المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته المجلد 11

اشارة

عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته / اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه ؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی .

مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی ‫، 1419ق . ‫ = -1377.

مشخصات ظاهری : ‫ج.

فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.

شابک : ‫دوره ‫ 964-444-179-6 : ؛ ‫دوره ‫ 978-964-444-179-0: ؛ ‫1430000 ریال (دوره، چاپ دوم)‮ ؛ ‫25000 ریال ‫: ج. 1 ‫ 964-444-180-X : ؛ ‫30000 ریال ‫: ج. 2 ‫ 964-444-256-3 : ؛ ‫32000 ریال ‫: ج. 3 ‫ 964-444-371-3 : ؛ ‫67000 ریال (ج. 10) ؛ ‫ج.12 ‫ 978-964-971-136-2 : ؛ ‫ج.19 ‫ 978-600-06-0028-0 : ؛ ‫ج.21 ‫ 978-964-971-484-4 : ؛ ‫ج.28 ‫978-964-971-991-7 : ؛ ‫ج.30 ‫ 978-600-06-0059-4 : ؛ ‫1280000 ریال ‫: ج.36 ‫ 978-600-06-0267-3 : ؛ ‫950000 ریال ‫: ج.37 ‫ 978-600-06-0309-0 : ؛ ‫1050000 ریال ‫: ج.39 ‫ 978-600-06-0444-8 : ؛ ‫1000000 ریال ‫: ج.40 ‫ 978-600-06-0479-0 : ؛ ‫ج.41 ‫ 978-600-06-0496-7 : ؛ ‫ج.43 ‫ 978-600-06-0562-9 :

يادداشت : عربی .

يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.

يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.

يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.

يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...

يادداشت : ج . 2 (چاپ اول : 1420ق . = 1378).

يادداشت : ج . 3 (چاپ اول: 1421ق . = 1379).

يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).

يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).

يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).

يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).

يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).

يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).

يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.

يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).

يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).

يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).

مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س

موضوع : قرآن -- واژه نامه ها

Qur'an -- Dictionaries

موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها

Qur'an -- Encyclopedias

شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی ، محمدِ، ‫1385-1304.

شناسه افزوده : سبحانی تبریزی ، جعفر، ‫ 1308 -

شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar

شناسه افزوده : نجفی ، ناصر، ‫1322 -

شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا

شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن

شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی

رده بندی کنگره : ‫ BP66/4 ‫ ‮ /م57 1377

رده بندی دیویی : ‫ 297/13

شماره کتابشناسی ملی : 582410

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

المؤلّفون

الأستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانيّ

ناصر النّجفيّ

قاسم النّوريّ

محمّد حسن مؤمن زاده

حسين خاك شور

السيّد عبد الحميد عظيمي

السيّد جواد سيّدي

السيّد حسين رضويان

علي رضا غفراني

محمّد رضا نوري

السيّد علي صبّاغ دارابي

أبو القاسم حسن پور

و قد فوّض عرض الآيات و ضبطها إلى أبي الحسن الملكيّ و مقابلة النّصوص

إلى خضر فيض اللّه و عبد الكريم الرّحيميّ و تنضيد الحروف إلى المؤلّفين

ص: 5

ص: 6

ص: 7

ص: 8

تصدير

بسم الله الرحمن الرحيم

نحمد الله رب العالمين ، ونصلي ونسلم على رسوله المصطفى محمد و آله الطاهرین و صحبه المنتجبين .

وبعد ، فإنا نشكر الله شكرا كثيرا على أن وفقنا برحمته ومن علينا بنعمته بتقديم المجلد الحادي عشر من موسوعتنا القرآنية الكبرى «المعجم في فقه لغة القرآن وسر بلاغته»، لعلماء الإسلام عامة ، والمختصين منهم بعلوم القرآن خاصة ، الذين يبادرون إلى اقتناء كل مجلد منه عند صدوره ، وينتظرون بفارغ الصبر مجلد بعد، مقدرين للمؤلفين مساعيهم الجميلة و مثمنين جهودهم الكبيرة ، معترفين بعطائهم خدمة لكتاب ربهم ، والمعجزة الكبرى لنبيهم صلوات الله علیه و آله أجمعين.

وهذا المجلد يحتوي 26 مادة من ألفاظ القرآن الحكيم من حرف الحاء) ابتداء ب (ح ج ر) ، وانتهاء ب (ح س د) ، وأطولها (حسب) ثم (ح ر م)، ويتلوه المجلد الثاني عشر، وكله في حرف الماء أيضا

نسأل الله تبارك و تعالى أن يمت بفضله علينا ، ويديم عطاءه لنا دوما ، و يسهل لنا الصعاب ، ويعصمنا من الخطأ ، عصمة للكتاب ويأخذ بأيدينا إلى منتهى العمل ، کا تعلق به الأمل إن شاء الله تعالى ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.

محمد واعظ زاده الخراساني

مدير قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلامية

بالآستانة المقدسة الرضوية

20 جمادى الأولى عام 1627ه.ق

ص: 9

ص: 10

ادامة حرف الحاء

ح ج ر

اشارة

9 ألفاظ،21 مرّة:14 مكّيّة،7 مدنيّة

في 14 سورة:9 مكّيّة،5 مدنيّة

محجورا 2:2 الحجر 1:1

الحجرات 1:-1 حجرا 2:2

حجوركم 1:-1 الحجر 2:1-1

حجر 2:2 حجارة 6:6

الحجارة 4:-4

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الأحجار:جمع الحجر.و الحجارة:جمع الحجر أيضا،على غير قياس،و لكن يجوز الاستحسان في العربيّة كما أنّه يجوز في الفقه،و ترك القياس له.

و مثله المهارة و البكارة؛و الواحد:مهر و بكر.

و الحجر:حطيم مكّة،و هو المدار بالبيت كأنّه حجرة،ممّا يلي المثعب.

و حجر:موضع كان لثمود ينزلونه.

و قصبة اليمامة:حجر.

و الحجر و الحجر:لغتان،و هو الحرام،و كان الرّجل يلقى غيره في الأشهر الحرم فيقول:حجرا محجورا،أي حرام محرّم عليك في هذا الشّهر،فلا يبدؤه بشرّ،فيقول المشركون يوم القيامة للملائكة:حجرا محجورا، و يظنّون أنّ ذلك ينفعهم كفعلهم في الدّنيا.

و المحجّر:المحرّم.

و المحجر:حيث يقع عليه النّقاب من الوجه.

و ما بدا من النّقاب فهو محجر.

و أحجار الخيل:ما اتّخذ منها للنّسل،لا يكاد يفرد.

و يقال:بل يقال:هذا حجر من أحجار خيلي،يعني الفرس الواحد،و هذا اسم خاصّ للإناث دون الذّكور، جعلها كالمحرّم بيعها و ركوبها.

و الحجر:أن تحجر على إنسان ماله فتمنعه أن يفسده.

و الحجر:قد يكون مصدرا للحجرة الّتي يحتجرها

ص: 11

الرّجل،و حجارها:حائطها المحيط بها.

و الحاجر من مسيل الماء و منابت العشب:ما استدار به سند أو نهر مرتفع؛و جمعه:حجران،و قول العجّاج:

*و جارة البيت لها حجريّ*أي حرمة.

و الحجرة:ناحية كلّ موضع قريبا منه،و في المثل:

«يأكل خضرة و يربض حجرة»أي يأكل من الرّوضة و يربض ناحية.

و حجرتا العسكر:جانباه من الميمنة و الميسرة.

و حجر المرأة و حجرها،لغتان:للحضنين.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](3:73)

اللّيث: و الحجر:اللّبّ و العقل.(الأزهريّ 4:131)

سيبويه :من المصادر ينتصب بإضمار الفعل المتروك إظهاره...و مثل هذا قوله جلّ ثناؤه:

وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:22،أي حراما محرّما،يريد به البراءة من الأمر و يبعّد عن نفسه أمرا، فكأنّه قال:أحرّم ذلك حراما محرّما.

و مثل ذلك أن يقول الرّجل للرّجل:أ تفعل كذا و كذا؟فيقول:حجرا،أي سترا و براءة من هذا.فهذا ينتصب على إضمار الفعل،و لم يرد أن يجعله مبتدأ خبره بعده،و لا مبنيّا على اسم مضمر.(1:326)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قد استحجر عليه فلم يتكلّم:إذا أراد أن يتكلّم فلم يستطع.[ثمّ استشهد بشعر](1:141)

و قال اليمانيّ: المحجر:محجر العين.(1:143)

أحجرت الإبل:إذا أتمّت و أمن عليها أن تخدج.

أبليت حجر ما بيني و بينك.(1:148)

حجر الرّملة:قبلها،و هو لواؤها.(1:150)

الحاجر:الّذي يمسك الماء و ينبت فيه الشّجر،و هو سهل منتهى الجلد.(1:157)

و قال غسّان: الحجريّة:العريضة من المشاقص.

و يقال للنّخلة:إنّها لواسعة الحجر،إذا كانت كبيرة العذوق،نبيلة الجذوع.(1:165)

الحجر:النّقيّ من الرّمل،إلى حجر من الحجور.

(1:166)

المحاجر:نقب البرقع؛و الواحد:محجر،و من العين:محجر.(1:170)

و التّحجير:تقول:حجّر بجمله.

و تحجيره:تأخيره بالحمل.(1:185)

و الحاجر:جانب الأسرّة.(1:190)

و الحجرة:النّاحية.(1:204)

الحجرة:الصّغيرة.(1:216)

المحاجر:الحدائق؛واحدها:محجر.

و الحاجر من مسايل المياه و منابت العشب:

ما استدار به سند أو نهر مرتفع؛و الجميع:الحجران.

[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](الأزهريّ 4:134)

و محاجر النّخل:حظائر تتّخذ حولها.

المحجر بفتح الجيم،فهو المحرّم،من الحجر.

(الخطّابيّ 1:149)

الفرّاء: العرب تقول للحجر:الأحجرّ على«أفعلّ».

[ثمّ استشهد بشعر]

و مثله:هو أكبرّهم،أي أكبرهم،و فرس أطمرّ و أترجّ،يشدّدون آخر الحرف.(الأزهريّ 4:135)

ص: 12

الأصمعيّ: و الحجران:جمع حاجر،و هو المكان ترتفع نواحيه،و يطمئنّ وسطه،له حروف تمنع الماء أن ينبثق.(الأضداد:13)

مثله ابن السّكّيت.(الأضداد:173)

أبو عبيد: [في حديث أبي الدّرداء]:«إذا رأيت رجلا يسير من القوم حجرة»حجرة،يعني ناحية، و حجرة كلّ شيء:ناحيته؛و جمعها:حجرات.[ثمّ استشهد بشعر](2:248)

ابن السّكّيت: و يقال:احتجر الرّجل،إذا انتفخ غضبا.(80)

و إنّه لذو معقول،أي عقل،و ذو حجر و حجّى، و ذو حصافة.(184)

و يقال:قد حجّر القمر،إذا استدار بخطّ دقيق من غير أن يغلظ.(402)

و الحجر:مصدر حجرت عليه.

و الحجر:حجر الإنسان،و قد يقال بكسر الحاء.

و حجر:قصبة اليمامة.

و الحجر:العقل،قال اللّه عزّ و جلّ: هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ الفجر:5.

و الحجر:الحرام،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:22،أي حراما محرّما.

و الحجر:الفرس الأنثى.

و الحجر:حجر الكعبة.

و الحجر:ديار ثمود،قال اللّه جلّ ثناؤه: وَ لَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ الحجر:80.

(إصلاح المنطق:17)

باب«فعل»و«فعل»باتّفاق معنى:و حجر الإنسان و حجره،و يقرأ حِجْراً مَحْجُوراً و (حجرا محجورا) .

(إصلاح المنطق:31)

يقال للرّجل إذا كثر ماله و عدده:قد انتشرت حجرته،و قد ارتعج ماله،و ارتعج عدده.

(الأزهريّ 4:135)

أبو الهيثم: المحجر:الحرام.[ثمّ استشهد بشعر]

المحجر:المرعى المنخفض.و قيل لبعضهم:أيّ الإبل أبقى على السّنة؟فقال:ابنة لبون،قيل:لمه؟قال:

لأنّها ترعى محجرا،و تترك وسطا.

و قال بعضهم:المحجر هاهنا:النّاحية.

(الأزهريّ 4:133)

الصّيداويّ: أنّه سمع عبّوية يقول:المحجر،بفتح الجيم:الحرمة،و أنشد:*و هممت أن أغشى إليها محجرا* و المحجر:العين.(الأزهريّ 4:134)

ابن أبي اليمان :و الحجر:مصدر حجرت، و الحجر:حجر الإنسان،و يقال:بكسر الحاء.

و الحجر:قصبة اليمامة.

و الحجر:العقل،قال جلّ و عزّ: هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ الفجر:5،و إنّما سمّي العقل حجرا،لأنّه يحجر صاحبه القبيح.

و الحجر:الحرام،قال اللّه جلّ و عزّ: وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:22.

و الحجر:الفرس الأنثى.

و الحجر:حجر الكعبة.

و الحجر:ديار ثمود،قال اللّه جلّ و عزّ: كَذَّبَ

ص: 13

أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ الحجر:80.(348)

الدّينوريّ: الحاجر:كرم مئناث و هو مطمئنّ،له حروف مشرفة تحبس عليه الماء،و بذلك سمّي حاجرا؛ و الجمع:حجران.(ابن سيده 3:68)

المبرّد: و قوله:«تضلّ البلق في حجراته...» و حجراته:نواحيه.(1:358)

يقال للأنثى من الفرس:حجر،لكونها مشتملة على ما في بطنها من الولد.(الرّاغب:109)

الزّجّاج: و أصل الحجر في اللّغة:ما حجرت عليه، أي ما منعت من أن يوصل إليه،و كلّ ما منعت منه فقد حجرت عليه،و كذلك حجر القضاة على الأيتام،إنّما هو منعهم إيّاهم عن التّصرّف في أموالهم،و كذلك الحجرة الّتي ينزلها النّاس هو ما حوّطوا عليه.(4:63)

ابن دريد :و الحجر:العقل:و الحجر و الحجر:

الحرام،و به سمّي الرّجل:حجرا.و في التّنزيل(حجرا محجورا)أي حراما محرّما،هكذا يقول أبو عبيدة.

و الأصل في ذلك أنّ الرّجل من العرب في الجاهليّة كان إذا لقي رجلا في أشهر الحرم و بينه و بينه ترة،قال:

«حجرا محجورا»أي حرام عليك دمي.قال:فإذا رأى المشركون الملائكة يوم القيامة قالوا:«حجرا محجورا» أي حرام دماؤنا،يظنّون أنّهم في الدّنيا.

و الحجر:حجر الكعبة،يزعمون أنّه من الكعبة و فيه قبر هاجر و إسماعيل عليهما السّلام.

و الحجر:بلاد ثمود بين الشّام و الحجاز.

و حجر المرأة،و قالوا:حجرها،و الفتح أعلى.

و حجور:موضع معروف من بلاد بني سعد.[ثمّ استشهد بشعر]

و حجرة القوم:ناحية دارهم؛و الجمع:حجرات، و منه يقال:جلس الرّجل حجرة،أي في ناحية.

و الحجرة:الحائط يحجر على دار أو غيرها؛و الجمع:

حجرات و حجر.

و الحاجر:الأرض يرتفع ما حولها،و ينخفض وسطها،فيجتمع في ذلك الانخفاض ماء السّماء،و يمنعه الحاجر أن يفيض،و كلّ شيء حجرت عليه فقد منعت عنه.

و سمّيت الأنثى من الخيل:حجرا،لأنّها حجرت عن الذّكور إلاّ عن فحل كريم.

و حجّر القمر،إذا صارت حوله دارة،و حجّرت عين البعير،إذا و سمت حولها بميسم مستدير.

و الحجر:معروف،و يجمع في أدنى العدد:حجارا و حجارة،و هو قليل،مثل ذكر و ذكارة و حجر و حجارة.

و سمّت العرب حجرا و حجّارا و حجرا و حجيرا.

و الحجّورة مثل«فعّولة»:لعبة يلعب بها الصّبيان، يخطّون خطّا مستديرا،و يقف فيه صبيّ و يحيط به الصّبيان ليأخذوه.

و بطون من بني تميم يسمّون الأحجار،لأنّ أسماءهم جندل و جرول و صخر.

و يقال:فلان لحاجور،أي في منعة.

و محجر العين:معروف،و هو ما يظهر من النّقاب.

و حجر اليمامة:سوقها و قصبتها.(2:54)

الحجران:جمع حاجر،و هو المنهبط من الأرض فالعشب أكثر فيه.(2:310)

ص: 14

و الحجرة:النّاحية،أنا في حجرة فلان،أي في ناحيته،و انتبذ فلان حجرة،إذا قعد ناحية من أصحابه؛ الموضع المحجور.(3:320)

حاجور:تقول:أنا منك بحاجور،أي محرّم عليك قتلي.(3:388)

و الحجر و الحجر:في معنى الحرام.(3:427)

القاليّ: و الحجر:العقل،و إنّما سمّي حجرا لأنّه يحجر صاحبه عن القبيح.(1:91)

و حجر:حرام.(1:129)

و الحجرة:النّاحية،يقال:جلس فلان على حجرة، أي ناحية.(2:88)

حجر:قصبة اليمامة و حريمهم،إنّما كانت بالجزيرة.

(2:135)

و المحجّر:الملجأ المضيّق عليه.(2:295)

و يقال:نشر اللّه حجرتك،أي كثّر اللّه مالك و ولدك.

و الحجرة بفتح الحاء هاهنا:النّاحية.

(ذيل الأماليّ 2:63)

و قالت امرأة لأخرى:«خفّ حجرك و طاب نشرك»أي لا كان لك ولد.

و الحجر:مجتمع مقدّم القميص.(ذيل الأماليّ 2:62)

الأزهريّ: و يقال:«رمي فلان بحجر الأرض»إذا رمي بداهية من الرّجال.

و يروى عن الأحنف بن قيس أنّه قال لعليّ رضي اللّه عنه حين سمّى معاوية أحد الحكمين عمرو بن العاص:إنّك قد رميت بحجر الأرض،فاجعل معه ابن عبّاس،فإنّه لا يعقد عقدة إلاّ حلّها.

قال ابن السّكّيت:الحجر:الفرس الأنثى.قلت:

و تجمع:حجورا و حجورة و أحجارا.

و قيل:أحجار الخيل:ما اتّخذ منها للنّسل و لا يكادون يفردون الواحدة.قلت:بلى،يقال:هذه حجر من أحجار خيلي،يراد بالحجر الفرس الأنثى خاصّة،جعلوها كالمحرّمة الرّحم إلاّ على حصان كريم.

و قال لي أعرابيّ من بني مضرّس و أشار إلى فرس له أنثى،فقال:هذه الحجر من جياد خيلنا.[و حكى قول أبي عمرو الشّيبانيّ و قال:]

قلت:و من هذا قيل لهذا المنزل الّذي في طريق مكّة:حاجر.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحجرة:النّاحية،و مثل للعرب:«فلان يرعى وسطا و يربض حجرة».

و حجرتا العسكر:جانباه من الميمنة و الميسرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:تحجّر عليّ ما وسّعه اللّه،أي حرّمه و ضيّقه.

و في الحديث:«لقد تحجّرت واسعا».

و في النّوادر يقال:أمسى المال محتجرة بطونه و تجبّرت.و مال متشدّد و متجبّر.

و يقال:احتجر البعير احتجارا،و المحتجر من المال:

كلّ ما كرش و لم يبلغ نصف البطنة و لم يبلغ الشّبع كلّه، فإذا بلغ نصف البطنة لم يقل،فإذا رجع بعد سوء حال و عجف فقد اجروّش؛و ناس مجروّشون.

و من أسماء العرب:حجر،و حجر،و حجّار.

و محجّر:اسم موضع بعينه.

ص: 15

و محجر القيل:من أقيال اليمن،حوزته و ناحيته الّتي لا يدخل عليه فيها غيره.

و تجمع الحجرة:حجرات و حجرات و حجرات، لغات كلّها.(4:131-135)

الصّاحب: الحجر:معروف؛يجمع على الأحجار و الحجار.

و رمي فلان بحجره،أي بقرن مثله.

و الحجران:الذّهب و الفضّة.

و الحجر:حطيم مكّة؛و هو المدار بالبيت كأنّه حجرة.

و حجر:موضع باليمامة.

و الحاجر:اسم منزل بالبادية.

و الحجر و الحجر-لغتان-:الحرام،و منه قوله عزّ و جلّ: وَ حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:53،أي حرام عليك محرّم حرمتي في هذا الشّهر.

و المحجّر:المحرّم.

و المحجر من الوجه:حيث لا يقع عليه النّقاب، و قيل:ما بدا منه.

و قيل:المحاجر:الحدائق،و مواضع يحتبس فيها الماء.

و التّحجير من الكيّات:حول العين كالحلقة.

و حجّر القمر:استدار بخطّ دقيق.

و الأنثى من الخيل يقال لها:حجر؛و الجميع:أحجار و حجور،و هي تتّخذ للنّسل.

و الحجر:أن تحجر على إنسان في ماله،و هو الحجر أيضا.

و الحجر:مصدر للحجرة الّتي يحتجرها الرّحل.

و حجارها:حائطها.

و الحاجر من مسايل المياه و منابت العشب:

ما استدار به سند أو نهر؛و الجميع:الحجران.

و الحجرة:النّاحية،و في مثل:«يربض حجرة و يرتعي وسطا»،و كذلك المحجر.

و الحجر و الحجر:الحضن.

و الحجر:العقل،و قيل:القرابة،في قول اللّه عزّ ذكره:

هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ.

و استحجر فلان بكلامي:اجترأ عليه.و أصل ذلك أن تجلب مالا من بلد إلى بلد.

و يقولون:عوذ باللّه و حجر:عند كراهة الشّيء.

و يقال للمعاذ و الملجأ:حاجور.

و في الدّعاء:اللّهمّ إنّي أحتجر بك منه.(2:397)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه كتب لوائل بن حجر:من محمّد رسول اللّه إلى المهاجر بن أبي أميّة أنّ وائلا يستسعى و يترفّل على الأقوال حيث كانوا من حضرموت»،و كتابا آخر لأقوال شبوة بما كان لهم فيها من ملك و عمران و مزاهر،و عرمان،و ملح،و محجر.

[إلى أن قال:]

و اختلفوا في تفسير هذه الأسماء،فقال لي كعيدنة بن مرفد،رجل من أهل اليمن:إنّها بلاد من حضرموت أقطعها النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إيّاهم،و قال لي:أنا أعرف محجر،و هي قرية معروفة فيها،و قال لي غيره من أهل حضرموت، بل هو المحجن.و الاحتجان:الاحتظار للشّيء.

(1:148)

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«ليس للنّساء من باحة

ص: 16

الطّريق شيء،و لكن لهنّ حجرتا الطّريق»[إلى أن قال:]

و حجرتا الطّريق:جانباه،و في مثل:«يأكل خضرة و ينام حجرة»أي يأكل من الرّوضة و يربض ناحية؛ يقال ذلك للجدي أو للحمل.(1:534)

الجوهريّ: الحجر:جمعه في القلّة:أحجار،و في الكثرة:حجار و حجارة،كقولك:جمل و جمالة،و ذكر و ذكارة،و هو نادر.

و حجر أيضا:اسم رجل،و منه أوس بن حجر الشّاعر.

و الحجران:الذّهب و الفضّة.

و الحجر؛ساكن:مصدر قولك حجر عليه القاضي يحجر حجرا،إذا منعه من التّصرّف في ماله.

و الحجر أيضا:قصبة اليمامة،يذكّر و يؤنّث.

و حجر الإنسان و حجره،بالفتح و الكسر؛و الجمع:

حجور.

و الحجر:الحرام،يكسر و يضمّ و يفتح،و الكسر أفصح.و قرئ بهنّ قوله تعالى: و حرث حجر الأنعام:138.

و يقول المشركون يوم القيامة إذا رأوا ملائكة العذاب: حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:22،53،أي حراما محرّما،يظنّون أنّ ذلك ينفعهم،كما كانوا يقولونه في الدّار الدّنيا لمن يخافونه في الشّهر الحرام.

و حجرة القوم:ناحية دارهم،و في المثل:«يربض حجرة و يرتعي وسطا».و الجمع:حجرات و حجر،مثل جمرة و جمر و جمرات.

و يقال للرّجل إذا كثر ماله:انتشرت حجرته.

و العرب تقول عند الأمر تنكره:حجرا بالضّمّ،أي دفعا،و هو استعاذة من الأمر.

و حجر أيضا:اسم رجل،و هو حجر الكنديّ،الّذي يقال له:آكل المرار.و حجر بن عديّ الّذي يقال له:

الأدبر.و يجوز حجر،مثل عسر و عسر.

و الحجرة:حظيرة الإبل،و منه حجرة الدّار.تقول:

احتجرت حجرة،أي اتّخذتها؛و الجمع:حجر مثل غرفة و غرف،و حجرات بضمّ الجيم.

و الحجر:العقل،قال اللّه تعالى: هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ الفجر:5.

و الحجر أيضا:حجر الكعبة،و هو ما حواه الحطيم المدار بالبيت جانب الشّمال.

و كلّ ما حجرته من حائط فهو حجر.

و الحجر:منازل ثمود ناحية الشّام،عند وادي القرى،قال اللّه تعالى: كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ الحجر:80.

و الحجر أيضا:الأنثى من الخيل.

و الحاجر و الحاجور:ما يمسك الماء من شفة الوادي، و هو«فاعول»من الحجر،و هو المنع.

و جمع الحاجر:حجران،مثل حائر و حوران، و شابّ و شبّان.

و المحجر،مثال المجلس:الحديقة.

و محجر العين أيضا:ما يبدو من النّقاب.

و المحجر بالفتح:ما حول القرية،و منه محاجر أقيال اليمن،و هي الأحماء،كان لكلّ واحد منهم حمى لا يرعاه غيره.

ص: 17

و المحجر أيضا:الحجر،و هو الحرام.

و يقال:حجّر القمر،إذا استدار بخطّ دقيق من غير أن يغلظ،و كذلك إذا صارت حوله دارة في الغيم.

و التّحجير أيضا:أن تسم حول عين البعير بميسم مستدير.

و محجّر بالتّشديد:اسم موضع،و الأصمعيّ يقوله بكسر الجيم،و غيره يفتح.

و حجّار بالتّشديد:اسم رجل من بكر بن وائل.

و الحنجرة و الحنجور:الحلقوم،بزيادة النّون.

[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](2:623)

ابن فارس: الحاء و الجيم و الرّاء أصل واحد مطّرد،و هو المنع و الإحاطة على الشّيء.فالحجر:حجر الإنسان،و قد تكسر حاؤه.و يقال:حجر الحاكم على السّفيه حجرا؛و ذلك منعه إيّاه من التّصرّف في ماله.

و العقل يسمّى حجرا لأنّه يمنع من إتيان ما لا ينبغي، كما سمّي عقلا تشبيها بالعقال،قال اللّه تعالى: هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ الفجر:5.

و حجر:قصبة اليمامة.

و الحجر:معروف،و أحسب أنّ الباب كلّه محمول عليه و مأخوذ منه،لشدّته و صلابته.

و قياس الجمع في أدنى العدد:أحجار،و الحجارة أيضا له قياس،كما يقال:جمل و جمالة،و هو قليل.

و الحجر:الفرس الأنثى؛و هي تصان و يضنّ بها.

و الحاجر:ما يمسك الماء من مكان منهبط؛و جمعه:

حجران.

و حجرة القوم:ناحية دارهم و هي حماهم.

و الحجرة:من الأبنية معروفة.

و حجّر القمر،إذا صارت حوله دارة.

و ممّا يشتقّ من هذا قولهم:حجّرت عين البعير،إذا و سمت حولها بميسم مستدير.و محجر العين:ما يدور بها، و هو الّذي يظهر من النّقاب.

و الحجر:حطيم مكّة،هو المدار بالبيت.و الحجر:

القرابة.و القياس فيها قياس الباب،لأنّها ذمام و ذمار يحمى و يحفظ.

و الحجر:الحرام،و كان الرّجل يلقى الرّجل يخافه في الأشهر الحرم،فيقول:حجرا،أي حراما،و معناه حرام عليك أن تنالني بمكروه،فإذا كان يوم القيامة رأى المشركون ملائكة العذاب فيقولون: حِجْراً مَحْجُوراً فظنّوا أنّ ذلك ينفعهم في الآخرة،كما كان ينفعهم في الدّنيا.

و المحاجر:الحدائق؛واحدها:محجر.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:138)

ابن سيده: الحجر:الصّخرة؛و الجمع:أحجار و أحجر في القليل.

و الكثير:حجار و حجارة.

و في التّنزيل: وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ البقرة:

24،التّحريم:6،قيل:هي حجارة الكبريت،ألحقوها الهاء لتأنيث الجمع،كما ذهب إليه سيبويه في:البعولة و الفحولة.

و الحجر الأسود:حجر البيت،و ربّما أفردوه فقالوا:

الحجر،إعظاما له؛و من ذلك قول عمر:«و اللّه إنّك لحجر، و لو لا أنّي...».

ص: 18

و استحجر الطّين،صار حجرا،كما يقولون:استنوق الجمل،لا يتكلّمون بهما إلاّ مزيدين،و لهما نظائر.

و أرض حجرة و حجيرة و متحجّرة:كثيرة الحجارة.

و ربّما كنّي بالحجر عن الرّمل.

و الحجر و الحجر و الحجر و المحجر،كلّ ذلك الحرام.

و قد حجره و حجّره،و في التّنزيل: وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:22،أي حراما محرّما.

و الحاجور كالمحجر.

و الحجري،الحرمة.

و حجر الإنسان،و حجره،و حجره:حصنه.

و الحجر:المنع،حجر عليه يحجر و حجرا و حجرانا و حجرانا:منع منه.و لا حجر عنه،أي لا دفع.

و أنت في حجرتي،أي منعتي.

و الحجرة من البيوت:معروفة،لمنعها المال، و الحجار:حائطها.

و استحجر القوم و احتجروا:اتّخذوا حجرة.

و الحجرة و الحجر،جميعا:النّاحية،الأخيرة عن كراع.و قعد حجرة و حجرة،أي ناحية.

و الحجر:ما يحيط بالظّفر من اللّحم.

و المحجر:الحديقة.

و محجر العين:ما دار بها و بدا من البرقع من جميع العين.

و قيل:هو ما يظهر من نقاب المرأة و عمامة الرّجل إذا اعتمّ،و قيل:هو ما دار بالعين من العظم الّذي في أسفل الجفن،كلّ ذلك بفتح الميم و كسرها،و كسر الجيم و فتحها.

و حجّر القمر:استدار بخطّ دقيق من غير أن يغلظ.

و حجّر عين الدّابّة،و حولها:حلّق لداء يصيبها.

و الحاجر:ما يمسك الماء من شفة الوادي و يحيط به.

و الحاجر:منبت الرّمث،و مجتمعه و مستداره.

و الحاجر أيضا:الجدر الّذي يمسك الماء بين الدّبار، لاستدارته أيضا.

و الحجر:العقل لإمساكه و منعه و إحاطته بالتّمييز، فهو مشتقّ من القبيلين.و في التّنزيل: هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ الفجر:5.

و الحجر:الفرس الأنثى،لم يدخلوا فيه الهاء،لأنّه اسم لا يشركها فيه المذكّر؛و الجمع:أحجار و حجور.

و قيل:أحجار الخيل:ما يتّخذ منها للنّسل،لا يفرد لها واحد.

و حجر الإنسان و حجره:ما بين يديه من ثوبه.

و حجر الرّجل و المرأة و حجرهما:متاعهما،و الفتح أعلى.

و نشأ فلان في حجر فلان و حجره،أي حفظه و ستره.

و الحجر:حجر الكعبة.

و الحجر:ديار ثمود.

و حجر:قصبة اليمامة-مذكّر مصروف،و منهم من يؤنّث و لا يصرف،كامرأة اسمها«سهل»-و قيل:هي سوقها.

و الحاجر:منزل من منازل الحاجّ في البادية.

و الحجّورة:لعبة يلعب بها الصّبيان،يخطّون خطّا مستديرا،و يقف فيه صبيّ و هنالك الصّبيان معه.

ص: 19

و قد سمّوا:حجرا و حجّارا و حجرا و حجيرا.

و الأحجار:بطون من بني تميم سمّوا بذلك،لأنّ أسماءهم:جندل،و جرول،و صخر.

و حجور:موضع معروف من بلاد بني سعد.

و محجّر:ماء بشرقيّ سلمى.[و استشهد بالشّعر 13 مرّة](3:65)

الطّوسيّ: و الحجارة:واحد الأحجار،و هو ما صلب من الأجسام،يقال:استحجر الطّين،إذا صلب،فصار كالحجر.و أكثر ما يقال:حجر،للمدر، و مع ذلك فالياقوت حجر،و لذلك يقال:الياقوت أفضل الحجارة،و لا يقال:الياقوت أفضل الزّجاج،لأنّه ليس من الزّجاج.(5:131)

و أصل الحجر:الضّيق،يقال:حجر يحجر حجرا، إذا ضيّق.و الحجر:الحرام لضيقه بالنّهي عنه.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه حجر القاضي عليه يحجر،و حجر فلان على أهله.

و منه حجر الكعبة،لأنّه لا يدخل إليه في الطّواف، و إنّما يطاف من ورائه،لتضيّقه بالنّهي عنه،و قوله:

لِذِي حِجْرٍ أي لذي عقل،لما فيه من التّضييق في القبيح،و الحجر:الأنثى من الخيل،و منه الحجرة،و حجر الإنسان.(7:483)

نحوه الطّبرسيّ.(4:165)

الرّاغب: الحجر:الجوهر الصّلب المعروف؛و جمعه:

أحجار و حجارة.[إلى أن قال:]

و الحجر و التّحجير:أن يجعل حول المكان حجارة، يقال:حجرته حجرا فهو محجور،و حجّرته تحجيرا فهو محجّر.

و سمّي ما أحيط به الحجارة حجرا؛و به سمّي حجر الكعبة و ديار ثمود،قال تعالى: كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ الحجر:80.

و تصوّر من الحجر معنى«المنع»لما يحصل فيه،فقيل للعقل:حجر لكون الإنسان في منع منه ممّا تدعو إليه نفسه،و قال تعالى: هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ الفجر:5

و الحجر:الممنوع منه بتحريمه،قال تعالى: وَ قالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَ حَرْثٌ حِجْرٌ الأنعام:138، وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:22،كان الرّجل إذا لقي من يخاف يقول ذلك،فذكر تعالى أنّ الكفّار إذا رأوا الملائكة قالوا ذلك ظنّا أنّ ذلك ينفعهم،قال تعالى: وَ جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَ حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:53 أي منعا لا سبيل إلى رفعه و دفعه.

و فلان في حجر فلان،أي في منع منه عن التّصرّف في ماله و كثير من أحواله؛و جمعه:حجور،قال تعالى:

وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ النّساء:23.

و حجر القميص أيضا:اسم لما يجعل فيه الشّيء فيمنع،و تصوّر من الحجر دورانه،فقيل:حجرت عين الفرس،إذا و سمت حولها بميسم،و حجّر القمر:صار حوله دائرة.

و الحجّورة:لعبة للصّبيان يخطّون خطّا مستديرا؛ و محجر العين منه.

و تحجّر كذا:

ص: 20

تصلّب،و صار كالأحجار.

و الأحجار:بطون من بني تميم سمّوا بذلك لقوم منهم أسماؤهم:جندل،و حجر،و صخر.(108)

الزّمخشريّ: نشأت في حجر فلان،و صلّيت في حجر الكعبة،و هذه حجر منجبة من حجور منجبات، و هي الرّملة.[ثمّ استشهد بشعر]

و في ذلك عبرة لذي حجر،و هو اللّبّ.

و هذا حجر عليك:حرام.

و حجر عليه القاضي حجرا.

و استقينا من الحاجر،و هو منهبط يمسك الماء.

و فلان من أهل الحاجر،و هو مكان بطريق مكّة.

و قعد حجرة،أي ناحية،و أحاطوا بحجرتي العسكر،و هما جانباه.

و حجّر حول العين بكيّة.و عوذ باللّه منك و حجر.

و أعوذ بك من الشّياطين و أحتجر بك منه.

و امرأة بيضاء المحاجر،و بدا محجرها من النّقاب.

و لهم محاجر و حدائق،و هي مواضع فيها رعي كثير و ماء.

و استحجر الطّين و تحجّر:صلب كالحجر.

و تحجّر ما وسّعه اللّه:ضيّقه على نفسه.

و حجّر حول أرضه.

و من المجاز رمي فلان بحجره،إذا قرن بمثله.

(أساس البلاغة:74)

كان له حصير يبسطه بالنّهار،و يحتجره باللّيل يصلّي عليه،أي يحظره لنفسه دون غيره.و منه احتجرت الأرض،إذا ضربت عليها منارا أو أعلمت علما في حدودها للحيازة.(الفائق 1:261)

المدينيّ: هو اسم لديار ثمود،قوم صالح النّبيّ عليه السّلام.و قد يجيء ذكره في أحاديث حين وصل إليه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و الصّحابة رضي اللّه عنهم.

في حديث سعد بن معاذ:«أنّه لمّا تحجّر جرحه للبرء انفجر»،قوله:«تحجّر:أي اجتمع و قرب بعضه من بعض و التأم،و قد يجيء«تحجّر»متعدّيا.

في الحديث الآخر:«لقد تحجّرت واسعا».كما جاء «حجّر»لازما و متعدّيا،يقال:حجّر القمر،أي دخل في الدّارة الّتي حوله،و حجّرت عين البعير،أي و سمت حولها بميسم مستدير.

في حديث الجسّاسة:«تبعه أهل الحجر و المدر»أي أهل البوادي الّذين يسكنون مواضع الحجارة و الجبال، و أهل المدر:أهل البلاد.

في الحديث:«كان له حصير يبسطه بالنّهار و يحتجره باللّيل»أي يجعله لنفسه دون غيره.

و منه يقال:احتجرت الأرض،إذا ضربت عليها منارا تمنعها به عن غيرك.

و منه:حجر القاضي على المفلس و غيره،و أصل الحجر:المنع.

و في الحديث:«و للعاهر الحجر»...معنى الحجر هاهنا:الخيبة.(1:402)

ابن الأثير: فيه ذكر الحجر في غير موضع،الحجر بالكسر:اسم الحائط المستدير إلى جانب الكعبة الغربيّ.

و هو أيضا اسم لأرض ثمود صالح النّبيّ عليه السّلام،[و ذكر الآية]و جاء ذكره في الحديث كثيرا.

ص: 21

[ذكر حديث«كان له حصير يبسطه»المتقدّم و قال:]

و في حديث آخر:«أنّه احتجر حجيرة بخصفة أو حصير»الحجيرة:تصغير الحجرة،و هو الموضع المنفرد.

[إلى أن قال:]

و فيه:«من نام على ظهر بيت ليس عليه حجار فقد برئت منه الذّمّة»الحجار:جمع حجر بالكسر و هو الحائط،أو من الحجرة و هي حظيرة الإبل،أو حجرة الدّار،أي إنّه يحجر الإنسان النّائم و يمنعه عن الوقوع و السّقوط.و يروى«حجاب»بالباء.[إلى أن قال:]

و في حديث عائشة و ابن الزّبير رضي اللّه عنهما:

«لقد هممت أن أحجر عليها»الحجر:المنع من التّصرّف، و منه حجر القاضي على الصّغير و السّفيه،إذا منعهما من التّصرّف في مالهما.

و منه حديث عائشة:«هي اليتيمة تكون في حجر وليّها»و يجوز أن يكون من:حجر الثّوب،و هو طرفه المقدّم،لأنّ الإنسان يربّي ولده في حجره،و الوليّ:القائم بأمر اليتيم.و الحجر بالفتح و الكسر:الثّوب و الحضن، و المصدر بالفتح لا غير.

و فيه:«للنّساء حجرتا الطّريق»أي ناحيتاه.

و منه حديث أبي الدّرداء رحمه اللّه:«إذا رأيت رجلا يسير من القوم حجرة»أي ناحية منفردا،و هي بفتح الحاء و سكون الجيم،و جمعها:حجرات.

و منه حديث عليّ عليه السّلام:«الحكم للّه».

*و دع عنك نهبا صيح في حجراته*

هذا مثل للعرب يضرب لمن ذهب من ماله شيء،ثمّ ذهب بعده ما هو أجلّ منه و هو صدر بيت لإمرئ القيس.

فدع عنك نهيا صيح في حجراته

و لكن حديثا ما حديث الرّواحل

و فيه:«إذا نشأت حجريّة ثمّ تشاءمت فتلك عين غديقة»حجريّة-بفتح الحاء و سكون الجيم-يجوز أن تكون منسوبة إلى الحجر و هو قصبة اليمامة،أو إلى حجرة القوم،و هي ناحيتهم؛و الجمع:حجر،مثل جمرة و جمر، و إن كانت بكسر الحاء فهي منسوبة إلى الحجر:أرض ثمود.[إلى أن قال:]

و فيه:«أنّه تلقّى جبرئيل عليه السّلام بأحجار المراء»قال مجاهد:هي قباء.

و في حديث الفتن:«عند أحجار الزّيت»هو موضع بالمدينة.[إلى أن قال:]

و في صفة الدّجّال:«مطموس العين ليست بناتئة و لا حجراء».قال الهرويّ:إن كانت هذه اللّفظة محفوظة فمعناها أنّها ليست بصلبة متحجّرة،و قد رويت جحراء بتقديم الجيم،و قد تقدّمت.

و في حديث وائل بن حجر:«مزاهر و عرمان و محجر و عرضان»محجر بكسر الميم:قرية معروفة.و قيل:هو بالنّون،و هي حظائر حول النّخل.و قيل:حدائق.

(1:341)

الصّغانيّ: و أمسى المال محتجرة بطونه،و محتجزة بطونه،بالرّاء و الزّاي،أي قد تشدّدت بطونه و تجبّرت.

و المحتجر:الأسد.

و الحنجورة:شبه البرمة من زجاج،يجعل فيه الطّيب.و قيل:هي قارورة تجعل فيها الذّريرة...

(2:464)

ص: 22

الفيّوميّ: حجر عليه حجرا من باب قتل:منعه التّصرّف،فهو محجور عليه،و الفقهاء يحذفون الصّلة تخفيفا لكثرة الاستعمال،و يقولون:محجور،و هو سائغ.

و حجر الإنسان بالفتح و قد يكسر:حضنه،و هو ما دون ابطه إلى الكشح،و هو في حجره أي كنفه و حمايته،و الجمع:حجور.

و الحجر بالكسر:العقل،و الحجر:حطيم مكّة و هو المدار بالبيت من جهة الميزاب.و الحجر:القرابة.

و الجحر:الحرام،و تثليث الحاء لغة،و بالمضموم سمّي الرّجل.و الحجر بالكسر أيضا:الفرس الأنثى.و جمعها:

حجور و أحجار،و قيل:الأحجار جمع الإناث من الخيل، و لا واحد لها من لفظها،و هذا ضعيف لثبوت المفرد.

و الحجرة:البيت،و الجمع:حجر،و حجرات:مثل غرف و غرفات في وجوهها.

و الحجر معروف و به سمّي الرّجل،قال بعضهم:

ليس في العرب حجر بفتحتين اسما إلاّ أوس بن حجر، و أمّا غيره فحجر وزان قفل.

و استحجر الطّين:صار صلبا كالحجر.

و الحنجرة:«فنعلة»مجرى النّفس.

و الحنجور:«فنعول»بضمّ الفاء الحلق.

و المحجر مثال مجلس:ما ظهر من النّقاب من الرّجل و المرأة من الجفن الأسفل،و قد يكون من الأعلى.

و قال بعض العرب:هو ما دار بالعين من جميع الجوانب و بدا من البرقع،و الجمع:المحاجر.

و تحجّرت واسعا:ضيّقت.

و احتجرت الأرض:جعلت عليها منارا و أعلمت علما في حدودها لحيازتها،مأخوذ من احتجرت حجرة إذا اتّخذتها.و قولهم في الموات:تحجّر،و هو قريب في المعنى من قولهم:حجّر عين البعير:إذا وسم حولها بميسم مستدير و يرجع إلى الإعلام.(1:121)

الفيروزآباديّ: الحجر مثلّثة:المنع،كالحجران بالضّمّ و الكسر،و حضن الإنسان،و الحرام كالمحجر و الحاجور.

و بالفتح:نقاء الرّمل،و محجر العين،و قصبة باليمامة، و موضع بديار بني عقيل،و واد بين بلاد عذرة و غطفان، و قرية لبني سليم و يكسر،و جبل ببلاد غطفان،و موضع باليمن،و موضع به وقعة بين دوس و كنانة،و جمع حجرة للنّاحية كالحجرات و الحواجر،و حجر ذي رعين أبو القبيلة منهم.[إلى أن قال:]

و بالكسر:العقل،و ما حواه الحطيم المدار بالكعبة شرّفها اللّه تعالى من جانب الشّمال،و ديار ثمود أو بلادهم،و الأنثى من الخيل،و بالهاء لحن؛جمعه:حجور و حجورة و أحجار،و القرابة،و ما بين يديك من ثوبك، و من الرّجل و المرأة فرجهما،و قرية لبني سليم،و يفتح فيهما.

و نشأ في حجره و حجره،أي في حفظه و ستره، و بالتّحريك:الصّخرة كالأحجرّ كاردنّ؛جمعه:أحجار و أحجر و حجارة و حجار.

و أرض حجرة و حجيرة و متحجّرة:كثيرته،و الفضّة و الذّهب و الرّمل،و الحجر الأسود معروف،و بلد عظيم على جبل بالأندلس،و موضع آخر.و حجر الذّهب:

محلّة بدمشق،و حجر شغلان:حصن قرب أنطاكية.

ص: 23

و بضمّتين:ما يحيط بالظّفر من اللّحم،و كصرد:جمع الحجرة للغرفة.

و حظيرة الإبل كالحجرات بضمّتين،و الحجرات بفتح الجيم و سكونها عن الزّمخشريّ.

و الحاجر:الأرض المرتفعة و وسطها منخفض، و ما يمسك الماء من شقّة الوادي كالحاجور،و منبت الرّمث،و مجتمعه و مستداره؛جمعه:حجران،و منزل للحاجّ للبادية.

و الحجريّ ككرديّ و يكسر:الحقّ و الحرمة.

و حجر بالضّمّ و بضمّتين:بلدة باليمن من مخاليف بدر...

و رمي بحجر الأرض،أي بداهية.

و كصبور:موضع ببلاد بني سعد وراء عمان،و موضع باليمن.

و الحجّورة مشدّدة،و الحاجورة:لعبة يخطّ الصّبيان خطّا مدوّرا،و يقف فيه صبيّ و يحيطون به ليأخذوه.

و المحجر كمجلس و منبر:الحديقة،و من العين:

ما دار بها و بدا من البرقع،أو ما يظهر من نقابها و عمامته إذا اعتمّ،و ما حول القرية،و منه محاجر أقيال اليمن و هي الأحماء،كان لكلّ واحد حمى لا يرعاه غيره.

و استحجر:اتّخذ حجرة كتحجّر.

و الأحجار:بطون من بني تميم.

و محجّر كمعظّم و محدّث:ماء أو موضع.

و أحجار:فرس همّام بن مرّة الشّيبانيّ.

و أحجار الخيل:ما اتّخذ منها للنّسل،لا يكادون يفردون الواحدة.

و أحجار المراء ب«قبا»خارج المدينة،و أحجار الزّيت:موضع داخل المدينة.

و الحجيرات:منزل لأوس بن مغراء.

و الحنجور:السّفط الصّغير،و قارورة للذّريرة، و الحلقوم كالحنجرة و الحناجر جمعه،و بلدة.

و حجّر القمر تحجيرا:استدار بخطّ دقيق من غير أن يغلظ،أو صار حوله دارة في الغيم،و البعير وسم حول عينيه بميسم مستدير.

و تحجّر عليه:ضيّق و استحجر:اجترأ.

و احتجر الأرض:ضرب عليها منارا،و اللّوح وضعه في حجره،و به التجأ و استعاذ،و الإبل تشدّدت بطونها.

و وادي الحجارة:بلدة بثغور الأندلس.(2:4)

نحوه مجمع اللّغة(1:238)،و محمّد إسماعيل إبراهيم (1:124).

الطّريحيّ: و في الحديث:«خلق اللّه السّماوات و الأرض في ستّة أيّام،فحجرها من ثلاثمائة و ستّين»أي اقتطعها من هذا العدد.

و حجر الإنسان،بالفتح و قد يكسر:حضنه،و هو ما دون إبطه إلى الكشح.

و منه الحديث:«بينا الحسن و الحسين عليهما السّلام في حجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أي في حضنه.[الى آخره](3:259)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الحفظ بالتّحديد،أي كون الشّيء محفوظا و محدودا،و هذا المعنى يختلف مفهومه باختلاف الموارد و المصاديق و الصّيغ.

ص: 24

فمن مصاديق هذا المفهوم:الحجر بمعنى العقل،و هو الحافظ لصاحبه عن الضّلال و الضّرر،و جاعله محدودا في أفكاره و أعماله.و كذلك مفهوم القرابة لأنّهم يحفظونه و يحيطون به.و كذا الحجرة فإنّها«فعلة»و بها يحفظ ساكنها و يكون محدودا.

و أمّا الحجر:فهو لصلابته طبعا محفوظ و محدود، و يشتقّ منه انتزاعا التّحجير و الاستحجار و غيرهما،أو أنّهما من الحجر بمعنى الحفظ و الحدّ.

و أمّا المحجوريّة:فكأنّه يكون محدودا في تصرّفاته و محفوظا.

و أمّا حجر الإنسان بمعنى الكنف و الحماية،فواضح.

و كذلك الحجر بمعنى الحطيم للكعبة،لكونها في حفظ الكعبة و حدّها و كنفها.

و أمّا الحرام:فباعتبار كونه محفوظا و محدودا لا يجوز فعله.(2:182)

النّصوص التّفسيريّة

الحجرات

إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ. الحجرات:4

الفرّاء: وجه الكلام أن تضمّ الحاء و الجيم،و بعض العرب يقول:الحجرات و الرّكبات.و كلّ جمع كأن يقال في ثلاثة إلى عشرة:غرف،و حجر،فإذا جمعته بالتّاء نصبت ثانيه،فالرّفع أجود من ذلك.(3:70)

مثله الطّبريّ.(6:12)

أبو عبيدة: واحدتها:حجرة.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:219)

نحوه ابن قتيبة.(415)

الزّجّاج: يقرأ بضمّ الحاء و الجيم،و (الحجرات) بفتح الجيم،و يجوز في اللّغة الحجرات،بتسكين الجيم.

و لا أعلم أحدا قرأ بالتّسكين،و قد فسّرنا هذا الجمع فيما تقدّم من الكتاب.

و واحد الحجرات:حجرة.و يجوز أن تكون الحجرات جمع حجر و حجرات،و الأجود أن تكون الحجرات جمع حجرة،و أنّ الفتح جاز بدلا من الضّمّة لثقل الضّمّتين.(5:33)

الطّوسيّ: و هي جمع حجرة،و كلّ«فعلة»بضمّ الفاء يجمع بالألف و التّاء،لأنّه ليس بجمع سلامة محضة؛ إذ ما يعقل من الذّكر ألحق به،لأنّه أشرف المعنيين،فهو أحقّ بالتّفصيل.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ أبو جعفر (الحجرات) بفتح الجيم.قال المبرّد:

أبدل من الضّمّة الفتحة استثقالا لتوالي الضّمّتين،و منهم من أسكن مثل عضد و عضد.(9:342)

البغويّ: قرأ العامّة بضمّ الجيم،و قرأ أبو جعفر بفتح الجيم،و هما لغتان،و هي جمع الحجر،و الحجر:جمع الحجرة،فهي جمع الجمع.(4:255)

نحوه ابن عطيّة.(5:146)

الزّمخشريّ: الحجرة:الرّقعة من الأرض المحجورة بحائط يحوّط عليها،و حظيرة الإبل تسمّى الحجرة، و هي«فعلة»بمعنى مفعولة كالغرفة و القبضة؛و جمعها:

الحجرات بضمّتين،و الحجرات بفتح الجيم و الحجرات

ص: 25

بتسكينها،و قرئ بهنّ جميعا.و المراد حجرات نساء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و كانت لكلّ واحدة منهنّ حجرة.

(3:558)

مثله البيضاويّ(2:407)،و نحوه النّسفيّ(4:

167)،و القرطبيّ(16:310)،و أبو حيّان(8:108)، و السّمين(6:169)،و البروسويّ(9:67)،و القاسميّ (15:5444)،و المراغيّ(26:123).

الطّبرسيّ: و من قرأ (الحجرات) أبدل من الضّمّة فتحة استثقالا لتوالي الضّمّتين،و منهم من أسكن فقال:

(الحجرات)مثل عضد و عضد.و قال أبو عبيدة:

(حجرات)جمع حجر،فهو جمع الجمع.(5:129)

ابن الجوزيّ: فأمّا (الحجرات) فقرأ أبيّ بن كعب، و عائشة،و أبو عبد الرّحمن السّلميّ،و مجاهد، و أبو العالية،و ابن يعمر،و أبو جعفر،و شيبة:بفتح الجيم، و أسكنها أبو رزين،و سعيد بن المسيّب،و ابن أبي عبلة، و ضمّها الباقون.[ثمّ نقل قولي الفرّاء و ابن قتيبة]

(7:460)

النّيسابوريّ: البقعة الّتي يحجرها المرء لنفسه كيلا يشاركه فيها غيره،من الحجر:و هو المنع«فعلة»بمعنى مفعولة،و جمعت لأنّ كلاّ من أمّهات المؤمنين لها حجرة.

(26:58)

نحوه الشّربينيّ.(4:62)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و في جمعها هنا ثلاثة أوجه؛ضمّ العين إتباعا للفاء كقراءة الجمهور،و فتحها و به قرأ أبو جعفر،و شيبة، و تسكينها للتّخفيف و به قرأ ابن أبي عبلة.

و هذه الأوجه جائزة في جمع كلّ اسم جامد جاء على هذا الوزن،و المراد حجرات نسائه عليه الصّلاة و السّلام،و كانت تسعة لكلّ منهنّ حجرة.[إلى أن قال:]

و في ذكر(الحجرات)كناية عن خلوته عليه السّلام بنسائه، لأنّها معدّة لها،و لم يقل:حجرات نسائك و لا حجراتك، توقيرا له صلّى اللّه عليه و سلّم و تحاشيا عمّا يوحشه عليه الصّلاة و السّلام.

(26:139)

عزّة دروزة :جمع حجرة،و هي الغرفة،و المقصود هنا مساكن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم الّتي كانت في جانب مسجده.

(10:119)

نحوه مغنيّة.(7:108)

المصطفويّ: إشارة إلى كونها محدودة و محفوظة لا بدّ أن تحفظ،و لا يتجاوز عنها مع أنّهم ينادونك من ورائها.(2:183)

حجوركم

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ...

وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ... النّساء:23

ابن عبّاس: ربيبتكم في بيوتكم.(68)

مثله أبو عبيدة.(1:121)

الزّمخشريّ: ما فائدة قوله:(فى حجوركم)؟

قلت:فائدته التّعليل للتّحريم و أنّهنّ لاحتضانكم لهنّ أو لكونهنّ بصدد احتضانكم،و في حكم التّقلّب في حجوركم إذا دخلتم بأمّهاتهنّ،و تمكّن بدخولكم حكم الزّواج و ثبتت الخلطة و الألفة،و جعل اللّه بينكم المودّة

ص: 26

و الرّحمة،و كانت الحال خليقة بأن تجروا أولادهنّ مجرى أولادكم،كأنّكم في العقد على بناتهنّ عاقدون على بناتكم.و عن عليّ رضي اللّه عنه:أنّه شرط ذلك في التّحريم،و به أخذ داود.(1:517)

ابن عطيّة: ذكر الأغلب في هذه الأمور؛إذ هي حالة الرّبيبة في الأكثر،و هي محرمة و إن كانت في غير الحجر،لأنّها في حكم أنّها في الحجر،إلاّ ما روي عن عليّ أنّه قال:تحلّ إذا لم تكن في الحجر و إن دخل بالأمّ، إذا كانت بعيدة عنه.و يقال:حجر بكسر الحاء و فتحها، و هو مقدّم ثوب الإنسان و ما بين يديه منه في حالة اللّبس،ثمّ استعملت اللّفظة في الحفظ و السّتر،لأنّ اللاّبس إنّما تحفّظ طفلا و ما أشبهه بذلك الموضع من الثّوب.(2:32)

الطّبرسيّ: و هو جمع حجر الإنسان،و المعنى في ضمانكم و تربيتكم.و يقال:فلان في حجر فلان أي في تربيته.و لا خلاف بين العلماء أنّ كونهنّ في حجره ليس بشرط في التّحريم،و إنّما ذكر ذلك لأنّ الغالب أنّها تكون كذلك،و هذا يقتضي تحريم بنت المرأة من غير زوجها على زوجها،و تحريم بنت ابنها و بنت بنتها قربت أم بعدت،لوقوع اسم الرّبيبة عليهنّ.(2:29)

الفخر الرّازيّ: أي في تربيتكم،يقال:فلان في حجر فلان،إذا كان في تربيته،و السّبب في هذه الاستعارة أنّ كلّ من ربّى طفلا أجلسه في حجره،فصار الحجر عبارة عن الرّبيبة،كما يقال:فلان في حضانة فلان،و أصله من الحضن الّذي هو الإبط.(10:33)

مثله البروسويّ.(2:187)

البيضاويّ: فائدة قوله:(في حجوركم)تقوية العلّة و تكميلها.و المعنى أنّ الرّبائب إذا دخلتم بأمّهاتهنّ و هي في احتضانكم،أو بصدده قوى الشّبه بينها و بين أولادكم،و صارت أحقّاء بأن تجروها مجراهم لا تقييد الحرمة،و إليه ذهب جمهور العلماء.و قد روي عن عليّ رضي اللّه تعالى عنه:أنّه جعله شرطا،و الأمّهات و الرّبائب يتناولون القريبة و البعيدة.(1:212)

النّسفيّ: ذكر الحجر على غلبة الحال دون الشّرط،و فائدته التّعليل للتّحريم،و أنّهنّ لاحتضانكم لهنّ أو لكونهنّ بصدد احتضانكم كأنّكم في العقد على بناتهنّ عاقدون على بناتكم.(1:218)

و فيه أمور أخرى راجع«ر ب ب»(ربائبكم).

حجر

هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ. الفجر:5

ابن عبّاس: لذي عقل.(510)

مثله مجاهد(الطّبريّ 30:174)،و أبو عبيدة (2:297)،و القمّيّ(2:419)،و أبو حيّان(8:466)، و السّمين(6:518).

و هذا المعنى مرويّ عن الباقر عليه السّلام(الكاشانيّ (5:324)،و مجمع اللّغة(1:239)،و عزّة دروزة (1:147)،و الطّباطبائيّ(2:279).

الحسن :لذي حلم.(الطّبريّ 30:174)

ابن كعب القرظيّ: لذي دين.(الماورديّ 6:267)

قتادة :لذي حجّى.(الطّبريّ 30:174)

الفرّاء: لذي عقل،لذي ستر،و كلّه يرجع إلى أمر

ص: 27

واحد من العقل،و العرب تقول:إنّه لذو حجر إذا كان قاهرا لنفسه ضابطا لها،كأنّه أخذ من قولك:حجرت على الرّجل.(3:260)

نحوه المراغيّ.(3:142)

الطّبريّ: فإنّه لذي حجّى و ذي عقل؛يقال للرّجل إذا كان مالكا نفسه قاهرا لها ضابطا:إنّه لذو حجر،و منه قولهم:حجر الحاكم على فلان.(30:173)

الزّجّاج: أي لذي عقل و لبّ.(5:321)

مثله الواحديّ(4:481)،و الطّبرسيّ(5:485)، و سيّد قطب(6:3903).

الماورديّ: و في«ذي الحجر»لأهل التّأويل خمسة أقاويل.[ثمّ ذكر أقوال المفسّرين و أضاف:]

و الحجر:المنع،و منه اشتقّ اسم الحجر لامتناعه بصلابته،و لذلك سمّيت الحجرة لامتناع ما فيها بها،و منه سمّي حجر المولّى عليه،لما فيه من منعه عن التّصرّف، فجاز أن يحمل معناه على كلّ واحد من هذه التّأويلات لما يضمنه من المنع.(6:267)

نحوه القرطبيّ.(20:43)

الطّوسيّ: أي لذي عقل-في قول ابن عبّاس و مجاهد و قتادة و الحسن-و قيل:العقل:الحجر،لأنّه يعقل عن المقبّحات و يزجر عن فعلها،يقال:حجر يحجر حجرا،إذا منع من الشّيء بالتّضييق،و منه حجر الرّجل يحجر على ما فيه،و منه الحجر لامتناعه بصلابته.

(10:342)

نحوه البغويّ.(5:248)

الزّمخشريّ: الحجر:العقل،لأنّه يحجر عن التّهافت فيما لا ينبغي،كما سمّي عقلا و نهية،لأنّه يعقل و ينهى،و حصاة من الإحصاء،و هو الضّبط.[ثمّ نقل قول الفرّاء](4:249)

نحوه الفخر الرّازيّ(31:165)،و البيضاويّ(2:

557)،و النّسفيّ(4:354)،و النّيسابوريّ(30:90)، و الخازن(7:201)،و الشّربينيّ(4:530)، و أبو السّعود(6:424)،و البروسويّ(10:422)، و شبّر(6:406)،و الآلوسيّ(30:122)،و القاسميّ (17:6146)،و مغنيّة(7:560)،و عبد الكريم الخطيب(15:1550).

ابن كثير :و إنّما سمّي العقل:حجرا لأنّه يمنع الإنسان من تعاطي ما لا يليق به من الأفعال و الأقوال، و منه:حجر البيت لأنّه يمنع الطّائف من اللّصوق بجداره الشّاميّ،و منه حجر اليمامة،و حجر الحاكم على فلان، إذا منعه التّصرّف.(7:284)

الحجر

وَ لَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ. الحجر:80

ابن عبّاس: قوم صالح.(220)

قتادة :أصحاب الوادي.(الطّبريّ 14:49)

إنّ الحجر اسم لواد كان يسكنها هؤلاء.

(الطّبرسيّ 3:343)

نحوه الفخر الرّازيّ.(19:205)

و هي ما بين مكّة و تبوك،و هو الوادي الّذي فيه ثمود.

(القرطبيّ 10:46)

الزّهريّ: إنّها مدينة ثمود.(الماورديّ 3:169)

ص: 28

مثله الطّبريّ.(14:49)

الطّبريّ: إنّ الحجر أرض بين الحجاز و الشّام.

(الماورديّ 3:169)

الطّوسيّ: إخبار منه تعالى أنّ أصحاب الحجر، و هي مدينة في قول ابن شهاب،و سمّوا أصحاب الحجر لأنّهم كانوا سكّانه،كما تقول:أصحاب الصّحراء.

(6:351)

نحوه الطّبرسيّ.(3:343)

الزّمخشريّ: ثمود،و الحجر واديهم،و هو بين المدينة و الشّام.(2:396)

نحوه ابن عطيّة(3:372)،و البيضاويّ(1:545)، و الشّربينيّ(2:210)،و الآلوسيّ(14:75).

القرطبيّ: الحجر ينطلق على معان:منها:حجر الكعبة،و منها:الحرام،قال اللّه تعالى: وَ حِجْراً مَحْجُوراً أي حراما محرّما.و الحجر:العقل،قال اللّه تعالى: لِذِي حِجْرٍ. و الحجر:حجر القميص،و الفتح أفصح.و الحجر:الفرس الأنثى.و الحجر:ديار ثمود، و هو المراد هنا،أي المدينة،قاله الأزهريّ.(10:45)

البروسويّ: الحجر بكسر الحاء:اسم لأرض ثمود قوم صالح عليه السّلام بين المدينة و الشّام،عند وادي القرى كانوا يسكنونها و كانوا عربا،و كان صالح عليه السّلام من أفضلهم نسبا،فبعثه اللّه إليهم رسولا و هو شابّ، فدعاهم حتّى شمط،و لم يتّبعه إلاّ قليل مستضعفون.

(4:482)

ابن عاشور :جمعت قصص هؤلاء الأمم الثّلاث:

قوم لوط،و أصحاب الأيكة،و أصحاب الحجر في نسق، لتماثل حال العذاب الّذي سلّط عليها و هو عذاب الصّيحة و الرّجفة و الصّاعقة.

و أصحاب الحجر هم ثمود كانوا ينزلون الحجر -بكسر الحاء و سكون الجيم-و الحجر:المكان المحجور، أي الممنوع من النّاس بسبب اختصاص به،أو اشتقّ من الحجارة،لأنّهم كانوا ينحتون بيوتهم في صخر الجبل نحتا محكما.و قد جعلت طبقات،و في وسطها بئر عظيمة و بئار كثيرة.

و الحجر هو المعروف بوادي القرى،و هو بين المدينة و الشّام،و هو المعروف اليوم باسم مدائن صالح،على الطّريق من خيبر إلى تبوك.

و أمّا حجر اليمامة مدينة بني حنيفة فهي بفتح الحاء، و هي في بلاد نجد،و تسمّى العروض،و هي اليوم من بلاد البحرين.(13:58)

مغنيّة: أصحاب الحجر هم ثمود،و نبيّهم صالح صاحب النّاقة،و الحجر اسم المكان الّذي كانوا فيه.

(4:487)

نحوه الطّباطبائيّ.(12:185)

مكارم الشّيرازيّ: أمّا أصحاب الحجر فهم قوم عصاة عاشوا مرفّهين في بلدة تدعى(الحجر)و قد بعث اللّه إليهم نبيّه صالح عليه السّلام لهدايتهم.

و يقول القرآن الكريم عنهم: وَ لَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ!

يذكر بعض المفسّرين و المؤرّخين:أنّها كانت على طريق القوافل بين المدينة و الشّام،في منزل يسمّى «وادي القرى»في جنوب«تيماء»و لا أثر لها اليوم تقريبا.

ص: 29

و يذكرون أنّها كانت إحدى المدن التّجاريّة في الجزيرة العربيّة،و لها من الأهمّيّة بحيث ذكرها بطليموس في مذكّراته،لكونها إحدى المدن التّجاريّة.

و كذلك ذكرها العالم الجغرافيّ بلين،باسم«الحجرى».

(8:93)

فضل اللّه :[نحو مغنيّة و أضاف:]

و قيل أيضا:إنّه يطلق على كلّ مكان أحيط بالحجارة.(13:172)

حجرا محجورا

1- يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً. الفرقان:22

ابن عبّاس: حراما محرّما البشرى بالجنّة على الكافرين.و يقال:و يقولون:يعني الكفّار عند رؤية الملائكة حِجْراً مَحْجُوراً بعدا بعيدا،بيننا و بينكم.

(302)

نحوه الضحّاك(الطّبريّ 19:2)،و أبو عبيدة(2:

73)،:و الزّجّاج(4:63).

أبو سعيد الخدريّ: حراما محرّما أن تكون لكم البشرى يومئذ.

مثله الضّحّاك و قتادة.(الماورديّ 4:140)

نحوه مقاتل.(3:231)

و ابن عطيّة(4:206)

مجاهد :عوذا يستعيذون به من الملائكة.

(الطّبريّ 19:3)

معاذ اللّه أن تكون لكم البشرى يومئذ.

(الماورديّ 4:140)

عكرمة :منعنا أن نصل إلى شيء من الخير.

(الماورديّ 4:140)

الحسن :إنّ الكفّار يوم القيامة إذا شاهدوا ما يخافونه فيتعوّذون منه وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً فتقول الملائكة:لا يعاذ من شرّ هذا اليوم.

مثله القفّال و الواحديّ.(الفخر الرّازيّ 24:71)

قتادة :هي كلمة كانت العرب تقولها،كان الرّجل إذا نزل به شدّة قال:حجرا؛يقول:حراما محرّما.

(الطّبريّ 19:2)

الكلبيّ: الملائكة على أبواب الجنّة يبشّرون المؤمنين بالجنّة،و يقولون للمشركين: حِجْراً مَحْجُوراً.

(الفخر الرّازيّ 24:71)

ابن جريج: كانت العرب إذا نزلت بهم شدّة و رأوا ما يكرهون،قالوا: حِجْراً مَحْجُوراً فهم يقولونه إذا عاينوا الملائكة.(البغويّ 3:441)

الفرّاء: حراما محرّما أن يكون لهم البشرى.

و الحجر:الحرام،كما تقول:حجر التّاجر على غلامه، و حجر على أهله.[ثمّ استشهد بشعر](2:266)

الطّبريّ: يعني أنّ الملائكة يقولون للمجرمين:

حِجْراً مَحْجُوراً حراما محرّما عليكم اليوم البشرى، أن تكون لكم من اللّه.[إلى أن قال:]

و اختلف أهل التّأويل في المخبر عنهم بقوله:

وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً و من قائلوه؟فقال بعضهم:قائلو ذلك الملائكة للمجرمين...

ص: 30

و قال آخرون:ذلك خبر من اللّه عن قيل المشركين إذا عاينوا الملائكة...

و إنّما اخترنا القول الّذي اخترنا في تأويل ذلك،من أجل أنّ«الحجر»هو الحرام،فمعلوم أنّ الملائكة هي الّتي تخبر أهل الكفر أنّ البشرى عليهم حرام.و أمّا الاستعاذة فإنّها الاستجارة،و ليست بتحريم،و معلوم أنّ الكفّار لا يقولون للملائكة:حرام عليكم،فيوجّه الكلام إلى أنّ ذلك خبر عن قيل المجرمين للملائكة.(19:2)

نحوه ابن كثير.(5:143)

القشيريّ: أي حراما ممنوعا،يعني رؤية اللّه عنهم، فهذا يعود إلى ما جرى ذكره،و حمله على ذلك أولى من حمله على الجنّة،و لم يجر لها هنا ذكر.(4:304)

الزّمخشريّ: [نقل كلام سيبويه المتقدّم في اللّغة ثمّ قال:]

و هي من حجره إذا منعه،لأنّ المستعيذ طالب من اللّه أن يمنع المكروه فلا يلحقه،فكان المعنى:أسأل اللّه أن يمنع ذلك منعا و يحجره حجرا،و مجيؤه على«فعل»أو فعل»في قراءة الحسن تصرّف فيه لاختصاصه بموضع واحد،كما كان قعدك و عمرك كذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

فإن قلت:فإذا قد ثبت أنّه من باب المصادر،فما معنى وصفه ب(محجورا)؟

قلت:جاءت هذه الصّفة لتأكيد معنى«الحجر»كما قالوا:ذيل ذائل،و الذّيل:الهوان،و موت مائت.

و المعنى في الآية:أنّهم يطلبون نزول الملائكة و يقترحونه،و هم إذا رأوهم عند الموت أو يوم القيامة كرهوا لقاءهم و فزعوا منهم،لأنّهم لا يلقونهم إلاّ بما يكرهون،و قالوا عند رؤيتهم ما كانوا يقولونه عند لقاء العدوّ الموتور و شدّة النّازلة.

و قيل:هو من قول الملائكة،و معناه حراما محرّما عليكم الغفران و الجنّة و البشرى،أي جعل اللّه ذلك حراما عليكم.(3:88)

الفارسيّ: ممّا كانت العرب تستعمله ثمّ ترك قولهم:

حِجْراً مَحْجُوراً .و هذا كان عندهم لمعنيين؛

أحدهما:أن يقال عند الحرمان إذا سئل الإنسان، فقال ذلك،علم السّائل أنّه يريد أن يحرمه.[ثمّ استشهد بشعر]

و المعنى الآخر:الاستعاذة،كان الإنسان إذا سافر فرأى ما يخاف،قال:(حجرا محجورا)أي حرام عليك التّعرّض لي.(الآلوسيّ 19:6)

الفخر الرّازيّ: [حكى قول سيبويه،ثمّ قال:]

اختلفوا في أنّ الّذين يقولون: حِجْراً مَحْجُوراً من هم؟على ثلاثة أقوال:

القول الأوّل:أنّهم هم الكفّار،و ذلك لأنّهم كانوا يطلبون نزول الملائكة و يقترحونه،ثمّ إذا رأوهم عند الموت و يوم القيامة كرهوا لقاءهم و فزعوا منهم،لأنّهم لا يلقونهم إلاّ بما يكرهون،فقالوا عند رؤيتهم ما كانوا يقولونه عند لقاء العدوّ و نزول الشّدّة.

القول الثّاني:أنّ القائلين هم الملائكة،و معناه حراما محرّما عليكم الغفران و الجنّة و البشرى،أي جعل اللّه ذلك حراما عليكم.ثمّ اختلفوا على هذا القول،فقال بعضهم:إنّ الكفّار إذا خرجوا من قبورهم،قالت الحفظة لهم: حِجْراً مَحْجُوراً. [ثمّ نقل قول الكلبيّ و العوفيّ]

ص: 31

و القول الثّالث:و هو قول القفّال:و الواحديّ[و قد تقدّم](24:71)

نحوه الخازن.(5:80)

القرطبيّ: و قيل:هو قول الكفّار للملائكة.و هي كلمة استعاذة و كانت معروفة في الجاهليّة،فكان إذا لقي الرّجل من يخافه قال: حِجْراً مَحْجُوراً أي حراما عليك التّعرّض لي.و انتصابه على معنى:حجرت عليك، أو حجر اللّه عليك-كما تقول:سقيا و رعيا-أي إنّ المجرمين إذا رأوا الملائكة يلقونهم في النّار قالوا:نعوذ باللّه منكم.ذكره القشيريّ،و حكى معناه المهدويّ عن مجاهد.

و قيل:(حجرا)من قول المجرمين،(محجورا)من قول الملائكة،أي قالوا للملائكة:نعوذ باللّه منكم أن تتعرّضوا لنا،فتقول الملائكة:(محجورا)أن تعاذوا من شرّ هذا اليوم،قاله الحسن.(13:21)

البيضاويّ: عطف على المدلول،أي و يقول الكفرة حينئذ هذه الكلمة استعاذة و طلبا من اللّه تعالى أن يمنع لقاءهم،و هي ما كانوا يقولون عند لقاء عدوّ أو هجوم مكروه،أو تقولها الملائكة بمعنى حراما محرّما عليكم الجنّة أو البشرى.

و قرئ (حجرا) بالضّمّ،و أصله الفتح غير أنّه لمّا اختصّ بموضع مخصوص غيّر كقدّك و عمرك،و لذلك لا يتصرّف فيه و لا يظهر ناصبه،و وصفه ب(محجورا) للتّأكيد،كقولهم:موت مائت.(2:142)

نحوه أبو حيّان(6:492)،و الشّربينيّ(2:656)، و الكاشانيّ(4:9)،و شبّر(4:353)،و القاسميّ(12:

4573)،و عزّة دروزة(2:257).

النّسفيّ: حراما محرّما عليكم البشرى،أي جعل اللّه ذلك حراما عليكم،إنّما البشرى للمؤمنين.و الحجر:

مصدر،و الكسر و الفتح لغتان،و قرئ بهما،و هو من حجره إذا منعه،و هو من المصادر المنصوبة بأفعال متروك إظهارها،و(محجورا)لتأكيد معنى الحجر،كما قالوا:موت مائت.(3:163)

النّيسابوريّ: حِجْراً مَحْجُوراً فإنّها كلمة يتلفّظ بها عند لقاء عدوّ أو هجوم نازلة،يضعونها موضع الاستعاذة،يقول الرّجل للرّجل:تفعل كذا،فيقول:

حجرا.[ثمّ نقل قول سيبويه]

و الأكثرون على أنّ القائلين هم الكفّار،إذا رأوا الملائكة عند الموت أو يوم القيامة كرهوا لقاءهم و فزعوا منهم،لأنّهم لا يلقونهم إلاّ بما يكرهون،فيقولون ما كانوا يقولونه عند نزول كلّ شدّة.

و قيل:هم الملائكة،و معناه حراما محرّما،أي جعل اللّه الجنّة و الغفران أو البشرى حراما عليكم.(19:7)

السّمين:و هي من حجره إذا منعه،لأنّ المستعيذ طالب من اللّه أن يمنع المكروه لا يلحقه،و كأنّ المعنى أسأل اللّه أن يمنعه منعا و يحجره حجرا.[ثمّ أدام نحو الزّمخشريّ](5:250)

أبو السّعود :[نحو البيضاويّ و أضاف:]

و المعنى أنّهم يطلبون نزول الملائكة عليهم و يقترحونه،و هم إذا رأوهم كرهوا لقاءهم أشدّ كراهة، و فزعوا منهم فزعا شديدا،و قالوا ما كانوا يقولونه عند نزول خطب شنيع،و حلول بأس شديد فظيع.

ص: 32

و(محجورا)صفة ل(حجرا)و إرادة للتّأكيد،كما قالوا:

ذيل ذائل و ليل أليل.

و قيل:يقولها الملائكة إقناطا للكفرة.بمعنى حراما محرّما عليكم الغفران أو الجنّة أو البشرى،أي جعل اللّه تعالى ذلك حراما عليكم،و ليس بواضح.(5:5)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و يقال:إنّ قريشا كانوا إذا استقبلهم أحد يقولون:

حاجورا حاجورا حتّى يعرف أنّهم من الحرم فيكفّ عنهم،فأخبر تعالى أنّهم يقولون ذلك يوم القيامة فلا ينفعهم.(6:201)

الآلوسيّ: و هي كلمة تقولها العرب عند لقاء عدوّ موتور و هجوم نازلة هائلة،يضعونها موضع الاستعاذة؛ حيث يطلبون من اللّه تعالى أن يمنع المكروه فلا يلحقهم، فكأنّ المعنى نسأل اللّه تعالى أن يمنع ذلك منعا و يحجره حجرا.[ثمّ نقل الأقوال](19:6)

نحوه المراغيّ.(19:4)

مجمع اللّغة :كان الرّجل في الجاهليّة يلقى الرّجل يخافه في الشّهر الحرام،فيقول: حِجْراً مَحْجُوراً أي حراما محرّما عليك في هذا الشّهر.فلا يبدءوا منه شرّ.فإذا كان يوم القيامة رأى المشركون ملائكة العذاب،فقالوا:

حِجْراً مَحْجُوراً و ظنّوا أنّ ذلك ينفعهم كفعلهم في الدّنيا.و يكون هذا القول من المشركين المجرمين.

أو أنّ الملائكة تقول للمجرمين:(حجرا محجورا)أي حراما محرّمة عليكم البشرى أيّها المجرمون فلا تبشّرون بخير.(1:239)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(10:6)

المصطفويّ: [ذكر الآيتين ثمّ قال:](الحجر)صفة كالملح بمعنى الحافظ المانع،أي ما يكون حافظا لعوائده و خيراته،و مانعا عن مضارّه و جاعله محدودا محفوظا.

و المحجور هو المحفوظ المحدود.

و التّقدير في الآيتين (1):كن ممنوعا محدودا و حافظا محفوظا،لا يصل منك ضرر و شرّ إلينا.أو اجعل بيننا و بينه حجرا محجورا،كما في الآية الثّانية،و الآية وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً النّمل:61،فإنّ «الحجز»كما يأتي قريب من معنى«الحجر».(2:183)

2- ..وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَ جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَ حِجْراً مَحْجُوراً. الفرقان:53

ابن عبّاس: حراما محرّما من أن يغيّر أحدهما طعم صاحبه.(304)

نحوه القمّيّ.(2:115)

الفرّاء: حراما محرّما أن يغلب أحدهما صاحبه.

(2:270)

الطّبريّ: يقول:و جعل كلّ واحد منهما حراما محرّما على صاحبه أن يغيّره و يفسده.(19:24)

الطّوسيّ: و معناه يمنع أن يفسد أحدهما الآخر.

(7:498)

الواحديّ: حراما محرّما أن يفسد الملح العذب.

(3:343)

نحوه القرطبيّ(13:59)،و المراغيّ(19:22)، و مغنيّة(5:473)،و الطّباطبائيّ(15:229).3.

ص: 33


1- الفرقان:22،53.

البغويّ: أي:سترا ممنوعا فلا يبغيان،فلا يفسد الملح العذب.(3:452)

مثله الخازن(10:87)،و نحوه عزّة دروزة(2:270).

ابن عطيّة: البرزخ و الحجر:هو حاجز في علم اللّه لا يراه البشر.(4:214)

الزّمخشريّ: فإن قلت: وَ حِجْراً مَحْجُوراً ما معناه؟

قلت:هي الكلمة الّتي يقولها المتعوّذ و قد فسّرناها، و هي هاهنا واقعة على سبيل المجاز،كأنّ كلّ واحد من البحرين يتعوّذ من صاحبه،و يقول له: حِجْراً مَحْجُوراً كما قال: لا يَبْغِيانِ أي لا يبغي أحدهما على صاحبه بالممازجة،فانتفاء البغي ثمّة كالتّعوّذ هاهنا، جعل كلّ واحد منهما في صورة الباغي على صاحبه فهو يتعوّذ منه،و هي من أحسن الاستعارات و أشهدها على البلاغة.(3:96)

نحوه الفخر الرّازيّ(24:100)،و النّيسابوريّ (19:28)،و أبو حيّان(6:507)،و الشّربينيّ(2:

667)،و البروسويّ(6:228).

البيضاويّ: وَ حِجْراً مَحْجُوراً و تنافرا بليغا، كأنّ كلاّ منهما يقول للآخر ما يقوله المتعوّذ للمتعوّذ عنه.

و قيل:حدّا محدودا،و ذلك كدجلة تدخل البحر فتشقّه، فتجري في خلاله فراسخ لا يتغيّر طعمها.(2:148)

نحوه الكاشانيّ(4:19)،و شبّر(4:364).

النّسفيّ: وَ حِجْراً مَحْجُوراً و سترا ممنوعا عن الأعين،كقوله: حِجاباً مَسْتُوراً الإسراء:45.

