:287)

نحوه الزّمخشريّ(2:571)،و النّسفيّ(3:77).

ابن عطيّة: الحفظ هنا عامّ في الحفظ من الشّياطين و من الرّمي،و غير ذلك من الآفات.(4:80)

الفخر الرّازيّ: في«المحفوظ»قولان:

أحدهما:أنّه محفوظ من الوقوع و السّقوط الّذين يجرى مثلهما على سائر السّقوف،كقوله: وَ يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاّ بِإِذْنِهِ الحجّ:65، و قال: وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّماءُ وَ الْأَرْضُ بِأَمْرِهِ الرّوم:25،و قال تعالى: إِنَّ اللّهَ يُمْسِكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ أَنْ تَزُولا فاطر:41،و قال: وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما البقرة:255.

الثّاني:محفوظا من الشّياطين،قال تعالى:

وَ حَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ الحجر:17،ثمّ

ص: 747

هاهنا قولان:

أحدهما:أنّه محفوظ بالملائكة من الشّياطين.

و الثّاني:أنّه محفوظ بالنّجوم من الشّياطين.

و القول الأوّل أقوى،لأنّ حمل الآيات عليه ممّا يزيد هذه النّعمة عظما،لأنّه سبحانه كالمتكفّل بحفظه و سقوطه على المكلّفين،بخلاف القول الثّاني،لأنّه لا يخاف على السّماء من استراق سمع الجنّ.(22:165)

القرطبيّ: [نقل بعض الأقوال الماضية ثمّ قال:]

و قيل:محفوظا،فلا يحتاج إلى عماد.(11:285)

البيضاويّ: (محفوظا)عن الوقوع بقدرته أو الفساد و الانحلال إلى الوقت المعلوم بمشيئته،أو استراق السّمع بالشّهب.(2:72)

نحوه الشّربينيّ(2:503)،و أبو السّعود(4:334)، و الكاشانيّ(3:338)،و المشهديّ(6:381).

أبو حيّان :[نقل بعض الأقوال السّابقة في معنى الآية و نقل حديث ابن عبّاس عن النّبيّ عليه السّلام ثمّ قال:]

و إذا صحّ هذا الحديث كان نصّا في معنى الآية.

(6:309)

ابن كثير :عاليا محروسا أن ينال.(4:561)

البروسويّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]

و فيه إشارة إلى أنّ سماء قلب العارف محفوظة من وساوس شيطان الإنس و الجنّ،و كان من دعاء النّبيّ عليه السّلام:«اللّهمّ اعمر قلبي من وساوس ذكرك و اطرد عنّي وساوس الشّيطان».(5:473)

الآلوسيّ: المراد:أنّها جعلت محفوظة عن ذلك الدّهر الطّويل،و لا ينافيه أنّها تطوى يوم القيامة طيّ السّجلّ للكتب،و إلى تغيّرها و دثورها ذهب جميع المسلمين و معظم أجلّة الفلاسفة،كما برهن عليه صدر الدّين الشّيرازيّ في«أسفاره»و سنذكره إن شاء اللّه تعالى في محلّه.

و قيل:من الوقوع،و قال الفرّاء:من استراق السّمع بالرّجوم.

و قيل عليه:إنّه يكون ذكر السّقف لغوا لا يناسب البلاغة،فضلا عن الإعجاز،و ذكر في وجهه أنّ المراد أنّ حفظها ليس كحفظ دور الأرض،فإنّ السّرّاق ربّما تسلّقت من سقوفها بخلاف هذه.

و قيل:إنّه للدّلالة على حفظها عمّن تحتها،و يدلّ على حفظها عنهم على أتمّ وجه.[ثمّ نقل حديث ابن عبّاس عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و قال:]

و هو إذا صحّ لا يكون نصّا في معنى الآية،كما زعم أبو حيّان.

و قيل:من الشّرك و المعاصي،و يرد عليه ما أورد على سابقه،كما لا يخفى.(17:38)

المراغيّ: أي إنّه تعالى نظّم السّماء و جعلها كالسّقف المحفوظ،من الاختلال و عدم النّظام،فقد حفظت الشّموس و الكواكب في مداراتها؛بحيث لا يختلط بعضها ببعض،و لا يختبط بعضها في بعض،بل جعلت في أماكنها الخاصّة بها بقوّة الجاذبيّة.فالشّمس و القمر و الكواكب الأخرى متجاذبات حافظات لمداراتها، لا تخرج عنها،و إلاّ اختلّ نظام هذا العالم،و بهذا الحفظ و نظام الدّوران كان اللّيل و النّهار الحادثين،من جري الأرض حول الشّمس.(17:27)

ص: 748

نحوه مغنيّة.(5:274)

فضل اللّه :...أمّا صفة الحفظ،فقد تكون بمعنى الحفظ من استراق السّمع،الّذي يذكر القرآن أنّهم كانوا يمارسونه في وقت ما،و قد تكون بمعنى الحفظ من بعض حالات الخلل الّذي قد يحدث في بعض أنحاء الكون كالأرض،من زلازل و براكين و فيضانات،ممّا يوجب انهدام جزء منها،أو تصدّعه،أو غير ذلك من المعاني.(15:219)

حفظة

وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا وَ هُمْ لا يُفَرِّطُونَ.

الأنعام:61

ابن عبّاس: وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً من الملائكة ملكين بالنّهار و ملكين باللّيل،يكتبون حسناتكم و سيّئاتكم.(111)

قتادة :حفظة يا بن آدم،يحفظون عليك عملك و رزقك و أجلك.(الطّبريّ 7:216)

السّدّيّ: الحفظة:هي المعقّبات من الملائكة، يحفظونه و يحفظون عمله.(243)

الطّبريّ: هي ملائكته الّذين يتعاقبونكم ليلا و نهارا،يحفظون أعمالكم و يحصونها.(7:216)

الزّجّاج: الحفظة:الملائكة،واحدهم:حافظ؛ و الجمع:حفظة،مثل كاتب و كتبة،و فاعل و فعلة.

(2:258)

القمّيّ: يعني الملائكة الّذين يحفظونكم و يحفظون أعمالكم.(1:203)

الماورديّ: وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً فيه وجهان:

أحدهما:أنّه جوارحهم الّتي تشهد عليهم بما كانوا يعملون.

الثّاني:الملائكة.

و يحتمل حَفَظَةً وجهين:

أحدهما:حفظ النّفوس من الآفات.

و الثّاني:حفظ الأعمال من خير و شرّ،ليكون العلم بإتيانها أزجر عن الشّرّ،و أبعث على الخير.(2:123)

الطّوسيّ: يعني يرسل عليكم ملائكة يحفظون أعمالكم و يحصونها عليكم و يكتبونها ليعلموا بذلك أنّ عليهم رقيبا من عند اللّه و محصيا عليهم،فينزجروا عن المعاصي.و بيّن أنّ هؤلاء الحفظة هم شهداء عليكم بهذه الأعمال يوم القيامة.(4:170)

نحوه الطّبرسيّ.(2:313)

البغويّ: يعني الملائكة الّذين يحفظون أعمال بني آدم،و هو جمع حافظ،نظيره: وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ الانفطار:10.(2:130)

الزّمخشريّ: ملائكة حافظين لأعمالكم،و هم الكرام الكاتبون.[إلى أن قال:]

فإن قلت:اللّه تعالى غنيّ بعلمه عن كتبة الملائكة فما فائدتها؟

قلت:فيها لطف للعباد،لأنّهم إذا علموا أنّ اللّه رقيب عليهم و الملائكة الّذين هم أشرف خلقه موكّلون بهم،يحفظون عليهم أعمالهم،و يكتبونها في صحائف تعرض على رءوس الأشهاد،في مواقف القيامة،كان

ص: 749

ذلك أزجر لهم عن القبيح،و أبعد من السّوء.(2:25)

نحوه البيضاويّ(1:314)،و النّسفيّ(2:16)، و الشّربينيّ(1:425)،و أبو السّعود(2:395)،و شبّر (2:269)،و القاسميّ(6:2349).

ابن عطيّة: حَفَظَةً جمع حافظ،مثل كاتب و كتبة،و المراد بذلك:الملائكة الموكّلون بكتب الأعمال.

و روي أنّهم الملائكة الّذين قال فيهم النّبيّ عليه السّلام؛ «تتعاقب فيكم ملائكة باللّيل و ملائكة بالنّهار»قاله السّدّيّ و قتادة.

و قال بعض المفسّرين: حَفَظَةً يحفظون الإنسان من كلّ شيء حتّى يأتي أجله؛و الأوّل أظهر.(2:300)

الفخر الرّازيّ: [في الآية بحوث:]البحث الأوّل:

وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً فالمراد:أنّ من جملة قهره لعباده إرسال الحفظة عليهم،و هؤلاء الحفظة هم المشار إليهم بقوله تعالى: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ، و قوله: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ق:18.و قوله: وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ.

و اتّفقوا على أنّ المقصود من حضور هؤلاء الحفظة:

ضبط الأعمال.ثمّ اختلفوا،فمنهم من يقول:إنّهم يكتبون الطّاعات و المعاصي و المباحات بأسرها،بدليل قوله تعالى: ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصاها الكهف:49.و عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما أنّ مع كلّ إنسان ملكين:أحدهما عن يمينه و الآخر عن يساره،فإذا تكلّم الإنسان بحسنة كتبها من على اليمين، و إذا تكلّم بسيّئة قال من على اليمين لمن على اليسار:

انتظره لعلّه يتوب منها،فإن لم يتب كتب عليه.

و القول الأوّل أقوى،لأنّ قوله تعالى: وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً يفيد حفظة الكلّ،من غير تخصيص.

البحث الثّاني:أنّ ظاهر هذه الآيات يدلّ على أنّ اطّلاع هؤلاء الحفظة على الأقوال و الأفعال،أمّا على صفات القلوب و هي العلم و الجهل،فليس في هذه الآيات ما يدلّ على اطّلاعهم عليها.أمّا في الأقوال، فلقوله تعالى: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ، و أمّا في الأعمال فلقوله تعالى: وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ، فأمّا الإيمان و الكفر و الإخلاص و الإشراك،فلم يدلّ الدّليل على اطّلاع الملائكة عليها.

البحث الثّالث:ذكروا في فائدة جعل الملائكة موكّلين على بني آدم وجوها:

الأوّل:أنّ المكلّف إذا علم أنّ الملائكة موكّلون به يحصون عليه أعماله،و يكتبونها في صحائف،تعرض على رءوس الأشهاد في مواقف القيامة،كان ذلك أزجر له عن القبائح.

الثّاني:يحتمل في الكتابة أن يكون الفائدة فيها أن توزن تلك الصّحائف يوم القيامة،لأنّ وزن الأعمال غير ممكن،أمّا وزن الصّحائف فممكن.

الثّالث:يفعل اللّه ما يشاء و يحكم ما يريد.و يجب علينا الإيمان بكلّ ما ورد به الشّرع،سواء عقلنا الوجه فيه أو لم نعقل،فهذا حاصل ما قاله أهل الشّريعة.

و أمّا أهل الحكمة فقد اختلفت أقوالهم في هذا الباب على وجوه:

ص: 750

الوجه الأوّل:قال المتأخّرون منهم: وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ، و من جملة ذلك القهر أنّه خلط الطّبائع المتضادّة،و مزج بين العناصر المتنافرة،فلمّا حصل بينها امتزاج استعدّ ذلك الممتزج بسبب ذلك الامتزاج،لقبول النّفس المدبّرة،و القوى الحسّيّة و الحركيّة و النّطقيّة، فقالوا:المراد من قوله: وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً: تلك النّفوس و القوى،فإنّها هي الّتي تحفظ تلك الطّبائع المقهورة على امتزاجاتها.

و الوجه الثّاني:و هو قول بعض القدماء:أنّ هذه النّفوس البشريّة و الأرواح الإنسانيّة مختلفة بجواهرها متباينة بماهيّاتها،فبعضها خيّرة و بعضها شرّيرة،و كذا القول في الذّكاء و البلادة و الحرّيّة و النّذالة و الشّرف و الدّناءة و غيرها من الصّفات،و لكلّ طائفة من هذه الأرواح السّفليّة روح سماويّ هو لها كالأب الشّفيق و السّيّد الرّحيم،يعينها على مهمّاتها في يقظاتها و مناماتها، تارة على سبيل الرّؤيا،و أخرى على سبيل الإلهامات، فالأرواح الشّرّيرة لها مبادئ من عالم الأفلاك،و كذا الأرواح الخيّرة،و تلك المبادئ تسمّى في مصطلحهم:

بالطّباع التّامّ،يعني تلك الأرواح الفلكيّة في تلك الطّبائع و الأخلاق تامّة كاملة،و هذه الأرواح السّفليّة المتولّدة منها أضعف منها،لأنّ المعلول في كلّ باب أضعف من علّته،و لأصحاب الطّلسمات و العزائم الرّوحانيّة في هذا الباب كلام كثير.

و القول الثّالث:النّفس المتعلّقة بهذا الجسد.لا شكّ في أنّ النّفوس المفارقة عن الأجساد لمّا كانت مساوية لهذه في الطّبيعة و الماهيّة،فتلك النّفوس المفارقة تميل إلى هذه النّفس بسبب ما بينهما من المشاكلة و الموافقة،و هي أيضا تتعلّق بوجه ما بهذا البدن،و تصير معاونة لهذه النّفس على مقتضيات طبيعتها،فثبت بهذه الوجوه الثّلاثة أنّ الّذي جاءت الشّريعة الحقّة به ليس للفلاسفة أن يمتنعوا عنها،لأنّ كلّهم قد أقرّوا بما يقرب منه،و إذا كان الأمر كذلك كان إصرار الجهّال منهم على التّكذيب باطلا، و اللّه أعلم.(13:14)

نحوه النّيسابوريّ.(7:127)

القرطبيّ: وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً أي من الملائكة.و الإرسال حقيقته:إطلاق الشّيء بما حلّ من الرّسالة،فإرسال الملائكة بما حملوا من الحفظ الّذي أمروا به،كما قال: وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ الانفطار:10،أي ملائكة تحفظ أعمال العباد و تحفظهم من الآفات.

و الحفظة:جمع حافظ،مثل الكتبة و الكاتب.

و يقال:إنّهما ملكان باللّيل و ملكان بالنّهار،يكتب أحدهما الخير و الآخر الشّرّ،و إذا مشى الإنسان يكون أحدهما بين يديه و الآخر وراءه،و إذا جلس يكون أحدهما عن يمينه و الآخر عن شماله،لقوله تعالى: عَنِ الْيَمِينِ وَ عَنِ الشِّمالِ قَعِيدٌ.

و يقال:لكلّ إنسان خمسة من الملائكة:اثنان باللّيل، و اثنان بالنّهار،و الخامس لا يفارقه ليلا و لا نهارا.(7:6)

أبو حيّان : حَفَظَةً: جمع حافظ،و هو جمع منقاس لفاعل،وصفا مذكّرا،صحيح اللاّم عاقلا،و قلّ فيما لا يعقل.[إلى أن نقل كلام بعض المفسّرين في أنّ «الحفظة»هم الملائكة الكاتبون للأعمال،ثمّ قال:]

و المكتوب:الحسنة و السّيّئة،و قيل:الطّاعات

ص: 751

و المعاصي و المباحات،و قيل:لا يطّلعون إلاّ على القول و الفعل،لقوله تعالى: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ، و لقوله: يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ الانفطار:12، و أمّا أعمال القلوب فعلمه للّه تعالى.

و قيل:يطّلعون عليها على الإجمال لا على التّفصيل، فإذا عقد سيّئة،خرجت من فيه ريح خبيثة،أو حسنة، خرجت ريح طيّبة.[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ و قال:]

و قوله:و الملائكة الّذين هم أشرف خلقه،هو جار على مذهب المعتزلة في الملائكة،و لا تتعيّن هذه الفائدة؛ إذ يحتمل أن تكون الفائدة فيها أن توزن صحائف الأعمال يوم القيامة،لأنّ وزن الأعمال بمجرّدها لا يمكن، و هذه الفائدة جارية على مذهب أهل السّنّة،و أمّا المعتزلة فتأوّلوا الوزن و الميزان.(4:147)

الكاشانيّ: ...حَفَظَةً يحفظونكم و يحفظون أعمالكم،و يذبّون عنكم مردة الشّياطين و هوامّ الأرض و سائر الآفات،و يكتبون ما تفعلون.

قيل:الحكمة في كتابة الأعمال أنّ العباد إذا علموا أنّ أعمالهم تكتب عليهم و تعرض على رءوس الأشهاد، كانوا أزجر من القبائح.و أنّ العبد إذا وثق بلطف سيّده و اعتمد على عطفه و ستره،لم يحتشم منه احتشامه من خدمه المتطلّعين عليه.(2:126)

نحوه المشهديّ.(3:295)

البروسويّ: وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً عطف على الجملة الاسميّة قبلها،أي يرسل عليكم خاصّة أيّها المكلّفون ملائكة تحفظ أعمالكم،و هم الكرام الكاتبون.

[ثمّ قال نحو الكاشانيّ و أضاف:]

ورد في الخبر أنّ على كلّ واحد منّا ملكين باللّيل و ملكين بالنّهار،يكتب أحدهما الحسنات و الآخر السّيّئات،و صاحب اليمين أمير على صاحب الشّمال،فإذا عمل العبد حسنة،كتبت له بعشر أمثالها،و إذا عمل سيّئة فأراد صاحب الشّمال أن يكتب،قال له صاحب اليمين:

أمسك فيمسك عنه ستّ ساعات أو سبع ساعات،فإن هو استغفر اللّه لم يكتب عليه،و إن لم يستغفر كتب سيّئة واحدة.

فإن قلت:هل تعرف هؤلاء الملائكة العزم الباطن كما يعرفون الفعل الظّاهر؟

قلت:نعم،لأنّ الحفظة تنتسخ من السّفرة و هي من الخزنة الّتي وكّلت باللّوح،و قد كتب فيه أحوال العوالم و أهاليها من السّرائر و الظّواهر،فبعد وقوفهم على ذلك يكتبون ثانيا من أوّل اليوم إلى آخره،و من أوّل اللّيل إلى آخره،حسبما يصدر عن الإنسان.

و قيل:إذا همّ العبد بحسنة فاح من فيه رائحة المسك، فيعلمون بهذه العلامة فيكتبونها،و إذا همّ بسيّئة فاح منه ريح النّتن.

فإن قلت:و الملائكة الّتي ترفع عمل العبد في اليوم أهم الّذين يأتون غدا أم غيرهم؟

قلت:قال بعض العلماء:الظّاهر أنّهم هم،و أنّ ملكي الإنسان لا يتغيّران عليه ما دام حيّا.

و قال بعض المشايخ:من جاء منهم لا يرجع أبدا مرّة أخرى،و يجيء آخرون مكانهم إلى نفاد العمر.

و اختلف في موضع جلوس الملكين،و في الخبر النّبويّ«نقّوا أفواهكم بالخلال فإنّها مجلس الملكين

ص: 752

الكريمين الحافظين،و أنّ مدادهما الرّيق و قلمهما اللّسان، و ليس عليهما شيء أمرّ من بقايا الطّعام بين الأسنان»و لا يبعد أن يوكّل بالعبد ملائكة سوى هذين الملكين،كلّ منهم يحفظه من أذى،كما جاء في الرّوايات.(3:44)

الآلوسيّ: وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً من الملائكة، و هم الكرام الكاتبون المذكورون في قوله تعالى: وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ الانفطار:10 و 11، أو المعقّبات المذكورة في قوله سبحانه: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ الرّعد:11، و قيل:المراد ما يشمل الصّنفين،و يقدّر المحفوظ:الأعمال و الأنفس و الأعمّ.و عن قتادة يحفظون العمل و الرّزق و الأجل.

و الّذي ذهب إليه أكثر المفسّرين المعنى الأوّل في «الحفظة»،و هم عند بعض يكتبون الطّاعات و المعاصي و المباحات بأسرها،كما يشعر بذلك: ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصاها الكهف:49.

و جاء في الأثر تفسير الصّغيرة بالتّبسّم،و الكبيرة بالضّحك و ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إِلاّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ ق:18،و قال آخرون:لا يكتبون المباحات إذ لا يترتّب عليها شيء.[و ذكر حديث ابن عبّاس كما سبق عن الفخر الرّازيّ ثمّ قال:]

و المشهور أنّهما على الكتفين،و قيل:على الذّقن، و قيل:في الفم يمينه و يساره.و اللاّزم الإيمان بهما دون تعيين محلّهما.

و البحث عن كيفيّة كتابتهما،و ظواهر الآيات تدلّ على أنّ اطّلاع هؤلاء الحفظة على الأقوال و الأفعال كقوله تعالى: ما يَلْفِظُ مِنْ قَوْلٍ إلخ،و قوله سبحانه:

يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ الانفطار:12،و أمّا على صفات القلوب كالإيمان و الكفر مثلا،فليس في الظّواهر ما يدلّ على اطّلاعهم عليها،و الأخبار بعضها يدلّ على الاطّلاع كخبر:«إذا همّ العبد بحسنة و لم يعملها كتبت له حسنة» فإنّ الهمّ من أعمال القلب كالإيمان و الكفر،و بعضها يدلّ على عدم الاطّلاع كخبر:«إذا كان يوم القيامة يجاء بالأعمال في صحف محكمة فيقول اللّه تعالى:اقبلوا هذا و ردّوا هذا،فتقول الملائكة:و عزّتك ما كتبنا إلاّ ما عمل، فيقول سبحانه:إنّ عمله كان لغيري و إنّي لا أقبل اليوم إلاّ ما كان لوجهي».

و في رواية مرسلة لابن المبارك:«إنّ الملائكة يرفعون أعمال العبد من عباد اللّه تعالى فيستكثرونه و يزكّونه حتّى يبلغوا به حيث شاء اللّه تعالى من سلطانه، فيوحي اللّه تعالى إليهم:إنّكم حفظة عمل عبدي و أنا رقيب على ما في نفسه،إنّ عبدي هذا لم يخلص في عمله فاجعلوه في سجّين»الحديث.و القائل:بأنّهم لا يكتبون إلاّ الأعمال الظّاهرة يقول:معنى-كتبت-في حديث «الهمّ بالحسنة»ثبتت عندنا و تحقّقت،لا كتبت في صحف الملائكة.

و القائل:بأنّهم يكتبون الأعمال القلبيّة يقول:

باستثناء الرّياء،فيكتبون العمل دونه و يخفيه اللّه تعالى عنهم ليبطل سبحانه به عمل المرائي بعد كتابته،إمّا في الآخرة أو في الدّنيا،زيادة في تنكيله و تفظيع حاله،و لعلّ هذا كما يفعل به يوم القيامة من ردّه إلى النّار بعد تقريبه من الجنّة.[إلى أن قال:]

ص: 753

و اختلفوا في أنّ الحفظة هل يتجدّدون كلّ يوم و ليلة أم لا؟

فقيل:إنّهم يتجدّدون و ملائكة اللّيل غير ملائكة النّهار دائما إلى الموت.و قيل:إنّ ملائكة اللّيل يذهبون فتأتي ملائكة النّهار،ثمّ إذا جاء اللّيل ذهبوا و نزل ملائكة اللّيل الأوّلون لا غيرهم،و هكذا.و قيل:إنّ ملائكة الحسنات يتجدّدون دون ملائكة السّيّئات،و هو الّذي يقتضيه حسن الظّنّ باللّه تعالى.

و اختلف في مقرّهم بعد موت المكلّف،فقيل:

يرجعون مطلقا إلى معابدهم في السّماء،و قيل:يبقون حذاء قبر المؤمن يستغفرون له حتّى يقوم من قبره.

و صحّح غير واحد أنّ كاتب الحسنات لا ينحصر في واحد،لحديث رأيت كذا و كذا،يبتدرونها أيّهم يكتبها أوّل.

و الحكمة في هؤلاء الحفظة أنّ المكلّف إذا علم أنّ أعماله تحفظ عليه و تعرض على رءوس الأشهاد،كان ذلك أزجر له عن تعاطي المعاصي و القبائح،و أنّ العبد إذا وثق بلطف سيّده و اعتمد على ستره و عفوه،لم يحتشم منه احتشامه من خدمه المطّلعين عليه.

و قول الإمام:يحتمل أن تكون الفائدة في الكتابة أن توزن تلك الصّحائف يوم القيامة،لأنّ وزن الأعمال غير ممكن بخلاف وزن الصّحائف،فإنّه ممكن،ليس بشيء، كما لا يخفى،و القول بوزن الصّحائف أنفسها قول لبعضهم.

(7:175)

رشيد رضا :و أمّا إرسال الحفظة على النّاس،فمعناه إرسالهم مراقبين عليهم من حيث لا يشعرون-كمراقبة رجال الشّرطة السّرّيّة في حكومات عصرنا-محصين لأعمالهم بكتابتها و حفظها في الصّحف الّتي تنشر يوم الحساب،و هي المرادة بقوله تعالى: وَ إِذَا الصُّحُفُ نُشِرَتْ التّكوير:10،و هؤلاء الحفظة هم الملائكة الّذين قال اللّه تعالى فيهم: وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ الانفطار:10-12.

و لم يرد في كلام اللّه و كلام رسوله بيان تفصيليّ لصفة هذه الكتابة،فنؤمن بها كما نؤمن بكتابة اللّه تعالى لمقادير السّماوات و الأرض،و لا نتحكّم فيها بآرائنا،و أمثل ما أوّلت به:أنّها عبارة عن تأثير الأعمال في النّفس،و أنّه يكون بفعل الملائكة.

و قيل:إنّ الحفظة من الملائكة غير الكاتبين للأعمال، و هم المعقّبات،في قوله تعالى: لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ الرّعد:11.

قيل:إنّهم ملائكة يحفظونه من الجنّ و الشّياطين، و قيل:من كلّ ضرر يكون عرضة له لم يكن مقدّرا أن يصيبه،فإذا جاء القدر تخلّوا عنه.و لكن لم يصحّ في ذلك شيء يعتدّ به.[إلى أن قال:]

و ليس عندنا من الأحاديث الصّحاح في هذه المسألة إلاّ حديث أبي هريرة في الصّحيحين و غيرهما مرفوعا «يتعاقبون فيكم ملائكة باللّيل و ملائكة بالنّهار، يجتمعون في صلاة الفجر و صلاة العصر،ثمّ يعرج الّذين باتوا فيكم،فيسألهم ربّهم و هو أعلم بهم:كيف تركتم عبادي؟فيقولون:تركناهم و هم يصلّون و أتيناهم و هم يصلّون».و روي بلفظ«و الملائكة يتعاقبون فيكم»بواو و بغير واو،لكن لم يرد ذلك في تفسير آية الرّعد.فإذا

ص: 754

كان هؤلاء الملائكة هم الحفظة الكاتبين فلا محلّ لاختلاف العلماء في تجدّدهم و تعاقبهم.

و ذكروا من الحكمة في كتابة الأعمال و حفظها على العاملين أنّ المكلّف إذا علم أنّ أعماله تحفظ عليه و تعرض على رءوس الأشهاد،كان ذلك أزجر له عن الفواحش و المنكرات،و أبعث له على التزام الأعمال الصّالحات.فإن لم يصل إلى مقام العلم الرّاسخ الّذي يثمر الخشية للّه عزّ و جلّ،و المعرفة الكاملة الّتي تثمر الحياء منه سبحانه و المراقبة له،يغلب عليهم الغرور بالكرم الإلهيّ،و الرّجاء في مغفرته و رحمته تعالى،فلا يكون لديهم من خشيته و الحياء منه ما يزجرهم عن معصيته، كما يزجرهم توقّع الفضيحة في موقف الحساب،على أعين الخلائق و أسماعهم.

و زاد الرّازيّ احتمال أن تكون فائدتها أن توزن تلك الصّحف،لأنّ وزنها ممكن و وزن الأعمال غير ممكن.كذا قال،و هو احتمال ضعيف بل لا قيمة له،لأنّه مبنيّ على تشبيه وزن اللّه للأمور المعنويّة بوزن البشر للأثقال الجسميّة.

أمّا بيان هذه الحكمة على الطّريقة الّتي جرينا عليها في بيان حكمة مقادير الخلق،فتعلم ممّا مرّ هنالك،و أمّا على طريقة من يقولون:إنّ المراد بكتابة الأعمال:حفظ صورها و آثارها في النّفس،فهي أنّها تكون المظهر الأتمّ الأجلى لحجّة اللّه البالغة،فإذا وضع كتاب كلّ أحد يوم الحساب،و نشرت صحفه المطويّة في سريرة نفسه، تعرض عليه أعماله فيها بصورها و معانيها،فتتمثّل لذاكرته و لحسّه الظّاهر و الباطن كما عملها في الدّنيا، لا يفوته شيء من صفاتها الحسّيّة و لا المعنويّة-كاللّذّة و الألم-فيكون حسيبا على نفسه،و على عين اليقين من عدل اللّه و فضله، وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً* اِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً الإسراء:13،14.

وَ وُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّا فِيهِ وَ يَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصاها وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً الكهف:49.(7:481)

نحوه المراغيّ.(7:147)

مغنيّة:و هؤلاء الحفظة من الملائكة،قال تعالى:

وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ الانفطار:10-12،و نحن نؤمن بذلك،لأنّ الوحي أخبر عنه،و العقل لا يأباه،و لم يرد في كلام اللّه و لا في كلام الرّسول بيان لصفة الكاتب و الكتابة،و العقل لا يلزم البحث و السّؤال عنهما،فندعهما لعلم اللّه تعالى.

أمّا من شبّه الملائكة الكاتبين برجال الشّرطة السّرّيّة،كما في تفسير المنار و المراغيّ،أمّا هذا التّشبيه فهو من قياس الغيب على الشّهادة،و السّماء على الأرض،مع وجود الفارق البعيد.(3:202)

الطّباطبائيّ: إطلاق إرسال الحفظة من غير تقييد لا في الإرسال و لا في الحفظة،ثمّ جعله مغيّا بمجيء الموت، لا يخلو عن دلالة على أنّ هؤلاء الحفظة المرسلين شأنهم حفظ الإنسان من كلّ بليّة تتوجّه إليه و مصيبة تتوخّاه، و آفة تقصده،فإنّ النّشأة الّتي نحن فيها نشأة التّفاعل و التّزاحم،ما فيه من شيء إلاّ و هو مبتلى بمزاحمة غيره

ص: 755

من شيء من جميع الجهات،لأنّ كلاّ من أجزاء هذا العالم الطّبيعيّ بصدد الاستكمال و استزادة سهمه من الوجود، و لا يزيد في شيء إلاّ و ينقص بنسبته من غيره،فالأشياء دائما في حال التّنازع و التّغلّب.

و من أجزائه الإنسان،الّذي تركيب وجوده ألطف التّراكيب الموجودة فيه،و أدقّها فيما نعلم،فرقباؤه في الوجود أكثر،و أعداؤه في الحياة أخطر،فأرسل اللّه إليه من الملائكة حفظة تحفظه من طوارق الحدثان و عوادي البلايا و المصائب،و لا يزالون يحفظونه من الهلاك،حتّى إذا جاء أجله خلّوا بينه و بين البليّة،فأهلكته على ما في الرّوايات.

و أمّا ما ذكره في قوله: إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ الانفطار:10-12،فإنّما يريد به الحفظة على الأعمال،غير أنّ بعضهم أخذ الآيات مفسّرة لهذه الآية،و الآية و إن لم تأب هذا المعنى كلّ الإباء لكن قوله: حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إلى آخر الآية-كما تقدّم-يؤيّد المعنى الأوّل.

(7:131)

مكارم الشّيرازيّ: حَفَظَةً جمع حافظ،و هم هنا الملائكة الموكّلون بحفظ أعمال النّاس،كما جاء في سورة الانفطار:10-12: إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ.

و يرى بعض المفسّرين أنّهم لا يحفظون أعمال الإنسان،بل هم مأمورون بحفظ الإنسان نفسه من الحوادث و البلايا حتّى يحين أجله المعيّن،و يعتبرون حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ بعد حَفَظَةً قرينة تدلّ على ذلك،كما يمكن اعتبار الآية:11،من سورة الرّعد دليلا عليه كذلك.

و لكن بالتّدقيق في مجموع الآية الّتي نحن بصددها نتبيّن أنّ القصد من«الحفظ»هنا هو حفظ الأعمال،أمّا بشأن الملائكة الموكّلين بحفظ النّاس،فسوف نشرحه بإذن اللّه عند تفسير سورة الرّعد.(4:297)

فضل اللّه :ما المراد من«الحفظة»هل هم الحفظة على الأعمال الّذين أشار اللّه إليهم في قوله تعالى: وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ الانفطار 10-12،أو هم الحفظة الّذين أوكل إليهم أمر حماية الإنسان من الأخطار و الآفات و المصائب الّتي تهدّد حياته،أو تسبّب له الأمراض و البلايا،فهؤلاء هم الّذين يحفظونه من ذلك كلّه بأمر اللّه،بطريقة خفيّة أو بوسائل غيبيّة؟

ربّما كان الوجه الثّاني أقرب إلى السّياق،من خلال قوله تعالى: حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنا فإنّ الظّاهر أنّ الحفظ يستمرّ من قبل هؤلاء إلى المدى الّذي يبلغ فيه الإنسان أجله،فإذا جاء أجله كانت مهمّة رسل الموت أن تتوفّاه و تقبض روحه،و اللّه العالم.(9:139)

حفيظ

1- قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ. الأنعام:104

ابن عبّاس: أحفظكم.(116)

الحسن :يعني برقيب على أعمال العباد حتّى

ص: 756

يجازيهم بها.(الطّوسيّ 4:245)

نحوه الطّبرسيّ.(2:345)

قتادة :هذه الآية فيها أمر من اللّه لنبيّه أن يقول لهؤلاء الكفّار:و قد جاءكم حجج من اللّه،و هو ما ذكره في قوله: فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى الأنعام:95،إلى هاهنا، و ما يبصرون به الهدى من الضّلال،فمن نظر و علم فلنفسه نفع،و من جهل و عمي فلنفسه ضرّ.و لست أمنعكم منه و لا أحول بينكم و ما تختارون.

مثله ابن زيد.(الطّوسيّ 4:245)

الطّبريّ: يقول:و ما أنا عليكم برقيب،أحصي عليكم أعمالكم و أفعالكم،و إنّما أنا رسول أبلّغكم ما أرسلت به إليكم،و اللّه الحفيظ عليكم الّذي لا يخفى عليه شيء من أعمالكم.(7:305)

نحوه البغويّ(2:149)،و الشّربينيّ(1:442)، و المراغيّ(7:210).

الزّجّاج: أي لست آخذكم بالإيمان أخذ الحفيظ و الوكيل،و هذا قبل الأمر بالقتال،فلمّا أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بالقتال صار حفيظا عليهم،و مسيطرا على كلّ من تولّى.(2:279)

نحوه ابن الجوزيّ.(3:99)

الطّوسيّ: يعني برقيب على أعمال العباد حتّى يجازيهم بها،في قول الحسن،بل هو شهيد عليهم،لأنّه يرجع إلى الحال الظّاهرة الّتي تقع عليها المشاهدة.

(4:245)

الزّمخشريّ: وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ أحفظ أعمالكم و أجازيكم عليها،إنّما أنا منذر،و اللّه هو الحفيظ عليكم.(2:42)

نحوه النّسفيّ(2:27)،و النّيسابوريّ(7:183)،و أبو السّعود(2:425)،و البروسويّ(3:81)،و الآلوسيّ (7:249).

ابن عطيّة: كان في أوّل الأمر و قبل ظهور الإسلام، ثمّ بعد ذلك كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حفيظا على العالم،آخذا لهم بالإسلام و السّيف.(2:331)

القرطبيّ: أي لم أؤمر بحفظكم على أن تهلكوا أنفسكم.

و قيل:أي لا أحفظكم من عذاب اللّه.

و قيل:(بحفيظ):برقيب،أحصي عليكم أعمالكم، و إنّما أنا رسول أبلّغكم رسالات ربّي،و هو الحفيظ عليكم،لا يخفى عليه شيء من أفعالكم.(7:58)

البيضاويّ: إنّما أنا منذر،و اللّه سبحانه و تعالى هو الحفيظ عليكم،يحفظ أعمالكم و يجازيكم عليها،و هذا كلام ورد على لسان الرّسول عليه الصّلاة و السّلام.

(1:325)

نحوه الكاشانيّ(2:146)،و المشهديّ(3:360)، و طه الدّرّة(4:231).

أبو حيّان :أي برقيب أحصي أعمالكم،أو بوكيل آخذكم بالإيمان،أو بحافظكم من عذاب اللّه،أو بربّ أجازيكم،أو بشاهد أقوال.(4:197)

عزّه دروزة:في الآيات هتاف بالنّاس،بأنّه قد جاءهم من ربّهم الهدى و البيّنات،فمن أبصر و اهتدى فلنفسه،و من عمي عن ذلك و ضلّ فإنّما يضرّ نفسه،و أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ليس حفيظا عليهم و لا مسئولا عنهم.

ص: 757

و تقرير ربّانيّ بأنّ اللّه تعالى يصرف الآيات القرآنيّة و يقلب فيها وجوه الكلام،تبيانا للنّاس الّذين يحبّون أن يعلموا و يتبيّنوا الأمور حتّى يقولوا للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:قد قرأت و كرّرت و بلّغت و بيّنت كلّ شيء،و على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بعد ذلك أن يتّبع ما يوحى إليه من ربّه الّذي لا إله إلاّ هو، و أن يلتزم الحدود المرسومة له،و ألاّ يبالي بالمشركين إذا أصرّوا على شركهم،فلو شاء اللّه ما أشركوا،لأنّ في قدرته إجبارهم على الهدى،و إنّما تركهم لاختيارهم ليظهر الطّيّب من الخبيث،و سليم القلب الرّاغب في الهدى من سيّئ النّيّة المتعمّد المكابرة و التّكذيب.و لم يجعله اللّه مسيطرا عليهم و لا مسئولا عنهم.(4:199)

الطّباطبائيّ: إنّ المراد بالحفظ عليهم:رجوع أمر نفوسهم و تدبير قلوبهم إليه،فهو إنّما ينفي كونه حفيظا عليهم تكوينا،و إنّما هو ناصح لهم.

و الآية كالمعترضة بين الآيات السّابقة و الآية اللاّحقة،و هو خطاب منه تعالى عن لسان نبيّه كالرّسول يأتي بالرّسالة إلى قوم فيؤدّيها إليهم،و في خلال ما يؤدّيه يكلّمهم من نفسه بما يهيّجهم للسّمع و الطّاعة،و يحثّهم على الانقياد بإظهار النّصح،و نفي الأغراض الفاسدة عن نفسه.(7:303)

عبد الكريم الخطيب :أي ليس على النّبيّ إلاّ أن يعرض هذه البصائر الّتي تلقّاها من ربّه،ثمّ إنّه ليس عليه بعد هذا أن يتولّى حراسة النّاس و حمايتهم من أهوائهم الغالبة،و نزعاتهم المستبدّة،فهذا نور اللّه بين أيديهم،و في مواجهة أبصارهم،فمن أبصر فلنفسه،و من عمي فعليها، و اللّه سبحانه و تعالى يقول: أَ فَأَنْتَ تَهْدِي الْعُمْيَ وَ لَوْ كانُوا لا يُبْصِرُونَ يونس:43.(4:255)

مكارم الشّيرازيّ: للمفسّرين احتمالان:

الأوّل:إنّي لست أنا المسئول عن مراقبتكم و المحافظة عليكم و ملاحظة أعمالكم،فاللّه هو الّذي يحافظ على الجميع،و هو الّذي يعاقب و يثيب الجميع،إنّ واجبي لا يتعدّى إبلاغ الرّسالة و بذل الجهد لهداية النّاس.

و الاحتمال الآخر:أنا لست مأمورا موكّلا بكم لأحملكم بالجبر و الإكراه على قبول الإيمان،إنّما واجبي هو أن أدعوكم إلى ذلك بتبيان الحقائق بالمنطق و الحجّة، و أنتم الّذين تتّخذون قراركم النّهائيّ.و ليس ما يمنع من انطواء العبارة على كلا المعنيين.(4:388)

فضل اللّه : وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ و تلك هي مهمّة النّبيّ،فهو لم يأت ليفتح قلوب النّاس على الهدى، بالقوّة و المعجزة،بل جاء ليقدّم لهم الدّلائل و البيّنات الّتي تفتح عقولهم على الحقّ،بالفكر و التّأمّل و الإرادة الواعية المتحرّكة في خطّ الإيمان،و تلك هي مهمّة الدّعاة إلى اللّه في كلّ زمان و مكان،الكلمة الهادية،و الأسلوب المشرق،و الجوّ الهادئ الّذي يوحي بالفكر و الموضوعيّة، و يقود إلى الإيمان من أقرب طريق.

و ربّما أريد من هذه الفقرة،أنّ النّبيّ ليس مسئولا عن مراقبتهم و المحافظة عليهم،و لا الإشراف على أعمالهم و محاسبتهم و ثوابهم و عقابهم،فإنّ اللّه هو الّذي يتولّى ذلك كلّه،و ليست مهمّة النّبيّ إلاّ إبلاغ الرّسالة بكلّ الوسائل الّتي يملكها،ممّا يبذله من جهد الدّعوة و الإقناع.

و هذه هي مهمّة الدّاعية في حركة الدّعوة إلى اللّه بتلاوة آيات اللّه و إبلاغ رسالته،و تبقى المهمّة-في الدّنيا-في

ص: 758

ملاحقة حركتهم في الواقع لوليّ الأمر الّذي يطبّق النّظام و يحافظ على الحياة في واقع الإنسان و غيره،و في الآخرة تكون القضيّة في يد اللّه في الحساب و العقاب و الثّواب.

و هذا هو الّذي يحدّد للرّسالة موقعها و خطوطها، و للرّساليّ مهمّته و دوره.(9:258)

2- ...إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ. هود:57

ابن عبّاس: حافظ شهيد.(187)

الطّبريّ: يقول:إنّ ربّي على جميع خلقه ذو حفظ و علم،يقول:هو الّذي يحفظني من أن تنالوني بسوء.(12:61)

نحوه النّحّاس(3:359)،و البغويّ(2:453)، و القرطبيّ(9:53).

الطّوسيّ: (حفيظ)لأعمال العباد حتّى يجازيهم عليها.و قيل:معناه:يحفظني من أن تنالوني بسوء.

(6:13)

نحوه ابن الجوزيّ.(4:120)

الواحديّ: (حفيظ)حتّى يجازيهم عليها.

(2:578)

الزّمخشريّ: أي رقيب عليه مهيمن،فما تخفى عليه أعمالكم،و لا يغفل عن مؤاخذتكم،أو من كان رقيبا على الأشياء كلّها حافظا لها،و كانت مفتقرة إلى حفظه من المضارّ،لم يضرّ مثله مثلكم.(2:277)

مثله النّسفيّ(2:194)،و نحوه البيضاويّ(1:472)، و أبو السّعود(3:326)،و المشهديّ(4:502)، و الآلوسيّ(12:85).

ابن عطيّة:حفيظ على كلّ شيء عالم به.

(3:182)

الطّبرسيّ: يحفظه من الهلاك إن شاء و يهلكه إذا شاء.[ثمّ قال نحو الطّوسيّ](3:171)

نحوه الفخر الرّازيّ(18:14)،و الشّربينيّ(2:65).

أبو حيّان :معنى حفيظ:رقيب محيط بالأشياء علما، لا يخفى عليه أعمالكم،و لا يغفل عن مؤاخذتكم،و هو يحفظني ممّا تكيدونني به.(5:235)

نحوه الكاشانيّ(2:456)،و البروسويّ(4:149)، و شبّر(3:226).

ابن كثير :أي شاهد و حافظ لأقوال عباده و أفعالهم،و يجزيهم عليها إن خيرا فخير،و إن شرّا فشرّ.

(3:560)

المراغيّ: أي إنّ ربّي رقيب على كلّ شيء قائم بالحفظ عليه،على ما اقتضته سننه،و تعلّقت به إرادته، و من ذلك أنّه ينصر رسله و يخذل أعداءهم إذا أصرّوا على الكفر،بعد قيام الحجّة عليهم.(12:50)

عبد الكريم الخطيب :أي مالك كلّ شيء،حفيظ على كلّ شيء،لا يستطيع مخلوق أن يغيّر أو يبدّل في ملكه ذرّة من ذرّات هذا الوجود.(6:1157)

مغنيّة:يراقب الأشياء و يدبّرها بعلمه و حكمته.

قال ابن عربيّ في«الفتوحات المكّيّة»:«كما أنّ ربّك على كلّ شيء حفيظ فهو بكلّ شيء محفوظ».يشير إلى قول من قال:و في كلّ شيء له آية.(4:242)

الطّباطبائيّ: لا يعزب عن علمه عازب،و لا يفوت من قدرته فائت،و للمفسّرين في الآية وجوه أخر بعيدة

ص: 759

عن الصّواب،أعرضنا عنها.(10:304)

مكارم الشّيرازيّ: فلا تذهب من يده الفرصة، و لا ينسى المكان و لا الزّمان،و لا يهمل أنبياءه و محبّيه، و لا يعزب عنه مثقال ذرّة من حساب الآخرين،بل هو عالم بكلّ شيء و قادر على كلّ شيء.(6:530)

فضل اللّه :بما يوحيه ذلك من إحاطة بكلّ الأشياء علما و ملكا و سيطرة،و لذلك فلن يفلت أحد منه،لأنّه محيط بهم إحاطة الحافظ بالمحفوظ.(12:84)

3- بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ. هود:86

ابن عبّاس: بكفيل أحفظكم،لأنّه لم يكن مأمورا بقتالهم.(9:18)

نحوه البغويّ.(2:462)

الطّبريّ: يقول:و ما أنا عليكم أيّها النّاس برقيب، أرقبكم عند كيلكم و وزنكم،هل توفون النّاس حقوقهم أم تظلمونهم؟و إنّما عليّ أن أبلّغكم رسالة ربّي،فقد أبلغتكموها.(12:101)

الماورديّ: يحتمل ثلاثة أوجه:

أحدها:حفيظ من عذاب اللّه تعالى أن ينالكم.

الثّاني:حفيظ لنعم اللّه تعالى أن تزول عنكم.

الثّالث:حفيظ من البخس و التّطفيف،إن لم تطيعوا فيه ربّكم.(2:496)

الطّوسيّ: معناه هاهنا أنّ هذه النّعمة الّتي أنعمها اللّه عليكم لست أقدر على حفظها عليكم،و إنّما يحفظها اللّه عليكم إذا أطعمتوه،فإن عصيتموه أزالها عنكم.

و قال قوم:[و ذكر نحو الطّبريّ](6:49)

نحوه القرطبيّ.(9:86)

الواحديّ: أي لم أؤمر بقتالكم و إكراهكم على الإيمان.(2:586)

الزّمخشريّ: و ما بعثت لأحفظ عليكم أعمالكم و أجازيكم عليها،و إنّما بعثت مبلّغا و منبّها على الخير و ناصحا،و قد أعذرت حين أنذرت.(2:286)

نحوه النّيسابوريّ(12:54)،و الكاشانيّ(2:468)، و شبّر(3:240)،و البروسويّ(4:173)،و المراغيّ (12:71)،و مغنيّة(4:258).

ابن عطيّة: الحفيظ:المراقب الّذي يحفظ أحوال من يرقب،و المعنى إنّما أنا مبلّغ.و الحفيظ:المحاسب هو الّذي يجازيكم بالأعمال.(3:200)

نحوه ابن كثير.(3:571)

الطّبرسيّ: [قال نحو الطّوسيّ و أضاف قولا ثالثا:]

و قيل:معناه:و ما أنا بحافظ لأعمالكم،و إنّما يحفظها اللّه فيجازيكم عليها.(3:187)

ابن الجوزيّ: في قوله: وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ.

ثلاثة أقوال:

أحدها:ما أمرت بقتالكم و اكراهكم على الإيمان.

و الثّاني:ما أمرت بمراقبتكم عند كيلكم لئلاّ تبخسوا.

و الثّالث:ما أحفظكم من عذاب اللّه إن نالكم.

(4:149)

الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:

الأوّل:أن يكون المعنى:إنّي نصحتكم و أرشدتكم إلى الخير وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ أي لا قدرة لي على

ص: 760

منعكم عن هذا العمل القبيح.

الثّاني:أنّه قد أشار فيما تقدّم إلى أنّ الاشتغال بالبخس و التّطفيف يوجب زوال نعمة اللّه تعالى،فقال:

وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ يعني لو لم تتركوا هذا العمل القبيح لزالت نعم اللّه عنكم،و أنا لا أقدر على حفظها عليكم في تلك الحالة.(18:43)

البيضاويّ: وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ أحفظكم عن القبائح،أو أحفظ عليكم أعمالكم فأجازيكم عليها، و إنّما أنا ناصح مبلّغ،و قد أعذرت حين أنذرت،أو لست بحافظ عليكم نعم اللّه،لو لم تتركوا سوء صنيعتكم.

(1:478)

مثله المشهديّ(4:536)،و نحوه أبو السّعود(3:341)، و الآلوسيّ(12:117).

النّسفيّ: وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ لنعمه عليكم، فاحفظوها بترك البخس.(2:201)

الشّربينيّ: أعلم جميع أعمالكم و أقدر على كفّكم عمّا يكون منها فسادا.(2:74)

الطّباطبائيّ: أي و ما يرجع إلى قدرتي شيء ممّا عندكم،من نفس أو عمل أو طاعة أو رزق و نعمة،فإنّما أنا رسول ليس عليه إلاّ البلاغ،لكم أن تختاروا ما فيه رشدكم و خيركم،أو تسقطوا في مهبط الهلكة،من غير أن أقدر على جلب خير إليكم أو دفع شرّ منكم،فهو كقوله تعالى: فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ الأنعام:104.(10:365)

فضل اللّه :فلم يجعلني اللّه حفيظا عليكم بطريقة القوّة و الإجبار،بل أنا رسول من اللّه إليكم،لأبلّغكم أوامره و نواهيه،و لأفتح عيونكم على الجانب المشرق من الحياة الّذي تلتقون فيه برضى اللّه و رحمته و لطفه، فإذا تمرّدتم و عصيتم،و قادكم ذلك إلى السّقوط في مهاوي الهلاك،فلا أملك لكم من اللّه شيئا إذا أراد اللّه أن يعذّبكم في الدّنيا بخطاياكم،أو في الآخرة بكفركم و ضلالكم.(12:111)

4- قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ. يوسف:55

ابن عبّاس: حفيظ بتقديرها(عليم)بساعة الجوع حين يقع.(199)

وهب بن منبّه:أي كاتب حاسب.

(الطّبرسيّ 3:243)

الحسن :حفيظ لما استودعتني،عليم بهذه السّنين.(ابن الجوزيّ 4:243)

نحوه شيبة الضّبّيّ.(الطّبريّ 13:5)

قتادة :أي حافظ لما استودعتني لحفظه عن أن تجرى فيه خيانة،(عليم)بمن يستحقّ منها شيئا و من لا يستحقّ،فأضعها مواضعها.

مثله ابن إسحاق و الجبّائيّ.(الطّبرسيّ 3:243)

السّدّيّ: حفيظ للحساب عليم بالألسن.

(الواحديّ 2:618)

مثله سفيان(الماورديّ 3:51)،و الأشجعيّ (الطّبريّ 13:5).

الكلبيّ: حفيظ بتقديره في السّنين الخصبة،عليم بوقت الجوع حين يقع في الأرض الجدب.

ص: 761

(البغويّ 2:498)

الإمام الصّادق عليه السّلام:حفيظ بما تحت يديّ،عليم بكلّ لسان.(البحرانيّ 5:238)

نحوه الإمام الرّضا عليه السّلام.(العيّاشيّ 2:348)

ابن زيد :حفيظ لما استودعتني،عليم بما ولّيتني.(الماورديّ 3:51)

الطّبريّ: [ذكر قولين للمفسّرين ثمّ قال:]

أولى القولين عندنا بالصّواب قول من قال:معنى ذلك:إنّي حافظ لما استودعتني،عالم بما أوليتني،لأنّ ذلك عقيب قوله: اِجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ و مسألته الملك:استكفائه خزائن الأرض،فكان إعلامه بأنّ عنده خبرة في ذلك،و كفايته إيّاه،أشبه من إعلامه حفظه الحساب،و معرفته بالألسن.(13:5)

الزّجّاج: أي أحفظها و أعلم وجوه متصرّفاتها.و إنّما سأله أن يجعله على خزائن الأرض،لأنّ الأنبياء بعثوا لإقامة الحقّ و العدل،و وضع الأشياء مواضعها،فعلم يوسف عليه السّلام أنّه لا أحد أقوم بذلك منه،و لا أوضع له في مواضعها،فسأل ذلك إرادة للصّلاح.(3:116)

النّحّاس: حافظ للأموال،و أعلم المواضع الّتي يجب أن أجعلها فيها.(3:439)

الماورديّ: فيه أربعة تأويلات[إلى أن قال:]

أحدها:[و ذكر كلام ابن زيد]

الثّاني:حفيظ بالكتاب،عليم بالحساب،حكاه ابن سراقة.

الثّالث:[ذكر قول الأشجع عن سفيان].

الرّابع:حفيظ لما ولّيتني،قاله قتادة،عليم بسنيّ المجاعة،قاله شيبة الضّبّيّ.

و في هذا دليل على أنّه يجوز للإنسان أن يصف نفسه بما فيه من علم و فضل،و ليس هذا على الإطلاق في عموم الصّفات،و لكن مخصوص فيما اقترن بوصلة أو تعلّق بظاهر من مكسب،و ممنوع منه فيما سواه لما فيه من تزكية و مراءاة،و لو تنزّه الفاضل عنه لكان أليق بفضله، فإنّ يوسف دعته الضّرورة إليه لما سبق من حاله و لما يرجوه من الظّفر بأهله.(3:51)

الطّوسيّ: معناه حافظ للمال عمّن لا يستحقّه، عليم بالوجوه الّتي يجب صرفها إليه.و في الآية دلالة على جواز تقلّد الأمر من قبل السّلطان الجائر إذا تمكّن معه من إيصال الحقّ إلى مستحقّه.(6:157)

نحوه البيضاويّ(1:500)،و أبو السّعود(3:406)، و المشهديّ(4:638).

البغويّ: أي حفيظ للخزائن عليم بوجوه مصالحها.

و قيل:حفيظ عليم،أي كاتب حاسب.[ثمّ ذكر بعض الأقوال المتقدّمة](2:498)

الزّمخشريّ: أمين أحفظ ما تستحفظنيه،عالم بوجوه التّصرّف.وصفا لنفسه بالأمانة و الكفاية اللّتين هما طلبة الملوك ممّن يولّونه.و إنّما قال ذلك ليتوصّل إلى إمضاء أحكام اللّه تعالى و إقامة الحقّ و بسط العدل، و التّمكّن ممّا لأجله تبعث الأنبياء إلى العباد،و لعلمه أنّ أحدا غيره لا يقوم مقامه في ذلك،فطلب التّولية ابتغاء وجه اللّه لا لحبّ الملك و الدّنيا.و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«رحم اللّه أخي يوسف،لو لم يقل:اجعلني على خزائن الأرض، لاستعمله من ساعته و لكنّه أخّر ذلك سنة».

