المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته المجلد 11

اشارة

عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته / اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه ؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی .

مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی ‫، 1419ق . ‫ = -1377.

مشخصات ظاهری : ‫ج.

فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.

شابک : ‫دوره ‫ 964-444-179-6 : ؛ ‫دوره ‫ 978-964-444-179-0: ؛ ‫1430000 ریال (دوره، چاپ دوم)‮ ؛ ‫25000 ریال ‫: ج. 1 ‫ 964-444-180-X : ؛ ‫30000 ریال ‫: ج. 2 ‫ 964-444-256-3 : ؛ ‫32000 ریال ‫: ج. 3 ‫ 964-444-371-3 : ؛ ‫67000 ریال (ج. 10) ؛ ‫ج.12 ‫ 978-964-971-136-2 : ؛ ‫ج.19 ‫ 978-600-06-0028-0 : ؛ ‫ج.21 ‫ 978-964-971-484-4 : ؛ ‫ج.28 ‫978-964-971-991-7 : ؛ ‫ج.30 ‫ 978-600-06-0059-4 : ؛ ‫1280000 ریال ‫: ج.36 ‫ 978-600-06-0267-3 : ؛ ‫950000 ریال ‫: ج.37 ‫ 978-600-06-0309-0 : ؛ ‫1050000 ریال ‫: ج.39 ‫ 978-600-06-0444-8 : ؛ ‫1000000 ریال ‫: ج.40 ‫ 978-600-06-0479-0 : ؛ ‫ج.41 ‫ 978-600-06-0496-7 : ؛ ‫ج.43 ‫ 978-600-06-0562-9 :

يادداشت : عربی .

يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.

يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.

يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.

يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...

يادداشت : ج . 2 (چاپ اول : 1420ق . = 1378).

يادداشت : ج . 3 (چاپ اول: 1421ق . = 1379).

يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).

يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).

يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).

يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).

يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).

يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).

يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.

يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).

يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).

يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).

مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س

موضوع : قرآن -- واژه نامه ها

Qur'an -- Dictionaries

موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها

Qur'an -- Encyclopedias

شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی ، محمدِ، ‫1385-1304.

شناسه افزوده : سبحانی تبریزی ، جعفر، ‫ 1308 -

شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar

شناسه افزوده : نجفی ، ناصر، ‫1322 -

شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا

شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن

شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی

رده بندی کنگره : ‫ BP66/4 ‫ ‮ /م57 1377

رده بندی دیویی : ‫ 297/13

شماره کتابشناسی ملی : 582410

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

المؤلّفون

الأستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانيّ

ناصر النّجفيّ

قاسم النّوريّ

محمّد حسن مؤمن زاده

حسين خاك شور

السيّد عبد الحميد عظيمي

السيّد جواد سيّدي

السيّد حسين رضويان

علي رضا غفراني

محمّد رضا نوري

السيّد علي صبّاغ دارابي

أبو القاسم حسن پور

و قد فوّض عرض الآيات و ضبطها إلى أبي الحسن الملكيّ و مقابلة النّصوص

إلى خضر فيض اللّه و عبد الكريم الرّحيميّ و تنضيد الحروف إلى المؤلّفين

ص: 5

ص: 6

ص: 7

ص: 8

تصدير

بسم الله الرحمن الرحيم

نحمد الله رب العالمين ، ونصلي ونسلم على رسوله المصطفى محمد و آله الطاهرین و صحبه المنتجبين .

وبعد ، فإنا نشكر الله شكرا كثيرا على أن وفقنا برحمته ومن علينا بنعمته بتقديم المجلد الحادي عشر من موسوعتنا القرآنية الكبرى «المعجم في فقه لغة القرآن وسر بلاغته»، لعلماء الإسلام عامة ، والمختصين منهم بعلوم القرآن خاصة ، الذين يبادرون إلى اقتناء كل مجلد منه عند صدوره ، وينتظرون بفارغ الصبر مجلد بعد، مقدرين للمؤلفين مساعيهم الجميلة و مثمنين جهودهم الكبيرة ، معترفين بعطائهم خدمة لكتاب ربهم ، والمعجزة الكبرى لنبيهم صلوات الله علیه و آله أجمعين.

وهذا المجلد يحتوي 26 مادة من ألفاظ القرآن الحكيم من حرف الحاء) ابتداء ب (ح ج ر) ، وانتهاء ب (ح س د) ، وأطولها (حسب) ثم (ح ر م)، ويتلوه المجلد الثاني عشر، وكله في حرف الماء أيضا

نسأل الله تبارك و تعالى أن يمت بفضله علينا ، ويديم عطاءه لنا دوما ، و يسهل لنا الصعاب ، ويعصمنا من الخطأ ، عصمة للكتاب ويأخذ بأيدينا إلى منتهى العمل ، کا تعلق به الأمل إن شاء الله تعالى ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العزيز الحكيم.

محمد واعظ زاده الخراساني

مدير قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلامية

بالآستانة المقدسة الرضوية

20 جمادى الأولى عام 1627ه.ق

ص: 9

ص: 10

ادامة حرف الحاء

ح ج ر

اشارة

9 ألفاظ،21 مرّة:14 مكّيّة،7 مدنيّة

في 14 سورة:9 مكّيّة،5 مدنيّة

محجورا 2:2 الحجر 1:1

الحجرات 1:-1 حجرا 2:2

حجوركم 1:-1 الحجر 2:1-1

حجر 2:2 حجارة 6:6

الحجارة 4:-4

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الأحجار:جمع الحجر.و الحجارة:جمع الحجر أيضا،على غير قياس،و لكن يجوز الاستحسان في العربيّة كما أنّه يجوز في الفقه،و ترك القياس له.

و مثله المهارة و البكارة؛و الواحد:مهر و بكر.

و الحجر:حطيم مكّة،و هو المدار بالبيت كأنّه حجرة،ممّا يلي المثعب.

و حجر:موضع كان لثمود ينزلونه.

و قصبة اليمامة:حجر.

و الحجر و الحجر:لغتان،و هو الحرام،و كان الرّجل يلقى غيره في الأشهر الحرم فيقول:حجرا محجورا،أي حرام محرّم عليك في هذا الشّهر،فلا يبدؤه بشرّ،فيقول المشركون يوم القيامة للملائكة:حجرا محجورا، و يظنّون أنّ ذلك ينفعهم كفعلهم في الدّنيا.

و المحجّر:المحرّم.

و المحجر:حيث يقع عليه النّقاب من الوجه.

و ما بدا من النّقاب فهو محجر.

و أحجار الخيل:ما اتّخذ منها للنّسل،لا يكاد يفرد.

و يقال:بل يقال:هذا حجر من أحجار خيلي،يعني الفرس الواحد،و هذا اسم خاصّ للإناث دون الذّكور، جعلها كالمحرّم بيعها و ركوبها.

و الحجر:أن تحجر على إنسان ماله فتمنعه أن يفسده.

و الحجر:قد يكون مصدرا للحجرة الّتي يحتجرها

ص: 11

الرّجل،و حجارها:حائطها المحيط بها.

و الحاجر من مسيل الماء و منابت العشب:ما استدار به سند أو نهر مرتفع؛و جمعه:حجران،و قول العجّاج:

*و جارة البيت لها حجريّ*أي حرمة.

و الحجرة:ناحية كلّ موضع قريبا منه،و في المثل:

«يأكل خضرة و يربض حجرة»أي يأكل من الرّوضة و يربض ناحية.

و حجرتا العسكر:جانباه من الميمنة و الميسرة.

و حجر المرأة و حجرها،لغتان:للحضنين.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](3:73)

اللّيث: و الحجر:اللّبّ و العقل.(الأزهريّ 4:131)

سيبويه :من المصادر ينتصب بإضمار الفعل المتروك إظهاره...و مثل هذا قوله جلّ ثناؤه:

وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:22،أي حراما محرّما،يريد به البراءة من الأمر و يبعّد عن نفسه أمرا، فكأنّه قال:أحرّم ذلك حراما محرّما.

و مثل ذلك أن يقول الرّجل للرّجل:أ تفعل كذا و كذا؟فيقول:حجرا،أي سترا و براءة من هذا.فهذا ينتصب على إضمار الفعل،و لم يرد أن يجعله مبتدأ خبره بعده،و لا مبنيّا على اسم مضمر.(1:326)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قد استحجر عليه فلم يتكلّم:إذا أراد أن يتكلّم فلم يستطع.[ثمّ استشهد بشعر](1:141)

و قال اليمانيّ: المحجر:محجر العين.(1:143)

أحجرت الإبل:إذا أتمّت و أمن عليها أن تخدج.

أبليت حجر ما بيني و بينك.(1:148)

حجر الرّملة:قبلها،و هو لواؤها.(1:150)

الحاجر:الّذي يمسك الماء و ينبت فيه الشّجر،و هو سهل منتهى الجلد.(1:157)

و قال غسّان: الحجريّة:العريضة من المشاقص.

و يقال للنّخلة:إنّها لواسعة الحجر،إذا كانت كبيرة العذوق،نبيلة الجذوع.(1:165)

الحجر:النّقيّ من الرّمل،إلى حجر من الحجور.

(1:166)

المحاجر:نقب البرقع؛و الواحد:محجر،و من العين:محجر.(1:170)

و التّحجير:تقول:حجّر بجمله.

و تحجيره:تأخيره بالحمل.(1:185)

و الحاجر:جانب الأسرّة.(1:190)

و الحجرة:النّاحية.(1:204)

الحجرة:الصّغيرة.(1:216)

المحاجر:الحدائق؛واحدها:محجر.

و الحاجر من مسايل المياه و منابت العشب:

ما استدار به سند أو نهر مرتفع؛و الجميع:الحجران.

[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](الأزهريّ 4:134)

و محاجر النّخل:حظائر تتّخذ حولها.

المحجر بفتح الجيم،فهو المحرّم،من الحجر.

(الخطّابيّ 1:149)

الفرّاء: العرب تقول للحجر:الأحجرّ على«أفعلّ».

[ثمّ استشهد بشعر]

و مثله:هو أكبرّهم،أي أكبرهم،و فرس أطمرّ و أترجّ،يشدّدون آخر الحرف.(الأزهريّ 4:135)

ص: 12

الأصمعيّ: و الحجران:جمع حاجر،و هو المكان ترتفع نواحيه،و يطمئنّ وسطه،له حروف تمنع الماء أن ينبثق.(الأضداد:13)

مثله ابن السّكّيت.(الأضداد:173)

أبو عبيد: [في حديث أبي الدّرداء]:«إذا رأيت رجلا يسير من القوم حجرة»حجرة،يعني ناحية، و حجرة كلّ شيء:ناحيته؛و جمعها:حجرات.[ثمّ استشهد بشعر](2:248)

ابن السّكّيت: و يقال:احتجر الرّجل،إذا انتفخ غضبا.(80)

و إنّه لذو معقول،أي عقل،و ذو حجر و حجّى، و ذو حصافة.(184)

و يقال:قد حجّر القمر،إذا استدار بخطّ دقيق من غير أن يغلظ.(402)

و الحجر:مصدر حجرت عليه.

و الحجر:حجر الإنسان،و قد يقال بكسر الحاء.

و حجر:قصبة اليمامة.

و الحجر:العقل،قال اللّه عزّ و جلّ: هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ الفجر:5.

و الحجر:الحرام،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:22،أي حراما محرّما.

و الحجر:الفرس الأنثى.

و الحجر:حجر الكعبة.

و الحجر:ديار ثمود،قال اللّه جلّ ثناؤه: وَ لَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ الحجر:80.

(إصلاح المنطق:17)

باب«فعل»و«فعل»باتّفاق معنى:و حجر الإنسان و حجره،و يقرأ حِجْراً مَحْجُوراً و (حجرا محجورا) .

(إصلاح المنطق:31)

يقال للرّجل إذا كثر ماله و عدده:قد انتشرت حجرته،و قد ارتعج ماله،و ارتعج عدده.

(الأزهريّ 4:135)

أبو الهيثم: المحجر:الحرام.[ثمّ استشهد بشعر]

المحجر:المرعى المنخفض.و قيل لبعضهم:أيّ الإبل أبقى على السّنة؟فقال:ابنة لبون،قيل:لمه؟قال:

لأنّها ترعى محجرا،و تترك وسطا.

و قال بعضهم:المحجر هاهنا:النّاحية.

(الأزهريّ 4:133)

الصّيداويّ: أنّه سمع عبّوية يقول:المحجر،بفتح الجيم:الحرمة،و أنشد:*و هممت أن أغشى إليها محجرا* و المحجر:العين.(الأزهريّ 4:134)

ابن أبي اليمان :و الحجر:مصدر حجرت، و الحجر:حجر الإنسان،و يقال:بكسر الحاء.

و الحجر:قصبة اليمامة.

و الحجر:العقل،قال جلّ و عزّ: هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ الفجر:5،و إنّما سمّي العقل حجرا،لأنّه يحجر صاحبه القبيح.

و الحجر:الحرام،قال اللّه جلّ و عزّ: وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:22.

و الحجر:الفرس الأنثى.

و الحجر:حجر الكعبة.

و الحجر:ديار ثمود،قال اللّه جلّ و عزّ: كَذَّبَ

ص: 13

أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ الحجر:80.(348)

الدّينوريّ: الحاجر:كرم مئناث و هو مطمئنّ،له حروف مشرفة تحبس عليه الماء،و بذلك سمّي حاجرا؛ و الجمع:حجران.(ابن سيده 3:68)

المبرّد: و قوله:«تضلّ البلق في حجراته...» و حجراته:نواحيه.(1:358)

يقال للأنثى من الفرس:حجر،لكونها مشتملة على ما في بطنها من الولد.(الرّاغب:109)

الزّجّاج: و أصل الحجر في اللّغة:ما حجرت عليه، أي ما منعت من أن يوصل إليه،و كلّ ما منعت منه فقد حجرت عليه،و كذلك حجر القضاة على الأيتام،إنّما هو منعهم إيّاهم عن التّصرّف في أموالهم،و كذلك الحجرة الّتي ينزلها النّاس هو ما حوّطوا عليه.(4:63)

ابن دريد :و الحجر:العقل:و الحجر و الحجر:

الحرام،و به سمّي الرّجل:حجرا.و في التّنزيل(حجرا محجورا)أي حراما محرّما،هكذا يقول أبو عبيدة.

و الأصل في ذلك أنّ الرّجل من العرب في الجاهليّة كان إذا لقي رجلا في أشهر الحرم و بينه و بينه ترة،قال:

«حجرا محجورا»أي حرام عليك دمي.قال:فإذا رأى المشركون الملائكة يوم القيامة قالوا:«حجرا محجورا» أي حرام دماؤنا،يظنّون أنّهم في الدّنيا.

و الحجر:حجر الكعبة،يزعمون أنّه من الكعبة و فيه قبر هاجر و إسماعيل عليهما السّلام.

و الحجر:بلاد ثمود بين الشّام و الحجاز.

و حجر المرأة،و قالوا:حجرها،و الفتح أعلى.

و حجور:موضع معروف من بلاد بني سعد.[ثمّ استشهد بشعر]

و حجرة القوم:ناحية دارهم؛و الجمع:حجرات، و منه يقال:جلس الرّجل حجرة،أي في ناحية.

و الحجرة:الحائط يحجر على دار أو غيرها؛و الجمع:

حجرات و حجر.

و الحاجر:الأرض يرتفع ما حولها،و ينخفض وسطها،فيجتمع في ذلك الانخفاض ماء السّماء،و يمنعه الحاجر أن يفيض،و كلّ شيء حجرت عليه فقد منعت عنه.

و سمّيت الأنثى من الخيل:حجرا،لأنّها حجرت عن الذّكور إلاّ عن فحل كريم.

و حجّر القمر،إذا صارت حوله دارة،و حجّرت عين البعير،إذا و سمت حولها بميسم مستدير.

و الحجر:معروف،و يجمع في أدنى العدد:حجارا و حجارة،و هو قليل،مثل ذكر و ذكارة و حجر و حجارة.

و سمّت العرب حجرا و حجّارا و حجرا و حجيرا.

و الحجّورة مثل«فعّولة»:لعبة يلعب بها الصّبيان، يخطّون خطّا مستديرا،و يقف فيه صبيّ و يحيط به الصّبيان ليأخذوه.

و بطون من بني تميم يسمّون الأحجار،لأنّ أسماءهم جندل و جرول و صخر.

و يقال:فلان لحاجور،أي في منعة.

و محجر العين:معروف،و هو ما يظهر من النّقاب.

و حجر اليمامة:سوقها و قصبتها.(2:54)

الحجران:جمع حاجر،و هو المنهبط من الأرض فالعشب أكثر فيه.(2:310)

ص: 14

و الحجرة:النّاحية،أنا في حجرة فلان،أي في ناحيته،و انتبذ فلان حجرة،إذا قعد ناحية من أصحابه؛ الموضع المحجور.(3:320)

حاجور:تقول:أنا منك بحاجور،أي محرّم عليك قتلي.(3:388)

و الحجر و الحجر:في معنى الحرام.(3:427)

القاليّ: و الحجر:العقل،و إنّما سمّي حجرا لأنّه يحجر صاحبه عن القبيح.(1:91)

و حجر:حرام.(1:129)

و الحجرة:النّاحية،يقال:جلس فلان على حجرة، أي ناحية.(2:88)

حجر:قصبة اليمامة و حريمهم،إنّما كانت بالجزيرة.

(2:135)

و المحجّر:الملجأ المضيّق عليه.(2:295)

و يقال:نشر اللّه حجرتك،أي كثّر اللّه مالك و ولدك.

و الحجرة بفتح الحاء هاهنا:النّاحية.

(ذيل الأماليّ 2:63)

و قالت امرأة لأخرى:«خفّ حجرك و طاب نشرك»أي لا كان لك ولد.

و الحجر:مجتمع مقدّم القميص.(ذيل الأماليّ 2:62)

الأزهريّ: و يقال:«رمي فلان بحجر الأرض»إذا رمي بداهية من الرّجال.

و يروى عن الأحنف بن قيس أنّه قال لعليّ رضي اللّه عنه حين سمّى معاوية أحد الحكمين عمرو بن العاص:إنّك قد رميت بحجر الأرض،فاجعل معه ابن عبّاس،فإنّه لا يعقد عقدة إلاّ حلّها.

قال ابن السّكّيت:الحجر:الفرس الأنثى.قلت:

و تجمع:حجورا و حجورة و أحجارا.

و قيل:أحجار الخيل:ما اتّخذ منها للنّسل و لا يكادون يفردون الواحدة.قلت:بلى،يقال:هذه حجر من أحجار خيلي،يراد بالحجر الفرس الأنثى خاصّة،جعلوها كالمحرّمة الرّحم إلاّ على حصان كريم.

و قال لي أعرابيّ من بني مضرّس و أشار إلى فرس له أنثى،فقال:هذه الحجر من جياد خيلنا.[و حكى قول أبي عمرو الشّيبانيّ و قال:]

قلت:و من هذا قيل لهذا المنزل الّذي في طريق مكّة:حاجر.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحجرة:النّاحية،و مثل للعرب:«فلان يرعى وسطا و يربض حجرة».

و حجرتا العسكر:جانباه من الميمنة و الميسرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:تحجّر عليّ ما وسّعه اللّه،أي حرّمه و ضيّقه.

و في الحديث:«لقد تحجّرت واسعا».

و في النّوادر يقال:أمسى المال محتجرة بطونه و تجبّرت.و مال متشدّد و متجبّر.

و يقال:احتجر البعير احتجارا،و المحتجر من المال:

كلّ ما كرش و لم يبلغ نصف البطنة و لم يبلغ الشّبع كلّه، فإذا بلغ نصف البطنة لم يقل،فإذا رجع بعد سوء حال و عجف فقد اجروّش؛و ناس مجروّشون.

و من أسماء العرب:حجر،و حجر،و حجّار.

و محجّر:اسم موضع بعينه.

ص: 15

و محجر القيل:من أقيال اليمن،حوزته و ناحيته الّتي لا يدخل عليه فيها غيره.

و تجمع الحجرة:حجرات و حجرات و حجرات، لغات كلّها.(4:131-135)

الصّاحب: الحجر:معروف؛يجمع على الأحجار و الحجار.

و رمي فلان بحجره،أي بقرن مثله.

و الحجران:الذّهب و الفضّة.

و الحجر:حطيم مكّة؛و هو المدار بالبيت كأنّه حجرة.

و حجر:موضع باليمامة.

و الحاجر:اسم منزل بالبادية.

و الحجر و الحجر-لغتان-:الحرام،و منه قوله عزّ و جلّ: وَ حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:53،أي حرام عليك محرّم حرمتي في هذا الشّهر.

و المحجّر:المحرّم.

و المحجر من الوجه:حيث لا يقع عليه النّقاب، و قيل:ما بدا منه.

و قيل:المحاجر:الحدائق،و مواضع يحتبس فيها الماء.

و التّحجير من الكيّات:حول العين كالحلقة.

و حجّر القمر:استدار بخطّ دقيق.

و الأنثى من الخيل يقال لها:حجر؛و الجميع:أحجار و حجور،و هي تتّخذ للنّسل.

و الحجر:أن تحجر على إنسان في ماله،و هو الحجر أيضا.

و الحجر:مصدر للحجرة الّتي يحتجرها الرّحل.

و حجارها:حائطها.

و الحاجر من مسايل المياه و منابت العشب:

ما استدار به سند أو نهر؛و الجميع:الحجران.

و الحجرة:النّاحية،و في مثل:«يربض حجرة و يرتعي وسطا»،و كذلك المحجر.

و الحجر و الحجر:الحضن.

و الحجر:العقل،و قيل:القرابة،في قول اللّه عزّ ذكره:

هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ.

و استحجر فلان بكلامي:اجترأ عليه.و أصل ذلك أن تجلب مالا من بلد إلى بلد.

و يقولون:عوذ باللّه و حجر:عند كراهة الشّيء.

و يقال للمعاذ و الملجأ:حاجور.

و في الدّعاء:اللّهمّ إنّي أحتجر بك منه.(2:397)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه كتب لوائل بن حجر:من محمّد رسول اللّه إلى المهاجر بن أبي أميّة أنّ وائلا يستسعى و يترفّل على الأقوال حيث كانوا من حضرموت»،و كتابا آخر لأقوال شبوة بما كان لهم فيها من ملك و عمران و مزاهر،و عرمان،و ملح،و محجر.

[إلى أن قال:]

و اختلفوا في تفسير هذه الأسماء،فقال لي كعيدنة بن مرفد،رجل من أهل اليمن:إنّها بلاد من حضرموت أقطعها النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إيّاهم،و قال لي:أنا أعرف محجر،و هي قرية معروفة فيها،و قال لي غيره من أهل حضرموت، بل هو المحجن.و الاحتجان:الاحتظار للشّيء.

(1:148)

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«ليس للنّساء من باحة

ص: 16

الطّريق شيء،و لكن لهنّ حجرتا الطّريق»[إلى أن قال:]

و حجرتا الطّريق:جانباه،و في مثل:«يأكل خضرة و ينام حجرة»أي يأكل من الرّوضة و يربض ناحية؛ يقال ذلك للجدي أو للحمل.(1:534)

الجوهريّ: الحجر:جمعه في القلّة:أحجار،و في الكثرة:حجار و حجارة،كقولك:جمل و جمالة،و ذكر و ذكارة،و هو نادر.

و حجر أيضا:اسم رجل،و منه أوس بن حجر الشّاعر.

و الحجران:الذّهب و الفضّة.

و الحجر؛ساكن:مصدر قولك حجر عليه القاضي يحجر حجرا،إذا منعه من التّصرّف في ماله.

و الحجر أيضا:قصبة اليمامة،يذكّر و يؤنّث.

و حجر الإنسان و حجره،بالفتح و الكسر؛و الجمع:

حجور.

و الحجر:الحرام،يكسر و يضمّ و يفتح،و الكسر أفصح.و قرئ بهنّ قوله تعالى: و حرث حجر الأنعام:138.

و يقول المشركون يوم القيامة إذا رأوا ملائكة العذاب: حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:22،53،أي حراما محرّما،يظنّون أنّ ذلك ينفعهم،كما كانوا يقولونه في الدّار الدّنيا لمن يخافونه في الشّهر الحرام.

و حجرة القوم:ناحية دارهم،و في المثل:«يربض حجرة و يرتعي وسطا».و الجمع:حجرات و حجر،مثل جمرة و جمر و جمرات.

و يقال للرّجل إذا كثر ماله:انتشرت حجرته.

و العرب تقول عند الأمر تنكره:حجرا بالضّمّ،أي دفعا،و هو استعاذة من الأمر.

و حجر أيضا:اسم رجل،و هو حجر الكنديّ،الّذي يقال له:آكل المرار.و حجر بن عديّ الّذي يقال له:

الأدبر.و يجوز حجر،مثل عسر و عسر.

و الحجرة:حظيرة الإبل،و منه حجرة الدّار.تقول:

احتجرت حجرة،أي اتّخذتها؛و الجمع:حجر مثل غرفة و غرف،و حجرات بضمّ الجيم.

و الحجر:العقل،قال اللّه تعالى: هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ الفجر:5.

و الحجر أيضا:حجر الكعبة،و هو ما حواه الحطيم المدار بالبيت جانب الشّمال.

و كلّ ما حجرته من حائط فهو حجر.

و الحجر:منازل ثمود ناحية الشّام،عند وادي القرى،قال اللّه تعالى: كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ الحجر:80.

و الحجر أيضا:الأنثى من الخيل.

و الحاجر و الحاجور:ما يمسك الماء من شفة الوادي، و هو«فاعول»من الحجر،و هو المنع.

و جمع الحاجر:حجران،مثل حائر و حوران، و شابّ و شبّان.

و المحجر،مثال المجلس:الحديقة.

و محجر العين أيضا:ما يبدو من النّقاب.

و المحجر بالفتح:ما حول القرية،و منه محاجر أقيال اليمن،و هي الأحماء،كان لكلّ واحد منهم حمى لا يرعاه غيره.

ص: 17

و المحجر أيضا:الحجر،و هو الحرام.

و يقال:حجّر القمر،إذا استدار بخطّ دقيق من غير أن يغلظ،و كذلك إذا صارت حوله دارة في الغيم.

و التّحجير أيضا:أن تسم حول عين البعير بميسم مستدير.

و محجّر بالتّشديد:اسم موضع،و الأصمعيّ يقوله بكسر الجيم،و غيره يفتح.

و حجّار بالتّشديد:اسم رجل من بكر بن وائل.

و الحنجرة و الحنجور:الحلقوم،بزيادة النّون.

[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](2:623)

ابن فارس: الحاء و الجيم و الرّاء أصل واحد مطّرد،و هو المنع و الإحاطة على الشّيء.فالحجر:حجر الإنسان،و قد تكسر حاؤه.و يقال:حجر الحاكم على السّفيه حجرا؛و ذلك منعه إيّاه من التّصرّف في ماله.

و العقل يسمّى حجرا لأنّه يمنع من إتيان ما لا ينبغي، كما سمّي عقلا تشبيها بالعقال،قال اللّه تعالى: هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ الفجر:5.

و حجر:قصبة اليمامة.

و الحجر:معروف،و أحسب أنّ الباب كلّه محمول عليه و مأخوذ منه،لشدّته و صلابته.

و قياس الجمع في أدنى العدد:أحجار،و الحجارة أيضا له قياس،كما يقال:جمل و جمالة،و هو قليل.

و الحجر:الفرس الأنثى؛و هي تصان و يضنّ بها.

و الحاجر:ما يمسك الماء من مكان منهبط؛و جمعه:

حجران.

و حجرة القوم:ناحية دارهم و هي حماهم.

و الحجرة:من الأبنية معروفة.

و حجّر القمر،إذا صارت حوله دارة.

و ممّا يشتقّ من هذا قولهم:حجّرت عين البعير،إذا و سمت حولها بميسم مستدير.و محجر العين:ما يدور بها، و هو الّذي يظهر من النّقاب.

و الحجر:حطيم مكّة،هو المدار بالبيت.و الحجر:

القرابة.و القياس فيها قياس الباب،لأنّها ذمام و ذمار يحمى و يحفظ.

و الحجر:الحرام،و كان الرّجل يلقى الرّجل يخافه في الأشهر الحرم،فيقول:حجرا،أي حراما،و معناه حرام عليك أن تنالني بمكروه،فإذا كان يوم القيامة رأى المشركون ملائكة العذاب فيقولون: حِجْراً مَحْجُوراً فظنّوا أنّ ذلك ينفعهم في الآخرة،كما كان ينفعهم في الدّنيا.

و المحاجر:الحدائق؛واحدها:محجر.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:138)

ابن سيده: الحجر:الصّخرة؛و الجمع:أحجار و أحجر في القليل.

و الكثير:حجار و حجارة.

و في التّنزيل: وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ البقرة:

24،التّحريم:6،قيل:هي حجارة الكبريت،ألحقوها الهاء لتأنيث الجمع،كما ذهب إليه سيبويه في:البعولة و الفحولة.

و الحجر الأسود:حجر البيت،و ربّما أفردوه فقالوا:

الحجر،إعظاما له؛و من ذلك قول عمر:«و اللّه إنّك لحجر، و لو لا أنّي...».

ص: 18

و استحجر الطّين،صار حجرا،كما يقولون:استنوق الجمل،لا يتكلّمون بهما إلاّ مزيدين،و لهما نظائر.

و أرض حجرة و حجيرة و متحجّرة:كثيرة الحجارة.

و ربّما كنّي بالحجر عن الرّمل.

و الحجر و الحجر و الحجر و المحجر،كلّ ذلك الحرام.

و قد حجره و حجّره،و في التّنزيل: وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:22،أي حراما محرّما.

و الحاجور كالمحجر.

و الحجري،الحرمة.

و حجر الإنسان،و حجره،و حجره:حصنه.

و الحجر:المنع،حجر عليه يحجر و حجرا و حجرانا و حجرانا:منع منه.و لا حجر عنه،أي لا دفع.

و أنت في حجرتي،أي منعتي.

و الحجرة من البيوت:معروفة،لمنعها المال، و الحجار:حائطها.

و استحجر القوم و احتجروا:اتّخذوا حجرة.

و الحجرة و الحجر،جميعا:النّاحية،الأخيرة عن كراع.و قعد حجرة و حجرة،أي ناحية.

و الحجر:ما يحيط بالظّفر من اللّحم.

و المحجر:الحديقة.

و محجر العين:ما دار بها و بدا من البرقع من جميع العين.

و قيل:هو ما يظهر من نقاب المرأة و عمامة الرّجل إذا اعتمّ،و قيل:هو ما دار بالعين من العظم الّذي في أسفل الجفن،كلّ ذلك بفتح الميم و كسرها،و كسر الجيم و فتحها.

و حجّر القمر:استدار بخطّ دقيق من غير أن يغلظ.

و حجّر عين الدّابّة،و حولها:حلّق لداء يصيبها.

و الحاجر:ما يمسك الماء من شفة الوادي و يحيط به.

و الحاجر:منبت الرّمث،و مجتمعه و مستداره.

و الحاجر أيضا:الجدر الّذي يمسك الماء بين الدّبار، لاستدارته أيضا.

و الحجر:العقل لإمساكه و منعه و إحاطته بالتّمييز، فهو مشتقّ من القبيلين.و في التّنزيل: هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ الفجر:5.

و الحجر:الفرس الأنثى،لم يدخلوا فيه الهاء،لأنّه اسم لا يشركها فيه المذكّر؛و الجمع:أحجار و حجور.

و قيل:أحجار الخيل:ما يتّخذ منها للنّسل،لا يفرد لها واحد.

و حجر الإنسان و حجره:ما بين يديه من ثوبه.

و حجر الرّجل و المرأة و حجرهما:متاعهما،و الفتح أعلى.

و نشأ فلان في حجر فلان و حجره،أي حفظه و ستره.

و الحجر:حجر الكعبة.

و الحجر:ديار ثمود.

و حجر:قصبة اليمامة-مذكّر مصروف،و منهم من يؤنّث و لا يصرف،كامرأة اسمها«سهل»-و قيل:هي سوقها.

و الحاجر:منزل من منازل الحاجّ في البادية.

و الحجّورة:لعبة يلعب بها الصّبيان،يخطّون خطّا مستديرا،و يقف فيه صبيّ و هنالك الصّبيان معه.

ص: 19

و قد سمّوا:حجرا و حجّارا و حجرا و حجيرا.

و الأحجار:بطون من بني تميم سمّوا بذلك،لأنّ أسماءهم:جندل،و جرول،و صخر.

و حجور:موضع معروف من بلاد بني سعد.

و محجّر:ماء بشرقيّ سلمى.[و استشهد بالشّعر 13 مرّة](3:65)

الطّوسيّ: و الحجارة:واحد الأحجار،و هو ما صلب من الأجسام،يقال:استحجر الطّين،إذا صلب،فصار كالحجر.و أكثر ما يقال:حجر،للمدر، و مع ذلك فالياقوت حجر،و لذلك يقال:الياقوت أفضل الحجارة،و لا يقال:الياقوت أفضل الزّجاج،لأنّه ليس من الزّجاج.(5:131)

و أصل الحجر:الضّيق،يقال:حجر يحجر حجرا، إذا ضيّق.و الحجر:الحرام لضيقه بالنّهي عنه.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه حجر القاضي عليه يحجر،و حجر فلان على أهله.

و منه حجر الكعبة،لأنّه لا يدخل إليه في الطّواف، و إنّما يطاف من ورائه،لتضيّقه بالنّهي عنه،و قوله:

لِذِي حِجْرٍ أي لذي عقل،لما فيه من التّضييق في القبيح،و الحجر:الأنثى من الخيل،و منه الحجرة،و حجر الإنسان.(7:483)

نحوه الطّبرسيّ.(4:165)

الرّاغب: الحجر:الجوهر الصّلب المعروف؛و جمعه:

أحجار و حجارة.[إلى أن قال:]

و الحجر و التّحجير:أن يجعل حول المكان حجارة، يقال:حجرته حجرا فهو محجور،و حجّرته تحجيرا فهو محجّر.

و سمّي ما أحيط به الحجارة حجرا؛و به سمّي حجر الكعبة و ديار ثمود،قال تعالى: كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ الحجر:80.

و تصوّر من الحجر معنى«المنع»لما يحصل فيه،فقيل للعقل:حجر لكون الإنسان في منع منه ممّا تدعو إليه نفسه،و قال تعالى: هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ الفجر:5

و الحجر:الممنوع منه بتحريمه،قال تعالى: وَ قالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَ حَرْثٌ حِجْرٌ الأنعام:138، وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:22،كان الرّجل إذا لقي من يخاف يقول ذلك،فذكر تعالى أنّ الكفّار إذا رأوا الملائكة قالوا ذلك ظنّا أنّ ذلك ينفعهم،قال تعالى: وَ جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَ حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:53 أي منعا لا سبيل إلى رفعه و دفعه.

و فلان في حجر فلان،أي في منع منه عن التّصرّف في ماله و كثير من أحواله؛و جمعه:حجور،قال تعالى:

وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ النّساء:23.

و حجر القميص أيضا:اسم لما يجعل فيه الشّيء فيمنع،و تصوّر من الحجر دورانه،فقيل:حجرت عين الفرس،إذا و سمت حولها بميسم،و حجّر القمر:صار حوله دائرة.

و الحجّورة:لعبة للصّبيان يخطّون خطّا مستديرا؛ و محجر العين منه.

و تحجّر كذا:

ص: 20

تصلّب،و صار كالأحجار.

و الأحجار:بطون من بني تميم سمّوا بذلك لقوم منهم أسماؤهم:جندل،و حجر،و صخر.(108)

الزّمخشريّ: نشأت في حجر فلان،و صلّيت في حجر الكعبة،و هذه حجر منجبة من حجور منجبات، و هي الرّملة.[ثمّ استشهد بشعر]

و في ذلك عبرة لذي حجر،و هو اللّبّ.

و هذا حجر عليك:حرام.

و حجر عليه القاضي حجرا.

و استقينا من الحاجر،و هو منهبط يمسك الماء.

و فلان من أهل الحاجر،و هو مكان بطريق مكّة.

و قعد حجرة،أي ناحية،و أحاطوا بحجرتي العسكر،و هما جانباه.

و حجّر حول العين بكيّة.و عوذ باللّه منك و حجر.

و أعوذ بك من الشّياطين و أحتجر بك منه.

و امرأة بيضاء المحاجر،و بدا محجرها من النّقاب.

و لهم محاجر و حدائق،و هي مواضع فيها رعي كثير و ماء.

و استحجر الطّين و تحجّر:صلب كالحجر.

و تحجّر ما وسّعه اللّه:ضيّقه على نفسه.

و حجّر حول أرضه.

و من المجاز رمي فلان بحجره،إذا قرن بمثله.

(أساس البلاغة:74)

كان له حصير يبسطه بالنّهار،و يحتجره باللّيل يصلّي عليه،أي يحظره لنفسه دون غيره.و منه احتجرت الأرض،إذا ضربت عليها منارا أو أعلمت علما في حدودها للحيازة.(الفائق 1:261)

المدينيّ: هو اسم لديار ثمود،قوم صالح النّبيّ عليه السّلام.و قد يجيء ذكره في أحاديث حين وصل إليه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و الصّحابة رضي اللّه عنهم.

في حديث سعد بن معاذ:«أنّه لمّا تحجّر جرحه للبرء انفجر»،قوله:«تحجّر:أي اجتمع و قرب بعضه من بعض و التأم،و قد يجيء«تحجّر»متعدّيا.

في الحديث الآخر:«لقد تحجّرت واسعا».كما جاء «حجّر»لازما و متعدّيا،يقال:حجّر القمر،أي دخل في الدّارة الّتي حوله،و حجّرت عين البعير،أي و سمت حولها بميسم مستدير.

في حديث الجسّاسة:«تبعه أهل الحجر و المدر»أي أهل البوادي الّذين يسكنون مواضع الحجارة و الجبال، و أهل المدر:أهل البلاد.

في الحديث:«كان له حصير يبسطه بالنّهار و يحتجره باللّيل»أي يجعله لنفسه دون غيره.

و منه يقال:احتجرت الأرض،إذا ضربت عليها منارا تمنعها به عن غيرك.

و منه:حجر القاضي على المفلس و غيره،و أصل الحجر:المنع.

و في الحديث:«و للعاهر الحجر»...معنى الحجر هاهنا:الخيبة.(1:402)

ابن الأثير: فيه ذكر الحجر في غير موضع،الحجر بالكسر:اسم الحائط المستدير إلى جانب الكعبة الغربيّ.

و هو أيضا اسم لأرض ثمود صالح النّبيّ عليه السّلام،[و ذكر الآية]و جاء ذكره في الحديث كثيرا.

ص: 21

[ذكر حديث«كان له حصير يبسطه»المتقدّم و قال:]

و في حديث آخر:«أنّه احتجر حجيرة بخصفة أو حصير»الحجيرة:تصغير الحجرة،و هو الموضع المنفرد.

[إلى أن قال:]

و فيه:«من نام على ظهر بيت ليس عليه حجار فقد برئت منه الذّمّة»الحجار:جمع حجر بالكسر و هو الحائط،أو من الحجرة و هي حظيرة الإبل،أو حجرة الدّار،أي إنّه يحجر الإنسان النّائم و يمنعه عن الوقوع و السّقوط.و يروى«حجاب»بالباء.[إلى أن قال:]

و في حديث عائشة و ابن الزّبير رضي اللّه عنهما:

«لقد هممت أن أحجر عليها»الحجر:المنع من التّصرّف، و منه حجر القاضي على الصّغير و السّفيه،إذا منعهما من التّصرّف في مالهما.

و منه حديث عائشة:«هي اليتيمة تكون في حجر وليّها»و يجوز أن يكون من:حجر الثّوب،و هو طرفه المقدّم،لأنّ الإنسان يربّي ولده في حجره،و الوليّ:القائم بأمر اليتيم.و الحجر بالفتح و الكسر:الثّوب و الحضن، و المصدر بالفتح لا غير.

و فيه:«للنّساء حجرتا الطّريق»أي ناحيتاه.

و منه حديث أبي الدّرداء رحمه اللّه:«إذا رأيت رجلا يسير من القوم حجرة»أي ناحية منفردا،و هي بفتح الحاء و سكون الجيم،و جمعها:حجرات.

و منه حديث عليّ عليه السّلام:«الحكم للّه».

*و دع عنك نهبا صيح في حجراته*

هذا مثل للعرب يضرب لمن ذهب من ماله شيء،ثمّ ذهب بعده ما هو أجلّ منه و هو صدر بيت لإمرئ القيس.

فدع عنك نهيا صيح في حجراته

و لكن حديثا ما حديث الرّواحل

و فيه:«إذا نشأت حجريّة ثمّ تشاءمت فتلك عين غديقة»حجريّة-بفتح الحاء و سكون الجيم-يجوز أن تكون منسوبة إلى الحجر و هو قصبة اليمامة،أو إلى حجرة القوم،و هي ناحيتهم؛و الجمع:حجر،مثل جمرة و جمر، و إن كانت بكسر الحاء فهي منسوبة إلى الحجر:أرض ثمود.[إلى أن قال:]

و فيه:«أنّه تلقّى جبرئيل عليه السّلام بأحجار المراء»قال مجاهد:هي قباء.

و في حديث الفتن:«عند أحجار الزّيت»هو موضع بالمدينة.[إلى أن قال:]

و في صفة الدّجّال:«مطموس العين ليست بناتئة و لا حجراء».قال الهرويّ:إن كانت هذه اللّفظة محفوظة فمعناها أنّها ليست بصلبة متحجّرة،و قد رويت جحراء بتقديم الجيم،و قد تقدّمت.

و في حديث وائل بن حجر:«مزاهر و عرمان و محجر و عرضان»محجر بكسر الميم:قرية معروفة.و قيل:هو بالنّون،و هي حظائر حول النّخل.و قيل:حدائق.

(1:341)

الصّغانيّ: و أمسى المال محتجرة بطونه،و محتجزة بطونه،بالرّاء و الزّاي،أي قد تشدّدت بطونه و تجبّرت.

و المحتجر:الأسد.

و الحنجورة:شبه البرمة من زجاج،يجعل فيه الطّيب.و قيل:هي قارورة تجعل فيها الذّريرة...

(2:464)

ص: 22

الفيّوميّ: حجر عليه حجرا من باب قتل:منعه التّصرّف،فهو محجور عليه،و الفقهاء يحذفون الصّلة تخفيفا لكثرة الاستعمال،و يقولون:محجور،و هو سائغ.

و حجر الإنسان بالفتح و قد يكسر:حضنه،و هو ما دون ابطه إلى الكشح،و هو في حجره أي كنفه و حمايته،و الجمع:حجور.

و الحجر بالكسر:العقل،و الحجر:حطيم مكّة و هو المدار بالبيت من جهة الميزاب.و الحجر:القرابة.

و الجحر:الحرام،و تثليث الحاء لغة،و بالمضموم سمّي الرّجل.و الحجر بالكسر أيضا:الفرس الأنثى.و جمعها:

حجور و أحجار،و قيل:الأحجار جمع الإناث من الخيل، و لا واحد لها من لفظها،و هذا ضعيف لثبوت المفرد.

و الحجرة:البيت،و الجمع:حجر،و حجرات:مثل غرف و غرفات في وجوهها.

و الحجر معروف و به سمّي الرّجل،قال بعضهم:

ليس في العرب حجر بفتحتين اسما إلاّ أوس بن حجر، و أمّا غيره فحجر وزان قفل.

و استحجر الطّين:صار صلبا كالحجر.

و الحنجرة:«فنعلة»مجرى النّفس.

و الحنجور:«فنعول»بضمّ الفاء الحلق.

و المحجر مثال مجلس:ما ظهر من النّقاب من الرّجل و المرأة من الجفن الأسفل،و قد يكون من الأعلى.

و قال بعض العرب:هو ما دار بالعين من جميع الجوانب و بدا من البرقع،و الجمع:المحاجر.

و تحجّرت واسعا:ضيّقت.

و احتجرت الأرض:جعلت عليها منارا و أعلمت علما في حدودها لحيازتها،مأخوذ من احتجرت حجرة إذا اتّخذتها.و قولهم في الموات:تحجّر،و هو قريب في المعنى من قولهم:حجّر عين البعير:إذا وسم حولها بميسم مستدير و يرجع إلى الإعلام.(1:121)

الفيروزآباديّ: الحجر مثلّثة:المنع،كالحجران بالضّمّ و الكسر،و حضن الإنسان،و الحرام كالمحجر و الحاجور.

و بالفتح:نقاء الرّمل،و محجر العين،و قصبة باليمامة، و موضع بديار بني عقيل،و واد بين بلاد عذرة و غطفان، و قرية لبني سليم و يكسر،و جبل ببلاد غطفان،و موضع باليمن،و موضع به وقعة بين دوس و كنانة،و جمع حجرة للنّاحية كالحجرات و الحواجر،و حجر ذي رعين أبو القبيلة منهم.[إلى أن قال:]

و بالكسر:العقل،و ما حواه الحطيم المدار بالكعبة شرّفها اللّه تعالى من جانب الشّمال،و ديار ثمود أو بلادهم،و الأنثى من الخيل،و بالهاء لحن؛جمعه:حجور و حجورة و أحجار،و القرابة،و ما بين يديك من ثوبك، و من الرّجل و المرأة فرجهما،و قرية لبني سليم،و يفتح فيهما.

و نشأ في حجره و حجره،أي في حفظه و ستره، و بالتّحريك:الصّخرة كالأحجرّ كاردنّ؛جمعه:أحجار و أحجر و حجارة و حجار.

و أرض حجرة و حجيرة و متحجّرة:كثيرته،و الفضّة و الذّهب و الرّمل،و الحجر الأسود معروف،و بلد عظيم على جبل بالأندلس،و موضع آخر.و حجر الذّهب:

محلّة بدمشق،و حجر شغلان:حصن قرب أنطاكية.

ص: 23

و بضمّتين:ما يحيط بالظّفر من اللّحم،و كصرد:جمع الحجرة للغرفة.

و حظيرة الإبل كالحجرات بضمّتين،و الحجرات بفتح الجيم و سكونها عن الزّمخشريّ.

و الحاجر:الأرض المرتفعة و وسطها منخفض، و ما يمسك الماء من شقّة الوادي كالحاجور،و منبت الرّمث،و مجتمعه و مستداره؛جمعه:حجران،و منزل للحاجّ للبادية.

و الحجريّ ككرديّ و يكسر:الحقّ و الحرمة.

و حجر بالضّمّ و بضمّتين:بلدة باليمن من مخاليف بدر...

و رمي بحجر الأرض،أي بداهية.

و كصبور:موضع ببلاد بني سعد وراء عمان،و موضع باليمن.

و الحجّورة مشدّدة،و الحاجورة:لعبة يخطّ الصّبيان خطّا مدوّرا،و يقف فيه صبيّ و يحيطون به ليأخذوه.

و المحجر كمجلس و منبر:الحديقة،و من العين:

ما دار بها و بدا من البرقع،أو ما يظهر من نقابها و عمامته إذا اعتمّ،و ما حول القرية،و منه محاجر أقيال اليمن و هي الأحماء،كان لكلّ واحد حمى لا يرعاه غيره.

و استحجر:اتّخذ حجرة كتحجّر.

و الأحجار:بطون من بني تميم.

و محجّر كمعظّم و محدّث:ماء أو موضع.

و أحجار:فرس همّام بن مرّة الشّيبانيّ.

و أحجار الخيل:ما اتّخذ منها للنّسل،لا يكادون يفردون الواحدة.

و أحجار المراء ب«قبا»خارج المدينة،و أحجار الزّيت:موضع داخل المدينة.

و الحجيرات:منزل لأوس بن مغراء.

و الحنجور:السّفط الصّغير،و قارورة للذّريرة، و الحلقوم كالحنجرة و الحناجر جمعه،و بلدة.

و حجّر القمر تحجيرا:استدار بخطّ دقيق من غير أن يغلظ،أو صار حوله دارة في الغيم،و البعير وسم حول عينيه بميسم مستدير.

و تحجّر عليه:ضيّق و استحجر:اجترأ.

و احتجر الأرض:ضرب عليها منارا،و اللّوح وضعه في حجره،و به التجأ و استعاذ،و الإبل تشدّدت بطونها.

و وادي الحجارة:بلدة بثغور الأندلس.(2:4)

نحوه مجمع اللّغة(1:238)،و محمّد إسماعيل إبراهيم (1:124).

الطّريحيّ: و في الحديث:«خلق اللّه السّماوات و الأرض في ستّة أيّام،فحجرها من ثلاثمائة و ستّين»أي اقتطعها من هذا العدد.

و حجر الإنسان،بالفتح و قد يكسر:حضنه،و هو ما دون إبطه إلى الكشح.

و منه الحديث:«بينا الحسن و الحسين عليهما السّلام في حجر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أي في حضنه.[الى آخره](3:259)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الحفظ بالتّحديد،أي كون الشّيء محفوظا و محدودا،و هذا المعنى يختلف مفهومه باختلاف الموارد و المصاديق و الصّيغ.

ص: 24

فمن مصاديق هذا المفهوم:الحجر بمعنى العقل،و هو الحافظ لصاحبه عن الضّلال و الضّرر،و جاعله محدودا في أفكاره و أعماله.و كذلك مفهوم القرابة لأنّهم يحفظونه و يحيطون به.و كذا الحجرة فإنّها«فعلة»و بها يحفظ ساكنها و يكون محدودا.

و أمّا الحجر:فهو لصلابته طبعا محفوظ و محدود، و يشتقّ منه انتزاعا التّحجير و الاستحجار و غيرهما،أو أنّهما من الحجر بمعنى الحفظ و الحدّ.

و أمّا المحجوريّة:فكأنّه يكون محدودا في تصرّفاته و محفوظا.

و أمّا حجر الإنسان بمعنى الكنف و الحماية،فواضح.

و كذلك الحجر بمعنى الحطيم للكعبة،لكونها في حفظ الكعبة و حدّها و كنفها.

و أمّا الحرام:فباعتبار كونه محفوظا و محدودا لا يجوز فعله.(2:182)

النّصوص التّفسيريّة

الحجرات

إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ. الحجرات:4

الفرّاء: وجه الكلام أن تضمّ الحاء و الجيم،و بعض العرب يقول:الحجرات و الرّكبات.و كلّ جمع كأن يقال في ثلاثة إلى عشرة:غرف،و حجر،فإذا جمعته بالتّاء نصبت ثانيه،فالرّفع أجود من ذلك.(3:70)

مثله الطّبريّ.(6:12)

أبو عبيدة: واحدتها:حجرة.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:219)

نحوه ابن قتيبة.(415)

الزّجّاج: يقرأ بضمّ الحاء و الجيم،و (الحجرات) بفتح الجيم،و يجوز في اللّغة الحجرات،بتسكين الجيم.

و لا أعلم أحدا قرأ بالتّسكين،و قد فسّرنا هذا الجمع فيما تقدّم من الكتاب.

و واحد الحجرات:حجرة.و يجوز أن تكون الحجرات جمع حجر و حجرات،و الأجود أن تكون الحجرات جمع حجرة،و أنّ الفتح جاز بدلا من الضّمّة لثقل الضّمّتين.(5:33)

الطّوسيّ: و هي جمع حجرة،و كلّ«فعلة»بضمّ الفاء يجمع بالألف و التّاء،لأنّه ليس بجمع سلامة محضة؛ إذ ما يعقل من الذّكر ألحق به،لأنّه أشرف المعنيين،فهو أحقّ بالتّفصيل.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ أبو جعفر (الحجرات) بفتح الجيم.قال المبرّد:

أبدل من الضّمّة الفتحة استثقالا لتوالي الضّمّتين،و منهم من أسكن مثل عضد و عضد.(9:342)

البغويّ: قرأ العامّة بضمّ الجيم،و قرأ أبو جعفر بفتح الجيم،و هما لغتان،و هي جمع الحجر،و الحجر:جمع الحجرة،فهي جمع الجمع.(4:255)

نحوه ابن عطيّة.(5:146)

الزّمخشريّ: الحجرة:الرّقعة من الأرض المحجورة بحائط يحوّط عليها،و حظيرة الإبل تسمّى الحجرة، و هي«فعلة»بمعنى مفعولة كالغرفة و القبضة؛و جمعها:

الحجرات بضمّتين،و الحجرات بفتح الجيم و الحجرات

ص: 25

بتسكينها،و قرئ بهنّ جميعا.و المراد حجرات نساء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و كانت لكلّ واحدة منهنّ حجرة.

(3:558)

مثله البيضاويّ(2:407)،و نحوه النّسفيّ(4:

167)،و القرطبيّ(16:310)،و أبو حيّان(8:108)، و السّمين(6:169)،و البروسويّ(9:67)،و القاسميّ (15:5444)،و المراغيّ(26:123).

الطّبرسيّ: و من قرأ (الحجرات) أبدل من الضّمّة فتحة استثقالا لتوالي الضّمّتين،و منهم من أسكن فقال:

(الحجرات)مثل عضد و عضد.و قال أبو عبيدة:

(حجرات)جمع حجر،فهو جمع الجمع.(5:129)

ابن الجوزيّ: فأمّا (الحجرات) فقرأ أبيّ بن كعب، و عائشة،و أبو عبد الرّحمن السّلميّ،و مجاهد، و أبو العالية،و ابن يعمر،و أبو جعفر،و شيبة:بفتح الجيم، و أسكنها أبو رزين،و سعيد بن المسيّب،و ابن أبي عبلة، و ضمّها الباقون.[ثمّ نقل قولي الفرّاء و ابن قتيبة]

(7:460)

النّيسابوريّ: البقعة الّتي يحجرها المرء لنفسه كيلا يشاركه فيها غيره،من الحجر:و هو المنع«فعلة»بمعنى مفعولة،و جمعت لأنّ كلاّ من أمّهات المؤمنين لها حجرة.