(3:171)

الآلوسيّ: أي و تنافرا مفرطا كأنّ كلاّ منهما يتعوّذ من الآخر بتلك المقالة.[إلى أن قال:]

و الظّاهر أنّ(حجرا)عطف على(برزخا)أي و جعل بينهما هذه الكلمة،و المراد بذلك ما سمعت آنفا،و هو من أبلغ الكلام و أعذبه.و قيل:هو منصوب بقول مقدّر،أي و يقولان:(حجرا محجورا)...(19:34)

القاسميّ: أي منعا من وصول أثر أحدهما إلى الآخر،و امتزاجه به،حتّى بعد دخول أحدهما في الآخر مسافة.(12:4583)

سيّد قطب :و هو الّذي ترك البحرين-الفرات العذب و الملح المرّ-يجريان و يلتقيان،فلا يختلطان و لا يمتزجان،إنّما يكون بينهما برزخ و حاجز من طبيعتهما الّتي فطرها اللّه.فمجاري الأنهار غالبا أعلى من سطح البحر،و من ثمّ فالنّهر العذب هو الّذي يصبّ في البحر الملح،و لا يقع العكس إلاّ شذوذا.

و بهذا التّقدير الدّقيق لا يطغى البحر-و هو أضخم و أغزر-على النّهر الّذي منه الحياة للنّاس و الأنعام و النّبات،و لا يكون هذا التّقدير مصادفة عابرة و هو يطّرد هذا الاطّراد.إنّما يتمّ بإرادة الخالق الّذي أنشأ هذا الكون،لغاية تحقّقها نواميسه في دقّة و إحكام.

(5:2572)

مجمع اللّغة :أي حاجزا و مانعا ممنوعا أن يجتاز.

(1:239)

عبد الكريم الخطيب :«و الحجر المحجور»:

المحتجز،المحجوز الّذي لا سبيل له إلى الخروج من هذا الحجاز.(10:42)

ص: 34

[لاحظ«ع ذ ب»]

الحجارة

فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ. البقرة:24

ابن مسعود: هي حجارة من كبريت،خلقها اللّه يوم خلق السّماوات و الأرض في السّماء الدّنيا،يعدّها للكافرين.(الطّبريّ 1:168)

ابن عبّاس: و الحجارة:حجارة الكبريت.(5)

نحوه الزّجّاج.(1:101)

الرّبيع: أصنامهم الّتي عبدوها.(ابن الجوزيّ 1:51)

ابن جريج:حجارة من كبريت أسود في النّار.

(الطّبريّ 1:169)

الفرّاء: و الحجارة وقودها:و زعموا أنّه كبريت يحمى،و أنّه أشدّ الحجارة حرّا إذا أحميت.(1:21)

نحوه ابن كثير.(1:106)

الطّبريّ: فإن قال قائل:و كيف خصّت الحجارة فقرنت بالنّاس،حتّى جعلت لنار جهنّم حطبا؟

قيل:إنّها حجارة الكبريت،و هي أشدّ الحجارة فيما بلغنا حرّا إذا أحميت.(1:168)

الماورديّ: و الحجارة:من كبريت أسود؛و فيها قولان:

أحدهما:أنّهم يعذّبون فيها بالحجارة مع النّار،الّتي وقودها النّاس،و هذا قول ابن مسعود و ابن عبّاس.

و الثّاني:أنّ الحجارة وقود النّار مع النّاس،ذكر ذلك تعظيما للنّار،كأنّها تحرق الحجارة مع إحراقها النّاس.

(1:84)

الطّوسيّ: (الحجارة)قيل:إنّها حجارة الكبريت، لأنّها أحرّ شيء إذا حميت.و روي ذلك عن ابن عبّاس و ابن مسعود.

و الظّاهر أنّ(النّاس و الحجارة):وقود النّار و حطبها،كما قال: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ الأنبياء:98،تهيّبا و تعظيما بأنّها تحرق الحجارة و النّاس.

و قيل:إنّ أجسادهم تبقى على النّار بقاء الحجارة الّتي توقدها النّار بالقدح.و قال قوم معناه:أنّهم يعذّبون بالحجارة المحماة مع النّار؛و الأوّل أقوى و أليق بالظّاهر.

(1:106)

الواحديّ: (الحجارة):جمع حجر و ليس بقياس، و لكنّهم قالوه كما قالوا:جمل و جمالة و ذكر و ذكارة؛ و القياس أحجار.

و جاء في التّفسير عن ابن عبّاس و غيره:أنّ (الحجارة)هاهنا:حجارة الكبريت،و هي أشدّ لإيقاد النّار.

و قيل:ذكر(الحجارة)دليل على عظم تلك النّار، لأنّها لا تأكل الحجارة إلاّ إذا كانت فظيعة.(1:103)

الرّاغب: قيل:هي حجارة الكبريت،و قيل:بل الحجارة بعينها،و نبّه بذلك على عظم حال تلك النّار و أنّها ممّا توقد بالنّاس و الحجارة خلاف نار الدّنيا،إذ هي لا يمكن أن توقد بالحجارة،و إن كانت بعد الإيقاد قد تؤثّر فيها.

و قيل:أراد بالحجارة:الّذين هم في صلابتهم عن قبول الحقّ كالحجارة،كمن وصفهم بقوله: فَهِيَ

ص: 35

كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً البقرة:74.(108)

الزّمخشريّ: فإن قلت:لم قرن النّاس بالحجارة و جعلت الحجارة معهم وقودا؟

قلت:لأنّهم قرنوا بها أنفسهم في الدّنيا؛حيث نحتوها أصناما و جعلوها للّه أندادا و عبدوها من دونه، قال اللّه تعالى: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ. و هذه الآية مفسّرة لما نحن فيه،فقوله: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ في معنى النّاس و الحجارة، و حَصَبُ جَهَنَّمَ في معنى وقودها.

لمّا اعتقد الكفّار في حجارتهم المعبودة من دون اللّه أنّها الشّفعاء و الشّهداء الّذين يستنفعون بهم، و يستدفعون المضارّ عن أنفسهم بمكانهم،جعلها اللّه عذابهم،فقرنهم بها محماة في نار جهنّم،إبلاغا في إيلامهم و إغراقا في تحيّرهم.و نحوه ما يفعله بالكافرين الّذين جعلوا ذهبهم و فضّتهم عدّة و ذخيرة،فشحّوا بها و منعوها من الحقوق؛حيث يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم و جنوبهم.

و قيل:هي حجارة الكبريت،و هو تخصيص بغير دليل،و ذهاب عمّا هو المعنى الصّحيح الواقع المشهود له بمعاني التّنزيل.(1:252)

نحوه الفخر الرّازيّ(2:123)،و النّيسابوريّ(1:

209)،و الشّربينيّ(1:35)،و القاسميّ(2:74).

ابن عطيّة: إنّها حجارة الكبريت،و خصّت بذلك لأنّها تزيد على جميع الأحجار بخمسة أنواع من العذاب:

سرعة الاتّقاد،و نتن الرّائحة،و كثرة الدّخان،و شدّة الالتصاق بالأبدان،و قوّة حرّها إذا حميت.(1:107) نحوه القرطبيّ.(1:235)

الطّبرسيّ: و هي جمع حجر،و قيل:إنّها حجارة الكبريت لأنّها أحرّ شيء إذا أحميت،عن ابن مسعود و ابن عبّاس.

و الظّاهر أنّ(النّاس و الحجارة)وقود النّار،أي حطبها،يريد بها أصنامهم المنحوتة من الحجارة،كقوله تعالى: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ الأنبياء:98.

و قيل:ذكر(الحجارة)دليل على عظم تلك النّار، لأنّها لا تأكل الحجارة إلاّ و هي في غاية الفظاعة و الهول.

و قيل:معناه أنّ أجسادهم تبقى على النّار بقاء الحجارة الّتي توقد بها النّار بتبقية اللّه إيّاها،و يؤيّد ذلك قوله: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ الآية،النّساء:56.

و قيل:معناه أنّهم يعذّبون بالحجارة المحميّة بالنّار.

(1:63)

نحوه الكاشانيّ.(1:88)

البيضاويّ: [نحو الواحديّ و الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:حجارة الكبريت،و هو تخصيص بغير دليل و إبطال للمقصود؛إذ الغرض تهويل شأنها و تفاقم لهبها، بحيث تتّقد بما لا يتّقد به غيرها،و الكبريت تتّقد به كلّ نار و إن ضعفت.

فإن صحّ هذا عن ابن عبّاس فلعلّه عنى به أنّ الأحجار كلّها لتلك النّار كحجارة الكبريت لسائر النّيران.و لمّا كانت الآية مدنيّة نزلت بعد ما نزل بمكّة قوله تعالى في سورة التّحريم:6 ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ و سمعوه،صحّ تعريف النّار و وقوع الجملة

ص: 36

صلة،فإنّها يجب أن تكون قصّة معلومة.(1:36)

النّسفيّ: و هي حجارة الكبريت،فهي أشدّ توقّدا و أبطأ خمودا و أنتن رائحة و ألصق بالبدن،أو الأصنام المعبودة فهي أشدّ تحسيرا.و إنّما قرن النّاس بالحجارة، لأنّهم قرنوا بها أنفسهم في الدّنيا؛حيث عبدوها و جعلوها للّه أندادا.(1:32)

نحوه الخازن(1:34)،و البروسويّ(1:80)، و شبّر(1:78).

أبو حيّان :[ذكر بعض الأقوال المتقدّمة و أضاف:]

و قيل:هو الكبريت الأسود،أو حجارة مخصوصة أعدّت لجهنّم إذا اتّقدت لا ينقطع وقودها.

و قيل:إنّ أهل النّار إذا عيل صبرهم بكوا و شكوا، فينشئ اللّه سحابة سوداء مظلمة فيرجون الفرج، و يرفعون رءوسهم إليها،فتمطر عليهم حجارة عظاما كحجارة الرّحى،فتزداد النّار إيقادا و التهابا.

أو(الحجارة)ما اكتنزوه من الذّهب و الفضّة تقذف معهم في النّار و يكوون بها،و على هذه الأقوال،لا تكون الألف و اللاّم في الحجارة للعموم بل لتعريف الجنس.

و ذهب بعض أهل العلم إلى أنّها تجوز أن تكون لاستغراق الجنس،و يكون المعنى أنّ النّار الّتي وعدوا بها صالحة لأن تحرق ما ألقي فيها من هذين الجنسين،فعبّر عن صلاحيّتها و استعدادها بالأمر المحقّق.و إنّما ذكر (النّاس و الحجارة)تعظيما لشأن جهنّم،و تنبيها على شدّة وقودها،ليقع ذلك من النّفوس أعظم موقع، و يحصل به من التّخويف ما لا يحصل بغيره،و ليس المراد الحقيقة.

و ما ذهب إليه هذا الذّاهب من أنّ هذا الوصف هو بالصّلاحيّة لا بالفعل،غير ظاهر،بل الظّاهر أنّ هذا الوصف واقع لا محالة بالفعل،و لذلك تكرّر الوصف بذلك.و ليس في ذلك أيضا ما يدلّ على أنّها ليس فيها غير(النّاس و الحجارة)بدليل ما ذكر في غير موضع،من كون الجنّ و الشّياطين فيها.(1:108)

أبو السّعود :فأشير هاهنا إلى ما سمعوه أوّلا [التّحريم:6]،و كون سورة التّحريم مدنيّة لا يستلزم كون جميع آياتها كذلك،كما هو المشهور.و أمّا أنّ الصّفة أيضا يجب أن تكون معلومة الانتساب إلى الموصوف عند المخاطب فالخطب فيه هيّن،لما أنّ المخاطب هناك المؤمنون،و ظاهر أنّهم سمعوا ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

و المراد ب(الحجارة):الأصنام،و ب(النّاس)أنفسهم، حسبما ورد في قوله تعالى: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ الأنبياء:98.(1:92)

الآلوسيّ: (و الحجارة)كحجار جمع كثرة ل«حجر»،و جمع القلّة:أحجار.و جمع«فعل»-بفتحتين -على«فعال»شاذّ.و ابن مالك في«التّسهيل»يقول:إنّه اسم جمع لغلبة وزنه في المفردات،و هو الظّاهر.

و المراد بها-على ما صحّ عن ابن عبّاس و ابن مسعود رضي اللّه تعالى عنهما و لمثل ذلك حكم الرّفع-حجارة الكبريت،و فيها من شدّة الحرّ و كثرة الالتهاب و سرعة الإيقاد و مزيد الالتصاق بالأبدان،و إعداد أهل النّار أن يكونوا حطبا،مع نتن ريح و كثرة دخان و وفور كثافة ما نعوذ منه باللّه و في ذلك تهويل لشأن النّار،و تنفير عمّا يجرّ إليها بما هو معلوم في الشّاهد...

ص: 37

و قيل:المراد بها الأصنام الّتي ينحتونها و قرنها بهم في الآخرة زيادة لتحسّرهم؛حيث بدا لهم نقيض ما كانوا يتوقّعون،و هناك يتمّ لهم نوعان من العذاب:روحانيّ و جسمانيّ،و يؤيّد هذا قوله تعالى: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ.

و حملها على الذّهب و الفضّة لأنّهما يسمّيان حجرا -كما في القاموس-دون هذين القولين،الأصحّ أوّلهما عند المحدّثين،و ثانيهما عند الزّمخشريّ؛و يشير إليه كلام الشّيخ الأكبر قدّس سرّه.

و أل فيها-على كلّ-ليست للعموم،و ذهب بعض أهل العلم إلى أنّها له،و يكون المعنى أنّ النّار الّتي وعدوا بها صالحة لأن تحرق ما ألقي فيها من هذين الجنسين؛ فعبّر عن صلاحيّتها و استعدادها بالأمر المحقّق.

(1:198)

رشيد رضا :المراد ب(الحجارة):الأصنام كما في قوله تعالى: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ و لا يسبقن إلى الفهم أنّها لا توجد إلاّ بوجود النّاس و الحجارة؛إذ يصحّ أن يكونوا وقودها بعد وجودها.(1:197)

المراغيّ: و المراد ب(الحجارة)هنا الأصنام.

(1:66)

مثله الطّباطبائيّ(1:90)،و حسنين مخلوف(1:20).

سيّد قطب :ففيم هذا الجمع بين(النّاس و الحجارة)،في هذه الصّورة المفزعة الرّعيبة؟لقد أعدّت هذه النّار للكافرين،الكافرين الّذين سبق في أوّل السّورة وصفهم بأنّهم: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ البقرة:7،و الّذين يتحدّاهم القرآن هنا فيعجزون،ثمّ لا يستجيبون.فهم إذن حجارة من الحجارة و إن تبدو في صورة آدميّة من الوجهة الشّكليّة،فهذا الجمع بين الحجارة من الحجر و الحجارة من النّاس هو الأمر المنتظر.

على أنّ ذكر(الحجارة)هنا يوحي إلى النّفس بسمة أخرى في المشهد المفزع:مشهد النّار الّتي تأكل الأحجار،و مشهد النّاس الّذين تزحمهم هذه الأحجار في النّار.(1:49)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحجر،أي الصّخرة؛ و الجمع:أحجار و حجار و حجارة،و الحجر الأسود:

حجر البيت الحرام،و أرض حجرة و حجيرة و متحجّرة:

كثيرة الحجارة،و الحجر و التّحجير:أن يجعل حول المكان حجارة،و استحجر الطّين:صار حجرا، و الحجران:الذّهب و الفضّة.يقال للرّجل إذا كثر ماله و عدده:قد انتشرت حجرته.كما يطلق على الياقوت حجر،إلاّ أنّه حجر كريم.

و الحجرة من البيوت:الغرفة،لأنّها تتّخذ من الحجارة؛و الجمع:حجرات و حجرات و حجرات و حجر.يقال:احتجرت حجرة،أي اتّخذتها، و استحجر القوم و احتجروا:اتّخذوا حجرة،و الحجار:

حائط الحجرة.

و الحجر:حجر الكعبة،كأنّه حجرة ممّا يلي المثعب من البيت،و كلّ ما حجرته من حائط فهو حجر.

ص: 38

و المحجر:ما حول القرية،لأنّه يتّخذ من الحجر، و منه محجر القيل:حوزته و ناحيته الّتي لا يدخل عليه فيها غيره.

و الحاجر:الجدر الّذي يمسك الماء بين الدّيار و من شفة الوادي و يحيط به،و هو الحاجور أيضا،لأنّه من الحجر،و أطلق على كلّ ما يمسك الماء من منبت الرّمث و العشب و مجتمعه و مستداره توسّعا؛و الجمع:حجران.

و المحجر:الحديقة،لأنّها تحاط بحجر؛و الجمع محاجر،و محجر العين:ما دار بها و بدا من البرقع من جميع العين،ثمّ أطلق على العين نفسها على التّوسّع.

و التّحجير:أن يسم حول عين البعير بميسم مستدير،تشبيها بالمحجر،يقال:حجّر عين الدّابّة و حولها،أي حلّق لداء يصيبها.

كما شبّه تحجير القمر بوسم عين البعير أيضا.يقال:

حجّر القمر،أي استدار بخطّ دقيق من غير أن يغلظ.

و الحجّورة:لعبة يلعب بها الصّبيان،يخطّون خطّا مستديرا،و يقف فيه صبيّ يحيط به الصّبيان ليأخذوه.

و حجر الإنسان و حجره:حضنه،كناية عن حصانته و مناعته،كأنّه أحيط بحجر؛و الجمع:حجور، يقال:نشأ فلان في حجر فلان و حجره،أي حفظه و ستره،و هم في حجر فلان:في كنفه و منعته و منعه، و يقال للنّخلة:إنّها لواسعة الحجر،إذا كانت كبيرة العذوق،نبيلة الجذوع.

و الحجر:الفرس الأنثى،لأنّها حجرت عن الذّكور إلاّ عن فحل كريم؛و الجمع:أحجار و حجور و حجورة، و أحجار الخيل:ما يتّخذ منها للنّسل.يقال:هذه حجر من أحجار خيلي.

و الحجرة:النّاحية،تشبيها بالحجرة؛و الجمع حجر و حجرات.يقال:قعد حجرا و حجرة،أي ناحية،و من أمثالهم:«فلان يرعى وسطا و يربض حجرة»يضرب للرّجل يكون وسط القوم إذا كانوا في خير،و إذا صاروا إلى شرّ تركهم و ربض ناحية.

و الحجر:العقل و اللّبّ،لأنّه يحجر صاحبه عن القبيح.

ثمّ أطلق الحجر و الحجر على كلّ ما يحجر و يمنع.

يقال:حجر عليه يحجر حجرا و حجرا و حجورا و حجرانا و حجرانا،أي منع منه،و حجر عليه القاضي يحجر حجرا:منعه من التّصرّف في ماله،و لا حجر عنه:

لا دفع و لا منع.

و الحجر و الحجر و الحجر و المحجر:الحرام،لأنّه منع أيضا؛إذ ينهى عنه.يقال:حجره و حجّره،أي ضيّقه،و تحجّر على ما وسّعه اللّه:حرّمه و ضيّقه.

و الحاجور:كالمحجر؛يقال:أنا منك بحاجور،أي محرّم عليك قتلي.

و الحنجرة و الحنجور:الحلقوم،و أجمع اللّغويّون قاطبة على أنّ وزنهما«فنعلة»و«فنعول»من«ح ج ر»، و لا نعلم وجه تسميتهما.

2-و الحجر:ديار ثمود عند وادي القرى من الجزيرة العربيّة.قال الإصطخريّ:رأيتها بيوتا مثل بيوت في أضعاف جبال،و تسمّى تلك الجبال:الأثالث.

و قامت بضع فرق من الأوربيّين خلال القرنين المنصرمين بالتّنقيب عن الآثار في هذه المنطقة،و لكنّ

ص: 39

جهودها باءت بالفشل.

و قال صاحب«دائرة المعارف الإسلاميّة»:يطلق البدو في الوقت الحالي اسم الحجر على واد مستو بين مبرك النّاقة(مزحم)،و بير الغنم،و هو يمتدّ عدّة أميال، و أرضه خصبة،و فيها كثير من الآبار،يضرب عندها كثير من البدو خيامهم و قطعانهم.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاءت اسم مصدر 4 مرّات،و اسم مفعول مرّتين، و علما مرّة و اسم جنس مفردا و جمعا 14 مرّة،في خمسة معان،و 18 آية:

حجر و محجور:

1- هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ الفجر:5

2- يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:22

3- وَ جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَ حِجْراً مَحْجُوراً

الفرقان:53

4- وَ قالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَ حَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاّ مَنْ نَشاءُ... الأنعام:138

الحجر:

5- وَ لَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ

الحجر:80

حجور:

6- ...وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ... النّساء:23

الحجرات:

7- إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ الحجرات:4

الحجر و الحجارة:

8- ...وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ... الأعراف:160.

9- وَ إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ... البقرة:60

10- ...جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ هود:82

11- فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ الحجر:74

12- لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ

الذّاريات:33

13- تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ الفيل:4

14- إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ... الأنفال:32

15- ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ البقرة:74

16- قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً الإسراء:50

17- ...فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ البقرة:24

18- ...قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ... التّحريم:6

و يلاحظ أنّ فيها خمسة محاور:

الأوّل:حجر بمعنى المنع،و فيه أربع آيات(1-4)

ص: 40

و كلّها مكّيّة:

الأولى:(1) هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ قالوا:

أي لذي عقل،لأنّه يمنع عن القبيح،و جاء مكانه في القرآن(اولو الالباب)16 مرّة،و أفعال من(عقل) مرّات،و جاء هنا«ذى حجر»رعاية للرّويّ قبلها:

الفجر،عشر،الوتر،يسر.

الثّانية و الثّالثة:(2 و 3) (حِجْراً مَحْجُوراً) جاء فيهما المصدر و اسم المفعول مرّتين في سورة واحدة:(الفرقان) مع تفاوت بينهما:

و هو أنّه في(3)جاء وصفا للبحر كآية من آيات اللّه في هذا العالم: وَ هُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَ جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَ حِجْراً مَحْجُوراً فذكر البحرين العذب و الملح،و أنّه جعل بينهما برزخا و حجرا محجورا،ف«حجرا»عطف على (برزخا)بيانا له،أي أنّ البرزخ حاجز بين البحرين يمنع من اختلاطهما،لاحظ«أجاج و برزخ».و(محجورا)صفة (حجر)تأكيدا له مثل«ذيل ذائل،و شعر شاعر،و موت مائت»و مساوقا للرّويّ في السّورة مثل:«كبيرا،قديرا، ظهيرا»و أكثرها راء منصوب.

و جاء في(2)حكاية عن حال الكفّار في الآخرة، و قبلها: وَ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَ عَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً و فيهما بحوث:

1-قالوا: حِجْراً مَحْجُوراً مأخوذ من قول العرب إذا نزلت بهم شدّة و رأوا ما يكرهون قالوا:

حِجْراً مَحْجُوراً تأسّفا ممّا نزل بهم،كأنّه انسدّ عليهم جميع الأبواب.و عند الرّاغب:أنّه كان عندهم لمعنيين:أحدهما:إعلان لحرمان السّائل من قبل المسئول،فإذا قاله علم السّائل أنّه يحرمه،و ثانيهما:

استعاذة ممّن يخافه إذا رآه،أي حرام عليك التّعرّض لي.

2-و هذا يجري-كما يأتي-في(2)أمّا في(3)فلا؛إذ ليس فيه إعلان بحرمان،و لا استعاذة،و لكنّ الزّمخشريّ ذكره في(3)أيضا،و قال:«و هي هاهنا واقعة على سبيل المجاز،كأنّ كلاّ من البحرين تعوّذ من صاحبه،و يقول له:

حِجْراً مَحْجُوراً كما قال: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ* بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ الرّحمن:19،20،لاحظ «ب غ ي».و هذا مع ما فيه من اللّطف يعدّ بعيدا عن سياق الآيات.

3-اختلفوا في(2)من يقول: حِجْراً مَحْجُوراً أهم الملائكة أو المجرمون،و كلاهما مذكوران في الآية؟

فعلى الأوّل يقول الملائكة للمجرمين تشديدا في الحرمان و العذاب: حِجْراً مَحْجُوراً أي البشرى حرام محرّم عليكم،أو الجنّة محرّم عليكم.و هذا ردّ على الّذين قالوا في الآية السّابقة: لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ بأنّكم ستلاقون الملائكة و هم يبشّرونكم بالعذاب.قال الكلبيّ:«الملائكة على أبواب الجنّة يبشّرون المؤمنين بالجنّة،و يقولون للمشركين:حجرا محجورا».

و على الثّاني يقول المجرمون-الّذين تمنّوا نزول الملائكة عليهم-للملائكة إذا لاقوهم و فزعوا منهم:

ما كانوا يقولونه عند لقاء العدوّ و نزول الشّدّة استعاذة منهم أو تأسّفا من لقائهم.قال أبو السّعود:«إنّهم يطلبون

ص: 41

نزول الملائكة عليهم و يقترحونه،و هم إذا رأوهم كرهوا لقاءهم أشدّ كراهة و فزعوا منهم شديدا،و قالوا:ما كانوا يقولونه عند نزول خطب شنيع و حلول بأس شديد فظيع»و قد أنكر الوجه الأوّل و قال:«ليس بواضح».

و قد رجّح الطّبريّ الأوّل بحجّة«أنّ(الحجر)هو الحرام،و معلوم أنّ الملائكة هي الّتي تخبر أهل الكفر أنّ البشرى عليهم حرام،و أمّا الاستعاذة فإنّها الاستجارة و ليست بتحريم،و معلوم أنّ الكفّار لا يقولون للملائكة:

حرام عليكم».و لكن هذا لا يوافق ما قالوا في حِجْراً مَحْجُوراً عند العرب فيستدعي فصلها عنه،مع اعتراف الجميع بأنّه مأخوذ منه.

و عندنا أنّ سياق الآيتين يناسب الثّاني،فإنّ الضّمائر فيهما-و كذا بعدهما-ترجع إلى اَلَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا في صدر الآية الأولى،فلاحظ: لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَ عَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً* يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَ يَقُولُونَ. و«المجرمون»هم المستكبرون،و جاء بدل الضّمير الاسم الظّاهر علّة للحكم،فكأنّه قال:يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ لهم و يقولون:حجرا محجورا،مع أنّ«المجرمين»أقرب إلى «يقولون»من الملائكة،فرجوع الضّمير إليهم أظهر.

إضافة إلى ما سبق من مناسبته لما أثر من العرب في قولهم: حِجْراً مَحْجُوراً دون الأوّل.

4-إنّهم اتّفقوا على أنّ حِجْراً مَحْجُوراً قول الملائكة،أو المجرمين،و اختصّ الحسن البصريّ-كما حكاه القرطبيّ-بأنّ(حجرا)من قول المجرمين، و(محجورا)من قول الملائكة،أي قالوا للملائكة:نعوذ باللّه منكم أن تتعرّضوا لنا،فتقول الملائكة:(محجورا)أن تعاذوا من شرّ هذا اليوم.فعنده أنّ الضّمير في(يقولون) يرجع إلى الفريقين،لكن مقولهم مختلف،و هذا عجيب.

5-قال القشيريّ-حسب ذوقه العرفانيّ-في حِجْراً مَحْجُوراً: «أي حراما ممنوعا يعني رؤية اللّه عنهم»،و قال:«حمله على ذلك أولى من حمله على الجنّة،و لم يجر لها هناك ذكر».فاختار رجوع الضّمير إلى الملائكة.و«البشرى»إلى رؤية اللّه.و هذا أيضا بعيد عن السّياق،فإنّ الجنّة هي مطلوب النّاس عامّة،و الرّؤية خاصّة بالمخلصين،و هم قلّة.على أنّا رجّحنا رجوعه إلى الكفّار.

6-إنّ(حجرا)عندهم-كما سبق-مصدر بمعنى حرام،و(محجورا)بمعنى محرّم.و اختصّ المصطفويّ بأنّ (حجرا)صفة كالملح بمعنى الحافظ المانع،و«المحجور»هو المحفوظ المحدود.و هو خلاف إجماع اللّغويّين و المفسّرين!!

7-أكثر من قال بأنّ حِجْراً مَحْجُوراً قول المجرمين قالوا:إنّهم يتعوّذون من الملائكة حذرا منهم،و اختصّ البيضاويّ-و تبعه السّمين و الآلوسيّ-بأنّهم يقولونه استعاذة و طلبا من اللّه أن يمنع لقاء هؤلاء الملائكة.و هو بعيد عن ما شاع عند العرب بأنّهم كانوا يتعوّذون العدوّ عند لقاءه دون اللّه.

8-كلّ من حكى قول العرب في حِجْراً مَحْجُوراً قال:إنّهم كانوا يقولونه عند لقاء العدوّ تعوّذا منه أو من اللّه،و خصّه مجمع اللّغة«بأنّ الرّجل في الجاهليّة يلقى الرّجل في الشّهر الحرام فيقول: حِجْراً مَحْجُوراً أي حراما محرّما في هذا الشّهر فلا يبدأ منه شرّ»و هذا قريب

ص: 42

ممّا قاله البروسويّ: «إنّ قريشا كانوا إذا استقبلهم أحد يقولون:«حاجورا حاجورا»حتّى يعرف أنّهم من الحرم فيكفّ عنهم.

9-و مع قطع النّظر عن ذلك،فلا ريب أنّ(محجورا) جاء في الآيتين رويّا،و الرّويّ في السّورة«فعيلا» و«مفعولا»و«فعولا»و نحوها،و الإلزام بالرّويّ فيها ظاهر في مثل: فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً 2،و وَ نُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً 25،و رَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً 32، و فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً 36،و تَبَّرْنا تَتْبِيراً 39، و نحوها فلاحظ.

10-قرئ(حجرا)بالكسر و الفتح-كما قاله النّسفيّ -و قال البيضاويّ:و قرئ بالضّمّ و أصله الفتح،لكنّه لمّا اختصّ بموضع مخصوص غيّر كقدّك و عمرك لا يتصرّف فيه.

11-(حجرا)من المصادر المنصوبة بأفعال متروكة من لفظها مثل«سقيا و رعيا و شكرا و تحيّة»أي حجرت عليك،أو حجر اللّه عليك،أو حجر عليك حجرا، و عليه فهو مفعول مطلق،و ليس مفعولا به،أو مفعولا من أجله،و منصوب بفعل مقدّر،دون(يقولون)و إن كان مقولا له.

و أمّا الآية الرّابعة من المحور الأوّل-المنع-فهي:

وَ قالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَ حَرْثٌ حِجْرٌ و فيها بحوث أيضا:

1-إنّها حكاية عن المشركين ممّا حرّموه من عند أنفسهم،افتراء على اللّه من الأنعام و الحرث و غيرهما، و الحجر صفة لها،أي حرام.

2-قال الطّبرسيّ ج 2 ص 372:«قرئ في الشّواذّ ( حرج )».و احتجّ عليه بقوله:«الحرج يمكن أن يؤول معناه إلى حجر،فإنّهما يرجعان في الأصل إلى معنى الضّيق،فإنّ الحرام سمّي حجرا لضيقه،و الحرج أيضا:

الضّيق،و على هذا يكون لغة في حجر،مثل جذب و جند فهو من المقلوب».

3-هذه الآية و ما قبلها من الآيات كلّها مكّيّة، فيخطر بالبال أنّ(حجرا)بمعنى المنع لغة مكّيّة؛إذ لم يأت في المدنيّات بهذا المعنى.

المحور الثّاني:(الحجر):علم،مرّة واحدة(5) وَ لَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ أصحاب الحجر هم ثمود قوم صالح،و اسم بلدهم حجر،و في محلّها خلاف:هل هو بين المدينة و الشّام،أو بين مكّة و تبوك، أو بين الحجاز و الشّام؟قيل:هو المعروف بوادي القرى، و المعروف اليوم باسم مدائن صالح،على الطّريق من خيبر إلى تبوك.

و خلاف آخر:هل هو اسم الوادي،أو اسم المدينة الواقعة فيه؟و في أمثال هذا مجال للتّوسّع و المسامحة،و أنّه كان يطلق على طرفي الخلاف.و على كلّ حال فهو غير «الحجر»بفتحتين،مدينة بني حنيفة من بلاد نجد،يقال له:حجر اليمامة،و هي قصبة يمامة،و يسمّى اليوم «العروض»و هو اليوم من بلاد البحرين.

و لفظه مأخوذ إمّا من الحجر بمعنى المنع،أي المكان المحجور الممنوع من النّاس لاختصاصه بأهله،أو من الحجارة،لأنّهم كانوا ينحتون بيوتهم في صخر الجبال، و قد جعلت طبقات،و في وسطها بئر عظيمة و بئار كبيرة، و في تسمية البلاد خلاف و توسّع لا شاهد لتعيينها.

ص: 43

المحور الثّالث:(حجور)آية واحدة مدنيّة(6):

وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ... و فيها بحوث:

1-هي جمع حجر بفتح الجيم و كسره،و قيل بضمّها أيضا،جاء في النّصوص بمعنى الحضن،و هو ما دون الإبط إلى الكشح،أي الخاصرة،و ما بين يديه من ثوبه،و هو في حجر فلان،أي في كنفه و حمايته،و نشأ في حجره، أي في حفظه،و ستره،و فلان في حجر فلان،أي في تربيته،فأطلق الحجر و هو المنع على الحضن،و على الثّوب الّذي يستره،و على حفظه و تربيته عندهم، و المراد بها بنات الزّوجة من غير زوجها،فإنّهنّ في حجر الرّجل.

2-قال الطّبرسيّ: «لا خلاف بين العلماء أنّ كونهنّ في حجره ليس بشرط في التّحريم،و إنّما ذكر ذلك لأنّ الغالب أنّها تكون كذلك».لكن جاء في رواية من أهل السّنّة عن عليّ عليه السّلام أنّه شرط،و أنّ الرّبائب إذا لم يكن في الحجور فلا يحرمن،و لا نجد من أفتى به.

3-فرّع الطّبرسيّ على ذلك تحريم بنت الرّبيبة، و بنت ابنها و بنت بنتها قربت أم بعدت،لوقوع اسم الرّبيبة عليهنّ،و للنّظر فيه مجال واسع.

المحور الرّابع:الحجرات،آية واحدة مدنيّة(7) إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ و بعدها وَ لَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ و فيها بحوث:

1-المراد ب(الحجرات):حجرات نساء النّبيّ عليه السّلام، و كنّ تسعة لكلّ منهنّ حجرة.

2-نبّه الآلوسيّ على نكتتين:

أولاهما:أنّ ذكر(الحجرات)كناية عن خلوته عليه السّلام بنسائه،لأنّها معدّة للخلوة،و هذا يوافق ما قال بعضهم في معنى الحجرة:«إنّها البقعة الّتي يحجرها المرء لنفسه كيلا يشاركه فيها غيره»لأنّها من الحجر أي المنع،فهي ممنوعة إلاّ لصاحبها،و لمن دخلها بإذنه لعدم إضافتها إليه.

و ثانيتها:أنّه لم يقل:«حجرات نساءك» و لا«حجراتك»توقيرا له،و تحاشيا عمّا يوحشه بذكر نساءه عليه السّلام.

و نضيف إليها أنّ لام(الحجرات)للعهد الذّهنيّ، فكانت حجراته،معهودة كمسجده و مدينته،و الإطلاق فيها جميعا دلّ على موقعه الرّفيع في المجتمع المدنيّ،و مثله إطلاق«النّبيّ»كان ينصرف إليه،و نظيرها إطلاق الأمير و السّلطان و السّيّد و نحوها ينصرف إلى الفرد الشّاخص في البلد بهذه الأوصاف،فكأنّها عادت أسامي و أعلاما لهم.فالحجرات بدون إضافة فيها توقير له عليه السّلام.و من جهة أخرى انفرادها في القرآن رمز إلى انحصارها كالدّرّ اليتيم ليس لها نظير،و هذا توقير آخر له عليه السّلام.

3-عبّر عن بيوته عليه السّلام ب(الحجرات)مرّة هنا بدون إضافة،و ب(بيوت)مضافة ثلاث مرّات:مرّة مضافة إلى النّبيّ عليه السّلام يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ... الأحزاب:53،و مرّتين مضافة إلى نسائه وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى...* وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّهِ وَ الْحِكْمَةِ... الأحزاب:33،34.

ص: 44

فهنا سؤالان:لما ذا جاءت في هذه«بيوت»و في ذاك «حجرات»،و لما ذا أطلقت(الحجرات)و أضيفت (بيوت)؟

و الجواب عن الأوّل:أنّ الحجرات و البيوت في المحاورات العامّة واحدة،إلاّ أنّهما من حيث الجذر مختلفتان،فالحجرة-كما سبق-من«الحجر»أي المنع، و هي المكان المحدّد لصاحبها الممنوع لغيره،يختلي هو فيها بأهله،و يحفظ موضعه في المجتمع،ففيها نوع حرمة و عورة.و لمّا كان الّذين ينادونه من وراء الحجرات يهتكونه بندائه في حرمه،فكان التّعبير عنه ب«الحجرة» أوقع و أنسب،كأنّه قال:لما ذا لا تراعون موضعه فيكم و تهتكونه في حرمه و حرمه،و لا تحفظون كرامته في حياته الشّخصيّة الدّاخليّة الأسرويّة،فهذا هتك لحرمته عليه السّلام.

و يؤيّده أنّ هذه من جملة آيات صدر سورة الحجرات-و بها سمّيت إجلالا للنّبيّ عليه السّلام-و في هذه الآيات أدب العشرة مع النّبيّ عليه السّلام،و وظائف النّاس حياله،رعاية لمقامه الرّفيع.

و أمّا«البيت»فهو في الأصل من«البيتوتة»أي موضع النّوم و الاستراحة ليلا،و هو ألصق بالمنع عن دخول بيوته في لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ و يؤيّده ما بعدها إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ... إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ...

و كذا في وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ و وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ فإنّ بيوتهنّ مواضع الاستراحة و الاحتفاظ و الخلوة،و كانت تتلى فيها الآيات ليلا و نهارا و هنّ في راحة و خلوة.فالتّعبير ب(بيوت)في الآيات الثّلاث أنسب بما أريد منها من الرّاحة و عدم المضايقة.

و حاصل الفرق بين اللّفظين:(الحجرات) و(البيوت)أنّ التّركيز في الأوّل على الاحترام و التّكريم، و في الثّاني على الخلوة و السّكون و الرّاحة.

و هناك فرق آخر بينهما،و هو إطلاق«الحجرة»على الغرفة فقط الخاصّة به عليه السّلام،و«البيت»على مجموع ما خلف الباب،فهذا أوسع مفهوما من ذاك.

و أمّا الجواب عن السّؤال الثّاني،و هو لم أطلقت (الحجرات)و أضيفت(بيوت)؟-فقد سبق أنّه مشعر بشهرتها و موضعها الرّفيعة عند اللّه و عند النّاس كمسجده و بلده،فالإطلاق فيها كان ينصرف إلى حجراته.أمّا(البيوت)فلم يكن يفهم منها المقصود إلاّ بالإضافة إمّا إلى النّبيّ،أو إلى نسائه عليه السّلام،لاحظ البيوت،الاستعمال القرآنيّ الرّقم السّابع.

4-قالوا:«حجرة»فعلة بمعنى المفعول ك«غرفة و قيضة»أي المحجورة و الممنوعة،و«حجرات»جمع لها عند الزّمخشريّ و غيره،و عند آخرين جمع الجمع،فهو جمع الحجر،و الحجر:جمع حجرة،و الحكم فيه لعلماء اللّغة.

5-القراءة المشهورة (الْحُجُراتِ) بضمّ الحاء و الجيم، و قد قرئ بضمّ الحاء مع فتح الجيم و سكونها.و احتجّ لها الطّبرسيّ-كعادته-بأنّ من قرأ بفتح الجيم أبدل من الضّمّة فتحة،استثقالا لتوالي الضّمّتين،و من أسكن الجيم فهو مثل عضد و عضد،و لنا في كثير من الحجج على القراءات نظر،لاحظ بحث القراءات في المدخل.

ص: 45

6-حجرات النّبيّ كان موضعها الجانب الشّرقيّ من مسجده؛حيث دفن عليه السّلام في واحدة منها كانت لعائشة، و كانت أبوابها تفتح إلى المسجد،و يبدو أنّ وراءها الطّريق،فكان بعض العرب ينادونه من هذه الطّريق، و ما جاء في بعض النّصوص أنّهم كانوا ينادونه من حواليها و أطرافها لا تخلو عن مسامحة،فإنّ الوراء ليس إلاّ خلفها،لأنّ أمامها المسجد،و هي متّصلة بعضها ببعض،فلم يبق ناحية للنّداء سوى خلفها.

7-قد جاء في بعض الآثار تحديد لتلك الحجرات الشّريفة،نتبرّك بالحديث عنها بإيجاز،جاء في الطّبقات الكبرى لابن سعد 1:387:

ذكر بيوت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و حجر أزواجه

أخبرنا محمّد بن عمر،أخبرنا عبد اللّه بن زيد الهذليّ قال:رأيت بيوت أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حين هدمها عمر بن عبد العزيز،كانت بيوتا باللّبن،و لها حجر من جريد مطرورة بالطّين،عددت تسعة أبيات بحجرها و هي ما بين بيت عائشة إلى الباب الّذي يلي باب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلم إلى منزل أسماء بنت حسن بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن العبّاس،و رأيت بيت أمّ سلمة و حجرتها من لبن، فسألت ابن ابنها،فقال:لمّا غزا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم غزوة دومة،بنت أمّ سلمة حجرتها بلبن،فلمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم نظر إلى اللّبن فدخل عليها أوّل نسائه،فقال:

«ما هذا البناء؟»فقالت:أردت يا رسول اللّه أن أكفّ أبصار النّاس،فقال:«يا أمّ سلمة إنّ شرّ ما ذهب فيه مال المسلمين البنيان».

قال محمّد بن عمر:فحدّثت هذا الحديث معاذ بن محمّد الأنصاريّ،فقال:سمعت عطاء الخراسانيّ في مجلس فيه عمر بن أبي أنس يقول و هو فيما بين القبر و المنبر:

أدركت حجر أزواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من جريد النّخل على أبوابها المسوح من شعر أسود،فحضرت كتاب الوليد بن عبد الملك يقرأ،يأمر بإدخال حجر أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلم في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فما رأيت أكثر باكيا من ذلك اليوم.

قال عطاء:فسمعت سعيد بن المسيّب يقول يومئذ:

و اللّه لوددت أنّهم تركوها على حالها ينشأ ناشئ من أهل المدينة،و يقدم القادم من الأفق فيرى ما اكتفى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في حياته،فيكون ذلك ممّا يزهّد النّاس في التّكاثر و التّفاخر،قال معاذ:فلمّا فرغ عطاء الخراسانيّ من حديثه قال عمر بن أبي أنس:كان منها أربعة أبيات بلبن لها حجر من جريد،و كانت خمسة أبيات من جريد مطينة لا حجر لها،على أبوابها مسوح الشّعر،ذرعت السّتر فوجدته ثلاث أذرع في ذراع و العظم أو أدنى من العظم،فأمّا ما ذكرت من البكاء يومئذ فلقد رأيتني في مجلس فيه نفر من أبناء أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم منهم أبو سلمة بن عبد الرّحمن بن عوف،و أبو أمامة بن سهل ابن حنيف،و خارجة بن زيد بن ثابت و أنّهم ليبكون حتّى أخضل لحاهم الدّمع،و قال يومئذ أبو أمامة:ليتها تركت فلم تهدم حتّى يقصر النّاس عن البناء،و يروا ما رضي اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم و مفاتيح خزائن الدّنيا بيده.

أخبرنا محمّد بن عمر عن عبد اللّه بن عامر الأسلميّ،قال:قال لي أبو بكر بن حزم و هو في مصلاّه فيما بين الأسطوانة الّتي تلي حرف القبر الّتي تلي الأخرى إلى طريق باب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:هذا بيت زينب بنت

ص: 46

جحش،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يصلّي فيه،و هذا كلّه إلى باب أسماء بنت حسن بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن العبّاس اليوم إلى رحبة المسجد،فهذه بيوت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم الّتي رأيتها بالجريد،قد طرّت بالطّين،عليها مسوح شعر.

أخبرنا قبيصة بن عقبة،أخبرنا نجاد بن فرّوخ اليربوعيّ عن شيخ من أهل المدينة،قال:رأيت حجر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قبل أن تهدم بجرائد النّخل ملبسة الأنطاع.

أخبرنا خالد بن مخلّد،حدّثني داود بن شيبان،قال:

رأيت حجر أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و عليها المسوح،يعني متاع الأعراب.

أخبرنا محمد بن مقاتل المروزيّ قال:أخبرنا عبد اللّه ابن المبارك،قال:أخبرنا حريث بن السّائب،قال:

سمعت الحسن يقول:كنت أدخل بيوت أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في خلافة عثمان بن عفّان فأتناول سقفها بيدي.

و قال في باب بناء رسول اللّه المسجد بالمدينة 1:183:

و بنى بيوتا إلى جنبه باللّبن و سقّفها بجذوع النّخل و الجريد،فلمّا فرغ من البناء بنى بعائشة في البيت الّذي بابه شارع إلى المسجد و جعل سودة بنت زمعة في البيت الآخر الّذي يليه إلى الباب الّذي يلي آل عثمان.

المحور الخامس:الحجر و الحجارة،و فيهما مقصدان:الأوّل:(الحجر)و فيه بحوث:

1-جاء مرّتين(8 و 9)مرّة مكّيّة في«الأعراف» و أخرى مدنيّة في«البقرة»و كلاهما في قصّة موسى عليه السّلام- و هو في التّيه-حيث أمر أن يضرب بعصاه الحجر فضرب فانفجر منه الماء لبني إسرائيل الّذين خرجوا معه من مصر إلى هذا الصّحراء القفر الجدب الخالي من الماء،و الكلأ،بغية الوصول إلى الأرض المقدّسة الموعودة.

2-جاء فيهما حديث استقاء موسى لهم،و هو من «السّقي»منصرف إلى الشّرب،لأنّ الشّرب كان أهمّ حاجاتهم المائيّة في التّيه،قال: قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ، و إن كانت في الماء منافع أخرى لهم.

3-و مع اشتراك الآيتين في ذكر الاستسقاء من قبل موسى،و الشّرب من قبلهم،فبينهما تفاوت؛من حيث إنّ في الآية الأولى-و هي مكّيّة-كان الاستسقاء هو طلبهم السّقي من موسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ، و في الثّانية طلب موسى السّقي من اللّه وَ إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ، و الأوّل مقدّم طبعا على الثّاني زمانا،و قد لوحظ هذا التّرتيب فيهما،فجاء الأوّل في سورة مكّيّة، و الثّاني بعدها في سورة مدنيّة.

و توجد في القصص القرآنيّة المكرّرة لطائف كثيرة من هذا القبيل،تدرك بالتّدبّر فيها،و بعرض بعضها على بعض.

4-خصّت الأولى بأنّ عمليّة الاستسقاء من اللّه كانت بإرشاد و وحي منه تعالى وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ... و ما كانت من قبل القوم، فإنّهم إنّما طلبوا الماء من موسى،و ليس فيهما أنّهم سألوا موسى أن يدعو اللّه ليسقيهم،كما فعلوا في الطّعام في آية بعدها وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَ قِثّائِها وَ فُومِها وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها...

البقرة:61-لاحظ«ب ق ل»و«ب ص ل»-إذ لم يخطر

ص: 47

ببالهم الاستسقاء بالحجر،و لو طالبوا موسى الدّعاء للماء لسألوه الاستسقاء بالمطر دون الحجر.بل أراد اللّه تسجيل آياته لهم إعجازا بإخراج العيون من الحجر بعدد فرقهم،دون إنزال المطر ليحملوه على العادة و الصّدفة، من دون أن يسندوه إلى دعائه كمعجزة له عليه السّلام.

5-ضرب الحجر فيهما كان بأمر اللّه إيّاه،جاء بلفظ واحد اِضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ إلاّ أنّ التّعبير عن أمره تعالى جاء في الأوّل وحيا وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى... أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ، و في الثّانية قولا فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ، و«الوحي»أشرف و أعلى و أخصّ من«القول».فيفهم منه أنّ القول في الثّانية كان وحيا أيضا،و هذا جار في كثير من أقوال اللّه للأنبياء،بل في جميعها.

6-و بين الآيتين فروق أخرى مثل مجيء (انبجست)في الأولى،و(انفجرت)في الثّانية-لاحظ «ب ج س»-و تذييل الأولى ب وَ ظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ البقرة:57،و الثّانية ب كُلُوا وَ اشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللّهِ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ. لاحظ «ض ر ب»و«أ ك ل»و«ش رب»و غيرها.

7-اللاّم في(الحجر)للعهد الذّهنيّ،و أنّه كان حجرا معيّنا،كانوا ينقلونه من مكان إلى آخر حيث نزلوا،أو وجدوه في كلّ منزل من دون أن ينقلوه،كما قيل.

و في هذا(الحجر)تفاصيل عندهم تشبه الإسرائيليّات لا سند لها،و لا فائدة فيها،و لم يكن حجرا يقرع لهم أينما نزلوا-كما قيل-فكان(الحجر)مثل «التّابوت»في بني إسرائيل.

و المقصد الثّاني:(الحجارة)و فيها بحوث أيضا:

1-جاءت عشر مرّات في تسع آيات(10-18):

ستّ حجارة الدّنيا،و ثلاث حجارة الآخرة،و سياقها جميعا ذمّ،جاءت«حجارة»فيها كعنصر الصّلابة و الخشونة،و رمزا للعذاب و الشّدّة.

2-ثلاث من السّتّة(10-12)حكاية-عذاب قوم لوط-نزلت بهذا التّرتيب: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَ لَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ* فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَ ما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ هود:81-83، فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ* فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ* وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ الحجر:73-77.

قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ* قالُوا إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ* لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ

الذّاريات:31-34.

3-و فيها اختلاف لفظا و معنى ناشئ من أنّها نقل بالمعنى تفصيلا و إيجازا ككثير من قصص القرآن،أو رعاية للرّويّ.لاحظ«ق ص ص».

منها:أنّ الأوليين حكاية وقوع العذاب عليهم، و الأخيرة خبر عن أنّه سيقع حكاية عن هؤلاء الملائكة المرسلين.

ص: 48

و منها:أنّ في الأوليين ذكرا لوقت نزول العذاب -دون الأخيرة-و هو الصّبح إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ و حين إشراق الشّمس: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ.

و منها:جاء فيهما: فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ و في الأخيرة: لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ ففيها(نرسل)و فاعله (الملائكة)بدلا من(امطرنا)في الأوليين و فاعله(اللّه)، و(طين)بدل(سجّيل)رعاية لرويّ الآيات قبلها و بعدها،فلاحظ.

و منها:أنّ(الحجارة)و صفت في الأولى ب(منضود، مسوّمة عند ربّك)،و في الأخيرة ب(مسوّمة عند ربّك)و لم توصف بها في الثّانية،إلى غيرها من الفروق بينها، لاحظ«ه و د».

4-:جاءت(حجارة)فيها جميعا نكرة-و هي اسم جنس-تعمية و تهويلا،كأنّها كانت من الكثرة،و الشّدّة و الصّلابة بمرتبة لا تقدّر بقدر و لا توصف بوصف.

5-و اثنتان منها(13 و 14)حكاية عذاب طائفتين بحجارة في عصر النّبيّ عليه السّلام:إحداهما حادثة الفيل و قد وقعت،و الأخرى ما اقترحه المشركون من العذاب،و لم يقع: أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ* أَ لَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ* وَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ* تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ* فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ الفيل 5.

وَ إِذْ قالُوا اللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ* وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ الأنفال:32،33.

6-و فيهما جاءت(حجارة)نكرة أيضا تهويلا مع تفاوت بينهما،ففي الأولى: تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، و في الثّانية: فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ، و في كلّ من رمي الحجارة من سجّيل و إمطارها من السّماء نوع من التّعنيف و التّخويف.

و تفاوت آخر أنّ الأولى قد وقعت تعظيما للكعبة، و الثّانية لم تقع تعظيما للنّبيّ عليه السّلام،كما نطق به ما بعدها. وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ....

7-و واحدة من السّتّ(15)جاءت(الحجارة)فيها مرّتين معرّفة بلام الجنس-تكبيرا و تشديدا-تشبيها بها قلوب بني إسرائيل بعد ما رأوا الآيات: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَ مَا اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ البقرة:74.

8-شبّهت فيها شقاوة قلوبهم-و هي أمر باطنيّ نفسيّ-بصلابة الحجارة-و هي جسم مرئيّ-تجسيما لشقاوتها،أي لو تجسّمت قلوبهم لكانت في الشّدّة و الصّلابة كالحجارة أو أشدّ منها فلا تنفذ فيها الموعظة، كما أنّ الحجارة لا تنفذ فيها جسم آخر،و هذا من قبيل تشبيه غير المحسوس بالمحسوس،و هو نوع من التّشبيه في علم البلاغة.

9-لم يكتف القرآن في تجسيم قلوبهم بالحجارة،بل زاد عليها(أشدّ منها)ثمّ بيّن كيف كانت تلك القلوب، أشدّ من الحجارة،فوصف الحجارة بأوصاف ثلاثة تحاكي انعطافها و تأثّرها أحيانا،و هي:تفجّر الأنهار،

ص: 49

و شقّها فيخرج منها الماء،و حبوطها من خشية اللّه، لاحظ:«ن ه ر،و ش ق ق،و ح ب ط».

10-أمّا الحجارة في الآخرة فجاءت ثلاث مرّات، واحدة منها(16)جواب عن تشكيك المشركين في بعث الموتى بعد أن كانوا عظاما و رفاتا:

وَ قالُوا أَ إِذا كُنّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً* قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً* أَوْ خَلْقاً مِمّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَ يَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً الإسراء:49-51.

فدفع شبهتهم:أنّ العظام و الرّفاة كيف تبعث من جديد؟بأنّهم لو تحوّلوا عن العظام و الرّفاة إلى شيء أشدّ منها صلابة و مقاومة كالحجارة و الحديد،أو ما هو أكبر منهما في تصوّركم فتبعثون.

ثمّ طرحوا سؤالا عمّن يعيدهم فأجاب:يعيدكم من خلقكم أوّل مرّة،و سؤالا آخر عن وقته فأجاب:إنّه قريب.

11-جاءت(حجارة)فيها نكرة معطوفا عليها (حديدا)تأكيدا على صلابتها،بما لا يقدّر بقدر و لا يحدّ بحدّ،لاحظ«ب ع ث».

12-و اثنتان منها(17 و 18)توصيف لنار جهنّم بأنّ وقودها النّاس و الحجارة تشديدا في حرارتها؛حيث تأكل و تحرق النّاس و الحجارة معا:

فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ البقرة:24.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ التّحريم:6.

13-وصفت النّار فيهما أوّلا بوصف واحد اَلَّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ، ثمّ بوصفين مختلفين وعيدا:

أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ و عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ. ثمّ حذّرهم بلفظين مختلفين تلفّظا،و واحد جذرا: فَاتَّقُوا النّارَ تحفّظا لأنفسهم فقط و قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ تحفّظا لأنفسهم و أهليهم،لاحظ«و ق ي».

14-جاءت فيهما(الحجارة)معرّفة بلام الجنس -و هو الظّاهر-أو بلام العهد إشارة إلى نوع خاصّ من الحجارة شديدة التّصلّب،أو شديدة الاحتراق،أو «اللاّم»لاستغراق الجنس،أي هذه النّار مستعدّة و صالحة لأن تحرق كلّ ما ألقي فيها من النّاس و الحجارة.

و ردّه أبو حيّان بأنّ الظّاهر أنّ هذا الوصف واقع بالفعل، لا أنّها تصلح له.

15-قال كثير منهم تبعا لابن مسعود و ابن عبّاس:

أنّها حجارة الكبريت،لأنّها تزيد-كما قال ابن عطيّة- على جميع الأحجار بخمسة أنواع من العذاب:سرعة الاتّقاد،و نتن الرّائحة،و كثرة الدّخان،و شدّة الالتصاق بالأبدان،و قوّة حرّها إذا أحميت.

و ردّها الزّمخشريّ بأنّه تخصيص بغير دليل، و ذهاب عمّا هو الصّحيح المشهود له بمعاني التّنزيل، و أنّه لو صحّ عن ابن عبّاس فلعلّه عنى به أنّ الأحجار كلّها لتلك النّار كحجارة الكبريت لسائر النّيران.

و وافقه البيضاويّ لما ذكره،و لأنّه إبطال للمقصود؛ إذ الغرض تهويل شأنها و تفاقم لهبها بحيث تتّقد بما

ص: 50

لا تتّقد به غيرها،و الكبريت تتّقد به كلّ نار و إن ضعفت.

و ما ذكره حقّ لكنّه أخطأ في قوله بعده:«و لمّا كانت الآية-يعني آية البقرة-مدنيّة بعد ما نزل في سورة التّحريم ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ و سمعوه،صحّ تعريف النّار و وقوع الجملة صلة،فإنّها تجب أن تكون قصّة معلومة»و أراد أنّ«اللاّم»فيها للعهد الذّهنيّ أو الذّكريّ.

وجه الخطأ أنّ سورة التّحريم مدنيّة،و أنّها نزلت بعد البقرة.

و اختاره أبو السّعود أيضا قائلا:«أشير هنا إلى ما سمعوه أوّلا-في التّحريم-و كونها مدنيّة لا يستلزم كون جميع آياتها كذلك»و قد ارتكب خطأين:نزول سورة التّحريم قبل البقرة،و احتمال أنّ بعض آياتها مكّيّة.

16-قالوا في وجه الجمع بين«النّاس و الحجارة» وجوها:

منها:أنّهم قرنوا أنفسهم بالحجارة في الدّنيا و هي الأصنام الّتي نحتوها و عبدوها،فقرنهم بها في النّار كما قال: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ الأنبياء:98،و حصبها هي وقودها.

و منها:أنّهم اعتقدوا أنّ أصنامهم شفعاءهم عند اللّه، تدفع عنهم العذاب،فجعلها عذابا لهم؛بذلك جمع بين العذاب الجسميّ و الرّوحيّ.

و منها:أنّه ذكرها تعظيما لحرارة النّار حيث إنّها تحرق مع النّاس الحجارة،خلافا لنار الدّنيا حيث إنّها تحرق النّاس دون الحجارة.

و منها:أنّ أجسادهم تبقى على النّار بقاء الحجارة الّتي توقدها النّار بالقدح،أو ليجدّدها كما قال: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها النّساء:56.

و منها:أنّهم يعذّبون بالحجارة المحماة بالنّار مع النّار نفسها.

و منها:أريد ب(الحجارة)الّذين هم في صلابتهم عن قبول الحقّ كالحجارة كمن وصفهم ب فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً.

و منها:أنّ أهل النّار إذا عيل صبرهم بكوا و شكوا، فينشئ اللّه سبحانه سحابة سوداء مظلمة فيرجون الفرج،و يرفعون رءوسهم إليها فتقطر عليهم حجارة عظاما كحجارة الرّحى،فتزداد النّار إيقادا و التهابا.

و هذا لا يستفاد من الآية إلاّ برواية صحيحة و لا توجد.

و منها:أنّ«الحجارة»هي ما كنزوه من الذّهب و الفضّة تقذف معهم في النّار و تكوى بها أجسامهم،كما قال: فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ التّوبة:35،لاحظ:جباههم و جنوبهم.

و منها:أنّهم في رفضهم دعوة الأنبياء فهم حجارة باطنا و إن ظهروا بمظهر الآدميّ.

و لكلّ ممّا ذكر لطف و بعضها أقرب من بعض.و قد رجّح«الطّوسيّ»من القدماء،و«رشيد رضا»من المتأخّرين الوجه الأوّل.و لسيّد قطب تعابير أدبيّة فيها، فلاحظ.

17-قالوا:«حجارة»جمع كثرة ل«حجر»مثل «حجار»،و جمع القلّة له«أحجار»،أو هي اسم جمع، و هو الأقرب.

18-جاء(الحجر)مرّتين-كما سبق-:مكّيّة

ص: 51

و مدنيّة،و جاءت(الحجارة)وقودا للنّار مرّتين أيضا مدنيّتين،و تمثيلا للقلوب مرّتين مدنيّتين أيضا، و حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ في قصّة لوط مرّتين مكّيّتين، و حِجارَةً مِنْ طِينٍ مرّة مكّيّة،و في عصر النّبيّ مرّتين أيضا مكّيّة و مدنيّة.فاختير في اللّفظين:«الحجر و الحجارة»عدد الاثنين موزّعة بين المكّيّ و المدنيّ،قريبا من التّساوي إلاّ في قصّة لوط فزيدت عليهما واحدة، بيانا لشدّة العذاب فيها.

ص: 52

ح ج ز

اشارة

لفظان،مرّتان،في سورتين مكّيّتين

حاجزا 1:1 حاجزين 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحجز:أن تحجز بين مقاتلين.و الحجاز و الحاجز:اسم.

و قوله تعالى: وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً النّمل:61،أي حجازا،فذلك الحجاز أمر اللّه بين ماء ملح و عذب لا يختلطان.

و سمّي الحجاز لأنّه يفصل بين الغور و الشّام و بين البادية.

و الحجاز:حبل يلقى للبعير من قبل رجليه،ثمّ يناخ عليه،يشدّ به رسغا رجليه إلى حقويه و عجزه.

حجزته فهو محجوز.

و تقول:كان بينهم رمّيّا ثمّ حجزت بينهم حجّيزى، أي رمي،ثمّ صاروا إلى المحاجزة.

و الحجزة:حيث يثنى طرف الإزار في لوث الإزار.

و الرّجل يحتجز بإزاره على وسطه.

و حجز الرّجل:أصله و منبته.

و حجز الرّجل أيضا:فصل ما بين فخذه و الفخذ الأخرى من عشيرته.[و استشهد بشعر مرّات]

(3:70)

أبو عمرو الشّيبانيّ: المحتجزة من النّخل:الّتي تكون عذوقها في قلبها.(1:144)

الحجاز:رسن من شعر لعكم المرأة.(1:145)

الحجز:الأصل و النّاحية.(الأزهريّ 4:124)

الأصمعيّ: سمّيت الحجاز حجازا،لأنّها احتجزت بالجبال.(ابن دريد 2:55)

إذا عرضت لك الحرار بنجد فذلك الحجاز.

حجزت البعير أحجزه حجزا،و هو أن ينيخه ثمّ يشدّ حبلا في أصل خفّيه جميعا من رجليه،ثمّ يرفع الحبل من تحته حتّى يشدّه على حقويه،و ذلك إذا أراد أن يرتفع خفّه.[و استشهد بشعر مرّتين](الأزهريّ 4:123)

ص: 53

أبو عبيد:في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لأهل القتيل:«أن ينحجزوا الأدنى فالأدنى و إن كانت امرأة»يعني يكفّوا عن القود،و كذلك كلّ من ترك شيئا و كفّ عنه فقد انحجز عنه.(1:293)

فالاحتجاز:أن يشدّ ثوبه في وسطه،و إنّما هو مأخوذ من«الحجزة»،و منه حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:أنّه رأى رجلا محتجزا بحبل أبرق و هو محرم،فقال:«ويحك!ألقه ويحك! ألقه».(2:278)

«كانت بين القوم رمّيّا ثمّ حجزت بينهم حجّيزى» يريدون:كان بينهم رمي ثمّ صاروا إلى المحاجزة.

و الحجّيزى من الحجز بين اثنين،و من أمثالهم:«إن أردت المحاجزة فقبل المناجزة»و المحاجزة:المسالمة و المناجزة:القتال.(الأزهريّ 4:123)

ابن السّكّيت: ما ارتفع عن بطن الرّمّة فهو نجد، و الرّمّة:واد معلوم و هو نجد إلى ثنايا ذات عرق.

و ما احتزمت به الحرار حرّة شوران و عامّة منازل بني سليم إلى المدينة،فما احتاز في ذلك الشّقّ كلّه حجاز.

و طرف تهامة من قبل الحجاز مدارج العرج،و أوّلها من قبل نجد مدارج ذات عرق.(الأزهريّ 4:122)

انحجز القوم و احتجزوا،إذا أتوا الحجاز.

(الأزهريّ 4:124)

شمر:المحتجز:الّذي قد شدّ وسطه.

و قال أبو مالك،يقال لكلّ شيء يشدّ به الرّجل وسطه ليشمّر ثيابه:حجاز.

و قال الإياديّ: الاحتجاز بالثّوب:أن يدرجه الإنسان فيشدّ به وسطه،و منه أخذت:الحجزة.

و قالت أمّ الرّحّال:إنّ الكلام لا يحجز في العكم كما يحجز العباء.

و قالت:الحجز:أن يدرج الحبل على العكم ثمّ يشدّ، و الحبل هو الحجاز.(الأزهريّ 4:123)

ابن دريد :حجزت بين القوم حجزا،إذا فرّقت بينهم.

و حجزة الإزار:معقده،و حجزة السّراويل:موضع التّكّة.

و سمّيت الحجاز حجازا لأنّها حجزت بين نجد و السّراة.

و كلمة لهم يقولون:كان بين القوم رمّيّا ثمّ صاروا إلى حجّيزى،أي تراموا ثمّ تحاجزوا.

و أوصى بعض العرب بنيه:إن أردتم المحاجزة فقبل المناجزة،أي قبل الحرب.

و قد سمّت العرب حاجزا.

و الحجاز:حبل يشدّ من حقوي البعير إلى رسغي يديه.بعير محجوز،إذا شدّ بذلك.

و حجازيك:مثل حنانيك،أي احجز بين القوم.

و فلان كريم الحجز،أي كريم بني الأب.[ثمّ استشهد بشعر](2:55)

ابن بزرج: الحجز و الزّنج واحد.

يقال:حجز و زنج و هو أن تقبّض أمعاء الرّجل و مصارينه من الظّمأ،فلا يستطيع أن يكثر الشّرب و لا الطّعم.(الأزهريّ 4:124)

الأزهريّ: [حكى قول الخليل في تسمية الحجاز ثمّ قال:]

ص: 54

قلت:سمّي الحجاز حجازا،لأنّ الحرار حجزت بينه و بين عالية نجد.(4:122)

و يقال للجبال:حجاز.[ثمّ استشهد بشعر](4:123)

[و قيل:]الحجز:العشيرة يحتجز بهم.(4:124)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

يقولون:حجازيكما،أي ليحجز أحدكما صاحبه.

و المحتجز:الّذي يحمل شيئا في حجزته.

و احتجز لحم بعضه إلى بعض،أي اجتمع.

و من أمثالهم في الرّجل النّابه:«ما يحجز فلان في العلم»أي ليس ممّن يخفى مكانه.

و المحتجزة:النّخلة تكون عذوقها في قلبها.

و انحجز القوم و احتجزوا:أتوا الحجاز.(2:393)

الجوهريّ: حجزه يحجزه حجزا،أي منعه، فانحجز.

و المحاجزة:الممانعة،و في المثل:«إن أردت المحاجزة فقبل المناجزة»،و قد تحاجز الفريقان.

و يقال:كانت بين القوم رمّيّا ثمّ صارت إلى حجّيزى،أي تراموا ثمّ تحاجزوا.و هما على مثال «خصّيصى».

و قولهم:حجازيك،مثال حنانيك،أي احجز بين القوم.

و الحجزة بالتّحريك:الظّلمة،و في حديث قيلة:

«أ يعجز ابن هذه أن ينتصف من وراء الحجزة»و هم الّذين يحجزونه عن حقّه.

و الحجاز:بلاد سمّيت بذلك،لأنّها حجزت بين نجد و الغور.

و يقال:احتجز الرّجل بإزار،أي شدّه على وسطه.

و حجزت البعير أحجزه حجزا،[ثمّ ذكر قول الأصمعيّ في حجز البعير و قال:]

و ذلك الحبل هو الحجاز،و البعير محجوز.

و قال أبو الغوث:الحجاز:حبل يشدّ بوسط يدي البعير،ثمّ يخالف فيعقد به رجلاه،ثمّ يشدّ طرفاه إلى حقويه،ثمّ يلقى على جنبه شبه المقموط،ثمّ تداوى دبرته،فلا يستطيع أن يمتنع إلاّ أن يجرّ جنبه على الأرض.

و حجزة الإزار:معقده،و حجزة السّراويل:الّتي فيها التّكّة.[و استشهد بشعر مرّتين](3:872)

ابن فارس: الحاء و الجيم و الزّاء أصل واحد مطّرد القياس،و هو الحول بين الشّيئين؛و ذلك قولهم:حجزت بين الرّجلين،و ذلك أن يمنع كلّ واحد منهما من صاحبه.

و العرب تقول:حجازيك على وزن حنانيك،أي احجز بين القوم.

و إنّما سمّيت الحجاز حجازا لأنّها حجزت بين نجد و السّراة.

و حجزة الإزار:معقده،و حجزة السّراويل:موضع التّكّة.و هذا على التّشبيه و التّمثيل،كأنّه حجز بين الأعلى و الأسفل.

و يقال:«كانت بين القوم رمّيّا ثمّ صارت إلى حجّيزى»أي تراموا ثمّ تحاجزوا.

فأمّا قول القائل:

رقاق النّعال طيّب حجزاتهم

يحيّون بالرّيحان يوم السّباسب.

ص: 55

و هي جمع حجزة،كناية عن الفروج،أي إنّهم أعفّاء.(2:139)

ابن سيده: الحجز:الفصل بين الشّيئين،حجز بينهما يحجز حجزا و حجازة فاحتجز.و اسم ما فصل بينهما:الحاجز.

و الحجاز:البلد المعروف منه،لأنّه فصل بين الغور و الشّام.و قيل:لأنّه حجز بين نجد و السّراة،و قيل:لأنّه حجز بين تهامة و نجد.

و أحجز القوم و احتجزوا و انحجزوا:أتوا الحجاز.

و تحاجزوا و انحجزوا و احتجزوا:تزايلوا.

و حجزه عن الأمر يحجزه حجازة و حجّيزى:

صرفه.

و حجازيك كحنانيك،أي احجز بينهم حجزا بعد حجز،كأنّه يقول:لا ينقطع ذلك،وليك بعضه موصولا ببعض.

و حجزة الإزار:خبنته،و حجزة السّراويل:موضع التّكّة.

و قيل:حجزة الإنسان:معقد السّراويل و الإزار.

و الحجزة:مركب مؤخّر الصّفاق في الحقويين.

و احتجز بإزاره:شدّه على وسطه-من ذلك.

و تحاجز القوم:أخذ بعضهم بحجز بعض.

و الحجز:العفيف الطّاهر.

و رجل شديد الحجزة:صبور على الشّدّة و الجهد.

و حجز الرّجل:أصله و منبته.

و حجزه أيضا:فصل ما بين فخذيه من عشيرته.

و الحجز:النّاحية.

و الحجاز:حبل يلقى للبعير من قبل رجليه ثمّ يناخ عليه،ثمّ يشدّ به رسغا رجليه إلى حقويه و عجزه؛حجزه يحجزه حجزا.[و استشهد بشعر ثلاث مرّات]

و حاجز:اسم.(3:60)

الرّاغب: الحجز:المنع بين الشّيئين بفاصل بينهما، يقال:حجز بينهما،قال عزّ و جلّ: وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً النّمل:61.

و الحجاز سمّي بذلك لكونه حاجزا بين الشّام و البادية.

و الحجاز:حبل يشدّ من حقو البعير إلى رسغه.

و تصوّر منه معنى الجمع،فقيل:احتجز فلان عن كذا و احتجز بإزاره،و منه حجزة السّراويل.

و قيل:إن أردتم المحاجزة فقبل المناجزة،أي الممانعة قبل المحاربة.

و قيل:حجازيك،أي احجز بينهم.(109)

الزّمخشريّ: حجز بين المتقاتلين،و بينهما حاجز و حجاز،و جعل اللّه بيني و بينك حجابا و حجازا.

و حجازيك:بوزن حنانيك،أي احجز بين القوم.

و المحاجزة قبل المناجزة.

يقال:حاجزوا عدوّهم:كافّوه.

و تراموا ثمّ تحاجزوا،و كانت بينهم رمّيّا ثمّ صارت إلى حجّيزى،و هي التّحاجز.

و احترز من كذا و احتجز.

و احتجز بإزاره على وسطه:لاقى بين طرفيه و شدّه، و رأيته محتجزا بإزاره.

و في الحديث:«رأى رجلا محتجزا بحبل أبرق».

ص: 56

و احتجز الشّيء و احتضنه:احتمله في حجزته و حضنه.

و من المجاز:رجل طيّب الحجزة.[ثمّ استشهد بشعر] و أخذ بحجزة فلان:استظهر به.

و روى عليّ رضي اللّه عنه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال له:«إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة اللّه و أخذت أنت بحجزتي،و أخذ ولدك بحجزتك،و أخذت شيعة ولدك بحجزتهم،فترى أين يؤمر بنا».و هذا كلام آخذ بعضه بحجزة بعض،أي متناظم متّسق.

و في مثل:«ما يحجز فلان في العكم»أي لا يقدر على إخفاء أمره.(أساس البلاغة:74)

[النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله]قال:«لأهل القتيل أن ينحجزوا الأدنى فالأدنى و إن كانت امرأة».

انحجز:مطاوع حجزه إذا منعه.

و المعنى:أنّ لورثة القتيل أن يعفوا عن دمه رجالهم و نسائهم.(الفائق 1:261)

[في حديث عائشة]«لمّا نزلت سورة النّور عمدن إلى حجوز مناطقهنّ فشققنها،فجعلن منها خمرا».

واحد الحجوز:حجز بكسر الحاء،و هو الحجزة،و يجوز أن يكون واحدها:حجزة على تقدير إسقاط التّاء، كبرج و بروج.

عليّ عليه السّلام سئل عن بني أميّة،فقال:«هم أشدّنا حجزا،و أطلبنا للأمر لا ينال فينالونه»شدّة الحجزة:

عبارة عن الصّبر على الشّدّة و الجهد.(الفائق 1:261)

في الحديث:«تزوّجوا في الحجز الصّالح،فإنّ العرق دسّاس»هو الأصل و المنبت.

و قيل:هو فصل ما بين فخذ الرّجل و الفخذ الأخرى من عشيرته،سمّي بذلك لأنّه يحتجز بهم،أي يمتنع.و إن روي بالكسر فهو بمعنى«الحجزة»كناية عن العفّة و طيب الإزار.(الفائق 1:263)

و قال[النّبيّ]صلّى اللّه عليه و آله:«أ يلام ابن هذه،أن يفصل الخطّة و ينتصر من وراء الحجزة»و الحجزة:جمع حاجز، أراد أنّ ابن هذه المرأة حقّه أن يكون على هذه الصّفة لمكان أمومتها.(الفائق 3:101)

المدينيّ: [ذكر بعض الأحاديث المتقدّمة و زاد:] في الحديث:«إنّ الرّحم أخذت بحجزة الرّحمن» قال بعضهم:أي اعتصمت به،و التجأت إليه مستجيرة.

(1:404)

ابن الأثير: [ذكر بعض الأحاديث و قال:]

و أصل الحجزة:موضع شدّ الإزار،ثمّ قيل للإزار:

حجزة للمجاورة.

و احتجز الرّجل بالإزار،إذا شدّه على وسطه، فاستعاره للاعتصام و الالتجاء و التّمسّك بالشّيء و التّعلّق به.

و منه الحديث الآخر:«و النّبيّ آخذ بحجزة اللّه»أي بسبب منه.

و منه الحديث:«منهم من تأخذه النّار إلى حجزته» أي مشدّ إزاره؛و تجمع على:حجز.

و منه الحديث:«فأنا آخذ بحجزكم».

و في حديث ميمونة:«كان يباشر المرأة من نسائه و هي حائض إذا كانت محتجزة»أي شادّة مئزرها على العورة و ما لا تحلّ مباشرته.

ص: 57

و الحاجز:الحائل بين الشّيئين.

و حديث عائشة رضي اللّه عنها:«ذكرت نساء الأنصار فأثنت عليهنّ خيرا،و قالت:لمّا نزلت سورة النّور عمدن إلى حجز مناطقهنّ فشققنها فاتّخذنها خمرا»أرادت بالحجز:المآزر.و جاء في سنن أبي داود «حجوز أو حجور»بالشّكّ.

قال الخطّابيّ: الحجور-يعني بالرّاء-لا معنى لها هاهنا،و إنّما هو بالزّاي،يعني جمع«حجز»فكأنّه جمع الجمع.و أمّا الحجور بالرّاء،فهو جمع حجر الإنسان.

قال الزّمخشريّ: واحد الحجوز:حجز بكسر الحاء، و هي الحجزة؛و يجوز أن يكون واحدها:حجزة،على تقدير إسقاط التّاء،كبرج و بروج.

و منه الحديث:«رأى رجلا محتجزا بحبل و هو محرم» أي مشدود الوسط،و هو«مفتعل»من الحجزة.

و قالت أمّ الرّحّال:«إنّ الكلام لا يحجز في العكم» العكم بكسر العين:العدل،و الحجز:أن يدرج الحبل عليه ثمّ يشدّ.

و في حديث حريث بن حسّان:«يا رسول اللّه إن رأيت أن تجعل الدّهناء حجازا بيننا و بين بني تميم»أي حدّا فاصلا يحجز بيننا و بينهم؛و به سمّي الحجاز:الصّقع المعروف من الأرض.(1:344)

الفيّوميّ: حجزت بين الشّيئين حجزا،من باب «قتل»:فصلت،و يقال:سمّي الحجاز حجازا،لأنّه فصل بين نجد و السّراة،و قيل:بين الغور و الشّام،و قيل:لأنّه احتجز بالجبال.

و احتجز الرّجل بإزاره:شدّه في وسطه.و حجزة الإزار:معقده،و حجزة السّراويل:مجمع شدّه؛و الجمع:

حجز،مثل غرفة و غرف.(122)

الفيروزآباديّ: حجزه يحجزه و يحجزه حجزا و حجّيزى و حجازة:منعه و كفّه،فانحجز،و بينهما فصل،و البعير:أناخه ثمّ شدّ حبلا في أصل خفّيه من رجليه،ثمّ رفع الحبل من تحته فشدّه على حقويه ليداوي دبرته،و ذلك الحبل و كلّ ما تشدّ به وسطك لتشمّر ثيابك:حجاز.

و الحجزة:الظّلمة الّذين يمنعون بعض النّاس من بعض،و يفصلون بينهم بالحقّ؛جمع حاجز.

و المحجوز:المصاب في محتجزه و مؤتزره،و المشدود بالحجاز.

و الحجزة بالضّمّ:معقد الإزار،و من السّراويل:

موضع التّكّة،و من الفرس:مركب مؤخّر الصّفاق بالحقو.

و الحجز بالكسر و يضمّ:الأصل و العشيرة و النّاحية،و بالتّحريك:الزّنج لمرض في المعى،و الفعل كفرح.

و حجزى كذكرى:قرية بدمشق،و هو حجزاويّ.

و الحجاز:مكّة و المدينة و الطّائف و مخاليفها،لأنّها حجزت بين نجد و تهامة أو بين نجد و السّراة،أو لأنّها احتجزت بالحرار الخمس:حرّة بني سليم و واقم و ليلى و شوران و النّار.

و احتجز:أتاه كانحجز،و أحجز،و اجتمع،و حمل الشّيء في حجزته،و بإزاره:شدّه على وسطه.

و المحتجزة:النّخلة تكون عذوقها في قلبها.

ص: 58

و المحاجزة:الممانعة،و تحاجزا:تمانعا.

و الحجائز:موضع باليمامة.

و حجازيك بالفتح،أي احجز بين القوم حجزا بعد حجز.

و شدّة الحجزة:كناية عن الصّبر.

و هو داني الحجزة،أي ممتلئ الكشحين،و هو عيب.

و يقال:وردت الإبل و لها حجز،أي شباعا عظام البطون.(2:177)

محمود شيت: أ-حجز بينهما:فصل،و بين المتحاربين:منعهم من القتال.

ب-احتجز في خندقه:امتنع به.

ج-الحاجز:الفاصل بين الشّيئين،و حاجز الغاز:

الّذي يحجز الغاز النّاتج من انفجار العتاد،و الحاجز:مانع الرّؤية المتبادلة.

يقال:الحاجز:الواقف،و الحاجز البارك،و الحاجز الممتدّ:حاجز للتّدريب على الرّمي:الواقف أو البارك أو الممتدّ.(وضع الامتداد:الانبطاح)،يتدرّب الجنديّ وراءه فيحجزه عن نظر العدوّ.

د-الحجز:عقوبة من العقوبات العسكريّة،يقال:

عوقب الجنديّ بحجز ثكنة:يبقى في الثّكنة و لا يغادرها إلى أهله.(1:171)

المصطفويّ: الحجز قريب معناه من الحجر و الحجب،و الأصل الواحد فيه:هو الفاصل المانع بين الشّيئين،و ليس بمعنى المانع المطلق،و لا بمعنى الفاصل المطلق،و له قيود ثلاثة.

و أمّا السّراة و الحجاز و تهامة و نجد:فالسّراة سلسلة جبال ممتدّة من جنوب سيناء،و هو الشّمال الغربيّ من جزيرة العرب،إلى منتهى الجنوب الغربيّ من الجزيرة،و هو أرض اليمن.فالجانب الغربيّ من تلك الجبال الواقع بساحل بحر الأحمر يسمّى تهامة،و الجانب الشّرقيّ منها الواقع في الارتفاعات المتعلّقة بتلك الجبال يسمّى نجد،و بلدة رياض فيها.و ما وقع بين تهامة و نجد في أطراف تلك الجبال يسمّى الحجاز.و مكّة المكرّمة و جدّة من بلاد تهامة.

وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً النّمل:61،هذه الآية في مقام بيان النّعم و تقدير المعيشة و إعداد وسائل الحياة للإنسان،و منها جعل حاجز و فاصل بين البحرين كالجزيرة الواقعة بين البحر الأحمر و خليج عدن،و لو شاء اللّه لجعلهما متّصلين و واحدا،فوجود هذه الفاصلة هو الموجب لتعيّش أهل جزيرة العرب فيها.

و أمّا الآية هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَ جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَ حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:53، فهي في مقام بيان القدرة و العظمة له تعالى،حتّى لا يختلط الماء الفرات بالملح الأجاج.

فالمناسب أن يعبّر في الأولى بالحاجز،و في الثّانية بالحجر و الحفظ.

ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ الحاقّة:47،حتّى يكون فاصلا بيننا و بينه، و مانعا عن أخذه و قطعه.

فظهر الفرق بين الحجر و الحجز و المنع و الفصل، و لا يخفى لطف التّعبير.(2:185)

ص: 59

النّصوص التّفسيريّة

حاجزا

وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً... النّمل:61

ابن عبّاس: مانعا لا يختلطان.(320)

سلطانا من قدرته،فلا هذا يغيّر ذاك و لا ذاك يغيّر هذا.(القرطبيّ 13:222)

مجاهد :بحر السّماء و الأرض،و الحاجز من الهواء.

(أبو حيّان 7:90)

الضّحّاك: و البحران:العذب و الملح،و الحاجز:

الفاصل من قدرته تعالى.(أبو حيّان 7:89)

نحوه الزّجّاج(4:127)،و الطّبرسيّ(4:229)، و الشّربينيّ(3:69).

قتادة :حاجزا من اللّه لا يبغي أحدهما على صاحبه.

(3:69)

حاجزا من الأرض أن يختلط أحدهما بالآخر.

(الماورديّ 4:222)

نحوه ابن الجوزيّ.(6:186)

السّدّيّ: البحرين،بحر العراق و الشّام،و الحاجز من الأرض.(أبو حيّان 7:90)

الماورديّ: و الحاجز:المانع من اختلاط أحدهما بالآخر.(4:222)

نحوه البغويّ(3:511)،و القرطبيّ(13:222)، و الخازن(5:127).

الطّوسيّ: فالحاجز هو المانع بين الشّيئين،أن يختلط أحدهما بالآخر،و قد يكون ذلك بكفّ كلّ واحد منهما عن صاحبه.و في ذلك دلالة على إمكان كفّ النّار عن الحطب،حتّى لا تحرقه و لا تسخنه،كما كفّ الماء المالح عن الاختلاط بالعذب.(8:109)

القشيريّ: بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ بين القلب و النّفس، لئلاّ يغلب أحدهما صاحبه.و يقال:بين العبوديّة و أحكامها،و الحقيقة و أحكامها،فلو غلبت العبوديّة كانت جحدا للحقيقة،و لو غلبت الحقيقة العبوديّة كانت طيّا للشّريعة.

و يقال:ألسنة المريدين مقرّ ذكره.و أسماعهم محلّ الإدراك الموصل إلى الفهم،و العيون مقرّ الاعتبار.

(5:44)

الميبديّ: أي مانعا،بلطيف قدرته على وجه لا يشاهد و لا يعاين،يمنع اختلاط أحدهما بالآخر

(7:240)

الزّمخشريّ: (حاجزا)كقوله:برزخا.(3:155)

ابن عطيّة: ما جعل اللّه بينهما من حواجز الأرض و موانعها على رقّتها في بعض المواضع،و لطافتها الّتي لو لا قدرة اللّه تعالى لغلب الملح العذب.(4:267)

الفخر الرّازيّ: فالمقصود منه أن لا يفسد العذب بالاختلاط،و أيضا فلينتفع بذلك الحاجز.و أيضا المؤمن في قلبه بحران:بحر الإيمان و الحكمة،و بحر الطّغيان و الشّهوة،و هو بتوفيقه جعل بينهما حاجزا لكي لا يفسد أحدهما بالآخر.(24:208)

النّيسابوريّ: وَ جَعَلَ بَيْنَ بحر الرّوح و بحر النّفس(حاجزا):القلب،فإنّ في اختلاطهما فساد حالهما.(20:12)

ص: 60

1Lأبو السّعود: برزخا مانعا من الممازجة.(5:96)

نحوه البروسويّ(6:362)،و القاسميّ (13:4678).

المراغيّ: و جعل بين المياه العذبة و الملحة حاجزا يمنعهما من الاختلاط،حتّى لا يفسد هذا بذاك.و الحكمة تقضي ببقاء كلّ منهما على حاله،فالعذبة لسقي النّاس و الحيوان و النّبات و الثّمار،و الملحة:تكون مصادر للأمطار الّتي تجري منها،و كذلك هي وسيلة لإصلاح الهواء.(20:9)

الطّباطبائيّ: و الحاجز هو المانع المتخلّل بين الشّيئين.(15:380)

عبد الكريم الخطيب :أي فصل بين ماء البحار و ماء الأنهار،حيث يلتقيان،فلا يطغى أحدهما على الآخر...بل يبقى ماء الأنهار عذبا سائغا،و يظلّ ماء البحار ملحا أجاجا...(10:265)

مكارم الشّيرازيّ: فقد ورد في هذه الآية الكريمة ذكر أربع نعم عظيمة...[إلى أن قال:]

و النّعمة الأخرى الحجاب الحاجز بين البحرين،أو الحائل الطّبيعيّ الّذي يحول بين الماء المالح و الماء العذب، و هذا الحجاب غير المرئيّ،إن هو إلاّ الاختلاف في درجة الغلظة بين الماء العذب و الماء المالح.

أو كما يصطلح عليه اختلاف الوزن النّوعيّ الخاصّ الّذي يسبّب عدم انحلال مياه الأنهار العظيمة العذبة الّتي تنصبّ في البحار المالحة لمدّة طويلة،و عند حالة المدّ تتسلّط هذه المياه العذبة على السّواحل الصّالحة للزّراعة،فتسقيها.(12:102)

فضل اللّه:في اختلاط الماء العذب بالماء المالح من دون أن يؤثّر أحدهما على الآخر من خلال حاجز خفيّ، من قدرة اللّه،مانع من امتزاجهما و اتّحادهما في طعم واحد،كما هي طبيعة الأشياء.

و ربّما أريد منه مواقع الماء المالح و مواقع الماء العذب، في ما هي المسافة بين البحر و النّهر،الّتي جعلت الماء المالح في مكان أكثر انخفاضا من الماء العذب،فيستمدّ الماء المالح استمراره ممّا يأتيه من الماء العذب المتدفّق من الأعالي،و لو اختلف الأمر و انعكس،لفسد الماء العذب و اختلفت الحياة.(17:229)

حاجزين

فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ. الحاقّة:47

أبو عبيدة :خرج صفته على صفة الجميع،لأنّ (أحدا)يقع على الواحد و على الاثنين و الجميع من الذّكر و الأنثى.(2:268)

الطّبريّ: (حاجزين)يحجزوننا عن عقوبته، و ما نفعله به.(29:68)

الطّوسيّ: معناه ليس أحد يمنع غيره من عقاب اللّه،بأن يكون حائلا بينه و بينه؛فالحاجز هو الحائل بين الشّيئين.و إنّما قال(حاجزين)بلفظ الجمع،لأنّ(أحدا) يراد به الجمع،و إن كان بصيغة الواحد.(10:110)

البغويّ: مانعين يحجزوننا عن عقوبته،و المعنى أنّ محمّدا لا يتكلّف الكذب لأجلكم مع علمه بأنّه لو تكلّفه لعاقبناه،و لا يقدر أحد على دفع عقوبتنا عنه...

(5:150)

ص: 61

نحوه الميبديّ(10:216)،و الطّبرسيّ(5:350)، و الخازن(7:123)،و الكاشانيّ(5:222).

الزّمخشريّ: قيل:(حاجزين)في وصف(أحد)، لأنّه في معنى الجماعة،و هو اسم يقع في النّفي العامّ، مستويا فيه الواحد و الجمع و المذكّر و المؤنّث.و منه قوله تعالى: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ البقرة:285، لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ الأحزاب:32.

و الضّمير في(عنه)للقتل،أي لا يقدر أحد منكم أن يحجزه عن ذلك و يدفعه عنه؛أو لرسول اللّه،أي لا تقدرون أن تحجزوا عنه القاتل و تحولوا بينه و بينه.

(4:155)

نحوه الشّربينيّ(4:379)،و المراغيّ(29:64).

البيضاويّ: دافعين،وصف ل(احد)فإنّه عامّ، و الخطاب للنّاس.(2:502)

مثله أبو السّعود.(6:298)

أبو حيّان :و الضّمير في(عنه)الظّاهر أنّه يعود على الّذي تقول،و يجوز أن يعود على القتل،أي لا يقدر أحد منكم أن يحجزه عن ذلك و يدفعه عنه،و الخطاب في (منكم)للنّاس.

و الظّاهر في(حاجزين)أن يكون خبرا ل(ما)على لغة الحجاز،لأنّ(حاجزين)هو محطّ الفائدة،و يكون (منكم)لو تأخّر لكان صفة ل(احد)فلمّا تقدّم صار حالا؛ و في جواز هذا نظر.أو يكون للبيان،أو تتعلّق ب(حاجزين)كما تقول:ما فيك زيد راغبا.و لا يمنع هذا الفصل من انتصاب خبر(ما).[ثمّ نقل قول الزّمخشريّ و قال:]

و إذا كان(حاجزين)نعتا ف(من احد)مبتدأ و الخبر (منكم).و يضعف هذا القول،لأنّ النّفي يتسلّط على الخبر،و هو كينونته منكم فلا يتسلّط على الحجز.و إذا كان(حاجزين)خبرا تسلّط النّفي عليه،و صار المعنى:

ما أحد منكم يحجزه عن ما يريد به من ذلك.(8:329)

البروسويّ: دافعين،و هو وصف ل(احد)فإنّه عامّ لوقوعه في سياق النّفي،كما في قوله عليه السّلام:«لم تحلّ الغنائم لأحد أسود الرّأس غيرنا».

ف(من احد)في موضع الرّفع بالابتداء،و(من)زائدة لتأكيد النّفي،و(منكم)خبره،و المعنى فما منكم قوم يحجزون عن المقتول أو عن قتله و إهلاكه،المدلول عليه بقوله: ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ الحاقّة:46،أي لا يقدر على الحجز و الدّفع.

و هذا مبنيّ على أصل بني تميم،فإنّهم لا يعملون(ما) لدخولها على القبيلتين.و قد يجعل(حاجزين)خبرا ل(ما)على اللّغة الحجازيّة،و لعلّه أولى؛فتكون كلمة (ما)هي المشبّهة بليس،ف(من احد)اسم(ما)، و(حاجزين)منصوب على أنّه خبرها،و(منكم)حال مقدّم،و كان في الأصل صفة ل(احد).

و في الآية تنبيه على أنّ النّبيّ عليه السّلام لو قال من عند نفسه شيئا أو زاد أو نقص حرفا واحدا على ما أوحي إليه،لعاقبه اللّه و هو أكرم النّاس عليه،فما ظنّك بغيره ممّن قصد تغيير شيء من كتاب اللّه،أو قال شيئا من ذات نفسه.(10:151)

نحوه الآلوسيّ.(29:54)

ص: 62

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الحجزة،أي موضع شدّ الإزار؛و الجمع:حجز و حجزات،ثمّ قيل:الإزار:حجزة للمجاورة،يقال:احتجز بالإزار،أي شدّه على وسطه، و تحاجز القوم:أخذ بعضهم بحجز بعض،و حجزة السّراويل:معقدها و موضع التّكّة.

و يقال مجازا:رجل شديد الحجزة،أي صبور على الشّدّة و الجهد.

و الحجاز:حبل يشدّ به العكم و رسغا البعير.يقال:

حجزت البعير أحجزه حجزا فهو محجوز.

و الحاجز:الفاصل بين الشّيئين؛و الجمع:حجزة، و هم الظّلمة وزنا و معنى،لأنّهم يحجزون النّاس عن حقوقهم.

و حجز الرّجل:أصله و منبته،و العشيرة الّتي يحتجز بهم.

و الحجز:الفصل بين الشّيئين و بين المقاتلين،يقال:

حجز بينهما يحجز و يحجز حجزا و حجازة فاحتجزوا، و تحاجز القوم و انحجزوا و احتجزوا:تزايلوا،و الحجزة:

هيئة المحتجز.

و حجزه يحجزه و يحجزه:منعه،و حجزه عن الأمر يحجزه حجازة و حجّيزى:صرفه،و من أمثالهم:«كانت بين القوم رمّيّا ثمّ صارت إلى حجّيزى»،أي تراموا ثمّ تحاجزوا،و فيه أيضا:«إن أردت المحاجزة فقبل المناجزة»المحاجزة:الممانعة.و حجازيك:احجز بينهم حجزا بعد حجز.

2-و الحجاز:اسم ما يفصل بين الشّيئين،ثمّ سمّي به الصّقع المعروف.يقال:أحجز القوم و احتجزوا و انحجزوا،أي أتوا الحجاز.

و سمّي بذلك،لأنّ جبال السّراة-الّتي أطلق عليها الحجاز-تفصل المرتفعات(نجد)عن السّواحل المنبسطة (تهامة).و تضمّ هذه المنطقة مكّة و المدينة و جدّة و توابعها،و قد ازدهرت بفضل مكّة و المدينة؛إذ هي أراض قاحلة،سوى بعض الأراضي الخصبة في المناطق الجبليّة،و في واحة الطّائف.و يغلب على الحجاز الطّابع البدويّ،إلاّ في مدنه الكبيرة؛حيث يسكن فيها غير الأعراب أيضا.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت منها صيغة«فاعل»نكرة منصوبة مرّتين:

مرّة مفردا وصفا لما بين البحرين،و مرّة جمعا وصفا للنّاس في آيتين مكّيّتين:

1- أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَ جَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَ جَعَلَ لَها رَواسِيَ وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ النّمل:61

2- فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ

الحاقّة:47

يلاحظ أوّلا:أنّ اللّه ذكر في(1)أربعا من آثار قدرته و رحمته في الأرض:جعل الأرض قرارا،و جعل خلالها أنهارا،و جعل لها رواسي-و هي الجبال-و جعل بين البحرين حاجزا،و فيها بحوث:

1-قد كرّر فيها(جعل)أربع مرّات،لكلّ واحدة منها مرّة،دون أن يكتفي منها بواحدة،تأكيدا على

ص: 63

الاهتمام بها،و تنبيها على أنّ كلّ واحدة منها منحازة عن الأخرى،في الدّلالة على كمال قدرة اللّه،وسعة رحمته و شمول نعمته.

2-لقد أتى بها خلال أربع جمل بعد أن ذكر في آية قبلها خلال أربع جمل أيضا أربعا من آثار قدرته و رحمته في خلق السّماء و الأرض،حيث قال: أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها، و هي خلق السّماوات و الأرض جميعا،و إنزال الماء من السّماء،و إنبات حدائق ذات بهجة به،و أنّهم لم يقدروا على أن ينبتوا شجرها،فالموازنة بين الآيتين حاصلة تماما،و في نفس الوقت فيهما فروق و مشتركات أخرى.

أ:فعل اللّه في الأخيرة واحد نوعا،و هو«الجعل» و في الأولى متعدّد،و هو الخلق و الإنزال و الإنبات، و تعجيز النّاس عن الإنبات.

ب:أنّ الأربعة في الأخيرة معطوف بعضها على بعض ب«الواو»في عرض واحد،و في الأولى عطف (انزل)على(خلق)ب«الواو»و عطف(انبتنا)على (انزل)ب«فاء»التّفريع،تنبيها على أنّ الإنبات نتيجة طبيعيّة للماء،متفرّعة عليه.

ج:بدّل(انبت)فعلا غائبا مفردا مماثلا لما قبله،أي (خلق)و(انزل)بصيغة(أنبتنا)فعلا متكلّما جمعا تعظيما،و تنبيها على أنّه لو لا مشيّته تعالى لما يتأتّى الإنبات عن الماء رأسا.

د:ذكر إنبات حدائق ذات بهجة و شجرها،دون إنبات الزّرع إشعارا بجمالها و تنوّعها و عظمها.

ه:و مع هذه الفروق بين الآيتين ففيهما وحدة السّياق صدرا و ذيلا بالاستفهام الإقراريّ فيهما، و بالتّوبيخ في ذيلهما،تأكيدا على التّوحيد العباديّ و الأفعاليّ،و ترغيبا للنّاس إلى الاعتراف بهما و الحذر من خلافهما؛حيث قال في الأولى: أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ و في الأخيرة: أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ.

فوبّخهم أوّلا بعدولهم جميعا عن طريق الحقّ،ثمّ بجهل أكثرهم إنصافا لهم و جريا مع الواقع،لأنّ بعضهم كانوا عالمين بالحقّ.

3-جلّ ما قالوا في«جعل ما بينهما حاجزا» يرجع إلى سبعة وجوه تفسيرا و تأويلا:

أ:جعل بين البحرين حاجزا من الأرض كالأرض الواقعة بين بحر العراق و بحر الشّام،و بين البحر الأبيض و البحر الأحمر،و ذلك لئلاّ يطغى أحدهما على الآخر،أو يختلطان،أو يختلط الماء العذب بالماء المالح،كما جاء في وَ هُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَ جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَ حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:

53،و مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ* بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ الرّحمن:19،20،و لكن قلّ في الأرض بحر عذب،و البحار معظمها مالحة.

ب:حاجزا بين ماء البحار المالحة و بين ماء الأنهار العذبة؛حيث يلتقيان فلا يطغى أحدهما على الآخر.

ج:حجابا غير مرئيّا و قوّة خفيّة في طبيعة الماء العذب و الماء المالح،تمنع من اختلاطهما حتّى لا يفسدا لأنّ

ص: 64

الحكمة في بقاء كلّ منهما على حاله،فالعذبة يسقي الإنسان و الحيوان و النّبات،و الملحة تكون مصادر للأمطار الّتي تجري منها الأنهار،و هي وسيلة لتصفية الهواء.

د:حاجزا بين بحر السّماء-أي السّحاب و الأمطار- و بين بحر الأرض،و الحاجز بينهما الهواء.

و هذه كلّها تفسير،و أمّا التّأويل فكما يأتي:

ه:حاجزا بين بحر الإيمان و الحكمة،و بحر الطّغيان، و كلاهما في قلب المؤمن،و اللّه تعالى جعل بينهما حاجزا لكي لا يفسد أحدهما بالآخر.

و:حاجزا بين القلب و النّفس لئلاّ يغلب أحدهما صاحبه،و هذا مرجعه إلى سابقه.

ز:حاجزا بين العبوديّة و أحكامها،و الحقيقة و أحكامها،فلو غلبت العبوديّة كانت للحقيقة،و لو غلبت الحقيقة العبوديّة كانت طيّا للشّريعة.

و عندنا أنّ التّأويل باب واسع حسب اختلاف الأذواق و الاتّجاهات،و لا ضابط له و لا يحتجّ به.أمّا التّفسير فالوجه الأوّل أظهر و لا سيّما بملاحظة الآيتين في«البرزخ»فلاحظ.و كيف كان فكلمة(حاجزا) جاءت فيها في سياق المدح.

ثانيا:جاء(حاجزين)في(2)في سياق الذّمّ؛حيث قال إبطالا لقول المشركين:إنّ القرآن قول شاعر أو كاهن،و إثباتا أنّه قول رسول كريم تنزيل من ربّ العالمين: وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ* وَ لا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ* تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ* وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ* لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ* وَ إِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ الحاقّة:41-48، أي إنّ محمّدا لا يتكلّف الكذب علينا من أجلكم،مع علمه بأنّه لو تكلّفه لعاقبناه و لا يقدر أحد منكم على رفع عقوبتنا عنه.و فيها بحوث:

1-جاء(حاجزين)جمعا وصفا ل(احد)،و هو مفرد،لأنّه نكرة في سياق النّفي فيفيد الجمع،أي لا تكونوا حاجزين عنه،نظير لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ البقرة:285، لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ الأحزاب:32.

2-الضّمير في (عَنْهُ حاجِزِينَ) راجع إلى الرّسول، دون«القتل»أو«العذاب»أو«القطع»المستفاد من لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ كما قيل،فهو كضمير(منه)في (مِنْهُ الْوَتِينَ) .

3-قال الطّبرسيّ(ج 4:349)في إعراب فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ: (مِنْ أَحَدٍ) في موضع رفع لأنّه اسم(ما)،و(من)زائدة لتأكيد النّفي،تقديره:

فما منكم أحد،و الأصل:فما أحد منكم.ف(منكم)في موضع رفع بكونه صفة على الموضع،أو في موضع جرّ على اللّفظ فلمّا تقدّم الموصوف صار في موضع النّصب على الحال(حاجزين)منصوب بأنّه خبر(ما)،و لم يبذل قوله:(منكم)عمل(ما)و إن فصل بينهما لأنّه ظرف، و الفصل بالظّرف في هذا الباب كلا فصل.قال أبو عليّ:

«إن جعلت(منكم)مستقرّا كان(حاجزين)صفة (احد)،و إن جعلت(منكم)غير مستقرّ كان(حاجزين) خبر(ما)،و على الوجهين فقوله:(حاجزين)محمول

ص: 65

على المعنى.و أقول في بيانه:إنّه إن كان في(منكم)ضمير ل(احد)،و يكون خبرا له متقدّما عليه،فيكون (حاجزين)صفة ل(احد)،و تقديره:ما منكم قوم حاجزين عنه،و يكون(ما)غير عاملة هنا على غير لغة تميم أيضا،و يكون(حاجزين)مجرورا حملا على اللّفظ، و كونه غير مستقرّ هو أن يكون على ما ذكرنا قبل».

و قد ذكرنا كلامه بطوله لتعرف أنّ الاستغراق في المصطلحات النّحويّة المبهمة يبعّدنا عن فهم القرآن جليّا واضحا،و لو قيل بدل ذلك:إنّ رعاية الرّويّ في الآيات غيّرت النّظم الطّبيعيّ و هو«لا تكونوا جميعا حاجزين عنه»لكان مفهوما.

ص: 66

ح د ب

اشارة

حدب

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحدبة:موضع الحدب من ظهر الأحدب؛ و الاسم:الحدبة.و قد حدب حدبا و احدودب ظهره.

و حدب فلان على فلان حدبا،أي عطف عليه و حنا،و إنّه كالوالد.

و الحدب:حدور في صبب،و من ذلك:حدب الرّيح و حدب الرّمل؛و جمعه:حداب،و منه قوله تعالى:

وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ الأنبياء:96.

و يقال للدّابّة إذا بدت حراقيفه و عظم ظهره:

حدباء و حدبير و حدبار.

و الحداب:ما ارتفع من الأرض؛الواحدة:حدبة حدبة و حدبة.[ثمّ استشهد بشعر](3:186)

أبو عمرو الشّيبانيّ: أرض حدبة:كثيرة النّصيّ، و الحدب:النّصيّ،في لغة كلب.(1:157)

الحدأ:مثل الحدب،حدئت عليه حدأ مثل حدبت عليه حدبا،أي أشفقت.(الأزهريّ 4:429)

الأصمعيّ: الحدب و الحدر:الأثر في الجلد.

(الأزهريّ 4:430)

ابن الأعرابيّ: حدبة[الماء]:كثرته و ارتفاعه.

و يقال:حدب الغدير:تحرّك الماء و أمواجه.

و المتحدّب:المتعلّق بالشّيء الملازم له.

(الأزهريّ 4:431)

شمر:حدب الماء:ما ارتفع من أمواجه.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:431)

الدّينوريّ: و الحداب:جبال بالسّراة،ينزلها بنو شبابة:قوم من بني فهم بن مالك.(ابن سيده 3:265)

ابن أبي اليمان :و الحدب:النّاحية،قال اللّه عزّ و جلّ: مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ الأنبياء:96.

(150)

ابن دريد :و الحدب:معروف،حدب يحدب حدبا.

ص: 67

و الحدب:الغلظ من الأرض في ارتفاع،و كذلك فسّر في التّنزيل.

و جمع الحدب:أحداب و حداب.

و كلّ متعطّف متحدّب.

و يقال:حدب الرّجل على الرّجل،إذ تعطّف عليه و رحمه.

و تحدّبت المرأة على ولدها،إذا أشبلت عليه و لم تتزوّج.

و رأيت للماء حدبا،إذا تراكب في جريه.

و احدودب الرّمل احديدابا،إذا احقوقف و تقوّس.

و كلّ غليظ من الأرض:محدودب.

و حدب السّيل و الماء:تراكب موجه،و منه نهر ذو حدب،إذا كان كذلك.

و الحدبدبى:لعبة يلعب بها النّبيط.[و استشهد بالشعر مرّتين](1:216)

ابن شميّل: و أمّا أحدباهما[ وظيفي الفرس]فهما عرقان.و قال بعضهم:الأحدب في الذّراع:عرق مستبطن عظم الذّراع.

الحدبة:ما أشرف من الأرض و غلظ.و لا تكون الحدبة إلاّ في قفّ أو غلظ أرض.(الأزهريّ 4:430)

ابن بزرج:يقال:اشترى الإبل في حداب على «فعال»أي في سنة حدباء،مثل فساق.

(الأزهريّ 4:431)

الأزهريّ: و الحدبة محرّكة الحروف:موضع الحدب في الظّهر النّاتئ،فالحدب دخول الصّدر و خروج الظّهر،و القعس:دخول الظّهر و خروج الصّدر.

يقال:اجتمع النّبيط يلعبون الحدبدبى،و هي لعبة لهم.

و حدب الشّتاء:شدّة برده،و سنة حدباء:شديدة.

و التّحدّب مثله.

[و قيل:]حدب السّيل:ارتفاعه.

[و قيل:]حدب الأمور:شواقّها؛واحدها:حدباء.

و سنة حدباء:شديدة،شبّهت بالدّابّة الحدباء.

[و استشهد باشعر أربع مرّات](4:429)

الصّاحب:الحدب:مصدر الأحدب،و الموضع:

الحدبة.و حدب يحدب حدبا،و احدودب ظهره.

و الحدب و النّدب:الأثر في الجلد.

و أحدب الشّيخ إحدابا،إذا حناه الكبر.

و حدب فلان على فلان يحدب عليه حدبا،إذا عطف.و والد حدب (1).[ثمّ أدام نحو الخليل و أضاف:]

و عشب له حدب،أي طول.

و سير أحدب:شديد.

و الأحدب،في الذّراع:عرق مستبطن عظم الذّراع، و هما أحدبان.

و الآلة الحدباء:الدّاهية.

و لعبة تسمّى:حدبدى و حدبدى.(3:45)

الخطّابيّ: و الحدب:نتوء الظّهر.[ثمّ استشهد بشعر](1:474)

الجوهريّ: الحدب:ما ارتفع من الأرض؛و الجمع:

الحداب...

و الحدبة:الّتي في الظّهر،و قد حدب ظهره فهوة.

ص: 68


1- الظّاهر:حدب،كما في كتب اللّغة.

حدب،و احدودب مثله.

و أحدبه اللّه،فهو رجل أحدب بيّن الحدب.

و ناقة حدباء،إذا بدت حراقفها.يقال:هنّ حدب حدابير.

و يقال أيضا:حدب عليه و تحدّب عليه،أي تعطّف عليه.(1:108)

ابن فارس: الحاء و الدّال و الباء أصل واحد،و هو ارتفاع الشّيء؛فالحدب:ما ارتفع من الأرض.

و الحدب في الظّهر،يقال:حدب و احدودب.

و ناقة حدباء،إذا بدت حراقفها،و كذلك الحدبار، يقال:هنّ حدب حدابير.

فأمّا قولهم:حدب عليه،إذا عطف و أشفق،فهو من هذا،لأنّه كأنّه جنأ عليه من الإشفاق،و ذلك شبيه بالحدب.(2:36)

ابن سيده: الحدب:خروج الظّهر و دخول الصّدر و البطن.

رجل أحدب و حدب؛الأخيرة عن سيبويه.

و قد حدب حدبا و احدودب و تحادب.

و اسم العجزة:الحدبة،و اسم الموضع:الحدبة أيضا.

و حالة حدباء:لا تطمئنّ بصاحبها،كأنّ لها حدبة.

و الحدب:حدور في صبب كحدب الرّيح و الرّمل،و في التّنزيل: وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ الأنبياء:96، و الجمع:أحداب و حداب.

و الحدب:الغلظ من الأرض في ارتفاع.

و حدب الماء:موجه،و قيل:هو تراكبه في جريه.

و احدودب الرّمل:احقوقف.

و حدب عليه حدبا فهو حدب و تحدّب:تعطّف.

و حدبت المرأة على ولدها و تحدّبت:لم تتزوّج و أشبلت عليهم.

و المتحدّب:المتعلّق بالشّيء الملازم له.

و الحدباء:الدّابّة الّتي بدت حراقفها و عظم ظهرها.

و وسيق أحدب:سريع.

و الأحدب:الشّدّة.

و الحداب:موضع.

و الحديبيّة:موضع،و قيل:بئر سمّي المكان بها، و بعضهم يقول:الحديبية بالتّخفيف.

و الحدبدبى:لعبة للنّبيط.

[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](3:264)

الطّوسيّ: و الحدبة:خروج الظّهر،يقال:رجل أحدب إذا احدودب كبرا.(7:279)

الرّاغب: يجوز أن يكون الأصل في الحدب:حدب الظّهر،يقال:حدب الرّجل حدبا فهو أحدب و احدودب،و ناقة حدباء تشبيها به،ثمّ شبّه به ما ارتفع من ظهر الأرض،فسمّي حدبا.(110)

الزّمخشريّ: حدب ظهره و احدودب،و في ظهره حدبة.

و من المجاز:نزلوا في حدب من الأرض و حدبة،و هو النّشز و ما أشرف منها، وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ و نزلوا في الحداب.

و حدب عليه و تحدّب:تعطّف،و هو حدب على أخيه،و فيه ما شئت من العطف و الحدب على حفدة العلم و الأدب.

ص: 69

و ناقة حدباء حدبار:بدت حراقفها من الهزال، و نوق حدب حدابير،ضمّ إلى حروف الحدب حرف رابع،فركّب منها رباعيّ.

و في كلام عليّ رضي اللّه عنه:«اعتكرت علينا حدابير السّنين».

و حملوه على الآلة الحدباء،و هي النّعش.

و جاء حدب السّيل بالغثاء،و هو ارتفاعه و كثرته.

و انظر إلى حدب الرّمل،و هو ما جاءت به الرّيح فارتفع.

و أمر أحدب:شاقّ المركب،و خطّة حدباء و أمور حدب.و سنة حدباء:شديدة باردة،و أصابنا حدب الشّتاء.[و استشهد بالشّعر أربع مرّات]

(أساس البلاغة:75

الطّبرسيّ: الحدب:الارتفاع من الأرض بين الانخفاض،و الحدبة:خروج الظّهر و رجل أحدب.(4:63)

المدينيّ: في حديث قيلة:«كانت لها ابنة حديباء»الحدب:ما ارتفع و غلظ من الظّهر،و صاحبه:

أحدب،و المرأة:حدباء،و تصغيره:حديباء،و قد حدب،إذا ارتفع من ظهره هنة.

و الحدب أيضا:ما ارتفع من الأرض.(1:410)

ابن الأثير: و منه حديث يأجوج و مأجوج وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ يريد يظهرون من غليظ الأرض و مرتفعها؛و جمعه:حداب.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:349)

الفيّوميّ: الحدب بفتحتين:ما ارتفع عن الأرض، قال تعالى: وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ.

و منه قيل:حدب الإنسان حدبا،من باب«تعب» إذا خرج ظهره و ارتفع عن الاستواء؛فالرّجل:أحدب، و المرأة:حدباء؛و الجمع:حدب،مثل أحمر و حمراء و حمر.

و الحديبية:بئر بقرب مكّة على طريق جدّة دون مرحلة،ثمّ أطلق على الموضع.و يقال:بعضه في الحلّ و بعضه في الحرم،و هو أبعد أطراف الحرم عن البيت.

و نقل الزّمخشريّ عن الواقديّ: أنّها على تسعة أميال من المسجد،و قال أبو العبّاس أحمد الطّبريّ في كتاب«دلائل القبلة»:حدّ الحرم من طريق المدينة ثلاثة أميال و من طريق جدّة عشرة أميال و من طريق الطّائف سبعة أميال و من طريق اليمن سبعة أميال و من طريق العراق سبعة أميال.

قال في«المحكم»:فيها التّثقيل و التّخفيف،و لم أر التّثقيل لغيره و أهل الحجاز يخفّفون.قال الطّرطوشيّ في قوله تعالى: إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً: هو صلح الحديبية،قال:و هي بالتّخفيف.و قال أحمد بن يحيى:

لا يجوز فيها غيره،و هذا هو المنقول عن الشّافعيّ.

و قال السّهيليّ: التّخفيف أعرف عند أهل العربيّة، قال:و قال أبو جعفر النّحّاس:سألت كلّ من لقيت ممّن أثق بعلمه من أهل العربيّة عن الحديبية،فلم يختلفوا عليّ في أنّها مخفّفة.و نقل البكريّ التّخفيف عن الأصمعيّ أيضا.

و أشار بعضهم إلى أنّ التّثقيل لم يسمع من فصيح، و وجهه أنّ التّثقيل لا يكون إلاّ في المنسوب،نحو:

الإسكندريّة فإنّها منسوبة إلى الإسكندر.و أمّا الحديبية

ص: 70

فلا يعقل فيها النّسبة،و ياء النّسب في غير منسوب قليل،و مع قلّته فموقوف على السّماع.

و القياس أن يكون أصلها:حدباة بألف الإلحاق ببنات الأربعة،فلمّا صغّرت انقلبت الألف ياء و قيل:

حديبية.و يشهد لصحّة هذا قولهم:لييلية بالتّصغير،و لم يرد لها مكبّر،فقدّره الأئمّة«ليلاة»لأنّ المصغّر فرع المكبّر،و يمتنع وجود فرع بدون أصله،فقدّر أصله ليجري على سنن الباب.

و مثله ممّا سمع مصغّرا دون مكبّره قالوا في تصغير غلمة و صبية:أغيلمة (1)و أصيبية،فقدّروا أصله:أغلمة و أصبية،و لم ينطقوا به لما ذكرت،فافهمه فلا محيد عنه.

و قد تكلّمت العرب بأسماء مصغّرة و لم يتكلّموا بمكبّرها،و نقل الزّجّاجيّ عن ابن قتيبة أنّها أربعون اسما.(1:123)

الفيروزآباديّ: الحدب محرّكة:خروج الظّهر و دخول الصّدر و البطن؛حدب كفرح و أحدب و احدودب و تحادب،و هو أحدب و حدب،و حدور في صبب كحدب الموج و الرّمل،و الغلظ المرتفع من الأرض،و من الماء:تراكبه في جريه،و الأثر في الجلد، و نبت أو النّصيّ.

و أرض حدبة:كثيرته،و ما تناثر من البهمى فتراكم،و من الشّتاء:شدّة برده.

و احدودب الرّمل:احقوقف.

و حدب الأمور:شواقّها؛واحدتها:حدباء.

و الأحدب:عرق مستبطن عظم الذّراع،و جبل لفزارة بمكّة حرسها اللّه تعالى و الشّدّة.

و الأحيدب:جبل بالرّوم.

و حداب كقطام:السّنة المجدبة،و موضع؛و يعرب.

و ككتاب:موضع بحزن بني يربوع له يوم،و جبال بالسّراة.

و الحديبية كدويهية و قد تشدّد:بئر قرب مكّة حرسها اللّه تعالى،أو لشجرة حدباء كانت هناك.

و الحديباء:ماء لجذيمة.

و تحدّب به:تعلّق،و عليه:تعطّف،و المرأة:لم تتزوّج و أشبلت على ولدها كحدب بالكسر فيهما.

و الحدباء:الدّابّة بدت حراقفها.

و حدبدبى:لعبة للنّبيط.(1:54)

الطّريحيّ: [نحو الفيّوميّ و أضاف:]

و حدب عليه،إذا عطف.و أحد بهم على المسلمين:

أعطفهم و أشفقهم.

و في حديث البعوضة:«يعلم اللّه تعالى منها موضع النّشء و العقل و الشّهوة للسّفاد و الحدب على نسلها» أي التّعطّف و التّحنّن،فسبحانه من عليم خبير.

و آلة الحدباء:النّعش.[ثمّ استشهد بشعر](2:36)

محمّد إسماعيل إبراهيم:الحدب:معناه نتوء في الظّهر،ثمّ أطلق على كلّ مرتفع و لو من الأرض،مثل الجبل أو الأكمة أو الهضبة.(125)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ«الحدب»هو الارتفاعّ.

ص: 71


1- في القاموس:الغلام جمعه:أغلمة و غلمة و غلمان. و الصّبيّ جمعه:أصبية و أصب و صبوة و صبية و صبية و صبوان و صبيان و تضمّ هذه الثّلاثة-اه فلا وجه لإنكار مكبّر أغيلمة و أصيبية!و قد ذكرهما«صاحب القاموس»أوّل الجموع لكلّ من الغلام و الصّبيّ.

إذا كان أطرافه في حدور و إشراف إلى الانخفاض، و لا يقال لكلّ ارتفاع:حدب.

...وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، أي من كلّ موضع مرتفع مشرف إلى الانخفاض يسرعون، فلا يكون الارتفاع حاجزا بينهم و بين سيرهم و حركتهم،و في هذا التّعبير إشارة أيضا إلى حدّة سيرهم و سرعتهم،و إلى تسلّطهم و إحاطتهم.(2:187)

النّصوص التّفسيريّة

حدب

حَتّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ الأنبياء:96

ابن مسعود:من كلّ نشز من الأرض.

(الطّبرسيّ 4:64)

ابن عبّاس: من كلّ أكمة و مكان مرتفع.(275)

نحوه الفرّاء.(2:211)

من كلّ شرف يقبلون.(الطّبريّ 17:91)

إنّه فجاجها و أطرافها.(الماورديّ 3:471)

قتادة :من كلّ أكمة.(الطّبريّ 17:91)

ابن زيد :الحدب:الشّيء المشرف.

(الطّبريّ 17:91)

ابن قتيبة :أي من كلّ نشز من الأرض و أكمة.

(288)

الطّبريّ: يعني من كلّ شرف و نشز و أكمة.

(17:91)

الزّجّاج: و رويت أيضا (من كلّ جدث ينسلون) بالجيم و الثّاء،و الأجود في هذا الحرف حَدَبٍ يَنْسِلُونَ بالحاء،و الحدب:كلّ أكمة.(3:405)

الماورديّ: و في حدب الأرض ثلاثة أوجه:

أحدها:[قول ابن عبّاس الأخير]

و الثّاني:حولها.

و الثّالث:تلاعها و آكامها،مأخوذ من حدبة الظّهر.

(3:471)

الطّوسيّ: قال قتادة:الحدب:الأكم،و قيل:هو الارتفاع من الأرض بين الانخفاض،و معناهما واحد.

(7:279)

الواحديّ: الحدب:كلّ أكمة مرتفعة من الأرض، و المعنى و هم من كلّ شيء من الأرض يسرعون،يعني أنّهم يتفرّقون في الأرض،فلا ترى أكمة إلاّ و قوم منهم يهبطون منها مسرعين.(3:252)

نحوه الطّبرسيّ.(4:64)

البغويّ: أي نشز و تلّ،و الحدب:المكان المرتفع.

(3:317)

نحوه الميبديّ(6:306)،و البروسويّ(5:522).

الزّمخشريّ: الحدب:النشز من الأرض.قرأ ابن عبّاس رضي اللّه عنه (من كلّ جدث) و هو القبر،الثّاء حجازيّة و الباء تميميّة.(2:584)

نحوه البيضاويّ.(2:81)

الطّبرسيّ: يعني أنّهم يتفرّقون في الأرض، فلا ترى أكمة إلاّ و قوم منهم يهبطون منها مسرعين.

و قيل:إنّ قوله:(هم)كناية عن الخلق يخرجون من

ص: 72

قبورهم إلى الحشر،عن مجاهد.و كان يقرأ (من كلّ جدث) يعني القبر،و يدلّ عليه قوله: فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ يس:51.(4:64)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فحشو في أثناء الكلام...و الحدب:

النّشز من الأرض،و منه حدبة الأرض،و منه حدبة الظّهر.(22:222)

القرطبيّ: أي لكثرتهم ينسلون من كلّ ناحية.

(11:341)

النّسفيّ: نشز من الأرض،أي ارتفاع.(3:89)

نحوه أبو السّعود.(4:357)

الشّربينيّ: أي نشز عال من الأرض.(2:530)

الآلوسيّ: أي مرتفع من الأرض كجبل و أكمة.

و قرأ ابن عبّاس (جدث) بالجيم و الثّاء المثلّثة و هو القبر، و هذه القراءة تؤيّد رجوع الضّمير إلى النّاس.

و قرئ بالجيم و الفاء،و هي بدل«الثّاء»عند تميم، و لا يختصّ إبدالها عندهم في آخر الكلمة،فإنّهم يقولون:

مغثور مكان مغفور.(17:92)

عبد الكريم الخطيب :و الحدب:المكان المرتفع، و منه الأحدب الّذي برز ظهره،و علا،ثمّ انحنى.

(9:954)

مكارم الشّيرازيّ: الحدب على زنة«الأدب» معناه ما ارتفع من الأرض بين منخفضاتها،و قد يطلق على ما ارتفع و برز من ظهر الإنسان أيضا.(10:219)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحدب،و هو ما ارتفع من ظهر الإنسان.يقال:حدب ظهره يحدب حدبا،فهو أحدب و حدب،و احدودب ظهره و تحادب،و أحدبه اللّه.

و الحدباء:الدّابّة الّتي بدت حراقفها و عظم ظهرها.

يقال:ناقة حدباء و حدبير و حدبار،و هنّ حدب و حدابير.

و الحدبة أيضا:ما أشرف من الأرض و غلظ و ارتفع،و هو تشبيه بحدبة الظّهر.

و الحدب:حدور في صبب كحدب الرّيح و الرّمل؛ و الجمع:أحداب و حداب.يقال:احدودب الرّمل:

احقوقف،أي استطال و اعوجّ،كاحقيقاف الظّهر و اعوجاجه.و حدب الماء:ما ارتفع من موجه،و حدب السّيل:ارتفاعه،و حدب الغدير:كثرته و ارتفاعه، و حدب البهمى:ما تناثر منه فركب بعضه بعضا،كحدب الرّمل،و نهر ذو حدب:متراكب الموج.

و الحدب:الإشفاق،يقال:حدب فلان على فلان يحدب حدبا فهو حدب،و حدبت المرأة على ولدها و تحدّبت:لم تتزوّج و أشبلت عليهم،و تحدّب:تعطّف و حنا عليه.يقال:هو له كالوالد الحدب،و هذا من الباب، فكأنّه جنأ عليه من الإشفاق،و ذلك شبيه بالحدب.

و سنة حدباء:شديدة،شبّهت بالدّابّة الحدباء؛ و الجمع:حدب،و حدب الأمور:شواقّها،و أمر أحدب:

ص: 73

شاقّ،و حدب الشّتاء:شدّة برده.

2-و لعلّ بعض مشتقّات«الحدر»دخلت هذه المادّة خطأ أو تصحيفا،كقول بعضهم:الحدب و الحدر:الأثر في الجلد،و الأظهر الحدر وحده دون الحدب.يقال منه:

حدر جلده عن الضّرب يحدر و يحدر حدرا و حدورا، أي غلظ و انتفخ و ورم.

و قيل:و سيق أحدب،و لعلّه الحدر،أي الإسراع في القراءة،يقال:حدر في قراءته و في أذانه حدرا،أي أسرع.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد(حدب)في سورة مكّيّة:

حَتّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ الأنبياء:96

يلاحظ أنّهم قالوا في كُلِّ حَدَبٍ: كلّ نشز من الأرض،كلّ أكمة و مكان مرتفع،كلّ شرف،و جمع الطّبريّ بينها فقال:من كلّ شرف،و نشز،و أكمة.و قال الطّوسيّ:و قيل:هو الارتفاع من الأرض بين الانخفاض.و ذكر الماورديّ فيه ثلاثة أوجه:أكمة منها، حولها،تلاعها و آكامها،و معناها واحد أو قريب،و فيها بحوث:

1-في تفسيرها،قال الطّبرسيّ ج 4:64:أي و هم -يريد يأجوج و مأجوج-من كلّ نشز من الأرض يسرعون،عن قتادة،و ابن مسعود،و الجبّائيّ،و أبي مسلم،يعني أنّهم يتفرّقون في الأرض فلا ترى أكمة إلاّ و قوم منهم يهبطون منها مسرعين.و قيل:إنّ قوله:

(هم)كناية عن الخلق يخرجون من قبورهم إلى الحشر، عن مجاهد،و كان يقرأ (من كلّ جدث) يعني القبر،و يدلّ عليه قوله: فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ يس:51.

2-و عليه فضمير(هم)يحتمل رجوعه إلى يأجوج و مأجوج،أو إلى أهل قرية أهلكهم اللّه في آية قبلها، و يؤيّده قراءة (جدث) و لكن سياق الكلام يناسب الأوّل،لظهور«الحدب»في ما على الأرض من الارتفاع و الانخفاض،دون الحشر،و لهذا قال القرطبيّ:أي لكثرتهم ينسلون من كلّ ناحية،و إن جاء(ينسلون)في الحشر أيضا في آية يس.

3-القراءة المشهورة (حدب) بالحاء و الباء،و قرئ (جدث) بالجيم و الثّاء-كما سبق-و قرئ (جدف) بالجيم و الفاء،و هي بدل«الثّاء»عند تميم،فهي يوافق المعنى الثّاني.

4-قال الفخر الرّازيّ ج 22 ص 222: حَتّى إِذا فُتِحَتْ المعنى فتح سدّ يأجوج و مأجوج فحذف المضاف و أدخلت علامة التّأنيث في(فتحت)لمّا حذف المضاف،لأنّ يأجوج و مأجوج مؤنّثان بمنزلة القبيلتين، و قيل:حتّى إذا فتحت جهة يأجوج.

5-و قال أيضا:«و أمّا قوله تعالى: وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فحشو في أثناء الكلام،و المعنى إذا فتحت يأجوج و اقترب الوعد،الحقّ شخّصت أبصار الّذين كفروا»و عليه فذكر فتح يأجوج و مأجوج إلى (ينسلون)لأنّه كما جاء في الرّوايات من أعلام القيامة، و أنّ ما بعدها متّصل بما قبلها.

ص: 74

ح د ث

اشارة

11 لفظا،36 مرّة:26 مكّيّة،10 مدنيّة

في 28 سورة:22 مكّيّة،6 مدنيّة

حديث 12:10-2 يحدث 2:1-1

الحديث 6:5-1 محدث 2:2

حديثا 5:1-4 تحدّث 1:-1

أحاديث 2:2 أ تحدّثونهم 1:-1

الأحاديث 3:3 فحدّث 1:1

أحدث:1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :يقال:صار فلان أحدوثة،أي كثّروا فيه الأحاديث.

و شابّ حدث،و شابّة حدثة:فتيّة في السّنّ.

و الحدث:من أحداث الدّهر شبه النّازلة.

و الأحدوثة:الحديث نفسه.

و الحديث:الجديد من الأشياء.

و رجل حدث:كثير الحديث.

و الحدث:الإبداء.(3:177)

أبو عمرو الشّيبانيّ: و المحدث:الرّبّى.

(1:172)

و المحدث:المطفل الحديثة النّتاج.(1:211)

يقال:أتيته في ربّى شبابه و ربّان شبابه،و حدثى شبابه و حديث شبابه و حدثان شبابه،بمعنى واحد.

(الأزهريّ 4:406)

الفرّاء: يقولون:أهلكنا الحدثان،و أمّا حدثان الشّباب فبكسر الحاء و سكون الدّال.

(الأزهريّ 4:406)

نرى أنّ واحد الأحاديث:أحدوثة،ثمّ جعلوه جمعا للحديث.(الجوهريّ 1:278)

الأصمعيّ: و العرب تقول:أخذني ما قدم و ما حدث،بضمّ الدّال من«حدث»أتبعوه«قدم» و الأصل فيه:حدث.(الأزهريّ 4:406)

ص: 75

اللّحيانيّ: رجل حدث و حدث،إذا كان حسن الحديث.(الأزهريّ 4:405)

ابن الأعرابيّ: رجل حدث و حدث و حدّيث و محدّث بمعنى واحد.

الحدثان:الفأس،و جمعه:حدثان.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:405)

الحدث في الوعل،فإذا كان الوعل حدثا فهو صدع.

(ابن سيده 3:253)

ابن السّكّيت:يقال:هو تبع نساء،و طلب نساء، و خلب نساء،و حدث نساء.(540)

[يقال:رجل]حدث و حدث،إذا كان كثير الحديث حسن السّياق له.(إصلاح المنطق:99)

تقول:هذا رجل حدث و حدث،إذا كان حسن الحديث.و رجل حدّيث:كثير الحديث.

و يقال:هو حدث ملوك،إذا كان صاحب حديثهم و سمرهم.

و تقول:هذا رجل حدث،و هو رجل حديث السّنّ، و هم غلمان حدثان السّنّ.

و يقال:هل حدث أمر؟

و يقال:أخذه ما قدم و ما حدث.

(إصلاح المنطق:329)

المبرّد: كان الحسن يقول:«حادثوا هذه القلوب، فإنّها سريعة الدّثور»...قوله:«حادثوا»مثل،و معناه اجلوا و اشحذوا،تقول العرب:حادث فلان سيفه،إذا جلاه و شحذه.[ثمّ استشهد بشعر](1:123)

ثعلب :تركت البلاد تحدّث،أي تسمع فيها دويّا.

(ابن سيده 3:254)

الزّجّاج: حدثت الدّابّة في السّفر و أحدثتها،إذا أهزلتها،و كذلك حدث الرّجل نفسه و أحدثها،إذا أتعبها و أذابها.و روي في الحديث:«فما فعلت نواضحكم؟قالوا:

حدثناها يوم بدر»،أي أهزلناها.(فعلت و أفعلت:11)

الأزهريّ: و الحديث:ما يحدّث به المحدّث تحديثا.

و رجل حدث أي كثير الحديث.

و الأحاديث في الفقه و غيره:معروفة؛واحدة الأحاديث:أحدوثة.

[و قيل:]حدثان الدّهر:حوادثه،و ربّما أنّثت العرب الحدثان،يذهبون به إلى الحوادث.

[و قيل:]يقال:هؤلاء قوم حدثان:جمع حدث،و هو الفتيّ السّنّ.

و يقال:أحدث الرّجل،إذا صلّع أو فصّع أو خضف، أيّ ذلك فعل فهو محدث.و أحدث الرّجل و أحدثت المرأة،إذا زنيا،يكنّى بالأحداث عن الزّنى.

و محدثات الأمور:ما ابتدعه أهل الأهواء من الأشياء الّتي كان السّلف الصّالح على غيرها.

و قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«كلّ محدث بدعة،و كلّ بدعة ضلالة».

و يقال:فلان حدث نساء،كقولك:تبع نساء وزير نساء.

و يقال:أحدث الرّجل سيفه و حادثه،إذا جلاه.

و روي عن الحسن أنّه قال:«حادثوا هذه القلوب فإنّها سريعة الدّثور»معناه اجلوها بالمواعظ و شوّقوها حتّى تنفوا عنها الطّبع و الصّدأ الّذي تراكب عليها من الذّنوب.[و استشهد بالشّعر مرّتين](4:405)

ص: 76

1Lالصّاحب: الحدث و الحدثان:من أحداث الدّهر شبه النّازلة و هو أيضا:الإبداء،و الفعل:أحدث.

و الحديث:معروف،حدّث يحدّث.

و صار فلان أحدوثة:أكثروا فيه الأحاديث.

و رجل حدث و حدث:كثير الأحاديث،و حدّيث:

جيّد السّياق لها،و حدّيث:يزيّن الحديث،و محدّث:

يرى الرّأي فيكون كما رأى.

و الحديث من الأشياء:المحدث.و حدث الشّيء.

و استحدثت أمرا.

و شابّ حدث،و شابّة حدثة،و قوم حدثان.

و الحدثان:مصدر الشّيء الحديث.

و الأحاديث من الفقه و نحوه:معروفة.

و أحدث الشّيء:أبدعه،و استحدثه:مثله.

و هذا حدثان ما فعل هذا،أي جعله حديثا.

و ناقة محدث:حديثة النّتاج.

و الحدثان:الفأس.(3:33)

الجوهريّ: الحديث:نقيض القديم،يقال:أخذني ما قدم و ما حدث.لا يضمّ«حدث»في شيء من الكلام إلاّ في هذا الموضع،و ذلك لمكان«قدم»على الازدواج.

و الحديث:الخبر،يأتي على القليل و الكثير؛و يجمع على:أحاديث على غير قياس.

و الحدوث:كون شيء لم يكن.

و أحدثه اللّه فحدث،و حدث أمر،أي وقع.

و الحدث و الحدثى و الحادثة و الحدثان،كلّها بمعنى.

و أحدث الرّجل،من الحدث.

و استحدثت خبرا،أي وجدت خبرا جديدا.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل حدث،أي شابّ.فإن ذكرت السّنّ قلت:

حديث السّنّ.

و هؤلاء غلمان حدثان،أي أحداث.

و المحادثة،و التّحدّث،و التّحادث،و التّحديث:

معروفات.

و محادثة السّيف:جلاؤه.

و رجل حدث و حدث بضمّ الدّال و كسرها،أي حسن الحديث.

و رجل حدّيث مثال فسّيق،أي كثير الحديث.

و تقول:سمعت حدّيثى حسنة،مثل خطّيبى.

و الأحدوثة:ما يتحدّث به و رجل حدث ملوك، بكسر الحاء،إذا كان صاحب حديثهم و سمرهم.و حدث نساء،يتحدّث إليهنّ.

و تقول:افعل ذلك الأمر بحدثانه و بحداثته،أي في أوّله و طراءته.

و يقال للرّجل الصّادق الظّنّ:محدّث،بفتح الدّال مشدّدة.(1:278)

ابن فارس: الحاء و الدّال و الثّاء أصل واحد،و هو كون الشّيء لم يكن.يقال:حدث أمر بعد أن لم يكن.

و الرّجل الحدث:الطّريّ السّنّ.و الحديث من هذا، لأنّه كلام يحدث منه الشّيء بعد الشّيء.

و رجل حدث:حسن الحديث.و رجل حدث نساء، إذا كان يتحدّث إليهنّ.

و يقال:هذه حدّيثى حسنة،كخطّيبى،يراد به الحديث.(2:36)

ص: 77

أبو هلال:الفرق بين الخبر و بين الحديث:أنّ الخبر هو القول الّذي يصحّ وصفه بالصّدق و الكذب،و يكون الإخبار به عن نفسك و عن غيرك،و أصله:أن يكون الإخبار به عن غيرك و ما به صار الخبر خبرا هو معنى غير صيغته،لأنّه يكون على صيغة ما ليس بخبر،كقولك:

رحم اللّه زيدا،و المعنى اللّهمّ ارحم زيدا.

و الحديث في الأصل:هو ما تخبر به عن نفسك من غير أن تسنده إلى غيرك،و سمّي حديثا لأنّه لا تقدّم له، و إنّما هو شيء حدث لك فحدّثت به.ثمّ كثر استعمال اللّفظين حتّى سمّي كلّ واحد منهما باسم الآخر،فقيل للحديث:خبر و للخبر:حديث،و يدلّ على صحّة ما قلنا إنّه يقال:فلان يحدّث عن نفسه بكذا و هو حديث النّفس،و لا يقال:مخبر عن نفسه و لا هو خبر النّفس.

و اختار مشايخنا قولهم:إن سأل سائل فقال:

أخبروني،و لم يختاروا:حدّثوني،لأنّ السّؤال استخبار و المجيب مخبر.و يجوز أن يقال:إنّ الحديث ما كان خبرين فصاعدا إذا كان كلّ واحد منهما متعلّقا بالآخر، فقولنا:رأيت زيدا خبر،و رأيت زيدا منطلقا حديث،و كذلك قولك:رأيت زيدا و عمرا حديث،مع كونه خبرا.

(28)

الفرق بين القصص و الحديث:أنّ القصص ما كان طويلا من الأحاديث،متحدّثا به عن سلف،و منه قوله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ يوسف:3، و قال: وَ كُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ هود:

120،و لا يقال للّه:قاصّ،لأنّ الوصف بذلك قد صار علما لمن يتخذ القصص صناعة.

و أصل القصص في العربيّة:اتّباع الشّيء بالشّيء، و منه قوله تعالى: وَ قالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ القصص:11، و سمّي الخبر الطّويل قصصا،لأنّ بعضه يتبع بعضا حتّى يطول،و إذا استطال السّامع الحديث قال:هذا قصص.

و الحديث يكون عمّن سلف و عمّن حضر،و يكون طويلا و قصيرا.و يجوز أن يقال:القصص هو الخبر عن الأمور الّتي يتلو بعضها بعضا،و الحديث يكون عن ذلك و عن غيره.

و القصّ:قطع يستطيل و يتبع بعضه بعضا،مثل قصّ الثّوب بالمقصّ و قصّ الجناح و ما أشبه ذلك.و هذه قصّة الرّجل،يعني الخبر عن مجموع أمره،و سمّيت قصّة لأنّها يتبع بعضها بعضا،حتّى تحتوي على جميع أمره.(29)

الفرق بين الحدوث و الإحداث:إنّ الإحداث و المحدث يقتضيان محدثا من جهة اللّفظ،و ليس كذلك الحدوث و الحادث،و ليس الحدوث و الإحداث شيئا غير المحدث و الحادث،و إنّما يقال ذلك على التّقدير.

و شبّه بعضهم ذلك بالسّراب،و قال:هو اسم لا مسمّى له على الحقيقة،و ليس الأمر كذلك،لأنّ السّراب سبخة تطلع عليه الشّمس فتبرق فيحسب ماء، فالسّراب على الحقيقة شيء إلاّ أنّه متصوّر بصورة غيره،و ليس الحدوث و الإحداث كذلك.

الفرق بين المحدث و المفعول:أنّ أهل اللّغة يقولون لما قرب حدوثه:محدث و حديث،يقال:بناء محدث و حديث،و ثمر حديث،و غلام حديث،أي قريب الوجود،و يقولون لما قرب وجوده أو بعد:مفعول.

و المحدث و المفعول في استعمال المتكلّمين واحد.(108)

ص: 78

الثّعالبيّ: حدثان الأمر:أوّله.(55)

ابن سيده: الحدوث:نقيض القدمة.حدث الشّيء يحدث حدوثا و حداثة،و أحدثه هو.فهو محدث و حديث،و كذلك استحدثه.

و أخذني من ذلك ما قدم و حدث،و لا يقال:

«حدث»بالضّمّ إلاّ مع«قدم»كأنّه إتباع،و مثله كثير.

و كان ذلك في حدثان أمر كذا،أي في حدوثه.

و أخذ الأمر بحدثانه و حداثته،أي بأوّله و ابتدائه.

و حدثان الدّهر و حوادثه:نوبه و ما يحدث منه؛ واحدها:حادث،و كذلك أحداثه؛واحدها:حدث.

و الأحداث:الأمطار الحادثة في أوّل السّنة.

و الحدثان:الفأس،أراه على التّشبيه بحدثان الدّهر، و لم يقله أحد.

و سمّى سيبويه المصدر:حدثا،لأنّ المصادر كلّها أعراض حادثة،و كسّره على أحداث،قال:فأمّا الأفعال فأمثلة أخذت من أحداث الأسماء.

و رجل حدث السّنّ و حديثها،بيّن الحداثة و الحدوثة،و رجال أحداث السّنّ و حدثانها و حدثاؤها.

و كلّ فتيّ من النّاس و الدّوابّ و الإبل:حدث؛ و الأنثى:حدثة.و استعمل ابن الأعرابيّ«الحدث»في الوعل،فقال:إذا كان الوعل حدثا فهو صدع.

و الحديث:الجديد من الأشياء.

و الحديث:الخبر؛و الجمع:أحاديث كقطيع و أقاطيع، و هو شاذّ.و قد قالوا في جمعه:حدثان و حدثان،و هو قليل.

و قد حدّثه الحديث و حدّثه به.و قول سيبويه في تعليل قولهم:«لا تأتيني فتحدّثني»،كأنّك قلت:ليس يكون منك إتيان فحديث،إنّما أراد:فتحديث،فوضع الاسم موضع المصدر،لأنّ مصدر حدّث إنّما هو التّحديث،فأمّا الحديث فليس بمصدر.

و قوله تعالى: وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ الضّحى:11،أي بلّغ ما أرسلت به،و حدّث بالنّبوّة الّتي آتاك اللّه و هي أجلّ النّعم.

و سمعت حدّيثى حسنة،أي حديثا.

و الأحدوثة:ما حدّث به.

و رجل حدث و حدث و حدث و حدّيث:كثير الحديث حسن السّياق له،كلّ هذا على النّسب و نحوه.

و فلان حدثك،أي محدّثك،و القوم يتحادثون و يتحدّثون.

و الحدث:الإبداء،و قد أحدث.

و الحدث مثل الوليّ (1).و أرض محدوثة:أصابها الحدث.

و الحدث:موضع متّصل ببلاد الرّوم،مؤنّثة.

و حدث الرّقاق-و يروى بالجيم-موضع بالشّام.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:252)

الطّوسيّ: و الإحداث حقيقة:إيجاد الشّيء بعد أن لم يكن موجودا(1:131)

و الفرق بين حديث القرآن و آياته:أنّ حديثه قصص تستخرج منه عبر،تدلّ على الحقّ من الباطل.

و الآيات هي الأدلّة الّتي تفصل بين الصّحيح و الفاسد، فهو مصروف في الأمرين ليسلك النّاظر فيه الطّريقين،لما».

ص: 79


1- هكذا ضبط في«اللّسان».

له في كلّ واحد منهما من الفائدة،في القطع بأحد الحالين في أمور الدّين.(9:249)

الرّاغب: الحدوث:كون الشّيء بعد أن لم يكن، عرضا كان ذلك أو جوهرا،و إحداثه:إيجاده،و إحداث الجواهر ليس إلاّ للّه تعالى.

و المحدث:ما أوجد بعد أن لم يكن؛و ذلك إمّا في ذاته أو إحداثه عند من حصل عنده،نحو:أحدثت ملكا...

و يقال لكلّ ما قرب عهده:محدث فعلا كان أو مقالا.

و كلّ كلام يبلغ الإنسان من جهة السّمع أو الوحي في يقظته أو منامه،يقال له:حديث.[ثمّ ذكر الآيات]

و الحديث:الطّريّ من الثّمار.

و رجل حدوث:حسن الحديث،و هو حدث النّساء، أي محادثهنّ،و حادثته و حدّثته و تحادثوا،و صار أحدوثة.

رجل حدث و حديث السّنّ بمعنى.

و الحادثة:النّازلة العارضة؛و جمعها:حوادث.

(110)

الزّمخشريّ: هو حدث من الأحداث و حديث السّنّ.

و نزلت به حوادث الدّهر و أحداثه،و من ينجو من الحدثان؟

و كان ذلك في حدثان أمره.

و أحدث الشّيء و استحدثه.

و استحدث الأمير قرية و قناة،و استحدثوا منه خبرا،أي استفادوا منه خبرا حديثا جديدا.

و أخذه ما قدم و حدث.

و حدّثه بكذا،و تحدّثوا به،و هو يتحدّث إلى فلانة، و حادث صاحبه و هو حديثه،كقولك:سميره.

و هو حدث ملوك،و حدث نساء:يتحدّث إليهم.

و رجل حدث و حدث:حسن الحديث،و حدّيث:

كثير الحديث.

و سمعت منه أحدوثة مليحة،و له أحاديث ملاح.

و هذه حدّيثى حسنة مثل خطّيبى،و هو من حدّاثه.

[ثمّ استشهد بالشّعر أربع مرّات]

و من المجاز:صاروا أحاديث.(أساس البلاغة:75)

[في حديث]الحسن رحمه اللّه:«حادثوا هذه القلوب بذكر اللّه،فإنّها سريعة الدّثور،و اقدعوا هذه الأنفس فإنّها طلعة».

محادثة السّيف:تعهّده بالصّقل و تطريته.[ثمّ استشهد بشعر]

فشبّه ما يركب القلوب من الرّين بالصّدإ،و جلاءها بذكر اللّه بالمحادثة.و الدّثور:الدّروس،القدع:الكفّ، الطّلعة:الّتي تطلّع إلى هواها و شهواتها.

(الفائق 1:268)

ابن الشّجريّ: و ممّا جمعوه على غير القياس «حديث»قالوا في جمعه:أحاديث؛و أحاديث كأنّه جمع «أحداث»كأعصار و أعاصير.

و لا يجوز أن يكون أحاديث:جمع أحدوثة، كأغلوطة و أغاليط،لأنّهم قد قالوا:حديث النّبيّ و أحاديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و لم يقولوا:أحدوثة النّبيّ.

(1:284)

المدينيّ: في الحديث:«لو لا حدثان قومك

ص: 80

بالكفر»،أي حداثة عهدهم به،و قربهم من الخروج منه و الدّخول في الإسلام،و هو مصدر حدث،و منه:حدثان الشّباب،أي أوّله و جدّته.

في الحديث:«أنّ فاطمة جاءت إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فوجدت عنده حدّاثا،فاستحيت و رجعت».فالحدّاث جاء على غير قياس كالجلاّس،و القياس:محدّثون.و لعلّه حمل على نظيره،و هو سمّار جمع سامر،فإنّ السّمّار:

المحدّثون أيضا.

في الحديث:«من أحدث فيها حدثا،أو آوى محدثا» أي جانيا،و أجاره من خصمه،و حال بينه و بين أن يقتصّ منه.(1:411)

ابن الأثير: في حديث:«يبعث اللّه السّحاب فيضحك أحسن الضّحك و يتحدّث أحسن الحديث»، جاء في الخبر:«أنّ حديثه الرّعد و ضحكه البرق».

و شبّهه بالحديث لأنّه يخبر عن المطر و قرب مجيئه،فصار كالمحدّث به.[ثمّ استشهد بشعر]

و يجوز أن يكون أراد بالضّحك:افترار الأرض بالنّبات و ظهور الأزهار،و بالحديث:ما يتحدّث به النّاس من صفة النّبات و ذكره.و يسمّى هذا النّوع في علوم البيان:المجاز التّعليقيّ،و هو من أحسن أنواعه.

و في حديث عائشة رضي اللّه عنها:«لو لا حدثان قومك بالكفر لهدمت الكعبة و بنيتها»حدثان الشّيء بالكسر:أوّله،و هو مصدر حدث يحدث حدوثا و حدثانا،و الحديث:ضدّ القديم.

و المراد به:قرب عهدهم بالكفر و الخروج منه و الدّخول في الإسلام،و أنّه لم يتمكّن الدّين في قلوبهم، فلو هدمت الكعبة و غيّرتها ربّما نفروا من ذلك.

و منه حديث حنين:«إنّي أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألّفهم»و هو جمع صحّة«لحديث»فعيل بمعنى فاعل.

و منه الحديث:«أناس حديثة أسنانهم»حداثة السّنّ:

كناية عن الشّباب،و أوّل العمر.

و منه حديث أمّ الفضل:«زعمت امرأتي الأولى أنّها أرضعت امرأتي الحدثى»هي تأنيث«الأحدث»يريد المرأة الّتي تزوّجها بعد الأولى.

و في حديث المدينة:«من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا»الحدث:الأمر الحادث المنكر الّذي ليس بمعتاد و لا معروف في السّنّة.و المحدث:يروى بكسر الدّال و فتحها،على الفاعل و المفعول.

فمعنى الكسر:من نصر جانيا أو آواه و أجاره من خصمه،و حال بينه و بين أن يقتصّ منه.و الفتح:هو الأمر المبتدع نفسه،و يكون معنى الإيواء فيه:الرّضا به و الصّبر عليه،فإنّه إذا رضي بالبدعة و أقرّ فاعلها و لم ينكر عليه،فقد آواه.

و منه الحديث:«إيّاكم و محدثات الأمور»جمع «محدثة»بالفتح،و هي ما لم يكن معروفا في كتاب و لا سنّة و لا إجماع.

و حديث بني قريظة:«لم يقتل من نسائهم إلاّ امرأة واحدة كانت أحدثت حدثا»قيل:حدثها أنّها سمّت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و في حديث الحسن:«حادثوا هذه القلوب بذكر اللّه»أي اجلوها به،و اغسلوا الدّرن عنها،و تعاهدوها

ص: 81

بذلك،كما يحادث السّيف بالصّقال.

و في حديث ابن مسعود رضي اللّه عنه:«أنّه سلّم عليه و هو يصلّي فلم يردّ عليه السّلام،قال:فأخذني ما قدم و ما حدث»يعني همومه و أفكاره القديمة و الحديثة.يقال:

حدث الشّيء بالفتح يحدث حدوثا،فإذا قرن ب(قدم) ضمّ للازدواج ب(قدم).(1:350)

الفيّوميّ: حدث الشّيء حدوثا من باب«قعد»:

تجدّد وجوده،فهو حادث و حديث،و منه يقال:حدث به عيب،إذا تجدّد و كان معدوما قبل ذلك.

و يتعدّى بالألف فيقال:أحدثته،و منه:محدثات الأمور،و هي الّتي ابتدعها أهل الأهواء.

و أحدث الإنسان إحداثا،و الاسم:الحدث،و هو الحالة النّاقضة للطّهارة شرعا؛و الجمع:الأحداث،مثل سبب و أسباب.و معنى قولهم:النّاقضة للطّهارة:أنّ الحدث إن صادف طهارة نقضها و رفعها،و إن لم يصادف طهارة فمن شأنه أن يكون كذلك،حتّى يجوز أن يجتمع على الشّخص أحداث.

و الحديث:ما يتحدّث به و ينقل،و منه حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

و هو حديث عهد بالإسلام،أي قريب عهد بالإسلام.

و حديثة الموصل:بليدة بقرب الموصل من جهة الجنوب على شاطئ دجلة بالجانب الشّرقيّ،بينها و بين الموصل نحو أربعة عشر فرسخا.

و حديثة الفرات:بلدة على فراسخ من الأنبار و الفرات يحيط بها.

و يقال للفتى:حديث السّنّ،فإن حذفت السّنّ قلت:

حدث بفتحتين؛و جمعه:أحداث.(1:124)

الجرجانيّ الحادث:ما يكون مسبوقا بالعدم، و يسمّى:حدوثا زمانيّا.و قد يعبّر عن الحدوث بالحاجة إلى الغير،و يسمّى:حدوثا ذاتيّا.(36)

الفيروزآباديّ: حدث حدوثا و حداثة:نقيض قدم،و تضمّ داله إذا ذكر مع«قدم».

و حدثان الأمر بالكسر:أوّله و ابتداؤه كحداثته، و من الدّهر:نوبه كحوادثه و أحداثه.

و الأحداث:أمطار أوّل السّنة.

و رجل حدث السّنّ و حديثها:بيّن الحداثة و الحدوثة:فتيّ.

و الحديث:الجديد،و الخبر كالحدّيثى؛الجمع:

أحاديث شاذّ،و حدثان و يضمّ.

و رجل حدث و حدث و حدّث و حدّيث:كثيره.

و الحدث محرّكة:الإبداء و قد أحدث،و بلدة بالرّوم.

و المحادثة:التّحادث،و جلاء السّيف كالإحداث.

و المحدّث كمحمّد:الصّادق.و بالتّخفيف:ماءان، و قرية بواسط و ببغداد،و بهاء:موضع.

و أحدث:زنى.

و الأحدوثة:ما يتحدّث به.

و حدث الملوك بالكسر:صاحب حديثهم.

و الحادث و الحديثة و أحدث كأجبل:مواضع.

(1:170)

الطّريحيّ: و في الحديث:«من لم يشكر النّاس لم يشكر اللّه و من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير،

ص: 82

و التّحديث بنعمة اللّه شكر و تركه كفر»و قيل:أي بالنّبوّة مبلّغا،و الصّحيح أنّه يعمّ جميع النّعم و يشمل تعليم القرآن و الشّرائع.

و في الحديث:«إنّ أوصياء محمّد عليه و عليهم السّلام محدّثون»أي تحدّثهم الملائكة،و فيهم جبرئيل عليه السّلام من غير معاينة.

و مثله قوله صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ في كلّ أمّة محدّثون من غير نبوّة»و منه في وصف فاطمة عليها السّلام:«أيّتها المحدّثة العليمة».

و المحدّث أيضا:الصّادق الظّنّ.

و المحدث بخفّة دال و فتحها:الّذي كان بعد أن لم يكن، و هو خلاف القديم.

و فيه:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ مردود»يعني دين الإسلام هو أمرنا الّذي نهتمّ له و نشتغل به؛بحيث لا يخلو عنه شيء من أقوالنا و أفعالنا، فمن أحدث فيه ما ليس في كتاب و لا سنّة و لا إجماع فهو ردّ مردود.

و الإحداث:تجديد العهد،و منه:«أحدث به عهدا» أي جدّد به عهد الصّحبة.

و في الحديث:«لو لا كذا لجعلتك حديثا لمن خلفك» أي عبرة و مثلا لمن خلفك يعتبرون بك.

و فيه:«لم أر شيئا أحسن دركا و لا أسرع طلبا من حسنة محدثة لذنب قديم»كأنّ المعنى أنّ الحسنة المحدثة تدرك الذّنب و تطلبه و لا تبقيه.

و حدّثته نفسه بكذا:أمرته،و منه الخبر:«رفع عن أمتي ما حدّثت به أنفسها ما لم تعمله».

و في حديث صفات المؤمن:«لا يحدّث أمانة الأصدقاء و لا يكتم شهادة الأعداء»كأنّ المراد بتحديث أمانتهم:إفشاء سرّهم الّذي لا يحبّون أن يظهر عليه عدوّ و لا مبغض.

و الخبر:يأتي على القليل و الكثير،و الحديث:ما يرادف الكلام،و سمّي به لتجدّده و حدوثه شيئا فشيئا.

و حدث الشّيء حدوثا،من باب«قعد»:تجدّد حدوثه.

و الحدث:اسم للحادثة النّاقضة للطّهارة شرعا، و الجمع:أحداث،مثل سبب و أسباب.

قوله:«لا يزال في صلاة ما لم يحدث»أي في ثواب صلاة ما لم يأت بحدث،و هو يعمّ ما خرج من السّبيلين و غيره.

و منه حديث فاطمة عليها السّلام مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«فوجدت عنده أحداثا»أي شبابا،و في بعض النّسخ«حدّاثا»أي جماعة يتحدّثون.

قيل:و هو جمع شاذّ،حمل على نظيره كسامر و سمّار، فإنّ السّمّار:المحدّثون.

و تحادثوا:حدّث بعضهم بعضا

و قولهم:«لا أحدّث بلسانه»أي لا أتكلّم به.

و الأحدوثة:ما يتحدّث به النّاس،و منه الحديث:

«بالعلم يكسب الإنسان الطّاعة في حياته و جميل الأحدوثة بعد وفاته»أي الثّناء و الكلام الجميل.

و الأحدوثة:مفرد الأحاديث.

و الحدثان بالتّحريك:الموت،و منه قوله:«لا آمن الحدثان».

و في حديث الأرواح الخمسة:«هذه الأرواح الأربعة

ص: 83

يصيبها الحدثان،إلاّ روح القدس لا تلهو و لا تلعب» كأنّه يريد بالحدثان:ما يحدث لها من النّوم و الغفلة و اللّهو و الزّهو،و نحو ذلك.

و حدثان الشّيء،بكسر الحاء:و سكون الدّال:أوّله، و هو مصدر حدث،و منه الخبر:«لو لا حدثان قومك بالكفر...».

و في حديث الأحاديث المختلفة:«خذوا بالأحدث فالأحدث»و المعنى إن كان مطابقا للواقع لا مطلقا،و قد حمله الشّيخ على الإطلاق،و هو كما ترى.(2:244)

مجمع اللّغة :حدث الأمر يحدث حدوثا:وقع و حصل.

و أحدثه:أوجده،و اسم المفعول منه:محدث و المحدث:الجديد،لأنّه أحدث.

حدّث كذا و بكذا تحديثا:خبّر و نبّأ.

و الحديث:الكلام الّذي يتحدّث به؛و جمعه:

أحاديث.

و أطلقت«الأحاديث»على الرّؤى و الأحلام،لأنّ النّفس تحدّث بها في منامها.(1:240)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حدث الأمر:وقع و حصل.

حدّث عن فلان:روى الحديث عنه،و حدّثه بكذا:

أخبره به.

و أحدث حدثا:أوجده و ابتدعه.

و صاروا أحاديث،أي انقرضوا،و صار النّاس يتحدّثون بأخبارهم و يضربون بهم المثل.

و الأحاديث:السّير و الأخبار و الأحلام الّتي تحدّث بها النّفس في منامها.

ذكر محدث،أي جديد إنزاله على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

(1:125)

العدنانيّ: حدث:تقول المعجمات:حدث يحدث حدوثا و حداثة و حدثانا الشّيء:كان و لم يكن قبل، و نقيضه:قدم.و تضمّ داله إذا ازدوج مع قدم،ثمّ جاء تعليل ضبط دال«حدث»بالضّمّ،في الجزء الرّابع و العشرين من مجلّة مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة،في باب قرارات المجمع.

و خلاصته:1-من فصح العربيّة ما ورد في عبارة:

«أخذني من الأمر ما قدم و ما حدث»أي ملكني الهمّ قديمه و حديثه.و قد جاء فعل«حدث»مضموم الدّال، و نصّ اللّغويّون على أنّ الدّال في«حدث»لم تضمّ إلاّ في هذا الموضع،و ذلك لمكان«قدم»و يعبّر عن ذلك أحيانا بالازدواج،و أحيانا بالاتباع،و مثله في فصح العربيّة كثير.

2-لم ينكر نقّاد اللّغة تخريج ضمّ الدّال في«حدث» من تلك العبارة المأثورة و لكن.

أجاز مجمع القاهرة استعمال الفعل«حدث»دون أن يكون مقترنا بالفعل«قدم»بقوله:

على أنّه يتسنّى تخريج استعمال«حدث»مستقلاّ، باعتبار أنّه من باب تحويل الفعل إلى«فعل»لإفادة المدح أو الذّمّ أو المبالغة،مع إشرابه معنى التّعجّب.

و يقصد به الإلحاق بالغرائز،كما يقال:علم الرّجل،أي صار العلم ملازما له كأنّه سجيّة فيه.و قد أجاز النّحاة في كلّ صالح للتّعجّب منه استعماله على«فعل»بضمّ العين،

ص: 84

بالأصالة أو التّحويل،إذا أريد التّعجّب مدحا أو ذمّا أو مبالغة.(146)

تحدّث بالحرب

و يقولون:تحدّث الفدائيّون على الحرب،و الصّواب:

تحدّثوا بالحرب.

و قد أجاز أقرب الموارد أن نقول:تحدّث بكذا و عن كذا،و لم أجد«عن كذا»،في التّاج،و اللّسان،و الأساس، و المحيط،و متن اللّغة،و الصّحاح،و مدّ القاموس، و المصباح.لذا أرى أن لا نعدّي الفعل«تحدّث»إلاّ بالباء.

(معجم الأخطاء الشّائعة:62)

المصطفويّ: ظهر أنّ مفهوم هذه المادّة:هو تكوّن شيء في زمان متأخّر،و هذا التّكوّن و التّجدّد أعمّ من أن يكون في الجواهر و الذّوات،أو في الأعراض و الأفعال و الأقوال،و ليس في مفهومها نظر إلى كونه في مقابل القديم أو التّكوّن من العدم،و إن كانت المخلوقات و المحدثات كلّها متكوّنة حادثة موجودة بعد العدم.

ثمّ إنّ النّظر في صيغة الإحداث إلى جهة الصّدور و النّسبة إلى الفاعل،و في صيغة التّحديث إلى جهة الوقوع و النّسبة إلى المفعول؛فعلى هذا يكون معنى المحدث:من صدر عنه حدث،و معنى المحدّث:من يروي حديثا.

فظهر أنّ مفهوم المادّة مطلق،و إن كان«الحديث»في اصطلاح أهل الدّراية و الرّواية:عبارة عمّا ينقل عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أو أحد من الأئمّة عليهم السّلام.و«المحدّث»من يروي الحديث.و«الحادث»في اصطلاح أهل الحكمة و الكلام:

عبارة عمّا يقابل القديم.و«المحدث»في اصطلاح الفقهاء:من صدر عنه حدث يبطل حالة طهارته؛و هذه كلّها معان مستحدثة.[ثمّ ذكر الآيات]

فالحديث:كلّ ما يتجدّد بالذّكر و يروى و ينقل من أيّ مقولة كان،فالنّظر في«الحديث»إلى جهة التّجدّد و نقل ما وقع،و في«الرّواية»إلى جهة النّقل،و في«الخبر» إلى جهة الإخبار فقط.(2:188)

النّصوص التّفسيريّة

حديث

...فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ،يُؤْمِنُونَ. الأعراف:185

ابن عبّاس: فبأيّ كتاب بعد كتاب اللّه (يؤمنون)(142)

الطّبريّ: فبأيّ تخويف و تحذير و ترهيب،بعد تحذير محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و ترهيبه الّذي أتاهم به من عند اللّه في آي كتابه،يصدّقون؟إن لم يصدّقوا بهذا الكتاب الّذي جاءهم به محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،من عند اللّه تعالى؟(9:136)

الطّوسيّ: معناه:بأيّ حديث بعد القرآن يؤمنون، مع وضوح دلالته على أنّه كلام اللّه؛إذ كان معجزا لا يقدر أحد من البشر أن يأتي بمثله.و سمّاه حديثا لأنّه محدث غير قديم،لأنّ إثباته حديثا ينافي كونه قديما.

(5:52)

البغويّ: أي بعد القرآن يؤمنون،يقول:بأيّ كتاب غير ما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم يصدّقون،و ليس بعده نبيّ و لا كتاب؟!(2:255)

الزّمخشريّ: فإن قلت:بم يتعلّق قوله: فَبِأَيِّ

ص: 85

حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ؟

قلت:بقوله: عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ كأنّه قيل:لعلّ أجلهم قد اقترب،فما لهم لا يبادرون إلى الإيمان بالقرآن قبل الفوت،و ما ينتظرون بعد وضوح الحقّ،و بأيّ حديث أحقّ منه يريدون أن يؤمنوا.