ص: 762

فإن قلت:كيف جاز أن يتولّى عملا من يد كافر و يكون تبعا له و تحت أمره و طاعته؟

قلت:روى مجاهد أنّه كان قد أسلم.و عن قتادة:هو دليل على أنّه يجوز أن يتولّى الإنسان عملا من يد سلطان جائر،و قد كان السّلف يتولّون القضاء من جهة البغاة و يرونه،و إذا علم النّبيّ أو العالم أنّه لا سبيل إلى الحكم بأمر اللّه و دفع الظّلم إلاّ بتمكين الكافر أو الفاسق، فله أن يستظهر به.

و قيل:كان الملك يصدر عن رأيه و لا يعترض عليه في كلّ ما رأى،فكان في حكم التّابع له و المطيع.

(2:328)

مثله النّسفيّ.(2:227)

ابن عطيّة: صفتان تعمّ وجوه التّثقيف و الحيطة، لا خلل معهما لعامل.و قد خصّص النّاس بهاتين الصّفتين أشياء،مثل قولهم:حفيظ بالحساب عليم بالألسن،و قول بعضهم:حفيظ لما استودعتني عليم بسنيّ الجوع.و هذا كلّه تخصيص لا وجه له،و إنّما أراد باتّصافه أن يعرف الملك بالوجه الّذي به يستحقّ الكون على خزائن الأرض،فاتّصف بأنّه يحفظ المجبي من كلّ جهة تحتاج إلى الحفظ،و يعلم التّناول أجمع.(3:256)

نحوه أبو حيّان.(5:319)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:[ذكر فيها تفسير يوسف لرؤيا الملك...]

المسألة الثّانية:لقائل أن يقول:لم طلب يوسف الإمارة و النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام قال لعبد الرّحمن بن سمرة:«لا تسأل الإمارة»؟و أيضا فكيف طلب الإمارة من سلطان كافر؟و أيضا لم لم يصبر مدّة و لم أظهر الرّغبة في طلب الإمارة في الحال؟و أيضا لم طلب أمر الخزائن في أوّل الأمر،مع أنّ هذا يورث نوع تهمة؟و أيضا كيف جوّز من نفسه مدح نفسه بقوله: إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ مع أنّه تعالى يقول: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ؟ النّجم:32.

و أيضا فما الفائدة في قوله: إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ؟ و أيضا لم ترك الاستثناء في هذا،فإنّ الأحسن أن يقول:إنّي حفيظ عليم إن شاء اللّه،بدليل قوله تعالى: وَ لا تَقُولَنَّ لِشَيْءٍ إِنِّي فاعِلٌ ذلِكَ غَداً* إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ؟ الكهف:23، 24،فهذه أسئلة سبعة لا بدّ من جوابها.

فنقول:الأصل في جواب هذه المسائل أنّ التّصرّف في أمور الخلق كان واجبا عليه،فجاز له أن يتوصّل إليه بأيّ طريق كان،إنّما قلنا:إنّ ذلك التّصرّف كان واجبا عليه لوجوه:

الأوّل:أنّه كان رسولا حقّا من اللّه تعالى إلى الخلق، و الرّسول يجب عليه رعاية مصالح الأمّة بقدر الإمكان.

و الثّاني:و هو أنّه عليه السّلام علم بالوحي أنّه سيحصل القحط و الضّيق الشّديد الّذي ربّما أفضى إلى هلاك الخلق العظيم،فلعلّه تعالى أمره بأن يدبّر في ذلك و يأتي بطريق لأجله يقلّ ضرر ذلك القحط في حقّ الخلق.

و الثّالث:أنّ السّعي في إيصال النّفع إلى المستحقّين و دفع الضّرر عنهم،أمر مستحسن في العقول.

و إذا ثبت هذا،فنقول:إنّه عليه السّلام كان مكلّفا برعاية مصالح الخلق من هذه الوجوه،و ما كان يمكنه رعايتها إلاّ بهذا الطّريق،و ما لا يتمّ الواجب إلاّ به،فهو واجب،فكان

ص: 763

هذا الطّريق واجبا عليه،و لمّا كان واجبا سقطت الأسئلة بالكلّيّة.

و أمّا ترك الاستثناء فقال الواحديّ: كان ذلك من خطيئة أوجبت عقوبة،و هي أنّه تعالى أخّر عنه حصول ذلك المقصود سنة.

و أقول:لعلّ السّبب فيه أنّه لو ذكر هذا الاستثناء لاعتقد فيه الملك أنّه إنّما ذكره لعلمه بأنّه لا قدرة له على ضبط هذه المصلحة كما ينبغي،فلأجل هذا المعنى ترك الاستثناء.

و أمّا قوله:لم مدح نفسه؟فجوابه من وجوه:

الأوّل:لا نسلّم أنّه مدح نفسه،لكنّه بيّن كونه موصوفا بهاتين الصّفتين النّافعتين،في حصول هذا المطلوب،و بين البابين فرق،و كأنّه قد غلب على ظنّه أنّه يحتاج إلى ذكر هذا الوصف،لأنّ الملك و إن علم كماله في علوم الدّين،لكنّه ما كان عالما بأنّه يفي بهذا الأمر.

ثمّ نقول:هب أنّه مدح نفسه إلاّ أنّ مدح النّفس إنّما يكون مذموما إذا قصد الرّجل به التّطاول و التّفاخر، و التّوصّل إلى غير ما يحلّ،فأمّا على غير هذا الوجه فلا نسلّم أنّه محرّم،فقوله تعالى: فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ النّجم:32،المراد منه:تزكية النّفس حال ما يعلم كونها غير متزكّية،و الدّليل عليه قوله تعالى بعد هذه الآية:

هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى. أمّا إذا كان الإنسان عالما بأنّه صدق و حقّ،فهذا غير ممنوع منه،و اللّه أعلم.

قوله:ما الفائدة في وصفه نفسه بأنّه حفيظ عليم؟

قلنا:إنّه جار مجرى أن يقول:حفيظ بجميع الوجوه الّتي منها يمكن تحصيل الدّخل و المال.عليم بالجهات الّتي تصلح لأن يصرف المال إليها.و يقال:حفيظ بجميع مصالح النّاس،عليم بجهات حاجاتهم،أو يقال:حفيظ لوجوه أياديك و كرمك،عليم بوجوب مقابلتها بالطّاعة و الخضوع.و هذا باب واسع يمكن تكثيره لمن أراده.(18:160)

نحوه النّيسابوريّ(13:19)،و الشّربينيّ(2:116).

ابن كثير :أي خازن أمين.(4:34)

البروسويّ: أي حافظ نفسي فيها عمّا يضرّها، عليم بنفعها و ضرّها،و استعمالها فيما ينفع و لا يضرّ.

(4:283)

الآلوسيّ: [ذكر بعض الأقوال ثمّ قال:]

و فيه دليل على جواز مدح الإنسان نفسه بالحقّ إذا جهل أمره،و جواز طلب الولاية إذا كان الطّالب ممّن يقدر على إقامة العدل،و إجراء أحكام الشّريعة و إن كان من يد الجائر أو الكافر،و ربّما يجب عليه الطّلب إذا توقّف على ولايته إقامة واجب مثلا،و كان متعيّنا لذلك.

(13:5)

المراغيّ: أي إنّي شديد الحفظ لما يخزن فيها،فلا يضيع منه شيء،أو يوضع في غير موضعه،عليم بوجوه تصريفه و حسن الانتفاع به.(13:6)

ابن عاشور :علّل طلبه ذلك بقوله: إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ المفيد تعليل ما قبلها،لوقوع(انّ)في صدر الجملة، فإنّه علم أنّه اتّصف بصفتين يعسر حصول إحداهما في النّاس بل كلتيهما،و هما:الحفظ لما يليه،و العلم بتدبير ما يتولاّه،ليعلم الملك أنّ مكانته لديه و ائتمانه إيّاه قد صادفا محلّهما و أهلهما،و أنّه حقيق بهما،لأنّه متّصف بما يفي

ص: 764

بواجبهما؛و ذلك صفة الحفظ المحقّق للائتمان،و صفة العلم المحقّق للمكانة.و في هذا تعريف بفضله ليهتدي النّاس إلى اتّباعه،و هذا من قبيل الحسبة.(12:82)

الطّباطبائيّ: إنّ هاتين الصّفتين هما اللاّزم وجودهما فيمن يتصدّى مقاما هو سائله،و لا غنى عنهما له،و قد أجيب إلى ما سأل و اشتغل بما كان يريده.كلّ ذلك معلوم من سياق الآيات و ما يتلوها.(11:201)

مكارم الشّيرازيّ: كان يوسف يعلم أنّ جانبا كبيرا من الاضطراب الحاصل في ذلك المجتمع الكبير المليء بالظّلم و الجور يكمن في القضايا الاقتصاديّة، و الآن و بعد أن عجزت أجهزة الحكم من حلّ تلك المشاكل و اضطرّوا لطلب المساعدة منه،فمن الأفضل له أن يسيطر على اقتصاديّات مصر حتّى يتمكّن من مساعدة المستضعفين،و أن يخفّف عنهم-قدر ما يستطيع- الآلام و المصاعب،و يستردّ حقوقهم من الظّالمين،و يقوم بترتيب الأوضاع المتردّية في ذاك البلد المترامي الأطراف،و يجعل الزّراعة و تنظيمها هدفه الأوّل، و خاصّة بعد وقوفه على أنّ السّنين القادمة هي سنوات الوفرة؛حيث تليها سنوات المجاعة و القحط،فيدعو النّاس إلى الزّراعة و زيادة الإنتاج،و عدم الإسراف في استعمال المنتوجات الزّراعيّة،و تقنين الحبوب و خزنها، و الاستفادة منها في أيّام القحط و الشّدّة.

و قال البعض:إنّ الملك حينما رأى في تلك السّنة أنّ الأمور قد ضاقت عليه و عجز عن حلّها،كان يبحث عمّن يعتمد عليه و ينجّيه من المصائب،فمن هنا حينما قابل يوسف و رآه أهلا لذلك،أعطاه مقاليد الحكم بأجمعها،و استقال هو من منصبه.(7:212)

5- ...وَ رَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ. سبأ:21

ابن عبّاس: عليم.(360)

مقاتل: عَلى كُلِّ شَيْءٍ من الإيمان و الشّكّ حَفِيظٌ: رقيب.(3:531)

نحوه البغويّ.(3:679)

ابن قتيبة : حَفِيظٌ بمعنى حافظ.

(ابن الجوزيّ 6:450)

الطّبريّ: لا يعزب عنه علم شيء منه،و هو مجاز جميعهم يوم القيامة،بما كسبوا في الدّنيا من خير و شرّ.(22:88)

الخطّابيّ: هو«فعيل»بمعنى«فاعل»كالقدير و العليم،فهو يحفظ السّماوات و الأرض بما فيها لتبقى مدّة بقائها،و يحفظ عباده من المهالك،و يحفظ عليهم أعمالهم، و يعلم نيّاتهم،و يحفظ أولياءه عن مواقعة الذّنوب، و يحرسهم من مكائد الشّيطان.(ابن الجوزيّ 6:450)

الطّوسيّ: أي رقيب عالم،لا يفوته علم شيء من أحوالهم،من إيمانهم و كفرهم أو شكّهم.(8:393)

نحوه الطّبرسيّ.(4:389)

الزّمخشريّ: محافظ عليه،و«فعيل و مفاعل» متآخيان.(3:287)

نحوه البيضاويّ(2:260)،و أبو السّعود(5:257).

الفخر الرّازيّ: يحقّق ذلك،أي اللّه تعالى قادر على منع إبليس عنهم،عالم بما سيقع،فالحفظ يدخل في مفهومه العلم و القدرة؛إذ الجاهل بالشّيء لا يمكنه حفظه

ص: 765

و لا العاجز.(25:254)

القرطبيّ: أي إنّه عالم بكلّ شيء.و قيل:يحفظ كلّ شيء على العبد حتّى يجازيه عليه.(14:294)

أبو حيّان : حَفِيظٌ إمّا للمبالغة عدل إليها عن حافظ،و إمّا بمعنى محافظ،كجليس و خليل.و الحفظ يتضمّن العلم و القدرة،لأنّ من جهل الشّيء و عجز لا يمكنه حفظه.(7:274)

ابن كثير :أي و مع حفظه ضلّ من ضلّ من أتباع إبليس،و بحفظه و كلاءته سلم من سلم من المؤمنين أتباع الرّسل.(5:548)

البروسويّ: محافظ عليه،فإنّ«فعيلا و مفاعلا» صيغتان متآخيتان.و قال بعضهم هو الّذي يحفظ كلّ شيء على ما هو به.

و الحفيظ من العباد:من يحفظ ما أمر بحفظه،من الجوارح و الشّرائع و الأمانات و الودائع،و يحفظ دينه عن سطوة الغضب و خلابة الشّهوة و خداع النّفس و غرور الشّيطان،فإنّه على شفا جرف هار،و قد اكتنفته هذه الملكات المفضية إلى البوار.(7:289)

الآلوسيّ: أي وكيل قائم على أحواله و شئونه، و هو إمّا مبالغة في حافظ،و إمّا بمعنى محافظ،كجليس و مجالس،و خليط و مخالط،و رضيع و مراضع،إلى غير ذلك.(22:135)

الطّباطبائيّ: أي عالم علما لا يفوته المعلوم بنسيان،أو سهو أو غير ذلك.و فيه تحذير عن الكفران و المعصية،و إنذار لأهل الكفر و المعصية.(16:367)

فضل اللّه :لا يفوته أيّ شيء ممّا يحدث في الكون، و لا ممّا يفكّر به الإنسان.(19:36)

6- وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ. الشّورى:6

ابن عبّاس: شهيد عليهم و على أعمالهم.(406)

الطّبريّ: يحصي عليهم أفعالهم،و يحفظ أعمالهم، ليجازيهم بها يوم القيامة جزاءهم.(25:8)

نحوه الواحديّ(4:43)،و الطّبرسيّ(5:22)،و ابن الجوزيّ(7:273)،و القرطبيّ(16:6)،و أبو حيّان(7:

508)،و ابن كثير(6:188)،و فضل اللّه(20:144).

الطّوسيّ: أي حافظ عليهم أعمالهم،و حفيظ عليها بأنّه لا يعزب عنه شيء منها،و أنّه قد كتبها في اللّوح المحفوظ مظاهرة في الحجّة عليهم،و ما هو أقرب إلى أفهامهم إذا تصوّروها مكتوبة لهم و عليهم.(9:145)

الزّمخشريّ: رقيب على أحوالهم و أعمالهم لا يفوته منها شيء،و هو محاسبهم عليها و معاقبهم،لا رقيب عليهم إلاّ هو وحده.(3:460)

مثله الفخر الرّازيّ(27:146)،و البيضاويّ(2:353)، و أبو السّعود(6:8)،و الكاشانيّ(4:367)،و المشهديّ (9:229)،و الآلوسيّ(25:13)،و المراغيّ(25:16).

ابن عطيّة: اللّه هو الحفيظ عليهم كفرهم،المحصي لأعمالهم،المجازي لهم عليها بعذاب الآخرة.(5:27)

الشّربينيّ: أي رقيب و مراع و شهيد.(3:528)

البروسويّ: رقيب على أحوالهم و أعمالهم،مطّلع ليس بغافل فيجازيهم،لا رقيب عليهم إلاّ هو وحده.(8:288)

ص: 766

عبد الكريم الخطيب:أي ممسك بهم،قائم عليهم،متولّ حسابهم و جزاءهم.(13:19)

الطّباطبائيّ: أي يحفظ عليهم شركهم،و ما يتفرّع عليه من الأعمال السّيّئة.(18:12)

مكارم الشّيرازيّ: حتّى يحاسبهم في الوقت المناسب،و يعاقبهم جزاء أعمالهم.(15:430)

7- قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَ عِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ. ق:4

ابن عبّاس: (حفيظ)من الشّيطان،و هو اللّوح المحفوظ،فيه مكتوب موتهم و مكثهم في القبر،و مبعثهم يوم القيامة.(438)

الرّمّانيّ: (حفيظ)ممتنع أن يذهب ببلى و دروس.(ابن عطيّة 5:156)

الماورديّ: يعني اللّوح المحفوظ.و في(حفيظ) وجهان:

أحدهما:حفيظ لأعمالهم.

الثّاني:لما يأكله التّراب من لحومهم و أبدانهم،و هو الّذي تنقصه الأرض منهم.(5:341)

الطّوسيّ: أي ممتنع الذّهاب بالبلى و الدّروس،كلّ ذلك ثابت فيه،و لا يخفى منه شيء،و هو اللّوح المحفوظ.(9:358)

القشيريّ: و هو اللّوح المحفوظ،أثبتنا فيه تفصيل أحوال الخلق من غير نسيان،و بيّنّا فيه كلّ ما يحتاج العبد إلى تذكّره.(6:16)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(17:14)

الواحديّ: حافظ لعدّتهم و أسمائهم،و هو اللّوح المحفوظ،و قد أثبت فيه ما يكون.(4:163)

نحوه ابن الجوزيّ.(8:6)

الرّاغب: أي حافظ لأعمالهم،فيكون(حفيظ)بمعنى حافظ،نحو اَللّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ الشّورى:6،أو معناه:

محفوظ لا يضيّع.(124)

البغويّ: محفوظ من الشّياطين،و من أن يدرس و يتغيّر،و هو اللّوح المحفوظ.

و قيل:حفيظ،أي حافظ لعدّتهم و أسمائهم.

(4:270)

الزّمخشريّ: محفوظ من الشّياطين و من التّغيّر، و هو اللّوح المحفوظ،أو حافظ لما أودعه و كتب فيه.

(4:4)

مثله النّسفيّ.(4:176)

ابن عطيّة: الحفيظ:الجامع الّذي لم يفته شيء...

و روي في الخبر الثّابت:أنّ الأرض تأكل ابن آدم إلاّ عجب الذّنب،و هو عظم كالخردلة،فمنه يركب ابن آدم.

و حفظ ما تنقص الأرض،إنّما هو ليعود بعينه يوم القيامة، و هذا هو الحقّ.

و ذهب بعض الأصوليّين إلى أنّ الأجساد المبعثرة المبعوثة يجوز أن تكون غير هذه،و هذا عندي خلاف لظاهر كتاب اللّه،و لو كانت غيرها فكيف كانت تشهد الأيدي و الأرجل على الكفرة،إلى غير ذلك ممّا يقتضي أنّ أجساد الدّنيا هي الّتي تعود.(5:156)

الطّبرسيّ: أي حافظ لعدّتهم و أسمائهم،و هو اللّوح المحفوظ لا يشذّ عنه شيء.و قيل:حفيظ،أي محفوظ عن

ص: 767

البلى و الدّروس،و هو كتاب الحفظة الّذين يكتبون أعمالهم.(5:141)

الفخر الرّازيّ: إشارة إلى دليل جواز البعث و قدرته تعالى عليه؛و ذلك لأنّ اللّه تعالى عالم بجميع أجزاء كلّ واحد من الموتى،لا يشتبه عليه جزء أحد على الآخر،و قادر على الجمع و التّأليف،فليس الرّجوع منه ببعيد،و هذا كقوله تعالى: وَ هُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِيمُ يس:

81،حيث جعل للعلم مدخلا في الإعادة،و قوله: قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ يعني لا تخفي علينا أجزاؤهم بسبب تشتّتها في تخوم الأرضين،و هذا جواب لما كانوا يقولون: أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ السّجدة:10،يعني أنّ ذلك إشارة إلى أنّه تعالى كما يعلم أجزاءهم يعلم أعمالهم من ظلمهم،و تعدّيهم بما كانوا يقولون،و بما كانوا يعملون.

و يحتمل أن يقال:معنى قوله تعالى: وَ عِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ هو أنّه عالم بتفاصيل الأشياء؛و ذلك لأنّ العلم إجماليّ و تفصيليّ،فالإجماليّ كما يكون عند الإنسان الّذي يحفظ كتابا و يفهمه،و يعلم أنّه إذا سئل عن أيّة مسألة تكون في الكتاب يحضر عنده الجواب،و لكن ذلك لا يكون نصب عينيه حرفا بحرف،و لا يخطر بباله في حالة بابا بابا،أو فصلا فصلا،و لكن عند العرض على الذّهن لا يحتاج إلى تجديد فكر و تحديد نظر.

و التّفصيليّ مثل الّذي يعبّر عن الأشياء،و الكتاب الّذي كتب فيه تلك المسائل،و هذا لا يوجد عند الإنسان إلاّ في مسألة و مسألتين.أمّا بالنّسبة إلى كتاب فلا يقال:

وَ عِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ يعني العلم عندي،كما يكون في الكتاب أعلم جزء جزء و شيئا شيئا.

و الحفيظ يحتمل أن يكون بمعنى«المحفوظ»،أي محفوظ من التّغيير و التّبديل.و يحتمل أن يكون بمعنى «الحافظ»،أي حافظ أجزاءهم و أعمالهم،بحيث لا ينسى شيئا منها.

و الثّاني هو الأصحّ لوجهين:

أحدهما:أنّ«الحفيظ»بمعنى«الحافظ»وارد في القرآن،قال تعالى: وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ و قال تعالى: اَللّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ.

و لأنّ الكتاب على ما ذكرنا للتّمثيل فهو يحفظ الأشياء،و هو مستغن عن أن يحفظ.(28:152)

القرطبيّ: أي بعدّتهم و أسمائهم،فهو«فعيل»بمعنى «فاعل».

و قيل:اللّوح المحفوظ،أي محفوظ من الشّياطين،أو محفوظ فيه كلّ شيء.

و قيل:الكتاب عبارة عن العلم و الإحصاء،كما تقول:كتبت عليك هذا،أي حفظته،و هذا ترك الظّاهر من غير ضرورة.

و قيل:أي و عندنا كتاب حفيظ لأعمال بني آدم، لنحاسبهم عليها.(17:4)

نحوه أبو حيّان.(8:121)

البيضاويّ: حافظ لتفاصيل الأشياء كلّها،أو محفوظ عن التّغيير.و المراد:إمّا تمثيل علمه بتفاصيل الأشياء،بعلم من عنده كتاب محفوظ يطالعه،أو تأكيد لعلمه بها بثبوتها في اللّوح المحفوظ عنده.(2:413)

نحوه أبو السّعود(6:123)،و البروسويّ(9:105)،

ص: 768

و الآلوسيّ(26:173)،و المراغيّ(26:152).

الشّربينيّ: أي بالغ في الحفظ،لا يشذّ عنه شيء من الأشياء جلّ أو دقّ.

و قيل:محفوظ من الشّياطين و من أن يندرس أو يغيّر.و على الحالين:الحفيظ هو اللّوح المحفوظ.[ثمّ نقل كلام الفخر الرّازيّ](4:79)

مغنيّة:الكتاب الحفيظ:كناية عن أنّه تعالى أحاط بكلّ شيء علما،و هذه الآية جواب عن شبهة أوردها منكر و البعث،...(7:129)

الطّباطبائيّ: أي حافظ لكلّ شيء و لآثاره و أحواله،أو كتاب ضابط للحوادث محفوظ عن التّغيير و التّحريف،و هو اللّوح المحفوظ الّذي فيه كلّ ما كان و ما يكون،و ما هو كائن إلى يوم القيامة.

و قول بعضهم:إنّ المراد به كتاب الأعمال غير سديد:

أوّلا:من جهة أنّ اللّه ذكره حفيظا لما تنقص الأرض منهم،و هو غير الأعمال الّتي يحفظه كتاب الأعمال.

و ثانيا:أنّه سبحانه إنّما وصف في كلامه بالحفظ:

اللّوح المحفوظ دون كتب الأعمال،فحمل«الكتاب الحفيظ»على كتاب الأعمال من غير شاهد.

و محصّل جواب الآية:أنّهم زعموا أنّ موتهم و صيرورتهم ترابا متلاشي الذّرّات غير متمايز الأجزاء، يصيّرهم مجهولي الأجزاء عندنا،فيمتنع علينا جمعها و إرجاعها.لكنّه زعم باطل،فإنّا نعلم بمن مات منهم،و ما يتبدّل إلى الأرض من أجزاء أبدانهم،و كيف يتبدّل و إلى أين يصير؟و عندنا كِتابٌ حَفِيظٌ فيه كلّ شيء،و هو اللّوح المحفوظ.(18:339)

فضل اللّه : حَفِيظٌ يحفظ دقائق الأشياء،فلا يسقط منه أيّ شيء يحتاج إلى حفظه،و هو اللّوح المحفوظ-كما قيل-أو أنّه كناية عن علمه الّذي لا يغيب عنه شيء.(21:175)

8- هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوّابٍ حَفِيظٍ. ق:32

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:من حافظ على أربع ركعات من أوّل النّهار كان أوّابا حفيظا.(الماورديّ 5:354)

ابن عبّاس: حفيظ لأمر اللّه في الخلوات.(440)

حفظ ذنوبه حتّى رجع عنها.(الطّبريّ 26:172)

الشّعبيّ: أي مطيع للّه كثير الصّلاة.

(الطّبريّ 26:172)

مجاهد :إنّه الحافظ لحقّ اللّه بالاعتراف،و لنعمه بالشّكر.(الماورديّ 5:353)

الضّحّاك: الحافظ لوصيّة اللّه بالقبول.

(الماورديّ 5:353)

المحافظ على نفسه و المتعهّد لها.(البغويّ 4:276)

قتادة :حفيظ لما استودعه اللّه من حقّه و نعمته.

(الطّبريّ 26:172)

السّدّيّ: إنّه المطيع فيما أمر.(الماورديّ 5:353)

مقاتل:الحافظ لأمر اللّه تعالى.

(ابن الجوزيّ 8:20)

المحاسبيّ: الحافظ قلبه في رجوعه إليه أن لا يرجع منه إلى أحد سواه.(البروسويّ 9:131)

سهل بن عبد اللّه:هو المحافظ على الطّاعات

ص: 769

و الأوامر.(البغويّ 4:276)

نحوه مغنيّة.(7:137)

الطّبريّ: [ذكر أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

أولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال:إنّ اللّه تعالى ذكره وصف هذا التّائب الأوّاب بأنّه حفيظ،و لم يخصّ به على حفظ نوع من أنواع الطّاعات دون نوع،فالواجب أن يعمّ كما عمّ جلّ ثناؤه،فيقال:هو حفيظ لكلّ ما قرّبه إلى ربّه من الفرائض و الطّاعات،و الذّنوب الّتي سلفت منه للتّوبة منها و الاستغفار.(26:173)

الطّوسيّ: (حفيظ)لما أمر اللّه به،يتحفّظ من الخروج إلى ما لا يجوز من سيّئة تدنّسه،أو خطيئة تحطّ منه و تشينه.(9:371)

نحوه الطّبرسيّ.(5:149)

القشيريّ: أي محافظ على أوقاته،و يقال:محافظ على حواسّه في اللّه،حافظ لأنفاسه مع اللّه.(6:22)

الزّمخشريّ: الحفيظ:الحافظ لحدوده تعالى.

(4:10)

نحوه البيضاويّ(2:416)،و النّسفيّ(4:180)، و الكاشانيّ(5:63).

ابن عطيّة: الحفيظ معناه:بأوامر اللّه فيمتثلها،أو لنواهيه فيتركها.(5:166)

الفخر الرّازيّ: [مضى في أوب:اوّاب]

(28:176)

النّيسابوريّ: الحفيظ:الحافظ لحدود اللّه،أو لأوقات عمره،أو لما يجده من المقامات و الأحوال، فلا ينكص على عقبيه فيصير حينئذ مريدا لطريقه.(26:83)

ابن كثير :أي يحفظ العهد،فلا ينقضه و لا ينكثه.(6:407)

أبو السّعود :حافظ لتوبته من النّقض،و قيل:هو الّذي يحفظ ذنوبه حتّى يرجع عنها و يستغفر منها،و قيل:

هو الحافظ لأوامر اللّه تعالى،و قيل:لما استودعه اللّه تعالى من حقوقه.(6:129)

نحوه الآلوسيّ.(26:189)

البروسويّ: حَفِيظٌ حافظ لتوبته من النّقص، و لعهده من الرّفض.قال في«التّأويلات النّجميّة»:مقعد صدق،هو في الحقيقة موعود للمتّقين الموصوفين بقوله:

لِكُلِّ أَوّابٍ حَفِيظٍ و هو الرّاجع إلى اللّه في جميع أحواله لا إلى ما سواه،حافظا لأنفاسه مع اللّه،لا يصرفها إلاّ في طلب اللّه...[إلى أن قال:]

و قال الورّاق:هو المحافظ لأوقاته و خطراته،أي الخطرات القلبيّة و الإلهامات.(9:131)

عبد الكريم الخطيب :الحفيظ مبالغة من الحفظ، و هو حفظ الإنسان لنفسه،و حراستها من الأهواء و الضّلالات الّتي ترد عليها،ثمّ حفظ ما اؤتمن عليه من أحكام دينه.(13:488)

الطّباطبائيّ: الحفيظ هو الّذي يدوم على حفظ ما عهد اللّه إليه من أن يترك فيضيّع.(18:354)

مكارم الشّيرازيّ: الحفيظ:معناه الحافظ،فما المراد منه أ هو الحافظ لعهد اللّه؛إذ أخذه من بني آدم ألاّ يعبدوا الشّيطان كما ورد في الآية:60،من سورة«يس»، أم هو الحافظ لحدود اللّه و قوانينه،أو الحافظ لذنوبه،

ص: 770

و المتذكّر لها ممّا يستلزم التّوبة و الجبران،أو يعني جميع ما تقدّم من احتمالات؟

و مع ملاحظة أنّ هذا الحكم ورد بصورة مطلقة،فإنّ التّفسير الأخير الّذي هو جامع لهذه المعاني يبدو أقرب للنّظر.(17:49)

حفيظا

1- مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ وَ مَنْ تَوَلّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً. النّساء:80

ابن عبّاس: كفيلا.(75)

الرّقيب.(ابن الجوزيّ 2:142)

السّدّيّ: المحاسب.(ابن الجوزيّ 2:142)

نحوه أبو عبيدة(1:132)،و ابن قتيبة(131).

ابن زيد :أي حافظا لهم من التّولّي حتّى يسلموا، فكان هذا أوّل ما بعث،كما قال في موضع آخر:إن عليك إلاّ البلاغ،ثمّ أمر فيما بعد بالجهاد.(الطّبرسيّ 2:80)

الجبّائيّ: حَفِيظاً من المعاصي حتّى لا تقع.(الطّوسيّ 3:268)

الطّبريّ: يعني حافظا لما يعملون محاسبا،بل إنّما أرسلناك لتبيّن لهم ما نزّل إليهم،و كفى بنا حافظين لأعمالهم،و لهم عليها محاسبين.(5:177)

الزّجّاج: تأويله و اللّه أعلم:أنّك لا تعلم غيبهم إنّما لك ما ظهر منهم،و الدّليل على ذلك ما يتلوه،و هو قوله:

وَ يَقُولُونَ طاعَةٌ. (2:80)

الماورديّ: فيه تأويلان:

أحدهما:يعني حافظا لهم من المعاصي،حتّى لا تقع منهم.

و الثّاني:حافظا لأعمالهم الّتي يقع الجزاء عليها، فتخاف ألاّ تقوم بها،فإنّ اللّه تعالى هو المجازي عليها.(1:509)

نحوه الطّوسيّ(3:268)،و الطّبرسيّ(2:80).

الواحديّ: حافظا من التّولّي و الإعراض.(2:85)

البغويّ: أي حافظا و رقيبا،بل كلّ أمورهم إليه تعالى.و قيل:نسخ اللّه عزّ و جلّ هذا بآية السّيف،و أمره بقتال من خالف اللّه و رسوله.(1:666)

نحوه القرطبيّ.(5:288)

الزّمخشريّ: فَما أَرْسَلْناكَ إلاّ نذيرا لا حفيظا و مهيمنا عليهم تحفظ عليهم أعمالهم و تحاسبهم عليها و تعاقبهم،كقوله: وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ. (1:546)

نحوه النّسفيّ(1:238)،و القاسميّ(5:1407)، و مغنيّة(2:387).

ابن عطيّة: يحتمل معنيين،أي ليحفظهم حتّى لا يقعوا في الكفر و المعاصي و نحوه،أو ليحفظ مساوئهم و ذنوبهم و يحسبها عليهم.و هذه الآية تقتضي الإعراض عن من تولّى و التّرك له،و هي قبل نزول القتال،و إنّما كانت توطئة و رفقا من اللّه تعالى حتّى يستحكم أمر الإسلام.(2:82)

الفخر الرّازيّ: في قوله فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً قولان:

الأوّل:معناه فلا ينبغي أن تغتمّ بسبب ذلك التّولّي و أن تحزن،فما أرسلناك لتحفظ النّاس عن المعاصي، و السّبب في ذلك أنّه عليه الصّلاة و السّلام كان يشتدّ

ص: 771

حزنه بسبب كفرهم و إعراضهم،فاللّه تعالى ذكر هذا الكلام تسلية له عليه الصّلاة و السّلام عن ذلك الحزن.

الثّاني:أنّ المعنى:فما أرسلناك لتشتغل بزجرهم عن ذلك التّولّي،و هو كقوله: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ، ثمّ نسخ هذا بعده بآية الجهاد.(10:194)

العكبريّ: حَفِيظاً حال من الكاف،و عَلَيْهِمْ يتعلّق بحفيظ.و يجوز أن يكون حالا منه،فيتعلّق بمحذوف.(1:375)

البيضاويّ: تحفظ عليهم أعمالهم و تحاسبهم عليها، إنّما عليك البلاغ و علينا الحساب،و هو حال من الكاف.(1:232)

مثله المشهديّ(2:546)،و البروسويّ(2:243)، و نحوه الشّربينيّ(1:318)،و الكاشانيّ(1:438).

أبو حيّان :الحافظ هنا:المحاسب على الأعمال،أو الحافظ للأعمال،أو الحافظ من المعاصي،أو الحافظ عن التّولّي،أو المسلّط من الحفاظ أقوال.(3:304)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و(حفظا)حال من الكاف،و(عليهم)متعلّق به،قدّم عليه رعاية للفاصلة،و جمع الضّمير باعتبار معنى (من)كما أنّ الإفراد في(تولّى)باعتبار لفظه.(2:169)

الآلوسيّ: مهيمنا تحفظ أعمالهم عليهم و تحاسبهم عليها،و نفى-كما قيل-كونه حفيظا،أي مبالغا في الحفظ دون كونه حافظا،لأنّ الرّسالة لا تنفكّ عن الحفظ،لأنّ تبليغ الأحكام نوع حفظ عن المعاصي و الآثام.

و انتصاب الوصف على الحاليّة من الكاف،و جعله مفعولا ثانيا ل(ارسلنا)لتضمينه معنى:جعلنا،ممّا لا حاجة إليه،و(عليهم)متعلّق به،و قدّم رعاية للفاصلة،و في إفراد ضمير الرّفع و جمع ضمير الجرّ مراعاة للفظ(من)و معناها.(5:91)

رشيد رضا :أي لا مسيطرا و رقيبا تحفظ على النّاس أعمالهم،فتكرههم على فعل الخير،و لا جبّارا تجبرهم عليه،بل الإيمان و الطّاعة من الأمور الاختياريّة الّتي تتبع الاقتناع.(5:280)

نحوه المراغيّ.(5:101)

مكارم الشّيرازيّ: تجدر الإشارة هنا إلى أنّ كلمة «حفيظ»صفة مشبّهة باسم الفاعل،و تدلّ على ثبات و استمرار الصّفة في الموصوف،بخلاف اسم الفاعل «حافظ»،فعبارة«حفيظ»تعني الّذي يراقب و يحافظ بصورة دائمة مستمرّة.

و يستدلّ من الآية على أنّ واجب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله هو قيادة النّاس و هدايتهم و إرشادهم،و دعوتهم إلى اتّباع الحقّ،و اجتناب الباطل،و مكافحة الفساد،و حين يصرّ البعض على اتّباع طريق الباطل و الانحراف عن جادّة الحقّ،فلا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مسئول عن هذه الانحرافات،و لا المطلوب منه أن يراقب هؤلاء المنحرفين في كلّ صغيرة و كبيرة،كما ليس المطلوب منه صلّى اللّه عليه و آله أن يستخدم القوّة لإرغام المنحرفين على العدول عن انحرافهم،و هو لا يمكنه بالوسائل العاديّة القيام بمثل هذه الأعمال.

(3:305)

فضل اللّه :أمّا حساب النّاس على أعمالهم،فليس الرّسول مسئولا عنه،بل هو على اللّه،لأنّ اللّه لم يكلّفه،في خطّ الدّعوة إليه و التّبليغ لشريعته،بالسّيطرة بالقوّة عليهم،

ص: 772

و الهيمنة على أوضاعهم،فإذا أعرض النّاس عن طاعة الرّسول،فإنّهم يتحمّلون مسئوليّتهم أمام اللّه.(7:366)

2- فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ... الشّورى:48

مثل ما قبلها

3- وَ لَوْ شاءَ اللّهُ ما أَشْرَكُوا وَ ما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ. الأنعام:107

الطّوسيّ: الفرق بين الحفيظ و الوكيل:هو أنّ «الحفيظ»:يحفظهم من أن يزلّوا بمنعه لهم،و«الوكيل»:

القيّم بأمورهم في مصالحهم لدينهم أو دنياهم،حتّى يلطف لهم في تناول ما يجب عليهم،فليس بحفيظ في ذاك و لا وكيل في هذا،فلذلك قال تعالى:إنّه لم يجعل نبيّه حفيظا و لا جعله وكيلا عليهم،بل اللّه هو الرّقيب الحافظ عليهم و المتكفّل بأرزاقهم،و إنّما النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مبلّغ منذر و مخوّف.و قيل:إنّ ذلك كان بمكّة قبل أن يؤمر بالقتال.(4:250)

الطّباطبائيّ: المعنى:أعرض عنهم و لا يأخذك من جهة شركهم وجد و لا حزن،فإنّ اللّه قادر أن يشاء منهم الإيمان فيؤمنوا،كما شاء ذلك من المؤمنين فآمنوا.على أنّك لست بمسئول عن أمرهم لا تكوينا و لا غيره.

فلتطب نفسك.

و يظهر من ذلك أيضا أنّ قوله: وَ ما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ أيضا مسوق سوق التّسلية و تطييب النّفس،و كأنّ المراد بالحفيظ:القائم على إدارة شئون وجودهم كالحياة و النّشوء و الرّزق و نحوها،و بالوكيل:القائم على إدارة الأعمال ليجلب بذلك المنافع و يدفع المضارّ المتوجّهة إلى الموكّل عنه من ناحيتها.

فمحصّل المراد بقوله: وَ ما جَعَلْناكَ... أن ليس إليك أمر حياتهم الكونيّة و لا أمر حياتهم الدّينيّة حتّى يحزنك ردّهم لدعوتك،و عدم إجابتهم إلى طلبتك.

و ربّما يقال:إنّ المراد بالحفيظ:من يدفع الضّرر ممّن يحفظه،و بالوكيل:من يجلب المنافع إلى من يتوكّل عنه.

و لا يخلو عن بعد،فإنّ الحفيظ فيما يتبادر من معناه يختصّ بالتّكوين،و الوكيل يعمّ التّكوين و غيره،و لا كثير جدوى في حمل إحدى الجملتين على جهة تكوينيّة، و الأخرى على ما يعمّها و غيرها،بل الوجه حمل الأولى على إحدى الجهتين،و الأخرى على الأخرى.

(7:314)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(4:389)

قد تركنا نصوصا كثيرة من المفسّرين حذرا من التّكرار.

حفظا

1- وَ حِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ. الصّافّات:7

ابن عبّاس: حفظت بالنّجوم.(374)

قتادة :جعلتها حفظا من كلّ شيطان مارد.(الطّبريّ 23:36)

المبرّد: إذا ذكرت فعلا ثمّ عطفت عليه مصدر فعل آخر نصبت المصدر،لأنّه قد دلّ على فعله بما تقدّم،تقول :افعل ذلك و كرامة،أي و أكرمك كرامة؛و ذلك لما علم أنّ

ص: 773

الأسماء لا تعطف على الأفعال،فالتّقدير:و حفظناها حفظا.(النّيسابوريّ 23:42)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره: وَ حِفْظاً للسّماء الدّنيا زيّنّاها بزينة الكواكب.

و قد اختلف أهل العربيّة في وجه نصب قوله:

وَ حِفْظاً، فقال بعض نحويّي البصرة:قال:

وَ حِفْظاً لأنّه بدل من اللّفظ بالفعل،كأنّه قال:

و حفظناها حفظا.

و قال بعض نحويّي الكوفة:إنّما هو من صلة التّزيين:

إنّا زيّنّا السّماء الدّنيا حفظا لها،فأدخل الواو على التّكرير، أي و زيّنّاها حفظا لها،فجعله من التّزيين،و قد بيّنّا القول فيه عندنا.

و تأويل الكلام:و حفظا لها من كلّ شيطان عات خبيث زيّنّاها.(23:36)

الزّجّاج: على معنى:و حفظناها من كلّ شيطان مارد،على معنى:و حفظناها حفظا من كلّ شيطان مارد.

يقذفون بها إذا استرقوا السّمع.(4:298)

النّحّاس: أي و حفظناها حفظا.(6:10)

مثله الطّوسيّ(8:483)،و البغويّ(4:26)، و الطّبرسيّ(4:437)،و ابن الجوزيّ 7:46)،و ابن كثير (6:4)،و مغنيّة(6:329)،و الطّباطبائيّ(17:123).

القشيريّ: حفظ السّماوات بأن جعل النّجوم للشّياطين رجوما،و كذلك زيّن القلوب بأنوار التّوحيد،فإذا قرب منها الشّيطان رجمها بنجوم معارفهم.(5:228)

الزّمخشريّ: وَ حِفْظاً ممّا حمل على المعنى،لأنّ المعنى:إنّا خلقنا الكواكب زينة للسّماء و حفظا من الشّياطين،كما قال تعالى: وَ لَقَدْ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَ جَعَلْناها رُجُوماً لِلشَّياطِينِ الملك:5.و يجوز أن يقدّر الفعل المعلّل،كأنّه قيل:حفظا من كلّ شيطان زيّنّاها بالكواكب،و قيل:و حفظناها حفظا.(3:335)

ابن عطيّة: و حرزا من الشّياطين المردة،و هم مسترقو السّمع.[إلى أن قال:]

وَ حِفْظاً نصب على المصدر،و قيل:مفعول من أجله،و الواو زائدة.(4:465)

البيضاويّ: وَ حِفْظاً منصوب بإضمار فعله،أو العطف على(زينة)الصّافّات:6،باعتبار المعنى،كأنّه قال:إنّا خلقنا الكواكب زينة للسّماء و حفظا.(2:289).

نحوه الشّربينيّ(3:370)،و البروسويّ(7:448)

النّيسابوريّ: قوله: وَ حِفْظاً فيه وجوه:

أحدها:أنّه محمول على المعنى،و التّقدير:إنّا خلقنا الكواكب زينة للسّماء،و حفظا من الشّياطين.

و ثانيها:أن يقدّر مثل الفعل المتقدّم للتّعليل،كأنّه قيل:و حفظا من كلّ شيطان زيّنّاها بالكواكب.

و ثالثها:[قول المبرّد و قد تقدّم](23:42)

نحوه أبو السّعود(5:320)،و الآلوسيّ(23:68).

المراغيّ: أي و حفظنا السّماء أن يتطاول لدرك جمالها،و فهم محاسن نظامها،الجهّال و الشّياطين المتمرّدون من الجنّ و الإنس،لأنّهم غافلون عن آياتنا،معرضون عن التّفكّر في عظمتها،فالعيون مفتّحة،و لكن لا تبصر الجمال و لا تفكّر فيه،حتّى تعتبر بما فيه.

(23:43)

مكارم الشّيرازيّ: إنّها تشير إلى حفظ السّماء من

ص: 774

تسلّل الشّياطين إليها...

حفظ السّماء من تسلّل الشّياطين يتمّ بواسطة نوع من أنواع النّجوم،يطلق عليها اسم(الشّهب)، سيشار إليها في الآيات القادمة.(14:260)

2- ...وَ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَ حِفْظاً...

فصّلت:12

مثل ما قبلها

حفظهما

...وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما وَ هُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ. البقرة:

255

لاحظ:أ و د:«يؤده».

يحافظون

1- ...وَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ. الأنعام:92

الطّوسيّ: بمعنى يراعون أوقاتها ليؤدّوها في الأوقات،و يقوموا بإتمام ركوعها و سجودها،و جميع فرائضها.(4:217)

نحوه الطّبرسيّ.(2:334)

و شبّر(2:288)،و رشيد رضا(7:622)،و المراغيّ (7:191)

البغويّ: يداومون.(2:143).

مثله البروسويّ.(3:64)

أبو حيّان :معنى المحافظة:المواظبة على أدائها في أوقاتها،على أحسن ما توقع عليه.(4:179)

ابن كثير:أي يقيمون بما فرض عليهم من أداء الصّلوات في أوقاتها.(3:65)

الطّباطبائيّ: عرّف تعالى هؤلاء المؤمنين بالآخرة بما هو من أخصّ صفات المؤمنين،و هو أنّهم على صلاتهم،و هي عبادتهم الّتي يذكرون فيها ربّهم يحافظون،و هذه هي الصّفة الّتي ختم اللّه به صفات المؤمنين الّتي وصفهم بها في أوّل سورة المؤمنون:9،إذ قال:

وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ كما بدأ بمعناها في أوّلها:2،فقال: اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ.

و هذا هو الّذي يؤيّد أنّ المراد بالمحافظة في هذه الآية هو الخشوع في الصّلاة و هو نحو تذلّل و تأثّر باطنيّ عن العظمة الإلهيّة عند الانتصاب في مقام العبوديّة.لكنّ المعروف من تفسيره:أنّ المراد بالمحافظة على الصّلاة:

المحافظة على وقتها.(7:280)

2- وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ. المؤمنون:9

ابن مسعود:يعني مواقيت الصّلاة.

مثله مسروق و أبو الضّحى و علقمة بن قيس و سعيد بن جبير و عكرمة.(ابن كثير 5:9)

ابن عبّاس: ...عَلى صَلَواتِهِمْ لأوقات صلواتهم يُحافِظُونَ له بالوفاء.(285)

النّخعيّ: ...يُحافِظُونَ دائمون.(الطّبريّ 18:5)

الإمام الباقر عليه السّلام:[في حديث سئل عن هذه الآية،فقال:]

هي الفريضة،قيل: اَلَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ المعارج:23؟قال:هي النّافلة.

ص: 775

(الكاشانيّ 3:395)

قتادة : يُحافِظُونَ على مواقيتها و ركوعها و سجودها.(ابن كثير 5:9)

الطّبريّ: و الّذين هم على أوقات صلاتهم يحافظون،فلا يضيّعونها و لا يشتغلون عنها حتّى تفوتهم، و لكنّهم يراعونها حتّى يؤدّوها فيها.(18:5)

الزّجّاج: معناه يصلّونها لوقتها،و المحافظة على الصّلوات أن تصلّي في أوقاتها.فأمّا التّرك فداخل في باب الخروج عن الدّين.و الّذين وصفوا بالمحافظة هم الّذين يرعون أوقاتها.(4:7)

القمّيّ: يُحافِظُونَ على أوقاتها و حدودها.

(2:89)

مثله الطّباطبائيّ.(15:16)

الطّوسيّ: أي:لا يضيّعونها،و يواظبون على أدائها.

و في تفسير أهل البيت إنّ معناه:الّذين يحافظون على مواقيت الصّلاة فيؤدّونها في أوقاتها،و لا يؤخّرونها حتّى يخرج الوقت.و به قال مسروق و جماعة من المفسّرين.

(7:350)

نحوه الطّبرسيّ.(4:99)

الواحديّ: ...يُحافِظُونَ على الصّلوات المكتوبة فيقيمونها في أوقاتها.(3:284)

البغويّ: أي يداومون على حفظها و يراعون أوقاتها،كرّر ذكر الصّلاة ليبيّن أنّ المحافظة عليها واجبة، كما أنّ الخشوع فيها واجب.(3:360)

ابن عطيّة: و المحافظة على الصّلاة رقب أوقاتها، و المبادرة إلى وقت الفضل فيها.(4:137)

نحوه ابن الجوزيّ(5:461)،و القرطبيّ(12:107).

البيضاويّ: يواظبون عليها و يؤدّونها في أوقاتها، و لفظ الفعل فيه لما في الصّلاة من التّجدّد و التّكرّر، و لذلك جمعه غير حمزة و الكسائيّ.و ليس ذلك تكريرا لما وصفهم به أوّلا،فإنّ الخشوع في الصّلاة غير المحافظة عليها،و في تصدير الأوصاف و ختمها بأمر الصّلاة، تعظيم لشأنها.(2:103)

نحوه شبّر(4:267)،و المشهديّ(6:585)، و الآلوسيّ(18:11).

النّيسابوريّ: وصفوا أوّلا بالخشوع في صلاتهم، و آخرا بالمداومة عليها،و بمراقبة أعدادها و أوقاتها، فرائض كانت أو سننا،رواتب أو غيرها.فالمحافظة أعمّ من الخشوع و أشمل،و من هنا يعرف فضيلة الصّلاة إذا وقع الافتتاح بها و الاختتام عليها،و إن اختلف الاعتباران و العبارتان.(18:9)

أبو السّعود :[نحو البيضاويّ و أضاف:]

و فصلهما[الخشوع و المحافظة]للإيذان بأنّ كلاّ منهما فضيلة مستقلّة على حيالها،و لو قرنا في الذّكر لربّما توهّم أنّ مجموع الخشوع و المحافظة فضيلة واحدة.(4:403)

البروسويّ: يواظبون عليها بشرائطها و آدابها، و يؤدّونها في أوقاتها،قال في«التّأويلات النّجميّة»:

يحافظون لئلاّ يقع خلل في صورتها و معناها،و لا يضيع منهم الحضور في الصّفّ الأوّل صورة و معنى.(6:69)

عبد الكريم الخطيب :هو من صفات المؤمنين المفلحين أيضا،و هو محافظتهم على الصّلوات،و أداؤها في أوقاتها،بعد أن وصفوا من قبل بأنّهم في صلاتهم

ص: 776

خاشعون.

و قدّمت الخشية في الصّلاة على المحافظة عليها،لأنّ الخشية هي المطلوب الأوّل من الصّلاة،و أنّ صلاة بغير خشوع و خشية،لا محصّل لها،و لا ثمرة منها.(9:1115)

فضل اللّه :ذلك بالإتيان بها في أوقاتها،ضمن الشّروط الشّرعيّة المعتبرة فيها،دون أيّ نقصان في أفعالها و أقوالها،لأنّ ذلك يمثّل تعبيرا عن الانضباط في خطّ الطّاعة،الّتي تفرض الدّقّة في مراعاة موارد الطّاعة، على النّهج الّذي أراده اللّه.(16:136)

3- وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ. المعارج:34

الرّاغب: فيه تنبيه أنّهم يحفظون الصّلاة بمراعاة أوقاتها و مراعاة أركانها،و القيام بها في غاية ما يكون من الطّوق،و أنّ الصّلاة تحفظهم الحفظ الّذي نبّه عليه في قوله: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ.

العنكبوت:45.(124)

الزّمخشريّ: إن قلت:كيف قال: عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ المعارج:23،ثمّ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ؟

قلت:معنى دوامهم عليها:أن يواظبوا على أدائها لا يخلّون بها،و لا يشتغلون عنها بشيء من الشّواغل،كما روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أفضل العمل أدومه و إن قلّ».

و قول عائشة:«كان عمله ديمة».

و محافظتهم عليها أن يراعوا إسباغ الوضوء لها و مواقيتها،و يقيموا أركانها،و يكمّلوها بسننها و آدابها، و يحفظوها من الإحباط باقتراف المآثم،فالدّوام يرجع إلى أنفس الصّلوات و المحافظة على أحوالها.(4:159)

نحوه القرطبيّ.(18:292)

ابن عطيّة: المحافظة على الصّلاة:إقامتها في أوقاتها،بشروط صحّتها و كمالها.(5:370)

نحوه ابن كثير.(7:118)

الرّازيّ: إن قيل:كيف قال أوّلا: اَلَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ ثمّ قال ثانيا: وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ فهل بينهما فرق؟

قلنا:المراد بالدّوام:المواظبة و الملازمة أبدا.

و قيل:المراد به سكونهم فيها بحيث لا يلتفتون يمينا و لا شمالا،و اختاره الزّجّاج.و قال:اشتقاقه من الدّائم بمعنى السّاكن،كما جاء في الحديث:«أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم نهى عن البول في الماء الدّائم».

قلت:و قوله:(على)ينفي هذا المعنى،فإنّه لا يقال:هو على صلاته ساكن،بل يقال:هو في صلاته ساكن،و المراد بالمحافظة عليها:أداءها على أكمل وجوهها جامعة لجملة سننها و آدابها،فالدّوام يرجع إلى نفس الصّلاة،و المحافظة إلى أحوالها.(355)

البيضاويّ: فيراعون شرائطها،و يكملون فرائضها و سننها.و تكرير ذكر الصّلاة و وصفهم بها أوّلا و آخرا باعتبارين،للدّلالة على فضلها و إنافتها على غيرها،و في نظم هذه الصّلاة مبالغات لا تخفى.

(2:505)

نحوه الكاشانيّ.(5:228)

أبو حيّان :[نقل كلام الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و أقول:إنّ الدّيمومة على الشّيء و المحافظة عليه شيء واحد،لكنّه لمّا كانت الصّلاة هي عمود الإسلام بولغ في

ص: 777

التّوكيد فيها،فذكرت أوّل خصال الإسلام المذكورة في هذه السّورة و آخرها ليعلم مرتبتها في الأركان الّتي بني الإسلام عليها.(8:335)

الشّربينيّ: أي يبالغون في حفظها و يجدّدونه،حتّى كأنّهم يبادرونها الحفظ و يسابقونها فيه،فيحفظونها لتحفظهم،و يسابقون غيرهم في حفظها.