(26:58)

نحوه الشّربينيّ.(4:62)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و في جمعها هنا ثلاثة أوجه؛ضمّ العين إتباعا للفاء كقراءة الجمهور،و فتحها و به قرأ أبو جعفر،و شيبة، و تسكينها للتّخفيف و به قرأ ابن أبي عبلة.

و هذه الأوجه جائزة في جمع كلّ اسم جامد جاء على هذا الوزن،و المراد حجرات نسائه عليه الصّلاة و السّلام،و كانت تسعة لكلّ منهنّ حجرة.[إلى أن قال:]

و في ذكر(الحجرات)كناية عن خلوته عليه السّلام بنسائه، لأنّها معدّة لها،و لم يقل:حجرات نسائك و لا حجراتك، توقيرا له صلّى اللّه عليه و سلّم و تحاشيا عمّا يوحشه عليه الصّلاة و السّلام.

(26:139)

عزّة دروزة :جمع حجرة،و هي الغرفة،و المقصود هنا مساكن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم الّتي كانت في جانب مسجده.

(10:119)

نحوه مغنيّة.(7:108)

المصطفويّ: إشارة إلى كونها محدودة و محفوظة لا بدّ أن تحفظ،و لا يتجاوز عنها مع أنّهم ينادونك من ورائها.(2:183)

حجوركم

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ...

وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ... النّساء:23

ابن عبّاس: ربيبتكم في بيوتكم.(68)

مثله أبو عبيدة.(1:121)

الزّمخشريّ: ما فائدة قوله:(فى حجوركم)؟

قلت:فائدته التّعليل للتّحريم و أنّهنّ لاحتضانكم لهنّ أو لكونهنّ بصدد احتضانكم،و في حكم التّقلّب في حجوركم إذا دخلتم بأمّهاتهنّ،و تمكّن بدخولكم حكم الزّواج و ثبتت الخلطة و الألفة،و جعل اللّه بينكم المودّة

ص: 26

و الرّحمة،و كانت الحال خليقة بأن تجروا أولادهنّ مجرى أولادكم،كأنّكم في العقد على بناتهنّ عاقدون على بناتكم.و عن عليّ رضي اللّه عنه:أنّه شرط ذلك في التّحريم،و به أخذ داود.(1:517)

ابن عطيّة: ذكر الأغلب في هذه الأمور؛إذ هي حالة الرّبيبة في الأكثر،و هي محرمة و إن كانت في غير الحجر،لأنّها في حكم أنّها في الحجر،إلاّ ما روي عن عليّ أنّه قال:تحلّ إذا لم تكن في الحجر و إن دخل بالأمّ، إذا كانت بعيدة عنه.و يقال:حجر بكسر الحاء و فتحها، و هو مقدّم ثوب الإنسان و ما بين يديه منه في حالة اللّبس،ثمّ استعملت اللّفظة في الحفظ و السّتر،لأنّ اللاّبس إنّما تحفّظ طفلا و ما أشبهه بذلك الموضع من الثّوب.(2:32)

الطّبرسيّ: و هو جمع حجر الإنسان،و المعنى في ضمانكم و تربيتكم.و يقال:فلان في حجر فلان أي في تربيته.و لا خلاف بين العلماء أنّ كونهنّ في حجره ليس بشرط في التّحريم،و إنّما ذكر ذلك لأنّ الغالب أنّها تكون كذلك،و هذا يقتضي تحريم بنت المرأة من غير زوجها على زوجها،و تحريم بنت ابنها و بنت بنتها قربت أم بعدت،لوقوع اسم الرّبيبة عليهنّ.(2:29)

الفخر الرّازيّ: أي في تربيتكم،يقال:فلان في حجر فلان،إذا كان في تربيته،و السّبب في هذه الاستعارة أنّ كلّ من ربّى طفلا أجلسه في حجره،فصار الحجر عبارة عن الرّبيبة،كما يقال:فلان في حضانة فلان،و أصله من الحضن الّذي هو الإبط.(10:33)

مثله البروسويّ.(2:187)

البيضاويّ: فائدة قوله:(في حجوركم)تقوية العلّة و تكميلها.و المعنى أنّ الرّبائب إذا دخلتم بأمّهاتهنّ و هي في احتضانكم،أو بصدده قوى الشّبه بينها و بين أولادكم،و صارت أحقّاء بأن تجروها مجراهم لا تقييد الحرمة،و إليه ذهب جمهور العلماء.و قد روي عن عليّ رضي اللّه تعالى عنه:أنّه جعله شرطا،و الأمّهات و الرّبائب يتناولون القريبة و البعيدة.(1:212)

النّسفيّ: ذكر الحجر على غلبة الحال دون الشّرط،و فائدته التّعليل للتّحريم،و أنّهنّ لاحتضانكم لهنّ أو لكونهنّ بصدد احتضانكم كأنّكم في العقد على بناتهنّ عاقدون على بناتكم.(1:218)

و فيه أمور أخرى راجع«ر ب ب»(ربائبكم).

حجر

هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ. الفجر:5

ابن عبّاس: لذي عقل.(510)

مثله مجاهد(الطّبريّ 30:174)،و أبو عبيدة (2:297)،و القمّيّ(2:419)،و أبو حيّان(8:466)، و السّمين(6:518).

و هذا المعنى مرويّ عن الباقر عليه السّلام(الكاشانيّ (5:324)،و مجمع اللّغة(1:239)،و عزّة دروزة (1:147)،و الطّباطبائيّ(2:279).

الحسن :لذي حلم.(الطّبريّ 30:174)

ابن كعب القرظيّ: لذي دين.(الماورديّ 6:267)

قتادة :لذي حجّى.(الطّبريّ 30:174)

الفرّاء: لذي عقل،لذي ستر،و كلّه يرجع إلى أمر

ص: 27

واحد من العقل،و العرب تقول:إنّه لذو حجر إذا كان قاهرا لنفسه ضابطا لها،كأنّه أخذ من قولك:حجرت على الرّجل.(3:260)

نحوه المراغيّ.(3:142)

الطّبريّ: فإنّه لذي حجّى و ذي عقل؛يقال للرّجل إذا كان مالكا نفسه قاهرا لها ضابطا:إنّه لذو حجر،و منه قولهم:حجر الحاكم على فلان.(30:173)

الزّجّاج: أي لذي عقل و لبّ.(5:321)

مثله الواحديّ(4:481)،و الطّبرسيّ(5:485)، و سيّد قطب(6:3903).

الماورديّ: و في«ذي الحجر»لأهل التّأويل خمسة أقاويل.[ثمّ ذكر أقوال المفسّرين و أضاف:]

و الحجر:المنع،و منه اشتقّ اسم الحجر لامتناعه بصلابته،و لذلك سمّيت الحجرة لامتناع ما فيها بها،و منه سمّي حجر المولّى عليه،لما فيه من منعه عن التّصرّف، فجاز أن يحمل معناه على كلّ واحد من هذه التّأويلات لما يضمنه من المنع.(6:267)

نحوه القرطبيّ.(20:43)

الطّوسيّ: أي لذي عقل-في قول ابن عبّاس و مجاهد و قتادة و الحسن-و قيل:العقل:الحجر،لأنّه يعقل عن المقبّحات و يزجر عن فعلها،يقال:حجر يحجر حجرا،إذا منع من الشّيء بالتّضييق،و منه حجر الرّجل يحجر على ما فيه،و منه الحجر لامتناعه بصلابته.

(10:342)

نحوه البغويّ.(5:248)

الزّمخشريّ: الحجر:العقل،لأنّه يحجر عن التّهافت فيما لا ينبغي،كما سمّي عقلا و نهية،لأنّه يعقل و ينهى،و حصاة من الإحصاء،و هو الضّبط.[ثمّ نقل قول الفرّاء](4:249)

نحوه الفخر الرّازيّ(31:165)،و البيضاويّ(2:

557)،و النّسفيّ(4:354)،و النّيسابوريّ(30:90)، و الخازن(7:201)،و الشّربينيّ(4:530)، و أبو السّعود(6:424)،و البروسويّ(10:422)، و شبّر(6:406)،و الآلوسيّ(30:122)،و القاسميّ (17:6146)،و مغنيّة(7:560)،و عبد الكريم الخطيب(15:1550).

ابن كثير :و إنّما سمّي العقل:حجرا لأنّه يمنع الإنسان من تعاطي ما لا يليق به من الأفعال و الأقوال، و منه:حجر البيت لأنّه يمنع الطّائف من اللّصوق بجداره الشّاميّ،و منه حجر اليمامة،و حجر الحاكم على فلان، إذا منعه التّصرّف.(7:284)

الحجر

وَ لَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ. الحجر:80

ابن عبّاس: قوم صالح.(220)

قتادة :أصحاب الوادي.(الطّبريّ 14:49)

إنّ الحجر اسم لواد كان يسكنها هؤلاء.

(الطّبرسيّ 3:343)

نحوه الفخر الرّازيّ.(19:205)

و هي ما بين مكّة و تبوك،و هو الوادي الّذي فيه ثمود.

(القرطبيّ 10:46)

الزّهريّ: إنّها مدينة ثمود.(الماورديّ 3:169)

ص: 28

مثله الطّبريّ.(14:49)

الطّبريّ: إنّ الحجر أرض بين الحجاز و الشّام.

(الماورديّ 3:169)

الطّوسيّ: إخبار منه تعالى أنّ أصحاب الحجر، و هي مدينة في قول ابن شهاب،و سمّوا أصحاب الحجر لأنّهم كانوا سكّانه،كما تقول:أصحاب الصّحراء.

(6:351)

نحوه الطّبرسيّ.(3:343)

الزّمخشريّ: ثمود،و الحجر واديهم،و هو بين المدينة و الشّام.(2:396)

نحوه ابن عطيّة(3:372)،و البيضاويّ(1:545)، و الشّربينيّ(2:210)،و الآلوسيّ(14:75).

القرطبيّ: الحجر ينطلق على معان:منها:حجر الكعبة،و منها:الحرام،قال اللّه تعالى: وَ حِجْراً مَحْجُوراً أي حراما محرّما.و الحجر:العقل،قال اللّه تعالى: لِذِي حِجْرٍ. و الحجر:حجر القميص،و الفتح أفصح.و الحجر:الفرس الأنثى.و الحجر:ديار ثمود، و هو المراد هنا،أي المدينة،قاله الأزهريّ.(10:45)

البروسويّ: الحجر بكسر الحاء:اسم لأرض ثمود قوم صالح عليه السّلام بين المدينة و الشّام،عند وادي القرى كانوا يسكنونها و كانوا عربا،و كان صالح عليه السّلام من أفضلهم نسبا،فبعثه اللّه إليهم رسولا و هو شابّ، فدعاهم حتّى شمط،و لم يتّبعه إلاّ قليل مستضعفون.

(4:482)

ابن عاشور :جمعت قصص هؤلاء الأمم الثّلاث:

قوم لوط،و أصحاب الأيكة،و أصحاب الحجر في نسق، لتماثل حال العذاب الّذي سلّط عليها و هو عذاب الصّيحة و الرّجفة و الصّاعقة.

و أصحاب الحجر هم ثمود كانوا ينزلون الحجر -بكسر الحاء و سكون الجيم-و الحجر:المكان المحجور، أي الممنوع من النّاس بسبب اختصاص به،أو اشتقّ من الحجارة،لأنّهم كانوا ينحتون بيوتهم في صخر الجبل نحتا محكما.و قد جعلت طبقات،و في وسطها بئر عظيمة و بئار كثيرة.

و الحجر هو المعروف بوادي القرى،و هو بين المدينة و الشّام،و هو المعروف اليوم باسم مدائن صالح،على الطّريق من خيبر إلى تبوك.

و أمّا حجر اليمامة مدينة بني حنيفة فهي بفتح الحاء، و هي في بلاد نجد،و تسمّى العروض،و هي اليوم من بلاد البحرين.(13:58)

مغنيّة: أصحاب الحجر هم ثمود،و نبيّهم صالح صاحب النّاقة،و الحجر اسم المكان الّذي كانوا فيه.

(4:487)

نحوه الطّباطبائيّ.(12:185)

مكارم الشّيرازيّ: أمّا أصحاب الحجر فهم قوم عصاة عاشوا مرفّهين في بلدة تدعى(الحجر)و قد بعث اللّه إليهم نبيّه صالح عليه السّلام لهدايتهم.

و يقول القرآن الكريم عنهم: وَ لَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ!

يذكر بعض المفسّرين و المؤرّخين:أنّها كانت على طريق القوافل بين المدينة و الشّام،في منزل يسمّى «وادي القرى»في جنوب«تيماء»و لا أثر لها اليوم تقريبا.

ص: 29

و يذكرون أنّها كانت إحدى المدن التّجاريّة في الجزيرة العربيّة،و لها من الأهمّيّة بحيث ذكرها بطليموس في مذكّراته،لكونها إحدى المدن التّجاريّة.

و كذلك ذكرها العالم الجغرافيّ بلين،باسم«الحجرى».

(8:93)

فضل اللّه :[نحو مغنيّة و أضاف:]

و قيل أيضا:إنّه يطلق على كلّ مكان أحيط بالحجارة.(13:172)

حجرا محجورا

1- يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً. الفرقان:22

ابن عبّاس: حراما محرّما البشرى بالجنّة على الكافرين.و يقال:و يقولون:يعني الكفّار عند رؤية الملائكة حِجْراً مَحْجُوراً بعدا بعيدا،بيننا و بينكم.

(302)

نحوه الضحّاك(الطّبريّ 19:2)،و أبو عبيدة(2:

73)،:و الزّجّاج(4:63).

أبو سعيد الخدريّ: حراما محرّما أن تكون لكم البشرى يومئذ.

مثله الضّحّاك و قتادة.(الماورديّ 4:140)

نحوه مقاتل.(3:231)

و ابن عطيّة(4:206)

مجاهد :عوذا يستعيذون به من الملائكة.

(الطّبريّ 19:3)

معاذ اللّه أن تكون لكم البشرى يومئذ.

(الماورديّ 4:140)

عكرمة :منعنا أن نصل إلى شيء من الخير.

(الماورديّ 4:140)

الحسن :إنّ الكفّار يوم القيامة إذا شاهدوا ما يخافونه فيتعوّذون منه وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً فتقول الملائكة:لا يعاذ من شرّ هذا اليوم.

مثله القفّال و الواحديّ.(الفخر الرّازيّ 24:71)

قتادة :هي كلمة كانت العرب تقولها،كان الرّجل إذا نزل به شدّة قال:حجرا؛يقول:حراما محرّما.

(الطّبريّ 19:2)

الكلبيّ: الملائكة على أبواب الجنّة يبشّرون المؤمنين بالجنّة،و يقولون للمشركين: حِجْراً مَحْجُوراً.

(الفخر الرّازيّ 24:71)

ابن جريج: كانت العرب إذا نزلت بهم شدّة و رأوا ما يكرهون،قالوا: حِجْراً مَحْجُوراً فهم يقولونه إذا عاينوا الملائكة.(البغويّ 3:441)

الفرّاء: حراما محرّما أن يكون لهم البشرى.

و الحجر:الحرام،كما تقول:حجر التّاجر على غلامه، و حجر على أهله.[ثمّ استشهد بشعر](2:266)

الطّبريّ: يعني أنّ الملائكة يقولون للمجرمين:

حِجْراً مَحْجُوراً حراما محرّما عليكم اليوم البشرى، أن تكون لكم من اللّه.[إلى أن قال:]

و اختلف أهل التّأويل في المخبر عنهم بقوله:

وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً و من قائلوه؟فقال بعضهم:قائلو ذلك الملائكة للمجرمين...

ص: 30

و قال آخرون:ذلك خبر من اللّه عن قيل المشركين إذا عاينوا الملائكة...

و إنّما اخترنا القول الّذي اخترنا في تأويل ذلك،من أجل أنّ«الحجر»هو الحرام،فمعلوم أنّ الملائكة هي الّتي تخبر أهل الكفر أنّ البشرى عليهم حرام.و أمّا الاستعاذة فإنّها الاستجارة،و ليست بتحريم،و معلوم أنّ الكفّار لا يقولون للملائكة:حرام عليكم،فيوجّه الكلام إلى أنّ ذلك خبر عن قيل المجرمين للملائكة.(19:2)

نحوه ابن كثير.(5:143)

القشيريّ: أي حراما ممنوعا،يعني رؤية اللّه عنهم، فهذا يعود إلى ما جرى ذكره،و حمله على ذلك أولى من حمله على الجنّة،و لم يجر لها هنا ذكر.(4:304)

الزّمخشريّ: [نقل كلام سيبويه المتقدّم في اللّغة ثمّ قال:]

و هي من حجره إذا منعه،لأنّ المستعيذ طالب من اللّه أن يمنع المكروه فلا يلحقه،فكان المعنى:أسأل اللّه أن يمنع ذلك منعا و يحجره حجرا،و مجيؤه على«فعل»أو فعل»في قراءة الحسن تصرّف فيه لاختصاصه بموضع واحد،كما كان قعدك و عمرك كذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

فإن قلت:فإذا قد ثبت أنّه من باب المصادر،فما معنى وصفه ب(محجورا)؟

قلت:جاءت هذه الصّفة لتأكيد معنى«الحجر»كما قالوا:ذيل ذائل،و الذّيل:الهوان،و موت مائت.

و المعنى في الآية:أنّهم يطلبون نزول الملائكة و يقترحونه،و هم إذا رأوهم عند الموت أو يوم القيامة كرهوا لقاءهم و فزعوا منهم،لأنّهم لا يلقونهم إلاّ بما يكرهون،و قالوا عند رؤيتهم ما كانوا يقولونه عند لقاء العدوّ الموتور و شدّة النّازلة.

و قيل:هو من قول الملائكة،و معناه حراما محرّما عليكم الغفران و الجنّة و البشرى،أي جعل اللّه ذلك حراما عليكم.(3:88)

الفارسيّ: ممّا كانت العرب تستعمله ثمّ ترك قولهم:

حِجْراً مَحْجُوراً .و هذا كان عندهم لمعنيين؛

أحدهما:أن يقال عند الحرمان إذا سئل الإنسان، فقال ذلك،علم السّائل أنّه يريد أن يحرمه.[ثمّ استشهد بشعر]

و المعنى الآخر:الاستعاذة،كان الإنسان إذا سافر فرأى ما يخاف،قال:(حجرا محجورا)أي حرام عليك التّعرّض لي.(الآلوسيّ 19:6)

الفخر الرّازيّ: [حكى قول سيبويه،ثمّ قال:]

اختلفوا في أنّ الّذين يقولون: حِجْراً مَحْجُوراً من هم؟على ثلاثة أقوال:

القول الأوّل:أنّهم هم الكفّار،و ذلك لأنّهم كانوا يطلبون نزول الملائكة و يقترحونه،ثمّ إذا رأوهم عند الموت و يوم القيامة كرهوا لقاءهم و فزعوا منهم،لأنّهم لا يلقونهم إلاّ بما يكرهون،فقالوا عند رؤيتهم ما كانوا يقولونه عند لقاء العدوّ و نزول الشّدّة.

القول الثّاني:أنّ القائلين هم الملائكة،و معناه حراما محرّما عليكم الغفران و الجنّة و البشرى،أي جعل اللّه ذلك حراما عليكم.ثمّ اختلفوا على هذا القول،فقال بعضهم:إنّ الكفّار إذا خرجوا من قبورهم،قالت الحفظة لهم: حِجْراً مَحْجُوراً. [ثمّ نقل قول الكلبيّ و العوفيّ]

ص: 31

و القول الثّالث:و هو قول القفّال:و الواحديّ[و قد تقدّم](24:71)

نحوه الخازن.(5:80)

القرطبيّ: و قيل:هو قول الكفّار للملائكة.و هي كلمة استعاذة و كانت معروفة في الجاهليّة،فكان إذا لقي الرّجل من يخافه قال: حِجْراً مَحْجُوراً أي حراما عليك التّعرّض لي.و انتصابه على معنى:حجرت عليك، أو حجر اللّه عليك-كما تقول:سقيا و رعيا-أي إنّ المجرمين إذا رأوا الملائكة يلقونهم في النّار قالوا:نعوذ باللّه منكم.ذكره القشيريّ،و حكى معناه المهدويّ عن مجاهد.

و قيل:(حجرا)من قول المجرمين،(محجورا)من قول الملائكة،أي قالوا للملائكة:نعوذ باللّه منكم أن تتعرّضوا لنا،فتقول الملائكة:(محجورا)أن تعاذوا من شرّ هذا اليوم،قاله الحسن.(13:21)

البيضاويّ: عطف على المدلول،أي و يقول الكفرة حينئذ هذه الكلمة استعاذة و طلبا من اللّه تعالى أن يمنع لقاءهم،و هي ما كانوا يقولون عند لقاء عدوّ أو هجوم مكروه،أو تقولها الملائكة بمعنى حراما محرّما عليكم الجنّة أو البشرى.

و قرئ (حجرا) بالضّمّ،و أصله الفتح غير أنّه لمّا اختصّ بموضع مخصوص غيّر كقدّك و عمرك،و لذلك لا يتصرّف فيه و لا يظهر ناصبه،و وصفه ب(محجورا) للتّأكيد،كقولهم:موت مائت.(2:142)

نحوه أبو حيّان(6:492)،و الشّربينيّ(2:656)، و الكاشانيّ(4:9)،و شبّر(4:353)،و القاسميّ(12:

4573)،و عزّة دروزة(2:257).

النّسفيّ: حراما محرّما عليكم البشرى،أي جعل اللّه ذلك حراما عليكم،إنّما البشرى للمؤمنين.و الحجر:

مصدر،و الكسر و الفتح لغتان،و قرئ بهما،و هو من حجره إذا منعه،و هو من المصادر المنصوبة بأفعال متروك إظهارها،و(محجورا)لتأكيد معنى الحجر،كما قالوا:موت مائت.(3:163)

النّيسابوريّ: حِجْراً مَحْجُوراً فإنّها كلمة يتلفّظ بها عند لقاء عدوّ أو هجوم نازلة،يضعونها موضع الاستعاذة،يقول الرّجل للرّجل:تفعل كذا،فيقول:

حجرا.[ثمّ نقل قول سيبويه]

و الأكثرون على أنّ القائلين هم الكفّار،إذا رأوا الملائكة عند الموت أو يوم القيامة كرهوا لقاءهم و فزعوا منهم،لأنّهم لا يلقونهم إلاّ بما يكرهون،فيقولون ما كانوا يقولونه عند نزول كلّ شدّة.

و قيل:هم الملائكة،و معناه حراما محرّما،أي جعل اللّه الجنّة و الغفران أو البشرى حراما عليكم.(19:7)

السّمين:و هي من حجره إذا منعه،لأنّ المستعيذ طالب من اللّه أن يمنع المكروه لا يلحقه،و كأنّ المعنى أسأل اللّه أن يمنعه منعا و يحجره حجرا.[ثمّ أدام نحو الزّمخشريّ](5:250)

أبو السّعود :[نحو البيضاويّ و أضاف:]

و المعنى أنّهم يطلبون نزول الملائكة عليهم و يقترحونه،و هم إذا رأوهم كرهوا لقاءهم أشدّ كراهة، و فزعوا منهم فزعا شديدا،و قالوا ما كانوا يقولونه عند نزول خطب شنيع،و حلول بأس شديد فظيع.

ص: 32

و(محجورا)صفة ل(حجرا)و إرادة للتّأكيد،كما قالوا:

ذيل ذائل و ليل أليل.

و قيل:يقولها الملائكة إقناطا للكفرة.بمعنى حراما محرّما عليكم الغفران أو الجنّة أو البشرى،أي جعل اللّه تعالى ذلك حراما عليكم،و ليس بواضح.(5:5)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و يقال:إنّ قريشا كانوا إذا استقبلهم أحد يقولون:

حاجورا حاجورا حتّى يعرف أنّهم من الحرم فيكفّ عنهم،فأخبر تعالى أنّهم يقولون ذلك يوم القيامة فلا ينفعهم.(6:201)

الآلوسيّ: و هي كلمة تقولها العرب عند لقاء عدوّ موتور و هجوم نازلة هائلة،يضعونها موضع الاستعاذة؛ حيث يطلبون من اللّه تعالى أن يمنع المكروه فلا يلحقهم، فكأنّ المعنى نسأل اللّه تعالى أن يمنع ذلك منعا و يحجره حجرا.[ثمّ نقل الأقوال](19:6)

نحوه المراغيّ.(19:4)

مجمع اللّغة :كان الرّجل في الجاهليّة يلقى الرّجل يخافه في الشّهر الحرام،فيقول: حِجْراً مَحْجُوراً أي حراما محرّما عليك في هذا الشّهر.فلا يبدءوا منه شرّ.فإذا كان يوم القيامة رأى المشركون ملائكة العذاب،فقالوا:

حِجْراً مَحْجُوراً و ظنّوا أنّ ذلك ينفعهم كفعلهم في الدّنيا.و يكون هذا القول من المشركين المجرمين.

أو أنّ الملائكة تقول للمجرمين:(حجرا محجورا)أي حراما محرّمة عليكم البشرى أيّها المجرمون فلا تبشّرون بخير.(1:239)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(10:6)

المصطفويّ: [ذكر الآيتين ثمّ قال:](الحجر)صفة كالملح بمعنى الحافظ المانع،أي ما يكون حافظا لعوائده و خيراته،و مانعا عن مضارّه و جاعله محدودا محفوظا.

و المحجور هو المحفوظ المحدود.

و التّقدير في الآيتين (1):كن ممنوعا محدودا و حافظا محفوظا،لا يصل منك ضرر و شرّ إلينا.أو اجعل بيننا و بينه حجرا محجورا،كما في الآية الثّانية،و الآية وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً النّمل:61،فإنّ «الحجز»كما يأتي قريب من معنى«الحجر».(2:183)

2- ..وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَ جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَ حِجْراً مَحْجُوراً. الفرقان:53

ابن عبّاس: حراما محرّما من أن يغيّر أحدهما طعم صاحبه.(304)

نحوه القمّيّ.(2:115)

الفرّاء: حراما محرّما أن يغلب أحدهما صاحبه.

(2:270)

الطّبريّ: يقول:و جعل كلّ واحد منهما حراما محرّما على صاحبه أن يغيّره و يفسده.(19:24)

الطّوسيّ: و معناه يمنع أن يفسد أحدهما الآخر.

(7:498)

الواحديّ: حراما محرّما أن يفسد الملح العذب.

(3:343)

نحوه القرطبيّ(13:59)،و المراغيّ(19:22)، و مغنيّة(5:473)،و الطّباطبائيّ(15:229).3.

ص: 33


1- الفرقان:22،53.

البغويّ: أي:سترا ممنوعا فلا يبغيان،فلا يفسد الملح العذب.(3:452)

مثله الخازن(10:87)،و نحوه عزّة دروزة(2:270).

ابن عطيّة: البرزخ و الحجر:هو حاجز في علم اللّه لا يراه البشر.(4:214)

الزّمخشريّ: فإن قلت: وَ حِجْراً مَحْجُوراً ما معناه؟

قلت:هي الكلمة الّتي يقولها المتعوّذ و قد فسّرناها، و هي هاهنا واقعة على سبيل المجاز،كأنّ كلّ واحد من البحرين يتعوّذ من صاحبه،و يقول له: حِجْراً مَحْجُوراً كما قال: لا يَبْغِيانِ أي لا يبغي أحدهما على صاحبه بالممازجة،فانتفاء البغي ثمّة كالتّعوّذ هاهنا، جعل كلّ واحد منهما في صورة الباغي على صاحبه فهو يتعوّذ منه،و هي من أحسن الاستعارات و أشهدها على البلاغة.(3:96)

نحوه الفخر الرّازيّ(24:100)،و النّيسابوريّ (19:28)،و أبو حيّان(6:507)،و الشّربينيّ(2:

667)،و البروسويّ(6:228).

البيضاويّ: وَ حِجْراً مَحْجُوراً و تنافرا بليغا، كأنّ كلاّ منهما يقول للآخر ما يقوله المتعوّذ للمتعوّذ عنه.

و قيل:حدّا محدودا،و ذلك كدجلة تدخل البحر فتشقّه، فتجري في خلاله فراسخ لا يتغيّر طعمها.(2:148)

نحوه الكاشانيّ(4:19)،و شبّر(4:364).

النّسفيّ: وَ حِجْراً مَحْجُوراً و سترا ممنوعا عن الأعين،كقوله: حِجاباً مَسْتُوراً الإسراء:45.

(3:171)

الآلوسيّ: أي و تنافرا مفرطا كأنّ كلاّ منهما يتعوّذ من الآخر بتلك المقالة.[إلى أن قال:]

و الظّاهر أنّ(حجرا)عطف على(برزخا)أي و جعل بينهما هذه الكلمة،و المراد بذلك ما سمعت آنفا،و هو من أبلغ الكلام و أعذبه.و قيل:هو منصوب بقول مقدّر،أي و يقولان:(حجرا محجورا)...(19:34)

القاسميّ: أي منعا من وصول أثر أحدهما إلى الآخر،و امتزاجه به،حتّى بعد دخول أحدهما في الآخر مسافة.(12:4583)

سيّد قطب :و هو الّذي ترك البحرين-الفرات العذب و الملح المرّ-يجريان و يلتقيان،فلا يختلطان و لا يمتزجان،إنّما يكون بينهما برزخ و حاجز من طبيعتهما الّتي فطرها اللّه.فمجاري الأنهار غالبا أعلى من سطح البحر،و من ثمّ فالنّهر العذب هو الّذي يصبّ في البحر الملح،و لا يقع العكس إلاّ شذوذا.

و بهذا التّقدير الدّقيق لا يطغى البحر-و هو أضخم و أغزر-على النّهر الّذي منه الحياة للنّاس و الأنعام و النّبات،و لا يكون هذا التّقدير مصادفة عابرة و هو يطّرد هذا الاطّراد.إنّما يتمّ بإرادة الخالق الّذي أنشأ هذا الكون،لغاية تحقّقها نواميسه في دقّة و إحكام.

(5:2572)

مجمع اللّغة :أي حاجزا و مانعا ممنوعا أن يجتاز.

(1:239)

عبد الكريم الخطيب :«و الحجر المحجور»:

المحتجز،المحجوز الّذي لا سبيل له إلى الخروج من هذا الحجاز.(10:42)

ص: 34

[لاحظ«ع ذ ب»]

الحجارة

فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ. البقرة:24

ابن مسعود: هي حجارة من كبريت،خلقها اللّه يوم خلق السّماوات و الأرض في السّماء الدّنيا،يعدّها للكافرين.(الطّبريّ 1:168)

ابن عبّاس: و الحجارة:حجارة الكبريت.(5)

نحوه الزّجّاج.(1:101)

الرّبيع: أصنامهم الّتي عبدوها.(ابن الجوزيّ 1:51)

ابن جريج:حجارة من كبريت أسود في النّار.

(الطّبريّ 1:169)

الفرّاء: و الحجارة وقودها:و زعموا أنّه كبريت يحمى،و أنّه أشدّ الحجارة حرّا إذا أحميت.(1:21)

نحوه ابن كثير.(1:106)

الطّبريّ: فإن قال قائل:و كيف خصّت الحجارة فقرنت بالنّاس،حتّى جعلت لنار جهنّم حطبا؟

قيل:إنّها حجارة الكبريت،و هي أشدّ الحجارة فيما بلغنا حرّا إذا أحميت.(1:168)

الماورديّ: و الحجارة:من كبريت أسود؛و فيها قولان:

أحدهما:أنّهم يعذّبون فيها بالحجارة مع النّار،الّتي وقودها النّاس،و هذا قول ابن مسعود و ابن عبّاس.

و الثّاني:أنّ الحجارة وقود النّار مع النّاس،ذكر ذلك تعظيما للنّار،كأنّها تحرق الحجارة مع إحراقها النّاس.

(1:84)

الطّوسيّ: (الحجارة)قيل:إنّها حجارة الكبريت، لأنّها أحرّ شيء إذا حميت.و روي ذلك عن ابن عبّاس و ابن مسعود.

و الظّاهر أنّ(النّاس و الحجارة):وقود النّار و حطبها،كما قال: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ الأنبياء:98،تهيّبا و تعظيما بأنّها تحرق الحجارة و النّاس.

و قيل:إنّ أجسادهم تبقى على النّار بقاء الحجارة الّتي توقدها النّار بالقدح.و قال قوم معناه:أنّهم يعذّبون بالحجارة المحماة مع النّار؛و الأوّل أقوى و أليق بالظّاهر.

(1:106)

الواحديّ: (الحجارة):جمع حجر و ليس بقياس، و لكنّهم قالوه كما قالوا:جمل و جمالة و ذكر و ذكارة؛ و القياس أحجار.

و جاء في التّفسير عن ابن عبّاس و غيره:أنّ (الحجارة)هاهنا:حجارة الكبريت،و هي أشدّ لإيقاد النّار.

و قيل:ذكر(الحجارة)دليل على عظم تلك النّار، لأنّها لا تأكل الحجارة إلاّ إذا كانت فظيعة.(1:103)

الرّاغب: قيل:هي حجارة الكبريت،و قيل:بل الحجارة بعينها،و نبّه بذلك على عظم حال تلك النّار و أنّها ممّا توقد بالنّاس و الحجارة خلاف نار الدّنيا،إذ هي لا يمكن أن توقد بالحجارة،و إن كانت بعد الإيقاد قد تؤثّر فيها.

و قيل:أراد بالحجارة:الّذين هم في صلابتهم عن قبول الحقّ كالحجارة،كمن وصفهم بقوله: فَهِيَ

ص: 35

كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً البقرة:74.(108)

الزّمخشريّ: فإن قلت:لم قرن النّاس بالحجارة و جعلت الحجارة معهم وقودا؟

قلت:لأنّهم قرنوا بها أنفسهم في الدّنيا؛حيث نحتوها أصناما و جعلوها للّه أندادا و عبدوها من دونه، قال اللّه تعالى: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ. و هذه الآية مفسّرة لما نحن فيه،فقوله: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ في معنى النّاس و الحجارة، و حَصَبُ جَهَنَّمَ في معنى وقودها.

لمّا اعتقد الكفّار في حجارتهم المعبودة من دون اللّه أنّها الشّفعاء و الشّهداء الّذين يستنفعون بهم، و يستدفعون المضارّ عن أنفسهم بمكانهم،جعلها اللّه عذابهم،فقرنهم بها محماة في نار جهنّم،إبلاغا في إيلامهم و إغراقا في تحيّرهم.و نحوه ما يفعله بالكافرين الّذين جعلوا ذهبهم و فضّتهم عدّة و ذخيرة،فشحّوا بها و منعوها من الحقوق؛حيث يحمى عليها في نار جهنّم فتكوى بها جباههم و جنوبهم.

و قيل:هي حجارة الكبريت،و هو تخصيص بغير دليل،و ذهاب عمّا هو المعنى الصّحيح الواقع المشهود له بمعاني التّنزيل.(1:252)

نحوه الفخر الرّازيّ(2:123)،و النّيسابوريّ(1:

209)،و الشّربينيّ(1:35)،و القاسميّ(2:74).

ابن عطيّة: إنّها حجارة الكبريت،و خصّت بذلك لأنّها تزيد على جميع الأحجار بخمسة أنواع من العذاب:

سرعة الاتّقاد،و نتن الرّائحة،و كثرة الدّخان،و شدّة الالتصاق بالأبدان،و قوّة حرّها إذا حميت.(1:107) نحوه القرطبيّ.(1:235)

الطّبرسيّ: و هي جمع حجر،و قيل:إنّها حجارة الكبريت لأنّها أحرّ شيء إذا أحميت،عن ابن مسعود و ابن عبّاس.

و الظّاهر أنّ(النّاس و الحجارة)وقود النّار،أي حطبها،يريد بها أصنامهم المنحوتة من الحجارة،كقوله تعالى: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ الأنبياء:98.

و قيل:ذكر(الحجارة)دليل على عظم تلك النّار، لأنّها لا تأكل الحجارة إلاّ و هي في غاية الفظاعة و الهول.

و قيل:معناه أنّ أجسادهم تبقى على النّار بقاء الحجارة الّتي توقد بها النّار بتبقية اللّه إيّاها،و يؤيّد ذلك قوله: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ الآية،النّساء:56.

و قيل:معناه أنّهم يعذّبون بالحجارة المحميّة بالنّار.

(1:63)

نحوه الكاشانيّ.(1:88)

البيضاويّ: [نحو الواحديّ و الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:حجارة الكبريت،و هو تخصيص بغير دليل و إبطال للمقصود؛إذ الغرض تهويل شأنها و تفاقم لهبها، بحيث تتّقد بما لا يتّقد به غيرها،و الكبريت تتّقد به كلّ نار و إن ضعفت.

فإن صحّ هذا عن ابن عبّاس فلعلّه عنى به أنّ الأحجار كلّها لتلك النّار كحجارة الكبريت لسائر النّيران.و لمّا كانت الآية مدنيّة نزلت بعد ما نزل بمكّة قوله تعالى في سورة التّحريم:6 ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ و سمعوه،صحّ تعريف النّار و وقوع الجملة

ص: 36

صلة،فإنّها يجب أن تكون قصّة معلومة.(1:36)

النّسفيّ: و هي حجارة الكبريت،فهي أشدّ توقّدا و أبطأ خمودا و أنتن رائحة و ألصق بالبدن،أو الأصنام المعبودة فهي أشدّ تحسيرا.و إنّما قرن النّاس بالحجارة، لأنّهم قرنوا بها أنفسهم في الدّنيا؛حيث عبدوها و جعلوها للّه أندادا.(1:32)

نحوه الخازن(1:34)،و البروسويّ(1:80)، و شبّر(1:78).

أبو حيّان :[ذكر بعض الأقوال المتقدّمة و أضاف:]

و قيل:هو الكبريت الأسود،أو حجارة مخصوصة أعدّت لجهنّم إذا اتّقدت لا ينقطع وقودها.

و قيل:إنّ أهل النّار إذا عيل صبرهم بكوا و شكوا، فينشئ اللّه سحابة سوداء مظلمة فيرجون الفرج، و يرفعون رءوسهم إليها،فتمطر عليهم حجارة عظاما كحجارة الرّحى،فتزداد النّار إيقادا و التهابا.

أو(الحجارة)ما اكتنزوه من الذّهب و الفضّة تقذف معهم في النّار و يكوون بها،و على هذه الأقوال،لا تكون الألف و اللاّم في الحجارة للعموم بل لتعريف الجنس.

و ذهب بعض أهل العلم إلى أنّها تجوز أن تكون لاستغراق الجنس،و يكون المعنى أنّ النّار الّتي وعدوا بها صالحة لأن تحرق ما ألقي فيها من هذين الجنسين،فعبّر عن صلاحيّتها و استعدادها بالأمر المحقّق.و إنّما ذكر (النّاس و الحجارة)تعظيما لشأن جهنّم،و تنبيها على شدّة وقودها،ليقع ذلك من النّفوس أعظم موقع، و يحصل به من التّخويف ما لا يحصل بغيره،و ليس المراد الحقيقة.

و ما ذهب إليه هذا الذّاهب من أنّ هذا الوصف هو بالصّلاحيّة لا بالفعل،غير ظاهر،بل الظّاهر أنّ هذا الوصف واقع لا محالة بالفعل،و لذلك تكرّر الوصف بذلك.و ليس في ذلك أيضا ما يدلّ على أنّها ليس فيها غير(النّاس و الحجارة)بدليل ما ذكر في غير موضع،من كون الجنّ و الشّياطين فيها.(1:108)

أبو السّعود :فأشير هاهنا إلى ما سمعوه أوّلا [التّحريم:6]،و كون سورة التّحريم مدنيّة لا يستلزم كون جميع آياتها كذلك،كما هو المشهور.و أمّا أنّ الصّفة أيضا يجب أن تكون معلومة الانتساب إلى الموصوف عند المخاطب فالخطب فيه هيّن،لما أنّ المخاطب هناك المؤمنون،و ظاهر أنّهم سمعوا ذلك من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

و المراد ب(الحجارة):الأصنام،و ب(النّاس)أنفسهم، حسبما ورد في قوله تعالى: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ الأنبياء:98.(1:92)

الآلوسيّ: (و الحجارة)كحجار جمع كثرة ل«حجر»،و جمع القلّة:أحجار.و جمع«فعل»-بفتحتين -على«فعال»شاذّ.و ابن مالك في«التّسهيل»يقول:إنّه اسم جمع لغلبة وزنه في المفردات،و هو الظّاهر.

و المراد بها-على ما صحّ عن ابن عبّاس و ابن مسعود رضي اللّه تعالى عنهما و لمثل ذلك حكم الرّفع-حجارة الكبريت،و فيها من شدّة الحرّ و كثرة الالتهاب و سرعة الإيقاد و مزيد الالتصاق بالأبدان،و إعداد أهل النّار أن يكونوا حطبا،مع نتن ريح و كثرة دخان و وفور كثافة ما نعوذ منه باللّه و في ذلك تهويل لشأن النّار،و تنفير عمّا يجرّ إليها بما هو معلوم في الشّاهد...

ص: 37

و قيل:المراد بها الأصنام الّتي ينحتونها و قرنها بهم في الآخرة زيادة لتحسّرهم؛حيث بدا لهم نقيض ما كانوا يتوقّعون،و هناك يتمّ لهم نوعان من العذاب:روحانيّ و جسمانيّ،و يؤيّد هذا قوله تعالى: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ.

و حملها على الذّهب و الفضّة لأنّهما يسمّيان حجرا -كما في القاموس-دون هذين القولين،الأصحّ أوّلهما عند المحدّثين،و ثانيهما عند الزّمخشريّ؛و يشير إليه كلام الشّيخ الأكبر قدّس سرّه.

و أل فيها-على كلّ-ليست للعموم،و ذهب بعض أهل العلم إلى أنّها له،و يكون المعنى أنّ النّار الّتي وعدوا بها صالحة لأن تحرق ما ألقي فيها من هذين الجنسين؛ فعبّر عن صلاحيّتها و استعدادها بالأمر المحقّق.

(1:198)

رشيد رضا :المراد ب(الحجارة):الأصنام كما في قوله تعالى: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ و لا يسبقن إلى الفهم أنّها لا توجد إلاّ بوجود النّاس و الحجارة؛إذ يصحّ أن يكونوا وقودها بعد وجودها.(1:197)

المراغيّ: و المراد ب(الحجارة)هنا الأصنام.

(1:66)

مثله الطّباطبائيّ(1:90)،و حسنين مخلوف(1:20).

سيّد قطب :ففيم هذا الجمع بين(النّاس و الحجارة)،في هذه الصّورة المفزعة الرّعيبة؟لقد أعدّت هذه النّار للكافرين،الكافرين الّذين سبق في أوّل السّورة وصفهم بأنّهم: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ البقرة:7،و الّذين يتحدّاهم القرآن هنا فيعجزون،ثمّ لا يستجيبون.فهم إذن حجارة من الحجارة و إن تبدو في صورة آدميّة من الوجهة الشّكليّة،فهذا الجمع بين الحجارة من الحجر و الحجارة من النّاس هو الأمر المنتظر.

على أنّ ذكر(الحجارة)هنا يوحي إلى النّفس بسمة أخرى في المشهد المفزع:مشهد النّار الّتي تأكل الأحجار،و مشهد النّاس الّذين تزحمهم هذه الأحجار في النّار.(1:49)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحجر،أي الصّخرة؛ و الجمع:أحجار و حجار و حجارة،و الحجر الأسود:

حجر البيت الحرام،و أرض حجرة و حجيرة و متحجّرة:

كثيرة الحجارة،و الحجر و التّحجير:أن يجعل حول المكان حجارة،و استحجر الطّين:صار حجرا، و الحجران:الذّهب و الفضّة.يقال للرّجل إذا كثر ماله و عدده:قد انتشرت حجرته.كما يطلق على الياقوت حجر،إلاّ أنّه حجر كريم.

و الحجرة من البيوت:الغرفة،لأنّها تتّخذ من الحجارة؛و الجمع:حجرات و حجرات و حجرات و حجر.يقال:احتجرت حجرة،أي اتّخذتها، و استحجر القوم و احتجروا:اتّخذوا حجرة،و الحجار:

حائط الحجرة.

و الحجر:حجر الكعبة،كأنّه حجرة ممّا يلي المثعب من البيت،و كلّ ما حجرته من حائط فهو حجر.

ص: 38

و المحجر:ما حول القرية،لأنّه يتّخذ من الحجر، و منه محجر القيل:حوزته و ناحيته الّتي لا يدخل عليه فيها غيره.

و الحاجر:الجدر الّذي يمسك الماء بين الدّيار و من شفة الوادي و يحيط به،و هو الحاجور أيضا،لأنّه من الحجر،و أطلق على كلّ ما يمسك الماء من منبت الرّمث و العشب و مجتمعه و مستداره توسّعا؛و الجمع:حجران.

و المحجر:الحديقة،لأنّها تحاط بحجر؛و الجمع محاجر،و محجر العين:ما دار بها و بدا من البرقع من جميع العين،ثمّ أطلق على العين نفسها على التّوسّع.

و التّحجير:أن يسم حول عين البعير بميسم مستدير،تشبيها بالمحجر،يقال:حجّر عين الدّابّة و حولها،أي حلّق لداء يصيبها.

كما شبّه تحجير القمر بوسم عين البعير أيضا.يقال:

حجّر القمر،أي استدار بخطّ دقيق من غير أن يغلظ.

و الحجّورة:لعبة يلعب بها الصّبيان،يخطّون خطّا مستديرا،و يقف فيه صبيّ يحيط به الصّبيان ليأخذوه.

و حجر الإنسان و حجره:حضنه،كناية عن حصانته و مناعته،كأنّه أحيط بحجر؛و الجمع:حجور، يقال:نشأ فلان في حجر فلان و حجره،أي حفظه و ستره،و هم في حجر فلان:في كنفه و منعته و منعه، و يقال للنّخلة:إنّها لواسعة الحجر،إذا كانت كبيرة العذوق،نبيلة الجذوع.

و الحجر:الفرس الأنثى،لأنّها حجرت عن الذّكور إلاّ عن فحل كريم؛و الجمع:أحجار و حجور و حجورة، و أحجار الخيل:ما يتّخذ منها للنّسل.يقال:هذه حجر من أحجار خيلي.

و الحجرة:النّاحية،تشبيها بالحجرة؛و الجمع حجر و حجرات.يقال:قعد حجرا و حجرة،أي ناحية،و من أمثالهم:«فلان يرعى وسطا و يربض حجرة»يضرب للرّجل يكون وسط القوم إذا كانوا في خير،و إذا صاروا إلى شرّ تركهم و ربض ناحية.

و الحجر:العقل و اللّبّ،لأنّه يحجر صاحبه عن القبيح.

ثمّ أطلق الحجر و الحجر على كلّ ما يحجر و يمنع.

يقال:حجر عليه يحجر حجرا و حجرا و حجورا و حجرانا و حجرانا،أي منع منه،و حجر عليه القاضي يحجر حجرا:منعه من التّصرّف في ماله،و لا حجر عنه:

لا دفع و لا منع.

و الحجر و الحجر و الحجر و المحجر:الحرام،لأنّه منع أيضا؛إذ ينهى عنه.يقال:حجره و حجّره،أي ضيّقه،و تحجّر على ما وسّعه اللّه:حرّمه و ضيّقه.

و الحاجور:كالمحجر؛يقال:أنا منك بحاجور،أي محرّم عليك قتلي.

و الحنجرة و الحنجور:الحلقوم،و أجمع اللّغويّون قاطبة على أنّ وزنهما«فنعلة»و«فنعول»من«ح ج ر»، و لا نعلم وجه تسميتهما.

2-و الحجر:ديار ثمود عند وادي القرى من الجزيرة العربيّة.قال الإصطخريّ:رأيتها بيوتا مثل بيوت في أضعاف جبال،و تسمّى تلك الجبال:الأثالث.

و قامت بضع فرق من الأوربيّين خلال القرنين المنصرمين بالتّنقيب عن الآثار في هذه المنطقة،و لكنّ

ص: 39

جهودها باءت بالفشل.

و قال صاحب«دائرة المعارف الإسلاميّة»:يطلق البدو في الوقت الحالي اسم الحجر على واد مستو بين مبرك النّاقة(مزحم)،و بير الغنم،و هو يمتدّ عدّة أميال، و أرضه خصبة،و فيها كثير من الآبار،يضرب عندها كثير من البدو خيامهم و قطعانهم.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاءت اسم مصدر 4 مرّات،و اسم مفعول مرّتين، و علما مرّة و اسم جنس مفردا و جمعا 14 مرّة،في خمسة معان،و 18 آية:

حجر و محجور:

1- هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ الفجر:5

2- يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:22

3- وَ جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَ حِجْراً مَحْجُوراً

الفرقان:53

4- وَ قالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَ حَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاّ مَنْ نَشاءُ... الأنعام:138

الحجر:

5- وَ لَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ

الحجر:80

حجور:

6- ...وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ... النّساء:23

الحجرات:

7- إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ الحجرات:4

الحجر و الحجارة:

8- ...وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ... الأعراف:160.

9- وَ إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ... البقرة:60

10- ...جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ هود:82

11- فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ الحجر:74

12- لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ

الذّاريات:33

13- تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ الفيل:4

14- إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ... الأنفال:32

15- ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ البقرة:74

16- قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً الإسراء:50

17- ...فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ البقرة:24

18- ...قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ... التّحريم:6

و يلاحظ أنّ فيها خمسة محاور:

الأوّل:حجر بمعنى المنع،و فيه أربع آيات(1-4)

ص: 40

و كلّها مكّيّة:

الأولى:(1) هَلْ فِي ذلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ قالوا:

أي لذي عقل،لأنّه يمنع عن القبيح،و جاء مكانه في القرآن(اولو الالباب)16 مرّة،و أفعال من(عقل) مرّات،و جاء هنا«ذى حجر»رعاية للرّويّ قبلها:

الفجر،عشر،الوتر،يسر.

الثّانية و الثّالثة:(2 و 3) (حِجْراً مَحْجُوراً) جاء فيهما المصدر و اسم المفعول مرّتين في سورة واحدة:(الفرقان) مع تفاوت بينهما:

و هو أنّه في(3)جاء وصفا للبحر كآية من آيات اللّه في هذا العالم: وَ هُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَ جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَ حِجْراً مَحْجُوراً فذكر البحرين العذب و الملح،و أنّه جعل بينهما برزخا و حجرا محجورا،ف«حجرا»عطف على (برزخا)بيانا له،أي أنّ البرزخ حاجز بين البحرين يمنع من اختلاطهما،لاحظ«أجاج و برزخ».و(محجورا)صفة (حجر)تأكيدا له مثل«ذيل ذائل،و شعر شاعر،و موت مائت»و مساوقا للرّويّ في السّورة مثل:«كبيرا،قديرا، ظهيرا»و أكثرها راء منصوب.

و جاء في(2)حكاية عن حال الكفّار في الآخرة، و قبلها: وَ قالَ الَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ أَوْ نَرى رَبَّنا لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَ عَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً و فيهما بحوث:

1-قالوا: حِجْراً مَحْجُوراً مأخوذ من قول العرب إذا نزلت بهم شدّة و رأوا ما يكرهون قالوا:

حِجْراً مَحْجُوراً تأسّفا ممّا نزل بهم،كأنّه انسدّ عليهم جميع الأبواب.و عند الرّاغب:أنّه كان عندهم لمعنيين:أحدهما:إعلان لحرمان السّائل من قبل المسئول،فإذا قاله علم السّائل أنّه يحرمه،و ثانيهما:

استعاذة ممّن يخافه إذا رآه،أي حرام عليك التّعرّض لي.

2-و هذا يجري-كما يأتي-في(2)أمّا في(3)فلا؛إذ ليس فيه إعلان بحرمان،و لا استعاذة،و لكنّ الزّمخشريّ ذكره في(3)أيضا،و قال:«و هي هاهنا واقعة على سبيل المجاز،كأنّ كلاّ من البحرين تعوّذ من صاحبه،و يقول له:

حِجْراً مَحْجُوراً كما قال: مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ* بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ الرّحمن:19،20،لاحظ «ب غ ي».و هذا مع ما فيه من اللّطف يعدّ بعيدا عن سياق الآيات.

3-اختلفوا في(2)من يقول: حِجْراً مَحْجُوراً أهم الملائكة أو المجرمون،و كلاهما مذكوران في الآية؟

فعلى الأوّل يقول الملائكة للمجرمين تشديدا في الحرمان و العذاب: حِجْراً مَحْجُوراً أي البشرى حرام محرّم عليكم،أو الجنّة محرّم عليكم.و هذا ردّ على الّذين قالوا في الآية السّابقة: لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ بأنّكم ستلاقون الملائكة و هم يبشّرونكم بالعذاب.قال الكلبيّ:«الملائكة على أبواب الجنّة يبشّرون المؤمنين بالجنّة،و يقولون للمشركين:حجرا محجورا».

و على الثّاني يقول المجرمون-الّذين تمنّوا نزول الملائكة عليهم-للملائكة إذا لاقوهم و فزعوا منهم:

ما كانوا يقولونه عند لقاء العدوّ و نزول الشّدّة استعاذة منهم أو تأسّفا من لقائهم.قال أبو السّعود:«إنّهم يطلبون

ص: 41

نزول الملائكة عليهم و يقترحونه،و هم إذا رأوهم كرهوا لقاءهم أشدّ كراهة و فزعوا منهم شديدا،و قالوا:ما كانوا يقولونه عند نزول خطب شنيع و حلول بأس شديد فظيع»و قد أنكر الوجه الأوّل و قال:«ليس بواضح».