(2:134)

نحوه البيضاويّ.(1:379)

ابن عطيّة: ثمّ وقفهم بأيّ حديث أو أمر يقع إيمانهم و تصديقهم إذا لم يقع بأمر فيه نجاتهم و دخولهم الجنّة؟(2:483)

القرطبيّ: أي بأيّ قرآن غير ما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم يصدّقون؟و قيل:الهاء للأجل،على معنى بأيّ حديث بعد الأجل يؤمنون حين لا ينفع الإيمان؟لأنّ الآخرة ليست بدار تكليف.(7:334)

النّيسابوريّ: و بأيّ حديث أحقّ منه يريدون أن يؤمنوا؟

و لا دلالة في إطلاق لفظ الحديث على القرآن على أنّه ليس بقديم،لأنّ المراد بالحديث:ما يرادف الكلام، و لو سلّم،فإنّه محمول على الألفاظ و الكلمات،و لا نزاع في حدوثها.(9:97)

أبو السّعود : فَبِأَيِّ حَدِيثٍ... قطع لاحتمال إيمانهم رأسا و نفي له بالكلّيّة،مترتّب على ما ذكر من تكذيبهم بالآيات،و إخلالهم بالتّفكّر و النّظر.

و الباء متعلّقة ب(يؤمنون)،و ضمير(بعده)للآيات، على حذف المضاف المفهوم من(كذّبوا)و التّذكير باعتبار كونها قرآنا أو بتأويلها بالمذكور،و إجراء الضّمير مجرى اسم الإشارة.

و المعنى أكذبوا بها و لم يتفكّروا فيما يوجب تصديقها من أحواله عليه الصّلاة و السّلام و أحوال المصنوعات؟ فبأيّ حديث يؤمنون بعد تكذيبه،و معه مثل هذه الشّواهد القويّة،كلاّ و هيهات؟

و قيل:الضّمير للقرآن،و المعنى:فبأيّ حديث بعد القرآن يؤمنون إذا لم يؤمنوا به،و هو النّهاية في البيان؟

و قيل:هو إنكار و تبكيت لهم،مترتّب على إخلالهم بالمسارعة إلى التّأمّل فيما ذكر،كأنّه قيل:لعلّ أجلهم قد اقترب فما لهم لا يبادرون إلى الإيمان بالقرآن قبل الفوت، و ما ذا ينتظرون بعد وضوح الحقّ،و بأيّ حديث أحقّ منه يريدون أن يؤمنوا؟

و قيل:الضّمير ل(اجلهم)و المعنى فبأيّ حديث بعد انقضاء أجلهم يؤمنون؟و قيل:للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم على حذف مضاف،أي فبأيّ حديث بعد حديثه يؤمنون،و هو أصدق النّاس؟(3:60)

البروسويّ: هو في اللّغة:الجديد،و في عرف العامّة:الكلام.[ثمّ ذكر ملخّصا نحو ما سبق عن أبي السّعود]

(3:290)

الآلوسيّ: قطع لاحتمال إيمانهم رأسا و نفي له بالكلّيّة بعد إلزام الحجّة و الإرشاد إلى النّظر،و الباء متعلّقة ب(يؤمنون)،و ضمير(بعده)للقرآن على ما ذهب إليه غالب المفسّرين و هو معلوم من السّياق، و«الحديث»بمعنى الكلام فلا دليل في الآية لمن يزعم حدوث القرآن،و قيل:و لئن سلّمنا كونه دليلا يراد من

ص: 86

القرآن الألفاظ و هي محدثة على المشهور،و المعنى إذا لم يؤمنوا بالقرآن و هو النّهاية في البيان فبأيّ كلام يؤمنون بعده،و قيل:الضّمير للآيات على حذف المضاف المفهوم من كذّبوا،و التّذكير باعتبار كونها قرآنا أو بتأويلها بالمذكور أو إجراء الضّمير مجرى اسم الإشارة.

و المعنى أكذبوا بالآيات و لم يتفكّروا فيما يوجب تصديقها من أحواله عليه الصّلاة و السّلام و أحوال المصنوعات فبأيّ حديث بعد تكذيبها يؤمنون،و فيه بعد،و قيل:إنّه يعود على الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم بتقدير مضاف أيضا،أي بعد حديثه يؤمنون،و هو أصدق النّاس، و قيل:المراد بعد هذا الحديث،و قيل:بعد الأجل أي كيف يؤمنون بعد انقضاء أجلهم؟،و جعل الزّمخشريّ ذلك مرتبطا بقوله تعالى:(و ان عسى)إلخ ارتباط التّسبّب عنه،و الضّمير للقرآن كأنّه قيل:لعلّ أجلهم قد اقترب،فما بالهم لا يبادرون الإيمان بالقرآن قبل الموت، و ما ذا ينظرون بعد وضوح الحقّ،و بأيّ حديث أحقّ منه يريدون أن يؤمنوا؟و تقدير ما قدّر عند صاحب «الكشف»ليس لأنّه لا بدّ من تقديره ليستقيم الكلام بل للتّنبيه على معنى الاستبطاء الّذي في ضمن أيّ،و أنّه ليس بعد هذا البيان الواضح أمر ينتظر.

(9:129)

رشيد رضا :وردت هذه الآية بنصّها في آخر سورة«المرسلات»الّتي أقيمت فيها الدّلائل على البعث و الجزاء،و تهديد المكذّبين بالويل و الهلاك،بعد تقرير كلّ نوع منها.و ورد في الآية الخامسة من سورة«الجاثية» بعد التّذكير بآيات اللّه للمؤمنين،و آياته لقوم يوقنون، و آياته لقوم يعقلون؛قوله: تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللّهِ وَ آياتِهِ يُؤْمِنُونَ الجاثية:6، و الحديث في الجميع كلام اللّه الّذي هو القرآن،يدلّ عليه هنا قوله تعالى في رسوله: إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ الأعراف:184،و في آية«المرسلات»القرينة في تهديد المكذّبين له،و في آية«الجاثية»افتتاح السّورة بذكر الكتاب؛فيكون معناها:فبأيّ حديث بعد كتاب اللّه المذكور في الآية الأولى و آياته المشار إليها بعدها يؤمنون؟

و المراد أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم نذير مبين عن اللّه تعالى،و إنّما أنذر النّاس بهذا الحديث أي القرآن كما أمره أن يقول: وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ الأنعام:19،و هو أكمل كتب اللّه بيانا،و أقواها برهانا،و أقهرها سلطانا،فمن لم يؤمن به فلا مطمع في إيمانه بغيره،و من لم يرو ظمأه الماء النّقاخ المبرّد فأيّ شيء يرويه؟و من لم يبصر في نور النّهار ففي أيّ نور يبصر؟(9:458)

المراغيّ: أي فبأيّ حديث بعد القرآن يؤمنون إذا لم يؤمنوا به؟و هو أكمل كتب اللّه بيانا،و أقواها برهانا، فمن لم يؤمن به فلا مطمع في إيمانه بغيره(9:125)

مكارم الشّيرازيّ: إذا لم يكونوا ليؤمنوا بهذا القرآن العظيم،الّذي فيه ما فيه من الدّلائل الواضحة و البراهين اللاّئحة الهادية إلى الإيمان باللّه،فأيّ كتاب ينتظرونه خير من القرآن ليؤمنوا به؟(5:290)

و بهذا المعنى جاء قوله: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ المرسلات:50

ص: 87

الحديث

1- فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً. الكهف:6

ابن عبّاس: بأن لم يؤمنوا بهذا القرآن.(244)

و هكذا أكثر التّفاسير.

الفخر الرّازيّ: المراد ب(الحديث):القرآن،قال القاضي:و هذا يقتضي وصف القرآن بأنّه حديث؛و ذلك يدلّ على فساد قول من يقول:إنّه قديم.و جوابه أنّه محمول على الألفاظ و هي حادثة.(21:79)

الشّربينيّ: أي القرآن المتجدّد تنزيله،على حسب التّدريج.(2:349)

أبو السّعود :أي القرآن الّذي عبّر عنه في صدر السّورة ب(الكتاب).و جواب الشّرط محذوف«ثقة» بدلالة ما سبق عليه،و قرئ ب(ان)المفتوحة،أي لأن لم يؤمنوا.فإعمال(باخع)بحمله على حكاية حال ماضية لاستحضار الصّورة،كما في قوله عزّ و جلّ: باسِطٌ ذِراعَيْهِ الكهف:18.(4:168)

البروسويّ: أي القرآن،إن قلت:تسمية القرآن حديثا دليل على حدوثه.

قلت:سمّاه حديثا لأنّه يحدث عند سماعهم له معناه، و لأنّه عائد إلى الحروف الّتي وقعت بها العبارة عن القرآن،كما في الأسئلة المقحمة.(5:216)

الآلوسيّ: الجليل الشّأن،و هو القرآن المعبّر عنه في صدر السّورة ب(الكتاب)و وصفه بذلك لو سلّم دلالته على الحدوث،لا يضرّ الأشاعرة و أضرابهم القائلين:بأنّ الألفاظ حادثة.(15:205)

مكارم الشّيرازيّ: استخدام كلمة«حديث» للتّعبير عن القرآن،هو إشارة إلى مستجدّات هذا الكتاب السّماويّ الكبير،يعني أنّ هؤلاء لم يفكّروا في أن يستفيدوا و يبحثوا في هذا الكتاب الجديد ذي المحتويات المستجدّة،و هذا دليل على عدم المعرفة؛بحيث أنّ الإنسان لا يلتفت إلى هذا الموضوع الهامّ و الجديد،رغم قربه من هذا الكتاب:(9:178)

2- وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ. لقمان:6

ابن مسعود: المراد ب(لهو الحديث)الغناء.

مثله ابن عبّاس،و هذا المعنى مرويّ عن الإمام الكاظم و الإمام الصّادق و الإمام الرّضا عليهم السّلام

(الطّبرسيّ 4:313)

قتادة :كلّ لهو و لعب.(الطّبرسيّ 4:313)

عطاء:التّرّهات و البسابس.(الطّبرسيّ 4:313)

الكلبيّ: الأحاديث الكاذبة و الأساطير الملهية عن القرآن.(الطّبرسيّ 4:313)

الإمام الصّادق عليه السّلام: هو الطّعن بالحقّ و الاستهزاء به و...(الطّبرسيّ 4:313)

أبو مسلم الأصفهانيّ: السّخريّة بالقرآن و اللّغو فيه.(الطّبرسيّ 4:313)

الطّبرسيّ: أي باطل الحديث.(4:313)

[راجع«ل ه و»].

3- اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ... الزّمر:23

ص: 88

3- اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ... الزّمر:23

ابن عبّاس: أحسن الكلام:يعني القرآن.(387)

الطّبريّ: يعني به القرآن.(23:210)

نحوه الزّجّاج(4:351)،و الطّوسيّ(9:21)،و ابن عطيّة(4:527).

الماورديّ: يعني القرآن،و يحتمل تسميته حديثا وجهين:

أحدهما:لأنّه كلام اللّه،و الكلام يسمّى حديثا،كما سمّي كلام الرّسول صلّى اللّه عليه و سلم حديثا.

الثّاني:لأنّه حديث التّنزيل بعد ما تقدّمه من الكتب المنزلة على من تقدّم من الأنبياء.

و يحتمل وصفه بأحسن الحديث وجهين:

أحدهما:لفصاحته و إعجازه.

الثّاني:لأنّه أكمل الكتب و أكثرها أحكاما.

(5:122)

القشيريّ: أَحْسَنَ الْحَدِيثِ لأنّه غير مخلوق.

(5:278)

و توهّم قوم أنّ الحديث من الحدوث،فليدلّ على أنّ كلامه محدث،و هو و هم،لأنّه لا يريد لفظ«الحديث» على ما في قوله: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ الأنبياء:2،و قد قالوا:إنّ الحدوث يرجع إلى التّلاوة لا إلى المتلوّ،و هو كالذّكر مع المذكور إذا ذكرنا أسماء الرّبّ.

(القرطبيّ 15:249)

الواحديّ: يعني القرآن،و سمّي حديثا،لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان يحدّث قومه و يخبرهم بما نزل عليه منه.(3:578)

الميبديّ: و القرآن:أحسن الحديث،لكونه صدقا كلّه.و قيل:أحسن الحديث لفصاحته و إعجازه،و قيل:

لأنّه أكمل الكتب و أكثرها أحكاما.(8:403)

الطّبرسيّ: يعني سمّاه اللّه حديثا لأنّه كلام اللّه، و الكلام سمّي حديثا كما يسمّى كلام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حديثا، و لأنّه حديث التّنزيل بعد ما تقدّمه من الكتب المنزلة على الأنبياء،و هو أحسن الحديث،لفرط فصاحته و لإعجازه و اشتماله على جميع ما يحتاج المكلّف إليه،من التّنبيه على أدلّة التّوحيد و العدل و بيان أحكام الشّرع، و غير ذلك من المواعظ و قصص الأنبياء و التّرغيب و التّرهيب.(4:495)

الفخر الرّازيّ: و فيه مسائل:

المسألة الأولى:القائلون بحدوث القرآن احتجّوا بهذه الآية من وجوه:

الأوّل:أنّه تعالى وصفه بكونه حديثا في هذه الآيات و في آيات أخرى،منها قوله تعالى: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ الطّور:34،و منها قوله تعالى: أَ فَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ الواقعة:81.و الحديث لا بدّ و أن يكون حادثا،قالوا:بل الحديث أقوى في الدّلالة على الحدوث من الحادث،لأنّه يصحّ أن يقال:هذا حديث و ليس بعتيق،و هذا عتيق و ليس بحادث؛فثبت أنّ الحديث هو الّذي يكون قريب العهد بالحديث،و سمّي الحديث حديثا،لأنّه مؤلّف من الحروف و الكلمات،و تلك الحروف و الكلمات تحدث حالا فحالا و ساعة فساعة، فهذا تمام تقرير هذا الوجه.

و أمّا الوجه الثّاني في بيان استدلال القوم أن قالوا:إنّه تعالى وصفه بأنّه نزّله،و المنزّل يكون في محلّ تصرّف

ص: 89

الغير،و ما يكون كذلك فهو محدث و حادث.

و أمّا الوجه الثّالث في بيان استدلال القوم أن قالوا:

إنّ قوله: أَحْسَنَ الْحَدِيثِ يقتضي أن يكون هو من جنس سائر الأحاديث،كما أنّ قوله:زيد أفضل الإخوة، يقتضي أن يكون زيد مشاركا لأولئك الأقوام في صفة الأخوّة و يكون من جنسهم؛فثبت أنّ القرآن من جنس سائر الأحاديث،و لمّا كان سائر الأحاديث حادثة، وجب أيضا أن يكون القرآن حادثا.

و أمّا الوجه الرّابع في الاستدلال أن قالوا:إنّه تعالى وصفه بكونه كتابا و الكتاب مشتقّ من«الكتبة»و هي الاجتماع،و هذا يدلّ على أنّه مجموع جامع و محلّ تصرّف متصرّف؛و ذلك يدلّ على كونه محدثا.

و الجواب أن نقول:نحمل هذا الدّليل على الكلام المؤلّف من الحروف و الأصوات و الألفاظ و العبارات، و ذلك الكلام عندنا محدث مخلوق،و اللّه أعلم.

المسألة الثّانية:كون القرآن أحسن الحديث إمّا أن يكون أحسن الحديث بحسب لفظه أو بحسب معناه.

القسم الأوّل:أن يكون أحسن الحديث بحسب لفظه؛و ذلك من وجهين:

الأوّل:أن يكون ذلك الحسن لأجل الفصاحة و الجزالة.

الثّاني:أن يكون بحسب النّظم في الأسلوب؛و ذلك لأنّ القرآن ليس من جنس الشّعر،و لا من جنس الخطب،و لا من جنس الرّسائل،بل هو نوع يخالف الكلّ، مع أنّ كلّ ذي طبع سليم يستطيبه و يستلذّه.

القسم الثّاني:أن يكون كونه أحسن الحديث لأجل المعنى،و فيه وجوه:

الأوّل:أنّه كتاب منزّه عن التّناقض،كما قال تعالى:

وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً النّساء:82،و مثل هذا الكتاب إذا خلا عن التّناقض كان ذلك من المعجزات.

الوجه الثّاني:اشتماله على الغيوب الكثيرة في الماضي و المستقبل.

الوجه الثّالث:أنّ العلوم الموجودة فيه كثيرة جدّا.

و ضبط هذه العلوم أن نقول:العلوم النّافعة هي ما ذكره اللّه في كتابه،في قوله: وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَ قالُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ البقرة:285،فهذا أحسن ضبط يمكن ذكره للعلوم النّافعة.(26:267)

القرطبيّ: الحديث:ما يحدّث به المحدّث،و سمّي القرآن حديثا،لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان يحدّث به أصحابه و قومه.[ثمّ ذكر جملة من الآيات بشأن القرآن]

(15:249)

الشّربينيّ: أي القرآن...و كونه أحسن الحديث لوجهين:أحدهما:من جهة اللّفظ،و الآخر من جهة المعنى.

أمّا الأوّل فلأنّ القرآن أفصح الكلام و أبلغه و أجزله، و ليس هو من جنس الشّعر و لا من جنس الخطب،و لا من جنس الرّسائل،بل هو نوع يخالف الكلّ في أسلوبه،مع أنّ كلّ طبع سليم يستلذّه و يستطيبه.

و أمّا من جهة المعنى فهو منزّه عن التّناقض

ص: 90

و الاختلاف،قال جلّ ثناؤه: وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً، و مشتمل على أخبار الماضين و قصص الأوّلين،و على أخبار الغيوب الكثيرة في الماضي و المستقبل،و على الوعد و الوعيد و الجنّة و النّار.(3:442)

البروسويّ: هو القرآن الكريم الّذي لا نهاية لحسنة و لا غاية لجمال نظمه و ملاحة معانيه،و هو أحسن ممّا نزل على جميع الأنبياء و المرسلين و أكمله و أكثره أحكاما.و أيضا أحسن الحديث لفصاحته و إعجازه، و أيضا لأنّه كلام اللّه،و هو قديم،و كلام غيره مخلوق محدث،و أيضا لكونه صدقا كلّه إلى غير ذلك سمّي حديثا لأنّ النّبيّ عليه السّلام كان يحدّث به قومه و يخبرهم بما ينزل عليه منه،فلا يدلّ على حدوث القرآن،فإنّ الحديث في عرف العامّة:الخبر و الكلام.(8:97)

الآلوسيّ: هو القرآن الكريم،و كونه حديثا بمعنى كونه كلاما محدّثا به،لا بمعنى كونه مقابلا للقديم.و من قال بالتّلازم من الأشاعرة القائلين بحدوث الكلام اللّفظيّ، جعل الأوصاف الدّالّة على الحدوث لذلك الكلام.و جوّز أن يكون إطلاق الحديث هنا على القرآن من باب المشاكلة.

و أمّا الاستشهاد على أحسنيّته،فلكونه ممّن لا يتصوّر أكمل منه،بل لا كمال لشيء ما في جنبه بوجه.

و أمّا توكيد الاستناد إليه تعالى فمن التّقوى.و أمّا أنّ مثله لا يمكن أن يتكلّم به غيره سبحانه فلمكان التّناسب،لأنّ أكمل الحديث إنّما يكون من أكمل متكلّم ضرورة.

و مذهب الزّمخشريّ أنّ مثل هذا التّركيب يفيد الحصر، و أنّه لا تنافي بينه و بين التّقوى جمعا،فافهم.

(23:258)

الطّباطبائيّ: هو القرآن الكريم،و الحديث هو القول،كما في: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ و فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ فهو أحسن القول لاشتماله على محض الحقّ الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، و هو كلامه المجيد.(17:256)

4- أَ فَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ. النّجم:59

الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:من القرآن في نزوله من عند اللّه.الثّاني:من البعث و الجزاء،و هو محتمل.

(5:407)

الطّبرسيّ: يعني ب(الحديث):ما قدم من الأخبار عن الصّادق عليه السّلام.و قيل:معناه أ فمن هذا القرآن و نزوله من عند اللّه على محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و كونه معجزا تعجبون؟

(5:184)

الفخر الرّازيّ: قيل:من القرآن،و يحتمل أن يقال:

هذا إشارة إلى حديث أَزِفَتِ الْآزِفَةُ النّجم:57، فإنّهم كانوا يتعجّبون من حشر الأجساد و جمع العظام بعد الفساد.(29:27)

و قد فسّر الحديث بالقرآن في أكثر التّفاسير.

5- أَ فَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ. الواقعة:81

ابن عبّاس: أي القرآن الّذي يقرأ عليكم محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(455)

نحوه أكثر التّفاسير.

ص: 91

الطّبريّ: أ فبهذا القرآن الّذي أنبأتكم خبره، و قصصت عليكم أمره أيّها النّاس،أنتم تلينون القول للمكذّبين به،ممالأة منكم لهم على التّكذيب به و الكفر؟(27:207)

الطّوسيّ: الّذي حدّثناكم به و أخبرناكم به من حوادث الأمور.(9:511)

نحوه الطّبرسيّ(5:226)

الميبديّ: أي بهذا القرآن،سمّاه«حديثا»لأنّ فيه ذكر حوادث الأمور.(9:464)

ابن عطيّة: و الحديث المشار إليه هو القرآن المتضمّن البعث،و إنّ اللّه تعالى خالق الكلّ،و إنّ ابن آدم مصرّف بقدره و قضائه و غير ذلك(5:252)

الفخر الرّازيّ: (هذا)إشارة إلى ما ذا؟

فنقول:المشهور أنّه إشارة إلى القرآن،و إطلاق الحديث في القرآن على الكلام القديم كثير،بمعنى كونه اسما لا وصفا،فإنّ الحديث:اسم لما يتحدّث به،و وصف يوصف به ما يتجدّد،فيقال:أمر حادث و رسم حديث، أي جديد،و يقال:أعجبني حديث فلان و كلامه.و قد بيّنّا أنّ القرآن قديم له لذّة الكلام الجديد و الحديث الّذي لم يسمع.

الوجه الثّاني:أنّه إشارة إلى ما تحدّثوا به من قبل،في قوله تعالى: وَ كانُوا يَقُولُونَ أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ* أَ وَ آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ الواقعة:47، 48،و ذلك لأنّ الكلام مستقلّ منتظم،فإنّه تعالى ردّ عليهم ذلك بقوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ الواقعة:49،و ذكر الدّليل عليهم بقوله: نَحْنُ خَلَقْناكُمْ الواقعة:57،و بقوله: أَ فَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ الواقعة:58، أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ الواقعة:63، و أقسم بعد إقامة الدّلائل بقوله: فَلا أُقْسِمُ الواقعة:75،و بيّن أنّ ذلك كلّه إخبار من اللّه بقوله: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ الواقعة:77،ثمّ عاد إلى كلامهم،و قال: أَ فَبِهذَا الْحَدِيثِ الّذي تتحدّثون به أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ.

(29:197)

النّيسابوريّ: أي بالقرآن أو بهذا الدّالّ على حقيقة القرآن.(27:83)

الشّربينيّ: أي القرآن الّذي تقدّمت أوصافه العالية،و هو يتجدّد إليكم إنزاله وقتا بعد وقت.

(4:197)

أبو السّعود :الّذي ذكرت نعوته الجليلة الموجبة لإعظامه و إجلاله،و هو القرآن الكريم.(6:195)

نحوه الآلوسيّ(27:155)،و القاسميّ(16:5665).

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و هو[بهذا الحديث]متعلّق بقوله:(مدهنون)و جاز تقديمه على المبتدإ،لأنّ عامله يجوز فيه ذلك،و الأصل:

أ فأنتم مدهنون بهذا الحديث.(9:338)

عبد الكريم الخطيب :الإشارة هنا إلى القرآن الكريم،و ما تحدّث به آياته عن قدرة اللّه سبحانه،و عن سلطانه القائم على هذا الوجود،و عن البعث و الحساب و الجزاء...

و الاستفهام تقريريّ،يراد به إقرار الكافرين بما عندهم من هذا الحديث الّذي سمعوه،ممّا يتلى عليهم من آيات اللّه،و هل هم مصغون إليه،واقفون منه موقف الجدّ

ص: 92

و طلب العلم و الفهم،أم أنّهم مستمعون استماع المجامل الّذي لا يعنيه شيء من مضامين هذا الحديث و مفاهيمه؟

(14:738)

6- فَذَرْنِي وَ مَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ. القلم:44

ابن عبّاس: بهذا الكتاب.(482)

السّدّيّ: أي القرآن.(460)

نحوه الشّربينيّ(4:364)،و أبو السّعود(6:290)، و الطّباطبائيّ(19:386)

الماورديّ: أي بيوم القيامة.(6:72)

ابن عطيّة: و الحديث المشار إليه هو القرآن المخبر بهذه الغيوب.(5:353)

حديثا

1- يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ عَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَ لا يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً. النّساء:42

راجع:«ك ت م»(و لا يكتمون).

2- ..فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً. النّساء:78

الطّبريّ: لا يكادون يعلمون حقيقة ما تخبرهم به، من أنّ كلّ ما أصابهم من خير أو شرّ أو ضرّ،و شدّة أو رخاء،فمن عند اللّه،لا يقدر على ذلك غيره.(5:175)

الواحديّ: لا يفهمون القرآن و تأويله فيؤمنوا، و يعلمون أنّ الحسنة و السّيّئة من عند اللّه.(2:83)

البغويّ: أي لا يفقهون قولا،و قيل:الحديث هاهنا هو القرآن،أي لا يفقهون معاني القرآن.(1:665)

نحوه القاسميّ.(5:1404)

الميبديّ: يعني ما لهؤلاء اليهود و المنافقين لا يفقهون قولا إلاّ التّكذيب بالنّعم؟.(2:593)

الطّبرسيّ: أي لا يقربون فقه معنى الحديث الّذي هو القرآن،لأنّهم يبعدون منه بإعراضهم عنه و كفرهم به.و قيل:معناه لا يفقهون حديثا،أي لا يعلمون حقيقة ما يخبرهم به أنّه من عند اللّه من السّرّاء و الضّرّاء،على ما وصفناه.(2:79)

الفخر الرّازيّ: قالت المعتزلة:أجمع المفسّرون على أنّ المراد من قوله: لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً أنّهم لا يفقهون هذه الآية المذكورة في هذا الموضع،و هذا يقتضي وصف القرآن بأنّه حديث،و الحديث:«فعيل» بمعنى«مفعول»،فيلزم منه أن يكون القرآن محدثا.

و الجواب:مرادكم بالقرآن ليس إلاّ هذه العبارات، و نحن لا ننازع في كونها محدثة.(10:190)

نحوه النّيسابوريّ(5:87)،و الشّربينيّ(1:318).

البيضاويّ: يوعظون به و هو القرآن،فإنّهم لو فهموه و تدبّروا معانيه،لعلموا أنّ الكلّ من عند اللّه سبحانه و تعالى،أو حديثا ما كبهائم لا أفهام لها،أو حادثا من صروف الزّمان فيتفكّرون فيه،فيعلمون أنّ القابض و الباسط هو اللّه سبحانه و تعالى.(1:231)

نحوه البروسويّ.(2:242)

أبو حيّان :أي القرآن لو تدبّروه لبصّرهم في الدّين و أورثهم اليقين.(3:301)

ص: 93

الآلوسيّ: أي كلاما يوعظون به و هو القرآن،أو كلاما ما،أو كلّ شيء حدث و قرب عهده،كلام من قبله تعالى معترض بين المبين،و بيانه مسوق لتعييرهم بالجهل،و تقبيح حالهم،و التّعجيب من كمال غباوتهم...

و يفهم من كلام بعضهم أنّ المراد من الحديث هو ما تفوّهوا به آنفا؛حيث إنّه يلزم منه تعدّد الخالق المستلزم للشّرك المؤدّي إلى فساد العالم،و إنّ(ما)في حيّز الأمر ردّ لهذا اللاّزم.(5:88)

3- ..وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً. النّساء:87

ابن عبّاس: قولا.(76)

مثله الشّربينيّ.(1:321)

يريد موعدا لا خلف لوعده(الواحديّ 2:91)

مقاتل:لا أحد أصدق من اللّه في أمر البعث.(الواحديّ 2:91)

الطّبريّ: و من أصدق من اللّه حديثا و خبرا؟

(5:192)

الطّوسيّ: و نصب(حديثا)على التّمييز كما تقول:

أحسن من زيد فهما أو خلقا.(3:280)

البغويّ: أي قولا و وعدا.(1:671)

الفخر الرّازيّ: استدلّت المعتزلة بهذه الآية على أنّ كلام اللّه تعالى محدث،قالوا:لأنّه تعالى وصفه بكونه حديثا في هذه الآية،و في قوله تعالى: اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ الزّمر:23،و الحديث هو الحادث أو المحدث.

و جوابنا عنه:أنّكم إنّما تحكمون بحدوث الكلام الّذي هو الحرف و الصّوت،و نحن لا ننازع في حدوثه،إنّما الّذي ندّعي قدمه شيء آخر غير هذه الحروف و الأصوات، و الآية لا تدلّ على حدوث ذلك الشّيء البتّة بالاتّفاق منّا و منكم.فأمّا منّا فظاهر،و أمّا منكم فإنّكم تنكرون وجود كلام سوى هذه الحروف و الأصوات،فكيف يمكنكم أن تقولوا بدلالة هذه الآية على حدوثه،و اللّه أعلم.

(10:218)

أبو حيّان :هذا استفهام معناه النّفي،التّقدير:لا أحد أصدق من اللّه حديثا،و فسّر«الحديث»بالخبر أو بالوعد قولان،و الأظهر هنا الخبر.(3:312)

راجع«ص د ق»(اصدق).

4- لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى... يوسف 111

ابن عبّاس: يعني القرآن ليس بحديث يختلق.

(204)

نحوه قتادة و ابن إسحاق(الماورديّ 3:90)، و الواحديّ(2:639)،و البغويّ(2:519)، و الزّمخشريّ(2:348)،و البيضاويّ(1:511).

الطّوسيّ: و الحديث:الإخبار عن حوادث الزّمان، و تسميته بأنّه حديث يدلّ على أنّه حادث،لأنّ القديم لا يكون حديثا.(6:209)

ابن عطيّة: و الحديث هنا:واحد الأحاديث، و ليس للّذي هو خلاف القديم هاهنا مدخل.(3:289)

عبد الكريم الخطيب :أي هذا القصص الّذي يقصّه اللّه تعالى على نبيّه الكريم،من أنباء الرّسل،لم يكن حديثا ملفّقا،أو مفترى،و لكنّه كلام ربّ العالمين.

(7:62)

5- وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً...

التّحريم:3

راجع«س ر ر»(اسرّ)

ص: 94

احاديث

1- ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ. المؤمنون:44

ابن عبّاس: في دهرهم يحدّث عنهم.(287)

أبو عبيدة :أي يتمثّل بهم في الشّرّ،و لا يقال في الخير:جعلته حديثا.(2:59)

الأخفش: إنّما هذا في الشّرّ،و أمّا في الخير فلا يقال:

جعلتهم أحاديث و أحدوثة،و إنّما يقال:صار فلان حديثا.(البغويّ 3:366)

ابن قتيبة :أخبارا و عبرا.(297)

الطّبريّ: قوله: وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ للنّاس، و مثلا يتحدّث بهم في النّاس،و الأحاديث في هذا الموضع جمع:أحدوثة لأنّ المعنى ما وصفت،من أنّهم جعلوا للنّاس مثلا يتحدّث بهم،و قد يجوز أن يكون جمع:

حديث،و إنّما قيل: وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ لأنّهم جعلوا حديثا و مثلا يتمثّل بهم في الشّرّ،و لا يقال في الخير:

جعلته حديثا و لا أحدوثة.(18:24)

نحوه الطّوسيّ(7:370)،و الطّبرسيّ(4:108).

البغويّ: يعني سمرا و قصصا يتحدّث من بعدهم بأمرهم و شأنهم،و هي جمع أحدوثة.(3:366)

نحوه الميبديّ.(6:437)

الزّمخشريّ: أخبارا يسمر بها و يتعجّب منها.

الأحاديث تكون اسم جمع للحديث،و منه أحاديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و تكون جمعا للأحدوثة الّتي هي مثل:

الأضحوكة و الألعوبة و الأعجوبة،و هي ممّا يتحدّث به النّاس تلهّيا و تعجّبا،و هو المراد هاهنا.(3:33)

نحوه الفخر الرّازيّ(33:100)،و النّسفيّ(3:120)، و الشّربينيّ(2:580)،و الآلوسيّ(18:34).

ابن عطيّة: يريد:أحاديث مثل،و قلّما يستعمل «الجعل»حديثا إلاّ في الشّرّ.(4:144)

القرطبيّ: [نحو الزّمخشريّ ثمّ ذكر قول الأخفش و أضاف:]

أحاديث:جمع أحدوثة و هي ما يتحدّث به، كأعاجيب جمع أعجوبة،و هي ما يتعجّب منه.

(12:125)

البيضاويّ: لم يبق منهم إلاّ حكايات يسمر بها، و هو اسم جمع للحديث أو جمع أحدوثة،و هي ما يتحدّث به تلهّيا.(2:108)

نحوه أبو السّعود.(4:415)

النّيسابوريّ: [نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه قال:]

و أحاديث:يكون اسم جمع الحديث،أو جمعا له من غير لفظه.(18:21)

أبو حيّان :(أحاديث)جمع حديث،و هو جمع شاذّ؛ و جمع أحدوثة،و هو جمع قياسيّ.و الظّاهر أنّ المراد الثّاني،أي صاروا يتحدّث بهم و بحالهم في الإهلاك،على سبيل التّعجّب و الاعتبار و ضرب المثل بهم.[ثمّ نقل قول الأخفش و الزّمخشريّ و قال:]

و«أفاعيل»ليس من أبنية اسم الجمع،و إنّما ذكره أصحابنا فيما شذّ من الجموع كقطيع و أقاطيع.و إذا كان «عباديد»قد حكموا عليه بأنّه جمع تكسير و هو لم يلفظ له بواحد،فأحرى«أحاديث»و قد لفظ له و هو حديث،

ص: 95

فالصّحيح أنّه جمع تكسير لا اسم جمع،لما ذكرناه.

(6:407)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

تفنى و تبقى عنك أحدوثة

فاجهد بأن تحسن أحدوثتك

في البيت دلالة على أنّ«الأحدوثة»تقال على الخير و الشّرّ،و هو خلاف ما قال الأخفش.(6:84)

القاسميّ: أي أخبارا يسمر بها و يتعجّب منها.

يعني أنّهم فنوا و لم يبقى إلاّ خبرهم،إن خيرا و إن شرّا.

(12:4400)

عبد الكريم الخطيب :إشارة إلى هلاك هذه الأمم المتتابعة،و زوال آثارها،فلم يبق منها إلاّ أحاديث يرويها النّاس عنها،و عمّا كان منها،و ما نزل بها...

(12:1139)

مكارم الشّيرازيّ: إشارة إلى أنّ كلّ أمّة تتعرّض للهلاك،أمّا الأشخاص و آثارهم فتبقى هنا و هناك، و أحيانا لا يبقى منهم أيّ أثر.و إنّ هذه الأمم المعاندة و الطّاغية كانت ضمن المجموعة الثّانية.(10:407)

2- ..وَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ...

سبأ:19

ابن قتيبة :أي عظة و معتبرا.(356)

الطّبريّ: صيّرناهم أحاديث للنّاس،يضربون بهم المثل في السّبّ،فيقال:«تفرّق القوم أيادي سبا،و أيدي سبا،إذا تفرّقوا و تقطّعوا.(22:86)

نحوه المراغيّ.(22:74)

الطّوسيّ: و قيل:معنى فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ أي أهلكنا و ألهمنا النّاس حديثهم ليعتبروا.(8:389)

الواحديّ: لمن بعدهم يتحدّثون بأمرهم و شأنهم كيف فعلنا بهم.(3:492)

نحوه البغويّ.(3:678)

الزّمخشريّ: يتحدّث النّاس بهم و يتعجّبون من أحوالهم.(3:286)

مثله النّسفيّ(3:323)،و القاسميّ(14:4946).

الطّبرسيّ: لمن بعدهم يتحدّثون بأمرهم و شأنهم و يضربون بهم المثل،فيقولون:«تفرّقوا أيادي سبا»إذا تشتّتوا أعظم التّشتّت.(4:387)

نحوه البيضاويّ(2:259)،و الكاشانيّ(4:216).

القرطبيّ: أي يتحدّث بأخبارهم،و تقديره في العربيّة:ذوي أحاديث.(14:291)

أبو حيّان :أي عظات و عبرا يتحدّث بهم و يتمثّل، و قيل:لم يبق منهم إلاّ الحديث،و لو بقي منهم طائفة لم يكونوا أحاديث.(7:273)

نحوه الشّربينيّ.(3:293)

أبو السّعود :أي جعلناهم بحيث يتحدّث النّاس بهم،متعجّبين من أحوالهم،و معتبرين بعاقبتهم و مآلهم.

(5:225)

البروسويّ: قال ابن الكمال:الأحاديث مبنيّ على واحده المستعمل و هو الحديث،كأنّهم جمعوا حديثا على أحدثة،ثمّ جمعوا الجمع على الأحاديث،أي جعلنا أهل سبأ أخبارا.[ثمّ قال نحو أبي السّعود](7:286)

الآلوسيّ: جمع أحدوثة،و هي ما يتحدّث به على

ص: 96

سبيل التّلهّي و الاستغراب،لا جمع حديث على خلاف القياس.و جعلهم نفس الأحاديث،إمّا على المبالغة،أو تقدير المضاف،أي جعلناهم بحديث يتحدّث النّاس بهم متعجّبين من أحوالهم،و معتبرين بعاقبتهم و مآلهم.

(22:131)

الطّباطبائيّ: أي أزلنا أعيانهم و آثارهم،فلم يبق منهم إلاّ أحاديث يحدّث بها فيما يحدّث،فعادوا أسماء لا مسمّى لهم إلاّ في وهم المتوهّم،و خيال المتخيّل.

(16:365)

الاحاديث

وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ... يوسف:6

راجع«أول-تأويل»المعجم 4:222.

و جاء بهذا المعنى:

وَ كَذلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ يوسف:21.

و رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ يوسف:101

احدث

قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً. الكهف:70

ابن عبّاس: أبيّن لك.(250)

الفرّاء: حتّى أكون أنا الّذي أسألك.(3:155)

الطّبريّ: حتّى أحدث أنا لك ممّا ترى من الأفعال الّتي أفعلها،الّتي تستنكرها،أذكرها لك،و أبيّن لك شأنها، و أبتدئك الخبر عنها.(15:283)

الطّوسيّ: معناه لا تسألني عن باطن أمر حتّى أكون أنا المبتدئ لك بذلك.(7:72)

الواحديّ: حتّى أكون أنا الّذي أفسّره لك،لأنّه قد غاب علمه عنك.(3:158)

نحوه الميبديّ(6:719)،و الطّبرسيّ(3:483)،و ابن الجوزيّ(5:171)،و القرطبيّ(11:18).

البغويّ: حتّى أبتدئ لك بذكره،فأبيّن لك شأنه.

(3:206)

الفخر الرّازيّ: أي لا تستخبرني عمّا تراه منّي ممّا لا تعلم وجهه حتّى أكون أنا المبتدئ لتعليمك إيّاه و إخبارك به.(21:153)

أبو حيّان :فلا تفاتحني بالسّؤال حتّى أكون أنا الفاتح عليك،و هذا من أدب المتعلّم مع العالم المتبوع.

(6:148)

نحوه القاسميّ: (11:4080)

أبو السّعود :أي حتّى أبتدئ ببيانه،و فيه إيذان بأنّ كلّ ما صدر عنه فله حكمة و غاية حميدة البتّة.[ثمّ ذكر نحو أبي حيّان].(4:204)

نحوه البروسويّ.(5:276)

الآلوسيّ: أي حتّى أبتدئك ببيانه،و الغاية-على ما قيل-مضروبة لما يفهم من الكلام،كأنّه قيل:أنكر بقلبك على ما أفعل حتّى أبيّنه لك.أو هي لتأبيد ترك السّؤال، فإنّه لا ينبغي السّؤال بعد البيان بالطّريق الأولى.

ص: 97

و على الوجهين فيها إيذان بأنّ كلّ ما يصدر عنه فله حكمة و غاية حميدة البتّة،و قيل:(حتّى)للتّعليل، و ليس بشيء.(15:335)

الطّباطبائيّ: و إحداث الذّكر من الشّيء:الابتداء به من غير سابقة،و المعنى فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء تشاهده من أمري تشقّ عليك مشاهدته حتّى ابتدأ أنا بذكر منه.

و فيه إشارة إلى أنّه سيشاهد منه أمورا تشقّ عليه مشاهدتها و هو سيبيّنها له.لكن لا ينبغي لموسى أن يبتدئه بالسّؤال و الاستخبار،بل ينبغي أن يصبر حتّى يبتدئه هو بالإخبار.(13:343)

يحدث

1- وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَ صَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً. طه:113

الواحديّ: يجدّد لهم القرآن اعتبارا،فيتذكّروا به عقاب اللّه للأمم فيعتبروا.(3:223)

نحوه البغويّ.(3:276)

الزّمخشريّ: و قرئ (نحدث) و (تحدث) بالنّون و التّاء،أي تحدث أنت،و سكّن بعضهم الثّاء للتّخفيف.

(2:554)

ابن عطيّة: قالت فرقة:معناه أو يكسبهم شرفا، و يبقى عليهم إيمانهم ذكرا صالحا في الغابرين.

و قرأ الحسن البصريّ (أو يحدث) ساكنة الثّاء،و قرأ مجاهد (أو نحدث) بالنّون و سكون الثّاء.و لا وجه للجزم إلاّ على أن يسكّن حرف الإعراب استثقالا لحركته، و هذا نحو قول جرير:و لا يعرفكم العرب.(4:65)

الطّبرسيّ: [نحو الواحديّ و أضاف:]

و إنّما أضاف إحداث الذّكر إلى القرآن لأنّه يقع عنده كما قال: وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً الأنفال:2.(4:31)

الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:

الأوّل:أن يكون المعنى إنّا إنّما أنزلنا القرآن لأجل أن يصيروا متّقين،أي محترزين عمّا لا ينبغي،أو يحدث القرآن لهم ذكرا يدعوهم إلى الطّاعات و فعل ما ينبغي، و عليه سؤالات:

السّؤال الأوّل:القرآن كيف يكون محدثا للذّكر؟ الجواب:لمّا حصل الذّكر عند قراءته أضيف الذّكر إليه.

السّؤال الثّاني:لم أضيف«الذّكر»إلى القرآن و ما أضيفت«التّقوى»إليه؟الجواب:أنّ التّقوى عبارة عن أن لا يفعل القبيح،و ذلك استمرار على العدم الأصليّ، فلم يجز إسناده إلى القرآن،أمّا حدوث الذّكر فأمر حدث بعد أن لم يكن،فجازت إضافته إلى القرآن.

السّؤال الثّالث:كلمة(او)للمنافاة،و لا منافاة بين التّقوى و حدوث الذّكر بل لا يصحّ الاتّقاء إلاّ مع الذّكر، فما معنى كلمة(او)؟الجواب:هذا كقولهم:جالس الحسن أو ابن سيرين،أي لا تكن خاليا منهما،فكذا هاهنا.

الوجه الثّاني:أن يقال:إنّا أنزلنا القرآن ليتّقوا،فإن لم يحصل ذلك فلا أقلّ من أن يحدث القرآن لهم ذكرا و شرفا و صيتا حسنا،فعلى هذين التّقديرين يكون إنزاله تقوى.(22:121)

نحوه أبو حيّان.(6:281)

ص: 98

البيضاويّ: (ذكرا)عظة و اعتبارا حين يسمعونها، فيثبّطهم عنها.و لهذه النّكتة أسند التّقوى إليهم و الإحداث إلى القرآن.(2:62)

نحوه الشّربينيّ.(2:486)

النّسفيّ: الوعيد أو القرآن.(3:67)

البروسويّ: أي يجدّد القرآن لهم إيقاظا و اعتبارا بهلاك من قبلهم،مؤدّيا بالآخرة إلى الاتّقاء.و إحداث الشّيء:إيجاده،و الحدوث:كون الشّيء بعد أن لم يكن، عرضا كان أو جوهرا.(5:432)

الآلوسيّ: [و المراد]بالذّكر:العظة الحاصلة من استماع القرآن المثبطة عن المعاصي،و لمّا كانت أمرا يتجدّد بسبب استماعه،ناسب الإسناد إليه،و وصفه بالحدوث المناسب لتجدّد الألفاظ المسموعة.(16:267)

الطّباطبائيّ: يكون المراد بإحداث الذّكر لهم:

حصول التّذكّر فيهم،و تتمّ المقابلة بين الذّكر و التّقوى من غير تكلّف.(14:214)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ اختلاف جملة لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ مع جملة يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً يمكن أن يكون من جهة أنّ الجملة الأولى تقول:إنّ الهدف هو إيجاد و غرس التّقوى بصورة كاملة.و في الجملة الثّانية:إنّ الهدف هو أنّ التّقوى و إن لم تحصل كاملة،فليحصل على الأقلّ الوعي و العلم لتحدّه في حدود أوّلا،ثمّ تكون في المستقبل مصدرا و ينبوعا للحركة نحو الكمال.

و يحتمل أيضا أن تكون الجملة الأولى إشارة إلى إيجاد و تحقيق التّقوى بالنّسبة لغير المتّقين،و الثّانية إلى التّذكّر و التّذكير بالنّسبة للمتّقين،كما نقرأ في الآية(2) سورة الأنفال: وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً.

في الآية الآنفة الذّكر إشارة إلى أصلين مهمّين من أصول التّعليم و التّربية المؤثّرة:

أحدهما:مسألة الصّراحة في البيان،و كون العبارات بليغة واضحة تستقرّ في القلب.

و الآخر:بيان المطالب بأساليب متنوّعة لئلاّ تكون سببا للتّكرار و الملل،و لتنفذ إلى القلوب.(10:77)

2- ...لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً. الطّلاق:1 راجع«ط ل ق».

محدث

ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ. الأنبياء:2

ابن عبّاس: بآية بعد آية و سورة بعد سورة،لكان إتيان جبريل و قراءة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و استماعهم،محدثا، لا القرآن.(269)

قتادة :ما ينزل عليهم من شيء من القرآن إلاّ استمعوه و هم يلعبون.(الطّبريّ 17:2)

مقاتل:يحدث اللّه الأمر بعد الأمر.

(البغويّ: 3:282)

الفرّاء: لو كان«المحدث»نصبا أو رفعا لكان صوابا.

النّصب على الفعل:ما يأتيهم محدثا،و الرّفع على الرّدّ على تأويل الذّكر،لأنّك لو ألقيت(من)لرفعت«الذّكر»، و هو كقولك:ما من أحد قائم و قائم و قائما.النّصب في هذه على استحسان الباء،و في الأولى على الفعل.

(2:197)

ص: 99

الطّبريّ: ما يحدث اللّه من تنزيل شيء من هذا القرآن للنّاس و يذكّرهم به و يعظهم إلاّ استمعوه،و هم يلعبون لاهية قلوبهم.(17:2)

الزّجّاج: الخفض القراءة،و يجوز في غير القراءة:

محدثا و محدث.النّصب على الحال،و الرّفع بإضمار هو.

(3:383)

الماورديّ: (محدث)التّنزيل مبتدأ التّلاوة لنزوله سورة بعد سورة و آية بعد آية،كما كان ينزله اللّه عليه في وقت بعد وقت.(3:436)

نحوه الواحديّ(3:229)،و الطّبرسيّ(4:39).

الطّوسيّ: معناه أيّ شيء من القرآن محدث بتنزيله سورة بعد سورة و آية بعد آية.(7:228)

البغويّ: يعني ما يحدث اللّه من تنزيل شيء من القرآن يذكّرهم و يعظهم به.

و قيل:الذّكر المحدث:ما قاله النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و بيّنه من السّنن و المواعظ سوى ما في القرآن،و إضافته إلى الرّبّ عزّ و جلّ،لأنّه قال بأمر الرّبّ.(3:282)

نحوه الميبديّ(6:211)،و الخازن(4:233).

الزّمخشريّ: و يحدث لهم الآية بعد الآية و السّورة بعد السّورة،ليكرّر على أسماعهم التّنبيه و الموعظة لعلّهم يتّعظون،فما يزيدهم استماع الآي و السّور و ما فيها من فنون المواعظ و البصائر الّتي هي أحقّ الحقّ و أجدّ الجدّ إلاّ لعبا و تلهّيا و استسخارا.و الذّكر هو الطّائفة النّازلة من القرآن.

و قرأ ابن أبي عبلة (محدث) بالرّفع صفة على المحلّ.

(2:562)

ابن عطيّة:قالت فرقة:المراد ما ينزل من القرآن و معناه محدث:نزوله و إتيانه إيّاهم،لا هو في نفسه[ثمّ قال نحو البغويّ و أضاف:]

و قالت فرقة:«الذّكر»الرّسول نفسه،و احتجّت بقوله تعالى: قَدْ أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً* رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللّهِ مُبَيِّناتٍ الطّلاق:10،11،فهو محدث على الحقيقة.(4:73)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:قرأ ابن أبي عبلة (محدث) بالرّفع صفة للمحلّ.

المسألة الثّانية:إنّما ذكر اللّه تعالى ذلك بيانا لكونهم معرضين؛و ذلك لأنّ اللّه تعالى يجدّد لهم الذّكر وقتا فوقتا،و يظهر لهم الآية بعد الآية و السّورة بعد السّورة، ليكرّر على أسماعهم التّنبيه و الموعظة لعلّهم يتّعظون،فما يزيدهم ذلك إلاّ لعبا و استسخارا.

المسألة الثّالثة:المعتزلة احتجّوا على حدوث القرآن بهذه الآية،فقالوا:القرآن ذكر و الذّكر محدث فالقرآن محدث،بيان أنّ القرآن ذكر قوله تعالى في صفة القرآن:

إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ ص:87،و قوله: وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ الزّخرف:44،و قوله: ص وَ الْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ص:1،و قوله: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ الحجر:9،و قوله: إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبِينٌ يس:

69،و قوله: وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ الأنبياء:50.

و بيان أنّ الذّكر محدث قوله في هذا الموضع:

ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ الأنبياء:2،و قوله: وَ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ

ص: 100

الشّعراء:5.

ثمّ قالوا:فصار مجموع هاتين المقدّمتين المنصوصتين كالنّصّ في أنّ القرآن محدث.

و الجواب من وجهين:الأوّل:أنّ قوله: إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ و قوله: وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ إشارة إلى المركّب من الحروف و الأصوات،فإذا ضممنا إليه قوله:

ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ لزم حدوث المركّب من الحروف و الأصوات،و ذلك ممّا لا نزاع فيه بل حدوثه معلوم بالضّرورة،و إنّما النّزاع في قديم كلام اللّه تعالى بمعنى آخر.

الثّاني:أنّ قوله: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ لا يدلّ على حدوث كلّ ما كان ذكرا بل على ذكر ما محدث،كما أنّ قول القائل:لا يدخل هذه البلدة رجل فاضل إلاّ يبغضونه،فإنّه لا يدلّ على أنّ كلّ رجل يجب أن يكون فاضلا بل على أنّ في الرّجال من هو فاضل.

و إذا كان كذلك فالآية لا تدلّ إلاّ على أنّ بعض الذّكر محدث،فيصير نظم الكلام هكذا:القرآن ذكر و بعض الذّكر محدث.و هذا لا ينتج شيئا كما أنّ قول القائل:الإنسان حيوان و بعض الحيوان فرس،لا ينتج شيئا؛فظهر أنّ الّذي ظنّوه قاطعا،لا يفيد ظنّا ضعيفا، فضلا عن القطع.(22:140)

نحوه النّيسابوريّ.(17:5)

القرطبيّ: [ذكر قول الفرّاء و قال:]

أي ما يأتيهم ذكر من ربّهم محدث،يريد في النّزول و تلاوة جبريل على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فإنّه كان ينزل سورة بعد سورة،و آية بعد آية،كما كان ينزله اللّه تعالى عليه في وقت بعد وقت،لا أنّ القرآن مخلوق.(11:267)

البيضاويّ: (محدث)تنزيله،ليكرّر على أسماعهم التّنبيه كي يتّعظوا.و قرئ بالرّفع على المحلّ.(2:66)

النّسفيّ: في التّنزيل إتيانه،مبتدأة تلاوته،قريب عهده باستماعهم،و المراد به الحروف المنظومة،و لا خلاف في حدوثها.(3:71)

الشّربينيّ: إنزاله،أي ما يحدث اللّه تعالى من تنزيل شيء من القرآن يذكّرهم و يعظهم به،و بهذا سقط احتجاج المعتزلة بأنّ القرآن حادث،لهذه الآية.

(2:495)

أبو السّعود :(محدث)بالجرّ صفة ل(ذكر)،و قرئ بالرّفع حملا على محلّه،أي محدث تنزيله بحسب اقتضاء الحكمة.(4:322)

البروسويّ: (محدث)بالجرّ صفة ل(ذكر)أي محدث تنزيله بحسب اقتضاء الحكمة،لتكرّره على أسماعهم للتّنبيه،كي يتّعظوا،فالمحدث تنزيله في كلّ وقت على حسب المصالح و قدر الحاجة،لا الكلام الّذي هو صفة قديمة أزليّة،و أيضا الموصوف بالإتيان و بأنّه ذكر هو المركّب من الحروف و الأصوات،و حدوثه ممّا لا نزاع فيه.قالوا:القرآن اسم مشترك يطلق على الكلام الأزليّ الّذي هو صفة اللّه،و هو الكلام النّفسيّ القديم،من قال بحدوثه كفر،و يطلق أيضا على ما يدلّ عليه،و هو النّظم المتلوّ الحادث،من قال بقدمه سجّل على كمال جهله.

(5:452)

الآلوسيّ: و المراد بالحدوث الّذي يستدعيه

ص: 101

(محدث):التّجدّد،و هو يقتضي المسبوقيّة بالعدم.

(17:7)

القاسميّ: استدلّ بهذه الآية من ذهب إلى حدوث كلامه تعالى المسموع،و هم المعتزلة و الكراميّة و الأشعريّة.

فأمّا المعتزلة فقالوا:إنّما كان القرآن حادثا لكونه مؤلّفا من أصوات و حروف،فهو قائم بغيره.و قالوا:

معنى كونه متكلّما،أنّه موجد لتلك الحروف و الأصوات في الجسم،كاللّوح المحفوظ أو كجبريل أو النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام،أو غيرهم كشجرة موسى.

و أما الكراميّة،فلمّا رأوا ما التزمه المعتزلة مخالفا للعرف و اللّغة،ذهبوا إلى أنّ كلامه صفة له مؤلّفة من الحروف و الأصوات الحادثة القائمة بذاته تعالى،فذهبوا إلى حدوث الدّالّ و المدلول؛و جوّزوا كونه تعالى محلاّ للحوادث.

و الأشعريّة قالوا:إنّ الكلام المتلوّ دالّ على الصّفة القديمة النّفسيّة،الّتي هي الكلام عندهم حقيقة.

قالوا:فما نزل على الأنبياء من الحروف و الأصوات، و سمعوها و بلّغوها إلى أممهم،هو محدث موصوف بالتّغيّر و التّكثّر و النّزول.لا مدلولها الّتي هي تلك الصّفة القديمة،و المسألة شهير ما للعلماء فيها.و القصد أنّ الآية المذكورة رآها من ذكر،حجّة فيما ذهب إليه.

و قد عدّ الإمام ابن تيميّة-عليه الرّحمة و الرّضوان- هذا الاحتجاج من الأغلاط،و عبارته في كتابه«مطابقة المنقول للمعقول»:

احتجّ من يقول:بأنّ القرآن أو عبارة القرآن مخلوقة،بهذه الآية،مع أنّ دلالة الآية على نقيض قولهم، أقوى منها على قولهم.فإنّها تدلّ على أنّ بعض الذّكر محدث،و بعضه ليس بمحدث،و هو ضدّ قولهم.و الحدوث في لغة العرب العامّ ليس هو الحدوث في اصطلاح أهل الكلام،فإنّ العرب يسمّون ما تجدّد حادثا،و ما تقدّم على غيره قديما،و إن كان بعد أن لم يكن،كقوله تعالى:

كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ يس:39،و قوله تعالى عن إخوة يوسف: تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ يوسف:95، و قوله تعالى: وَ إِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ الأحقاف:11،و قوله تعالى عن إبراهيم:

أَ فَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ* أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ الشّعراء:75،76 انتهى.

و قال العارف ابن عربيّ في الباب التّاسع و السّتّين و الثّلاثمائة من«فتوحاته»في هذه الآية:المراد أنّه محدث الإتيان،لا محدث العين،فحدث علمه عندهم حين سمعوه.و هذا كما تقول:حدث اليوم عندنا ضيف،و معلوم أنّه كان موجودا قبل أن يأتي،و كذلك القرآن جاء في موادّ حادثة تعلّق السّمع بها،فلم يتعلّق الفهم بما دلّت عليه الكلمات.فله الحدوث من وجه و القدم من وجه.

فإن قلت:فإذن الكلام للّه و التّرجمة للمتكلّم.

فالجواب نعم،و هو كذلك بدليل قوله تعالى مقسما (إنّه)يعني القرآن لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ الحاقّة:40، فأضاف الكلام إلى الواسطة و المترجم،كما أضافه تعالى إلى نفسه بقوله: فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللّهِ التّوبة:6، فإذا تلا علينا القرآن فقد سمعنا كلام اللّه تعالى،و موسى لمّا كلّمه ربّه سمع كلام اللّه.و لكن بين السّماعين بعد

ص: 102

المشرقين،فإنّ الّذي يدركه من يسمع كلام اللّه بلا واسطة،لا يساويه من يسمعه بالوسائط،انتهى.

و بالجملة فما لمذهب المأثور عن أهل السّنّة و الجماعة أئمّة الحديث و السّلف،كما قاله ابن تيميّة في«منهاج السّنّة»:إنّ اللّه تعالى لم يزل متكلّما إذا شاء بكلام يقوم به،و هو متكلّم بصوت يسمع،و إنّ نوع الكلام قديم،و إن لم يجعل نفس الصّوت المعيّن قديما.

و بعبارة أخرى:إنّه تعالى لم يزل متّصفا بالكلام، يقول بمشيئته و قدرته شيئا فشيئا،فكلامه حادث الآحاد،قديم النّوع.

ثمّ قال رحمه اللّه:فإن قيل لنا:فقد قلتم بقيام الحوادث بالرّبّ.

قلنا:نعم،و هذا قولنا الّذي دلّ عليه الشّرع و العقل.

و من لم يقل:إنّ البارئ يتكلّم و يريد و يحبّ و يبغض و يرضى و يأتي و يجيء،فقد ناقض كتاب اللّه.و من قال:

إنّه لم يزل ينادي موسى في الأزل،فقد خالف كلام اللّه مع مكابرة العقل،لأنّ اللّه تعالى يقول: فَلَمّا جاءَها نُودِيَ النّمل:8،و قال: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ يس:82،فأتى بالحروف الدّالّة على الاستقبال.

ثمّ قال رحمه اللّه:قالوا-يعني أئمّة أصحاب الحديث و غيرهم من أصحاب الشّافعيّ و أحمد و غيرهما-:

و بالجملة فكلّ ما يحتجّ به المعتزلة و الشّيعة ممّا يدلّ على أنّ كلامه متعلّق بمشيئته و قدرته،و أنّه يتكلّم إذا شاء و أنّه يتكلّم شيئا بعد شيء،فنحن نقول به.و ما يقول به من يقول:إنّ كلام اللّه قائم بذاته،و أنّه صفة له،و الصّفة لا تقوم إلاّ بالموصوف،فنحن نقول به.و قد أخذنا بما في قول كلّ من الطّائفتين من الصّواب،و عدلنا عمّا يردّه الشّرع و العقل من قول كلّ منهما.فإذا قالوا لنا:فهذا يلزم منه أن تكون الحوادث قامت به،قلنا:و من أنكر هذا قبلكم من السّلف و الأئمّة؟و نصوص القرآن و السّنّة تتضمّن ذلك مع صريح العقل،و هو قول لازم لجميع الطّوائف،و من أنكره فلم يعرف لوازمه و ملزوماته.و لفظ الحوادث مجمل فقد يراد به الأعراض و النّقائص،و اللّه منزّه عن ذلك،و لكن يقوم به ما شاءه و يقدر عليه من كلامه و أفعاله و نحو ذلك،ممّا دلّ عليه الكتاب و السّنّة.

ثمّ قال:و القول بدوام كونه متكلّما و دوام كونه فاعلا بمشيئته،منقول عن السّلف و أئمّة المسلمين من أهل البيت و غيرهم،كابن المبارك و أحمد بن حنبل و البخاريّ و عثمان بن سعيد الدّارميّ و غيرهم.

ثمّ قال:فنحن قلنا بما يوافق العقل و النّقل من كمال قدرته و مشيئته،و إنّه قادر على الفعل بنفسه كيف شاء.

و قلنا:إنّه لم يزل موصوفا بصفات الكمال متكلّما ذاتا، فلا نقول:إنّ كلامه مخلوق منفصل عنه،فإنّ حقيقة هذا القول أنّه لا يتكلّم.و لا نقول:إنّه شيء واحد،أمر و نهي و خبر،فإنّ هذا مكابرة للعقل.و لا نقول:إنّه أصوات منقطعة متضادّة أزليّة،فإنّ الأصوات لا تبقى زمانين.

و أيضا فلو قلنا بهذا القول و الّذي قبله،لزم أن يكون تكليم اللّه للملائكة و لموسى و لخلقه يوم القيامة،ليس إلاّ مجرّد خلق الإدراك لهم،لما كان أزليّا لم يزل،و معلوم أنّ النّصوص دلّت على ضدّ ذلك.و لا نقول:إنّه صار

ص: 103

متكلّما بعد أن لم يكن متكلّما،فإنّه وصف له بالكمال بعد النّقص،و إنّه صار محلاّ للحوادث الّتي كمل بها بعد نقصه،ثمّ حدوث ذلك الكمال لا بدّ له من سبب.و القول في الثّاني كالقول في الأوّل،ففيه تجدّد جلاله و دوام أفعاله،انتهى ملخّصا.(11:4245)

عزّة دروزة :تعليق على كلمة«محدث»و على مسألة خلق القرآن.

و لقد وقف علماء الكلام عند كلمة(محدث)حيث اتّخذها بعضهم دليلا على حدوث القرآن،و أوّلها بعضهم بما يجعل هذا الاستدلال في غير محلّه،لأنه يؤدّي إلى القول:بأنّ القرآن حادث و هو كلام اللّه،كما جاء في آية التّوبة هذه وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللّهِ و الكلام من صفات اللّه القديمة بقدمة الّتي لا يصحّ عليها حدوث و خلق.

و الكلمة في مقامها واضحة الدّلالة على أنّها إنّما قصدت«آيات جديدة النّزول»و لا تتحمّل إثارة المعنى الّذي أريد الجدل حوله.

و مسألة خلق القرآن من المسائل الكلاميّة الشّهيرة الّتي أدّت إلى فتنة شديدة في زمن المأمون الخليفة العبّاسيّ،و امتدّت نحو عشرين سنة،و اضطهد و عذّب في سبيلها علماء كثيرون على رأسهم الإمام أحمد بن حنبل،لأنّهم أريدوا على القول بإيعاز من المعتزلة:بأنّ القرآن مخلوق فأبوا.

و هذه المسألة متفرّعة عن مسألة أعمّ،و هي الخلاف على صفات اللّه بين أهل السّنّة و المعتزلة.

فالمعتزلة قالوا:إنّ صفات اللّه هي ذات اللّه،فهو عالم بذاته قادر بذاته متكلّم بذاته إلخ،أي بدون علم و قدرة و كلام زائد عن ذاته أو غير ذاته،على اعتبار أنّ الذّهاب إلى كون صفات اللّه القديمة بقدمه غير ذاته هو تعدّد للّه القديم الّذي يستحيل عليه التّعدّد.

و أهل السّنّة قالوا:إنّ لصفات اللّه معنى زائدا عن ذاته،فهو عالم بعلم و قادر بقدرة و متكلّم بكلام، و احترزوا بهذا لمنع تعدّد اللّه القديم بتعدّد صفاته،لأنّهم مثل المعتزلة يعتقدون باستحالة التّعدّد في حقّ اللّه.

ثمّ انجرّ الخلاف إلى صفة كلام اللّه و ماهيّة القرآن باعتباره كلام اللّه،فقال فريق من أهل السّنّة:إنّ اللّه متكلّم بكلام أزليّ قديم زائد عن ذاته و غير منفكّ عنها، و إنّ القرآن معنى قائم بذات اللّه،و قيّدوا أنّهم لا يعنون بذلك الحروف و الأصوات المقروءة المسموعة المكتوبة، و مثّلوا على ذلك بالفرق بين ما يدور في خلد الإنسان من كلام دون أن ينطق به،فهو شامل في أيّ واحد لجميع الكلام الّذي يدور في الخلد.أمّا الحروف و الأصوات المقروءة المسموعة المكتوبة من القرآن،فإنّها ليس من تلك الصّفة القديمة،و إنّما هي من الحوادث لأنّها تابعة لترتيب يتقدّم فيه حرف على حرف نطقا و كتابة و سمعا، و هذا من سمات الأمور الحادثة.

و قال فريق آخر من أهل السّنّة:إنّ حروف القرآن المكتوبة المقروءة و أصواتها المسموعة،غير منفكّة عن صفة كلام اللّه الأزليّ القديم،و أنّها مثلها قديمة أزليّة أيضا ليست حادثة و لا مخلوقة.

أمّا المعتزلة-و الشّيعة الإماميّة مثلهم في أكثر المذاهب الكلاميّة-فقد قالوا:إنّ اللّه متكلّم بذاته بدون

ص: 104

كلام زائد عنها،و أنّه يخلق الحروف و الأصوات في الأعراض فتقرأ و تسمع،و أنّ القرآن باعتبار أنّه متّصف بما هو صفات المخلوق و سمات الحدوث،من تأليف و تنظيم،و إنزال و تنزيل،و كتابة و سماع، و عروبة لسان و حفظ،و ناسخ و منسوخ،إلخ هو مخلوق و لا يصحّ أن يكون قديما أزليّا.و يقولون:إنّ القرآن اسم لما نقل إلينا بين دفّتي المصحف تواترا،و هذا يستلزم كونه مكتوبا في المصاحف مقروء بالألسن مسموعا بالآذان،و كلّ ذلك من سمات الحدوث بالضّرورة.

و يردّ عليهم أهل السّنّة:بأنّه كلام اللّه مكتوب في مصاحفنا محفوظ في قلوبنا مقروء بألسنتا مسموع بآذاننا غير حالّ فيها،بل هو معنى قديم قائم بذات اللّه،يلفظ و يسمع بالنّظم الدّالّ عليه،و يكتب بنقوش و صور و أشكال موضوعة للحروف و يكتب بالقلم،و أنّ المراد بأنّ القرآن غير مخلوق هو حقيقته الموجودة في الخارج...

هذه خلاصة وجيزة جدّا،لأنّ التّبسّط في الكلام ليس من منهجنا.و واضح أنّ الجماعات المختلفة معترفون بكمال صفات اللّه،و أنّ اختلافهم هو حول آثار هذه الصّفات و تخيّلها و تفهّمها و مداها،و أنّ شأنهم في هذا شأنهم في الخلافيّات الكلاميّة الأخرى،منهم المعظّم للّه و منهم المنزّه له،و أنّهم متّفقون على أنّ القرآن منزل من اللّه على نبيّه.

و نعتقد أنّ ثوران هذه المسألة الخلافيّة و ما ترتّب عليها من فتنة في أوائل القرن الثّالث الهجريّ،ذو صلة بالأحداث السّياسيّة و النّحليّة و الطّائفيّة و العنصريّة الّتي حدثت في القرون الإسلاميّة الأولى،و أنّه كان لتسرّب الأساليب الكلاميّة و الكتب الفلسفيّة الأجنبيّة أثر قويّ فيها،و أنّها لا تتّصل بآثار نبويّة و راشديّة موثّقة ثابتة في ذاتها،فضلا عمّا هناك من آثار نبويّة و راشديّة تنهى عن الخوض في ماهيّة اللّه و القرآن،و توجب أن يظلّ المسلم في حدود التّقريرات القرآنيّة،من أنّ القرآن كلام اللّه و من عند اللّه،و أنّ للّه أحسن الأسماء و أكمل الصّفات،و أنّه ليس كمثله شيء، و أنّه لا تدركه الأبصار،و ألاّ يتورّط و يخوض في ماهيّات و كيفيّات متّصلة بسرّ واجب الوجود و سرّ الوحي و النّبوّة،ممّا لا يستطاع إدراكه بالعقل العاديّ،و ممّا لا طائل من ورائه.مع ملاحظة هامّة هي صلة القرآن بأحداث السّيرة النّبويّة و ظروف البيئة النّبويّة،و استهدافه الدّعوة إلى اللّه وحده و الإيمان به،و إصلاح البشر و توجيههم إلى ما فيه خيرهم و صلاحهم و سعادتهم في الدّنيا و الآخرة،و اللّه أعلم.(6:156)

الطّباطبائيّ: و استدلّ بظاهر الآية على كون القرآن محدثا غير قديم،و أوّلها الأشاعرة بأنّ توصيف الذّكر بالمحدث من جهة نزوله،و هو لا ينافي قدمه في نفسه،و ظاهر الآية عليهم،و للكلام تتمّة نوردها في بحث مستقلّ.

كلام في معنى حدوث الكلام و قدمه في فصول:

1-ما معنى حدوث الكلام و بقائه؟إذا سمعنا كلاما من متكلّم كشعر من شاعر،لم نلبث دون أن ننسبه إليه، ثمّ إذا كرّره و تكلّم بمثله ثانيا لم نرتب في أنّه هو كلامه الأوّل بعينه أعاده ثانيا،ثمّ إذا نقل ناقل عنه ذلك حكمنا بأنّه كلام ذلك القائل الأوّل بعينه،ثمّ كلّما تكرّر النّقل

ص: 105

كان المنقول من الكلام هو بعينه الكلام الأوّل الصّادر من المتكلّم الأوّل،و إن تكرّر إلى ما لا نهاية له.

هذا بالبناء على ما يقضي به الفهم العرفيّ.لكنّا إذا أمعنّا في ذلك قليل إمعان وجدنا حقيقة الأمر على خلاف ذلك،فقول القائل:جاءني زيد مثلا،ليس كلاما واحدا، لأنّ فيه الجيم أو الألف أو الهمزة،فإنّ كلّ واحدة منها فرد من أفراد الصّوت المتكوّن من اعتماد نفس المتكلّم على مخرج من مخارج فمه،و المجموع أصوات كثيرة ليس بواحدة البتّة إلاّ بحسب الوضع و الاعتبار.

ثمّ إنّ الّذي تكلّم به قائل القول الأوّل ثانيا و الّذي تكلّم به النّاقل الّذي ينقله عن صاحبه الأوّل ثالثا و رابعا و غير ذلك،أفراد أخر من الصّوت مماثلة لما في الكلام الأوّل المفروض من الأصوات المتكوّنة و ليست عينها، إلاّ بحسب الاعتبار،و ضرب من التّوسّع.

و ليس هذه الأصوات كلاما إلاّ من حيث إنّها علائم و أمارات بحسب الوضع و الاعتبار،تدلّ على معان ذهنيّة،و لا واحدا إلاّ باعتبار تعلّق غرض واحد بها.

و يتحصّل بذلك أنّ الكلام بما أنّه كلام أمر وضعيّ اعتباريّ لا تحقّق له في الخارج من ظرف الدّعوى و الاعتبار،و إنّما المتحقّق في الخارج حقيقة الأفراد من الصّوت الّتي جعلت علائم بالوضع و الاعتبار،بما أنّها أصوات لا بما أنّها علائم مجعولة،و إنّما ينسب التّحقّق إلى الكلام بنوع من العناية.

و من هنا يظهر أنّ الكلام لا يتّصف بشيء من الحدوث و البقاء،فإنّ الحدوث و هو مسبوقيّة الوجود بالعدم الزّمانيّ،و البقاء و هو كون الشّيء موجودا في الآن بعد الآن على نعت الاتّصال،من شئون الحقائق الخارجيّة،و لا تحقّق للأمور الاعتباريّة في الخارج.

و كذا لا يتّصف الكلام بالقدم،و هو عدم كون وجود الشّيء مسبوقا بعدم زمانيّ،لأنّ القدم أيضا كالحدوث في كونه من شئون الحقائق الخارجيّة دون الأمور الاعتباريّة.

على أنّ في اتّصاف الكلام بالقدم إشكالا آخر بحياله،و هو أنّ الكلام هو المؤلّف من حروف مترتّبة متدرّجة بعضها قبل و بعضها بعد،و لا يتصوّر في القدم تقدّم و تأخّر و إلاّ كان المتأخّر حادثا و هو قديم،هذا خلف،فالكلام-بمعنى الحروف المؤلّفة الدّالّة على معنى تامّ بالوضع-لا يتصوّر فيه قدم مع كونه محالا في نفس الأمر،فافهم ذلك.

2-هل الكلام بما هو كلام فعل أو صفة ذاتيّة،بمعنى أنّ ذات المتكلّم هل هي تامّة في نفسها مستغنية عن الكلام ثمّ يتفرّع عليها الكلام،أو أنّ قوام الذّات متوقّف عليه كتوقّف الحيوان في ذاته على الحياة،أو كعدم انفكاك الأربعة عن الزّوجيّة في وجه؟لا ريب أنّ الكلام بحسب الحقيقة ليس فعلا و لا صفة للمتكلّم،لأنّه أمر اعتباريّ، لا تحقّق له إلاّ في ظرف الدّعوى و الوضع،فلا يكون فعلا حقيقيّا صادرا عن ذات خارجيّة،و لا صفة لموصوف خارجيّ.

نعم الكلام بما أنّه عنوان لأمر خارجيّ و هو الأصوات المؤلّفة،و هي أفعال خارجيّة للمتصوّت بها، تعدّ فعلا للمتكلّم بنوع من التّوسّع،ثمّ يؤخذ عن نسبته إلى الفاعل وصف له و هو التّكلّم و التّكليم،كما في

ص: 106

نظائره من الاعتباريّات كالخضوع و الإعظام و الإهانة و البيع و الشّرى،و نحو ذلك.

3-من الممكن أن يحلّل الكلام من جهة غرضه، و هو الكشف عن المعاني المكنونة في الضّمير،فيعود بذلك أمرا حقيقيّا بعد ما كان اعتباريّا.و هذا أمر جار في جلّ الاعتباريّات أو كلّها،و قد استعمله القرآن في معان كثيرة كالسّجود و القنوت و الطّوع و الكره و الملك و العرش و الكرسيّ و الكتاب،و غير ذلك.

فحقيقة الكلام هو ما يكشف به عن مكنونات الضّمير،فكلّ معلول كلام لعلّته،لكشفه بوجوده عن كما لها المكنون في ذاتها،و أدقّ من ذلك أنّ صفات الشّيء الذّاتيّة كلام له يكشف به عن مكنون ذاته،و هذا هو الّذي يذكر الفلاسفة أنّ صفاته تعالى الذّاتيّة كالعلم و القدرة و الحياة كلام له تعالى،و أيضا العالم كلامه تعالى.

و بيّن أنّ الكلام بناء على هذا التّحليل في قدمه و حدوثة تابع لسنخ وجوده،فالعلم الإلهيّ كلام قديم بقدم الذّات،و زيد الحادث بما هو آية تكشف عن ربّه كلام له حادث،و الوحي النّازل على النّبيّ بما أنّه تفهيم إلهيّ حادث بحدوث التّفهيم،و بما أنّه في علم اللّه- و اعتبر علمه كلاما له-قديم بقدم الذّات،كعلمه تعالى بجميع الأشياء من حادث و قديم.

4-تحصّل من الفصول السّابقة أنّ القرآن الكريم إن أريد به هذه الآيات الّتي نتلوها،بما أنّها كلام دالّ على معان ذهنيّة نظير سائر الكلام ليس بحسب الحقيقة لا حادثا و لا قديما.نعم هو متّصف بالحدوث بحدوث الأصوات الّتي هي معنونة بعنوان الكلام و القرآن.

و إن أريد به ما في علم اللّه من معانيها الحقّة،كان كعلمه تعالى بكلّ شيء حقّ قديما بقدمه،فالقرآن قديم أي علمه تعالى به قديم،كما أنّ زيدا الحادث قديم،أي علمه تعالى به.

و من هنا يظهر أنّ البحث عن قدم القرآن و حدوثه بما أنّه كلام اللّه ممّا لا جدوى فيه،فإنّ القائل بالقدم إن أراد به أنّ المقروء من الآيات بما أنّها أصوات مؤلّفة دالّة على معانيها قديم غير مسبوق بعدم فهو مكابر،و إن أراد به أنّه في علمه تعالى،و بعبارة أخرى علمه تعالى بكتابه قديم،فلا موجب لإضافة علمه إليه ثمّ الحكم بقدمه،بل علمه بكلّ شيء قديم بقدم ذاته،لكون المراد بهذا العلم هو العلم الذّاتيّ.

على أنّه لا موجب حينئذ لعدّ الكلام صفة ثبوتيّة ذاتيّة أخرى له تعالى و راء العلم لرجوعه إليه،و لو صحّ لنا عدّ كلّ ما ينطبق بحسب التّحليل على بعض صفاته الحقيقيّة الثّبوتيّة صفة ثبوتيّة له،لم ينحصر عدد الصّفات الثّبوتيّة بحاصر لجواز مثل هذا التّحليل،في مثل الظّهور و البطون و العظمة و البهاء و النّور و الجمال و الكمال و التّمام و البساطة،إلى غير ذلك ممّا لا يحصى.

و الّذي اعتبره الشّرع و ورد من هذا اللّفظ في القرآن الكريم ظاهر في المعنى الأوّل المذكور ممّا لا تحليل فيه،كقوله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّهُ البقرة:253،و قوله: وَ كَلَّمَ اللّهُ مُوسى تَكْلِيماً النّساء:164،و قوله: وَ قَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ البقرة:75،و قوله:

يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ المائدة:13،إلى غير

ص: 107

ذلك من الآيات.

و أمّا ما ذكره بعضهم أنّ هناك كلاما نفسيّا قائما بنفس المتكلّم غير الكلام اللّفظيّ،و أنشد في ذلك قول الشّاعر:

إنّ الكلام لفي الفؤاد و إنّما

جعل اللّسان على الفؤاد دليلا

و الكلام النّفسيّ فيه تعالى هو الموصوف بالقدم دون الكلام اللّفظيّ.

ففيه أنّه إن أريد بالكلام النّفسيّ معنى الكلام اللّفظيّ أو صورته العلميّة الّتي تنطبق على لفظه،عاد معناه إلى العلم و لم يكن أمرا يزيد عليه و صفة مغايرة له، و إن أريد به معنى وراء ذلك فلسنا نعرفه في نفوسنا إذا راجعناها.

و أمّا ما أنشد من الشّعر في بحث عقليّ فلا ينفعه و لا يضرّنا،و الأبحاث العقليّة أرفع مكانة من أن يصارع فيها الشّعراء.(14:247)

عبد الكريم الخطيب :و الذّكر المحدث هو ما يتنزّل من آيات اللّه،حالا بعد حال و يتجدّد زمنا بعد زمن،و هؤلاء المشركون الغافلون على حال واحدة مع كلّ ما ينزل من آيات اللّه يسمعونها بآذان لا تصغي إلى حقّ،و بقلوب لا تتفتّح لقبول خير.(9:847)

مكارم الشّيرازيّ: و التّعبير ب(محدث)إشارة إلى أنّ الكتب السّماويّة كانت تنزل الواحد تلو الآخر، و تحتوي كلّ سورة من سور القرآن و كلّ آية من آياته محتوى جديدا،ينفذ إلى قلوب الغافلين بطرق مختلفة، لكن أيّ فائدة مع من يتّخذ كلّ ذلك هزوا.(10:110)

تحدّث

يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها. الزّلزال:4

ابن مسعود:فتخبر بأنّ أمر الدّنيا قد انقضى،و أنّ أمر الآخرة قد أتى،فيكون ذلك منها جوابا عند سؤالهم، وعيدا للكافر و إنذارا للمؤمن.(الماورديّ 6:319)

ابن عبّاس: تخبر الأرض بما عمل عليها من الخير و الشّرّ.(516)

نحوه مجاهد(الطّبريّ 30:267)،و زيد بن عليّ (493)،و الثّوريّ(الطّبريّ 30:297)،و الزّجّاج(5:

351)،و الواحديّ(4:542)،و البغويّ(5:292)، و الخازن(7:234)،و ابن كثير(7:349).

ابن زيد :ما كان فيها،و على ظهرها من أعمال العباد.(الطّبريّ 30:267)

الطّبريّ: و قد ذكر عن عبد اللّه أنّه كان يقرأ ذلك (يومئذ تنبئ اخبارها) .

و قيل:معنى ذلك أنّ الأرض تحدّث أخبارها من كان على ظهرها من أهل الطّاعة و المعاصي،و ما عملوا عليها من خير أو شرّ.(30:267)

أبو مسلم الأصفهانيّ: يومئذ يتبيّن لكلّ أحد جزاء عمله،فكأنّها حدّثت بذلك،كقولك:الدّار تحدّثنا بأنّها كانت مسكونة،فكذا انتقاض الأرض بسبب الزّلزلة تحدّث أنّ الدّنيا قد انقضت و أنّ الآخرة قد أقبلت.(الفخر الرّازيّ:32:59)

الماورديّ: و في حديثها بأخبارها ثلاثة أقاويل:

أحدها:أنّ اللّه تعالى يقلبها حيوانا ناطقا فتتكلّم بذلك.

الثّاني:أنّ اللّه تعالى يحدث الكلام فيها.

ص: 108

الثّالث:يكون الكلام منها بيانا يقوم مقام الكلام.

(6:319)

الطّوسيّ: قيل:معناه يظهر بالدّليل الّذي يجعله اللّه فيها ما يقوم مقام إخبارها،بأنّ أمر الدّنيا قد انقضى و أمر الآخرة قد أتى،و أنّه لا بدّ من الجزاء،و أن الفوز لمن اتّقى و أنّ النّار لمن عصى.