و تقدّم أنّ المداومة غير المحافظة،فدوامهم عليها:

محافظتهم على أوقاتها و شروطها و أركانها،و مستحبّاتها في ظواهرها و بواطنها،من الخشوع و المراقبة و غير ذلك،من خلال الإحسان الّتي إذا فعلوها كانت ناهية لفاعلها إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ العنكبوت:45،فتحمل على جميع هذه الأوامر و تبعد عن أضدادها،فالدّوام يرجع إلى نفس الصّلاة،و المحافظة إلى أحوالها،ذكره القرطبيّ.(4:386)

أبو السّعود :[نحو البيضاويّ و أضاف:]

و تكرير الموصولات لتنزيل اختلاف الصّفات منزلة اختلاف الذّوات.[ثمّ استشهد بشعر](6:303)

البروسويّ: تقديم عَلى صَلاتِهِمْ يفيد الاختصاص الدّالّ على أنّ محافظتهم مقصورة على صلاتهم،لا تتجاوز إلى أمور دنياهم،أي يراعون شرائطها و يكملون فرائضها و سننها و مستحبّاتها و آدابها،و يحفظونها من الإحباط باقتران الذّنوب.

فالدّوام المذكور أوّلا يرجع إلى أنفس الصّلوات، و المحافظة إلى أحوالها.(10:167)

الآلوسيّ: [نحو البروسويّ و أضاف:]

و قيل:إنّ الإتيان به مع تقديم(هم)لمزيد الاعتناء بهذا الحكم،لما أنّ أمر التّقوى في مثل ذلك أقوى منه في مثل(هم محافظون)،و اعتبر هذا هنا دون ما في الصّدر، لأنّ المراعاة المذكورة كثيرا ما يغفل عنها.(29:64)

عبد الكريم الخطيب :و حفظ الصّلاة،هو أداؤها على وجهها الصّحيح،بما يسبقها من طهارة الجسد، و الثّوب،و المكان،و بما يقوم بين يديها من انشراح صدر، و روح نفس،و استحضار ذهن،و اجتماع فكر،و بما يصحبها من خشية و جلال في مناجاة ذي العظمة و الجلال.

فمن صفات المؤمنين أنّهم على صلاتهم دائمون،أي يؤدّونها في أوقاتها،و أنّهم إذ يؤدّونها إنّما يؤدّونها على تلك الصّفة،من الجلال و الرّهبة و الخشوع.

و قد فصّل بين أداء الصّلاة في قوله تعالى: اَلَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ و بين الصّفة الّتي تؤدّى بها في قوله تعالى: وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ - فصّل بينهما بتلك الآيات الّتي تدعو إلى أداء الزّكاة،و إلى التّصديق بيوم الدّين،و الخشية من عذاب اللّه،و إلى حفظ الفروج،و أداء الأمانات،و القيام بالشّهادات-لأنّ أداء الصّلاة مطلوب على أيّة حال،لا يقوم للمؤمن عذر أبدا يحلّه من أدائها في أوقاتها.

أمّا أداؤها على تلك الصّفة الخاصّة من الخشوع و الخضوع و الرّهبة و الجلال،فهو أداء للأمانة،و أنّه لا تبرأ ذمّة الإنسان منها إلاّ بأدائها على تلك الصّفة،فإذا لم يؤدّها على تلك الصّفة،فهي لا تزال أمانة في يده، و مطلوب منه أن يؤدّيها على وجهها.أمّا إذا لم يؤدّ الصّلاة أصلا،فهو تضييع لتلك الأمانة،يحاسب عليها حساب

ص: 778

المضيّعين للأمانات،و إنّه حينئذ ليعزّ عليه أن يجدها،إذا هو أراد أن يؤدّيها،لأنّها أفلقت من يده.

و هذا يعني أنّ دوام الصّلاة،و المواظبة عليها في أوقاتها،من شأنه أن يبلغ بالإنسان يوما،القدرة على أدائها كاملة،و أنّه إذا فاته في مرحلة من مراحل أدائها أن يمتلئ قلبه بالخشوع و الرّهبة معها،فإنّه-مع المواظبة- سيجيء اليوم الّذي يجد فيه لصلاته ما يجد المصلّون الخاشعون.و هذا ما يشير إليه الرّسول الكريم في قوله لمن جاء يقول له:إنّ فلانا يصلّي،و لا ينتهي عن المنكر، فيقول صلوات اللّه و سلامه عليه:«إنّ صلاته ستنهاه».

أي ستنهاه عن المنكر يوما ما،إذا هو واظب عليها، فإنّ المواظبة عليها من شأنها أن تعلق الصّلاة بقلبه،ثمّ يكون لها بعد ذلك سلطان عليه،ثمّ يكون لهذا السّلطان وازع،بما يشبع في قلبه من رهبة و خشية للّه.

و من جهة أخرى،فإنّ التّنويه بالصّلاة بدء و ختاما، يجعل هذه الفضائل-الّتي بين أداء الصّلاة،و الصّفة الّتي تؤدّى عليها-في ضمان هذا الحارس القويّ الأمين، و هو الصّلاة،فإذا لم يكن بين يدي هذه الفضائل صلاة، و إذا لم يكن خلفها صلاة،جاءت هذه الفضائل في صورة باهتة هزيلة،لا تلبث أن تجفّ و تموت،و لا يبقى لها في كيان الإنسان داع يدعو إليها،أو هاتف يهتف بها.و من هنا كانت الصّلاة عماد الدّين،كما يقول الرّسول صلوات اللّه و سلامه عليه.(15:1185)

مغنيّة:[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

أمّا نحن فلا نرى أيّ فرق بين الدّوام و المحافظة،لأنّ الصّلاة لا تكون صلاة إلاّ مع المحافظة على جميع الأجزاء و الشّرائط،فإذا فقدت واحدا منها بطلت،و لا يكون تكرارها تكرارا للصّلاة.و الأقرب إلى الصّواب أنّ اللّه سبحانه أعاد الآية لمجرّد الاهتمام بالصّلاة،و التّنبيه إلى أنّها عمود الإسلام.(7:419)

الطّباطبائيّ: المراد بالمحافظة على الصّلاة:رعاية صفات كمالها،على ما ندب إليه الشّرع.

قيل:و المحافظة على الصّلاة غير الدّوام عليها،فإنّ الدّوام متعلّق بنفس الصّلاة و المحافظة بكيفيّتها،فلا تكرار في ذكر المحافظة عليها بعد ذكر الدّوام عليها.

(20:17)

مثله فضل اللّه.(23:102)

مكارم الشّيرازيّ: يلاحظ أنّ الصّلاة هنا تشير إلى الفريضة،و في الآية السّابقة تشير إلى النّافلة.

و من الطّبيعيّ أنّ الوصف الأوّل كان إشارة إلى المداومة،و لكنّ الخطاب هنا حول حفظ آداب و شروط الصّلاة و خصائصها،الآداب الّتي تكمن في ظاهر الصّلاة و الّتي تنهى عن الفحشاء و المنكر من جهة،و تقوّي روح الصّلاة بحضور القلب من جهة أخرى،و تمحو الأخلاق الرّذيلة الّتي تكون كحجر عثرة أمام قبولها،و لهذا لا يمكن أن تتكرّر.(19:31)

حافظوا

حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى وَ قُومُوا لِلّهِ قانِتِينَ. البقرة:238

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:لا يزال الشّيطان ذعرا من المؤمن ما حافظ على الصّلوات الخمس،فإذا ضيّعهنّ تجرّأ عليه،

ص: 779

فأدخله في العظائم.(المشهديّ 1:568)

مسروق:المحافظة عليها:المحافظة على وقتها،و عدم السّهو عنها.(الطّبريّ 2:554)

ابن عبّاس: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ الخمس بوضوئها و ركوعها و سجودها،و ما يجب فيها في مواقيتها.(34)

الإمام الباقر عليه السّلام:إنّ الصّلاة إذا ارتفعت في وقتها رجعت إلى صاحبها،و هي بيضاء مشرقة،تقول:

حفظتني حفظك اللّه.و إذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت و هي سوداء مظلمة تقول:ضيّعتني ضيّعك اللّه.(المشهديّ 1:569)

الطّبريّ: يعني تعالى ذكره بذلك:واظبوا على الصّلوات المكتوبات في أوقاتهنّ،و تعاهدوهنّ، و ألزموهنّ.(2:554)

الماورديّ: في المحافظة عليها قولان:أحدهما:

ذكرها،و الثّاني:تعجيلها.(1:307)

الطّوسيّ: معنى الآية:الحثّ على مراعاة الصّلوات، و مواقيتهنّ،و ألاّ يقع فيها تضييع و تفريط.(2:275)

نحوه مغنيّة.(1:367)

القشيريّ: المحافظة على الصّلاة:أن يدخلها بالهيبة، و يخرج بالتّعظيم،و يستديم بدوام الشّهود بنعت الأدب.(1:199)

البغويّ: أي واظبوا و داوموا على الصّلوات المكتوبات،لمواقيتها و حدودها،و إتمام شروطها و أركانها.(1:322)

نحوه الطّبرسيّ(1:342)،و ابن الجوزيّ(1:281)، و ابن كثير(1:514)،و القاسميّ(3:622).

ابن عطيّة: الخطاب لجميع الأمّة،و الآية أمر بالمحافظة على إقامة الصّلوات في أوقاتها و بجميع شروطها.(1:322)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه سبحانه و تعالى لمّا بيّن للمكلّفين ما بيّن من معالم دينه،و أوضح لهم من شرائع شرعه،أمرهم بعد ذلك بالمحافظة على الصّلوات؛و ذلك لوجوه:

أحدها:أنّ الصّلاة لما فيها من القراءة و القيام و الرّكوع و السّجود و الخضوع و الخشوع،تفيد انكسار القلب من هيبة اللّه تعالى،و زوال التّمرّد عن الطّبع، و حصول الانقياد لأوامر اللّه تعالى،و الانتهاء عن مناهيه، كما قال: إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ العنكبوت:45.

و الثّاني:أنّ الصّلاة تذكّر العبد جلالة الرّبوبيّة،و ذلّة العبوديّة،و أمر الثّواب و العقاب،فعند ذلك يسهل عليه الانقياد للطّاعة؛و لذلك قال: اِسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ البقرة:153.

و الثّالث:أنّ كلّ ما تقدّم من بيان النّكاح و الطّلاق و العدّة اشتغال بمصالح الدّنيا،فأتبع ذلك بذكر الصّلاة الّتي هي من مصالح الآخرة.[إلى أن قال:]

اعلم أنّ الأمر بالمحافظة على الصّلاة،أمر بالمحافظة على جميع شرائطها،أعني طهارة البدن،و الثّوب، و المكان،و المحافظة على ستر العورة،و استقبال القبلة، و المحافظة على جميع أركان الصّلاة،و المحافظة على الاحتراز عن جميع مبطلات الصّلاة،سواء كان ذلك من

ص: 780

أعمال القلوب أو من أعمال اللّسان،أو من أعمال الجوارح.و أهمّ الأمور في الصّلاة،رعاية النّيّة فإنّها هي المقصود الأصليّ من الصّلاة،قال تعالى: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ لِذِكْرِي طه:14،فمن أدّى الصّلاة على هذا الوجه كان محافظا على الصّلاة و إلاّ فلا.

فإن قيل:المحافظة لا تكون إلاّ بين اثنين،كالمخاصمة، و المقاتلة،فكيف المعنى هاهنا؟

و الجواب من وجهين:

أحدهما:أنّ هذه المحافظة تكون بين العبد و الرّبّ،كأنّه قيل له:احفظ الصّلاة ليحفظك الإله الّذي أمرك بالصّلاة، و هذا كقوله: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ البقرة:152.

و في الحديث:«احفظ اللّه يحفظك».

الثّاني:أن تكون المحافظة بين المصلّي و الصّلاة،فكأنّه قيل:احفظ الصّلاة حتّى تحفظك الصّلاة.

و اعلم أنّ حفظ الصّلاة للمصلّي على ثلاثة أوجه:

الأوّل:أنّ الصّلاة تحفظه عن المعاصي،قال تعالى:

إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ العنكبوت:45،فمن حفظ الصّلاة حفظته الصّلاة عن الفحشاء.

و الثّاني:أنّ الصّلاة تحفظه من البلايا و المحن،قال تعالى: وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ و قال تعالى:

وَ قالَ اللّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَ آتَيْتُمُ الزَّكاةَ المائدة:12،و معناه:إنّي معكم بالنّصرة و الحفظ إن كنتم أقمتم الصّلاة و آتيتم الزّكاة.

و الثّالث:أنّ الصّلاة تحفظ صاحبها،و تشفع لمصلّيها، قال تعالى: وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ آتُوا الزَّكاةَ وَ ما تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللّهِ البقرة:110،و لأنّ الصّلاة فيها القراءة،و القرآن يشفع لقارئه،و هو شافع مشفّع.و في الخبر:«أنّه تجيء«البقرة و آل عمران» كأنّهما عمامتان فيشهدان و يشفعان»،و أيضا في الخبر:

«سورة«الملك»تصرف عن المتهجّد بها عذاب القبر، و تجادل عنه في الحشر،و تقف في الصّراط عند قدميه، و تقول للنّار:لا سبيل لك عليه».و اللّه أعلم.

(6:155-157)

نحوه النّيسابوريّ.(2:294)

العكبريّ: حافِظُوا يجوز أن يكون من «المفاعلة»الواقعة من واحد،كعاقبت اللّصّ،و عافاه اللّه.

و أن يكون من«المفاعلة»الواقعة من اثنين،و يكون وجوب تكرير الحفظ جاريا مجرى الفاعلين؛إذ كان الوجوب حاثّا على الفعل،فكأنّه شريك الفاعل الحافظ، كما قالوا في قوله: وَ إِذْ واعَدْنا مُوسى البقرة:51، فالوعد كان من اللّه و القبول من موسى،و جعل القبول كالوعد.

و في(حافظوا)معنى لا يوجد في احفظوا،و هو تكرير الحفظ.(1:191)

القرطبيّ: [مثل ابن عطيّة و أضاف:]

و المحافظة هي المداومة على الشّيء و المواظبة عليه.

(3:208)

البيضاويّ: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ بالأداء لوقتها و المداومة عليها.و لعلّ الأمر بها في تضاعيف أحكام الأولاد و الأزواج،لئلاّ يلهيهم الاشتغال بشأنهم عنها.(1:126)

ص: 781

مثله المشهديّ(1:568)،و نحوه الشّربينيّ(1:

155)،و أبو السّعود(1:281)،و شبّر(1:244)، و البروسويّ(1:372).

أبو حيّان :قالوا:هذه الآية معترضة بين آيات المتوفّى عنها زوجها و المطلّقات،و هي متقدّمة عليهنّ في النّزول،متأخّرة في التّلاوة و رسم المصحف،و شبّهوها بقوله: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً البقرة:67، و بقوله: وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً البقرة:72،قالوا:فيجوز أن تكون مسوقة على الآيات الّتي ذكر فيها القتال،لأنّه بيّن فيها أحوال الصّلاة في حال الخوف.

قالوا:و جاء ما هو متعلّق بأبعد من هذا،زعموا أنّ قوله تعالى: لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَ لا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ النّساء:123،ردّا لقوله: وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى البقرة:111.

قالوا:و أبعد منه سَأَلَ سائِلٌ بِعَذابٍ واقِعٍ المعارج:1،راجع إلى قوله: وَ إِذْ قالُوا اللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ الأنفال:32،الآية.

قالوا:و يجوز أن يكون حدث خوف قبل إنزال إتمام أحكام المطلّقات،فبيّن تعالى أحكام صلاة الخوف عند مسيس الحاجة إلى بيانه،ثمّ أنزل إتمام أحكام المطلّقات.

قالوا:و يجوز أن تكون متقدّمة في التّلاوة و رسم المصحف،متأخّرة في النّزول قبل هذه الآيات،على قوله بعد هذه الآية: وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ. و هذه كلّها أقوال كما ترى.

و الّذي يظهر في المناسبة أنّه تعالى لمّا ذكر جملة كثيرة من أحوال الأزواج و الزّوجات،و أحكامهم في النّكاح و الوطء و الإيلاء و الطّلاق،و الرّجعة و الإرضاع و النّفقة و الكسوة،و العدد و الخطبة و المتعة،و الصّداق و التّشطّر و غير ذلك،كانت تكاليف عظيمة تشغل من كلّفها أعظم شغل؛بحيث لا يكاد يسع معها شيء من الأعمال،و كان كلّ من الزّوجين قد أوجب عليه للآخر ما يستفرغ فيه الوقت و يبلغ منه الجهد،و أمر كلاّ منهما بالإحسان إلى الآخر حتّى في حالة الفراق،و كانت مدعاة إلى التّكاسل عن الاشتغال بالعبادة إلاّ لمن وفّقه اللّه تعالى.

أمر تعالى بالمحافظة على الصّلوات الّتي هي الوسيلة بين اللّه و بين عبده.و إذا كان قد أمر بالمحافظة على أداء حقوق الآدميّين،فلأن يؤمر بأداء حقوق اللّه أولى و أحقّ،و لذلك جاء«فدين اللّه أحقّ أن يقضى»فكأنّه قيل:لا يشغلنّكم التّعلّق بالنّساء و أحوالهنّ عن أداء ما فرض اللّه عليكم،فمع تلك الأشغال العظيمة لا بدّ من المحافظة على الصّلاة حتّى في حالة الخوف،فلا بدّ من أدائها رجالا و ركبانا،و إن كانت حالة الخوف أشدّ من حالة الاشتغال بالنّساء،فإذا كانت هذه الحالة الشّاقّة جدّا لا بدّ معها من الصّلاة،فأحرى ما هو دونها من الأشغال المتعلّقة بالنّساء.

و قيل:مناسبة الأمر بالمحافظة على الصّلوات عقيب الأوامر السّابقة أنّ الصّلاة تنهى عن الفحشاء و المنكر، فيكون ذلك عونا لهم على امتثالها،و صونا لهم عن مخالفتها.و قيل:وجه ارتباطها بما قبلها و بما بعدها أنّه لمّا أمر تعالى بالمحافظة على حقوق الخلق بقوله: وَ لا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ البقرة:237،ناسب أن يأمر بالمحافظة على حقوق الحقّ.

ص: 782

ثمّ لمّا كانت حقوق الآدميّين منها ما يتعلّق بالحياة و قد ذكره،و منها ما يتعلّق بالممات،ذكره بعده في قوله:

وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً البقرة:240،الآية.

و الخطاب ب(حافظوا)لجميع المؤمنين و هل يعمّ الكافرين؟فيه خلاف.و(حافظوا)من باب طارقت النّعل،و لمّا ضمّن معنى التّكرار و المواظبة عدّي ب(على).

و قد رام بعضهم أن يبقى«فاعل»على معناها الأكثر فيها من الاشتراك بين اثنين،فجعل المحافظة بين العبد و بين الرّبّ،كأنّه قيل:احفظ هذه الصّلاة يحفظك اللّه الّذي أمر بها،و معنى المحافظة هنا:دوام ذكرها،أو الدّوام على تعجيلها في أوّل أوقاتها،أو إكمال فروضها و سننها، أو جميع ما تقدّم،أقوال أربعة.(2:239)

الآلوسيّ: أي داوموا على أدائها لأوقاتها من غير إخلال،كما ينبئ عنه صيغة«المفاعلة»المفيدة للمبالغة.

و لعلّ الأمر بها عقيب الحضّ على العفو،و النّهي عن ترك الفضل،لأنّها تهيّئ النّفس لفواضل الملكات،لكونها النّاهية عن الفحشاء و المنكر،أو ليجمع بين التّعظيم لأمر اللّه تعالى،و الشّفقة على خلقه.

و قيل:أمر بها في خلال بيان ما تعلّق بالأزواج و الأولاد من الأحكام الشّرعيّة المتشابكة،إيذانا بأنّها حقيقة بكمال الاعتناء بشأنها،و المثابرة عليها من غير اشتغال عنها بشأن أولئك،فكأنّه قيل:لا يشغلنّكم التّعلّق بالنّساء و أحوالهنّ،و توجّهوا إلى مولاكم بالمحافظة على ما هو عماد الدّين،و معراج المؤمنين.(2:155)

رشيد رضا :قال بعض المفسّرين في وجه اختيار لفظ المحافظة على الحفظ:إنّ الصّيغة على أصلها تفيد المشاركة في الحفظ،و هي هنا بين العبد و ربّه،كأنّه قيل:

احفظ الصّلاة يحفظك اللّه الّذي أمرك بها،كقوله:

فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ البقرة:152،أو بين المصلّي و الصّلاة نفسها،أي احفظوها تحفظكم من الفحشاء و المنكر بتنزيه نفوسكم عنهما،و من البلاء و المحن بتقوية نفوسكم عليهما،كما قال: وَ اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ.

و قال الأستاذ الإمام:قال: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ و لم يقل:احفظوها،لأنّ«المفاعلة»تدلّ على المنازعة و المقاومة،و لا يظهر قول بعضهم:إنّ«المفاعلة» للمشاركة،لأنّ الصّلاة تحفظه كما يحفظها،إلاّ لو كانت العبارة:حافظوا الصّلوات،و لكنّه قال: عَلَى الصَّلَواتِ، أي اجتهدوا في حفظها و المداومة عليها انتهى.و لا يريد الأستاذ بهذا أنّ الصّلاة لا تحفظ ممّا ذكر، و إنّما يريد أنّ لفظ(حافظوا)لا يدلّ على هذا المعنى الثّابت في نفسه.

و الّذي أفهمه في«المفاعلة»على الشّيء هو فعله المرّة بعد المرّة،و منه حافظ عليه و واظب عليه و داوم عليه،إلاّ إذا كانت(على)للتّعليل،كقاتله على الأمر،أي لأجله،فالمقاتلة فيه للمشاركة،و لا يصحّ هنا.و حفظ الصّلاة المرّة بعد المرّة على الاستمرار عبارة عن الإتيان بها كلّ مرّة كاملة الشّرائط و الأركان العمليّة،كاملة الآداب و المعاني القلبيّة،فالشّيء الّذي يتعاهد بالحفظ دائما هو الّذي لا يلحقه النّقص،و إلاّ لم يكن محفوظا دائما.(2:436)

ص: 783

المراغيّ: حافظ على الشّيء و داوم عليه و واظب عليه:فعله المرّة بعد المرّة،و حفظ الصّلاة المرّة بعد الأخرى:الإتيان بها كاملة الشّرائط و الأركان،بالخشوع و الخضوع القلبيّ.(2:199)

الطّباطبائيّ: حفظ الشّيء:ضبطه،و هو في المعاني،أعني حفظ النّفس لما تستحضره أو تدركه من المعاني أغلب.(2:246)

فضل اللّه :إنّ في الآية دعوة إلى المحافظة على الصّلاة بشكل عامّ،و ذلك بالقيام بأدائها في أوقاتها.

(4:359)

استحفظوا

إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَ الرَّبّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ... المائدة:44

ابن عبّاس: بما عملوا و دعوا من كتاب اللّه.(94)

بما استودعوا و كلّفوا حفظه من كتاب اللّه.

(الواحديّ 2:190)

الكلبيّ: العلم بما حفظوا.(الماورديّ 2:42)

أبو عبيدة :أي بما استودعوا،يقال:استحفظته شيئا،أي استودعته.(1:167)

الأخفش: استودعوا.(الماورديّ 2:42)

مثله ابن قتيبة(144)،و الزّجّاج(2:178)، و النّحّاس(2:314)،و الطّوسيّ(3:533)،و البغويّ (2:55).

الجبّائيّ: بما أمروا بحفظ ذلك و القيام به،و ترك تضييعه.(الطّبرسيّ 2:198)

الطّبريّ: بما استودعوا علمه من كتاب اللّه،الّذي هو التّوراة،و الباء في قوله: بِمَا اسْتُحْفِظُوا من صلة الأحبار.(6:251)

الماورديّ: فيه قولان:

أحدهما:معناه يحكمون بما استحفظوا من كتاب اللّه.

و الثّاني:معناه:و العلماء بما استحفظوا من كتاب اللّه.(2:42)

نحوه ابن الجوزيّ.(2:365)

القشيريّ: يخبر أنّه استحفظ بني إسرائيل التّوراة فحرّفوها،فلمّا وكل إليهم حفظها ضيّعوها.(2:120)

الزّمخشريّ: بما سألهم أنبياؤهم حفظه من التّوراة، أي بسبب سؤال أنبيائهم إيّاهم أن يحفظوه من التّغيير و التّبديل،و(من)في مِنْ كِتابِ اللّهِ للتّبيين.

(1:615)

نحوه البيضاويّ.(1:276)

ابن عطيّة: أي بسبب استحفاظ اللّه تعالى إيّاهم أمر التّوراة و أخذه العهد عليهم في العمل و القول بها، و عرّفهم ما فيها،فصاروا شهداء عليه،و هؤلاء ضيّعوا لما استحفظوا حتّى تبدّلت التّوراة،و القرآن بخلاف هذا، لقوله تعالى: وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9.

(2:196)

الفخر الرّازيّ: فيه مسألتان:

المسألة الأولى:حفظ كتاب اللّه على وجهين:

الأوّل:أن يحفظ فلا ينسى.

الثّاني:أن يحفظ فلا يضيّع،و قد أخذ اللّه على العلماء

ص: 784

حفظ كتابه من هذين الوجهين:

أحدهما:أن يحفظوه في صدورهم و يدرسوه بألسنتهم.

و الثّاني:أن لا يضيّعوا أحكامه و لا يهملوا شرائعه.

المسألة الثّانية:الباء في قوله بِمَا اسْتُحْفِظُوا فيه وجهان:

الأوّل:أن يكون صلة الأحبار على معنى العلماء بما استحفظوا.

و الثّاني:أن يكون المعنى:يحكمون بما استحفظوا.و هو قول الزّجّاج.(12:4)

نحوه النّيسابوريّ.(6:102)

العكبريّ: يجوز أن يكون بدلا من قوله: بِهَا في قوله: يَحْكُمُ بِهَا، و قد أعاد الجارّ لطول الكلام،و هو جائز أيضا و إن لم يطل.(1:438)

القرطبيّ: أي استودعوا من علمه.و الباء متعلّقة ب اَلرَّبّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ كأنّه قال:و العلماء بما استحفظوا،أو تكون متعلّقة ب يَحْكُمُ أي يحكمون بما استحفظوا.(6:189)

أبو حيّان :الباء في بِمَا للسّبب،و تتعلّق بقوله:

يَحْكُمُ و استفعل هنا للطّلب،و المعنى:بسبب ما استحفظوا،و الضّمير في اُسْتُحْفِظُوا عائد على النّبيّين و الرّبّانيّين و الأحبار،أي بسبب ما طلب اللّه منهم بحفظهم لكتاب اللّه و هو التّوراة،و كلّفهم حفظها،و أخذ عهده عليهم في العمل بها و القول بها.

و قد أخذ اللّه على العلماء حفظ الكتاب من وجهين:

أحدهما:حفظه في صدورهم و درسه بألسنتهم،و الثّاني:

حفظه بالعمل بأحكامه و اتّباع شرائعه،و هؤلاء ضيّعوا ما استحفظوا حتّى تبدّلت التّوراة.

و في بناء الفعل للمفعول و كون الفعل للطّلب،ما يدلّ على أنّه تعالى لم يتكفّل بحفظ التّوراة،بل طلب منهم حفظها،و كلّفهم بذلك،فغيّروا و بدّلوا و خالفوا أحكام اللّه،بخلاف كتابنا،فإنّ اللّه تعالى قد تكفّل بحفظه،فلا يمكن أن يقع فيه تبديل و لا تغيير.قال تعالى: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9.

و قيل:الضّمير في اُسْتُحْفِظُوا عائد على الرّبّانيّين و الأحبار فقط،و الّذين استحفظهم التّوراة هم الأنبياء.(3:491)

ابن كثير :أي بما استودعوا من كتاب اللّه الّذي أمروا أن يظهروه،و يعملوا به.(2:576)

الشّربينيّ: [نحو الفخر الرّازيّ إلاّ أنّه قال:]

و الضّمير في اُسْتُحْفِظُوا للأنبياء و الرّبّانيّين و الأحبار جميعا.(1:377)

أبو السّعود :إنّما الرّبّانيّيون و الأحبار خلفاء و نوّاب لهم في ذلك كما ينبئ عنه قوله: بِمَا اسْتُحْفِظُوا أي بالّذي استحفظوه من جهة النّبيّين و هو التّوراة؛حيث سألوهم أن يحفظوها من التّغيير و التّبديل على الإطلاق.

و لا ريب في أنّ ذلك منهم عليهم السّلام استخلاف لهم في إجراء أحكامها،من غير إخلال بشيء منها.

و في إبهامها أوّلا ثمّ بيانها ثانيا،بقوله تعالى: مِنْ كِتابِ اللّهِ -من تفخيمها و إجلالها ذاتا و إضافة،و تأكيد إيجاب حفظها و العمل بما فيها-ما لا يخفى.و إيرادها بعنوان الكتاب للإيماء إلى إيجاب حفظها عن التّغيير من جهة الكتابة.

ص: 785

و الباء الدّاخلة على الموصول متعلّقة ب يَحْكُمُ لكن لا على أنّها صلة،كالّتي في قوله: بِهَا، ليلزم تعلّق حرفي جرّ متّحدي المعنى بفعل واحد،بل على أنّها سببيّة،أي و يحكم الرّبّانيّون و الأحبار أيضا بسبب ما حفظوه من كتاب اللّه،حسبما وصّاهم به أنبياؤهم و سألوهم أن يحفظوه.و ليس المراد بسببيّته لحكمهم ملك سببيّته من حيث الذّات بل من حيث كونه محفوظا،فإنّ تعليق حكمهم بالموصول مشعر بسببيّة الحفظ المترتّب لا محالة،على ما في حيّز الصّلة من الاستحفاظ له.

و قيل:الباء صلة لفعل مقدّر معطوف على قوله تعالى: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ عطف جملة على جملة،أي و يحكم الرّبّانيّون و الأحبار بحكم كتاب اللّه الّذي سألهم أنبياؤهم أن يحفظوه من التّغيير.(2:276)

نحوه البروسويّ.(2:397)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و توهّم بعضهم أنّ(ما)بمعنى أمر،و(من)لتبيين مفعول محذوف ل اُسْتُحْفِظُوا، و التّقدير:بسبب أمر اُسْتُحْفِظُوا به شيئا مِنْ كِتابِ اللّهِ و هو ممّا لا ينبغي أن يخرّج عليه كتاب اللّه تعالى.

و قيل:الأولى أن تجعل(ما)مصدريّة ليستغني عن تقدير العائد،و حينئذ لا يتأتّى القول بأنّ(من)بيان لها.

و من النّاس من جوّز كون(بما)بدلا من(بها)،و أعيد الجارّ لطول الفصل،و هو جائز أيضا و إن لم يطل.و منهم من أرجع الضّمير المرفوع للنّبيّين،و من عطف عليهم، فالمستحفظ حينئذ هو اللّه تعالى،و حديث الإنباء (1)لا يتأتّى إذ ذاك.

و قيل:إنّ اَلرَّبّانِيُّونَ فاعل بفعل محذوف،و الباء صلة له،و الجملة معطوفة على ما قبلها،أي و يحكم الرّبّانيّون و الأحبار بحكم كتاب اللّه تعالى،الّذي سألهم أنبياؤهم أن يحفظوه من التّغيير.(6:144)

المراغيّ: أي و يحكم بها الرّبّانيّون و الأحبار في الأزمنة الّتي لم يكن فيها أنبياء معهم،أو يحكمون مع وجودهم بإذنهم بسبب ما أودعوه من الكتاب و ائتمنوا عليه،و طلب منهم أنبياؤهم حفظه،كالعهد الّذي أخذه موسى بأمر اللّه على شيوخ بني إسرائيل بعد أن كتب التّوراة،أن يحفظوها و لا يحيدوا عنها.(6:123)

مغنيّة:بما عرفوا و حفظوا.(3:61)

الطّباطبائيّ: الرّبّانيّون و الأحبار يحكمون بما أمرهم اللّه به و أراده منهم أن يحفظوه من كتاب اللّه، و كانوا من جهة حفظهم له و تحمّلهم إيّاه شهداء عليه، لا يتطرّق إليه تغيير و تحريف،لحفظهم له في قلوبهم، فقوله: وَ كانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ بمنزلة النّتيجة،لقوله بِمَا اسْتُحْفِظُوا إلخ،أي أمروا بحفظه فكانوا حافظين له بشهادتهم عليه.(5:343)

فضل اللّه : بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ الّذي أرادهم اللّه أن يحفظوه بكلّ حقائقه،من دون تحريف أو تغيير كوديعة مضمونة.(8:187)

الوجوه و النّظائر

ص: 786


1- أي ما جاء في كلام أبي السّعود:«كما ينبئ عنه قوله: بِمَا اسْتُحْفِظُوا» .

الحيريّ: باب الحفظ على ثلاثة أوجه:

أحدها:الحفظ بعينه كقوله: وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما البقرة:255،و قوله: وَ رَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ سبأ:21،نظيرها في هود:57.

و الثّاني:الحساب كقوله: وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ هود:86.

و الثّالث:الضّمان كقوله: فَاللّهُ خَيْرٌ حافِظاً يوسف:64.(210)

الدّامغانيّ: الحفظ على ستّة أوجه:العلم،الصّيانة، الحفظ بعينه،الشّفقة،الضّمان،الشّهادة.

فوجه منها:الحفظ:العلم،قوله في سورة المائدة:44:

بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ ما علموا و دعوا.

و الوجه الثّاني:الحفظ:الصّيانة و العفّة،قوله في سورة النّساء:34: فَالصّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللّهُ

قوله:(حافظات)يعني صانيات أنفسهنّ،كقوله في سورة الأحزاب:35، وَ الْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَ الْحافِظاتِ يعني يصونون فروجهم عن الحرام،مثلها في سورة المؤمنون:5 وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ يعصمون عن الحرام.

و الوجه الثّالث:الحفظ بعينه،قوله في سورة الرّعد:

11 يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ، كقوله في سورة الحجر:9 وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ يعني به الرّعاية،مثلها فيها:17 وَ حَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ يعني الحفظ بعينه.

و الوجه الرّابع:الحفظ يعني الشّفقة،قوله في سورة يوسف:12، وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ يعني مشفقون.

و الوجه الخامس:الحفظ:الضّمان،قوله في سورة يوسف:63 فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ أي لضامنون بردّه إليك.

و الوجه السّادس:الحفظ:الشّهادة.قوله في سورة الانفطار:10 وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ رقباء شهداء.

يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ أي يكتبون،كقوله في سورة الشّورى:6 اَللّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ يعني شهيد عليهم...(267)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحفظ:ضدّ النّسيان.يقال:

حفظ الشّيء حفظا،أي وعاه و ما نساه،فهو حافظ و هم حفّاظ،و هو حفيظ أيضا،و الحافظون:الّذين يحصون الأعمال و يكتبونها على بني آدم من الملائكة،و هم الحفظة أيضا.

و حفظ المال و السّرّ حفظا:رعاه،و الحافظ:الطّريق البيّن المستقيم الّذي لا ينقطع،لأنّه يرعى سالكه و يحفظه من الضّلال و الضّياع.و احتفظ بهذا الشّيء:احفظه، و احتفظ الشّيء لنفسه:خصّها به.و استحفظته الشّيء:

جعلته عنده يحفظه،و استحفظت فلانا مالا:سألته أن يحفظه لي،و استحفظته سرّا و استحفظته إيّاه:استرعيته.

و المحافظة:المواظبة على الأمر.يقال:حافظ على الأمر و العمل.

و التّحفّظ:قلّة الغفلة في الأمور و الكلام،و التّيقّظ من السّقطة،كأنّه على حذر من السّقوط.و الحافظ:الحارس.

يقال:إنّه لحافظ العين،أي لا يغلبه النّوم،لأنّ العين تحفظ

ص: 787

صاحبها إذا لم يغلبها النّوم،و فلان حفيظنا عليكم و حافظنا.

و الحفاظ:المحافظة على العهد و المحاماة عن الحرم و منعها من العدوّ.يقال:إنّه لذو حفاظ و ذو محافظة،أي ذو أنفة؛و الاسم:الحفيظة.يقال:فلان ذو حفيظة،أي ذو حميّة و غضب؛و جمع الحفيظة:حفائظ،و أهل الحفائظ:

أهل الحفاظ،و هم المحامون عن عوراتهم الذّابّون عنها.

يقال:إنّ الحفائظ تذهب الأحقاد،أي إذا رأيت حميمك يظلم حميت له،و إن كان عليه في قلبك حقد.

و المحفظات:الأمور الّتي تحفظ الرّجل،أي تغضبه إذا وتر في حميمه أو في جيرانه،و قد أحفظه فاحتفظ،أي أغضبه فغضب.و الحفظة:اسم من الاحتفاظ كالحفيظة، عند ما يرى من حفيظة الرّجل،يقولون:أحفظته حفظة.

و الحفظ:الاستظهار.يقال:حفظت الشّيء حفظا، أي استظهرته،و تحفّظت الكتاب:استظهرته شيئا بعد شيء،و حفّظته الكتاب:حملته على حفظه.

2-و الحافظ:من يحفظ القرآن عن ظهر قلب،و كان يسمّى في صدر الإسلام:قارئا،ثمّ أطلق عليه هذا اللّفظ فيما بعد؛و الجمع:حفّاظ و حفظة.و منهم الحافظ الشّيرازيّ،شمس الدّين محمّد،الشّاعر الفارسيّ و يطلق (الحافظ)على الخبراء في علم الحديث أيضا.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها مجرّدا الماضي و المضارع،كلّ منهما مرّتين، و الأمر مرّة،و اسم الفاعل مفردا و جمعا و مذكّرا و مؤنّثا 14 مرّة،و اسم المفعول مرّتين،و«فعيل»11 مرّة،و من باب«المفاعلة»المضارع 3 مرّات،و الأمر مرّة،و من باب «الاستفعال»الماضي مجهولا مرّة،في 41 آية:

الحفظ

1- وَ لَقَدْ جَعَلْنا فِي السَّماءِ بُرُوجاً وَ زَيَّنّاها لِلنّاظِرِينَ* وَ حَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ الحجر:16،17

2- إِنّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ* وَ حِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ الصّافّات:6،7

3- ...وَ زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِمَصابِيحَ وَ حِفْظاً...

فصّلت:12

4- وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ لا يَؤُدُهُ حِفْظُهُما البقرة:255

5- وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً وَ هُمْ عَنْ آياتِها مُعْرِضُونَ الأنبياء:32

6- ...فَاللّهُ خَيْرٌ حافِظاً وَ هُوَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ

يوسف:64

7- إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ

الحجر:9

8- بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَجِيدٌ* فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ

البروج:21،22

9- وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ

الانفطار:10،11

10- وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً الأنعام:61

11- إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ الطّارق:4

12- لَهُ مُعَقِّباتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَ مِنْ خَلْفِهِ

ص: 788

يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ... الرّعد:11

13- ...وَ يَعْمَلُونَ عَمَلاً دُونَ ذلِكَ وَ كُنّا لَهُمْ حافِظِينَ الأنبياء:82

14- أَرْسِلْهُ مَعَنا غَداً يَرْتَعْ وَ يَلْعَبْ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ يوسف:12

15- ...فَأَرْسِلْ مَعَنا أَخانا نَكْتَلْ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ يوسف:63

16- ...وَ نَمِيرُ أَهْلَنا وَ نَحْفَظُ أَخانا... يوسف:65

17- قالَ اجْعَلْنِي عَلى خَزائِنِ الْأَرْضِ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ يوسف:55

18- ...وَ ما شَهِدْنا إِلاّ بِما عَلِمْنا وَ ما كُنّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ يوسف:81

19- فَالصّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ بِما حَفِظَ اللّهُ... النّساء:34

20- قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ وَ يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ... النّور:30

21- وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ... النّور:31

22- ...وَ الْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَ الْحافِظاتِ وَ الذّاكِرِينَ اللّهَ كَثِيراً وَ الذّاكِراتِ أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَ أَجْراً عَظِيماً الأحزاب:35

23- وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ المؤمنون:5-7

24- وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ* إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ* فَمَنِ ابْتَغى وَراءَ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ العادُونَ

المعارج:29،30،31

25- ...ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَ احْفَظُوا أَيْمانَكُمْ... المائدة:89

26- ...وَ النّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ... التّوبة:112

27- وَ ما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ المطفّفين:33

28- بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ هود:86

29- ...فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ الأنعام:104

30- ...وَ مَنْ تَوَلّى فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً النّساء:80

31- وَ لَوْ شاءَ اللّهُ ما أَشْرَكُوا وَ ما جَعَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً وَ ما أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ الأنعام:107

32- فَإِنْ أَعْرَضُوا فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً إِنْ عَلَيْكَ إِلاَّ الْبَلاغُ... الشّورى:48

33- ...إِنَّ رَبِّي عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ هود:57

34- ...وَ رَبُّكَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ سبأ:21

35- وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ اللّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ... الشّورى:6

36- قَدْ عَلِمْنا ما تَنْقُصُ الْأَرْضُ مِنْهُمْ وَ عِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ ق:4

37- هذا ما تُوعَدُونَ لِكُلِّ أَوّابٍ حَفِيظٍ ق:32

ص: 789

المحافظة

38- ...وَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ الأنعام:92

39- وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ

المؤمنون:9

40- وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ

المعارج:34

41- حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى...

البقرة:238

الاستحفاظ

42- ...بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ وَ كانُوا عَلَيْهِ شُهَداءَ... المائدة:44

يلاحظ أوّلا:أنّه وردت مشتقّات هذه المادّة على ثلاثة محاور:

المحور الأوّل:الحفظ،و جاء إثباتا و نفيا بهذا التّفصيل:

الأوّل:حفظ اللّه الأشياء:

أ-حفظ السّماء في(1-5)؛و فيها بحوث:

1-قال الفخر الرّازيّ: «إن قيل:ما معنى وَ حَفِظْناها مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ رَجِيمٍ و الشّيطان لا قدرة له على هدم السّماء؟فأيّ حاجة إلى حفظ السّماء منه؟ قلنا:لمّا منعه من القرب منها،فقد حفظ السّماء من مقاربة الشّيطان،فحفظ اللّه السّماء منهم كما قد يحفظ منازلنا من متجسّس يخشى منه الفساد».

2-نصب(حفظا)في(2) وَ حِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ على المصدريّة،أي حفظناها حفظا،فهو مفعول مطلق، أو على التّعليل،أي وَ حِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ زيّنّاها بالكواكب،أو على المعنى،أي إنّا خلقنا الكواكب زينة للسّماء،و حفظا من الشّياطين.

3-اختلف في حفظ السّماء في(5) وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً على خمسة أقوال:حفظها من الشّياطين بالنّجوم،و من الوقوع على الأرض،و من البلى و التّغيّر على طول الدّهر،و من الشّرك و المعاصي،و من أن يطمع أحد أن يتعرّض لها بنقض.

ب-حفظ القرآن في(7 و 8)؛و فيهما بحوث:

1-اختلفوا في حفظ اللّه له في(7): وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ على أقوال:حفظه من الزّيادة و النّقصان و التّبديل و التّحريف،أو من التّأويل دون اللّفظ،أو من تبديل شريعته،أو حفظه في قلوب المؤمنين و القرّاء،أو حفظه بالإعجاز،أو بالصّرفة.

و السّياق يناسب الأوّل،لأنّ قبلها بآيتين جاءت:

وَ قالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ، فالكفّار اتّهموه بالجنون بخطاب مؤكّد: إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ أي فلا يقدر على حفظه كما نزّل،أو يتصرّف فيه الجنّ، كما قال مقاتل:«لقولهم للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:إنّك لمجنون يعلّمك الرّي أي الدّين»،فردّ اللّه عليهم بكلام مؤكّد أيضا بعدّة مؤكّدات: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ، و هي ضمير الجمع عن اللّه تعظيما خمس مرّات،مع«إنّ» مرّتين،و لام التّأكيد مرّة و تكرار(الذّكر)بضميره(له).

و قد استدلّ جمهور المفسّرين و علماء علوم القرآن بهذه الآية على عدم تحريف القرآن،لأنّ اللّه ضمن حفظه.

2-و في ضمير(له)قولان:

ص: 790

أحدهما:إنّه عائد على القرآن،أي حافظون للقرآن من التّبديل و التّغيير.

و ثانيهما:عائد على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،أي حافظون له عليه السّلام من أذى المشركين و كيدهم.

و قال الفخر الرّازيّ: «قوّى ابن الأنباريّ هذا القول (الثّاني)،فقال:لمّا ذكر اللّه الإنزال و المنزل،دلّ ذلك على المنزل عليه،فحسنت الكناية عنه،لكونه أمرا معلوما، كما في قوله تعالى: إِنّا أَنْزَلْناهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ فإنّ هذه الكناية عائدة إلى القرآن،مع أنّه لم يتقدّم ذكره،و إنّما حسنت الكناية للسّبب المعلوم،فكذا هاهنا.إلاّ أنّ القول الأوّل أرجح القولين و أحسنهما مشابهة لظاهر التّنزيل، و اللّه أعلم».

3-ممّ حفظ القرآن في(8): فِي لَوْحٍ مَحْفُوظٍ؟ فيه قولان:

الأوّل:من التّغيير و التّبديل.

و الثّاني:من الشّياطين.و هما بمعنى،لأنّ الشّياطين تغيّر و تبدّل فيه،و تزيد و تنقص منه.

4-قرئ (فى لوح محفوظ) بالرّفع،صفة للقرآن،أي هو قرآن مجيد محفوظ من التّغيير و التّبديل في لوح.و هو على القراءة المشهورة-أي الجرّ-صفة للّوح،أي في لوح محفوظ من الزّيادة فيه و النّقصان منه.

و اللّوح المحفوظ هو علم اللّه،أو لوح مكتوب فيه كلّ شيء،لاحظ:ل و ح:«اللّوح».و ليس المراد أنّ القرآن كتب في لوح عند النّبيّ عليه السّلام.

ج-حفظ الشّياطين في(13): وَ كُنّا لَهُمْ حافِظِينَ؛ و فيها بحثان:

1-قيل في علّة حفظهم:إنّهم يحفظون من إفساد ما يعملون،أو لئلاّ يهربوا من العمل،أو يخرجوا عن أمره و يزيغوا،أو يبدّلوا و يغيّروا،أو يهيّجوا أحدا.

2-اختلف في معنى الحفظ هنا،فقيل:العدّ و الحصر، أو الحراسة،أو التّأييد و الإعانة.و لعلّ المعنى الأوّل هو الأقرب إلى اللّغة،و هو ظاهر قول الطّبريّ: «كنّا لأعمالهم و لأعدادهم حافظين،لا يئودنا حفظ ذلك كلّه».

و لا يستقيم المعنى الثّاني إلاّ بعود الضّمير في(لهم) على سليمان و أتباعه،و هو ما يبدو من قول ابن كثير:

«يحرسه اللّه أن يناله أحد من الشّياطين بسوء،بل كلّ في قبضته و تحت قهره.لا يتجاسر أحد منهم على الدّنوّ إليه و القرب منه».

د-حفظ اللّه النّساء في(19): بِما حَفِظَ اللّهُ و فيها بحوث:

1-حفظهنّ اللّه بأن جعلهنّ صالحات قانتات حافظات للغيب،و قيل:حفظهنّ في مهورهنّ و عشرتهنّ،أو استحفظهنّ بأداء الأمانات إلى أزواجهنّ، أو حفظهنّ بالشّيء الّذي يحفظ أمر اللّه أو دين اللّه.

2-قرئ(بما حفظ اللّه)بنصب لفظ الجلالة.قال القرطبيّ:«معنى قراءة النّصب بحفظهنّ اللّه،أي بحفظهنّ أمره أو دينه.و قيل في التّقدير:بما حفظن اللّه،ثم وحّد الفعل.و قيل:المعنى بحفظ اللّه،مثل:حفظت اللّه».

3-و(ما)إمّا مصدريّة،و العائد عليها محذوف، و التّقدير:بحفظ اللّه،أي أنّهنّ حافظات للغيب بما حفظ اللّه إيّاهنّ،أو أنّ النّساء يكنّ حافظات للغيب بحفظهنّ اللّه،أي بسبب حفظهنّ حدود اللّه و أوامره.و إمّا موصولة،

ص: 791

و العائد عليها محذوف،و التّقدير:بما حفظه اللّه لهنّ من مهور أزواجهنّ و النّفقة عليهنّ.

ه-حفظه كلّ شيء في(33 و 34): عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ.

و قد فسّر الحفيظ بالحافظ و العالم و القائم و الشّاهد و العليم و الرّقيب و الوكيل و المحيط و المهيمن،فهو كما قال الخطّابيّ:«فعيل بمعنى فاعل كالقدير و العليم،فهو يحفظ السّماوات و الأرض بما فيها لتبقى مدّة بقائها،و يحفظ عباده من المهالك،و يحفظ عليهم أعمالهم،و يعلم نيّاتهم، و يحفظ أولياءه عن مواقعة الذّنوب،و يحرسهم من مكائد الشّيطان».

و قال الطّباطبائيّ: «عالم علما لا يفوته المعلوم بنسيان أو سهو أو غير ذلك،و فيه تحذير عن الكفران و المعصية و إنذار لأهل الكفر و المعصية».

و قال الفخر الرّازيّ: «فالحفظ يدخل في مفهومه العلم و القدرة؛إذ الجاهل بالشّيء لا يمكنه حفظه و لا العاجز».

و قال الزّمخشريّ: «محافظ عليه،و«فعيل و مفاعل» متآخيان».

و قال الآلوسيّ: «وكيل قائم على أحواله و شئونه، و هو إمّا مبالغة في حافظ،و إمّا بمعنى محافظ،كجليس و مجالس و خليط و مخالط و رضيع و مراضع إلى غير ذلك».

و قال المراغيّ: «رقيب على كلّ شيء،قائم بالحفظ عليه،على ما اقتضته سننه و تعلّقت به إرادته».

و نقول:من فسّره بالحافظ و القائم و الشّاهد و الوكيل و المهيمن،نظر إلى مكانة«على»،لأنّ هذه الالفاظ تتعدّى بهذا الحرف،نحو قوله: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى البقرة:238،و: وَ لا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ التّوبة:84،و: قالُوا شَهِدْنا عَلى أَنْفُسِنا الأنعام:130،و: وَ هُوَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ الأنعام:

102،و: وَ مُهَيْمِناً عَلَيْهِ المائدة:48.

و من فسّره بالعالم و العليم و الرّقيب و المحيط،نظر إلى معاني الألفاظ المتقدّمة،فهي بمعناها أو قريبة منها، كالرّقيب،أي الحافظ.

و-حفظه على الكافرين في(35): اَللّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ و فيها بحثان:

1-قال ابن عبّاس:«شهيد عليهم و على أعمالهم»، و قال الزّمخشريّ: «رقيب على أحوالهم و أعمالهم لا يفوته منها شيء،و هو محاسبهم عليها و معاقبهم،لا رقيب عليهم إلاّ هو وحده».

2-أخّر(على)فيها عن(حفيظ)خلافا لسائر الآيات حيث قدّم عليه،و ليس ذلك لوقوع الجملة هنا في وسط الآية دون آخرها،لأنّه منقوض ب(31 و 32) حيث وقع(على)فيهما في الوسط أيضا،و قدّم على (حفيظ)فالظّاهر أنّ التّقديم في الجميع للاهتمام به،سوى رعاية الرّويّ في جملة منها،و التّأخير هنا: اَللّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ لمزيد الاهتمام بحفظ اللّه،مع أنّه مشعر بالحصر أيضا فلاحظ.

ز-(اللّه)خير حافظ في(6): فَاللّهُ خَيْرٌ حافِظاً و فيها بحوث:

1-قيل في معناها:أتوكّل على اللّه في حفظ بنيامين،

ص: 792

و قال القشيريّ: «يحفظ بنيامين فلا يصيبه شيء من قبلهم.و لم يقل يعقوب:فاللّه خير من يردّه إليّ،و لو قال ذلك لعلّه كان يردّه إليه سريعا».

2-قال الفخر الرّازيّ: «فإن قيل:هل يدلّ قوله:

فَاللّهُ خَيْرٌ حافِظاً على أنّه أذن في ذهاب ابنه بنيامين في ذلك الوقت؟قلنا:الأكثرون قالوا:يدلّ عليه.و قال آخرون:لا يدلّ عليه،و فيه وجهان:

الأوّل:التّقدير أنّه لو أذن في خروجه معهم،لكان في حفظ اللّه لا في حفظهم.

الثّاني:أنّه لمّا ذكر يوسف قال: فَاللّهُ خَيْرٌ حافِظاً أي ليوسف،لأنّه كان يعلم أنّه حيّ».

3-ذهب الزّجّاج إلى أنّ(حافظا)منصوب على الحال،كما جوّز أن يكون تمييزا.غير أنّ الزّمخشريّ ذهب إلى أنّ(حافظا)منصوب على التّمييز،و مثّل قائلا:هو خيرهم رجلا،و للّه درّه فارسا،كما جوّز أن يكون حالا.

و لم يستحسنه أبو حيّان،لما فيه من تقييد(خير)بهذه الحال.

و نقل الآلوسيّ ردّ قول أبي حيّان«بأنّها حال لازمة مؤكّدة لا مبيّنة،و مثلها كثير،مع أنّه قول بالمفهوم و هو غير معتبر،و لو اعتبر ورد على التّمييز».ثمّ قال:«و فيه نظر».

و الحقّ أنّه تمييز-و تؤيّده قراءة (حفظا) كغيرها من الآيات فقد جاء فيها جميعا المنصوب بعد«خير»تمييزا دائما إمّا مصدرا-و هو كثير-مثل ذلِكَ خَيْرٌ وَ أَحْسَنُ تَأْوِيلاً الإسراء:35،أو مصدرا ميميّا مثل خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ أَحْسَنُ مَقِيلاً الفرقان:24،و أَيُّ الْفَرِيقَيْنِ خَيْرٌ مَقاماً مريم:73،و خَيْرٌ مَرَدًّا مريم:76،أو اسم مصدر مثل هُوَ خَيْراً وَ أَعْظَمَ أَجْراً المزّمّل:20، و هُوَ خَيْرٌ ثَواباً الكهف:44.[لاحظ خ ي ر:

«خير»]

4-قرئ (حفظا) و هو مصدر منصوب على التّمييز فحسب،و تقديره:فاللّه خيركم حفظا من حفظكم الّذي نسبتموه إلى أنفسكم بقولكم: وَ نَحْفَظُ أَخانا، وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ.

و قرأ الأعمش: (فاللّه خير حافظ) على الإضافة و الإفراد،و قرأ أبو هريرة: (خير الحافظين) على الإضافة و الجمع.

الثّاني:حفظ الملائكة:

أ-(9): وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ و فيها بحوث:

1-يريد رقباء من الملائكة،يحفظ كلّ إنسان ملكان:

أحدهما عن يمينه يكتب ما يعمل من الطّاعة و الخير، و الآخر عن شماله يكتب ما يعمل من المعصية و الشّرّ.

2-قال الفخر الرّازيّ: «هاهنا احتمالان:

أحدهما:أن يكون هناك جمع من الحافظين؛و ذلك الجمع يكونون حافظين لجميع بني آدم،من غير أن يختصّ واحد من الملائكة بواحد من بني آدم.