و قد رجّح الطّبريّ الأوّل بحجّة«أنّ(الحجر)هو الحرام،و معلوم أنّ الملائكة هي الّتي تخبر أهل الكفر أنّ البشرى عليهم حرام،و أمّا الاستعاذة فإنّها الاستجارة و ليست بتحريم،و معلوم أنّ الكفّار لا يقولون للملائكة:

حرام عليكم».و لكن هذا لا يوافق ما قالوا في حِجْراً مَحْجُوراً عند العرب فيستدعي فصلها عنه،مع اعتراف الجميع بأنّه مأخوذ منه.

و عندنا أنّ سياق الآيتين يناسب الثّاني،فإنّ الضّمائر فيهما-و كذا بعدهما-ترجع إلى اَلَّذِينَ لا يَرْجُونَ لِقاءَنا في صدر الآية الأولى،فلاحظ: لَقَدِ اسْتَكْبَرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَ عَتَوْا عُتُوًّا كَبِيراً* يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَ يَقُولُونَ. و«المجرمون»هم المستكبرون،و جاء بدل الضّمير الاسم الظّاهر علّة للحكم،فكأنّه قال:يوم يرون الملائكة لا بشرى يومئذ لهم و يقولون:حجرا محجورا،مع أنّ«المجرمين»أقرب إلى «يقولون»من الملائكة،فرجوع الضّمير إليهم أظهر.

إضافة إلى ما سبق من مناسبته لما أثر من العرب في قولهم: حِجْراً مَحْجُوراً دون الأوّل.

4-إنّهم اتّفقوا على أنّ حِجْراً مَحْجُوراً قول الملائكة،أو المجرمين،و اختصّ الحسن البصريّ-كما حكاه القرطبيّ-بأنّ(حجرا)من قول المجرمين، و(محجورا)من قول الملائكة،أي قالوا للملائكة:نعوذ باللّه منكم أن تتعرّضوا لنا،فتقول الملائكة:(محجورا)أن تعاذوا من شرّ هذا اليوم.فعنده أنّ الضّمير في(يقولون) يرجع إلى الفريقين،لكن مقولهم مختلف،و هذا عجيب.

5-قال القشيريّ-حسب ذوقه العرفانيّ-في حِجْراً مَحْجُوراً: «أي حراما ممنوعا يعني رؤية اللّه عنهم»،و قال:«حمله على ذلك أولى من حمله على الجنّة،و لم يجر لها هناك ذكر».فاختار رجوع الضّمير إلى الملائكة.و«البشرى»إلى رؤية اللّه.و هذا أيضا بعيد عن السّياق،فإنّ الجنّة هي مطلوب النّاس عامّة،و الرّؤية خاصّة بالمخلصين،و هم قلّة.على أنّا رجّحنا رجوعه إلى الكفّار.

6-إنّ(حجرا)عندهم-كما سبق-مصدر بمعنى حرام،و(محجورا)بمعنى محرّم.و اختصّ المصطفويّ بأنّ (حجرا)صفة كالملح بمعنى الحافظ المانع،و«المحجور»هو المحفوظ المحدود.و هو خلاف إجماع اللّغويّين و المفسّرين!!

7-أكثر من قال بأنّ حِجْراً مَحْجُوراً قول المجرمين قالوا:إنّهم يتعوّذون من الملائكة حذرا منهم،و اختصّ البيضاويّ-و تبعه السّمين و الآلوسيّ-بأنّهم يقولونه استعاذة و طلبا من اللّه أن يمنع لقاء هؤلاء الملائكة.و هو بعيد عن ما شاع عند العرب بأنّهم كانوا يتعوّذون العدوّ عند لقاءه دون اللّه.

8-كلّ من حكى قول العرب في حِجْراً مَحْجُوراً قال:إنّهم كانوا يقولونه عند لقاء العدوّ تعوّذا منه أو من اللّه،و خصّه مجمع اللّغة«بأنّ الرّجل في الجاهليّة يلقى الرّجل في الشّهر الحرام فيقول: حِجْراً مَحْجُوراً أي حراما محرّما في هذا الشّهر فلا يبدأ منه شرّ»و هذا قريب

ص: 42

ممّا قاله البروسويّ: «إنّ قريشا كانوا إذا استقبلهم أحد يقولون:«حاجورا حاجورا»حتّى يعرف أنّهم من الحرم فيكفّ عنهم.

9-و مع قطع النّظر عن ذلك،فلا ريب أنّ(محجورا) جاء في الآيتين رويّا،و الرّويّ في السّورة«فعيلا» و«مفعولا»و«فعولا»و نحوها،و الإلزام بالرّويّ فيها ظاهر في مثل: فَقَدَّرَهُ تَقْدِيراً 2،و وَ نُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنْزِيلاً 25،و رَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً 32، و فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً 36،و تَبَّرْنا تَتْبِيراً 39، و نحوها فلاحظ.

10-قرئ(حجرا)بالكسر و الفتح-كما قاله النّسفيّ -و قال البيضاويّ:و قرئ بالضّمّ و أصله الفتح،لكنّه لمّا اختصّ بموضع مخصوص غيّر كقدّك و عمرك لا يتصرّف فيه.

11-(حجرا)من المصادر المنصوبة بأفعال متروكة من لفظها مثل«سقيا و رعيا و شكرا و تحيّة»أي حجرت عليك،أو حجر اللّه عليك،أو حجر عليك حجرا، و عليه فهو مفعول مطلق،و ليس مفعولا به،أو مفعولا من أجله،و منصوب بفعل مقدّر،دون(يقولون)و إن كان مقولا له.

و أمّا الآية الرّابعة من المحور الأوّل-المنع-فهي:

وَ قالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَ حَرْثٌ حِجْرٌ و فيها بحوث أيضا:

1-إنّها حكاية عن المشركين ممّا حرّموه من عند أنفسهم،افتراء على اللّه من الأنعام و الحرث و غيرهما، و الحجر صفة لها،أي حرام.

2-قال الطّبرسيّ ج 2 ص 372:«قرئ في الشّواذّ ( حرج )».و احتجّ عليه بقوله:«الحرج يمكن أن يؤول معناه إلى حجر،فإنّهما يرجعان في الأصل إلى معنى الضّيق،فإنّ الحرام سمّي حجرا لضيقه،و الحرج أيضا:

الضّيق،و على هذا يكون لغة في حجر،مثل جذب و جند فهو من المقلوب».

3-هذه الآية و ما قبلها من الآيات كلّها مكّيّة، فيخطر بالبال أنّ(حجرا)بمعنى المنع لغة مكّيّة؛إذ لم يأت في المدنيّات بهذا المعنى.

المحور الثّاني:(الحجر):علم،مرّة واحدة(5) وَ لَقَدْ كَذَّبَ أَصْحابُ الْحِجْرِ الْمُرْسَلِينَ أصحاب الحجر هم ثمود قوم صالح،و اسم بلدهم حجر،و في محلّها خلاف:هل هو بين المدينة و الشّام،أو بين مكّة و تبوك، أو بين الحجاز و الشّام؟قيل:هو المعروف بوادي القرى، و المعروف اليوم باسم مدائن صالح،على الطّريق من خيبر إلى تبوك.

و خلاف آخر:هل هو اسم الوادي،أو اسم المدينة الواقعة فيه؟و في أمثال هذا مجال للتّوسّع و المسامحة،و أنّه كان يطلق على طرفي الخلاف.و على كلّ حال فهو غير «الحجر»بفتحتين،مدينة بني حنيفة من بلاد نجد،يقال له:حجر اليمامة،و هي قصبة يمامة،و يسمّى اليوم «العروض»و هو اليوم من بلاد البحرين.

و لفظه مأخوذ إمّا من الحجر بمعنى المنع،أي المكان المحجور الممنوع من النّاس لاختصاصه بأهله،أو من الحجارة،لأنّهم كانوا ينحتون بيوتهم في صخر الجبال، و قد جعلت طبقات،و في وسطها بئر عظيمة و بئار كبيرة، و في تسمية البلاد خلاف و توسّع لا شاهد لتعيينها.

ص: 43

المحور الثّالث:(حجور)آية واحدة مدنيّة(6):

وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ... و فيها بحوث:

1-هي جمع حجر بفتح الجيم و كسره،و قيل بضمّها أيضا،جاء في النّصوص بمعنى الحضن،و هو ما دون الإبط إلى الكشح،أي الخاصرة،و ما بين يديه من ثوبه،و هو في حجر فلان،أي في كنفه و حمايته،و نشأ في حجره، أي في حفظه،و ستره،و فلان في حجر فلان،أي في تربيته،فأطلق الحجر و هو المنع على الحضن،و على الثّوب الّذي يستره،و على حفظه و تربيته عندهم، و المراد بها بنات الزّوجة من غير زوجها،فإنّهنّ في حجر الرّجل.

2-قال الطّبرسيّ: «لا خلاف بين العلماء أنّ كونهنّ في حجره ليس بشرط في التّحريم،و إنّما ذكر ذلك لأنّ الغالب أنّها تكون كذلك».لكن جاء في رواية من أهل السّنّة عن عليّ عليه السّلام أنّه شرط،و أنّ الرّبائب إذا لم يكن في الحجور فلا يحرمن،و لا نجد من أفتى به.

3-فرّع الطّبرسيّ على ذلك تحريم بنت الرّبيبة، و بنت ابنها و بنت بنتها قربت أم بعدت،لوقوع اسم الرّبيبة عليهنّ،و للنّظر فيه مجال واسع.

المحور الرّابع:الحجرات،آية واحدة مدنيّة(7) إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ و بعدها وَ لَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ و فيها بحوث:

1-المراد ب(الحجرات):حجرات نساء النّبيّ عليه السّلام، و كنّ تسعة لكلّ منهنّ حجرة.

2-نبّه الآلوسيّ على نكتتين:

أولاهما:أنّ ذكر(الحجرات)كناية عن خلوته عليه السّلام بنسائه،لأنّها معدّة للخلوة،و هذا يوافق ما قال بعضهم في معنى الحجرة:«إنّها البقعة الّتي يحجرها المرء لنفسه كيلا يشاركه فيها غيره»لأنّها من الحجر أي المنع،فهي ممنوعة إلاّ لصاحبها،و لمن دخلها بإذنه لعدم إضافتها إليه.

و ثانيتها:أنّه لم يقل:«حجرات نساءك» و لا«حجراتك»توقيرا له،و تحاشيا عمّا يوحشه بذكر نساءه عليه السّلام.

و نضيف إليها أنّ لام(الحجرات)للعهد الذّهنيّ، فكانت حجراته،معهودة كمسجده و مدينته،و الإطلاق فيها جميعا دلّ على موقعه الرّفيع في المجتمع المدنيّ،و مثله إطلاق«النّبيّ»كان ينصرف إليه،و نظيرها إطلاق الأمير و السّلطان و السّيّد و نحوها ينصرف إلى الفرد الشّاخص في البلد بهذه الأوصاف،فكأنّها عادت أسامي و أعلاما لهم.فالحجرات بدون إضافة فيها توقير له عليه السّلام.و من جهة أخرى انفرادها في القرآن رمز إلى انحصارها كالدّرّ اليتيم ليس لها نظير،و هذا توقير آخر له عليه السّلام.

3-عبّر عن بيوته عليه السّلام ب(الحجرات)مرّة هنا بدون إضافة،و ب(بيوت)مضافة ثلاث مرّات:مرّة مضافة إلى النّبيّ عليه السّلام يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ... الأحزاب:53،و مرّتين مضافة إلى نسائه وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى...* وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ مِنْ آياتِ اللّهِ وَ الْحِكْمَةِ... الأحزاب:33،34.

ص: 44

فهنا سؤالان:لما ذا جاءت في هذه«بيوت»و في ذاك «حجرات»،و لما ذا أطلقت(الحجرات)و أضيفت (بيوت)؟

و الجواب عن الأوّل:أنّ الحجرات و البيوت في المحاورات العامّة واحدة،إلاّ أنّهما من حيث الجذر مختلفتان،فالحجرة-كما سبق-من«الحجر»أي المنع، و هي المكان المحدّد لصاحبها الممنوع لغيره،يختلي هو فيها بأهله،و يحفظ موضعه في المجتمع،ففيها نوع حرمة و عورة.و لمّا كان الّذين ينادونه من وراء الحجرات يهتكونه بندائه في حرمه،فكان التّعبير عنه ب«الحجرة» أوقع و أنسب،كأنّه قال:لما ذا لا تراعون موضعه فيكم و تهتكونه في حرمه و حرمه،و لا تحفظون كرامته في حياته الشّخصيّة الدّاخليّة الأسرويّة،فهذا هتك لحرمته عليه السّلام.

و يؤيّده أنّ هذه من جملة آيات صدر سورة الحجرات-و بها سمّيت إجلالا للنّبيّ عليه السّلام-و في هذه الآيات أدب العشرة مع النّبيّ عليه السّلام،و وظائف النّاس حياله،رعاية لمقامه الرّفيع.

و أمّا«البيت»فهو في الأصل من«البيتوتة»أي موضع النّوم و الاستراحة ليلا،و هو ألصق بالمنع عن دخول بيوته في لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ و يؤيّده ما بعدها إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ... إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ...

و كذا في وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ و وَ اذْكُرْنَ ما يُتْلى فِي بُيُوتِكُنَّ فإنّ بيوتهنّ مواضع الاستراحة و الاحتفاظ و الخلوة،و كانت تتلى فيها الآيات ليلا و نهارا و هنّ في راحة و خلوة.فالتّعبير ب(بيوت)في الآيات الثّلاث أنسب بما أريد منها من الرّاحة و عدم المضايقة.

و حاصل الفرق بين اللّفظين:(الحجرات) و(البيوت)أنّ التّركيز في الأوّل على الاحترام و التّكريم، و في الثّاني على الخلوة و السّكون و الرّاحة.

و هناك فرق آخر بينهما،و هو إطلاق«الحجرة»على الغرفة فقط الخاصّة به عليه السّلام،و«البيت»على مجموع ما خلف الباب،فهذا أوسع مفهوما من ذاك.

و أمّا الجواب عن السّؤال الثّاني،و هو لم أطلقت (الحجرات)و أضيفت(بيوت)؟-فقد سبق أنّه مشعر بشهرتها و موضعها الرّفيعة عند اللّه و عند النّاس كمسجده و بلده،فالإطلاق فيها كان ينصرف إلى حجراته.أمّا(البيوت)فلم يكن يفهم منها المقصود إلاّ بالإضافة إمّا إلى النّبيّ،أو إلى نسائه عليه السّلام،لاحظ البيوت،الاستعمال القرآنيّ الرّقم السّابع.

4-قالوا:«حجرة»فعلة بمعنى المفعول ك«غرفة و قيضة»أي المحجورة و الممنوعة،و«حجرات»جمع لها عند الزّمخشريّ و غيره،و عند آخرين جمع الجمع،فهو جمع الحجر،و الحجر:جمع حجرة،و الحكم فيه لعلماء اللّغة.

5-القراءة المشهورة (الْحُجُراتِ) بضمّ الحاء و الجيم، و قد قرئ بضمّ الحاء مع فتح الجيم و سكونها.و احتجّ لها الطّبرسيّ-كعادته-بأنّ من قرأ بفتح الجيم أبدل من الضّمّة فتحة،استثقالا لتوالي الضّمّتين،و من أسكن الجيم فهو مثل عضد و عضد،و لنا في كثير من الحجج على القراءات نظر،لاحظ بحث القراءات في المدخل.

ص: 45

6-حجرات النّبيّ كان موضعها الجانب الشّرقيّ من مسجده؛حيث دفن عليه السّلام في واحدة منها كانت لعائشة، و كانت أبوابها تفتح إلى المسجد،و يبدو أنّ وراءها الطّريق،فكان بعض العرب ينادونه من هذه الطّريق، و ما جاء في بعض النّصوص أنّهم كانوا ينادونه من حواليها و أطرافها لا تخلو عن مسامحة،فإنّ الوراء ليس إلاّ خلفها،لأنّ أمامها المسجد،و هي متّصلة بعضها ببعض،فلم يبق ناحية للنّداء سوى خلفها.

7-قد جاء في بعض الآثار تحديد لتلك الحجرات الشّريفة،نتبرّك بالحديث عنها بإيجاز،جاء في الطّبقات الكبرى لابن سعد 1:387:

ذكر بيوت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و حجر أزواجه

أخبرنا محمّد بن عمر،أخبرنا عبد اللّه بن زيد الهذليّ قال:رأيت بيوت أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حين هدمها عمر بن عبد العزيز،كانت بيوتا باللّبن،و لها حجر من جريد مطرورة بالطّين،عددت تسعة أبيات بحجرها و هي ما بين بيت عائشة إلى الباب الّذي يلي باب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلم إلى منزل أسماء بنت حسن بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن العبّاس،و رأيت بيت أمّ سلمة و حجرتها من لبن، فسألت ابن ابنها،فقال:لمّا غزا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم غزوة دومة،بنت أمّ سلمة حجرتها بلبن،فلمّا قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم نظر إلى اللّبن فدخل عليها أوّل نسائه،فقال:

«ما هذا البناء؟»فقالت:أردت يا رسول اللّه أن أكفّ أبصار النّاس،فقال:«يا أمّ سلمة إنّ شرّ ما ذهب فيه مال المسلمين البنيان».

قال محمّد بن عمر:فحدّثت هذا الحديث معاذ بن محمّد الأنصاريّ،فقال:سمعت عطاء الخراسانيّ في مجلس فيه عمر بن أبي أنس يقول و هو فيما بين القبر و المنبر:

أدركت حجر أزواج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من جريد النّخل على أبوابها المسوح من شعر أسود،فحضرت كتاب الوليد بن عبد الملك يقرأ،يأمر بإدخال حجر أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلم في مسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فما رأيت أكثر باكيا من ذلك اليوم.

قال عطاء:فسمعت سعيد بن المسيّب يقول يومئذ:

و اللّه لوددت أنّهم تركوها على حالها ينشأ ناشئ من أهل المدينة،و يقدم القادم من الأفق فيرى ما اكتفى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في حياته،فيكون ذلك ممّا يزهّد النّاس في التّكاثر و التّفاخر،قال معاذ:فلمّا فرغ عطاء الخراسانيّ من حديثه قال عمر بن أبي أنس:كان منها أربعة أبيات بلبن لها حجر من جريد،و كانت خمسة أبيات من جريد مطينة لا حجر لها،على أبوابها مسوح الشّعر،ذرعت السّتر فوجدته ثلاث أذرع في ذراع و العظم أو أدنى من العظم،فأمّا ما ذكرت من البكاء يومئذ فلقد رأيتني في مجلس فيه نفر من أبناء أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم منهم أبو سلمة بن عبد الرّحمن بن عوف،و أبو أمامة بن سهل ابن حنيف،و خارجة بن زيد بن ثابت و أنّهم ليبكون حتّى أخضل لحاهم الدّمع،و قال يومئذ أبو أمامة:ليتها تركت فلم تهدم حتّى يقصر النّاس عن البناء،و يروا ما رضي اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم و مفاتيح خزائن الدّنيا بيده.

أخبرنا محمّد بن عمر عن عبد اللّه بن عامر الأسلميّ،قال:قال لي أبو بكر بن حزم و هو في مصلاّه فيما بين الأسطوانة الّتي تلي حرف القبر الّتي تلي الأخرى إلى طريق باب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:هذا بيت زينب بنت

ص: 46

جحش،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يصلّي فيه،و هذا كلّه إلى باب أسماء بنت حسن بن عبد اللّه بن عبيد اللّه بن العبّاس اليوم إلى رحبة المسجد،فهذه بيوت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم الّتي رأيتها بالجريد،قد طرّت بالطّين،عليها مسوح شعر.

أخبرنا قبيصة بن عقبة،أخبرنا نجاد بن فرّوخ اليربوعيّ عن شيخ من أهل المدينة،قال:رأيت حجر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قبل أن تهدم بجرائد النّخل ملبسة الأنطاع.

أخبرنا خالد بن مخلّد،حدّثني داود بن شيبان،قال:

رأيت حجر أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و عليها المسوح،يعني متاع الأعراب.

أخبرنا محمد بن مقاتل المروزيّ قال:أخبرنا عبد اللّه ابن المبارك،قال:أخبرنا حريث بن السّائب،قال:

سمعت الحسن يقول:كنت أدخل بيوت أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في خلافة عثمان بن عفّان فأتناول سقفها بيدي.

و قال في باب بناء رسول اللّه المسجد بالمدينة 1:183:

و بنى بيوتا إلى جنبه باللّبن و سقّفها بجذوع النّخل و الجريد،فلمّا فرغ من البناء بنى بعائشة في البيت الّذي بابه شارع إلى المسجد و جعل سودة بنت زمعة في البيت الآخر الّذي يليه إلى الباب الّذي يلي آل عثمان.

المحور الخامس:الحجر و الحجارة،و فيهما مقصدان:الأوّل:(الحجر)و فيه بحوث:

1-جاء مرّتين(8 و 9)مرّة مكّيّة في«الأعراف» و أخرى مدنيّة في«البقرة»و كلاهما في قصّة موسى عليه السّلام- و هو في التّيه-حيث أمر أن يضرب بعصاه الحجر فضرب فانفجر منه الماء لبني إسرائيل الّذين خرجوا معه من مصر إلى هذا الصّحراء القفر الجدب الخالي من الماء،و الكلأ،بغية الوصول إلى الأرض المقدّسة الموعودة.

2-جاء فيهما حديث استقاء موسى لهم،و هو من «السّقي»منصرف إلى الشّرب،لأنّ الشّرب كان أهمّ حاجاتهم المائيّة في التّيه،قال: قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُناسٍ مَشْرَبَهُمْ، و إن كانت في الماء منافع أخرى لهم.

3-و مع اشتراك الآيتين في ذكر الاستسقاء من قبل موسى،و الشّرب من قبلهم،فبينهما تفاوت؛من حيث إنّ في الآية الأولى-و هي مكّيّة-كان الاستسقاء هو طلبهم السّقي من موسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ، و في الثّانية طلب موسى السّقي من اللّه وَ إِذِ اسْتَسْقى مُوسى لِقَوْمِهِ، و الأوّل مقدّم طبعا على الثّاني زمانا،و قد لوحظ هذا التّرتيب فيهما،فجاء الأوّل في سورة مكّيّة، و الثّاني بعدها في سورة مدنيّة.

و توجد في القصص القرآنيّة المكرّرة لطائف كثيرة من هذا القبيل،تدرك بالتّدبّر فيها،و بعرض بعضها على بعض.

4-خصّت الأولى بأنّ عمليّة الاستسقاء من اللّه كانت بإرشاد و وحي منه تعالى وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى إِذِ اسْتَسْقاهُ قَوْمُهُ أَنِ اضْرِبْ... و ما كانت من قبل القوم، فإنّهم إنّما طلبوا الماء من موسى،و ليس فيهما أنّهم سألوا موسى أن يدعو اللّه ليسقيهم،كما فعلوا في الطّعام في آية بعدها وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نَصْبِرَ عَلى طَعامٍ واحِدٍ فَادْعُ لَنا رَبَّكَ يُخْرِجْ لَنا مِمّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ مِنْ بَقْلِها وَ قِثّائِها وَ فُومِها وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها...

البقرة:61-لاحظ«ب ق ل»و«ب ص ل»-إذ لم يخطر

ص: 47

ببالهم الاستسقاء بالحجر،و لو طالبوا موسى الدّعاء للماء لسألوه الاستسقاء بالمطر دون الحجر.بل أراد اللّه تسجيل آياته لهم إعجازا بإخراج العيون من الحجر بعدد فرقهم،دون إنزال المطر ليحملوه على العادة و الصّدفة، من دون أن يسندوه إلى دعائه كمعجزة له عليه السّلام.

5-ضرب الحجر فيهما كان بأمر اللّه إيّاه،جاء بلفظ واحد اِضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ إلاّ أنّ التّعبير عن أمره تعالى جاء في الأوّل وحيا وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى... أَنِ اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ، و في الثّانية قولا فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ، و«الوحي»أشرف و أعلى و أخصّ من«القول».فيفهم منه أنّ القول في الثّانية كان وحيا أيضا،و هذا جار في كثير من أقوال اللّه للأنبياء،بل في جميعها.

6-و بين الآيتين فروق أخرى مثل مجيء (انبجست)في الأولى،و(انفجرت)في الثّانية-لاحظ «ب ج س»-و تذييل الأولى ب وَ ظَلَّلْنا عَلَيْهِمُ الْغَمامَ وَ أَنْزَلْنا عَلَيْهِمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى كُلُوا مِنْ طَيِّباتِ ما رَزَقْناكُمْ وَ ما ظَلَمُونا وَ لكِنْ كانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ البقرة:57،و الثّانية ب كُلُوا وَ اشْرَبُوا مِنْ رِزْقِ اللّهِ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ. لاحظ «ض ر ب»و«أ ك ل»و«ش رب»و غيرها.

7-اللاّم في(الحجر)للعهد الذّهنيّ،و أنّه كان حجرا معيّنا،كانوا ينقلونه من مكان إلى آخر حيث نزلوا،أو وجدوه في كلّ منزل من دون أن ينقلوه،كما قيل.

و في هذا(الحجر)تفاصيل عندهم تشبه الإسرائيليّات لا سند لها،و لا فائدة فيها،و لم يكن حجرا يقرع لهم أينما نزلوا-كما قيل-فكان(الحجر)مثل «التّابوت»في بني إسرائيل.

و المقصد الثّاني:(الحجارة)و فيها بحوث أيضا:

1-جاءت عشر مرّات في تسع آيات(10-18):

ستّ حجارة الدّنيا،و ثلاث حجارة الآخرة،و سياقها جميعا ذمّ،جاءت«حجارة»فيها كعنصر الصّلابة و الخشونة،و رمزا للعذاب و الشّدّة.

2-ثلاث من السّتّة(10-12)حكاية-عذاب قوم لوط-نزلت بهذا التّرتيب: إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ أَ لَيْسَ الصُّبْحُ بِقَرِيبٍ* فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ مَنْضُودٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَ ما هِيَ مِنَ الظّالِمِينَ بِبَعِيدٍ هود:81-83، فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ* فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِلْمُتَوَسِّمِينَ* وَ إِنَّها لَبِسَبِيلٍ مُقِيمٍ* إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ الحجر:73-77.

قالَ فَما خَطْبُكُمْ أَيُّهَا الْمُرْسَلُونَ* قالُوا إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ* لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ* مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ لِلْمُسْرِفِينَ

الذّاريات:31-34.

3-و فيها اختلاف لفظا و معنى ناشئ من أنّها نقل بالمعنى تفصيلا و إيجازا ككثير من قصص القرآن،أو رعاية للرّويّ.لاحظ«ق ص ص».

منها:أنّ الأوليين حكاية وقوع العذاب عليهم، و الأخيرة خبر عن أنّه سيقع حكاية عن هؤلاء الملائكة المرسلين.

ص: 48

و منها:أنّ في الأوليين ذكرا لوقت نزول العذاب -دون الأخيرة-و هو الصّبح إِنَّ مَوْعِدَهُمُ الصُّبْحُ و حين إشراق الشّمس: فَأَخَذَتْهُمُ الصَّيْحَةُ مُشْرِقِينَ.

و منها:جاء فيهما: فَجَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ و في الأخيرة: لِنُرْسِلَ عَلَيْهِمْ حِجارَةً مِنْ طِينٍ ففيها(نرسل)و فاعله (الملائكة)بدلا من(امطرنا)في الأوليين و فاعله(اللّه)، و(طين)بدل(سجّيل)رعاية لرويّ الآيات قبلها و بعدها،فلاحظ.

و منها:أنّ(الحجارة)و صفت في الأولى ب(منضود، مسوّمة عند ربّك)،و في الأخيرة ب(مسوّمة عند ربّك)و لم توصف بها في الثّانية،إلى غيرها من الفروق بينها، لاحظ«ه و د».

4-:جاءت(حجارة)فيها جميعا نكرة-و هي اسم جنس-تعمية و تهويلا،كأنّها كانت من الكثرة،و الشّدّة و الصّلابة بمرتبة لا تقدّر بقدر و لا توصف بوصف.

5-و اثنتان منها(13 و 14)حكاية عذاب طائفتين بحجارة في عصر النّبيّ عليه السّلام:إحداهما حادثة الفيل و قد وقعت،و الأخرى ما اقترحه المشركون من العذاب،و لم يقع: أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِأَصْحابِ الْفِيلِ* أَ لَمْ يَجْعَلْ كَيْدَهُمْ فِي تَضْلِيلٍ* وَ أَرْسَلَ عَلَيْهِمْ طَيْراً أَبابِيلَ* تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ* فَجَعَلَهُمْ كَعَصْفٍ مَأْكُولٍ الفيل 5.

وَ إِذْ قالُوا اللّهُمَّ إِنْ كانَ هذا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ أَوِ ائْتِنا بِعَذابٍ أَلِيمٍ* وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ وَ ما كانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ الأنفال:32،33.

6-و فيهما جاءت(حجارة)نكرة أيضا تهويلا مع تفاوت بينهما،ففي الأولى: تَرْمِيهِمْ بِحِجارَةٍ مِنْ سِجِّيلٍ، و في الثّانية: فَأَمْطِرْ عَلَيْنا حِجارَةً مِنَ السَّماءِ، و في كلّ من رمي الحجارة من سجّيل و إمطارها من السّماء نوع من التّعنيف و التّخويف.

و تفاوت آخر أنّ الأولى قد وقعت تعظيما للكعبة، و الثّانية لم تقع تعظيما للنّبيّ عليه السّلام،كما نطق به ما بعدها. وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ....

7-و واحدة من السّتّ(15)جاءت(الحجارة)فيها مرّتين معرّفة بلام الجنس-تكبيرا و تشديدا-تشبيها بها قلوب بني إسرائيل بعد ما رأوا الآيات: ثُمَّ قَسَتْ قُلُوبُكُمْ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْماءُ وَ إِنَّ مِنْها لَما يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَ مَا اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ البقرة:74.

8-شبّهت فيها شقاوة قلوبهم-و هي أمر باطنيّ نفسيّ-بصلابة الحجارة-و هي جسم مرئيّ-تجسيما لشقاوتها،أي لو تجسّمت قلوبهم لكانت في الشّدّة و الصّلابة كالحجارة أو أشدّ منها فلا تنفذ فيها الموعظة، كما أنّ الحجارة لا تنفذ فيها جسم آخر،و هذا من قبيل تشبيه غير المحسوس بالمحسوس،و هو نوع من التّشبيه في علم البلاغة.

9-لم يكتف القرآن في تجسيم قلوبهم بالحجارة،بل زاد عليها(أشدّ منها)ثمّ بيّن كيف كانت تلك القلوب، أشدّ من الحجارة،فوصف الحجارة بأوصاف ثلاثة تحاكي انعطافها و تأثّرها أحيانا،و هي:تفجّر الأنهار،

ص: 49

و شقّها فيخرج منها الماء،و حبوطها من خشية اللّه، لاحظ:«ن ه ر،و ش ق ق،و ح ب ط».

10-أمّا الحجارة في الآخرة فجاءت ثلاث مرّات، واحدة منها(16)جواب عن تشكيك المشركين في بعث الموتى بعد أن كانوا عظاما و رفاتا:

وَ قالُوا أَ إِذا كُنّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً* قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً* أَوْ خَلْقاً مِمّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَسَيُنْغِضُونَ إِلَيْكَ رُؤُسَهُمْ وَ يَقُولُونَ مَتى هُوَ قُلْ عَسى أَنْ يَكُونَ قَرِيباً الإسراء:49-51.

فدفع شبهتهم:أنّ العظام و الرّفاة كيف تبعث من جديد؟بأنّهم لو تحوّلوا عن العظام و الرّفاة إلى شيء أشدّ منها صلابة و مقاومة كالحجارة و الحديد،أو ما هو أكبر منهما في تصوّركم فتبعثون.

ثمّ طرحوا سؤالا عمّن يعيدهم فأجاب:يعيدكم من خلقكم أوّل مرّة،و سؤالا آخر عن وقته فأجاب:إنّه قريب.

11-جاءت(حجارة)فيها نكرة معطوفا عليها (حديدا)تأكيدا على صلابتها،بما لا يقدّر بقدر و لا يحدّ بحدّ،لاحظ«ب ع ث».

12-و اثنتان منها(17 و 18)توصيف لنار جهنّم بأنّ وقودها النّاس و الحجارة تشديدا في حرارتها؛حيث تأكل و تحرق النّاس و الحجارة معا:

فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا وَ لَنْ تَفْعَلُوا فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ البقرة:24.

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لا يَعْصُونَ اللّهَ ما أَمَرَهُمْ وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ التّحريم:6.

13-وصفت النّار فيهما أوّلا بوصف واحد اَلَّتِي وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ، ثمّ بوصفين مختلفين وعيدا:

أُعِدَّتْ لِلْكافِرِينَ و عَلَيْها مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ. ثمّ حذّرهم بلفظين مختلفين تلفّظا،و واحد جذرا: فَاتَّقُوا النّارَ تحفّظا لأنفسهم فقط و قُوا أَنْفُسَكُمْ وَ أَهْلِيكُمْ تحفّظا لأنفسهم و أهليهم،لاحظ«و ق ي».

14-جاءت فيهما(الحجارة)معرّفة بلام الجنس -و هو الظّاهر-أو بلام العهد إشارة إلى نوع خاصّ من الحجارة شديدة التّصلّب،أو شديدة الاحتراق،أو «اللاّم»لاستغراق الجنس،أي هذه النّار مستعدّة و صالحة لأن تحرق كلّ ما ألقي فيها من النّاس و الحجارة.

و ردّه أبو حيّان بأنّ الظّاهر أنّ هذا الوصف واقع بالفعل، لا أنّها تصلح له.

15-قال كثير منهم تبعا لابن مسعود و ابن عبّاس:

أنّها حجارة الكبريت،لأنّها تزيد-كما قال ابن عطيّة- على جميع الأحجار بخمسة أنواع من العذاب:سرعة الاتّقاد،و نتن الرّائحة،و كثرة الدّخان،و شدّة الالتصاق بالأبدان،و قوّة حرّها إذا أحميت.

و ردّها الزّمخشريّ بأنّه تخصيص بغير دليل، و ذهاب عمّا هو الصّحيح المشهود له بمعاني التّنزيل، و أنّه لو صحّ عن ابن عبّاس فلعلّه عنى به أنّ الأحجار كلّها لتلك النّار كحجارة الكبريت لسائر النّيران.

و وافقه البيضاويّ لما ذكره،و لأنّه إبطال للمقصود؛ إذ الغرض تهويل شأنها و تفاقم لهبها بحيث تتّقد بما

ص: 50

لا تتّقد به غيرها،و الكبريت تتّقد به كلّ نار و إن ضعفت.

و ما ذكره حقّ لكنّه أخطأ في قوله بعده:«و لمّا كانت الآية-يعني آية البقرة-مدنيّة بعد ما نزل في سورة التّحريم ناراً وَقُودُهَا النّاسُ وَ الْحِجارَةُ و سمعوه،صحّ تعريف النّار و وقوع الجملة صلة،فإنّها تجب أن تكون قصّة معلومة»و أراد أنّ«اللاّم»فيها للعهد الذّهنيّ أو الذّكريّ.

وجه الخطأ أنّ سورة التّحريم مدنيّة،و أنّها نزلت بعد البقرة.

و اختاره أبو السّعود أيضا قائلا:«أشير هنا إلى ما سمعوه أوّلا-في التّحريم-و كونها مدنيّة لا يستلزم كون جميع آياتها كذلك»و قد ارتكب خطأين:نزول سورة التّحريم قبل البقرة،و احتمال أنّ بعض آياتها مكّيّة.

16-قالوا في وجه الجمع بين«النّاس و الحجارة» وجوها:

منها:أنّهم قرنوا أنفسهم بالحجارة في الدّنيا و هي الأصنام الّتي نحتوها و عبدوها،فقرنهم بها في النّار كما قال: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ الأنبياء:98،و حصبها هي وقودها.

و منها:أنّهم اعتقدوا أنّ أصنامهم شفعاءهم عند اللّه، تدفع عنهم العذاب،فجعلها عذابا لهم؛بذلك جمع بين العذاب الجسميّ و الرّوحيّ.

و منها:أنّه ذكرها تعظيما لحرارة النّار حيث إنّها تحرق مع النّاس الحجارة،خلافا لنار الدّنيا حيث إنّها تحرق النّاس دون الحجارة.

و منها:أنّ أجسادهم تبقى على النّار بقاء الحجارة الّتي توقدها النّار بالقدح،أو ليجدّدها كما قال: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها النّساء:56.

و منها:أنّهم يعذّبون بالحجارة المحماة بالنّار مع النّار نفسها.

و منها:أريد ب(الحجارة)الّذين هم في صلابتهم عن قبول الحقّ كالحجارة كمن وصفهم ب فَهِيَ كَالْحِجارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً.

و منها:أنّ أهل النّار إذا عيل صبرهم بكوا و شكوا، فينشئ اللّه سبحانه سحابة سوداء مظلمة فيرجون الفرج،و يرفعون رءوسهم إليها فتقطر عليهم حجارة عظاما كحجارة الرّحى،فتزداد النّار إيقادا و التهابا.

و هذا لا يستفاد من الآية إلاّ برواية صحيحة و لا توجد.

و منها:أنّ«الحجارة»هي ما كنزوه من الذّهب و الفضّة تقذف معهم في النّار و تكوى بها أجسامهم،كما قال: فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ التّوبة:35،لاحظ:جباههم و جنوبهم.

و منها:أنّهم في رفضهم دعوة الأنبياء فهم حجارة باطنا و إن ظهروا بمظهر الآدميّ.

و لكلّ ممّا ذكر لطف و بعضها أقرب من بعض.و قد رجّح«الطّوسيّ»من القدماء،و«رشيد رضا»من المتأخّرين الوجه الأوّل.و لسيّد قطب تعابير أدبيّة فيها، فلاحظ.

17-قالوا:«حجارة»جمع كثرة ل«حجر»مثل «حجار»،و جمع القلّة له«أحجار»،أو هي اسم جمع، و هو الأقرب.

18-جاء(الحجر)مرّتين-كما سبق-:مكّيّة

ص: 51

و مدنيّة،و جاءت(الحجارة)وقودا للنّار مرّتين أيضا مدنيّتين،و تمثيلا للقلوب مرّتين مدنيّتين أيضا، و حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ في قصّة لوط مرّتين مكّيّتين، و حِجارَةً مِنْ طِينٍ مرّة مكّيّة،و في عصر النّبيّ مرّتين أيضا مكّيّة و مدنيّة.فاختير في اللّفظين:«الحجر و الحجارة»عدد الاثنين موزّعة بين المكّيّ و المدنيّ،قريبا من التّساوي إلاّ في قصّة لوط فزيدت عليهما واحدة، بيانا لشدّة العذاب فيها.

ص: 52

ح ج ز

اشارة

لفظان،مرّتان،في سورتين مكّيّتين

حاجزا 1:1 حاجزين 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحجز:أن تحجز بين مقاتلين.و الحجاز و الحاجز:اسم.

و قوله تعالى: وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً النّمل:61،أي حجازا،فذلك الحجاز أمر اللّه بين ماء ملح و عذب لا يختلطان.

و سمّي الحجاز لأنّه يفصل بين الغور و الشّام و بين البادية.

و الحجاز:حبل يلقى للبعير من قبل رجليه،ثمّ يناخ عليه،يشدّ به رسغا رجليه إلى حقويه و عجزه.

حجزته فهو محجوز.

و تقول:كان بينهم رمّيّا ثمّ حجزت بينهم حجّيزى، أي رمي،ثمّ صاروا إلى المحاجزة.

و الحجزة:حيث يثنى طرف الإزار في لوث الإزار.

و الرّجل يحتجز بإزاره على وسطه.

و حجز الرّجل:أصله و منبته.

و حجز الرّجل أيضا:فصل ما بين فخذه و الفخذ الأخرى من عشيرته.[و استشهد بشعر مرّات]

(3:70)

أبو عمرو الشّيبانيّ: المحتجزة من النّخل:الّتي تكون عذوقها في قلبها.(1:144)

الحجاز:رسن من شعر لعكم المرأة.(1:145)

الحجز:الأصل و النّاحية.(الأزهريّ 4:124)

الأصمعيّ: سمّيت الحجاز حجازا،لأنّها احتجزت بالجبال.(ابن دريد 2:55)

إذا عرضت لك الحرار بنجد فذلك الحجاز.

حجزت البعير أحجزه حجزا،و هو أن ينيخه ثمّ يشدّ حبلا في أصل خفّيه جميعا من رجليه،ثمّ يرفع الحبل من تحته حتّى يشدّه على حقويه،و ذلك إذا أراد أن يرتفع خفّه.[و استشهد بشعر مرّتين](الأزهريّ 4:123)

ص: 53

أبو عبيد:في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لأهل القتيل:«أن ينحجزوا الأدنى فالأدنى و إن كانت امرأة»يعني يكفّوا عن القود،و كذلك كلّ من ترك شيئا و كفّ عنه فقد انحجز عنه.(1:293)

فالاحتجاز:أن يشدّ ثوبه في وسطه،و إنّما هو مأخوذ من«الحجزة»،و منه حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:أنّه رأى رجلا محتجزا بحبل أبرق و هو محرم،فقال:«ويحك!ألقه ويحك! ألقه».(2:278)

«كانت بين القوم رمّيّا ثمّ حجزت بينهم حجّيزى» يريدون:كان بينهم رمي ثمّ صاروا إلى المحاجزة.

و الحجّيزى من الحجز بين اثنين،و من أمثالهم:«إن أردت المحاجزة فقبل المناجزة»و المحاجزة:المسالمة و المناجزة:القتال.(الأزهريّ 4:123)

ابن السّكّيت: ما ارتفع عن بطن الرّمّة فهو نجد، و الرّمّة:واد معلوم و هو نجد إلى ثنايا ذات عرق.

و ما احتزمت به الحرار حرّة شوران و عامّة منازل بني سليم إلى المدينة،فما احتاز في ذلك الشّقّ كلّه حجاز.

و طرف تهامة من قبل الحجاز مدارج العرج،و أوّلها من قبل نجد مدارج ذات عرق.(الأزهريّ 4:122)

انحجز القوم و احتجزوا،إذا أتوا الحجاز.

(الأزهريّ 4:124)

شمر:المحتجز:الّذي قد شدّ وسطه.

و قال أبو مالك،يقال لكلّ شيء يشدّ به الرّجل وسطه ليشمّر ثيابه:حجاز.

و قال الإياديّ: الاحتجاز بالثّوب:أن يدرجه الإنسان فيشدّ به وسطه،و منه أخذت:الحجزة.

و قالت أمّ الرّحّال:إنّ الكلام لا يحجز في العكم كما يحجز العباء.

و قالت:الحجز:أن يدرج الحبل على العكم ثمّ يشدّ، و الحبل هو الحجاز.(الأزهريّ 4:123)

ابن دريد :حجزت بين القوم حجزا،إذا فرّقت بينهم.

و حجزة الإزار:معقده،و حجزة السّراويل:موضع التّكّة.

و سمّيت الحجاز حجازا لأنّها حجزت بين نجد و السّراة.

و كلمة لهم يقولون:كان بين القوم رمّيّا ثمّ صاروا إلى حجّيزى،أي تراموا ثمّ تحاجزوا.

و أوصى بعض العرب بنيه:إن أردتم المحاجزة فقبل المناجزة،أي قبل الحرب.

و قد سمّت العرب حاجزا.

و الحجاز:حبل يشدّ من حقوي البعير إلى رسغي يديه.بعير محجوز،إذا شدّ بذلك.

و حجازيك:مثل حنانيك،أي احجز بين القوم.

و فلان كريم الحجز،أي كريم بني الأب.[ثمّ استشهد بشعر](2:55)

ابن بزرج: الحجز و الزّنج واحد.

يقال:حجز و زنج و هو أن تقبّض أمعاء الرّجل و مصارينه من الظّمأ،فلا يستطيع أن يكثر الشّرب و لا الطّعم.(الأزهريّ 4:124)

الأزهريّ: [حكى قول الخليل في تسمية الحجاز ثمّ قال:]

ص: 54

قلت:سمّي الحجاز حجازا،لأنّ الحرار حجزت بينه و بين عالية نجد.(4:122)

و يقال للجبال:حجاز.[ثمّ استشهد بشعر](4:123)

[و قيل:]الحجز:العشيرة يحتجز بهم.(4:124)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

يقولون:حجازيكما،أي ليحجز أحدكما صاحبه.

و المحتجز:الّذي يحمل شيئا في حجزته.

و احتجز لحم بعضه إلى بعض،أي اجتمع.

و من أمثالهم في الرّجل النّابه:«ما يحجز فلان في العلم»أي ليس ممّن يخفى مكانه.

و المحتجزة:النّخلة تكون عذوقها في قلبها.

و انحجز القوم و احتجزوا:أتوا الحجاز.(2:393)

الجوهريّ: حجزه يحجزه حجزا،أي منعه، فانحجز.

و المحاجزة:الممانعة،و في المثل:«إن أردت المحاجزة فقبل المناجزة»،و قد تحاجز الفريقان.

و يقال:كانت بين القوم رمّيّا ثمّ صارت إلى حجّيزى،أي تراموا ثمّ تحاجزوا.و هما على مثال «خصّيصى».

و قولهم:حجازيك،مثال حنانيك،أي احجز بين القوم.

و الحجزة بالتّحريك:الظّلمة،و في حديث قيلة:

«أ يعجز ابن هذه أن ينتصف من وراء الحجزة»و هم الّذين يحجزونه عن حقّه.

و الحجاز:بلاد سمّيت بذلك،لأنّها حجزت بين نجد و الغور.

و يقال:احتجز الرّجل بإزار،أي شدّه على وسطه.

و حجزت البعير أحجزه حجزا،[ثمّ ذكر قول الأصمعيّ في حجز البعير و قال:]

و ذلك الحبل هو الحجاز،و البعير محجوز.

و قال أبو الغوث:الحجاز:حبل يشدّ بوسط يدي البعير،ثمّ يخالف فيعقد به رجلاه،ثمّ يشدّ طرفاه إلى حقويه،ثمّ يلقى على جنبه شبه المقموط،ثمّ تداوى دبرته،فلا يستطيع أن يمتنع إلاّ أن يجرّ جنبه على الأرض.

و حجزة الإزار:معقده،و حجزة السّراويل:الّتي فيها التّكّة.[و استشهد بشعر مرّتين](3:872)

ابن فارس: الحاء و الجيم و الزّاء أصل واحد مطّرد القياس،و هو الحول بين الشّيئين؛و ذلك قولهم:حجزت بين الرّجلين،و ذلك أن يمنع كلّ واحد منهما من صاحبه.

و العرب تقول:حجازيك على وزن حنانيك،أي احجز بين القوم.

و إنّما سمّيت الحجاز حجازا لأنّها حجزت بين نجد و السّراة.

و حجزة الإزار:معقده،و حجزة السّراويل:موضع التّكّة.و هذا على التّشبيه و التّمثيل،كأنّه حجز بين الأعلى و الأسفل.

و يقال:«كانت بين القوم رمّيّا ثمّ صارت إلى حجّيزى»أي تراموا ثمّ تحاجزوا.

فأمّا قول القائل:

رقاق النّعال طيّب حجزاتهم

يحيّون بالرّيحان يوم السّباسب.

ص: 55

و هي جمع حجزة،كناية عن الفروج،أي إنّهم أعفّاء.(2:139)

ابن سيده: الحجز:الفصل بين الشّيئين،حجز بينهما يحجز حجزا و حجازة فاحتجز.و اسم ما فصل بينهما:الحاجز.

و الحجاز:البلد المعروف منه،لأنّه فصل بين الغور و الشّام.و قيل:لأنّه حجز بين نجد و السّراة،و قيل:لأنّه حجز بين تهامة و نجد.

و أحجز القوم و احتجزوا و انحجزوا:أتوا الحجاز.

و تحاجزوا و انحجزوا و احتجزوا:تزايلوا.

و حجزه عن الأمر يحجزه حجازة و حجّيزى:

صرفه.

و حجازيك كحنانيك،أي احجز بينهم حجزا بعد حجز،كأنّه يقول:لا ينقطع ذلك،وليك بعضه موصولا ببعض.

و حجزة الإزار:خبنته،و حجزة السّراويل:موضع التّكّة.

و قيل:حجزة الإنسان:معقد السّراويل و الإزار.

و الحجزة:مركب مؤخّر الصّفاق في الحقويين.

و احتجز بإزاره:شدّه على وسطه-من ذلك.

و تحاجز القوم:أخذ بعضهم بحجز بعض.

و الحجز:العفيف الطّاهر.

و رجل شديد الحجزة:صبور على الشّدّة و الجهد.

و حجز الرّجل:أصله و منبته.

و حجزه أيضا:فصل ما بين فخذيه من عشيرته.

و الحجز:النّاحية.

و الحجاز:حبل يلقى للبعير من قبل رجليه ثمّ يناخ عليه،ثمّ يشدّ به رسغا رجليه إلى حقويه و عجزه؛حجزه يحجزه حجزا.[و استشهد بشعر ثلاث مرّات]

و حاجز:اسم.(3:60)

الرّاغب: الحجز:المنع بين الشّيئين بفاصل بينهما، يقال:حجز بينهما،قال عزّ و جلّ: وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً النّمل:61.

و الحجاز سمّي بذلك لكونه حاجزا بين الشّام و البادية.

و الحجاز:حبل يشدّ من حقو البعير إلى رسغه.

و تصوّر منه معنى الجمع،فقيل:احتجز فلان عن كذا و احتجز بإزاره،و منه حجزة السّراويل.

و قيل:إن أردتم المحاجزة فقبل المناجزة،أي الممانعة قبل المحاربة.

و قيل:حجازيك،أي احجز بينهم.(109)

الزّمخشريّ: حجز بين المتقاتلين،و بينهما حاجز و حجاز،و جعل اللّه بيني و بينك حجابا و حجازا.

و حجازيك:بوزن حنانيك،أي احجز بين القوم.

و المحاجزة قبل المناجزة.

يقال:حاجزوا عدوّهم:كافّوه.

و تراموا ثمّ تحاجزوا،و كانت بينهم رمّيّا ثمّ صارت إلى حجّيزى،و هي التّحاجز.

و احترز من كذا و احتجز.

و احتجز بإزاره على وسطه:لاقى بين طرفيه و شدّه، و رأيته محتجزا بإزاره.

و في الحديث:«رأى رجلا محتجزا بحبل أبرق».

ص: 56

و احتجز الشّيء و احتضنه:احتمله في حجزته و حضنه.

و من المجاز:رجل طيّب الحجزة.[ثمّ استشهد بشعر] و أخذ بحجزة فلان:استظهر به.

و روى عليّ رضي اللّه عنه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال له:«إذا كان يوم القيامة أخذت بحجزة اللّه و أخذت أنت بحجزتي،و أخذ ولدك بحجزتك،و أخذت شيعة ولدك بحجزتهم،فترى أين يؤمر بنا».و هذا كلام آخذ بعضه بحجزة بعض،أي متناظم متّسق.

و في مثل:«ما يحجز فلان في العكم»أي لا يقدر على إخفاء أمره.(أساس البلاغة:74)

[النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله]قال:«لأهل القتيل أن ينحجزوا الأدنى فالأدنى و إن كانت امرأة».

انحجز:مطاوع حجزه إذا منعه.

و المعنى:أنّ لورثة القتيل أن يعفوا عن دمه رجالهم و نسائهم.(الفائق 1:261)

[في حديث عائشة]«لمّا نزلت سورة النّور عمدن إلى حجوز مناطقهنّ فشققنها،فجعلن منها خمرا».

واحد الحجوز:حجز بكسر الحاء،و هو الحجزة،و يجوز أن يكون واحدها:حجزة على تقدير إسقاط التّاء، كبرج و بروج.

عليّ عليه السّلام سئل عن بني أميّة،فقال:«هم أشدّنا حجزا،و أطلبنا للأمر لا ينال فينالونه»شدّة الحجزة:

عبارة عن الصّبر على الشّدّة و الجهد.(الفائق 1:261)

في الحديث:«تزوّجوا في الحجز الصّالح،فإنّ العرق دسّاس»هو الأصل و المنبت.

و قيل:هو فصل ما بين فخذ الرّجل و الفخذ الأخرى من عشيرته،سمّي بذلك لأنّه يحتجز بهم،أي يمتنع.و إن روي بالكسر فهو بمعنى«الحجزة»كناية عن العفّة و طيب الإزار.(الفائق 1:263)

و قال[النّبيّ]صلّى اللّه عليه و آله:«أ يلام ابن هذه،أن يفصل الخطّة و ينتصر من وراء الحجزة»و الحجزة:جمع حاجز، أراد أنّ ابن هذه المرأة حقّه أن يكون على هذه الصّفة لمكان أمومتها.(الفائق 3:101)

المدينيّ: [ذكر بعض الأحاديث المتقدّمة و زاد:] في الحديث:«إنّ الرّحم أخذت بحجزة الرّحمن» قال بعضهم:أي اعتصمت به،و التجأت إليه مستجيرة.

(1:404)

ابن الأثير: [ذكر بعض الأحاديث و قال:]

و أصل الحجزة:موضع شدّ الإزار،ثمّ قيل للإزار:

حجزة للمجاورة.

و احتجز الرّجل بالإزار،إذا شدّه على وسطه، فاستعاره للاعتصام و الالتجاء و التّمسّك بالشّيء و التّعلّق به.

و منه الحديث الآخر:«و النّبيّ آخذ بحجزة اللّه»أي بسبب منه.