و قيل:معناه تحدّث أخبارها بمن عصى عليها:إمّا بأن يقلبها حيوانا قادرا على الكلام فتتكلّم بذلك،أو يحدث اللّه تعالى الكلام فيها،و نسبه إليها مجازا،أو يظهر فيها ما يقوم مقام الكلام،فعبّر عنه بالكلام.[ثمّ استشهد بشعر](10:394)

الزّمخشريّ: فإن قلت:ما معنى تحديث الأرض و الإيحاء لها؟

قلت:هو مجاز عن إحداث اللّه تعالى فيها من الأحوال ما يقوم مقام التّحديث باللّسان،حتّى ينظر من يقول:(ما لها)إلى تلك الأحوال،فيعلم لم زلزلت و لم لفظت الأموات.و أنّ هذا ما كانت الأنبياء ينذرونه و يحذّرون منه.

و قيل:ينطقها اللّه على الحقيقة،و تخبر بما عمل عليها من خير و شرّ.و روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«تشهد على كلّ أحد بما عمل على ظهرها».

فإن قلت:(اذا)و(يومئذ)ما ناصبهما؟

قلت:(يومئذ)بدل من(اذا)و ناصبهما(تحدّث) و يجوز أن ينتصب(اذا)بمضمر و(يومئذ)ب(تحدّث).

فإن قلت:أين مفعولا(تحدّث)؟

قلت:قد حذف أوّلهما و الثّاني(اخبارها)،و أصله:

تحدّث الخلق أخبارها،إلاّ أنّ المقصود ذكر تحديثها الأخبار لا ذكر الخلق،تعظيما لليوم.(4:276)

ابن عطيّة: إنّ قول المحدّث:حدّثنا و أخبرنا سواء و قال الطّبريّ و قوم:التّحديث في الآية مجاز،و المعنى أنّ ما تفعله بأمر اللّه من إخراج أثقالها و تفتّت أجزائها و سائر أحوالها،هو بمنزلة التّحديث بأنبائها و أخبارها،و يؤيّد القول الأوّل قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«فإنّه لا يسمع مدى صوت المؤذّن جنّ و لا إنس و لا شيء إلاّ شهد له يوم القيامة».

و قرأ عبد اللّه بن مسعود: (تنبئ اخبارها)، و قرأ سعيد بن جبير:(تبيّن).(5:511)

الطّبرسيّ: (تحدّث)يجوز أن يكون على الخطاب، أي تحدّث أنت.و يجوز أن يكون على(تحدّث)هي.[إلى أن قال:]

أي تخبر بما عمل عليها،و جاء في الحديث«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،قال:أ تدرون ما أخبارها؟قالوا:اللّه و رسوله أعلم،قال:أخبارها أن تشهد على كلّ عبد و أمة بما عمل على ظهرها،تقول:عمل كذا و كذا يوم كذا و كذا،هذا أخبارها»و على هذا فيجوز أن يكون اللّه تعالى أحدث الكلام فيها،و إنّما نسبه إليها توسّعا و مجازا،و يجوز أن يقلبها حيوانا يقدر على النّطق،و يجوز أن يظهر فيها ما يقوم مقام الكلام فعبّر عنه بالكلام.(5:525)

الفخر الرّازيّ: فيه سؤالات:

الأوّل:أين مفعولا(تحدّث)؟الجواب:

[مثل الزّمخشريّ]

السّؤال الثّاني:ما معنى تحديث الأرض؟

قلنا:فيه وجوه:

ص: 109

أحدها:و هو قول أبي مسلم[و قد تقدّم]

و الثّاني:و هو قول الجمهور:أنّ اللّه تعالى يجعل الأرض حيوانا عاقلا ناطقا،و يعرّفها جميع ما عمل أهلها،فحينئذ تشهد لمن أطاع و على من عصى، قال عليه السّلام:«إنّ الأرض لتخبر يوم القيامة بكلّ عمل عمل عليها»ثمّ تلا هذه الآية.

و هذا على مذهبنا غير بعيد،لأنّ البنية عندنا ليست شرطا لقبول الحياة،فالأرض مع بقائها على شكلها و يبسها و قشفها يخلق اللّه فيها الحياة و النّطق،و المقصود كأنّ الأرض تشكو من العصاة و تشكر من أطاع اللّه، فتقول:إنّ فلانا صلّى و زكّى و صام و حجّ فيّ،و إنّ فلانا كفر و زنى و سرق و جار،حتّى يودّ الكافر أن يساق إلى النّار،و كان عليّ عليه السّلام إذا فرغ بيت المال صلّى فيه ركعتين،و يقول:لتشهدنّ أنّي ملأتك بحقّ و فرّغتك بحقّ.

و القول الثّالث:و هو قول المعتزلة:أنّ الكلام يجوز خلقه في الجماد،فلا يبعد أن يخلق اللّه تعالى في الأرض حال كونها جمادا أصواتا مقطّعة مخصوصة،فيكون المتكلّم و الشّاهد على هذا التّقدير هو اللّه تعالى.

السّؤال الثّالث:(اذا)و(يومئذ)ما ناصبهما؟الجواب:

[نحو الزّمخشريّ]

السّؤال الرّابع:لفظ التّحديث يفيد الاستئناس، و هناك لا استئناس،فما وجه هذا اللّفظ؟

الجواب:أنّ الأرض كأنّها تبثّ شكواها إلى أولياء اللّه و ملائكته.(32:59)

القرطبيّ: (يومئذ)منصوب بقوله: (إِذا زُلْزِلَتِ) .

و قيل:بقوله: (تُحَدِّثُ أَخْبارَها) أي تخبر الأرض بما عمل عليها من خير أو شرّ يومئذ.ثمّ قيل:هو من قول اللّه تعالى.و قيل:من قول الإنسان؛أي يقول الإنسان:ما لها تحدّث أخبارها متعجّبا.(20:148)

البيضاويّ: تحدّث الخلق بلسان الحال.(2:571)

النّيسابوريّ: أي تشهد لك و عليك.(30:156)

الخازن :فيقول الإنسان:(ما لها)و المعنى أنّ الأرض تحدّث بكلّ ما عمل على ظهرها من خير أو شرّ، فتشكو العاصي و تشهد عليه و تشكر الطّائع و تشهد له.(7:234)

أبو حيّان :الظّاهر أنّه تحديث و كلام حقيقة،بأن يخلق فيها حياة و إدراكا،فتشهد بما عمل عليها من صالح أو فاسد.[ثمّ نقل بعض الرّوايات المتقدّمة]

(8:500)

الشّربينيّ: و قوله تعالى: تُحَدِّثُ أَخْبارَها جواب(اذا)و هو النّاصب لها عند الجمهور.[ثمّ قال نحو ابن عبّاس و نقل بعض الأقوال](4:574)

أبو السّعود :(يومئذ)بدل من(اذا)،و قوله تعالى:

تُحَدِّثُ أَخْبارَها عامل فيهما.و يجوز أن يكون(اذا) منتصبا بمضمر،أي يوم إذ زلزلت الأرض تحدّث الخلق أخبارها:إمّا بلسان الحال حيث تدلّ دلالة ظاهرة على ما لأجله زلزالها و إخراج أثقالها،و إمّا بلسان المقال حيث ينطقها اللّه تعالى فتخبر بما عمل عليها من خير و شرّ.(6:458)

البروسويّ: (يومئذ)بدل من(اذا)، تُحَدِّثُ أَخْبارَها عامل فيهما و هو جواب الشّرط،و هذا على

ص: 110

القول بأنّ العامل في إذا الشّرطيّة جوابها،و(اخبارها) مفعول ل(تحدّث)،و الأوّل محذوف لعدم تعلّق الغرض بذكره؛إذ الكلام مسوق لبيان تهويل اليوم و أنّ الجمادات تنطق فيه.و أمّا ما ذكر ابن الحاجب من أنّ:

حدّث و أنبأ و نبّأ،لا يتعدّى إلاّ إلى مفعول واحد فغير مسلّم الصّحّة،على ما فصّل في محلّه.[ثمّ أدام نحو أبي السّعود](10:492)

الآلوسيّ: أي الأرض،و احتمال كون الفاعل المخاطب-كما زعم الطّبرسيّ-لا وجه له،عامل فيهما.

و قيل:العامل مضمر يدلّ عليه مضمون الجمل بعد، و التّقدير:يحشرون إذا زلزلت،و(يومئذ)متعلّق ب(تحدّث)،و(اذا)عليه لمجرّد الظّرفيّة.

و قيل:هي نصب على المفعوليّة ل«اذكر»محذوفا، أي اذكر ذلك الوقت،فليست ظرفيّة و لا شرطيّة.

و جوّز أن تكون شرطيّة منصوب بجواب مقدّر،أي يكون ما لا يدرك كنهه أو نحوه،و المراد:يوم إذا زلزلت زلزالها و أخرجت أثقالها و قال الإنسان:ما لها،تحدّث الخلق ما عندها من الأخبار؛و ذلك بأن يخلق اللّه تعالى فيها حياة و إدراكا و تتكلّم حقيقة،فتشهد بما عمل عليها من طاعة أو معصية.(30:209)

القاسميّ: أي تبيّن الأرض بلسان حالها،ما لأجله زلزالها و إخراج أثقالها،فتدلّ دلالة ظاهرة على ذلك، و هو الإيذان بفناء النّشأة الأولى و ظهور نشأة أخرى.

فالتّحديث:استعارة أو مجاز مرسل مطلق الدّلالة.

(17:6233)

الطّباطبائيّ: فتشهد على أعمال بني آدم،كما تشهد بها أعضاؤهم و كتّاب الأعمال من الملائكة، و شهداء الأعمال من البشر و غيرهم.(20:342)

مغنيّة:حديث الإنسان أن يظهر ما يكنّه في نفسه، و حديث الأرض يوم القيامة أن تبرز للعيان ما ابتلعته من عجائب و غرائب مدى الدّهور و العصور.

(7:598)

عبد الكريم الخطيب :أي تظهر الأرض أخبارها الّتي كانت مكنونة في صدرها.و في التّعبير عن إظهار أخبارها بالتّحديث،إشارة إلى أنّ أحداثها الّتي يراها النّاس يومئذ،هي أبلغ حديث،و أظهر بيان،فهو شواهد ناطقة بلسان الحال،أبلغ من لسان المقال.(15:1650)

مكارم الشّيرازيّ: تحدّث بالصّالح و الطّالح، و بأعمال الخير و الشّرّ،ممّا وقع على ظهرها.و هذه الأرض واحد من أهمّ الشّهود على أعمال الإنسان في ذلك اليوم،و هي إذا رقيبة على ما نفعله عليها...

هل إنّ تحديث الأرض يعني أنّها تتكلّم في ذلك اليوم بأمر اللّه،أم إنّ المقصود ظهور آثار أعمال الإنسان على ظهر الأرض؟

واضح أنّ كلّ عمل يقوم به الإنسان يترك آثاره حتما على ما حوله،و إن خفيت علينا هذه الآثار اليوم تماما،مثل آثار أصابع اليد الّتي تبقى على مقبض الباب، و في ذلك اليوم تظهر كلّ هذه الآثار.و حديث الأرض ليس سوى هذا الظّهور الكبير تماما،كما نقول لشخص نعسان:عينك تقول:إنّك كنت سهرانا أمس،أي إنّ آثار السّهر عليها واضحة.

و ليس هذا الموضوع بغريب اليوم بعد الاكتشافات

ص: 111

العلميّة و الاختراعات القادرة في كلّ مكان و في كلّ لحظة،أن تسجّل صوت الإنسان و تصوّر أعماله و حركاته في أشرطة يمكن طرحها في المحكمة كوثائق إدانة،لا تقبل الإنكار.(20:345)

فضل اللّه :و لكن كيف هو الحديث؟هل هو صوت ناطق،أم هو استعارة للحديث المتمثّل بحركة الصّورة في الحسّ الّتي توحي بالصّورة في الذّهن،من خلال الدّلالات أو الإيحاءات؟ربّما يثير البعض بأنّ هناك حياة و شعورا يسريان في الأشياء،و إن كنّا في غفلة من ذلك.

و هذا هو مدلول قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ الإسراء:

44،و قوله تعالى: قالُوا أَنْطَقَنَا اللّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ فصّلت:21،إنّ الظّاهر منها هو التّسبيح الحقيقيّ، و النّطق بالصّوت المسموع،و لكنّنا ذكرنا في محلّه،أنّ الظّاهر من:التّسبيح و النّطق أنّهما يصدران عن حياة و وعي و حركة في الفكر،و إرادة في الذّات،و هذا ممّا لا يتوفّر إلاّ للأحياء العاقلين،ممّا يجعل ذلك قرينة عقليّة على إرادة المعنى الكنائيّ الّذي يشير إلى المعنى الواقعيّ، من خلال صورة المعنى.

و هكذا يمكن أن يكون المعنى:أنّ أخبار الأرض تتحدّث عن هذا الحدث الكونيّ الهائل العظيم،بأنّه لا يصدر عن أسباب طبيعيّة كالّتي اعتادها الإنسان في الظّواهر الكونيّة العاديّة،بل يصدر عن إرادة اللّه بشكل مباشر،فهي تقول: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها وحيا تكوينيّا بأن تخضع لإرادته في زلزالها الّذي يشمل كلّ مواقعها،و في إخراج أثقالها منها،لأنّ القيامة قد قامت، و لأنّ ساعة الحساب قد جاءت،و لأنّ النّاس مدعوّون إلى الوقوف بين يدي اللّه.(24:369)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ:الحديث على سبعة أوجه:

أحدها:القول،كقوله: لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً النّساء:78،و قوله: وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً النّساء:87.

و الثّاني:القرآن،كقوله: اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً الزّمر:23.

و الثّالث:كتب أساطير،كقوله: مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لقمان:6.

و الرّابع:العبرة[كقوله:] وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ المؤمنون:44،و سبأ 19.

و الخامس:التّجديد،كقوله: يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً الطّلاق:1.

و السّادس:حديث من أمر النّاس،كقوله: وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً التّحريم:3.

و السّابع:الشّكر،كقوله: وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ الضّحى:11.(214)

الدّامغانيّ: الحديث على خمسة أوجه:الخبر، القول،القرآن،القصّة،العبرة.

فوجه منها:الحديث:الخبر،قوله: قالُوا أَ تُحَدِّثُونَهُمْ أي أ تخبرونهم بِما فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ البقرة:76.[و ذكر نحو الحيريّ فى القول و القرآن و العبرة ثمّ قال:]

ص: 112

و الوجه الرّابع:الحديث يعني القصّة،قوله تعالى:

اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ الزّمر:23،يعني أحسن القصص.(258)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:439)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الحدوث،أي كون شيء لم يوجد؛يقال:أحدثه اللّه فحدث.و حدث الشّيء يحدث حدوثا و حداثة،و أحدثه هو و استحدثه،فهو حديث و محدث و مستحدث.و كان ذلك في حدثان أمر كذا:في حدوثه،و افعل ذلك الأمر بحدثانه و بحدثانه:بأوّله و طراءته.

و حداثة السّنّ:كناية عن الشّباب و أوّل العمر؛ يقال:شابّ حدث:فتيّ السّنّ،و رجل حديث السّنّ:

شابّ،و امرأة حدثه:شابّة،و هؤلاء قوم حدثان و حدثان و حدثاء السّنّ:شبّان،جمع حدث،و الأحداث:

الأمطار الحادثة في أوّل السّنة،و الحديث:الجديد.

و حدثان الدّهر:نوبه و ما يحدث منه،واحده:

حادث؛يقال:أهلكنا الحدثان،و الحدثان:الفأس،على التّشبيه بحدثان الدّهر،و حوادث الدّهر و أحداثه:نوبه، و واحد أحداث:حدث.

و الحدث:الأمر الحادث المنكر الّذي ليس بمعتاد و لا معروف في السّنّة،و محدثات الأمور:ما ابتدعه أهل الأهواء،واحدها محدثة.

و الحديث:الخبر،و ما يحدّث به المحدّث تحديثا،و قد حدّثه الحديث و حدّث به،و الجمع:أحاديث.و استحدثت خبرا:وجدت خبرا جديدا،و تركت البلاد تحدّث:

تسمع فيها دويّا،و القوم يتحادثون و يتحدّثون،و سمّي الحديث حديثا لأنّه كلام يحدث منه الشّيء بعد الشّيء، كما قال ابن فارس.

و الحدّيثى:الحديث؛يقال:سمعت حدّيثى حسنة،أي حديثا حسنا.

و الأحدوثة:الحديث يقال:صار فلان أحدوثة،أي أكثروا فيه الحديث.

و رجل حدث و حدث و حدث و حدّيث و محدّث:

كثير الحديث،حسن السّياق له؛يقال:فلان حدثك،أي محدّثك،و رجل حدث ملوك:صاحب حديثهم و سمرهم، و حدث نساء:يتحدّث إليهنّ.

و محادثة السّيف:جلاؤه،و هو تعهّده بالصّقل و التّطرية،فيجدّ و يحدث؛يقال:أحدث الرّجل سيفه و حادثه،أي جلاه.

و أحدث الرّجل:فصّع،أي بدت منه ريح،فهو محدث.

و أحدث الرّجل و المرأة:زنيا،على الكناية.

2-و يرى العدنانيّ في«معجم الأخطاء الشّائعة»أن لا يعدّى الفعل«تحدّث»إلاّ بالباء،اعتمادا على معاجم اللّغة،فهي لم تعدّه،و كذا الفعل«حدّث»بهذا الحرف أيضا.

و ذكر التّرمذيّ في كتاب العلم من صحيحه حديثا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله؛قال:«من حدّث عنّي حديثا و هو يرى أنّه كذب فهو أحد الكاذبين».

ص: 113

الاستعمال القرآنيّ

جاءت فعلا،و اسم مصدر،و صفة،و اسما،بأربعة معان،في 36 آية:28 مكّيّة،و 8 مدنيّة:

1-التّحديث:

1- يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها الزّلزال:4

2- أَ تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ البقرة:76

3- وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ الضّحى:11

2-الحديث:الكلام

4- وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ... الأنعام:68

5- ...وَ يُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَ الْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً النّساء:140

6- وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ... لقمان:6

7- ...فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَ لا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ... الأحزاب:53

8- يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ عَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَ لا يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً النّساء:42

9- فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً النّساء:78

10- وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً...

التّحريم:3

الحديث:القرآن

11 و 12- ...فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ

المرسلات 50،الأعراف:185

13- ...فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللّهِ وَ آياتِهِ يُؤْمِنُونَ

الجاثية:6

14- فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً الكهف:6

15- فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ

الطّور:34

16- أَ فَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ النّجم:59

17- أَ فَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ الواقعة:81

18- فَذَرْنِي وَ مَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ...

القلم:44

19- ...ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَ لكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ... يوسف:111

20- اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ... الزّمر:23

21- ...وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً النّساء:87

4-الحديث:القصّة

22- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ الذّاريات:24

23- وَ هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى* إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا... طه:9،10

24- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى* إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً النّازعات:15،16

25- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ* فِرْعَوْنَ وَ ثَمُودَ البروج:17،18

26- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ* وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ

ص: 114

خاشِعَةٌ الغاشية:1،2

5-تأويل الأحاديث:

27- وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ... يوسف:6

28- ...وَ كَذلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ... يوسف:21

29- رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ... يوسف:101

6-الأحاديث:الأساطير

30- ...فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ... المؤمنون:44

31- ...فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَ مَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ... سبأ:19

7-الإحداث:

32- قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً الكهف:70

33- ...وَ صَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً طه:113

34- ...لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً

الطّلاق:1

8-محدث:

35- ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ الأنبياء:2

36- وَ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ الشّعراء:5

يلاحظ أوّلا:أنّ فيها أربعة محاور:

المحور الأوّل:التّحديث،و فيه ثلاثة أفعال من باب «التّفعيل»و 23 كلمة بلفظ«حديث».

ثانيا:جاء في(1)من سورة الزّلزال يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها أي تحدّث الأرض يوم القيامة أخبارها،لأنّ الكلام من أوّل السّورة في الأرض و ما يعرضها من الأحوال،و فيها بحوث:

1-التّحديث لغة:التّكلّم باللّسان،و لا يصدر إلاّ من الإنسان،و في تحديث الأرض رؤيتان بين المفسّرين:

أحدهما:أنّ اللّه ينطقها حقيقة،إمّا بأن يقلبها حيوانا ناطقا فتتكلّم،أو ينطقها و هي على حالها،كما ينطق الأعضاء و الجوارح فتعترف بما صدر منها في الدّنيا.

ثانيهما:أنّه مجاز عن إحداث اللّه فيها من الأحوال ما يقوم مقام التّحديث باللّسان،كقولك:الدّار تحدّثنا بأنّها كانت مسكونة،كذلك انتقاض الأرض بالزّلزلة تحدّث أنّ الدّنيا قد انقضت و أنّ الآخرة قد أقبلت.

فالتّحديث إمّا بلسان القال.أو بلسان الحال،و الأوّل مرويّ عن النّبيّ صلوات اللّه عليه و على آله-كما سبق- و الثّاني أنسب بالسّياق.و عبّر عنها«المكارم»بأنّ المراد ظهور آثار أعمال الإنسان و شرحه.و قال فضل اللّه:

«التّحديث استعارة للحديث المتمثّل بحركة الصّور في الحسّ الّتي توحي بالصّورة في الذّهن-إلى أن قال- أخبار الأرض تتحدّث عن هذا الحدث الكونيّ الهائل العظيم بأنّه لا يصدر عن أسباب طبيعيّة،كالّتي اعتادها الإنسان في الظّواهر الكونيّة العاديّة بل يصدر عن إرادة اللّه بشكل مباشر،فهي تقول: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها وحيا تكوينيّا بأن تخضع لإرادته في زلزالها الّذي

ص: 115

يشمل كلّ مواقفها،و في إخراج أثقالها منها...».

و قد أراد أنّ السّياق في الآيات قبلها يوحي بأنّها أعمال لها حسب حالها كما خلقها اللّه،لا بعمل جديد غير طبيعيّ فيها.

2-احتمل الطّبرسيّ فقط أنّ الضّمير في(تحدّث) خطاب،أي تحدّث أنت أيّها النّبيّ أو أيّها الإنسان، أخبارها،و هذا-كما قال الآلوسيّ-:لا وجه له،لأنّ الضّمائر بعدها و قبلها ترجع إلى الأرض.

3-المراد ب(اخبارها)عند بعضهم أنّها تخبر بأنّ أمر الدّنيا انقضى و أمر الآخرة أتى،و عند فضل اللّه:أنّها تتحدّث عن هذا الحدث الكونيّ أي الأرض،و هذان يناسبان المعنى المجازيّ،و عند أكثرهم:أنّها تتحدّث عن أعمال الإنسان خيرها و شرّها،و هذا يناسب المعنى الحقيقيّ،و الأوّل أوفق بالسّياق،كما سبق.

4-و قد قرئ (يومئذ تنبئ) و (تبيّن) و يحتمل كونهما تفسيرا لا قراءة،و مثله كثير،و لا سيّما فيما روي عن ابن مسعود.

5-قالوا في إعرابها:أنّ(يومئذ)بدل من(اذا) و العامل فيهما(تحدّث)لأنّه جواب(اذا)الشّرطيّة، و القول بتعلّقها ب(زلزلت)لا وجه له،لأنّ الشّرط متعلّق بفعل الجزاء لا العكس.و كذلك تعلّق(اذا)بمحذوف،كما قيل.

و المفعول الأوّل ل(تحدّث)محذوف،لأنّه ليس مقصودا بالكلام،و الثّاني(اخبارها)أي الأرض تحدّث النّاس أخبارها في ذلك اليوم.

6-قيل:جاء«الحديث»بناء على إرادة المجاز منه لوضوح دلالتها،و حكايتها عن انقضاء الدّنيا، كالتّحديث.و قال الفخر الرّازيّ:«إنّ التّحديث يفيد الاستئناس و هناك لا استئناس؟و أجاب:بأنّ الأرض كأنّها تبثّ شكواها إلى أولياء اللّه و ملائكته»،و هذا يناسب المعنى الحقيقيّ دون المجازيّ.

ثالثا:جاء في(2)نقلا عن اليهود يناجي بعضهم بعضا أَ تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ كانوا يظهرون بمظهر المنافقين وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا البقرة:14،فيخبرونهم بما جاء في التّوراة في وصف النّبيّ عليه السّلام: وَ إِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَ تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ البقرة:76،و هذا أقرب للظّاهر ممّا قيل في نزولها،لمّا قال النّبيّ لبني قريظة:يا أبناء القردة و الخنازير؛إذ ليس فيه حجّة عليهم عند اللّه،و فيها بحوث، لاحظ«فتح».

رابعا:جاء في(3) وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ خطابا إلى النّبيّ عليه السّلام،و هذه آخر آية من سورة «الضّحى»و قد سبقتها آيات ذكر فيها ما أنعمه اللّه عليه:

أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى* وَ وَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى* وَ وَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى ثمّ كلّفه بإزاء كلّ منها بتكليف، فقال: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ* وَ أَمَّا السّائِلَ فَلا تَنْهَرْ * وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ و بملاحظة نظم الآيات فالأخيرة منها تقع بإزاء الأخيرة من ذاك،و لكنّ الأقرب أن تكون بإزاء جميع ما جاء في هذه السّورة من أوّلها إلى آخرها من النّعم و الآداب،أي حدّث بما عرض لك من انقطاع الوحي و اتّصاله،و بما كنت عليها من

ص: 116

الأحوال،و ما أنعمت بها من النّعم،فإنّ التّحديث بها شكر للّه عزّ و جلّ،لاحظ«الضّحى»و«النّعمة».

خامسا:جاء«حديث»22 مرّة في(4-26)اسم مصدر بمعنى الكلام،و سياق أكثرها ذمّ،و هي ثلاثة أصناف:

الصّنف الأوّل:الحديث العادي في سبع آيات:

(4-10).

أ:جاء الأمر بالإعراض عن الحديث مرّتين:مرّة في (4)-و هي مكّيّة-إعراضا عن المشركين،و مرّة في(5) -و هي مدنيّة-إعراضا عن المنافقين،و مشيرا إلى ما سبق في(5)حيث قال فيها: وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ.

و قد جمع اللّه فيها المنافقين و الكفّار في الوعيد، فقال: إِنَّ اللّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَ الْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً النّساء:140،حيث جمعهم الكفر بآيات اللّه و الاستهزاء بها.

ب:جاء في(6) وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ و فسّروا لهو الحديث بالغناء و بالطّعن بالحقّ و السّخريّة بالقرآن،و هو أنسب بالسّياق،و تفسيره بالغناء تعميم في الحكم،و ليس بيانا للنّزول.

و يبدو منها أنّ بعض الكفّار اشترى حديثا باطلا ليعارض به القرآن الّذي جاء وصفه في آيات قبلها، لكنّهم لم يذكروه فلاحظها،و لاحظ«ش ري:اشترى، و ل ه و:لهوا».

ج:جاء في(7) وَ لا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ في جملة آداب العشرة للنّبيّ عليه السّلام؛حيث قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَ لكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَ لا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَ اللّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ... فنهاهم عن دخول بيوت النّبيّ بغير إذن،إلاّ أن يؤذن لهم إلى طعام،فلا يدخلوها قبل إدراك الطّعام، فيطول مقامهم في منزله،بل دخلوا حين إطعام الطّعام، فإذا طعموا فلا يجلسوا متحدّثين،أي لا يمكثوا فيها قبل الطّعام،و لا بعده بل حينه فقط.

قال الطّبرسيّ«8:366»: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ منصوب على الحال (وَ لا مُسْتَأْنِسِينَ) معطوف عليه،فهو حال معطوف على حال قبله،و تقديره:«و لا تدخلوا مستأنسين لحديث»و للآية شأن نزول،لاحظ«د خ ل، و ط ع م،و د ع ي،و أ ن س».

د:جاء في(8) وَ لا يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً بشأن الّذين كفروا و عصوا الرّسول في الآخرة،فإنّهم حينئذ يودّون أمرين:لو تسوّى بهم الأرض أوّلا،و لا يكتمون اللّه حديثا ثانيا.و الكلام هنا في الثّاني،و قد ذكر فيه الطّبرسيّ«3:5»خمسة وجوه باختلاف في المعطوف عليه بوجهين.

1-أنّه عطف على(لو تسوّى)أي هؤلاء يودّون أن يكونوا ترابا مساويا للأرض،و أن لو لم يكتموا اللّه حديثا في الآخرة،لأنّهم أقسموا باللّه أنّهم ما كانوا مشركين،فكتموا ما كانوا عليه من الشّرك،و لم يقرّوا به،أو لم يكتموا في الدّنيا أمر محمّد و بعثه.فهذان وجهان.

2-أنّه كلام مستأنف عطف على(يودّون)،و المراد

ص: 117

أنّهم يومئذ لا يكتمون شيئا من أمور دنياهم و كفرهم، بل يعترفون بها فيدخلون باعترافهم النّار.

أو لا يقدرون على كتمان شيء من اللّه،لأنّ جوارحهم تشهد عليهم بما فعلوه أو لأنّهم ملجئون يومئذ إلى ترك القبائح و الكذب،و أنّ قولهم:«و لله ما كنا مشركين»أي ما كانوا مشركين عند أنفسهم، لأنّهم يظنّون في الدّنيا أنّ عبادتهم للأصنام ليست بشرك من حيث تقرّبهم بها إلى اللّه.هذه ثلاثة وجوه،و المجموع خمسة وجوه؛و الأوّل أرجح عندنا،أي إنّهم يودّون يومئذ أن يكونوا ترابا و أن لا يكتموا اللّه حديثا،خلاصا من العذاب الأليم.

ه:جاءت(9)خطابا لمن كان يكره القتال من ضعفاء المسلمين،كما يقتضيه السّياق فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً، و المراد به الكلام الحقّ الّذي كادوا أن لا يفقهوه و هو القران كلام اللّه و كلام الرّسول.

و:و جاء في(10) وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً... و هو كما جاء في الرّوايات ما أسرّه النّبيّ إلى حفصة،لاحظ«س ر ر:أسرّ».

هذه كلّها في الحديث العادي في الدّنيا و الآخرة بين النّاس و آخرين،أو بين اللّه و النّاس،أو بين النّبيّ و بعض أزواجه.و«حديث»فيها نكرة تحقيرا أو تقليلا،سوى في(6) لَهْوَ الْحَدِيثِ فجاء معرفة بلام الجنس،تعميما و إبرازا للقبح و الذّمّ،و اثنتان منها(4 و 6)مكّيّتان و الباقي مدنيّات.

الصّنف الثّاني:ما أريد بالحديث:القرآن،أو ما يقابله، و كلّها مكّيّة خطابا للمشركين بمكّة المكذّبين للقرآن إلاّ آية واحدة(21)فمدنيّة،في سياق الآيات الموجّهة إلى المنافقين و هي إحدى عشرة آية:(11-21)بمضامين مختلفة:

أ:ثلاث منها(11-13)توبيخ لهم بأنّهم إذا لا يؤمنون بالقرآن مع وضوح شأنه و أنّه من عند اللّه، فبأيّ حديث بعده يؤمنون؟و جاء«حديث»فيها و كذا في(15)و(19)نكرة توهينا أو تعميما لكلّ حديث غير القرآن.

ب:و واحدة منها(14)تحذير للنّبيّ عليه السّلام تلطيفا من أجل أسفه على هؤلاء الكفّار حيث لم يؤمنوا بالقرآن، تنبيها بأنّهم ليسوا أهلا لهذا الأسف منه عليه السّلام.

ج:و واحدة(15)تحدّ بالقرآن بأنّهم إذا لا يعترفون بأنّه من عند اللّه بل هو كلام بشر،فليأتوا بكلام مثله إن كانوا صادقين،في قولهم:إنّه كلام بشر.

د:و أربع منها(16-19)تعنيف و توبيخ لهم على تكذيبهم و إدهانهم أو عجبهم بالقرآن،و عدّه افتراء من محمّد صلّى اللّه عليه و آله على اللّه تعالى.

ه:و ثلاثة(19-21)توصيف للقرآن بشواهد الصّدق،و أنّه تصديق للكتب و الأنبياء قبله،و أنّه أحسن الحديث كتابا متشابها،مثاني...،و أنّه كلام اللّه و ليس أحد أصدق من اللّه،لاحظ«القرآن».

و«الحديث»معرفة فيما أطلق على القرآن و نكرة فيما أريد به غير القرآن،أو يعمّ مطلق الحديث مثل وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً.

الصّنف الثّالث:القصّة في خمس آيات مكّيّة(22-26)

ص: 118

واحدة منها(26)حكاية«الغاشية»في الآخرة،و أربع منها حديث الأنبياء الماضين:أوّلها(22)حديث ضيف إبراهيم،و اثنتان(23 و 24)حديث موسى:إحداهما حديثه إذ رأى نارا أثناء رجوعه مع أهله من عند شعيب إلى مصر،و الأخرى حديثه إذ ناداه ربّه بالوادي المقدّس،في ابتداء رسالته.

هذه ثلاث،و رابعها(25)حديث الجنود فرعون و ثمود.لاحظ«غاشية،و إبراهيم،و موسى،و فرعون، و ثمود».

و التّعبير عنها ب«حديث»رمز للاهتمام بها،و أنّها وقائع تكرّرت و دارت على ألسن الغابرين،و ينبغي التّحدّث بها للاّحقين،ليعتبروا بها،و لتبقى حيّة في حافظة التّاريخ،و لا تنسى مدى الدّهر،فإنّ الأنبياء أسوة للبشر،و حديثهم حياة للنّفوس.

هذه بحوث في المحور الأوّل،و هو التّحديث و الحديث.

المحور الثّاني:الأحاديث أي الرّؤيا و تأويلها في ثلاث آيات:(27-29)،كلّها بشأن يوسف عليه السّلام و قد بحثناها في«أول:التّأويل»فلاحظ.و البحث هنا في وجه إطلاق«أحاديث»-و هي جمع«حديث»مثل أناشيد:

جمع«نشيد»-على الرّؤيا،فقال الطّبريّ(12:153)، و الطّبرسيّ(3:210)لأنّ فيه أحاديث النّاس عن رؤياهم،و قال الزّمخشريّ(2:303):«...لأنّ الرّؤيا إمّا حديث نفس أو ملك أو شيطان...»و فسّرها الآلوسيّ (12:185)بأحاديث الملك إن كانت صادقة،أو أحاديث النّفس أو الشّيطان إن لم تكن كذلك.و قد سبق في«التّأويل»أنّ بعضهم فسّروها بأحاديث الأنبياء و أخبار الماضين،و على كلّ حال فمرجعها إلى المحور الأوّل.

المحور الثّالث:الأحاديث:الأساطير في آيتين:(30 و 31)و هما مكّيّتان أيضا بلفظ واحد جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ.

و الأولى جاءت في الأمم السّالفة و موقفهم أمام أنبيائهم؛حيث قال: ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ* ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَ ما يَسْتَأْخِرُونَ* ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ المؤمنون:42-44

و الثّانية جاءت في قوم سبأ؛حيث قال: وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَ قَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيّاماً آمِنِينَ* فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَ مَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ سبأ:18،19،و فيها بحوث:

1-قالوا في معنى وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ: جعلناهم أحاديث يتحدّث بها على سبيل التّعجب و التّلهّي و الاستغراب،جعلناهم عبرة يتحدّث النّاس عنهم بعدهم،يتحدّث بها النّاس تعجّبا و ضرب مثل، فيقولون:«تفرّقوا أيادي سبأ»أي كما تفرّق أبناء سبأ في البلاد،ما يتحدّث به النّاس على جهة الغرابة و التّعجّب، أي أزلنا أعيانهم و آثارهم فلم يبق منهم إلاّ أحاديث يحدّث بها فيما يحدّث،فعادوا أسماء لا مسمّى لهم إلاّ و هم

ص: 119

المتوهّم و خيال المتخيّل-و هذا يناسب قوله في الثّانية:

وَ مَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ -سمرا و قصصا يتحدّث من بعدهم بأمرهم و شأنهم،أخبارا يسمعونها و يتعجّبون منها ليكونوا عظة للمستبصرين،فيعلموا أنّه لا يفلح الكافرون و لا يخيب المؤمنون،لم يبق منهم إلاّ حكايات يعتبر بها المعتبرون،إنّه سبحانه بلغ من إهلاكهم مبلغا صاروا معه أحاديث،فلا يرى منهم عين و لا أثر،و لم يبق منهم إلاّ الحديث الّذي يذكر و يعتبر به،و نحوها.

و المعنى واحد و اختلفت العبارات،و بعضها أو في و أبلغ في أداء المقصود من بعض،و قال الطّباطبائيّ(15:

34)فيها:«أبلغ كلمة تفصح عن القهر الإلهيّ الّذي يغشى أعداء الحقّ و المكذّبين لدعوته؛حيث يمحو العين و يعفو الأثر،و لا يبقى إلاّ الخبر».

2-قال الأخفش:«إنّما هو في الشّرّ،و أمّا في الخير فلا يقال:جعلهم أحاديث و أحدوثة.إنّما يقال:صار فلان حديثا».

3-و اختلفت كلماتهم في أنّ«أحاديث»بهذا المعنى جمع«أحدوثة»كالأساطير و أسطورة و الأعاجيب و أعجوبة،و الألاعيب و ألعوبة،و اختاره أكثرهم،و قال الزّمخشريّ:«هو اسم جمع للحديث و منه أحاديث الرّسول».و قال بعضهم:إنّه جمع حديث.و هذا الخلاف يوجد في«الأحاديث»بمعنى الرّؤيا أيضا.و المناسب ها لأمثالها هو الأوّل مثل«الأساطير و أسطورة».

4-قال الآلوسيّ: «جعلهم نفس الأحاديث إمّا على المبالغة أو بتقدير المضاف،أي جعلناهم بحيث يحدّث النّاس بها...».و لكن اللّطف في الأوّل فيكون استعارة مثل زيد أسد،و لا معنى لقوله:بتقدير المضاف.و على كلّ حال فمرجعه إلى المحور الأوّل أيضا.

المحور الرّابع:الإحداث في خمس آيات:(32-36) واحدة منها(32)جاءت في قصّة موسى و عبد من عباد اللّه يقال:إنّه خضر،و أربع بشأن القرآن،و فيها بحوث:

1-في(32)بعد أن وجد موسى ذاك العبد استجازه في اتّباعه،فأجازه بشرط أن لا يسأله عن شيء صدر منه من الغرائب حتّى يبتدئه هو ببيانه،و لا ريب أنّه المراد من أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً إلاّ أنّ المتراءى من بعضهم أنّ(احدث)بمعنى أبيّن و أتحدّث و أذكر؛حيث قالوا:«أبيّن لك،أذكرها لك،أنا الّذي أفسّره لك، و نحوها».و أكثرهم فسّروها ب(ابتدأ)و هو الصّواب، قال أبو حيّان:«فلا تفاتحني بالسّؤال حتّى أكون أنا الفاتح عليك،و هذا من أدب المتعلّم مع العالم».

و قال الطّباطبائيّ: «إحداث الذّكر من الشّيء:

الابتداء به من غير سابقة-إلى أن قال-و فيه إشارة إلى أنّه سيشاهد منه أمورا تشقّ عليه مشاهدتها،و هو سيبيّنها له،لكن لا ينبغي لموسى أن يبتدئه بالسّؤال و الاستخبار،بل ينبغي أن يصبر حتّى يبتدئه هو بالإخبار»لاحظ«أول:تأويل».

2-جاء في(33 و 34)(يحدث)و ضمير الفاعل في الأولى راجع إلى القرآن؛حيث قال: وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَ صَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً و يحتمل رجوعه إلى(الوعيد)،و هو أقرب لفظا،و أنسب معنى.

ص: 120

و في الثّانية إلى اللّه: لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً قالوا:أي يغيّر رأي الزّوج فيراجعها و هي في بيته،لاحظ«الطّلاق».

3-جاء في(35 و 36)(محدث)وصفا للقرآن بتفاوت: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ وَ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ فعبّر فيهما عن القرآن ب(ذكر)-و هو من أسامي القرآن-موصوفا ب(محدث)،و جاء في الأولى(ذكر من ربّهم).و في الثّانية (ذكر من الرّحمن)و فيهما جميعا تلطيف من اللّه.

و جاء في ذيل الأولى إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ و في ذيل الثّانية إِلاّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ و كلاهما ذمّ لهم لإعراضهم عن القرآن تصريحا في الثّانية و مكنيّة عنه في الأولى،لاحظ«ربّ،رحمان،القرآن».

4-القراءة المشهورة (محدث) كسرا صفة ل(ذكر) لفظا،و قرئ (محدث) رفعا صفة له على المحلّ،لأنّ محلّه رفع بزيادة«من».

5-اتّفقت كلماتهم حسب النّصوص على أنّ القرآن -و هو مجموعة الألفاظ الّتي بين الدّفّتين-محدث نزّل تدريجا سورة بعد سورة،و آية بعد آية،و لم يشاهد خلاف منهم في ذلك،و إنّما خلافهم في أنّه من حيث كونه كلام اللّه قديم.

فقال ابن عربيّ: «إنّه محدث الإتيان،لا محدث العين» و قال فريق من أهل السّنّة:«إنّ حروف القرآن المقروءة و أصواتها المسموعة غير منفكّة عن صفة كلام اللّه الأزليّ القديم،و أنّها مثلها قديمة أزليّة أيضا،ليست حادثة و لا مخلوقة».و يظهر من الإمام البخاريّ-كما جاء في ترجمته-أنّه كان يقول:«لفظي بالقرآن مخلوق»،فأنكره النّاس حتّى هاجر عنهم من بخارى إلى نيشابور.

فيبدو منهم التّغالي في القول بقدم القرآن حتّى ما يقرؤه النّاس،و هذا عجيب منهم.

و الحقّ أنّهم خلطوا بين الكلام المنزل،فهو حادث مخلوق قطعا،و بين كلام اللّه صفة من صفاته الذّاتيّة فهو قديم بقدم الذّات عند الأشاعرة و من ماثلهم في العقيدة، و هو من صفاته الفعليّة عند المعتزلة و الإماميّة و من ماثلهما فليس قديما،و هو الموافق لآيات من القرآن.

و نحن لا نريد التّطويل فيه،و كفانا النّصوص، فلاحظ.

ص: 121

ص: 122

ح د د

اشارة

9 ألفاظ،25 مرّة:3 مكّيّة،22 مدنيّة

في 12 سورة:4 مكّيّة،8 مدنيّة

حادّ 1:-1 حديد 2:1-1

يحادد 1:-1 الحديد 3:1-2

يحادّون 2:-2 حديدا 1:1

حداد 1:-1 حدود 13:-13

حدوده 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :فصل ما بين كلّ شيئين:حدّ بينهما.

و منتهى كلّ شيء:حدّه.

و حدّ السّيف و احتدّ.

و هو جلد حديد.

و أحددته..

و استحدّ الرّجل و احتدّ حدّة فهو حديد.

و حدود اللّه:هي الأشياء الّتي بيّنها و أمر أن لا يتعدّى فيها.

و الحدّ:حدّ القاذف و نحوه،ممّا يقام عليه من الجزاء بما أتاه.

و الحديد:معروف،و صاحبه:الحدّاد.

و رجل محدود:محارف في جدّه.

و حدّ كلّ شيء:طرف شباته كحدّ السّنان و السّيف و نحوه.

و الحدّ:الرّجل المحدود عن الخير.

و الحدّ:بأس الرّجل و نفاذه في نجدته،قال العجّاج:

*أم كيف حدّ مضر القطيم*

و أحدّت المرأة على زوجها فهي محدّ،و حدّت بغير الألف أيضا،و هو التّسليب بعد موته.

و حاددته:عاصيته،و من يحادد اللّه،أي يعاصيه.

و ما عن هذا الأمر حدد،أي معدل؛و لا محتدّ،مثله.

و حدّان:حيّ من اليمن.

و الحدّ:الصّرف عن الشّيء من الخير و الشّرّ،

ص: 123

و تقول للرّامي:اللّهمّ احدده،أي لا توفّقه للإصابة.

و حددته عن كذا:منعته.

و الاستحداد:حلق الشّيء بالحديد.

و حدّ الشّراب:صلابته.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:19)

الكسائيّ: و الحدّة:ما يعتري الإنسان من النّزق و الغضب،تقول:حددت على الرّجل أحدّ حدّة و حدّا.

(الجوهريّ 2:463)

أبو عمرو الشّيبانيّ: و قال:أصابتهم سحابة حريصة:حدّة مطرها،و سحابة حديدة.(1:179)

و تقول:حداد حدّيه،إذا دعوت أن تدفع عن الرّجل.(1:184)

و تقول:أحددت السّكّين.(1:189)

الحدّاد:البوّاب.[ثمّ استشهد بشعر](1:200)

سيف حدّاد بالضّمّ و التّشديد مثل أمر كبّار.

(الجوهريّ 2:463)

الحدّة:الغضبة.(الأزهريّ 3:420)

أبو عبيدة :و في الحديث الّذي جاء في عشر من السّنّة:«الاستحداد من العشر»الاستحداد:حلق العانة.

و منه الحديث الآخر حين قدم من سفر فأراد النّاس أن يطرقوا النّساء ليلا،فقال:«أمهلوا حتّى تمتشط الشّعثة،و تستحدّ المغيبة»أي تحلق عانتها.

(الأزهريّ 3:421)

أبو زيد :تقول:حدّ اللّه عنّا شرّها،أي كفّه و صرفه.(250)

تحدّد بهم،أي تحرّش بهم.(الأزهريّ 3:420)

يقال:ما لي منه بدّ و لا محتدّ و لا ملتدّ،أي ما لي منه بدّ.

(الأزهريّ 3:422)

الأصمعيّ: حدّ الرّجل يحدّ حدّا،إذا جعل بينه و بين صاحبه حدّا.

و حدّه يحدّه،إذا ضربه الحدّ.و حدّه يحدّه،إذا صرفه عن أمر أراده.

و أمّا حدّ يحدّ فمعناه أنّه أخذته عجلة و طيش.

و أحدّ السّيف إحدادا،إذا شحذه.و حدّده فهو محدّد مثله.

يقال:استحدّ الرّجل،إذا أحدّ شفرة بحديدة و غيرها.

الحدّاد:صاحب السّجن،و ذلك أنّه يمنع من فيه أن يخرج.

و يقال:دون ذلك حدد،أي منع.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:فلان حديد فلان،إذا كانت داره إلى جانب داره.(الأزهريّ 3:421)

اللّحيانيّ: الكلام:أحدّها بالألف،و قد حدّت تحدّ حدّة و احتدّت.

و سكّين حديد و حديدة و حداد،و لا يقال:حدادة.

سكّين حديد-بغير هاء-من سكاكين حديدات و حدائد و حداد.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 2:505)

أبو عبيد: و في الحديث:«لا يحلّ لأحد أن يحدّ...إلاّ المرأة على زوجها...»إحداد المرأة على زوجها:تركها الزّينة...

و في الحديث:«الاستحداد من العشر»و هو استفعال من الحديدة،يعني الاستحلاق بها.(الأزهريّ:3:421)

ص: 124

ابن الأعرابيّ: و حديد الثّمان:عرقوباه[الفرس] و أذناه و قلبه و منكباه.(القاليّ 2:253)

ابن السّكّيت: يقال:رجل حديد الفؤاد،و شهم الفؤاد،و ذكيّ الفؤاد،و نزّ الفؤاد،كلّه من حدّة القلب.

(162)

و يقال:قد أحدّ السّكّين و الشّفرة يحدّها إحدادا.

و يقال:قد حدّ الرّجل يحدّ حدّة،إذا احتدّ.

و قد حددت حدود الدّار أحدّها حدّا.

و قد حددته عن كذا و كذا أحدّه حدّا،إذا منعته منه.

و منه سمّي الحاجب حدّادا،لأنّه يمنع.و يقال:دونه حدد،أي منع.

و يقال:حدّت المرأة على زوجها و أحدّت،و هي حادّ و محدّ.(إصلاح المنطق:276)

شمر: يقال للمرأة:الحدّادة.(الأزهريّ 3:422)

الزّجّاج: و حدّت المرأة على زوجها و أحدّت،إذا تركت الزّينة.(فعلت و أفعلت:11)

معنى الحدّاد في اللّغة:الحاجب،و كلّ من منع شيئا فهو حدّاد.

و قولهم:أحدّت المرأة على زوجها،معناه قطعت الزّينة،و امتنعت منها.

و الحديد إنّما سمّي حديدا،لأنّه يمتنع به من الأعداء.

و حدّ الدّار هو ما يمنع غيرها أن تدخل فيها.

(1:257)

ابن دريد :حدّ السّكّين و غيره:معروف.

و حددت السّكّين و غيره أحدّه حدّا،و أحدّها يحدّها إحدادا،و سكّين حديد و حداد،إذا مسحته بحجر أو مبرد.

و يقال:رجل حدّ و محدود،إذا كان محروما.

و أحددت إليك النّظر أحدّه إحدادا.

و الحدّ بين الشّيئين:الفرق بينهما لئلاّ يعتدي أحدهما على الآخر.

و حددت على الرّجل أحدّ حدّة،إذا غضبت عليه.

و حدّ الدّار:معروف.

و حدّ السّارق و غيره:الفعل الّذي يمنعه عن المعاودة،يحدّه عنها و يمنع غيره أيضا.

و أصل الحدّ:المنع،يقال:حدّني عن كذا و كذا،إذا منعني عنه؛و به سمّي السّجّان:حدّادا لمنعه،كأنّه يمنع من الحركة.

و سمّى الأعشى الخمّار:حدّادا،لأنّه يحبس الخمر عنده.

و حدّت المرأة و أحدّت،إذا تركت الطّيب و الزّينة بعد زوجها.و أبى الأصمعيّ إلاّ أحدّت،فهي محدّ،و لم يعرف:حدّت.

و يقال:هذا أمر حدد،أي ممتنع.و دعوة حدد،أي مردودة لا تجاب.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:57)

حدّ الرّجل حددا،إذا كان سريع الغضب،و الحدد:

المنع؛و به سمّي السّجّان،حدّادا.

و يقال:هذا أمر حدد،أي ممتنع لا يحلّ أن يركب.

و يقال:أمر حدد،أي باطل.و دعوة حددة،أي باطلة.(3:188)

القاليّ: و المحدود:الّذي قد حدّ،أي قد ضرب الحدّ.(2:197)

ص: 125

قيل:حداد حدّيه،أي مناع امنعيه.و الحدّ:

المنع.(ذيل الأماليّ:60)

الأزهريّ: قال اللّيث:فصل ما بين كلّ شيئين:حدّ بينهما،و منتهى كلّ شيء:حدّه.

قلت:و منه أخذ حدود الأرضين و حدود الحرم.

و في الحديث في القرآن:لكلّ حرف حدّ،و لكلّ حدّ مطّلع.قيل:أراد لكلّ حرف منتهى له نهاية.

[و قال حول كلام الخليل«استحدّ الرّجل»:]

قلت:و المسموع في حدّة الرّجل و طيشه:احتدّ،و لم أسمع فيه استحدّ،إنّما يقال:استحدّ و استعان،إذا حلق عانته.

[و قال حول قول الخليل«حدود اللّه»:]

قلت:فحدود اللّه ضربان:ضرب منها:حدود حدّها للنّاس في مطاعمهم،و مشاربهم،و مناكحهم و غيرها،و أمر بالانتهاء عمّا نهى عنه منها،و نهى عن تعدّيها.

و الضّرب الثّاني:عقوبات جعلت لمن ركب ما نهي عنه،كحدّ السّارق:و هو قطع يمينه في ربع دينار فصاعدا،و كحدّ الزّاني البكر:و هو جلد مائة و تغريب عام،و حدّ المحصن إذا زنى:الرّجم،و حدّ القاذف:

ثمانون جلدة.سمّيت حدودا لأنّها تحدّ،أي تمنع من إتيان ما جعلت عقوبات فيها.و سمّيت الأولى حدودا،لأنّها نهايات نهى اللّه عن تعدّيها.

و قال اللّيث و غيره:الحدّ:الرّجل المحدود عن الخير.

قلت:المحدود:المحروم،و لم أسمع فيه رجل حدّ لغير اللّيث.و هو مثل قولهم:رجل جدّ،إذا كان مجدودا.

قال:و الحدّ:بأس الرّجل و نفاذه في نجدته.يقال:إنّه لذو حدّ.

و الحديد:معروف،و صانعه:الحدّاد.و يقال:ضربه بحديدة في يده.[و قال بعد قول أبي عبيد في«إحداد المرأة...»:]

و نري أنّه مأخوذ من المنع،لأنّها قد منعت من ذلك.

و منه قيل للبوّاب:حدّاد،لأنّه يمنع النّاس من الدّخول.

يقال:أحدّت المرأة تحدّ،و حدّت تحدّ و تحدّ حدادا.

[و قيل:]حدّان:قبيلة في اليمن.

و يقال:حددا أن يكون كذا،كقولك:معاذ اللّه.

[و استشهد بالشّعر ثلاث مرّات](3:419-422)

الصّاحب:[نحو الخليل و قال:]

و حدّان:حيّ من العرب من اليمن من الأزد.

و دار فلان حديدة دار فلان،أي بلزقها.

و حدّدت له و إليه:قصدته.

و تحدّد به،أي تحرّش.

و حدادك أن تفعل كذا،أي جهدك.

و الحدّة:مثل الصّبّة و الكثبة.

و في زجر حشو الإبل:أحدّ.(2:305)

الجوهريّ: الحدّ:الحاجز بين الشّيئين.

و حدّ الشّيء:منتهاه،تقول:حددت الدّار أحدّها حدّا.و التّحديد مثله.

و فلان حديد فلان،إذا كان أرضه إلى جنب أرضه.

و الحدّ:المنع،و منه قيل للبوّاب:حدّاد.

ص: 126

و يقال للسّجّان:حدّاد،لأنّه يمنع من الخروج،أو لأنّه يعالج الحديد من القيود.

و المحدود:الممنوع من البخت و غيره.

و هذا أمر حدد،أي منيع حرام لا يحلّ ارتكابه.

و دعوة حدد،أي باطلة.

و دونه حدد،أي منع.

و ما لي عن هذا الأمر حدد،أي بدّ.

و حددت الرّجل:أقمت عليه الحدّ،لأنّه يمنعه من المعاودة.

و أحدّت المرأة،أي امتنعت من الزّينة و الخضاب بعد وفاة زوجها.و كذلك حدّت تحدّ و تحدّ حدادا،و هي حادّ،و لم يعرف الأصمعيّ إلاّ أحدّت فهي محدّ.

و المحادّة:المخالفة،و منع ما يجب عليك،و كذلك التّحادّ.

و الحديد:معروف،لأنّه منيع،و الحديدة أخصّ منه؛و الجمع:الحدائد.و قد جاء في الشّعر الحدائدات.

و حدّ كلّ شيء:شباته،و حدّ الرّجل:بأسه،و حدّ الشّراب:صلابته.

و قد حدّ السّيف يحدّ حدّة،أي صار حادّا و حديدا، و سيوف حداد،و ألسنة حداد.

و الحداد أيضا:ثياب المأتم السّود.[إلى أن قال:]

و تحديد الشّفرة و إحدادها و استحدادها بمعنى.

و الاستحداد أيضا:حلق شعر العانة.

و أحددت النّظر إلى فلان،و احتدّ فلان من الغضب فهو محتدّ.

و قولهم:ما أجد منه محتدّا و لا ملتدّا،أي بدّا.

[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](2:462)

ابن فارس: الحاء و الدّال أصلان:الأوّل:المنع، و الثّاني:طرف الشّيء.

فالحدّ:الحاجز بين الشّيئين.

و فلان محدود،إذا كان ممنوعا.«و إنّه لمحارف محدود»كأنّه قد منع الرّزق.

و يقال للبوّاب:حدّاد،لمنعه النّاس من الدّخول.

و سمّي الحديد حديدا لامتناعه و صلابته و شدّته.

و الاستحداد:استعمال الحديد.

و يقال:حدّت المرأة على بعلها و أحدّت،و ذلك إذا منعت نفسها الزّينة و الخضاب.

و المحادّة:المخالفة،فكأنّه الممانعة،و يجوز أن يكون من الأصل الآخر.

و يقال:ما لي عن هذا الأمر حدد و محتدّ،أي معدل و ممتنع.

و يقال:حددا،بمعنى معاذ اللّه،و أصله من المنع.

و حدّ العاصي سمّي حدّا،لأنّه يمنعه عن المعاودة.

و أمّا الأصل الآخرة فقولهم:حدّ السّيف،و هو حرفه،و حدّ السّكّين،و حدّ الشّراب:صلابته.

و حدّ الرّجل:بأسه،و هو تشبيه.

و من المحمول الحدّة:الّتي تعتري الإنسان من النّزق، تقول:حددت على الرّجل أحدّ حدّة.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:3)

أبو هلال :الفرق بين الاسم و الحدّ:أنّ الحدّ يوجب المعرفة بالمحدود من غير الوجه المذكور في المسألة عنه، فيجمع للسّائل المعرفة من وجهين:

ص: 127

و فرق آخر و هو أنّه قد يكون في الأسماء مشترك و غير مشترك،ممّا يقع الالتباس فيه بين المتجادلين، فإذا توافقا على الحدّ زال ذلك.

و فرق آخر و هو أنّه قد يكون ممّا يقع عليه الاسم ما هو مشكل،فإذا جاء الحدّ زال ذلك،مثاله قول النّحويّين:الاسم و الفعل و الحرف،و في ذلك إشكال فإذا جاء الحدّ أبان.

و فرق آخر و هو أنّ الاسم يستعمل على وجه الاستعارة و الحقيقة،فإذا جاء الحدّ بيّن ذلك و ميّزه.

الفرق بين الحدّ و الحقيقة:أنّ الحدّ:ما أبان الشّيء و فصله من أقرب الأشياء؛بحيث منع من مخالطة غيره له،و أصله في العربيّة:المنع.

و الحقيقة:ما وضع من القول موضعه في أصل اللّغة، و الشّاهد أنّها مقتضية المجاز و ليس المجاز إلاّ قولا، فلا يجوز أن يكون ما يناقضه إلاّ قولا.

و مثل ذلك الصّدق لمّا كان قولا كان نقيضه و هو الكذب قولا،ثمّ يسمّى ما يعبّر عنه بالحقيقة و هو الذّات حقيقة مجازا،فهي على الوجهين مفارقة للحدّ مفارقة بيّنة.

و الفرق بينهما أيضا:أنّ الحدّ لا يكون إلاّ لما له غير، يجمعه و إيّاه جنس قد فصل بالحدّ بينه و بينه.

و الحقيقة تكون كذلك و لما ليس له غير،كقولنا:

شيء،و الشّيء لا حدّ له من حيث هو شيء،و ذلك أنّ الحدّ هو المانع للمحدود من الاختلاط بغيره،و الشّيء لا غير له،و لو كان له غير لما كان شيئا،كما أنّ غير اللّون ليس بلون،فتقول:ما حقيقة الشّيء؟و لا تقول:ما حدّ الشّيء؟

و فرق آخر و هو أنّ العلم بالحدّ هو علم به و بما يميّزه، و العلم بالحقيقة علم بذاتها.(20)

الفرق بين الحدّ و الرّسم:أنّ الحدّ أتمّ ما يكون من البيان عن المحدود،و الرّسم مثل السّمة يخبر به حيث يعسر التّحديد.

و لا بدّ للحدّ من الإشعار بالأصل إذا أمكن ذلك فيه، و الرّسم غير محتاج إلى ذلك.و أصل الرّسم في اللّغة:

العلامة،و منه رسوم الدّيار.

و فرّق المنطقيّون بين الرّسم و الحدّ،فقالوا:الحدّ مأخوذ من طبيعة الشّيء،و الرّسم من أعراضه.

الفرق بين قولنا:ما حدّه،و بين قولنا:ما هو:أنّ قولنا:ما هو؟يكون سؤالا عن الحدّ،كقولك:ما الجسم؟ و سؤالا عن الرّسم كقولك:ما الشّيء؟و ذلك أنّ الشّيء لا يحدّ على ما ذكرنا و إنّما يرسم بقولنا:إنّ الّذي يصحّ أن يعلم و يذكر و يخبر عنه.

و سؤالا عن الجنس،كقولك:ما الدّنيا؟و سؤالا عن التّفسير اللّغويّ،كقولك:ما القطر؟فتقول:النّحّاس، و ما القطر؟فتقول:العود.

و ليس كذلك قولنا:ما حدّه،لأنّ ذلك يبيّن الاختصاص من وجه من هذه الوجوه.(21)

الفرق بين الحدّ و النّهاية و العاقبة:أنّ النّهاية ما ذكرناه (1)،و الحدّ يفيد معنى تمييز المحدود من غيره، و لهذا قال المتكلّمون:حدّ القدرة كذا و حدّ السّواد كذا.

و سمّي حدّا لأنّه يمنع غيره من المحدود فيما هو حدّ له،و في».

ص: 128


1- راجع:«غ ي ي».

هذا تمييز له من غيره،و لهذا قال الشّرطيّون:اشتري الدّار بحدودها،و لم يقولوا:بنهاياتها،لأنّ الحدّ أجمع للمعنى.و لهذا يقال:للعالم نهاية،و لا يقال:للعالم حدّ، فإن قيل:فعلى الاستعارة؟و هو بعيد.

و عندهم أنّ حدّ الشّيء منه،فقال أبو يوسف و الحسن بن زياد:إذا كتب:حدّها الأوّل دار زيد، دخلت دار زيد في الشّراء،و قال أبو حنيفة:لا تدخل فيه و إن كتب:حدّها الأوّل المسجد و أدخله،فسد البيع في قولهما.و قال أبو حنيفة:لا يفسد،لأنّ هذا على مقتضى العرف،و قصد النّاس في ذلك معروف.

و أمّا العاقبة فهي ما تؤدّي إليه التّأدية،و العاقبة هي الكائنة بالنّسب الّذي من شأنه التّأدية،و ذلك أنّ السّبب على وجهين:مولّد و مؤدّ،و إنّما العاقبة في المؤدّي، فالعاقبة يؤدّي إليها السّبب المقدّم و ليس كذلك الآخرة، لأنّه قد كان يمكن أن تجعل هي الأولى في العدّة.(243)

الثّعالبيّ: فصل في محاسن أخلاقها[المرأة]و سائر أوصافها:فإذا تركت الزّينة لموت زوجها،فهي حادّ، و محدّ.(168)

فصل في إتباعات الطّعوم:...حرّيف حادّ.(269)

أبو سهل الهرويّ: و تقول:قد أحددت السّكّين إحدادا،إذا رقّقت جانبه بمبرد أو غيره.و سكّين حديد و حداد بالضّمّ،و حدّاد بالضّمّ أيضا و تشديد الدّال،أي رقيق الجانب.

و أحددت إليك النّظر إحدادا،أي نظرت إليك نظرا شديدا لا أطرق فيه.

و حددت حدود الدّار أحدّها حدّا،إذا بيّنت منتهاها من جوانبها المحيطة بها،لتتميّز بها من غيرها.

و حدّت المرأة على زوجها تحدّ و تحدّ-بكسر الحاء و ضمّها-حدادا بكسر الحاء،إذا تركت الزّينة، و هي حادّ،بغير هاء.و يقال:أحدّت أيضا فهي محدّ، بغير هاء أيضا.

و قد حددت على الرّجل أحدّ حدّة و حدّا من الغضب،أي أسرعت الغضب عليه.(فصيح ثعلب:38)

ابن سيده: الحدّ:الفصل بين الشّيئين لئلاّ يختلط أحدهما بالآخر،أو لئلاّ يتعدّى أحدهما على الآخر؛ و جمعه:حدود.

و داري حديدة دارك و محادّتها،إذا كان حدّها كحدّها.

و حدّ الشّيء من غيره يحدّه حدّا،و حدّده:ميّزه.

و حدّ كلّ شيء:منتهاه،لأنّه يردّه عن التّمادي؛ و الجمع كالجمع.

و حدّ السّارق و غيره:ما يمنعه من المعاودة و يمنع أيضا غيره عن إتيان الجنايات؛و جمعه:حدود.

و حدود اللّه تعالى:الأشياء الّتي بيّنها و أمر ألاّ تتعدّى،و منع من مخالفتها؛واحدها:حدّ.و حدّ القاذف و نحوه يحدّه حدّا:أقام عليه ذلك.

و الحديد:هذا الجوهر المعروف،القطعة منه حديدة؛ و الجمع:حدائد،و حدائدات:جمع الجمع.

و الحدّاد:معالج الحديد.

و الاستحداد:الاحتلاق بالحديد.

و حدّ السّكّين و غيرها معروف؛و جمعه:حدود.

و حدّ السّكّين و كلّ كليل يحدّها حدّا و أحدّها

ص: 129

و حدّدها:مسحها بحجر أو مبرد.[إلى أن قال:]

و إنّها لبيّنة الحدّ.

و حدّ نابه يحدّ حدّة،و ناب حديد و حديدة،كما تقدّم في السّكّين.و لم يسمع فيها حداد.

و رجل حديد و حداد من قوم أحدّاء و أحدّة و حداد،يكون في اللّسن و الفهم و الغضب.و الفعل من ذلك كلّه حدّ يحدّ حدة،و إنّه لبيّن الحدّ أيضا كالسّكّين.

و حدّ عليه يحدّ حددا،و احتدّ و استحدّ:غضب.

و حادّه:غاضبه،مثل شاقّه،و كان اشتقاقه من الحدّ الّذي هو الحيّز و النّاحية،كأنّه صار في الشّقّ الّذي فيه عدوّه،كما أنّ قولهم:شاقّه قد صار في الشّقّ الّذي فيه عدوّه.

و رائحة حادّة:ذكيّة،على المثل.

و ناقة حديدة الجرّة:توجد لجرّتها ريح حادّة؛و ذلك ممّا يحمد.

و حدّ كلّ شيء:طرف شباته كحدّ السّكّين و السّيف و السّنان و السّهم.و قيل:الحدّ من كلّ ذلك:ما دقّ من شعرته؛و الجمع:حدود.

و حدّ الخمر:صلابتها.

و حدّ الرّجل:بأسه و نفاذه في نجدته.

و حدّ بصره إليه يحدّه،و أحدّه-الأولى عن اللّحيانيّ-كلاهما:حدّقه إليه و رماه به.

و رجل حديد النّاظر:على المثل:لا يتّهم بريبة، فتكون عليه غضاضة فيها،فيكون كما قال تعالى:

يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ الشّورى:45.هذا قول الفارسيّ.

و حدّد الزّرع:تأخّر عن خروجه لتأخّر المطر ثمّ خرج و لم يشعّب.

و حدّ الرّجل عن الأمر يحدّه حدّا:منعه و حبسه.

و الحدّاد:البوّاب و السّجّان،لأنّهما يمنعان.

و حدّ الرّجل:منع من الظّفر.

و كلّ محروم:محدود.

و دون ما سألت حدد،أي منع.و لا حدد عنه،أي لا منع و لا دفع.

و حدّ اللّه عنّا شرّ فلان حدّا:كفّه و صرفه.

و كلّ مصروف عن خير أو شرّ:محدود.

و مالك عن ذلك حدد و محتدّ،أي مصرف و معدل.

و رجل حدّ:محدود عن الخير مصروف.

و يدعى على الرّامي،فيقال:اللّهمّ احدده،أي لا توفّقه لإصابة.

و أمر حدد:ممتنع باطل،و كذلك دعوة حدد.و أمر حدد:لا يحلّ أن يرتكب.

و الحادّ و المحدّ من النّساء:الّتي تترك الزّينة و الطّيب بعد زوجها للعدّة،حدّت تحدّ و تحدّ حدّا.و أبى الأصمعيّ إلاّ أحدّت و هي محدّ،و لم يعرف:حدّت.

و الحداد:تركها ذلك،و في الحديث:«لا تحدّ المرأة فوق ثلاث إلاّ على زوج».

و الحدّاد:البحر،و قيل:نهر بعينه.[و استشهد بالشّعر 8 مرّات](2:504)

الطّوسيّ: و قوله تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ البقرة:187،فالحدّ على وجوه:

أحدها:المنع،يقال:حدّه عن كذا حدّا،أي منعه.

ص: 130

و الحدّ:حدّ الدّار.

و الحدّ:الفرض من حدود اللّه،أي فرائضه.

الحدّ:الجلد للزّاني و غيره.

و الحدّ:حدّ السّيف،و ما أشبهه.

و الحدّ في الحلق:الحدّة.

و الحدّ:الفرق بين الشّيئين.

و الحدّ:منتهى الشّيء.

و حدّ الشّراب:صلابته.

و إحداد المرأة على زوجها:امتناعها من الزّينة و الطّيب.

و إحداد السّيف:إشحاذه.

و إحداد النّظر إلى الشّيء:التّحديق إليه.

و الحديد:معروف،و صانعه:الحدّاد،و الحدّاد:

السّجّان.

و الاستحداد:حلق الشّيء بالحديد.

و حاددته:عاصيته،و منه قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ المجادلة:5،و أصل الباب:المنع.

و الحدّ:نهاية الشّيء الّتي تمنع أن يدخله ما ليس منه، و أن يخرج عنه ما هو منه.(2:136)

نحوه الطّبرسيّ.(1:280)

حدّدته تحديدا،إذا أرهفته،و منه حدّ الشّيء:

نهايته.(7:92)

الرّاغب: الحدّ:الحاجز بين الشّيئين الّذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر،يقال:حددت كذا:جعلت له حدّا يميّز.

و حدّ الدّار:ما تتميّز به عن غيرها.

و حدّ الشّيء:الوصف المحيط بمعناه المميّز له عن غيره،و حدّ الزّنى و الخمر سمّي به لكونه مانعا لمتعاطيه عن معاودة مثله،و مانعا لغيره أن يسلك مسلكه.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و الحديد:معروف،قال عزّ و جلّ: وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ الحديد:25.

و حدّدت السّكّين:رقّقت حدّه،و أحددته:جعلت له حدّا،ثمّ يقال لكلّ ما دقّ في نفسه من حيث الخلقة أو من حيث المعنى كالبصر و البصيرة:حديد،فيقال:هو حديد النّظر و حديد الفهم،قال عزّ و جلّ: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ق:22.

و يقال:لسان حديد نحو لسان صارم و ماض؛و ذلك إذا كان يؤثّر تأثير الحديد،قال تعالى: سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ الأحزاب:19.

و لتصوّر المنع سمّي البوّاب:حدّادا.

و قيل:رجل محدود:ممنوع الرّزق و الحظّ.(109)

الزّمخشريّ: حدّه:منعه،و اللّهمّ احدده.

و إذا طلع عليهم من كرهوه قالوا:حداد حدّيه.

و لفلان حدّاد كالح،و هو البوّاب.

و دون ذلك حدد.

و حددا أن يكون كذا،كما تقول:معاذ اللّه.

و ما لي عنه حدد،أي بدّ.

و امرأة محدّ،و قد أحدّت،و لبست الحداد.

و حادّه محادّة،و داري محادّة لداره،و فلان حديدي في الدّار،أي محادّي.

و من المجاز:احتدّ عليه:غضب،و فيه حدّة،و هو

ص: 131

حديد،و هو من أحدّاء الرّجال.

و لفلان جدّ و حدّ،أي بأس.

و أقام به حدّ الرّبيع،أي فصل الرّبيع.

و أتيته حدّ الظّهيرة.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(76)

و في قصّة حنين:«إنّ مالك بن عوف النّصريّ قال لغلام له حادّ البصر:ما ترى؟...»يقال:رجل حديد البصر و حادّه،كقولهم:كليل البصر و كالّه.

قال في السّنّة:«في الرّأس و الجسد قصّ الشّارب و السّواك و الاستنشاق و المضمضة،و تقليم الأظفار و نتف الإبط و الختان،و الاستنجاء بالأحجار و الاستحداد و انتقاص الماء».استحدّ الرّجل،إذا استعان و هو«استفعل»من الحديد،كأنّه استعمل الحديد على طريق الكناية و التّورية.

و منه حديثه:«إنّه حين قدم من سفر أراد النّاس أن يطرقوا النّساء ليلا،فقال:أمهلوا حتّى تمتشط الشّعثة، و تستحدّ المغيبة».(الفائق 1:264)

«خيار أمّتي أحدّاؤها»و هو جمع حديد،كأشدّاء في جمع شديد،و المراد الّذين فيهم حدّة و صلابة في الدّين.

(الفائق 1:265)

«صفيّة بنت أبي عبيد اشتكت عيناها و هي حادّ على ابن عمر زوجها،فلم تكتحل حتّى كادت عيناها ترمصان»حدّ تحدّ حدّا،و المعنى أحدّت،إذا تركت الزّينة بعد وفاة زوجها و هي حادّ،أي ذات حداد،أو شيء حادّ على المذهبين.(الفائق 1:267)

الطّبرسيّ: المحادّة:مجاوزة الحدّ بالمشاقّة،و هي و المخالفة و المجانبة و المعاداة نظائر،و أصله:المنع.

و المحادّة:ما يعتري الإنسان من النّزق،لأنّه يمنعه من الواجب.(3:43)

الحديد:ضدّ الكليل؛و الجمع:حداد.(4:346)

الحديد:الحادّ،مثل الحفيظ و الحافظ.(5:145)

المحادّة:المخالفة،و أصله من الحدّ،و هو المنع،و منه الحدّ:الحاجز بين الشّيئين.[ثمّ استشهد بشعر]

(5:246)

ابن الجوزيّ: و أصل الحدّ في اللّغة:المنع،و منه:

حدّ الدّار،و هو ما يمنع غيرها من الدّخول فيها.

و الحدّاد في اللّغة:الحاجب و البوّاب،و كلّ من منع شيئا فهو حدّاد.[ثمّ استشهد بشعر]

و أحدّت المرأة على زوجها،و حدّت،فهي حادّ، و محدّ،إذا قطعت الزّينة،و امتنعت منها.

و أحددت النّظر إلى فلان،إذا منعت نظرك من غيره.

و سمّي الحديد حديدا،لأنّه يمتنع به الأعداء.

(1:193)

ابن الأثير: حدد:فيه ذكر الحدّ و الحدود في غير موضع،و هي محارم اللّه و عقوباته الّتي قرنها بالذّنوب.

و أصل الحدّ:المنع و الفصل بين الشّيئين،فكأنّ حدود الشّرع فصلت بين الحلال و الحرام،فمنها ما لا يقرب كالفواحش المحرّمة،و منه قوله تعالى:

تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَقْرَبُوها البقرة:187،و منها ما لا يتعدّى كالمواريث المعيّنة،و تزويج الأربع.و منه قوله تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها البقرة 229.

و منه الحديث:«إنّي أصبت حدّا فأقمه عليّ»أي

ص: 132

أصبت ذنبا أوجب عليّ حدّا،أي عقوبة.

و منه حديث أبي العالية:«إنّ اللّمم ما بين الحدّين:

حدّ الدّنيا و حدّ الآخرة»يريد بحدّ الدّنيا:ما تجب فيه الحدود المكتوبة،كالسّرقة و الزّنى و القذف،و يريد بحدّ الآخرة:ما أوعد اللّه تعالى عليه العذاب كالقتل،و عقوق الوالدين،و أكل الرّبا.فأراد أنّ اللّمم من الذّنوب:ما كان بين هذين ممّا لم يوجب عليه حدّا في الدّنيا و لا تعذيبا في الآخرة.

و فيه«الحدّة تعتري خيار أمّتي»الحدّة كالنّشاط و السّرعة في الأمور و المضاء فيها،مأخوذ من حدّ السّيف.و المراد بالحدّة هاهنا:المضاء في الدّين و الصّلابة،و القصد في الخير.

و منه حديث عمر:«كنت أداري من أبي بكر بعض الحدّ»الحدّ و الحدّة سواء من الغضب،يقال:حدّ يحدّ حدّا و حدّة،إذا غضب.و بعضهم يرويه بالجيم،من الجدّ:

ضدّ الهزل.و يجوز أن يكون بالفتح من الحظّ.

و منه حديث خبيب:«أنّه استعار موسى ليستحدّ بها»لأنّه كان أسيرا عندهم و أرادوا قتله،فاستحدّ لئلاّ يظهر شعر عانته عند قتله.

و في حديث عبد اللّه بن سلام:«إنّ قومنا حادّونا لمّا صدّقنا اللّه و رسوله»المحادّة:المعاداة و المخالفة و المنازعة، و هي«مفاعلة»من الحدّ،كأنّ كلّ واحد منهما تجاوز حدّه إلى الآخر.

و منه الحديث في صفة القرآن«لكلّ حرف حدّ»أي نهاية،و منتهى كلّ شيء:حدّه.

و في حديث أبي جهل لمّا قال في خزنة النّار-و هم تسعة عشر-ما قال،قال له الصّحابة:«تقيس الملائكة بالحدّادين»يعني السّجّانين،لأنّهم يمنعون المحبّسين من الخروج.

و يجوز أن يكون أراد به صنّاع الحديد،لأنّهم من أوسخ الصّنّاع ثوبا و بدنا.(1:352)

القرطبيّ: الإحداد:ترك المرأة الزّينة كلّها،من اللّباس و الطّيب و الحليّ و الكحل،و الخضاب بالحنّاء ما دامت في عدّتها،لأنّ الزّينة داعية إلى الأزواج،فنهيت عن ذلك قطعا للذّرائع،و حماية لحرمات اللّه تعالى أن تنتهك،و ليس دهن المرأة رأسها بالزّيت و الشّيرج من الطّيب في شيء.يقال:امرأة حادّ و محدّ.(3:179)

الفيّوميّ: حدّت المرأة على زوجها تحدّ و تحدّ حدادا بالكسر فهي حادّ بغير هاء،و أحدّت إحدادا فهي محدّ و محدّة:إذا تركت الزّينة لموته.و أنكر الأصمعيّ الثّلاثيّ و اقتصر على الرّباعيّ.

و حددت الدّار حدّا من باب قتل:ميّزتها عن مجاوراتها بذكر نهاياتها.

و حددته حدّا:جلدته،و الحدّ في اللّغة:الفصل و المنع،فمن الأوّل:قول الشّاعر:

*جاعل الشّمس حدّا لا خفاء به*

و من الثّاني:حددته عن أمره إذا منعته،فهو محدود، و منه الحدود المقدّرة في الشّرع،لأنّها يمنع من الإقدام، و يسمّى الحاجب حدّادا،لأنّه يمنع من الدّخول.

و الحديد:معدن معروف،و صانعه:حدّاد،و اسم الصّناعة:الحدادة بالكسر.

و حدّ السّيف و غيره يحدّ من باب ضرب حدّة فهو

ص: 133

حديد و حادّ،أي قاطع ماض،و يعدّى بالهمزة و التّضعيف فيقال:أحددته،و في لغة يتعدّى بالحركة فيقال:حددته أحدّه من باب قتل.و سكّين حديد و حادّ،و أحددت إليه النّظر بالألف:نظرت متأمّلا.

(1:124)

الجرجانيّ: الحدّ:قول دالّ على ماهيّة الشّيء، و عند أهل اللّه:الفصل بينك و بين مولاك،كتعبّدك و انحصارك في الزّمان و المكان المحدودين.

الحدّ في اللّغة:المنع،و في الاصطلاح:قول يشتمل على ما به الاشتراك،و على ما به الامتياز.

الحدّ المشترك:جزء وضع بين المقدارين،يكون منتهى لأحدهما و مبتدأ للآخر،و لا بدّ أن يكون مخالفا لهما.

الحدّ التّامّ:ما يتركّب من الجنس و الفصل القريبين، كتعريف الإنسان بالحيوان النّاطق.

الحدّ النّاقص:ما يكون بالفصل القريب و حده أو به و بالجنس البعيد،كتعريف الإنسان بالنّاطق أو بالجسم النّاطق.

الحدود:جمع حدّ،و هو في اللّغة:المنع،و في الشّرع:

هي عقوبة مقدّرة وجبت حقّا للّه تعالى.

حدّ الإعجاز هو أن يرتقي الكلام في بلاغته إلى أن يخرج عن طوق البشر،و يعجزهم عن معارضته.(37)

الفيروزآباديّ: الحدّ:الحاجز بين شيئين، و منتهى الشّيء،و من كلّ شيء:حدّته.

و منك:بأسك،و من الشّراب:سورته.

و الدّفع،و المنع كالحدد،و تأديب المذنب بما يمنعه و غيره من الذّنب،و ما يعتري الإنسان من الغضب و النزق كالحدّة،و قد حددت عليه أحدّ،و تمييز الشّيء عن الشّيء.

و داري حديدة داره و محادّتها:حدّها كحدّها.

و الحديد:معروف؛جمعه:حدائد و حديدات.

و الحدّاد:معالجه،و السّجّان،و البوّاب،و البحر، و نهر.

و الاستحداد:الاحتلاق بالحديد.

و حدّ السّكّين و أحدّها و حدّدها:مسحها بحجر أو مبرد،فحدّت تحدّ حدّة،و احتدّت فهي حديد.

و حداد كغراب و رمّان؛جمعه:حديدات و حدائد و حداد.

و ناب حديد و حديدة،و رجل حديد و حداد من أحدّاء و أحدّة و حداد:يكون في اللّسن و الفهم و الغضب.

و حدّ عليه يحدّ حددا و حدّد و احتدّ و استحدّ:

غضب.

و حادّه:غاضبه و عاداه و خالفه.

و ناقة حديدة الجرّة:يوجد منها رائحة حادّة،أي ذكيّة.و حدّد الزّرع تحديدا:تأخّر خروجه لتأخّر المطر، و إليه و له:قصد.

و حداد حدّيه كقطام:كلمة تقال لمن تكره طلعته.

و المحدود:المحروم و الممنوع من الخير كالحدّ بالضّمّ، و عن الشّرّ.

و الحادّ و المحدّ:تاركة الزّينة للعدّة،حدّت تحدّ و تحدّ حدّا و حدادا،و أحدّت.

و أبو الحديد:رجل من الحروريّة.و أمّ الحديد:

ص: 134

امرأة كهدل.

و حدّ بالضّمّ:موضع.

و الحدّة:الكثبة و الصّبّة.

و دعوة حدد محرّكة:باطلة.

و حدادتك:امرأتك.

و حدادك تفعل كذا:قصاراك.

و ما لي عنه محدّ و محتدّ،أي بدّ و محيد.(1:296)

مجمع اللّغة :1-الحدّ:الحاجز المانع بين الشّيئين؛ و جمعه:حدود.