و ثانيهما:أن يكون الموكّل بكلّ واحد منهم غير الموكّل بالآخر،ثمّ يحتمل أن يكون الموكّل بكلّ واحد من بني آدم واحدا من الملائكة،لأنّه تعالى قابل الجمع بالجمع؛و ذلك يقتضي مقابلة الفرد بالفرد.و يحتمل أن يكون الموكّل بكلّ واحد منهم جمعا من الملائكة-كما قيل- اثنان باللّيل و اثنان بالنّهار،أو كما قيل:إنّهم خمسة».

ص: 793

و الحقّ أنّ هذه من مبهمات القرآن،و لا يجوز الكلام في المبهمات إلاّ بآية محكمة،أو رواية ثابتة،مع أنّه لا داعي للخوض فيما سكت عنه اللّه تعالى.

3-قال القرطبيّ: «اختلف النّاس في الكفّار،هل عليهم حفظة أم لا؟فقال بعضهم:لا،لأنّ أمرهم ظاهر و عملهم واحد،قال اللّه تعالى: يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ الرّحمن:41،و قيل:بل عليهم حفظة،لقوله تعالى: كَلاّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ* وَ إِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ* كِراماً كاتِبِينَ* يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ الانفطار:9-12».

ب-(10): وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً و فيها بحوث:

1-قال ابن عبّاس:«حفظة من الملائكة،ملكين بالنّهار و ملكين باللّيل،يكتبون حسناتكم و سيّئاتكم».

و قال السّدّيّ:«هي المعقّبات من الملائكة،يحفظونه و يحفظون عمله».و قال الآلوسيّ:«قيل:المراد ما يشمل الصّنفين».و قال الماورديّ في أحد قوليه:«جوارحهم الّتي تشهد عليهم بما كانوا يعملون».و يرفضه قوله:

وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ فإنّه يقتضي أنّ«الحفظة»يكونون من خارج أجسامهم.

2-قال الزّمخشريّ: «فإن قلت:اللّه تعالى غنيّ بعلمه عن كتبة الملائكة،فما فائدتها؟قلت:فيها لطف للعباد، لأنّهم إذا علموا أنّ اللّه رقيب عليهم،و الملائكة الّذين هم أشرف خلقه موكّلون بهم،يحفظون عليهم أعمالهم، و يكتبونها في صحائف،تعرض على رءوس الأشهاد في مواقف القيامة،كان ذلك أزجر لهم عن القبيح و أبعد من السّوء».

و أضاف الفخر الرّازيّ إلى هذا الوجه وجهين آخرين،فقال:«الثّاني:يحتمل في الكتابة أن تكون الفائدة فيها أن توزن تلك الصّحائف يوم القيامة،لأنّ وزن الأعمال غير ممكن،أمّا وزن الصّحائف فممكن.

الثّالث:يفعل اللّه ما يشاء و يحكم ما يريد،و يجب علينا الإيمان بكلّ ما ورد به الشّرع،سواء عقلنا الوجه فيه أو لم نعقل».

و الحقّ-كما سبق-أنّه المخلص في جميع ما سكت اللّه عن بيانه إلاّ بحجّة.

3-قال الطّباطبائيّ: «إطلاق إرسال الحفظة من غير تقييد لا في الإرسال و لا في الحفظة،ثمّ جعله مغيّا بمجيء الموت،لا يخلو عن دلالة على أنّ هؤلاء الحفظة المرسلين شأنهم حفظ الإنسان من كلّ بليّة تتوجّه إليه،و مصيبة تتوخّاه،و آفة تقصده،فإنّ النّشأة الّتي نحن فيها نشأة التّفاعل و التّزاحم،ما فيه من شيء إلاّ و هو مبتلى بمزاحمة غيره من شيء من جميع الجهات،لأنّ كلاّ من أجزاء هذا العالم الطّبيعيّ بصدد الاستكمال و استزادة سهمه من الوجود،و لا يزيد في شيء إلاّ و ينقص بنسبته من غيره، فالأشياء دائما في حال التّنازع و التّغلّب،و من أجزائه الإنسان الّذي تركيب وجوده ألطف التّراكيب الموجودة فيه و أدقّها فيما نعلم،فرقباؤه في الوجود أكثر،و أعداؤه في الحياة أخطر.فأرسل اللّه إليه من الملائكة حفظة،تحفظه من طوارق الحدثان و عوادي البلايا و المصائب،و لا يزالون يحفظونه من الهلاك،حتّى إذا جاء أجله خلّوا بينه و بين البليّة،فأهلكته على ما في الرّوايات».

و يؤيّده الحديث عن النّجاة من ظلمات البرّ و البحر،

ص: 794

و من كلّ كرب فيما بعدها من الآيات فلاحظ.

ج-(11): إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمّا عَلَيْها حافِظٌ و فيها بحثان:

1-اختلف في الحافظ من هو؟فقيل:حافظ من اللّه يحفظ عليه أجله و رزقه،و هو قول ابن جبير.و قيل:

حافظ من الملائكة،و هو قول ابن عبّاس.و قيل:حافظ من الإنسان،و هو عقله الّذي يرشده إلى مصالحه،و يكفّه عن مضارّه،حكاه الماورديّ.و لعلّ القول الثّاني أقربها؛ إذ تؤيّده الآيتان السّابقتان،و الآية اللاّحقة أيضا.

2-ما الّذي يحفظه الحافظ؟ذكر الفخر الرّازيّ أربعة وجوه لذلك،و هي:كتابة أعمال الإنسان دقيقها و جليلها، و حفظ عمله و رزقه و أجله،و حفظه من المعاطب و المهالك،و حفظه حتّى تسليمه إلى المقابر.

د-(12): يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللّهِ و فيها بحوث:

1-ممّ يحفظ الإنسان؟اختلف في ذلك،قال الإمام عليّ عليه السّلام:«ممّا لم يقدّر حتّى يأتي القدر»،و قال النّخعيّ:

«من الجنّ»،و قال الضّحّاك:«من الموت ما لم يأت أجله»،و قال الزّمخشريّ:«من بأس اللّه و نقمته»،و قال الطّبرسيّ:«قيل:من وجوه المهالك و المعاطب و من الجنّ و الإنس و الهوامّ»،و قال الآلوسيّ:«من قضاء اللّه تعالى و قدره».

2-اختلفوا في صلة يَحْفَظُونَهُ أ هي مِنْ أَمْرِ اللّهِ؟ ذهب الفرّاء إلى أنّ في الآية تقديما و تأخيرا، و تقدير الكلام:له معقّبات من أمر اللّه يحفظونه من بين يديه و من خلفه،و قال عكرمة:«أي عند نفسه من أمر اللّه»،و ذهب ابن عبّاس إلى أنّ الكلام على أصله،فقال:

«يحفظونه من أمر اللّه حتّى يأتي أمر اللّه».

و قال آخرون بقول ابن عبّاس،إلاّ أنّهم تأوّلوا(من) ب«عن»،أي يحفظونه عن أمر اللّه،كما قالوا:أطعمني من جوع و عن جوع،و كساني عن عرى و من عرى.أو تأوّلوها بالباء السّببيّة،أي يحفظونه من المضارّ بسبب أمر اللّه لهم بذلك.و به قال مغنيّة،و إنّه مثل يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ الشّورى:45،أي بطرف خفيّ،و إنّ فيه رواية عن الإمام الصّادق عليه السّلام.

أمّا الطّباطبائيّ فقد أطال الكلام في الآية قائلا:إنّ المعقّبات أي بالملائكة كما يحفظون الإنسان بأمر اللّه كذلك يحفظونه عن أمر اللّه أي من الفناء و الهلاك و الضّيعة و الفساد فإنّها جميعا بأمر اللّه فلاحظ.

3-قدّر بعض حرف نفي في الكلام،و التّقدير:

لا يحفظونه من أمر اللّه،و لكنّ الآلوسيّ نفى التّقدير،و عدّ الكلام من باب الاستعارة التّهكّميّة،كقوله تعالى:

فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ آل عمران:21،ثمّ قال:«فهو مستعار لضدّه،و حقيقته:لا يحفظونه».

الثّالث:حفظ النّاس:

أ-حفظ يوسف من قبل إخوته في(14): وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ و فيها بحثان:

1-فسّر«الحفظ»هنا بالشّفقة،و من كلّ ما يخاف منه،و ممّا يكره أو يؤذي،أو الحفظ في حال اللّعب.

2-قال أبو السّعود:«أكّدوا مقالتهم بأصناف التّأكيد،من إيراد الجملة اسميّة و تحليتها ب«أنّ»و اللاّم، و إسناد الحفظ إلى كلّهم،و تقديم(له)على الخبر،احتيالا في تحصيل مقصدهم».و هذا المعنى مستفاد من قول

ص: 795

الشّربينيّ: «أي بليغون في الحفظ له حتّى نردّه إليك سالما».

ب-حفظهم بنيامين في(15): وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ و(16): وَ نَحْفَظُ أَخانا و فيهما بحوث:

1-تشابه ذيل الآيتين(14)و(15)لفظا و معنى، و تباين صدرهما غرضا و صياغة،ففي(14)وصل الإرسال بالضّمير العائد على يوسف،و كان غرض الإرسال فيها الرّتع و اللّعب.و في(15)جرّد الإرسال من الضّمير و عوّض عنه باسم ظاهر هو(اخانا)،و كان غرض الإرسال فيها الكيل.

2-جاء لفظ(اخانا)بخصوص بنيامين في(15) و(16)،فنسبوه إليهم إثارة لعطف يعقوب حتّى يستسلم لمطلبهم،و لمّا اتّهم بالسّرقة نسبوه إليه،فقالوا: إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ يوسف:81.و هذا يفصح عن سوء نيّتهم أوّلا.

كما اعترفوا بهذه الأخوّة تكفيرا لما فرّطوا في يوسف، قالُوا تَاللّهِ لَقَدْ آثَرَكَ اللّهُ عَلَيْنا وَ إِنْ كُنّا لَخاطِئِينَ يوسف:91،و هذا يفصح عن صدق نيّتهم أخيرا.

3-كان وعد إخوة يوسف لأبيهم بحفظ يوسف كاذبا،و هو كيد منهم ليوسف،و كان وعدهم له بحفظ بنيامين صادقا،و هو كيد من يوسف لهم،و شتّان بين كيدهم و كيد يوسف.

ج-حفظ يوسف الأموال في(17): إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ و فيها بحوث:

1-فسّر(حفيظ)بكاتب حاسب،و حافظ لما استودع،و حافظ لما ولي،و أمين يحفظ ما يستحفظ.قال ابن عطيّة:«هذا كلّه تخصيص لا وجه له،و إنّما أراد باتّصافه أن يعرّف الملك بالوجه الّذي به يستحقّ الكون على خزائن الأرض،فاتّصف بأنّه يحفظ المجبيّ من كلّ جهة تحتاج إلى الحفظ،و يعلم التّناول أجمع».

و قال الفخر الرّازيّ: «إنّه جار مجرى أن يقول:

(حفيظ)بجميع الوجوه الّتي منها يمكن تحصيل الدّخل و المال،(عليم)بالجهات الّتي تصلح لأن يصرف المال إليها.و يقال:(حفيظ)بجميع مصالح النّاس،(عليم) بجهات حاجاتهم.أو يقال:(حفيظ)لوجوه أياديك و كرمك،(عليم)بوجوب مقابلتها بالطّاعة و الخضوع.

و هذا باب واسع يمكن تكثيره لمن أراده».

2-قال الطّوسيّ: «في الآية دلالة على جواز تقلّد الأمر من قبل السّلطان الجائر إذا تمكّن معه من إيصال الحقّ إلى مستحقّه».و روى الزّمخشريّ عن قتادة أنّه قال:«هو دليل على أنّه يجوز أن يتولّى الإنسان عملا من يد سلطان جائر،و قد كان السّلف يتولّون القضاء من جهة البغاة و يرونه،و إذا علم النّبيّ أو العالم أنّه لا سبيل إلى الحكم بأمر اللّه و دفع الظّلم،إلاّ بتمكين الملك الكافر أو الفاسق،فله أن يستظهر به».

3-قال الماورديّ: «في هذا دليل على أنّه يجوز للإنسان أن يصف نفسه بما فيه من علم و فضل،و ليس هذا على الإطلاق في عموم الصّفات،و لكن مخصوص فيما اقترن بوصلة،أو تعلّق بظاهر من مكسب،و ممنوع فيما سواه،لما فيه من تزكية و مراءاة،و لو تنزّه الفاضل عنه لكان أليق بفضله،فإنّ يوسف دعته الضّرورة إليه،لما سبق من حاله،و لما يرجوه من الظّفر بأهله».

و قال الزّمخشريّ: «لا نسلّم أنّه مدح نفسه،لكنّه بيّن

ص: 796

كونه موصوفا بهاتين الصّفتين النّافعتين في حصول هذا المطلوب،و بين البابين فرق،و كأنّه قد غلب على ظنّه أنّه يحتاج إلى ذكر هذا الوصف،لأنّ الملك و إن علم كماله في علوم الدّين،لكنّه ما كان عالما بأنّه يفي بهذا الأمر.ثمّ نقول:هب أنّه مدح نفسه،إلاّ أنّ مدح النّفس إنّما يكون مذموما إذا قصد الرّجل به التّطاول و التّفاخر و التّوصّل إلى غير ما يحلّ.فأمّا على غير هذا الوجه فلا نسلّم أنّه محرّم».

الرّابع:حفظ الغيب:

أ-قال إخوة يوسف في(18): وَ ما كُنّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ و فيها بحثان:

1-قال مجاهد:«ما كنّا نعلم أنّ ابنك يسرق و يصير أمرنا إلى هذا،فلو علمنا ذلك ما ذهبنا به معنا،و إنّما قلنا:

وَ نَحْفَظُ أَخانا ممّا لنا إلى حفظه منه سبيل».

و قال أيضا فيما نقل عنه:«ما كنّا نعلم أنّ ابنك يسترقّ»،فهذان قولان،و بهما قال سائر المفسّرين.

2-قال الفخر الرّازيّ: «نقل أنّ يعقوب عليه السّلام قال لهم:

فهب أنّه سرق،و لكن كيف عرف الملك أنّ شرع بني إسرائيل أنّ من سرق يسترقّ،بل أنتم ذكرتموه له لغرض لكم.فقالوا عند هذا الكلام:إنّا قد ذكرنا له هذا الحكم قبل وقوعنا في هذه الواقعة،و ما كنّا نعلم أنّ هذه الواقعة نقع فيها.فقوله: وَ ما كُنّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ إشارة إلى هذا المعنى.

فإن قيل:فهل يجوز من يعقوب عليه السّلام أن يسعى في إخفاء حكم اللّه تعالى على هذا القول؟

قلنا:لعلّه كان ذلك الحكم مخصوصا بما إذا كان المسروق منه مسلما،فلهذا أنكر ذكر هذا الحكم عند الملك الّذي ظنّه كافرا».

ب-حفظ النّساء للغيب في(19): فَالصّالِحاتُ قانِتاتٌ حافِظاتٌ لِلْغَيْبِ و فيها بحثان:

1-اختلف في ما يحفظن للغيب،فقيل:لأنفسهنّ عند غيبة أزواجهنّ عنهنّ في فروجهنّ و أموالهنّ،أو لأموال أزواجهنّ في حال غيبتهم،أو لأسرار أزواجهنّ، أي يقع بينهم و بينهنّ في الخلوة،و منه المنافسة و المنافرة.

2-يحتمل أن يكون معنى الغيب هنا«اللّه»عزّ و جلّ، كقوله: اَلَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ البقرة:3،و المراد واجبه،و تقدير الكلام:حافظات لواجب الغيب،من الفرائض و السّنن.

الخامس:حفظ الفروج:

جاء ترغيب الرّجال و النّساء إلى حفظ الفروج 5 مرّات(20-24)و فيها بحوث:

1-المراد به في(23 و 24)حفظها عن الزّنى قطعا بقرينة ذيلهما إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ أَوْ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ، و هو الظّاهر في(22): وَ الْحافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَ الْحافِظاتِ، لأنّ الآية بطولها عدّت أصول الأعمال المرغوبة فيها، و منها حفظ الفروج عن العمليّة الجنسيّة إلاّ ما استثني من الأزواج و الإماء.

أمّا الآيتان(20 و 21)فقد جاء حفظ الفروج فيهما عقيب غضّ البصر،و لهذا خصّها جماعة منهم بحفظها عن النّظر.و هذا مرويّ عن الإمام عليّ و الإمام الصّادق عليهما السّلام.فقد جاء في حديث عنه:«كلّ شيء في القرآن من حفظ الفرج فهو من الزّنى إلاّ هذه الآية فإنّها

ص: 797

من النّظر».و هذا مرويّ عن أبي العالية أيضا في وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ.

و أمّا المفسّرون فلهم قولان:

أحدهما:قول من خصّهما بالنّظر كالطّبريّ، و الطّبرسيّ و البيضاويّ في وجه،و الكاشانيّ و الطّباطبائيّ قائلا:

«المقابلة بين قوله: يَغُضُّوا مِنْ أَبْصارِهِمْ، و يَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ يعطي أنّ المراد بحفظ الفروج:

سترها عن النّظر،لا حفظها عن الزّنى و اللّواطة-كما قيل -[و ذكر الرّواية عن الإمام الصّادق عليه السّلام ثمّ قال:]،و على هذا يمكن أن تتقيّد أولى الجملتين بثانيهما،و يكون مدلول الآية هو النّهي عن النّظر إلى الفروج و الأمر بسترها».

الثّاني:قول من عمّمها للوطء و النّظر،أو احتملهما جميعا مثل ابن عبّاس حيث قال:«عن الحرام» و الماورديّ،و الطّوسيّ،و الزّمخشريّ،و ابن عطيّة،و أبو حيّان،و البروسويّ،و القاسميّ،و المراغيّ،و الفخر الرّازيّ حيث ردّ قول أبي العالية قائلا:«و هذا ضعيف، لأنّه تخصيص من غير دلالة.و الّذي يقتضيه الظّاهر أن يكون المعنى حفظها عن سائر ما حرّم اللّه عليه من الزّنى و المسّ و النّظر.و على أنّه إن كان المراد حظر النّفس، فالمسّ و الوطء أيضا مرادان بالآية؛إذ هما أغلظ من النّظر.فلو نصّ اللّه تعالى على النّظر لكان في مفهوم الخطاب ما يوجب حظر الوطء و المسّ،كما أنّ قوله:

فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ الإسراء:23،اقتضى حظر ما فوق ذلك من السّبّ و الضّرب».

و حيث عمّم الحكم للمسّ أيضا،إضافة إلى الوطء و النّظر،و قال:«فالمراد به عمّا لا يحلّ»،فيمكن أن يعدّ قولا ثالثا،و لعلّه مراد كلّ من قال:«عن الحرام»كابن عبّاس و غيره.

و قد نقل أبو حيّان قول الزّمخشريّ و أبي العالية و قال ردّا على أبي العالية:«و لا يتعيّن ما قاله،بل حفظ الفروج يشمل النّوعين».

و عندنا أنّ في الآيتين نكتة لطيفة ربّما تخصّص حفظ الفروج فيهما بالوطء الحرام،فيكون قولا ثالثا أو رابعا:

و هي أنّ اللّه لمّا أمر فيهما الرّجال و النّساء بغضّ البصر تلاه بما يترتّب على النّظر مباشرة من تحريك الغريزة الجنسيّة،فهو بمنزلة التّعليل لهذا الأمر،أي غضّوا أبصاركم لما ينشأ عن النّظر من الحرام في الفروج،فبين الأمرين ملازمة،كما قال الشّاعر:

ز دست ديده و دل هر دو فرياد

كه هرچه ديده بيند دل كند ياد

و كأنّ الشّربينيّ أشار إلى هذه النّكتة بقوله:«أي دائما لا يتّبعونها بشهوتها»،لاحظ نصّ فضل اللّه ذيل(23) وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ.

2-طرح الزّمخشريّ سؤالا في الآيتين:كيف دخل «من»في غضّ البصر دون حفظ الفروج؟و أجاب بأنّه للدّلالة على أنّ أمر النّظر أوسع،فيجوز النّظر إلى شعور المحارم و صدورهنّ و ثديهنّ و غيرها من أعضائهنّ، و كذلك يجوز في الجواري المستعرضات للبيع النّظر إلى وجههنّ و كفّهنّ و قدمهنّ-في إحدى الرّوايتين-و أمّا أمر

ص: 798

الفرج فمضيّق.و كفاك الفرق بينهما أنّه أبيح النّظر إلاّ ما استثني منه،و حظر الجماع إلاّ ما استثني منه.

و أجاب عنه البيضاويّ بما يقرب منه قال:«و لمّا كان المستثنى منه في الفرج كالشّاذّ النّادر،بخلاف الغضّ، أطلقه و قيّد الغضّ بحرف التّبعيض.و قيل:حفظ الفروج هاهنا خاصّة سترها».

و كذا القاسميّ حيث قال:«و قيل:إنّ الغضّ و الحفظ عن الأجانب،و بعض الغضّ ممنوع بالنّسبة إليهم و بعضه جائز،بخلاف الحفظ،فلا وجه لدخول(من)فيه».

و عندنا أنّ غضّ البصر:خفضه بتخفيف النّظر و كسره،و هذا يغاير غمض البصر و غمض العين بمعنى إطباق الجفنين بحيث لا يرى شيئا كالأعمى.

و عليه يكون(من)للتّبعيض أي يخفّفوا نظرهم، و لا ينظروا بتمام البصر و تشديد النّظر.و هذا هو الفارق بين غضّ الابصار و حفظ الفروج إذ لا تبعيض في الثّاني بأيّ معنى كان.

3-إنّ ابن عطيّة لمّا اختار في«الحفظ»الجميع بحجّة أنّ اللّفظ عامّ قال:«و بهذه الآية حرّم العلماء دخول الحمّام بغير مئزر»،و هذا من باب تحريم مقدّمة الحرام.

4-جاء في الآيتين وَ الَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حافِظُونَ * إِلاّ عَلى أَزْواجِهِمْ فعدّي حافِظُونَ ب(على).

فقال أبو حيّان:«حفظ لا يتعدّى ب«على»؟فقيل:

(على)بمعنى«من»أي إلاّ من أزواجهم،كما استعملت «من»بمعنى«على»في قوله: وَ نَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ...

الأنبياء:77،أي على القوم،قاله الفرّاء،و تبعه ابن مالك و غيره.و الأولى أن يكون من باب التّضمين:ضمّن حافِظُونَ معنى«ممسكون»أو«قاصرون»و كلاهما يتعدّى ب«على»كقوله: أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ الأحزاب:37.

و الوجه الثّاني هو الأقرب هنا و في وَ نَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ... أي نصرناه و حفظناه من القوم.

السّادس:حفظ الأيمان في 25: وَ احْفَظُوا أَيْمانَكُمْ و فيها بحثان:

1-ذكر الآلوسيّ أربعة أقوال في تفسيرها،فقال:

«أي راعوها لكي تؤدّوا الكفّارة عنها إذا حنثتم،أو احفظوا أنفسكم من الحنث فيها و إن لم يكن الحنث معصية،أو لا تبذلوها و أقلّوا منها،أو احفظوها و لا تنسوا كيف حلفتم تهاونا بها».

ثمّ نقل قول الشّهاب فيها:«و صحّح الشّهاب الأوّل،و اعترض الثّاني بأنّه لا معنى له،لأنّه غير منهيّ عن الحنث إذا لم يكن الفعل معصية،و الثّالث بأنّه ساقط واه،لأنّه كيف يكون الأمر بحفظ اليمين نهيا عن اليمين؟! و هل هو إلاّ كقولك:احفظ المال،بمعنى لا تكسبه؟ و اعترض الرّابع بأنّه بعيد».

2-استدلّ الطّبرسيّ بهذه الآية على عدم انعقاد اليمين في المعصية،و علّل ذلك بقوله:«لأنّها لو انعقدت للزم حفظها،و إذا كانت لا تنعقد فلا يلزم فيها الكفّارة».

السابع:حفظ حدود اللّه في(26): وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ و فيها بحثان:

1-روى الطّبريّ فيه ثلاثة أقوال:القائمون على

ص: 799

طاعة اللّه،عن ابن عبّاس.و القائمون على أمر اللّه،عن الحسن.و الحافظون لفرائض اللّه،عن الحسن أيضا.

و روى الماورديّ قولا آخر عن مقاتل بن حيّان، قال:«الحافظون لشرط اللّه في الجهاد».

و روى الآلوسيّ عن بعض المحقّقين،فقال:«إنّ المراد بحفظ الحدود ظاهره،و هي إقامة الحدّ كالقصاص على من استحقّه».

2-اختلف في واو وَ الْحافِظُونَ فقيل:هي واو العطف،أي عطف على ما قبله: وَ النّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ، و وجّه الآلوسيّ هذا المعنى بقوله:«لأنّ من لم يصدّق فعله قوله لا يجدي أمره نفعا،و لا يفيد نهيه منعا».

و قيل:هي زائدة،و ضعّف القرطبيّ هذا القول.

و قيل:هي واو الثّمانية،لأنّ السّبعة عدد كامل عند العرب،و الثّمانية عدد آخر عندهم يعطف عليه بهذه الواو،كما في قوله: ثَيِّباتٍ وَ أَبْكاراً التّحريم:5، و قوله: وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها الزّمر:73،و قوله: وَ يَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَ ثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ الكهف:22.

الثّامن:نفي الحفظ:

أ-نفي حفظ الكافرين في(27): وَ ما أُرْسِلُوا عَلَيْهِمْ حافِظِينَ و فيها بحثان:

1-فسّروا(الحافظين)بالشّاهدين،و هو قول أبي مسلم،و أضاف قائلا:«لأنّ شهادة الكفّار لا تقبل على المؤمنين»،يريد بذلك في يوم القيامة.و بالموكّلين،و هو قول الزّمخشريّ،و أضاف:«يحفظون عليهم أحوالهم، و يهيمنون على أعمالهم،و يشهدون برشدهم و ضلالهم».

و بالرّقباء،أي ما أرسل الكفّار رقباء على المؤمنين حتّى يحفظوا أعمالهم و يحصوا حركاتهم،كما قال الشّيخ مغنيّة.

2-قال ابن عطيّة:«قال بعض علماء التّأويل:بل المعنى بالعكس،و أنّ معنى الآية:و إذا رأى المؤمنون الكفّار قالوا:إنّهم لضالّون،و هو الحقّ فيهم،و لكنّ ذلك يثير الكلام بينهم.فكأنّ في الآية حضّا على الموادعة،أي أنّ المؤمنين لم يرسلوا حافظين على الكفّار،و هذا كلّه منسوخ على هذا التّأويل بآية السّيف».

و إليه ذهب الشّيخ محمّد عبده أيضا،و ردّه الشّيخ مغنيّة قائلا:«و هذا القول خلاف الظّاهر،و بعيد عن الأفهام».

ب-نفي حفظ الأنبياء أممهم:في(28-32)و فيها بحوث:

1-جاء«الحفيظ»في هذه الآيات الخمس بمعنى الرّقيب،و سبقه لفظ(عليكم)في(28)و(29)، و(عليهم)في الثّلاث الأخرى.و قد نفي فيها جميعا رقابة الأنبياء و محافظتهم على الكافرين،أي إحصاء أعمالهم و أفعالهم و مجازاتهم عليها،و إنّما الحفيظ و الرّقيب هو اللّه، يحفظها اللّه فيجازيهم عليها.

2-أربعة منها(29-32)وردت بشأن محمّد صلّى اللّه عليه و آله، و ذهب بعض إلى أنّها كانت قبل الأمر بالقتال زعما منه أنّها تنفي القتال.

و يردّه أنّ(30)مدنيّة نزلت بعد الأمر بالقتال، و سياقها سياق الآيات الأربع النّازلة بمكّة قبل الأمر

ص: 800

بالقتال و هذا دليل على أنّ المراد بها جميعا نفي إحصاء أعمالهم و مجازاتهم عليها من قبل الأنبياء دون منعهم عن الكفر و الشّرك و المعاصي لسانا و يدا،حتّى تنافي الأمر بالقتال.

3-قال الماورديّ في(30) فَما أَرْسَلْناكَ عَلَيْهِمْ حَفِيظاً: «فيه تأويلان:

أحدهما:يعني حافظا لهم من المعاصي حتّى لا تقع منهم.

و الثّاني:حافظا لأعمالهم الّتي يقع الجزاء عليها، فتخاف ألاّ تقوم بها،فإنّ اللّه تعالى هو المجازي عليها».

و هذا هو الموافق لسياق الآيات دون الأوّل.

و ذكر الفخر الرّازيّ أيضا فيها قولين:أحدهما حفظ النّاس عن المعاصي،و الثّاني الاشتغال بزجرهم عن التّولّي فهو مثل لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ البقرة:256،ثمّ نسخ بآية الجهاد.و فيه-كما سبق-أنّها نزلت بعد الأمر بالجهاد،فالمتعيّن هو الأوّل.

4-الآية(28) وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ نزلت بشأن شعيب عليه السّلام،و فيها بحوث:

أوّلها فيما يحفظ منه:قال الماورديّ: «يحتمل ثلاثة أوجه:أحدها:حفيظ من عذاب اللّه تعالى أن ينالكم.

و الثّاني:حفيظ لنعم اللّه تعالى أن تزول عنكم.و الثّالث:

حفيظ من البخس و التّطفيف إن لم تطيعوا فيه ربّكم».

و أضاف الواحديّ وجها آخر،و هو أنا لم أؤمر بقتالكم و إكراهكم على الإيمان.و فسّرها الزّمخشريّ كتفسير أخواتها الأربع،فقال:«ما بعثت لأحفظ عليكم أعمالكم و أجازيكم عليها».

و الحقّ-كما سبق-أنّ سياق الآيات الخمس واحد، و أريد بها أنّ الأنبياء ليسوا حافظين لأعمال العباد و مجازيهم عليها،أو ليس في إمكانهم أن يحفظوا أممهم عن الخطأ،و أنّ عليهم إبلاغ رسالات اللّه فحسب.

ثانيها-جاءت هذه الآية حكاية عن النّبيّ شعيب عليه السّلام و الآية(29)حكاية عن نبيّنا صلّى اللّه عليه و آله،و قد خاطب نبيّ الإسلام قومه الكافرين في صدرها،و نصحهم قائلا: قَدْ جاءَكُمْ بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ أَبْصَرَ فَلِنَفْسِهِ وَ مَنْ عَمِيَ فَعَلَيْها، و خاطب شعيب أهل مدين في صدرها و نصحهم قائلا:

بَقِيَّتُ اللّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ هود:86،و قال كلّ منهما في ذيلها: وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ، و هو تنصّل و تبرّؤ يشبه الوعيد.و ما قال نبيّنا ذلك لقومه إلاّ بعد أن دلّهم على الرّشاد،و بيّن لهم عاقبة من تبعه أو ندّ عنه.أمّا أخو أهل مدين فقد نصحهم بتحصيل ثواب اللّه و أجره،دون أن يبيّن لهم طريقه.

ثالثها:قال الطّباطبائيّ: «الآية كالمعترضة بين الآيات السّابقة و الآية اللاّحقة،و هو خطاب منه تعالى عن لسان نبيّه،كالرّسول يأتي بالرّسالة إلى قوم فيؤدّيها إليهم،و في خلال ما يؤدّيه يكلّمهم من نفسه بما يهيّجهم للسّمع و الطّاعة،و يحثّهم على الانقياد بإظهار النّصح و نفي الأغراض الفاسدة عن نفسه».

التّاسع:اللّوح المحفوظ في(36): وَ عِنْدَنا كِتابٌ حَفِيظٌ و فيها بحثان:

1-قيل فيه:إنّه(فعيل)بمعنى(فاعل)،أي حافظ

ص: 801

لأعمال الكفّار و عدّتهم و أسمائهم،و هو اللّوح المحفوظ، و قيل:هو(فعيل)بمعنى(مفعول)،أي محفوظ من الشّيطان و البلى و الدّروس و التّغيّر،أو محفوظ فيه كلّ شيء.

و رجّح الفخر الرّازيّ القول الأوّل لوجهين:

«أحدهما:أنّ الحفيظ بمعنى الحافظ وارد في القرآن،قال تعالى: وَ ما أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ الأنعام:104،و قال تعالى: اَللّهُ حَفِيظٌ عَلَيْهِمْ الشّورى:6،و لأنّ الكتاب -على ما ذكرنا-للتّمثيل،فهو يحفظ الأشياء،و هو مستغن عن أن يحفظ».

2-قال الطّباطبائيّ: «قول بعضهم:إنّ المراد به كتاب الأعمال غير سديد،أوّلا:من جهة أنّ اللّه ذكره حفيظا لما تنقص الأرض منهم،و هو غير الأعمال الّتي يحفظه كتاب الأعمال.

و ثانيا:أنّه سبحانه إنّما وصف في كلامه بالحفظ اللّوح المحفوظ دون كتب الأعمال،فحمل الكتاب الحفيظ على كتاب الأعمال من غير شاهد».

العاشر:أوّاب حفيظ في(37): لِكُلِّ أَوّابٍ حَفِيظٍ و فيها بحثان:

1-ذكرت في معناه أقوال كثيرة،فقالوا:الحفيظ:هو الحافظ لأمر اللّه،و المطيع للّه،و لحدود اللّه،و لما استودعه اللّه من حقّه و نعمته،و لحقّ اللّه،و لذنوبه حتّى يرجع عنها، و للعهد فلا ينقضه و لا ينكثه،و لتوبته من النّقض، و الحافظ قلبه في رجوعه إليه أن لا يرجع منه إلى أحد سواه،و المحافظ على نفسه و المتعهّد لها،و على أوقاته.

2-ذكر الزّمخشريّ وجوها في الأوّاب و الحفيظ، فقال:«الأوّاب:هو الّذي رجع عن متابعة هواه في الإقبال على ما سواه،و الحفيظ:هو الّذي إذا أدركه بأشرف قواه،لا يتركه فيكمل تقواه.و يكون هذا تفسيرا للمتّقي،لأنّ المتّقي هو الّذي اتّقى الشّرك و التّعطيل و لم ينكره،و لم يعترف بغيره.

و الأوّاب:هو الّذي لا يعترف بغيره،و يرجع عن كلّ شيء غير اللّه تعالى،و الحفيظ:هو الّذي لم يرجع عنه إلى شيء ممّا عداه».لاحظ:أ و ب:«أوّاب»

المحور الثّاني:المحافظة،و جاءت بشأن الصّلاة فقط 4 مرّات(38-41)و فيها بحوث:

1-ذهب أغلب المفسّرين إلى أنّ معنى المحافظة هو المواظبة على أداء الصّلاة المكتوبة في أوقاتها.و قال الطّباطبائيّ في الآية(38):«المراد بالمحافظة في هذه الآية هو الخشوع في الصّلاة،و هو نحو تذلّل و تأثّر باطنيّ عن العظمة الإلهيّة عند الانتصاب في مقام العبوديّة،لكنّ المعروف من تفسيره أنّ المراد بالمحافظة على الصّلاة:

المحافظة على وقتها».

و قال الآلوسيّ: «يحتمل أن يراد بالصّلاة مطلق الطّاعة مجازا،أو اكتفى ببعضها الّذي هو عماد الدّين و علم الإيمان،و لذا أطلق على ذلك الإيمان مجازا،كقوله تعالى:

وَ ما كانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ البقرة:143».

2-قال الفخر الرّازيّ في(38):«المراد أنّ الإيمان بالآخرة كما يحمل الرّجل على الإيمان بالنّبوّة،فكذلك يحمله على المحافظة على الصّلوات.

ص: 802

و ليس لقائل أن يقول:الإيمان بالآخرة يحمل على كلّ الطّاعات،فما الفائدة في تخصيص الصّلاة بالذّكر؟

لأنّا نقول:المقصود منه التّنبيه على أنّ الصّلاة أشرف العبادات بعد الإيمان باللّه و أعظمها خطرا،أ لا ترى أنّه لم يقع اسم الإيمان على شيء من العبادات الظّاهرة إلاّ على الصّلاة،كما قال تعالى: وَ ما كانَ اللّهُ لِيُضِيعَ إِيمانَكُمْ البقرة:143،أي صلاتكم؟و لم يقع اسم الكفر على شيء من المعاصي إلاّ على ترك الصّلاة».

و قال الزّمخشريّ في علّة تخصيص الصّلاة بالمحافظة دون غيرها:«لأنّها عماد الدّين،و من حافظ عليها كانت لطفا في المحافظة على أخواتها».

و قال محمّد رشيد رضا أيضا:«لأنّه لم يكن فرض عند نزول السّورة من أركان العبادات غيرها،على أنّه لمّا كانت الصلاة عماد الدّين و رأس العبادات،و ممدّة الإيمان بالتّقوية و كمال الإذعان،كانت المحافظة عليها داعية إلى القيام بسائر العبادات المفروضة،و ترك جميع المحرّمات المنصوصة،و محاسبة النّفس على الشّبهات و الأفعال المكروهة».

3-جاءت في سورة المؤمنون آيتان-2 و 9-بشأن الصّلاة. اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ و وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلَواتِهِمْ يُحافِظُونَ فقال البغويّ:«كرّر ذكر الصّلاة ليبيّن أنّ المحافظة عليها واجبة كما أنّ الخشوع فيها واجب».

و قال البيضاويّ: «لفظ الفعل-أي يحافظون-فيه لما في الصّلاة من التّجدّد و التّكرّر؛و لذلك جمعه غير حمزة و الكسائيّ.و ليس ذلك تكريرا لما وصفهم به أوّلا،فإنّ الخشوع في الصّلاة غير المحافظة عليها،و في تصدير الأوصاف و ختمها بأمر الصّلاة تعظيم لشأنها».

4-و جاءت في سورة المعارج أيضا آيتان(23 و 34)فقال الزّمخشريّ في(40):«إن قلت:كيف قال في سورة المعارج: عَلى صَلاتِهِمْ دائِمُونَ، ثمّ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ؟ قلت:معنى دوامهم عليها أن يواظبوا على أدائها،لا يخلّون بها و لا يشتغلون عنها بشيء من الشّواغل».و كذا قال الرّازيّ بما يشبه هذا المعنى،و أضاف:«قيل:المراد به سكونهم فيها؛بحيث لا يلتفتون يمينا و لا شمالا».

5-قال الفخر الرّازيّ في(41)-و يجري في غيرها- «فان قيل:المحافظة لا تكون إلاّ بين اثنين كالمخاصمة و المقاتلة،فكيف المعنى هاهنا؟و الجواب من وجهين:

أحدهما:أنّ هذه المحافظة تكون بين العبد و الرّبّ، كأنّه قيل له:احفظ الصّلاة ليحفظك الإله الّذي أمرك بالصّلاة،و هذا كقوله: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ البقرة:

152،و في الحديث:«احفظ اللّه يحفظك».

الثّاني:أن تكون المحافظة بين المصلّي و الصّلاة،فكأنّه قيل:احفظ الصّلاة حتّى تحفظك الصّلاة».

و قال أبو البقاء العكبريّ: «يجوز أن يكون من «المفاعلة»الواقعة من واحد،كعاقبت اللّصّ،و عافاه اللّه، و أن يكون من«المفاعلة»الواقعة من اثنين،و يكون وجوب تكرير الحفظ جاريا مجرى الفاعلين؛إذ كان الوجوب حاثّا على الفعل،فكأنّه شريك الفاعل الحافظ، كما قالوا في قوله: وَ إِذْ واعَدْنا مُوسى البقرة:51، فالوعد كان من اللّه و القبول من موسى،و جعل القبول

ص: 803

كالوعد.و في(حافظوا)معنى لا يوجد في(احفظوا)،و هو تكرير الحفظ».

و نقل محمّد رشيد رضا رأي أستاذه في هذه الآية،فقال:

«قال: حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ، و لم يقل:(احفظوها)، لأنّ المفاعلة تدلّ على المنازعة و المقاومة.و لا يظهر قول بعضهم:إنّ المفاعلة للمشاركة،لأنّ الصّلاة تحفظه كما يحفظها،إلاّ لو كانت العبارة:حافظوا الصّلوات،و لكنّه قال: عَلَى الصَّلَواتِ، أي اجتهدوا في حفظها و المداومة عليها».

و تدارك رأي أستاذه بقوله:«لا يريد الأستاذ بهذا أنّ الصّلاة لا تحفظ ممّا ذكر،و إنّما يريد أنّ لفظ(حافظوا) لا يدلّ على هذا المعنى الثّابت في نفسه».ثمّ عقّب قائلا:

«و الّذي أفهمه في المفاعلة على الشّيء هو فعله المرّة بعد المرّة،و منه:حافظ عليه،و واظب عليه،و داوم عليه.إلاّ إذا كانت(على)للتّعليل،ك«قاتله على الأمر»،أي لأجله،فالمقاتلة فيه للمشاركة،و لا يصحّ هنا».

و لقائل أن يقول:إنّ المفاعلة هنا ترغيب إلى مشاركة القلب و القالب،أو مشاركة جميع الأعضاء فيها، أو مشاركة المؤمنين في أدائها جماعة.

المحور الثّالث:الاستحفاظ في(43): بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ و فيها بحوث:

1-فسّر الاستحفاظ بالاستيداع،من قولهم:

استحفظته شيئا،أي استودعته،و المعنى أنّ اللّه استودع بني إسرائيل التّوراة،و لكنّهم ضيّعوها و حرّفوا ما فيها.

قال أبو حيّان:«في بناء الفعل للمفعول و كون الفعل للطّلب ما يدلّ على أنّه تعالى لم يتكفّل بحفظ التّوراة،بل طلب منهم حفظها و كلّفهم بذلك،فغيّروا و بدّلوا و خالفوا أحكام اللّه،بخلاف كتابنا،فإنّ اللّه تعالى قد تكفّل بحفظه، فلا يمكن أن يقع فيه تبديل و لا تغيير،قال تعالى: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9».

2-قال الفخر الرّازيّ: «فيه مسألتان:

المسألة الأولى:حفظ كتاب اللّه على وجهين:الأوّل:

أن يحفظ فلا ينسى.الثّاني:أن يحفظ فلا يضيّع.و قد أخذ اللّه على العلماء حفظ كتابه من هذين الوجهين:أحدهما:

أن يحفظوه في صدورهم،و يدرسوه بألسنتهم.و الثّاني:أن لا يضيّعوا أحكامه و لا يهملوا شرائعه.

المسألة الثّانية:الباء في قوله: بِمَا اسْتُحْفِظُوا فيه وجهان:الأوّل:أن يكون صلة الأحبار،على معنى العلماء بما استحفظوا.و الثّاني:أن يكون المعنى يحكمون بما استحفظوا،و هو قول الزّجّاج».

3-الباء في بِمَا اسْتُحْفِظُوا سببيّة متعلّقة ب(يحكم)،و(ما)موصولة،و الضّمير في الفعل عائد على النّبيّين و الرّبّانيّين و الأحبار،أو عائد على الرّبّانيّين و الأحبار فقط،و الّذين استحفظهم التّوراة هم الأنبياء.

و قيل:الباء صلة لفعل مقدّر معطوف على قوله: يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ، و(ما)مصدريّة.

قال الآلوسيّ: «توهّم بعضهم أنّ(ما)بمعنى أمر، و(من)لتبيين مفعول محذوف ل(استحفظوا)،و التّقدير:

بسبب أمر(استحفظوا)به شيئا مِنْ كِتابِ اللّهِ. و هو ممّا لا ينبغي أن يخرّج عليه كتاب اللّه تعالى.و قيل:

الأولى أن تجعل(ما)مصدريّة،ليستغنى عن تقدير العائد،و حينئذ لا يتأتّى القول بأنّ(من)بيان لها.و من

ص: 804

النّاس من جوّز كون(بما)بدلا من(بها)،و أعيد الجارّ لطول الفصل،و هو جائز أيضا و إن لم يطل.و منهم من أرجع الضّمير المرفوع للنّبيّين،و(من)عطف عليهم، فالمستحفظ حينئذ هو اللّه تعالى،و حديث الإنباء لا يتأتّى إذ ذاك.و قيل:إنّ(الربّانيّون)فاعل بفعل محذوف،و الباء صلة له،و الجملة معطوفة على ما قبلها،أي و يحكم الربّانيّون و الأحبار بحكم كتاب اللّه تعالى الّذي سألهم أنبياؤهم أن يحفظوه من التّغيير».

ثانيا-من هذه الآيات-و عددها 42-:10 مدنيّة، و 32 مكّيّة،و الحفظ في المكّيّات تكوينيّ منسوب إلى اللّه غالبا مباشرة أو بالواسطة و هي عقيدة و توحيد،و في المدنيّات تشريع و منسوب إلى النّاس غالبا،فكلّ من الصّنفين يناسب محلّ نزوله.

ثالثا-كلّ من الصّنفين شامل للإيجاب و السّلب، و الإيجاب فيهما أكثر من السّلب.

ص: 805

ص: 806

ح ف ف

اشارة

لفظان،مرّتان،في سورتين مكّيّتين

حففناهما 1:1 حافّين 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :حفّ الشّعر يحفّ حفوفا،إذا يبس.

و احتفّت المرأة:أمرت من تحفّ شعر وجهها بخيطين.

و الحفوف:اليبوسة من غير دسم.[ثمّ استشهد بشعر]

و حفّت المرأة وجهها تحفّه حفّا و حفوفا.

و سويق حافّ:غير ملتوت.

و الحفيف:صوت الشّيء تحسّه كالرّمية أو طيران طائر أو غيره،حفّ يحفّ حفيفا.

و حفّان الإبل:صغارها.

و الحفّان:الخدم.

و المحفّة:رحل يحفّ بثوب تركبه المرأة.

و حفافا كلّ شيء:جانباه.

و حفّ الحائك:خشبته العريضة ينسّق بها اللّحمة بين السّدى.

و حفّ القوم بسيّدهم،أي أطافوا به و عكفوا،و منه قوله: حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ الزّمر:75.

و الحفّ:نتف الشّعر بخيط و نحوه.(3:30)

أبو عمرو الشّيبانيّ: و قال[الأسديّ]:الحفف:

ألاّ يكون له لبن،هذا رجل محفّ و حافّ.

فيها غنى من حفف و إعدام،يعني:الإبل.(1:157)

حفّ شعره،يحفّ حفوفا.(1:159)

و قال[السّعديّ]:إذا كان رديء العيش:فلان حافّ،و طعام حافّ،إذا لم يكن له أدم،حفّ يحفّ حفوفا.(1:161)

و قال الأكوعيّ: ما معه إلاّ حفف:قدر ما يبلّغه من الزّاد،و ما معه إلى حففة.(1:167)

و الحفاف،تقول:ما معه إلاّ حفاف طعمه،أي قدر ما يأكل،و في عيشهم حفاف،أي قدر.[ثمّ استشهد بشعر]

و عنده حفاف.(1:196)

ص: 807

الحفّة:العود يكون في الشّقّة من يدي المرأة،إذا نسجت:مرّة تدفعه بيدها و مرّة تجرّه إليها،و هو الحفّ، عود بين النّير و الثّناية القصوى.(1:213)

الحفّة:الكرامة التّامّة،و منه قولهم:من حفّنا أو رفّنا فليقتصد.(الأزهريّ 4:3)

الفرّاء: يقال:ما يحفّهم إليّ ذلك إلاّ الحاجة،يريد:ما يدعوهم و ما يحوجهم.(الأزهريّ 4:3)

أبو زيد :و قالوا:حفّ بطن الرّجل،إذا لم يجد لحما و لم يصب دسما.(259)

يقال:«ما أنت بنيرة و لا حفّة».معناه:لا تصلح لشيء؛فالنّيرة هي الخشبة المعترضة،و الحفّة:القصبات الثّلاث.

ما عند فلان إلاّ حفف من المتاع،و هو القوت القليل.

(الأزهريّ 4:4)

حفّت أرضنا و قفّت،إذا يبس بقلها.

(ابن فارس 2:15)

الأصمعيّ: حفّ يحفّ حفوفا و أحففته.سويق حافّ:لم يلتّ بسمن.

هو يحفّ و يرفّ،أي يقوم و يقعد،و ينصح و يشفق.

و معنى يحفّ:تسمع له حفيفا،و يقال:شجر يرفّ،إذا كان له اهتزاز من النّضارة.

يقال:بقي من شعره حفاف؛و ذلك إذا صلع فبقيت طرّة من شعره حول رأسه؛و جمع الحفاف:أحفّة.

و حفّ عليهم الغيث،إذا اشتدّت غبيته حتّى تسمع له حفيفا.

و يقال:أجرى الفرس حتّى أحفّه،إذا حمله على الحفر الشّديد حتّى يكون له حفيف.

و يقال:يبس حفّافه،و هو اللّحم اللّيّن أسفل اللّهاة.

و المحفّة:مركب من مراكب النّساء.

الحفّ بغير هاء،هو المنسج.و أمّا الحفّة فهي الخشبة الّتي يلفّ عليها الحائك الثّوب.

الّذي يضرب به الحائك كالسّيف:الحفّة بالكسر، و أمّا الحفّ:فالقصبة الّتي تجيء و تذهب،كذا هو عند الأعراب.

الحفّان:ولد النّعام؛الواحدة:حفّانة،الذّكر و الأنثى جميعا.

أصابهم من العيش ضفف و حفف و قشف،كلّ هذا من شدّة العيش.

و جاءنا على حفف أمر،أي على ناحية منه.

(الأزهريّ 4:3)

الحفف:عيش سوء و قلّة مال.يقال:ما رئي عليهم حفف و لا ضفف،أي أثر عوز.(الجوهريّ 4:1345)

اللّحيانيّ: إنّه لحافّ بيّن الحفوف،أي شديد العين.

و معناه أنّه يصيب النّاس بعينه.(الأزهريّ 4:6)

الحفف:الكفاف من المعيشة.(ابن سيده 2:539)

أبو عبيد: من أمثالهم في القصد في المدح:«من حفّنا أو رفّنا فليقتصد».يقول:من مدحنا فلا يغلونّ في ذلك، و لكن ليتكلّم بالحقّ.(الأزهريّ 4:3)

ابن الأعرابيّ: الضّفف:القلّة،و الحفف:الحاجة.

و قال العقيليّ:ولد الإنسان على حفف،أي على حاجة إليه.الضّفف و الحفف واحد.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 4:5)

ص: 808

إذا ذهب سمع الرّجل كلّه قيل:قد حفّ سمعه.(الصّغانيّ 4:453)

ابن السّكّيت: و الحفّ:مصدر حفّ يحفّ.

و الحفف:قلّة المأكول و كثرة الأكلة.

و تقول:ما رئي عليهم حفف و لا ضفف،أي أثر عوز.

(إصلاح المنطق:64)

و يقال:قوم محفوفون،و قد حفّتهم الحاجة حفّا شديدا تحفّهم،إذا كانوا محاويج.

(إصلاح المنطق:304)

و يقال:سمعت حفيف الرّحى،و سمعت سحيف الرّحى،و هو صوتها إذا طحنت.(إصلاح المنطق:414)

المبرّد: الضّفف:أن تكون الأكلة أكثر من مقدار المال،و الحفف:أن تكون الأكلة بمقدار المال.

(الأزهريّ 4:5)

الزّجّاج: و حفّت الماشية من الرّبيع،إذا سمنت، و أحفّت،مثله.(فعلت و أفعلت:11)

ابن دريد :حفّ القوم بالرّجل و غيره حفّا،إذا أطافوا به.

و حففت الشّيء حفّا،إذا قشرته.و منه:حفّت المرأة وجهها،إذا أخذت عنه الشّعر.

و الحفف:الضّيق في المعاش و الفقر،و أصله من «القشر»و في كلام بعضهم:«خرج زوجي و يتم ولدي فما أصابهم حفف و لا ضفف».فالحفف:الضّيق، و الضّفف:أن يقلّ الطّعام و يكثر آكلوه.

و يقال:أغار فلان على بني فلان فاستحفّ أموالهم، أي أخذها بأسرها.

و حفّ النّسّاج:معروف.و المحفّة:سمّيت بهذا،لأنّ خشبها يحفّ بالقاعد فيها.

و حفّ رأس الرّجل من الدّهن يحفّ حفوفا و أحففته أنا إحفافا.

و الحفافة:ما سقط من الشّعر المحفوف و غيره.

و الحفاف:البلغة من العيش.(1:62)

و يقال:جاء على حفف ذاك و حفاف ذاك و حفّ ذاك،أي على أثره.(3:468)

و قالوا:فلان في الحفاف،أي في قدر ما يكفيه.

(3:470)

القاليّ: و إذا كان له[الفرس]ضوء كان له حفيف، فيقول:يحفّ من شدّة العدو حتّى كأنّ عرفجا يتضرّم على أعرافه و عنانه.(2:37)

و الحفيف:الصّوت،و كذلك الهفيف و العجيج.

(2:245)

الأزهريّ: و يقال:حفّت الثّريدة،إذا يبس أعلاها فتشقّقت،و حفّت الأرض وقّفت،إذا يبس بقلها.

و فرس قفر حافّ:لا يسمن على الصّنعة.

و حفاف الرّمل:منقطعه:و جمعه:أحفّة.

و قال أبو خيرة:الأفعى تفحّ و تحفّ،و الحفيف من جلدها،و الفحيح من فيها.(4:6)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و في المثل:«ما أنت بحفّة و لا نيرة»لمن لا يضرّ و لا ينفع.

و حفافا كلّ شيء:جانباه.

و ما بقي من شعره إلاّ حفاف:و هو أن يبقى منه

ص: 809

كالطّرّة حول رأسه.

و الحفاف:الجماعات،و الحلق المستديرة،كالحفاف من الرّمل.

و الحفيف:صوت كالرّمية،أو طيران طائر،حفّ يحفّ.

و حفّان الإبل و النّعام:صغارهما.

و الحفّان:الخدم.

و أتانا فلان على حفف ذاك،أي إبّانه و حينه.

و الحفف:القوت القليل كالكفف لا فضل فيه، و الحاجة،و شدّة العيش.و هو من الرّجال:القصير المقتدر الخلق.

و إنّه لحافّ العينين:خبيثهما.

و الحفافة:حفافة التّبن و القتّ،و هو بقيّتهما.

و الحفيف:اليابس من الكلإ.

و«ما له حافّ و لا رافّ»الحافّ:الّذي يضمّه، و الرّافّ:الّذي يطعمه.و منه قول المرأة:«من حفّنا أو رفّنا فليترك».

و سقاء حفّان ماء،أي ملآن،و قريب من حفافه.

و الحفّ:سمكة بيضاء شاكة.

و يقال للدّيك و الدّجاجة إذا زجرتهما:حف حف .(2:319)

الخطّابيّ: و حفافا الجبل:جانباه.

و من هذا حديث وهب بن منبّه:«أنّ إبراهيم حين أراد رفع قواعد البيت ظلّل اللّه له مكان البيت بغمامة، فكانت حفاف البيت».(2:66)

في حديث معاوية:«أنّه بلغه أنّ عبد اللّه بن جعفر حفّف و جهد من بذله و إعطائه،فكتب إليه يأمره بالقصد،و ينهاه عن السّرف...»[و استشهد بالشّعر مرّتين].