و منه الحديث:«منهم من تأخذه النّار إلى حجزته» أي مشدّ إزاره؛و تجمع على:حجز.

و منه الحديث:«فأنا آخذ بحجزكم».

و في حديث ميمونة:«كان يباشر المرأة من نسائه و هي حائض إذا كانت محتجزة»أي شادّة مئزرها على العورة و ما لا تحلّ مباشرته.

ص: 57

و الحاجز:الحائل بين الشّيئين.

و حديث عائشة رضي اللّه عنها:«ذكرت نساء الأنصار فأثنت عليهنّ خيرا،و قالت:لمّا نزلت سورة النّور عمدن إلى حجز مناطقهنّ فشققنها فاتّخذنها خمرا»أرادت بالحجز:المآزر.و جاء في سنن أبي داود «حجوز أو حجور»بالشّكّ.

قال الخطّابيّ: الحجور-يعني بالرّاء-لا معنى لها هاهنا،و إنّما هو بالزّاي،يعني جمع«حجز»فكأنّه جمع الجمع.و أمّا الحجور بالرّاء،فهو جمع حجر الإنسان.

قال الزّمخشريّ: واحد الحجوز:حجز بكسر الحاء، و هي الحجزة؛و يجوز أن يكون واحدها:حجزة،على تقدير إسقاط التّاء،كبرج و بروج.

و منه الحديث:«رأى رجلا محتجزا بحبل و هو محرم» أي مشدود الوسط،و هو«مفتعل»من الحجزة.

و قالت أمّ الرّحّال:«إنّ الكلام لا يحجز في العكم» العكم بكسر العين:العدل،و الحجز:أن يدرج الحبل عليه ثمّ يشدّ.

و في حديث حريث بن حسّان:«يا رسول اللّه إن رأيت أن تجعل الدّهناء حجازا بيننا و بين بني تميم»أي حدّا فاصلا يحجز بيننا و بينهم؛و به سمّي الحجاز:الصّقع المعروف من الأرض.(1:344)

الفيّوميّ: حجزت بين الشّيئين حجزا،من باب «قتل»:فصلت،و يقال:سمّي الحجاز حجازا،لأنّه فصل بين نجد و السّراة،و قيل:بين الغور و الشّام،و قيل:لأنّه احتجز بالجبال.

و احتجز الرّجل بإزاره:شدّه في وسطه.و حجزة الإزار:معقده،و حجزة السّراويل:مجمع شدّه؛و الجمع:

حجز،مثل غرفة و غرف.(122)

الفيروزآباديّ: حجزه يحجزه و يحجزه حجزا و حجّيزى و حجازة:منعه و كفّه،فانحجز،و بينهما فصل،و البعير:أناخه ثمّ شدّ حبلا في أصل خفّيه من رجليه،ثمّ رفع الحبل من تحته فشدّه على حقويه ليداوي دبرته،و ذلك الحبل و كلّ ما تشدّ به وسطك لتشمّر ثيابك:حجاز.

و الحجزة:الظّلمة الّذين يمنعون بعض النّاس من بعض،و يفصلون بينهم بالحقّ؛جمع حاجز.

و المحجوز:المصاب في محتجزه و مؤتزره،و المشدود بالحجاز.

و الحجزة بالضّمّ:معقد الإزار،و من السّراويل:

موضع التّكّة،و من الفرس:مركب مؤخّر الصّفاق بالحقو.

و الحجز بالكسر و يضمّ:الأصل و العشيرة و النّاحية،و بالتّحريك:الزّنج لمرض في المعى،و الفعل كفرح.

و حجزى كذكرى:قرية بدمشق،و هو حجزاويّ.

و الحجاز:مكّة و المدينة و الطّائف و مخاليفها،لأنّها حجزت بين نجد و تهامة أو بين نجد و السّراة،أو لأنّها احتجزت بالحرار الخمس:حرّة بني سليم و واقم و ليلى و شوران و النّار.

و احتجز:أتاه كانحجز،و أحجز،و اجتمع،و حمل الشّيء في حجزته،و بإزاره:شدّه على وسطه.

و المحتجزة:النّخلة تكون عذوقها في قلبها.

ص: 58

و المحاجزة:الممانعة،و تحاجزا:تمانعا.

و الحجائز:موضع باليمامة.

و حجازيك بالفتح،أي احجز بين القوم حجزا بعد حجز.

و شدّة الحجزة:كناية عن الصّبر.

و هو داني الحجزة،أي ممتلئ الكشحين،و هو عيب.

و يقال:وردت الإبل و لها حجز،أي شباعا عظام البطون.(2:177)

محمود شيت: أ-حجز بينهما:فصل،و بين المتحاربين:منعهم من القتال.

ب-احتجز في خندقه:امتنع به.

ج-الحاجز:الفاصل بين الشّيئين،و حاجز الغاز:

الّذي يحجز الغاز النّاتج من انفجار العتاد،و الحاجز:مانع الرّؤية المتبادلة.

يقال:الحاجز:الواقف،و الحاجز البارك،و الحاجز الممتدّ:حاجز للتّدريب على الرّمي:الواقف أو البارك أو الممتدّ.(وضع الامتداد:الانبطاح)،يتدرّب الجنديّ وراءه فيحجزه عن نظر العدوّ.

د-الحجز:عقوبة من العقوبات العسكريّة،يقال:

عوقب الجنديّ بحجز ثكنة:يبقى في الثّكنة و لا يغادرها إلى أهله.(1:171)

المصطفويّ: الحجز قريب معناه من الحجر و الحجب،و الأصل الواحد فيه:هو الفاصل المانع بين الشّيئين،و ليس بمعنى المانع المطلق،و لا بمعنى الفاصل المطلق،و له قيود ثلاثة.

و أمّا السّراة و الحجاز و تهامة و نجد:فالسّراة سلسلة جبال ممتدّة من جنوب سيناء،و هو الشّمال الغربيّ من جزيرة العرب،إلى منتهى الجنوب الغربيّ من الجزيرة،و هو أرض اليمن.فالجانب الغربيّ من تلك الجبال الواقع بساحل بحر الأحمر يسمّى تهامة،و الجانب الشّرقيّ منها الواقع في الارتفاعات المتعلّقة بتلك الجبال يسمّى نجد،و بلدة رياض فيها.و ما وقع بين تهامة و نجد في أطراف تلك الجبال يسمّى الحجاز.و مكّة المكرّمة و جدّة من بلاد تهامة.

وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً النّمل:61،هذه الآية في مقام بيان النّعم و تقدير المعيشة و إعداد وسائل الحياة للإنسان،و منها جعل حاجز و فاصل بين البحرين كالجزيرة الواقعة بين البحر الأحمر و خليج عدن،و لو شاء اللّه لجعلهما متّصلين و واحدا،فوجود هذه الفاصلة هو الموجب لتعيّش أهل جزيرة العرب فيها.

و أمّا الآية هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَ جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَ حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:53، فهي في مقام بيان القدرة و العظمة له تعالى،حتّى لا يختلط الماء الفرات بالملح الأجاج.

فالمناسب أن يعبّر في الأولى بالحاجز،و في الثّانية بالحجر و الحفظ.

ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ الحاقّة:47،حتّى يكون فاصلا بيننا و بينه، و مانعا عن أخذه و قطعه.

فظهر الفرق بين الحجر و الحجز و المنع و الفصل، و لا يخفى لطف التّعبير.(2:185)

ص: 59

النّصوص التّفسيريّة

حاجزا

وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً... النّمل:61

ابن عبّاس: مانعا لا يختلطان.(320)

سلطانا من قدرته،فلا هذا يغيّر ذاك و لا ذاك يغيّر هذا.(القرطبيّ 13:222)

مجاهد :بحر السّماء و الأرض،و الحاجز من الهواء.

(أبو حيّان 7:90)

الضّحّاك: و البحران:العذب و الملح،و الحاجز:

الفاصل من قدرته تعالى.(أبو حيّان 7:89)

نحوه الزّجّاج(4:127)،و الطّبرسيّ(4:229)، و الشّربينيّ(3:69).

قتادة :حاجزا من اللّه لا يبغي أحدهما على صاحبه.

(3:69)

حاجزا من الأرض أن يختلط أحدهما بالآخر.

(الماورديّ 4:222)

نحوه ابن الجوزيّ.(6:186)

السّدّيّ: البحرين،بحر العراق و الشّام،و الحاجز من الأرض.(أبو حيّان 7:90)

الماورديّ: و الحاجز:المانع من اختلاط أحدهما بالآخر.(4:222)

نحوه البغويّ(3:511)،و القرطبيّ(13:222)، و الخازن(5:127).

الطّوسيّ: فالحاجز هو المانع بين الشّيئين،أن يختلط أحدهما بالآخر،و قد يكون ذلك بكفّ كلّ واحد منهما عن صاحبه.و في ذلك دلالة على إمكان كفّ النّار عن الحطب،حتّى لا تحرقه و لا تسخنه،كما كفّ الماء المالح عن الاختلاط بالعذب.(8:109)

القشيريّ: بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ بين القلب و النّفس، لئلاّ يغلب أحدهما صاحبه.و يقال:بين العبوديّة و أحكامها،و الحقيقة و أحكامها،فلو غلبت العبوديّة كانت جحدا للحقيقة،و لو غلبت الحقيقة العبوديّة كانت طيّا للشّريعة.

و يقال:ألسنة المريدين مقرّ ذكره.و أسماعهم محلّ الإدراك الموصل إلى الفهم،و العيون مقرّ الاعتبار.

(5:44)

الميبديّ: أي مانعا،بلطيف قدرته على وجه لا يشاهد و لا يعاين،يمنع اختلاط أحدهما بالآخر

(7:240)

الزّمخشريّ: (حاجزا)كقوله:برزخا.(3:155)

ابن عطيّة: ما جعل اللّه بينهما من حواجز الأرض و موانعها على رقّتها في بعض المواضع،و لطافتها الّتي لو لا قدرة اللّه تعالى لغلب الملح العذب.(4:267)

الفخر الرّازيّ: فالمقصود منه أن لا يفسد العذب بالاختلاط،و أيضا فلينتفع بذلك الحاجز.و أيضا المؤمن في قلبه بحران:بحر الإيمان و الحكمة،و بحر الطّغيان و الشّهوة،و هو بتوفيقه جعل بينهما حاجزا لكي لا يفسد أحدهما بالآخر.(24:208)

النّيسابوريّ: وَ جَعَلَ بَيْنَ بحر الرّوح و بحر النّفس(حاجزا):القلب،فإنّ في اختلاطهما فساد حالهما.(20:12)

ص: 60

1Lأبو السّعود: برزخا مانعا من الممازجة.(5:96)

نحوه البروسويّ(6:362)،و القاسميّ (13:4678).

المراغيّ: و جعل بين المياه العذبة و الملحة حاجزا يمنعهما من الاختلاط،حتّى لا يفسد هذا بذاك.و الحكمة تقضي ببقاء كلّ منهما على حاله،فالعذبة لسقي النّاس و الحيوان و النّبات و الثّمار،و الملحة:تكون مصادر للأمطار الّتي تجري منها،و كذلك هي وسيلة لإصلاح الهواء.(20:9)

الطّباطبائيّ: و الحاجز هو المانع المتخلّل بين الشّيئين.(15:380)

عبد الكريم الخطيب :أي فصل بين ماء البحار و ماء الأنهار،حيث يلتقيان،فلا يطغى أحدهما على الآخر...بل يبقى ماء الأنهار عذبا سائغا،و يظلّ ماء البحار ملحا أجاجا...(10:265)

مكارم الشّيرازيّ: فقد ورد في هذه الآية الكريمة ذكر أربع نعم عظيمة...[إلى أن قال:]

و النّعمة الأخرى الحجاب الحاجز بين البحرين،أو الحائل الطّبيعيّ الّذي يحول بين الماء المالح و الماء العذب، و هذا الحجاب غير المرئيّ،إن هو إلاّ الاختلاف في درجة الغلظة بين الماء العذب و الماء المالح.

أو كما يصطلح عليه اختلاف الوزن النّوعيّ الخاصّ الّذي يسبّب عدم انحلال مياه الأنهار العظيمة العذبة الّتي تنصبّ في البحار المالحة لمدّة طويلة،و عند حالة المدّ تتسلّط هذه المياه العذبة على السّواحل الصّالحة للزّراعة،فتسقيها.(12:102)

فضل اللّه:في اختلاط الماء العذب بالماء المالح من دون أن يؤثّر أحدهما على الآخر من خلال حاجز خفيّ، من قدرة اللّه،مانع من امتزاجهما و اتّحادهما في طعم واحد،كما هي طبيعة الأشياء.

و ربّما أريد منه مواقع الماء المالح و مواقع الماء العذب، في ما هي المسافة بين البحر و النّهر،الّتي جعلت الماء المالح في مكان أكثر انخفاضا من الماء العذب،فيستمدّ الماء المالح استمراره ممّا يأتيه من الماء العذب المتدفّق من الأعالي،و لو اختلف الأمر و انعكس،لفسد الماء العذب و اختلفت الحياة.(17:229)

حاجزين

فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ. الحاقّة:47

أبو عبيدة :خرج صفته على صفة الجميع،لأنّ (أحدا)يقع على الواحد و على الاثنين و الجميع من الذّكر و الأنثى.(2:268)

الطّبريّ: (حاجزين)يحجزوننا عن عقوبته، و ما نفعله به.(29:68)

الطّوسيّ: معناه ليس أحد يمنع غيره من عقاب اللّه،بأن يكون حائلا بينه و بينه؛فالحاجز هو الحائل بين الشّيئين.و إنّما قال(حاجزين)بلفظ الجمع،لأنّ(أحدا) يراد به الجمع،و إن كان بصيغة الواحد.(10:110)

البغويّ: مانعين يحجزوننا عن عقوبته،و المعنى أنّ محمّدا لا يتكلّف الكذب لأجلكم مع علمه بأنّه لو تكلّفه لعاقبناه،و لا يقدر أحد على دفع عقوبتنا عنه...

(5:150)

ص: 61

نحوه الميبديّ(10:216)،و الطّبرسيّ(5:350)، و الخازن(7:123)،و الكاشانيّ(5:222).

الزّمخشريّ: قيل:(حاجزين)في وصف(أحد)، لأنّه في معنى الجماعة،و هو اسم يقع في النّفي العامّ، مستويا فيه الواحد و الجمع و المذكّر و المؤنّث.و منه قوله تعالى: لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ البقرة:285، لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ الأحزاب:32.

و الضّمير في(عنه)للقتل،أي لا يقدر أحد منكم أن يحجزه عن ذلك و يدفعه عنه؛أو لرسول اللّه،أي لا تقدرون أن تحجزوا عنه القاتل و تحولوا بينه و بينه.

(4:155)

نحوه الشّربينيّ(4:379)،و المراغيّ(29:64).

البيضاويّ: دافعين،وصف ل(احد)فإنّه عامّ، و الخطاب للنّاس.(2:502)

مثله أبو السّعود.(6:298)

أبو حيّان :و الضّمير في(عنه)الظّاهر أنّه يعود على الّذي تقول،و يجوز أن يعود على القتل،أي لا يقدر أحد منكم أن يحجزه عن ذلك و يدفعه عنه،و الخطاب في (منكم)للنّاس.

و الظّاهر في(حاجزين)أن يكون خبرا ل(ما)على لغة الحجاز،لأنّ(حاجزين)هو محطّ الفائدة،و يكون (منكم)لو تأخّر لكان صفة ل(احد)فلمّا تقدّم صار حالا؛ و في جواز هذا نظر.أو يكون للبيان،أو تتعلّق ب(حاجزين)كما تقول:ما فيك زيد راغبا.و لا يمنع هذا الفصل من انتصاب خبر(ما).[ثمّ نقل قول الزّمخشريّ و قال:]

و إذا كان(حاجزين)نعتا ف(من احد)مبتدأ و الخبر (منكم).و يضعف هذا القول،لأنّ النّفي يتسلّط على الخبر،و هو كينونته منكم فلا يتسلّط على الحجز.و إذا كان(حاجزين)خبرا تسلّط النّفي عليه،و صار المعنى:

ما أحد منكم يحجزه عن ما يريد به من ذلك.(8:329)

البروسويّ: دافعين،و هو وصف ل(احد)فإنّه عامّ لوقوعه في سياق النّفي،كما في قوله عليه السّلام:«لم تحلّ الغنائم لأحد أسود الرّأس غيرنا».

ف(من احد)في موضع الرّفع بالابتداء،و(من)زائدة لتأكيد النّفي،و(منكم)خبره،و المعنى فما منكم قوم يحجزون عن المقتول أو عن قتله و إهلاكه،المدلول عليه بقوله: ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ الحاقّة:46،أي لا يقدر على الحجز و الدّفع.

و هذا مبنيّ على أصل بني تميم،فإنّهم لا يعملون(ما) لدخولها على القبيلتين.و قد يجعل(حاجزين)خبرا ل(ما)على اللّغة الحجازيّة،و لعلّه أولى؛فتكون كلمة (ما)هي المشبّهة بليس،ف(من احد)اسم(ما)، و(حاجزين)منصوب على أنّه خبرها،و(منكم)حال مقدّم،و كان في الأصل صفة ل(احد).

و في الآية تنبيه على أنّ النّبيّ عليه السّلام لو قال من عند نفسه شيئا أو زاد أو نقص حرفا واحدا على ما أوحي إليه،لعاقبه اللّه و هو أكرم النّاس عليه،فما ظنّك بغيره ممّن قصد تغيير شيء من كتاب اللّه،أو قال شيئا من ذات نفسه.(10:151)

نحوه الآلوسيّ.(29:54)

ص: 62

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الحجزة،أي موضع شدّ الإزار؛و الجمع:حجز و حجزات،ثمّ قيل:الإزار:حجزة للمجاورة،يقال:احتجز بالإزار،أي شدّه على وسطه، و تحاجز القوم:أخذ بعضهم بحجز بعض،و حجزة السّراويل:معقدها و موضع التّكّة.

و يقال مجازا:رجل شديد الحجزة،أي صبور على الشّدّة و الجهد.

و الحجاز:حبل يشدّ به العكم و رسغا البعير.يقال:

حجزت البعير أحجزه حجزا فهو محجوز.

و الحاجز:الفاصل بين الشّيئين؛و الجمع:حجزة، و هم الظّلمة وزنا و معنى،لأنّهم يحجزون النّاس عن حقوقهم.

و حجز الرّجل:أصله و منبته،و العشيرة الّتي يحتجز بهم.

و الحجز:الفصل بين الشّيئين و بين المقاتلين،يقال:

حجز بينهما يحجز و يحجز حجزا و حجازة فاحتجزوا، و تحاجز القوم و انحجزوا و احتجزوا:تزايلوا،و الحجزة:

هيئة المحتجز.

و حجزه يحجزه و يحجزه:منعه،و حجزه عن الأمر يحجزه حجازة و حجّيزى:صرفه،و من أمثالهم:«كانت بين القوم رمّيّا ثمّ صارت إلى حجّيزى»،أي تراموا ثمّ تحاجزوا،و فيه أيضا:«إن أردت المحاجزة فقبل المناجزة»المحاجزة:الممانعة.و حجازيك:احجز بينهم حجزا بعد حجز.

2-و الحجاز:اسم ما يفصل بين الشّيئين،ثمّ سمّي به الصّقع المعروف.يقال:أحجز القوم و احتجزوا و انحجزوا،أي أتوا الحجاز.

و سمّي بذلك،لأنّ جبال السّراة-الّتي أطلق عليها الحجاز-تفصل المرتفعات(نجد)عن السّواحل المنبسطة (تهامة).و تضمّ هذه المنطقة مكّة و المدينة و جدّة و توابعها،و قد ازدهرت بفضل مكّة و المدينة؛إذ هي أراض قاحلة،سوى بعض الأراضي الخصبة في المناطق الجبليّة،و في واحة الطّائف.و يغلب على الحجاز الطّابع البدويّ،إلاّ في مدنه الكبيرة؛حيث يسكن فيها غير الأعراب أيضا.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت منها صيغة«فاعل»نكرة منصوبة مرّتين:

مرّة مفردا وصفا لما بين البحرين،و مرّة جمعا وصفا للنّاس في آيتين مكّيّتين:

1- أَمَّنْ جَعَلَ الْأَرْضَ قَراراً وَ جَعَلَ خِلالَها أَنْهاراً وَ جَعَلَ لَها رَواسِيَ وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ النّمل:61

2- فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ

الحاقّة:47

يلاحظ أوّلا:أنّ اللّه ذكر في(1)أربعا من آثار قدرته و رحمته في الأرض:جعل الأرض قرارا،و جعل خلالها أنهارا،و جعل لها رواسي-و هي الجبال-و جعل بين البحرين حاجزا،و فيها بحوث:

1-قد كرّر فيها(جعل)أربع مرّات،لكلّ واحدة منها مرّة،دون أن يكتفي منها بواحدة،تأكيدا على

ص: 63

الاهتمام بها،و تنبيها على أنّ كلّ واحدة منها منحازة عن الأخرى،في الدّلالة على كمال قدرة اللّه،وسعة رحمته و شمول نعمته.

2-لقد أتى بها خلال أربع جمل بعد أن ذكر في آية قبلها خلال أربع جمل أيضا أربعا من آثار قدرته و رحمته في خلق السّماء و الأرض،حيث قال: أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها، و هي خلق السّماوات و الأرض جميعا،و إنزال الماء من السّماء،و إنبات حدائق ذات بهجة به،و أنّهم لم يقدروا على أن ينبتوا شجرها،فالموازنة بين الآيتين حاصلة تماما،و في نفس الوقت فيهما فروق و مشتركات أخرى.

أ:فعل اللّه في الأخيرة واحد نوعا،و هو«الجعل» و في الأولى متعدّد،و هو الخلق و الإنزال و الإنبات، و تعجيز النّاس عن الإنبات.

ب:أنّ الأربعة في الأخيرة معطوف بعضها على بعض ب«الواو»في عرض واحد،و في الأولى عطف (انزل)على(خلق)ب«الواو»و عطف(انبتنا)على (انزل)ب«فاء»التّفريع،تنبيها على أنّ الإنبات نتيجة طبيعيّة للماء،متفرّعة عليه.

ج:بدّل(انبت)فعلا غائبا مفردا مماثلا لما قبله،أي (خلق)و(انزل)بصيغة(أنبتنا)فعلا متكلّما جمعا تعظيما،و تنبيها على أنّه لو لا مشيّته تعالى لما يتأتّى الإنبات عن الماء رأسا.

د:ذكر إنبات حدائق ذات بهجة و شجرها،دون إنبات الزّرع إشعارا بجمالها و تنوّعها و عظمها.

ه:و مع هذه الفروق بين الآيتين ففيهما وحدة السّياق صدرا و ذيلا بالاستفهام الإقراريّ فيهما، و بالتّوبيخ في ذيلهما،تأكيدا على التّوحيد العباديّ و الأفعاليّ،و ترغيبا للنّاس إلى الاعتراف بهما و الحذر من خلافهما؛حيث قال في الأولى: أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ و في الأخيرة: أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ.

فوبّخهم أوّلا بعدولهم جميعا عن طريق الحقّ،ثمّ بجهل أكثرهم إنصافا لهم و جريا مع الواقع،لأنّ بعضهم كانوا عالمين بالحقّ.

3-جلّ ما قالوا في«جعل ما بينهما حاجزا» يرجع إلى سبعة وجوه تفسيرا و تأويلا:

أ:جعل بين البحرين حاجزا من الأرض كالأرض الواقعة بين بحر العراق و بحر الشّام،و بين البحر الأبيض و البحر الأحمر،و ذلك لئلاّ يطغى أحدهما على الآخر،أو يختلطان،أو يختلط الماء العذب بالماء المالح،كما جاء في وَ هُوَ الَّذِي مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ هذا عَذْبٌ فُراتٌ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ وَ جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَ حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:

53،و مَرَجَ الْبَحْرَيْنِ يَلْتَقِيانِ* بَيْنَهُما بَرْزَخٌ لا يَبْغِيانِ الرّحمن:19،20،و لكن قلّ في الأرض بحر عذب،و البحار معظمها مالحة.

ب:حاجزا بين ماء البحار المالحة و بين ماء الأنهار العذبة؛حيث يلتقيان فلا يطغى أحدهما على الآخر.

ج:حجابا غير مرئيّا و قوّة خفيّة في طبيعة الماء العذب و الماء المالح،تمنع من اختلاطهما حتّى لا يفسدا لأنّ

ص: 64

الحكمة في بقاء كلّ منهما على حاله،فالعذبة يسقي الإنسان و الحيوان و النّبات،و الملحة تكون مصادر للأمطار الّتي تجري منها الأنهار،و هي وسيلة لتصفية الهواء.

د:حاجزا بين بحر السّماء-أي السّحاب و الأمطار- و بين بحر الأرض،و الحاجز بينهما الهواء.

و هذه كلّها تفسير،و أمّا التّأويل فكما يأتي:

ه:حاجزا بين بحر الإيمان و الحكمة،و بحر الطّغيان، و كلاهما في قلب المؤمن،و اللّه تعالى جعل بينهما حاجزا لكي لا يفسد أحدهما بالآخر.

و:حاجزا بين القلب و النّفس لئلاّ يغلب أحدهما صاحبه،و هذا مرجعه إلى سابقه.

ز:حاجزا بين العبوديّة و أحكامها،و الحقيقة و أحكامها،فلو غلبت العبوديّة كانت للحقيقة،و لو غلبت الحقيقة العبوديّة كانت طيّا للشّريعة.

و عندنا أنّ التّأويل باب واسع حسب اختلاف الأذواق و الاتّجاهات،و لا ضابط له و لا يحتجّ به.أمّا التّفسير فالوجه الأوّل أظهر و لا سيّما بملاحظة الآيتين في«البرزخ»فلاحظ.و كيف كان فكلمة(حاجزا) جاءت فيها في سياق المدح.

ثانيا:جاء(حاجزين)في(2)في سياق الذّمّ؛حيث قال إبطالا لقول المشركين:إنّ القرآن قول شاعر أو كاهن،و إثباتا أنّه قول رسول كريم تنزيل من ربّ العالمين: وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شاعِرٍ قَلِيلاً ما تُؤْمِنُونَ* وَ لا بِقَوْلِ كاهِنٍ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ* تَنْزِيلٌ مِنْ رَبِّ الْعالَمِينَ* وَ لَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنا بَعْضَ الْأَقاوِيلِ* لَأَخَذْنا مِنْهُ بِالْيَمِينِ* ثُمَّ لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ* فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ* وَ إِنَّهُ لَتَذْكِرَةٌ لِلْمُتَّقِينَ الحاقّة:41-48، أي إنّ محمّدا لا يتكلّف الكذب علينا من أجلكم،مع علمه بأنّه لو تكلّفه لعاقبناه و لا يقدر أحد منكم على رفع عقوبتنا عنه.و فيها بحوث:

1-جاء(حاجزين)جمعا وصفا ل(احد)،و هو مفرد،لأنّه نكرة في سياق النّفي فيفيد الجمع،أي لا تكونوا حاجزين عنه،نظير لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ البقرة:285، لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِنَ النِّساءِ الأحزاب:32.

2-الضّمير في (عَنْهُ حاجِزِينَ) راجع إلى الرّسول، دون«القتل»أو«العذاب»أو«القطع»المستفاد من لَقَطَعْنا مِنْهُ الْوَتِينَ كما قيل،فهو كضمير(منه)في (مِنْهُ الْوَتِينَ) .

3-قال الطّبرسيّ(ج 4:349)في إعراب فَما مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ عَنْهُ حاجِزِينَ: (مِنْ أَحَدٍ) في موضع رفع لأنّه اسم(ما)،و(من)زائدة لتأكيد النّفي،تقديره:

فما منكم أحد،و الأصل:فما أحد منكم.ف(منكم)في موضع رفع بكونه صفة على الموضع،أو في موضع جرّ على اللّفظ فلمّا تقدّم الموصوف صار في موضع النّصب على الحال(حاجزين)منصوب بأنّه خبر(ما)،و لم يبذل قوله:(منكم)عمل(ما)و إن فصل بينهما لأنّه ظرف، و الفصل بالظّرف في هذا الباب كلا فصل.قال أبو عليّ:

«إن جعلت(منكم)مستقرّا كان(حاجزين)صفة (احد)،و إن جعلت(منكم)غير مستقرّ كان(حاجزين) خبر(ما)،و على الوجهين فقوله:(حاجزين)محمول

ص: 65

على المعنى.و أقول في بيانه:إنّه إن كان في(منكم)ضمير ل(احد)،و يكون خبرا له متقدّما عليه،فيكون (حاجزين)صفة ل(احد)،و تقديره:ما منكم قوم حاجزين عنه،و يكون(ما)غير عاملة هنا على غير لغة تميم أيضا،و يكون(حاجزين)مجرورا حملا على اللّفظ، و كونه غير مستقرّ هو أن يكون على ما ذكرنا قبل».

و قد ذكرنا كلامه بطوله لتعرف أنّ الاستغراق في المصطلحات النّحويّة المبهمة يبعّدنا عن فهم القرآن جليّا واضحا،و لو قيل بدل ذلك:إنّ رعاية الرّويّ في الآيات غيّرت النّظم الطّبيعيّ و هو«لا تكونوا جميعا حاجزين عنه»لكان مفهوما.

ص: 66

ح د ب

اشارة

حدب

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحدبة:موضع الحدب من ظهر الأحدب؛ و الاسم:الحدبة.و قد حدب حدبا و احدودب ظهره.

و حدب فلان على فلان حدبا،أي عطف عليه و حنا،و إنّه كالوالد.

و الحدب:حدور في صبب،و من ذلك:حدب الرّيح و حدب الرّمل؛و جمعه:حداب،و منه قوله تعالى:

وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ الأنبياء:96.

و يقال للدّابّة إذا بدت حراقيفه و عظم ظهره:

حدباء و حدبير و حدبار.

و الحداب:ما ارتفع من الأرض؛الواحدة:حدبة حدبة و حدبة.[ثمّ استشهد بشعر](3:186)

أبو عمرو الشّيبانيّ: أرض حدبة:كثيرة النّصيّ، و الحدب:النّصيّ،في لغة كلب.(1:157)

الحدأ:مثل الحدب،حدئت عليه حدأ مثل حدبت عليه حدبا،أي أشفقت.(الأزهريّ 4:429)

الأصمعيّ: الحدب و الحدر:الأثر في الجلد.

(الأزهريّ 4:430)

ابن الأعرابيّ: حدبة[الماء]:كثرته و ارتفاعه.

و يقال:حدب الغدير:تحرّك الماء و أمواجه.

و المتحدّب:المتعلّق بالشّيء الملازم له.

(الأزهريّ 4:431)

شمر:حدب الماء:ما ارتفع من أمواجه.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:431)

الدّينوريّ: و الحداب:جبال بالسّراة،ينزلها بنو شبابة:قوم من بني فهم بن مالك.(ابن سيده 3:265)

ابن أبي اليمان :و الحدب:النّاحية،قال اللّه عزّ و جلّ: مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ الأنبياء:96.

(150)

ابن دريد :و الحدب:معروف،حدب يحدب حدبا.

ص: 67

و الحدب:الغلظ من الأرض في ارتفاع،و كذلك فسّر في التّنزيل.

و جمع الحدب:أحداب و حداب.

و كلّ متعطّف متحدّب.

و يقال:حدب الرّجل على الرّجل،إذ تعطّف عليه و رحمه.

و تحدّبت المرأة على ولدها،إذا أشبلت عليه و لم تتزوّج.

و رأيت للماء حدبا،إذا تراكب في جريه.

و احدودب الرّمل احديدابا،إذا احقوقف و تقوّس.

و كلّ غليظ من الأرض:محدودب.

و حدب السّيل و الماء:تراكب موجه،و منه نهر ذو حدب،إذا كان كذلك.

و الحدبدبى:لعبة يلعب بها النّبيط.[و استشهد بالشعر مرّتين](1:216)

ابن شميّل: و أمّا أحدباهما[ وظيفي الفرس]فهما عرقان.و قال بعضهم:الأحدب في الذّراع:عرق مستبطن عظم الذّراع.

الحدبة:ما أشرف من الأرض و غلظ.و لا تكون الحدبة إلاّ في قفّ أو غلظ أرض.(الأزهريّ 4:430)

ابن بزرج:يقال:اشترى الإبل في حداب على «فعال»أي في سنة حدباء،مثل فساق.

(الأزهريّ 4:431)

الأزهريّ: و الحدبة محرّكة الحروف:موضع الحدب في الظّهر النّاتئ،فالحدب دخول الصّدر و خروج الظّهر،و القعس:دخول الظّهر و خروج الصّدر.

يقال:اجتمع النّبيط يلعبون الحدبدبى،و هي لعبة لهم.

و حدب الشّتاء:شدّة برده،و سنة حدباء:شديدة.

و التّحدّب مثله.

[و قيل:]حدب السّيل:ارتفاعه.

[و قيل:]حدب الأمور:شواقّها؛واحدها:حدباء.

و سنة حدباء:شديدة،شبّهت بالدّابّة الحدباء.

[و استشهد باشعر أربع مرّات](4:429)

الصّاحب:الحدب:مصدر الأحدب،و الموضع:

الحدبة.و حدب يحدب حدبا،و احدودب ظهره.

و الحدب و النّدب:الأثر في الجلد.

و أحدب الشّيخ إحدابا،إذا حناه الكبر.

و حدب فلان على فلان يحدب عليه حدبا،إذا عطف.و والد حدب (1).[ثمّ أدام نحو الخليل و أضاف:]

و عشب له حدب،أي طول.

و سير أحدب:شديد.

و الأحدب،في الذّراع:عرق مستبطن عظم الذّراع، و هما أحدبان.

و الآلة الحدباء:الدّاهية.

و لعبة تسمّى:حدبدى و حدبدى.(3:45)

الخطّابيّ: و الحدب:نتوء الظّهر.[ثمّ استشهد بشعر](1:474)

الجوهريّ: الحدب:ما ارتفع من الأرض؛و الجمع:

الحداب...

و الحدبة:الّتي في الظّهر،و قد حدب ظهره فهوة.

ص: 68


1- الظّاهر:حدب،كما في كتب اللّغة.

حدب،و احدودب مثله.

و أحدبه اللّه،فهو رجل أحدب بيّن الحدب.

و ناقة حدباء،إذا بدت حراقفها.يقال:هنّ حدب حدابير.

و يقال أيضا:حدب عليه و تحدّب عليه،أي تعطّف عليه.(1:108)

ابن فارس: الحاء و الدّال و الباء أصل واحد،و هو ارتفاع الشّيء؛فالحدب:ما ارتفع من الأرض.

و الحدب في الظّهر،يقال:حدب و احدودب.

و ناقة حدباء،إذا بدت حراقفها،و كذلك الحدبار، يقال:هنّ حدب حدابير.

فأمّا قولهم:حدب عليه،إذا عطف و أشفق،فهو من هذا،لأنّه كأنّه جنأ عليه من الإشفاق،و ذلك شبيه بالحدب.(2:36)

ابن سيده: الحدب:خروج الظّهر و دخول الصّدر و البطن.

رجل أحدب و حدب؛الأخيرة عن سيبويه.

و قد حدب حدبا و احدودب و تحادب.

و اسم العجزة:الحدبة،و اسم الموضع:الحدبة أيضا.

و حالة حدباء:لا تطمئنّ بصاحبها،كأنّ لها حدبة.

و الحدب:حدور في صبب كحدب الرّيح و الرّمل،و في التّنزيل: وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ الأنبياء:96، و الجمع:أحداب و حداب.

و الحدب:الغلظ من الأرض في ارتفاع.

و حدب الماء:موجه،و قيل:هو تراكبه في جريه.

و احدودب الرّمل:احقوقف.

و حدب عليه حدبا فهو حدب و تحدّب:تعطّف.

و حدبت المرأة على ولدها و تحدّبت:لم تتزوّج و أشبلت عليهم.

و المتحدّب:المتعلّق بالشّيء الملازم له.

و الحدباء:الدّابّة الّتي بدت حراقفها و عظم ظهرها.

و وسيق أحدب:سريع.

و الأحدب:الشّدّة.

و الحداب:موضع.

و الحديبيّة:موضع،و قيل:بئر سمّي المكان بها، و بعضهم يقول:الحديبية بالتّخفيف.

و الحدبدبى:لعبة للنّبيط.

[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](3:264)

الطّوسيّ: و الحدبة:خروج الظّهر،يقال:رجل أحدب إذا احدودب كبرا.(7:279)

الرّاغب: يجوز أن يكون الأصل في الحدب:حدب الظّهر،يقال:حدب الرّجل حدبا فهو أحدب و احدودب،و ناقة حدباء تشبيها به،ثمّ شبّه به ما ارتفع من ظهر الأرض،فسمّي حدبا.(110)

الزّمخشريّ: حدب ظهره و احدودب،و في ظهره حدبة.

و من المجاز:نزلوا في حدب من الأرض و حدبة،و هو النّشز و ما أشرف منها، وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ و نزلوا في الحداب.

و حدب عليه و تحدّب:تعطّف،و هو حدب على أخيه،و فيه ما شئت من العطف و الحدب على حفدة العلم و الأدب.

ص: 69

و ناقة حدباء حدبار:بدت حراقفها من الهزال، و نوق حدب حدابير،ضمّ إلى حروف الحدب حرف رابع،فركّب منها رباعيّ.

و في كلام عليّ رضي اللّه عنه:«اعتكرت علينا حدابير السّنين».

و حملوه على الآلة الحدباء،و هي النّعش.

و جاء حدب السّيل بالغثاء،و هو ارتفاعه و كثرته.

و انظر إلى حدب الرّمل،و هو ما جاءت به الرّيح فارتفع.

و أمر أحدب:شاقّ المركب،و خطّة حدباء و أمور حدب.و سنة حدباء:شديدة باردة،و أصابنا حدب الشّتاء.[و استشهد بالشّعر أربع مرّات]

(أساس البلاغة:75

الطّبرسيّ: الحدب:الارتفاع من الأرض بين الانخفاض،و الحدبة:خروج الظّهر و رجل أحدب.(4:63)

المدينيّ: في حديث قيلة:«كانت لها ابنة حديباء»الحدب:ما ارتفع و غلظ من الظّهر،و صاحبه:

أحدب،و المرأة:حدباء،و تصغيره:حديباء،و قد حدب،إذا ارتفع من ظهره هنة.

و الحدب أيضا:ما ارتفع من الأرض.(1:410)

ابن الأثير: و منه حديث يأجوج و مأجوج وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ يريد يظهرون من غليظ الأرض و مرتفعها؛و جمعه:حداب.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:349)

الفيّوميّ: الحدب بفتحتين:ما ارتفع عن الأرض، قال تعالى: وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ.

و منه قيل:حدب الإنسان حدبا،من باب«تعب» إذا خرج ظهره و ارتفع عن الاستواء؛فالرّجل:أحدب، و المرأة:حدباء؛و الجمع:حدب،مثل أحمر و حمراء و حمر.

و الحديبية:بئر بقرب مكّة على طريق جدّة دون مرحلة،ثمّ أطلق على الموضع.و يقال:بعضه في الحلّ و بعضه في الحرم،و هو أبعد أطراف الحرم عن البيت.

و نقل الزّمخشريّ عن الواقديّ: أنّها على تسعة أميال من المسجد،و قال أبو العبّاس أحمد الطّبريّ في كتاب«دلائل القبلة»:حدّ الحرم من طريق المدينة ثلاثة أميال و من طريق جدّة عشرة أميال و من طريق الطّائف سبعة أميال و من طريق اليمن سبعة أميال و من طريق العراق سبعة أميال.

قال في«المحكم»:فيها التّثقيل و التّخفيف،و لم أر التّثقيل لغيره و أهل الحجاز يخفّفون.قال الطّرطوشيّ في قوله تعالى: إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً: هو صلح الحديبية،قال:و هي بالتّخفيف.و قال أحمد بن يحيى:

لا يجوز فيها غيره،و هذا هو المنقول عن الشّافعيّ.

و قال السّهيليّ: التّخفيف أعرف عند أهل العربيّة، قال:و قال أبو جعفر النّحّاس:سألت كلّ من لقيت ممّن أثق بعلمه من أهل العربيّة عن الحديبية،فلم يختلفوا عليّ في أنّها مخفّفة.و نقل البكريّ التّخفيف عن الأصمعيّ أيضا.

و أشار بعضهم إلى أنّ التّثقيل لم يسمع من فصيح، و وجهه أنّ التّثقيل لا يكون إلاّ في المنسوب،نحو:

الإسكندريّة فإنّها منسوبة إلى الإسكندر.و أمّا الحديبية

ص: 70

فلا يعقل فيها النّسبة،و ياء النّسب في غير منسوب قليل،و مع قلّته فموقوف على السّماع.

و القياس أن يكون أصلها:حدباة بألف الإلحاق ببنات الأربعة،فلمّا صغّرت انقلبت الألف ياء و قيل:

حديبية.و يشهد لصحّة هذا قولهم:لييلية بالتّصغير،و لم يرد لها مكبّر،فقدّره الأئمّة«ليلاة»لأنّ المصغّر فرع المكبّر،و يمتنع وجود فرع بدون أصله،فقدّر أصله ليجري على سنن الباب.

و مثله ممّا سمع مصغّرا دون مكبّره قالوا في تصغير غلمة و صبية:أغيلمة (1)و أصيبية،فقدّروا أصله:أغلمة و أصبية،و لم ينطقوا به لما ذكرت،فافهمه فلا محيد عنه.

و قد تكلّمت العرب بأسماء مصغّرة و لم يتكلّموا بمكبّرها،و نقل الزّجّاجيّ عن ابن قتيبة أنّها أربعون اسما.(1:123)

الفيروزآباديّ: الحدب محرّكة:خروج الظّهر و دخول الصّدر و البطن؛حدب كفرح و أحدب و احدودب و تحادب،و هو أحدب و حدب،و حدور في صبب كحدب الموج و الرّمل،و الغلظ المرتفع من الأرض،و من الماء:تراكبه في جريه،و الأثر في الجلد، و نبت أو النّصيّ.

و أرض حدبة:كثيرته،و ما تناثر من البهمى فتراكم،و من الشّتاء:شدّة برده.

و احدودب الرّمل:احقوقف.

و حدب الأمور:شواقّها؛واحدتها:حدباء.

و الأحدب:عرق مستبطن عظم الذّراع،و جبل لفزارة بمكّة حرسها اللّه تعالى و الشّدّة.

و الأحيدب:جبل بالرّوم.

و حداب كقطام:السّنة المجدبة،و موضع؛و يعرب.

و ككتاب:موضع بحزن بني يربوع له يوم،و جبال بالسّراة.

و الحديبية كدويهية و قد تشدّد:بئر قرب مكّة حرسها اللّه تعالى،أو لشجرة حدباء كانت هناك.

و الحديباء:ماء لجذيمة.

و تحدّب به:تعلّق،و عليه:تعطّف،و المرأة:لم تتزوّج و أشبلت على ولدها كحدب بالكسر فيهما.

و الحدباء:الدّابّة بدت حراقفها.

و حدبدبى:لعبة للنّبيط.(1:54)

الطّريحيّ: [نحو الفيّوميّ و أضاف:]

و حدب عليه،إذا عطف.و أحد بهم على المسلمين:

أعطفهم و أشفقهم.

و في حديث البعوضة:«يعلم اللّه تعالى منها موضع النّشء و العقل و الشّهوة للسّفاد و الحدب على نسلها» أي التّعطّف و التّحنّن،فسبحانه من عليم خبير.

و آلة الحدباء:النّعش.[ثمّ استشهد بشعر](2:36)

محمّد إسماعيل إبراهيم:الحدب:معناه نتوء في الظّهر،ثمّ أطلق على كلّ مرتفع و لو من الأرض،مثل الجبل أو الأكمة أو الهضبة.(125)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ«الحدب»هو الارتفاعّ.

ص: 71


1- في القاموس:الغلام جمعه:أغلمة و غلمة و غلمان. و الصّبيّ جمعه:أصبية و أصب و صبوة و صبية و صبية و صبوان و صبيان و تضمّ هذه الثّلاثة-اه فلا وجه لإنكار مكبّر أغيلمة و أصيبية!و قد ذكرهما«صاحب القاموس»أوّل الجموع لكلّ من الغلام و الصّبيّ.

إذا كان أطرافه في حدور و إشراف إلى الانخفاض، و لا يقال لكلّ ارتفاع:حدب.

...وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، أي من كلّ موضع مرتفع مشرف إلى الانخفاض يسرعون، فلا يكون الارتفاع حاجزا بينهم و بين سيرهم و حركتهم،و في هذا التّعبير إشارة أيضا إلى حدّة سيرهم و سرعتهم،و إلى تسلّطهم و إحاطتهم.(2:187)

النّصوص التّفسيريّة

حدب

حَتّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ الأنبياء:96

ابن مسعود:من كلّ نشز من الأرض.

(الطّبرسيّ 4:64)

ابن عبّاس: من كلّ أكمة و مكان مرتفع.(275)

نحوه الفرّاء.(2:211)

من كلّ شرف يقبلون.(الطّبريّ 17:91)

إنّه فجاجها و أطرافها.(الماورديّ 3:471)

قتادة :من كلّ أكمة.(الطّبريّ 17:91)

ابن زيد :الحدب:الشّيء المشرف.

(الطّبريّ 17:91)

ابن قتيبة :أي من كلّ نشز من الأرض و أكمة.

(288)

الطّبريّ: يعني من كلّ شرف و نشز و أكمة.

(17:91)

الزّجّاج: و رويت أيضا (من كلّ جدث ينسلون) بالجيم و الثّاء،و الأجود في هذا الحرف حَدَبٍ يَنْسِلُونَ بالحاء،و الحدب:كلّ أكمة.(3:405)

الماورديّ: و في حدب الأرض ثلاثة أوجه:

أحدها:[قول ابن عبّاس الأخير]

و الثّاني:حولها.

و الثّالث:تلاعها و آكامها،مأخوذ من حدبة الظّهر.

(3:471)

الطّوسيّ: قال قتادة:الحدب:الأكم،و قيل:هو الارتفاع من الأرض بين الانخفاض،و معناهما واحد.

(7:279)

الواحديّ: الحدب:كلّ أكمة مرتفعة من الأرض، و المعنى و هم من كلّ شيء من الأرض يسرعون،يعني أنّهم يتفرّقون في الأرض،فلا ترى أكمة إلاّ و قوم منهم يهبطون منها مسرعين.(3:252)

نحوه الطّبرسيّ.(4:64)

البغويّ: أي نشز و تلّ،و الحدب:المكان المرتفع.

(3:317)

نحوه الميبديّ(6:306)،و البروسويّ(5:522).

الزّمخشريّ: الحدب:النشز من الأرض.قرأ ابن عبّاس رضي اللّه عنه (من كلّ جدث) و هو القبر،الثّاء حجازيّة و الباء تميميّة.(2:584)

نحوه البيضاويّ.(2:81)

الطّبرسيّ: يعني أنّهم يتفرّقون في الأرض، فلا ترى أكمة إلاّ و قوم منهم يهبطون منها مسرعين.

و قيل:إنّ قوله:(هم)كناية عن الخلق يخرجون من

ص: 72

قبورهم إلى الحشر،عن مجاهد.و كان يقرأ (من كلّ جدث) يعني القبر،و يدلّ عليه قوله: فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ يس:51.(4:64)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فحشو في أثناء الكلام...و الحدب:

النّشز من الأرض،و منه حدبة الأرض،و منه حدبة الظّهر.(22:222)

القرطبيّ: أي لكثرتهم ينسلون من كلّ ناحية.

(11:341)

النّسفيّ: نشز من الأرض،أي ارتفاع.(3:89)

نحوه أبو السّعود.(4:357)

الشّربينيّ: أي نشز عال من الأرض.(2:530)

الآلوسيّ: أي مرتفع من الأرض كجبل و أكمة.

و قرأ ابن عبّاس (جدث) بالجيم و الثّاء المثلّثة و هو القبر، و هذه القراءة تؤيّد رجوع الضّمير إلى النّاس.

و قرئ بالجيم و الفاء،و هي بدل«الثّاء»عند تميم، و لا يختصّ إبدالها عندهم في آخر الكلمة،فإنّهم يقولون:

مغثور مكان مغفور.(17:92)

عبد الكريم الخطيب :و الحدب:المكان المرتفع، و منه الأحدب الّذي برز ظهره،و علا،ثمّ انحنى.

(9:954)

مكارم الشّيرازيّ: الحدب على زنة«الأدب» معناه ما ارتفع من الأرض بين منخفضاتها،و قد يطلق على ما ارتفع و برز من ظهر الإنسان أيضا.(10:219)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحدب،و هو ما ارتفع من ظهر الإنسان.يقال:حدب ظهره يحدب حدبا،فهو أحدب و حدب،و احدودب ظهره و تحادب،و أحدبه اللّه.

و الحدباء:الدّابّة الّتي بدت حراقفها و عظم ظهرها.

يقال:ناقة حدباء و حدبير و حدبار،و هنّ حدب و حدابير.

و الحدبة أيضا:ما أشرف من الأرض و غلظ و ارتفع،و هو تشبيه بحدبة الظّهر.

و الحدب:حدور في صبب كحدب الرّيح و الرّمل؛ و الجمع:أحداب و حداب.يقال:احدودب الرّمل:

احقوقف،أي استطال و اعوجّ،كاحقيقاف الظّهر و اعوجاجه.و حدب الماء:ما ارتفع من موجه،و حدب السّيل:ارتفاعه،و حدب الغدير:كثرته و ارتفاعه، و حدب البهمى:ما تناثر منه فركب بعضه بعضا،كحدب الرّمل،و نهر ذو حدب:متراكب الموج.

و الحدب:الإشفاق،يقال:حدب فلان على فلان يحدب حدبا فهو حدب،و حدبت المرأة على ولدها و تحدّبت:لم تتزوّج و أشبلت عليهم،و تحدّب:تعطّف و حنا عليه.يقال:هو له كالوالد الحدب،و هذا من الباب، فكأنّه جنأ عليه من الإشفاق،و ذلك شبيه بالحدب.

و سنة حدباء:شديدة،شبّهت بالدّابّة الحدباء؛ و الجمع:حدب،و حدب الأمور:شواقّها،و أمر أحدب:

ص: 73

شاقّ،و حدب الشّتاء:شدّة برده.

2-و لعلّ بعض مشتقّات«الحدر»دخلت هذه المادّة خطأ أو تصحيفا،كقول بعضهم:الحدب و الحدر:الأثر في الجلد،و الأظهر الحدر وحده دون الحدب.يقال منه:

حدر جلده عن الضّرب يحدر و يحدر حدرا و حدورا، أي غلظ و انتفخ و ورم.

و قيل:و سيق أحدب،و لعلّه الحدر،أي الإسراع في القراءة،يقال:حدر في قراءته و في أذانه حدرا،أي أسرع.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد(حدب)في سورة مكّيّة:

حَتّى إِذا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَ مَأْجُوجُ وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ الأنبياء:96

يلاحظ أنّهم قالوا في كُلِّ حَدَبٍ: كلّ نشز من الأرض،كلّ أكمة و مكان مرتفع،كلّ شرف،و جمع الطّبريّ بينها فقال:من كلّ شرف،و نشز،و أكمة.و قال الطّوسيّ:و قيل:هو الارتفاع من الأرض بين الانخفاض.و ذكر الماورديّ فيه ثلاثة أوجه:أكمة منها، حولها،تلاعها و آكامها،و معناها واحد أو قريب،و فيها بحوث:

1-في تفسيرها،قال الطّبرسيّ ج 4:64:أي و هم -يريد يأجوج و مأجوج-من كلّ نشز من الأرض يسرعون،عن قتادة،و ابن مسعود،و الجبّائيّ،و أبي مسلم،يعني أنّهم يتفرّقون في الأرض فلا ترى أكمة إلاّ و قوم منهم يهبطون منها مسرعين.و قيل:إنّ قوله:

(هم)كناية عن الخلق يخرجون من قبورهم إلى الحشر، عن مجاهد،و كان يقرأ (من كلّ جدث) يعني القبر،و يدلّ عليه قوله: فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ يس:51.

2-و عليه فضمير(هم)يحتمل رجوعه إلى يأجوج و مأجوج،أو إلى أهل قرية أهلكهم اللّه في آية قبلها، و يؤيّده قراءة (جدث) و لكن سياق الكلام يناسب الأوّل،لظهور«الحدب»في ما على الأرض من الارتفاع و الانخفاض،دون الحشر،و لهذا قال القرطبيّ:أي لكثرتهم ينسلون من كلّ ناحية،و إن جاء(ينسلون)في الحشر أيضا في آية يس.

3-القراءة المشهورة (حدب) بالحاء و الباء،و قرئ (جدث) بالجيم و الثّاء-كما سبق-و قرئ (جدف) بالجيم و الفاء،و هي بدل«الثّاء»عند تميم،فهي يوافق المعنى الثّاني.

4-قال الفخر الرّازيّ ج 22 ص 222: حَتّى إِذا فُتِحَتْ المعنى فتح سدّ يأجوج و مأجوج فحذف المضاف و أدخلت علامة التّأنيث في(فتحت)لمّا حذف المضاف،لأنّ يأجوج و مأجوج مؤنّثان بمنزلة القبيلتين، و قيل:حتّى إذا فتحت جهة يأجوج.

5-و قال أيضا:«و أمّا قوله تعالى: وَ هُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ فحشو في أثناء الكلام،و المعنى إذا فتحت يأجوج و اقترب الوعد،الحقّ شخّصت أبصار الّذين كفروا»و عليه فذكر فتح يأجوج و مأجوج إلى (ينسلون)لأنّه كما جاء في الرّوايات من أعلام القيامة، و أنّ ما بعدها متّصل بما قبلها.