و سمّيت أحكام اللّه و شرائعه حدودا،لمنعها عن التّخطّي إلى ما وراءها.

2-حدّ السّيف حدّة:كان مشحوذا فهو حديد.

و يقال:بصر حديد،أي نافذ.

و حدّ بصره إلى الشّيء يحدّه:حدّقه،و يلزم عادة من حدّ البصر:نفاذ النّظر.

3-و الحديد هو المعدن المعروف.

4-حدّ الشّيء يحدّ فهو حادّ و حديد:صار قاطعا مشحوذا،و يقال:سيف حديد و سيوف حداد،أي قاطعة ماضية؛و بها شبّهت الألسنة فقيل:«ألسنة حداد».

5-حادّه يحادّه محادّة:عاداه و خالفه و نازعه،و هو «مفاعلة»من الحدّ،كأنّ كلاّ منهما في حدّ و جانب يقابل حدّ الآخر و جانبه.(1:241)

نحوه ملخّصا محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:125)

العدنانيّ: امرأة حادّ.

و يقولون:جارتنا حادّة،لأنّ زوجها مات منذ أسبوعين.

و الصّواب:جارتنا حادّ على زوجها،أي تلبس الحداد؛و الجمع:حوادّ،أو:هي محدّ أو محدّة.

و الفعل هو:حدّت تحدّ أو تحدّ حدّا و حدادا على زوجها.

أو:أحدّت إحدادا،فهي محدّ.

(معجم الأخطاء الشّائعة:62)

محمود شيت:حدّ السّيف و نحوه حدّة:صار قاطعا،و الرّائحة:زكت و اشتدّت،و حدّ الرّجل:نشط و قوي قلبه،و على غيره:غضب و أغلظ القول.

و حدّ السّيف و نحوه:شحذه،و بصره إليه:نظر إليه نظرة انتباه،و الأرض:وضع فاصلا بينها و بين ما يجاورها،و الجاني:أقام عليه الحدّ.

حادّت الأرض الأرض:شاركتها في حدّها،و يقال:

حادّ فلان فلانا:جاوره.

و حادّه:غاضبه و عصاه.

حدّد على الشّيء:أقام له حدّا،و على فلان:منعه من حرّيّة التّصرّف.[ثمّ قال نحو مجمع اللّغة و أضاف:]

المحدود:القليل الحظّ.

حدّد المناطق الدّفاعيّة:أقام لها حدودا.

الحدادة:قسم الحدادة في معامل الجيش:القسم الّذي يعالج الحديد.

الحدّاد:من أرباب الحرف في المعامل العسكريّة و غيرها.(1:173)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الحدّة و الشّدّة.

و الحدّة تختلف باختلاف الموضوعات،فيقال في حدّ

ص: 135

الشّراب:سورته،و في حدّ السّيف:شحذه،و في حدّ النّظر:نفوذه،و في الحدّ على الزّوج:ترك التّزيّن له،و في الحدّ على شخص:الغضب عليه،و في حدود الدّار:

مميّزاتها و مشخّصاتها،و في محدوديّة الرّجل:ممنوعيّته من جهة أو جهات.

و رجل حادّ:ذو بأس و شدّة،و الحديد:لكونه ذا حدّة و سورة و شدّة في نفسه،و سكّين حديد:قاطع، و لسان حديد؛و الجمع:حداد،أي شديد نافذ حادّ.

و حدود اللّه تعالى:أحكامه و نواهيه الشّديدة القاطعة الّتي فيها حدّة و بأس و سورة.

و حادّه يحادّه من«المفاعلة»:تدلّ الصّيغة على الاستمرار و المداومة،أي من يعمل بالشّدّة و الحدّة و الصّلابة و الخشونة،خلاف اللّينة و الخضوع و الرّحمة و العطوفة.

فظهر أنّ ترجمة المادّة بالمنع و الغضب و الانتهاء و الحاجز و الحرمة و المخالفة و الطّرف و غيرها:كلّها على خلاف التّحقيق،و أنّها معان مجازيّة،و من لوازم الأصل و مصاديقه.

فالأصل الواحد المحفوظ في الموارد كلّها،هو«الحدّة» و يعبّر عنها في الفارسيّة بكلمة«تندي».

ثمّ إنّ الحدّة في الحادّ متحقّقة من جانب الفاعل،و في المحدود متوجّهة إلى جانب المفعول،فهو واقع محاطا بالحدّ.(2:190)

النّصوص التّفسيريّة

حادّ

...يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ... المجادلة:22

راجع:«و د د»(يوادّون).

يحادد

أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ التّوبة:63

ابن عبّاس: يخالف اللّه و رسوله في السّرّ.(160)

مثله الكلبيّ.(الماورديّ 2:378)

أبو عبيدة :أي من يحارب اللّه و يشاقق اللّه و رسوله.(1:263)

الطّبريّ: أنّه من يحارب اللّه و رسوله،و يخالفهما، فيناوئهما بالخلاف عليهما.(10:170)

الزّجّاج: معناه من يعادي اللّه و رسوله،و من يشاقق اللّه و رسوله.

و اشتقاقه من اللّغة،كقولك:من يجانب اللّه و رسوله،أي من يكون في حدّ،و اللّه و رسوله في حدّ.

(2:458)

نحوه البغويّ(2:365)،و ابن عطيّة(3:54)،و ابن الجوزيّ(3:462)،و القرطبيّ(8:194)،و النّيسابوريّ (10:120)،و الخازن(3:95)،و ابن كثير(3:415)، و أبو السّعود(3:165)،و الكاشانيّ(2:354)، و البروسويّ(3:458)،و حسنين مخلوف(325).

أبو مسلم الأصفهانيّ: أنّها معاداتها،مأخوذ من حديد السّلاح،لاستعماله في المعاداة.

(الماورديّ 2:378)

الرّمّانيّ: مجاوزة حدودها.(الماورديّ 2:378)

الطّوسيّ: يقول اللّه تعالى على وجه التّهديد

ص: 136

و التّقريع و التّوبيخ لهؤلاء المنافقين: أَ لَمْ يَعْلَمُوا أي أو ما علموا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللّهَ أي يجاوز حدود اللّه الّتي أمر المكلّفين أن لا يتجاوزوها.فالمحادّة:مجاوزة الحدّ بالمشاقّة،و مثله المباعدة،و المعنى مصيرهم في حدّ غير حدّ أولياء اللّه.فالمخالفة و المحادّة و المجانبة و المعاداة نظائر في اللّغة.(5:290)

نحوه الواحديّ(2:507)،و الطّبرسيّ(3:45)، و الفخر الرّازيّ(16:120)،و شبّر(3:90)،و القاسميّ (8:3192)،و الطّباطبائيّ(9:317).

الزّمخشريّ: المحاداة:«مفاعلة»من الحدّ كالمشاقّة من الشّقّ.(2:199)

مثله البيضاويّ(1:421)،و النّسفيّ(2:133).

أبو حيّان :[ذكر الأقوال ثمّ قال:]

و هذه أقوال متقاربة.(5:64)

نحوه السّمين(3:480)،و الشّربينيّ(1:627).

الآلوسيّ: [نحو الزّجّاج ثمّ قال:]

و يحتمل أن تكون من الحدّ بمعنى المنع.

(10:129)

رشيد رضا :الاستفهام هنا للتّوبيخ و إقامة الحجّة، و المحادّة«مفاعلة»من الحدّ،و هو طرف الشّيء، كالمشاقّة من الشّقّ،و هو بالكسر:الجانب و نصف الشّيء المنشقّ منه،و كلاهما بمعنى المعاداة،من«العدوة» و هي بالضّمّ:جانب الوادي،لأنّ العدوّ يكون في غاية البعد عمّن يعاديه عداء البغض و الشّنآن؛بحيث لا يتزاوران و لا يتعاونان،فشبّه بمن يكون كلّ منهما في حدّ و شقّ و عدوة،كما يقال:هما على طرفي نقيض، و كذلك المنافقون يكونون في الحدّ و الجانب المقابل للجانب الّذي يحبّه اللّه لعباده و الرّسول لأمّته،من الحقّ و الخير و العمل الصّالح و لا سيّما الجهاد بالمال و النّفس للدّفاع عن الملّة و الأمّة،و إعلاء شأنهما.

و العاصي و إن خالف أمر اللّه و رسوله و نهيهما في بعض الأمور لا ينتهي إلى هذه الغاية أو العدوة في البعد عنهما،فليس في الآية حجّة لمن يكفّرون العصاة.

و المعنى:أ لم يعلم هؤلاء المنافقون أنّ الشّأن و الأمر الثّابت الحقّ هو:من يعادي اللّه و رسوله بتعدّي حدود اللّه،أو يلمز الرّسول في أعماله كقسمة الصّدقات،أو أخلاقه و شمائله.(10:524)

نحوه المراغيّ.(10:150)

المصطفويّ: أي من يعمل عملا حادّا و بالشّدّة و الخشونة.(2:191)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ... المجادلة:5.

حداد

...فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ...

الأحزاب:19

ابن عبّاس: ذربة سليطة أشحّة على الخير،بخيلة بالنّفقة في سبيل اللّه.(352)

استقبلوكم.(الطّبريّ 21:141)

الفرّاء: ذربة.(2:339)

و جاء نحوه في أكثر التّفاسير.

الطّبريّ: عضّوكم بألسنة ذربة.و يقال للرّجل

ص: 137

الخطيب:الذّرب اللّسان.(21:141)

البغويّ: ذربة؛جمع حديد،يقال للخطيب الفصيح:الذّرب اللّسان.(3:623)

الخازن :أي ذربة تفعل كفعل الحديد.(5:202)

الشّربينيّ: ذربة قاطعة فصيحة،بعد أن كانت عند الخوف في غاية اللّجلجة،لا تقدر على الحركة من قلّة الرّيق و يبس الشّفاه،و هذا الطّلب العرض الفاني من الغنيمة و غيرها.(3:232)

أبو السّعود :و قالوا:وفّروا قسمتنا فإنّا قد شاهدناكم و قاتلنا معكم،و بمكاننا غلبتم عدوّكم،و بنا نصرتم عليه.(5:217)

الطّباطبائيّ: ضربوكم و طعنوكم بألسنة حداد قاطعة.(16:288)

بنت الشّاطئ: أمّا(حداد)فوحيدة الصّيغة، و جاء من المادّة:(حديد)ستّ مرّات،و حُدُودُ اللّهِ ثلاث عشرة مرّة.كما جاء الفعل(حادّ)ماضيا مرّة، و مضارعا مرّتين.[بل ثلاث مرّات]و ملحظ الحدّة و العنف واضح في بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ، و في لجج المحادّة و لدد الجدل.و في(الحديد)ظاهرة القوّة،و في حُدُودُ اللّهِ ما يعطيها قوّة المنازعة و الحرمة.(355)

عبد الكريم الخطيب :«الألسنة الحداد»أي الألسنة المسعورة الجارحة،الذّلقة في الحديث.

فالمنافقون أحدّ النّاس ألسنة،و أكثرهم قولا،و أقلّهم فعلا.(11:675)

مكارم الشّيرازيّ: «الألسنة الحداد»تعني الجارحة المؤذية،و هي هنا كناية عن الخشونة في الكلام.

(13:178)

فضل اللّه :فوجّهوا إلى النّبيّ و المؤمنين الكلام الحادّ السّليط الّذي لا يرتكز على قاعدة،و لا يخضع لحقّ، انطلاقا من حقدهم و غرورهم و نفاقهم الّذي يوزّع مواقفه على مصالحه و شهواته.(18:279)

حديد

فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ. ق:22

ابن عبّاس: حادّ،و يقال:فعلمك اليوم نافذ في البعث.(439)

هو خاصّ في الكافر أي فأنت اليوم عالم بما كنت تنكره في الدّنيا.(الطّبرسيّ 5:146)

يعاين ما يصير إليه من ثواب و عقاب.

(القرطبيّ 17:15)

مجاهد :يعني نظرك إلى لسان ميزانك حين توزن حسناتك و سيّئاتك.(البغويّ 4:274)

مثله الضّحّاك.(القرطبيّ 17:15)

الحسن :العمل الّذي كان يعمله في الدّنيا.

(الماورديّ 5:349)

قتادة :عاين الآخرة فنظر إلى ما وعده اللّه،فوجده كذلك.(الدّرّ المنثور 6:106)

مقاتل:شاخص لا يطرف لمعاينة الآخرة.

(ابن الجوزيّ 8:14)

ابن زيد :لقد كنت في غفلة من هذا الأمر يا محمّد، كنت مع القوم في جاهليّتهم فَكَشَفْنا....

(الطّبريّ 26:164)

ص: 138

1Lالفرّاء: يقول:قد كنت تكذّب،فأنت اليوم عالم نافذ البصر،و البصر هاهنا:هو العلم ليس بالعين.

(3:78)

ابن قتيبة :أي حادّ،كما يقال:حافظ و حفيظ.

(419)

الطّبريّ: [ذكر الأقوال في المقول ذلك له و أضاف:]و على هذا التّأويل الّذي قاله ابن زيد،يجب أن يكون هذا الكلام خطابا من اللّه لرسوله صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان في غفلة في الجاهليّة من هذا الدّين الّذي بعثه به،فكشف عنه غطاءه الّذي كان عليه في الجاهليّة،فنفذ بصره بالإيمان و تبيّنه،حتّى تقرّر ذلك عنده،فصار حادّ البصر به.[إلى أن قال:]

يقول:فأنت اليوم نافذ البصر،عالم بما كنت عنه في الدّنيا في غفلة،و هو من قولهم:فلان يصير بهذا الأمر، إذا كان ذا علم به،و له بهذا الأمر بصر،أي علم.

و قد روي عن الضّحّاك أنّه قال:معنى ذلك:

فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ لسان الميزان.

و أحسبه أراد بذلك أنّ معرفته و علمه بما أسلف في الدّنيا شاهد عدل عليه،فشبّه بصره بذلك بلسان الميزان،الّذي يعدل به الحقّ في الوزن،و يعرف مبلغه الواجب لأهله،عمّا زاد على ذلك أو نقص،فكذلك علم من وافى القيامة بما اكتسب في الدّنيا شاهد عليه كلسان الميزان.(26:164)

الزّجّاج: أي فعلمك بما أنت فيه نافذ،ليس يراد بهذا البصر من بصر العين،كما تقول:فلان بصير بالنّحو و الفقه،تريد عالما بهما،و لم ترد بصر العين.(5:45)

الرّمّانيّ: (حديد)مشتقّ من:الحدّ،و معناه منيع من الإدخال في الشّيء ما ليس منه،و الإخراج عنه ما هو منه،و ذلك في صفة رؤيته للأشياء في الآخرة.

(الطّوسيّ 9:366)

الماورديّ: و في المراد بالبصر هنا وجهان:

أحدهما:بصيرة القلب،لأنّه يبصر بها من شواهد الأفكار،و نتائج الاعتبار ما تبصر العين ما قابلها من الأشخاص و الأجسام،فعلى هذا في قوله:حديد:

تأويلان:أحدهما:سريع كسرعة مور الحديد،الثّاني:

صحيح كصحّة قطع الحديد.

الوجه الثّاني:أنّ المراد به بصر العين و هو الظّاهر، فعلى هذا في قوله:حديد:تأويلان:أحدهما:شديد، قاله الضّحّاك،الثّاني:بصير،قاله ابن عبّاس.

و ما ذا يدرك البصر؟فيه خمسة أوجه:أحدها:

يعاين الآخرة،قاله قتادة.

الثّاني:لسان الميزان،قاله الضّحّاك.

الثّالث:ما يصير إليه من ثواب أو عقاب،و هو معنى قول ابن عبّاس.

الرّابع:ما أمر به من طاعة و حذّره من معصية،و هو معنى قول ابن زيد.

الخامس:[و هو قول الحسن](5:349)

الطّوسيّ: معناه:إنّ عينك حادّة النّظر لا يدخل عليها شكّ و لا شبهة.(9:366)

مثله الطّبرسيّ.(5:46)

الواحديّ: فأنت اليوم عالم نافذ البصر،تبصر ما كنت تنكر في الدّنيا.(4:167)

ص: 139

نحوه البغويّ.(4:274)

الزّمخشريّ: و قرئ (لقد كنت عنك غطاءك فبصرك) بالكسر على خطاب النّفس:أي يقال لها:لقد كنت جعلت الغفلة كأنّها غطاء غطّي به جسده كلّه،أو غشاوة غطّي بها عينيه فهو لا يبصر شيئا،فإذا كان يوم القيامة تيقّظ و زالت الغفلة عنه و غطاؤها،فيبصر ما لم يبصره من الحقّ،و رجع بصره الكليل عن الإبصار لغفلته حديدا لا لتيقّظه. (1)(4:7)

نحوه النّسفيّ.(4:178)

ابن عطيّة: و قال صالح بن كيسان و الضّحّاك و ابن عبّاس:معنى قوله: لَقَدْ كُنْتَ أي يقال للكافر الغافل من ذوي النّفس الّتي معها السّائق و الشّهيد،إذا حصل بين يدي الرّحمن و عاين الحقائق الّتي لا يصدّق بها في الدّنيا و يتغافل عن النّظر فيها: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا، فلمّا كشف الغطاء عنك الآن احتدّ بصرك أي بصيرتك،و هذا كما تقول:فلان حديد الذّهن و الفؤاد و نحوه.

و قال مجاهد: هو بصر العين إذا احتدّ التفاته إلى ميزانه،و غير ذلك من أهوال القيامة.

و قال زيد بن أسلم:قوله تعالى: ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ق:19،و قوله: لَقَدْ كُنْتَ الآية،مخاطبة لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله،و المعنى أنّه خوطب بهذا في الدّنيا،أي لقد كنت يا محمّد في غفلة من معرفة هذا القصص و الغيب حتّى أرسلناك و أنعمنا عليك و علّمناك فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ.

و هذا التّأويل يضعف من وجوه:أحدها:أنّ الغفلة إنّما تنسب أبدا إلى مقصّر،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله لا تقصير له قبل بعثه و لا بعده.

و ثان:أنّ قوله بعد هذا: وَ قالَ قَرِينُهُ يقتضي أنّ الضّمير إنّما يعود على أقرب مذكور،و هو الّذي يقال له:

فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ و إن جعلناه عائدا على«ذي النّفس»في الآية المتقدّمة جاء هذا الاعتراض لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم بين الكلامين غير متمكّن،فتأمّله.

و ثالث:أنّ معنى توقيف الكافر و توبيخه على حاله في الدّنيا يسقط،و هو أحرى بالآية و أولى بالرّصف.

و الوجه عندي ما قاله الحسن و سالم بن عبد اللّه:إنّها مخاطبة للإنسان«ذي النّفس»المذكورة من مؤمن و كافر.

(5:162)

ابن الجوزيّ: و في المراد بالبصر قولان:أحدهما:

البصر المعروف،قاله الضّحّاك.الثّاني:العلم،قاله الزّجّاج.

و في قوله:اليوم:قولان:أحدهما:أنّه يوم القيامة،قاله الأكثرون.و الثّاني:أنّه في الدّنيا،و هذا على قول ابن زيد.

فأمّا قوله:حديد:فقال ابن قتيبة:الحديد بمعنى الحادّ،أي فأنت ثاقب البصر،ثمّ فيه ثلاثة أقوال:

أحدها:فبصرك حديد إلى لسان الميزان حين توزن حسناتك و سيّئاتك،قاله مجاهد.

و الثّاني:أنّه شاخص لا يطرف لمعاينة الآخرة،قاله مقاتل.

و الثّالث:أنّه العلم النّافذ،قاله الزّجّاج.(8:14)ّ.

ص: 140


1- هكذا،الصّحيح«لتيقّظه»بدون«لا»كما ذكرها النّسفيّ.

الفخر الرّازيّ: و كان من قبل كليلا،و قرينك حديدا،و كان في الدّنيا خليلا،و إليه الإشارة.

(28:165)

القرطبيّ: قيل:يراد به بصر القلب،كما يقال:هو بصير بالفقه.فبصر القلب و بصيرته:تبصرته شواهد الأفكار و نتائج الاعتبار،كما تبصر العين ما قابلها من الأشخاص و الأجسام.

و قيل:المراد به بصر العين و هو الظّاهر،أي بصر عينك اليوم حديد،أي قويّ نافذ يرى ما كان محجوبا عنك.[و نقل قول مجاهد و الضّحّاك و ابن عبّاس ثمّ قال:]

و قيل:يعني أنّ الكافر يحشر و بصره حديد،ثمّ يزرق و يعمى.(17:15)

البيضاويّ: نافذ لزوال المانع للإبصار.و قيل:

الخطاب للنّبيّ عليه الصّلاة و السّلام،و المعنى كنت في غفلة من أمر الدّيانة فكشفنا عنك غطاء الغفلة بالوحي و تعليم القرآن،فبصرك اليوم حديد ترى ما لا يرون، و تعلم ما لا يعلمون.و يؤيّد الأوّل قراءة من كسر التّاء، و الكافات على خطاب النّفس.(2:415)

النّيسابوريّ: غير كليل متيقّظ،غير نائم.

(26:79)

الخازن :أي قويّ ثابت نافذ،تبصر ما كنت تتكلّم به[في]الدّنيا.و قيل:ترى ما كان محجوبا عنك.

(6:196)

أبو حيّان : لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا أي من عاقبة الكفر،فلمّا كشف الغطاء عنك احتدّ بصرك،أي بصيرتك،و هذا كما تقول:فلان حديد الذّهن.(8:125)

ابن كثير:أي قويّ،لأنّ كلّ أحد يوم القيامة يكون مستبصرا،حتّى الكفّار في الدّنيا يكونون يوم القيامة على الاستقامة،لكن لا ينفعهم ذلك.(6:403)

الشّربينيّ: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ أي بعد البعث حَدِيدٌ أي في غاية الحدّة و النّفوذ،فلذا تقرّ بما كنت تنكر في الدّنيا.[و نقل قول مجاهد ثمّ قال:]

و المعنى أزلنا غفلتك،فبصرك اليوم حديد و كان من قبل كليلا.(4:85)

أبو السّعود :نافذ لزوال المانع للإبصار.(6:127)

مثله الكاشانيّ(5:61)،و المراغيّ(26:159)

البروسويّ: أي نافذ،و بالفارسيّة«تيز است».

تبصر ما كنت تنكره و تستبعده في الدّنيا لزوال المانع للإبصار و لكن لا ينفعك،و هذا كقوله: أَسْمِعْ بِهِمْ وَ أَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا مريم:38،يقال:حددت السّكّين:رقّقت حدّها،ثمّ يقال لكلّ حاذق في نفسه من حيث الخلقة أو من حيث المعنى كالبصر و البصيرة:

حديد.فيقال:هو حديد النّظر،و حديد الفهم،و يقال:

لسان حديد،نحو لسان صارم و ماض؛و ذلك إذا كان يؤثّر تأثير الحديد.

و في الآية إشارة إلى أنّ الإنسان و إن خلق من عالمي الغيب و الشّهادة،فالغالب عليه في البداية الشّهادة و هي العالم الحسّيّ،فيرى بالحواسّ الظّاهرة العالم المحسوس مع اختلاف أجناسه،و هو بمعزل عن إدراك عالم الغيب.فمن النّاس من يكشف اللّه غطاءه عن بصر بصيرته،فيجعل بصره حديدا يبصر رشده و يحذر شرّه،و هم المؤمنون من أهل السّعادة.و منهم من

ص: 141

يكشف اللّه عن بصر بصيرته يوم القيامة يوم لا ينفع نفسا إيمانها،و هم الكفّار من أهل الشّقاوة.[ثمّ استشهد بشعر](9:122)

شبّر:حادّ:نافذ لا يحجبه شيء.(6:72)

مثله سيّد قطب.(6:3364)

الآلوسيّ: فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ الغطاء:

الحجاب المغطّى لأمور المعاد،و هو الغفلة و الانهماك في المحسوسات و الإلف بها،و قصر النّظر عليها.و جعل ذلك غطاء مجازا،و هو إمّا غطاء الجسد كلّه أو العينين، و على كليهما يصحّ قوله تعالى: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ.

أي نافذ لزوال المانع للإبصار،أمّا على الثّاني فظاهر،و أمّا على الأوّل فلأنّ غطاء الجسد كلّه غطاء للعينين أيضا،فكشفه عنه يستدعي كشفه عنهما.

و زعم بعضهم أنّ الخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و المعنى كنت في غفلة من هذا الّذي ذكرناه من أمر النّفخ و البعث،و مجيء كلّ نفس معها سائق و شهيد و غير ذلك،فكشفنا عنك غطاء الغفلة بالوحي و تعليم القرآن،فبصرك اليوم حديد ترى ما لا يرون و تعلم ما لا يعلمون.و لعمري أنّه زعم ساقط لا يوافق السّباق و لا السّياق.

و في«البحر»و عن زيد بن أسلم قول في هذه الآية يحرم نقله،و هو في كتاب ابن عطيّة،انتهى.

و لعلّه أراد به هذا لكن في دعوى«حرمة النّقل» بحث.

و قرأ الجحدريّ،و طلحة بن مصرّف بكسر الكافات الثّلاثة،أعني كاف(عنك)و ما بعده،على خطاب النّفس.و لم ينقل صاحب«اللّوامح»الكسر في الكاف إلاّ عن طلحة،و قال:لم أجد عنه في(لقد كنت) الكسر،فإن كسر فيه أيضا فذاك،و إن فتح يكون قد حمل ذلك على لفظ(كلّ)و حمل الكسر فيما بعده على معناه لإضافته إلى(نفس)و هو مثل قوله تعالى: فَلَهُ أَجْرُهُ و قوله سبحانه بعده: وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ.

(26:184)

مجمع اللّغة :تمثيل يراد به إثبات التّيقّظ يومئذ، و إدراك الأمور على حقائقها بعد انكشاف الحجب عن العقول.(1:241)

عزّة دروزة :حادّ قويّ الإبصار.(2:35)

مغنيّة:هذا إشارة إلى يوم الحساب و الجزاء،أمّا البصر الحديد فالمراد به:أنّ الحقيقة تتجلّى عند الموت و بعده لمنكر البعث،فيعرف ما أنكر و ينكر ما عرف...

(7:133)

الطّباطبائيّ: فَبَصَرُكَ و هو البصيرة و عين القلب، اَلْيَوْمَ و هو يوم القيامة، حَدِيدٌ أي نافذ يبصر ما لم يكن يبصره في الدّنيا.

و يتبيّن بالآية أوّلا:أنّ معرّف يوم القيامة أنّه يوم ينكشف فيه غطاء الغفلة عن الإنسان فيشاهد حقيقة الأمر،و في هذا المعنى و ما يقرب منه آيات كثيرة،كقوله تعالى: وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ الانفطار:19،و قوله:

لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ المؤمن:16،إلى غير ذلك من الآيات.

و ثانيا:أنّ ما يشاهده الإنسان يوم القيامة موجود مهيّأ له و هو في الدّنيا،غير أنّه في غفلة منه،و خاصّة يوم

ص: 142

القيامة أنّه يوم انكشاف الغطاء و معاينة ما وراءه؛و ذلك لأنّ الغفلة إنّما يتصوّر فيما يكون هناك أمر موجود مغفول عنه،و الغطاء يستلزم أمرا وراءه و هو يغطّيه و يستره، و عدم حدّة البصر إنّما ينفع فيما إذا كان هناك مبصر دقيق لا ينفذ فيه البصر.

و من أسخف القول ما قيل:إنّ الآية خطاب منه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله،و المعنى لقد كنت قبل الرّسالة في غفلة من هذا الّذي نوحي إليك،فكشفنا عنك غطاءك، فبصرك اليوم حديد يدرك الوحي أو يبصر ملك الوحي،فيتلقّى الوحي؛و ذلك لأنّ السّياق لا يساعده، و لا لفظ الآية ينطبق عليه.(18:350)

عبد الكريم الخطيب :لقد كشف عنك غطاء الغفلة الّذي كان مضروبا على بصرك،فبصرك اليوم حديد،أي قويّ يرى كلّ ما بين يديك و ما خلفك، فالحديد من الحدّة،و هي القوّة،و حدّ السّيف:الجانب القاطع منه.(13:482)

المصطفويّ: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ و أوّل الآية فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فإنّ التّعلّقات المادّيّة و الحجب الظّلمانيّة الدّنيويّة ترتفع في عالم الآخرة و يحصل التّجرّد،فيقوى البصر،كما أنّ من انقطع عن علائق الدّنيا و توجّه إلى عالم الآخرة،و تنوّر قلبه بنور الإيمان و اليقين و تحصّل له التّجرّد و الخلوص،يكون بصره حديدا و نافذا.(2:192)

مكارم الشّيرازيّ: ...إلاّ أنّ الغرق في بحر الطّبيعة و الابتلاء بأنواع الحجب لا يسمحان للإنسان أن يرى الحقائق بصورة واضحة،لكنّه في يوم القيامة حيث تنقطع كلّ هذه العلائق،فمن البديهيّ أن يحصل للإنسان إدراك جديد و نظرة ثاقبة و أساسا،فإنّ يوم القيامة يوم الظّهور و بروز الحقائق.

حتّى في هذه الدّنيا لو أمكن أن يخلص بعض أنفسهم من قبضة الأسر و اتّباع الشّهوات،و أن يلقوا الحجب عن عيون قلوبهم لرزقوا بصرا حديدا يرون به الحقائق، أمّا أبناء الدّنيا فمحرومين منه.

و ينبغي الالتفات إلى هذه اللّطيفة:و هي أنّ الحديد معناه نوع من المعدن،و هو ما يسمّى بالمصطلح الغربيّ Ieets ستيل،كما يطلق على السّيف و المدية،ثمّ توسّعوا فيه فأطلقوه على حدّة البصر و حدّة الذّكاء.و من هنا يظهر أنّ المراد بالبصر ليس العين الحقيقيّة الظّاهرة بل بصر العقل و القلب.(17:35)

فضل اللّه :لا يخفى عليك أيّ شيء تحتاج إلى رؤيته، لأنّ الوضوح في قضايا الآخرة لجهة حساب الثّواب و العقاب،و لجهة المصير في رضوان اللّه و سخطه، و يفرض نفسه بحيث لا يترك مجالا للتّعلّل بأيّ خفاء في الحقيقة،في ما يعتذر به الشّاكّون أو الجاحدون،من عدم الوضوح.(21:181)

حدود

1- ...وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَقْرَبُوها... البقرة:187

ابن عبّاس: تلك المباشرة معصية اللّه.(26)

مثله الضّحّاك(الطّبريّ 2:182)،و نحوه مقاتل (ابن كثير 1:397).

ص: 143

شهر بن حوشب:فرائضه.(أبو حيّان 2:54)

الحسن :حرمات اللّه.(الطّبرسيّ 1:281)

السّدّيّ: شروطه.(142)

الطّبريّ: يعني تعالى ذكره بذلك الأشياء الّتي بيّنها من الأكل و الشّرب و الجماع في شهر رمضان نهارا،في غير عذر،و جماع النّساء في الاعتكاف في المساجد.

يقول:هذه الأشياء حدّدتها لكم،و أمرتكم أن تجتنبوها في الأوقات الّتي أمرتكم أن تجتنبوها،و حرّمتها فيها عليكم،فلا تقربوها،و أبعدوا منها أن تركبوها، فتستحقّوا بها من العقوبة ما يستحقّه من تعدّى حدودي،و خالف أمري،و ركب معاصيّ.

و كان بعض أهل التّأويل يقول: حُدُودُ اللّهِ:

شروطه؛و ذلك معنى قريب من المعنى الّذي قلنا:غير أنّ الّذي قلنا في ذلك أشبه بتأويل الكلمة؛و ذلك أنّ حدّ كلّ شيء:ما حصره من المعاني،و ميّز بينه و بين غيره، فقوله: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ من ذلك،يعني به المحارم الّتي ميّزها من الحلال المطلق،فحدّدها بنعوتها و صفاتها، و عرّفها عباده.(2:182)

نحوه الواحديّ ملخّصا(1:288)،و البغويّ(1:

232)،و النّسفيّ(1:96)،و النّيسابوريّ(2:131)، و ابن كثير(1:397)،و رشيد رضا(2:178).

الزّجّاج: معنى الحدود:ما منع اللّه عزّ و جلّ من مخالفتها.(1:257)

الماورديّ: أي ما حرّم،و في تسميتها حدود اللّه وجهان:أحدهما:لأنّ اللّه تعالى حدّها بالذّكر و البيان، و الثّاني:لما أوجبه في أكثر المحرّمات من الحدود.

(1:248)

الطّوسيّ: يعني ما بيّن لهم من الأدلّة على ما أمرهم به،و نهاهم عنه،لكي يتّقوا معاصي،و تعدّي حدوده الّتي أمرهم اللّه بها،و نهاهم عنها،و أباحهم إيّاها.و في ذلك دلالة على أنّه تعالى أراد التّقوى من جميع النّاس، الّذين بيّن لهم هذه الحدود.(2:137)

الرّاغب: أي أحكامه،و قيل:حقائق معانيه.

و جميع حدود اللّه على أربعة (1)أوجه:إمّا شيء لا يجوز أن يتعدّى بالزّيادة عليه و لا القصور عنه كأعداد ركعات صلاة الفرض،و إمّا شيء تجوز الزّيادة عليه و لا يجوز النّقصان عنه،و إمّا شيء يجوز النّقصان عنه و لا تجوز الزّيادة عليه.(109)

الزّمخشريّ: (تلك)الأحكام الّتي ذكرت حُدُودُ اللّهِ فَلا تَقْرَبُوها فلا تغشوها.

فإن قلت:كيف قيل: فَلا تَقْرَبُوها مع قوله:

فَلا تَعْتَدُوها وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ البقرة:229.؟

قلت:من كان في طاعة اللّه و العمل بشرائعه فهو متصرّف في حيّز الحقّ،فنهى أن يتعدّاه،لأنّ من تعدّاه وقع في حيّز الباطل.ثمّ بولغ في ذلك فنهى أن يقرب الحدّ الّذي هو الحاجز بين حيّزي الحقّ و الباطل لئلاّ يداني الباطل،و أن يكون في الواسطة متباعدا عن الطّرف فضلا عن أن يتخطّاه،كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ لكلّ ملك حمى،و حمى اللّه محارمه،فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه».فالرّتع حول الحمى و قربان حيّزه واحد.

و يجوز أن يريد ب(حدود اللّه):محارمه و مناهيه،ه!

ص: 144


1- و قد ذكر ثلاثة أوجه!

خصوصا لقوله: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ و هي حدود لا تقرب.(1:340)

نحوه البيضاويّ(1:103)،و البروسويّ(1:

301)،و الشّربينيّ(1:125)،و أبو السّعود(1:244).

ابن عطيّة: الحدود:الحواجز بين الإباحة و الحظر،و منه قيل للبوّاب:حدّاد لأنّه يمنع،و منه الحادّ، و هي المرأة الممتنعة من الزّينة.(1:259)

الطّبرسيّ: (تلك)إشارة إلى الأحكام المذكورة في الآية.[ثمّ ذكر عدّة أقوال و أضاف:]

و قيل:معناه تلك فرائض اللّه فلا تقربوها بالمخالفة.

(1:281)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل (1):

المسألة الأولى:قوله:(تلك)لا يجوز أن يكون إشارة إلى حكم الاعتكاف،لأنّ الحدود جمع،و لم يذكر اللّه تعالى في الاعتكاف إلاّ حدّا واحدا،و هو تحريم المباشرة،بل هو إشارة إلى كلّ ما تقدّم في أوّل آية الصّوم إلى هاهنا،على ما سبق شرح مسائلها على التّفصيل.

المسألة الثّانية:[نقل قولي اللّيث و الأزهريّ في اللّغة ثمّ قال:]

فنقول:المراد من(حدود اللّه)محدوداته،أي مقدوراته الّتي قدّرها بمقادير مخصوصة،و صفات مضبوطة.

أمّا قوله تعالى: فَلا تَقْرَبُوها ففيه إشكالان:

الأوّل:أنّ قوله تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ إشارة إلى كلّ ما تقدّم،و الأمور المتقدّمة بعضها إباحة و بعضها حظر،فكيف قال في الكلّ: فَلا تَقْرَبُوها؟ و الثّاني:

أنّه قال في آية أخرى: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها البقرة:229،و قال في آية المواريث: وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ النّساء:14،و قال هاهنا:

فَلا تَقْرَبُوها فكيف الجمع بينهما؟

و الجواب عن السّؤالين من وجوه:

الأوّل:و هو الأحسن و الأقوى[فذكر نحو الزّمخشريّ إلى أن قال:]

الثّاني:ما ذكره أبو مسلم الأصفهانيّ:(لا تقربوها)أي لا تتعرّضوا لها بالتّغيير،كقوله: وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ الأنعام:152 و الإسراء:34.

الثّالث:أنّ الأحكام المذكورة فيما قبل و إن كانت كثيرة إلاّ أنّ أقربها إلى هذه الآية إنّما هو قوله:

وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ و قبل هذه الآية قوله: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ البقرة:

187،و ذلك يوجب حرمة الأكل و الشّرب في النّهار، و قبل هذه الآية قوله: وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ، و هو يقتضي تحريم مواقعة غير الزّوجة و المملوكة،و تحريم مواقعتهما في غير المأتيّ،و تحريم مواقعتهما في الحيض و النّفاس و العدّة و الرّدّة،و ليس فيه إلاّ إباحة الشّرب و الأكل و الوقاع في اللّيل،فلمّا كانت الأحكام المتقدّمة أكثرها تحريمات،لا جرم غلّب جانب التّحريم،فقال:

تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَقْرَبُوها أي تلك الأشياء الّتي منعتم عنها،إنّما منعتم عنها بمنع اللّه و نهيه عنها، فلا تقربوها.(5:126)

نحوه الخازن(1:139)،و رشيد رضا(2:178).قط

ص: 145


1- ذكر مسألتين فقط

القرطبيّ: أي هذه الأحكام حدود اللّه فلا تخالفوها، ف(تلك)إشارة إلى هذه الأوامر و النّواهي،و الحدود:

الحواجز.[إلى أن قال:]

و سمّيت حُدُودُ اللّهِ لأنّها تمنع أن يدخل فيها ما ليس منها،و أن يخرج منها ما هو منها.

و منها سمّيت الحدود في المعاصي،لأنّها تمنع أصحابها من العود إلى أمثالها.و منه سمّيت الحادّ في العدّة، لأنّها تمتنع من الزّينة.(2:337)

أبو حيّان :...و كانت آية الصّيام قد تضمّنت عدّة أوامر،و الأمر بالشّيء نهي عن ضدّه،فبهذا الاعتبار كانت عدّة مناهي،ثمّ جاء آخرها النّهي عن المباشرة في حالة الاعتكاف،فأطلق على الكلّ حدود تغليبا للمنطوق به،و اعتبارا بتلك المناهي الّتي تضمّنتها الأوامر،فقيل:(حدود اللّه).و احتيج إلى هذا التّأويل لأنّ المأمور بفعله لا يقال فيه:(فلا تقربوها).[ثمّ ذكر الأقوال و أضاف:]

و إضافة الحدود إلى(اللّه)تعالى هنا و حيث ذكرت، تدلّ على المبالغة في عدم الالتباس بها،و لم تأت منكّرة و لا معرّفة بالألف و اللاّم،بهذا المعنى.[إلى أن قال:]

و جاء هنا(فلا تقربوها)و في مكان آخر فَلا تَعْتَدُوها وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ و قوله: وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ لأنّه غلّب هنا جهة النّهي؛إذ هو المعقّب بقوله: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ و ما كان منهيّا عن فعله كان النّهي عن قربانه أبلغ.

و أمّا حيث جاء(فلا تعتدوها)فجاء عقب بيان عدد الطّلاق و ذكر أحكام العدّة و الإيلاء و الحيض،فناسب أن ينهى عن التّعدّي فيها،و هو مجاوزة الحدّ الّذي حدّه اللّه فيها،و كذلك قوله تعالى: وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ النّساء:14،جاء بعد أحكام المواريث، و ذكر أنصباء الوارث،و النّظر في أموال الأيتام،و بيان عدد ما يحلّ من الزّوجات،فناسب أن يذكر عقيب هذا كلّه التّعدّي الّذي هو مجاوزة ما شرّعه اللّه من هذه الأحكام إلى ما لم يشرّعه.

و جاء قوله: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ عقيب قوله:

وَصِيَّةً مِنَ اللّهِ ثمّ وعد من أطاع بالجنّة و أوعد من عصا و تعدّى حدوده بالنّار،فكلّ نهي من القربان و التّعدّي واقع في مكان مناسبته.(2:54)

نحوه السّمين.(1:476)

الكاشانيّ: (تلك)أي الأحكام الّتي ذكرت حُدُودُ اللّهِ: حرمات اللّه و مناهيه.(1:207)

نحوه شبّر.(1:192)

الآلوسيّ: (تلك)أي الأحكام السّتّة المذكورة، المشتملة على إيجاب و تحريم و إباحة، حُدُودُ اللّهِ أي حاجزة بين الحقّ و الباطل، فَلا تَقْرَبُوها كيلا يداني الباطل.

و النّهي عن القرب من«تلك الحدود»الّتي هي الأحكام،كناية عن قرب الباطل،لكون الأوّل لازما للثّاني،و هو أبلغ من(لا تعتدوها)لأنّه نهي عن قرب الباطل بطريق الكناية الّتي هي أبلغ من الصّريح؛و ذلك نهي عن الوقوع في الباطل بطريق الصّريح؛و على هذا لا يشكل فَلا تَقْرَبُوها في تلك الأحكام مع اشتمالها على ما سمعت،و لا وقوع(فلا تعتدوها)،و في آية أخرى

ص: 146

إذ قد حصل الجمع و صحّ(لا تقربوها)في الكلّ.

و قيل:يجوز أن يراد ب(حدود اللّه)تعالى:محارمه و مناهيه،إمّا لأنّ الأوامر السّابقة تستلزم النّواهي لكونها مغيّاة بالغاية،و إمّا لأنّ المشار إليه قوله سبحانه:

وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ و أمثاله.

و قال أبو مسلم: معنى(لا تقربوها)لا تتعرّضوا لها بالتّغيير،كقوله تعالى: وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ فيشمل جميع الأحكام،و لا يخفى ما في الوجهين من التّكلّف.

و القول:بأنّ(تلك)إشارة إلى الأحكام،و الحدّ:إمّا بمعنى المنع أو بمعنى الحاجز بين الشّيئين؛فعلى الأوّل يكون المعنى:تلك الأحكام ممنوعات اللّه تعالى عن الغير،ليس لغيره أن يحكم بشيء فَلا تَقْرَبُوها أي لا تحكموا على أنفسكم أو على عباده من عند أنفسكم بشيء،فإنّ الحكم للّه تعالى عزّ شأنه.

و على الثّاني يريد أنّ تلك الأحكام حدود حاجزة بين الألوهيّة و العبوديّة،فالإله يحكم و العباد تنقاد، فلا تقربوا الأحكام لئلاّ تكونوا مشركين باللّه تعالى، لا يكاد يعرض على ذي لبّ فيرتضيه،و هو بعيد بمراحل عن المقصود،كما لا يخفى.(2:69)

نحوه ملخّصا القاسميّ.(3:464)

الطّباطبائيّ: أصل الحدّ هو المنع،و إليه يرجع جميع استعمالاته و اشتقاقاته،كحدّ السّيف و حدّ الفجور و حدّ الدّار و الحديد،إلى غير ذلك.و النّهي عن القرب من الحدود كناية عن عدم اقترافها و التّعدّي إليها،أي لا تقترفوا هذه المعاصي الّتي هي الأكل و الشّرب و المباشرة،أو لا تتعدّوا هذه الأحكام و الحرمات الإلهيّة الّتي بيّنها لكم،و هي أحكام الصّوم بإضاعتها،و ترك التّقوى فيها.(2:49)

حسنين مخلوف:أي محارمه و مناهيه، فلا تقربوها.أو أحكامه المتضمّنة لما نهاكم عنه، فلا تقربوا ما نهيتم عنه.(62)

عبد الكريم الخطيب :تحذير من اختراق الحدود الّتي أقامها اللّه سبحانه و تعالى لحرماته،و جعلها حمى لتلك الحرمات.و الهاء في قوله: فَلا تَقْرَبُوها ضمير يرجع إلى تلك الحدود،بمعنى أن يحذر الإنسان الإلمام بالحدود المطيفة بالحرمات،أو يدنو منها،مخافة أن تزلّ قدمه فيقع فيما حرّم اللّه،و في الحديث:«من حام حول الحمى يوشك أن يواقعه».

هذا،و حُدُودُ اللّهِ قد تضرب على أشياء فرض تحريمها،أو تقام على أمور أباحها و أجاز الأخذ بها.

و سبحان من أحكم آياته،و تفرّد بكلماته،فجاء بها معجزة قاهرة،تعنوا لجلالها وجوه العالمين،و تخرس لبيانها ألسنة المخلوقين.

ففي الحدود الّتي تحتوي في داخلها المحرّمات،كما في قوله تعالى: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ جاء النّهي هكذا: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَقْرَبُوها أي بالتزام الوقوف خارج تلك الدّائرة؛ حيث أنّ ما وراءها من مقابل هذا المنهيّ عنه هو المطلق المباح،و الاقتراب من تلك الدّائرة اقتراب من خطر.

و في الحدود الّتي تضمّ المباحات؛حيث يكون النّاس معها في داخل الدّائرة،يجيء النّهي هكذا: تِلْكَ حُدُودُ

ص: 147

اَللّهِ...فَلا تَعْتَدُوها أي ألزموا هذه الدّائرة و لا تخرجوا عنها إلى ما يقابل هذه المباحات،ممّا هو خارج تلك الحدود،فإنّ الخروج عن تلك الدّائرة وقوع في محظور.

استمع إلى قوله: اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ... البقرة:

229،فالآية هنا تشريع لإباحة الطّلاق،و لكن هذه الإباحة ليست على إطلاقها،بل هي داخل حدود مرسومة،فمن تجاوز هذه الحدود،و خرج عنها معتد ظالم.

و انظر قوله سبحانه: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ... الطّلاق:1، تجد أنّها على سمت الآية السّابقة،إنّها تقيم حدود اللّه على أمر مباح،و لكنّه قائم على وصف خاصّ داخل هذه الحدود،فمن تجاوز به هذا الحدّ،و خرج به عن تلك الصّفة،فقد ظلم نفسه.(1:206)

المصطفويّ: [ذكر الآيات الّتي فيها كلمة حدود ثمّ قال:]

أي القوانين المقرّرة و الأحكام الملزمة الحادّة من الواجبات و المحرّمات.

و لا يخفى أنّ الحدود منصرفة إلى الأحكام الّتي فيها إلزام-واجبة أو محرّمة-و هذه بمناسبة مفهوم الحدّة،و قد ذكرت في القرآن الكريم أيضا في تلك الموارد،كالصّوم و الطّلاق و أحكامهما.(2:192)

2- ..وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.

البقرة:230

ابن عبّاس: هذه أحكام اللّه:فرائضه.(32)

مقاتل:يعني أمر اللّه في الطّلاق،يعني ما ذكر من أحكام الزّوج و المرأة في الطّلاق و في المراجعة.

(1:196)

الطّبريّ: هذه الأمور الّتي بيّنها لعباده في الطّلاق و الرّجعة و الفدية و العدّة و الإيلاء و غير ذلك،ممّا يبيّنه لهم في هذه الآيات(حدود اللّه):معالم فصول حلاله و حرامه،و طاعته و معصيته.(2:479)

نحوه الخازن.(1:195)

النّحّاس: ما منع منه،و الحدّ مانع من الاجتراء على الفواحش.(1:205)

نحوه القرطبيّ.(3:154)

البغويّ: يعلمون ما أمرهم اللّه تعالى به.(1:310)

ابن عطيّة: الأمور الّتي أمر أن لا تتعدّى.

(1:309)

الفخر الرّازيّ: يعني ما تقدّم ذكره من الأحكام يبيّنها اللّه لمن يعلم أنّ اللّه أنزل الكتاب و بعث الرّسول، ليعملوا بأمره،و ينتهوا عمّا نهوا عنه.(6:115)

البيضاويّ: أي الأحكام المذكورة.(1:122)

مثله الكاشانيّ.(1:238)

ابن كثير :أي شرائعه و أحكامه.(1:497)

الشّربينيّ: أي يتدبّرون ما أمرهم اللّه تعالى به، و يفهمونه،و يعملونه بمقتضى العلم.(1:150)

أبو السّعود :أي أحكامه المعيّنة المحميّة من التّعرّض لها بالتّغيير و المخافة.(1:273)

مثله البروسويّ(1:359)،و الآلوسيّ(2:142)، و القاسميّ(3:607).

المراغيّ: أي إنّ هذه الأحكام بيّنها اللّه على لسان

ص: 148

نبيّه في كتابه الكريم لأهل العلم بفائدتها،و معرفة ما فيها من المصلحة،ليعملوا بها على الوجه الّذي تتحقّق به الفائدة و المنفعة،لا لمن يجهلون ذلك،فلا يجعلون لحسن النّيّة و إخلاص القلب مدخلا في العلم،فيرجع أحدهم إلى المرأة و هو يضمر لها السّوء،و يبغي الانتقام منها.

(2:176)

الطّباطبائيّ: و وضع الظّاهر موضع المضمر في قوله تعالى: وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ لأنّ المراد بالحدود غير الحدود.(2:235)

فضل اللّه :في الطّلاق و الرّجوع.(4:308)

3- ..وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ.

التّوبة:112

ابن عبّاس: لفرائض اللّه.(167)

القائمين على طاعة اللّه،و هو شرط اشترطه على أهل الجهاد،إذا وفوا اللّه بشرطه،و في لهم شرطهم.

(الطّبريّ 11:40)

الحسن :القائمون على أمر اللّه.(الطّبريّ 11:40)

مثله الزّجّاج(2:472)،و النّحّاس(3:259)، و الماورديّ(2:408)،و البغويّ(2:392).

أهل الوفاء ببيعة اللّه.(البغويّ 2:392)

قتادة :الحافظون لفرائض اللّه تعالى من حلاله و حرامه.(الماورديّ 2:408)

مثله مغنيّة.(4:106)

مقاتل:يعني ما ذكر في هذه الآية لأهل الجهاد.

(2:199)

الطّبريّ: المؤدّون فرائض اللّه،المنتهون إلى أمره و نهيه،الّذين لا يضيّعون شيئا ألزمهم العمل به، و لا يركبون شيئا نهاهم عن ارتكابه.(11:39)

القمّيّ: هم الّذين يعرفون حدود اللّه صغيرها و كبيرها و دقيقها و جليّها،و لا يجوز أن يكون بهذه الصّفة غير الأئمّة عليهم السّلام.(1:306)

الطّوسيّ: و إنّما عطف(النّاهون)بالواو دون غيره من الصّفات،لأنّه لا يكاد يذكر على الإفراد بل يقال:

الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،فجاءت الصّفة مصاحبة للأولى.

فأمّا قوله:(و الحافظون)فلأنّه جاء و هو أقرب إلى المعطوف.و معنى اَلْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ أنّهم يحفظون ما أمر اللّه به و نهى عنه،فلا يتجاوزونه إلى غيره.

(5:355)

نحوه القرطبيّ(8:271)،و عبد الكريم الخطيب (6:902).

القشيريّ: هم الواقفون حيث وقفهم اللّه،الّذين لا يتحرّكون إلاّ إذا حرّكهم،و لا يسكنون إلاّ إذا سكنهم، و يحفظون مع اللّه أنفاسهم.(3:68)

نحوه فضل اللّه.(11:219)

ابن عطيّة: لفظ عامّ تحته إلزام الشّريعة و الانتهاء عمّا نهى اللّه في كلّ شيء و في كلّ فنّ.(3:90)

الطّبرسيّ: وَ الْحافِظُونَ... يعني الّذين يؤدّون فرائض اللّه و أوامره و يجتنبون نواهيه،لأنّ حدود اللّه:

أوامره و نواهيه.و إنّما أدخل الواو لأنّه جاء و هو أقرب إلى المعطوف.(3:76)

ص: 149

الفخر الرّازيّ: المسألة الثّانية:في تفسير هذه الصّفات التّسع[للمؤمنين في الآية،فذكرها ثمّ قال:]

الصّفة التّاسعة:قوله: وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ و المقصود أنّ تكاليف اللّه كثيرة،و هي محصورة في نوعين:أحدهما:ما يتعلّق بالعبادات،و الثّاني:ما يتعلّق بالمعاملات.

أمّا العبادات فهي الّتي أمر اللّه بها لا لمصلحة مرعيّة في الدّنيا،بل لمصالح مرعيّة في الدّين،و هي الصّلاة و الزّكاة و الصّوم و الحجّ و الجهاد و الإعتاق و النّذور، و سائر أعمال البرّ.

و أمّا المعاملات فهي:إمّا لجلب المنافع و إمّا لدفع المضارّ:

و القسم الأوّل:و هو ما يتعلّق بجلب المنافع،فتلك المنافع:إمّا أن تكون مقصودة بالأصالة أو بالتّبعيّة.

أمّا المنافع المقصودة بالأصالة،فهي المنافع الحاصلة من طرف الحواسّ الخمسة:

فأوّلها:المذوقات،و يدخل فيها كتاب الأطعمة و الأشربة من الفقه.و لمّا كان الطّعام قد يكون نباتا،و قد يكون حيوانا،و الحيوان لا يمكن أكله إلاّ بعد الذّبح،و اللّه تعالى شرط في الذّبح شرائط مخصوصة،فلأجل هذا دخل في الفقه كتاب الصّيد و الذّبائح،و كتاب الضّحايا.

و ثانيها:الملموسات،و يدخل فيها باب أحكام الوقاع،من جملتها ما يفيد حلّه،و هو باب النّكاح،و منه أيضا باب الرّضاع،و منها ما هو بحث عن لوازم النّكاح، مثل المهر و النّفقة و المسكن،و يتّصل به أحوال القسم و النّشوز،و منها ما هو بحث عن الأسباب المزيلة للنّكاح، و يدخل فيه كتاب الطّلاق و الخلع و الإيلاء و الظّهار و اللّعان.و من الأحكام المتعلّقة بالملموسات:البحث عمّا يحلّ لبسه و عمّا لا يحلّ،و عمّا يحلّ استعماله و عمّا لا يحلّ استعماله،و ما لا يحلّ،كاستعماله الأواني الذّهبيّة و الفضّيّة، و طال كلام الفقهاء في هذا الباب.

و ثالثها:المبصرات،و هي باب ما يحلّ النّظر إليه و ما لا يحلّ.

و رابعها:المسموعات،و هو باب هل يحلّ سماعه أم لا؟

و خامسها:المشمومات،و ليس للفقهاء فيها مجال.

و أمّا المنافع المقصودة بالتّبع فهي الأموال،و البحث عنها من ثلاثة أوجه:

الأوّل:الأسباب المفيدة للملك،و هي إمّا البيع أو غيره.أمّا البيع فهو إمّا بيع الأعيان،أو بيع المنافع.و بيع الأعيان،فإمّا أن يكون بيع العين بالعين،أو بيع الدّين بالعين و هو السّلم،أو بيع العين بالدّين،كما إذا اشترى شيئا في الذّمّة،أو بيع الدّين بالدّين.و قيل:إنّه لا يجوز، لما روي أنّه عليه الصّلاة و السّلام نهى عن بيع الكالئ بالكالئ،و لكن حصل له مثال في الشّرع و هو تقاضي الدّينين.

و أمّا بيع المنفعة فيدخل فيه كتاب الإجارة،و كتاب الجعالة،و كتاب عقد المضاربة.و أمّا سائر الأسباب الموجبة للملك فهي الإرث،و الهبة،و الوصيّة،و إحياء الموات،و الالتقاط،و أخذ الفيء و الغنائم،و أخذ الزّكوات و غيرها.و لا طريق إلى ضبط أسباب الملك إلاّ بالاستقراء.

ص: 150

و النّوع الثّاني من مباحث الفقهاء:الأسباب الّتي توجب لغير المالك التّصرّف في الشّيء،و هو باب الوكالة،و الوديعة و غيرهما.

و النّوع الثّالث:الأسباب الّتي تمنع المالك من التّصرّف في ملك نفسه،و هو الرّهن و التّفليس و الإجارة و غيرها،فهذا ضبط أقسام تكاليف اللّه في باب جلب المنافع.

و أمّا تكاليف اللّه تعالى في باب دفع المضارّ،فنقول:

أقسام المضارّ خمسة،لأنّ المضرّة:إمّا أن تحصل في النّفوس،أو في الأموال،أو في الأديان،أو في الأنساب، أو في العقول.

أمّا المضارّ الحاصلة في النّفوس،فهي إمّا أن تحصل في كلّ النّفس،و الحكم فيه إمّا القصاص أو الدّية أو الكفّارة، و إمّا في بعض من أبعاض البدن كقطع اليد و غيرها، و الواجب فيه إمّا القصاص أو الدّية أو الأرش.

و أمّا المضارّ الحاصلة في الأموال،فذلك الضّرر إمّا أن يحصل على سبيل الإعلان و الإظهار،و هو كتاب الغصب،أو على سبيل الخفية و هو كتاب السّرقة.

و أمّا المضارّ الحاصلة في الأديان،فهي إمّا الكفر و إمّا البدعة.أمّا الكفر فيدخل فيه أحكام المرتدّين،و ليس للفقهاء كتاب مقرّر في أحكام المبتدعين.

و أمّا المضارّ الحاصلة في الأنساب فيتّصل به تحريم الزّنى و اللّواط و بيان العقوبة المشروعة فيهما،و يدخل فيه أيضا باب حدّ القذف و باب اللّعان.

و هاهنا بحث آخر و هو أنّ كلّ أحد لا يمكنه استيفاء حقوقه من المنافع و دفع المضارّ بنفسه،لأنّه ربّما كان ضعيفا فلا يلتفت إليه خصمه،فلهذا السّرّ نصب اللّه تعالى الإمام لتنفيذ الأحكام،و يجب أن يكون لذلك الإمام نوّاب و هم الأمراء و القضاة.فلمّا لم يجز أن يكون قول الغير على الغير مقبولا إلاّ بالحجّة،فالشّرع أثبت لإظهار الحقّ حجّة مخصوصة و هي الشّهادة.و لا بدّ أن يكون للدّعوى و لإقامة البيّنة شرائط مخصوصة،فلا بدّ من باب مشتمل عليها،فهذا ضبط معاقد تكاليف اللّه تعالى و أحكامه و حدوده.و لمّا كانت كثيرة و اللّه تعالى إنّما بيّنها في كلّ القرآن،تارة على وجه التّفصيل،و تارة بأن أمر الرّسول عليه السّلام حتّى يبيّنها للمكلّفين،لا جرم أنّه تعالى أجمل ذكرها في هذه الآية،فقال: وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ و هو يتناول جملة هذه التّكاليف.

و اعلم أنّ الفقهاء ظنّوا أنّ الّذي ذكروه في بيان التّكاليف و ليس الأمر كذلك،فإنّ أعمال المكلّفين قسمان:أعمال الجوارح و أعمال القلوب،و كتب الفقه مشتملة على شرح أقسام التّكاليف المتعلّقة بأعمال الجوارح.فأمّا التّكاليف المتعلّقة بأعمال القلوب فلم يبحثوا عنها البتّة،و لم يصنّفوا لها كتبا و أبوابا و فصولا، و لم يبحثوا عن دقائقها.و لا شكّ أنّ البحث عنها أهمّ و المبالغة في الكشف عن حقائقها أولى،لأنّ أعمال الجوارح إنّما تراد لأجل تحصيل أعمال القلوب،و الآيات الكثيرة في كتاب اللّه تعالى ناطقة بذلك إلاّ أنّ قوله سبحانه: وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ متناول لكلّ هذه الأقسام،على سبيل الشّمول و الإحاطة.[إلى أن قال:]

فإن قيل:ما السّبب في أنّه تعالى ذكر تلك الصّفات الثّمان على التّفصيل،ثمّ ذكر تعالى عقيبها سائر أقسام

ص: 151

التّكاليف على سبيل الإجمال في هذه الصّفة التّاسعة؟

قلنا:لأنّ التّوبة و العبادة و الاشتغال بتحميد اللّه، و السّياحة لطلب العلم،و الرّكوع و السّجود و الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،أمور لا ينفكّ المكلّف عنها في أغلب أوقاته،فلهذا ذكرها اللّه تعالى على سبيل التّفصيل.و أمّا البقيّة فقد ينفكّ المكلّف عنها في أكثر أوقاته مثل أحكام البيع و الشّراء،و مثل معرفة أحكام الجنايات،و أيضا فتلك الأمور الثّمانية أعمال القلوب و إن كانت أعمال الجوارح،إلاّ أنّ المقصود منها ظهور أحوال القلوب،و قد عرفت أنّ رعاية أحوال القلوب أهمّ من رعاية أحوال الظّاهر،فلهذا السّبب ذكر هذا القسم على سبيل التّفصيل،و ذكر هذا القسم على سبيل الإجمال.(16:203)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ.(11:28)

البيضاويّ: وَ النّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ عن الشّرك و المعاصي،و العاطف فيه للدّلالة على أنّه بما عطف عليه في حكم خصلة واحدة،كأنّه قال:الجامعون بين الوصفين.و في قوله تعالى: وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ أي فيما بيّنه و عيّنه من الحقائق و الشّرائع،للتّنبيه على أنّ ما قبله مفصّل الفضائل و هذا مجملها.

و قيل:إنّ هذا للإيذان بأنّ التّعداد قد تمّ بالسّبع؛من حيث إنّ السّبعة هو العدد التّامّ،و الثّامن ابتداء تعداد آخر معطوف عليه،و لذلك تسمّى واو الثّمانية.(1:434)

النّسفيّ: أوامره و نواهيه،أو معالم الشّرع.

(2:148)

أبو حيّان :و الصّفات إذا تكرّرت و كانت للمدح أو الذّمّ أو التّرحّم،جاز فيها الاتباع للمنعوت و القطع في كلّها أو بعضها،و إذا تباين ما بين الوصفين جاز العطف.

و لمّا كان الأمر مباينا للنّهي؛إذ الأمر طلب فعل و النّهي ترك فعل،حسن العطف في قوله: وَ النّاهُونَ، و دعوى الزّيادة أو واو الثّمانية ضعيف،و ترتيب هذه الصّفات في غاية من الحسن،إذ بدأ أوّلا بما يخصّ الإنسان مرتّبة على ما سعى،ثمّ بما يتعدّى من هذه الأوصاف من الإنسان لغيره و هو الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر، ثمّ بما شمل ما يخصّه في نفسه و ما يتعدّى إلى غيره،و هو الحفظ لحدود اللّه.(5:104)

الشّربينيّ: أي لأحكامه بالعمل بها.و المقصود أنّ تكاليف اللّه تعالى كثيرة و هي محصورة في نوعين:

أحدهما ما يتعلّق بالعبادات،و الثّاني ما يتعلّق بالمعاملات.

فإن قيل:...[ثمّ قال:نحوا ممّا سبق في آخر كلام الفخر الرّازيّ](1:654)

أبو السّعود :أي فيما بيّنه و عيّنه من الحقائق و الشّرائع عملا و حملا للنّاس عليه فلئلاّ يتوهّم اختصاصه بأحد الوجهين.(3:197)

البروسويّ: أي فيما بيّنه و عيّنه من الحقائق و الشّرائع عملا و حملا للنّاس عليه.[ثمّ ذكر قول القشيريّ و أضاف:]

ثمّ إنّه لمّا كانت التّكاليف الشّرعيّة غير منحصرة فيما ذكر بل لها أصناف و أقسام كثيرة،لا يمكن تفصيلها و تبيينها إلاّ في مجلّدات،ذكر اللّه تعالى سائر أقسام التّكاليف على سبيل الإجمال بقوله: وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ.

ص: 152

و الفقهاء ظنّوا أنّ الّذي ذكروه في بيان التّكاليف واف،و ليس كذلك لأنّ أفعال المكلّفين قسمان:أفعال الجوارح و أفعال القلوب،و كتب الفقه مشتملة على شرح أقسام التّكاليف المتعلّقة بأعمال الجوارح.

و أمّا التّكاليف المتعلّقة بأعمال القلوب فليس في كتبهم منها إلاّ قليل نادر،و بعض مباحثها مدوّن في الكتب الكلاميّة،و البعض الآخر منها فصّله الإمام الغزاليّ و أمثاله في علم الأخلاق،و مجموعها مندرج في قوله تعالى: وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ.

قال الشّيخ أحمد الغزاليّ لأخيه الإمام محمّد الغزاليّ:

جعلت كلّ علمك في كلمتين:التّعظيم لأمر اللّه،و الشّفقة على خلق اللّه.

قال الحدّاديّ: و هذه الصّفة من أتمّ ما يكون من المبالغة في وصف العباد بطاعة اللّه،و القيام بأوامره و الانتهاء عن زواجره،لأنّ اللّه تعالى بيّن حدوده في الأمر و النّهي و فيما ندب إليه فرغّب إليه أو خيّر فيه، و بيّن ما هو الأولى في مجرى موافقة اللّه تعالى.فإذا قام العبد بفرائض اللّه تعالى و انتهى إلى ما أراد اللّه منه،كان من الحافظين لحدود اللّه.(3:520)

شبّر:القائمون بطاعته في أوامره و نواهيه هي حدوده تعالى...[ثمّ قال مثل البيضاويّ](3:122)

الآلوسيّ: أي فيما بيّنه و عيّنه من الحقائق و الشّرائع.فقيل:للإيذان بأنّ العدد قد تمّ بالسّابع،من حيث إنّ السّبعة هو العدد التّامّ،و الثّامن ابتداء تعداد آخر معطوف عليه،و لذلك يسمّى واو الثّمانية،و إليه مال أبو البقاء و غيره ممّن أثبت واو الثّمانية.و هو قول ضعيف لم يرضه النّحاة كما فصّله ابن هشام،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى تحقيقه.

و قيل:إنّه للتّنبيه على أنّ ما قبله مفصّل الفضائل و هذا مجملها،يعني أنّه من ذكر أمر عامّ شامل لما قبله و غيره،و مثله يؤتى به معطوفا نحو:زيد و عمرو و سائر قبيلته كرماء،فلمغايرته بالإجمال و التّفصيل و العموم و الخصوص عطف عليه.

و قيل:هو عطف عليه،و قيل:هو عطف على ما قبله من الأمر و النّهي،لأنّ من يصدق فعله قوله لا يجدي أمره نفعا و لا يفيد نهيه منعا.

قال بعض المحقّقين:إنّ المراد بحفظ الحدود ظاهره، و هي إقامة الحدّ كالقصاص على من استحقّه،و الصّفات الأول إلى قوله سبحانه:«و الآمرون»صفات محمودة للشّخص في نفسه،و هذه له باعتبار غيره،فلذا تغاير تعبير الصّنفين فترك العاطف في القسم الأوّل،و عطف في الثّاني.و لمّا كان لا بدّ من اجتماع الأوّل في شيء واحد، ترك فيها العطف لشدّة الاتّصال،بخلاف هذه فإنّه يجوز اختلاف فاعلها و من تعلّقت به.و هذا هو الدّاعي لإعراب اَلتّائِبُونَ مبتدأ موصوفا بما بعده «و الآمرون»خبره،فكأنّه قيل:الكاملون في أنفسهم المكمّلون لغيرهم.و قدّم الأوّل لأنّ المكمّل لا يكون مكمّلا حتّى يكون كاملا في نفسه،و بهذا يتّسق النّظم أحسن اتّساق من غير تكلّف،و هو وجه وجيه للعطف في البعض و ترك العطف في الآخر.خلا أنّ المأثور عن السّلف،كابن عبّاس،و غيره تفسير وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ بالقائمين على طاعته سبحانه،و هو مخالف

ص: 153

لما في هذا التّوجيه،و لعلّ الأمر فيه سهل،و اللّه تعالى أعلم بمراده.(11:32)

نحوه القاسميّ.(8:3279)

رشيد رضا :و هذه الصّفة و ما بعدها من الصّفات المتعلّقة بجماعة المؤمنين فيما يجب على بعضهم لبعض، و كلّ ما قبلهما من صفات الأفراد.

وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ أي شرائعه و أحكامه الّتي حدّد فيها ما يجب و ما يحظر على المؤمنين من العمل بها،و ما يجب على أئمّة المسلمين و أولي الأمر و أهل الحلّ و العقد منهم إقامتها و تنفيذها بالعمل،في أفراد المسلمين و جماعتهم إذا أخلّوا بما يجب عليهم من الحفظ لها.[إلى أن قال:]

و من مباحث اللّغة:أنّ المعدودات تسرد بغير عطف،و إنّما عطف النّهي عن المنكر على الأمر بالمعروف للإيذان بأنّهما فريضة واحدة،لتلازمهما في الغالب.

و أمّا عطف وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ على جملة ما تقدّم فقيل:لأنّ التّعداد قد تمّ بالوصف السّابع؛من حيث إنّ السّبعة هو العدد التّامّ و الثّامن ابتداء عدد آخر معطوف عليه،و أنّ هذه الواو تسمّى واو الثّمانية.و أنكر هذه الواو النّحاة المحقّقون،و قيل:لأنّه إجمال لما تقدّم من التّفصيل قبله،فلا يصحّ أن يجعل فردا من أفراده فيسرد معه.

و أقوى منه عندي أنّه وصف جامع للتّكاليف عامّة،و المنهيّات خاصّة،و السّبعة المسرودة قبله من المأمورات،و لا يحصل الكمال للمؤمن بها إلاّ مع اجتناب المنهيّات،و هو أوّل ما يلاحظ في حفظ حدود اللّه،قال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَقْرَبُوها البقرة:187، تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ البقرة:229، وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ الطّلاق:1.

و على هذا يكون معنى نظم الآية أنّ المؤمنين الكاملين الّذين باعوا أنفسهم للّه تعالى هم المتّصفون بالصّفات السّبع،و الحافظون مع ذلك لجميع حدود اللّه في كلّ أمر و نهي.و يعبّر عن هذا في عرف هذا العصر بقولهم:«المثل الأعلى»و يطلقونه على الأفراد النّابغين في بعض الفضائل العامّة،و على الجماعات و الأمم الرّاقية.

و يكفي أن يقال فيه:«المثل»في كذا،كما قال تعالى:

وَ لَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً الزّخرف:57،و قال:

وَ جَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ الزّخرف:59،و يقال:

مثل عال،أو مثل شريف.و أمّا«الأعلى»فهو اللّه عزّ و جلّ،كما قال عن نفسه: وَ لِلّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى النّحل:60،و قال: وَ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الرّوم:27.

و جملة القول فيهم أنّهم الحافظون لجميع حدود اللّه تعالى،و خصّت تلك الخلال السّبع بالذّكر لأنّها هي الّتي تمثّل في نفس القارئ أكمل ما يكون المؤمن به محافظا على حدود اللّه تعالى.(11:54)

نحوه المراغيّ.(11:34)

الطّباطبائي: اَلتّائِبُونَ الْعابِدُونَ... يصف سبحانه المؤمنين بأجمل صفاتهم.[ثمّ ذكر معاني الصّفات و قال:]

هذا شأنهم بالنّسبة إلى حال الانفراد،و أمّا بالنّسبة

ص: 154

إلى حال الاجتماع فهم آمرون بالمعروف في السّنّة الدّينيّة و ناهون عن المنكر فيها،ثمّ هم حافظون لحدود اللّه لا يتعدّونه في حالتي انفرادهم و اجتماعهم خلوتهم و جلوتهم،ثمّ يأمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بأن يبشّرهم،و قد بشّرهم تعالى نفسه في الآية السّابقة،و فيه من كمال التّأكيد ما لا يقدّر قدره.

و قد ظهر بما قرّرنا أوّلا:وجه التّرتيب بين الأوصاف الّتي عدّها لهم،فقد بدأ بأوصافهم منفردين، و هي التّوبة و العبادة و السّياحة و الرّكوع و السّجود،ثمّ ذكر ما لهم من الوصف الخاصّ بهم المنبعث عن إيمانهم مجتمعين،و هو الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،و ختم بما لهم من جميل الوصف في حالتي انفرادهم و اجتماعهم، و هو حفظهم لحدود اللّه.و في التّعبير بالحفظ مضافا إلى الدّلالة على عدم التّعدّي،دلالة على الرّقوب و الاهتمام.

(9:396)

مكارم الشّيرازيّ: و هم بعد قيامهم برسالة الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،قد أدّوا آخر و أهمّ واجب اجتماعيّ،أي حفظ الحدود الإلهيّة و إجراء قوانين اللّه، و إقامة الحقّ و العدالة.(6:215)

4- ..وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ...

الطّلاق:1

ابن عبّاس: هذه أحكام اللّه و فرائضه في النّساء، للطّلاق من النّفقة و السّكنى.(475)

يعني طاعة اللّه.(الماورديّ 6:29)

سعيد بن جبير: سنّة اللّه و أمره.(الماورديّ 6:29)

الضّحّاك: تلك طاعة اللّه،فلا تعتدوها،يقول:من كان على غير هذه فقد ظلم نفسه.(الطّبريّ 28:135)

السّدّيّ: شروط اللّه.(الماورديّ 6:30)

مقاتل:يعني سنّة اللّه و أمره أن تطلّق المرأة للعدّة، طاهرة من غير حيض و لا جماع. وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ يعني سنّة اللّه و أمره فيطلّق لغير العدّة.(4:363)

الطّبريّ: و هذه الأمور الّتي بيّنتها لكم من الطّلاق للعدّة،و إحصاء العدّة،و الأمر باتّقاء اللّه،و أن لا تخرج المطلّقة من بيتها،إلاّ أن تأتي بفاحشة مبيّنة،حدود اللّه الّتي حدّها لكم أيّها النّاس فلا تعتدوها.(28:134)

نحوه عزّة دروزة.(9:245)

الزّجّاج: وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ... يعني بحدود اللّه حدود طلاق السّنّة،و ما ذكر مع الطّلاق.(5:184)

الطّوسيّ: يعني ما تقدّم ذكره من كيفيّة الطّلاق و العدّة،و ترك إخراجها عن بيتها إلاّ عند فاحشة(حدود اللّه)فالحدود نهايات تمنع أن يدخل في الشّيء ما ليس منه أو يخرج منه ما هو منه،فقد بيّن اللّه بالأمر و النّهي الحدود في الطّاعات و المعصية،بما ليس لأحد أن يدخل في شيء من ذلك ما ليس منه،أو يخرج عنه ما هو منه.

و قوله تعالى: وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ معناه من يجاوز حدود اللّه بأن يخرج عن طاعته إلى معصيته،فقد تعدّى حدّا من حدود اللّه،و كذلك من دخل في معصية، فقد خرج عن الطّاعة.و ليس كلّ من دخل في طاعة فقد خرج إليها عن معصية،لأنّها قد تكون نافلة.(10:31)

الواحديّ: يعني ما ذكر من سنّة الطّلاق و ما بعدها وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ... فيطلّق لغير السّنّة.

(4:312)

ص: 155

نحوه البغويّ(5:108)،و الطّبرسيّ(5:304)، و الخازن(7:91).

ابن عطيّة: إشارة إلى جميع أوامره في هذه الآية.

(5:323)

ابن الجوزيّ: يعني ما ذكر من الأحكام، وَ مَنْ يَتَعَدَّ... الّتي بيّنها،و أمر بها.(8:289)

نحوه القرطبيّ(18:156)،و البيضاويّ(2:482)، و النّسفيّ(4:264)،و الطّباطبائيّ(19:313)،و عبد الكريم الخطيب(14:1005).

الفخر الرّازيّ: و الحدود:هي الموانع عن المجاوزة نحو النّواهي،و الحدّ في الحقيقة هو النّهاية الّتي ينتهي إليها الشّيء.[ثمّ نقل قول مقاتل]

(و من يتعدّ...)و هذا تشديد فيمن يتعدّى طلاق السّنّة،و من يطلّق لغير العدّة.(30:33)

ابن كثير :أي شرائعه و محارمه.(7:35)

نحوه المراغيّ.(28:133)

أبو السّعود :الّتي عيّنها لعباده، وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ أي حدوده المذكورة بأن أخلّ بشيء منها،على أنّ الإظهار في حيّز الإضمار لتهويل أمر التّعدّي،و الإشعار بعلّة الحكم في قوله تعالى: فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ.

(6:260)

مثله البروسويّ(10:29)،و الآلوسيّ(28:134).

مكارم الشّيرازيّ: لأنّ الغرض من هذه الأحكام هو إسعاد النّاس أنفسهم،و التّجاوز على هذه الأحكام -سواء من قبل الرّجل أو المرأة-يؤدّي إلى توجيه ضربة قويّة إلى حياتهم السّعيدة.(18:371)

فضل اللّه:الّتي جعلها اللّه في دائرة العلاقات الزّوجيّة في حالة الطّلاق،فلا يجوز للمؤمن أن يتعدّاها، فيقدّم أو يؤخّر،أو يفعل ما يجب تركه،أو يترك ما يجب فعله.

وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ لأنّ اللّه قد جعلها لمصلحة الإنسان،كما أنّ التّمرّد على أحكام اللّه-في ما يوحي به من التّعرّض لعقابه،من خلال ما يستلزمه من سخطه- يمثّل ظلما للنّفس في تعريضها لدخول النّار.

(22:284)

حدوده

وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ...

النّساء:14

راجع«ع د و-يتعدّ».

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: باب الحدود على ثلاثة أوجه:

أحدها:المعاصي،كقوله: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَقْرَبُوها البقرة:187.

و الثّاني:الأحكام،كقوله: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ البقرة:229،

و قوله: أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ البقرة:229،نظيرها في النّساء:13 و الطّلاق:1.

و الثّالث:الفرائض،كقوله تعالى: وَ أَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ التّوبة:97.

(205)

الدّامغانيّ: الحديد على أربعة أوجه:الحادّ،

ص: 156

الحديد بعينه،الخلاف،الأحكام.

فوجه منها:الحديد يعني الحادّ،قوله في سورة ق:

22، فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ يعني حادّا.

و الوجه الثّاني:الحديد بعينه،قوله في سورة الحديد:

25، وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ.

و الوجه الثّالث:يحادّون اللّه أي يخالفونه،كقوله في سورة المجادلة:5 إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ أي يخالفونهما،مثلها فيها.

و الوجه الرّابع:(حدود اللّه)يعني أحكامه،قوله في سورة البقرة:187 تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يعني أحكامه، مثلها في سورة النّساء:13.(260)

الفيروزآباديّ: و الحدود جاءت في القرآن على سبعة أوجه:الأوّل:حدّ الاعتكاف لإخلاص العبادة:

وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ البقرة:

187.

الثّاني:حدّ الخلع لبيان الفدية: فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ البقرة:229.

الثّالث:حدّ الطّلاق لبيان الرّجعة: وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ البقرة:230.

الرّابع:حدّ العدّة لمنع الضّرار و بيان المدّة (1).

الخامس:حدّ الميراث لبيان القسمة: وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ النّساء:14.

السّادس:حدّ الظّهار لبيان الكفّارة: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً... وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ المجادلة:4.

السّابع:حدّ الطّلاق لبيان مدّة العدّة: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ... وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ الطّلاق:1،و قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ المجادلة:

5 و 20،أي يمانعون.و ذلك إمّا اعتبارا بالممانعة،و إمّا باستعمال الحديد.(2:437)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحدّ،و هو الحاجز بين الشّيئين؛و الجمع:حدود،يقال:حددت الدّار أحدّها حدّا و حدّدتها،أي وضعت لها حاجزا،و حدّ الشّيء من غيره يحدّه حدّا و حدّده:ميّزه،و حدّد فلان بلدا:قصد حدوده.و حدّ الرّجل:بأسه و نفاذه في نجدته.يقال:إنّه لذو حدّ،على التّشبيه،و مثله قول الشّاعر:

السّيف أصدق أنباء من الكتب

في حدّه الحدّ بين الجدّ و اللّعب

و حدّ كلّ شيء:طرف شباته،كحدّ السّكين و السّيف و السّنان و السّهم،و كأنّه يحدّ ما يقطع.و حدّ السّكّين يحدّها حدّا،و أحدّها إحدادا،و حدّدها تحديدا:

شحذها و مسحها بحجر أو مبرد،فهي محدّدة،و قد حدّت تحدّ حدّة و احتدّت،و سكّين حديدة و حداد و حديد، من سكاكين حديدات و حدائد و حداد،و إنّها لبيّنة الحدّ، و حدّد الشّفرة و أحدّها و استحدّها:شحذها،و حدّ السّيف يحدّ حدّة فهو حادّ حديد،و احتدّ و أحددته أنا،و سيوف حداد،و سيف حدّاد،و حدّ نابه يحدّ حدّة، و ناب حديد و حديدة.

و داري حديدة دارك و محادّتها:حدّها كحدّها، و فلان حديد فلان:داره إلى جانب داره،أو أرضه إلى

ص: 157


1- لم يذكر مثالا لهذا الوجه.

جنب أرضه.

و الحديد:الفلزّ المعروف،لأنّه شديد كالحدّ و القطعة منه حديدة؛و الجمع:حدائد.يقال:ضربه بحديدة في يده،و الحدّاد:معالج الحديد،و الاستحداد:الاحتلاق بالحديد.يقال:استحدّ الرّجل،أي أحدّ شفرته بحديدة و غيرها.

و حدّ الخمر و الشّراب:صلابتهما:تشبيها بصلابة الحديد،و رائحة حادّة:ذكيّة،على المثل،و ناقة حديدة الجرّة:توجد لجرّتها ريح حادّة،و ذلك ممّا يحمد؛و الجرّة:

الكرش.

و حدّ بصره إليه يحدّه و أحدّه:حدّقه إليه و رماه به، و رجل حديد النّاظر:لا يتّهم بريبة فيكون عليه غضاضة فيها،و هذا على المثل.