قوله:حفّف،أي قلّ ماله.(2:534)

الجوهريّ: قال أبو سعيد:الحفّة:المنوال.و لا يقال له:حفّ،و إنّما الحفّ:المنسج.

و الحفّان:فراخ النّعام؛الواحدة:حفّانة،الذّكر و الأنثى فيه سواء.

و الحفّان أيضا:الخدم.

و إناء حفّان:بلغ الكيل حفافيه.

و حفّت المرأة وجهها من الشّعر تحفّه حفّا و حفافا، و احتفّت أيضا.

و الاحتفاف:أكل جميع ما في القدر،و الاشتفاف:

شرب جميع ما في الإناء.

و المحفّة،بالكسر:مركب من مراكب النّساء كالهودج،إلاّ أنّها لا تقبّب كما تقبّب الهوادج.

و حفّوا حوله يحفّون حفّا،أي أطافوا به و استداروا، و قال اللّه تعالى: وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ... الزّمر:75

و حفّه بالشّيء يحفّه كما يحفّ الهودج بالثّياب، و كذلك التّحفيف.

و يقال:«من حفّنا أو رفّنا فليقتصد»أي من خدمنا أو تعطّف علينا و حاطنا.

و ما لفلان حافّ و لا رافّ،و ذهب من كان يحفّه و يرفّه.

و حفّتهم الحاجة تحفّهم،إذا كانوا محاويج.و هم قوم محفوفون.

ص: 810

و حفّ رأسه يحفّ بالكسر حفوفا،أي بعد عهده بالدّهن.و أحففته أنا.

و حفّ الفرس أيضا يحفّ حفيفا.و أحففته أنا،إذا حملته على أن يكون له حفيف،و هو دويّ جريه، و كذلك حفيف جناح الطّائر.

و حفّ شاربه و رأسه يحفّ حفّا،أي أحفاه.

و حفافا الشّيء:جانباه.

و يقال:بقي من شعره حفاف،و ذلك إذا صلع فبقيت من شعره طرّة حول رأسه؛و الجمع:أحفّة.

[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](4:1344)

ابن فارس: الحاء و الفاء ثلاثة أصول:الأوّل:

ضرب من الصّوت،و الثّاني:أن يطيف الشّيء بالشّيء، و الثّالث:شدّة في العيش.

تفسير ذلك:الأوّل:الحفيف،حفيف الشّجر و نحوه، و كذلك حفيف جناح الطّائر.

و الثّاني:قولهم:حفّ القوم بفلان،إذا أطافوا به.قال اللّه تعالى: وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ الزّمر:75 و من ذلك حفافا كلّ شيء:جانباه.[ثمّ استشهد بشعر]

و من هذا الباب:هو على حفف أمر،أي ناحية منه، و كلّ ناحية شيء فإنّها تطيف به.

و من هذا الباب قولهم:«فلان يحفّنا و يرفّنا»كأنّه يشتمل علينا فيعطينا و يميرنا.

و الثّالث:الحفوف و الحفف،و هو شدّة العيش و يبسه.

قال أبو زيد:حفّت أرضنا و قفّت،إذا يبس بقلها، و هو كالشّظف.و يقال:هم في حفف من العيش،أي ضيق و محل.

ثمّ يجري هذا حتّى يقال:رأس فلان محفوف و حافّ، إذا بعد عهده بالدّهن،ثمّ يقال:حفّت المرأة وجهها من الشّعر.و احتففت النّبت،إذا جززته.(2:14)

الثّعالبيّ: عن الفارابيّ:الحفف:قلّة الطّعام و كثرة الأكلة،و الضّفف:قلّة الماء و كثرة الورّاد.و الضّفف أيضا:

قلّة العيش.(72)

فصل في سياقة أصوات مختلفة:...حفيف الشّجر.

(222)

فصل في الأصوات المشتركة:...الحفيف:صوت حركة الأغصان،و جناح الطّائر،و حركة الحيّة.

فصل في خشبات الصّنّاع و غيرهم...الحفّ:

للنّسّاج.(256)

ابن سيده: حفّ القوم بالشّيء و حواليه يحفّون حفّا،و حفّوه و حفّفوه:أحدقوا به.

المحفّف:الضّرع الممتلئ الّذي له جوانب كأنّ جوانبه حفّفته،أي حفّت به.و رواه ابن الأعرابيّ«مجفّفا» يريد ضرعا كأنّه جفّ،و هو الوطب الخلق.

و المحفّة:رحل يحفّ بثوب ثمّ تركب فيه المرأة.

و قيل:المحفّة:مركب كالهودج إلاّ أنّ الهودج يقبّب و المحفّة لا تقبّب.قال ابن دريد:سمّيت بها لأنّ الخشب يحفّ بالقاعد فيها،أي يحيط به من جميع جوانبه.

و الحفف:الجمع،و قيل:قلّة المأكول و كثرة الأكلة.

و قال ثعلب:هو أن يكون العيال مثل الزّاد.

و قيل:هو مقدار العيال.

و أصابهم حفف من العيش،أي شدّة.و ما رئي

ص: 811

عليهم حفف و لا ضفف،أي أثر عوز.

و طعام حفف:قليل.

و معيشة حفف:ضنك.

و حفّتهم الحاجة تحفّهم حفّا شديدا،إذا كانوا محاويج.

و عنده حفّة من متاع أو مال،أي قوت قليل ليس فيه فضل عن أهله.

و كان الطّعام حفاف ما أكلوا،أي قدره.

و الحفوف:اليبس من غير دسم.

و سويق حافّ:يابس غير ملتوت.و قيل:هو ما لم يلتّ بسمن و لا زيت.

و حفّت أرضنا تحفّ حفوفا:يبس بقلها.

و حفّ بطن الرّجل:لم يأكل دسما و لا لحما فيبس.

و حفّ اللّحية يحفّها حفّا:أخذ منها.

و حفّه يحفّه حفّا:قشره،و المرأة تحفّ وجهها حفّا و حفافا:تزيل عنه الشّعر بالموسى و تقشره،مشتقّ من ذلك.

و تحتفّ:تأمر من يحفّه نتفا بخيطين.و هو من القشر، و اسم ذلك الشّعر:الحفافة.و قيل:الحفافة:ما يسقط من الشّعر المحفوف و غيره.

و حفّت اللّحية تحفّ حفوفا:شعثت.

و حفّ رأس الإنسان و غيره يحفّ حفوفا:شعث.

و أحفّه صاحبه:ترك تعهّده.

و الحفافان:ناحيتا الرّأس،و الإناء،و غيرهما.و قيل:

هما جانباه؛و الجمع:أحفّة.

و إناء حفّان:بلغ الماء و غيره حفافيه.

و الأحفّة أيضا:ما بقي حول الصّلعة من الشّعر؛ الواحد:حفاف.

و الحفاف:اللّحم الّذي في أسفل الحنك إلى اللّهاة.

و الحافّان من اللّسان:عرقان أخضران يكتنفان من باطن.و قيل:حافّ اللّسان:طرفه.

و حفّ الحائك:خشبته العريضة ينسّق بها اللّحمة بين السّدى.

و الحفّ:المنسج (1).

و الحفّة:الخشبة الّتي يلفّ عليها الحائك الثّوب.

و الحفّة:القصبات.و قيل:هي الّتي يضرب بها الحائك كالسّيف.

و الحفّ:القصبة الّتي تجيء و تذهب؛و جمعها:

حفوف.

و ما أنت بحفّة و لا نيرة:الحفّة ما تقدّم،و النّيرة:

الخشبة المعترضة.يضرب هذا لمن لا ينفع و لا يضرّ.

و الحفيف:صوت الشّيء تسمعه كالرّنّة أو طيران الطّائر،حفّ يحفّ حفيفا و حف حف.

و حفّ الجعل يحفّ:طار،و الحفيف:صوت جناحيه.

و الأنثى من الأساود تحفّ حفيفا،و هو صوت جلدها إذا دلكت بعضه ببعض.

و حفيف الرّيح:صوتها في كلّ ما مرّت به.

و الحفيف:صوت أخفاف الإبل إذا اشتدّ.

و حفّ سمعه:ذهب كلّه،فلم يبق منه شيء.

و حفّان النّعام:ريشه.

و الحفّان:صغار النّعام و الإبل.ج.

ص: 812


1- الظّاهر:المنسج.

و الحفّان من الإبل أيضا:ما دون الحقاق.

و قيل:أصل الحفّان:صغار النّعام،ثمّ استعمل في صغار كلّ جنس؛و الواحدة من كلّ ذلك:حفّانة،الذّكر و الأنثى فيه سواء.

و الحفّان:الخدم.

و فلان حفّ بنفسه،أي معنيّ.

و هو يحفّنا و يرفّنا،أي يعطينا و يميرنا.و في المثل«من حفّنا أو رفّنا فليقتصد»يقول:من مدحنا فلا يغلونّ في ذلك،و لكن ليتكلّم بالحقّ منه.

و حفّ العين:شقرها.

و جاء على حفّ ذاك و حففه و حفافه،أي حينه و ربّانه.

و هو على حفف أمر،أي ناحية منه و شرف.

و احتفّت الإبل الكلأ:أكلته أو نالت منه.

و الحفّة:ما احتفّت منه.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(2:538)

حفّ الشّيء و به و حوله و من حوله،يحفّه حفّا و حفافا،و احتفّ به:أطاف به و استدار.

(الإفصاح 1:313)

الحفّ:سمكة بيضاء شاكة.(الإفصاح 2:976)

الرّاغب: قال عزّ و جلّ: وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ الزّمر:75 أي مطيفين بحافّتيه،أي جانبيه،و منه قول النّبيّ عليه السّلام:«تحفّه الملائكة بأجنحتها».

[ثمّ استشهد بشعر]

و قال عزّ و جلّ: وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ الكهف:32.

و فلان في حفف من العيش،أي في ضيق،كأنّه حصل في حفف منه،أي جانب،بخلاف من قيل فيه:هو في واسطة من العيش.

و منه قيل:«من حفّنا أو رفّنا فليقتصد»أي من تفقّد حفف عيشنا.

و حفيف الشّجر و الجناح:صوته،فذلك حكاية صوته،و الحفّ:آلة النّسّاج سمّي بذلك لما يسمع من حفّه، و هو صوت حركته.(123)

الزّمخشريّ: حفّوا به و احتفّوا:أطافوا،و هم حافّون به.و حففته بالنّاس:جعلتهم حافّين به.و«حفّت الجنّة بالمكاره»، وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ الكهف:32.

و دخلت عليه و هو محفوف بخدمه.و هودج محفّف بالدّيباج.[ثمّ استشهد بشعر]

و جلسوا حفافيه،و حفافي سريره،و هما جانباه.

و ركبت في محفّتها.و هو رجل محفوف بثوب.و ما بقي من شعره إلاّ حفاف،و هو طرّة حول رأسه.

و حفّت المرأة وجهها و احتفّته:أخذت شعره.

و حفّ الفرس و الرّيح و الطّائر و السّهم حفيفا،و هو صوت مروره.و لأغصان الشّجرة حفيف.

و حفّ النّبات حفوفا:يبس.و حفّت أرضنا و قفّت، و أرض حافّة.

و عن بعض العرب:أتونا بعصيدة قد حفّت،فكأنّها عقب فيه شقاق.و سويق حافّ:غير ملتوت.

و من المجاز:فلان يحفّنا و يرفّنا،أي يضمّنا و يؤوينا.

و هو في حفوف من العيش و حفف.

و حفّ رأسه:بعد عهده بالدّهن.و قوم محفوفون،و قد حفّتهم الحاجة.(أساس البلاغة:89)

ص: 813

عليّ عليه السّلام:«سلّم عليه الأشعث فردّ عليه بغير تحفّ».الحفاوة و التّحفّي:الإكرام بالمسألة و الإلطاف.[ثمّ ذكر حديث معاوية و عبد اللّه بن جعفر]

حفّف:مبالغة في حفّ،أي جهد و قلّ ماله،من حفّت الأرض.(الفائق 1:297)

الطّبرسيّ: حفّ القوم بالشّيء،إذا أطافوا به، و حفافا الشّيء:جانباه،كأنّهما أطافا به.[ثمّ استشهد بشعر](3:468)

ابن الأثير: في حديث أهل الذّكر:«فيحفّونهم بأجنحتهم»أي يطوفون بهم و يدورون حولهم.

و في حديث آخر:«إلاّ حفّتهم الملائكة».

و فيه:«أنّه عليه السّلام لم يشبع من طعام إلاّ على حفف».

الحفف:الضّيق و قلّة المعيشة.يقال:أصابه حفف و حفوف،و حفّت الأرض،إذا يبس نباتها.أي لم يشبع إلاّ و الحال عنده خلاف الرّخاء و الخصب.

و منه حديث عمر:«قال له وفد العراق:إنّ أمير المؤمنين بلغ سنّا و هو حافّ المطعم»أي يابسه و قحله.

و منه حديثه الآخر:«أنّه سأل رجلا فقال:كيف وجدت أبا عبيدة؟فقال:رأيت حفوفا»أي ضيق عيش.

(1:408)

الصّغانيّ: الحفّ:القشر...

و حفيف الأفعى مثل فحيحها،إلاّ أنّ الحفيف من جلدها،و الفحيح من فيها،و هذا عن أبي خيرة.

و الحفيف:اليابس من الكلإ.

و حفافة التّبن:بقيّته.

و الحفّة:كورة غربيّ حلب.

و حفحف،إذا ضاقت معيشته.

و جاء على حفاف ذاك،و حففه و حفّه،أي أثره.

(4:453)

الرّازيّ: حفّت المرأة وجهها من الشّعر،من باب «ردّ»حفافا أيضا بالكسر،و احتفّت مثله.

و المحفّة بالكسر:مركب من مراكب النّساء كالهودج إلاّ أنّها لا تقبّب،كما تقبّب الهوادج.

و حفّوا حوله،أي أطافوا به و استداروا.قال اللّه تعالى: وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ الزّمر:

75.

و حفّه بالشّيء كما يحفّ الهودج بالثّياب.

و حفّ شاربه و رأسه،أي أحفاه،و باب الثّلاثة«ردّ».

(162)

الفيّوميّ: حفّت المرأة وجهها حفّا،من باب«قتل»:

زيّنته بأخذ شعره.

و حفّ شاربه،إذا أحفاه.

و حفّه:أعطاه.

و حفّ القوم بالبيت:أطافوا به،فهم حافّون.

و حفّت الأرض تحفّ،من باب«ضرب»:يبس نبتها.

و المحفّة بكسر الميم:مركب من مراكب النّساء كالهودج.(1:142)

الفيروزآباديّ: حفّ رأسه يحفّ حفوفا:بعد عهده بالدّهن،و الأرض:يبس بقلها،و سمعه:ذهب كلّه، و شاربه و رأسه:أحفاهما.

و الفرس حفيفا:سمع عند ركضه صوت،و الأفعى:

ص: 814

فحّ فحيحا؛إلاّ أنّ الحفيف من جلدها و الفحيح من فيها، و كذلك الطّائر و الشّجرة إذا صوّتت.

و المرأة وجهها من الشّعر تحفّ حفافا بالكسر و حفّا:

قشرته،كاحتفّت.

و الحفّة:الكرامة التّامّة،و كورة غربيّ حلب،و المنوال يلفّ عليه الثّوب.

و الحفّ:المنسج،و سمكة بيضاء شاكة.

و الحفّان:فراخ النّعام للذّكر و الأنثى؛و الواحدة:

حفّانة،و الخدم،و الملآن من الأواني،أو ما بلغ المكيل حفافيه.

و ككتاب:الجانب و الأثر.

و قد جاء على حفافه و حففه و حفّه مفتوحتين:أثره، و الطّرّة من الشّعر حول رأس الأصلع؛جمعه:أحفّة.

و حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ محدقين بأحفّته،أي جوانبه.

و سويق حافّ:غير ملتوت.

و هو حافّ بيّن الحفوف:شديد الإصابة بالعين.

وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ الكهف:32:جعلنا النّخل مطيفة بأحفّتهما.

و الحفف محرّكة و الحفوف:عيش سوء و قلّة مال، و من الأمر:ناحيته،و القصير المقتدر.

و المحفّة بالكسر:مركب للنّساء كالهودج إلاّ أنّها لا تقبّب.

و حفّه بالشّيء كمدّه:أحاط به.

و في المثل:«من حفّنا أو رفّنا فليقتصد»أي من طاف بنا و اعتنى بأمرنا و خدمنا و مدحنا فلا يغلونّ.

و منه قولهم:ما له حافّ و لا رافّ،و ذهب من كان يحفّه و يرفّه.

و كشدّاد:اللّحم اللّيّن أسفل اللّهاة.

و ككناسة:بقيّة التّبن،و القتّ.

و حفّتهم الحاجة،أي هم محاويج،و قوم محفوفون.

و حف حف:زجر للدّيك و الدّجاج.

و أحففته:ذكرته بالقبيح،و رأسي:أبعدت عهده بالدّهن،و الفرس:حملته على أن يكون له حفيف،و هو دويّ جوفه،و الثّوب:نسجته بالحفّ كحفّفته.

و حفّف تحفيفا:جهد و قلّ ماله،و حوله حفّ كاحتفّ.

و احتفّ النّبت:جزّه،و المرأة:أمرت من يحفّ شعر وجهها بخيطين.

و استحفّ أموالهم:أخذها بأسرها.

و حفحف:ضاقت معيشته،و جناح الطّائر و الضّبع:

سمع لهما صوت.(3:132)

الطّريحيّ: و«حفّت الجنّة بالمكاره،و حفّت النّار بالشّهوات»و يروى:حجبت.

و حفّ القوم بالقتال،إذا تناول بعضهم بعضا بالسّيوف.

و حفّ به العدوّ حفوفا:أسرع.

و حفّت المرأة وجهها من الشّعر تحفّه حفّا،من باب «قتل»:زيّنته.

و مثله:«حفّت الدّنيا بالشّهوات كما يحفّ الهودج بالثّياب».

و حفّتهم الحاجة تحفّهم،إذا كانوا محاويج.

ص: 815

و حفّ رأسه يحفّ بالكسر حفوفا إذا بعد عهده بالدّهن.

و حفّ شاربه يحفّ حفّا:أحفاه.

و حفيف الفرس:دويّ جريه،و حفيف الشّجر:

دويّ ورقه،و مثله حفيف جناح الطّير.

و المحفّة بكسر الميم:مركب من مراكب النّساء كالهودج.(5:38)

مجمع اللّغة :1-حفّ القوم بالبيت أو من حوله- كردّ يردّ-حفّا:أطافوا به،و أحدقوا من حوله،فهم حافّون.

2-و حففت الأرض بالشّجر أحفّها حفّا:أحطتها به.

(1:275)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حفّ الشّجر البستان و به:أحاط به،و حفّ القوم بالرّجل:أحدقوا به و تحلّقوا حوله،فهم حافّون به.(1:140)

المصطفويّ: و التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة،و هو«اللّفّ»مع قيد مفهوم الإحاطة،كما أنّ «اللّفّ»هو مطلق في مقابل مفهوم النّشر.

و باعتبار هذا المعنى يطلق على سوء العيش و شدّته و المضيقة فيه،الّذي يوجب الانقباض في الحياة و العيش، في مقابل الانبساط و النّشر.

و كذلك حفيف الشّجر و الطّائر،بإحاطته الشّجر و كون الشّجر ملفوفا به،و كذا في الطّائر و غيره.

و يناسب المعنى المذكور:حفّت المرأة وجهها،فإنّ الوجه إذا أخذ منه الشّعر،و حين يؤخذ يكون منقبضا و ملفوفا بشدّة الأخذ و القبض.

و لا يخفى أنّ كلمات:حفّ،عفّ،رفّ،كفّ،قفّ،لفّ، طيّ:يجمعها مفهوم التّجمّع و التّحفّظ.(2:275)

النّصوص التّفسيريّة

حففناهما

...وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَ جَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً.

الكهف:32

ابن عبّاس: أحطناهما.(247)

مثله فضل اللّه(14:325).

و نحوه الثّعلبيّ(6:170)،و الواحديّ(3:148)،و الميبديّ(5:69)،و أبو الفتوح(12:352)،و الكاشانيّ (3:242)،و الطّباطبائيّ(13:308)،و حسنين محمّد مخلوف (1:476)،و المصطفويّ(2:275).

زيد بن عليّ: غطّيناهما،و حجرناهما من جوانبهما.(259)

أبو عبيدة :مجازه:أطفناهما،و حجزناهما من جوانبهما.(1:402)

نحوه الطّبريّ(15:244)،و الزّجّاج(3:284)،و السّجستانيّ(113)،و الطّوسيّ(7:41)،و البغويّ (3:192)،و الطّبرسيّ(3:468)،و ابن الجوزيّ(5:139)، و القرطبيّ(10:401)،و الخازن(4:172)،و أبو حيّان (6:123)،و السّمين(4:454)،و ابن كثير(4:386)، و الشّربينيّ(2:375)،و مغنية(5:125).

النّحّاس: أي حوّطناهما،و قد حفّ القوم بفلان،إذا حدقوا.(4:238)

الزّمخشريّ: و جعلنا النّخل محيطا بالجنّتين.و هذا

ص: 816

ممّا يؤثره الدّهاقين في كرومهم أن يجعلوها مؤزّرة بالأشجار المثمرة.يقال:حفّوه،إذا أطافوا به،و حففته بهم،أي جعلتهم حافّين حوله.و هو متعدّ إلى مفعول واحد،فتزيده الباء مفعولا ثانيا،كقولك:غشيه و غشيته به.(2:483)

نحوه البيضاويّ(2:12)،و النّسفيّ(3:12)،و النّيسابوريّ(15:131)،و أبو السّعود(4:189)، و البروسويّ(5:245)،و الآلوسيّ(15:274)، و القاسميّ(11:4057)،و طنطاوي(9:131)،و ابن عاشور(15:64).

ابن عطيّة: بمعنى:و جعلنا ذلك لها من كلّ جهة.

تقول:حفّك اللّه بخير،أي عمّك به من جهاتك،و الحفاف:

الجانب من السّرير و الفدان و نحوه.و ظاهر هذا المثل[أي ما جاء في الآية وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً ]أنّه بأمر وقع و كان موجودا،و على ذلك فسّره أكثر أهل هذا التّأويل.

و يحتمل أن يكون مضروبا بمن هذه صفته و إن لم يقع ذلك في وجود قطّ،و الأوّل أظهر.(3:515)

الفخر الرّازيّ: أي و جعلنا النّخل محيطا بالجنّتين، نظيره قوله تعالى: وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ الزّمر:75،أي واقفين حول العرش محيطين به.

و الحفاف:جانب الشّيء،و الأحفّة:جمع.فمعنى قول القائل:حفّ به القوم،أي صاروا في أحفّته،و هي جوانبه.

(21:124)

ابن كثير :محفوفتين بالنّخيل،المحدقة في جنباتهما.(4:386)

عزّة دروزة :لففناهما و طوّقناهما من جميع الجوانب.(6:21)

عبد الكريم الخطيب :و قد حفّت هاتان الجنّتان بالنّخيل،ليكون ذلك أشبه بسور لهما،إلى جانب الثّمر الّذي يجيء من هذه النّخيل.(8:616)

حافّين

وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ...

الزّمر:75

ابن عبّاس: محدقين.(392)

و هكذا أكثر المفسّرين.

الفرّاء: لا واحد له؛إذ لا يقع لهم الاسم إلاّ مجتمعين.

(القرطبيّ 15:287)

أبو عبيدة :أطافوا به بحفافيه.(2:192)

القرطبيّ: و الحافّون:أخذ من حافّات الشّيء و نواحيه.قال الأخفش:واحدهم:حافّ[ثمّ نقل قول الفرّاء و أضاف:]

و قال الأخفش:(من)زائدة أي حافّين حول العرش.و هو كقولك:ما جاءني من أحد،ف(من)توكيد.

(15:287)

السّمين:جمع حافّ،و هو المحدق بالشّيء،من:

حففت بالشّيء،إذا أحطتّ به،و هو مأخوذ من «الحفاف»و هو الجانب.

و قال الفرّاء و تبعه الزّمخشريّ: لا واحد لحافّين.

و كأنّهما رأيا أنّ الواحد لا يكون حافّا؛إذ الحفوف هو الإحداق بالشّيء و الإحاطة به،و هذا لا يتحقّق إلاّ في جمع[و استشهد بالشّعر مرّتين](6:26)

ص: 817

المصطفويّ: أي ملتفّين و محيطين،و يراد أنّ الملائكة الّذين قد أمروا و جاءوا من جانب حول العرش، و من ساحة عظمة اللّه المتعال يحفّون على هؤلاء من أهل الجنّة،و لا يخفى لطف التّعبير بكلمة(من)دون الباء.

و التّعبير بالحفّ في هذا المورد:إشارة إلى كثرة الملائكة و ازدحامهم،و ذلك من جهة تجليل أهل الجنّة و تبشيرهم و تهنئتهم.

و بهذا المعنى يتمّ النّظم في الآيات الشّريفة،فراجعها.

(2:275)

الأصول اللّغويّة

1-لهذه المادّة أصلان:

الأوّل:الحفّ،أي الإحداق بالشّيء.يقال:حفّ القوم بسيّدهم و بالشّيء يحفّون حفّا،و حفّوه و حفّفوه، أي أحدقوا به و أطافوا.

و الحفّان:الخدم،لأنّهم يحفّون بمخدومهم.

و المحفّة:مركب كالهودج،سمّيت بها لأنّ الخشب يحفّ بالقاعد فيها،أي يحيط به من جميع جوانبه.

و الحفاف:طرف الشّيء و جانبه،لأنّه يطيف به و يحفّه،و الحفافان:ناحيتا الرّأس و الإناء و غيرهما، و حفافا الجبل:جانباه،و حفاف الرّمل:منقطعه؛و الجمع:

أحفّة.و الأحفّة:ما بقي حول الصّلعة من الشّعر.يقال:بقي من شعره حفاف.

و إناء حفّان:بلغ الماء و غيره حفافيه.

و حافّ اللّسان:طرفه،و الحافّان من اللّسان:عرقان أخضران يكتنفانه من باطن.

و حفّ العين:شفرها؛لأنّه يحدق بها.

و الحفّ:المنسج،لأنّه يحيط بالنّسيج؛و الجمع:

حفوف،و هو الحفّة أيضا.يقال:ما أنت بحفّة و لا نيرة، الحفّة:المنوال،و النّيرة:الخشبة المعترضة،أي أنت لا تنفع و لا تضرّ،و لا تصلح لشيء.

و الحفّان من النّعام و الإبل:ما دون الحقاق،أي دون الرّابعة من عمره،فهو محفوف بكبارها ما دام صغيرا.

و الحفوف:اليبس،لأنّه أمارة الضّيق و الإحداق.

يقال:حفّت أرضنا تحفّ حفوفا،أي يبس بقلها،و حفّت الثّريدة:يبس أعلاها فتشقّقت،و حفّ بطن الرّجل:لم يأكل دسما و لا لحما فيبس،و سويق حافّ:يابس غير ملتوت.

و الحفوف:شعث الشّعر و تلبّده،تشبيها بحفوف البقل،أي يبسه،يقال:حفّ رأس الإنسان و غيره يحفّ حفوفا،أي شعث و بعد عهده بالدّهن،و حفّت اللّحية تحفّ حفوفا:شعثت.

و الاحتفاف:أكل جميع ما في القدر،و احتفّت الإبل الكلأ:أكلته أو نالت منه،و الحفّة:ما احتفّت منه،و هو إحاطة و إحداق بالشّيء،و منه:حفّ الشّعر و تقشيره.

يقال:حفّ رأسه و شاربه يحفّه حفّا و حفوفا و أحفّه،أي أحفاه،و حفّ اللّحية يحفّها حفّا:أخذ منها،و المرأة تحفّ وجهها حفّا و حفافا:تزيل عنه الشّعر بالموسى و تقشّره، و احتفّت المرأة و أحفّت،و هي تحتفّ:تأمر من يحفّ شعر وجهها نتفا بخيطين،و الحفافة:ما سقط من الشّعر المحفوف و غيره.

و الحفف:الضّيق في المعاش و القلّة و الحاجة،يقال:

ص: 818

أصابهم حفف من العيش،أي شدّة،كأنّه أحيط بهم و طيف عليهم،و أولئك قوم محفوفون.

و ما عند فلان إلاّ حفف من المتاع،أي القوت القليل،و طعام حفف:قليل،و معيشة حفف:ضنك.

و حفّتهم الحاجة تحفّهم حفّا شديدا،إذا كانوا محاويج،و ولد له على حفف:على حاجة.

و حفّ سمعه:ذهب كلّه فلم يبق منه شيء،كأنّه ضيّق عليه و أحيط به.

و من المجاز:رجل حافّ العين بيّن الحفوف:شديد الإصابة بها،و هو على حفف أمر:ناحية منه و شرف، و جاء على حفّ ذلك و حففه و حفافه:حينه و إبّانه.

و الثّاني:الحفيف،و هو صوت يشبه الرّنين.يقال:

حفّ الشّيء يحفّ حفيفا،أي صات،كصوت التهاب النّار،و صوت جناحي الطّائر،و صوت جلد أنثى الأساود،إذا دلكت بعضه ببعض،و صوت الرّيح في كلّ ما مرّت به،و صوت أخفاف الإبل،و صوت الغيث إذا اشتدّ، و صوت الفرس عند الجري.يقال:حفّ الرّأس يحفّ حفيفا،و أحففته أنا،إذا حملته على أن يكون له حفيف، و هو دويّ جريه.

2-و جاء ما يضارع الحفوف:اليبس،و هو قولهم:

جفّ الشّيء يجفّ و يجفّ جفوفا و جفافا،أي يبس، و الجفيف:ما يبس من أحرار البقول.

و نظير الحفف:الحاجة،قولهم:أصابهم من العيش ضفف و جفف و شظف،و ما روي عليه ضفف و لا جفف:

أثر حاجة،و روي في هذه المادّة:ما رئي عليهم حفف و لا ضفف:أثر عوز.

و كذلك سويق حافّ و حثّ و حتّ،راجع(ح ث ث).

و يبدو أنّ ذلك كلّه من الاشتقاق الأكبر،أو من تداخل اللّغات،أو غير ذلك،و اللّه أعلم.

3-و يستعمل بعض العرب اليوم لفظ«الحفّاف» بمعنى الحلاّق،و يضيف أهل العراق إليه«تاء»للتّأنيث، فيطلقونه على المرأة الّتي تحفّ شعر وجوه النّساء حرفة لها،إلاّ أنّهم لا يطلقون على من يحفّ شعر رأس الرّجل أو شاربه أو لحيته«حفّافا»،بل يقولون:حلاّق أو مزيّن، و هو الأفصح.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الماضي و اسم الفاعل كلّ منهما مرّة في آيتين:

1- ...جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ... الكهف:32

2- وَ تَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ...

الزّمر:75

يلاحظ أوّلا:أنّ(حففناهما)في(1)قد أسند إلى اللّه بلفظ المتكلّم جمعا تعظيما،و فيه بحوث:

1-قالوا في معناه:أحطناهما،و غطّيناهما و حجرناهما من جوانبهما،و أطفناهما و حجزناهما،و حوّطناهما، و جعلنا النّخل محيطا بالجنّتين،و غير ذلك،و كلّها بمعنى واحد.

2-قال زيد بن عليّ: «يعني غطّيناهما و حجرناهما من جوانبهما»،يريد به تغطية الأعناب و الكروم بالنّخل،

ص: 819

وقاية من وهج الشّمس في الصّيف و الزّمهرير في الشّتاء.

و هو وجه حسن،غير أنّ الحفّ يصدق على الجوانب دون الوسط،فلا يستقيم هذا القول إلاّ بجعل النّخيل في الوسط أيضا،لكى تغطّي الأعناب،و لكنّ السّياق لا يتضمّن هذا المعنى.

3-توسّطت جملة وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ جملتي جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ و وَ جَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً، فهلاّ أبدل الحفّ بالجعل كما في الجملة السّابقة و اللاّحقة،و هو ظاهر كلام الزّمخشريّ و ابن عطيّة و الفخر الرّازيّ،فيكون التّقدير:و جعلنا حولهما نخلا؟

نقول:الجعل في كلا الموضعين من الآية بمعنى الإنشاء،و هو عامّ و الحفّ خاصّ متفرّع منه،و نظيره قوله: اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً وَ سَلَكَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً طه:53.و لو عمّم الكلام و كرّر العامل(الجعل) لكان إمّا للتّنويع،نحو: وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمّا خَلَقَ ظِلالاً وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً وَ جَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَ سَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ النّحل:81،أو للتّقسيم:

وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِباساً وَ النَّوْمَ سُباتاً وَ جَعَلَ النَّهارَ نُشُوراً الفرقان:47،أو للتّفصيل: وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً الإسراء:12،أو للتّخصيص دون التّفريع:

وَ لَوْ جَعَلْناهُ مَلَكاً لَجَعَلْناهُ رَجُلاً الأنعام:9،أو للزّيادة:

وَ نُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَ نَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَ نَجْعَلَهُمُ الْوارِثِينَ القصص:5،و غير ذلك.

ثانيا:لفظ(حافّين)في(2)جمع«حافّ»،أو هو جمع لا مفرد له،و فيه بحوث:

1-قال أغلب المفسّرين:(حافّين):محدقين،و قال أبو عبيدة:«أطافوا به بحفافيه»،يريد مثنّى الحفاف،و هو طرف الشّيء و جانبه.و قال القرطبيّ: «أخذ من حافّات الشّيء و نواحيه»،جمع حافّة من«ح و ف»،أي النّاحية و الجانب،و هو ليس منه،إلاّ أن يريد به الاشتقاق الأكبر.

2-قال الفرّاء:«لا واحد له؛إذ لا يقع لهم الاسم إلاّ مجتمعين»،و قال السّمين:«جمع حافّ،و هو المحدق بالشّيء،من:حففت بالشّيء،إذا أحطت به».

3-في«من»قولان:أحدهما:هي زائدة كما ذهب إليه الأخفش،و التّقدير:حافّين حول العرش،كقولهم:ما جاءني من أحد،أي ما جاءني أحد،فجيء بها للتّأكيد.

و الثّاني:هي للابتداء،و الضّمير في(بينهم)يعود إلى الفريقين المذكورين قبلها،في الآيتين رقم 71 و 73:

وَ سِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً...، وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً...، و(يسبّحون)حال من الضّمير في(حافّين).

ص: 820

ح ف و-ي

اشارة

3 ألفاظ،3 مرّات،في 3 سور:2 مكّيّتان،1 مدنيّة

حفيّ 1:1 حفيّا 1:1

فيحفكم 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحفوة و الحفى:مصدر الحافي يقال:حفي يحفى حفى فهو حاف،إذا كان بغير نعل و لا خفّ.و إذا انتحجت (1)القدم،أو فرسن البعير أو الحافر من المشي حتّى رقّت قيل:حفي يحفى حفى فهو حف.

و أحفى الرّجل،إذا حفيت دابّته.و أحفاني،إذا برّح بي في إلحاح أو سؤال.

و الحفاية:مصدر الحفيّ،و هو اللّطيف بك يبرّك و يلطفك،و يحتفي بك،و منه قوله تعالى: إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا مريم:47،أي برّا لطيفا،و قوله عزّ و جلّ: كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها الأعراف:187،أي كأنّك معنيّ بها.

و الحفأ مهموز:البرديّ الأخضر ما كان في منبته كثيرا دائما؛و الواحدة:حفأة.

و احتفأته،إذا قلعته و أخذت منه.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:305)

الكسائيّ: حاف بيّن الحفية و الحفاية.

(ابن فارس 2:83)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الحفوة:ألاّ يكون في رجله حذاء،خفّ و لا نعل.[ثمّ استشهد بشعر](1:157)

الفرّاء: تحافينا إلى السّلطان فرفعنا إلى القاضي، و القاضي يسمّى:الحافي.(الأزهريّ 5:259)

أبو زيد :حافيت الرّجل محافاة،إذا نازعته الكلام و ماريته.

و الحفوة:الحفا،و تكون الحفوة من الحافي الّذي لا نعل له و لا خفّ.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 5:261)

ص: 821


1- جاء في أكثر المصادر المتأخّرة«انسحجت»

الأصمعيّ: «روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه أمر بإحفاء الشّوارب و إعفاء اللّحى».أحفى شاربه و رأسه،إذا ألزق جزّه.

و يقال:في قول فلان إحفاء؛و ذلك إذا ألزق بك ما تكره و ألحّ في مساءتك،كما يحفّى الشّيء،أي ينتقص.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:258)

حفي فلان بفلان يحفى به حفاوة،إذا قام في حاجته و أحسن مثواه.

و يقال:حفا فلان فلانا من كلّ خير يحفوه،إذا منعه من كلّ خير.

في قوله-صلّى اللّه عليه و آله-:«أو تحتفئوا بقلا فشأنكم بها، صوابه تحتفوا»بتخفيف الفاء.و كلّ شيء استؤصل فقد احتفي،و منه إحفاء الشّعر.

و احتفى البقل،إذا أخذه من وجه الأرض بأطراف أصابعه من قصره و قلّته.

و من قال:احتفئوا بالهمز من الحفأ:البرديّ،فهو باطل، لأنّ البرديّ ليس من البقل،و البقول:ما نبت من العشب على وجه الأرض ممّا لا عرق له،و لا برديّ في بلاد العرب.

و الاجتفاء أيضا في هذا الحديث باطل،لأنّ الاجتفاء كبّك الآنية إذا جفأته.

و قال خالد بن كلثوم:احتفى القوم المرعى،إذا رعوه فلم يتركوا منه شيئا.و في قول الكميت:

*و شبّه بالحفوة المنقل*

أن ينتقل القوم من مرعى احتفوه إلى مرعى آخر.(الأزهريّ 5:260)

حفّيت إليه في الوصيّة:بالغت،تحفّيت به تحفّيا،و هو المبالغة في إكرامه.(الأزهريّ 5:261)

حفوت الرّجل من كلّ خير أحفوه حفوا،إذا منعته من كلّ خير.(الجوهريّ 6:2316)

أبو عبيد: «في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حين سئل عن الميتة:متى تحلّ لنا الميتة؟فقال:ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تختفوا (1)بها بقلا فشأنكم بها».

سألت عنها أبا عمرو فلم يعرف«يحتفئوا».و سألت أبا عبيدة فلم يعرفها،ثمّ بلغني بعد عنه أنّه قال:هو من الحفأ.و الحفأ مهموز،و هو أصل البرديّ الأبيض الرّطب منه،و هو يؤكل،فتأوّله أبو عبيدة في قوله:«تحتفئوا»، يقول:ما لم تقتلعوا هذا بعينه فتأكلوه.(1:45)

ابن الأعرابيّ: يقال:لقيت فلانا فحفي بي حفاوة، و تحفّى بي تحفّيا.و يقال:حفي اللّه بك،في معنى أكرمك اللّه.

و التّحفّي:الكلام و اللّقاء الحسن.

و حفي من نعله و خفّه حفوة و حفية،و حفاوة.

و مشى حتّى حفي حفا شديدا،و أحفاه اللّه.

و توجّى من الحفا،و وجي وجى شديدا.(الأزهريّ 5:259)

الحفو:المنع.يقال:أتاني فحفوته،أي حرمته.

و عطس رجل عند النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فوق ثلاث،فقال النّبيّ:

«حفوت»،يقول:منعتنا أن نشمّتك بعد الثّلاث.و من رواه:«حقوت»فمعناه شدّدت علينا الأمر حتّى قطعتنا، مأخوذ من«الحقو»لأنّه يقطع البطن و يشدّ الظّهر.(الأزهريّ 5:260)4)

ص: 822


1- قال الأصمعيّ:لا أعرف«تحتفئوا»و لكنّي أراها«تختفوا بها»بالخاء،أي تقتلعونه من الأرض...(أبو عبيد 1:44)

الزّجّاج:حفوت الرّجل الشّيء،إذا حرمته إيّاه.

و أخفى شاربه،إذا استأصله.(فعلت و أفعلت:13)

الحفا مقصور:أن يكثر عليه المشي حتّى يؤلمه المشي.و الحفاء ممدود:أن يمشي الرّجل بغير نعل،حاف بيّن الحفاء ممدود،و حف بيّن الحفا مقصور،إذا رقّ حافره.(الأزهريّ 5:258)

ابن دريد :الحفوة:برّ الرّجل بالرّجل.يقال:فلان حفي بفلان ظاهر الحفوة.

و حفوت شاربي أحفوه حفوا،إذا استأصلت أخذ شعره،و منه حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«احفوا الشّوارب و اعفوا اللّحى».(2:179)

يقال:حفأه حفاء،إذا أعطاه.و حفوته:منعته.

و حفأت به الأرض:ضربت به.

و يقال:في هذا جفأت بالجيم،عن غير أبي زيد.

(3:479)

أبو مسلم الأصفهانيّ: الإحفاء بالمسألة:

الإلطاف فيه.(الطّبرسيّ 5:179)

الأزهريّ: الإحفاء في المسألة مثل الإلحاف سواء، و هو الإلحاح.

و أحفيت الرّجل،إذا أجهدته.

قال أبو بكر:يقال:تحفّى فلان بفلان،معناه أنّه أظهر العناية في سؤاله إيّاه.يقال:فلان به حفيّ،إذا كان معنيّا.

[ثمّ استشهد بشعر](5:258)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و تحفّى فلان بفلان:عني به.

و حفي به حفاوة:قام في حوائجه.

و حفيت به حفيّا:بششت به.

و الحفيّ: العالم،من قوله عزّ و جلّ: كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها الأعراف:187.

و الحفا مقصور؛الواحدة:حفاة:البرديّ الأخضر، تقول:احتفأت.

و الحفا:مشي الرّجل حافيا.

و حفوت الرّجل أحفوه حفوا:منعته؛و الاسم:

الحفوة.

و حافيته:نازعته و ماريته.

و التّحافي:اختلاف كلام الخصوم.

و يقال للحاكم:الحافي،و تحافينا إليه:تحاكمنا.

و أحفيت بفلان:أزريت به.

و استحفيت الرّجل عن كذا،أي استخبرته، استحفاء،و أحفيته:حملته على أن يبحث عن الخبر.

(3:219)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إن اللّه تعالى يقول لآدم:أخرج نصيب جهنّم من ذرّيّتك،فيقول:يا ربّ، كم؟فيقول:من كلّ مائة تسعة و تسعون،فقالوا:يا رسول اللّه احتفينا (1)إذا فما ذا يبقى منّا؟...».

الاحتفاء:الاستقصاء في الشّيء و بلوغ الغاية منه، و منه قولهم:أحفيت في المسألة.

و سمعت أبا عمر يذكر عن بعض السّلف أنّ رجلا سلّم عليه،فقال:و عليكم السّلام و رحمة اللّه و بركاته الزّاكيات.فقال له:أراك قد حفوتنا ثوابها،يريد تقصّيت ثوابها،و استوفيته علينا.ر.

ص: 823


1- أي استؤصلنا،من إحفاء الشّعر.

و فيه وجه آخر،و هو أن يكون منعتنا ثوابها.

(1:581)

الجوهريّ: قد حفي يحفى حفاء،و هو أن يمشي بلا خفّ و لا نعل.فأمّا الّذي حفي من كثرة المشي،أي رقّت قدمه أو حافره،فإنّه حف بيّن الحفى مقصور.و أحفاه غيره.

و الحفاوة بالفتح:المبالغة في السّؤال عن الرّجل و العناية في أمره.

و في المثل:«مأربة لا حفاوة».تقول منه:حفيت به بالكسر حفاوة و تحفّيت به،أي بالغت في إكرامه و إلطافه.

و حفي الفرس:انسحج حافره.

و أحفى الرّجل،أي حفيت دابّته.

و الحفيّ: العالم الّذي يتعلّم الشّيء باستقصاء،و الحفيّ أيضا:المستقصي في السّؤال.

و الإحفاء:الاستقصاء في الكلام و المنازعة.

و أحفى شاربه،أي استقصى في أخذه و ألزق جزّه، و في الحديث أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«أمر أن تحفى الشّوارب و تعفى اللّحى».[و استشهد بالشّعر مرّتين](6:2316)

ابن فارس: الحاء و الفاء و ما بعدهما معتلّ،ثلاثة أصول:المنع،و استقصاء السّؤال،و الحفاء خلاف الانتعال.

فالأوّل:قولهم:حفوت الرّجل من كلّ شيء،إذا منعته.

و أمّا الأصل الثّاني:فقولهم:حفيت إليه في الوصيّة:

بالغت،و تحفّيت به:بالغت في إكرامه،و أحفيت.و الحفيّ المستقصي في السّؤال.[ثمّ استشهد بشعر].

و قال قوم:و هو من الباب:حفيت بفلان و تحفّيت، إذا عنيت به.و الحفيّ: العالم بالشّيء.

و الأصل الثّالث:الحفا مقصور:مصدر الحافي.و يقال:

حفي الفرس:انسحج حافره،و أحفى الرّجل:حفيت دابّته،و قد حفي يحفى،و هو الّذي لا خفّ في رجليه و لا نعل.

فأمّا الّذي حفي من كثرة المشي فإنه حف بيّن الحفاء، مقصور.

فأمّا المهموز فالحفاء مقصور،و هو أصل البرديّ الأبيض الرّطب؛و هو يؤكل.و فسّر على ذلك قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:

«ما لم تحتفئوا بها فشأنكم بها».

و يقال:احتفأته،إذا اقتلعته.(2:83)

ابن سيده: الحفا:رقّة القدم و الخفّ و الحافر،حفي حفا،فهو حاف و حف؛و الاسم:الحفوة و الحفوة.

و قال بعضهم:حاف بيّن الحفوة و الحفية و الحفوة و الحفاية،و هو الّذي لا شيء في رجله من خفّ و لا نعل.

و أمّا الّذي رقّت قدماه من كثرة المشي فإنّه حاف بيّن الحفا.

و الحفاء:المشي بغير خفّ و لا نعل.و الاحتفاء:أن تمشي حافيا فلا يصيبك الحفا.

و أحفى الرّجل:حفيت دابّته.

و حفي بالرّجل حفاوة و حفاوة و حفاية،و تحفّى به، و احتفى:بالغ في إكرامه.

و تحفّى إليه في الوصيّة:بالغ.

و أنا به حفيّ،أي برّ مبالغ في الكرامة.

و حفا اللّه به حفوا:أكرمه.

ص: 824

و حفا شاربه حفوا،و أحفاه:بالغ في أخذه.

و حفاه من كلّ خير يحفوه حفوا:منعه.

و حفاه حفوا:أعطاه.

و أحفاه:ألحّ عليه في المسألة.

و أحفى السّؤال:ردّه.

و حافى الرّجل محافاة:ما راه و نازعه في الكلام.

(4:23)

الطّوسيّ: يقال:حفيت بفلان في المسألة،إذا سألته سؤالا أظهرت فيه المحبّة و البرّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أحفى فلان بفلان في المسألة،إذا أكثر عليه.

و يقال:حفيت الدّابّة تحفي حفا مقصورا،إذا كثر عليها ألم المشي.

و الحفاء ممدودا:المشي بغير نعل.(5:56)

نحوه الطّبرسيّ.(2:403)

الإحفاء:الإلحاح في المسألة حتّى ينتهي إلى مثل الحفاء،و المشي بغير حذاء،أحفاه بالمسألة يحفيه إحفاء.

و قيل:الإحفاء:طلب الجميع.(9:310)

الرّاغب: الإحفاء في السّؤال:التنزّع في الإلحاح في المطالبة،أو في البحث عن تعرّف الحال.

و على الوجه الأوّل يقال:أحفيت السّؤال و أحفيت فلانا في السّؤال،قال اللّه تعالى: إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا محمّد:37.

و أصل ذلك من:أحفيت الدّابّة:جعلتها حافيا،أي منسحج الحافر،و البعير:جعلته منسجح الخفّ من المشي حتّى يرقّ،و قد حفي حفا و حفوة.و منه أحفيت الشّارب:

أخذته أخذا متناهيا.

و الحفيّ: البرّ اللّطيف،قوله عزّ و جلّ: إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا مريم:47.

و يقال:أحفيت بفلان و تحفّيت به،إذا عنيت بإكرامه، و الحفيّ: العالم بالشّيء.(125)

نحوه الفيروزآباديّ.

(بصائر ذوي التّمييز 2:483)

الزّمخشريّ: هو حاف بيّن الحفوة و الحفاء،و هم حفاة.و هو أفضل من كلّ حاف و ناعل.و هو حف بيّن الحفا،و قد حفي من كثرة المشي.

و حفي الفرس:انسحج حافره.و أحفى الرّاكب:حفي دابّته.و أحفى شاربه:ألزق جزّه.و احتفى القوم المرعى:لم يتركوا منه شيئا.

و من المجاز:أحفى في السّؤال:ألحف،و سائل محف مجحف:ملحّ ملحف.و أحفيت إليه في الوصيّة:بالغت.

و هو حفيّ عن الأمر:بليغ في السّؤال عنه، كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها الأعراف:187.

و استحفيته عن كذا:استخبرته على وجه المبالغة.

و تحفّى بي فلان،و حفي بي حفاوة،إذا تلطّف بك،و بالغ في إكرامك،و هو حسن التّحفّي بقومه،و حفيّ بهم.

و فلان وفيّ حفيّ،خيره جليّ خفيّ.[و استشهد بالشّعر مرّتين](أساس البلاغة:89)

«عطس عنده رجل فوق ثلاث فقال له:حفوت».

الحفو:المنع،يقال:حفاه من الخير.

أي منعتنا أن نشمّتك بعد الثّلاث.

و منه:إنّ رجلا سلّم على بعض السّلف.[و ذكر كالخطّابيّ](الفائق 1:295)

ص: 825

[و في حديث]:«احتفينا إذن»أي استؤصلنا.

(الفائق 1:296)

مثله المدينيّ.(1:468)

أنزل أويسا القرنيّ فاحتفاه،أي بالغ في إلطافه، و استقصى.

عليّ عليه السّلام:«سلّم عليه الأشعث فردّ عليه بغير تحفّ».الحفاوة و التّحفّي: الإكرام بالمسألة و الإلطاف.(الفائق 1:297)

[في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله]:«لزمت السّواك حتّى خفت أن يدردني.و روي:حتّى كدت أحفي فمي من الدّرد»و هو سقوط الأسنان،أراد بالفم:الأسنان.

و إحفاؤها:إسقاطها من أصولها،من إحفاء الشّعر، و هو أن يلزق جزّه.(الفائق 1:422)

الطّبرسيّ: و الحفيّ:المستقصي في السّؤال،و الحفيّ:

اللّطيف بعموم النّعمة.و أصل الباب:الاستقصاء،تقول:

تحفّيت به،أي بالغت في إكرامه،و حفوته من كلّ خير:

بالغت في منعه،و أحفيت شاربي:بالغت في أخذه حتّى استأصلته،و أحفيت في السّؤال:بالغت.و كلّ شيء استؤصل،فقد احتفي.(3:516)

ابن الأثير: فيه:«أنّ عجوزا دخلت عليه فسألها فأحفى،و قال:إنّها كانت تأتينا في زمن خديجة،و إنّ كرم العهد من الإيمان».

يقال:أحفى فلان بصاحبه،و حفي به،و تحفّى،أي بالغ في برّه و السّؤال عن حاله.

و منه حديث أنس:«أنّهم سألوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حتّى أحفوه»أي استقصوا في السّؤال.

و منه حديث الفتح:«أن تحصدوهم حصدا،و أحفى بيده»أي أمالها وصفا للحصد،و المبالغة في القتل.

و في حديث خليفة:«كتبت إلى ابن عبّاس أن يكتب إليّ و يحفي عنّي»أي يمسك عنّي بعض ما عنده ممّا لا أحتمله.و إن حمل الإحفاء بمعنى المبالغة،فيكون «عنّي»بمعنى:عليّ.

و قيل:هو بمعنى المبالغة في البرّ به و النّصيحة له.

و روي بالخاء المعجمة.

[ثمّ ذكر حديث«إنّ رجلا عطس»كابن الأعرابيّ و أضاف:]

و في حديث الانتعال:«ليحفهما جميعا،أو لينعلهما جميعا»أي ليمش حافي الرّجلين أو منتعلهما،لأنّه قد يشقّ عليه المشي بنعل واحدة،فإنّ وضع إحدى القدمين حافية إنّما يكون مع التّوقّي من أذى يصيبها، و يكون وضع القدم المنتعلة على خلاف ذلك،فيختلف حينئذ مشيه الّذي اعتاده،فلا يأمن العثار.و قد يتصوّر فاعله عند النّاس بصورة من إحدى رجليه أقصر من الأخرى.(1:409)

الفيّوميّ: حفي الرّجل يحفى،من باب«تعب» حفاء،مثل سلام:مشى بغير نعل و لا خفّ،فهو حاف؛ و الجمع:حفاة،مثل قاض و قضاة.و الحفاء بالكسر و المدّ:

اسم منه.

و حفي من كثرة المشي حتّى رقّت قدمه حفى فهو حف،من باب«تعب».

و أحفى الرّجل شاربه:بالغ في قصّه.و أحفاه في المسألة،بمعنى ألحّ.

ص: 826

الحفيا و الحفياء وزان حمراء:موضع بظاهر المدينة.(1:143)

الفيروزآباديّ: الحفا:رقّة القدم و الخفّ و الحافر، حفي حفا،فهو حف و حاف،و الاسم:الحفوة بالضّمّ و الكسر،و الحفية و الحفاية بكسرهما،أو هو المشي بغير خفّ و لا نعل.

و احتفى:مشى حافيا،و البقل:اقتلعه من الأرض، لغة في الهمز.

و حفي به كرضي حفاوة و يكسر،و حفاية بالكسر، و تحفاية،فهو حاف و حفيّ كغنيّ،و تحفّى و احتفى:بالغ في إكرامه،و أظهر السّرور و الفرح،و أكثر السّؤال عن حاله، فهو حاف و حفيّ كغنيّ.

و حفا اللّه به حفوا:أكرمه،و زيد فلانا:أعطاه و منعه ضدّ،و شاربه:بالغ في أخذه كأحفاه.

و أحفى السّؤال:ردّده،و زيدا:ألحّ عليه و برّح به في الإلحاح.

و حافاه:نازعه في الكلام.

و كغنيّ: العالم يتعلّم باستقصاء،و الملحّ في سؤاله؛ جمعه:حفواء كعلماء.

و الحفاوة:الإلحاح،و منه:«مأربة لا حفاوة».

و أحفيته:حملته على أن يبحث عن الخبر،و به:

أزريت.

و استحفى:استخبر.

و حفاء ككساء:جبل.

و الحافي:القاضي.

و تحافينا إلى السّلطان:ترافعنا.

و تحفّى:اهتبل و اجتهد.