ص: 74

ح د ث

اشارة

11 لفظا،36 مرّة:26 مكّيّة،10 مدنيّة

في 28 سورة:22 مكّيّة،6 مدنيّة

حديث 12:10-2 يحدث 2:1-1

الحديث 6:5-1 محدث 2:2

حديثا 5:1-4 تحدّث 1:-1

أحاديث 2:2 أ تحدّثونهم 1:-1

الأحاديث 3:3 فحدّث 1:1

أحدث:1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :يقال:صار فلان أحدوثة،أي كثّروا فيه الأحاديث.

و شابّ حدث،و شابّة حدثة:فتيّة في السّنّ.

و الحدث:من أحداث الدّهر شبه النّازلة.

و الأحدوثة:الحديث نفسه.

و الحديث:الجديد من الأشياء.

و رجل حدث:كثير الحديث.

و الحدث:الإبداء.(3:177)

أبو عمرو الشّيبانيّ: و المحدث:الرّبّى.

(1:172)

و المحدث:المطفل الحديثة النّتاج.(1:211)

يقال:أتيته في ربّى شبابه و ربّان شبابه،و حدثى شبابه و حديث شبابه و حدثان شبابه،بمعنى واحد.

(الأزهريّ 4:406)

الفرّاء: يقولون:أهلكنا الحدثان،و أمّا حدثان الشّباب فبكسر الحاء و سكون الدّال.

(الأزهريّ 4:406)

نرى أنّ واحد الأحاديث:أحدوثة،ثمّ جعلوه جمعا للحديث.(الجوهريّ 1:278)

الأصمعيّ: و العرب تقول:أخذني ما قدم و ما حدث،بضمّ الدّال من«حدث»أتبعوه«قدم» و الأصل فيه:حدث.(الأزهريّ 4:406)

ص: 75

اللّحيانيّ: رجل حدث و حدث،إذا كان حسن الحديث.(الأزهريّ 4:405)

ابن الأعرابيّ: رجل حدث و حدث و حدّيث و محدّث بمعنى واحد.

الحدثان:الفأس،و جمعه:حدثان.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:405)

الحدث في الوعل،فإذا كان الوعل حدثا فهو صدع.

(ابن سيده 3:253)

ابن السّكّيت:يقال:هو تبع نساء،و طلب نساء، و خلب نساء،و حدث نساء.(540)

[يقال:رجل]حدث و حدث،إذا كان كثير الحديث حسن السّياق له.(إصلاح المنطق:99)

تقول:هذا رجل حدث و حدث،إذا كان حسن الحديث.و رجل حدّيث:كثير الحديث.

و يقال:هو حدث ملوك،إذا كان صاحب حديثهم و سمرهم.

و تقول:هذا رجل حدث،و هو رجل حديث السّنّ، و هم غلمان حدثان السّنّ.

و يقال:هل حدث أمر؟

و يقال:أخذه ما قدم و ما حدث.

(إصلاح المنطق:329)

المبرّد: كان الحسن يقول:«حادثوا هذه القلوب، فإنّها سريعة الدّثور»...قوله:«حادثوا»مثل،و معناه اجلوا و اشحذوا،تقول العرب:حادث فلان سيفه،إذا جلاه و شحذه.[ثمّ استشهد بشعر](1:123)

ثعلب :تركت البلاد تحدّث،أي تسمع فيها دويّا.

(ابن سيده 3:254)

الزّجّاج: حدثت الدّابّة في السّفر و أحدثتها،إذا أهزلتها،و كذلك حدث الرّجل نفسه و أحدثها،إذا أتعبها و أذابها.و روي في الحديث:«فما فعلت نواضحكم؟قالوا:

حدثناها يوم بدر»،أي أهزلناها.(فعلت و أفعلت:11)

الأزهريّ: و الحديث:ما يحدّث به المحدّث تحديثا.

و رجل حدث أي كثير الحديث.

و الأحاديث في الفقه و غيره:معروفة؛واحدة الأحاديث:أحدوثة.

[و قيل:]حدثان الدّهر:حوادثه،و ربّما أنّثت العرب الحدثان،يذهبون به إلى الحوادث.

[و قيل:]يقال:هؤلاء قوم حدثان:جمع حدث،و هو الفتيّ السّنّ.

و يقال:أحدث الرّجل،إذا صلّع أو فصّع أو خضف، أيّ ذلك فعل فهو محدث.و أحدث الرّجل و أحدثت المرأة،إذا زنيا،يكنّى بالأحداث عن الزّنى.

و محدثات الأمور:ما ابتدعه أهل الأهواء من الأشياء الّتي كان السّلف الصّالح على غيرها.

و قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«كلّ محدث بدعة،و كلّ بدعة ضلالة».

و يقال:فلان حدث نساء،كقولك:تبع نساء وزير نساء.

و يقال:أحدث الرّجل سيفه و حادثه،إذا جلاه.

و روي عن الحسن أنّه قال:«حادثوا هذه القلوب فإنّها سريعة الدّثور»معناه اجلوها بالمواعظ و شوّقوها حتّى تنفوا عنها الطّبع و الصّدأ الّذي تراكب عليها من الذّنوب.[و استشهد بالشّعر مرّتين](4:405)

ص: 76

1Lالصّاحب: الحدث و الحدثان:من أحداث الدّهر شبه النّازلة و هو أيضا:الإبداء،و الفعل:أحدث.

و الحديث:معروف،حدّث يحدّث.

و صار فلان أحدوثة:أكثروا فيه الأحاديث.

و رجل حدث و حدث:كثير الأحاديث،و حدّيث:

جيّد السّياق لها،و حدّيث:يزيّن الحديث،و محدّث:

يرى الرّأي فيكون كما رأى.

و الحديث من الأشياء:المحدث.و حدث الشّيء.

و استحدثت أمرا.

و شابّ حدث،و شابّة حدثة،و قوم حدثان.

و الحدثان:مصدر الشّيء الحديث.

و الأحاديث من الفقه و نحوه:معروفة.

و أحدث الشّيء:أبدعه،و استحدثه:مثله.

و هذا حدثان ما فعل هذا،أي جعله حديثا.

و ناقة محدث:حديثة النّتاج.

و الحدثان:الفأس.(3:33)

الجوهريّ: الحديث:نقيض القديم،يقال:أخذني ما قدم و ما حدث.لا يضمّ«حدث»في شيء من الكلام إلاّ في هذا الموضع،و ذلك لمكان«قدم»على الازدواج.

و الحديث:الخبر،يأتي على القليل و الكثير؛و يجمع على:أحاديث على غير قياس.

و الحدوث:كون شيء لم يكن.

و أحدثه اللّه فحدث،و حدث أمر،أي وقع.

و الحدث و الحدثى و الحادثة و الحدثان،كلّها بمعنى.

و أحدث الرّجل،من الحدث.

و استحدثت خبرا،أي وجدت خبرا جديدا.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل حدث،أي شابّ.فإن ذكرت السّنّ قلت:

حديث السّنّ.

و هؤلاء غلمان حدثان،أي أحداث.

و المحادثة،و التّحدّث،و التّحادث،و التّحديث:

معروفات.

و محادثة السّيف:جلاؤه.

و رجل حدث و حدث بضمّ الدّال و كسرها،أي حسن الحديث.

و رجل حدّيث مثال فسّيق،أي كثير الحديث.

و تقول:سمعت حدّيثى حسنة،مثل خطّيبى.

و الأحدوثة:ما يتحدّث به و رجل حدث ملوك، بكسر الحاء،إذا كان صاحب حديثهم و سمرهم.و حدث نساء،يتحدّث إليهنّ.

و تقول:افعل ذلك الأمر بحدثانه و بحداثته،أي في أوّله و طراءته.

و يقال للرّجل الصّادق الظّنّ:محدّث،بفتح الدّال مشدّدة.(1:278)

ابن فارس: الحاء و الدّال و الثّاء أصل واحد،و هو كون الشّيء لم يكن.يقال:حدث أمر بعد أن لم يكن.

و الرّجل الحدث:الطّريّ السّنّ.و الحديث من هذا، لأنّه كلام يحدث منه الشّيء بعد الشّيء.

و رجل حدث:حسن الحديث.و رجل حدث نساء، إذا كان يتحدّث إليهنّ.

و يقال:هذه حدّيثى حسنة،كخطّيبى،يراد به الحديث.(2:36)

ص: 77

أبو هلال:الفرق بين الخبر و بين الحديث:أنّ الخبر هو القول الّذي يصحّ وصفه بالصّدق و الكذب،و يكون الإخبار به عن نفسك و عن غيرك،و أصله:أن يكون الإخبار به عن غيرك و ما به صار الخبر خبرا هو معنى غير صيغته،لأنّه يكون على صيغة ما ليس بخبر،كقولك:

رحم اللّه زيدا،و المعنى اللّهمّ ارحم زيدا.

و الحديث في الأصل:هو ما تخبر به عن نفسك من غير أن تسنده إلى غيرك،و سمّي حديثا لأنّه لا تقدّم له، و إنّما هو شيء حدث لك فحدّثت به.ثمّ كثر استعمال اللّفظين حتّى سمّي كلّ واحد منهما باسم الآخر،فقيل للحديث:خبر و للخبر:حديث،و يدلّ على صحّة ما قلنا إنّه يقال:فلان يحدّث عن نفسه بكذا و هو حديث النّفس،و لا يقال:مخبر عن نفسه و لا هو خبر النّفس.

و اختار مشايخنا قولهم:إن سأل سائل فقال:

أخبروني،و لم يختاروا:حدّثوني،لأنّ السّؤال استخبار و المجيب مخبر.و يجوز أن يقال:إنّ الحديث ما كان خبرين فصاعدا إذا كان كلّ واحد منهما متعلّقا بالآخر، فقولنا:رأيت زيدا خبر،و رأيت زيدا منطلقا حديث،و كذلك قولك:رأيت زيدا و عمرا حديث،مع كونه خبرا.

(28)

الفرق بين القصص و الحديث:أنّ القصص ما كان طويلا من الأحاديث،متحدّثا به عن سلف،و منه قوله تعالى: نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ أَحْسَنَ الْقَصَصِ يوسف:3، و قال: وَ كُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ هود:

120،و لا يقال للّه:قاصّ،لأنّ الوصف بذلك قد صار علما لمن يتخذ القصص صناعة.

و أصل القصص في العربيّة:اتّباع الشّيء بالشّيء، و منه قوله تعالى: وَ قالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ القصص:11، و سمّي الخبر الطّويل قصصا،لأنّ بعضه يتبع بعضا حتّى يطول،و إذا استطال السّامع الحديث قال:هذا قصص.

و الحديث يكون عمّن سلف و عمّن حضر،و يكون طويلا و قصيرا.و يجوز أن يقال:القصص هو الخبر عن الأمور الّتي يتلو بعضها بعضا،و الحديث يكون عن ذلك و عن غيره.

و القصّ:قطع يستطيل و يتبع بعضه بعضا،مثل قصّ الثّوب بالمقصّ و قصّ الجناح و ما أشبه ذلك.و هذه قصّة الرّجل،يعني الخبر عن مجموع أمره،و سمّيت قصّة لأنّها يتبع بعضها بعضا،حتّى تحتوي على جميع أمره.(29)

الفرق بين الحدوث و الإحداث:إنّ الإحداث و المحدث يقتضيان محدثا من جهة اللّفظ،و ليس كذلك الحدوث و الحادث،و ليس الحدوث و الإحداث شيئا غير المحدث و الحادث،و إنّما يقال ذلك على التّقدير.

و شبّه بعضهم ذلك بالسّراب،و قال:هو اسم لا مسمّى له على الحقيقة،و ليس الأمر كذلك،لأنّ السّراب سبخة تطلع عليه الشّمس فتبرق فيحسب ماء، فالسّراب على الحقيقة شيء إلاّ أنّه متصوّر بصورة غيره،و ليس الحدوث و الإحداث كذلك.

الفرق بين المحدث و المفعول:أنّ أهل اللّغة يقولون لما قرب حدوثه:محدث و حديث،يقال:بناء محدث و حديث،و ثمر حديث،و غلام حديث،أي قريب الوجود،و يقولون لما قرب وجوده أو بعد:مفعول.

و المحدث و المفعول في استعمال المتكلّمين واحد.(108)

ص: 78

الثّعالبيّ: حدثان الأمر:أوّله.(55)

ابن سيده: الحدوث:نقيض القدمة.حدث الشّيء يحدث حدوثا و حداثة،و أحدثه هو.فهو محدث و حديث،و كذلك استحدثه.

و أخذني من ذلك ما قدم و حدث،و لا يقال:

«حدث»بالضّمّ إلاّ مع«قدم»كأنّه إتباع،و مثله كثير.

و كان ذلك في حدثان أمر كذا،أي في حدوثه.

و أخذ الأمر بحدثانه و حداثته،أي بأوّله و ابتدائه.

و حدثان الدّهر و حوادثه:نوبه و ما يحدث منه؛ واحدها:حادث،و كذلك أحداثه؛واحدها:حدث.

و الأحداث:الأمطار الحادثة في أوّل السّنة.

و الحدثان:الفأس،أراه على التّشبيه بحدثان الدّهر، و لم يقله أحد.

و سمّى سيبويه المصدر:حدثا،لأنّ المصادر كلّها أعراض حادثة،و كسّره على أحداث،قال:فأمّا الأفعال فأمثلة أخذت من أحداث الأسماء.

و رجل حدث السّنّ و حديثها،بيّن الحداثة و الحدوثة،و رجال أحداث السّنّ و حدثانها و حدثاؤها.

و كلّ فتيّ من النّاس و الدّوابّ و الإبل:حدث؛ و الأنثى:حدثة.و استعمل ابن الأعرابيّ«الحدث»في الوعل،فقال:إذا كان الوعل حدثا فهو صدع.

و الحديث:الجديد من الأشياء.

و الحديث:الخبر؛و الجمع:أحاديث كقطيع و أقاطيع، و هو شاذّ.و قد قالوا في جمعه:حدثان و حدثان،و هو قليل.

و قد حدّثه الحديث و حدّثه به.و قول سيبويه في تعليل قولهم:«لا تأتيني فتحدّثني»،كأنّك قلت:ليس يكون منك إتيان فحديث،إنّما أراد:فتحديث،فوضع الاسم موضع المصدر،لأنّ مصدر حدّث إنّما هو التّحديث،فأمّا الحديث فليس بمصدر.

و قوله تعالى: وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ الضّحى:11،أي بلّغ ما أرسلت به،و حدّث بالنّبوّة الّتي آتاك اللّه و هي أجلّ النّعم.

و سمعت حدّيثى حسنة،أي حديثا.

و الأحدوثة:ما حدّث به.

و رجل حدث و حدث و حدث و حدّيث:كثير الحديث حسن السّياق له،كلّ هذا على النّسب و نحوه.

و فلان حدثك،أي محدّثك،و القوم يتحادثون و يتحدّثون.

و الحدث:الإبداء،و قد أحدث.

و الحدث مثل الوليّ (1).و أرض محدوثة:أصابها الحدث.

و الحدث:موضع متّصل ببلاد الرّوم،مؤنّثة.

و حدث الرّقاق-و يروى بالجيم-موضع بالشّام.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:252)

الطّوسيّ: و الإحداث حقيقة:إيجاد الشّيء بعد أن لم يكن موجودا(1:131)

و الفرق بين حديث القرآن و آياته:أنّ حديثه قصص تستخرج منه عبر،تدلّ على الحقّ من الباطل.

و الآيات هي الأدلّة الّتي تفصل بين الصّحيح و الفاسد، فهو مصروف في الأمرين ليسلك النّاظر فيه الطّريقين،لما».

ص: 79


1- هكذا ضبط في«اللّسان».

له في كلّ واحد منهما من الفائدة،في القطع بأحد الحالين في أمور الدّين.(9:249)

الرّاغب: الحدوث:كون الشّيء بعد أن لم يكن، عرضا كان ذلك أو جوهرا،و إحداثه:إيجاده،و إحداث الجواهر ليس إلاّ للّه تعالى.

و المحدث:ما أوجد بعد أن لم يكن؛و ذلك إمّا في ذاته أو إحداثه عند من حصل عنده،نحو:أحدثت ملكا...

و يقال لكلّ ما قرب عهده:محدث فعلا كان أو مقالا.

و كلّ كلام يبلغ الإنسان من جهة السّمع أو الوحي في يقظته أو منامه،يقال له:حديث.[ثمّ ذكر الآيات]

و الحديث:الطّريّ من الثّمار.

و رجل حدوث:حسن الحديث،و هو حدث النّساء، أي محادثهنّ،و حادثته و حدّثته و تحادثوا،و صار أحدوثة.

رجل حدث و حديث السّنّ بمعنى.

و الحادثة:النّازلة العارضة؛و جمعها:حوادث.

(110)

الزّمخشريّ: هو حدث من الأحداث و حديث السّنّ.

و نزلت به حوادث الدّهر و أحداثه،و من ينجو من الحدثان؟

و كان ذلك في حدثان أمره.

و أحدث الشّيء و استحدثه.

و استحدث الأمير قرية و قناة،و استحدثوا منه خبرا،أي استفادوا منه خبرا حديثا جديدا.

و أخذه ما قدم و حدث.

و حدّثه بكذا،و تحدّثوا به،و هو يتحدّث إلى فلانة، و حادث صاحبه و هو حديثه،كقولك:سميره.

و هو حدث ملوك،و حدث نساء:يتحدّث إليهم.

و رجل حدث و حدث:حسن الحديث،و حدّيث:

كثير الحديث.

و سمعت منه أحدوثة مليحة،و له أحاديث ملاح.

و هذه حدّيثى حسنة مثل خطّيبى،و هو من حدّاثه.

[ثمّ استشهد بالشّعر أربع مرّات]

و من المجاز:صاروا أحاديث.(أساس البلاغة:75)

[في حديث]الحسن رحمه اللّه:«حادثوا هذه القلوب بذكر اللّه،فإنّها سريعة الدّثور،و اقدعوا هذه الأنفس فإنّها طلعة».

محادثة السّيف:تعهّده بالصّقل و تطريته.[ثمّ استشهد بشعر]

فشبّه ما يركب القلوب من الرّين بالصّدإ،و جلاءها بذكر اللّه بالمحادثة.و الدّثور:الدّروس،القدع:الكفّ، الطّلعة:الّتي تطلّع إلى هواها و شهواتها.

(الفائق 1:268)

ابن الشّجريّ: و ممّا جمعوه على غير القياس «حديث»قالوا في جمعه:أحاديث؛و أحاديث كأنّه جمع «أحداث»كأعصار و أعاصير.

و لا يجوز أن يكون أحاديث:جمع أحدوثة، كأغلوطة و أغاليط،لأنّهم قد قالوا:حديث النّبيّ و أحاديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و لم يقولوا:أحدوثة النّبيّ.

(1:284)

المدينيّ: في الحديث:«لو لا حدثان قومك

ص: 80

بالكفر»،أي حداثة عهدهم به،و قربهم من الخروج منه و الدّخول في الإسلام،و هو مصدر حدث،و منه:حدثان الشّباب،أي أوّله و جدّته.

في الحديث:«أنّ فاطمة جاءت إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فوجدت عنده حدّاثا،فاستحيت و رجعت».فالحدّاث جاء على غير قياس كالجلاّس،و القياس:محدّثون.و لعلّه حمل على نظيره،و هو سمّار جمع سامر،فإنّ السّمّار:

المحدّثون أيضا.

في الحديث:«من أحدث فيها حدثا،أو آوى محدثا» أي جانيا،و أجاره من خصمه،و حال بينه و بين أن يقتصّ منه.(1:411)

ابن الأثير: في حديث:«يبعث اللّه السّحاب فيضحك أحسن الضّحك و يتحدّث أحسن الحديث»، جاء في الخبر:«أنّ حديثه الرّعد و ضحكه البرق».

و شبّهه بالحديث لأنّه يخبر عن المطر و قرب مجيئه،فصار كالمحدّث به.[ثمّ استشهد بشعر]

و يجوز أن يكون أراد بالضّحك:افترار الأرض بالنّبات و ظهور الأزهار،و بالحديث:ما يتحدّث به النّاس من صفة النّبات و ذكره.و يسمّى هذا النّوع في علوم البيان:المجاز التّعليقيّ،و هو من أحسن أنواعه.

و في حديث عائشة رضي اللّه عنها:«لو لا حدثان قومك بالكفر لهدمت الكعبة و بنيتها»حدثان الشّيء بالكسر:أوّله،و هو مصدر حدث يحدث حدوثا و حدثانا،و الحديث:ضدّ القديم.

و المراد به:قرب عهدهم بالكفر و الخروج منه و الدّخول في الإسلام،و أنّه لم يتمكّن الدّين في قلوبهم، فلو هدمت الكعبة و غيّرتها ربّما نفروا من ذلك.

و منه حديث حنين:«إنّي أعطي رجالا حديثي عهد بكفر أتألّفهم»و هو جمع صحّة«لحديث»فعيل بمعنى فاعل.

و منه الحديث:«أناس حديثة أسنانهم»حداثة السّنّ:

كناية عن الشّباب،و أوّل العمر.

و منه حديث أمّ الفضل:«زعمت امرأتي الأولى أنّها أرضعت امرأتي الحدثى»هي تأنيث«الأحدث»يريد المرأة الّتي تزوّجها بعد الأولى.

و في حديث المدينة:«من أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا»الحدث:الأمر الحادث المنكر الّذي ليس بمعتاد و لا معروف في السّنّة.و المحدث:يروى بكسر الدّال و فتحها،على الفاعل و المفعول.

فمعنى الكسر:من نصر جانيا أو آواه و أجاره من خصمه،و حال بينه و بين أن يقتصّ منه.و الفتح:هو الأمر المبتدع نفسه،و يكون معنى الإيواء فيه:الرّضا به و الصّبر عليه،فإنّه إذا رضي بالبدعة و أقرّ فاعلها و لم ينكر عليه،فقد آواه.

و منه الحديث:«إيّاكم و محدثات الأمور»جمع «محدثة»بالفتح،و هي ما لم يكن معروفا في كتاب و لا سنّة و لا إجماع.

و حديث بني قريظة:«لم يقتل من نسائهم إلاّ امرأة واحدة كانت أحدثت حدثا»قيل:حدثها أنّها سمّت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و في حديث الحسن:«حادثوا هذه القلوب بذكر اللّه»أي اجلوها به،و اغسلوا الدّرن عنها،و تعاهدوها

ص: 81

بذلك،كما يحادث السّيف بالصّقال.

و في حديث ابن مسعود رضي اللّه عنه:«أنّه سلّم عليه و هو يصلّي فلم يردّ عليه السّلام،قال:فأخذني ما قدم و ما حدث»يعني همومه و أفكاره القديمة و الحديثة.يقال:

حدث الشّيء بالفتح يحدث حدوثا،فإذا قرن ب(قدم) ضمّ للازدواج ب(قدم).(1:350)

الفيّوميّ: حدث الشّيء حدوثا من باب«قعد»:

تجدّد وجوده،فهو حادث و حديث،و منه يقال:حدث به عيب،إذا تجدّد و كان معدوما قبل ذلك.

و يتعدّى بالألف فيقال:أحدثته،و منه:محدثات الأمور،و هي الّتي ابتدعها أهل الأهواء.

و أحدث الإنسان إحداثا،و الاسم:الحدث،و هو الحالة النّاقضة للطّهارة شرعا؛و الجمع:الأحداث،مثل سبب و أسباب.و معنى قولهم:النّاقضة للطّهارة:أنّ الحدث إن صادف طهارة نقضها و رفعها،و إن لم يصادف طهارة فمن شأنه أن يكون كذلك،حتّى يجوز أن يجتمع على الشّخص أحداث.

و الحديث:ما يتحدّث به و ينقل،و منه حديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

و هو حديث عهد بالإسلام،أي قريب عهد بالإسلام.

و حديثة الموصل:بليدة بقرب الموصل من جهة الجنوب على شاطئ دجلة بالجانب الشّرقيّ،بينها و بين الموصل نحو أربعة عشر فرسخا.

و حديثة الفرات:بلدة على فراسخ من الأنبار و الفرات يحيط بها.

و يقال للفتى:حديث السّنّ،فإن حذفت السّنّ قلت:

حدث بفتحتين؛و جمعه:أحداث.(1:124)

الجرجانيّ الحادث:ما يكون مسبوقا بالعدم، و يسمّى:حدوثا زمانيّا.و قد يعبّر عن الحدوث بالحاجة إلى الغير،و يسمّى:حدوثا ذاتيّا.(36)

الفيروزآباديّ: حدث حدوثا و حداثة:نقيض قدم،و تضمّ داله إذا ذكر مع«قدم».

و حدثان الأمر بالكسر:أوّله و ابتداؤه كحداثته، و من الدّهر:نوبه كحوادثه و أحداثه.

و الأحداث:أمطار أوّل السّنة.

و رجل حدث السّنّ و حديثها:بيّن الحداثة و الحدوثة:فتيّ.

و الحديث:الجديد،و الخبر كالحدّيثى؛الجمع:

أحاديث شاذّ،و حدثان و يضمّ.

و رجل حدث و حدث و حدّث و حدّيث:كثيره.

و الحدث محرّكة:الإبداء و قد أحدث،و بلدة بالرّوم.

و المحادثة:التّحادث،و جلاء السّيف كالإحداث.

و المحدّث كمحمّد:الصّادق.و بالتّخفيف:ماءان، و قرية بواسط و ببغداد،و بهاء:موضع.

و أحدث:زنى.

و الأحدوثة:ما يتحدّث به.

و حدث الملوك بالكسر:صاحب حديثهم.

و الحادث و الحديثة و أحدث كأجبل:مواضع.

(1:170)

الطّريحيّ: و في الحديث:«من لم يشكر النّاس لم يشكر اللّه و من لم يشكر القليل لم يشكر الكثير،

ص: 82

و التّحديث بنعمة اللّه شكر و تركه كفر»و قيل:أي بالنّبوّة مبلّغا،و الصّحيح أنّه يعمّ جميع النّعم و يشمل تعليم القرآن و الشّرائع.

و في الحديث:«إنّ أوصياء محمّد عليه و عليهم السّلام محدّثون»أي تحدّثهم الملائكة،و فيهم جبرئيل عليه السّلام من غير معاينة.

و مثله قوله صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ في كلّ أمّة محدّثون من غير نبوّة»و منه في وصف فاطمة عليها السّلام:«أيّتها المحدّثة العليمة».

و المحدّث أيضا:الصّادق الظّنّ.

و المحدث بخفّة دال و فتحها:الّذي كان بعد أن لم يكن، و هو خلاف القديم.

و فيه:«من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو ردّ مردود»يعني دين الإسلام هو أمرنا الّذي نهتمّ له و نشتغل به؛بحيث لا يخلو عنه شيء من أقوالنا و أفعالنا، فمن أحدث فيه ما ليس في كتاب و لا سنّة و لا إجماع فهو ردّ مردود.

و الإحداث:تجديد العهد،و منه:«أحدث به عهدا» أي جدّد به عهد الصّحبة.

و في الحديث:«لو لا كذا لجعلتك حديثا لمن خلفك» أي عبرة و مثلا لمن خلفك يعتبرون بك.

و فيه:«لم أر شيئا أحسن دركا و لا أسرع طلبا من حسنة محدثة لذنب قديم»كأنّ المعنى أنّ الحسنة المحدثة تدرك الذّنب و تطلبه و لا تبقيه.

و حدّثته نفسه بكذا:أمرته،و منه الخبر:«رفع عن أمتي ما حدّثت به أنفسها ما لم تعمله».

و في حديث صفات المؤمن:«لا يحدّث أمانة الأصدقاء و لا يكتم شهادة الأعداء»كأنّ المراد بتحديث أمانتهم:إفشاء سرّهم الّذي لا يحبّون أن يظهر عليه عدوّ و لا مبغض.

و الخبر:يأتي على القليل و الكثير،و الحديث:ما يرادف الكلام،و سمّي به لتجدّده و حدوثه شيئا فشيئا.

و حدث الشّيء حدوثا،من باب«قعد»:تجدّد حدوثه.

و الحدث:اسم للحادثة النّاقضة للطّهارة شرعا، و الجمع:أحداث،مثل سبب و أسباب.

قوله:«لا يزال في صلاة ما لم يحدث»أي في ثواب صلاة ما لم يأت بحدث،و هو يعمّ ما خرج من السّبيلين و غيره.

و منه حديث فاطمة عليها السّلام مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«فوجدت عنده أحداثا»أي شبابا،و في بعض النّسخ«حدّاثا»أي جماعة يتحدّثون.

قيل:و هو جمع شاذّ،حمل على نظيره كسامر و سمّار، فإنّ السّمّار:المحدّثون.

و تحادثوا:حدّث بعضهم بعضا

و قولهم:«لا أحدّث بلسانه»أي لا أتكلّم به.

و الأحدوثة:ما يتحدّث به النّاس،و منه الحديث:

«بالعلم يكسب الإنسان الطّاعة في حياته و جميل الأحدوثة بعد وفاته»أي الثّناء و الكلام الجميل.

و الأحدوثة:مفرد الأحاديث.

و الحدثان بالتّحريك:الموت،و منه قوله:«لا آمن الحدثان».

و في حديث الأرواح الخمسة:«هذه الأرواح الأربعة

ص: 83

يصيبها الحدثان،إلاّ روح القدس لا تلهو و لا تلعب» كأنّه يريد بالحدثان:ما يحدث لها من النّوم و الغفلة و اللّهو و الزّهو،و نحو ذلك.

و حدثان الشّيء،بكسر الحاء:و سكون الدّال:أوّله، و هو مصدر حدث،و منه الخبر:«لو لا حدثان قومك بالكفر...».

و في حديث الأحاديث المختلفة:«خذوا بالأحدث فالأحدث»و المعنى إن كان مطابقا للواقع لا مطلقا،و قد حمله الشّيخ على الإطلاق،و هو كما ترى.(2:244)

مجمع اللّغة :حدث الأمر يحدث حدوثا:وقع و حصل.

و أحدثه:أوجده،و اسم المفعول منه:محدث و المحدث:الجديد،لأنّه أحدث.

حدّث كذا و بكذا تحديثا:خبّر و نبّأ.

و الحديث:الكلام الّذي يتحدّث به؛و جمعه:

أحاديث.

و أطلقت«الأحاديث»على الرّؤى و الأحلام،لأنّ النّفس تحدّث بها في منامها.(1:240)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حدث الأمر:وقع و حصل.

حدّث عن فلان:روى الحديث عنه،و حدّثه بكذا:

أخبره به.

و أحدث حدثا:أوجده و ابتدعه.

و صاروا أحاديث،أي انقرضوا،و صار النّاس يتحدّثون بأخبارهم و يضربون بهم المثل.

و الأحاديث:السّير و الأخبار و الأحلام الّتي تحدّث بها النّفس في منامها.

ذكر محدث،أي جديد إنزاله على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

(1:125)

العدنانيّ: حدث:تقول المعجمات:حدث يحدث حدوثا و حداثة و حدثانا الشّيء:كان و لم يكن قبل، و نقيضه:قدم.و تضمّ داله إذا ازدوج مع قدم،ثمّ جاء تعليل ضبط دال«حدث»بالضّمّ،في الجزء الرّابع و العشرين من مجلّة مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة،في باب قرارات المجمع.

و خلاصته:1-من فصح العربيّة ما ورد في عبارة:

«أخذني من الأمر ما قدم و ما حدث»أي ملكني الهمّ قديمه و حديثه.و قد جاء فعل«حدث»مضموم الدّال، و نصّ اللّغويّون على أنّ الدّال في«حدث»لم تضمّ إلاّ في هذا الموضع،و ذلك لمكان«قدم»و يعبّر عن ذلك أحيانا بالازدواج،و أحيانا بالاتباع،و مثله في فصح العربيّة كثير.

2-لم ينكر نقّاد اللّغة تخريج ضمّ الدّال في«حدث» من تلك العبارة المأثورة و لكن.

أجاز مجمع القاهرة استعمال الفعل«حدث»دون أن يكون مقترنا بالفعل«قدم»بقوله:

على أنّه يتسنّى تخريج استعمال«حدث»مستقلاّ، باعتبار أنّه من باب تحويل الفعل إلى«فعل»لإفادة المدح أو الذّمّ أو المبالغة،مع إشرابه معنى التّعجّب.

و يقصد به الإلحاق بالغرائز،كما يقال:علم الرّجل،أي صار العلم ملازما له كأنّه سجيّة فيه.و قد أجاز النّحاة في كلّ صالح للتّعجّب منه استعماله على«فعل»بضمّ العين،

ص: 84

بالأصالة أو التّحويل،إذا أريد التّعجّب مدحا أو ذمّا أو مبالغة.(146)

تحدّث بالحرب

و يقولون:تحدّث الفدائيّون على الحرب،و الصّواب:

تحدّثوا بالحرب.

و قد أجاز أقرب الموارد أن نقول:تحدّث بكذا و عن كذا،و لم أجد«عن كذا»،في التّاج،و اللّسان،و الأساس، و المحيط،و متن اللّغة،و الصّحاح،و مدّ القاموس، و المصباح.لذا أرى أن لا نعدّي الفعل«تحدّث»إلاّ بالباء.

(معجم الأخطاء الشّائعة:62)

المصطفويّ: ظهر أنّ مفهوم هذه المادّة:هو تكوّن شيء في زمان متأخّر،و هذا التّكوّن و التّجدّد أعمّ من أن يكون في الجواهر و الذّوات،أو في الأعراض و الأفعال و الأقوال،و ليس في مفهومها نظر إلى كونه في مقابل القديم أو التّكوّن من العدم،و إن كانت المخلوقات و المحدثات كلّها متكوّنة حادثة موجودة بعد العدم.

ثمّ إنّ النّظر في صيغة الإحداث إلى جهة الصّدور و النّسبة إلى الفاعل،و في صيغة التّحديث إلى جهة الوقوع و النّسبة إلى المفعول؛فعلى هذا يكون معنى المحدث:من صدر عنه حدث،و معنى المحدّث:من يروي حديثا.

فظهر أنّ مفهوم المادّة مطلق،و إن كان«الحديث»في اصطلاح أهل الدّراية و الرّواية:عبارة عمّا ينقل عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أو أحد من الأئمّة عليهم السّلام.و«المحدّث»من يروي الحديث.و«الحادث»في اصطلاح أهل الحكمة و الكلام:

عبارة عمّا يقابل القديم.و«المحدث»في اصطلاح الفقهاء:من صدر عنه حدث يبطل حالة طهارته؛و هذه كلّها معان مستحدثة.[ثمّ ذكر الآيات]

فالحديث:كلّ ما يتجدّد بالذّكر و يروى و ينقل من أيّ مقولة كان،فالنّظر في«الحديث»إلى جهة التّجدّد و نقل ما وقع،و في«الرّواية»إلى جهة النّقل،و في«الخبر» إلى جهة الإخبار فقط.(2:188)

النّصوص التّفسيريّة

حديث

...فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ،يُؤْمِنُونَ. الأعراف:185

ابن عبّاس: فبأيّ كتاب بعد كتاب اللّه (يؤمنون)(142)

الطّبريّ: فبأيّ تخويف و تحذير و ترهيب،بعد تحذير محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و ترهيبه الّذي أتاهم به من عند اللّه في آي كتابه،يصدّقون؟إن لم يصدّقوا بهذا الكتاب الّذي جاءهم به محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،من عند اللّه تعالى؟(9:136)

الطّوسيّ: معناه:بأيّ حديث بعد القرآن يؤمنون، مع وضوح دلالته على أنّه كلام اللّه؛إذ كان معجزا لا يقدر أحد من البشر أن يأتي بمثله.و سمّاه حديثا لأنّه محدث غير قديم،لأنّ إثباته حديثا ينافي كونه قديما.

(5:52)

البغويّ: أي بعد القرآن يؤمنون،يقول:بأيّ كتاب غير ما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم يصدّقون،و ليس بعده نبيّ و لا كتاب؟!(2:255)

الزّمخشريّ: فإن قلت:بم يتعلّق قوله: فَبِأَيِّ

ص: 85

حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ؟

قلت:بقوله: عَسى أَنْ يَكُونَ قَدِ اقْتَرَبَ أَجَلُهُمْ كأنّه قيل:لعلّ أجلهم قد اقترب،فما لهم لا يبادرون إلى الإيمان بالقرآن قبل الفوت،و ما ينتظرون بعد وضوح الحقّ،و بأيّ حديث أحقّ منه يريدون أن يؤمنوا.

(2:134)

نحوه البيضاويّ.(1:379)

ابن عطيّة: ثمّ وقفهم بأيّ حديث أو أمر يقع إيمانهم و تصديقهم إذا لم يقع بأمر فيه نجاتهم و دخولهم الجنّة؟(2:483)

القرطبيّ: أي بأيّ قرآن غير ما جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم يصدّقون؟و قيل:الهاء للأجل،على معنى بأيّ حديث بعد الأجل يؤمنون حين لا ينفع الإيمان؟لأنّ الآخرة ليست بدار تكليف.(7:334)

النّيسابوريّ: و بأيّ حديث أحقّ منه يريدون أن يؤمنوا؟

و لا دلالة في إطلاق لفظ الحديث على القرآن على أنّه ليس بقديم،لأنّ المراد بالحديث:ما يرادف الكلام، و لو سلّم،فإنّه محمول على الألفاظ و الكلمات،و لا نزاع في حدوثها.(9:97)

أبو السّعود : فَبِأَيِّ حَدِيثٍ... قطع لاحتمال إيمانهم رأسا و نفي له بالكلّيّة،مترتّب على ما ذكر من تكذيبهم بالآيات،و إخلالهم بالتّفكّر و النّظر.

و الباء متعلّقة ب(يؤمنون)،و ضمير(بعده)للآيات، على حذف المضاف المفهوم من(كذّبوا)و التّذكير باعتبار كونها قرآنا أو بتأويلها بالمذكور،و إجراء الضّمير مجرى اسم الإشارة.

و المعنى أكذبوا بها و لم يتفكّروا فيما يوجب تصديقها من أحواله عليه الصّلاة و السّلام و أحوال المصنوعات؟ فبأيّ حديث يؤمنون بعد تكذيبه،و معه مثل هذه الشّواهد القويّة،كلاّ و هيهات؟

و قيل:الضّمير للقرآن،و المعنى:فبأيّ حديث بعد القرآن يؤمنون إذا لم يؤمنوا به،و هو النّهاية في البيان؟

و قيل:هو إنكار و تبكيت لهم،مترتّب على إخلالهم بالمسارعة إلى التّأمّل فيما ذكر،كأنّه قيل:لعلّ أجلهم قد اقترب فما لهم لا يبادرون إلى الإيمان بالقرآن قبل الفوت، و ما ذا ينتظرون بعد وضوح الحقّ،و بأيّ حديث أحقّ منه يريدون أن يؤمنوا؟

و قيل:الضّمير ل(اجلهم)و المعنى فبأيّ حديث بعد انقضاء أجلهم يؤمنون؟و قيل:للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم على حذف مضاف،أي فبأيّ حديث بعد حديثه يؤمنون،و هو أصدق النّاس؟(3:60)

البروسويّ: هو في اللّغة:الجديد،و في عرف العامّة:الكلام.[ثمّ ذكر ملخّصا نحو ما سبق عن أبي السّعود]

(3:290)

الآلوسيّ: قطع لاحتمال إيمانهم رأسا و نفي له بالكلّيّة بعد إلزام الحجّة و الإرشاد إلى النّظر،و الباء متعلّقة ب(يؤمنون)،و ضمير(بعده)للقرآن على ما ذهب إليه غالب المفسّرين و هو معلوم من السّياق، و«الحديث»بمعنى الكلام فلا دليل في الآية لمن يزعم حدوث القرآن،و قيل:و لئن سلّمنا كونه دليلا يراد من

ص: 86

القرآن الألفاظ و هي محدثة على المشهور،و المعنى إذا لم يؤمنوا بالقرآن و هو النّهاية في البيان فبأيّ كلام يؤمنون بعده،و قيل:الضّمير للآيات على حذف المضاف المفهوم من كذّبوا،و التّذكير باعتبار كونها قرآنا أو بتأويلها بالمذكور أو إجراء الضّمير مجرى اسم الإشارة.

و المعنى أكذبوا بالآيات و لم يتفكّروا فيما يوجب تصديقها من أحواله عليه الصّلاة و السّلام و أحوال المصنوعات فبأيّ حديث بعد تكذيبها يؤمنون،و فيه بعد،و قيل:إنّه يعود على الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم بتقدير مضاف أيضا،أي بعد حديثه يؤمنون،و هو أصدق النّاس، و قيل:المراد بعد هذا الحديث،و قيل:بعد الأجل أي كيف يؤمنون بعد انقضاء أجلهم؟،و جعل الزّمخشريّ ذلك مرتبطا بقوله تعالى:(و ان عسى)إلخ ارتباط التّسبّب عنه،و الضّمير للقرآن كأنّه قيل:لعلّ أجلهم قد اقترب،فما بالهم لا يبادرون الإيمان بالقرآن قبل الموت، و ما ذا ينظرون بعد وضوح الحقّ،و بأيّ حديث أحقّ منه يريدون أن يؤمنوا؟و تقدير ما قدّر عند صاحب «الكشف»ليس لأنّه لا بدّ من تقديره ليستقيم الكلام بل للتّنبيه على معنى الاستبطاء الّذي في ضمن أيّ،و أنّه ليس بعد هذا البيان الواضح أمر ينتظر.

(9:129)

رشيد رضا :وردت هذه الآية بنصّها في آخر سورة«المرسلات»الّتي أقيمت فيها الدّلائل على البعث و الجزاء،و تهديد المكذّبين بالويل و الهلاك،بعد تقرير كلّ نوع منها.و ورد في الآية الخامسة من سورة«الجاثية» بعد التّذكير بآيات اللّه للمؤمنين،و آياته لقوم يوقنون، و آياته لقوم يعقلون؛قوله: تِلْكَ آياتُ اللّهِ نَتْلُوها عَلَيْكَ بِالْحَقِّ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللّهِ وَ آياتِهِ يُؤْمِنُونَ الجاثية:6، و الحديث في الجميع كلام اللّه الّذي هو القرآن،يدلّ عليه هنا قوله تعالى في رسوله: إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ الأعراف:184،و في آية«المرسلات»القرينة في تهديد المكذّبين له،و في آية«الجاثية»افتتاح السّورة بذكر الكتاب؛فيكون معناها:فبأيّ حديث بعد كتاب اللّه المذكور في الآية الأولى و آياته المشار إليها بعدها يؤمنون؟

و المراد أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم نذير مبين عن اللّه تعالى،و إنّما أنذر النّاس بهذا الحديث أي القرآن كما أمره أن يقول: وَ أُوحِيَ إِلَيَّ هذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَ مَنْ بَلَغَ الأنعام:19،و هو أكمل كتب اللّه بيانا،و أقواها برهانا،و أقهرها سلطانا،فمن لم يؤمن به فلا مطمع في إيمانه بغيره،و من لم يرو ظمأه الماء النّقاخ المبرّد فأيّ شيء يرويه؟و من لم يبصر في نور النّهار ففي أيّ نور يبصر؟(9:458)

المراغيّ: أي فبأيّ حديث بعد القرآن يؤمنون إذا لم يؤمنوا به؟و هو أكمل كتب اللّه بيانا،و أقواها برهانا، فمن لم يؤمن به فلا مطمع في إيمانه بغيره(9:125)

مكارم الشّيرازيّ: إذا لم يكونوا ليؤمنوا بهذا القرآن العظيم،الّذي فيه ما فيه من الدّلائل الواضحة و البراهين اللاّئحة الهادية إلى الإيمان باللّه،فأيّ كتاب ينتظرونه خير من القرآن ليؤمنوا به؟(5:290)

و بهذا المعنى جاء قوله: فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ المرسلات:50

ص: 87

الحديث

1- فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً. الكهف:6

ابن عبّاس: بأن لم يؤمنوا بهذا القرآن.(244)

و هكذا أكثر التّفاسير.

الفخر الرّازيّ: المراد ب(الحديث):القرآن،قال القاضي:و هذا يقتضي وصف القرآن بأنّه حديث؛و ذلك يدلّ على فساد قول من يقول:إنّه قديم.و جوابه أنّه محمول على الألفاظ و هي حادثة.(21:79)

الشّربينيّ: أي القرآن المتجدّد تنزيله،على حسب التّدريج.(2:349)

أبو السّعود :أي القرآن الّذي عبّر عنه في صدر السّورة ب(الكتاب).و جواب الشّرط محذوف«ثقة» بدلالة ما سبق عليه،و قرئ ب(ان)المفتوحة،أي لأن لم يؤمنوا.فإعمال(باخع)بحمله على حكاية حال ماضية لاستحضار الصّورة،كما في قوله عزّ و جلّ: باسِطٌ ذِراعَيْهِ الكهف:18.(4:168)

البروسويّ: أي القرآن،إن قلت:تسمية القرآن حديثا دليل على حدوثه.

قلت:سمّاه حديثا لأنّه يحدث عند سماعهم له معناه، و لأنّه عائد إلى الحروف الّتي وقعت بها العبارة عن القرآن،كما في الأسئلة المقحمة.(5:216)

الآلوسيّ: الجليل الشّأن،و هو القرآن المعبّر عنه في صدر السّورة ب(الكتاب)و وصفه بذلك لو سلّم دلالته على الحدوث،لا يضرّ الأشاعرة و أضرابهم القائلين:بأنّ الألفاظ حادثة.(15:205)

مكارم الشّيرازيّ: استخدام كلمة«حديث» للتّعبير عن القرآن،هو إشارة إلى مستجدّات هذا الكتاب السّماويّ الكبير،يعني أنّ هؤلاء لم يفكّروا في أن يستفيدوا و يبحثوا في هذا الكتاب الجديد ذي المحتويات المستجدّة،و هذا دليل على عدم المعرفة؛بحيث أنّ الإنسان لا يلتفت إلى هذا الموضوع الهامّ و الجديد،رغم قربه من هذا الكتاب:(9:178)

2- وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّخِذَها هُزُواً أُولئِكَ لَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ. لقمان:6

ابن مسعود: المراد ب(لهو الحديث)الغناء.

مثله ابن عبّاس،و هذا المعنى مرويّ عن الإمام الكاظم و الإمام الصّادق و الإمام الرّضا عليهم السّلام

(الطّبرسيّ 4:313)

قتادة :كلّ لهو و لعب.(الطّبرسيّ 4:313)

عطاء:التّرّهات و البسابس.(الطّبرسيّ 4:313)

الكلبيّ: الأحاديث الكاذبة و الأساطير الملهية عن القرآن.(الطّبرسيّ 4:313)

الإمام الصّادق عليه السّلام: هو الطّعن بالحقّ و الاستهزاء به و...(الطّبرسيّ 4:313)

أبو مسلم الأصفهانيّ: السّخريّة بالقرآن و اللّغو فيه.(الطّبرسيّ 4:313)

الطّبرسيّ: أي باطل الحديث.(4:313)

[راجع«ل ه و»].

3- اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ... الزّمر:23

ص: 88

3- اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ... الزّمر:23

ابن عبّاس: أحسن الكلام:يعني القرآن.(387)

الطّبريّ: يعني به القرآن.(23:210)

نحوه الزّجّاج(4:351)،و الطّوسيّ(9:21)،و ابن عطيّة(4:527).

الماورديّ: يعني القرآن،و يحتمل تسميته حديثا وجهين:

أحدهما:لأنّه كلام اللّه،و الكلام يسمّى حديثا،كما سمّي كلام الرّسول صلّى اللّه عليه و سلم حديثا.

الثّاني:لأنّه حديث التّنزيل بعد ما تقدّمه من الكتب المنزلة على من تقدّم من الأنبياء.

و يحتمل وصفه بأحسن الحديث وجهين:

أحدهما:لفصاحته و إعجازه.

الثّاني:لأنّه أكمل الكتب و أكثرها أحكاما.

(5:122)

القشيريّ: أَحْسَنَ الْحَدِيثِ لأنّه غير مخلوق.

(5:278)

و توهّم قوم أنّ الحديث من الحدوث،فليدلّ على أنّ كلامه محدث،و هو و هم،لأنّه لا يريد لفظ«الحديث» على ما في قوله: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ الأنبياء:2،و قد قالوا:إنّ الحدوث يرجع إلى التّلاوة لا إلى المتلوّ،و هو كالذّكر مع المذكور إذا ذكرنا أسماء الرّبّ.

(القرطبيّ 15:249)

الواحديّ: يعني القرآن،و سمّي حديثا،لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان يحدّث قومه و يخبرهم بما نزل عليه منه.(3:578)

الميبديّ: و القرآن:أحسن الحديث،لكونه صدقا كلّه.و قيل:أحسن الحديث لفصاحته و إعجازه،و قيل:

لأنّه أكمل الكتب و أكثرها أحكاما.(8:403)

الطّبرسيّ: يعني سمّاه اللّه حديثا لأنّه كلام اللّه، و الكلام سمّي حديثا كما يسمّى كلام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حديثا، و لأنّه حديث التّنزيل بعد ما تقدّمه من الكتب المنزلة على الأنبياء،و هو أحسن الحديث،لفرط فصاحته و لإعجازه و اشتماله على جميع ما يحتاج المكلّف إليه،من التّنبيه على أدلّة التّوحيد و العدل و بيان أحكام الشّرع، و غير ذلك من المواعظ و قصص الأنبياء و التّرغيب و التّرهيب.(4:495)

الفخر الرّازيّ: و فيه مسائل:

المسألة الأولى:القائلون بحدوث القرآن احتجّوا بهذه الآية من وجوه:

الأوّل:أنّه تعالى وصفه بكونه حديثا في هذه الآيات و في آيات أخرى،منها قوله تعالى: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ الطّور:34،و منها قوله تعالى: أَ فَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ الواقعة:81.و الحديث لا بدّ و أن يكون حادثا،قالوا:بل الحديث أقوى في الدّلالة على الحدوث من الحادث،لأنّه يصحّ أن يقال:هذا حديث و ليس بعتيق،و هذا عتيق و ليس بحادث؛فثبت أنّ الحديث هو الّذي يكون قريب العهد بالحديث،و سمّي الحديث حديثا،لأنّه مؤلّف من الحروف و الكلمات،و تلك الحروف و الكلمات تحدث حالا فحالا و ساعة فساعة، فهذا تمام تقرير هذا الوجه.

و أمّا الوجه الثّاني في بيان استدلال القوم أن قالوا:إنّه تعالى وصفه بأنّه نزّله،و المنزّل يكون في محلّ تصرّف

ص: 89

الغير،و ما يكون كذلك فهو محدث و حادث.

و أمّا الوجه الثّالث في بيان استدلال القوم أن قالوا:

إنّ قوله: أَحْسَنَ الْحَدِيثِ يقتضي أن يكون هو من جنس سائر الأحاديث،كما أنّ قوله:زيد أفضل الإخوة، يقتضي أن يكون زيد مشاركا لأولئك الأقوام في صفة الأخوّة و يكون من جنسهم؛فثبت أنّ القرآن من جنس سائر الأحاديث،و لمّا كان سائر الأحاديث حادثة، وجب أيضا أن يكون القرآن حادثا.

و أمّا الوجه الرّابع في الاستدلال أن قالوا:إنّه تعالى وصفه بكونه كتابا و الكتاب مشتقّ من«الكتبة»و هي الاجتماع،و هذا يدلّ على أنّه مجموع جامع و محلّ تصرّف متصرّف؛و ذلك يدلّ على كونه محدثا.

و الجواب أن نقول:نحمل هذا الدّليل على الكلام المؤلّف من الحروف و الأصوات و الألفاظ و العبارات، و ذلك الكلام عندنا محدث مخلوق،و اللّه أعلم.

المسألة الثّانية:كون القرآن أحسن الحديث إمّا أن يكون أحسن الحديث بحسب لفظه أو بحسب معناه.

القسم الأوّل:أن يكون أحسن الحديث بحسب لفظه؛و ذلك من وجهين:

الأوّل:أن يكون ذلك الحسن لأجل الفصاحة و الجزالة.

الثّاني:أن يكون بحسب النّظم في الأسلوب؛و ذلك لأنّ القرآن ليس من جنس الشّعر،و لا من جنس الخطب،و لا من جنس الرّسائل،بل هو نوع يخالف الكلّ، مع أنّ كلّ ذي طبع سليم يستطيبه و يستلذّه.

القسم الثّاني:أن يكون كونه أحسن الحديث لأجل المعنى،و فيه وجوه:

الأوّل:أنّه كتاب منزّه عن التّناقض،كما قال تعالى:

وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً النّساء:82،و مثل هذا الكتاب إذا خلا عن التّناقض كان ذلك من المعجزات.

الوجه الثّاني:اشتماله على الغيوب الكثيرة في الماضي و المستقبل.

الوجه الثّالث:أنّ العلوم الموجودة فيه كثيرة جدّا.

و ضبط هذه العلوم أن نقول:العلوم النّافعة هي ما ذكره اللّه في كتابه،في قوله: وَ الْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللّهِ وَ مَلائِكَتِهِ وَ كُتُبِهِ وَ رُسُلِهِ لا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَ قالُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ البقرة:285،فهذا أحسن ضبط يمكن ذكره للعلوم النّافعة.(26:267)

القرطبيّ: الحديث:ما يحدّث به المحدّث،و سمّي القرآن حديثا،لأنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان يحدّث به أصحابه و قومه.[ثمّ ذكر جملة من الآيات بشأن القرآن]

(15:249)

الشّربينيّ: أي القرآن...و كونه أحسن الحديث لوجهين:أحدهما:من جهة اللّفظ،و الآخر من جهة المعنى.