ثمّ استعمل«الحدّ»بمعنى المنع مجازا،لأنّه منيع شديد،يقال:حدّ الرّجل عن الأمر يحدّه حدّا،أي منعه و حبسه،و حددت فلانا عن الشّرّ أحدّه:منعته،و حدّ اللّه عنّا شرّ فلان حدّا:كفّه و صرفه،و المحدود:الممنوع من الخير و غيره،كأنّه قد منع الرّزق،و الحدّ:الرّجل المحدود عن الخير،و يقال للرّامي دعاء عليه:اللّهمّ احدده،أي لا توفّقه للإصابة،و حدّه يحدّه:صرفه عن أمر أراده.و الحدّاد:البوّاب و السّجّان،لأنّهما يمنعان من فيه أن يخرج.و منه:حدّ السّارق و غيره،لأنّه يمنعه عن المعاودة؛و الجمع:حدود،و حدود اللّه تعالى:الأشياء الّتي بيّن تحريمها و تحليلها،و سمّيت حدودا لأنّها نهايات نهى اللّه عن تعدّيها،و قد حدّه يحدّه:ضربه الحدّ.

و الحدد:المنع أيضا،يقال:هذا أمر حدد،أي منيع حرام لا يحلّ ارتكابه،و دعوة حدد:باطلة.

و الحداد:ثياب المآتم السّود،و الحادّ و المحدّ من النّساء:الّتي تترك الزّينة و الطّيب بعد زوجها للعدّة، لأنّها منعت من الزّينة و الخضاب.يقال:حدّت المرأة تحدّ و تحدّ حدّا و حدادا،و أحدّت تحدّ،و هي محدّ.

و المحادّة:المعاداة و المخالفة و المنازعة،و هو «مفاعلة»من الحدّ،كأنّ كلّ واحد من المحاددين يجاوز حدّه إلى الآخر.يقال:حادّ فلان فلانا،أي عاصاه و غاضبه.

و الحدّة:كالنّشاط و السّرعة في الأمور و المضاء فيها،مأخوذ من حدّ السّيف.يقال:حدّ يحدّ،أي أخذته عجلة و طيش.و الحدّة أيضا:ما يعتري الإنسان من النّزق و الغضب.يقال:حددت على الرّجل أحدّ حدّة و حدّا،و في فلان حدّة.

و رجل حديد و حداد،من قوم أحدّاء و أحدّة و حداد،يكون في اللّسن و الفهم و الغضب،و قد حدّ يحدّ حدّة،و إنّه لبيّن الحدّ.

2-و عرّف المناطقة و الفلاسفة و المتصوّفة و الفلكيّون«الحدّ»بتعريفات مختلفة،كما عرّفه الفقهاء أيضا،فقالوا:هو عقوبة مقدّرة وجبت على الجاني.

فالحدّ-إذا-هو الجانب العمليّ للقصاص؛إذ عرّف القصاص بأنّه ما يفعل بالفاعل مثل ما فعل،إلاّ أنّ الحدّ أعمّ من القصاص،لأنّ الأخير يوقع بالمثل،كالعين بالعين و الأنف بالأنف و الأذن بالأذن و السّنّ بالسّنّ.أمّا الحدّ فلا يقتضي المثل دائما،كحدّ السّارق و الزّاني و أمثالهما،فلا يجعل السّارق مثلا غارما،كما في القوانين

ص: 158

الوضعيّة،بل يجب قطع يده في الشّريعة الإسلاميّة.

و قد أثار المستشرقون و من ينادي بحقوق الإنسان زورا ضجّة حول حدود الإسلام،و اعتبروها ضربا من الإجحاف بالإنسان و امتهانا لكرامته.و شجّعوا بذلك الجناة على اقتراف الجريمة و استفحال الشّرّ،كما نرى هذه الظّاهرة بوضوح في المجتمع الغربيّ و الأمريكيّ.

و الأنكى من ذلك ترديد بعض سفهاء المسلمين هذه المقولة و التّرويج لهذه الفكرة الأثيمة عن قصد أو غير قصد جهلا و غباء،و سيأتي أثر الحدّ في الحدّ عن الجريمة في«ق ص ص».

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاءت فعلا ماضيا و مضارعا من باب«المفاعلة» بمعنى المعاداة،و المخالفة،و اسما و اسم مصدر مفردا و جمعا كلّها في 20 آية:

المحادّة:

1- إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ... المجادلة:5

2- إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ المجادلة:20

3- لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ... المجادلة:22

4- أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها التّوبة:63

الحديد و الحداد:

5- ...وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ... الحديد:25

6- آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ... الكهف:96

7- ...يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَ الطَّيْرَ وَ أَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ سبأ:10

8- قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً الإسراء:50

9- وَ لَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ الحجّ:21

10- ...فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ... الأحزاب:19

11- ...فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ق:22

حدود اللّه:

12- ...تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَقْرَبُوها...

البقرة:187

13- اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ البقرة:229

14- فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ البقرة:230

15- تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ... النّساء:13

16- اَلْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا

ص: 159

حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ... التّوبة:97

17- ...وَ النّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ التّوبة:112

18- ...ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ المجادلة:4

19- ...لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ... الطّلاق:1

20- وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها... النّساء:14

يلاحظ أوّلا أنّ فيها ثلاثة محاور:

المحور الأوّل:المحاداة و المخالفة:(1-4)في سورتين مدنيّتين ثلاث في المجادلة و واحدة في التّوبة،و فيها بحوث:

1-كلّها موجّه إلى المنافقين،فقد جاءت في التّوبة في سياق آيات المنافقين،و هو الظّاهر في المجادلة أيضا.

2-طرف المحادّة فيها جميعا اللّه و رسوله،فإنّهما لا ينفكّان سواء في الوداد و الإيمان،أو في العداء و الكفر و الطّغيان،فالمؤمن من آمن باللّه و رسوله و أحبّهما، و الكافر من كفر بهما و عاداهما.

3-المحادّة أطلقت على المخالفة بين شخصين، مأخوذة:إمّا من أصل«المنع»أي يمنع كلّ منهما الآخر، أو من أصل«الحدّ»كأنّ كلّ واحد منهما تجاوز إلى حدّ الآخر،أو كلّ منهما في حدّ و جانب يقابل حدّ الآخر و جانبه،كالمشاقّة،أي كلّ منهما في شقّ غير الشّقّ الّذي فيه الآخر.

و يحتمل أن يكون من«الحديد»أي كلّ منهما يخالف الآخر بشدّة كالحديد.قال الرّاغب في إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ: أي يمانعون،فذلك إمّا اعتبارا بالممانعة،و إمّا باستعمال الحديد.و قالت بنت الشّاطئ:

«و ملحظ الحدّة و العنف واضح في (بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) ،و في لجج المحادّة،و لدد الجدل،و في«الحديد ظاهرة القوّة» و هذا لا يخلو من لطف».

المحور الثّاني:«الحديد»و جمعه«الحداد»جاء في خمس منها(5-9)حقيقة:فتارة(5)في توصيف الحديد و شدّته: وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ، و بها سمّيت سورة الحديد،و أخرى(6)باستعمال الحديد في سدّ ذي القرنين: آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ بغية استحكامه و دوامه،و ثالثة(7)معجزة لداود عليه السّلام وَ أَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ إشعارا بشدّة الحديد،و رابعة(8)تهديدا للّذين أنكروا بعث الموتى وَ قالُوا أَ إِذا كُنّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً* قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً* أَوْ خَلْقاً مِمّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ... الإسراء:49-51، أي أنتم مبعوثون و لو كنتم حجارة أو حديدا،أو شيء آخر أشدّ منهما،فكيف و أنتم عظام و رفاة كما اعترفتم بها!و أخيرا(9)تشديدا للعذاب بضرب مقامع من حديد على رءوسهم في الآخرة وَ لَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ.

فالشّدّة و البأس فيها جميعا إمّا مصرّح بهما،أو مشار إليهما.

و في هذه كلّها جاء لفظ«الحديد»حقيقة.

و جاء مجازا كناية عن الشّدّة مرّتين في(10 و 11).

ص: 160

إحداهما في الدّنيا بشأن المنافقين في غزوة الأحزاب،تجسيما لنفاقهم بأبلغ بيان: قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَ الْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَ لا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاّ قَلِيلاً* أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللّهُ أَعْمالَهُمْ وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً الأحزاب:18، 19،و(حداد)جمع«حديد»صفة للألسنة،أي ألسنة ذربة قاطعة تفعل كفعل الحديد.

و ثانيتهما في الآخرة(11): فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ خطاب للكافر في الآخرة،كما يقتضيه السّياق: وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ* وَ جاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَ شَهِيدٌ* لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ* وَ قالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ* أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ ق:20-24، فيقال للكافر:أنت اليوم عالم بما كنت تنكره في الدّنيا، نافذ البصر،و ليس بصر العين،بل بصيرة القلب،كما يقال:فلان بصير بالنّحو و الفقه.

و فيها قول آخر:إنّه خطاب للنّبيّ عليه السّلام بأنّه كان في غفلة في الجاهليّة من هذا الدّين الّذي بعثه به،فكشف اللّه عنه غطاءه الّذي كان عليه في الجاهليّة،فنفذ بصره بالإيمان،و تبيّنه حتّى تقرّر ذلك عنده«إلى آخر ما عند الطّبريّ»و هو بعيد عن السّياق،و عدّه الطّباطبائيّ من أسخف القول.

و على كلّ منهما فالمراد بها نافذ البصيرة لا البصر، فهو تمثيل يراد به إثبات التّيقّظ يومئذ و إدراك الأمور على حقائقها،بعد انكشاف الحجب عن العقول.

و استفاد منها الطّباطبائيّ أنّ ما يشاهده الإنسان يوم القيامة موجود مهيّأ له و هو في الدّنيا،غير أنّه في غفلة منه.

و في قول آخر:إنّ بصره يومئذ كلسان الميزان شاهد عدل عليه بمعرفته ما سلف منه في الدّنيا من الأعمال، و للماورديّ فيها تفصيل،فلاحظ.

المحور الثّالث:الحدود 14 مرّة،في 9 آيات:(12- 20)و هي الأحكام الّتي قرّره اللّه لكلّ عمل و حدّدها بحدود،و لهذا أضيفت إلى اللّه في الجميع،و أكّد رعايتها و الالتزام بها بطرق شتّى نفيا و إثباتا:وعيدا و وعدا.

أمّا الوعيد-و هو أكثرها-فجاء-11 مرّة:ففي (12) تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَقْرَبُوها فنهى فيها عن الاقتراب إليها ذريعة إلى الاجتناب عن تجاوزها.

و في(13) تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ، و(19) وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، و(20) وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها نهى عن تعدّي الحدود و تجاوزها.

و في(18) وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ، و(16) اَلْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللّهُ جعل«حدود اللّه»حدّا للكفر و النّفاق فمن تعدّاها فقد كفر أو نافق.

و أمّا الوعد فثلاث مرّات:في(14) وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، و(15) تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ

ص: 161

وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، و(17) وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ فجعلها حدّا للإيمان و الطّاعة و الفوز بالجنّة فمن راعاها و لم يتعدّها فقد آمن و أطاع و فاز بالجنّة.

و من طرق التّأكيد فيها:تكرارها في(13)4 مرّات، و في(14)و(19)مرّتين.و أكثرها جاءت بشأن طلاق النّساء و إرثهنّ و ظهارهنّ،تأكيدا لحفظ حقوقهنّ، و رعاية شئونهنّ،لاحظ الطّلاق و الإرث و الظّهار.

و واحدة منها(16)جاءت بشأن المنافقين،و اثنتان (17 و 18)بشأن عموم المؤمنين و الكافرين،فلاحظ.

و ثانيا:إنّ ما يرتبط منها بالتّشريع كآيات«حدود اللّه»كلّها مدنيّ،لأنّ المدينة كانت دار التّشريع،و كذا آيات«المحادّة»أمّا آيات«الحديد»فيها المكّيّ و المدنيّ كلاهما.لأنّها ترجع إلى العقيدة المشتركة بينهما.

ص: 162

ح د ق

اشارة

حدائق

لفظ واحد،3 مرّات مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :حدقة العين في الظّاهر هي سواد العين، و في الباطن:خرزتها؛و تجمع على:حدق و حداق أيضا.

و الحديقة:أرض ذات شجر مثمر؛و الجميع:

الحدائق.

و الحديقة من الرّياض:ما أحدق بها حاجز أو أرض مرتفعة.

و التّحديق:شدّة النّظر.

و كلّ شيء استدار بشيء فقد أحدق به.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:41)

اللّيث:تقول:عليه شامة سوداء قد أحدق بها بياض.(الأزهريّ 4:34)

ابن شميّل: حديق الرّوض:ما أعشب به و التفّ.

يقال:روضة بني فلان ما هي إلاّ حديقة ما يجوز فيها شيء،و قد أحدقت الرّوضة عشبا،و إذا لم يكن فيها عشب فهي روضة.(الأزهريّ 4:34)

أبو عبيد: «في حديث الأحنف بن قيس:إنّ أهل هذه الأمصار نزلوا في مثل حدقة البعير من العيون العذاب تأتيهم فواكههم لم تخضد،...».

قوله:«مثل حدقة البعير من العيون العذاب»يعني كثرة مياههم و خصبهم،و أنّ ذلك عندهم كثير دائم، و إنّما شبّهه بحدقة البعير،لأنّه يقال:إنّ المخّ ليس يبقى في جسد البعير بقاءه في السّلامى و العين،و هو في العين أبقى منه في السّلامى أيضا.[ثمّ استشهد بشعر](2:393)

ابن الأعرابيّ: يقال للباذنجان:الحدق و المغد.

(الأزهريّ 4:34)

كراع النّمل:الحديقة:القطعة من الزّرع.

(ابن سيده 2:566)

ابن دريد :الحدقة:حدقة العين،و هي سوادها؛ و الجمع:حدق و أحداق و حداق.

ص: 163

و حدق القوم بالرّجل و أحدقوا به،إذا أطافوا به.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الحديقة:البستان من النّخل و الشّجر؛و الجمع حدائق.

و قالوا:الحندوقة و الحنديقة:الحدقة،و لا أدري ما صحّته.(2:123)

و حدقت و حدقت به المنيّة و أحدقت.[ثمّ استشهد بشعر](3:442)

الأزهريّ: [قيل:]السّواد الأعظم في العين هو الحدقة،و الأصغر هو النّاظر و فيه إنسان العين.و إنّما النّاظر كالمرآة إذا استقبلتها رأيت فيها شخصك.

و[قيل:]حدق فلان الشّيء بعينه يحدقه حدقا،إذا نظر إليه،و حدق الميّت،إذا فتح عينه و طرف بها.

و الحدوق:المصدر.

و رأيت الميّت يحدق يمنة و يسرة،أي يفتح عينيه و ينظر.(4:33)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و حدق به:لغة،و حدّق-أيضا-و احدودق به:

بمعنى.

و الحدق:شجر في لغة هذيل شاكة مورقة،و هو أيضا الباذنجان.(2:341)

الجوهريّ: [نحو الخليل و أضاف:]

يقال:الحديقة كلّ بستان عليه حائط.

و حدقوا بالرّجل و أحدقوا به،أي أحاطوا به.

(4:1456)

ابن فارس: الحاء و الدّال و القاف أصل واحد و هو الشّيء يحيط بشيء،يقال:حدق القوم بالرّجل و أحدقوا به.

و حدقة العين من هذا،و هي السّواد،لأنّها تحيط بالصّبيّ؛و الجمع:حداق.

و التّحديق:شدّة النّظر.

و الحديقة:الأرض ذات الشّجر.

و الحنديقة:الحدقة.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(2:33)

ابن سيده: حدق به الشّيء و أحدق:استدار.و الحديقة من الرّياض:كلّ أرض استدارت،و أحدق بها حاجز و أرض مرتفعة.

و قيل:الحديقة:كلّ أرض ذات شجر مثمر و نخل.

و قيل:الحديقة:البستان و الحائط،و خصّ بعضهم به الجنّة من النّخل و العنب.

و قيل:الحديقة:حفرة تكون في الوادي تحبس الماء.

و كلّ وطئ يحبس الماء في الوادي و إن لم يكن الماء في بطنه فهو حديقة.و الحديقة أعمق من الغدير.

و الحديقة:القطعة من الزّرع،عن كراع،و كلّه في معنى الاستدارة.

و الحدقة:السّواد المستدير وسط بياض العين، و قيل:هي في الظّاهر سواد العين،و في الباطن خرزتها، و الجمع:حدق و أحداق و حداق.

و قولهم:نزلوا في مثل حدقة البعير:أي نزلوا في خصب.و شبّهه بحدقة البعير لأنّها ريّا من الماء.و قيل:

إنّما أراد أنّ ذلك عندهم دائم.لأنّ النّقي لا يبقى في جسد البعير بقاءه في العين و السّلامى.

ص: 164

و الحندوقة و الحنديقة:الحدقة،قال ابن دريد و لا أدري ما صحّتها.

و التّحديق:شدّة النّظر بالحدقة.

و الحدق:الباذنجان،واحدتها حدقة،شبّه بحدق المها.و وجدنا بخطّ عليّ بن حمزة:الحذق:الباذنجان بالذّال المنقوطة،و لا أعرفها.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](2:566)

الرّاغب: حدائق ذات بهجة:جمع حديقة،و هي قطعة من الأرض ذات ماء سمّيت تشبيها بحدقة العين في الهيئة و حصول الماء فيها.و جمع الحدقة:حداق و أحداق.

و حدّق تحديقا:شدّد النّظر.

و حدقوا به و أحدقوا:أحاطوا به تشبيها بإدارة الحدقة.(110)

الزّمخشريّ: هم في مثل حدقة البعير،أي في خصب و ماء كثير،و هي موصوفة بكثرة الماء.

و هم رماة الحدق:للمهرة في النّضال.

و تقول:الرّامي إذا حذق،لم يخطئ الحدق.

و تكلّمت على حدق القوم،أي و هم ينظرون إليّ.

[ثمّ استشهد بشعر]

و حدّق إليّ و نظر إليّ بتحذيق،و حدقه بعينه:نظر إليه فهو حادق.

و رأيت المريض يحدق يمنة و يسرة.و رأيت الذّبيحة حادقة و قد أحدقوا به،إذا أحاطوا.

و من المجاز:ورد عليّ كتابك،فتنزّهت في أنق رياضه،و بهجة حدائقه.

و فلان قد أحدقت به المنيّة.(أساس البلاغة:76) [ثمّ ذكر حديث الأحنف السّابق،و قال:]

شبّه بلادهم في خصبها و كثرة مائها بحدقة البعير و حولاء النّاقة،لأنّ الحدقة توصف بكثرة الماء.

و قيل:أراد أنّ خصبها دائم لا ينقطع،لأنّ المخّ ليس يبقى في شيء بقاءه في العين.(الفائق 1:267)

المدينيّ: في حديث معاوية بن الحكم:«فحدّقني القوم بأبصارهم»أي رموني بحدقهم و نظروا إليّ بها، و التّحديق:شدّة النّظر.(1:413)

ابن الأثير: فيه:«سمع من السّماء صوتا يقول:اسق حديقة فلان».

الحديقة:كلّ ما أحاط به البناء من البساتين و غيرها.و يقال للقطعة من النّخل:حديقة،و إن لم يكن محاطا بها؛و الجمع:الحدائق.(1:354)

الفيّوميّ: أحدق القوم بالبلد إحداقا:أحاطوا به؛ و في لغة:حدق يحدق من باب«ضرب»،و حدّق إليه بالنّظر تحديقا شدّد النّظر إليه.

و حدقة العين:سوادها؛و الجمع:حدق و حدقات، مثل:قصبة و قصب و قصبات،و ربّما قيل:حداق مثل:

رقبة و رقاب.

و الحديقة:البستان يكون عليه حائط«فعيلة»بمعنى «مفعولة»لأنّ الحائط أحدق بها،أي أحاط.ثمّ توسّعوا حتّى أطلقوا الحديقة على البستان و إن كان بغير حائط؛ و الجمع:الحدائق.(1:125)

الفيروزآباديّ: الحدقة محرّكة:سواد العين، كالحندوقة و الحنديقة؛جمعها:حدق و أحداق و حداق.

ص: 165

و حدقوا به يحدقون:أطافوا به،كأحدقوا و احدودقوا،و الشّيء:نظر إليه،و الميّت حدوقا:فتح عينيه و طرف بهما،و فلانا:أصاب حدقته.

و الحدق محرّكة:الباذنجان.

و الحديقة:الرّوضة ذات الشّجر؛جمعها:حدائق،أو البستان من النّخل و الشّجر،أو كلّ ما أحاط به البناء،أو القطعة من النّخل،و قرية من أعراض المدينة.

و حديقة الرّحمن:بستان كان لمسيلمة الكذّاب فلمّا قتل عندها سمّيت:حديقة الموت.

و كجهينة:موضع لبني يربوع.و أحدقت الرّوضة:

صارت حديقة.

و التّحديق:شدّة النّظر.(3:226)

الطّريحيّ: حبّة الحدقة،و هي النّاظر في العين لا جسم العين كلّه.و حدقوا به،و أحدقوا به:أطافوا و أحاطوا.(5:144)

العدنانيّ: حدق القوم به و أحدقوا به:

و يخطّئون من يقول:حدق القوم به،أي أحاطوا به، و يقولون:إنّ الصّواب هو:أحدقوا به،اعتمادا على ما قاله الحريريّ في المقامتين المغربيّة و النّصيبيّة،و ما جاء في الأساس و المغرب و المختار.

و لكن:أجاز الفعلين:أحدق القوم به،و حدقوا،كلّ من:أدب الكاتب في باب أبنية الأفعال،و الصّحاح، و معجم مقاييس اللّغة،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.[ثمّ استشهد بشعر]

و فعله:حدق به يحدق حدقا.(146)

المصطفويّ: و الّذي يقوى في النّظر:أنّ«الحدق» مجرّدا لازم،بمعنى الاستدارة لازما،و تعديته بالحرف أو بالهمزة و التّضعيف.

و الحديقة«فعيلة»من ذلك المعنى،أي ما ثبت له الاستدارة بحائط يحيط به،أو بأشجار ملتفّة أو بارتفاع أو غير ذلك و لا حاجة إلى كونها بمعنى«المفعول»مع أنّها ليست بمتعدّية.

و الحدقة كالثّمرة اسم لداخل العين بمناسبة استدارتها في نفسها،أو بإحاطة العظم المستدير بها.

و أمّا التّحديق فهو إمّا اشتقاق انتزاعيّ من «الحدقة»أو باعتبار إحاطة البصر و توجّهه الكامل، و نظره التّامّ المحدق.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

يستفاد من هذه التّعبيرات أنّ قوام الحديقة ليس بالحائط و لا بشجر مخصوص،بل هي عبارة عن روضة ذات بهجة مستديرة،و الأغلب متكاثف الأشجار.

فيلاحظ في الحديقة الاستدارة،و في الجنّة الاستتار بالأشجار.(2:193)

النّصوص التّفسيريّة

حدائق

أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها... النّمل:60

ابن عبّاس: بساتين ما أحيط عليها من النّخل و الشّجر.(320)

ص: 166

نحوه الكلبيّ.(الماورديّ 4:221)

عكرمة :الحدائق:النّخل ذات بهجة.

مثله قتادة.(القرطبيّ 13:221)

و نحوه الحسن.(الماورديّ 4:221)

الفرّاء: إنّما يقال:حديقة لكلّ بستان عليه حائط، فما لم يكن عليه حائط لم يقل له:حديقة.(2:297)

نحوه الطّبريّ(20:3)،و الطّوسيّ(8:108)، و الطّبرسيّ(4:229)،و الخازن(5:127)،و شبّر(4:

435).

ابن قتيبة :الحدائق:البستان؛واحدها:حديقة.

سمّيت بذلك،لأنّه يحدق عليها،أي يحظر عليها حائط.

و منه قيل:حدّقت بالقوم،إذا أحطت بهم.(326)

الزّجّاج: الحدائق:واحدتها حديقة،و الحديقة:

البستان،و كذلك الحائط،و قيل:القطعة من النّخل.

(4:128)

الزّمخشريّ: الحديقة:البستان عليه حائط،من الإحداق و هو الإحاطة.(3:155)

نحوه الفخر الرّازيّ(24:205)،و القرطبيّ(13:

221)،و البيضاويّ(2:180)،و النّسفي(3:218)، و أبو السّعود(5:95)،و البروسويّ(6:361)، و الطّباطبائيّ(15:379).

ابن عطيّة: الحدائق:مجتمع الشّجر من الأعناب و النّخيل و غير ذلك،قال قوم:لا يقال:حديقة إلاّ لما عليه جدار قد أحدق به،و قال قوم:يقال ذلك كان جدارا أو لم يكن،لأنّ البياض محدق بالأشجار.(4:266)

الشّربينيّ: جمع حديقة،و هي البستان.و قيل:

القطعة من الأرض ذات الماء.[ثمّ نقل قول الرّاغب و أضاف:]

و قال غيره:سمّيت بذلك لإحداق الجدران بها-قاله ابن عادل-و ليس بشيء،لأنّه يطلق عليها ذلك مع عدم الجدران.(3:68)

أبو حيّان :الحديقة:البستان كان عليه جدار أو لم يكن.(7:81)

الطّريحيّ: أي ذات حسن؛واحدتها:حديقة، و إن لم يكن محاطا بها.(5:144)

الآلوسيّ: (حدائق):جمع حديقة،و هي كما في «البحر»البستان سواء أحاط به جدار أم لا،و هو ظاهر إطلاق تفسير ابن عبّاس؛حيث فسّر الحدائق لابن الأزرق بالبساتين،و لم يقيّد.

و قال الزّمخشريّ: هي البستان عليه حائط من الإحداق و هو الإحاطة و هو مرويّ عن الضّحّاك.

و قال الرّاغب: هي قطعة من الأرض ذات ماء، سمّيت حديقة تشبيها بحديقة العين في الهيئة و حصول الماء فيها.

و لعلّ الأظهر ما في«البحر»و كأنّ وجه تسمية البستان عليه حديقة أنّ من شأنها أن تحدق بالحيطان أو تصرف نحوها الأحداق،و تنظر إليها.(20:4)

مكارم الشّيرازيّ: و الحدائق:جمع الحديقة، و هي كما يقول كثير من المفسّرين:البستان الّذي يحيطه الجدار أو الحائط،و هو محفوظ من جميع الجهات؛و منها سمّيت حدقة العين:حدقة،لأنّها محفوظة بين الجفنين و الهدب.[ثمّ نقل كلام الرّاغب،و قال:]

ص: 167

و يستفاد من مجموع هذين الرّأيين أنّ الحديقة بستان له جدار و ماء كاف.(12:100)

و جاء بهذا المعنى قوله تعالى: حَدائِقَ وَ أَعْناباً النّبأ:32،و قوله تعالى: وَ حَدائِقَ غُلْباً عبس:30.

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحدقة،أي السّواد المحيط بناظر العين؛و الجمع:حدق و حداق و أحداق.و اشتقّ منه:التّحديق،و هو شدّة النّظر بالحدقة.و قالوا:حدق فلان الشّيء يحدقه حدقا،أي نظر إليه،و حدق الميّت حدوقا:فتح عينيه و طرف بهما،و رأيت الميّت يحدق يمنة و يسرة:يفتح عينيه و ينظر.

ثمّ استعير لكلّ شيء يحيط بشيء و يستدير به.

يقال:عليه شامة سوداء قد أحدق بها بياض،و حدق به الشّيء و أحدق،أي استدار.

و منه:الحديقة:«فعيلة»بمعنى«مفعولة»،و هي ما أحدق بها حائط من الجنان و الرّياض؛و الجمع:حدائق.

يقال:روضة بني فلان ما هي إلاّ حديقة ما يجوز فيها شيء،و قد أحدقت الرّوضة عشبا،و إذا لم يكن فيها عشب فهي روضة.

و حدق القوم بالرّجل،و أحدقوا به:أطافوا به، و حدقت و حدقت به المنيّة و أحدقت،على التّشبيه.

2-و يفرق البستان عن الحديقة،فهو-وفق أصله في الفارسيّة-مجمع الورد،أي المكان الّذي تزرع فيه ورود ذكيّة الرّائحة،أو تغرس فيه أشجار ذات ثمر ذكيّ الطّعم؛إذ ورد في«الفهلويّة»مركّبا من كلمتين:«بو»أي الرّائحة،و«ستان»أي مكان الرّائحة.

و عرّب من هذه اللّغة بلفظ«بستان»بحذف الواو، للتّخلّص من التقاء السّاكنين:«الواو»و«السّين»،فضمّ إلى وزن«فعلان»،مثل:حسبان و عنوان و ذودان و غيرها،ثمّ استعمله الفرس بهذا اللّفظ أيضا.

فلا وجه-إذا-لقول من قال:البستان:الحديقة من النّخل،أو كلّ بستان عليه حائط فهو حديقة،لأنّه يناقض الأصل و المنشأ،إلاّ أن يكون على التّوسّع.

كما لا معنى لقول الزّبيديّ معقبا لصاحب«شفاء الغليل»:«مقتضى تركيبه من«بو»و«ستان»أن يكون آخذ الرّائحة،و سقط«الواو»عند الاستعمال،لأنّه يخالف الاستعمال في الفارسيّة،و قواعد اللّغة في العربيّة؛ إذ يقتضي قوله وجود وزن«فوعلان»،ثمّ صار«فعلان» عند الاستعمال للتّخفيف.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد،ثلاث مرّات مكّيّة:

1- ...فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ...

النّمل:60

2- فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا* وَ عِنَباً وَ قَضْباً* وَ زَيْتُوناً وَ نَخْلاً* وَ حَدائِقَ غُلْباً عبس:27-30

3- إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً* حَدائِقَ وَ أَعْناباً

النّبأ:31،32

و يلاحظ أوّلا:أنّ حدائق جاءت مرّتين في نعم الدّنيا(1 و 2)،و مرّة في نعم الآخرة(3):فجاء في(1):

أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ

ص: 168

ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ النّمل:60

و في(2): فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ* أَنّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا* ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا* فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا* وَ عِنَباً وَ قَضْباً* وَ زَيْتُوناً وَ نَخْلاً* وَ حَدائِقَ غُلْباً* وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا* مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ

عبس:24-32

و في(3): إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً* حَدائِقَ وَ أَعْناباً* وَ كَواعِبَ أَتْراباً* وَ كَأْساً دِهاقاً النّبأ:31-34

و فيها بحوث:

1-جاء في الأوليين تمهيدا لإنبات الحدائق إنزال الماء من السّماء،أو صبّه صبّا.

2-و جاء فيهما ذكر الأرض و الإنبات،و في(2) فقط شقّ الأرض.

3-و جاء في(2)إنّ ذلك طعام للنّاس،و متاع لهم و لأنعامهم، وَ حَدائِقَ غُلْباً أي مكثّفة الأغصان للسّكن تحتها و في(1)بدلها حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ فنبّه فيها على لذّة العيون بها،و في الأولى على شبع البطون منها،و السّكن تحتها.

4-و نبّه في الأولى على أنّها فعل اللّه فهو الإله ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ.

5-اكتفى فيها بالحدائق ذات بهجة،و ذكر في الثّانية إلى جانب وَ حَدائِقَ غُلْباً الحبّ و جملة من الثّمار، و الأبّ.[لاحظ أبّ،و الشّجر و الحبّ و النّبت و غيرها]

6-كلّ ذلك في حدائق الدّنيا فإنّها تنشأ بالأسباب الطّبيعيّة من الماء و شقّ الأرض و الإنبات و غيرها.أمّا حدائق الآخرة فهي تنشأ بأمر اللّه من دون الأسباب،فلم يذكر فيها الماء و الإنبات و غيرهما.

7-ذكرت في(3)مع الحدائق(اعنابا)للأكل،و وَ كَواعِبَ أَتْراباً للالتذاذ الجنسيّ، وَ كَأْساً دِهاقاً للشّرب،فجمع اللّه فيها للمتّقين كلّ لذّة مادّيّة الّتي كانت في الدّنيا بشكل أوسع و أعلى.

ثانيا:و كلّها مكّيّة لرجوعها إلى العقيدة،فإنّ الأوليين تهديان إلى عقيدة التّوحيد،و الأخيرة إلى عقيدة البعث و الدّار الآخرة،و مكّة كانت دارا لتحكيم العقيدة،كما أنّ المدينة كانت دار تشريع و تقنين حسب الغالب.

ص: 169

ص: 170

ح ذ ر

اشارة

13 لفظا،21 مرّة:3 مكّيّة،18 مدنيّة

في 12 سورة:3 مكّيّة،9 مدنيّة

حذر 2:-2 فاحذروه 1:-1

يحذر 3:1-2 فاحذروهم 1:-1

يحذرون 2:1-1 حاذرون 1:1

تحذرون 1:-1 محذورا 1:-1

احذرهم 2:-2 حذرهم 1:-1

احذروا 2:-2 حذركم 2:-2

يحذّركم 2:-2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحذر،مصدر قولك:حذرت أحذر حذرا فأنا حاذر و حذر.و تقرأ الآية وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ الشّعراء:56،أي مستعدّون.و من قرأ(حذرون)فمعناه إنّا نخاف شرّهم.

و أنا حذيرك منه،أي أحذّركه.

و حذار يا فلان،أي احذر،قال:

*حذار من أرماحنا حذار*

جرّت للجزم الّذي في الأمر،و أنّثت لأنّها كلمة.

يقال:سمعت (1)حذار في عسكرهم،و دعيت نزال بينهم.(3:199)

سيبويه :ما يجيء من المصادر مثنّى منتصبا على إضمار الفعل المتروك إظهاره:...و مثل ذلك:حذاريك، كأنّه قال:ليكن منك حذر بعد حذر.(1:348)

و لا نعلم في الكلام فعلّى و لا فعلّى،و لا شيئا من هذا النّحو لم نذكره،و لكن على«فعلّى».قالوا:حذرّى، و نذرّى،و هو اسم.(4:261)

و تلحق[الياء]رابعة فيكون الحرف على«فعلية»، فالأسماء نحو:حذرية و هبرية...(4:268)

ابن شميّل: الحذرية:الأرض الغليظة من القفّ، الخشنة.(الأزهريّ 4:463)

ص: 171


1- جاء في«اللّسان»«سمعت حذار...»مبنيّا للمجهول.

أبو عمرو الشّيبانيّ: و الحذرية،و جماعها:

الحذاري:المرتفعة من السّبتاء.(1:198)

الحذرية:المكان الغليظ الخشن؛و جماعها:حذاري.

(الحربيّ 3:1195)

أبو عبيدة :حذر و حذر و حاذر،و قوم حذرون و حاذرون.[ثمّ استشهد بشعر](2:86)

و يقال:سمعت في عسكرهم حذار حذار.

(الحربيّ 3:1195)

أبو زيد :في العين الحذر،و هو ثقل فيها من قذى يصيبها.(الأزهريّ 4:462)

الأصمعيّ: الحذريّة من الأرض:الخشنة،و الجمع:

حذاريّ.(الأزهريّ 4:463)

ابن السّكّيت: يقال:حذر و حذر،إذا كان كثير الحذر.(إصلاح المنطق:99)

شمر: الحاذر:المؤدي الشّاكّ في السّلاح.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:462)

الحربيّ: [و في حديث]«لا يغني حذر من قدر...يقال:حذرت أحذر حذارا.(3:1194)

ابن دريد :الحذر:معروف،حذر يحذر حذرا، و حاذر يحاذر محاذرة و حذارا.

و قد قرئ وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ أي متأهّبون، (و حذرون)أي خائفون.

و الحذريّة (1)«فعليّة»:الأرض الغليظة؛و الجمع:

حذاري و حذار.

و رجل حذريان:شديد الفزع.

و المحذورة:الفزع بعينه،و قالوا:بل الحرب.[ثمّ استشهد بشعر]

و قولهم:حذار من كذا و كذا،أي احذره.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد سمّت العرب:حذيرا و محذرا و محاذرا و حذّارا و حذارة.

و الحذاريات:القوم يحذّرون أو ينذرون.(2:127)

و حاذور:خائف من النّاس،لا يعاشرهم.(3:388)

و حذرياء،و هي أرض نحو الحذرية،و هي أرض صلبة.(3:412)

الحذرية:أرض فيها غلظ.(3:424)

الأزهريّ: [قال]اللّيث:أنا حذيرك من فلان،أي أحذّركه.

قلت:لم أسمع هذا الحرف لغيره،و كأنّه جاء به على لفظ نذيرك و عذيرك.[إلى أن قال:]

و قال أبو خيرة:أعلى الجبل إذا كان صلبا غليظا مستويا فهو حذرية،و يقال:رجل حذريان،إذا كان حذرا على«فعليان».(4:462)

الصّاحب:[مثل الخليل و أضاف:]

و حذار حذار:ينوّن الأخير.

و رجل حذرية:منكر.

و احتذروا:أي احذروا.

و الحذرية و الحذاري:المكان الغليظ من الأرض، و قيل:هي رأس الأكمة،و هي الحذرياء أيضا.

و الحذرية و العفرية:واحد،يقال:نفّش حذريته،:

و هي قنزعة الدّيك.د.

ص: 172


1- لم يشدّد ياء حذرية إلاّ عند ابن دريد.

و الحذر في العين:ثقل فيها من قذى.

و أبو حذر:دويبّة ترفع رأسها مرّة و تضعه أخرى تتلوّن ألوانا.(3:65)

الجوهريّ: الحذر و الحذر:التّحرّز،و قد حذرت الشّيء أحذره حذرا.

و رجل حذر و حذر،أي متيقّظ متحرّز؛و الجمع:

حذرون و حذارى و حذرون.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّحذير:التّخويف.

و الحذار:المحاذرة.

و قولهم:إنّه لابن أحذار،أي لابن حزم و حذر.

و حذار،مثل قطام،بمعنى احذر.[ثمّ استشهد بشعر] و المحذورة:الفزع بعينه.

و الحذرية على«فعلية»:قطعة من الأرض غليظة؛ و الجمع الحذارى.

و تسمّى إحدى حرّتي بني سليم:الحذرية.

و نفش الدّيك حذريته،أي عفريته.

و رجل حذريان:شديد الفزع و الحذر.(2:626)

ابن فارس: الحاء و الذّال و الرّاء أصل واحد،و هو من التّحرّز و التّيقّظ،يقال:حذر يحذر حذرا.و رجل حذر و حذور و حذريان:متيقّظ متحرّز.و حذار،بمعنى احذر.[ثمّ استشهد بشعر]

و المحذورة:الفزع.فأمّا الحذرية فالمكان الغليظ، و يمكن أن يكون سمّي بذلك لأنّه يحذر المشي عليه.

(2:37)

أبو هلال :الفرق بين الخوف و الحذر و الخشية و الفزع:أنّ الخوف توقّع الضّرر المشكوك في وقوعه، و من يتيقّن الضّرر لم يكن خائفا له،و كذلك الرّجاء لا يكون إلاّ مع الشّكّ،و من تيقّن النّفع لم يكن راجيا له.

و الحذر:توقّي الضّرر و سواء كان مظنونا أو متيقّنا، و الحذر يدفع الضّرر،و الخوف لا يدفعه،و لهذا يقال:

خذ حذرك،و لا يقال:خذ خوفك.(199)

الفرق بين الحذر و الاحتراز:أنّ الاحتراز هو التّحفّظ من الشّيء الموجود،و الحذر هو التّحفّظ ممّا لم يكن إذا علم أنّه يكون أو ظنّ ذلك.(200)

ابن سيده: الحذر و الحذر:الخيفة،حذره حذرا و احتذره،الأخيرة عن ابن الأعرابيّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل حذر و حذر و حاذورة و حذريان:متيقّظ شديد الحذر،و حاذر متأهّب معدّ كأنّه يحذر أن يفاجأ، و في التّنزيل: وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ الشّعراء:56، أي معدّون.

و قد حذّره الأمر،و أنا حذيرك منه،أي محذّرك.

و المحذورة:كالحذر،مصدر،كالمصدوقة و المكذوبة.

و قيل:هي الحرب

و يقال:حذار،أي احذر.و قد أبنت تعليل ذلك في «الكتاب المخصّص»في أبواب المذكّر و المؤنّث.

و قد جاء في الشّعر حذار.[و استشهد بشعر اللّحيانيّ]

و قالوا:حذاريك،جعلوه بدلا من اللّفظ بالفعل، و معنى التّثنية أنّه يريد ليكن منك حذر بعد حذر.

و من أسماء الفعل قولهم:حذرك زيدا و حذارك زيدا،إذا كنت تحذّره منه.و حكى اللّحيانيّ:حذارك،

ص: 173

بكسر الرّاء.

و أبو حذر:كنية الحرباء.

و الحذرية و الحذرياء:الأرض الخشنة،و يقال لها:

حذار،اسم معرفة.

و احذأرّ الرّجل:غضب فاحرنفش و تقبّض.

و الإحذار:الإنذار،و الحذاريات:المنذرون.

و قد سمّت:محذورا و حذيرا.(3:286)

الحذر:الخيفة،حذر يحذر حذارا و احتذر:استعدّ و تأهّب،فهو حاذر و حذر؛و الاسم:الحذر.

و هو حذر و حاذورة:شديد الحذر.

و حذر الشّيء يحذره حذارا:خافه و احترز منه، فالرّجل حاذر و حذر،و الشّيء محذور و محذور منه.

و حذّرته الأمر و منه:خوّفته.و أنا حذيرك،أي محذّرك.

و حذار:اسم فعل بمعنى احذر،و تقول:حذرك زيدا،أي احذره،و حذارك زيدا و حذاريك،أي ليكن منك حذر بعد حذر.(الإفصاح 1:168)

الطّوسيّ: و الحذر:إعداد ما يتّقي الضّرر،و مثله الخوف و الفزع،تقول:حذرت حذرا،و تحذّر تحذّرا، و حاذره محاذرة و حذارا،و حذّره تحذيرا.(5:291)

و قيل:الفرق بين الحاذر و الحذر:أنّ الحاذر:الفاعل للحذر،أن يناله مكروه،و الحذر:المطبوع على الحذر.

و قيل:(حاذرون):مؤدون في السّلاح،أي ذووا أداة من السّلاح،المستعدّون للحرب من عدوّ،و الحذر:

اجتناب الشّيء خوفا منه،حذر حذرا،فهو حاذر، و حذّره تحذير،و تحذّر تحذّرا،و حاذره محاذرة و حذارا.(8:23)

نحوه الطّبرسيّ.(4:190)

الرّاغب: الحذر:احتراز عن مخيف،يقال حذر حذرا و حذرته.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و حذار أي احذر،نحو مناع أي امنع.(111)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:441)

الزّمخشريّ: حذرته،و حاذرته،و فرّ حذر الموت،و حذار الموت.و وقاك اللّه كلّ مكروه و محذور.

و تقول:ذر لا تحذر.

و صبّحتهم المحذورة،و هي الخيل المغيرة أو الصّيحة.

و رجل حذريان:شديد الحذر.

و من الكناية:رجل حذر و حذر:متيقّظ محترز، و حاذر:مستعدّ.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(أساس البلاغة:77)

الطّبرسيّ: الحذر:إعداد ما يتّقي الضّرر،و رجل حذر:متيقّظ،متحرّز،و رجل حذريان:كثير الحذر شديد الفزع.(3:45)

الصّغانيّ: و حذرّى،على«فعلّى»بضمّتين و تشديد اللاّم،مثال حظبّى،و غلبّى:الباطل.

أبو حذر:دويبّة ترفع رأسها مرّة و تخفضه أخرى، و تتلوّن ألوانا.

و الحذراء:الأكمة الغليظة،مثل الحذرية.

و يقال:حذار حذار،بتنوين الأخير.

و الاحتذار:الحذر.(2:468)

الفيّوميّ: حذر حذرا من باب«تعب»،و احتذر و احترز:كلّها بمعنى استعدّ و تأهّب،فهو حاذر و حذر؛

ص: 174

و الاسم منه:الحذر،مثل حمل.

و حذر الشّيء،إذا خافه،فالشّيء محذور،أي مخوف.

و حذّرته الشّيء بالتّثقيل فحذره.

و المحذورة:الفزع،و بها كني،و منه أبو محذورة المؤذّن.(1:126)

الفيروزآباديّ: الحذر بالكسر و يحرّك:الاحتراز كالاحتذار و المحذورة،و الفعل كعلم،و هو حاذورة و حذريان و حذر و حذر،الجمع:حذرون و حذارى،أي متيقّظ شديد الحذر.

و هو ابن أحذار،أي حزم و حذر.

و المحذورة:الفزع و الدّاهية الّتي تحذر،و الحرب.

و حذار حذار و قد ينوّن الثّاني،أي احذر و ربيعة بن حذار كغراب:جواد،و موضع...

و أنا حذيرك منه،أي أحذّركه.

و الحذرية كالهبرية:القطعة الغليظة من الأرض، و حرّة لبني سليم،و الأكمة الغليظة كالحذرياء،و عفرية الدّيك،الجمع:حذاري و حذار.

و حذرّى كغلبّى:الباطل.

و حذران كعثمان و زبير:علمان.

و الحذاريات بالضّمّ:القوم الّذين يحذّرون،أي يخوّفون.

و احذارّ:غضب و تغيّظ.

و حذرك و حذاريك زيدا،إذا كنت تحذّره منه.

و أبو حذر:الحرباء...

و المحاذرة بين اثنين.(2:7)

الطّريحيّ: و الحذر و الحذر بمعنى واحد،كالأثر و الإثر.

و الحذر هو امتناع القادر من الشّيء لما فيه من الضّرر.

و رجل حاذر و حذر،أي محترز متيقّظ.و قد حذرت الشّيء أحذره حذرا.

و الحذار بالكسر:المحاذاة.

و حذار حذار،بمعنى احذر احذر.

و«أعوذ بك ممّا أخاف و أحاذر»هو تعوّذ من وجع و مكروه هو فيه،و ممّا يتوقّع حصوله في المستقبل من الحزن و الخوف،فإنّ الحذر هو الاحتراز عن مخوف.

(3:262)

مجمع اللّغة :حذره يحذره حذرا:خشيه و تحرّز منه على خيفة،فهو حاذر،و اسم المفعول:محذور.

أخذ فلان حذره:أعدّ نفسه و تنبّه لما يخشاه.

حذّره كذا تحذيرا:خوّفه إيّاه،و خوّفه منه.

(1:242)

محمّد إسماعيل إبراهيم: حذره:خافه و تحرّز منه،و يقال:أخذ حذره،إذا تيقّظ و احترز ممّا يخاف منه.

و حذّره الشّيء و منه:خوّفه و نبّهه.

و الحاذر:الحذر:المتيقّظ المتأهّب المستعدّ؛و الجمع:

حاذرون.

و المحذور:ما يحتذر منه.

و حذر الموت:خشية الموت و هربا منه.(1:126)

محمود شيت: حذره حذرا:تيقّظ و استعدّ،

ص: 175

و الشّيء و منه:خافه و احترز منه،فهو حاذر و حذر، و الشّيء محذور و محذور منه.

حاذره محاذرة و حذارا:حذر كلّ منهما الآخر.

حذّره الشّيء و منه:خوّفه.

الحاذورة:الشّديد الحذر.

حذار:اسم فعل أمر بمعنى احذر.

الحذر:التّيقّظ و الاستعداد.

المحذور:ما يتّقى و يحترز منه.

حذر:تيقّظ و استعدّ حسب أسوأ الاحتمالات.

الحذر:اليقظة و الاستعداد،و الحذر من مزايا القائد الجيّد.

المحذور:الممنوع.(1:175)

العدنانيّ: حذّره الشّيء،حذّره من الشّيء:

و يخطّئون من يقول:حذّره من الشّيء،و يقولون:

إنّ الصّواب هو:حذّره الشّيء،اعتمادا على قوله تعالى في الآيتين 28 و 29 من سورة آل عمران: وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ، و على معجم ألفاظ القرآن الكريم،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و المصباح المنير.

و لكن:أجاز حذّره الشّيء و من الشّيء كلّ من اللّسان و القاموس،و التّاج،و المدّ،و المتن،و الوسيط.

أمّا معنى:حذّره الشّيء و من الشّيء،خوّفه و صيّره حذرا.(147)

حذر الشّيء أو من الشّيء:

و يخطّئون من يقول:حذر من الشّيء،و يقولون إنّ الصّواب هو:حذر الشّيء،اعتمادا على ما جاء في الصّحاح،ثمّ مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و قوله تعالى في الآية 49 من سورة المائدة: وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ.

و جاء الفعل«حذر»مضارعا و أمرا،تسع مرّات أخرى في القرآن الكريم،يليه مفعوله دون أن يكون مسبوقا بحرف الجرّ«من».

ثمّ اعتمدوا على ما جاء في الأساس،ثمّ اللّسان،ثمّ المصباح،ثمّ التّاج.

و لكنّ مدّ القاموس،و محيط المحيط،و متن اللّغة، و المعجم الوسيط،أجازوا:حذر الشّيء،و حذر منه.

و جاء في مدّ القاموس:حذر عليه من كذا،و احتذر عليه من كذا،و احتذره.

و فعله:حذره يحذره حذرا:و حذر منه يحذر منه حذرا:احترزه و تيقّظ منه.(معجم الأخطاء الشّائعة:63)

المصطفويّ: و التّحقيق،أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو التّحرّز النّاشئ عن الخوف،لا مطلق التّحرّز و لا مطلق الخوف.و أمّا الاستعداد و التّيقّظ و التّأهّب و غيرها فمن آثار ذلك الأصل و لوازمه.

و الفرق بين الحذر و التّحرّز و الورع:أنّ الخوف ملحوظ في الأوّل و الثّاني و الثّالث،بينهما عموم و خصوص من وجه،فإنّ الورع هو التّحرّز عمّا ينافيه العقل و الشّرع،سواء كان في العرف كذلك أم لا.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و لا يخفى لطف التّعبير بهذه المادّة في مواردها؛إذ فيه دلالة على حصول الخوف و التّحرّز معا،و ليس المنظور تحقّق أحدهما.(2:194)

ص: 176

النّصوص التّفسيريّة

حذر

...يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ... البقرة:19

ابن عبّاس: مخافة البوائق و الموت.(5)

نحوه البغويّ(1:91)،و الخازن(1:32)،و المراغيّ (1:61).

الفرّاء: فنصب(حذر)على غير وقوع من الفعل عليه،لم ترد يجعلونها حذرا،إنّما هو كقولك:أعطيتك خوفا و فرقا.فأنت لا تعطيه الخوف،و إنّما تعطيه من أجل الخوف،فنصبه على التّفسير ليس بالفعل،كقوله جلّ و عزّ: يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً الأنبياء:90،و كقوله:

اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً الأعراف:55، و المعرفة و النّكرة تفسّران في هذا الموضع،و ليس نصبه على طرح(من).و هو ممّا قد يستدلّ به المبتدئ للتّعليم.

(1:17)

الزّجّاج: و يروى أيضا (حذار الموت) ،و الّذي عليه قرّاؤنا حَذَرَ الْمَوْتِ و إنّما نصبت(حذر الموت)لأنّه مفعول له،و المعنى يفعلون ذلك لحذر الموت،و ليس نصبه لسقوط اللاّم،و إنّما نصبه أنّه في تأويل المصدر،كأنّه قال:يحذرون حذرا،لأنّ جعلهم أصابعهم في آذانهم من الصّواعق يدلّ على حذرهم الموت.[ثمّ استشهد بشعر](1:97)

نحوه ملخّصا الزّمخشريّ(1:218)،و الطّبرسيّ (1:57)،و النّيسابوريّ 1:186)،و شبّر(1:76).

الفارسيّ: المفعول له لا يكون إلاّ مصدرا،لأنّه يدلّ على أنّه فعل لأجل ذلك الحدث،و الحدث مصدر، لكنّه ليس مصدرا عن هذا الفعل بل عن فعل آخر.

(الطّبرسيّ 1:57)

الطّوسيّ: نصب على التّمييز،و تقديره:من حذر الموت.و يجوز أن يكون نصبا،لأنّه مفعول له،فكأنّه قال:يفعلون هذا لأجل حذر الموت.و يحتمل أن يكون نصبا على الحال.(1:95)

العكبريّ: مفعول له،و قيل:مصدر،أي يحذرون حذرا مثل حذر الموت.و المصدر هنا مضاف إلى المفعول به.(1:36)

القرطبيّ: حذر و حذرا بمعنى،و قرئ بهما.قال سيبويه:هو منصوب،لأنّه موقوع له،أي مفعول من أجله،و حقيقته أنّه مصدر.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:220)

أبو حيّان : حَذَرَ الْمَوْتِ مفعول من أجله و شروط المفعول من أجله موجودة فيه؛إذ هو مصدر متّحد بالعامل فاعلا و زمانا،هكذا أعربوه.و فيه نظر لأنّ قوله: مِنَ الصَّواعِقِ هو في المعنى مفعول من أجله، و لو كان معطوفا لجاز،كقول اللّه تعالى: اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ وَ تَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ البقرة:265.(1:87)

أبو السّعود : حَذَرَ الْمَوْتِ منصوب ب(يجعلون) على العلّة،و إن كان معرفة بالإضافة.[ثمّ استشهد بشعر]

و لا ضير في تعدّد المفعول له،فإنّ الفعل يعلّل بعلل شتّى.(1:74)

الآلوسيّ: نصب على العلّة ل(يجعلون)،و إن كان

ص: 177

مِنَ الصَّواعِقِ في المعنى مفعولا له كان هناك نوعان منصوب و مجرور،و لزوم العطف في مثله غير مسلّم، خلافا لمن زعمه.و لا مانع من أن يكون علّة مع علّته، كما أنّ(من الصّواعق)علّة له نفسه،و ورد مجيء المفعول له معرفة و إن كان قليلا.[ثمّ استشهد بشعر]

و جعله مفعولا مطلقا لمحذوف،أي يحذرون حذر الموت،بعيد.

و قرأ قتادة و الضّحّاك و ابن أبي ليلى(حذار)و هو ك«حذر»شدّة الخوف.(1:174)

و جاء بهذا المعنى ...وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ... البقرة:243.

يحذر-تحذرون

1- يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ... إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ. التّوبة:64

ابن عبّاس: ما تكتمون من محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه.

(161)

مجاهد :عسى اللّه ألاّ يفشي سرّنا علينا.

(الطّبريّ 10:171)

إنّ معناه الخبر عنهم بأنّهم كانوا يحذرون أن تنزّل فيهم آية يفتضحون بها،لأنّهم كانوا شاكّين.

نحوه الحسن و الجبّائيّ.(الطّوسيّ 5:291)

الحسن :إخبار من اللّه تعالى عن حذرهم.

(الماورديّ 2:378)

نحوه قتادة(الماورديّ 2:378)،و ابن القاسم(ابن الجوزيّ 3:463).

الطّبريّ: يخشى المنافقون أن تنزّل فيه سورة تنبّئهم بما في قلوبهم...إنّ اللّه مظهر عليكم أيّها المنافقون ما كنتم تحذرون أن تظهروه.(10:171)

نحوه الواحديّ(2:507)،و البغويّ(2:365)، و الخازن(3:95)،و الشّربينيّ(1:627).

الزّجّاج: لفظ(يحذر)لفظ الخبر،و معناه الأمر، لأنّه لا لبس في الكلام في أنّه أمر،فهو كقولك:ليحذر المنافقون،و على هذا يجوز في كلّ ما يؤمر به أن تقول:

يفعل ذلك،فينوب عن قولك:ليفعل ذلك.

و يجوز أن يكون خبرا عنهم،لأنّهم كانوا يكفرون عنادا و حسدا،و دليل هذا القول: قُلِ اسْتَهْزِؤُا...

ما تَحْذَرُونَ. (2:459)

نحوه النّسفيّ في الوجه الأوّل(2:133)،و شبّر(3:

91).

الماورديّ: [نقل قول الحسن و قتادة و الزّجّاج ثمّ قال:]

...ما تَحْذَرُونَ يحتمل وجهين:أحدهما:مظهر ما تسرّون،و الثّاني:ناصر من تخذلون.(2:378)

أبو مسلم الأصفهانيّ: إنّ ذلك الحذر إنّما أظهره على وجه الاستهزاء لا على سبيل التّصديق،لأنّهم حين رأوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ينطق في كلّ شيء عن الوحي،قال بعضهم لبعض:احذروا ألاّ ينزل وحي فيكم يتناجون بذلك و يضحكون.(الطّبرسيّ 3:46)

الطّوسيّ: قيل في معنى يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ قولان:[ثمّ نقل قولي مجاهد و الحسن،و قال:]

الثّاني:قال الزّجّاج:إنّه تهديد،و معناه ليحذروا،

ص: 178

و حسن ذلك لأنّ موضوع الكلام على التّهديد،و الحذر:

إعداد ما يتّقي الضّرر،و مثله الخوف و الفزع.تقول:

حذرت حذرا،و تحذّر تحذّرا،و حاذره محاذرة و حذارا، و حذّره تحذيرا.[إلى أن قال:]

و قوله: إِنَّ اللّهَ.... إخبار من اللّه تعالى أنّ الّذى تخافون من ظهوره،فإنّ اللّه يظهره بأن يبيّن لنبيّه باطن حالهم و نفاقهم.(5:291)

نحوه الطّبرسيّ.(3:46)

الزّمخشريّ: و قيل:معنى(يحذر)الأمر بالحذر، أي ليحذر المنافقون.

فإن قلت:الحذر واقع على إنزال السّورة في قوله:

يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ، فما معنى قوله: مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ؟

قلت:معناه محصّل مبرز إنزال السّورة أو أنّ اللّه مظهر ما كنتم تحذرونه،أي تحذرون إظهاره من نفاقكم.

(2:200)

ابن عطيّة: يَحْذَرُ خبر عن حال قلوبهم، و حذرهم إنّما هو أن تتلى سورة و معتقدهم هل تنزّل أم لا؟ليس بنصّ في الآية لكنّه ظاهر.فإن حمل على مقتضى نفاقهم و اعتقادهم أنّ ذلك ليس من عند اللّه، فوجه بيّن.و إن قيل:إنّهم يعتقدون نزول ذلك من عند اللّه و هم ينافقون مع ذلك،فهذا كفر عناد.(3:54)

الفخر الرّازيّ: فإن قيل:المنافق كافر فكيف يحذر نزول الوحي على الرّسول؟

قلنا:فيه وجوه:الأوّل:[قول أبي مسلم]

الثّاني:أنّ القوم و إن كانوا كافرين بدين الرّسول إلاّ أنّهم شاهدوا أنّ الرّسول عليه الصّلاة و السّلام كان يخبرهم بما يضمرونه و يكتمونه،فلهذه التّجربة وقع الحذر و الخوف في قلوبهم.

الثّالث:قال الأصمّ:إنّهم كانوا يعرفون كونه رسولا صادقا من عند اللّه تعالى،إلاّ أنّهم كفروا به حسدا و عنادا.قال القاضي:«يبعد في العالم باللّه و برسوله و صحّة دينه أن يكون محادّا لهما».قال الدّاعي إلى اللّه:

هذا غير بعيد لأنّ الحسد إذا قوي في القلب صار بحيث ينازع في المحسوسات.

الرّابع:معنى الحذر الأمر بالحذر،أي ليحذر المنافقون ذلك.

الخامس:أنّهم كانوا شاكّين في صحّة نبوّته و ما كانوا قاطعين بفسادها.و الشّاكّ خائف،فلهذا السّبب خافوا أن ينزل عليه في أمرهم ما يفضحهم.[إلى أن قال:]

أي ذلك الّذي تحذرونه،فإنّ اللّه يخرجه إلى الوجود،فإنّ الشّيء إذا حصل بعد عدمه،فكأنّ فاعله أخرجه من العدم إلى الوجود.(16:121)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ(10:122)،و البروسويّ (3:458)،و القاسميّ(8:3192).

القرطبيّ: قوله تعالى: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ خبر و ليس بأمر،و يدلّ على أنّه خبر أنّ ما بعده: إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ لأنّهم كفروا عنادا.[إلى أن قال:]

يحذر،أي يتحرّز.(8:195)

البيضاويّ: ما تَحْذَرُونَ أي ما تحذرونه من إنزال السّورة فيكم،أو ما تحذرون إظهاره من مساويكم.

(1:421)

ص: 179

أبو حيّان:[ذكر قول مجاهد و السّدّيّ و بعضا من أسباب النّزول،ثمّ قال:]

و الظّاهر أنّ(يحذر)خبر،و يدلّ عليه إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ. فقيل هو واقع منهم حقيقة لمّا شاهدوا الرّسول يخبرهم بما يكتمونه،وقع الحذر و الخوف في قلوبهم.[إلى أن قال:]

و قال الزّجّاج و غيره ممّن ذهب إلى التّحرّز من أن يكون كفرهم عنادا:هو مضارع في معنى الأمر،أي ليحذر المنافقون،و يبعده(مخرج ما تحذرون)و(ان تنزّل) مفعول(يحذر)و هو متعدّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال تعالى: وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ لمّا كان قبل التّضعيف متعدّيا إلى واحد،عدّاه بالتّضعيف إلى اثنين.

و قال المبرّد:«حذر»إنّما هي من هيئات الأنفس الّتي لا تتعدّى،مثل فزع،و التّقدير:يحذر المنافقون من أن تنزّل و لا يلزم ذلك،أ لا ترى أنّ«خاف»من هيئات النّفس و تتعدّى.[إلى أن قال:]

و معنى مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ مبرز إلى حيّز الوجود ما تحذرونه من إنزال السّورة،أو مظهر ما كنتم تحذرونه من إظهار نفاقكم.(5:66)

أبو السّعود :أي يحذر المنافقون أن تنزّل على المؤمنين سورة تخبرهم بما في قلوب المنافقين،و تهتك عليهم أستارهم.[إلى أن قال:]

ما تَحْذَرُونَ أي ما تحذرونه من إنزال السّورة، و من مخازيكم و مثالبكم المستكنّة في قلوبكم،الفاضحة لكم على ملأ النّاس.و التّأكيد لردّ إنكارهم بذلك لا لدفع تردّدهم في وقوع المحذور؛إذ ليس حذرهم بطريق الحقيقة.(3:166)

الآلوسيّ: و يجوز أن يكون(يحذر)متعدّيا بنفسه، كما يدلّ عليه ما أنشد سيبويه من قوله:

حذر أمورا لا تضير و آمن

ما ليس ينجيه من الأقدار

و أنكر المبرّد كونه متعدّيا،لأنّ«الحذر»من هيئات النّفس كالفزع،و البيت قيل:إنّه مصنوع،و ردّ ما قاله المبرّد بأنّ من الهيئات ما يتعدّى ك«خاف و خشي»،فما ذكره غير لازم.[إلى أن قال:]

و في الإخبار عنهم بأنّهم(يحذرون)ذلك إشعار بأنّهم لم يكونوا على بتّ في أمر الرّسول عليه الصّلاة و السّلام.[ثمّ ذكر قول أبي مسلم إلى أن قال بعد قول الزّجّاج:]

و هو خلاف الظّاهر،و كان الظّاهر أن يقول:إنّ اللّه منزّل سورة كذلك أو منزّل ما تحذرون،لكن عدل عنه إلى ما في النّظم الكريم للمبالغة؛إذ معناه مبرز ما تحذرونه من إنزال السّورة،أو لأنّه أعمّ إذ المراد مظهر كلّ ما تحذرون ظهوره من القبائح.و إسناد الإخراج إلى اللّه تعالى للإشارة إلى أنّه سبحانه يخرجه إخراجا لا مزيد عليه،و التّأكيد لدفع التّردّد أو ردّ الإنكار.(10:130)

رشيد رضا :الجمهور على أنّ جملة(يحذر)خبر على ظاهرها،و عن الزّجّاج:أنّها إنشائيّة في المعنى، أي ليحذروا ذلك.و هو ضعيف،فالحذر كالتّعب:

الاحتراز و التّحفّظ ممّا يخشى و يخاف منه،كما يؤخذ من مفردات الرّاغب و أساس البلاغة،في مادّتي«ح ذ ر»،و ح ر ز»،و يستعمل في الخوف الّذي هو سببه.

ص: 180

و قد استشكل هذا الحذر منهم و هم غير مؤمنين بالوحي،و أجاب أبو مسلم عن هذا الإشكال بأنّهم أظهروا الحذر استهزاء.

و أجاب الجمهور بما حاصله أنّ أكثر المنافقين كانوا شاكّين مرتابين في الوحي و رسالة الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و لم يكونوا موقنين بشيء من الإيمان و لا من الكفر،فهم مذبذبون بين المؤمنين الموقنين و الكافرين الجازمين بالكفر،و منهم من كان شكّه قويّا،و من كان شكّه ضعيفا.و تقدّم شرح حالهم و بيان أصنافهم في أوّل سورة البقرة.فراجع تفسيره و ما فيه من بلاغة المثلين اللّذين ضربهما اللّه تعالى لهم.

و هذا الحذر و الإشفاق أثر طبيعيّ للشّكّ و الارتياب،فلو كانوا موقنين بتكذيب الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم لما خطر لهم هذا الخوف على بال،و لو كانوا موقنين بتصديقه لما كان هناك محلّ لهذا الخوف و الحذر،لأنّ قلوبهم مطمئنّة بالإيمان.[إلى أن قال:]

قوله تعالى: مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ معناه أنّه مخرجه الآن بتنزيل هذه السّورة الّتي لم تدع في قلوبهم شيئا من مخبآت نفاقهم إلاّ أخرجته و أظهرته لهم و للمؤمنين.

(10:526)

نحوه باختصار المراغيّ.(10:152)

سيّد قطب :إنّ النّصّ عامّ في حذر المنافقين أن ينزل اللّه قرآنا يكشف خبيئتهم،و يتحدّث عمّا في قلوبهم،فينكشف للنّاس ما يخبئونه.و قد وردت عدّة روايات عن حوادث معيّنة في سبب نزول هذه الآيات.

[ثمّ ذكر الرّوايات فراجع](3:1672)

عزّة دروزة:[نقل الرّوايات في سبب نزولها إلى أن قال:]

و الّذي يتبادر لنا أنّ الرّوايات الثّلاث لا تنطبق انطباقا تامّا على الآيات،و أنّ فحوى الآية و روحها تلهم أنّها في صدد مجلس من مجالس المنافقين استغابوا فيه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه،و قالوا:ما حكته الآية الأولى من حذرهم على سبيل الهزؤ و التّفكّه.و علم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بأمرهم فعاتبهم فاعتذروا،و منهم من تاب و حسن إيمانه،و منهم من ظلّ مرتكسا في الكفر و النّفاق.

و قد يكون هذا المجلس أثناء غزوة تبوك فجاءت الآيات منسجمة مع السّلسلة السّابقة و اللاّحقة،و إن كنّا نرجّح أنّها لم تنزل مستقلّة عن ما سبقها،و أنّها جزء من السّلسلة،و أنّ المجلس كان سابقا،فتضمّنت الآيات حكايته و التّذكير به في جملة ما حكى،و ذكر به من مواقفهم و أخلاقهم،في سياق التّنديد بهم على تثاقلهم عن الغزوة.و تكون الآيات و الحالة هذه قد نزلت أثناء الغزوة،و اللّه أعلم.(12:182)

مغنيّة:لم يحذر المنافقون حقيقة و واقعا من نزول الوحي في شأنهم،و إنّما أظهروا الحذر على وجه الاستهزاء و السّخريّة.كانوا يطعنون في النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فقال بعضهم لبعض ساخرا:احذروا أن تنزّل في شأنكم سورة.و الدّليل على أنّ هذا هو المراد قوله تعالى مهدّدا:

قُلِ اسْتَهْزِؤُا هذا من جهة،و من جهة أخرى أنّ المنافقين لا يؤمنون بالوحي،فكيف يحذرون منه على وجه الحقيقة؟

و ذهب أكثر المفسّرين إلى أنّ الضّمير في(عليهم)

ص: 181

و في(تنبّئهم)يعود إلى المؤمنين،و أنّ الضّمير في (قلوبهم)يعود إلى المنافقين.

و يلاحظ أوّلا:أنّ المؤمنين لم يرد لهم ذكر في الآية، و أنّ المذكورين فيها صراحة هم المنافقون،كما أنّ الآية الّتي قبلها تحدّثت عن المنافقين،دون غيرهم.

ثانيا:يلزم من هذا التّفسير التّفكيك بين الضّمائر، مع عدم الدّليل على ذلك.

و من أجل هذا نرجّح الرّأي القائل بأنّ الضّمائر كلّها تعود إلى المنافقين،و أنّ«على»في(عليهم)بمعنى«في» كما هي في قوله تعالى: وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ البقرة:102،أي في ملكه،و مثلها أيضا فيما يقال:كان هذا على عهد مضى؛و عليه يكون المعنى يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ -تهكّما-أن تنزل سورة تكشف عمّا يضمرون من العداء للإسلام و المسلمين.

فتوعّدهم اللّه سبحانه بأنّ السّورة الّتي سخروا من نزولها نازلة لا محالة،و أنّها تقابلهم وجها لوجه،فيعتذرون حيث لا تنفعهم المعاذير.(4:64)

الطّباطبائيّ: كان المنافقون يشاهدون أنّ جلّ ما يستسرّون به من شئون النّفاق،و يناجي به بعضهم بعضا من كلمة الكفر و وجوه الهمز و اللّمز و الاستهزاء، أو جميع ذلك لا يخفى على الرّسول،و يتلى على النّاس في آيات من القرآن يذكر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه من وحي اللّه، و لا محالة كانوا لا يؤمنون بأنّه وحي نزل به الرّوح الأمين على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و يقدّرون أنّ ذلك ممّا يتجسّسه المؤمنون فيخبرون به النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيخرجه لهم في صورة كتاب سماويّ نازل عليهم،و هم مع ذلك كانوا يخافون ظهور نفاقهم و خروج ما خبوه في سرائرهم الخبيثة،لأنّ السّلطنة و الظّهور كانت للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عليهم يجري فيهم ما يأمر به و يحكم عليه.

فهم كانوا يحذرون نزول سورة يظهر بها ما أضمروه من الكفر،و همّوا به من تقليب الأمور على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قصده بما يبطل به نجاح دعوته و تمام كلمته،فأمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله أن يبلّغهم أنّ اللّه عالم بما في صدورهم،مخرج ما يحذرون خروجه و ظهوره بنزول سورة من عنده،أي يخبرهم بأنّ اللّه منزل سورة هذا نعتها.

و بهذا يستنير معنى الآية،فقوله: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ الخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و وجه الكلام إليه،و هو يعلم بتعليم اللّه أنّ هذا الكلام الّذي يتلوه على النّاس كلام إلهيّ و قرآن منزل من عنده،فيصف سبحانه الكلام الّذي يخاف منه المنافقون بما له من الوصف عند النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هو أنّه سورة منزلة من اللّه على النّاس و منهم المنافقون،لا على ما يراه المنافقون أنّه كلام بشريّ يدّعي كونه كلام اللّه.

فهم كانوا يحذرون أن يتلو النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عليهم و على النّاس كلاما هذا نعته الواقعيّ،و هو أنّه سورة منزّلة عليهم بما أنّها متوجّهة بمضمونها إليهم قاصدة نحوهم، ينبئهم هذه السّورة النّازلة بما في قلوبهم،فيظهر على النّاس و يفشو بينهم ما كانوا يسرّونه من كفرهم و سوء نيّاتهم،و هذا الظّهور في الحقيقة هو الّذي يحذرونه من نزول السّورة.[إلى أن قال:]

فصدر الآية و إن كان يذكر أنّهم يحذرون تنزيل سورة كذا و كذا،لكنّهم إنّما كانوا يحذرونها لما فيها من

ص: 182

الأنباء الّتي يحذرون أن يطّلع عليها النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و تنجلي للنّاس،و هذا هو الّذي يذكر ذيلها أنّهم يحذرونه، فالكلام بمنزلة أن يقال:يحذر المنافقون تنزيل سورة قل إنّ اللّه منزّلها،أو يقال:يحذر المنافقون انكشاف باطن أمرهم و ما في قلوبهم قل استهزءوا إنّ اللّه سيكشف ذلك و ينبئ عمّا في قلوبكم.

و بما تقدّم يظهر سقوط ما أشكل على الآية أوّلا:بأنّ المنافقين لكفرهم في الحقيقة لم يكونوا يرون أنّ القرآن كلام منزّل من عند اللّه،فكيف يصحّ القول:إنّهم يحذرون أن تنزّل عليهم سورة؟

و ثانيا:أنّهم لمّا لم يكونوا مؤمنين في الواقع،فكيف يصحّ أن يطلق أنّ سورة قرآنيّة نزّلت عليهم و لا تنزّل السّورة إلاّ على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أو على المؤمنين؟

و ثالثا:أنّ حذرهم نزول السّورة و هو حال داخليّ جدّيّ فيهم لا يجامع كونه استهزاء.

و رابعا:أنّ صدر الآية يذكر أنّهم يحذرون أن تنزّل سورة،و ذيلها يقول: إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ فهو في معنى أن يقال:إنّ اللّه مخرج سورة أو مخرج تنزيل سورة.

و قد يجاب عن الإشكال الأوّل بأنّ قوله: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ إلخ،إنشاء في صورة خبر،أي ليحذر المنافقون أن تنزّل عليهم سورة«إلخ».

و هو ضعيف؛إذ لا دليل عليه أصلا على أنّ ذيل الآية لا يلائم ذلك؛إذ لا معنى لقولنا:ليحذر المنافقون، كذا قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ أي ما يجب عليكم حذره،و هو ظاهر.

و قد يجاب عنه بأنّهم إنّما كانوا يظهرون الحذر استهزاء لا جدّا و حقيقة.و فيه أنّ لازمه أنّهم كانوا على ثقة بأنّ ما في قلوبهم من الأنباء و ما أبطنوه من الكفر و الفسوق لا سبيل للظّهور و الانجلاء إليه،و لا طريق لأحد إلى الاطّلاع عليه،و يكذّبه آيات كثيرة في القرآن الكريم تقصّ ما عقدوا عليه القلوب من الكفر و الفسوق، و همّوا به من الخدعة و المكيدة،كالآيات من سورة البقرة و سورة المنافقين و غيرهما؛و إذ كانوا شاهدوا ظهور أنبائهم و مطويّات قلوبهم عيانا مرّة بعد مرّة،فلا معنى لثقتهم بأنّها لا تنكشف أصلا،و إظهارهم الحذر استهزاء لا جدّا،و قد قال تعالى: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ المنافقون:4.

و قد يجاب عنه بأنّ أكثر المنافقين كانوا على شكّ من صدق الدّعوة النّبويّة،من غير أن يستيقنوا كذبه، و هؤلاء كانوا يجوّزون تنزيل سورة تنبّئهم بما في قلوبهم احتمالا عقليّا،و هذا الحذر و الإشفاق-كما ذكروه-أثر طبيعيّ للشّكّ و الارتياب،فلو كانوا موقنين بكذب الرّسول صلّى اللّه عليه و آله لما خطر لهم هذا الخوف على بال،و لو كانوا موقنين بصدقه لما كان هناك محلّ لهذا الخوف و الحذر، لأنّ قلوبهم مطمئنّة بالإيمان.

و هذا الجواب-و هو الّذي اعتمد عليه جمهور المفسّرين-و إن كان بظاهره لا يخلو عن وجه،غير أنّ فيه أنّه إنّما يحسم مادّة الإشكال لو كان الواقع من التّعبير في الآية نحوا من قولنا:يخاف المنافقون أن تنزّل عليهم سورة،و لذا قرّروا الجواب بأنّ الخوف يناسب الشّكّ دون اليقين.

ص: 183

لكن الآية تعبّر عن شأنهم بالحذر،و يخبر أنّهم يحذرون أن تنزّل عليهم سورة«إلخ».و الحذر فيه شيء من معنى الاحتراز و الاتّقاء،و لا يتمّ ذلك إلاّ بالتّوسّل إلى أسباب و وسائل تحفظ الحاذر ممّا يحذره و يحترز منه، و تصونه من شرّ مقبل إليه من ناحية ما يخافه.

و لو كان مجرّد شكّ من غير مشاهدة أثر من الآثار، و إصابة شيء ممّا يتّقونه إيّاهم،لما صحّ الاحتراز و الاتّقاء،فحذرهم يشهد أنّهم كانوا يخافون أن يقع بهم هذه المرّة نظير ما وقع بهم قبل ذلك،من جهة آيات البقرة و غيرها،فهذا هو الوجه لحذرهم دون الشّكّ و الارتياب،فالمعتمد في الجواب ما قدّمناه.

و قد يجاب عن الإشكال الثّاني بأنّ«على»في قوله:

«ان تنزّل عليهم»بمعنى«في»كما في قوله: وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ البقرة:102، و المعنى:يحذر المنافقون أن تنزّل فيهم،أي في شأنهم، و بيان حالهم سورة تكشف عمّا في ضمائرهم.

و فيه أنّه لا بأس به لو لا قوله بعده:(تنبّئهم بما في قلوبهم)على ما سنوضّحه.

و قد يجاب عنه بأنّ الضّمير في قوله:(عليهم)راجع إلى المؤمنين دون المنافقين،و المعنى:يحذر المنافقون أن تنزّل على المؤمنين سورة تنبّؤ المنافقين بما في قلوب المنافقين،أو تنبّؤ المؤمنين بما في قلوب المنافقين.

و ردّ عليه بأنّه يستلزم تفكيك الضّمائر،و دفع بأنّ تفكيك الضّمائر غير ممنوع و لا أنّه مناف للبلاغة،إلاّ إذا كان المعنى معه غير مفهوم.و ربّما أيّد بعضهم هذا الجواب بأنّه ليس هاهنا تفكيك للضّمائر،فإنّه قد سبق أنّ المنافقين يحلفون للمؤمنين ليرضوهم،ثمّ وبّخهم اللّه بأنّ اللّه و رسوله أحقّ أن يرضوه إن كانوا مؤمنين.فقد بيّن هاهنا بطريقة الاستئناف أنّهم يحذرون أن تنزّل على المؤمنين سورة تنبّئهم بما في قلوبهم فتبطل ثقتهم بهم، فأعيد الضّمير إلى المؤمنين،لأنّ سياق الكلام فيهم فلا أثر من التّفكيك.

و فيه أنّ من الواضح الّذي لا يرتاب فيه أنّ موضوع الكلام في هذه الآيات و آيات كثيرة ممّا يتّصل بها من قبل و من بعد:هم المنافقون،و السّياق سياق الخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا غيره،و إنّما كان خطاب المؤمنين في قوله:

يَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ خطابا التفاتيّا للتّنبيه على غرض خاصّ أومأنا إليه،ثمّ عاد الكلام إلى سياقها الأصليّ من خطاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بتبدّل خطابهم إلى خطابه، فلا معنى لقوله:إنّ سياق الكلام في المؤمنين.

و لو كان السّياق هو الّذي ذكره لكان من حقّ الكلام أن يقال:أن تنزّل عليكم سورة تنبّئكم بما في قلوبهم،فما معنى العدول إلى ضمير الغيبة،و لم يتقدّم في سابق الكلام ذكر لهم على هذا النّعت؟

على أنّ قوله:إنّ الآية يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ بيان من طريق الاستئناف لسبب حلفهم للمؤمنين ليرضوهم، إخراج لهذه الطّائفة من الآيات من استقلال غرضها الأصليّ الّذي بحثنا عنه في أوّل الكلام،و يختلّ بذلك ما يتراءى من فقرات الآيات من الاتّصال و الارتباط.

فالآية يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ إلخ،ليست بيانا لسبب حلفهم المذكور سابقا بل استئناف مسوق لغرض آخر، يهدي إليه مجموع الآيات الإحدى عشرة.

ص: 184

و بالجملة الآيات السّابقة على هذه الآية خالية عن ذكر المؤمنين ذكرا يوجب انعطاف الذّهن إليه حينما يلقي ضميرا يمكن عوده إليهم،و هذا هو التّفكيك المذكور، و هو مع ذلك تفكيك ممنوع لإيجابه إبهاما في البيان ينافي بلاغته.

و الحقّ أنّ الضّمير في قوله:(ان تنزّل عليهم) للمنافقين-كما تقدّمت الإشارة إليه-و لا بأس بأن يسمّى تنزيل سورة لبيان حالهم و ذكر مثالبهم و توبيخهم على نفاقهم،تنزيلا للسّورة عليهم و هم في جماعة المؤمنين غير متميّزين منهم،كما عبّر بنظير التّعبير في مورد المؤمنين؛حيث قال: وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ ما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَ الْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ البقرة:231.

و قد أتى سبحانه بنظير هذا التّعبير في أهل الكتاب؛ حيث قال: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ النّساء:153،و في المشركين حيث حكى عنهم قولهم: وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ الإسراء:93،و ليست نسبة المنافقين-و هم في المؤمنين-إلى نزول القرآن عليهم بأبعد من نسبة المشركين و أهل الكتاب إلى نزوله عليهم،و النّزول و الإنزال و التّنزيل يقبل التّعدّي ب«إلى»بعناية الانتهاء، و ب«على»بعناية الاستعلاء و الإتيان من العلوّ،و التّعدية بكلّ واحد منهما كثير في تعبيرات القرآن.و المراد بنزول الكتاب إلى قوم و على قوم تعرّضه لشئونهم و بيانه لما ينفعهم في دنياهم و أخراهم.

و قد يجاب عن الإشكال الثّالث:بأنّ قوله تعالى:

قُلِ اسْتَهْزِؤُا دليل على أنّهم كانوا يستهزءون بالحذر،و لم يكن من جدّ الحذر في شيء.

و فيه أنّ الآيات الكثيرة النّازلة في سورة البقرة و النّساء و غيرها-و كلّ ذلك قبل هذه الآيات نزولا- المخرجة لكثير من خبايا قلوبهم الكاشفة عن أسرارهم، تدلّ على أنّ هذا الحذر كان منهم على حقيقته،من غير استهزاء و سخريّة.

على أنّه تعالى وصفهم في سورة«المنافقون»بمثل قوله: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ المنافقون:4،و قال في مثل ضربه لهم و فيهم: يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ البقرة:19،و قد ذكر في الآية التّالية.

و الحقّ أنّ استهزاءهم إنّما هو نفاقهم و قولهم في الظّاهر خلاف ما في باطنهم،كما يؤيّده قوله تعالى: وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وَ إِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ البقرة:14.

و الجواب عن الإشكال الرّابع:أنّ الشّيء الّذي كانوا يحذرونه في الحقيقة هو ظهور نفاقهم،و انكشاف ما في قلوبهم،و إنّما كانوا يحذرون نزول السّورة لأجل ذلك، فالمحذور الّذي ذكر في صدر الآية و الّذي في ذيل الآية أمر واحد،و معنى قوله: إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ أنّه مظهر لما أخفيتموه من النّفاق و منبئ لما في قلوبكم.