و الحفياء و يقصر،و يقال بتقديم الياء:موضع بالمدينة.(4:320)

الطّريحيّ: في الحديث:«سألوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حتّى أحفوه»أي استقصوه بالسّؤال.

و في حديث عليّ عليه السّلام مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:

«و ستنبّئك ابنتك النّازلة بك،فأحفها السّؤال»أي استقصها فيه...

و في الدّعاء:«لا يحفيه سائل»قيل:معناه أي يمنعه، من:حفوت الرّجل من كذا:منعته.

و في الحديث:«كان أبي عليه السّلام يحفي رأسه إذا جزّه»أي يستقصيه و يقطع أثر الشّعر بالكلّيّة،من:أحفى شاربه، من باب أكرم،إذا بالغ في جزّه.

و فيه:«أحفوا الشّوارب»يقرأ بفتح الألف مع القطع، و بضمّها مع الوصل،أي بالغوا في جزّها حتّى يلزق الجزّ بالشّفة.و في معناه:أنهكوا الشّوارب.

و مثله:نحن نجزّ الشّوارب و نعفي اللّحى،أي نتركها على حالها.

و في كراهة حلق اللّحى و تحريمها وجهان،أمّا تحسينها فحسن.و اختلف في تحديده،فمنهم من حدّه بجزّ ما زاد على القبضة،و في الخبر ما يشهد له.

و حفي الرّجل حفاء مثل سلام،من باب«تعب»:

مشى بغير نعل و لا خفّ،فهو حاف؛و الجمع:حفاة، كقاض و قضاة.و الحفاء بالكسر و المدّ:اسم منه.

(1:104)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حفي به حفاوة:اعتنى

ص: 827

به و بالغ في إكرامه،فهو حاف و حفيّ.

و أحفى يحفي المسألة و فيها:ألحّ و ألحف،و منه إحفاء الشّارب،أي استئصاله.

و الحفيّ:العالم المستقصي في المسألة،و الحفيّ:المبالغ في البرّ و الإلطاف، إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ محمّد:

37،أي فيجهدكم بطلبها كلّها محمّد:37،(1:140)

العدنانيّ: الحفاوة و الحفاوة

و يخطّئون من يقول:يلقى العربيّ حفاوة كبيرة في جميع الأقطار العربيّة الشّقيقة،و يقولون:إنّ الصّواب هو:

حفاوة.

و الحقيقة هي أنّ فتح الحاء و كسرها جائزان، و الفتح أعلى.

فممّن ذكر الحفاوة:الصّحاح،و الحريريّ في المقامة القطيعيّة،و مجاز الأساس،و المغرب،و المختار،و اللّسان و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد، و الوسيط.

و ممّن ذكر الحفاوة:مجاز الأساس،و اللّسان، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد، و المتن،و الوسيط.

أمّا فعله فهو:حفي به حفاوة،و حفاوة،و حفاية، و تحفاية.

و لم يذكر المتن إلاّ الحفاوة،و قال:إنّ معنى الحفاوة هو الإلحاح.(161)

المصطفويّ: و التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ترك العلائق و طرح الحجب،و ظهور الخصوصيّة و الخلوص و الصّفا.

و بمناسبة هذا المعنى يستعمل في خلع النّعلين، و المشي بلا نعل و لا خفّ،و في قصّ الشّارب و تخليصه، و في تخليص السّؤال و إلحاحه و ترك القيود،و ترقيق القدم بالانسحاج،و الإكثار في الإجهاد،و الإكراه و الإساءة بطرح القيود و الرّسوم،و ترك الظّواهر.

و يجمعها ظهور الخلوص و الخصوصيّة بحذف العلائق و الحجب،في أيّ مورد كان،و في كلّ مورد بحسبه.

و ما يذكر في كتب اللّغة و التّفاسير،كلّها مفاهيم مجازيّة،و قد اضطربت كلماتهم في تفسير الآيات المربوطة،و لم يلجئوا إلى ركن وثيق.(2:277)

النّصوص التّفسيريّة

حفىّ

...يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللّهِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ. الأعراف:187

ابن عبّاس: عالم بها.(143)

مثله الضّحّاك و ابن زيد و معمر.(الطّبريّ 9:141)

يقول:كأنّ بينك و بينهم مودّة،كأنّك صديق لهم.لمّا سأل النّاس محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم عن السّاعة سألوه سؤال قوم، كأنّهم يرون أنّ محمّدا حفيّ بهم،فأوحى اللّه إليه إنّما علمها عنده استأثر بعلمها،فلم يطلع عليها ملكا و لا رسولا.(الطّبريّ 9:140)

المعنى يسألونك عنها كأنّك حفيّ،أي متحفّ و مهتبل.

مثله مجاهد و قتادة.(ابن عطيّة 2:484)

كأنّك حفيّ بسؤالهم،أي محبّ له.

ص: 828

مثله مجاهد و السّدّيّ.(أبو حيّان 4:435)

كأنّك يعجبك سؤالهم إيّاك.(الطّبريّ 9:141)

كأنّك مجتهد في السّؤال،مبالغ في الإقبال على ما تسأل عنه.(أبو حيّان 4:435)

مجاهد :استحفيت عنها السّؤال حتّى علمت وقتها.(الطّبريّ 9:141)

نحوه مقاتل.(2:78)

كأنّك حفيّ بالسّؤال عنها و الاشتغال بها حتّى حصلت علمها.

مثله الضّحّاك و ابن زيد.(أبو حيّان 4:435)

قتادة :أي حفيّ بهم.قالت قريش:يا محمّد أسرّ إلينا علم السّاعة لما بيننا و بينك من القرابة،لقرابتنا منك.

(الطّبريّ 9:140)

السّدّيّ: كأنّك صديق لهم.(الطّبريّ 9:141)

الفرّاء: كأنّك حفيّ عنها مقدّم و مؤخّر،و معناه يسألونك عنها كأنّك حفيّ بها.و يقال في التّفسير:كأنّك حفيّ،أي كأنّك عالم بها.(1:399)

أبو عبيدة :أي حفيّ بها،و منه قولهم:تحفّيت به في المسألة.(1:235)

ابن قتيبة :أي معنيّ بطلب علمها،و منه يقال:تحفّى فلان بالقوم.(175)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:يسألك هؤلاء القوم عن السّاعة كأنّك حفيّ عنها.

فقال بعضهم:يسألونك عنها كأنّك حفيّ بهم.

و قالوا:معنى قوله:(عنها)التّقديم،و إن كان مؤخّرا.

و قال آخرون:بل معنى ذلك كأنّك قد استحفيت المسألة عنها،فعلمتها.

و قوله: كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها يقول:لطيف بها،فوجّه هؤلاء تأويل قوله: كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها إلى حفيّ بها.

و قالوا:تقول العرب:تحفّيت له في المسألة و تحفّيت عنه.

قالوا:و لذلك قيل:أتينا فلانا نسأل به،بمعنى نسأل عنه.

و أولى القولين في ذلك بالصّواب قول من قال:معناه كأنّك حفيّ بالمسألة عنها فتعلمها.

فإن قال قائل:و كيف قيل:حفيّ عنها و لم يقل:حفيّ بها،إن كان ذلك تأويل الكلام؟

قيل:إنّ ذلك قيل كذلك،لأنّ الحفاوة إنّما تكون في المسألة،و هي البشاشة للمسئول عند المسألة،و الإكثار من السّؤال عنه،و السّؤال يوصل ب«عن»مرّة و بالباء مرّة،فيقال:سألت عنه و سألت به.فلمّا وضع قوله:

(حفىّ)موضع السّؤال،وصل بأغلب الحرفين اللّذين يوصل بهما السّؤال،و هو«عن»[ثمّ استشهد بشعر]

(9:141)

الزّجّاج: المعنى-و اللّه أعلم-يسألونك عنها كأنّك فرح بسؤالهم.يقال:تحفّيت بفلان في المسألة،إذا سألت سؤالا أظهرت فيه المحبّة و البرّ به،و أحفى فلان بفلان في المسألة.و إنّما تأويله الكثرة،و يقال:حفت الدّابّة تحفى حفى،مقصور،إذا كثر عليها المشي حتّى يؤلمها.و الحفاء ممدود:أن يمشي الرّجل بغير نعل.

و قيل: كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها كأنّك أكثرت المسألة عنها.(2:393)

النّحّاس: أي حفيّ بهم،و المعنى على هذا التّقديم و التّأخير،أي يسألونك عنها كأنّك حفيّ لهم،أي فرح

ص: 829

لسؤالهم.و هو معنى قول سعيد بن جبير،أي يسألونك كأنّك حفيّ لهم.(3:111)

الطّوسيّ: معناه و تقديره:حفيّ عنها يسألونك عن السّاعة و وقتها،كأنّك عالم بها.و قيل:معناه كأنّك فرح بسؤالهم عنها.(5:56)

الواحديّ: تقديره:يسألونك عنها كأنّك حفيّ بها، ثمّ حذف الجارّ و المجرور.و حفيّ من الإحفاء،و هو الإلحاح في السّؤال.و المعنى:كأنّك عالم بها،أكثرت المسألة عنها،و هذا قول مجاهد و الضّحّاك و ابن زيد.

(2:434)

البغويّ: فيه تقديم و تأخير،أي يسألونك عنها كأنّك حفيّ عالم بها،من قولهم:أحفيت المسألة،أي بالغت في السّؤال عنها حتّى علمتها.(2:256)

الزّمخشريّ: كأنّك عالم بها،و حقيقته كأنّك بليغ في السّؤال عنها،لأنّ من بالغ في المسألة عن الشّيء و التّنقير عنه،استحكم علمه فيه و رصن،و هذا التّركيب معناه المبالغة.و منه إحفاء الشّارب،و احتفاء البقل:

استئصاله،و أحفى في المسألة،إذا ألحف،و حفى بفلان و تحفّى به:بالغ في البرّ به.

قرأ ابن مسعود: (كانّك حفىّ بها) أي عالم بها،بليغ في العلم بها.

و قيل:(عنها)متعلّق ب يَسْئَلُونَكَ أي يسألونك عنها كأنّك حفيّ،أي عالم بها.

و قيل:إنّ قريشا قالوا له:إنّ بيننا و بينك قرابة فقل لنا:متى السّاعة؟قيل:يسألونك عنها كأنّك حفيّ تتحفّى بهم،فتختصّهم بتعليم وقتها لأجل القرابة،و تزوي علمها عن غيرهم،و لو أخبرت بوقتها لمصلحة عرفها اللّه في إخبارك به،لكنت مبلّغه القريب و البعيد من غير تخصيص،كسائر ما أوحي إليك.

و قيل:كأنّك حفيّ بالسّؤال عنها تحبّه و تؤثره،يعني أنّك تكره السّؤال عنها،لأنّها من علم الغيب الّذي استأثر اللّه به و لم يؤته أحدا من خلقه.(2:134)

ابن عطيّة: قرأ ابن عبّاس فيما ذكر أبو حاتم (كانّك حفىّ بها) لأنّ حفيّ معناه مهتبل مجتهد في السّؤال،مبالغ في الإقبال على ما يسأل عنه.و قد يجيء(حفىّ)وصفا للسّؤال.

و من المعنى الأوّل الّذي يجيء فيه(حفىّ)وصفا للسّائل قول الآخر الطّويل.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:484)

الطّبرسيّ: أصله من:حفيت في السّؤال عن الشّيء حتّى علمته،أي استقصيت فيه.

و روي عن ابن عبّاس أنّه قرأ (كانّك حفىّ بها)، فعلى هذا يكون الجارّ و المجرور الّذي هو(عنها)محذوفا، لدلالة الحال عليها،كما يكون في التّقدير الأوّل،يكون الجارّ و المجرور الّذي هو(بها)محذوفا للدّلالة عليها أيضا.

أ لا ترى أنّه إذا كان حفيّا بها،فلا بدّ أن يسأل عنها،كما أنّه إذا سأل عنها،فليس ذلك إلاّ للحفاوة بها.

و قيل فيه معنى آخر:و هو أن يكون تقديره:

يسألونك عنها،كأنّك حفيّ بهم،أي بارّ بهم فرح بسؤالهم،و الحفاوة في المسألة هي البشاشة بالمسئول عنه.

و قيل:معناه:كأنّك معنيّ بالسّؤال عنها،فسألت عنها حتّى علمتها،و على هذا فإنّ السّؤال يوصل

ص: 830

ب«عن»فلمّا وضع قوله:(حفىّ)موضع السّؤال،وصله ب«عن»،و تقديره:كأنّك حفيّ بالمسألة عنها،أو تسأل عنها فتعلمها.(2:506)

الفخر الرّازيّ: في«الحفيّ»وجوه:

الأوّل:الحفيّ:البارّ اللّطيف.قال ابن الأعرابيّ:يقال:

حفي بي حفاوة و تحفّى بي تحفّيا.و الحفيّ:الكلام و اللّقاء الحسن،و منه قوله تعالى: إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا أي بارّا لطيفا يجيب دعائي إذا دعوته.فعلى هذا التّقدير:

يسألونك كأنّك بارّ بهم لطيف العشرة معهم،و على هذا قول الحسن و قتادة و السّدّيّ.

و يؤيّد هذا القول ما روي في تفسيره:إنّ قريشا قالت لمحمّد عليه السّلام:إنّ بيننا و بينك قرابة،فاذكر لنا متى السّاعة؟فقال تعالى: يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها أي كأنّك صديق لهم بارّ،بمعنى أنّك لا تكون حفيّا بهم ما داموا على كفرهم.

القول الثّاني: حَفِيٌّ عَنْها أي كثير السّؤال عنها، شديد الطّلب لمعرفتها.و على هذا القول(حفىّ)«فعيل» من الإحفاء،و هو الإلحاح و الإلحاف في السّؤال،و من أكثر السّؤال و البحث عن الشّيء علمه.

قال أبو عبيدة:هو من قولهم:تحفّى في المسألة،أي استقصى،فقوله: كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها، أي كأنّك أكثرت السّؤال عنها،و بالغت في طلب علمها.

قال صاحب«الكشّاف»:هذا التّرتيب يفيد المبالغة، و منه إحفاء الشّارب،و إحفاء البقل:استئصاله،و أحفى في المسألة،إذا ألحف،و حفي بفلان و تحفّى به:بالغ في البرّ به؛ و على هذا التّقدير:فالقولان الأوّلان متقاربان.(15:81)

القرطبيّ: أي عالم بها،كثير السّؤال عنها.[إلى أن قال:]

قال محمّد بن يزيد:المعنى يسألونك كأنّك حفيّ بالمسألة عنها،أي ملحّ،يذهب إلى أنّه ليس في الكلام تقديم و تأخير.

و قال ابن عبّاس و غيره:هو على التّقديم و التّأخير، و المعنى:يسألونك عنها كأنّك حفيّ بهم،أي حفيّ ببرّهم و فرح بسؤالهم؛و ذلك لأنّهم قالوا:بيننا و بينك قرابة فأسرّ إلينا بوقت السّاعة.(7:336)

البيضاويّ: عالم بها«فعيل»من حفي عن الشّيء، إذا سأل.فإنّ من بالغ في السّؤال عن الشّيء و البحث عنه استحكم علمه به،و لذلك عدّي ب«عن».

و قيل:هي صلة(يسألونك).

و قيل:هو من الحفاوة بمعنى الشّفقة،فإنّ قريشا قالوا له:إنّ بيننا و بينك قرابة فقل لنا:متى السّاعة؟و المعنى يسألونك عنها كأنّك حفيّ تتحفّى بهم،فتخصّهم لأجل قرابتهم بتعليم وقتها.

و قيل:معناه كأنّك حفيّ،من حفي بالشّيء،إذا فرح، و معناه كأنّك حفيّ بالسّؤال عنها تحبّه،أي تكثره و أنت تكرهه،و لأنّه من الغيب الّذي استأثر اللّه بعلمه.

(1:380)

نحوه أبو السّعود(3:63)،و البروسويّ(3:292).

أبو حيّان :[نقل الأقوال ثمّ قال:]

أي تحبّه و تؤثره،أو بمعنى أنّك تكره السّؤال لأنّها من علم الغيب الّذي استأثر اللّه به،و لم يؤته أحدا.[إلى أن قال:]

ص: 831

و(عنها)إمّا أن يتعلّق ب يَسْئَلُونَكَ أي يسألونك عنها،و تكون صلة(حفىّ)محذوفة،و التّقدير:

كأنّك حفيّ بها،أي معتن بشأنها حتّى علمت حقيقتها و وقت مجيئها،أو كأنّك حفيّ بهم أو معتن بأمرهم فتجيبهم عنها،لزعمهم أنّ علمها عندك.و حفيّ لا يتعدّى ب«عن»قال تعالى: إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا مريم:47، فعدّاه بالباء.

و إمّا أن يتعلّق ب(حفىّ)على جهة التّضمين،لأنّ من كان حفيّا بشيء أدركه و كشف عنه،فالتّقدير:كأنّك كاشف بحفاوتك عنها.

و إمّا أن تكون«عن»بمعنى الباء،كما تكون الباء بمعنى «عن»في قوله:

*فإن تسألوني بالنّساء فإنّني*

أي عن النّساء.و قرأ عبد اللّه (كانّك حفىّ بها) بالباء مكان«عن»أي عالم بها،بليغ في العلم بها.(4:435)

ابن كثير :[نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

و قال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها: كأنّك بها عالم و قد أخفى اللّه علمها على خلقه، و قرأ إِنَّ اللّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السّاعَةِ لقمان:34،الآية.

و هذا القول أرجح في المقام من الأوّل[قول ابن عبّاس]و اللّه أعلم،و لهذا قال: قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللّهِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ. و لهذا لمّا جاء جبريل عليه السّلام في صورة أعرابيّ ليعلّم النّاس أمر دينهم، فجلس من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم مجلس السّائل المسترشد، و سأله صلّى اللّه عليه و سلّم عن الإسلام ثمّ عن الإيمان ثمّ عن الإحسان، ثمّ قال:فمتى السّاعة؟قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:ما المسئول عنها بأعلم من السّائل،أي لست أعلم بها منك،و لا أحد أعلم بها من أحد.(3:260)

الآلوسيّ: أي عالم بها،كما قال ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما،فيما أخرجه عنه ابن المنذر و غيره،ف(حفىّ) «فعيل»من:حفي عن الشّيء،إذا بحث عن تعرّف حاله.

و ذكر بعضهم أنّ الحفاوة في الأصل:الاستقصاء في الأمر للاعتناء به.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه إحفاء الشّارب.و تطلق أيضا على البرّ و اللّطف،كما قال تعالى: إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا.

و المعنى المراد هنا متفرّع على المعنى الأوّل،لأنّ من بحث عن شيء و سأل منه استحكم علمه به،فأريد به لازم معناه مجازا أو كناية.

و عدّي الوصف ب«عن»اعتبارا لأصل معناه،و هو السّؤال و البحث.و قيل:لأنّه ضمّن معنى الكشف،و لو لا ذلك لعدّي بالباء.

و جوّز أبو البقاء أن تكون«عن»بمعنى الباء،و روي عن الحبر و ابن مسعود أنّهما قرءا(بها)،و الجملة التّشبيهيّة في محلّ نصب على أنّها حال من مفعول يَسْئَلُونَكَ أي مشبّها حالك عندهم بحال من هو حفيّ.

و قيل:إنّ(عنها)متعلّق ب يَسْئَلُونَكَ و الجملة التّشبيهيّة معترضة،و صلة(حفىّ)أي بها أو بهم،بناء على ما قيل:إنّ حفيّ من الحفاوة بمعنى الشّفقة،فإنّ قريشا قالوا له عليه الصّلاة و السّلام:إنّ بيننا و بينك قرابة فقل لنا:متى السّاعة؟و روي ذلك عن قتادة و ترجمان القرآن أيضا.

ص: 832

و المعنى عليه أنّهم يظنّون أنّ عندك علمها لكن تكتمه،فلشفقتك عليهم طلبوا منك أن تخصّهم به.

و تعلّق«عن»على هذا الوجه بمحذوف ك«تخبرهم و تكشف لهم عنها»بعيد.

و قيل:هو من:حفي بالشّيء،إذا فرح به-و روي ذلك عن مجاهد و الضّحّاك و غيرهما-و المعنى:كأنّك فرح بالسّؤال عنها تحبّه،و«عن»على هذا متعلّقة ب(حفىّ)كما قيل،لتضمّنه معنى السّؤال،و الكلام على ما قال شيخ الإسلام:استئناف مسوق لبيان خطئهم في توجيه السّؤال إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بناء على زعمهم أنّه عليه الصّلاة و السّلام عالم بالمسئول عنه.أو أنّ العلم بذلك من مقتضيات الرّسالة إثر بيان خطئهم في أصل السّؤال بإعلام بيان المسئول عنه.(9:133)

الطّباطبائيّ: كأنّه مأخوذ من حفيت في السّؤال، إذا ألححت،و قوله: كَأَنَّكَ حَفِيٌّ متخلّل بين يَسْئَلُونَكَ و الظّرف المتعلّق به،و الأصل:يسألونك عنها كأنّك حفيّ عالم بها،و هو يلوح إلى أنّهم كرّروا السّؤال و ألحّوا عليه،و لذلك كرّر السّؤال و الجواب بوجه في اللّفظ.(8:371)

المصطفويّ: أي إنّهم يسألونك عن السّاعة و غيرها،و يتصوّرون أنّك بعيد و غير مربوط،و لا مستأنس بموضوع السّاعة و أمثالها،و إنّما تذكر و تدّعي أمورا لا برهان لك بها.

و إنّما عبّر بهذه المادّة دون مادّة الجهل و غيره،ليناسب قوله تعالى بعد: إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ اللّهِ الأعراف:187، وَ لَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ الأعراف:188،فينفي عنه العلم.

و أمّا الارتباط و الأنس المطلق،فلا ينفى عنه.

و تعبير الكفّار بالحفيّ،إشارة إلى نفي مطلق الارتباط علما كان أو غيره.فسؤالهم على أساس خيالهم بأنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و آله صاف عن هذه العلاقة و خالص عن هذا الارتباط بالسّاعة.(2:278)

حفيّا

قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا. مريم:47

ابن عبّاس: لطيفا.

نحوه ابن زيد.(الطّبريّ 16:92)

رحيما.(ابن الجوزيّ 5:238)

مجاهد :عوّدني الإجابة لدعائي.(البغويّ 3:236)

السّدّيّ: حفيّك من يهمّه أمرك.

(أبو حيّان 6:196)

الكلبيّ: عالما يستجيب إذا دعوته.

(البغويّ 3:236)

الفرّاء: كان بي عالما لطيفا يجيب دعائي إذا دعوته.(2:169)

نحوه الطّبريّ.(16:92)

مقاتل:يعني لطيفا رحيما.(2:630)

ابن قتيبة :أي بارّا،عوّدني منه الإجابة إذا دعوته.

(274)

الزّجّاج: معناه لطيفا.يقال:قد تحفّى فلان بفلان، و حفي فلان بفلان حفوة،إذا برّه و ألطفه.(3:333)

ص: 833

نحوه النّحّاس(4:336)،و الواحديّ(3:185).

الماورديّ: فيه خمسة أوجه:

أحدها:مقرّبا.

الثّاني:مكرما.

و الثّالث و الرّابع[قولا مقاتل و الكلبيّ]

الخامس:متعهّدا.(3:375)

الطّوسيّ: إنّ اللّه كان عالما بي لطيفا،و الحفيّ:

اللّطيف بعموم النّعمة.يقال:تحفّني فلان،إذا أكرمني و ألطفني.

و حفي فلان بفلان حفاوة،إذا أبرّه و ألطفه.

و الحفى:أذى يلحق باطن القدم للطفه عن المشي بغير نعل.(7:131)

البغويّ: برّا لطيفا.(3:236)

نحوه شبّر.(4:122)

الزّمخشريّ: الحفيّ:البليغ في البرّ و الإلطاف،حفي به،و تحفّى به.(2:512)

ابن عطيّة: الحفيّ:المبتهل المتلطّف.و هذا شكر من إبراهيم لنعم اللّه تعالى عليه.(4:19)

الطّبرسيّ: قيل:إنّ اللّه عوّدني إحسانه،و كان لي مكرما.و قيل:كان عالما بي و بما ابتغيه من مجادلتك،لعلّه يهديك.(3:517)

الفخر الرّازيّ: أي لطيفا رفيقا.يقال:أحفى فلان في المسألة بفلان،إذا ألطف به و بالغ في الرّفق،و منه قوله تعالى: إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا محمّد:37،أي و إن لطفت المسألة.و المراد:أنّه سبحانه للطفه بي و إنعامه عليّ عوّدني الإجابة،فإذا أنا استغفرت لك حصل المراد، فكأنّه جعله بذلك على يقين،إن هو تاب أن يحصل له الغفران.(21:229)

نحوه المراغيّ.(16:58)

القرطبيّ: الحفيّ:المبالغ في البرّ و الإلطاف يقال:

حفي به و تحفّى،إذا برّه.(11:113)

نحوه البيضاويّ.(2:35)

النّسفيّ: ملطفا بعموم النّعم،أو رحيما أو مكرما.

و الحفاوة:الرّأفة و الرّحمة و الكرامة.(3:37)

الشّربينيّ: أي مبالغا في إكرامي مرّة بعد مرّة،و كرّة في إثر كرّة.(2:430)

أبو السّعود :أي بليغا في البرّ و الإلطاف،تعليل لمضمون ما قبله.(4:244)

نحوه الآلوسيّ(16:102)،و القاسميّ(11:4147).

البروسويّ: أي بليغا في البرّ و الإلطاف.يقال:

حفيت به:بالغت،و تحفّيت في إكرامه:بالغت.(5:337)

الطّباطبائيّ: الحفيّ على ما ذكره الرّاغب:البرّ اللّطيف،و هو الّذي يتتبّع دقائق الحوائج فيحسن، و يرفعها واحدا بعد واحد.يقال:حفا يحفو حفى و حفوة و إحفاء السّؤال.و الإحفاء فيه:الإلحاح و الإمعان فيه.(14:59)

المصطفويّ: أي له حفاء و خلوص و صفاء بالنّسبة إليّ،و لا حجاب بيننا،و أنا أطلب منه مرادي بلا

ص: 834

واسطة و رسم و قيد،فيجيب دعوتي.(2:278)

فيحفكم

إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَ يُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ. محمّد:37

ابن عيينة:أي فيجدكم تبخلوا.

(الماورديّ 5:307)

السّدّيّ: إن يسألكم جميع ما في أيديكم، تبخلوا.(ابن الجوزيّ 7:414)

مقاتل:يعني كثرة المسألة.(4:54)

ابن زيد :الإحفاء:أن تأخذ كلّ شيء بيديك.(الطّبريّ 26:65)

نحوه قطرب.(الماورديّ 5:307)

الفرّاء: أي يجهدكم تبخلوا و يخرج أضغانكم، و يخرج ذلك البخل عداوتكم،و يكون يخرج اللّه أضغانكم.أحفيت الرّجل:أجهدته.(3:64)

أبو عبيدة :يقال:أحفاني بالمسألة،و ألحف عليّ، و ألحّ.قال أبو الأسود:لن تمنع السّائل الحفيّ بمثل المنع الحامس.(2:216)

ابن قتيبة :أي يلحّ عليكم بما يوجبه في أموالكم تَبْخَلُوا. يقال:أحفاني بالمسألة،و ألحف، و ألحّ.(411)

الطّبريّ: يقول فيجهدكم بالمسألة و يلحّ عليكم بطلبها منكم،فيلحف.(26:65)

الزّجّاج:أي يجهدكم بالمسألة.(5:17)

نحوه النّحّاس.(6:487)

الرّمّانيّ: أنّه الإلحاح و إكثار السّؤال،مأخوذ من الحفاء،و هو المشي بغير حذاء.(الماورديّ 5:307)

نحوه الطّبرسيّ.(5:108)

الواحديّ: يجهدكم بالمسألة جميعها.يقال:أحفى فلان فلانا،إذا أجهده و ألحف عليه بالمسألة.(4:130)

الزّمخشريّ: أي يجهدكم و يطلبه كلّه.و الإحفاء:

المبالغة و بلوغ الغاية في كلّ شيء.يقال:أحفاه في المسألة،إذا لم يترك شيئا من الإلحاح،و أحفى شاربه،إذا استأصله.(3:539)

نحوه البيضاويّ(2:398)،و النّسفيّ(4:155)، و الشّربينيّ(4:35)،و أبو السّعود(6:94)،و شبّر (6:36)،و الآلوسيّ(26:81)،و المراغيّ(26:78).

ابن عطيّة: و الإحفاء،هو أشدّ السّؤال،و هو المخجل المخرج ما عند المسئول كرها،و منه:حفاء الرّجل،و التّحفّي من البحث عن الشّيء.(5:123)

الفخر الرّازيّ: الفاء في قوله: فَيُحْفِكُمْ للإشارة إلى أنّ الإحفاء يتبع السّؤال بيانا لشحّ الأنفس؛و ذلك لأنّ العطف بالواو قد يكون للمثلين،و بالفاء لا يكون إلاّ للمتعاقبين أو متعلّقين أحدهما بالآخر،فكأنّه تعالى بيّن أنّ الإحفاء يقع عقيب السّؤال،لأنّ الإنسان بمجرّد السّؤال لا يعطي شيئا.(28:74)

القرطبيّ: يلحّ عليكم.يقال:أحفى بالمسألة و ألحف

ص: 835

و ألحّ،بمعنى واحد.و الحفيّ: المستقصي في السّؤال،و كذلك الإحفاء:الاستقصاء في الكلام و المنازعة.و منه أحفى شاربه،أي استقصى في أخذه.(16:257)

الطّباطبائيّ: الإحفاء:الاجهاد و تحميل المشقّة.

[إلى أن قال:]

و المعنى:إن يسألكم جميع أموالكم فيجهدكم بطلب كلّها،كففتم عن الإعطاء،لحبّكم لها،و يخرج أحقاد قلوبكم فضللتم.(18:249)

مكارم الشّيرازيّ: (يحفكم)من مادّة الإحفاء، أي الإصرار و الإلحاح في المطالبة و السّؤال،و هي في الأصل من:حفأ،و هو المشي حافيا.و هذا التّعبير كناية عن الأعمال الّتي يتابعها الإنسان إلى أبعد الحدود،و من هنا كان إحفاء الشّارب،يعني تقصيره ما أمكن.

(16:367)

المصطفويّ: أي إن يسأل اللّه أموالكم و يطلب منكم الإنفاق في سبيل اللّه،حتّى يجعلكم خالصين مخلصين عن العلائق الدّنيويّة و الحجب المادّيّة، و يزيدكم صفاء و نورا،تبخلوا عن الإنفاق.(2:278)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: الحفيّ على وجهين:

أحدهما:الجاهل،كقوله: يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها الأعراف:187،و يقال:هذا بمعنى عالم.

و الثّاني:البارّ العالم،كقوله: سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا مريم:47.(218)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحفاء،أي المشي بغير نعل؛و الحفو،و هو المبالغة في أخذ الشّارب.

فمن الأوّل:حفي الرّجل من نعليه و خفّه يحفى حفا و حفاية و حفية و حفاوة،فهو حاف و حف؛و الاسم منه:

الحفوة و الحفوة.

و الحفا:انسحاج القدم أو فرسن البعير أو الحافر من المشي حتّى ترقّ.يقال:حفي يحفى حفا و حفاء و حفاية و حفية،فهو حاف و حف؛و الاسم منه:الحفوة و الحفوة، و قد أحفاه غيره،و حفي الفرس:انسحج حافره،و أحفى الرّجل:حفيت دابّته،و الاحتفاء:أن تمشي حافيا فلا يصيبك الحفا.

و من الثّاني:حفا شاربه حفوا و أحفاه،أي بالغ في أخذه و ألزق جزّه،و كذا أحفى شاربه و رأسه.و يقال مجازا:في قول فلان إحفاء،إذا ألزق بك ما تكره،و ألحّ في مساءتك كما يحفى الشّيء،أي ينتقص.

و الاحتفاء:أخذ البقل بالأظافير من الأرض.يقال:

احتفى البقل،أي أخذه من وجه الأرض بأطراف أصابعه من قصره و قلّته،و احتفى القوم المرعى:رعوه فلم يتركوا منه شيئا،و هو على التّشبيه.

و من التّشبيه بالحفو قولهم:حفي بالرّجل و حفا به حفاوة و حفاوة و حفاية و حفوة،أي بالغ في إكرامه، و حفي اللّه بك:أكرمك،فهو حفيّ و حاف،أي لطيف بك، يبرّك و يلطف بك.و التّحفّي:الكلام و اللّقاء الحسن.يقال:

تحفّى به و احتفى،أي بالغ في إكرامه،و تحفّى إليه في الوصيّة:بالغ،و لقيت فلانا فحفي بي حفاوة،و تحفّى بي

ص: 836

تحفّيا.

و الحفاوة:المبالغة في السّؤال عن الرّجل و العناية في أمره.يقال:حفي فلان بصاحبه حفاوة،و أحفى به و تحفّى به،أي بالغ في برّه و السّؤال عن حاله.و فلان بي حفيّ،إذا كان معنيّا،و الحفيّ: المستقصي في السّؤال.و تحفّيت بفلان في المسألة:سألت به سؤالا أظهرت فيه المحبّة و البرّ، و أحفى فلان فلانا:برّح به في الإلحاف عليه،و أحفى السّؤال:ردّده.و حافى الرّجل محافاة:ماراه و نازعه في الكلام،و تحافينا إلى السّلطان،فرفعنا إلى القاضي، و القاضي يسمّى الحافي،و أحفيته:أجهدته.

و الحفو:العطاء و المنع،ضدّ.يقال:أتاني فحفوته،أي حرمته،و حفا فلان فلانا من كلّ خير يحفوه:منعه من كلّ خير،و هو من هذا الباب أيضا،لأنّ العطاء-دون المنع- من الحفاوة و الإكرام.

2-و قد ربط ابن عطيّة بين المعنيين في قوله السّابق عند تفسير الآية 3:«الإحفاء هو أشدّ السّؤال،و هو المخجل المخرج ما عند المسئول،و منه حفاء الرجل كرها»و لا بأس به.

3-و لا يخفى أنّ في معنى المشي بغير نعل،و رقّة القدم،و المبالغة في الإكرام و السّؤال،لغتين،هما:حفا يحفو حفوا،نحو:بدا يبدو بدوا،و حفي يحفى حفاء،نحو:بلي يبلى بلاء.و ما عدا هذه المعاني واويّ،كما تقدّم آنفا.

و لعلّ كلاّ منهما كان مستقلاّ في الاستعمال قديما،ثمّ لفّق بينهما،للجناس و الإعلال و الاشتقاق الأكبر.

و نظيرهما:(أ ن و)و(أ ن ي)،و(ث ر و)و(ث ر ي)، و(ب ق و)و(ب ق ي)،لاحظ هذه الموادّ في المعجم.

و قد ساهم الرّعيل الأوّل من اللّغويّين بقسط وافر في التّلفيق بين هذه الموادّ و نظائرها عند أخذها من أفواه الأعراب مشافهة،أو تصنيفها و جمعها في القراطيس كتابة.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها مجرّدا(فعيل)مرّتين،و من الإفعال المضارع مرّة في 3 آيات:

1- قالَ سَلامٌ عَلَيْكَ سَأَسْتَغْفِرُ لَكَ رَبِّي إِنَّهُ كانَ بِي حَفِيًّا مريم:47

2- ...يَسْئَلُونَكَ كَأَنَّكَ حَفِيٌّ عَنْها...

الأعراف:187

3- إِنْ يَسْئَلْكُمُوها فَيُحْفِكُمْ تَبْخَلُوا وَ يُخْرِجْ أَضْغانَكُمْ محمّد:37

يلاحظ أوّلا:أنّ(حفيّا)في(1)متأخّر عن صلته (بى)رعاية للرّويّ،أو دلالة على اختصاص الحفاوة و اقتصارها على إبراهيم عليه السّلام دون سواه،و فيه بحثان:

1-قالوا:(حفيّا):لطيفا،أو لطيفا رحيما،أو لطيفا رفيقا،أو برّا لطيفا،أو عالما بي لطيفا،أو مبتهلا متلطّفا،أو عالما يستجيب إذا دعوته،أو بليغا في البرّ و الإلطاف،أو بارّا عوّدني منه الإجابة إذا دعوته،و غير ذلك.

2-يشير قولهم:لطيفا،أو رحيما،أو عالما إلى أنّه «فعيل»بمعنى«فاعل»من:حفي فلان بفلان حفاوة،إذا أبرّه و ألطفه.كما يشعر قول بعضهم:بليغا في البرّ و الإلطاف،أو مبالغا في إكرامي مرّة بعد مرّة و كرّة في إثر كرّة،بأنّه«فعول»بمعنى«فاعل»من هذا المعنى،لما فيه من المبالغة.

ص: 837

ثانيا:جاء(حفىّ)في(2)متعدّيا ب«عن»،و المشهور أنّه يتعدّى بالباء،و فيه بحوث:

1-فسّروه بالعالم،و الفرح؛فعلى الأوّل هو«فعيل» من قولهم:أحفى به و تحفّى به،أي بالغ في برّه و السّؤال عن حاله.قال الفخر الرّازيّ:«من أكثر السّؤال و البحث عن الشّيء علمه».و على الثّاني هو«فعيل»من قولهم:حفي به حفاوة،أي بالغ في إكرامه و لطف به.قال الطّبرسيّ:

«الحفاوة في المسألة هي البشاشة بالمسئول عنه».

2-قال بعضهم:فيه تقديم و تأخير،و التّقدير:

يسألونك عنها كأنّك حفيّ بها،ثمّ حذف الجارّ و المجرور، أي«بها»على القول الأوّل،و التّقدير:يسألونك عن السّاعة كأنّك عالم بها،أو«بهم»على القول الثّاني، و التّقدير:يسألونك عن السّاعة كأنّك بارّ بهم،فرح بسؤالهم.

و قال آخرون:ليس فيه تقديم و تأخير،و(عنها) متعلّق ب(حفىّ)على معنى التّضمين،و علّل ذلك أبو حيّان بقوله:«لأنّ من كان حفيّا بشيء أدركه و كشف عنه،فالتّقدير:كأنّك كاشف بحفاوتك عنها».ثمّ احتمل أن تكون«عن»بمعنى الباء،كما تكون الباء بمعنى«عن» في قول الشّاعر:

فإن تسألوني بالنّساء فإنّني...

أي فإن تسألوني عن النّساء.

و كأنّ الطّبريّ قد ذهب إلى هذا المذهب أيضا،فقال:

«السّؤال يوصل ب«عن»مرّة و بالباء مرّة،فيقال:سألت عنه و سألت به،فلمّا وضع(حفىّ)موضع السّؤال،وصل بأغلب الحرفين اللّذين يوصل بهما السّؤال،و هو«عن» كما قال الشّاعر:

سؤال حفيّ عن أخيه كأنّه

يذكّره و سنان أو متواسن

و هذا مردود بما تقدّم،أي التّقديم و التّأخير؛إذ يحتمل أن تكون«عن»في البيت صلة«سؤال»،و أخّرت عنه ليستقيم الشّعر وزنا.

3-روى الزّمخشريّ قراءة وردت فيها صلة(حفىّ)، فقال:«قرأ ابن مسعود (كانّك حفىّ بها) ،أي عالم بها، بليغ في العلم بها».و نسبها ابن عطيّة إلى ابن عبّاس نقلا عن أبي حاتم،و كذا قال الطّبرسيّ دون ذكر النّاقل،أي أبي حاتم.

ثالثا:جاء فَيُحْفِكُمْ في(3)عطفا على يَسْئَلْكُمُوها، و فيه بحوث:

1-فسّروه بمعان متقاربة:يجهدكم بالمسألة،و يلحّ عليكم،و يسألكم جميع ما في أيديكم،أو يسألكم جميع أموالكم.و هي تعني المبالغة و التّكثير.قال ابن عطيّة:

«الإحفاء:هو أشدّ السّؤال،و هو المخجل المخرج ما عند المسئول كرها،و منه:حفاء الرّجل».

2-الفعل فَيُحْفِكُمْ مجزوم بحذف الياء،و أصله «فيحفيكم»،لأنّه معطوف على فعل الشّرط يَسْئَلْكُمُوها، و هو مجزوم تقديرا،و أصله «يسألكمها»،و اجتلبت الواو لإشباع ضمّة الميم، و(تبخلوا)جواب الشرط،و هو مجزوم أيضا،و علامة جزمه حذف النّون.

ص: 838

و لكن لم لم يعطف(يحفكم)بالواو،فعطف بالفاء؟ قال الفخر الرّازيّ: «الفاء في قوله: فَيُحْفِكُمْ للإشارة إلى أنّ الإحفاء يتبع السّؤال بيانا لشحّ الأنفس؛و ذلك لأنّ العطف بالواو قد يكون للمثلين،و بالفاء لا يكون إلاّ للمتعاقبين أو متعلّقين أحدهما بالآخر،فكأنّه تعالى بيّن أنّ الإحفاء يقع عقيب السّؤال،لأنّ الإنسان بمجرّد السّؤال لا يعطي شيئا».

3-قال ابن عيينة وحده في تفسير(يحفكم:)«أي فيجدكم تبخلوا»،و لا يستقيم ما ذكره إلاّ بإبدال حاء (يحفكم)لاما،فيصبح«يلفكم»،أي يجدكم و يصادفكم،فهل كان ذلك قراءة في عهد ابن عيينة ثمّ نسيت؟

ص: 839

ص: 840

ح ق ب

اشارة

لفظان،مرّتان،في سورتين مكّيّتين

حقبا 1:1 أحقابا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحقب:حبل يشدّ به الرّحل إلى بطن البعير،كي لا يجتذبه التّصدير.

و حقب البعير حقبا فهو حقب،أي تعسّر عليه البول.

و الأحقب:حمار الوحش لبياض حقويه.و يقال:بل سمّي لدقّة حقويه؛و الأنثى:حقباء.

و قارة حقباء:دقيقة مستطيلة.و يقال:لا يقال ذلك حتّى يلتوي السّراب بحقويها.

و الحقاب:شيء تتّخذه المرأة تعلّق به معاليق الحليّ تشدّه على وسطها؛و يجمع على حقب.

و احتقب و استحقب،أي شدّ الحقيبة من خلفه، و كذلك ما حمل من شيء من خلفه.

و المحقب كالمردف.

و الحقبة:زمان من الدّهر لا وقت له.

و الحقب:ثمانون سنة؛و الجميع:أحقاب[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](3:52)

الكسائيّ: الحقب:السّنون؛واحدتها:حقبة، و الحقب:ثمانون سنة.(الأزهريّ 4:73)

ابن شميّل: الحقيبة تكون على عجز البعير تحت حنوي القتب الآخرين.(الأزهريّ 4:73)

أبو عمرو الشّيبانيّ: و الأحقب من الحمر:الّذي يكون أسود جانبي البطن.[ثمّ استشهد بشعر](1:143)

الحقب من الإبل:الخفاف البطون.ناقة حقباء،إذا كانت مخطفة البطن.(1:148)

قال أبو الخرقاء:حقب الرّجل،إذا استمسك بوله.(1:157)

تقول:حقب الرّبيع،إذا لم يمطر النّاس.(1:185)

و الحقبة:أن يأتي على المكان عام أو عامان لم يمطر، ثمّ يمطر فلا ينبت إلاّ البقل،و هو أمرأ من الّذي ينبت كلّ عام،و يسمّى:الحولل.(1:205)

ص: 841

الفرّاء:الحقب في لغة قيس:سنة.

(الأزهريّ 4:73)

أصل الحقب من التّرادف،و التّتابع.يقال:أحقب، إذا أردف،و منه الحقيبة،و منه كلّ من حمل وزرا،فقد احتقب.(الفخر الرّازيّ 31:13)

أبو زيد :أحقبت البعير من الحقب.

(الأزهريّ 4:71)

الأصمعيّ: من أدوات الرّحل:الغرض و الحقب، فأمّا الغرض فهو حزام الرّحل،و أمّا الحقب فهو حبل يلي الثّيل:[قضيب].

يقال:أخلفت عن البعير؛و ذلك إذا أصاب حقبه ثيله،فيحقب حقبا،و هو احتباس بوله.و لا يقال ذلك في النّاقة،لأنّ بول النّاقة من حيائها،و لا يبلغ الحقب الحياء.

فالإخلاف عنه أن يحوّل الحقب فيجعل ممّا يلي خصيتي البعير.

و يقال:شكلت عن البعير،و هو أن تجعل بين الحقب و التّصدير خيطا ثمّ تشدّه،لكيلا يدنو الحقب من الثّيل، و اسم ذلك الخيط:الشّكال.

حمار أحقب:أبيض موضع الحقب.

(الأزهريّ 4:71)

ابن الأعرابيّ: حقب المطر حقبا:احتبس،و كلّ ما احتبس فقد حقب.(ابن سيده 3:21)

شمر:الحقيبة كالبرذعة تتّخذ للحلس و للقتب، فأمّا حقيبة القتب فمن خلف،و أمّا حقيبة الحلس فمجوّبة عن ذروة السّنام.(الأزهريّ 4:73)

المبرّد: يقال:حقب البعير،إذا صار الحزام في الحقب.[ثمّ استشهد بشعر](1:12)

الحقب:البيض الأعجاز من الحمير.(1:331)

ابن دريد :و الحقب:النّسعة أو الحبل يشدّ في حقو البعير على حقيبته،و الحقيبة:الرّفادة في مؤخّر القتب.

و كلّ شيء شددته في مؤخّر رحلك أو قتبك فقد احتقبته،و كثر ذلك حتّى قالوا:احتقب فلان خيرا أو شرّا،إذا ادّخره.

و حقب البعير يحقب حقبا،إذا وقع حقبه على ثيله فامتنع من البول،فربّما قتله ذلك.

يقال:حقب عامنا،إذا قلّ مطره.

و الحقاب:خيط فيه خرز يشدّ في حقو صبيّ تدفع به العين،و الأعراب تفعله إلى اليوم.

و الحقاب:جبل معروف.

أتان حقباء و حمار أحقب،و هو الّذي في حقوه بياض.

و الأحقب:زعموا اسم بعض الجنّ الّذين جاءوا يستمعون القرآن من النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و للأحقب حديث في المغازي في غزوة تبوك،و هم خمسة من نصيبين،و اثنان من الأردن لم يعرف أسماءهما ابن الكلبيّ.و أسماء الخمسة:خسا و شصا و شاصر و باصر و الأحقب.

و الحقبة:السّنة؛و الجمع:حقب.يقال:حقبت السّنة، و هي الّتي لا مطر فيها،و مرّت حقبة من الدّهر؛و الجمع:

أحقاب و حقوب.

و الحقبة:سكون الرّيح،لغة يمانيّة،يقال:أصابتنا حقبة في يومنا.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:226)

ص: 842

و الحقبة:البرهة من الدّهر.(3:301)

الأزهريّ: جاء في الحديث:«لا رأي لحازق و لا حاقب»فالحازق:الّذي ضاق عليه خفّه فحزق قدمه حزقا،و كأنّه بمعنى لا رأي لذي حزق.و أمّا الحاقب فهو الّذي احتاج إلى الخلاء فلم يتبرّز و حصر غائطه،شبّه بالبعير الحقب الّذي دنا الحقب من ثيله فمنعه من أن يبول.

و قال بعضهم:لا يقال لها:[القارة]حقباء حتّى يلتوي السّراب بحقوها.و القارة الحقباء:الّتي في وسطها تراب أعفر،تراه يبرق لبياضه،مع برقة سائره.[ثمّ نقل قول اللّيث في معنى الحقاب و أضاف:]

قلت:الحقاب هو البريم،إلاّ أنّ البريم يكون فيه ألوان من الخيوط تشدّ المرأة على حقويها.

و الحقب:حبل يشدّ به الحقيبة.

و يقال:حقب السّماء حقبا،إذا لم يمطر.

و حقب المعدن حقبا،إذا لم يركز.

و حقب نائل فلان،إذا قلّ و انقطع.

و العرب تسمّي الثّعلب:محقبا لبياض بطنه.[ثمّ استشهد بشعر]

و من أمثالهم:«استحقب الغزو أصحاب البراذين».

يقال ذلك عند ضيق المخارج.

و يقال في مثله:«نشب الحديدة و التوى المسمار».

يقال ذلك عند تأكيد كلّ أمر ليس منه مخرج.(4:72)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و في الحديث:«لا رأي لحاقب».

و الحقب في النّاقة:يصيب ضرعها فتقطع حوامله، فلا تحلب أبدا.

و الاحتقاب:شدّ الحقيبة من خلف،و كذلك الاستحقاب.

و الحقيبة:عجز الرّجل و المرأة.يقال:امرأة نفج الحقيبة.

و المحقب:كالمردف.

و الحقبة:زمان من الدّهر لا وقت له؛و الجميع:

الأحقاب و الحقب.و يقال:ثمانون سنة،و الحقب:مثله.

و حقب المطر العام:تأخّر.و حقبت الأرض.

و في مثل:«استحقب الغزو أصحاب البراذين»يقال عند ضيق المخارج.

و حقاب:اسم جبل.(2:363)

الجوهريّ: الحقب،بالضّمّ:ثمانون سنة،و يقال:

أكثر من ذلك؛و الجمع:حقاب،مثل قفّ و قفاف.

و الحقبة بالكسر:واحدة الحقب،و هي السّنون.

و الحقب:الدّهر،و الأحقاب:الدّهور،و منه قوله تعالى: أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً الكهف:60.

و الحقب بالتّحريك:حبل يشدّ به الرّحل إلى بطن البعير ممّا يلي ثيله،كي لا يجتذبه التّصدير،تقول منه:

أحقبت البعير.

و حقب البعير بالكسر،إذا أصاب حقبه ثيله فاحتبس بوله.و يقال أيضا:حقب العام،إذا احتبس مطره.

و الأحقب:حمار الوحش،سمّي بذلك لبياض في حقويه؛و الأنثى:حقباء.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال للقارة الطّويلة في السّماء:حقباء.و الحقاب

ص: 843

أيضا:جبل معروف.

و الحقيبة:واحدة الحقائب.

و احتقبه و استحقبه بمعنى،أي احتمله.و منه قيل:

احتقب فلان الإثم،كأنّه جمعه،و احتقبه من خلفه.

و المحقب:المردف.(1:114)

ابن فارس: الحاء و القاف و الباء أصل واحد،و هو يدلّ على الحبس.يقال:حقب العام،إذا احتبس مطره.

و حقب البعير،إذا احتبس بوله.

و من الباب:الحقب:حبل يشدّ به الرّحل إلى بطن البعير،كي لا يجتذبه التّصدير.

فأمّا الأحقب،و هو حمار الوحش،فاختلف في معناه،فقال قوم:سمّي بذلك لبياض حقويه.و قال آخرون:لدقّة حقويه؛و الأنثى:حقباء.

فإن كان هذا من الباب فلأنّه مكان يشدّ بحقاب، و هو حبل،يقال للأنثى:حقباء.

و من الباب:الحقيبة،و هي معروفة.

و منه احتقب فلان الإثم،كأنّه جمعه في حقيبة.

و احتقبه من خلفه:ارتدفه.و المحقب:المردف.

فأمّا الزّمان فهو حقبة؛و الجمع:حقب.

و الحقب:ثمانون عاما؛و الجمع:أحقاب،و ذلك لما يجتمع فيه من السّنين و الشّهور.

و يقال:إنّ الحقاب جبل.و يقال للقارة الطّويلة في السّماء:حقباء[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:89)

أبو هلال :الفرق بين الزّمان و الحقبة:أنّ الحقبة اسم للسّنة إلاّ أنّها تفيد غير ما تفيده السّنة؛و ذلك أنّ السّنة تفيد أنّها جمع شهور،و الحقبة تفيد أنّها ظرف لأعمال و لأمور تجري فيها،مأخوذة من الحقيبة،و هي ضرب من الظّروف تتّخذ من الأدم،يجعل الرّاكب فيها متاعه،و تشدّ خلف رحله أو سرجه.

و أمّا البرهة فبعض الدّهر،أ لا ترى أنّه يقال:برهة من الدّهر،كما يقال:قطعة من الدّهر.و قال بعضهم:هي فارسيّة معرّبة.(225)

ابن سيده: الحقب:الحزام الّذي يلي حقو البعير.

و قيل:الحقب:حبل يشدّ به الرّحل في بطن البعير لئلاّ يؤذيه التّصدير.

و حقب حقبا فهو حقب:تعسّر عليه البول من وقوع الحقب على ثيله.و لا يقال:ناقة حقبة،لأنّ النّاقة ليس لها ثيل.

و الحقب و الحقاب:شيء تعلّق به المرأة الحلي و تشدّه في وسطها؛و الجمع:حقب.

و الحقاب:خيط يشدّ في حقو الصّبيّ تدفع به العين.

و الحقب في النّجائب:لطافة الحقوين و شدّة صفاقهما، و هي مدحة.

و الحقاب:البياض الظّاهر في أصل الظّفر.

و الأحقب:الحمار الوحشيّ الّذي في بطنه بياض، و قيل:هو الأبيض موضع الحقب،و الأوّل أقوى.

و الحقيبة:الرّفادة في مؤخّر القتب.و كلّ شيء شدّ في مؤخّر رحل أو قتب فقد احتقب.

و المحقب:المردف.

و احتقب خيرا أو شرّا،و استحقبه:ادّخره على المثل،لأنّ الإنسان حامل لعمله و مدّخر له.

و الحقب:القبائل الخساس،لأنّها تستردف

ص: 844

و تستتبع،و لم أسمع لها بواحد.

و الحقبة من الدّهر:مدّة لا وقت لها.

و الحقبة:السّنة؛و الجمع:حقب و حقوب كحلية و حليّ.

و الحقب و الحقب:ثمانون سنة،و قيل:أكثر من ذلك.

و قيل:الحقب:السّنة عن ثعلب،و قوله تعالى: أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً الكهف:60،قيل:معناه سنة،و قيل:معناه سنين.و بسنين فسّره ثعلب.

فالحقب على تفسير ثعلب يكون أقلّ من ثمانين،لأنّ موسى عليه السّلام لم ينو أن يسير ثمانين سنة و لا أكثر،و ذلك أنّ بقيّة عمره في ذلك الوقت لا تحتمل ذلك.

و الجمع من ذلك كلّه:أحقاب و أحقب.

و قارة حقباء:مستدقّة طويلة في السّماء.

و الحقبة:سكون الرّيح،يمانيّة.

و حقب المعدن و أحقب:لم يوجد فيه شيء.

و الأحقب:زعموا اسم بعض الجنّ الّذين جاءوا يسمعون القرآن من النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و الحقاب:جبل بعينه.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات]

(3:20)

حقب الشّيء يحقب حقبا:امتنع و احتبس و تأخّر.