أمّا الأوّل فلأنّ القرآن أفصح الكلام و أبلغه و أجزله، و ليس هو من جنس الشّعر و لا من جنس الخطب،و لا من جنس الرّسائل،بل هو نوع يخالف الكلّ في أسلوبه،مع أنّ كلّ طبع سليم يستلذّه و يستطيبه.

و أمّا من جهة المعنى فهو منزّه عن التّناقض

ص: 90

و الاختلاف،قال جلّ ثناؤه: وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً، و مشتمل على أخبار الماضين و قصص الأوّلين،و على أخبار الغيوب الكثيرة في الماضي و المستقبل،و على الوعد و الوعيد و الجنّة و النّار.(3:442)

البروسويّ: هو القرآن الكريم الّذي لا نهاية لحسنة و لا غاية لجمال نظمه و ملاحة معانيه،و هو أحسن ممّا نزل على جميع الأنبياء و المرسلين و أكمله و أكثره أحكاما.و أيضا أحسن الحديث لفصاحته و إعجازه، و أيضا لأنّه كلام اللّه،و هو قديم،و كلام غيره مخلوق محدث،و أيضا لكونه صدقا كلّه إلى غير ذلك سمّي حديثا لأنّ النّبيّ عليه السّلام كان يحدّث به قومه و يخبرهم بما ينزل عليه منه،فلا يدلّ على حدوث القرآن،فإنّ الحديث في عرف العامّة:الخبر و الكلام.(8:97)

الآلوسيّ: هو القرآن الكريم،و كونه حديثا بمعنى كونه كلاما محدّثا به،لا بمعنى كونه مقابلا للقديم.و من قال بالتّلازم من الأشاعرة القائلين بحدوث الكلام اللّفظيّ، جعل الأوصاف الدّالّة على الحدوث لذلك الكلام.و جوّز أن يكون إطلاق الحديث هنا على القرآن من باب المشاكلة.

و أمّا الاستشهاد على أحسنيّته،فلكونه ممّن لا يتصوّر أكمل منه،بل لا كمال لشيء ما في جنبه بوجه.

و أمّا توكيد الاستناد إليه تعالى فمن التّقوى.و أمّا أنّ مثله لا يمكن أن يتكلّم به غيره سبحانه فلمكان التّناسب،لأنّ أكمل الحديث إنّما يكون من أكمل متكلّم ضرورة.

و مذهب الزّمخشريّ أنّ مثل هذا التّركيب يفيد الحصر، و أنّه لا تنافي بينه و بين التّقوى جمعا،فافهم.

(23:258)

الطّباطبائيّ: هو القرآن الكريم،و الحديث هو القول،كما في: فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ و فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ فهو أحسن القول لاشتماله على محض الحقّ الّذي لا يأتيه الباطل من بين يديه و لا من خلفه، و هو كلامه المجيد.(17:256)

4- أَ فَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ. النّجم:59

الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:من القرآن في نزوله من عند اللّه.الثّاني:من البعث و الجزاء،و هو محتمل.

(5:407)

الطّبرسيّ: يعني ب(الحديث):ما قدم من الأخبار عن الصّادق عليه السّلام.و قيل:معناه أ فمن هذا القرآن و نزوله من عند اللّه على محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و كونه معجزا تعجبون؟

(5:184)

الفخر الرّازيّ: قيل:من القرآن،و يحتمل أن يقال:

هذا إشارة إلى حديث أَزِفَتِ الْآزِفَةُ النّجم:57، فإنّهم كانوا يتعجّبون من حشر الأجساد و جمع العظام بعد الفساد.(29:27)

و قد فسّر الحديث بالقرآن في أكثر التّفاسير.

5- أَ فَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ. الواقعة:81

ابن عبّاس: أي القرآن الّذي يقرأ عليكم محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(455)

نحوه أكثر التّفاسير.

ص: 91

الطّبريّ: أ فبهذا القرآن الّذي أنبأتكم خبره، و قصصت عليكم أمره أيّها النّاس،أنتم تلينون القول للمكذّبين به،ممالأة منكم لهم على التّكذيب به و الكفر؟(27:207)

الطّوسيّ: الّذي حدّثناكم به و أخبرناكم به من حوادث الأمور.(9:511)

نحوه الطّبرسيّ(5:226)

الميبديّ: أي بهذا القرآن،سمّاه«حديثا»لأنّ فيه ذكر حوادث الأمور.(9:464)

ابن عطيّة: و الحديث المشار إليه هو القرآن المتضمّن البعث،و إنّ اللّه تعالى خالق الكلّ،و إنّ ابن آدم مصرّف بقدره و قضائه و غير ذلك(5:252)

الفخر الرّازيّ: (هذا)إشارة إلى ما ذا؟

فنقول:المشهور أنّه إشارة إلى القرآن،و إطلاق الحديث في القرآن على الكلام القديم كثير،بمعنى كونه اسما لا وصفا،فإنّ الحديث:اسم لما يتحدّث به،و وصف يوصف به ما يتجدّد،فيقال:أمر حادث و رسم حديث، أي جديد،و يقال:أعجبني حديث فلان و كلامه.و قد بيّنّا أنّ القرآن قديم له لذّة الكلام الجديد و الحديث الّذي لم يسمع.

الوجه الثّاني:أنّه إشارة إلى ما تحدّثوا به من قبل،في قوله تعالى: وَ كانُوا يَقُولُونَ أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا تُراباً وَ عِظاماً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ* أَ وَ آباؤُنَا الْأَوَّلُونَ الواقعة:47، 48،و ذلك لأنّ الكلام مستقلّ منتظم،فإنّه تعالى ردّ عليهم ذلك بقوله تعالى: قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ الواقعة:49،و ذكر الدّليل عليهم بقوله: نَحْنُ خَلَقْناكُمْ الواقعة:57،و بقوله: أَ فَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ الواقعة:58، أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ الواقعة:63، و أقسم بعد إقامة الدّلائل بقوله: فَلا أُقْسِمُ الواقعة:75،و بيّن أنّ ذلك كلّه إخبار من اللّه بقوله: إِنَّهُ لَقُرْآنٌ الواقعة:77،ثمّ عاد إلى كلامهم،و قال: أَ فَبِهذَا الْحَدِيثِ الّذي تتحدّثون به أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ.

(29:197)

النّيسابوريّ: أي بالقرآن أو بهذا الدّالّ على حقيقة القرآن.(27:83)

الشّربينيّ: أي القرآن الّذي تقدّمت أوصافه العالية،و هو يتجدّد إليكم إنزاله وقتا بعد وقت.

(4:197)

أبو السّعود :الّذي ذكرت نعوته الجليلة الموجبة لإعظامه و إجلاله،و هو القرآن الكريم.(6:195)

نحوه الآلوسيّ(27:155)،و القاسميّ(16:5665).

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و هو[بهذا الحديث]متعلّق بقوله:(مدهنون)و جاز تقديمه على المبتدإ،لأنّ عامله يجوز فيه ذلك،و الأصل:

أ فأنتم مدهنون بهذا الحديث.(9:338)

عبد الكريم الخطيب :الإشارة هنا إلى القرآن الكريم،و ما تحدّث به آياته عن قدرة اللّه سبحانه،و عن سلطانه القائم على هذا الوجود،و عن البعث و الحساب و الجزاء...

و الاستفهام تقريريّ،يراد به إقرار الكافرين بما عندهم من هذا الحديث الّذي سمعوه،ممّا يتلى عليهم من آيات اللّه،و هل هم مصغون إليه،واقفون منه موقف الجدّ

ص: 92

و طلب العلم و الفهم،أم أنّهم مستمعون استماع المجامل الّذي لا يعنيه شيء من مضامين هذا الحديث و مفاهيمه؟

(14:738)

6- فَذَرْنِي وَ مَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ. القلم:44

ابن عبّاس: بهذا الكتاب.(482)

السّدّيّ: أي القرآن.(460)

نحوه الشّربينيّ(4:364)،و أبو السّعود(6:290)، و الطّباطبائيّ(19:386)

الماورديّ: أي بيوم القيامة.(6:72)

ابن عطيّة: و الحديث المشار إليه هو القرآن المخبر بهذه الغيوب.(5:353)

حديثا

1- يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ عَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَ لا يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً. النّساء:42

راجع:«ك ت م»(و لا يكتمون).

2- ..فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً. النّساء:78

الطّبريّ: لا يكادون يعلمون حقيقة ما تخبرهم به، من أنّ كلّ ما أصابهم من خير أو شرّ أو ضرّ،و شدّة أو رخاء،فمن عند اللّه،لا يقدر على ذلك غيره.(5:175)

الواحديّ: لا يفهمون القرآن و تأويله فيؤمنوا، و يعلمون أنّ الحسنة و السّيّئة من عند اللّه.(2:83)

البغويّ: أي لا يفقهون قولا،و قيل:الحديث هاهنا هو القرآن،أي لا يفقهون معاني القرآن.(1:665)

نحوه القاسميّ.(5:1404)

الميبديّ: يعني ما لهؤلاء اليهود و المنافقين لا يفقهون قولا إلاّ التّكذيب بالنّعم؟.(2:593)

الطّبرسيّ: أي لا يقربون فقه معنى الحديث الّذي هو القرآن،لأنّهم يبعدون منه بإعراضهم عنه و كفرهم به.و قيل:معناه لا يفقهون حديثا،أي لا يعلمون حقيقة ما يخبرهم به أنّه من عند اللّه من السّرّاء و الضّرّاء،على ما وصفناه.(2:79)

الفخر الرّازيّ: قالت المعتزلة:أجمع المفسّرون على أنّ المراد من قوله: لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً أنّهم لا يفقهون هذه الآية المذكورة في هذا الموضع،و هذا يقتضي وصف القرآن بأنّه حديث،و الحديث:«فعيل» بمعنى«مفعول»،فيلزم منه أن يكون القرآن محدثا.

و الجواب:مرادكم بالقرآن ليس إلاّ هذه العبارات، و نحن لا ننازع في كونها محدثة.(10:190)

نحوه النّيسابوريّ(5:87)،و الشّربينيّ(1:318).

البيضاويّ: يوعظون به و هو القرآن،فإنّهم لو فهموه و تدبّروا معانيه،لعلموا أنّ الكلّ من عند اللّه سبحانه و تعالى،أو حديثا ما كبهائم لا أفهام لها،أو حادثا من صروف الزّمان فيتفكّرون فيه،فيعلمون أنّ القابض و الباسط هو اللّه سبحانه و تعالى.(1:231)

نحوه البروسويّ.(2:242)

أبو حيّان :أي القرآن لو تدبّروه لبصّرهم في الدّين و أورثهم اليقين.(3:301)

ص: 93

الآلوسيّ: أي كلاما يوعظون به و هو القرآن،أو كلاما ما،أو كلّ شيء حدث و قرب عهده،كلام من قبله تعالى معترض بين المبين،و بيانه مسوق لتعييرهم بالجهل،و تقبيح حالهم،و التّعجيب من كمال غباوتهم...

و يفهم من كلام بعضهم أنّ المراد من الحديث هو ما تفوّهوا به آنفا؛حيث إنّه يلزم منه تعدّد الخالق المستلزم للشّرك المؤدّي إلى فساد العالم،و إنّ(ما)في حيّز الأمر ردّ لهذا اللاّزم.(5:88)

3- ..وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً. النّساء:87

ابن عبّاس: قولا.(76)

مثله الشّربينيّ.(1:321)

يريد موعدا لا خلف لوعده(الواحديّ 2:91)

مقاتل:لا أحد أصدق من اللّه في أمر البعث.(الواحديّ 2:91)

الطّبريّ: و من أصدق من اللّه حديثا و خبرا؟

(5:192)

الطّوسيّ: و نصب(حديثا)على التّمييز كما تقول:

أحسن من زيد فهما أو خلقا.(3:280)

البغويّ: أي قولا و وعدا.(1:671)

الفخر الرّازيّ: استدلّت المعتزلة بهذه الآية على أنّ كلام اللّه تعالى محدث،قالوا:لأنّه تعالى وصفه بكونه حديثا في هذه الآية،و في قوله تعالى: اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ الزّمر:23،و الحديث هو الحادث أو المحدث.

و جوابنا عنه:أنّكم إنّما تحكمون بحدوث الكلام الّذي هو الحرف و الصّوت،و نحن لا ننازع في حدوثه،إنّما الّذي ندّعي قدمه شيء آخر غير هذه الحروف و الأصوات، و الآية لا تدلّ على حدوث ذلك الشّيء البتّة بالاتّفاق منّا و منكم.فأمّا منّا فظاهر،و أمّا منكم فإنّكم تنكرون وجود كلام سوى هذه الحروف و الأصوات،فكيف يمكنكم أن تقولوا بدلالة هذه الآية على حدوثه،و اللّه أعلم.

(10:218)

أبو حيّان :هذا استفهام معناه النّفي،التّقدير:لا أحد أصدق من اللّه حديثا،و فسّر«الحديث»بالخبر أو بالوعد قولان،و الأظهر هنا الخبر.(3:312)

راجع«ص د ق»(اصدق).

4- لَقَدْ كانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِأُولِي الْأَلْبابِ ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى... يوسف 111

ابن عبّاس: يعني القرآن ليس بحديث يختلق.

(204)

نحوه قتادة و ابن إسحاق(الماورديّ 3:90)، و الواحديّ(2:639)،و البغويّ(2:519)، و الزّمخشريّ(2:348)،و البيضاويّ(1:511).

الطّوسيّ: و الحديث:الإخبار عن حوادث الزّمان، و تسميته بأنّه حديث يدلّ على أنّه حادث،لأنّ القديم لا يكون حديثا.(6:209)

ابن عطيّة: و الحديث هنا:واحد الأحاديث، و ليس للّذي هو خلاف القديم هاهنا مدخل.(3:289)

عبد الكريم الخطيب :أي هذا القصص الّذي يقصّه اللّه تعالى على نبيّه الكريم،من أنباء الرّسل،لم يكن حديثا ملفّقا،أو مفترى،و لكنّه كلام ربّ العالمين.

(7:62)

5- وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً...

التّحريم:3

راجع«س ر ر»(اسرّ)

ص: 94

احاديث

1- ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ. المؤمنون:44

ابن عبّاس: في دهرهم يحدّث عنهم.(287)

أبو عبيدة :أي يتمثّل بهم في الشّرّ،و لا يقال في الخير:جعلته حديثا.(2:59)

الأخفش: إنّما هذا في الشّرّ،و أمّا في الخير فلا يقال:

جعلتهم أحاديث و أحدوثة،و إنّما يقال:صار فلان حديثا.(البغويّ 3:366)

ابن قتيبة :أخبارا و عبرا.(297)

الطّبريّ: قوله: وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ للنّاس، و مثلا يتحدّث بهم في النّاس،و الأحاديث في هذا الموضع جمع:أحدوثة لأنّ المعنى ما وصفت،من أنّهم جعلوا للنّاس مثلا يتحدّث بهم،و قد يجوز أن يكون جمع:

حديث،و إنّما قيل: وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ لأنّهم جعلوا حديثا و مثلا يتمثّل بهم في الشّرّ،و لا يقال في الخير:

جعلته حديثا و لا أحدوثة.(18:24)

نحوه الطّوسيّ(7:370)،و الطّبرسيّ(4:108).

البغويّ: يعني سمرا و قصصا يتحدّث من بعدهم بأمرهم و شأنهم،و هي جمع أحدوثة.(3:366)

نحوه الميبديّ.(6:437)

الزّمخشريّ: أخبارا يسمر بها و يتعجّب منها.

الأحاديث تكون اسم جمع للحديث،و منه أحاديث رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و تكون جمعا للأحدوثة الّتي هي مثل:

الأضحوكة و الألعوبة و الأعجوبة،و هي ممّا يتحدّث به النّاس تلهّيا و تعجّبا،و هو المراد هاهنا.(3:33)

نحوه الفخر الرّازيّ(33:100)،و النّسفيّ(3:120)، و الشّربينيّ(2:580)،و الآلوسيّ(18:34).

ابن عطيّة: يريد:أحاديث مثل،و قلّما يستعمل «الجعل»حديثا إلاّ في الشّرّ.(4:144)

القرطبيّ: [نحو الزّمخشريّ ثمّ ذكر قول الأخفش و أضاف:]

أحاديث:جمع أحدوثة و هي ما يتحدّث به، كأعاجيب جمع أعجوبة،و هي ما يتعجّب منه.

(12:125)

البيضاويّ: لم يبق منهم إلاّ حكايات يسمر بها، و هو اسم جمع للحديث أو جمع أحدوثة،و هي ما يتحدّث به تلهّيا.(2:108)

نحوه أبو السّعود.(4:415)

النّيسابوريّ: [نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه قال:]

و أحاديث:يكون اسم جمع الحديث،أو جمعا له من غير لفظه.(18:21)

أبو حيّان :(أحاديث)جمع حديث،و هو جمع شاذّ؛ و جمع أحدوثة،و هو جمع قياسيّ.و الظّاهر أنّ المراد الثّاني،أي صاروا يتحدّث بهم و بحالهم في الإهلاك،على سبيل التّعجّب و الاعتبار و ضرب المثل بهم.[ثمّ نقل قول الأخفش و الزّمخشريّ و قال:]

و«أفاعيل»ليس من أبنية اسم الجمع،و إنّما ذكره أصحابنا فيما شذّ من الجموع كقطيع و أقاطيع.و إذا كان «عباديد»قد حكموا عليه بأنّه جمع تكسير و هو لم يلفظ له بواحد،فأحرى«أحاديث»و قد لفظ له و هو حديث،

ص: 95

فالصّحيح أنّه جمع تكسير لا اسم جمع،لما ذكرناه.

(6:407)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

تفنى و تبقى عنك أحدوثة

فاجهد بأن تحسن أحدوثتك

في البيت دلالة على أنّ«الأحدوثة»تقال على الخير و الشّرّ،و هو خلاف ما قال الأخفش.(6:84)

القاسميّ: أي أخبارا يسمر بها و يتعجّب منها.

يعني أنّهم فنوا و لم يبقى إلاّ خبرهم،إن خيرا و إن شرّا.

(12:4400)

عبد الكريم الخطيب :إشارة إلى هلاك هذه الأمم المتتابعة،و زوال آثارها،فلم يبق منها إلاّ أحاديث يرويها النّاس عنها،و عمّا كان منها،و ما نزل بها...

(12:1139)

مكارم الشّيرازيّ: إشارة إلى أنّ كلّ أمّة تتعرّض للهلاك،أمّا الأشخاص و آثارهم فتبقى هنا و هناك، و أحيانا لا يبقى منهم أيّ أثر.و إنّ هذه الأمم المعاندة و الطّاغية كانت ضمن المجموعة الثّانية.(10:407)

2- ..وَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ...

سبأ:19

ابن قتيبة :أي عظة و معتبرا.(356)

الطّبريّ: صيّرناهم أحاديث للنّاس،يضربون بهم المثل في السّبّ،فيقال:«تفرّق القوم أيادي سبا،و أيدي سبا،إذا تفرّقوا و تقطّعوا.(22:86)

نحوه المراغيّ.(22:74)

الطّوسيّ: و قيل:معنى فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ أي أهلكنا و ألهمنا النّاس حديثهم ليعتبروا.(8:389)

الواحديّ: لمن بعدهم يتحدّثون بأمرهم و شأنهم كيف فعلنا بهم.(3:492)

نحوه البغويّ.(3:678)

الزّمخشريّ: يتحدّث النّاس بهم و يتعجّبون من أحوالهم.(3:286)

مثله النّسفيّ(3:323)،و القاسميّ(14:4946).

الطّبرسيّ: لمن بعدهم يتحدّثون بأمرهم و شأنهم و يضربون بهم المثل،فيقولون:«تفرّقوا أيادي سبا»إذا تشتّتوا أعظم التّشتّت.(4:387)

نحوه البيضاويّ(2:259)،و الكاشانيّ(4:216).

القرطبيّ: أي يتحدّث بأخبارهم،و تقديره في العربيّة:ذوي أحاديث.(14:291)

أبو حيّان :أي عظات و عبرا يتحدّث بهم و يتمثّل، و قيل:لم يبق منهم إلاّ الحديث،و لو بقي منهم طائفة لم يكونوا أحاديث.(7:273)

نحوه الشّربينيّ.(3:293)

أبو السّعود :أي جعلناهم بحيث يتحدّث النّاس بهم،متعجّبين من أحوالهم،و معتبرين بعاقبتهم و مآلهم.

(5:225)

البروسويّ: قال ابن الكمال:الأحاديث مبنيّ على واحده المستعمل و هو الحديث،كأنّهم جمعوا حديثا على أحدثة،ثمّ جمعوا الجمع على الأحاديث،أي جعلنا أهل سبأ أخبارا.[ثمّ قال نحو أبي السّعود](7:286)

الآلوسيّ: جمع أحدوثة،و هي ما يتحدّث به على

ص: 96

سبيل التّلهّي و الاستغراب،لا جمع حديث على خلاف القياس.و جعلهم نفس الأحاديث،إمّا على المبالغة،أو تقدير المضاف،أي جعلناهم بحديث يتحدّث النّاس بهم متعجّبين من أحوالهم،و معتبرين بعاقبتهم و مآلهم.

(22:131)

الطّباطبائيّ: أي أزلنا أعيانهم و آثارهم،فلم يبق منهم إلاّ أحاديث يحدّث بها فيما يحدّث،فعادوا أسماء لا مسمّى لهم إلاّ في وهم المتوهّم،و خيال المتخيّل.

(16:365)

الاحاديث

وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ... يوسف:6

راجع«أول-تأويل»المعجم 4:222.

و جاء بهذا المعنى:

وَ كَذلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ يوسف:21.

و رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ يوسف:101

احدث

قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً. الكهف:70

ابن عبّاس: أبيّن لك.(250)

الفرّاء: حتّى أكون أنا الّذي أسألك.(3:155)

الطّبريّ: حتّى أحدث أنا لك ممّا ترى من الأفعال الّتي أفعلها،الّتي تستنكرها،أذكرها لك،و أبيّن لك شأنها، و أبتدئك الخبر عنها.(15:283)

الطّوسيّ: معناه لا تسألني عن باطن أمر حتّى أكون أنا المبتدئ لك بذلك.(7:72)

الواحديّ: حتّى أكون أنا الّذي أفسّره لك،لأنّه قد غاب علمه عنك.(3:158)

نحوه الميبديّ(6:719)،و الطّبرسيّ(3:483)،و ابن الجوزيّ(5:171)،و القرطبيّ(11:18).

البغويّ: حتّى أبتدئ لك بذكره،فأبيّن لك شأنه.

(3:206)

الفخر الرّازيّ: أي لا تستخبرني عمّا تراه منّي ممّا لا تعلم وجهه حتّى أكون أنا المبتدئ لتعليمك إيّاه و إخبارك به.(21:153)

أبو حيّان :فلا تفاتحني بالسّؤال حتّى أكون أنا الفاتح عليك،و هذا من أدب المتعلّم مع العالم المتبوع.

(6:148)

نحوه القاسميّ: (11:4080)

أبو السّعود :أي حتّى أبتدئ ببيانه،و فيه إيذان بأنّ كلّ ما صدر عنه فله حكمة و غاية حميدة البتّة.[ثمّ ذكر نحو أبي حيّان].(4:204)

نحوه البروسويّ.(5:276)

الآلوسيّ: أي حتّى أبتدئك ببيانه،و الغاية-على ما قيل-مضروبة لما يفهم من الكلام،كأنّه قيل:أنكر بقلبك على ما أفعل حتّى أبيّنه لك.أو هي لتأبيد ترك السّؤال، فإنّه لا ينبغي السّؤال بعد البيان بالطّريق الأولى.

ص: 97

و على الوجهين فيها إيذان بأنّ كلّ ما يصدر عنه فله حكمة و غاية حميدة البتّة،و قيل:(حتّى)للتّعليل، و ليس بشيء.(15:335)

الطّباطبائيّ: و إحداث الذّكر من الشّيء:الابتداء به من غير سابقة،و المعنى فإن اتّبعتني فلا تسألني عن شيء تشاهده من أمري تشقّ عليك مشاهدته حتّى ابتدأ أنا بذكر منه.

و فيه إشارة إلى أنّه سيشاهد منه أمورا تشقّ عليه مشاهدتها و هو سيبيّنها له.لكن لا ينبغي لموسى أن يبتدئه بالسّؤال و الاستخبار،بل ينبغي أن يصبر حتّى يبتدئه هو بالإخبار.(13:343)

يحدث

1- وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَ صَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً. طه:113

الواحديّ: يجدّد لهم القرآن اعتبارا،فيتذكّروا به عقاب اللّه للأمم فيعتبروا.(3:223)

نحوه البغويّ.(3:276)

الزّمخشريّ: و قرئ (نحدث) و (تحدث) بالنّون و التّاء،أي تحدث أنت،و سكّن بعضهم الثّاء للتّخفيف.

(2:554)

ابن عطيّة: قالت فرقة:معناه أو يكسبهم شرفا، و يبقى عليهم إيمانهم ذكرا صالحا في الغابرين.

و قرأ الحسن البصريّ (أو يحدث) ساكنة الثّاء،و قرأ مجاهد (أو نحدث) بالنّون و سكون الثّاء.و لا وجه للجزم إلاّ على أن يسكّن حرف الإعراب استثقالا لحركته، و هذا نحو قول جرير:و لا يعرفكم العرب.(4:65)

الطّبرسيّ: [نحو الواحديّ و أضاف:]

و إنّما أضاف إحداث الذّكر إلى القرآن لأنّه يقع عنده كما قال: وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً الأنفال:2.(4:31)

الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:

الأوّل:أن يكون المعنى إنّا إنّما أنزلنا القرآن لأجل أن يصيروا متّقين،أي محترزين عمّا لا ينبغي،أو يحدث القرآن لهم ذكرا يدعوهم إلى الطّاعات و فعل ما ينبغي، و عليه سؤالات:

السّؤال الأوّل:القرآن كيف يكون محدثا للذّكر؟ الجواب:لمّا حصل الذّكر عند قراءته أضيف الذّكر إليه.

السّؤال الثّاني:لم أضيف«الذّكر»إلى القرآن و ما أضيفت«التّقوى»إليه؟الجواب:أنّ التّقوى عبارة عن أن لا يفعل القبيح،و ذلك استمرار على العدم الأصليّ، فلم يجز إسناده إلى القرآن،أمّا حدوث الذّكر فأمر حدث بعد أن لم يكن،فجازت إضافته إلى القرآن.

السّؤال الثّالث:كلمة(او)للمنافاة،و لا منافاة بين التّقوى و حدوث الذّكر بل لا يصحّ الاتّقاء إلاّ مع الذّكر، فما معنى كلمة(او)؟الجواب:هذا كقولهم:جالس الحسن أو ابن سيرين،أي لا تكن خاليا منهما،فكذا هاهنا.

الوجه الثّاني:أن يقال:إنّا أنزلنا القرآن ليتّقوا،فإن لم يحصل ذلك فلا أقلّ من أن يحدث القرآن لهم ذكرا و شرفا و صيتا حسنا،فعلى هذين التّقديرين يكون إنزاله تقوى.(22:121)

نحوه أبو حيّان.(6:281)

ص: 98

البيضاويّ: (ذكرا)عظة و اعتبارا حين يسمعونها، فيثبّطهم عنها.و لهذه النّكتة أسند التّقوى إليهم و الإحداث إلى القرآن.(2:62)

نحوه الشّربينيّ.(2:486)

النّسفيّ: الوعيد أو القرآن.(3:67)

البروسويّ: أي يجدّد القرآن لهم إيقاظا و اعتبارا بهلاك من قبلهم،مؤدّيا بالآخرة إلى الاتّقاء.و إحداث الشّيء:إيجاده،و الحدوث:كون الشّيء بعد أن لم يكن، عرضا كان أو جوهرا.(5:432)

الآلوسيّ: [و المراد]بالذّكر:العظة الحاصلة من استماع القرآن المثبطة عن المعاصي،و لمّا كانت أمرا يتجدّد بسبب استماعه،ناسب الإسناد إليه،و وصفه بالحدوث المناسب لتجدّد الألفاظ المسموعة.(16:267)

الطّباطبائيّ: يكون المراد بإحداث الذّكر لهم:

حصول التّذكّر فيهم،و تتمّ المقابلة بين الذّكر و التّقوى من غير تكلّف.(14:214)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ اختلاف جملة لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ مع جملة يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً يمكن أن يكون من جهة أنّ الجملة الأولى تقول:إنّ الهدف هو إيجاد و غرس التّقوى بصورة كاملة.و في الجملة الثّانية:إنّ الهدف هو أنّ التّقوى و إن لم تحصل كاملة،فليحصل على الأقلّ الوعي و العلم لتحدّه في حدود أوّلا،ثمّ تكون في المستقبل مصدرا و ينبوعا للحركة نحو الكمال.

و يحتمل أيضا أن تكون الجملة الأولى إشارة إلى إيجاد و تحقيق التّقوى بالنّسبة لغير المتّقين،و الثّانية إلى التّذكّر و التّذكير بالنّسبة للمتّقين،كما نقرأ في الآية(2) سورة الأنفال: وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً.

في الآية الآنفة الذّكر إشارة إلى أصلين مهمّين من أصول التّعليم و التّربية المؤثّرة:

أحدهما:مسألة الصّراحة في البيان،و كون العبارات بليغة واضحة تستقرّ في القلب.

و الآخر:بيان المطالب بأساليب متنوّعة لئلاّ تكون سببا للتّكرار و الملل،و لتنفذ إلى القلوب.(10:77)

2- ...لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً. الطّلاق:1 راجع«ط ل ق».

محدث

ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ. الأنبياء:2

ابن عبّاس: بآية بعد آية و سورة بعد سورة،لكان إتيان جبريل و قراءة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و استماعهم،محدثا، لا القرآن.(269)

قتادة :ما ينزل عليهم من شيء من القرآن إلاّ استمعوه و هم يلعبون.(الطّبريّ 17:2)

مقاتل:يحدث اللّه الأمر بعد الأمر.

(البغويّ: 3:282)

الفرّاء: لو كان«المحدث»نصبا أو رفعا لكان صوابا.

النّصب على الفعل:ما يأتيهم محدثا،و الرّفع على الرّدّ على تأويل الذّكر،لأنّك لو ألقيت(من)لرفعت«الذّكر»، و هو كقولك:ما من أحد قائم و قائم و قائما.النّصب في هذه على استحسان الباء،و في الأولى على الفعل.

(2:197)

ص: 99

الطّبريّ: ما يحدث اللّه من تنزيل شيء من هذا القرآن للنّاس و يذكّرهم به و يعظهم إلاّ استمعوه،و هم يلعبون لاهية قلوبهم.(17:2)

الزّجّاج: الخفض القراءة،و يجوز في غير القراءة:

محدثا و محدث.النّصب على الحال،و الرّفع بإضمار هو.

(3:383)

الماورديّ: (محدث)التّنزيل مبتدأ التّلاوة لنزوله سورة بعد سورة و آية بعد آية،كما كان ينزله اللّه عليه في وقت بعد وقت.(3:436)

نحوه الواحديّ(3:229)،و الطّبرسيّ(4:39).

الطّوسيّ: معناه أيّ شيء من القرآن محدث بتنزيله سورة بعد سورة و آية بعد آية.(7:228)

البغويّ: يعني ما يحدث اللّه من تنزيل شيء من القرآن يذكّرهم و يعظهم به.

و قيل:الذّكر المحدث:ما قاله النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و بيّنه من السّنن و المواعظ سوى ما في القرآن،و إضافته إلى الرّبّ عزّ و جلّ،لأنّه قال بأمر الرّبّ.(3:282)

نحوه الميبديّ(6:211)،و الخازن(4:233).

الزّمخشريّ: و يحدث لهم الآية بعد الآية و السّورة بعد السّورة،ليكرّر على أسماعهم التّنبيه و الموعظة لعلّهم يتّعظون،فما يزيدهم استماع الآي و السّور و ما فيها من فنون المواعظ و البصائر الّتي هي أحقّ الحقّ و أجدّ الجدّ إلاّ لعبا و تلهّيا و استسخارا.و الذّكر هو الطّائفة النّازلة من القرآن.

و قرأ ابن أبي عبلة (محدث) بالرّفع صفة على المحلّ.

(2:562)

ابن عطيّة:قالت فرقة:المراد ما ينزل من القرآن و معناه محدث:نزوله و إتيانه إيّاهم،لا هو في نفسه[ثمّ قال نحو البغويّ و أضاف:]

و قالت فرقة:«الذّكر»الرّسول نفسه،و احتجّت بقوله تعالى: قَدْ أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكُمْ ذِكْراً* رَسُولاً يَتْلُوا عَلَيْكُمْ آياتِ اللّهِ مُبَيِّناتٍ الطّلاق:10،11،فهو محدث على الحقيقة.(4:73)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:قرأ ابن أبي عبلة (محدث) بالرّفع صفة للمحلّ.

المسألة الثّانية:إنّما ذكر اللّه تعالى ذلك بيانا لكونهم معرضين؛و ذلك لأنّ اللّه تعالى يجدّد لهم الذّكر وقتا فوقتا،و يظهر لهم الآية بعد الآية و السّورة بعد السّورة، ليكرّر على أسماعهم التّنبيه و الموعظة لعلّهم يتّعظون،فما يزيدهم ذلك إلاّ لعبا و استسخارا.

المسألة الثّالثة:المعتزلة احتجّوا على حدوث القرآن بهذه الآية،فقالوا:القرآن ذكر و الذّكر محدث فالقرآن محدث،بيان أنّ القرآن ذكر قوله تعالى في صفة القرآن:

إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ ص:87،و قوله: وَ إِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَ لِقَوْمِكَ الزّخرف:44،و قوله: ص وَ الْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ ص:1،و قوله: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ الحجر:9،و قوله: إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ وَ قُرْآنٌ مُبِينٌ يس:

69،و قوله: وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ أَنْزَلْناهُ الأنبياء:50.

و بيان أنّ الذّكر محدث قوله في هذا الموضع:

ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ الأنبياء:2،و قوله: وَ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ

ص: 100

الشّعراء:5.

ثمّ قالوا:فصار مجموع هاتين المقدّمتين المنصوصتين كالنّصّ في أنّ القرآن محدث.

و الجواب من وجهين:الأوّل:أنّ قوله: إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ و قوله: وَ هذا ذِكْرٌ مُبارَكٌ إشارة إلى المركّب من الحروف و الأصوات،فإذا ضممنا إليه قوله:

ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ لزم حدوث المركّب من الحروف و الأصوات،و ذلك ممّا لا نزاع فيه بل حدوثه معلوم بالضّرورة،و إنّما النّزاع في قديم كلام اللّه تعالى بمعنى آخر.

الثّاني:أنّ قوله: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ لا يدلّ على حدوث كلّ ما كان ذكرا بل على ذكر ما محدث،كما أنّ قول القائل:لا يدخل هذه البلدة رجل فاضل إلاّ يبغضونه،فإنّه لا يدلّ على أنّ كلّ رجل يجب أن يكون فاضلا بل على أنّ في الرّجال من هو فاضل.

و إذا كان كذلك فالآية لا تدلّ إلاّ على أنّ بعض الذّكر محدث،فيصير نظم الكلام هكذا:القرآن ذكر و بعض الذّكر محدث.و هذا لا ينتج شيئا كما أنّ قول القائل:الإنسان حيوان و بعض الحيوان فرس،لا ينتج شيئا؛فظهر أنّ الّذي ظنّوه قاطعا،لا يفيد ظنّا ضعيفا، فضلا عن القطع.(22:140)

نحوه النّيسابوريّ.(17:5)

القرطبيّ: [ذكر قول الفرّاء و قال:]

أي ما يأتيهم ذكر من ربّهم محدث،يريد في النّزول و تلاوة جبريل على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فإنّه كان ينزل سورة بعد سورة،و آية بعد آية،كما كان ينزله اللّه تعالى عليه في وقت بعد وقت،لا أنّ القرآن مخلوق.(11:267)

البيضاويّ: (محدث)تنزيله،ليكرّر على أسماعهم التّنبيه كي يتّعظوا.و قرئ بالرّفع على المحلّ.(2:66)

النّسفيّ: في التّنزيل إتيانه،مبتدأة تلاوته،قريب عهده باستماعهم،و المراد به الحروف المنظومة،و لا خلاف في حدوثها.(3:71)

الشّربينيّ: إنزاله،أي ما يحدث اللّه تعالى من تنزيل شيء من القرآن يذكّرهم و يعظهم به،و بهذا سقط احتجاج المعتزلة بأنّ القرآن حادث،لهذه الآية.

(2:495)

أبو السّعود :(محدث)بالجرّ صفة ل(ذكر)،و قرئ بالرّفع حملا على محلّه،أي محدث تنزيله بحسب اقتضاء الحكمة.(4:322)

البروسويّ: (محدث)بالجرّ صفة ل(ذكر)أي محدث تنزيله بحسب اقتضاء الحكمة،لتكرّره على أسماعهم للتّنبيه،كي يتّعظوا،فالمحدث تنزيله في كلّ وقت على حسب المصالح و قدر الحاجة،لا الكلام الّذي هو صفة قديمة أزليّة،و أيضا الموصوف بالإتيان و بأنّه ذكر هو المركّب من الحروف و الأصوات،و حدوثه ممّا لا نزاع فيه.قالوا:القرآن اسم مشترك يطلق على الكلام الأزليّ الّذي هو صفة اللّه،و هو الكلام النّفسيّ القديم،من قال بحدوثه كفر،و يطلق أيضا على ما يدلّ عليه،و هو النّظم المتلوّ الحادث،من قال بقدمه سجّل على كمال جهله.

(5:452)

الآلوسيّ: و المراد بالحدوث الّذي يستدعيه

ص: 101

(محدث):التّجدّد،و هو يقتضي المسبوقيّة بالعدم.

(17:7)

القاسميّ: استدلّ بهذه الآية من ذهب إلى حدوث كلامه تعالى المسموع،و هم المعتزلة و الكراميّة و الأشعريّة.

فأمّا المعتزلة فقالوا:إنّما كان القرآن حادثا لكونه مؤلّفا من أصوات و حروف،فهو قائم بغيره.و قالوا:

معنى كونه متكلّما،أنّه موجد لتلك الحروف و الأصوات في الجسم،كاللّوح المحفوظ أو كجبريل أو النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام،أو غيرهم كشجرة موسى.

و أما الكراميّة،فلمّا رأوا ما التزمه المعتزلة مخالفا للعرف و اللّغة،ذهبوا إلى أنّ كلامه صفة له مؤلّفة من الحروف و الأصوات الحادثة القائمة بذاته تعالى،فذهبوا إلى حدوث الدّالّ و المدلول؛و جوّزوا كونه تعالى محلاّ للحوادث.

و الأشعريّة قالوا:إنّ الكلام المتلوّ دالّ على الصّفة القديمة النّفسيّة،الّتي هي الكلام عندهم حقيقة.

قالوا:فما نزل على الأنبياء من الحروف و الأصوات، و سمعوها و بلّغوها إلى أممهم،هو محدث موصوف بالتّغيّر و التّكثّر و النّزول.لا مدلولها الّتي هي تلك الصّفة القديمة،و المسألة شهير ما للعلماء فيها.و القصد أنّ الآية المذكورة رآها من ذكر،حجّة فيما ذهب إليه.

و قد عدّ الإمام ابن تيميّة-عليه الرّحمة و الرّضوان- هذا الاحتجاج من الأغلاط،و عبارته في كتابه«مطابقة المنقول للمعقول»:

احتجّ من يقول:بأنّ القرآن أو عبارة القرآن مخلوقة،بهذه الآية،مع أنّ دلالة الآية على نقيض قولهم، أقوى منها على قولهم.فإنّها تدلّ على أنّ بعض الذّكر محدث،و بعضه ليس بمحدث،و هو ضدّ قولهم.و الحدوث في لغة العرب العامّ ليس هو الحدوث في اصطلاح أهل الكلام،فإنّ العرب يسمّون ما تجدّد حادثا،و ما تقدّم على غيره قديما،و إن كان بعد أن لم يكن،كقوله تعالى:

كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ يس:39،و قوله تعالى عن إخوة يوسف: تَاللّهِ إِنَّكَ لَفِي ضَلالِكَ الْقَدِيمِ يوسف:95، و قوله تعالى: وَ إِذْ لَمْ يَهْتَدُوا بِهِ فَسَيَقُولُونَ هذا إِفْكٌ قَدِيمٌ الأحقاف:11،و قوله تعالى عن إبراهيم:

أَ فَرَأَيْتُمْ ما كُنْتُمْ تَعْبُدُونَ* أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمُ الْأَقْدَمُونَ الشّعراء:75،76 انتهى.

و قال العارف ابن عربيّ في الباب التّاسع و السّتّين و الثّلاثمائة من«فتوحاته»في هذه الآية:المراد أنّه محدث الإتيان،لا محدث العين،فحدث علمه عندهم حين سمعوه.و هذا كما تقول:حدث اليوم عندنا ضيف،و معلوم أنّه كان موجودا قبل أن يأتي،و كذلك القرآن جاء في موادّ حادثة تعلّق السّمع بها،فلم يتعلّق الفهم بما دلّت عليه الكلمات.فله الحدوث من وجه و القدم من وجه.

فإن قلت:فإذن الكلام للّه و التّرجمة للمتكلّم.

فالجواب نعم،و هو كذلك بدليل قوله تعالى مقسما (إنّه)يعني القرآن لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ الحاقّة:40، فأضاف الكلام إلى الواسطة و المترجم،كما أضافه تعالى إلى نفسه بقوله: فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللّهِ التّوبة:6، فإذا تلا علينا القرآن فقد سمعنا كلام اللّه تعالى،و موسى لمّا كلّمه ربّه سمع كلام اللّه.و لكن بين السّماعين بعد

ص: 102

المشرقين،فإنّ الّذي يدركه من يسمع كلام اللّه بلا واسطة،لا يساويه من يسمعه بالوسائط،انتهى.

و بالجملة فما لمذهب المأثور عن أهل السّنّة و الجماعة أئمّة الحديث و السّلف،كما قاله ابن تيميّة في«منهاج السّنّة»:إنّ اللّه تعالى لم يزل متكلّما إذا شاء بكلام يقوم به،و هو متكلّم بصوت يسمع،و إنّ نوع الكلام قديم،و إن لم يجعل نفس الصّوت المعيّن قديما.

و بعبارة أخرى:إنّه تعالى لم يزل متّصفا بالكلام، يقول بمشيئته و قدرته شيئا فشيئا،فكلامه حادث الآحاد،قديم النّوع.

ثمّ قال رحمه اللّه:فإن قيل لنا:فقد قلتم بقيام الحوادث بالرّبّ.

قلنا:نعم،و هذا قولنا الّذي دلّ عليه الشّرع و العقل.

و من لم يقل:إنّ البارئ يتكلّم و يريد و يحبّ و يبغض و يرضى و يأتي و يجيء،فقد ناقض كتاب اللّه.و من قال:

إنّه لم يزل ينادي موسى في الأزل،فقد خالف كلام اللّه مع مكابرة العقل،لأنّ اللّه تعالى يقول: فَلَمّا جاءَها نُودِيَ النّمل:8،و قال: إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ يس:82،فأتى بالحروف الدّالّة على الاستقبال.

ثمّ قال رحمه اللّه:قالوا-يعني أئمّة أصحاب الحديث و غيرهم من أصحاب الشّافعيّ و أحمد و غيرهما-:

و بالجملة فكلّ ما يحتجّ به المعتزلة و الشّيعة ممّا يدلّ على أنّ كلامه متعلّق بمشيئته و قدرته،و أنّه يتكلّم إذا شاء و أنّه يتكلّم شيئا بعد شيء،فنحن نقول به.و ما يقول به من يقول:إنّ كلام اللّه قائم بذاته،و أنّه صفة له،و الصّفة لا تقوم إلاّ بالموصوف،فنحن نقول به.و قد أخذنا بما في قول كلّ من الطّائفتين من الصّواب،و عدلنا عمّا يردّه الشّرع و العقل من قول كلّ منهما.فإذا قالوا لنا:فهذا يلزم منه أن تكون الحوادث قامت به،قلنا:و من أنكر هذا قبلكم من السّلف و الأئمّة؟و نصوص القرآن و السّنّة تتضمّن ذلك مع صريح العقل،و هو قول لازم لجميع الطّوائف،و من أنكره فلم يعرف لوازمه و ملزوماته.و لفظ الحوادث مجمل فقد يراد به الأعراض و النّقائص،و اللّه منزّه عن ذلك،و لكن يقوم به ما شاءه و يقدر عليه من كلامه و أفعاله و نحو ذلك،ممّا دلّ عليه الكتاب و السّنّة.

ثمّ قال:و القول بدوام كونه متكلّما و دوام كونه فاعلا بمشيئته،منقول عن السّلف و أئمّة المسلمين من أهل البيت و غيرهم،كابن المبارك و أحمد بن حنبل و البخاريّ و عثمان بن سعيد الدّارميّ و غيرهم.

ثمّ قال:فنحن قلنا بما يوافق العقل و النّقل من كمال قدرته و مشيئته،و إنّه قادر على الفعل بنفسه كيف شاء.

و قلنا:إنّه لم يزل موصوفا بصفات الكمال متكلّما ذاتا، فلا نقول:إنّ كلامه مخلوق منفصل عنه،فإنّ حقيقة هذا القول أنّه لا يتكلّم.و لا نقول:إنّه شيء واحد،أمر و نهي و خبر،فإنّ هذا مكابرة للعقل.و لا نقول:إنّه أصوات منقطعة متضادّة أزليّة،فإنّ الأصوات لا تبقى زمانين.

و أيضا فلو قلنا بهذا القول و الّذي قبله،لزم أن يكون تكليم اللّه للملائكة و لموسى و لخلقه يوم القيامة،ليس إلاّ مجرّد خلق الإدراك لهم،لما كان أزليّا لم يزل،و معلوم أنّ النّصوص دلّت على ضدّ ذلك.و لا نقول:إنّه صار

ص: 103

متكلّما بعد أن لم يكن متكلّما،فإنّه وصف له بالكمال بعد النّقص،و إنّه صار محلاّ للحوادث الّتي كمل بها بعد نقصه،ثمّ حدوث ذلك الكمال لا بدّ له من سبب.و القول في الثّاني كالقول في الأوّل،ففيه تجدّد جلاله و دوام أفعاله،انتهى ملخّصا.(11:4245)

عزّة دروزة :تعليق على كلمة«محدث»و على مسألة خلق القرآن.

و لقد وقف علماء الكلام عند كلمة(محدث)حيث اتّخذها بعضهم دليلا على حدوث القرآن،و أوّلها بعضهم بما يجعل هذا الاستدلال في غير محلّه،لأنه يؤدّي إلى القول:بأنّ القرآن حادث و هو كلام اللّه،كما جاء في آية التّوبة هذه وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللّهِ و الكلام من صفات اللّه القديمة بقدمة الّتي لا يصحّ عليها حدوث و خلق.

و الكلمة في مقامها واضحة الدّلالة على أنّها إنّما قصدت«آيات جديدة النّزول»و لا تتحمّل إثارة المعنى الّذي أريد الجدل حوله.

و مسألة خلق القرآن من المسائل الكلاميّة الشّهيرة الّتي أدّت إلى فتنة شديدة في زمن المأمون الخليفة العبّاسيّ،و امتدّت نحو عشرين سنة،و اضطهد و عذّب في سبيلها علماء كثيرون على رأسهم الإمام أحمد بن حنبل،لأنّهم أريدوا على القول بإيعاز من المعتزلة:بأنّ القرآن مخلوق فأبوا.

و هذه المسألة متفرّعة عن مسألة أعمّ،و هي الخلاف على صفات اللّه بين أهل السّنّة و المعتزلة.

فالمعتزلة قالوا:إنّ صفات اللّه هي ذات اللّه،فهو عالم بذاته قادر بذاته متكلّم بذاته إلخ،أي بدون علم و قدرة و كلام زائد عن ذاته أو غير ذاته،على اعتبار أنّ الذّهاب إلى كون صفات اللّه القديمة بقدمه غير ذاته هو تعدّد للّه القديم الّذي يستحيل عليه التّعدّد.

و أهل السّنّة قالوا:إنّ لصفات اللّه معنى زائدا عن ذاته،فهو عالم بعلم و قادر بقدرة و متكلّم بكلام، و احترزوا بهذا لمنع تعدّد اللّه القديم بتعدّد صفاته،لأنّهم مثل المعتزلة يعتقدون باستحالة التّعدّد في حقّ اللّه.

ثمّ انجرّ الخلاف إلى صفة كلام اللّه و ماهيّة القرآن باعتباره كلام اللّه،فقال فريق من أهل السّنّة:إنّ اللّه متكلّم بكلام أزليّ قديم زائد عن ذاته و غير منفكّ عنها، و إنّ القرآن معنى قائم بذات اللّه،و قيّدوا أنّهم لا يعنون بذلك الحروف و الأصوات المقروءة المسموعة المكتوبة، و مثّلوا على ذلك بالفرق بين ما يدور في خلد الإنسان من كلام دون أن ينطق به،فهو شامل في أيّ واحد لجميع الكلام الّذي يدور في الخلد.أمّا الحروف و الأصوات المقروءة المسموعة المكتوبة من القرآن،فإنّها ليس من تلك الصّفة القديمة،و إنّما هي من الحوادث لأنّها تابعة لترتيب يتقدّم فيه حرف على حرف نطقا و كتابة و سمعا، و هذا من سمات الأمور الحادثة.

و قال فريق آخر من أهل السّنّة:إنّ حروف القرآن المكتوبة المقروءة و أصواتها المسموعة،غير منفكّة عن صفة كلام اللّه الأزليّ القديم،و أنّها مثلها قديمة أزليّة أيضا ليست حادثة و لا مخلوقة.

أمّا المعتزلة-و الشّيعة الإماميّة مثلهم في أكثر المذاهب الكلاميّة-فقد قالوا:إنّ اللّه متكلّم بذاته بدون

ص: 104

كلام زائد عنها،و أنّه يخلق الحروف و الأصوات في الأعراض فتقرأ و تسمع،و أنّ القرآن باعتبار أنّه متّصف بما هو صفات المخلوق و سمات الحدوث،من تأليف و تنظيم،و إنزال و تنزيل،و كتابة و سماع، و عروبة لسان و حفظ،و ناسخ و منسوخ،إلخ هو مخلوق و لا يصحّ أن يكون قديما أزليّا.و يقولون:إنّ القرآن اسم لما نقل إلينا بين دفّتي المصحف تواترا،و هذا يستلزم كونه مكتوبا في المصاحف مقروء بالألسن مسموعا بالآذان،و كلّ ذلك من سمات الحدوث بالضّرورة.

و يردّ عليهم أهل السّنّة:بأنّه كلام اللّه مكتوب في مصاحفنا محفوظ في قلوبنا مقروء بألسنتا مسموع بآذاننا غير حالّ فيها،بل هو معنى قديم قائم بذات اللّه،يلفظ و يسمع بالنّظم الدّالّ عليه،و يكتب بنقوش و صور و أشكال موضوعة للحروف و يكتب بالقلم،و أنّ المراد بأنّ القرآن غير مخلوق هو حقيقته الموجودة في الخارج...

هذه خلاصة وجيزة جدّا،لأنّ التّبسّط في الكلام ليس من منهجنا.و واضح أنّ الجماعات المختلفة معترفون بكمال صفات اللّه،و أنّ اختلافهم هو حول آثار هذه الصّفات و تخيّلها و تفهّمها و مداها،و أنّ شأنهم في هذا شأنهم في الخلافيّات الكلاميّة الأخرى،منهم المعظّم للّه و منهم المنزّه له،و أنّهم متّفقون على أنّ القرآن منزل من اللّه على نبيّه.

و نعتقد أنّ ثوران هذه المسألة الخلافيّة و ما ترتّب عليها من فتنة في أوائل القرن الثّالث الهجريّ،ذو صلة بالأحداث السّياسيّة و النّحليّة و الطّائفيّة و العنصريّة الّتي حدثت في القرون الإسلاميّة الأولى،و أنّه كان لتسرّب الأساليب الكلاميّة و الكتب الفلسفيّة الأجنبيّة أثر قويّ فيها،و أنّها لا تتّصل بآثار نبويّة و راشديّة موثّقة ثابتة في ذاتها،فضلا عمّا هناك من آثار نبويّة و راشديّة تنهى عن الخوض في ماهيّة اللّه و القرآن،و توجب أن يظلّ المسلم في حدود التّقريرات القرآنيّة،من أنّ القرآن كلام اللّه و من عند اللّه،و أنّ للّه أحسن الأسماء و أكمل الصّفات،و أنّه ليس كمثله شيء، و أنّه لا تدركه الأبصار،و ألاّ يتورّط و يخوض في ماهيّات و كيفيّات متّصلة بسرّ واجب الوجود و سرّ الوحي و النّبوّة،ممّا لا يستطاع إدراكه بالعقل العاديّ،و ممّا لا طائل من ورائه.مع ملاحظة هامّة هي صلة القرآن بأحداث السّيرة النّبويّة و ظروف البيئة النّبويّة،و استهدافه الدّعوة إلى اللّه وحده و الإيمان به،و إصلاح البشر و توجيههم إلى ما فيه خيرهم و صلاحهم و سعادتهم في الدّنيا و الآخرة،و اللّه أعلم.(6:156)

الطّباطبائيّ: و استدلّ بظاهر الآية على كون القرآن محدثا غير قديم،و أوّلها الأشاعرة بأنّ توصيف الذّكر بالمحدث من جهة نزوله،و هو لا ينافي قدمه في نفسه،و ظاهر الآية عليهم،و للكلام تتمّة نوردها في بحث مستقلّ.