(9:326-331)

حسنين مخلوف: مظهر ما تخافونه من الفضيحة، مأخوذ من الحذر-بالكسر و يحرّك-بمعنى التّحرّز، و فعله كطرب.(325)

ص: 185

1Lعبد الكريم الخطيب: هو نذير للمنافقين يفضح نفاقهم على الملإ،و كشف ما بيّتوا من نفاق.[إلى أن قال:]

و في قوله سبحانه: قُلِ اسْتَهْزِؤُا... ما تَحْذَرُونَ تهديد و وعيد لمن أمسكوا قلوبهم على نفاق،و عقدوا نيّاتهم عليه،فاللّه سبحانه مخرج ما أمسكته قلوبهم، و ما انطوت عليه نيّاتهم.(5:828)

مكارم الشّيرازيّ: يستفاد أنّ اللّه سبحانه و تعالى يكشف السّتار عن أسرار المنافقين أحيانا؛و ذلك لدفع خطر المنافقين عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و يعرّيهم أمام النّاس ليعرفوا حقيقتهم،و بذلك سيحذرونهم،و بالتّالي لا يقعون في حبائل مكرهم،و ليعرف المنافقون أنفسهم و يحزموا متاعهم و يكفّوا عن هذه الأعمال.و نتيجة لهذا الكشف و التّعرية،فإنّ المنافقين يعيشون حالة من القلق و الرّعب،و إلى هذا الحال يشير القرآن و يبيّن خوفهم من نزول سورة تفضحهم و تكشف خبيئة أسرارهم، فقال: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ.

إلاّ أنّ العجيب في الأمر أنّ هؤلاء لم يكفّوا عن استهزائهم و سخريّتهم،لشدّة إصرارهم على هذا الطّريق و عدائهم و حقدهم،رغم حالة القلق الّتي يعيشونها،لذلك خاطبهم بأنّهم مهما يستهزءون و يسخرون من أعمال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فإنّه سوف يمضي في طريق تبليغ رسالته،و لا يكفّ عن هذا السّبيل،ثمّ حذّرهم من الفضيحة و إزاحة الحجاب عن خبيث أسرارهم و إظهار قلقهم أيضا،فقال: قُلِ...

ما تَحْذَرُونَ. (6:102)

فضل اللّه: الحذر:التّحرّز و مجانبة الشّيء خوفا منه.[إلى أن قال:]

و قد فسّر البعض من المفسّرين«الحذر»بأنّه وارد على سبيل السّخريّة،و لكنّه خلاف الظّاهر،و يحاولون أن يبرّروا ذلك كلّه،بأنّ الأمر لا يمثّل حالة جدّيّة في مواجهة المجتمع المسلم في دينه و عقيدته،بل كلّ ما هناك أنّهم يحاولون الخوض في الحديث في ما يخوض به الخائضون من أفانين الكلام،من دون أيّة عقدة داخليّة مضادّة،و أنّهم كانوا يلعبون كما يلعب النّاس،فلا ينبغي محاسبتهم على ذلك،كما لو كان الأمر يمثّل خطّة بعيدة المدى.(11:150)

يحذر

أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ... الزّمر:9

ابن عبّاس: يخاف عذاب الآخرة.(386)

يحذر عقاب الآخرة.(الطّبريّ 23:202)

و جاء نحوه في أكثر التّفاسير.

ابن عطيّة: يحذر حالها و هولها.و قرأ سعيد بن جبير:يحذر عذاب الآخرة.(4:523)

الفخر الرّازيّ: إشارة إلى أنّ الإنسان عند المواظبة ينكشف له في الأوّل مقام القهر،و هو قوله: يَحْذَرُ الْآخِرَةَ ثمّ بعده مقام الرّحمة،و هو قوله: وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ. (26:250)

البيضاويّ: في موقع الحال أو الاستئناف للتّعليل.

(2:318)

ص: 186

1Lالسّمين: يَحْذَرُ يجوز أن يكون حالا من الضّمير في قانِتٌ و أن يكون حالا من الضّمير في ساجِداً وَ قائِماً و أن يكون مستأنفا جوابا لسؤال مقدّر،كأنّه قيل:ما شأنه يقنت آناء اللّيل و يتعب نفسه و يكدّها؟فقيل:يحذر الآخرة و يرجو رحمة ربّه،أي عذاب الآخرة.(6:9)

نحوه الشّربينيّ(3:436)،و أبو السّعود(5:382)، و شبّر(5:304)،و الآلوسيّ(23:246)

البروسويّ: يَحْذَرُ الْآخِرَةَ و نعيمها كما يحذر الدّنيا و زينتها.(8:81)

فضل اللّه :فهو في قلق دائم من خطأ يقع فيه أو خطيئة يمارسها،أو انحراف يبتعد فيه عن الاستقامة، فيحتاط لذلك في النّظرة و المعرفة و الممارسة،حذرا من الوقوع في ما يجلب له الهلاك في الآخرة.(19:310)

احذرهم

...وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ...

المائدة:49

الطّبرسيّ: و في هذه الآية دلالة على وجوب مجانبة أهل البدع و الضّلال و ذوي الأهواء،و ترك مخالطتهم.

(2:204)

الفخر الرّازيّ: قال أهل العلم:هذه الآية تدلّ على أنّ الخطأ و النّسيان جائزان على الرّسول،لأنّ اللّه تعالى قال: وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ... و التّعمّد في مثل هذا غير جائز على الرّسول،فلم يبق إلاّ الخطأ و النّسيان.

(12:14)

مثله النّيسابوريّ(6:110)،و البروسويّ(2:401).

الطّباطبائيّ: أمر تعالى نبيّه بالحذر عن فتنتهم، مع كونه صلّى اللّه عليه و آله معصوما بعصمة اللّه،إنّما هو من جهة أنّ قوّة العصمة لا توجب بطلان الاختيار و سقوط التّكاليف المبنيّة عليه،فإنّها من سنخ الملكات العلميّة،و العلوم و الإدراكات لا تخرج القوى العاملة و المحرّكة في الأعضاء،و الأعضاء الحاملة لها عن استواء نسبة الفعل و التّرك إليها.

كما أنّ العلم الجازم بكون الغذاء مسموما يعصم الإنسان عن تناوله و أكله،لكن الأعضاء المستخدمة للتّغذّي كاليد و الفم و اللّسان و الأسنان من شأنها أن تعمل عملها في هذا الأكل و تتغذّى به،و من شأنها أن تسكن فلا تعمل شيئا مع إمكان العمل لها،فالفعل اختياريّ و إن كان كالمستحيل صدوره ما دام هذا العلم.

(5:354)

فيها مطالب أخرى راجع«ف ت ن(يفتنوك)».

فاحذروا

...إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا...

المائدة:41

ابن عبّاس: يعني إن لم يكن يوافقكم على ما تطلبون و يأمركم بغيره فاحذروا و لا تقبلوا منه.(94)

و قد جاء بهذا المعنى في أكثر التّفاسير.

أبو السّعود :أي فاحذروا قبوله،و إيّاكم و إيّاه، و في ترتيب الأمر بالحذر على مجرّد عدم إيتاء المحرّف من

ص: 187

المبالغة في التّحذير،ما لا يخفى.(2:272)

نحوه الآلوسيّ.(6:137)

فاحذروه

...وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ...

البقرة:235

ابن عبّاس: فاحذروا مخالفته.(33)

نحوه ابن الجوزيّ.(1:278).

الواحديّ: فخافوه.(1:346)

مثله البغويّ(1:318)،و الخازن(1:203)، و الشّربينيّ(1:155).

الزّمخشريّ: يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ من العزم على ما لا يجوز(فاحذروه)و لا تعزموا عليه.(1:374)

مثله البيضاويّ(1:125)،و النّسفيّ(1:120)، و الكاشانيّ(1:244)،و شبّر(1:241)،و نحوه رشيد رضا(2:427)،و المراغيّ(2:195).

الطّبرسيّ: فاتّقوا عقابه و لا تخالفوا أمره.

(1:339)

الفخر الرّازيّ: و هو تنبيه على أنّه تعالى لمّا كان عالما بالسّرّ و العلانية،وجب الحذر في كلّ ما يفعله الإنسان في السّرّ و العلانية.(6:144)

القرطبيّ: هذا نهاية التّحذير من الوقوع فيما نهى عنه.(3:196)

أبو حيّان: الهاء تعود على اللّه تعالى،أي فاحذروا عقابه.و قال الزّمخشريّ:يعلم ما في أنفسكم من العزم على ما لا يجوز فاحذروه و لا تعزموا عليه،انتهى.

فيحتمل أن تعود[الهاء]في كلام الزّمخشريّ على ما لا يجوز من العزم،أي فاحذروا ما لا يجوز و لا تعزموا عليه،فتكون«الهاء»في:فاحذروه و لا تعزموا عليه، عائدة على شيء واحد.و يحتمل في كلامه أن تعود على اللّه،و الهاء في«عليه»على«ما لا يجوز»فيختلف ما تعود عليه الهاءان.(2:230)

نحوه السّمين.(1:581)

أبو السّعود :بالاجتناب عن العزم ابتداء أو إقلاعا عنه بعد تحقّقه.(1:279)

مثله البروسويّ(1:369)،و الآلوسيّ(2:152).

حاذرون

وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ. الشّعراء:56

ابن مسعود: مؤدون في السّلاح.(القرطبيّ 13:102)

ابن عبّاس: شاكون ممدّون بالسّلاح.(309)

مؤدون مقوون.(الطّبريّ 19:78)

نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 19:77)

السّدّيّ: حذرنا و جمعنا أمرنا.(367)

ابن جريج: مؤدون معدّون في السّلاح و الكراع.

(الطّبريّ 19:77)

الكسائيّ: [حاذر و حذر]أصلهما واحد من الحذر، لأنّ المتسلّح إنّما يتسلّح مخافة القتل.و العرب تقول:هو حاذر و حذر،أي قد أخذ حذره.(أبو زرعة:517)

الكسائيّ: (حاذرون (1):مؤدون في السّلاح،

ص: 188


1- راجع إلى الآية إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ و يقرأ (حذرون) .

و(حذرون):فرقون،و حذرون:لغة إنّه لحذر و حذر.

(الحربيّ 3:1194)

الفرّاء: إنّ ابن مسعود قرأ وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ يقولون:مؤدون في السّلاح،يقول:ذوو أداة من السّلاح.(حذرون)و كأنّ الحاذر:الّذي يحذرك الآن، و كأنّ الحذر:المخلوق حذرا لا تلقاه إلاّ حذرا.(2:280)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء الكوفة وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ بمعنى:أنّهم معدّون مؤدون ذوو أداة و قوّة و سلاح و قرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة و البصرة (و انّا لجميع حذرون) بغير ألف.

[ثمّ نقل قول الفرّاء و أضاف:]

و الصّواب من القول في ذلك أنّهما قراءتان مستفيضتان في قرّاء الأمصار متقاربتا المعنى،فبأيّتهما قرأ القارئ،فمصيب الصّواب فيه.(19:77)

الزّجّاج: و يقرأ (حاذرون) ،و جاء في التّفسير أنّ معنى (حاذرون) مؤدون أي ذوو أداة،أي ذوو سلاح، و السّلاح:أداة الحرب،فالحاذر:المستعدّ،و الحذر:

المتيقّظ.(4:92)

نحوه أبو زرعة.(517)

الرّمّانيّ: الحذر:المطبوع على الحذر،و الحاذر:

الفاعل الحذر.(الماورديّ 4:172)

القمّيّ: يقول[أبو الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام] مؤدون في الأداة و هو الشّاكي في السّلاح.(2:122)

الماورديّ: (و انّا لجميع حذرون) قراءة ابن كثير و نافع و أبي عمرو.و قرأ الباقون (حاذِرُونَ) .و فيه أربعة أوجه:

أحدها:أنّهما لغتان،و معناهما واحد،حكاه ابن شجرة و قاله أبو عبيدة.[ثمّ استشهد بشعر]

الثّاني:[قول الرّمّانيّ].

الثّالث:أنّ الحذر:الخائف و الحاذر:المستعدّ.

الرّابع:أنّ الحذر:المتيقّظ،و الحاذر:آخذ السّلاح، لأنّ السّلاح يسمّى حذرا،قال اللّه تعالى: خُذُوا حِذْرَكُمْ النّساء:102،أي سلاحكم.

و قرأ ابن عامر (حادرون) بدال غير معجمة،و في تأويله وجهان:

أحدهما:أقوياء،من قولهم:جمل حادر إذا كان غليظا.

الثّاني:مسرعون.(4:172)

الطّوسيّ: قرأ أهل الكوفة و ابن عامر إلاّ الحلوانيّ حاذِرُونَ بألف،الباقون بغير ألف.من قرأ بالألف قال:هو مثل شرب،فهو شارب،و حذر فهو حاذر.

و قيل:رجل حاذر فيما يستقبل،و ليس حاذرا في الوقت.فإذا كان الحذر له لازما قيل:رجل حذر،مثل سؤل و سائل،و طمع و طامع،و كان يجوز ضمّ الذّال لأنّهم يقولون:حذر و حذر-بكسر الذّالّ و ضمّها-مثل يقظ و يقظ و فطن و فطن.

و قرأ عبد اللّه بن السّائب (حادرون) بالدّال-المهملة -بمعنى نحن أقوياء غلاظ الأجسام،يقولون:رجل حادر،أي سمين،و عين حدرة بدرة إذا كانت واسعة عظيمة المقلة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:الفرق بين الحاذر و الحذر:أنّ الحاذر:الفاعل للحذر،أن يناله مكروه،و الحذر:المطبوع على الحذر.

ص: 189

و قيل:(حاذرون)مؤدون في السّلاح،أي ذووا أداة من السّلاح،المستعدّون للحروب من عدوّ،و الحذر:

اجتناب الشّيء خوفا منه،حذر حذرا،فهو حاذر و حذّره تحذيرا،و تحذّر تحذّرا،و حاذره محاذرة و حذارا.

(8:23)

الواحديّ: [نقل بعض الأقوال و قال:]

و معنى(حذرون):خائفون شرّهم.(3:354)

نحوه البغويّ(3:468)،و الطّبرسيّ(4:191)

الزّمخشريّ: و قرئ (حذرون) و (حاذرون) و (حادرون) بالدّال غير المعجمة؛فالحذر:اليقظ، و الحاذر:الّذي يجدّد حذره،و قيل:المؤدي في السّلاح، و إنّما يفعل ذلك حذرا و احتياطا لنفسه.و الحادر:السّمين القويّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:مدجّجون في السّلاح،قد كسبهم ذلك حدارة في أجسامهم.(3:114)

نحوه النّسفيّ.(3:185)

ابن عطيّة: و قرأ ابن كثير و أبو عمرو (حذرون) و هو جمع حذر،و هو المطبوع على الحذر،و هو هاهنا غير عامل.[ثمّ استشهد بشعر و أضاف:]

و اختلف في عمل«فعل»فقال سيبويه:إنّه عامل، و أنشد:

حذر أمورا لا تضير و آمن

ما ليس منجيه من الأقدار

و ادّعى اللاّحقي تدليس هذا البيت على سيبويه.

و قرأ عاصم و ابن عامر و حمزة و الكسائيّ (حاذرون) و هو الّذي أخذ يحذر.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ ابن عمارة و سميط بن عجلان (حادرون) بالدّال غير منقوطة،من قولهم:عين حدرة،أي معينة، فالمعنى ممتلئون غضبا و أنفة.(4:232)

ابن الجوزيّ: [نحو الزّجّاج إلاّ أنّه قال:]

و الثّاني:إنّهما لغتان،معناهما واحد.(6:125)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ الصّفة إذا كانت جارية على الفعل و هي اسم الفاعل و اسم المفعول،كالضّارب و المضروب أفادت الحدوث،و إذا لم تكن كذلك و هي المشبّهة أفادت الثّبوت.فمن قرأ (حذرون) ذهب إلى أنّا قوم من عادتنا الحذر و استعمال الحزم،و من قرأ (حاذرون) فكأنّه ذهب إلى معنى إنّا قوم ما عهدنا أن نحذر إلاّ عصرنا هذا.

و أمّا من قرأ (حادرون) بالدّال غير المعجمة،فكأنّه ذهب إلى نفي الحذر أصلا لأنّ الحادر هو المشمّر،فأراد إنّا قوم أقوياء أشدّاء.أو أراد إنّا مدجّجون في السّلاح.

و الغرض من هذه المعاذير أن لا يتوهّم أهل المدائن أنّه منكسر من قوم موسى أو خائف منهم.(24:137)

نحوه النّيسابوريّ.(19:51)

القرطبيّ: (و انّا لجميع حذرون)أي مجتمع مستعدّ أخذنا حذرنا و أسلحتنا.

و قرئ (حاذرون) و معناه معنى (حذرون) أي فرقون خائفون.[ثمّ بعد نقله لأقوال الجوهريّ و الأخفش و النّحّاس قال:]

و زعم أبو عمر الجرميّ: أنّه يجوز هو حذر زيدا، على حذف«من».فأمّا أكثر النّحويّين فيفرقون بين:

حذر و حاذر،منهم الكسائيّ و الفرّاء و محمّد بن يزيد،

ص: 190

فيذهبون إلى أنّ معنى حذر:في خلقته الحذر،أي متيقّظ متنبّه،فإذا كان هكذا لم يتعدّ.و معنى حاذر:مستعدّ، و بهذا جاء التّفسير عن المتقدّمين.

قال عبد اللّه بن مسعود في قول اللّه عزّ و جلّ: وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ قال:مؤدون في السّلاح،و الكراع:

مقوون،فهذا ذاك بعينه.و قوله:مؤدون معهم أداة.و قد قيل:إنّ المعنى:معنا سلاح و ليس معهم سلاح يحرّضهم على القتال.فأمّا(حادرون)...[فذكر نحو ابن عطيّة]

(13:101)

البيضاويّ: و إنّا لجميع من عادتنا الحذر و استعمال الحزم في الأمور،أشار أوّلا إلى عدم ما يمنع اتّباعهم من شوكتهم،ثمّ إلى تحقّق ما يدعو إليه من فرط عداوتهم و وجوب التّيقّظ في شأنهم حثّا عليه،أو اعتذر بذلك إلى أهل المدائن كي لا يظنّ به ما يكسر سلطانه.[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ](2:158)

مثله الآلوسيّ(19:82)،و نحوه الشّربينيّ(3:

13)،و أبو السّعود(5:42).

الخازن :أي خائفون من شرّهم،و قرئ (حذرون) أي ذو قوّة و أداة شاكون السّلاح.و قيل:

الحاذر:الّذي يحذرك الآن بالتّحقيق من المتلبّس بحمل السّلاح،و الحذر:الّذي لا تلقاه إلاّ خائفا.(5:97)

أبو حيّان :[ذكر القراءات و الأقوال كما سبق إلاّ أنّه قال:]

(حاذرون)بالألف و هو الّذي قد أخذ يحذر و يجدّد حذره،و«حذر»متعدّ،قال تعالى: يَحْذَرُ الْآخِرَةَ الزّمر:9.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

و ذهب سيبويه إلى أنّ«حذرا»يكون للمبالغة و أنّه يعمل كما يعمل«حاذر»فينصب المفعول به.[ثمّ استشهد بشعر](7:18)

السّمين:[ذكر الأقوال في الفرق بين الحاذر و الحذر ثمّ قال:]

و أنشد سيبويه في إعمال«حذر»على أنّه مثال مبالغة محوّل من«حاذر»قوله:

حذر أمورا لا تضير و آمن

ما ليس منجيه من الأقدار

و قد زعم بعضهم أنّ سيبويه لمّا سأله هل يحفظ شيئا في إعمال فعل صنع له هذا البيت،فعيّب على سيبويه كيف يأخذ الشّواهد الموضوعة.و هذا غلط،فإنّ هذا الشّخص قد أقرّ على نفسه بالكذب،فلا يقدح قوله في سيبويه و الّذي ادّعي أنّه صنع البيت هو الأخفش[ثمّ ذكر نحو أبي حيّان](5:273)

ابن كثير :أي نحن كلّ وقت نحذر من غائلتهم.

و قرأ طائفة من السّلف (و انّا لجميع حذرون) أي مستعدّون بالسّلاح.(5:184)

البروسويّ: و الحذر:احتراز عن مخيف،يريد أنّ بني إسرائيل لقلّتهم و حقارتهم لا يبالى بهم و لا يتوقّع علوّهم و غلبتهم،و لكنّهم يفعلون أفعالا تغيظنا و تضيق صدورنا.و نحن جمع و قوم من عادتنا التّيقّظ و الحذر و استعمال الحزم،فإذا خرج علينا خارج سارعنا إلى إطفاء نائرة فساده،قاله فرعون لأهل المدائن لئلاّ يظنّ به أنّه خاف من بني إسرائيل.

و قال بعضهم:(حاذرون)يعني المؤدون في السّلاح

ص: 191

عالمون بالحرب مع أنّهم لم يكونوا كذلك،فإنّ«الحاذر» يجيء بمعنى المتهيّئ و المستعدّ،كما في«الصّحاح».

(6:277)

شبّر: (...حذرون) :من عادتنا الحذار و التّيقّظ.

و قرأ الكوفيّون و ابن ذكوان (حاذرون) أي آخذون حذرنا.و هذه معاذير لئلاّ يظنّوا به عجزا.(4:385)

المراغيّ: [ذكر نحو البيضاويّ و أضاف:]

و خلاصة مقاله:أنّ هؤلاء عدد لا يعبأ به،و أنّ في مقدورنا أن نبيدهم بأهون الوسائل،و لا خوف منهم إذا نحن اتّبعنا آثارهم و رددناهم على أعقابهم خاسئين، حتّى لا يعودوا كرّة أخرى إلى الإخلال بالأمن و الهرج و المرج و الاضطراب في البلاد،و هذا ما يقتضيه الحزم و اليقظة في الأمور.

و الّذي نجزم به أنّ بني إسرائيل كانوا أقلّ من جند فرعون،لكنّا لا نجزم بعدد معيّن.و ما في كتب التّأريخ و التّوراة مبالغات يصعب تصديقها،و لا ينبغي التّعويل عليها،فخير لنا ألاّ نشغل أنفسنا باستقصاء تفاصيلها، و قد فنّد ابن خلدون في مقدّمة تأريخه هذه الرّوايات، و أبان ما فيها من مغالاة لا يقبلها العقل،و لا تثبت أمام البحث العلميّ الصّحيح.(19:67)

سيّد قطب : ...حاذِرُونَ مستيقظون لمكائدهم،محتاطون لأمرهم،ممسكون بزمام الأمور.

إنّها حيرة الباطل المتجبّر دائما في مواجهة أصحاب العقيدة المؤمنين.(5:2598)

الطّباطبائيّ: نحذر العدوّ أن يغتالنا أو يمكر بنا و إن كان ضعيفا قليلا،و المطلوب بقولهم هذا-و هو لا محالة بلاغ من فرعون-يحثّ النّاس عليهم.(15:277)

مكارم الشّيرازيّ: و قد فسّر بعضهم(حاذرون) على أنّها من الحذر بمعنى الخوف و الخشية من التّآمر، و بعضهم على أنّها من«الحذر»بمعنى الفطنة و التّهيّؤ من حيث السّلاح و القوّة.إلاّ أنّ هذين التّفسيرين لا منافاة بينهما،فربّما كان فرعون و قومه قلقين من موسى و مستعدّين لمواجهته أيضا.(11:338)

فضل اللّه :(حاذرون)جمع حاذر،و هو المحترز المتيقّظ.[إلى أن قال:]

نؤكّد الحذر الّذي يفرض علينا متابعة التّحدّيات في مواقعها الكبيرة و الصّغيرة،لنهزمها و ندمّر كلّ مواقع قوّتها قبل أن تطبق علينا بالخطّة الموضوعة المرسومة الّتي يعمل أصحابها على اغتيالنا و تدمير مصالحنا،بطريقة و بأخرى.(17:117)

محذورا

...إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً. الإسراء:57

ابن عبّاس: لم يأتهم الأمان.(238)

الطّوسيّ: أي متّقى.(6:491)

الواحديّ: يحذره المؤمنون المتّقون فيطيعون اللّه خوفا منه.(3:113)

البغويّ: أي يطلب منه الحذر.(3:139)

الزّمخشريّ: حقيقا بأن يحذره كلّ أحد من ملك مقرّب و نبيّ مرسل،فضلا عن غيرهم.(2:454)

نحوه البيضاويّ(1:589)،و النّسفيّ(2:318)، و الخازن(4:134)،و أبو حيّان(6:52)،و الكاشانيّ

ص: 192

(3:198)،و شبّر(4:31)،و المراغيّ(15:64).

الطّبرسيّ: أي متّقى يجب أن يحذر منه لصعوبته.

(3:422)

الفخر الرّازيّ: فالمراد أنّ من حقّه أن يحذر،فإن لم يحذره بعض النّاس لجهله،فهو لا يخرج من كونه بحيث يجب الحذر عنه.(20:233)

نحوه النّيسابوريّ.(15:49)

القرطبيّ: أي مخوفا لا أمان لأحد منه،فينبغي أن يحذر منه و يخاف.(10:280)

نحوه ابن كثير(3:321)،و القاسميّ(10:3942).

الشّربينيّ: [مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

لما شوهد من إهلاكه للقرون الماضية.(2:315)

أبو السّعود :[مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

و هو تعليل لقوله تعالى: وَ يَخافُونَ عَذابَهُ و تخصيصه بالتّعليل لما أنّ المقام مقام التّحذير من العذاب،و أنّ بينهم و بين العذاب بونا بعيدا.(4:138)

نحوه البروسويّ(5:175)،و الآلوسيّ(15:

100).

عزّة دروزة :واجب الاتّقاء و الحذر.(3:244)

مغنيّة: [مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

و كلّ عاقل يحذر و يخاف من العواقب،و يعدّ لها العدّة مهما كانت منزلته و مقدرته،و بخاصّة إذا كان الطّالب و المحاسب يعلم السّرّ و أخفى.(5:56)

الطّباطبائيّ: يجب التّحرّز منه.(13:130)

يحذّركم

1- ...وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ.

آل عمران:28

2- ...وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَ اللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ.

آل عمران:30

الواحديّ: يخوّفكم اللّه على موالاة الكفّار عذاب نفسه.(1:428)

البغويّ: يخوّفكم اللّه عقوبته على موالاة الكفّار و ارتكاب المنهيّ،و مخالفة الأمور.(1:421)

القشيريّ: وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ هذا خطاب للخواصّ من أهل المعرفة،فأمّا الّذين نزلت رتبتهم عن هذا،فقال لهم: فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِي... البقرة:24، و قال: وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ... البقرة:281،إلى غير ذلك من الآيات.

و يقال: يُحَذِّرُكُمُ... أن يكون عندكم أنّكم وصلتم،فإنّ خفايا المكر تعتري الأكابر.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال: يُحَذِّرُكُمُ... لأن يجري في وهم أحد أنّه يصل إليه مخلوق،أو يطأ بساط العزّ قدم همّة بشر، جلّت الأحديّة و عزّت!

و إنّ من ظنّ أنّه أقربهم إليه ففي الحقيقة أنّه أبعده عنه.[إلى أن قال:]

الإشارة من قوله: وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ للعارفين، و من قوله وَ اللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ للمستأنفين،فهؤلاء

ص: 193

أصحاب العنف و العنوة،و هؤلاء أصحاب التّخفيف و السّهولة.

و يقال لمّا قال: وَ يُحَذِّرُكُمُ... اقتضى إسماع هذا الخطاب تحويلهم،فقال مقرونا به: وَ اللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ لتحقيق تأميلهم،و كذلك سنّته يطعمهم في عين ما يروعهم.و يقال:أفناهم بقوله: وَ يُحَذِّرُكُمُ...

ثمّ أحياهم و أبقاهم بقوله: وَ اللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ.

(1:245)

الزّمخشريّ: فلا تتعرّضوا لسخطه بموالاة أعدائه، و هذا وعيد شديد.[إلى أن قال:]

وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ... ليكون على بال منهم لا يغفلون عنه.(1:422)

مثله النّسفيّ(1:153)،و النيسابوريّ(3:167)، و الخازن(1:283)،و نحوه البيضاويّ(1:156)، و أبو حيّان(2:425)،و ابن كثير(2:27)،و البروسويّ (2:20)،و القاسميّ(4:827).

ابن عطيّة: وعيد و تنبيه و وعظ و تذكير بالآخرة.

و قوله: نَفْسَهُ نائبة عن إيّاه،و هذه مخاطبة على معهود ما يفهمه البشر،و النّفس في مثل هذا راجع إلى الذّات،و في الكلام حذف مضاف،لأنّ التّحذير إنّما هو من عقاب و تنكيل و نحوه.(1:420)

أبو السّعود :و فيه من التّهديد ما لا يخفى عظمه، و ذكر النّفس للإيذان بأنّ له عقابا هائلا لا يؤبه دونه،بما يحذر من الكفرة.[إلى أن قال:]

وَ يُحَذِّرُكُمُ تكرير لما سبق و إعادة له.لكن لا للتّأكيد فقط بل لإفادة ما يفيده قوله عزّ و جلّ: وَ اللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ. (1:354)

شبّر:(و يحذّركم)في موالاة الكفّار بلا ضرورة، و ترك التّقيّة في الضّرورة.[إلى أن قال:]

كرّر للتّأكيد و التّذكير،و الحثّ على عمل الخير و ترك السّوء،أو الأوّل للمنع من موالاة الكفرة.

(1:311)

الآلوسيّ: و فيه تهديد عظيم مشعر بتناهي المنهيّ عنه في القبح؛حيث علّق التّحذير بنفسه.[إلى أن قال:]

قيل:ذكره أوّلا للمنع عن موالاة الكفّار،و هنا حثّا على عمل الخير و المنع من عمل السّوء مطلقا.

و جوّز أن يكون معطوفا على تَوَدُّ أي تهاب من ذلك اليوم و من العمل السّيّئ، وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ بإظهار قهّاريّته،و هو ممّا لا يكاد ينبغي أن يخرج الكتاب العزيز عليه.و أهون منه عطفه على تَجِدُ، و الظّرف معمول«لا ذكروا»أي اذكروا ذلك اليوم و اذكروا يوم يحذّركم اللّه نفسه بإظهار كبريائه و قهّاريّته.(3:126)

الطّباطبائيّ: التّحذير«تفعيل»من الحذر،و هو الاحتراز من أمر مخيف،و قد حذّر اللّه عباده من عذابه، كما قال تعالى: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً الإسراء:57،و حذّر من المنافقين و فتنة الكفّار،فقال:

هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ المنافقين:4،و قال: وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ المائدة:49،و حذّرهم من نفسه كما في هذه الآية و ما يأتي بعد آيتين.

و ليس ذلك إلاّ للدّلالة على أنّ اللّه سبحانه نفسه هو المخوّف الواجب الاحتراز في هذه المعصية،أي ليس بين

ص: 194

هذا المجرم و بينه تعالى شيء مخوّف آخر حتّى يتّقى عنه بشيء أو يتحصّن منه بحصن،و إنّما هو اللّه الّذي لا عاصم منه،و لا أنّ بينه و بين اللّه سبحانه أمر مرجوّ في دفع الشّرّ عنه من وليّ و لا شفيع.ففي الكلام أشدّ التّهديد،و يزيد في اشتداده تكراره مرّتين في مقام واحد،و يؤكّده تذييله أوّلا بقوله: وَ إِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ، و ثانيا بقوله: وَ اللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ على ما سيجيء من بيانه.

و من جهة أخرى:يظهر من مطاوي هذه الآية و سائر الآيات النّاهية عن اتّخاذ غير المؤمنين أولياء،أنّه خروج عن زيّ العبوديّة،و رفض لولاية اللّه سبحانه، و دخول في حزب أعدائه لإفساد أمر الدّين.

و بالجملة هو طغيان و إفساد لنظام الدّين الّذي هو أشدّ و أضرّ بحال الدّين،من كفر الكافرين و شرك المشركين،فإنّ العدوّ الظّاهر عداوته المبائن طريقته، مدفوع عن الحومة سهل الاتّقاء و الحذر،و أمّا الصّديق و الحميم إذا استأنس مع الأعداء و دبّ فيه أخلاقهم و سننهم،فلا يلبث فعاله إلاّ أن يذهب بالحومة و أهلها من حيث لا يشعرون،و هو الهلاك الّذي لا رجاء للحياة و البقاء معه.و بالجملة هو طغيان،و أمر الطّاغي في طغيانه إلى اللّه سبحانه نفسه،قال تعالى: أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ... إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ الفجر:6-14، فالطّغيان يسلك بالطّاغي مسلكا يورده المرصاد الّذي ليس به إلاّ اللّه جلّت عظمته،فيصبّ عليه سوط عذاب و لا مانع.

و من هنا يظهر:أنّ التّهديد بالتّحذير من اللّه نفسه في قوله: وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ لكون المورد من مصاديق الطّغيان على اللّه بإبطال دينه و إفساده.

و يدلّ على ما ذكرناه قوله تعالى: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ... ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ هود:112،113،و هذه آية ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:أنّها شيّبته-على ما في الرّواية-فإنّ الآيتين-كما هو ظاهر للمتدبّر-ظاهرتان في أنّ الرّكون إلى الظّالمين من الكافرين طغيان يستتبع مسّ النّار استتباعا لا ناصر معه،و هو الانتقام الإلهيّ لا عاصم منه و لا دافع له،كما تقدّم بيانه.

و من هنا يظهر أيضا:أنّ في قوله: وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ ؛،دلالة على أنّ التّهديد إنّما هو بعذاب مقض قضاء حتما،من حيث تعليق التّحذير باللّه نفسه الدّالّ على عدم حائل يحول في البين،و لا عاصم من اللّه سبحانه و قد أوعد بالعذاب،فينتج قطعيّة الوقوع،كما يدلّ على مثله قوله في آيتي سورة هود: فَتَمَسَّكُمُ النّارُ...وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ. [إلى أن قال:]

ذكر التّحذير ثانيا يعطي من أهمّيّة المطلب و البلوغ في التّهديد ما لا يخفى،و يمكن أن يكون هذا التّحذير الثّاني ناظرا إلى عواقب المعصية في الآخرة،كما هو مورد نظر هذه الآية،و التّحذير الأوّل ناظرا إلى و بالها في الدّنيا أو في الأعمّ من الدّنيا و الآخرة.(3:153،157)

مكارم الشّيرازيّ: فاللّه ينذر النّاس بغضب منه و بعقاب شديد.[إلى أن قال:]

وَ يُحَذِّرُكُمُ في الجزء الأوّل من هذه العبارة يحذّر اللّه النّاس من عصيان أوامره،و في الجزء الثّاني يذكّرهم برأفته.و يبدو أنّ هذين الجزءين هما-على عادة القرآن

ص: 195

-مزيج من الوعد و الوعيد.و من المحتمل أن يكون الجزء الثّاني وَ اللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ توكيدا للجزء الأوّل.

(5:334،338)

فضل اللّه : وَ يُحَذِّرُكُمُ من الانحراف عن صراطه المستقيم في رفض ولاية الكافرين و الالتزام بولاية المؤمنين،فلا تستهينوا بعقابه،و لا تستسلموا لإمهاله لكم و عدم الأخذ بالعقاب الفعليّ،لأنّه قد يمهل و لكنّه لا يهمل،فإذا كان هو الرّحمن الرّحيم،فإنّه القويّ العزيز الجبّار.[إلى أن قال:]

إنّ الآية هنا،كالآية الأولى،تدعو الإنسان إلى الحذر من عذاب اللّه،بأسلوب ينطلق فيه التّحذير من اللّه وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ لأنّ اللّه يرحم حيث تكون الرّحمة حكمة و مصلحة في موضع العفو و الرّحمة، و يعاقب بالاستحقاق حيث يكون العقاب حكمة و مصلحة،في موضع النّكال و النّقمة.فما الّذي يؤمن الإنسان من عذاب اللّه عند المعصية،إذا كانت القضيّة خاضعة لإرادة اللّه و حكمته لا يعلمها إلاّ هو.

(5:321،326)

و في هاتين الآيتين مطالب أخرى فراجع«ن ف س» (نفسه).

حذرهم-حذركم

1- ...فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ... وَ خُذُوا حِذْرَكُمْ... النّساء:102

راجع:«س ل ح»(اسلحتهم).

2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ... النّساء:71

ابن عبّاس: (حذركم)من عدوّكم و لا تخرجوا متفرّقين.(74)

مقاتل:عدّتكم من السّلاح.(الآلوسيّ 5:749)

الطّبريّ: خذوا جنّتكم و أسلحتكم،الّتي تتّقون بها من عدوّكم،لغزوهم و حربهم.(5:164)

الزّجّاج: أمر اللّه أن لا يلقي المؤمنون بأيديهم إلى التّهلكة و أن يحذروا عدوّهم،و أن يجاهدوا في اللّه حقّ الجهاد،ليبلو اللّه الأخيار،و ضمن لهم مع ذلك النّصر، لأنّه لو تولّى اللّه تعالى قتل أعدائه بغير سبب للآدميّين لم يكونوا مثابين،و لكنّه أمر أن يؤخذ الحذر.(2:74)

الماورديّ: فيه قولان:

أحدهما:يعني احذروا عدوّكم،و الثّاني:معناه خذوا سلاحكم،فسمّاه حذرا لأنّه به يتّقى الحذر.

(1:505)

نحوه البغويّ(1:661)،و ابن الجوزيّ(2:129).

الطّوسيّ: و قيل في معناه:قولان:

أحدهما:قال أبو جعفر و غيره:خذوا سلاحكم، فسمّى السّلاح حذرا لأنّه به يقي الحذر.

الثّاني:احذروا عدوّكم بأخذ السّلاح،كما يقال للإنسان:خذ حذرك،بمعنى احذر.و الحذر و الحذر لغتان.مثل الإذن و الأذن،و المثل و المثل.(3:253)

الواحديّ: هذه الآية حثّ من اللّه على الجهاد، و الحذر بمعنى الحذر،كالمثل.و تقول العرب:خذ حذرك،أي احذر.و المعنى:احذروا عدوّكم بأخذ العدّة و السّلاح.(2:79)

ص: 196

نحوه عزّة دروزة(9:110)،و مغنيّة(2:374).

الرّاغب: أي ما فيه الحذر من السّلاح و غيره.

(111)

الزّمخشريّ: الحذر و الحذر بمعنى كالأثر و الإثر، يقال:أخذ حذره،إذا تيقّظ و احترز من المخوف،كأنّه جعل الحذر آلته الّتي يقي بها نفسه و يعصم بها روحه، و المعنى:احذروا و احترزوا من العدوّ،و لا تمكّنوه من أنفسكم.(1:541)

نحوه النّسفيّ(1:235)،و ملخّصا الشّربينيّ(1:

315)،و الكاشانيّ(1:434)،و البروسويّ(2:235).

ابن عطيّة: احزموا و استعدّوا بأنواع الاستعداد، فهنا يدخل أخذ السّلاح و غيره.(2:77)

الطّبرسيّ: [ذكر نحو الطّوسيّ و قال:]

و أقول:إنّ هذا القول[الأوّل]أصحّ،لأنّه أوفق بمقايس كلام العرب،و يكون من باب حذف المضاف.

و تقديره:خذوا آلات حذركم و أهب حذركم،فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه،فصار خذوا حذركم.

(2:73)

الفخر الرّازيّ: المسألة الأولى:[ذكر قول الزّمخشريّ ثمّ أضاف:]

و قال الواحديّ رحمه اللّه:فيه قولان:

أحدهما:المراد بالحذر هاهنا:السّلاح،و المعنى خذوا سلاحكم،و السّلاح يسمّى حذرا،أي خذوا سلاحكم و تحذّروا.

و الثّاني:أن يكون خُذُوا حِذْرَكُمْ بمعنى احذروا عدوّكم،لأنّ هذا الأمر بالحذر يتضمّن الأمر بأخذ السّلاح،لأنّ أخذ السّلاح هو الحذر من العدوّ، فالتّأويل أيضا يعود إلى الأوّل.فعلى القول الأوّل:الأمر مصرّح بأخذ السّلاح،و على القول الثّاني:أخذ السّلاح مدلول عليه بفحوى الكلام.

المسألة الثّانية:لقائل أن يقول:ذلك الّذي أمر اللّه تعالى بالحذر عنه إن كان مقتضى الوجود لم ينفع الحذر، و إن كان مقتضى العدم لا حاجة إلى الحذر،فعلى التّقديرين الأمر بالحذر عبث،و عنه عليه الصّلاة و السّلام قال:«المقدور كائن و الهمّ فضل»و قيل أيضا:

«الحذر لا يغني من القدر».

فنقول:إن صحّ هذا الكلام بطل القول بالشّرائع، فإنّه يقال:إن كان الإنسان من أهل السّعادة في قضاء اللّه و قدره فلا حاجة إلى الإيمان،و إن كان من أهل الشّقاوة لم ينفعه الإيمان و الطّاعة،فهذا يفضي إلى سقوط التّكليف بالكلّيّة.و التّحقيق في الجواب أنّه لمّا كان الكلّ بقدر كان الأمر بالحذر أيضا داخلا في القدر،فكان قول القائل:أيّ فائدة في الحذر كلاما متناقضا،لأنّه لمّا كان هذا الحذر مقدّرا فأيّ فائدة في هذا السّؤال الطّاعن في الحذر!(10:176)

نحوه النّيسابوريّ(5:82)،و الخازن(1:465)

القرطبيّ: فعلّمهم مباشرة الحروب،و لا ينافي هذا التّوكّل بل هو مقام عين التّوكّل،كما تقدّم في آل عمران (1)،و يأتي.

و الحذر و الحذر لغتان كالمثل و المثل.قال الفرّاء:

أكثر الكلام الحذر،و الحذر مسموع أيضا.يقال:خذ).

ص: 197


1- راجع القرطبيّ(4:189).

حذرك أي احذر.و قيل:خذوا السّلاح حذرا،لأنّ به الحذر،و الحذر لا يدفع القدر.

و هي:خلافا للقدريّة في قولهم:إنّ الحذر يدفع و يمنع من مكائد الأعداء،و لو لم يكن كذلك ما كان لأمرهم بالحذر معنى.

فيقال لهم:ليس في الآية دليل على أنّ الحذر ينفع من القدر شيئا،و لكنّا تعبّدنا بألاّ نلقي بأيدينا إلى التّهلكة،و منه الحديث«اعقلها و توكّل».و إن كان القدر جاريا على ما قضى،و يفعل اللّه ما يشاء؛فالمراد منه طمأنينة النّفس،لا أنّ ذلك ينفع من القدر و كذلك أخذ الحذر.و الدّليل على ذلك أنّ اللّه تعالى أثنى على أصحاب نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم بقوله: قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاّ ما كَتَبَ اللّهُ لَنا التّوبة:51،فلو كان يصيبهم غير ما قضي عليهم لم يكن لهذا الكلام معنى.(5:273)

البيضاويّ: [نحو الزّمخشريّ ملخّصا و أضاف:]

و قيل:ما يحذر به كالحزم و السّلاح.(1:229)

أبو حيّان :و الحذر و الحذر بمعنى واحد.قالوا:و لم يسمع في هذا التّركيب إلاّ خذ حذرك،لا خذ حذرك.

و معنى خذ حذرك،أي استعدّ بأنواع ما يستعدّ به للقاء من تلقاه،فيدخل فيه أخذ السّلاح و غيره.و يقال:أخذ حذره إذا احترز من المخوف،كأنّه جعل الحذر آلته الّتي يتّقي بها و يعتصم،و المعنى احترزوا من العدوّ.(3:290)

نحوه أبو السّعود.(2:162)

ابن كثير :يأمر اللّه تعالى عباده المؤمنين بأخذ الحذر من عدوّهم،و هذا يستلزم التّأهّب لهم بإعداد الأسلحة و العدد.(2:337)

الآلوسيّ: أي عدّتكم من السّلاح،قاله مقاتل، و هو المرويّ عن أبي جعفر رضي اللّه تعالى عنه.

و قيل:الحذر مصدر كالحذر،و هو الاحتراز عمّا يخاف،فهناك الكناية و التّخييل بتشبيه الحذر بالسّلاح و آلة الوقاية،و ليس الأخذ مجازا ليلزم الجمع بين الحقيقة و المجاز في قوله سبحانه: وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ إذ التّجوّز في الإيقاع.و قد صرّح المحقّقون بجواز الجمع فيه،و المعنى استعدّوا لأعدائكم،أو تيقّظوا و احترزوا منهم،و لا تمكّنوهم من أنفسكم.(5:79)

محمّد عبده: الحذر و الحذر الاحتراس و الاستعداد لاتّقاء شرّ العدوّ؛و ذلك بأن نعرف حال العدوّ و مبلغ استعداده و قوّته.و إذا كان الأعداء متعدّدين فلا بدّ في أخذ الحذر من معرفة ما بينهم من الوفاق و الخلاف،و أن تعرف الوسائل لمقاومتهم إذا هجموا،و أن يعمل بتلك الوسائل.

فهذه ثلاثة لا بدّ منها؛و ذلك أنّ العدوّ إذا أنس غرّة منّا هاجمنا،و إذا لم يهاجمنا بالفعل كنّا دائما مهدّدين منه، فإن لم نهدّد في نفس ديارنا كنّا مهدّدين في أطرافها.فإذا أقمنا ديننا أو دعونا إليه عند حدود العدوّ،فإنّه لا بدّ أن يعارضنا في ذلك،و إذا احتجنا إلى السّفر إلى أرضه كنّا على خطر.و كلّ هذا يدخل في قوله: خُذُوا حِذْرَكُمْ كما قال في آية أخرى: وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ الأنفال:60،إلخ،و على النّفوس المستعدّة للفهم أن تبحث في كلّ ما يتوقّف عليه امتثال الأمر من علم و عمل.

و يدخل في ذلك معرفة حال العدوّ و معرفة أرضه

ص: 198

و بلاده،طرقها و مضايقها و جبالها و أنهارها،فإنّنا إذا اضطررنا في تأديبه إلى دخول بلاده فدخلناها و نحن جاهلون لها،كنّا على خطر،و في أمثال العرب:«قتلت أرض جاهلها».و تجب معرفة مثل ذلك من أرضنا بالأولى،حتّى إذا هاجمنا فيها لا يكون أعلم بها منّا.

و يدخل في الاستعداد و الحذر:معرفة الأسلحة و اتّخاذها و استعمالها،فإذا كان ذلك يتوقّف على معرفة الهندسة و الكيمياء و الطّبيعة و جرّ الأثقال فيجب تحصيل كلّ ذلك،كما هو الشّأن في هذه الأيّام؛ذلك أنّه أطلق الحذر،أي و لا يتحقّق الامتثال إلاّ بما يتحقّق به الوقاية و الاحتراز في كلّ زمن بحسبه.(رشيد رضا 5:250)

القاسميّ: أي تيقّظوا و احترزوا من العدوّ، و لا تمكّنوه من أنفسكم.يقال:أخذ حذره،إذا تيقّظ و احترز من المخوف،كأنّه جعل الحذر آلته الّتي يقي بها نفسه.

و يطلق«الحذر»على ما يحذر به و يصون،كالسّلاح و الحزم،أي استعدّوا للعدوّ.و الحذر على هذا حقيقة، و على الأوّل من الكناية و التّخييل،بتشبيه الحذر بالسّلاح و آلة الوقاية.

قال في«الإكليل»:«فيه الأمر باتّخاذ السّلاح،و أنّه لا ينافي التّوكّل».قال بعض المفسّرين:دلّت الآية على وجوب الجهاد و على استعمال الحذر،و هو الحزم من العدوّ،و ترك التّفريط.و كذلك ما يحذرونه و هو استعمال السّلاح على أحد التّفسيرين،فتكون الرّياضة بالمسابقة و الرّهان في الخيل،من أعمال الجهاد.(5:1392)

رشيد رضا :[ذكر عدّة أقوال،ثمّ قال بعد كلام محمّد عبده]

يريد رحمه اللّه تعالى أنّه يجب على المسلمين في هذا الزّمان اتّخاذ أهبة الحرب المستعملة فيه من المدافع بأنواعها و البنادق و البوارج المدرّعة،و غير ذلك من أنواع السّلاح و آلات الهدم و البناء،و كذلك المناطيد الهوائيّة و الطّيّارات.و أنّه يجب تحصيل العلم بصنع هذه الأسلحة و الآلات و غيرها و ما يلزم لها،و العلم بسائر الفنون و الأعمال الحربيّة،و هي تتوقّف على ما أشار إليه من العلوم الأخر،كتقويم البلدان و خرت الأرض.[إلى أن ذكر قول الفخر الرّازيّ و أضاف:]

أقول:إنّ المسلمين قد ابتلوا بمسألة القدر كما ابتلي بها من قبلهم،و قد شفي غيرهم من سمّ الجهل بحقيقتها، فلم يعدّ مانعا لهم من استعمال مواهبهم في ترقية أنفسهم و أمّتهم،و لمّا يشف المسلمون.و قد كشفنا الغطاء عن وجه المسألة غير مرّة و لم نر بدّا-مع ذلك-من العود إليها في مثل هذا الموضع،لا لأنّ مثل الرّازيّ ذكرها،بل لأنّ المسلمين أمسوا أقلّ النّاس حذرا من الأعداء،حتّى أنّ أكثر بلادهم ذهبت من أيديهم و هم لا يتوبون و لا يذكّرون.و لا يتدبّرون أمر اللّه في هذه الآية و ما في معناها و لا يمتثلون،ثمّ إنّك إذا ذكّرتهم يسلّون في وجهك كلمة القدر،و مثل الحديثين اللّذين ذكرهما الرّازيّ.

أمّا حديث«المقدور كائن...»فلا أذكر أنّني رأيته في كتب المحدّثين بهذا اللّفظ.و لكن روى البيهقيّ في الشّعب و القدر مرفوعا«لا تكثّر همّك ما قدّر يكن و ما ترزق يأتك»و هو ضعيف.

و أمّا الحديث الثّاني الّذي عبّر عنه بقوله:«و قيل

ص: 199

أيضا»فقد رواه الحاكم عن عائشة بلفظ«لا يغني حذر من قدر»و صحّحه،و ما أراه يصحّ و تساهل الحاكم في التّصحيح معروف،و الرّازيّ ليس من رجال الحديث، و لكنّه رأى بالعقل أنّه مخالف للآية أو مضعف من تأثير الأمر فيها،و كيف يقول اللّه:(خذوا حذركم)و يقول رسوله:إنّ الحذر لا ينفع،لأنّ العبرة بالقدر الّذي لا يتغيّر.

و إنّي على استبعادي لصحّة الحديث و ميلي إلى أنّه من وضع المفسدين الّذين أفسدوا بأس الأمّة بأمثال هذه الأحاديث،أقول:إنّه لا يناقض الآية،فإنّ اللّه أمرنا بالحذر لندفع عنّا شرّ الأعداء و نحفظ حقيقتنا،لا لندفع القدر و نبطله،و القدر:عبارة عن جريان الأمور بنظام تأتي فيه الأسباب على قدر المسبّبات،و الحذر من جملة الأسباب،فهو عمل بمقتضى القدر لا بما يضادّه.

(5:250-252)

نحوه ملخّصا المراغيّ(5:87)،و عبد الكريم الخطيب(3:831).

سيّد قطب :إنّها الوصيّة للّذين آمنوا:الوصيّة من القيادة العليا،الّتي ترسم لهم المنهج،و تبيّن لهم الطّريق.

و إنّ الإنسان ليعجب،و هو يراجع القرآن الكريم،فيجد هذا الكتاب يرسم للمسلمين-بصفة عامّة طبعا-الخطّة العامّة للمعركة،و هي ما يعرف باسم«استراتيجيّة المعركة»ففي الآية الأخرى يقول للّذين آمنوا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّارِ وَ لْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً التّوبة:123،فيرسم الخطّة العامّة للحركة الإسلاميّة.و في هذه الآية يقول للّذين آمنوا:

خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً و هي تبيّن ناحية من الخطّة التّنفيذيّة أو ما يسمّى«التّاكتيك» و في سورة الأنفال جوانب كذلك في الآيات: فَإِمّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ الأنفال:57.

و هكذا نجد هذا الكتاب لا يعلّم المسلمين العبادات و الشّعائر فحسب،و لا يعلّمهم الآداب و الأخلاق فحسب-كما يتصوّر النّاس الدّين ذلك التّصوّر المسكين! إنّما هو يأخذ حياتهم كلّها جملة،و يعرض لكلّ ما تتعرّض له حياة النّاس من ملابسات واقعيّة.و من ثمّ يطلب بحقّ الوصاية التّامّة على الحياة البشريّة، و لا يقبل من الفرد المسلم و لا من المجتمع المسلم،أقلّ من أن تكون حياته بجملتها من صنع هذا المنهج،و تحت تصرّفه و توجيهه.

و على وجه التّحديد لا يقبل من الفرد المسلم،و لا من المجتمع المسلم أن يجعل لحياته مناهج متعدّدة المصادر:

منهجا للحياة الشّخصيّة،و للشّعائر و العبادات، و الأخلاق و الآداب،مستمدّا من كتاب اللّه.و منهجا للمعاملات الاقتصاديّة و الاجتماعيّة و السّياسيّة و الدّوليّة،مستمدّا من كتاب أحد آخر،أو من تفكير بشريّ على الإطلاق.

إنّ مهمّة التّفكير البشريّ أن تستنبط من كتاب اللّه و منهجه أحكاما تفصيليّة تطبيقيّة لأحداث الحياة المتجدّدة،و أقضيتها المتطوّرة،بالطّريقة الّتي رسمها اللّه في الدّرس السّابق من هذه السّورة،و لا شيء وراء ذلك.

و إلاّ فلا إيمان أصلا و لا إسلام،لا إيمان ابتداء و لا إسلام،

ص: 200

لأنّ الّذين يفعلون ذلك لم يدخلوا بعد في الإيمان،و لم يعترفوا بعد بأركان الإسلام.و في أوّلها:شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،الّتي ينشأ منها أن لا حاكم إلاّ اللّه،و أنّ لا مشرّع إلاّ اللّه.

و ها هو ذا كتاب اللّه يرسم للمسلمين جانبا من الخطّة التّنفيذيّة للمعركة،المناسبة لموقفهم حينذاك.

و لوجودهم بين العداوات الكثيرة في الخارج،و المنافقين و حلفائهم اليهود في الدّاخل.و هو يحذّرهم ابتداء:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ خذوا حذركم من عدوّكم جميعا،و بخاصّة المندسّين في الصّنوف من المبطئين،الّذين سيرد ذكرهم في الآية فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً. (2:704)

الطّباطبائيّ: الحذر:بالكسر فالسّكون:ما يحذر به،و هو آلة الحذر كالسّلاح،و ربّما قيل:إنّه مصدر كالحذر بفتحتين.[إلى أن قال:]

و التّفريع في قوله: فَانْفِرُوا ثُباتٍ على قوله:

خُذُوا حِذْرَكُمْ بظاهره يؤيّد كون المراد بالحذر:ما به الحذر،على أن يكون كناية عن التّهيّؤ التّامّ للخروج إلى الجهاد،و يكون المعنى:خذوا أسلحتكم،أي أعدّوا للخروج و اخرجوا إلى عدوّكم فرقة فرقة«سرايا»أو اخرجوا إليهم جميعا«عسكرا».(4:416)

حسنين مخلوف: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و فيه دلالة على وجوب الأخذ بالأسباب.(157)

المصطفويّ: الحذر:اسم مصدر،أي بمعنى ما يحصل من الحذر مصدرا.و نتيجة الحذر هي التّأهّب و الاستعداد و الاحتياط و التّوجّه،و عدم الغفلة.

(2:195)

مكارم الشّيرازيّ: الحذر يعني اليقظة و التّأهّب و التّرقّب لخطر محتمل،كما يعني أحيانا الوسيلة الّتي يستعان بها لدفع الخطر.[إلى أن قال:]

ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ معنى«الحذر»في الآية هو السّلاح لا غير،بينما للحذر معنى واسع لا يقتصر على السّلاح،ثمّ إنّ الآية(102)من هذه السّورة تدلّ بوضوح على أنّ الحذر غير السّلاح؛حيث يقول تعالى:

...أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَ خُذُوا حِذْرَكُمْ... و جواز وضع السّلاح في الصّلاة مع أخذ الحذر يدلّ على أنّ الحذر لا يعني السّلاح بالذّات.

الآية الكريمة هذه تشتمل على أمر عامّ مطلق لجميع المسلمين في كلّ العصور و الأزمنة،و يدعو هذا الأمر المسلمين إلى الالتزام باليقظة و الاستعداد الدّائم لمواجهة أيّ طارئ من جانب الأعداء و لحماية أمن الأمّة؛و ذلك عن طريق التّحلّي بالاستعداد المادّي و المعنويّ الدّائمين.

و كلمة«الحذر»أيضا تستوعب بمعانيها الواسعة كلّ أنواع الوسائل المادّيّة و المعنويّة الدّفاعيّة الّتي يتحتّم على المسلمين اتّباعها،من ذلك التّعرّف على قدرة العدوّ من حيث العدّة و العدد،و أساليبه الحربيّة، و الاستراتيجيّة،و مدى فاعليّة أسلحته،و كيفيّة مواجهتها و الاحتماء من خطرها و خطر العدوّ نفسه، و بذلك يكون المسلمون قد أوفوا من حيث العمل بما يتطلّبه منهم«أمر الحذر»من الاستعداد و التّأهّب و اليقظة،لمواجهة أيّ خطر طارئ.

و يشتمل«أمر الحذر»أيضا على الاستعداد النّفسيّ و الثّقافيّ و الاقتصاديّ،لتعبئة كافّة الإمكانيّات البشريّة،و الاستفادة من أقوى أنواع الأسلحة و أكثرها

ص: 201

تطوّرا في الوقت المطلوب،و كذلك الإلمام بصور استخدام هذا السّلاح و أساليبه.فإذا كان المسلمون يلتزمون بهذا الأمر و يطبّقونه على حياتهم،لاستطاعوا أن يجنّبوا أنفسهم و أمّتهم الفشل و التّقهقر و الهزيمة على مدى تأريخهم المليء بالأحداث.

و الشّيء الثّاني الّذي يفهم من هذه الآية الكريمة،هو اختلاف أساليب مواجهة العدوّ بحسب ما تقتضيه الضّرورة،و يعيّنه الظّرف،و يحدّد موقع العدوّ،فلو كان هذا الموقع يتطلّب مقابلة العدوّ بجماعات منفصلة، لوجب استخدام هذا الأسلوب مع كلّ ما يحتاج إليه من عدد و عدّة و غير ذلك،و قد يكون موقع العدوّ بصورة تقتضي مواجهة العدوّ في هجوم عامّ ضمن مجموعة واحدة متماسكة،و عند هذا يجب أن يعدّ المسلمون العدّة اللاّزمة و العدد الكافي لمثل هذا الهجوم الشّامل.

و من هنا يتّضح أنّ إصرار البعض على أن يكون للمسلمين أسلوب كفاحيّ واحد دون اختلاف في التّكتيك،لا يقوم على منطق و لا تدعمه التّجارب، إضافة إلى أنّه يتنافى مع روح التّعاليم الإسلاميّة.

لعلّ الآية هذه تشير أيضا إلى أنّ المسألة الهامّة هي تحقيق الأهداف الواقعيّة سواء تطلّب الأمر أن يسلك الجميع أسلوبا واحدا،أو أن ينهجوا أساليب متنوّعة.

(3:282)

فضل اللّه :[نحو مكارم الشّيرازيّ و أضاف:]

و لا بدّ من التّنبيه على أنّ كلمة«الحذر»تختلف عن كلمة«الخوف»فإنّ الخوف يشلّ القدرة و يدفع إلى الهزيمة.أمّا«الحذر»فإنّه يوحي بالدّراسة الدّقيقة الموضوعيّة للواقع،للتّعرّف على أفضل الوسائل للمواجهة،بطريقة حكيمة واعية مدروسة.(7:349)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: على ثلاثة أوجه:

أحدها:المخافة و الفزع،كقوله: حَذَرَ الْمَوْتِ البقرة:19،243،و قوله: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ التّوبة:

64،و قوله: قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ التّوبة:64.

و الثّاني:حذر الأهبة للقتال،كقوله في النّساء:71:

خُذُوا حِذْرَكُمْ، و قوله: وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ النّساء:102.

و الثّالث:الشّاكون في السّلاح و المستعدّون للحرب، كقوله: وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ الشّعراء:56،و من قرأ بغير الألف،(حذرون)فقد جعلها بمعنى:فرقون.

(185)

الدّامغانيّ: الحذر على ثلاثة أوجه:الخوف، الامتناع،الكتمان:

فوجه منها:الحذر يعني الخوف،قوله في آل عمران:

28: وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ يعني يخوّفكم بعقابه،كقوله في المائدة:49: وَ احْذَرْهُمْ أي خافهم،مثلها في الزّمر:9: يَحْذَرُ الْآخِرَةَ أي يخاف عذاب النّار.

و الوجه الثّاني:الحذر يعني الامتناع،قوله في المائدة:41 وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا أي امتنعوا أن تطيعوا،كقوله في المائدة:49: وَ احْذَرْهُمْ أي

ص: 202

لا تأمنهم.

و الوجه الثّالث:الحذر يعني الكتمان،قوله في سورة التّوبة:64: قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ أي:تكتمون.(280)

الفيروزآباديّ: [نحو الدّامغانيّ و أضاف:]

ثمّ يختلف الحذر تارة من فتنة الأولاد: عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ التّغابن:14،و تارة حذر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من مكر المنافقين: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ المنافقين:4، و تارة حذره صلّى اللّه عليه و سلّم من فتنة اليهود: وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ المائدة:49،و تارة حذر المنافقين من فضيحتهم بنزول القرآن: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ التّوبة:64،و حذر فرعون و هامان من عسكر موسى بن عمران: وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ الشّعراء:56،و حذر المسلم ممّن يخالف الرّحمن: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ النّور:63.(2:441)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحذر،أي الخيفة و التّحرّز.يقال:حذره يحذره حذرا و حذرا و احتذره، أي خافه و احترز منه،فهو حاذر و حذر،و حذّره الأمر:

خوّفه،و حاذر يحاذر محاذرة.

و رجل حذر و حذر و حاذورة و حذريان:متيقّظ شديد الحذر و الفزع متحرّز،و حاذر:متأهّب معدّ كأنّه يحذر أن يفاجأ؛و الجمع:حذرون و حذارى،و حاذور:

خائف من النّاس لا يعاشرهم.

و الحذار:المحاذرة،و إنّه لابن أحذار:لابن حزم و حذر.

و المحذورة:الفزع بعينه،و هو مصدر كالمصدوقة و الملزومة.

و حذار يا فلان:احذر.يقال:سمعت حذار في عسكرهم،و دعيت نزال بينهم.

و حذرك زيدا و حذارك زيدا،إذا كنت تحذّره منه.

و احذأرّ الرّجل:غضب فاحرنفش و تقبّض،و هو «افعألّ»من الحذر،و نفش الدّيك حذريته:عفريته، و هو أن ينفش ريش عنقه من الغضب.

و الحذرية:الأرض الخشنة و المكان الغليظ؛ و الجمع:حذارى،و هو الحذرياء أيضا،قال ابن فارس:

سمّي بذلك لأنّه يحذر المشي عليه.

2-و التّحذير في اللّغة:تنبيه المخاطب على أمر يجب الاحتراز منه،بواسطة اسم منصوب بفعل محذوف، تقديره«احذر»أو نحوه.و يجب إضمار الفعل النّاصب فيما يلي:

أ-إن كان الاسم منصوبا بالضّمير إيّاك و أخواته:

إيّاك و إيّاكما و إيّاكم و إيّاكنّ،نحو:إيّاك و المراء،و قول الشّاعر:ألقاه في اليمّ مكتوفا و قال له:

*إيّاك إيّاك أن تبتلّ بالماء*

ب-إن كان الاسم مكرّرا،نحو:النّار النّار،أي احذر النّار،و قول الشّاعر:

اليوم اليوم و ليس غدا أجراس العودة فلتقرع

ج-إن كان هناك اسم يعطف على الاسم المنصوب، نحو قولهم:ماز رأسك و السّيف،أي يا مازن ق رأسك

ص: 203

و احذر السّيف.

و يجوز إضمار الفعل النّاصب و إظهاره ما لم يكن عطف و لا تكرار،نحو:الأسد،أي احذر الأسد،و قول الشّاعر:

خلّ الطّريق لمن يبني المنار به

و ابرز ببرزة حيث اضطرّك القدر

و حذّر هنا الطّريق،و«خلّ»الفعل النّاصب له، و يجوز الطّريق،بحذف العامل.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الفعل المضارع من المجرّد 5 مرّات-و من التّفعيل مرّتين-و الأمر 7 مرّات،و اسم فاعل و مفعول كلّ منهما مرّة،و المصدر:فعلا مرّتين،و فعلا 3 مرّات- و كلّها من المجرّد-في 19 آية:

الحذر و التّحذير من اللّه:

1- وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ احْذَرُوا

المائدة:92

2- ...وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ... البقرة:235

3- فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ النّور:63

4- أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ... الزّمر:9

5- وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ التّوبة:122

6- وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ

آل عمران:28

7- وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَ اللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ

آل عمران:30

الحذر من النّاس:

8- ...وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ... المائدة:49

9- ...يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ... المنافقون:4

10- ...إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَ أَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ... التّغابن:14

11- يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ التّوبة:64

12- ...يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا... المائدة:41

13- ...وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ القصص:6

حاذر و محذور:

14- وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ الشّعراء:56

15- ...وَ يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَ يَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً الإسراء:57

حذر الموت:

16- ...يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ... البقرة:19

17- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ... البقرة:243

ص: 204

حذر:

18- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ...

النّساء:71

19- ...فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ... وَ خُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً النّساء:102

و يلاحظ أوّلا:أنّ ما يحذر منه،فيها أقسام:

1-اللّه و أفعاله:7 آيات.

2-النّاس:3 آيات،و الأعداء منهم خاصّة آيتان.

3-الموت:آيتان.

4-نزول سورة:آية.

ثانيا:ما يرجع إلى اللّه نفسه 5 آيات:

فجاء في(1 و 2) وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ احْذَرُوا و أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ، و في(5) وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ هذه من المجرّد،و من المزيد يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ في(6 و 7)،و فيها بحوث:

1-الحذر في(1 و 5)مطلق منصرف إلى اللّه،و في الباقي خاصّ باللّه صريحا بطريقين:إنشاء و إخبار:

فَاحْذَرُوهُ و يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ.

و لمّا كان اللّه مبدأ الرّحمة و منبع الرّأفة،فليس عنده ما يوجب الخوف و الحذر منه سوى الكفر و العصيان من قبل النّاس،و لهذا قالوا في(2):«فاحذروا مخالفته»أو «فاتّقوا عقابه فلا تخالفوا أمره»أو«لا تعزموا على ما لا يجوز،و إنّه أرجع الحذر إلى نفسه تشديدا أو تهويلا»،و قال القرطبيّ:«هذا نهاية التّحذير من الوقوع فيما نهى عنه»،و قال الآلوسيّ:«و فيه من التّهديد ما لا يخفى».

و كذا قالوا في(6 و 7):«يخوّفكم عذابه و عقابه و تنكيله»و نحوها،و الشّاهد عليه الآية(15): إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً و نحوها من الآيات.

2-و انفرد القشيريّ-كعادته في التّأويل-بقوله في يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ: «إنّه خطاب للخواصّ من أهل المعرفة،فأمّا الّذين نزلت رتبتهم عن هذا فقال لهم:

فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِي... البقرة:24،و نحوها.[إلى أن قال:]

إنّه يحذّركم أن توهّموا أنّكم وصلتم إليه تعالى...».لاحظ«خ و ف:الخوف من اللّه».

و لو قيل:إنّ الحذر من اللّه نوعان:الحذر من عقابه بمداومة الطّاعة،و من عظمته و هيبته بملازمة الخشوع و العبادة،لم يكن بعيدا.

3-كرّر يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ في(6 و 7)بفصل آية بينهما،و تمام الآيات: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ* قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَ اللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ آل عمران:28-30.

ففي الأولى نهى المؤمنين عن اتّخاذ الكافرين أولياء

ص: 205

من دون المؤمنين،ثمّ هدّدهم بأنّ من يفعل ذلك من غير تقيّة فليس من اللّه في شيء،أي لا ولاية و لا علاقة بينه و بين اللّه،و هذا وعيد بالغ النّهاية.ثمّ حذّرهم نفسه مشفوعا بأنّ مصيرهم إلى اللّه،مشيرا إلى أنّه يعاقبهم به، فهذا كالصّريح في أنّ الحذر من اللّه حذر من عقابه،و كرّر اسم الجلالة فيها ثلاث مرّات تشديدا و تهويلا.

ثمّ أكّده في الثّانية بأنّ اللّه يعلم ولاءكم للكافرين سواء أخفيتموه في صدوركم،أو أبديتموه بأفواهكم و سلوككم،فإنّ اللّه بكلّ شيء عليم،و هذا تهديد لمن والاهم سرّا،ليكونوا لهم عونا لو دارت الدّوائر عليهم، كما قال: تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ الممتحنة:1.

ثمّ شدّد الأمر في الثّالثة بأنّ كلّ نفس تجد ما عملت من خير أو سوء،مع الفصل بينهما بتكرار(ما عملت) تسجيلا للعدل في الجزاء،ثمّ زاده تشديدا،بأنّها تودّ أن يكون بينها و بين ما عملت أمدا بعيدا.

و أخيرا كرّر يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ مع تفاوت للأوّل؛حيث ذيّلها بما يبعث على الرّجاء و الأمل وَ اللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ، في حين أنّه ذيّل الأوّل بما يوجب الهول و الحذر: وَ إِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ و بذلك فقد قارن اللّه-كعادته-الإنذار بالتّبشير تقديما الأوّل على الأخير،و تلطيفا في الخطاب بلفظي«رءوف»و«عباد» و قد كرّر فيها اسم الجلالة مرّتين تخفيفا في التّهويل.

ثالثا:ما يرجع فيه الحذر صريحا إلى أفعاله تعالى 3 آيات(3 و 4 و 15) أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، و يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ ، و يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَ يَخافُونَ عَذابَهُ*إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً و فيها بحوث أيضا:

1-جاء في الأوليين ما يتعلّق بالدّنيا و الآخرة معا:

ففي الأولى إصابة فتنة في الدّنيا،و عذاب أليم في الآخرة، و في الثّانية الحذر من العذاب في الآخرة و رجاء الرّحمة في الدّنيا،أو في الدّنيا و الآخرة معا.

و كذا في الأخيرة جمع بين رجاء الرّحمة و بين الخوف و الحذر من العذاب،مع تقديم الرّجاء فيها على الحذر عكس الثّانية؛حيث قدّم الحذر فيها تنويعا في الإنذار و التّبشير و تفنّنا في الإرشاد و التّبليغ.

قال الفخر الرّازيّ في هذا المجال:«إشارة إلى أنّ الإنسان عند المواظبة ينكشف له في الأوّل مقام القهر، و هو قوله: يَحْذَرُ الْآخِرَةَ ثمّ بعده مقام الرّحمة،و هو قوله: وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ»

و نقول:من كمال المعرفة للّه حصول الخوف و الرّجاء معا في القلب،و لعلّ المطلوب التّسوية بينهما،غاية الأمر،المؤمنون متفاوتون في درجات المعرفة،أو في حالات التّقرّب و العبادة،فقد يتجلّى لهم من اللّه مقام اللّطف و الرّحمة فيتلوهما الرّجاء في القلوب.

و قد يتجلّى لهم مقام القهر و النّقمة،فيتسرّع إليها الخوف و الخشية،و من هنا نشأ التّفاوت بين الآيتين تقديما و تأخيرا.

على أنّ الأخيرة جاءت في حقّ من هو قانت باللّيل من المؤمنين،أمّا الثّانية فيحتمل اختصاصها بالأنبياء المذكورين قبلها،كما فسّرها الطّبرسيّ ج 3 ص 422، لاحظ:«خ و ف:الخوف و الرّجاء».

ص: 206

2-جاء«فتنة و عذاب»في الأولى نكرة تهويلا و تخويفا،أي فتنة و عذاب لا يعلم مداهما،و جاءت (الآخرة)و(رحمة ربّه)في الثّانية معرّفة ب«أل»أو بالإضافة إلى(ربّه)تشديدا في العذاب و تكريما في الرّحمة،و جاءت في الأخيرة الرّحمة و العذاب كلاهما مضافين إلى ضمير(ربّهم)تشديدا و تكريما،مع مزيد التّشديد في العذاب فيها بتكراره مرّتين،و بالجمع بين الخوف و الحذر مبالغة في الوعيد.

3-جاء الحذر في الأولى دون مقابل ترحيب و رحمة،تشديدا في الإنذار،و في الأخيرتين مقابلا للرّحمة جمعا-كما قلنا-بين الإنذار و التّبشير المعتاد في القرآن.

رابعا:ما جاء في الحذر من النّاس على أقسام أيضا:

1-آيتان(8 و 9)خطاب من اللّه للنّبيّ عليه السّلام أن يحذر أهل الكتاب أن يفتنوه،و المنافقين أن يكيدوا عليه، لاحظ«ف ت ن»و«ن ف ق».

2-آيتان أيضا(10 و 15)أولاهما خطاب للمؤمنين أن يحذروا بعض أولادهم و أزواجهم،لأنّهم عدوّ لهم، و ثانيتهما تكريم لهم لرجائهم رحمته،و خوفهم و حذرهم عذابه،لاحظ«ر ح م:رحمة»،و«ع ذ ب:عذاب».

و الحذر في هذين القسمين مندوب إليه.

3-آيتان أيضا(11 و 12)كلاهما تنديد للمنافقين:

في الأولى من أجل أنّهم يحذرون أن تنزّل عليهم سورة تنبّئهم بما في قلوبهم من النّفاق،و في الثّانية من أجل نفاقهم بالذّات،و كذلك هي تنديد لليهود الّذين حكّموا النّبيّ في قصّة زنى المحصنة،ثمّ رفضوا ما حكم به من الرّجم.

4-آيتان أيضا(16 و 17)في حذر الموت:أولاهما في المنافقين في المدينة،الّذين شبّههم اللّه بمن أصابه صيّب من السّماء و رعد و برق،فيجعلون أصابعهم في آذانهم حذر الموت من سماعها،أي يفرّون من استماع الآيات، كمن يفرّ من الصّيّب و الرّعد و البرق،فيجعلون أصابعهم في آذانهم لئلاّ يسمعوها.

و الثّانية:حكاية لجماعة من بني إسرائيل-كما قيل- خرجوا من ديارهم فرارا من طاعون،أو من جهاد حذر الموت.

و(حذر الموت)فيهما مفعول لأجله،أي يجعلون أصابعهم في آذانهم،أو خرجوا من ديارهم لحذرهم من الموت،أو مفعول مطلق لفعل محذوف،أي يحذرون حذر الموت؛و الأوّل أظهر.

5-آيتان أيضا(13 و 14)بشأن فرعون و هامان و جنودهما،و بشأن السّحرة الّذين أيّدوهما بسحرهم:

أولاهما إعلام من اللّه بإنجاز ما كان فرعون و من تبعه يحذرون منه،و هو زوال ملكهم،و ثانيتهما إعلام من السّاحرين،أو من فرعون بحذرهم قبال موسى عليه السّلام -على خلاف ما يأتي في معنى الحذر-و الحذر في هذه الأقسام الثّلاثة كلّها مذموم عكس القسمين الأوّلين.

خامسا:جاءت في اتّخاذ الحذر آيتان:(18 و 19)، و فيهما بحوث:

1-كلاهما من سورة النّساء،مع الفصل بينهما بآيات.

فأولاهما-و هي مقدّمة-في الحثّ على النّفر إلى

ص: 207

الجهاد مع اتّخاذ الحذر قبله؛حيث قال: خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا.

و الثّانية-و هي مؤخّرة-في التّرغيب إلى اتّخاذ الحذر أثناء الصّلاة في ساحة المعركة،في آية طويلة فرّقت المصلّين إلى طائفتين:طائفة يصلّون مع النّبيّ عليه السّلام،طائفة يقفون أمام العدوّ،و الطّائفتان تشاركان في الصّلاة؛إحداهما بعد الأخرى،و قد كرّر فيها اتّخاذ الحذر مرّتين و اتّخاذ الأسلحة مرّتين أيضا، و نصّها: وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَ أَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَ خُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً.

فأمر الطّائفة الأولى بأن يأخذوا أسلحتهم في الصّلاة،ثمّ أمر الطّائفة الأخرى منهم بأن يأخذوا فيها حذرهم و أسلحتهم معا،ثمّ أعلمهم بحكمة هذا الأمر الأكيد بأنّ أعداءهم ودّوا لو يغفل المصلّون عن أسلحتهم و أمتعتهم فيميلوا عليهم ميلة واحدة،ثمّ رخّص لمن كان به أذى من مطر،أو كانوا مرضى أن يضعوا أسلحتهم،و أمرهم بأن يأخذوا حذرهم.هذه هي صلاة الخوف في المعركة،و في كيفيّتها خلاف واسع.

لاحظ«ص ل ي:صلاة الخوف،و لاحظ مجمع البيان ج 3 ص 102».

2-فالآية صريحة في أنّ اتّخاذ الأسلحة شيء سوى اتّخاذ الحذر،فقد يجتمعان و قد يفترقان،فاجتمعا في وسط الآية،و افترقا في طرفيها؛حيث خصّ أوّلها بالأسلحة-على خلاف فيمن يأخذ الأسلحة أهم المصلّون،أو الواقفون أمام العدوّ-و آخرها بالحذر.

و لكن يبدو أنّ اتّخاذ الحذر عبارة عن التّهيّؤ للدّفاع باتّخاذ الأسلحة و غيرها،فهو أعمّ من اتّخاذ الأسلحة، و لهذا أجاز للمرضى أن يضعوا أسلحتهم لثقلها و تعبهم بحملها،دون اتّخاذ الحذر.

و مع ذلك فقد اختلفوا في معنى«الحذر»أنّه الحذر- و عليه الأكثر-أو السّلاح،أو ما يحذر به من السّلاح و غيره.

قال الماورديّ: «معناه خذوا سلاحكم،فسمّاه حذرا،لأنّه به يتّقى الحذر».

و قال ابن عطيّة: «احزموا و استعدّوا بأنواع الاستعداد،فهنا يدخل أخذ السّلاح و غيره».

و قال الواحديّ-كما قال الفخر الرّازيّ-:«و الحذر بمعنى الحذر كالمثل،و تقول العرب:خذ حذرك،أي احذر».

و قال الرّاغب: «أي ما فيه الحذر من السّلاح و غيره».

و قال الزّمخشريّ: «الحذر و الحذر بمعنى كالأثر و الإثر،يقال:أخذ حذره،إذا تيقّظ و احترز».

و نحوه أبو حيّان فقال:«و لم يسمع في هذا التّركيب إلاّ خذ حذرك،لاخذ حذرك،أي استعدّ بأنواع ما يستعدّ به للقاء من تلقاه...»،و نحوها غيرهم.

ص: 208

و قال المصطفويّ: «الحذر:اسم مصدر،أي بمعنى ما يحصل من الحذر مصدرا...».

و نقول:لو قيل:إنّ«الحذر»فيها هو التّرس لم يكن بعيدا،و لكنّهم لم يذكروه.

3-و قد نبّه الإمام عبده و من بعده هنا على طرق الاستعداد و التّهيّؤ للعدوّ،و هي أمور:

أ-معرفة حال العدوّ و مبلغ استعداده و قوّته، و ما يوجد بينهم من الوفاق و الخلاف إذا كانوا متعدّدين، و ما عندهم من الأسلحة و معرفة الوسائل لمقاومتهم إذا هجموا على المسلمين.

ب-معرفة أرض العدوّ،و بلاده و طرقها و مضايقها و جبالها و أنهارها،و ما إلى ذلك،و كذا معرفة بلاد أنفسهم.

ج-الوقوف أمام العدوّ عند حدوده،و لا نمهله أن يتجاوز حدودنا.

د-تحصيل العلم بصناعة الأسلحة بأنواعها، و بالفنون الحربيّة و المكائد الخفيّة خلال الحروب.

ه-العلم بالأسلحة الّتي عند العدوّ و لا سيّما في العصر الحاضر من المدافع بأنواعها و البنادق و الموادّ المنفجرة و الطّيّارات و السّيّارات الخاصّة بالحرب،و هي لا تعدّ و لا تحصى،و تزداد في كلّ يوم شرقا و غربا.

و-و ذهب المكارم إلى أنّ كلمة«الحذر»بمعانيها الواسعة تستوعب كلّ أنواع الوسائل المادّيّة و المعنويّة الدّفاعيّة،و أنّ الأمر باتّخاذ الحذر يشمل الاستعداد النّفسيّ و الثّقافيّ و الاقتصاديّ،لتعبئة كافّة الإمكانيّات البشريّة،فلاحظ.

و قد نبّه فضل اللّه على أنّ«الحذر»غير«الخوف» فإنّ الخوف يشلّ القدرة،و يدفع إلى الهزيمة.أمّا«الحذر» فإنّه يوحي بالدّراسة الدّقيقة الموضوعيّة للواقع،للتّعرّف على أفضل الوسائل للمواجهة،بطريقة حكيمة واعية مدروسة.

ز-و للسّيّد قطب كلام رائع في هذا المجال،منه أنّ القرآن رسم للمسلمين-بصفة عامّة-الخطّة العامّة للمعركة،و هي ما يعرف باسم«استراتيجيّة المعركة»، و استشهد لذلك بآيات من سورة الأنفال و غيرها، فلاحظ.

و عندنا أنّ قوله: وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَ عَدُوَّكُمْ الأنفال:60،و هي من أوائل ما نزل بشأن الحرب،لأنّ «الأنفال»نزلت بشأن غزوة بدر.فقد رسم اللّه فيها كلّ ما يحتاج إليه المسلمون في الدّفاع عن أنفسهم أمام الأعداء إلى آخر الدّهر،مشيرا إلى أنّ الهدف من هذا الاستعداد ليس قتلهم،بل إرهابهم،