يقال:حقب المطر و حقبت السّماء و حقب عطاء فلان، و البعير:تعسّر عليه البول من وقع الحقب«الحزام»على ثيله،هو أحقب،و هي حقباء.(الإفصاح 1:510)

الحقب:حبل يشدّ به رحل البعير إلى بطنه،كي لا يتقدّم إلى كاهله،و هو غير الحزام؛الجميع:أحقاب.

(الإفصاح 2:770)

الرّاغب:قوله تعالى: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً النّبأ:

23،قيل:جمع الحقب،أي الدّهر.قيل:و الحقبة:ثمانون عاما؛و جمعها:حقب،و الصّحيح:أنّ الحقبة مدّة من الزّمان مبهمة.

و الاحتقاب:شدّ الحقيبة من خلف الرّاكب،و قيل:

احتقبه و استحقبه.

و حقب البعير:تعسّر عليه البول،لوقوع حقبه في ثيله.

و الأحقب:من حمر الوحش.و قيل:هو الدّقيق الحقوين،و قيل:هو الأبيض الحقوين؛و الأنثى:حقباء.

(126)

الزّمخشريّ: كأنّ رحلي على أحقب،و هو الّذي في مكان الحقب منه بياض،و هو حبل يلي الحقو،و الأتان:

حقباء؛و الجمع حقب.

و شدّ الرّحل بالحقب.و حقب البعير فهو حقب:وقع حقبه على ثيله،فتعسّر بوله لذلك،و ربّما قتله.

و حقبت النّاقة:أصاب الحقب ضرعها،فامتنع درّها.

و ملأ حقيبته و حقائبه.و احتقب الشّيء و استحقبه:

احتمله خلفه.

و كلّ ما حمل وراء الرّحل فهو حقيبة.

و مضى عليه حقب و حقبة و أحقاب و حقب.

و من المجاز:امرأة نفج الحقيبة:للعجزاء.و احتقب خيرا أو شرّا،و استحقبه:احتمله و ادّخره.و اسم المحتقب:الحقيبة،تقول:احتقب فلان حقيبة سوء.

و أحقبت غلامي:أردفته.و حقب العام:احتبس مطره،و منه الحديث:«لا رأي لحاقن و لا حاقب».

ص: 845

[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](أساس البلاغة:89)

[في الحديث]«إنّ الإمّعة فيكم اليوم المحقب النّاس دينه...».المحقب:المردف،من الحقيبة،و هي كلّ ما يجعله الرّاكب خلف رحله.و معناه:المقلّد الّذي جعل دينه تابعا لدين غيره،بلا رويّة و لا تحصيل برهان.(الفائق 1:57)

[في الحديث]«...ركبت الفحل،فحقب فتفاجّ (1)يبول...».الحقب:أن يتعسّر البول على البعير.و منه:

حقب عامنا،إذا احتبس مطره.و قيل:هو أن يقع الحقب على ثيله فيورثه ذلك.(الفائق 1:299)

[في الحديث]«إذا ركب الدّابّة نفج الحقيبة...».

و الحقيبة:كلّ ما يجعله الرّاكب وراء رحله،فاستعيرت للعجز،و المعنى أنّه لم يكن بأزلّ (2).(الفائق 1:379)

[في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم]«ثمّ انتزع طلقا من حقبه...».

الحقب:الحبل الّذي يشدّ في حقو البعير على الرّفادة في مؤخّر القتب،و كأنّ الطّلق كان معلّقا به فانتزعه منه.

و أراد من موضع حقبه،و هو مؤخّر القتب.

(الفائق 2:331)

الطّبرسيّ: و الأحقاب:جمع واحدها:حقب،من قوله: أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً الكهف:60،أي دهرا طويلا.

و قيل:واحده:حقب بفتح القاف،و واحد الحقب:حقبة.

[ثمّ استشهد بشعر](5:423)

المدينيّ: في الحديث«كان أبو أمامة،رضى اللّه عنه،أحقب زاده خلفه على رحله»أي جعله وراءه حقيبة.

و قال زيد بن أرقم،رضى اللّه عنه:«كنت يتيما لابن رواحة،رضى اللّه عنه،فخرج بي إلى مؤتة مردفي على حقيبة رحله».الحقيبة:وعاء يجمع الرّجل فيه زاده؛و الجمع:

الحقائب.

في الحديث:«ثمّ انتزع طلقا من حقبه».الحقب:

نسعة أو حبل يشدّ على حقو البعير،أو حقيبته،و الحقيبة:

الزّيادة الّتي تجعل في مؤخّر القتب.

و كلّ شيء جعلته في مؤخّرة رحلك أو قتبك فقد احتقبته.يقال:أحقبت البعير،إذا شددته بالحقب.

و في الحديث:«فأحقبها على ناقة»أي أردفها خلفه على حقيبة الرّحل.

و في حديث:«حقب أمر النّاس»أي فسد و احتبس، من قولهم:حقب المطر العام،أي تأخّر و احتبس و قلّ.

و فيه:ذكر«الأحقب»:أحد النّفر الجائين إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من جنّ نصيبين،و قيل:كانوا خمسة:خسا،و مسا، و شاصه،و باصه،و الأحقب.

و في الحديث:«كان نفج الحقيبة»أي رابي العجز ناتئه،و لم يكن أزلّ.

و في حديث ابن مسعود«الّذي يحقب دينه الرّجال» أي المردف،من الحقيبة،يعني المقلّد لكلّ واحد بلا رويّة.(1:469)

ابن الأثير: في حديث عائشة:«فأحقبها عبد الرّحمن على ناقة»أي أردفها على حقيبة الرّحل.

و في حديث قسّ:

*و أعبد من تعبّد في الحقب*

جمع:حقبة بالكسر،و هي السّنة.و الحقب بالضّمّ:ن.

ص: 846


1- :فرج بين رجليه يريد أن يبول.
2- :السّريع و الخفيف الوركين.

ثمانون سنة،و قيل أكثر؛و جمعه:حقاب.[و فيه أحاديث أخرى](1:411)

الصّغانيّ: و الحقبة بالضّمّ:سكون الرّيح،لغة يمانيّة.

يقال:أصابتنا حقبة في يومنا.(1:106)

الفيّوميّ: الحقب:الدّهر؛و الجمع:أحقاب،مثل قفل و أقفال؛و ضمّ القاف للإتباع لغة.و يقال:الحقب:

ثمانون عاما.

و الحقبة بمعنى المدّة؛و الجمع:حقب،مثل سدرة و سدر.

و قيل:الحقبة مثل الحقب.و الحقب:حبل يشدّ به رحل البعير إلى بطنه،كي لا يتقدّم إلى كاهله،و هو غير الحزام؛و الجمع:أحقاب،مثل سبب و أسباب.

و حقب بول البعير حقبا،من باب«تعب»إذا احتبس،و حقب المطر:تأخّر.و قد يقال:حقب البعير على حذف المضاف،فهو حاقب.

و رجل حاقب:أعجله خروج البول.

و قيل:الحاقب:الّذي احتاج إلى الخلاء للبول،فلم يتبرّز حتّى حضر غائطه.و قيل:الحاقب:الّذي احتبس غائطه.

و الحقيبة:العجيزة؛و الجمع:حقائب.[ثمّ استشهد بشعر]

سمّي ما يحمل من القماش على الفرس خلف الرّاكب حقيبة مجازا،لأنّه محمول على العجز.و حقبتها و احتقبتها:حملتها.

ثمّ توسّعوا في اللّفظ حتّى قالوا:احتقب فلان الإثم، إذا اكتسبه،كأنّه شيء محسوس حمله.(1:143)

الفيروزآباديّ: الحقب محرّكة:الحزام يلي حقو البعير،أو حبل يشدّ به الرّحل في بطنه.

و حقب،كفرح:تعسّر عليه البول،من وقوع الحقب على ثيله،و المطر،و غيره:احتبس،و المعدن:لم يوجد فيه شيء،كأحقب.

و الحقاب،ككتاب:شيء تعلّق به المرأة الحلي، و تشدّه في وسطها،كالحقب محرّكة؛جمعه:ككتب، و البياض الظّاهر في أصل الظّفر،و خيط يشدّ في حقو الصّبيّ لدفع العين،و جبل بعمان.

و الأحقب:الحمار الوحشيّ الّذي في بطنه بياض،أو الأبيض موضع الحقب،و اسم جنّيّ من الّذين استمعوا القرآن.

و الحقيبة:الرّفادة في مؤخّر القتب،و كلّ ما شدّ في مؤخّر رحل أو قتب فقد احتقب.

و المحقب:المردف،و بفتح القاف:الثّعلب.

و احتقبه و استحقبه:ادّخره.

و الحقبة بالكسر،من الدّهر:مدّة لا وقت لها، و السّنة؛جمعها:كعنب و حبوب.

و بالضّمّ:سكون الرّيح.

و الحقب،بالضّمّ و بضمّتين:ثمانون سنة أو أكثر، و الدّهر،و السّنة أو السّنون؛جمعه:أحقاب و أحقب، و القارة الطّويلة في السّماء،و قد التوى السّراب بحقويها، أو الّتي في وسطها تراب أعفر برّاق،مع برقة سائره.

(1:59)

الطّريحيّ: رجل نفج الحقيبة،بضمّ النّون و الفاء:

رابي العجز ناتئه.

و حقائب البئر:أعجازها،و منه الحديث:«سائقان

ص: 847

بحقائب البئر».

و احتقب فلان الاسم:اكتسبه.[و قد تركنا كثيرا من كلامه حذرا من التّكرار](2:45)

مجمع اللّغة :الحقب و الحقب بسكون القاف و ضمّها:مدّة من الزّمن يفهم منها الطّول؛و جمعه:أحقاب.

(1:275)

العدنانيّ: اشتريت من الحقائبيّ حقيبة.

و يخطّئون من ينسب إلى لفظ الجمع،فيقول:

اشتريت من الحقائبيّ حقيبة،و يرون أنّ الصّواب هو:

اشتريت من بائع الحقائب حقيبة.

و لكن:جاء في الجزء الحادي و العشرين من مجلّة مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة،الصّادر عام:1966،في المجموعة رقم:1،من الأخبار المجمعيّة،في المادّة رقم:4، أنّ المجمع وافق على القرار الآتي:يرى المجمع أن ينسب إلى الجمع عند الحاجة،كإرادة التّمييز،و نحو ذلك.

و على هذا يجوز أن يقال:هذه مبادئ أخلاقيّة، و هذه تشريعات عمّاليّة،و هذا رجل صحفيّ،و ذاك كتبيّ.

و ركبت مع المراكبيّ،و اشتريت من الحقائبيّ و من المناديليّ،و هذا لون فيرانيّ.(162)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ما يمتدّ و يداوم من زمان أو مكان أو أمر آخر.فيقال:الحقب لما يشدّ به الرّحل أو يشدّ به الرّحل إلى بطن البعير، و يطلق على الرّحل:الحقيبة.و كذا ما يمتدّ من الزّمان أو من المكان كالحقب بمعنى الدّهر،أو ما يرادف ثمانين عاما، أو بمعنى القارة الطّويلة في السّماء؛و جمعه:أحقاب.

و أمّا حقب البعير،فكأنّه مأخوذ من«الحقب» بالاشتقاق الانتزاعيّ،و يؤخذ منه:حقب المطر،فيعلم أنّ قيد الحقب و وجوده لازم في تحقّق أصل المفهوم و حقيقته،بمعنى أنّ احتباس بول البعير مفهوم تبعيّ لوجود الحقب حقيقة،أو تصوّرا،كما في حقب المطر.[إلى أن قال بعد ذكر الآيتين:]

فظهر أنّ تفسير الحقب بالحبس على الحقيقة،ليس على ما ينبغي،و يدلّ عليه استعماله في كلام اللّه العزيز،في الموردين بهذا المعنى.(2:279)

النّصوص التّفسيريّة

حقبا

وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً. الكهف:60

ابن عبّاس: سنين،و يقال:دهرا.(249)

ابن عمر:ثمانون سنة.(البغويّ 3:203)

و هذا المعنى مرويّ عن الإمام الباقر عليه السّلام.

(البحرانيّ 6:250)

مجاهد :سبعين خريفا.(الطّبريّ 15:272)

نحوه الحسن.(ابن الجوزيّ 5:165)

قتادة :الحقب:الزّمان.

مثله ابن زيد.(الطّبريّ 15:272)

الكلبيّ: إنّه سنة،بلغة قيس.(الماورديّ 3:322)

مقاتل:سبعة عشر ألف سنة.

(ابن الجوزيّ 5:165)

ص: 848

أبو عبيدة:أي زمانا؛و جميعه:أحقاب،و يقال في معناه:مضت له حقبة؛و الجميع:حقب،على تقدير:

كسرة،و الجميع:كسر كثيرة.(1:409)

ابن قتيبة :أي زمانا و دهرا.و يقال:الحقب:ثمانون سنة.(269)

نحوه الزّجّاج.(3:299)

الطّبريّ: يقول:أو أسير زمانا و دهرا،و هو واحد، و يجمع كثيره و قليله:أحقاب.و قد تقول العرب:كنت عنده حقبة من الدّهر،و يجمعونها:حقبا.

و ذكر بعض أهل العلم بكلام العرب:أنّ الحقب في لغة قيس:سنة،فأمّا أهل التّأويل فإنّهم يقولون في ذلك ما أنا ذاكره:و هو أنّهم اختلفوا فيه،فقال بعضهم:هو ثمانون سنة.و قال آخرون:هو سبعون سنة.(15:271)

النّحّاس: [نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

الّذي يعرفه أهل اللّغة أنّ الحقب و الحقبة:زمان من الدّهر مبهم،غير محدود،كما أنّ قوما و رهطا مبهم غير محدود.

و الحقب بضمّتين:جمعه أحقاب.و يجوز أن يكون أحقاب:جمع حقب،و حقب:جمع حقبة.(4:265)

الواحديّ: أي أسير حقبا،قال الوالبيّ:دهرا.

و الحقب عند أهل اللّغة:ثمانون سنة.و المعنى لا أزال أسير و إن احتجت إلى أن أسير حقبا حتّى أبلغ مجمع البحرين.

(3:157)

البغويّ: أي دهرا طويلا و زمانا.و جمعه:أحقاب، و الحقب:جمع الحقب.(3:203)

الزّمخشريّ: أسير زمانا طويلا،و الحقب:ثمانون سنة.(2:490)

نحوه ابن كثير(4:402)،و شبّر(4:87)،و النّسفيّ (3:18).

ابن عطيّة: معناه أو أمضي على وجهي زمانا.

و اختلف القرّاء،فقرأ الحسن و الأعمش و عاصم (حقبا) بسكون القاف،و قرأ الجمهور(حقبا)بضمّه،و هو تثقيل حقب،و جمع الحقب:أحقاب.[ثمّ نقل بعض الأقوال]

(3:528)

الفخر الرّازيّ: أسير زمانا طويلا.و قيل:الحقب:

ثمانون سنة،و قد تكلّمنا في هذا اللّفظ في قوله تعالى:

لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً النّبأ:23.

و حاصل الكلام أنّ اللّه عزّ و جلّ كان أعلم موسى حال هذا العالم،و ما أعلمه موضعه بعينه،فقال موسى عليه السّلام:لا أزال أمضي حتّى يجتمع البحران فيصيرا بحرا واحدا،أو أمضي دهرا طويلا حتّى أجد هذا العالم.

و هذا إخبار من موسى بأنّه وطّن نفسه على تحمّل التّعب الشّديد و العناء العظيم في السّفر،لأجل طلب العلم و ذلك تنبيه على أنّ المتعلّم لو سافر من المشرق إلى المغرب لطلب مسألة واحدة،لحقّ له ذلك.(21:146)

القرطبيّ: أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً بضمّ الحاء و القاف و هو الدّهر؛و الجمع:أحقاب.و قد تسكّن قافه،فيقال:

حقب،و هو ثمانون سنة،و يقال:أكثر من ذلك؛و الجمع:

حقاب.و الحقبة بكسر الحاء:واحدة الحقب،و هي السّنون.(11:10)

ص: 849

البيضاويّ: أسير زمانا طويلا.و المعنى:حتّى يقع إمّا بلوغ المجمع أو مضيّ الحقب،أو حتّى أبلغ إلاّ أن أمضي زمانا أتيقّن معه فوات المجمع.

و الحقب:الدّهر،و قيل:ثمانون سنة،و قيل:سبعون.

(2:18)

نحوه أبو السّعود(4:201)،و البروسويّ(5:264)، و الشّربينيّ(2:389)،و القاسميّ(11:4076).

أبو حيّان :و الظّاهر أنّ قوله: أَوْ أَمْضِيَ معطوف على(ابلغ)فغيّا بأحد الأمرين:إمّا ببلوغه المجمع،و إمّا بمضيّه حقباء.و قيل:هي تغيية لقوله: لا أَبْرَحُ كقولك:لا أفارقك أو تقضيني حقّي.

فالمعنى لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين إلاّ أن أمضي زمانا أتيقّن معه فوات مجمع البحرين.

و قرأ الضّحّاك (حقبا) بإسكان القاف،و الجمهور بضمّها.(6:145)

الآلوسيّ: عطف على(ابلغ)و(او)لأحد الشّيئين، و المعنى:حتّى يقع إمّا بلوغي المجمع أو مضيّ حقبا،أي سيري زمانا طويلا.

و جوّز أن تكون(او)بمعنى«إلاّ»،و الفعل منصوب بعدها ب«أن»مقدّرة،و الاستثناء مفرّغ من أعمّ الأحوال، أي لا زلت أسير في كلّ حال حتّى أبلغ،إلاّ أن أمضي زمانا أتيقّن معه فوات المجمع.

و نقل أبو حيّان جواز أن تكون بمعنى«إلى»و ليس بشيء،لأنّه يقتضي جزمه ببلوغ المجمع بعد سيره حقبا،و ليس بمراد.و الحقب بضمّتين،و يقال:بضمّ فسكون،و بذلك قرأ الضّحّاك اسم مفرد.[إلى أن قال:]

و قال أبو حيّان:الحقب:السّنون؛واحدها:حقبة.

[ثمّ استشهد بشعر]

و ما ذكره من أنّ الحقب السّنون ذكره غير واحد من اللّغويّين.لكن قوله:واحدها حقبة،فيه نظر،لأنّ ظاهر كلامهم أنّه اسم مفرد،و قد نصّ على ذلك الخفاجيّ، و لأنّ الحقبة:جمع حقب بكسر ففتح.قال في القاموس:

الحقبة بالكسر من الدّهر:مدّة لا وقت لها،و السّنة، و جمعه:حقب كعنب،و حقوب كحبوب.و اقتصر الرّاغب و الجوهريّ على الأوّل،و كان منشأ عزيمة موسى عليه السّلام على ما ذكر ما رواه الشّيخان و غيرهما،من حديث ابن عبّاس،عن أبيّ بن كعب:«أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول:«إنّ موسى عليه السّلام قام خطيبا في بني إسرائيل فسئل أيّ النّاس أعلم؟فقال:أنا،فعتب اللّه تعالى عليه؛ إذ لم يردّ العلم إليه سبحانه،فأوحى اللّه تعالى إليه:أنّ لي عبدا بمجمع البحرين هو أعلم منك».

و في رواية أخرى عنه عن أبيّ أيضا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّ موسى بني إسرائيل سأل ربّه،فقال:أي ربّ إن كان في عبادك أحد هو أعلم منّي فدلّني عليه،فقال:

نعم في عبادي من هو أعلم منك،ثمّ نعت له مكانه و أذن له في لقيه.(15:312)

المراغيّ: أي و اذكر أيّها الرّسول حين قال موسى ابن عمران لفتاه يوشع:لا أزال أمشي حتّى أبلغ مكان اجتماع البحرين،أو أسير دهرا.[ثمّ أدام الكلام في منشأ عزيمة موسى،كما تقدّم عن الآلوسيّ]

(15:175)

الطّباطبائيّ: و الحقب:الدّهر و الزّمان،و تنكيره

ص: 850

يدلّ على وصف محذوف،و التّقدير:حقبا طويلا.

و المعنى-و اللّه أعلم-و اذكر إذ قال موسى لفتاه:

لا أزال أسير حتّى أبلغ مجمع البحرين،أو أمضي دهرا طويلا.(13:339)

مكارم الشّيرازيّ: كلمة«حقب»تعني المدّة الطّويلة،و الّتي فسّرها البعض بثمانين عاما.و إنّ ما يقصده موسى عليه السّلام من ذكر هذه الكلمة،هو أنّني سوف لا أترك الجهد و المحاولة للعثور على ما ضيّعته،و لو أدّى ذلك إلى أن أسير عدّة سنين.(9:279)

احقابا

لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً. النّبأ:23

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:لا يخرج من النّار من دخلها حتّى يمكث فيها أحقابا.و الحقب:بضع و ستّون سنة،و السّنة ثلاثمائة و ستّون يوما،كلّ يوم كألف سنة ممّا تعدّون،فلا يتّكلنّ على أن يخرج من النّار.(الواحديّ 4:414)

إنّه ثلاثون ألف سنة.(ابن عطيّة 5:426)

ألف شهر.(الماورديّ 6:186)

الحقب شهر،الشّهر ثلاثون يوما،و السّنة اثنا عشر شهرا،و السّنة ثلاث مائة و ستّون يوما،كلّ يوم منها ألف سنة ممّا تعدون،فالحقب ثلاثون ألف ألف سنة.

(ابن كثير 7:199)

أبو هريرة:الحقب:ثمانون سنة،و السّنة:ستّون و ثلاثمائة يوم،و اليوم:ألف سنة.(الطّبريّ 30:11)

نحوه ابن عمر و ابن محيصن(القرطبيّ 19:176)، و ابن عبّاس و سعيد بن جبير و هلال الهجريّ و قتادة (الطّبريّ 30:11)،و الفرّاء(3:228)،و عمر بن ميمون و الحسن و الضّحّاك(ابن كثير 7:350).

الإمام عليّ عليه السّلام:[يأتي عن البغويّ]

ابن عبّاس: مقيمين في جهنّم أحقابا،حقبا بعد حقب و الحقب الواحد:ثمانون سنة،و السّنة ثلاثمائة و ستّون يوما،و اليوم الواحد ألف سنة ممّا تعدّ أهل الدّنيا.

و يقال:لا يعلم عدد تلك الأحقاب إلاّ اللّه،فلا ينقطع عنهم.(499)

الحقب:ستّون ألف سنة.(ابن عطيّة 5:426)

ابن عمر:الحقب:أربعون سنة.

(القرطبيّ 19:175)

مجاهد :الأحقاب:ثلاثة و أربعون حقبا،كلّ حقب سبعون خريفا،كلّ خريف سبعمائة سنة،كلّ سنة ثلاثمائة و ستّون يوما،و كلّ يوم ألف سنة.(البغويّ 5:201)

مثله ابن كعب القرظيّ.(القرطبيّ 19:177)

الحسن :الأحقاب فليس لها عدّة إلاّ الخلود في النّار.(الطّبريّ 30:11)

الأحقاب فلا يدري أحد ما هي.و أمّا الحقب الواحد:سبعون ألف سنة،كلّ يوم كألف سنة.

(الطّبريّ 30:12)

سبعون سنة.

مثله السّدّيّ.(ابن كثير 7:198)

الإمام الباقر عليه السّلام:هذه الآية في الّذين يخرجون من النّار.(الطّبرسيّ 5:424)

ابن كعب القرظيّ: بلغني أنّ الحقب ثلاثمائة سنة، كلّ سنة ثلاثمائة و ستّون يوما،كلّ يوم

ص: 851

ألف سنة.(الطّبريّ 30:11)

قتادة :هو ما لا انقطاع له،كلّما مضى حقب جاء حقب بعده.(الطّبريّ 30:11)

السّدّيّ: لو علم أهل النّار أنّهم يلبثون في النّار عدد حصى الدّنيا لفرحوا،و لو علم أهل الجنّة أنّهم يلبثون في الجنّة عدد حصى الدّنيا لحزنوا.

(الواحديّ 4:414)

سبعمائة حقب،كلّ حقب سبعون سنة،كلّ سنة ثلاثمائة و ستّون يوما،كلّ يوم كألف سنة ممّا تعدّون.

(ابن كثير 7:199)

الرّبيع:لا يعلم عدّة هذه الأحقاب إلاّ اللّه،و لكنّ الحقب الواحد ثمانون سنة،و السّنة ثلاثمائة و ستّون يوما، كلّ يوم من ذلك ألف سنة.(الطّبريّ 30:11)

نحوه الفرّاء.(3:228)

الإمام الصّادق عليه السّلام:الأحقاب ثمانية أحقاب، و الحقب ثمانون سنة،و السّنة ثلاثمائة و ستّون يوما، و اليوم كألف سنة ممّا تعدون.(شبّر 6:350)

مقاتل بن حيّان:الحقب سبعة عشر ألف سنة، و هي منسوخة بقوله تعالى: فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاّ عَذاباً النّبأ:30.(ابن عطيّة 5:426)

نحوه ابن زيد.(القرطبيّ 19:177)

قطرب: إنّه دهر طويل غير محدود.

(الماورديّ 6:186)

ابن قتيبة :يقال:الحقب ثمانون سنة،و ليس هذا ممّا يدلّ على غاية،كما يظنّ بعض النّاس،و إنّما يدلّ على الغاية التّوقيت:خمسة أحقاب أو عشرة.و أراد أنّهم يلبثون فيها أحقابا،كلّما مضى حقب تبعه حقب آخر.(509)

ابن كيسان :معنى لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً لا غاية لها و لا انتهاء،فكأنّه قال:أبدا.(القرطبيّ 19:177)

الطّبريّ: الأحقاب:جمع حقب،و الحقب:جمع حقبة.[ثمّ استشهد بشعر]

و من الأحقاب الّتي جمعها«حقب»قول اللّه: أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً فهذا واحد الأحقاب.

و قد اختلف أهل التّأويل في مبلغ مدّة الحقب،فقال بعضهم:مدّة ثلاثمائة سنة.و قال آخرون:بل مدّة الحقب الواحد:ثمانون سنة.و قال آخرون:الحقب الواحد:

سبعون ألف سنة.

و روي عن خالد بن معدان في هذه الآية:أنّها في أهل القبلة.

فإن قال قائل:فما أنت قائل في هذا الحديث؟قيل:

الّذي قاله قتادة عن الرّبيع بن أنس في ذلك أصحّ.

فإن قال:فما للكفّار عند اللّه عذاب إلاّ أحقابا؟قيل:

إنّ الرّبيع و قتادة قد قالا:إنّ هذه الأحقاب لا انقضاء لها و لا انقطاع.

و قد يحتمل أن يكون معنى ذلك لابثين فيها أحقابا في هذا النّوع من العذاب،هو أنّهم لا يذوقون فيها بردا و لا شرابا إلاّ حميما و غسّاقا،فإذا انقضت تلك الأحقاب صار لهم من العذاب أنواع غير ذلك،كما قال جلّ ثناؤه في كتابه: وَ إِنَّ لِلطّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ* جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ* هذا فَلْيَذُوقُوهُ حَمِيمٌ وَ غَسّاقٌ* وَ آخَرُ مِنْ شَكْلِهِ أَزْواجٌ ص:55-58،و هذا القول

ص: 852

عندي أشبه بمعنى الآية.

و عن مقاتل بن حيّان...قال:منسوخة،نسختها فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاّ عَذاباً و لا معنى لهذا القول،لأنّ قوله:

لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً خبر،و الأخبار لا يكون فيها نسخ،و إنّما النّسخ يكون في الأمر و النّهي.(30:11)

الزّجّاج: [نحو ابن عبّاس و أضاف:]

و المعنى أنّهم يلبثون أحقابا لا يذوقون في الأحقاب بردا و لا شرابا،و هم خالدون في النّار أبدا،كما قال اللّه عزّ و جلّ: خالِدِينَ فِيها أَبَداً (5:273)

الطّوسيّ: أي ماكثين فيها أزمانا كثيرة.و واحد الأحقاب:حقب،من قوله: أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً الكهف:

60،أي دهرا طويلا.و قيل:واحده حقب،و واحد الحقب:حقبة.[ثمّ استشهد بشعر]

و إنّما قال: لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً مع أنّهم مخلّدون مؤبّدون لا انقضاء لها،إلاّ أنّه حذف للعلم بحال أهل النّار من الكفّار،بإجماع الأمّة عليه لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً* لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً* إِلاّ حَمِيماً وَ غَسّاقاً ثمّ يعذّبون بعد ذلك بضرب آخر،كالزّقّوم و الزّمهرير، و نحوه من أصناف العذاب.(10:243)

الواحديّ: (احقابا)واحدها حقب،و هو ثمانون سنة،و قد مضى الكلام فيه.قال المفسّرون:الحقب الواحد:بضع و ثمانون سنة،السّنة ثلاثمائة و ستّون يوما، اليوم ألف سنة من أيّام الدّنيا.(4:414)

البغويّ: جمع حقب،و الحقب الواحد:ثمانون سنة،كلّ سنة اثنا عشر شهرا،كلّ شهر ثلاثون يوما، كلّ يوم ألف سنة.و روي ذلك عن عليّ بن أبي طالب.

(5:201)

الزّمخشريّ: حقبا بعد حقب،كلّما مضى حقب تبعه آخر،إلى غير نهاية.

و لا يكاد يستعمل الحقب و الحقبة إلاّ حيث يراد تتابع الأزمنة و تواليها،و الاشتقاق يشهد لذلك.أ لا ترى إلى حقيبة الرّاكب و الحقب الّذي وراء التّصدير؟!

و قيل:الحقب ثمانون سنة،و يجوز أن يراد لابثين فيها أحقابا غير ذائقين فيها بردا و لا شرابا إلاّ حميما و غسّاقا،ثمّ يبدلون بعد الأحقاب غير الحميم و الغسّاق من جنس آخر من العذاب.

و فيه وجه آخر،و هو أن يكون من«حقب عامنا» إذا قلّ مطره و خيره،«و حقب فلان»إذا أخطأه الرّزق فهو حقب؛و جمعه:أحقاب،فينتصب حالا عنهم،يعني لابثين فيها حقبين جحدين.(4:209)

ابن عطيّة: و الأحقاب:جمع حقب بفتح القاف، و حقب بكسر الحاء،و حقب بضمّ القاف،و هو جمع حقبة.[ثمّ استشهد بشعر]

و هي المدّة الطّويلة من الدّهر غير محدود،و يقال للسّنة أيضا:حقبة...و قيل:خمسون ألف سنة.[ثمّ نقل قول مقاتل و أضاف:]

و قد ذكرنا فساد هذا القول.و قال آخرون:

الموصوفون باللّبث(احقابا):عصاة المؤمنين،و هذا أيضا ضعيف،ما بعده في السّورة يدلّ عليه.و قال آخرون:

لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً غير ذائقين بردا و لا شرابا،فهذه الحال يلبثون أحقابا،ثمّ يبقى العذاب سرمدا،و هم يشربون أشربة جهنّم.(5:426)

ص: 853

الطّبرسيّ: أي ماكثين فيها أزمانا كثيرة،و ذكر فيها أقوال.[و ذكر قول قتادة و مجاهد و الحسن ثمّ قال:]

و رابعها:أنّ مجاز الآية لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً لا يذوقون في تلك الأحقاب بردا و لا شرابا،إلاّ حميما و غسّاقا.ثمّ يلبثون فيها،لا يذوقون غير الحميم و الغسّاق من أنواع العذاب.فهذا توقيت لأنواع العذاب،لا لمكثهم في النّار،و هذا أحسن الأقوال.

و خامسها:أنّه يعنى به أهل التّوحيد.عن خالد بن معدان.ثمّ روى عن ابن عمر حديث النّبيّ المتقدّم عن الواحديّ.(5:424)

ابن الجوزيّ: الأحقاب:جمع حقب،و قد ذكرنا الاختلاف فيه في الكهف:60.

فإن قيل:ما معنى ذكر الأحقاب و خلودهم في النّار لا نفاد له؟فعنه جوابان:

أحدهما:أنّ هذا لا يدلّ على غاية،لأنّه كلّما مضى حقب تبعه حقب.و لو أنّه قال:لابثين فيها عشرة أحقاب أو خمسة،دلّ على غاية،هذا قول ابن قتيبة و الجمهور،و بيانه:أنّ زمان أهل الجنّة و النّار يتصوّر دخوله تحت العدد،و ان لم يكن لها نهاية.

و الثّاني:أنّ المعنى أنّهم يلبثون فيها أحقابا، لا يذوقون في الأحقاب بردا و لا شرابا.فأمّا خلودهم في النّار فدائم،هذا قول الزّجّاج،و بيانه:أنّ الأحقاب حدّ لعذابهم بالحميم و الغسّاق،فإذا انقضت الأحقاب عذّبوا بغير ذلك من العذاب.(9:7)

الفخر الرّازيّ: [نقل قول الفرّاء المتقدّم في اللّغة ثمّ قال:]

فيجوز على هذا المعنى لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً أي دهورا متتابعة يتبع بعضها بعضا،و يدلّ عليه قوله تعالى:

لا أَبْرَحُ حَتّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً و يحتمل سنين متتابعة إلى أن أبلغ أو آنس.

و اعلم أنّ الأحقاب؛واحدها:حقب،و هو ثمانون سنة عند أهل اللّغة،و الحقب:السّنون،واحدتها:حقبة و هي زمان من الدّهر لا وقت له،ثمّ نقل عن المفسّرين فيه وجوه.[إلى أن قال:]

فإن قيل:قوله:(احقابا)و إن طالت إلاّ أنّها متناهية، و عذاب أهل النّار غير متناه،بل لو قال:لابثين فيها الأحقاب،لم يكن هذا السّؤال واردا،و نظير هذا السّؤال قوله في أهل القبلة: إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ هود:107.

قلنا:الجواب من وجوه:

الأوّل:أنّ لفظ«الأحقاب»لا يدلّ على مضيّ حقب له نهاية،و إنّما الحقب الواحد متناه،و المعنى أنّهم يلبثون فيها أحقابا،كلّما مضى حقب تبعه حقب آخر،و هكذا إلى الأبد.

و الثّاني:قال الزّجّاج:المعنى أنّهم يلبثون فيها أحقابا لا يذوقون في الأحقاب بردا و لا شرابا،فهذه الأحقاب توقيت لنوع من العذاب،و هو أن لا يذوقوا بردا و لا شرابا إلاّ حميما و غسّاقا،ثمّ يبدلون بعد الأحقاب عن الحميم و الغسّاق من جنس آخر من العذاب.

و ثالثها:هب أنّ قوله:(احقابا)يفيد التّناهي،لكن دلالة هذا على الخروج دلالة المفهوم،و المنطوق دلّ على أنّهم لا يخرجون،قال تعالى: يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النّارِ وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَ لَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ المائدة:

ص: 854

37،و لا شكّ أنّ المنطوق راجح.[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ](31:13)

نحوه البيضاويّ(2:534)،و النّسفيّ(4:326)، و أبو حيّان(8:413)،و أبو السّعود(6:359).

القرطبيّ: و المعنى في الآية:لابثين فيها أحقاب الآخرة الّتي لا نهاية لها،فحذف الآخرة لدلالة الكلام عليه؛إذ في الكلام ذكر الآخرة،و هو كما يقال:أيّام الآخرة،أي أيّام بعد أيّام إلى غير نهاية.و إنّما كان يدلّ على التّوقيت لو قال:خمسة أحقاب أو عشرة أحقاب و نحوه.

و ذكر الأحقاب،لأنّ الحقب كان أبعد شيء عندهم، فتكلّم بما تذهب إليه أوهامهم و يعرفونها،و هي كناية عن التّأبيد،أي يمكثون فيها أبدا.

و قيل:ذكر الأحقاب دون الأيّام،لأنّ الأحقاب أهول في القلوب و أدلّ على الخلود و المعنى متقارب، و هذا الخلود في حقّ المشركين،و يمكن حمل الآية علي العصاة الّذين يخرجون من النّار بعد أحقاب.

و قيل:الأحقاب:وقت لشربهم الحميم و الغسّاق، فإذا انقضت فيكون لهم نوع آخر من العقاب.[ثمّ نقل الأقوال و أضاف:]

قلت:هذه أقوال متعارضة،و التّحديد في الآية للخلود يحتاج إلى توقيف يقطع العذر،و ليس ذلك بثابت عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و إنّما المعنى-و اللّه أعلم-ما ذكرناه أوّلا،أي لابثين فيها أزمانا و دهورا،كلّما مضى زمن يعقبه زمن، و دهر يعقبه دهر،هكذا أبد الآبدين،من غير انقطاع.

و قال ابن كيسان:معنى لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً لا غاية لها و لا انتهاء،فكأنّه قال:أبدا.

و قال ابن زيد و مقاتل:إنّها منسوخة بقوله تعالى:

فَذُوقُوا فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلاّ عَذاباً يعني أنّ العدد قد انقطع،و الخلود قد حصل.

قلت:و هذا بعيد لأنّه خبر،و قد قال تعالى: وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ الأعراف:40،على ما تقدّم هذا في حقّ الكفّار.فأمّا العصاة الموحّدون فصحيح،و يكون النّسخ بمعنى التّخصيص،و اللّه أعلم.

و قيل:المعنى لابثين فيها أحقابا أي في الأرض؛إذ قد تقدّم ذكرها،و يكون الضّمير في لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً لجهنّم.و قيل:واحد الأحقاب:حقب و حقبة.[ثمّ استشهد بشعر](19:175)

ابن كثير :أي ماكثين فيها أحقابا،و هي جمع حقب، و هو المدّة من الزّمان.و قد اختلفوا في مقداره[و نقل الأقوال و حديث النّبيّ المتقدّم عن ابن كثير ثمّ قال:]

و هذا حديث منكر جدّا،و القاسم هو،و الرّاوي عنه و هو جعفر بن الزّبير كلاهما متروك[ثمّ نقل أقوالا أخرى](7:198)

البروسويّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و الحاصل أنّ الأحقاب يدلّ على التّناهي،فهو و إن كان جمع قلّة،لكنّه بمنزلة جمع كثرة،و هو الحقوب،أو بمنزلة الأحقاب المعرّف بلام الاستغراق.و لو كان فيه ما يدلّ على خروجهم منها،فدلالته من قبيل المفهوم،فلا يعارض المنطوق الدّالّ على خلود الكفّار،كقوله تعالى:

يُرِيدُونَ أَنْ يَخْرُجُوا مِنَ النّارِ وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها

ص: 855

وَ لَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ المائدة:37 لأنّ المنطوق راجح على المفهوم فلا يعارضه.(10:302)

شبّر:دهورا متتابعة لا تتناهى،و تناهي الحقب لو سلّم لا يستلزم تناهيها.(6:350)

الآلوسيّ: أَحْقاباً ظرف للبثهم،و هو و كذا أحقب:جمع حقب بالضّمّ و بضمّتين.[ثمّ أشار إلى بعض الأقوال و أضاف:]

و أيّا ما كان،فالمعنى:لابثين فيها أحقابا متتابعة،كلّما مضى حقب تبعه حقب آخر.و إفادة التّتابع في الاستعمال بشهادة الاشتقاق،فإنّه من الحقيبة،و هي ما يشدّ خلف الرّاكب،و المتتابعات يكون أحدهما خلف الآخر.فليس في الآية ما يدلّ على خروج الكفرة من النّار و عدم خلودهم فيها،لمكان فهم التّتابع في الاستعمال.و صيغة القلّة لا تنافي عدم التّناهي؛إذ لا فرق بين تتابع الأحقاب الكثيرة إلى ما لا يتناهى،و تتابع الأحقاب القليلة كذلك.

و قيل:إنّ الصّيغة هنا مشتركة بين القلّة و الكثرة.إذ ليس للحقب جمع كثرة،فليرد بها بمعونة المقام جمع الكثرة،و تعقّب بثبوت جمع الكثرة له،و هو الحقب.[ثمّ نقل كلام الرّاغب و قال:]

و تعقّب بأنّه إن صحّ إنّما ينافيه لو كان الخروج حقبا تامّا،أمّا لو كان في بعض أجزاء الحقب فلا،لبقاء تتابع الأحقاب جملة.سلّمنا،لكن هذا الإخراج الّذي يستعقب الرّدّ لزيادة التّعذيب كاللّبث في النّار أشدّ،و الكلام من باب التّغليب،و ليس فيه الجمع بين الحقيقة و المجاز.

ثمّ إن وجد أنّ في الآية ما يقتضي الدّلالة على التّناهي و الخروج من النّار و لو بعد زمان طويل،فهو مفهوم معارض بالمنطوق الصّريح بخلافه،كآيات الخلود، و قوله تعالى: وَ ما هُمْ بِخارِجِينَ مِنْها وَ لَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ المائدة:37،إلى غير ذلك.

و إن جعل لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً* إِلاّ حَمِيماً وَ غَسّاقاً النّبأ:24،25،حالا من المستكن في (لابثين)فيكون قيدا للّبث،فيحتمل أن يلبثوا فيها أحقابا غير ذائقين إلاّ حميما و غسّاقا.ثمّ يكون لهم بعد الأحقاب لبث على حال آخر من العذاب.

و كذا إن جعل(احقابا)منصوبا ب لا يَذُوقُونَ قيدا له،إلاّ أنّ فيه بعدا.و مثله لو جعل لا يَذُوقُونَ فِيها إلخ صفة ل(احقابا)و ضمير(فيها)لها لا(لجهنّم) لكنّه أبعد من سابقه.(30:14)

الطّباطبائيّ: الأحقاب:الأزمنة الكثيرة،و الدّهور الطّويلة من غير تحديد.و هو جمع اختلفوا في واحده، فقيل:واحده:حقب بالضّمّ فالسّكون أو بضمّتين،و قد وقع في أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً الكهف:60،و قيل:حقب بالفتح فالسّكون،و واحد الحقب:حقبة بالكسر فالسّكون.قال الرّاغب:و الحقّ أنّ الحقبة مدّة من الزّمان مبهمة،انتهى.

و حدّ بعضهم الحقب بثمانين سنة أو ببضع و ثمانين سنة،و زاد آخرون أنّ السّنة منها ثلاثمائة و ستّون يوما، كلّ يوم يعدل ألف سنة.و عن بعضهم أنّ الحقب أربعون سنة،و عن آخرين أنّه سبعون ألف سنة،إلى غير ذلك، و لا دليل من الكتاب يدلّ على شيء من هذه التّحديدات،و لم يثبت من اللّغة شيء منها.

و ظاهر الآية أنّ المراد بالطّاغين:المعاندون من

ص: 856

الكفّار،و يؤيّده قوله ذيلا: إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً* وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا كِذّاباً. النّبأ:27،28،و قد فسّروا أحقابا في الآية بالحقب بعد الحقب،فالمعنى:حال كون الطّاغين لابثين في جهنّم حقبا بعد حقب بلا تحديد و لا نهاية،فلا تنافي الآية ما نصّ عليه القرآن من خلود الكفّار في النّار.(20:167)

مكارم الشّيرازيّ: و الأحقاب:جمع حقب،على وزن«قفل»بمعنى برهة زمانيّة غير معيّنة،و قد قدّرها بعض بثمانين عاما،و قيل:سبعين،و قيل:أربعين عاما.

و على أيّ من التّقادير،فثمّة مدّة معيّنة للبقاء في جهنّم،و هو ما يتعارض مع ما جاء في آيات أخر،و الّتي تصرّح بخلود أهل النّار في جهنّم،و لذلك فقد عرج المفسّرون لإيجاد ما يوضح هذا الموضوع.

المعروف بين المفسّرين:أنّ المقصود ب«الأحقاب» في الآية هو تلك الفترات الزّمانيّة الطّويلة الّتي تتعاقب فيما بينها،المتسلسلة بلا نهاية،فكلّما تنتهي فترة تحلّ محلّها أخرى،و هكذا.

و قد جاء في إحدى الرّوايات أنّ الآية جاءت في المذنبين من أهل الجنّة،الّذين يقضون فترة في جهنّم يتطهّرون فيها،ثمّ يدخلون الجنّة،و ليست هي في الكافرين المخلّدين في النّار.(19:304)

فضل اللّه :أي أزمنة كثيرة و دهورا طويلة من غير تحديد.(24:20)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحقب،و هو الحزام الّذي يلي حقو البعير،يشدّ به الرّحل،و الجمع:أحقاب.يقال:

أحقبت البعير.و حقب حقبا فهو حقب:تعسّر عليه البول و احتبس من وقوع الحقب على ثيله،أي قضيبه.

و يقال مجازا:حقب العام،إذا احتبس مطره،و حقبت السّماء حقبا:لم تمطر،و حقب المطر حقبا:احتبس،و حقب المعدن و أحقب:لم يركز،و حقب نائل فلان:قلّ و انقطع.

و الحقب:شيء تعلّق به المرأة الحلي،و تشدّه في وسطها،و هو الحقاب أيضا.و الحقاب:خيط يشدّ في حقو الصّبيّ،تدفع به العين؛و الجمع:حقب.

و الأحقب:الأبيض موضع الحقب؛و الأنثى:حقباء، لأنّه مكان يشدّ بحقاب.

و الحقيبة:البرذعة(كالسّرج)،تتّخذ للحلس و القتب؛و الجمع:حقائب.و الحقب:حبل تشدّ به الحقيبة.

و الاحتقاب:شدّ الحقيبة من خلف،و كذلك ما حمل من شيء من خلف،يقال:احتقب و استحقب.

و قارة حقباء:في وسطها تراب أعفر،و هو يبرق ببياضه مع برقة سائره،تشبيها بالأحقب.

و الحقبة من الدّهر:مدّة لا وقت لها،أو السّنة؛ و الجمع:حقب و حقوب،فهي تجمع الأيّام و الشّهور،كما يجمع الحقب الرّحل.

و الحقب و الحقب:ثمانون سنة أو أكثر؛و الجمع:

حقاب و أحقاب و أحقب،على التّشبيه أيضا.و من المجاز:

احتقب فلان الإثم و استحقبه:احتمله،كأنّه جمعه و احتقبه من خلفه،و احتقب خيرا أو شرّا و استحقبه:

ادّخره،على المثل،لأنّ الإنسان حامل لعمله و مدّخر له.

2-و الحقيبة:الوعاء الّذي يجعل الرّجل فيه زاده،

ص: 857

و هي تجعل في مؤخّر القتب،و تشدّ بالحقب،فهي«فعيلة» بمعنى«مفعولة».و في حديث زيد بن أرقم:«كنت يتيما لابن رواحة،فخرج بي إلى غزوة مؤتة،مرد في على حقيبة رحله».

و يستعمل هذا اللّفظ اليوم بمعنى العيبة و ما يجعل فيه المتاع و الزّاد،و قد أقرّ مجمع اللّغة العربيّة في القاهرة هذا الاستعمال (1).كما أجاز إطلاق لفظ«الحقائبيّ»على من يبيعها (2).

أمّا لفظ«المحفظة»الّذي يستعمله المعاصرون مترادفا للفظ«الحقيبة»،فهو مولّد،و يطلقونه أيضا على صرّة النّقود،و جراب الكتب،و لا أصل له في اللّغة لفظا أو معنى،انظر«ح ف ظ».

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظان:«حقبا»و«أحقابا»في آيتين:

1- ...لا أَبْرَحُ حَتّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً الكهف:60

2- لِلطّاغِينَ مَآباً* لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً

النّبأ:22،23

يلاحظ أوّلا:أنّ(حقبا)في(1)جاء ظرف زمان يدلّ على الامتداد و الاستغراق،و فيه بحوث:

1-فسّروه تارة مطلقا،فقالوا:زمانا،و دهرا،أو زمانا و دهرا،و زمانا طويلا،و دهرا طويلا،أو دهرا طويلا و زمانا.و فسّروه تارة أخرى مقيّدا،فقالوا:ثمانين سنة،و سبعين خريفا،و سبعة عشر ألف سنة،و سنة بلغة قريش،و قيل:بلغة قيس.

2-قرئ (حقبا) بسكون القاف،و هي لغة في «حقب»بضمّتين،و نسبها ابن عطيّة إلى الحسن و الأعمش و عاصم،و نسبها أبو حيّان إلى الضّحّاك.

و يبدو أنّ القراءة المشهورة جاءت مجاراة للفظ الكلمات الّتي تقدّمتها؛إذ حرّك الحرف الّذي يسبق الرّويّ فيها، نحو:(كذبا)و(جرزا)و(نهرا)و(زلقا)،و يجوز في هذه الألفاظ الأربعة سكون عينها أيضا كما في«حقب».

3-إن قيل:ما وجه عطف جملة أَمْضِيَ حُقُباً على جملة أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ؟ و هل الغاية بلوغ مجمع البحرين فحسب؟

قال أبو حيّان:«غيّا بأحد الأمرين:إمّا ببلوغه المجمع،و إمّا بمضيّه حقبا،و قيل:هي تغيية لقوله:

(لا ابرح)،كقولك:لا أفارقك أو تقضيني حقّي،فالمعنى لا أبرح حتّى أبلغ مجمع البحرين،إلاّ أن أمضي زمانا أتيقّن معه فوات مجمع البحرين».

و الأظهر التّغيية بأحد الأمرين السّابقين،و يعضده الاشتقاق،لأنّ الحقب-كما تقدّم-من الحقب،أي الحبل الّذي تشدّ به الحقيبة،فكأنّ موسى احتقب استعدادا للسّفر،و عزم على المسير بجدّ.

ثانيا:أنّ(احقابا)في(2)جمع قلّة لحقب و حقب، و فيه بحوث:

1-ذهب اللّغويّون و أغلب المفسّرين إلى أنّ الأحقاب دهور طويلة مبهمة غير محدودة،و قدّره بعضهم بأحقاب الآخرة.قال ابن عبّاس:«الحقب

ص: 858


1- معجم متن اللّغة.
2- معجم الأغلاط اللّغويّة المعاصرة.

الواحد:ثمانون سنة،و السّنة:ثلاثمائة و ستّون يوما،و اليوم الواحد:ألف سنة ممّا يعدّ أهل الدّنيا،و لا يعلم عدد تلك الأحقاب إلاّ اللّه،فلا ينقطع عنهم».

2-ربّما يقال:إن أريد طول المدّة كما قالوا،فلما ذا ما استعمل الحقاب،و هو جمع كثرة للحقب؟

قال البروسويّ: «الأحقاب يدلّ على التّناهي،فهو و إن كان جمع قلّة،لكنّه بمنزلة جمع كثرة و هو الحقوب،أو بمنزلة الأحقاب المعرّف ب«لام الاستغراق».و لك أن تقول:تنكيره يفيد تكثيره من غير الإخلال بالرّويّ.

ثمّ إنّ الآيات لِلطّاغِينَ مَآباً* لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً* لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً جاءت نسقا في هذه السّورة،و لو أبدل(احقابا)بحقاب،لاختلّ هذا النّسق.

3-لا شكّ أنّ الكافرين مخلّدون في العذاب، و الأحقاب هنا ليست مدّة لبثهم في النّار،بل هي مدّة لضروب العذاب فيها،فهم أحقابا لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً* إِلاّ حَمِيماً وَ غَسّاقاً النّبأ:24،25، و أحقابا يعذّبون بنوع آخر من العذاب.و هو قول الزّجّاج و الطّبريّ،و قد اختاره الطّبرسيّ فقال:«و هذا أحسن الأقوال».

ص: 859

ص: 860

ح ق ف

اشارة

الأحقاف

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحقف:الرّمل،و يجمع على:أحقاف و حقوف.و احقوقف الرّمل،و احقوقف ظهر البعير،أي طال و اعوجّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأحقاف في القرآن،يقال:جبل محيط بالدّنيا من زبرجدة خضراء،يلتهب يوم القيامة فيحشر النّاس من كلّ أفق.(3:51)

ابن شميّل: جمل أحقف:خميص.

(الأزهريّ 4:68)

أبو عمرو الشّيبانيّ: و الحقف من الرّمل:المرتفع، و هو القوز أيضا.

و يقال:قد احقوقف،إذا انحنى من الكبر،و قلّة اللّحم.(1:207)

الأصمعيّ: الحقف:الرّمل المعوجّ،و منه قيل لما اعوجّ:محقوقف.(الأزهريّ 4:68)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ عليه السّلام:«أنّه مرّ هو و أصحابه-و هم محرمون-بظبي حاقف في ظلّ شجرة...».

قوله:حاقف يعني الّذي قد انحنى و تثنّى في نومه، و لهذا قيل للرّمل إذا كان منحنيا:حقف؛و جمعه:أحقاف.

و يقال في قوله تعالى: إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ الأحقاف:21:إنّما سمّيت منازلهم بهذا،لأنّها كانت بالرّمال.

و أمّا في بعض التّفسير في قوله: بِالْأَحْقافِ قال:

بالأرض،و أمّا المعروف في كلام العرب فما أخبرتك.

واحد الأحقاف:حقف،و منه قيل للشّيء إذا انحنى:

قد احقوقف.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:309)

ابن الأعرابيّ: الحقف:أصل الرّمل،و أصل الجبل،

ص: 861

و الحائط.و الضّبي الحاقف يكون رابضا في حقف من الرّمل،و يكون منطويا كالحقف.(الأزهريّ 4:68)

المبرّد: الحقف هو الرّمل الكثير المكتنز غير العظيم،و فيه اعوجاج.(الطّبرسيّ 5:89)

ثعلب :و كلّ موضع دخل فيه فهو حقف.و رجل حاقف،إذا دخل في الموضع.(ابن سيده 3:17)

ابن دريد :الحقف:الكثيب من الرّمل يعوجّ و يتقوّس؛و الجمع:أحقاف و حقوف.

و في الحديث:«مرّ بظبي حاقف فرماه».و له تفسيران،قالوا:حاقف،أي في أصل حقف من الرّمل، و قال آخرون:حاقف:منعطف.[ثمّ استشهد بشعر]

و كلّ شيء اعوجّ فقد احقوقف.(2:175)

الكرخيّ: حضرموت في شرقيّ عدن بقرب البحر، و بها رمال كثيرة تعرف بالأحقاف.و حضرموت في نفسها مدينة صغيرة،و لها أعمال عريضة،و بها قبر هود النّبيّ عليه السّلام،و بقربها«بلهوت»بئر عميقة لا يكاد لا يستطيع أحد أن ينزل إلى قعرها.و أمّا بلاد مهرة فإنّ قصبتها تسمّى الشّحر،و هي بلاد قفرة.

(المسالك و الممالك:27)

الأزهريّ: [نقل قول الخليل ثمّ قال:]

قلت:هذا الجبل الّذي وصفه يقال له:قاف،و أمّا الأحقاف فهي رمال بظاهر بلاد اليمن،كانت عاد تنزل بها.(4:68)

محمّد المقدسيّ: الأحقاف:موضع،و بلدته حضرموت.(أحسن التّقاسيم 1:77)

و حضرموت هي قصبة الأحقاف،موضوعة في الرّمال،عامرة نائية عن السّاحل،آهلة،لهم في العلم و الخير رغبة،إلاّ أنّهم شراة شديد سمرتهم.و الشّحر:

مدينة على البحر معدن السّمك.