كلام في معنى حدوث الكلام و قدمه في فصول:

1-ما معنى حدوث الكلام و بقائه؟إذا سمعنا كلاما من متكلّم كشعر من شاعر،لم نلبث دون أن ننسبه إليه، ثمّ إذا كرّره و تكلّم بمثله ثانيا لم نرتب في أنّه هو كلامه الأوّل بعينه أعاده ثانيا،ثمّ إذا نقل ناقل عنه ذلك حكمنا بأنّه كلام ذلك القائل الأوّل بعينه،ثمّ كلّما تكرّر النّقل

ص: 105

كان المنقول من الكلام هو بعينه الكلام الأوّل الصّادر من المتكلّم الأوّل،و إن تكرّر إلى ما لا نهاية له.

هذا بالبناء على ما يقضي به الفهم العرفيّ.لكنّا إذا أمعنّا في ذلك قليل إمعان وجدنا حقيقة الأمر على خلاف ذلك،فقول القائل:جاءني زيد مثلا،ليس كلاما واحدا، لأنّ فيه الجيم أو الألف أو الهمزة،فإنّ كلّ واحدة منها فرد من أفراد الصّوت المتكوّن من اعتماد نفس المتكلّم على مخرج من مخارج فمه،و المجموع أصوات كثيرة ليس بواحدة البتّة إلاّ بحسب الوضع و الاعتبار.

ثمّ إنّ الّذي تكلّم به قائل القول الأوّل ثانيا و الّذي تكلّم به النّاقل الّذي ينقله عن صاحبه الأوّل ثالثا و رابعا و غير ذلك،أفراد أخر من الصّوت مماثلة لما في الكلام الأوّل المفروض من الأصوات المتكوّنة و ليست عينها، إلاّ بحسب الاعتبار،و ضرب من التّوسّع.

و ليس هذه الأصوات كلاما إلاّ من حيث إنّها علائم و أمارات بحسب الوضع و الاعتبار،تدلّ على معان ذهنيّة،و لا واحدا إلاّ باعتبار تعلّق غرض واحد بها.

و يتحصّل بذلك أنّ الكلام بما أنّه كلام أمر وضعيّ اعتباريّ لا تحقّق له في الخارج من ظرف الدّعوى و الاعتبار،و إنّما المتحقّق في الخارج حقيقة الأفراد من الصّوت الّتي جعلت علائم بالوضع و الاعتبار،بما أنّها أصوات لا بما أنّها علائم مجعولة،و إنّما ينسب التّحقّق إلى الكلام بنوع من العناية.

و من هنا يظهر أنّ الكلام لا يتّصف بشيء من الحدوث و البقاء،فإنّ الحدوث و هو مسبوقيّة الوجود بالعدم الزّمانيّ،و البقاء و هو كون الشّيء موجودا في الآن بعد الآن على نعت الاتّصال،من شئون الحقائق الخارجيّة،و لا تحقّق للأمور الاعتباريّة في الخارج.

و كذا لا يتّصف الكلام بالقدم،و هو عدم كون وجود الشّيء مسبوقا بعدم زمانيّ،لأنّ القدم أيضا كالحدوث في كونه من شئون الحقائق الخارجيّة دون الأمور الاعتباريّة.

على أنّ في اتّصاف الكلام بالقدم إشكالا آخر بحياله،و هو أنّ الكلام هو المؤلّف من حروف مترتّبة متدرّجة بعضها قبل و بعضها بعد،و لا يتصوّر في القدم تقدّم و تأخّر و إلاّ كان المتأخّر حادثا و هو قديم،هذا خلف،فالكلام-بمعنى الحروف المؤلّفة الدّالّة على معنى تامّ بالوضع-لا يتصوّر فيه قدم مع كونه محالا في نفس الأمر،فافهم ذلك.

2-هل الكلام بما هو كلام فعل أو صفة ذاتيّة،بمعنى أنّ ذات المتكلّم هل هي تامّة في نفسها مستغنية عن الكلام ثمّ يتفرّع عليها الكلام،أو أنّ قوام الذّات متوقّف عليه كتوقّف الحيوان في ذاته على الحياة،أو كعدم انفكاك الأربعة عن الزّوجيّة في وجه؟لا ريب أنّ الكلام بحسب الحقيقة ليس فعلا و لا صفة للمتكلّم،لأنّه أمر اعتباريّ، لا تحقّق له إلاّ في ظرف الدّعوى و الوضع،فلا يكون فعلا حقيقيّا صادرا عن ذات خارجيّة،و لا صفة لموصوف خارجيّ.

نعم الكلام بما أنّه عنوان لأمر خارجيّ و هو الأصوات المؤلّفة،و هي أفعال خارجيّة للمتصوّت بها، تعدّ فعلا للمتكلّم بنوع من التّوسّع،ثمّ يؤخذ عن نسبته إلى الفاعل وصف له و هو التّكلّم و التّكليم،كما في

ص: 106

نظائره من الاعتباريّات كالخضوع و الإعظام و الإهانة و البيع و الشّرى،و نحو ذلك.

3-من الممكن أن يحلّل الكلام من جهة غرضه، و هو الكشف عن المعاني المكنونة في الضّمير،فيعود بذلك أمرا حقيقيّا بعد ما كان اعتباريّا.و هذا أمر جار في جلّ الاعتباريّات أو كلّها،و قد استعمله القرآن في معان كثيرة كالسّجود و القنوت و الطّوع و الكره و الملك و العرش و الكرسيّ و الكتاب،و غير ذلك.

فحقيقة الكلام هو ما يكشف به عن مكنونات الضّمير،فكلّ معلول كلام لعلّته،لكشفه بوجوده عن كما لها المكنون في ذاتها،و أدقّ من ذلك أنّ صفات الشّيء الذّاتيّة كلام له يكشف به عن مكنون ذاته،و هذا هو الّذي يذكر الفلاسفة أنّ صفاته تعالى الذّاتيّة كالعلم و القدرة و الحياة كلام له تعالى،و أيضا العالم كلامه تعالى.

و بيّن أنّ الكلام بناء على هذا التّحليل في قدمه و حدوثة تابع لسنخ وجوده،فالعلم الإلهيّ كلام قديم بقدم الذّات،و زيد الحادث بما هو آية تكشف عن ربّه كلام له حادث،و الوحي النّازل على النّبيّ بما أنّه تفهيم إلهيّ حادث بحدوث التّفهيم،و بما أنّه في علم اللّه- و اعتبر علمه كلاما له-قديم بقدم الذّات،كعلمه تعالى بجميع الأشياء من حادث و قديم.

4-تحصّل من الفصول السّابقة أنّ القرآن الكريم إن أريد به هذه الآيات الّتي نتلوها،بما أنّها كلام دالّ على معان ذهنيّة نظير سائر الكلام ليس بحسب الحقيقة لا حادثا و لا قديما.نعم هو متّصف بالحدوث بحدوث الأصوات الّتي هي معنونة بعنوان الكلام و القرآن.

و إن أريد به ما في علم اللّه من معانيها الحقّة،كان كعلمه تعالى بكلّ شيء حقّ قديما بقدمه،فالقرآن قديم أي علمه تعالى به قديم،كما أنّ زيدا الحادث قديم،أي علمه تعالى به.

و من هنا يظهر أنّ البحث عن قدم القرآن و حدوثه بما أنّه كلام اللّه ممّا لا جدوى فيه،فإنّ القائل بالقدم إن أراد به أنّ المقروء من الآيات بما أنّها أصوات مؤلّفة دالّة على معانيها قديم غير مسبوق بعدم فهو مكابر،و إن أراد به أنّه في علمه تعالى،و بعبارة أخرى علمه تعالى بكتابه قديم،فلا موجب لإضافة علمه إليه ثمّ الحكم بقدمه،بل علمه بكلّ شيء قديم بقدم ذاته،لكون المراد بهذا العلم هو العلم الذّاتيّ.

على أنّه لا موجب حينئذ لعدّ الكلام صفة ثبوتيّة ذاتيّة أخرى له تعالى و راء العلم لرجوعه إليه،و لو صحّ لنا عدّ كلّ ما ينطبق بحسب التّحليل على بعض صفاته الحقيقيّة الثّبوتيّة صفة ثبوتيّة له،لم ينحصر عدد الصّفات الثّبوتيّة بحاصر لجواز مثل هذا التّحليل،في مثل الظّهور و البطون و العظمة و البهاء و النّور و الجمال و الكمال و التّمام و البساطة،إلى غير ذلك ممّا لا يحصى.

و الّذي اعتبره الشّرع و ورد من هذا اللّفظ في القرآن الكريم ظاهر في المعنى الأوّل المذكور ممّا لا تحليل فيه،كقوله تعالى: تِلْكَ الرُّسُلُ فَضَّلْنا بَعْضَهُمْ عَلى بَعْضٍ مِنْهُمْ مَنْ كَلَّمَ اللّهُ البقرة:253،و قوله: وَ كَلَّمَ اللّهُ مُوسى تَكْلِيماً النّساء:164،و قوله: وَ قَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ البقرة:75،و قوله:

يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ المائدة:13،إلى غير

ص: 107

ذلك من الآيات.

و أمّا ما ذكره بعضهم أنّ هناك كلاما نفسيّا قائما بنفس المتكلّم غير الكلام اللّفظيّ،و أنشد في ذلك قول الشّاعر:

إنّ الكلام لفي الفؤاد و إنّما

جعل اللّسان على الفؤاد دليلا

و الكلام النّفسيّ فيه تعالى هو الموصوف بالقدم دون الكلام اللّفظيّ.

ففيه أنّه إن أريد بالكلام النّفسيّ معنى الكلام اللّفظيّ أو صورته العلميّة الّتي تنطبق على لفظه،عاد معناه إلى العلم و لم يكن أمرا يزيد عليه و صفة مغايرة له، و إن أريد به معنى وراء ذلك فلسنا نعرفه في نفوسنا إذا راجعناها.

و أمّا ما أنشد من الشّعر في بحث عقليّ فلا ينفعه و لا يضرّنا،و الأبحاث العقليّة أرفع مكانة من أن يصارع فيها الشّعراء.(14:247)

عبد الكريم الخطيب :و الذّكر المحدث هو ما يتنزّل من آيات اللّه،حالا بعد حال و يتجدّد زمنا بعد زمن،و هؤلاء المشركون الغافلون على حال واحدة مع كلّ ما ينزل من آيات اللّه يسمعونها بآذان لا تصغي إلى حقّ،و بقلوب لا تتفتّح لقبول خير.(9:847)

مكارم الشّيرازيّ: و التّعبير ب(محدث)إشارة إلى أنّ الكتب السّماويّة كانت تنزل الواحد تلو الآخر، و تحتوي كلّ سورة من سور القرآن و كلّ آية من آياته محتوى جديدا،ينفذ إلى قلوب الغافلين بطرق مختلفة، لكن أيّ فائدة مع من يتّخذ كلّ ذلك هزوا.(10:110)

تحدّث

يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها. الزّلزال:4

ابن مسعود:فتخبر بأنّ أمر الدّنيا قد انقضى،و أنّ أمر الآخرة قد أتى،فيكون ذلك منها جوابا عند سؤالهم، وعيدا للكافر و إنذارا للمؤمن.(الماورديّ 6:319)

ابن عبّاس: تخبر الأرض بما عمل عليها من الخير و الشّرّ.(516)

نحوه مجاهد(الطّبريّ 30:267)،و زيد بن عليّ (493)،و الثّوريّ(الطّبريّ 30:297)،و الزّجّاج(5:

351)،و الواحديّ(4:542)،و البغويّ(5:292)، و الخازن(7:234)،و ابن كثير(7:349).

ابن زيد :ما كان فيها،و على ظهرها من أعمال العباد.(الطّبريّ 30:267)

الطّبريّ: و قد ذكر عن عبد اللّه أنّه كان يقرأ ذلك (يومئذ تنبئ اخبارها) .

و قيل:معنى ذلك أنّ الأرض تحدّث أخبارها من كان على ظهرها من أهل الطّاعة و المعاصي،و ما عملوا عليها من خير أو شرّ.(30:267)

أبو مسلم الأصفهانيّ: يومئذ يتبيّن لكلّ أحد جزاء عمله،فكأنّها حدّثت بذلك،كقولك:الدّار تحدّثنا بأنّها كانت مسكونة،فكذا انتقاض الأرض بسبب الزّلزلة تحدّث أنّ الدّنيا قد انقضت و أنّ الآخرة قد أقبلت.(الفخر الرّازيّ:32:59)

الماورديّ: و في حديثها بأخبارها ثلاثة أقاويل:

أحدها:أنّ اللّه تعالى يقلبها حيوانا ناطقا فتتكلّم بذلك.

الثّاني:أنّ اللّه تعالى يحدث الكلام فيها.

ص: 108

الثّالث:يكون الكلام منها بيانا يقوم مقام الكلام.

(6:319)

الطّوسيّ: قيل:معناه يظهر بالدّليل الّذي يجعله اللّه فيها ما يقوم مقام إخبارها،بأنّ أمر الدّنيا قد انقضى و أمر الآخرة قد أتى،و أنّه لا بدّ من الجزاء،و أن الفوز لمن اتّقى و أنّ النّار لمن عصى.

و قيل:معناه تحدّث أخبارها بمن عصى عليها:إمّا بأن يقلبها حيوانا قادرا على الكلام فتتكلّم بذلك،أو يحدث اللّه تعالى الكلام فيها،و نسبه إليها مجازا،أو يظهر فيها ما يقوم مقام الكلام،فعبّر عنه بالكلام.[ثمّ استشهد بشعر](10:394)

الزّمخشريّ: فإن قلت:ما معنى تحديث الأرض و الإيحاء لها؟

قلت:هو مجاز عن إحداث اللّه تعالى فيها من الأحوال ما يقوم مقام التّحديث باللّسان،حتّى ينظر من يقول:(ما لها)إلى تلك الأحوال،فيعلم لم زلزلت و لم لفظت الأموات.و أنّ هذا ما كانت الأنبياء ينذرونه و يحذّرون منه.

و قيل:ينطقها اللّه على الحقيقة،و تخبر بما عمل عليها من خير و شرّ.و روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«تشهد على كلّ أحد بما عمل على ظهرها».

فإن قلت:(اذا)و(يومئذ)ما ناصبهما؟

قلت:(يومئذ)بدل من(اذا)و ناصبهما(تحدّث) و يجوز أن ينتصب(اذا)بمضمر و(يومئذ)ب(تحدّث).

فإن قلت:أين مفعولا(تحدّث)؟

قلت:قد حذف أوّلهما و الثّاني(اخبارها)،و أصله:

تحدّث الخلق أخبارها،إلاّ أنّ المقصود ذكر تحديثها الأخبار لا ذكر الخلق،تعظيما لليوم.(4:276)

ابن عطيّة: إنّ قول المحدّث:حدّثنا و أخبرنا سواء و قال الطّبريّ و قوم:التّحديث في الآية مجاز،و المعنى أنّ ما تفعله بأمر اللّه من إخراج أثقالها و تفتّت أجزائها و سائر أحوالها،هو بمنزلة التّحديث بأنبائها و أخبارها،و يؤيّد القول الأوّل قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«فإنّه لا يسمع مدى صوت المؤذّن جنّ و لا إنس و لا شيء إلاّ شهد له يوم القيامة».

و قرأ عبد اللّه بن مسعود: (تنبئ اخبارها)، و قرأ سعيد بن جبير:(تبيّن).(5:511)

الطّبرسيّ: (تحدّث)يجوز أن يكون على الخطاب، أي تحدّث أنت.و يجوز أن يكون على(تحدّث)هي.[إلى أن قال:]

أي تخبر بما عمل عليها،و جاء في الحديث«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،قال:أ تدرون ما أخبارها؟قالوا:اللّه و رسوله أعلم،قال:أخبارها أن تشهد على كلّ عبد و أمة بما عمل على ظهرها،تقول:عمل كذا و كذا يوم كذا و كذا،هذا أخبارها»و على هذا فيجوز أن يكون اللّه تعالى أحدث الكلام فيها،و إنّما نسبه إليها توسّعا و مجازا،و يجوز أن يقلبها حيوانا يقدر على النّطق،و يجوز أن يظهر فيها ما يقوم مقام الكلام فعبّر عنه بالكلام.(5:525)

الفخر الرّازيّ: فيه سؤالات:

الأوّل:أين مفعولا(تحدّث)؟الجواب:

[مثل الزّمخشريّ]

السّؤال الثّاني:ما معنى تحديث الأرض؟

قلنا:فيه وجوه:

ص: 109

أحدها:و هو قول أبي مسلم[و قد تقدّم]

و الثّاني:و هو قول الجمهور:أنّ اللّه تعالى يجعل الأرض حيوانا عاقلا ناطقا،و يعرّفها جميع ما عمل أهلها،فحينئذ تشهد لمن أطاع و على من عصى، قال عليه السّلام:«إنّ الأرض لتخبر يوم القيامة بكلّ عمل عمل عليها»ثمّ تلا هذه الآية.

و هذا على مذهبنا غير بعيد،لأنّ البنية عندنا ليست شرطا لقبول الحياة،فالأرض مع بقائها على شكلها و يبسها و قشفها يخلق اللّه فيها الحياة و النّطق،و المقصود كأنّ الأرض تشكو من العصاة و تشكر من أطاع اللّه، فتقول:إنّ فلانا صلّى و زكّى و صام و حجّ فيّ،و إنّ فلانا كفر و زنى و سرق و جار،حتّى يودّ الكافر أن يساق إلى النّار،و كان عليّ عليه السّلام إذا فرغ بيت المال صلّى فيه ركعتين،و يقول:لتشهدنّ أنّي ملأتك بحقّ و فرّغتك بحقّ.

و القول الثّالث:و هو قول المعتزلة:أنّ الكلام يجوز خلقه في الجماد،فلا يبعد أن يخلق اللّه تعالى في الأرض حال كونها جمادا أصواتا مقطّعة مخصوصة،فيكون المتكلّم و الشّاهد على هذا التّقدير هو اللّه تعالى.

السّؤال الثّالث:(اذا)و(يومئذ)ما ناصبهما؟الجواب:

[نحو الزّمخشريّ]

السّؤال الرّابع:لفظ التّحديث يفيد الاستئناس، و هناك لا استئناس،فما وجه هذا اللّفظ؟

الجواب:أنّ الأرض كأنّها تبثّ شكواها إلى أولياء اللّه و ملائكته.(32:59)

القرطبيّ: (يومئذ)منصوب بقوله: (إِذا زُلْزِلَتِ) .

و قيل:بقوله: (تُحَدِّثُ أَخْبارَها) أي تخبر الأرض بما عمل عليها من خير أو شرّ يومئذ.ثمّ قيل:هو من قول اللّه تعالى.و قيل:من قول الإنسان؛أي يقول الإنسان:ما لها تحدّث أخبارها متعجّبا.(20:148)

البيضاويّ: تحدّث الخلق بلسان الحال.(2:571)

النّيسابوريّ: أي تشهد لك و عليك.(30:156)

الخازن :فيقول الإنسان:(ما لها)و المعنى أنّ الأرض تحدّث بكلّ ما عمل على ظهرها من خير أو شرّ، فتشكو العاصي و تشهد عليه و تشكر الطّائع و تشهد له.(7:234)

أبو حيّان :الظّاهر أنّه تحديث و كلام حقيقة،بأن يخلق فيها حياة و إدراكا،فتشهد بما عمل عليها من صالح أو فاسد.[ثمّ نقل بعض الرّوايات المتقدّمة]

(8:500)

الشّربينيّ: و قوله تعالى: تُحَدِّثُ أَخْبارَها جواب(اذا)و هو النّاصب لها عند الجمهور.[ثمّ قال نحو ابن عبّاس و نقل بعض الأقوال](4:574)

أبو السّعود :(يومئذ)بدل من(اذا)،و قوله تعالى:

تُحَدِّثُ أَخْبارَها عامل فيهما.و يجوز أن يكون(اذا) منتصبا بمضمر،أي يوم إذ زلزلت الأرض تحدّث الخلق أخبارها:إمّا بلسان الحال حيث تدلّ دلالة ظاهرة على ما لأجله زلزالها و إخراج أثقالها،و إمّا بلسان المقال حيث ينطقها اللّه تعالى فتخبر بما عمل عليها من خير و شرّ.(6:458)

البروسويّ: (يومئذ)بدل من(اذا)، تُحَدِّثُ أَخْبارَها عامل فيهما و هو جواب الشّرط،و هذا على

ص: 110

القول بأنّ العامل في إذا الشّرطيّة جوابها،و(اخبارها) مفعول ل(تحدّث)،و الأوّل محذوف لعدم تعلّق الغرض بذكره؛إذ الكلام مسوق لبيان تهويل اليوم و أنّ الجمادات تنطق فيه.و أمّا ما ذكر ابن الحاجب من أنّ:

حدّث و أنبأ و نبّأ،لا يتعدّى إلاّ إلى مفعول واحد فغير مسلّم الصّحّة،على ما فصّل في محلّه.[ثمّ أدام نحو أبي السّعود](10:492)

الآلوسيّ: أي الأرض،و احتمال كون الفاعل المخاطب-كما زعم الطّبرسيّ-لا وجه له،عامل فيهما.

و قيل:العامل مضمر يدلّ عليه مضمون الجمل بعد، و التّقدير:يحشرون إذا زلزلت،و(يومئذ)متعلّق ب(تحدّث)،و(اذا)عليه لمجرّد الظّرفيّة.

و قيل:هي نصب على المفعوليّة ل«اذكر»محذوفا، أي اذكر ذلك الوقت،فليست ظرفيّة و لا شرطيّة.

و جوّز أن تكون شرطيّة منصوب بجواب مقدّر،أي يكون ما لا يدرك كنهه أو نحوه،و المراد:يوم إذا زلزلت زلزالها و أخرجت أثقالها و قال الإنسان:ما لها،تحدّث الخلق ما عندها من الأخبار؛و ذلك بأن يخلق اللّه تعالى فيها حياة و إدراكا و تتكلّم حقيقة،فتشهد بما عمل عليها من طاعة أو معصية.(30:209)

القاسميّ: أي تبيّن الأرض بلسان حالها،ما لأجله زلزالها و إخراج أثقالها،فتدلّ دلالة ظاهرة على ذلك، و هو الإيذان بفناء النّشأة الأولى و ظهور نشأة أخرى.

فالتّحديث:استعارة أو مجاز مرسل مطلق الدّلالة.

(17:6233)

الطّباطبائيّ: فتشهد على أعمال بني آدم،كما تشهد بها أعضاؤهم و كتّاب الأعمال من الملائكة، و شهداء الأعمال من البشر و غيرهم.(20:342)

مغنيّة:حديث الإنسان أن يظهر ما يكنّه في نفسه، و حديث الأرض يوم القيامة أن تبرز للعيان ما ابتلعته من عجائب و غرائب مدى الدّهور و العصور.

(7:598)

عبد الكريم الخطيب :أي تظهر الأرض أخبارها الّتي كانت مكنونة في صدرها.و في التّعبير عن إظهار أخبارها بالتّحديث،إشارة إلى أنّ أحداثها الّتي يراها النّاس يومئذ،هي أبلغ حديث،و أظهر بيان،فهو شواهد ناطقة بلسان الحال،أبلغ من لسان المقال.(15:1650)

مكارم الشّيرازيّ: تحدّث بالصّالح و الطّالح، و بأعمال الخير و الشّرّ،ممّا وقع على ظهرها.و هذه الأرض واحد من أهمّ الشّهود على أعمال الإنسان في ذلك اليوم،و هي إذا رقيبة على ما نفعله عليها...

هل إنّ تحديث الأرض يعني أنّها تتكلّم في ذلك اليوم بأمر اللّه،أم إنّ المقصود ظهور آثار أعمال الإنسان على ظهر الأرض؟

واضح أنّ كلّ عمل يقوم به الإنسان يترك آثاره حتما على ما حوله،و إن خفيت علينا هذه الآثار اليوم تماما،مثل آثار أصابع اليد الّتي تبقى على مقبض الباب، و في ذلك اليوم تظهر كلّ هذه الآثار.و حديث الأرض ليس سوى هذا الظّهور الكبير تماما،كما نقول لشخص نعسان:عينك تقول:إنّك كنت سهرانا أمس،أي إنّ آثار السّهر عليها واضحة.

و ليس هذا الموضوع بغريب اليوم بعد الاكتشافات

ص: 111

العلميّة و الاختراعات القادرة في كلّ مكان و في كلّ لحظة،أن تسجّل صوت الإنسان و تصوّر أعماله و حركاته في أشرطة يمكن طرحها في المحكمة كوثائق إدانة،لا تقبل الإنكار.(20:345)

فضل اللّه :و لكن كيف هو الحديث؟هل هو صوت ناطق،أم هو استعارة للحديث المتمثّل بحركة الصّورة في الحسّ الّتي توحي بالصّورة في الذّهن،من خلال الدّلالات أو الإيحاءات؟ربّما يثير البعض بأنّ هناك حياة و شعورا يسريان في الأشياء،و إن كنّا في غفلة من ذلك.

و هذا هو مدلول قوله تعالى: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَ لكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ الإسراء:

44،و قوله تعالى: قالُوا أَنْطَقَنَا اللّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ فصّلت:21،إنّ الظّاهر منها هو التّسبيح الحقيقيّ، و النّطق بالصّوت المسموع،و لكنّنا ذكرنا في محلّه،أنّ الظّاهر من:التّسبيح و النّطق أنّهما يصدران عن حياة و وعي و حركة في الفكر،و إرادة في الذّات،و هذا ممّا لا يتوفّر إلاّ للأحياء العاقلين،ممّا يجعل ذلك قرينة عقليّة على إرادة المعنى الكنائيّ الّذي يشير إلى المعنى الواقعيّ، من خلال صورة المعنى.

و هكذا يمكن أن يكون المعنى:أنّ أخبار الأرض تتحدّث عن هذا الحدث الكونيّ الهائل العظيم،بأنّه لا يصدر عن أسباب طبيعيّة كالّتي اعتادها الإنسان في الظّواهر الكونيّة العاديّة،بل يصدر عن إرادة اللّه بشكل مباشر،فهي تقول: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها وحيا تكوينيّا بأن تخضع لإرادته في زلزالها الّذي يشمل كلّ مواقعها،و في إخراج أثقالها منها،لأنّ القيامة قد قامت، و لأنّ ساعة الحساب قد جاءت،و لأنّ النّاس مدعوّون إلى الوقوف بين يدي اللّه.(24:369)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ:الحديث على سبعة أوجه:

أحدها:القول،كقوله: لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً النّساء:78،و قوله: وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً النّساء:87.

و الثّاني:القرآن،كقوله: اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً الزّمر:23.

و الثّالث:كتب أساطير،كقوله: مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لقمان:6.

و الرّابع:العبرة[كقوله:] وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ المؤمنون:44،و سبأ 19.

و الخامس:التّجديد،كقوله: يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً الطّلاق:1.

و السّادس:حديث من أمر النّاس،كقوله: وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً التّحريم:3.

و السّابع:الشّكر،كقوله: وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ الضّحى:11.(214)

الدّامغانيّ: الحديث على خمسة أوجه:الخبر، القول،القرآن،القصّة،العبرة.

فوجه منها:الحديث:الخبر،قوله: قالُوا أَ تُحَدِّثُونَهُمْ أي أ تخبرونهم بِما فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ البقرة:76.[و ذكر نحو الحيريّ فى القول و القرآن و العبرة ثمّ قال:]

ص: 112

و الوجه الرّابع:الحديث يعني القصّة،قوله تعالى:

اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ الزّمر:23،يعني أحسن القصص.(258)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:439)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الحدوث،أي كون شيء لم يوجد؛يقال:أحدثه اللّه فحدث.و حدث الشّيء يحدث حدوثا و حداثة،و أحدثه هو و استحدثه،فهو حديث و محدث و مستحدث.و كان ذلك في حدثان أمر كذا:في حدوثه،و افعل ذلك الأمر بحدثانه و بحدثانه:بأوّله و طراءته.

و حداثة السّنّ:كناية عن الشّباب و أوّل العمر؛ يقال:شابّ حدث:فتيّ السّنّ،و رجل حديث السّنّ:

شابّ،و امرأة حدثه:شابّة،و هؤلاء قوم حدثان و حدثان و حدثاء السّنّ:شبّان،جمع حدث،و الأحداث:

الأمطار الحادثة في أوّل السّنة،و الحديث:الجديد.

و حدثان الدّهر:نوبه و ما يحدث منه،واحده:

حادث؛يقال:أهلكنا الحدثان،و الحدثان:الفأس،على التّشبيه بحدثان الدّهر،و حوادث الدّهر و أحداثه:نوبه، و واحد أحداث:حدث.

و الحدث:الأمر الحادث المنكر الّذي ليس بمعتاد و لا معروف في السّنّة،و محدثات الأمور:ما ابتدعه أهل الأهواء،واحدها محدثة.

و الحديث:الخبر،و ما يحدّث به المحدّث تحديثا،و قد حدّثه الحديث و حدّث به،و الجمع:أحاديث.و استحدثت خبرا:وجدت خبرا جديدا،و تركت البلاد تحدّث:

تسمع فيها دويّا،و القوم يتحادثون و يتحدّثون،و سمّي الحديث حديثا لأنّه كلام يحدث منه الشّيء بعد الشّيء، كما قال ابن فارس.

و الحدّيثى:الحديث؛يقال:سمعت حدّيثى حسنة،أي حديثا حسنا.

و الأحدوثة:الحديث يقال:صار فلان أحدوثة،أي أكثروا فيه الحديث.

و رجل حدث و حدث و حدث و حدّيث و محدّث:

كثير الحديث،حسن السّياق له؛يقال:فلان حدثك،أي محدّثك،و رجل حدث ملوك:صاحب حديثهم و سمرهم، و حدث نساء:يتحدّث إليهنّ.

و محادثة السّيف:جلاؤه،و هو تعهّده بالصّقل و التّطرية،فيجدّ و يحدث؛يقال:أحدث الرّجل سيفه و حادثه،أي جلاه.

و أحدث الرّجل:فصّع،أي بدت منه ريح،فهو محدث.

و أحدث الرّجل و المرأة:زنيا،على الكناية.

2-و يرى العدنانيّ في«معجم الأخطاء الشّائعة»أن لا يعدّى الفعل«تحدّث»إلاّ بالباء،اعتمادا على معاجم اللّغة،فهي لم تعدّه،و كذا الفعل«حدّث»بهذا الحرف أيضا.

و ذكر التّرمذيّ في كتاب العلم من صحيحه حديثا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله؛قال:«من حدّث عنّي حديثا و هو يرى أنّه كذب فهو أحد الكاذبين».

ص: 113

الاستعمال القرآنيّ

جاءت فعلا،و اسم مصدر،و صفة،و اسما،بأربعة معان،في 36 آية:28 مكّيّة،و 8 مدنيّة:

1-التّحديث:

1- يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها الزّلزال:4

2- أَ تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ البقرة:76

3- وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ الضّحى:11

2-الحديث:الكلام

4- وَ إِذا رَأَيْتَ الَّذِينَ يَخُوضُونَ فِي آياتِنا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ... الأنعام:68

5- ...وَ يُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَ الْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً النّساء:140

6- وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ... لقمان:6

7- ...فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَ لا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ... الأحزاب:53

8- يَوْمَئِذٍ يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ عَصَوُا الرَّسُولَ لَوْ تُسَوّى بِهِمُ الْأَرْضُ وَ لا يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً النّساء:42

9- فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً النّساء:78

10- وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً...

التّحريم:3

الحديث:القرآن

11 و 12- ...فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَهُ يُؤْمِنُونَ

المرسلات 50،الأعراف:185

13- ...فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللّهِ وَ آياتِهِ يُؤْمِنُونَ

الجاثية:6

14- فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا بِهذَا الْحَدِيثِ أَسَفاً الكهف:6

15- فَلْيَأْتُوا بِحَدِيثٍ مِثْلِهِ إِنْ كانُوا صادِقِينَ

الطّور:34

16- أَ فَمِنْ هذَا الْحَدِيثِ تَعْجَبُونَ النّجم:59

17- أَ فَبِهذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ الواقعة:81

18- فَذَرْنِي وَ مَنْ يُكَذِّبُ بِهذَا الْحَدِيثِ...

القلم:44

19- ...ما كانَ حَدِيثاً يُفْتَرى وَ لكِنْ تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ... يوسف:111

20- اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ... الزّمر:23

21- ...وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً النّساء:87

4-الحديث:القصّة

22- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْراهِيمَ الْمُكْرَمِينَ الذّاريات:24

23- وَ هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى* إِذْ رَأى ناراً فَقالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا... طه:9،10

24- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى* إِذْ ناداهُ رَبُّهُ بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً النّازعات:15،16

25- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ* فِرْعَوْنَ وَ ثَمُودَ البروج:17،18

26- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْغاشِيَةِ* وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ

ص: 114

خاشِعَةٌ الغاشية:1،2

5-تأويل الأحاديث:

27- وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ... يوسف:6

28- ...وَ كَذلِكَ مَكَّنّا لِيُوسُفَ فِي الْأَرْضِ وَ لِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ... يوسف:21

29- رَبِّ قَدْ آتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَ عَلَّمْتَنِي مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ... يوسف:101

6-الأحاديث:الأساطير

30- ...فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ... المؤمنون:44

31- ...فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَ مَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ... سبأ:19

7-الإحداث:

32- قالَ فَإِنِ اتَّبَعْتَنِي فَلا تَسْئَلْنِي عَنْ شَيْءٍ حَتّى أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً الكهف:70

33- ...وَ صَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً طه:113

34- ...لا تَدْرِي لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً

الطّلاق:1

8-محدث:

35- ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ الأنبياء:2

36- وَ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ الشّعراء:5

يلاحظ أوّلا:أنّ فيها أربعة محاور:

المحور الأوّل:التّحديث،و فيه ثلاثة أفعال من باب «التّفعيل»و 23 كلمة بلفظ«حديث».

ثانيا:جاء في(1)من سورة الزّلزال يَوْمَئِذٍ تُحَدِّثُ أَخْبارَها أي تحدّث الأرض يوم القيامة أخبارها،لأنّ الكلام من أوّل السّورة في الأرض و ما يعرضها من الأحوال،و فيها بحوث:

1-التّحديث لغة:التّكلّم باللّسان،و لا يصدر إلاّ من الإنسان،و في تحديث الأرض رؤيتان بين المفسّرين:

أحدهما:أنّ اللّه ينطقها حقيقة،إمّا بأن يقلبها حيوانا ناطقا فتتكلّم،أو ينطقها و هي على حالها،كما ينطق الأعضاء و الجوارح فتعترف بما صدر منها في الدّنيا.

ثانيهما:أنّه مجاز عن إحداث اللّه فيها من الأحوال ما يقوم مقام التّحديث باللّسان،كقولك:الدّار تحدّثنا بأنّها كانت مسكونة،كذلك انتقاض الأرض بالزّلزلة تحدّث أنّ الدّنيا قد انقضت و أنّ الآخرة قد أقبلت.

فالتّحديث إمّا بلسان القال.أو بلسان الحال،و الأوّل مرويّ عن النّبيّ صلوات اللّه عليه و على آله-كما سبق- و الثّاني أنسب بالسّياق.و عبّر عنها«المكارم»بأنّ المراد ظهور آثار أعمال الإنسان و شرحه.و قال فضل اللّه:

«التّحديث استعارة للحديث المتمثّل بحركة الصّور في الحسّ الّتي توحي بالصّورة في الذّهن-إلى أن قال- أخبار الأرض تتحدّث عن هذا الحدث الكونيّ الهائل العظيم بأنّه لا يصدر عن أسباب طبيعيّة،كالّتي اعتادها الإنسان في الظّواهر الكونيّة العاديّة بل يصدر عن إرادة اللّه بشكل مباشر،فهي تقول: بِأَنَّ رَبَّكَ أَوْحى لَها وحيا تكوينيّا بأن تخضع لإرادته في زلزالها الّذي

ص: 115

يشمل كلّ مواقفها،و في إخراج أثقالها منها...».

و قد أراد أنّ السّياق في الآيات قبلها يوحي بأنّها أعمال لها حسب حالها كما خلقها اللّه،لا بعمل جديد غير طبيعيّ فيها.

2-احتمل الطّبرسيّ فقط أنّ الضّمير في(تحدّث) خطاب،أي تحدّث أنت أيّها النّبيّ أو أيّها الإنسان، أخبارها،و هذا-كما قال الآلوسيّ-:لا وجه له،لأنّ الضّمائر بعدها و قبلها ترجع إلى الأرض.

3-المراد ب(اخبارها)عند بعضهم أنّها تخبر بأنّ أمر الدّنيا انقضى و أمر الآخرة أتى،و عند فضل اللّه:أنّها تتحدّث عن هذا الحدث الكونيّ أي الأرض،و هذان يناسبان المعنى المجازيّ،و عند أكثرهم:أنّها تتحدّث عن أعمال الإنسان خيرها و شرّها،و هذا يناسب المعنى الحقيقيّ،و الأوّل أوفق بالسّياق،كما سبق.

4-و قد قرئ (يومئذ تنبئ) و (تبيّن) و يحتمل كونهما تفسيرا لا قراءة،و مثله كثير،و لا سيّما فيما روي عن ابن مسعود.

5-قالوا في إعرابها:أنّ(يومئذ)بدل من(اذا) و العامل فيهما(تحدّث)لأنّه جواب(اذا)الشّرطيّة، و القول بتعلّقها ب(زلزلت)لا وجه له،لأنّ الشّرط متعلّق بفعل الجزاء لا العكس.و كذلك تعلّق(اذا)بمحذوف،كما قيل.

و المفعول الأوّل ل(تحدّث)محذوف،لأنّه ليس مقصودا بالكلام،و الثّاني(اخبارها)أي الأرض تحدّث النّاس أخبارها في ذلك اليوم.

6-قيل:جاء«الحديث»بناء على إرادة المجاز منه لوضوح دلالتها،و حكايتها عن انقضاء الدّنيا، كالتّحديث.و قال الفخر الرّازيّ:«إنّ التّحديث يفيد الاستئناس و هناك لا استئناس؟و أجاب:بأنّ الأرض كأنّها تبثّ شكواها إلى أولياء اللّه و ملائكته»،و هذا يناسب المعنى الحقيقيّ دون المجازيّ.

ثالثا:جاء في(2)نقلا عن اليهود يناجي بعضهم بعضا أَ تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ كانوا يظهرون بمظهر المنافقين وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا البقرة:14،فيخبرونهم بما جاء في التّوراة في وصف النّبيّ عليه السّلام: وَ إِذا خَلا بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ قالُوا أَ تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أَ فَلا تَعْقِلُونَ البقرة:76،و هذا أقرب للظّاهر ممّا قيل في نزولها،لمّا قال النّبيّ لبني قريظة:يا أبناء القردة و الخنازير؛إذ ليس فيه حجّة عليهم عند اللّه،و فيها بحوث، لاحظ«فتح».

رابعا:جاء في(3) وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ خطابا إلى النّبيّ عليه السّلام،و هذه آخر آية من سورة «الضّحى»و قد سبقتها آيات ذكر فيها ما أنعمه اللّه عليه:

أَ لَمْ يَجِدْكَ يَتِيماً فَآوى* وَ وَجَدَكَ ضَالاًّ فَهَدى* وَ وَجَدَكَ عائِلاً فَأَغْنى ثمّ كلّفه بإزاء كلّ منها بتكليف، فقال: فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلا تَقْهَرْ* وَ أَمَّا السّائِلَ فَلا تَنْهَرْ * وَ أَمّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ و بملاحظة نظم الآيات فالأخيرة منها تقع بإزاء الأخيرة من ذاك،و لكنّ الأقرب أن تكون بإزاء جميع ما جاء في هذه السّورة من أوّلها إلى آخرها من النّعم و الآداب،أي حدّث بما عرض لك من انقطاع الوحي و اتّصاله،و بما كنت عليها من

ص: 116

الأحوال،و ما أنعمت بها من النّعم،فإنّ التّحديث بها شكر للّه عزّ و جلّ،لاحظ«الضّحى»و«النّعمة».

خامسا:جاء«حديث»22 مرّة في(4-26)اسم مصدر بمعنى الكلام،و سياق أكثرها ذمّ،و هي ثلاثة أصناف:

الصّنف الأوّل:الحديث العادي في سبع آيات:

(4-10).

أ:جاء الأمر بالإعراض عن الحديث مرّتين:مرّة في (4)-و هي مكّيّة-إعراضا عن المشركين،و مرّة في(5) -و هي مدنيّة-إعراضا عن المنافقين،و مشيرا إلى ما سبق في(5)حيث قال فيها: وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ.

و قد جمع اللّه فيها المنافقين و الكفّار في الوعيد، فقال: إِنَّ اللّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَ الْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً النّساء:140،حيث جمعهم الكفر بآيات اللّه و الاستهزاء بها.

ب:جاء في(6) وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ و فسّروا لهو الحديث بالغناء و بالطّعن بالحقّ و السّخريّة بالقرآن،و هو أنسب بالسّياق،و تفسيره بالغناء تعميم في الحكم،و ليس بيانا للنّزول.

و يبدو منها أنّ بعض الكفّار اشترى حديثا باطلا ليعارض به القرآن الّذي جاء وصفه في آيات قبلها، لكنّهم لم يذكروه فلاحظها،و لاحظ«ش ري:اشترى، و ل ه و:لهوا».

ج:جاء في(7) وَ لا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ في جملة آداب العشرة للنّبيّ عليه السّلام؛حيث قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ وَ لكِنْ إِذا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَ لا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ إِنَّ ذلِكُمْ كانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْيِي مِنْكُمْ وَ اللّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ... فنهاهم عن دخول بيوت النّبيّ بغير إذن،إلاّ أن يؤذن لهم إلى طعام،فلا يدخلوها قبل إدراك الطّعام، فيطول مقامهم في منزله،بل دخلوا حين إطعام الطّعام، فإذا طعموا فلا يجلسوا متحدّثين،أي لا يمكثوا فيها قبل الطّعام،و لا بعده بل حينه فقط.

قال الطّبرسيّ«8:366»: غَيْرَ ناظِرِينَ إِناهُ منصوب على الحال (وَ لا مُسْتَأْنِسِينَ) معطوف عليه،فهو حال معطوف على حال قبله،و تقديره:«و لا تدخلوا مستأنسين لحديث»و للآية شأن نزول،لاحظ«د خ ل، و ط ع م،و د ع ي،و أ ن س».

د:جاء في(8) وَ لا يَكْتُمُونَ اللّهَ حَدِيثاً بشأن الّذين كفروا و عصوا الرّسول في الآخرة،فإنّهم حينئذ يودّون أمرين:لو تسوّى بهم الأرض أوّلا،و لا يكتمون اللّه حديثا ثانيا.و الكلام هنا في الثّاني،و قد ذكر فيه الطّبرسيّ«3:5»خمسة وجوه باختلاف في المعطوف عليه بوجهين.

1-أنّه عطف على(لو تسوّى)أي هؤلاء يودّون أن يكونوا ترابا مساويا للأرض،و أن لو لم يكتموا اللّه حديثا في الآخرة،لأنّهم أقسموا باللّه أنّهم ما كانوا مشركين،فكتموا ما كانوا عليه من الشّرك،و لم يقرّوا به،أو لم يكتموا في الدّنيا أمر محمّد و بعثه.فهذان وجهان.

2-أنّه كلام مستأنف عطف على(يودّون)،و المراد

ص: 117

أنّهم يومئذ لا يكتمون شيئا من أمور دنياهم و كفرهم، بل يعترفون بها فيدخلون باعترافهم النّار.

أو لا يقدرون على كتمان شيء من اللّه،لأنّ جوارحهم تشهد عليهم بما فعلوه أو لأنّهم ملجئون يومئذ إلى ترك القبائح و الكذب،و أنّ قولهم:«و لله ما كنا مشركين»أي ما كانوا مشركين عند أنفسهم، لأنّهم يظنّون في الدّنيا أنّ عبادتهم للأصنام ليست بشرك من حيث تقرّبهم بها إلى اللّه.هذه ثلاثة وجوه،و المجموع خمسة وجوه؛و الأوّل أرجح عندنا،أي إنّهم يودّون يومئذ أن يكونوا ترابا و أن لا يكتموا اللّه حديثا،خلاصا من العذاب الأليم.

ه:جاءت(9)خطابا لمن كان يكره القتال من ضعفاء المسلمين،كما يقتضيه السّياق فَما لِهؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثاً، و المراد به الكلام الحقّ الّذي كادوا أن لا يفقهوه و هو القران كلام اللّه و كلام الرّسول.

و:و جاء في(10) وَ إِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلى بَعْضِ أَزْواجِهِ حَدِيثاً... و هو كما جاء في الرّوايات ما أسرّه النّبيّ إلى حفصة،لاحظ«س ر ر:أسرّ».

هذه كلّها في الحديث العادي في الدّنيا و الآخرة بين النّاس و آخرين،أو بين اللّه و النّاس،أو بين النّبيّ و بعض أزواجه.و«حديث»فيها نكرة تحقيرا أو تقليلا،سوى في(6) لَهْوَ الْحَدِيثِ فجاء معرفة بلام الجنس،تعميما و إبرازا للقبح و الذّمّ،و اثنتان منها(4 و 6)مكّيّتان و الباقي مدنيّات.

الصّنف الثّاني:ما أريد بالحديث:القرآن،أو ما يقابله، و كلّها مكّيّة خطابا للمشركين بمكّة المكذّبين للقرآن إلاّ آية واحدة(21)فمدنيّة،في سياق الآيات الموجّهة إلى المنافقين و هي إحدى عشرة آية:(11-21)بمضامين مختلفة:

أ:ثلاث منها(11-13)توبيخ لهم بأنّهم إذا لا يؤمنون بالقرآن مع وضوح شأنه و أنّه من عند اللّه، فبأيّ حديث بعده يؤمنون؟و جاء«حديث»فيها و كذا في(15)و(19)نكرة توهينا أو تعميما لكلّ حديث غير القرآن.

ب:و واحدة منها(14)تحذير للنّبيّ عليه السّلام تلطيفا من أجل أسفه على هؤلاء الكفّار حيث لم يؤمنوا بالقرآن، تنبيها بأنّهم ليسوا أهلا لهذا الأسف منه عليه السّلام.

ج:و واحدة(15)تحدّ بالقرآن بأنّهم إذا لا يعترفون بأنّه من عند اللّه بل هو كلام بشر،فليأتوا بكلام مثله إن كانوا صادقين،في قولهم:إنّه كلام بشر.

د:و أربع منها(16-19)تعنيف و توبيخ لهم على تكذيبهم و إدهانهم أو عجبهم بالقرآن،و عدّه افتراء من محمّد صلّى اللّه عليه و آله على اللّه تعالى.

ه:و ثلاثة(19-21)توصيف للقرآن بشواهد الصّدق،و أنّه تصديق للكتب و الأنبياء قبله،و أنّه أحسن الحديث كتابا متشابها،مثاني...،و أنّه كلام اللّه و ليس أحد أصدق من اللّه،لاحظ«القرآن».

و«الحديث»معرفة فيما أطلق على القرآن و نكرة فيما أريد به غير القرآن،أو يعمّ مطلق الحديث مثل وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً.

الصّنف الثّالث:القصّة في خمس آيات مكّيّة(22-26)

ص: 118

واحدة منها(26)حكاية«الغاشية»في الآخرة،و أربع منها حديث الأنبياء الماضين:أوّلها(22)حديث ضيف إبراهيم،و اثنتان(23 و 24)حديث موسى:إحداهما حديثه إذ رأى نارا أثناء رجوعه مع أهله من عند شعيب إلى مصر،و الأخرى حديثه إذ ناداه ربّه بالوادي المقدّس،في ابتداء رسالته.

هذه ثلاث،و رابعها(25)حديث الجنود فرعون و ثمود.لاحظ«غاشية،و إبراهيم،و موسى،و فرعون، و ثمود».

و التّعبير عنها ب«حديث»رمز للاهتمام بها،و أنّها وقائع تكرّرت و دارت على ألسن الغابرين،و ينبغي التّحدّث بها للاّحقين،ليعتبروا بها،و لتبقى حيّة في حافظة التّاريخ،و لا تنسى مدى الدّهر،فإنّ الأنبياء أسوة للبشر،و حديثهم حياة للنّفوس.

هذه بحوث في المحور الأوّل،و هو التّحديث و الحديث.

المحور الثّاني:الأحاديث أي الرّؤيا و تأويلها في ثلاث آيات:(27-29)،كلّها بشأن يوسف عليه السّلام و قد بحثناها في«أول:التّأويل»فلاحظ.و البحث هنا في وجه إطلاق«أحاديث»-و هي جمع«حديث»مثل أناشيد:

جمع«نشيد»-على الرّؤيا،فقال الطّبريّ(12:153)، و الطّبرسيّ(3:210)لأنّ فيه أحاديث النّاس عن رؤياهم،و قال الزّمخشريّ(2:303):«...لأنّ الرّؤيا إمّا حديث نفس أو ملك أو شيطان...»و فسّرها الآلوسيّ (12:185)بأحاديث الملك إن كانت صادقة،أو أحاديث النّفس أو الشّيطان إن لم تكن كذلك.و قد سبق في«التّأويل»أنّ بعضهم فسّروها بأحاديث الأنبياء و أخبار الماضين،و على كلّ حال فمرجعها إلى المحور الأوّل.

المحور الثّالث:الأحاديث:الأساطير في آيتين:(30 و 31)و هما مكّيّتان أيضا بلفظ واحد جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ.

و الأولى جاءت في الأمم السّالفة و موقفهم أمام أنبيائهم؛حيث قال: ثُمَّ أَنْشَأْنا مِنْ بَعْدِهِمْ قُرُوناً آخَرِينَ* ما تَسْبِقُ مِنْ أُمَّةٍ أَجَلَها وَ ما يَسْتَأْخِرُونَ* ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا كُلَّ ما جاءَ أُمَّةً رَسُولُها كَذَّبُوهُ فَأَتْبَعْنا بَعْضَهُمْ بَعْضاً وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ فَبُعْداً لِقَوْمٍ لا يُؤْمِنُونَ المؤمنون:42-44

و الثّانية جاءت في قوم سبأ؛حيث قال: وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ وَ بَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بارَكْنا فِيها قُرىً ظاهِرَةً وَ قَدَّرْنا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيها لَيالِيَ وَ أَيّاماً آمِنِينَ* فَقالُوا رَبَّنا باعِدْ بَيْنَ أَسْفارِنا وَ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ وَ مَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ سبأ:18،19،و فيها بحوث:

1-قالوا في معنى وَ جَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ: جعلناهم أحاديث يتحدّث بها على سبيل التّعجب و التّلهّي و الاستغراب،جعلناهم عبرة يتحدّث النّاس عنهم بعدهم،يتحدّث بها النّاس تعجّبا و ضرب مثل، فيقولون:«تفرّقوا أيادي سبأ»أي كما تفرّق أبناء سبأ في البلاد،ما يتحدّث به النّاس على جهة الغرابة و التّعجّب، أي أزلنا أعيانهم و آثارهم فلم يبق منهم إلاّ أحاديث يحدّث بها فيما يحدّث،فعادوا أسماء لا مسمّى لهم إلاّ و هم

ص: 119

المتوهّم و خيال المتخيّل-و هذا يناسب قوله في الثّانية:

وَ مَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ -سمرا و قصصا يتحدّث من بعدهم بأمرهم و شأنهم،أخبارا يسمعونها و يتعجّبون منها ليكونوا عظة للمستبصرين،فيعلموا أنّه لا يفلح الكافرون و لا يخيب المؤمنون،لم يبق منهم إلاّ حكايات يعتبر بها المعتبرون،إنّه سبحانه بلغ من إهلاكهم مبلغا صاروا معه أحاديث،فلا يرى منهم عين و لا أثر،و لم يبق منهم إلاّ الحديث الّذي يذكر و يعتبر به،و نحوها.

و المعنى واحد و اختلفت العبارات،و بعضها أو في و أبلغ في أداء المقصود من بعض،و قال الطّباطبائيّ(15:

34)فيها:«أبلغ كلمة تفصح عن القهر الإلهيّ الّذي يغشى أعداء الحقّ و المكذّبين لدعوته؛حيث يمحو العين و يعفو الأثر،و لا يبقى إلاّ الخبر».

2-قال الأخفش:«إنّما هو في الشّرّ،و أمّا في الخير فلا يقال:جعلهم أحاديث و أحدوثة.إنّما يقال:صار فلان حديثا».

3-و اختلفت كلماتهم في أنّ«أحاديث»بهذا المعنى جمع«أحدوثة»كالأساطير و أسطورة و الأعاجيب و أعجوبة،و الألاعيب و ألعوبة،و اختاره أكثرهم،و قال الزّمخشريّ:«هو اسم جمع للحديث و منه أحاديث الرّسول».و قال بعضهم:إنّه جمع حديث.و هذا الخلاف يوجد في«الأحاديث»بمعنى الرّؤيا أيضا.و المناسب ها لأمثالها هو الأوّل مثل«الأساطير و أسطورة».

4-قال الآلوسيّ: «جعلهم نفس الأحاديث إمّا على المبالغة أو بتقدير المضاف،أي جعلناهم بحيث يحدّث النّاس بها...».و لكن اللّطف في الأوّل فيكون استعارة مثل زيد أسد،و لا معنى لقوله:بتقدير المضاف.و على كلّ حال فمرجعه إلى المحور الأوّل أيضا.