(أحسن التّقاسيم 1:126)

الصّاحب:يقال للرّمل إذا اعوجّ و طال:احقوقف.

و احقوقف ظهر البعير.

و ظبي حاقف بيّن الحقوف:ثان عنقه.

و الحقف:الرّمل؛يجمع على:الأحقاف و الحقوف و الحقفة.

و حقف الجبل:ضبنه:[ناحيته]

و الأحقاف في القرآن:جبل محيط بالدّنيا فيما يقال.

و المحقف:الّذي لا يأكل و لا يشرب،و كأنّه مقلوب«قفح».(2:359)

الجوهريّ: الحقف:المعوجّ من الرّمل؛و الجمع:

حقاف و أحقاف.

و احقوقف الرّمل و الهلال،أي اعوجّ.[ثمّ استشهد بشعر و ذكر الحديث المتقدّم في كلام أبي عبيد مع الآية]

(4:1345)

ابن فارس: الحاء و القاف و الفاء أصل واحد،و هو يدلّ على ميل الشّيء و عوجه.يقال:احقوقف الشّيء، إذا مال،فهو محقوقف و حاقف.[ثمّ ذكر الحديث المتقدّم]

(2:90)

ابن سيده: الحقف:الرّمل المعوجّ.و قيل:الرّمل المستطيل المرتفع كالدّكّاوات؛و جمعه:أحقاف و حقوف و حقاف و حقفة و أحقفة.الأخيرة اسم للجمع،لأنّ فعلا لا يجمع على:أفعلة.

ص: 862

و قد احقوقف الرّمل.و كلّ ما طال و اعوجّ فقد احقوقف،كظهر البعير و شخص القمر.

و ضبي حاقف،فيه قولان:أحدهما:أنّ معناه صار في حقف،و الآخر:أنّه ربض فاحقوقف ظهره.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:17)

الرّاغب: إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ جمع الحقف، أي الرّمل المائل.

و ظبي حاقف:ساكن للحقف.

و احقوقف:مال حتّى صار كحقف.[ثمّ استشهد بشعر](126)

الزّمخشريّ: نزلنا بين قفاف و أحقاف.

و فلان مأواه الحقوف،لا تظلّه السّقوف.

و الحقف:نقا (1)يعوجّ و يدقّ.

و احقوقف الرّمل،و احقوقف ظهر البعير من الهزال، و احقوقف الهلال.[ثمّ استشهد بشعر]

و مررت بظبي حاقف،و هو المنعطف في منامه.

(أساس البلاغة:90)

[ذكر حديث النبيّ المتقدّم في كلام أبي عبيد و قال:]

هو المحقوقف،و هو المنعطف المنثني في نومه.

و قيل:هو الكائن في أصل حقف من الرّمل.

(الفائق 1:299)

الطّبرسيّ: الأحقاف:جمع حقف،و هو الرّمل المستطيل العظيم،لا يبلغ أن يكون جبلا.[ثمّ استشهد بشعر](5:89)

المدينيّ: في الحديث:«و حقاف الرّمل»جمع:

حقف،و يجمع أيضا:أحقافا،و هو ما اعوجّ منه و استطال، و منه يقال:احقوقف،أي مال(1:471)

ابن الأثير: في حديث قسّ«في تنائف حقاف»و في رواية أخرى«في تنائف حقائف».

الحقاف:جمع حقف،و هو ما اعوجّ من الرّمل و استطال؛و يجمع على:أحقاف.فأمّا«حقائف»فجمع الجمع،إمّا جمع حقاف أو أحقاف.(1:413)

الفيّوميّ: حقف الشّيء حقوفا من باب«قعد»:

اعوجّ،فهو حاقف.

و ظبي حاقف:للّذي انحنى و تثنّى من جرح أو غيره.

و يقال للرّمل المعوجّ:حقف؛و الجمع:أحقاف،مثل حمل و أحمال.(1:143)

الفيروزآباديّ: الحقف،بالكسر:المعوجّ من الرّمل؛جمعه:أحقاف و حقاف و حقوف،و جمع جمعه:

حقائف و حقفة.

أو الرّمل العظيم المستدير،أو المستطيل المشرف، أو هي رمال مستطيلة بناحية الشّحر،و أصل الرّمل، و أصل الجبل،و أصل الحائط.

و جمل أحقف:خميص.

و الجبل المحيط بالدّنيا:قاف،لا الأحقاف،كما ذكره اللّيث.

و ظبي حاقف:رابض في حقف من الرّمل،أو يكون منطويا كالحقف،و قد انحنى و تثنّى في نومه،و هو بيّن الحقوف.

و كمنبر:من لا يأكل و لا يشرب.

و احقوقف الرّمل،و الظّهر،و الهلال:طالة.

ص: 863


1- القطعة من الرّمل المحدودبة.

و اعوجّ.(3:133)

مجمع اللّغة :الحقف بكسر الحاء:المتعوّج أو المستطيل أو المستدير من الرّمل؛و جمعه:أحقاف.

و جاءت الأحقاف في القرآن مرادا بها:منازل عاد.

(1:276)

محمّد إسماعيل إبراهيم:الأحقاف:جمع حقف، و هو ما استطال من الرّمل و احقوقف،أي اعوجّ.

و المراد بالأحقاف:الأودية الّتي كانت بها منازل عاد الأولى قوم هود باليمن،و كانت في شمال حضرموت،و في شمالها الرّبع الخالي،و في شرقها عمان.و موضعها اليوم رمال خالية،و كانت أهلها من أشدّ النّاس قوّة.

(1:140)

المصطفويّ: «النّخبة الأزهريّة ص 514» حضرموت و هي بلاد على شاطئ بحر عمان قليلة الزّرع و الخيرات،و شمال حضرموت صحراء الأحقاف بمهاويها الشّهيرة،و هي أماكن رمليّة لا تطأها قدم حتّى تغور في الأرض،لنعومة الرّمل.

فظهر أنّ الأحقاف أراض في جنوبيّ مملكة الحجاز، فيما بين اليمن و عمان و عدن،و كانت مساكن قوم عاد.

راجع:ثمود،عاد،هود.(2:281)

النّصوص التّفسيريّة

الاحقاف

وَ اذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ.

الأحقاف:21

الإمام عليّ عليه السّلام:خير واديين في النّاس:واد بمكّة، و واد نزل به آدم بأرض الهند،و شرّ واديين في النّاس:

وادي الأحقاف،و واد بحضرموت يدعى برهوت،تلقى فيه أرواح الكفّار،و خير بئر في النّاس:بئر زمزم،و شرّ بئر في النّاس:بئر برهوت و هي ذلك الوادي بحضرموت.(الماورديّ 5:282)

ابن عبّاس: يقول:بحقوف النّار،أي سنة النّار حقبا بعد حقب.(425)

الأحقاف:جبل بالشّام.(الطّبريّ 26:22)

مثله الضّحّاك.(الماورديّ 5:285)

الأحقاف الّذي أنذر هود قومه:واد بين عمان و مهرة.(الطّبريّ 26:23)

مجاهد :الأحقاف:الأرض.

حشاف أو كلمة تشبهها.

حشاف من حسمى.(الطّبريّ 26:23)

عكرمة :الأحقاف:الجبل و الغار.

(ابن كثير 6:286)

الضّحّاك: جبل يسمّى الأحقاف.

(الطّبريّ 26:22)

الحسن :الأحقاف:أرض خلالها رمال.

(الطّوسيّ 9:280)

عطاء:رمال بلاد الشّحر.(الواحديّ 4:113)

قتادة :ذكر لنا أنّ عادا كانوا حيّا باليمن أهل رمل، مشرفين على البحر.

بأرض يقال لها:الشّحر.(الطّبريّ: 26:23)

الكلبيّ: أحقاف الجبل:ما نضب عنه الماء زمان الغرق،كان ينضب الماء من الأرض و يبقى

ص: 864

أثره.(القرطبيّ 16:204)

مقاتل:و الأحقاف:الرّمل عند دكّ الرّمل باليمن في حضرموت.(4:23)

ابن إسحاق :كانت منازل عاد و جماعتهم حيث بعث اللّه إليهم هودا.

الأحقاف:الرّمل فيما بين عمان إلى حضرموت فاليمن كلّه،و كانوا مع ذلك قد فشوا في الأرض كلّها،قهروا أهلها بفضل قوّتهم الّتي آتاهم اللّه.

(الطّبريّ 26:23)

ابن زيد:الأحقاف:الرّمل الّذي يكون كهيئة الجبل،تدعوه العرب الحقف،و لا يكون أحقافا إلاّ من الرّمل.(الطّبريّ: 26:23)

الكسائيّ: و هي ما استدار من الرّمال.

(البغويّ 4:200)

الفرّاء: أحقاف الرّمل؛واحدها:حقف،و الحقف:

الرّملة المستطيلة المرتفعة إلى فوق.(3:54)

أبو عبيدة :أحقاف الرّمال.[ثمّ استشهد بشعر](2:213)

ابن قتيبة :واحدها:حقف،و هو من الرّمل ما أشرف من كثبانه و استطال و انحنى.(407)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:و اذكر يا محمّد لقومك الرّادّين عليك ما جئتهم به من الحقّ هودا أخا عاد،فإنّ اللّه بعثك إليهم كالّذي بعثه إلى عاد، فخوّفهم أن يحلّ بهم من نقمة اللّه على كفرهم ما حلّ بهم؛ إذ كذّبوا رسولنا هودا إليهم؛إذ أنذر قومه عادا بالأحقاف،و الأحقاف:جمع حقف،و هو من الرّمل ما استطال و لم يبلغ أن يكون جبلا.[ثمّ استشهد بشعر]

و اختلف أهل التّأويل في الموضع الّذي به هذه الأحقاف،فقال بعضهم:هي جبل بالشّام.

و قال آخرون:بل هي واد بين عمان و مهرة.

و قال آخرون:هي أرض.

و قال آخرون:هي رمال مشرفة على البحر بالشّحر.

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب أن يقال:إنّ اللّه تبارك و تعالى أخبر أنّ عادا أنذرهم أخوهم هود بالأحقاف.

و الأحقاف:ما وصفت من الرّمال المستطيلة المشرفة.[ثمّ استشهد بشعر و نقل قول ابن زيد و قال:]

و جائز أن يكون ذلك جبلا بالشّام،و جائز أن يكون واديا بين عمان و حضرموت،و جائز أن يكون الشّحر.

و ليس في العلم به أداء فرض و لا في الجهل به تضييع واجب،و أين كان فصفته ما وصفنا:من أنّهم كانوا قوما منازلهم الرّمال المستعلية المستطيلة.(26:22)

الزّجّاج: الأحقاف:رمال مرتفعة كالدّكّاوات، و كانت هذه الأحقاف منازل عاد.(4:444)

القمّيّ: الأحقاف:بلاد عاد من الشّقوق إلى الأجفر،و هي أربعة منازل.(2:298)

ابن سيده: قيل:هي من الرّمال،أي أنذرهم هنالك.

و قيل:الأحقاف هاهنا:جبل محيط بالدّنيا من زبر جدة خضراء،تلتهب يوم القيامة،فتحشر النّاس من كلّ أفق.فإن كان ذلك فإنّما معناه:خوّفهم بالتهاب ذلك

ص: 865

الجبل.(3:18)

البغويّ: [نقل قول مقاتل و قال:]

كانوا أهل عمد سيّارة في الرّبيع،فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم،و كانوا من قبيلة إرم.(4:199)

الزّمخشريّ: الأحقاف:جمع حقف،و هو رمل مستطيل مرتفع فيه انحناء،من احقوقف الشّيء إذا اعوجّ،و كانت عاد أصحاب عمد يسكنون بين رمال، مشرفين على البحر بأرض يقال لها:الشّحر من بلاد اليمن.و قيل:بين عمان و مهرة.(3:523)

نحوه البيضاويّ(2:388)،و أبو السّعود(6:75)، و شبّر(6:15).

ابن عطيّة: و اختلف النّاس في هذه الأحقاف أين كانت؟فقال ابن عبّاس و الضّحّاك:هي جبل بالشّام، و قيل:كانت بلاد نخيل،و قيل:هي رمال بين مهرة و عدن.قال ابن عبّاس أيضا:بين عمان و مهرة،و قال قتادة:هي بلاد الشّحر المواصلة للبحر اليمانيّ،و قال ابن إسحاق:هي بين حضرموت و عمان.

و الصّحيح من الأقوال:أنّ بلاد عاد كانت باليمن، و لهم كانت إرم ذات العماد.(5:101)

الطّبرسيّ: [اكتفى بنقل الأقوال](5:89)

مثله ابن الجوزيّ(7:374)،و الفخر الرّازيّ (28:27)،و أبو حيّان(8:63)،و ابن كثير(6:286).

القرطبيّ: أي اذكر لهؤلاء المشركين قصّة عاد ليعتبروا بها.و قيل:أمره بأن يتذكّر في نفسه قصّة هود ليقتدي به،و يهون عليه تكذيب قومه له.

و الأحقاف:ديار عاد،و هي الرّمال العظام في قول الخليل و غيره،و كانوا قهروا أهل الأرض بفضل قوّتهم.

[ثمّ نقل الأقوال](16:203)

البروسويّ: موضع يقال له:الأحقاف،و هو رمال قرب حضرموت بولاية يمن.جمع:حقف،و هو رمل مستطيل مرتفع،فيه انحناء،من احقوقف الشّيء،إذا اعوجّ.

و إنّما أخذ الحقف من احقوقف مع أنّ الأمر ينبغي أن يكون بالعكس،لأنّ احقوقف أجلى معنى و أكثر استعمالا،فكانت له من هذه الجهة أصالة،فأدخلت عليه كلمة الابتداء للتّنبيه على هذا،كما في حواشي سعد المفتي.

و عن بعضهم:كانت عاد أصحاب عمد سيّارة في الرّبيع،فإذا هاج العود رجعوا إلى منازلهم،و كانوا من قبيلة إرم،يسكنون بين رمال مشرفة على البحر بأرض يقال لها:الشّحر من بلاد اليمن.و هو بكسر الشّين و سكون الحاء،و قيل:بفتح الشّين ساحل البحر بين عمان و عدن.

و قيل:يسكنون بين عمان و مهرة.و عمان بالضّمّ و التّخفيف بلد باليمن،و أمّا الّذي بالشّام فهو عمّان بالفتح و التّشديد.و مهرة:موضع ينسب إليه الإبل المهريّة.

قال في«فتح الرّحمن»:الصّحيح من الأقوال أنّ بلاد عاد كانت في اليمن،و لهم كانت إرم ذات العماد.

و الأحقاف:جمع حقف،و هو الجبل المستطيل المعوجّ من الرّمل،و كثيرا ما تحدث هذه الأحقاف في بلاد الرّمل في الصّحاري،لأنّ الرّيح تصنع ذلك،انتهى.(8:481)

نحوه الآلوسيّ.(26:480)

ص: 866

الطّباطبائيّ: الأحقاف:مسكن قوم عاد،و المتيقّن أنّه في جنوب جزيرة العرب،و لا أثر اليوم باقيا منهم.

و اختلفوا أين هو؟[ثمّ نقل الأقوال](18:210)

مكارم الشّيرازيّ: الأحقاف-كما قلنا سابقا- تعني الكثبان الرّمليّة الّتي تتشكّل على هيئة مستطيل أو تعرّجات و منحنيات،على أثر هبوب العواصف في الصّحاري.و يتّضح من هذا التّعبير أنّ أرض قوم عاد كانت أرضا حصباء كبيرة.

و اعتقد البعض أنّها في قلب جزيرة العرب بين نجد و الأحساء و حضرموت و عمان.

إلاّ أنّ هذا المعنى يبدو بعيدا،حيث يظهر من آيات القرآن الأخرى-في سورة الشّعراء-أنّ قوم عاد كانوا يعيشون في مكان كثير المياه و الأشجار الجميلة،و مثل هذا الحال بعيد جدّا عن قلب الجزيرة.

و اعتقد جمع آخر من المفسّرين أنّها في الجزء الجنوبيّ للجزيرة حول اليمن،أو في سواحل الخليج الفارسيّ.

و احتمل البعض أنّ الأحقاف كانت منطقة في أرض العراق في مناطق كلدة و بابل.

و نقل عن الطّبريّ: أنّ الأحقاف اسم جبل في الشّام.

لكن يبدو أنّ قول من يقول بأنّ هذه المنطقة تقع في جنوب الجزيرة العربيّة قرب أرض اليمن،هو الأقرب، بملاحظة ملاءمته المعنى اللّغويّ للأحقاف،و بملاحظة أنّ أرضهم كانت غزيرة المياه و فيرة الأشجار،في نفس الوقت الّذي لم تكن فيه بمأمن من العواصف الرّمليّة.(16:362)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحقف،أي الرّمل المعوجّ؛ و الجمع:أحقاف و حقوف و حقاف و حقفة،و قد احقوقف الرّمل،إذا طال و اعوجّ،و كلّ ما طال و اعوجّ فقد احقوقف،كظهر البعير و شخص القمر.يقال:

احقوقف الهلال،أي اعوجّ،فهو محقوقف.

و ظبي حاقف:رابض في حقف من الرّمل،أو منطو كالحقف،و رجل حاقف،إذا دخل في الموضع.

و جمل أحقف:خميص،تشبيها بتقوّس الرّمل و اعوجاجه.

2-و الأحقاف:جمع حقف،ديار عاد،قوم هود، و يبدو من مجيئه جمعا أنّه ذو كثبان كثيرة.

و قد خاض المفسّرون و من تكلّم في المواضع و البقاع في تعيين هذا الموضع،و كادوا أن يصفقوا جميعا على كونه في جنوب الجزيرة العربيّة.

و لعلّ مدينة«الشّحر»اليمنيّة تقوم حاليّا على أنقاض الأحقاف،لأنّها تقع وسط صحراء رمليّة،كما تنبئ بعض القرائن اليوم عن وجود آثار لمدينة كانت قائمة في الماضي السّحيق،و منها الحفريّات المكتشفة،فقد أفاد بعض المستشرقين قائلا:«ما زلنا نجد بقايا حضارة قديمة و آثار رفاهيّة،عفا عليها الزّمن،و كثيرا ما نرى في البيوت الّتي لحقها دمار كثير،و بقيت على حالها ككلّ شيء،لم تمسّها يد التّعمير،حجارة منقوشة نقشا بديعا في الأبواب و النّوافذ... (1)».

ص: 867


1- راجع لفظ«الشّحر»في«دائرة المعارف الإسلاميّة».

17L

الاستعمال القرآنيّ

جاء منه(الأحقاف)مرّة في آية:

وَ اذْكُرْ أَخا عادٍ إِذْ أَنْذَرَ قَوْمَهُ بِالْأَحْقافِ...

يلاحظ أوّلا:أنّ الأحقاف جاء مجموعا جمع قلّة، اسما لموضع،و فيه بحوث:

1-قالوا فيه:الرّمل المعوجّ،و الأرض خلالها رمال، و الرّمل الّذي يكون كهيئة الجبل،و جبل محيط بالدّنيا و غير ذلك.و لعلّ القول الأوّل هو أحسن الأقوال،لقربه من اللّغة و كلام العرب،يقال:احقوقف الرّمل و الهلال، أي اعوجّ.

2-يخاطب اللّه في هذه الآية نبيّنا محمّدا صلّى اللّه عليه و آله، و يأمره أن يروي لمشركي مكّة خبر النّبيّ هود عليه السّلام و قومه ليعتبروا بهم؛إذ بين الشّعبين تشابه و تقارب، و منه:التّشابه القوميّ،فكلاهما من العرب،إلاّ أنّ عادا من العرب البائدة،و أهل مكّة من العرب المستعربة.

و منه:التّشابه الجغرافيّ،فهما من سكّان الجزيرة العربيّة، إلاّ أنّ عادا تسكن في جنوبها،و أهل مكّة يسكنون في شمالها،و منه:التّشابه في طبيعة الأرض،فأرضهما قاحلة تكسوها الرّمال و الكثبان.و منه:التّشابه العقائديّ، فكلاهما كافر باللّه و رسله،جاحد بآلائه و نعمه.

3-قال القرطبيّ: «قيل:أمره بأن يتذكّر في نفسه قصّة هود،ليقتدي به و يهون عليه تكذيب قومه له».

و لكنّ عاقبة قوم هود و نزول العذاب عليهم يناقض هذا القول،و هو يناسب ما ذكرنا،أي تحذير المشركين و تخويفهم من وقوع العذاب،لأنّ اللّه بشّر نبيّه بظفره عليهم من قبل،و هو قوله: إِذا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَ الْفَتْحُ النّصر:1،أي فتح مكّة،و كذا قوله: إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً الفتح:1،أي فتح مكّة أيضا على قول شاذّ،بل المراد به صلح الحديبيّة.

ثانيا:و الأحقاف على وزن«أفعال»و لم يأت نظير له في القرآن على هذا الوزن-و هو وحيد الجذر،و محلّى بالألف و اللاّم-إلاّ الألقاب في قوله: وَ لا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَ لا تَنابَزُوا بِالْأَلْقابِ الحجرات:11،كما جاءت ثمانية ألفاظ أخرى على هذا الغرار أيضا،غير أنّها بدون ألف و لام،و هي:(امعاءهم)و(اشراطها) و(اقفالها)في سورة محمّد 15،18،24،و أَصْوافِها وَ أَوْبارِها في النّحل:80،و(افنان)في الرّحمن:48، و(امشاج)في الدّهر:2،و(ايقاظا)في الكهف:18.

ص: 868

فهرس الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و اسماء كتبهم

الآلوسيّ:محمود(1270) (1)

روح المعاني،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

ابن أبي الحديد:عبد الحميد(665)

شرح نهج البلاغة،ط:إحياء الكتب،بيروت.

ابن أبي اليمان:يمان(284)

التّقفية،ط:بغداد.

ابن الأثير:مبارك(606) النّهاية،ط:إسماعيليان،قم.

ابن الأثير:عليّ(630)

الكامل،ط:دار صادر،بيروت.

ابن الأنباريّ:محمّد(328)

غريب اللّغة،ط:دار الفردوس،بيروت.

ابن باديس:عبد الحميد(1359)

تفسير القرآن،ط:دار الفكر،بيروت.

ابن جزيّ:محمّد(741)

التّسهيل،دار الكتاب العربيّ،بيروت.

ابن الجوزيّ:عبد الرّحمن(597) زاد المسير،ط:المكتب الإسلامي،بيروت.

ابن خالويه:حسين(370)

إعراب ثلاثين سورة،ط:حيدرآباد دكّن.

ابن خلدون:عبد الرّحمن(808)

المقدّمة،ط:دار القلم،بيروت.

ابن دريد:محمّد(321)

الجمهرة،ط:حيدرآباد دكّن.

ابن السّكّيت:يعقوب(244)

1-تهذيب الألفاظ،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

2-إصلاح المنطق،ط:دار المعارف بمصر.

3-الإبدال،ط:القاهرة.

4-الأضداد،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن سيده:عليّ.(458)

المحكم،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن الشّجريّ:هبة اللّه(542)

الأماليّ،ط:دار المعرفة،بيروت.

ابن شهرآشوب:محمّد(588)

متشابه القرآن،ط:طهران.

ابن عاشور:محمّد طاهر(1393)

ص: 869


1- هذه الأرقام تاريخ الوفيات بالهجريّة.

التّحرير و التّنوير،ط:مؤسّسة التّاريخ،بيروت.

ابن العربيّ:عبد اللّه(543)

أحكام القرآن،ط:دار المعرفة،بيروت.

ابن عربيّ:محيى الدّين(628)

تفسير القرآن،ط:دار اليقظة،بيروت.

ابن عطيّة:عبد الحقّ(546)

المحرّر الوجيز،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن فارس:أحمد(395)

1-المقاييس،ط:طهران.

2-الصّاحبيّ،ط:مكتبة اللّغويّة،بيروت.

ابن قتيبة:عبد اللّه(276)

1-غريب القرآن،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة

2-تأويل مشكل القرآن،ط:المكتبة العلميّة، القاهرة.

ابن القيّم:محمّد(751)

التّفسير القيّم،ط:لجنة التّراث العربي،لبنان.

ابن كثير:إسماعيل(774)

1-تفسير القرآن،ط:دار الفكر،بيروت.

2-البداية و النّهاية،ط:المعارف،بيروت.

ابن منظور:محمّد(711)

لسان العرب،ط،دار صادر،بيروت.

ابن ناقيا:عبد اللّه(485)

الجمان،ط:المعارف،الاسكندريّة.

ابن هشام:عبد اللّه

مغني اللّبيب،ط:المدني،القاهرة.

أبو البركات:عبد الرّحمن(577)

البيان،ط:الهجرة،قم.

أبو حاتم:سهل(248)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

أبو حيّان:محمّد(745)

البحر المحيط،ط:دار الفكر،بيروت.

أبو رزق:...(معاصر)

معجم القرآن،ط:الحجازيّ،القاهرة.

أبو زرعة:عبد الرّحمن(403)

حجّة القراءات،ط:الرّسالة،بيروت.

أبو زهرة:محمّد(1395)

المعجزة الكبرى،ط:دار الفكر،بيروت.

أبو زيد:سعيد(215)

النّوادر،ط:الكاثوليكيّة،بيروت.

أبو السّعود:محمّد(982)

إرشاد العقل السّليم،ط:مصر.

أبو سهل الهرويّ:محمّد(433)

التّلويح،ط:التّوحيد،مصر.

أبو عبيد:قاسم(224)

غريب الحديث،ط:دار الكتب،بيروت.

أبو عبيدة:معمر(209)

مجاز القرآن،ط:دار الفكر،مصر.

أبو عمرو الشّيبانيّ:اسحاق(206)

الجيم،ط:المطابع الأميريّة،القاهرة.

ابو الفتوح:حسين(554)

روض الجنان،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

أبو الفداء:إسماعيل(732)

المختصر،ط:دار المعرفة،بيروت.

أبو هلال:حسن(395)

الفروق اللّغويّة،ط:بصيرتي،قم.

أحمد بدوي(معاصر)

من بلاغة القرآن،ط:دار النّهضة،مصر.

الأخفش:سعيد(215)

معاني القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

الأزهريّ:محمّد(370)

تهذيب اللّغة،ط:دار المصر.

الإسكافيّ:محمّد(420)

ص: 870

درّة التّنزيل،ط:دار الآفاق،بيروت.

الأصمعيّ:عبد الملك(216)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

ايزوتسو:توشيهيكو(1371)

خدا و انسان در قرآن،ط:انتشار،طهران.

البحرانيّ:هاشم(1107)

البرهان،ط:مؤسّسة البعثة،بيروت.

البروسويّ:إسماعيل(1127)

روح البيان،ط:جعفريّ،طهران.

البستانيّ:بطرس(1300)

دائرة المعارف،ط:دار المعرفة،بيروت.

البغداديّ(629)

ذيل الفصيح،ط:التّوحيد،القاهرة.

البغويّ:حسين(516)

معالم التّنزيل،ط:دار إحياء التراث العربي، بيروت.

بنت الشّاطئ:عائشة(1378)

1-التّفسير البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

2-الإعجاز البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

بهاء الدّين العامليّ:محمّد(1031)

العروة الوثقى،ط:مهر،قم.

بيان الحقّ:محمود(نحو 555)

وضح البرهان،ط:دار القلم،بيروت.

البيضاويّ:عبد اللّه(685)

أنوار التّنزيل،ط:مصر.

التّستريّ:محمّد تقيّ(1415)

نهج الصّباغة في شرح نهج البلاغة،ط:امير كبير، طهران.

التّفتازانيّ:مسعود(793)

المطوّل،ط:مكتبة الدّاوريّ،قم.

الثّعالبيّ:عبد الملك(429)

فقه اللّغة،ط:مصر.

ثعلب:أحمد(291)

الفصيح،ط:التّوحيد،مصر.

الثّعلبيّ:أحمد

الكشف و البيان،ط:دار إحياء التّراث العربي، بيروت.

الجرجانيّ:عليّ(816)

التّعريفات،ط:ناصر خسرو،طهران.

الجزائريّ:نور الدّين(1158)

فروق اللّغات،ط:فرهنگ اسلامى،طهران.

الجصّاص:أحمد(370)

أحكام القرآن،ط:دار الكتاب،بيروت.

جمال الدّين عيّاد(معاصر)

بحوث في تفسير القرآن،ط:المعرفة،القاهرة.

الجواليقيّ:موهوب(540)

المعرّب،ط:دار الكتب:مصر.

الجوهريّ:إسماعيل(393)

صحاح اللّغة،ط:دار العلم،بيروت.

الحائريّ:سيّد علي(1340)

مقتنيات الدّرر،ط:الحيدريّة،طهران.

الحجازيّ:محمّد محمود(معاصر)

التّفسير الواضح،ط:دار الكتاب،مصر.

الحربيّ:إبراهيم(285)

غريب الحديث،ط:دار المدنيّ،جدّة.

الحريريّ:قاسم(516)

درّة الغوّاص،ط:المثنّى،بغداد.

حسنين مخلوف(معاصر)

صفوة البيان،ط:دار الكتاب،مصر.

حفنيّ:محمّد شرف(معاصر)

إعجاز القرآن البيانيّ،ط:الأهرام،مصر.

الحمويّ:ياقوت(626)

ص: 871

معجم البلدان،ط:دار صادر،بيروت.

الحيريّ:اسماعيل(431)

وجوه القرآن،ط:مؤسّسة الطّبع للآستانة الرّضويّة المقدّسة،مشهد.

الخازن:عليّ(741)

لباب التّأويل،ط:التّجاريّة،مصر.

الخطّابيّ:حمد(388)

غريب الحديث،ط:دار الفكر،دمشق.

الخليل:بن أحمد(175)

العين،ط:دار الهجرة،قم.

خليل ياسين(معاصر)

الأضواء،ط:الأديب الجديدة،بيروت.

الدّامغانيّ:حسين(478)

الوجوه و النّظائر،ط:جامعة تبريز.

الرّازيّ:محمّد(666)

مختار الصّحاح،ط:دار الكتاب،بيروت.

الرّاغب:حسين(502)

المفردات،ط:دار المعرفة،بيروت.

الرّاونديّ:سعيد(573)

فقه القرآن،ط:الخيّام،قم.

رشيد رضا:محمّد(1354)

المنار،ط:دار المعرفة،بيروت.

الزّبيديّ:محمّد(1205)

تاج العروس،ط:الخيريّة،مصر.

الزّجّاج:ابراهيم(311)

1-معاني القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

2-فعلت و أفعلت،ط:التّوحيد،مصر.

3-إعراب القرآن،ط:دار الكتاب،بيروت.

الزّركشيّ:محمّد(794)

البرهان،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة.

الزّركليّ:خير الدّين(معاصر)

الأعلام،ط:بيروت.

الزّمخشريّ:محمود(538)

1-الكشّاف،ط:دار المعرفة،بيروت.

2-الفائق،ط:دار المعرفة،بيروت.

3-أساس البلاغة،ط:دار صادر،بيروت.

السّجستانيّ:محمّد(330)

غريب القرآن،ط:الفنّيّة المتّحدة،مصر.

السّكّاكيّ:يوسف(626)

مفتاح العلوم،ط:دار الكتب،بيروت.

سليمان حييم(معاصر)

فرهنگ عبريّ،فارسي،ط:إسرائيل.

السّمين:أحمد.(756)

الدّرّ المصون،ط:دار الكتب العلمية،بيروت.

السّهيليّ:عبد الرّحمن(581)

روض الأنف،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

سيبويه:عمرو(180)

الكتاب،ط:عالم الكتب،بيروت.

السّيوطيّ:عبد الرّحمن(911)

1-الإتقان،ط:رضي،طهران.

2-الدّرّ المنثور،ط:بيروت.

3-تفسير الجلالين،ط:مصطفى البالي،مصر(مع أنوار التّنزيل).

سيّد قطب(1387)

في ظلال القرآن،ط:دار الشروق،بيروت.

شبّر:عبد اللّه(1342)

الجوهر الثّمين،ط:الألفين،الكويت.

الشّربينيّ:محمّد(977)

السّراج المنير،ط:دار المعرفة،بيروت.

الشّريف الرّضيّ:محمّد(406)

1-تلخيص البيان،ط:بصيرتي،قم.

2-حقائق التّأويل،ط:البعثة،طهران.

ص: 872

الشّريف العامليّ:محمّد(1138)

مرآة الأنوار،ط:آفتاب،طهران.

الشّريف المرتضى:عليّ(436)

الأمالي،ط:دار الكتب،بيروت.

شريعتي:محمّد تقي(1407)

تفسير نوين،ط:فرهنگ اسلامى،طهران.

شوقي ضيف(معاصر)

تفسير سورة الرّحمن،ط:دار المعارف بمصر.

الشّوكانيّ:محمّد(1250)

فتح القدير،دار المعرفة،بيروت.

الصّابونيّ:محمّد عليّ(معاصر)

روائع البيان،ط:الغزاليّ،دمشق.

الصّاحب:إسماعيل(385)

المحيط في اللّغة،ط:عالم الكتب،بيروت.

الصّغانيّ:حسن(650)

1-التّكملة،ط:دار الكتب،القاهرة.

2-الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

صدر المتألهين:محمّد(1059)

تفسير القرآن،ط:بيدار،قم.

الصّدوق:محمّد(381)

التّوحيد،ط:النّشر الإسلاميّ،قم.

طه الدّرّة:محمّد علي

تفسير القرآن الكريم و إعرابه و بيانه،ط:دار الحكمة،دمشق.

الطّباطبائيّ:محمّد حسين(1402)

الميزان،ط:إسماعيليان،قم.

الطّبرسيّ:فضل(548)

مجمع البيان،ط:الإسلاميّة،طهران.

الطّبريّ:محمّد(310)

1-جامع البيان،ط:المصطفى البابي،مصر.

2-أخبار الأمم و الملوك،ط:الاستقامة،القاهرة.

الطّريحيّ:فخر الدّين(1085)

1-مجمع البحرين،ط:المرتضويّة،طهران.

2-غريب القرآن،ط:النجف.

طنطاوي:جوهريّ(1358)

الجواهر،ط:مصطفى البابيّ،مصر.

الطّوسيّ:محمّد(460)

التّبيان،ط:النّعمان،النّجف.

عبد الجبّار:أحمد(415)

1-تنزيه القرآن،ط:دار النّهضة،بيروت.

2-متشابه القرآن،ط:دار التّراث،القاهرة.

عبد الرّحمن الهمذانيّ(329)

الألفاظ الكتابيّة،ط:دار الكتب،بيروت.

عبد الرّزّاق نوفل(معاصر) الإعجاز العدديّ،ط:دار الشّعب،القاهرة.

عبد الفتّاح طبّارة(معاصر) مع الأنبياء،ط:دار العلم،بيروت.

عبد الكريم الخطيب(معاصر)

التّفسير القرآنيّ،ط:دار الفكر،بيروت.

عبد المنعم الجمّال:محمّد(معاصر)

التّفسير الفريد،ط:...بإذن مجمع البحوث الإسلامى،الأزهر.

العدنانيّ:محمّد(1360)

معجم الأغلاط،ط:مكتبة لبنان،بيروت.

العروسيّ:عبد عليّ(1112)

نور الثّقلين،ط:إسماعيليان،قم.

عزّة دروزة:محمّد(1400)

تفسير الحديث،ط:دار إحياء الكتب القاهرة.

العكبريّ:عبد اللّه(616)

التّبيان،ط:دار الجيل،بيروت.

علي اصغر حكمت(معاصر)

نه گفتار در تاريخ أديان،ط:ادبيّات،شيراز.

ص: 873

العيّاشيّ:محمّد(نحو 320)

التّفسير،ط:الإسلاميّة،طهران.

الفارسيّ:حسن(377)

الحجّة،ط:دار المأمون،بيروت.

الفاضل المقداد:عبد اللّه(826)

كنز العرفان،ط:المرتضويّة،طهران.

الفخر الرّازيّ:محمّد(606)

التّفسير الكبير،ط:عبد الرّحمن،القاهرة.

فرات الكوفيّ:ابن إبراهيم

تفسير فرات الكوفيّ،ط:وزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامي،طهران.

الفرّاء:يحيى(207)

معاني القرآن،ط:ناصر خسرو،طهران.

فريد وجديّ:محمّد(1373)

المصحف المفسّر،ط:دار مطابع الشّعب،بيروت.

فضل اللّه:محمّد حسين(معاصر)

من وحي القرآن،ط:دار الملاك،بيروت.

الفيروزآباديّ:محمّد(817)

1-القاموس المحيط،ط:دار الجيل،بيروت.

2-بصائر ذوي التّمييز،ط:دار التّحرير،القاهرة.

الفيّوميّ:أحمد(770)

مصباح المنير،ط:المكتبة العلميّة،بيروت.

القاسميّ:جمال الدّين(1332)

محاسن التّأويل،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة.

القاليّ:إسماعيل(356)

الأمالي،ط:دار الكتب،بيروت.

القرطبيّ:محمّد(671)

الجامع الأحكام القرآن،ط:دار إحياء التّراث، بيروت.

القشيريّ:عبد الكريم(465)

لطائف الإشارات،ط:دار الكتاب،القاهرة.

القمّيّ:عليّ(328)

تفسير القرآن،ط:دار الكتاب،قم.

القيسيّ:مكّيّ(437)

مشكل إعراب القرآن،ط:مجمع اللّغة،دمشق.

الكاشانيّ:محسن(1091)

الصّافيّ،ط:الأعلميّ،بيروت.

الكرمانيّ:محمود(505)

أسرار التّكرار،ط:المحمّديّة،القاهرة.

الكلينيّ:محمّد(329)

الكافي:ط:دار الكتب الإسلاميّة،طهران.

لويس كوستاز(معاصر)

قاموس سريانيّ-عربيّ،ط:الكاثوليكيّة، بيروت.

لويس معلوف(1366)

المنجد في اللّغة،ط:دار المشرق،بيروت.

الماورديّ:عليّ(450)

النّكت و العيون،ط:دار الكتب،بيروت.

المبرّد:محمّد(286)

الكامل،ط:مكتبة المعارف،بيروت.

المجلسيّ:محمّد باقر(1111)

بحار الأنوار،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مجمع اللّغة:جماعة(معاصرون)

معجم الألفاظ و الأعلام،ط:آرمان،طهران.

محمّد إسماعيل(معاصر)

معجم الألفاظ و الأعلام،ط:دار الفكر،القاهرة.

محمّد جواد مغنية(1400)

التّفسير الكاشف،ط:دار العلم للملايين،بيروت.

محمود شيت خطّاب

المصطلحات العسكريّة،ط:دار الفتح،بيروت.

المدنيّ:عليّ(1120)

أنوار الرّبيع،ط:النّعمان،نجف.

المدينيّ:محمّد(581)

ص: 874

المجموع المغيث،ط:دار المدني،جدّه.

المراغيّ:محمّد مصطفى(1364)

1-تفسير سورة الحجرات،ط:الأزهر،مصر.

2-تفسير سورة الحديد،ط:الأزهر،مصر.

المراغيّ:أحمد مصطفى(1371)

تفسير القرآن،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مشكور:محمّد جواد(معاصر)

فرهنگ تطبيقى،ط:كاويان،طهران.

المشهديّ:محمّد(1125)

كنز الدّقائق،مؤسّسة النّشر الإسلاميّ،قم.

المصطفويّ:حسن(معاصر)

التّحقيق،ط:دار التّرجمة،طهران.

معرفت:محمّد هادى(1427)

التّفسير و المفسرون،ط:الجامعة الرّضوية، مشهد.

مقاتل:ابن سليمان(150)

1-تفسير مقاتل،ط:دار إحياء التّراث العربي، بيروت.

2-الأشباه و النّظائر،ط:المكتبة العربيّة،مصر.

المقدسيّ:مطهّر(355)

البدء و التّاريخ،ط:مكتبة المثنّى،بغداد.

مكارم الشّيرازيّ:ناصر(معاصر)

الأمثل في تفسير كتاب اللّه المنزل،ط:مؤسسة البعثة،بيروت.

الميبديّ:أحمد(520)

كشف الأسرار،ط:أمير كبير،طهران.

الميلانيّ:محمّد هادي(1384)

تفسير سورتي الجمعة و التّغابن،ط:مشهد.

النّحّاس:أحمد(338)

معاني القرآن،ط:مكّة المكرّمة.

النّسفيّ:أحمد(710)

مدارك التّنزيل،ط:دار الكتاب،بيروت.

النّهاونديّ:محمّد(1370)

نفحات الرّحمن،ط:سنگى،علمى[طهران].

النّيسابوريّ:حسن(728)

غرائب القرآن،ط:مصطفى البابي،مصر.

هارون الأعور:ابن موسى.(249)

الوجوه و النّظائر،ط:دار الحريّة،بغداد.

هاكس:الإمريكيّ(معاصر) قاموس كتاب مقدّس،ط:مطبعة الإميريكيّ، بيروت.

الهرويّ:أحمد(401)

الغريبين،ط:دار إحياء التّراث.

هوتسما:مارتن تيودر(1362)

دائرة المعارف الإسلاميّة،ط:جهان،طهران.

الواحديّ:عليّ.(468)

الوسيط،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

اليزيديّ:يحيى(202)

غريب القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

اليعقوبيّ:أحمد(292)

التّاريخ،ط:دار صادر،بيروت.

يوسف خيّاط(؟)

الملحق بلسان العرب،ط:أدب الحوزة،قم.

ص: 875

ص: 876

فهرس الأعلام المنقول عنهم بالواسطة

أبان بن عثمان.(200)

إبراهيم التّيميّ.(؟)

ابن أبي إسحاق:عبد اللّه.(129)

ابن أبي عبلة:إبراهيم.(153)

ابن أبي نجيح:يسار.(131)

ابن إسحاق:محمّد.(151)

ابن الأعرابيّ:محمّد.(231)

ابن أنس:مالك.(179)

ابن برّيّ:عبد اللّه.(582)

ابن بزرج:عبد الرّحمن.(؟)

ابن بنت العراقيّ(704)

ابن تيميّة:أحمد.(728)

ابن جريج:عبد الملك.(150)

ابن جنّيّ:عثمان.(392)

ابن الحاجب:عثمان.(646)

ابن حبيب:محمّد.(245)

ابن حجر:أحمد بن عليّ.(852)

ابن حجر:أحمد بن محمّد.(974)

ابن حزم:عليّ(456)

ابن حلزة:...(؟)

ابن خروف:عليّ.(609)

ابن ذكوان:عبد الرّحمن.(202)

ابن رجب:عبد الرّحمن.(795)

ابن الزّبير:عبد اللّه.(73)

ابن زيد:عبد الرّحمن.(182)

ابن سميقع:محمّد.(؟)

ابن سيرين:محمّد.(110)

ابن سينا:عليّ.(428)

ابن الشّخّير:مطرّف.(542)

ابن شريح:...(؟)

ابن شميّل:نضر.(203)

ابن الشّيخ:...(؟)

ابن عادل.(؟)

ابن عامر:عبد اللّه.(118)

ابن عبّاس:عبد اللّه.(68)

ابن عبد الملك:محمّد.(244)

ابن عساكر(؟)

ابن عصفور:عليّ(696)

ص: 877

ابن عطاء:واصل.(131)

ابن عقيل:عبد اللّه.(769)

ابن عمر:عبد اللّه.(73)

ابن عيّاش:محمّد.(193)

ابن عيينة:سفيان.(198)

ابن فورك:محمّد.(406)

ابن كثير:عبد اللّه.(120)

ابن كعب القرظيّ:محمّد.(117)

ابن الكلبيّ:هشام.(204)

ابن كمال باشا:أحمد.(940)

ابن كمّونة:سعد.(683)

ابن كيسان:محمّد(299)

ابن ماجه:محمّد.(273)

ابن مالك:محمّد.(672)

ابن مجاهد:أحمد.(324)

ابن محيصن:محمّد.(123)

ابن مسعود:عبد اللّه.(32)

ابن المسيّب:سعيد.(94)

ابن ملك:عبد اللطيف.(801)

ابن المنير:عبد الواحد.(733)

ابن النّحّاس:محمّد.(698)

ابن هانئ:...(؟)

ابن هرمز:عبد الرّحمن.(117)

ابن الهيثم:داود.(316)

ابن الورديّ:عمر.(749)

ابن وهب:عبد اللّه.(197)

ابن يسعون:يوسف.(542)

ابن يعيش:عليّ.(643)

أبو بحريّة:عبد اللّه.(80)

أبو بكر الإخشيد:أحمد.(366)

أبو بكر الأصمّ:...(201)

أبو الجزال الأعرابي.(؟)

أبو جعفر القارئ:يزيد.(132)

أبو الحسن الصّائغ.(؟)

أبو حمزة الثّماليّ:ثابت.(150)

أبو حنيفة:النعمان.(150)

أبو حيوة:شريح.(203)

أبو داود:سليمان.(275)

أبو الدّرداء:عويمر.(32)

أبو دقيش:...(؟)

أبو ذرّ:جندب.(32)

أبو روق:عطيّة.(؟)

أبو زياد:عبد اللّه.(؟)

أبو سعيد الخدريّ:سعد.(74)

أبو سعيد البغداديّ:أحمد.(285)

أبو سعيد الخرّاز:أحمد.(285)

أبو سليمان الدمشقيّ:

عبد الرّحمن.(215)

أبو السّمال:قعنب.(؟)

أبو شريح الخزاعيّ.(؟)

أبو صالح.(؟)

أبو الطّيّب اللّغويّ.(؟)أبو العالية:رفيع.(90)

أبو عبد الرّحمن:عبد اللّه.(74)

أبو عبد اللّه:محمّد.(؟)

أبو عثمان الحيريّ:سعيد.(289)

أبو العلاء المعرّيّ:أحمد.(449)

أبو عليّ الأهوازيّ:حسن.(446)

أبو عليّ مسكويه:أحمد.(421)

أبو عمران الجونيّ:عبد الملك.(؟)

ص: 878

أبو عمرو ابن العلاء:زبّان.(154)

أبو عمرو الجرميّ:صالح.(225)

أبو الفضل الرّازيّ.(؟)

أبو قلابة:...(104)

أبو مالك:عمرو.(؟)

أبو المتوكّل:عليّ.(؟)

أبو مجلز:لاحق.(؟)

أبو محلّم:محمّد.(245)

أبو مسلم الأصفهانيّ:محمّد.(322)

أبو منذر السّلاّم:...(؟)

أبو موسى الأشعريّ:عبد اللّه.(44)

أبو نصر الباهليّ:أحمد.(231)

أبو هريرة:عبد الرّحمن.(59)

أبو الهيثم:...(276)

أبو يزيد المدنيّ:...(؟)

أبو يعلى:أحمد.(307)

أبو يوسف:يعقوب.(182)

أبيّ بن كعب.(21)

أحمد بن حنبل.(24)

الأحمر:عليّ.(194)

الأخفش الأكبر:عبد الحميد.(177)

إسحاق بن بشير.(206)

الأسديّ.(؟)

إسماعيل بن القاضي.(؟)

الأصمّ:محمّد.(346)

الأعشى:ميمون.(148)

الأعمش:سليمان.(148)

إلياس:...(؟)

أنس بن مالك.(93)

الأمويّ:سعيد.(200)

الأوزاعيّ:عبد الرّحمن.(157)

الأهوازيّ:حسن.(446)

الباقلاّنيّ:محمّد.(403)

البخاريّ:محمّد.(256)

براء بن عازب.(71)

البرجيّ:عليّ.(؟)

البرجميّ:ضابئ.(؟)

البقليّ.(؟)

البلخيّ:عبد اللّه.(319)

البلّوطيّ:منذر.(355)

بوست:جورج إدوارد.(1327)

التّرمذيّ:محمّد.(279)

ثابت البنانيّ.(127)

الثّعلبيّ:أحمد.(427)

الثّوريّ:سفيان.(161)

جابر بن زيد.(93)

الجبّائيّ:محمّد.(303)

الجحدريّ:كامل.(231)

جمال الدّين الأفغانيّ.(1315)

الجنيد البغداديّ:ابن محمّد.(297)

جهرم بن صفوان.(128)

الحارث بن ظالم.(22 ق)

الحدّاديّ:...(؟)

الحرّانيّ:محمّد.(560)

الحسن بن يسار.(110)

حسن بن حيّ.(؟)

حسن بن زياد.(204)

حسين بن فضل.(548)

حفص:بن عمر.(246)

حمّاد بن سلمة.(167)

ص: 879

حمزة القارئ.(156)

حميد:ابن قيس.(؟)

الحوفيّ:عليّ.(430)

خصيف:...(؟)

الخطيب التّبريزيّ:يحيى.(502)

الخفاجيّ:عبد اللّه.(466)

خلف القارئ.(299)

الخويّيّ:محمّد.(693)

الخياليّ:أحمد.(862)

الدّقّاق.(؟)

الدّمامينيّ:محمّد.(827)

الدّوانيّ.(918)

الدّينوري:أحمد.(282)

الرّبيع بن أنس.(139)

ربيعة بن سعيد(؟)

الرّضيّ الأستراباديّ.(686)

الرّمّانيّ:عليّ.(384)

رويس:محمّد.(238)

الزّناتيّ.(؟)

الزّبير:بن بكّار.(256)

الزّجّاجيّ:عبد الرّحمن.(337)

الزّهراويّ:خلف(427)

الزّهريّ:محمّد.(128)

زيد بن أسلم.(136)

زيد بن ثابت.(45)

زيد بن عليّ.(122)

السّدّيّ:إسماعيل.(128)

سعد بن أبي وقّاص.(55)

سعد المفتيّ.(؟)

سعيد بن جبير.(95)

سعيد بن عبد العزيز.(167)

السّلميّ القارئ:عبد اللّه.(74)

السّلميّ:محمّد.(412)

سليمان بن جمّاز المدنيّ.(170)

سليمان بن موسى.(119)

سليمان التّيميّ.(؟)

سهل التّستريّ.(283)

السّيرافيّ:حسن.(368)

الشّاذليّ.(؟)

الشّاطبيّ(؟)

الشّافعيّ:محمّد.(204)

الشّبليّ:دلف.(334)

الشّعبيّ:عامر.(103)

شعيب الجبئيّ.(؟)

الشّقيق بن إبراهيم.(194)

الشّلوبينيّ:عمر.(645)

شمر بن حمدويه.(255)

الشّمنّيّ:أحمد(872)

الشّهاب:أحمد.(1069)

شهاب الدّين القرافيّ.(684)

شهر بن حوشب.(100)

شيبان بن عبد الرّحمن.(؟)

شيبة الضّبّيّ.(؟)

شيذلة:عزيزيّ.(494)

صالح المريّ.(؟)

الصّيقليّ:محمّد.(565)

الضّبّيّ:يونس.(182)

الضّحّاك بن مزاحم.(105)

طاوس بن كيسان.(106)

الطّبقجليّ:أحمد.(1213)

ص: 880

طلحة بن مصرّف.(112)

الطّيّبيّ:حسين.(743)

عائشة:بنت أبي بكر.(58)

عاصم الجحدريّ.(128)

عاصم القارئ.(127)

عامر بن عبد اللّه.(55)

عبّاس بن الفضل.(186)

عبد الرّحمن بن أبي بكرة.(96)

عبد العزيز:...(612)

عبد اللّه بن أبي ليلى.(؟)

عبد اللّه بن الحارث.(86)

عبد اللّه الهبطيّ.(؟)

عبد الوهّاب النّجار.(1360)

عبيد بن عمير.(؟)

العتكيّ:عباد.(181)

العدويّ:...(؟)

عصام الدّين:عثمان.(1193)

عصمة بن عروة.(؟)

العطاء بن أسلم.(114)

عطاء بن سائب.(136)

عطاء الخراسانيّ:ابن عبد اللّه.(135)

عكرمة بن عبد اللّه.(105)

العلاء بن سيّابة.(؟)

عليّ بن أبي طلحة.(143)

عمارة بن عائد..(؟)

عمر بن ذرّ.(153)

عمرو بن عبيد(144)

عمرو بن ميمون.(؟)

عيسى بن عمر.(149)

العوفيّ:عطيّة.(111)

العينيّ:محمود.(855)

الغزاليّ:محمّد.(505)

الغزنويّ:...(582)

الفارابيّ:محمّد.(339)

الفاسيّ(؟)

الفضل الرّقاشي.(200)

قتادة بن دعامة.(118)

القزوينيّ:محمّد.(739)

قطرب:محمّد.(206)

القفّال:محمّد.(328)

القلانسي:محمّد.(521)

كراع النّمل:عليّ.(309)

الكسائيّ:عليّ.(189)

كعب الأحبار:ابن ماتع.(32)

الكعبيّ:عبد اللّه.(319)

الكفعميّ:إبراهيم(905)

الكلبيّ:محمّد.(146)

كلنبويّ.(؟)

الكيا الطّبريّ(؟)

اللّؤلؤيّ:حسن.(204)

اللّحيانيّ:عليّ.(220)

اللّيث بن المظفّر.(185)

الماتريديّ:محمّد.(333)

المازنيّ:بكر.(249)

مالك بن أنس.(179)

مالك بن دينار.(131)

المالكيّ(؟)

الملويّ.(؟)

مجاهد:جبر.(104)

المحاسبيّ:حارث.(243)

ص: 881

محبوب:...(؟)

محمّد أبي موسى.(؟)

محمّد بن حبيب.(245)

محمّد بن الحسن.(189)

محمد بن شريح الأصفهانيّ.(؟)

محمّد عبده:ابن حسن خير اللّه.(1323)

محمّد الشّيشنيّ.(؟)

مروان بن الحكم.(65)

المسهر بن عبد الملك.(؟)

مصلح الدّين اللاّري:محمّد.(979)

معاذ بن جبل.(18)

معتمر بن سليمان.(187)

المغربيّ:حسين.(418)

المفضّل الضّبّيّ:ابن محمّد.(182)

مكحول بن شهراب.(112)

المنذريّ:محمّد.(329)

المهدويّ:أحمد.(440)

مؤرّج السّدوسيّ:ابن عمر.(195)

موسى بن عمران.(604)

ميمون بن مهران.(117)

النّخعيّ:إبراهيم.(96)

نصر بن عليّ.(؟)

نعّوم بك:بن بشّار.(1340)

نفطويه:إبراهيم.(323)

النقّاش:محمّد.(351)

النّووي:يحيى.(676)

هارون بن حاتم.(728)

الهذليّ:قاسم.(175)

همّام بن حارث.(؟)

ورش:عثمان.(197)

وهب بن جرير.(207)

وهب بن منبّه.(114)

يحيى بن جعدة.(؟)

يحيى بن سعيد.(؟)

يحيى بن سلاّم.(200)

يحيى بن وثّاب.(103)

يحيى بن يعمر.(129)

يزيد بن أبي حبيب.(128)

يزيد بن رومان.(130)

يزيد بن قعقاع.(132)

يعقوب بن إسحاق.(202)

اليمانيّ:عمر.(؟)

ص: 882

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.