المحور الرّابع:الإحداث في خمس آيات:(32-36) واحدة منها(32)جاءت في قصّة موسى و عبد من عباد اللّه يقال:إنّه خضر،و أربع بشأن القرآن،و فيها بحوث:

1-في(32)بعد أن وجد موسى ذاك العبد استجازه في اتّباعه،فأجازه بشرط أن لا يسأله عن شيء صدر منه من الغرائب حتّى يبتدئه هو ببيانه،و لا ريب أنّه المراد من أُحْدِثَ لَكَ مِنْهُ ذِكْراً إلاّ أنّ المتراءى من بعضهم أنّ(احدث)بمعنى أبيّن و أتحدّث و أذكر؛حيث قالوا:«أبيّن لك،أذكرها لك،أنا الّذي أفسّره لك، و نحوها».و أكثرهم فسّروها ب(ابتدأ)و هو الصّواب، قال أبو حيّان:«فلا تفاتحني بالسّؤال حتّى أكون أنا الفاتح عليك،و هذا من أدب المتعلّم مع العالم».

و قال الطّباطبائيّ: «إحداث الذّكر من الشّيء:

الابتداء به من غير سابقة-إلى أن قال-و فيه إشارة إلى أنّه سيشاهد منه أمورا تشقّ عليه مشاهدتها،و هو سيبيّنها له،لكن لا ينبغي لموسى أن يبتدئه بالسّؤال و الاستخبار،بل ينبغي أن يصبر حتّى يبتدئه هو بالإخبار»لاحظ«أول:تأويل».

2-جاء في(33 و 34)(يحدث)و ضمير الفاعل في الأولى راجع إلى القرآن؛حيث قال: وَ كَذلِكَ أَنْزَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا وَ صَرَّفْنا فِيهِ مِنَ الْوَعِيدِ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ أَوْ يُحْدِثُ لَهُمْ ذِكْراً و يحتمل رجوعه إلى(الوعيد)،و هو أقرب لفظا،و أنسب معنى.

ص: 120

و في الثّانية إلى اللّه: لَعَلَّ اللّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذلِكَ أَمْراً قالوا:أي يغيّر رأي الزّوج فيراجعها و هي في بيته،لاحظ«الطّلاق».

3-جاء في(35 و 36)(محدث)وصفا للقرآن بتفاوت: ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ وَ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ فعبّر فيهما عن القرآن ب(ذكر)-و هو من أسامي القرآن-موصوفا ب(محدث)،و جاء في الأولى(ذكر من ربّهم).و في الثّانية (ذكر من الرّحمن)و فيهما جميعا تلطيف من اللّه.

و جاء في ذيل الأولى إِلاَّ اسْتَمَعُوهُ وَ هُمْ يَلْعَبُونَ و في ذيل الثّانية إِلاّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ و كلاهما ذمّ لهم لإعراضهم عن القرآن تصريحا في الثّانية و مكنيّة عنه في الأولى،لاحظ«ربّ،رحمان،القرآن».

4-القراءة المشهورة (محدث) كسرا صفة ل(ذكر) لفظا،و قرئ (محدث) رفعا صفة له على المحلّ،لأنّ محلّه رفع بزيادة«من».

5-اتّفقت كلماتهم حسب النّصوص على أنّ القرآن -و هو مجموعة الألفاظ الّتي بين الدّفّتين-محدث نزّل تدريجا سورة بعد سورة،و آية بعد آية،و لم يشاهد خلاف منهم في ذلك،و إنّما خلافهم في أنّه من حيث كونه كلام اللّه قديم.

فقال ابن عربيّ: «إنّه محدث الإتيان،لا محدث العين» و قال فريق من أهل السّنّة:«إنّ حروف القرآن المقروءة و أصواتها المسموعة غير منفكّة عن صفة كلام اللّه الأزليّ القديم،و أنّها مثلها قديمة أزليّة أيضا،ليست حادثة و لا مخلوقة».و يظهر من الإمام البخاريّ-كما جاء في ترجمته-أنّه كان يقول:«لفظي بالقرآن مخلوق»،فأنكره النّاس حتّى هاجر عنهم من بخارى إلى نيشابور.

فيبدو منهم التّغالي في القول بقدم القرآن حتّى ما يقرؤه النّاس،و هذا عجيب منهم.

و الحقّ أنّهم خلطوا بين الكلام المنزل،فهو حادث مخلوق قطعا،و بين كلام اللّه صفة من صفاته الذّاتيّة فهو قديم بقدم الذّات عند الأشاعرة و من ماثلهم في العقيدة، و هو من صفاته الفعليّة عند المعتزلة و الإماميّة و من ماثلهما فليس قديما،و هو الموافق لآيات من القرآن.

و نحن لا نريد التّطويل فيه،و كفانا النّصوص، فلاحظ.

ص: 121

ص: 122

ح د د

اشارة

9 ألفاظ،25 مرّة:3 مكّيّة،22 مدنيّة

في 12 سورة:4 مكّيّة،8 مدنيّة

حادّ 1:-1 حديد 2:1-1

يحادد 1:-1 الحديد 3:1-2

يحادّون 2:-2 حديدا 1:1

حداد 1:-1 حدود 13:-13

حدوده 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :فصل ما بين كلّ شيئين:حدّ بينهما.

و منتهى كلّ شيء:حدّه.

و حدّ السّيف و احتدّ.

و هو جلد حديد.

و أحددته..

و استحدّ الرّجل و احتدّ حدّة فهو حديد.

و حدود اللّه:هي الأشياء الّتي بيّنها و أمر أن لا يتعدّى فيها.

و الحدّ:حدّ القاذف و نحوه،ممّا يقام عليه من الجزاء بما أتاه.

و الحديد:معروف،و صاحبه:الحدّاد.

و رجل محدود:محارف في جدّه.

و حدّ كلّ شيء:طرف شباته كحدّ السّنان و السّيف و نحوه.

و الحدّ:الرّجل المحدود عن الخير.

و الحدّ:بأس الرّجل و نفاذه في نجدته،قال العجّاج:

*أم كيف حدّ مضر القطيم*

و أحدّت المرأة على زوجها فهي محدّ،و حدّت بغير الألف أيضا،و هو التّسليب بعد موته.

و حاددته:عاصيته،و من يحادد اللّه،أي يعاصيه.

و ما عن هذا الأمر حدد،أي معدل؛و لا محتدّ،مثله.

و حدّان:حيّ من اليمن.

و الحدّ:الصّرف عن الشّيء من الخير و الشّرّ،

ص: 123

و تقول للرّامي:اللّهمّ احدده،أي لا توفّقه للإصابة.

و حددته عن كذا:منعته.

و الاستحداد:حلق الشّيء بالحديد.

و حدّ الشّراب:صلابته.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:19)

الكسائيّ: و الحدّة:ما يعتري الإنسان من النّزق و الغضب،تقول:حددت على الرّجل أحدّ حدّة و حدّا.

(الجوهريّ 2:463)

أبو عمرو الشّيبانيّ: و قال:أصابتهم سحابة حريصة:حدّة مطرها،و سحابة حديدة.(1:179)

و تقول:حداد حدّيه،إذا دعوت أن تدفع عن الرّجل.(1:184)

و تقول:أحددت السّكّين.(1:189)

الحدّاد:البوّاب.[ثمّ استشهد بشعر](1:200)

سيف حدّاد بالضّمّ و التّشديد مثل أمر كبّار.

(الجوهريّ 2:463)

الحدّة:الغضبة.(الأزهريّ 3:420)

أبو عبيدة :و في الحديث الّذي جاء في عشر من السّنّة:«الاستحداد من العشر»الاستحداد:حلق العانة.

و منه الحديث الآخر حين قدم من سفر فأراد النّاس أن يطرقوا النّساء ليلا،فقال:«أمهلوا حتّى تمتشط الشّعثة،و تستحدّ المغيبة»أي تحلق عانتها.

(الأزهريّ 3:421)

أبو زيد :تقول:حدّ اللّه عنّا شرّها،أي كفّه و صرفه.(250)

تحدّد بهم،أي تحرّش بهم.(الأزهريّ 3:420)

يقال:ما لي منه بدّ و لا محتدّ و لا ملتدّ،أي ما لي منه بدّ.

(الأزهريّ 3:422)

الأصمعيّ: حدّ الرّجل يحدّ حدّا،إذا جعل بينه و بين صاحبه حدّا.

و حدّه يحدّه،إذا ضربه الحدّ.و حدّه يحدّه،إذا صرفه عن أمر أراده.

و أمّا حدّ يحدّ فمعناه أنّه أخذته عجلة و طيش.

و أحدّ السّيف إحدادا،إذا شحذه.و حدّده فهو محدّد مثله.

يقال:استحدّ الرّجل،إذا أحدّ شفرة بحديدة و غيرها.

الحدّاد:صاحب السّجن،و ذلك أنّه يمنع من فيه أن يخرج.

و يقال:دون ذلك حدد،أي منع.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:فلان حديد فلان،إذا كانت داره إلى جانب داره.(الأزهريّ 3:421)

اللّحيانيّ: الكلام:أحدّها بالألف،و قد حدّت تحدّ حدّة و احتدّت.

و سكّين حديد و حديدة و حداد،و لا يقال:حدادة.

سكّين حديد-بغير هاء-من سكاكين حديدات و حدائد و حداد.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 2:505)

أبو عبيد: و في الحديث:«لا يحلّ لأحد أن يحدّ...إلاّ المرأة على زوجها...»إحداد المرأة على زوجها:تركها الزّينة...

و في الحديث:«الاستحداد من العشر»و هو استفعال من الحديدة،يعني الاستحلاق بها.(الأزهريّ:3:421)

ص: 124

ابن الأعرابيّ: و حديد الثّمان:عرقوباه[الفرس] و أذناه و قلبه و منكباه.(القاليّ 2:253)

ابن السّكّيت: يقال:رجل حديد الفؤاد،و شهم الفؤاد،و ذكيّ الفؤاد،و نزّ الفؤاد،كلّه من حدّة القلب.

(162)

و يقال:قد أحدّ السّكّين و الشّفرة يحدّها إحدادا.

و يقال:قد حدّ الرّجل يحدّ حدّة،إذا احتدّ.

و قد حددت حدود الدّار أحدّها حدّا.

و قد حددته عن كذا و كذا أحدّه حدّا،إذا منعته منه.

و منه سمّي الحاجب حدّادا،لأنّه يمنع.و يقال:دونه حدد،أي منع.

و يقال:حدّت المرأة على زوجها و أحدّت،و هي حادّ و محدّ.(إصلاح المنطق:276)

شمر: يقال للمرأة:الحدّادة.(الأزهريّ 3:422)

الزّجّاج: و حدّت المرأة على زوجها و أحدّت،إذا تركت الزّينة.(فعلت و أفعلت:11)

معنى الحدّاد في اللّغة:الحاجب،و كلّ من منع شيئا فهو حدّاد.

و قولهم:أحدّت المرأة على زوجها،معناه قطعت الزّينة،و امتنعت منها.

و الحديد إنّما سمّي حديدا،لأنّه يمتنع به من الأعداء.

و حدّ الدّار هو ما يمنع غيرها أن تدخل فيها.

(1:257)

ابن دريد :حدّ السّكّين و غيره:معروف.

و حددت السّكّين و غيره أحدّه حدّا،و أحدّها يحدّها إحدادا،و سكّين حديد و حداد،إذا مسحته بحجر أو مبرد.

و يقال:رجل حدّ و محدود،إذا كان محروما.

و أحددت إليك النّظر أحدّه إحدادا.

و الحدّ بين الشّيئين:الفرق بينهما لئلاّ يعتدي أحدهما على الآخر.

و حددت على الرّجل أحدّ حدّة،إذا غضبت عليه.

و حدّ الدّار:معروف.

و حدّ السّارق و غيره:الفعل الّذي يمنعه عن المعاودة،يحدّه عنها و يمنع غيره أيضا.

و أصل الحدّ:المنع،يقال:حدّني عن كذا و كذا،إذا منعني عنه؛و به سمّي السّجّان:حدّادا لمنعه،كأنّه يمنع من الحركة.

و سمّى الأعشى الخمّار:حدّادا،لأنّه يحبس الخمر عنده.

و حدّت المرأة و أحدّت،إذا تركت الطّيب و الزّينة بعد زوجها.و أبى الأصمعيّ إلاّ أحدّت،فهي محدّ،و لم يعرف:حدّت.

و يقال:هذا أمر حدد،أي ممتنع.و دعوة حدد،أي مردودة لا تجاب.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:57)

حدّ الرّجل حددا،إذا كان سريع الغضب،و الحدد:

المنع؛و به سمّي السّجّان،حدّادا.

و يقال:هذا أمر حدد،أي ممتنع لا يحلّ أن يركب.

و يقال:أمر حدد،أي باطل.و دعوة حددة،أي باطلة.(3:188)

القاليّ: و المحدود:الّذي قد حدّ،أي قد ضرب الحدّ.(2:197)

ص: 125

قيل:حداد حدّيه،أي مناع امنعيه.و الحدّ:

المنع.(ذيل الأماليّ:60)

الأزهريّ: قال اللّيث:فصل ما بين كلّ شيئين:حدّ بينهما،و منتهى كلّ شيء:حدّه.

قلت:و منه أخذ حدود الأرضين و حدود الحرم.

و في الحديث في القرآن:لكلّ حرف حدّ،و لكلّ حدّ مطّلع.قيل:أراد لكلّ حرف منتهى له نهاية.

[و قال حول كلام الخليل«استحدّ الرّجل»:]

قلت:و المسموع في حدّة الرّجل و طيشه:احتدّ،و لم أسمع فيه استحدّ،إنّما يقال:استحدّ و استعان،إذا حلق عانته.

[و قال حول قول الخليل«حدود اللّه»:]

قلت:فحدود اللّه ضربان:ضرب منها:حدود حدّها للنّاس في مطاعمهم،و مشاربهم،و مناكحهم و غيرها،و أمر بالانتهاء عمّا نهى عنه منها،و نهى عن تعدّيها.

و الضّرب الثّاني:عقوبات جعلت لمن ركب ما نهي عنه،كحدّ السّارق:و هو قطع يمينه في ربع دينار فصاعدا،و كحدّ الزّاني البكر:و هو جلد مائة و تغريب عام،و حدّ المحصن إذا زنى:الرّجم،و حدّ القاذف:

ثمانون جلدة.سمّيت حدودا لأنّها تحدّ،أي تمنع من إتيان ما جعلت عقوبات فيها.و سمّيت الأولى حدودا،لأنّها نهايات نهى اللّه عن تعدّيها.

و قال اللّيث و غيره:الحدّ:الرّجل المحدود عن الخير.

قلت:المحدود:المحروم،و لم أسمع فيه رجل حدّ لغير اللّيث.و هو مثل قولهم:رجل جدّ،إذا كان مجدودا.

قال:و الحدّ:بأس الرّجل و نفاذه في نجدته.يقال:إنّه لذو حدّ.

و الحديد:معروف،و صانعه:الحدّاد.و يقال:ضربه بحديدة في يده.[و قال بعد قول أبي عبيد في«إحداد المرأة...»:]

و نري أنّه مأخوذ من المنع،لأنّها قد منعت من ذلك.

و منه قيل للبوّاب:حدّاد،لأنّه يمنع النّاس من الدّخول.

يقال:أحدّت المرأة تحدّ،و حدّت تحدّ و تحدّ حدادا.

[و قيل:]حدّان:قبيلة في اليمن.

و يقال:حددا أن يكون كذا،كقولك:معاذ اللّه.

[و استشهد بالشّعر ثلاث مرّات](3:419-422)

الصّاحب:[نحو الخليل و قال:]

و حدّان:حيّ من العرب من اليمن من الأزد.

و دار فلان حديدة دار فلان،أي بلزقها.

و حدّدت له و إليه:قصدته.

و تحدّد به،أي تحرّش.

و حدادك أن تفعل كذا،أي جهدك.

و الحدّة:مثل الصّبّة و الكثبة.

و في زجر حشو الإبل:أحدّ.(2:305)

الجوهريّ: الحدّ:الحاجز بين الشّيئين.

و حدّ الشّيء:منتهاه،تقول:حددت الدّار أحدّها حدّا.و التّحديد مثله.

و فلان حديد فلان،إذا كان أرضه إلى جنب أرضه.

و الحدّ:المنع،و منه قيل للبوّاب:حدّاد.

ص: 126

و يقال للسّجّان:حدّاد،لأنّه يمنع من الخروج،أو لأنّه يعالج الحديد من القيود.

و المحدود:الممنوع من البخت و غيره.

و هذا أمر حدد،أي منيع حرام لا يحلّ ارتكابه.

و دعوة حدد،أي باطلة.

و دونه حدد،أي منع.

و ما لي عن هذا الأمر حدد،أي بدّ.

و حددت الرّجل:أقمت عليه الحدّ،لأنّه يمنعه من المعاودة.

و أحدّت المرأة،أي امتنعت من الزّينة و الخضاب بعد وفاة زوجها.و كذلك حدّت تحدّ و تحدّ حدادا،و هي حادّ،و لم يعرف الأصمعيّ إلاّ أحدّت فهي محدّ.

و المحادّة:المخالفة،و منع ما يجب عليك،و كذلك التّحادّ.

و الحديد:معروف،لأنّه منيع،و الحديدة أخصّ منه؛و الجمع:الحدائد.و قد جاء في الشّعر الحدائدات.

و حدّ كلّ شيء:شباته،و حدّ الرّجل:بأسه،و حدّ الشّراب:صلابته.

و قد حدّ السّيف يحدّ حدّة،أي صار حادّا و حديدا، و سيوف حداد،و ألسنة حداد.

و الحداد أيضا:ثياب المأتم السّود.[إلى أن قال:]

و تحديد الشّفرة و إحدادها و استحدادها بمعنى.

و الاستحداد أيضا:حلق شعر العانة.

و أحددت النّظر إلى فلان،و احتدّ فلان من الغضب فهو محتدّ.

و قولهم:ما أجد منه محتدّا و لا ملتدّا،أي بدّا.

[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](2:462)

ابن فارس: الحاء و الدّال أصلان:الأوّل:المنع، و الثّاني:طرف الشّيء.

فالحدّ:الحاجز بين الشّيئين.

و فلان محدود،إذا كان ممنوعا.«و إنّه لمحارف محدود»كأنّه قد منع الرّزق.

و يقال للبوّاب:حدّاد،لمنعه النّاس من الدّخول.

و سمّي الحديد حديدا لامتناعه و صلابته و شدّته.

و الاستحداد:استعمال الحديد.

و يقال:حدّت المرأة على بعلها و أحدّت،و ذلك إذا منعت نفسها الزّينة و الخضاب.

و المحادّة:المخالفة،فكأنّه الممانعة،و يجوز أن يكون من الأصل الآخر.

و يقال:ما لي عن هذا الأمر حدد و محتدّ،أي معدل و ممتنع.

و يقال:حددا،بمعنى معاذ اللّه،و أصله من المنع.

و حدّ العاصي سمّي حدّا،لأنّه يمنعه عن المعاودة.

و أمّا الأصل الآخرة فقولهم:حدّ السّيف،و هو حرفه،و حدّ السّكّين،و حدّ الشّراب:صلابته.

و حدّ الرّجل:بأسه،و هو تشبيه.

و من المحمول الحدّة:الّتي تعتري الإنسان من النّزق، تقول:حددت على الرّجل أحدّ حدّة.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:3)

أبو هلال :الفرق بين الاسم و الحدّ:أنّ الحدّ يوجب المعرفة بالمحدود من غير الوجه المذكور في المسألة عنه، فيجمع للسّائل المعرفة من وجهين:

ص: 127

و فرق آخر و هو أنّه قد يكون في الأسماء مشترك و غير مشترك،ممّا يقع الالتباس فيه بين المتجادلين، فإذا توافقا على الحدّ زال ذلك.

و فرق آخر و هو أنّه قد يكون ممّا يقع عليه الاسم ما هو مشكل،فإذا جاء الحدّ زال ذلك،مثاله قول النّحويّين:الاسم و الفعل و الحرف،و في ذلك إشكال فإذا جاء الحدّ أبان.

و فرق آخر و هو أنّ الاسم يستعمل على وجه الاستعارة و الحقيقة،فإذا جاء الحدّ بيّن ذلك و ميّزه.

الفرق بين الحدّ و الحقيقة:أنّ الحدّ:ما أبان الشّيء و فصله من أقرب الأشياء؛بحيث منع من مخالطة غيره له،و أصله في العربيّة:المنع.

و الحقيقة:ما وضع من القول موضعه في أصل اللّغة، و الشّاهد أنّها مقتضية المجاز و ليس المجاز إلاّ قولا، فلا يجوز أن يكون ما يناقضه إلاّ قولا.

و مثل ذلك الصّدق لمّا كان قولا كان نقيضه و هو الكذب قولا،ثمّ يسمّى ما يعبّر عنه بالحقيقة و هو الذّات حقيقة مجازا،فهي على الوجهين مفارقة للحدّ مفارقة بيّنة.

و الفرق بينهما أيضا:أنّ الحدّ لا يكون إلاّ لما له غير، يجمعه و إيّاه جنس قد فصل بالحدّ بينه و بينه.

و الحقيقة تكون كذلك و لما ليس له غير،كقولنا:

شيء،و الشّيء لا حدّ له من حيث هو شيء،و ذلك أنّ الحدّ هو المانع للمحدود من الاختلاط بغيره،و الشّيء لا غير له،و لو كان له غير لما كان شيئا،كما أنّ غير اللّون ليس بلون،فتقول:ما حقيقة الشّيء؟و لا تقول:ما حدّ الشّيء؟

و فرق آخر و هو أنّ العلم بالحدّ هو علم به و بما يميّزه، و العلم بالحقيقة علم بذاتها.(20)

الفرق بين الحدّ و الرّسم:أنّ الحدّ أتمّ ما يكون من البيان عن المحدود،و الرّسم مثل السّمة يخبر به حيث يعسر التّحديد.

و لا بدّ للحدّ من الإشعار بالأصل إذا أمكن ذلك فيه، و الرّسم غير محتاج إلى ذلك.و أصل الرّسم في اللّغة:

العلامة،و منه رسوم الدّيار.

و فرّق المنطقيّون بين الرّسم و الحدّ،فقالوا:الحدّ مأخوذ من طبيعة الشّيء،و الرّسم من أعراضه.

الفرق بين قولنا:ما حدّه،و بين قولنا:ما هو:أنّ قولنا:ما هو؟يكون سؤالا عن الحدّ،كقولك:ما الجسم؟ و سؤالا عن الرّسم كقولك:ما الشّيء؟و ذلك أنّ الشّيء لا يحدّ على ما ذكرنا و إنّما يرسم بقولنا:إنّ الّذي يصحّ أن يعلم و يذكر و يخبر عنه.

و سؤالا عن الجنس،كقولك:ما الدّنيا؟و سؤالا عن التّفسير اللّغويّ،كقولك:ما القطر؟فتقول:النّحّاس، و ما القطر؟فتقول:العود.

و ليس كذلك قولنا:ما حدّه،لأنّ ذلك يبيّن الاختصاص من وجه من هذه الوجوه.(21)

الفرق بين الحدّ و النّهاية و العاقبة:أنّ النّهاية ما ذكرناه (1)،و الحدّ يفيد معنى تمييز المحدود من غيره، و لهذا قال المتكلّمون:حدّ القدرة كذا و حدّ السّواد كذا.

و سمّي حدّا لأنّه يمنع غيره من المحدود فيما هو حدّ له،و في».

ص: 128


1- راجع:«غ ي ي».

هذا تمييز له من غيره،و لهذا قال الشّرطيّون:اشتري الدّار بحدودها،و لم يقولوا:بنهاياتها،لأنّ الحدّ أجمع للمعنى.و لهذا يقال:للعالم نهاية،و لا يقال:للعالم حدّ، فإن قيل:فعلى الاستعارة؟و هو بعيد.

و عندهم أنّ حدّ الشّيء منه،فقال أبو يوسف و الحسن بن زياد:إذا كتب:حدّها الأوّل دار زيد، دخلت دار زيد في الشّراء،و قال أبو حنيفة:لا تدخل فيه و إن كتب:حدّها الأوّل المسجد و أدخله،فسد البيع في قولهما.و قال أبو حنيفة:لا يفسد،لأنّ هذا على مقتضى العرف،و قصد النّاس في ذلك معروف.

و أمّا العاقبة فهي ما تؤدّي إليه التّأدية،و العاقبة هي الكائنة بالنّسب الّذي من شأنه التّأدية،و ذلك أنّ السّبب على وجهين:مولّد و مؤدّ،و إنّما العاقبة في المؤدّي، فالعاقبة يؤدّي إليها السّبب المقدّم و ليس كذلك الآخرة، لأنّه قد كان يمكن أن تجعل هي الأولى في العدّة.(243)

الثّعالبيّ: فصل في محاسن أخلاقها[المرأة]و سائر أوصافها:فإذا تركت الزّينة لموت زوجها،فهي حادّ، و محدّ.(168)

فصل في إتباعات الطّعوم:...حرّيف حادّ.(269)

أبو سهل الهرويّ: و تقول:قد أحددت السّكّين إحدادا،إذا رقّقت جانبه بمبرد أو غيره.و سكّين حديد و حداد بالضّمّ،و حدّاد بالضّمّ أيضا و تشديد الدّال،أي رقيق الجانب.

و أحددت إليك النّظر إحدادا،أي نظرت إليك نظرا شديدا لا أطرق فيه.

و حددت حدود الدّار أحدّها حدّا،إذا بيّنت منتهاها من جوانبها المحيطة بها،لتتميّز بها من غيرها.

و حدّت المرأة على زوجها تحدّ و تحدّ-بكسر الحاء و ضمّها-حدادا بكسر الحاء،إذا تركت الزّينة، و هي حادّ،بغير هاء.و يقال:أحدّت أيضا فهي محدّ، بغير هاء أيضا.

و قد حددت على الرّجل أحدّ حدّة و حدّا من الغضب،أي أسرعت الغضب عليه.(فصيح ثعلب:38)

ابن سيده: الحدّ:الفصل بين الشّيئين لئلاّ يختلط أحدهما بالآخر،أو لئلاّ يتعدّى أحدهما على الآخر؛ و جمعه:حدود.

و داري حديدة دارك و محادّتها،إذا كان حدّها كحدّها.

و حدّ الشّيء من غيره يحدّه حدّا،و حدّده:ميّزه.

و حدّ كلّ شيء:منتهاه،لأنّه يردّه عن التّمادي؛ و الجمع كالجمع.

و حدّ السّارق و غيره:ما يمنعه من المعاودة و يمنع أيضا غيره عن إتيان الجنايات؛و جمعه:حدود.

و حدود اللّه تعالى:الأشياء الّتي بيّنها و أمر ألاّ تتعدّى،و منع من مخالفتها؛واحدها:حدّ.و حدّ القاذف و نحوه يحدّه حدّا:أقام عليه ذلك.

و الحديد:هذا الجوهر المعروف،القطعة منه حديدة؛ و الجمع:حدائد،و حدائدات:جمع الجمع.

و الحدّاد:معالج الحديد.

و الاستحداد:الاحتلاق بالحديد.

و حدّ السّكّين و غيرها معروف؛و جمعه:حدود.

و حدّ السّكّين و كلّ كليل يحدّها حدّا و أحدّها

ص: 129

و حدّدها:مسحها بحجر أو مبرد.[إلى أن قال:]

و إنّها لبيّنة الحدّ.

و حدّ نابه يحدّ حدّة،و ناب حديد و حديدة،كما تقدّم في السّكّين.و لم يسمع فيها حداد.

و رجل حديد و حداد من قوم أحدّاء و أحدّة و حداد،يكون في اللّسن و الفهم و الغضب.و الفعل من ذلك كلّه حدّ يحدّ حدة،و إنّه لبيّن الحدّ أيضا كالسّكّين.

و حدّ عليه يحدّ حددا،و احتدّ و استحدّ:غضب.

و حادّه:غاضبه،مثل شاقّه،و كان اشتقاقه من الحدّ الّذي هو الحيّز و النّاحية،كأنّه صار في الشّقّ الّذي فيه عدوّه،كما أنّ قولهم:شاقّه قد صار في الشّقّ الّذي فيه عدوّه.

و رائحة حادّة:ذكيّة،على المثل.

و ناقة حديدة الجرّة:توجد لجرّتها ريح حادّة؛و ذلك ممّا يحمد.

و حدّ كلّ شيء:طرف شباته كحدّ السّكّين و السّيف و السّنان و السّهم.و قيل:الحدّ من كلّ ذلك:ما دقّ من شعرته؛و الجمع:حدود.

و حدّ الخمر:صلابتها.

و حدّ الرّجل:بأسه و نفاذه في نجدته.

و حدّ بصره إليه يحدّه،و أحدّه-الأولى عن اللّحيانيّ-كلاهما:حدّقه إليه و رماه به.

و رجل حديد النّاظر:على المثل:لا يتّهم بريبة، فتكون عليه غضاضة فيها،فيكون كما قال تعالى:

يَنْظُرُونَ مِنْ طَرْفٍ خَفِيٍّ الشّورى:45.هذا قول الفارسيّ.

و حدّد الزّرع:تأخّر عن خروجه لتأخّر المطر ثمّ خرج و لم يشعّب.

و حدّ الرّجل عن الأمر يحدّه حدّا:منعه و حبسه.

و الحدّاد:البوّاب و السّجّان،لأنّهما يمنعان.

و حدّ الرّجل:منع من الظّفر.

و كلّ محروم:محدود.

و دون ما سألت حدد،أي منع.و لا حدد عنه،أي لا منع و لا دفع.

و حدّ اللّه عنّا شرّ فلان حدّا:كفّه و صرفه.

و كلّ مصروف عن خير أو شرّ:محدود.

و مالك عن ذلك حدد و محتدّ،أي مصرف و معدل.

و رجل حدّ:محدود عن الخير مصروف.

و يدعى على الرّامي،فيقال:اللّهمّ احدده،أي لا توفّقه لإصابة.

و أمر حدد:ممتنع باطل،و كذلك دعوة حدد.و أمر حدد:لا يحلّ أن يرتكب.

و الحادّ و المحدّ من النّساء:الّتي تترك الزّينة و الطّيب بعد زوجها للعدّة،حدّت تحدّ و تحدّ حدّا.و أبى الأصمعيّ إلاّ أحدّت و هي محدّ،و لم يعرف:حدّت.

و الحداد:تركها ذلك،و في الحديث:«لا تحدّ المرأة فوق ثلاث إلاّ على زوج».

و الحدّاد:البحر،و قيل:نهر بعينه.[و استشهد بالشّعر 8 مرّات](2:504)

الطّوسيّ: و قوله تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ البقرة:187،فالحدّ على وجوه:

أحدها:المنع،يقال:حدّه عن كذا حدّا،أي منعه.

ص: 130

و الحدّ:حدّ الدّار.

و الحدّ:الفرض من حدود اللّه،أي فرائضه.

الحدّ:الجلد للزّاني و غيره.

و الحدّ:حدّ السّيف،و ما أشبهه.

و الحدّ في الحلق:الحدّة.

و الحدّ:الفرق بين الشّيئين.

و الحدّ:منتهى الشّيء.

و حدّ الشّراب:صلابته.

و إحداد المرأة على زوجها:امتناعها من الزّينة و الطّيب.

و إحداد السّيف:إشحاذه.

و إحداد النّظر إلى الشّيء:التّحديق إليه.

و الحديد:معروف،و صانعه:الحدّاد،و الحدّاد:

السّجّان.

و الاستحداد:حلق الشّيء بالحديد.

و حاددته:عاصيته،و منه قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ المجادلة:5،و أصل الباب:المنع.

و الحدّ:نهاية الشّيء الّتي تمنع أن يدخله ما ليس منه، و أن يخرج عنه ما هو منه.(2:136)

نحوه الطّبرسيّ.(1:280)

حدّدته تحديدا،إذا أرهفته،و منه حدّ الشّيء:

نهايته.(7:92)

الرّاغب: الحدّ:الحاجز بين الشّيئين الّذي يمنع اختلاط أحدهما بالآخر،يقال:حددت كذا:جعلت له حدّا يميّز.

و حدّ الدّار:ما تتميّز به عن غيرها.

و حدّ الشّيء:الوصف المحيط بمعناه المميّز له عن غيره،و حدّ الزّنى و الخمر سمّي به لكونه مانعا لمتعاطيه عن معاودة مثله،و مانعا لغيره أن يسلك مسلكه.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و الحديد:معروف،قال عزّ و جلّ: وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ الحديد:25.

و حدّدت السّكّين:رقّقت حدّه،و أحددته:جعلت له حدّا،ثمّ يقال لكلّ ما دقّ في نفسه من حيث الخلقة أو من حيث المعنى كالبصر و البصيرة:حديد،فيقال:هو حديد النّظر و حديد الفهم،قال عزّ و جلّ: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ق:22.

و يقال:لسان حديد نحو لسان صارم و ماض؛و ذلك إذا كان يؤثّر تأثير الحديد،قال تعالى: سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ الأحزاب:19.

و لتصوّر المنع سمّي البوّاب:حدّادا.

و قيل:رجل محدود:ممنوع الرّزق و الحظّ.(109)

الزّمخشريّ: حدّه:منعه،و اللّهمّ احدده.

و إذا طلع عليهم من كرهوه قالوا:حداد حدّيه.

و لفلان حدّاد كالح،و هو البوّاب.

و دون ذلك حدد.

و حددا أن يكون كذا،كما تقول:معاذ اللّه.

و ما لي عنه حدد،أي بدّ.

و امرأة محدّ،و قد أحدّت،و لبست الحداد.

و حادّه محادّة،و داري محادّة لداره،و فلان حديدي في الدّار،أي محادّي.

و من المجاز:احتدّ عليه:غضب،و فيه حدّة،و هو

ص: 131

حديد،و هو من أحدّاء الرّجال.

و لفلان جدّ و حدّ،أي بأس.

و أقام به حدّ الرّبيع،أي فصل الرّبيع.

و أتيته حدّ الظّهيرة.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(76)

و في قصّة حنين:«إنّ مالك بن عوف النّصريّ قال لغلام له حادّ البصر:ما ترى؟...»يقال:رجل حديد البصر و حادّه،كقولهم:كليل البصر و كالّه.

قال في السّنّة:«في الرّأس و الجسد قصّ الشّارب و السّواك و الاستنشاق و المضمضة،و تقليم الأظفار و نتف الإبط و الختان،و الاستنجاء بالأحجار و الاستحداد و انتقاص الماء».استحدّ الرّجل،إذا استعان و هو«استفعل»من الحديد،كأنّه استعمل الحديد على طريق الكناية و التّورية.

و منه حديثه:«إنّه حين قدم من سفر أراد النّاس أن يطرقوا النّساء ليلا،فقال:أمهلوا حتّى تمتشط الشّعثة، و تستحدّ المغيبة».(الفائق 1:264)

«خيار أمّتي أحدّاؤها»و هو جمع حديد،كأشدّاء في جمع شديد،و المراد الّذين فيهم حدّة و صلابة في الدّين.

(الفائق 1:265)

«صفيّة بنت أبي عبيد اشتكت عيناها و هي حادّ على ابن عمر زوجها،فلم تكتحل حتّى كادت عيناها ترمصان»حدّ تحدّ حدّا،و المعنى أحدّت،إذا تركت الزّينة بعد وفاة زوجها و هي حادّ،أي ذات حداد،أو شيء حادّ على المذهبين.(الفائق 1:267)

الطّبرسيّ: المحادّة:مجاوزة الحدّ بالمشاقّة،و هي و المخالفة و المجانبة و المعاداة نظائر،و أصله:المنع.

و المحادّة:ما يعتري الإنسان من النّزق،لأنّه يمنعه من الواجب.(3:43)

الحديد:ضدّ الكليل؛و الجمع:حداد.(4:346)

الحديد:الحادّ،مثل الحفيظ و الحافظ.(5:145)

المحادّة:المخالفة،و أصله من الحدّ،و هو المنع،و منه الحدّ:الحاجز بين الشّيئين.[ثمّ استشهد بشعر]

(5:246)

ابن الجوزيّ: و أصل الحدّ في اللّغة:المنع،و منه:

حدّ الدّار،و هو ما يمنع غيرها من الدّخول فيها.

و الحدّاد في اللّغة:الحاجب و البوّاب،و كلّ من منع شيئا فهو حدّاد.[ثمّ استشهد بشعر]

و أحدّت المرأة على زوجها،و حدّت،فهي حادّ، و محدّ،إذا قطعت الزّينة،و امتنعت منها.

و أحددت النّظر إلى فلان،إذا منعت نظرك من غيره.

و سمّي الحديد حديدا،لأنّه يمتنع به الأعداء.

(1:193)

ابن الأثير: حدد:فيه ذكر الحدّ و الحدود في غير موضع،و هي محارم اللّه و عقوباته الّتي قرنها بالذّنوب.

و أصل الحدّ:المنع و الفصل بين الشّيئين،فكأنّ حدود الشّرع فصلت بين الحلال و الحرام،فمنها ما لا يقرب كالفواحش المحرّمة،و منه قوله تعالى:

تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَقْرَبُوها البقرة:187،و منها ما لا يتعدّى كالمواريث المعيّنة،و تزويج الأربع.و منه قوله تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها البقرة 229.

و منه الحديث:«إنّي أصبت حدّا فأقمه عليّ»أي

ص: 132

أصبت ذنبا أوجب عليّ حدّا،أي عقوبة.

و منه حديث أبي العالية:«إنّ اللّمم ما بين الحدّين:

حدّ الدّنيا و حدّ الآخرة»يريد بحدّ الدّنيا:ما تجب فيه الحدود المكتوبة،كالسّرقة و الزّنى و القذف،و يريد بحدّ الآخرة:ما أوعد اللّه تعالى عليه العذاب كالقتل،و عقوق الوالدين،و أكل الرّبا.فأراد أنّ اللّمم من الذّنوب:ما كان بين هذين ممّا لم يوجب عليه حدّا في الدّنيا و لا تعذيبا في الآخرة.

و فيه«الحدّة تعتري خيار أمّتي»الحدّة كالنّشاط و السّرعة في الأمور و المضاء فيها،مأخوذ من حدّ السّيف.و المراد بالحدّة هاهنا:المضاء في الدّين و الصّلابة،و القصد في الخير.

و منه حديث عمر:«كنت أداري من أبي بكر بعض الحدّ»الحدّ و الحدّة سواء من الغضب،يقال:حدّ يحدّ حدّا و حدّة،إذا غضب.و بعضهم يرويه بالجيم،من الجدّ:

ضدّ الهزل.و يجوز أن يكون بالفتح من الحظّ.

و منه حديث خبيب:«أنّه استعار موسى ليستحدّ بها»لأنّه كان أسيرا عندهم و أرادوا قتله،فاستحدّ لئلاّ يظهر شعر عانته عند قتله.

و في حديث عبد اللّه بن سلام:«إنّ قومنا حادّونا لمّا صدّقنا اللّه و رسوله»المحادّة:المعاداة و المخالفة و المنازعة، و هي«مفاعلة»من الحدّ،كأنّ كلّ واحد منهما تجاوز حدّه إلى الآخر.

و منه الحديث في صفة القرآن«لكلّ حرف حدّ»أي نهاية،و منتهى كلّ شيء:حدّه.

و في حديث أبي جهل لمّا قال في خزنة النّار-و هم تسعة عشر-ما قال،قال له الصّحابة:«تقيس الملائكة بالحدّادين»يعني السّجّانين،لأنّهم يمنعون المحبّسين من الخروج.

و يجوز أن يكون أراد به صنّاع الحديد،لأنّهم من أوسخ الصّنّاع ثوبا و بدنا.(1:352)

القرطبيّ: الإحداد:ترك المرأة الزّينة كلّها،من اللّباس و الطّيب و الحليّ و الكحل،و الخضاب بالحنّاء ما دامت في عدّتها،لأنّ الزّينة داعية إلى الأزواج،فنهيت عن ذلك قطعا للذّرائع،و حماية لحرمات اللّه تعالى أن تنتهك،و ليس دهن المرأة رأسها بالزّيت و الشّيرج من الطّيب في شيء.يقال:امرأة حادّ و محدّ.(3:179)

الفيّوميّ: حدّت المرأة على زوجها تحدّ و تحدّ حدادا بالكسر فهي حادّ بغير هاء،و أحدّت إحدادا فهي محدّ و محدّة:إذا تركت الزّينة لموته.و أنكر الأصمعيّ الثّلاثيّ و اقتصر على الرّباعيّ.

و حددت الدّار حدّا من باب قتل:ميّزتها عن مجاوراتها بذكر نهاياتها.

و حددته حدّا:جلدته،و الحدّ في اللّغة:الفصل و المنع،فمن الأوّل:قول الشّاعر:

*جاعل الشّمس حدّا لا خفاء به*

و من الثّاني:حددته عن أمره إذا منعته،فهو محدود، و منه الحدود المقدّرة في الشّرع،لأنّها يمنع من الإقدام، و يسمّى الحاجب حدّادا،لأنّه يمنع من الدّخول.

و الحديد:معدن معروف،و صانعه:حدّاد،و اسم الصّناعة:الحدادة بالكسر.

و حدّ السّيف و غيره يحدّ من باب ضرب حدّة فهو

ص: 133

حديد و حادّ،أي قاطع ماض،و يعدّى بالهمزة و التّضعيف فيقال:أحددته،و في لغة يتعدّى بالحركة فيقال:حددته أحدّه من باب قتل.و سكّين حديد و حادّ،و أحددت إليه النّظر بالألف:نظرت متأمّلا.

(1:124)

الجرجانيّ: الحدّ:قول دالّ على ماهيّة الشّيء، و عند أهل اللّه:الفصل بينك و بين مولاك،كتعبّدك و انحصارك في الزّمان و المكان المحدودين.

الحدّ في اللّغة:المنع،و في الاصطلاح:قول يشتمل على ما به الاشتراك،و على ما به الامتياز.

الحدّ المشترك:جزء وضع بين المقدارين،يكون منتهى لأحدهما و مبتدأ للآخر،و لا بدّ أن يكون مخالفا لهما.

الحدّ التّامّ:ما يتركّب من الجنس و الفصل القريبين، كتعريف الإنسان بالحيوان النّاطق.

الحدّ النّاقص:ما يكون بالفصل القريب و حده أو به و بالجنس البعيد،كتعريف الإنسان بالنّاطق أو بالجسم النّاطق.

الحدود:جمع حدّ،و هو في اللّغة:المنع،و في الشّرع:

هي عقوبة مقدّرة وجبت حقّا للّه تعالى.

حدّ الإعجاز هو أن يرتقي الكلام في بلاغته إلى أن يخرج عن طوق البشر،و يعجزهم عن معارضته.(37)

الفيروزآباديّ: الحدّ:الحاجز بين شيئين، و منتهى الشّيء،و من كلّ شيء:حدّته.

و منك:بأسك،و من الشّراب:سورته.

و الدّفع،و المنع كالحدد،و تأديب المذنب بما يمنعه و غيره من الذّنب،و ما يعتري الإنسان من الغضب و النزق كالحدّة،و قد حددت عليه أحدّ،و تمييز الشّيء عن الشّيء.

و داري حديدة داره و محادّتها:حدّها كحدّها.

و الحديد:معروف؛جمعه:حدائد و حديدات.

و الحدّاد:معالجه،و السّجّان،و البوّاب،و البحر، و نهر.

و الاستحداد:الاحتلاق بالحديد.

و حدّ السّكّين و أحدّها و حدّدها:مسحها بحجر أو مبرد،فحدّت تحدّ حدّة،و احتدّت فهي حديد.

و حداد كغراب و رمّان؛جمعه:حديدات و حدائد و حداد.

و ناب حديد و حديدة،و رجل حديد و حداد من أحدّاء و أحدّة و حداد:يكون في اللّسن و الفهم و الغضب.

و حدّ عليه يحدّ حددا و حدّد و احتدّ و استحدّ:

غضب.

و حادّه:غاضبه و عاداه و خالفه.

و ناقة حديدة الجرّة:يوجد منها رائحة حادّة،أي ذكيّة.و حدّد الزّرع تحديدا:تأخّر خروجه لتأخّر المطر، و إليه و له:قصد.

و حداد حدّيه كقطام:كلمة تقال لمن تكره طلعته.

و المحدود:المحروم و الممنوع من الخير كالحدّ بالضّمّ، و عن الشّرّ.

و الحادّ و المحدّ:تاركة الزّينة للعدّة،حدّت تحدّ و تحدّ حدّا و حدادا،و أحدّت.

و أبو الحديد:رجل من الحروريّة.و أمّ الحديد:

ص: 134

امرأة كهدل.

و حدّ بالضّمّ:موضع.

و الحدّة:الكثبة و الصّبّة.

و دعوة حدد محرّكة:باطلة.

و حدادتك:امرأتك.

و حدادك تفعل كذا:قصاراك.

و ما لي عنه محدّ و محتدّ،أي بدّ و محيد.(1:296)

مجمع اللّغة :1-الحدّ:الحاجز المانع بين الشّيئين؛ و جمعه:حدود.

و سمّيت أحكام اللّه و شرائعه حدودا،لمنعها عن التّخطّي إلى ما وراءها.

2-حدّ السّيف حدّة:كان مشحوذا فهو حديد.

و يقال:بصر حديد،أي نافذ.

و حدّ بصره إلى الشّيء يحدّه:حدّقه،و يلزم عادة من حدّ البصر:نفاذ النّظر.

3-و الحديد هو المعدن المعروف.

4-حدّ الشّيء يحدّ فهو حادّ و حديد:صار قاطعا مشحوذا،و يقال:سيف حديد و سيوف حداد،أي قاطعة ماضية؛و بها شبّهت الألسنة فقيل:«ألسنة حداد».

5-حادّه يحادّه محادّة:عاداه و خالفه و نازعه،و هو «مفاعلة»من الحدّ،كأنّ كلاّ منهما في حدّ و جانب يقابل حدّ الآخر و جانبه.(1:241)

نحوه ملخّصا محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:125)

العدنانيّ: امرأة حادّ.

و يقولون:جارتنا حادّة،لأنّ زوجها مات منذ أسبوعين.

و الصّواب:جارتنا حادّ على زوجها،أي تلبس الحداد؛و الجمع:حوادّ،أو:هي محدّ أو محدّة.

و الفعل هو:حدّت تحدّ أو تحدّ حدّا و حدادا على زوجها.

أو:أحدّت إحدادا،فهي محدّ.

(معجم الأخطاء الشّائعة:62)

محمود شيت:حدّ السّيف و نحوه حدّة:صار قاطعا،و الرّائحة:زكت و اشتدّت،و حدّ الرّجل:نشط و قوي قلبه،و على غيره:غضب و أغلظ القول.

و حدّ السّيف و نحوه:شحذه،و بصره إليه:نظر إليه نظرة انتباه،و الأرض:وضع فاصلا بينها و بين ما يجاورها،و الجاني:أقام عليه الحدّ.

حادّت الأرض الأرض:شاركتها في حدّها،و يقال:

حادّ فلان فلانا:جاوره.

و حادّه:غاضبه و عصاه.

حدّد على الشّيء:أقام له حدّا،و على فلان:منعه من حرّيّة التّصرّف.[ثمّ قال نحو مجمع اللّغة و أضاف:]

المحدود:القليل الحظّ.

حدّد المناطق الدّفاعيّة:أقام لها حدودا.

الحدادة:قسم الحدادة في معامل الجيش:القسم الّذي يعالج الحديد.

الحدّاد:من أرباب الحرف في المعامل العسكريّة و غيرها.(1:173)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الحدّة و الشّدّة.

و الحدّة تختلف باختلاف الموضوعات،فيقال في حدّ

ص: 135

الشّراب:سورته،و في حدّ السّيف:شحذه،و في حدّ النّظر:نفوذه،و في الحدّ على الزّوج:ترك التّزيّن له،و في الحدّ على شخص:الغضب عليه،و في حدود الدّار:

مميّزاتها و مشخّصاتها،و في محدوديّة الرّجل:ممنوعيّته من جهة أو جهات.

و رجل حادّ:ذو بأس و شدّة،و الحديد:لكونه ذا حدّة و سورة و شدّة في نفسه،و سكّين حديد:قاطع، و لسان حديد؛و الجمع:حداد،أي شديد نافذ حادّ.

و حدود اللّه تعالى:أحكامه و نواهيه الشّديدة القاطعة الّتي فيها حدّة و بأس و سورة.

و حادّه يحادّه من«المفاعلة»:تدلّ الصّيغة على الاستمرار و المداومة،أي من يعمل بالشّدّة و الحدّة و الصّلابة و الخشونة،خلاف اللّينة و الخضوع و الرّحمة و العطوفة.

فظهر أنّ ترجمة المادّة بالمنع و الغضب و الانتهاء و الحاجز و الحرمة و المخالفة و الطّرف و غيرها:كلّها على خلاف التّحقيق،و أنّها معان مجازيّة،و من لوازم الأصل و مصاديقه.

فالأصل الواحد المحفوظ في الموارد كلّها،هو«الحدّة» و يعبّر عنها في الفارسيّة بكلمة«تندي».

ثمّ إنّ الحدّة في الحادّ متحقّقة من جانب الفاعل،و في المحدود متوجّهة إلى جانب المفعول،فهو واقع محاطا بالحدّ.(2:190)

النّصوص التّفسيريّة

حادّ

...يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ... المجادلة:22

راجع:«و د د»(يوادّون).

يحادد

أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ التّوبة:63

ابن عبّاس: يخالف اللّه و رسوله في السّرّ.(160)

مثله الكلبيّ.(الماورديّ 2:378)

أبو عبيدة :أي من يحارب اللّه و يشاقق اللّه و رسوله.(1:263)

الطّبريّ: أنّه من يحارب اللّه و رسوله،و يخالفهما، فيناوئهما بالخلاف عليهما.(10:170)

الزّجّاج: معناه من يعادي اللّه و رسوله،و من يشاقق اللّه و رسوله.

و اشتقاقه من اللّغة،كقولك:من يجانب اللّه و رسوله،أي من يكون في حدّ،و اللّه و رسوله في حدّ.

(2:458)

نحوه البغويّ(2:365)،و ابن عطيّة(3:54)،و ابن الجوزيّ(3:462)،و القرطبيّ(8:194)،و النّيسابوريّ (10:120)،و الخازن(3:95)،و ابن كثير(3:415)، و أبو السّعود(3:165)،و الكاشانيّ(2:354)، و البروسويّ(3:458)،و حسنين مخلوف(325).

أبو مسلم الأصفهانيّ: أنّها معاداتها،مأخوذ من حديد السّلاح،لاستعماله في المعاداة.

(الماورديّ 2:378)

الرّمّانيّ: مجاوزة حدودها.(الماورديّ 2:378)

الطّوسيّ: يقول اللّه تعالى على وجه التّهديد

ص: 136

و التّقريع و التّوبيخ لهؤلاء المنافقين: أَ لَمْ يَعْلَمُوا أي أو ما علموا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللّهَ أي يجاوز حدود اللّه الّتي أمر المكلّفين أن لا يتجاوزوها.فالمحادّة:مجاوزة الحدّ بالمشاقّة،و مثله المباعدة،و المعنى مصيرهم في حدّ غير حدّ أولياء اللّه.فالمخالفة و المحادّة و المجانبة و المعاداة نظائر في اللّغة.(5:290)

نحوه الواحديّ(2:507)،و الطّبرسيّ(3:45)، و الفخر الرّازيّ(16:120)،و شبّر(3:90)،و القاسميّ (8:3192)،و الطّباطبائيّ(9:317).

الزّمخشريّ: المحاداة:«مفاعلة»من الحدّ كالمشاقّة من الشّقّ.(2:199)

مثله البيضاويّ(1:421)،و النّسفيّ(2:133).

أبو حيّان :[ذكر الأقوال ثمّ قال:]

و هذه أقوال متقاربة.(5:64)

نحوه السّمين(3:480)،و الشّربينيّ(1:627).

الآلوسيّ: [نحو الزّجّاج ثمّ قال:]

و يحتمل أن تكون من الحدّ بمعنى المنع.

(10:129)

رشيد رضا :الاستفهام هنا للتّوبيخ و إقامة الحجّة، و المحادّة«مفاعلة»من الحدّ،و هو طرف الشّيء، كالمشاقّة من الشّقّ،و هو بالكسر:الجانب و نصف الشّيء المنشقّ منه،و كلاهما بمعنى المعاداة،من«العدوة» و هي بالضّمّ:جانب الوادي،لأنّ العدوّ يكون في غاية البعد عمّن يعاديه عداء البغض و الشّنآن؛بحيث لا يتزاوران و لا يتعاونان،فشبّه بمن يكون كلّ منهما في حدّ و شقّ و عدوة،كما يقال:هما على طرفي نقيض، و كذلك المنافقون يكونون في الحدّ و الجانب المقابل للجانب الّذي يحبّه اللّه لعباده و الرّسول لأمّته،من الحقّ و الخير و العمل الصّالح و لا سيّما الجهاد بالمال و النّفس للدّفاع عن الملّة و الأمّة،و إعلاء شأنهما.

و العاصي و إن خالف أمر اللّه و رسوله و نهيهما في بعض الأمور لا ينتهي إلى هذه الغاية أو العدوة في البعد عنهما،فليس في الآية حجّة لمن يكفّرون العصاة.

و المعنى:أ لم يعلم هؤلاء المنافقون أنّ الشّأن و الأمر الثّابت الحقّ هو:من يعادي اللّه و رسوله بتعدّي حدود اللّه،أو يلمز الرّسول في أعماله كقسمة الصّدقات،أو أخلاقه و شمائله.(10:524)

نحوه المراغيّ.(10:150)

المصطفويّ: أي من يعمل عملا حادّا و بالشّدّة و الخشونة.(2:191)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ... المجادلة:5.

حداد

...فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ...

الأحزاب:19

ابن عبّاس: ذربة سليطة أشحّة على الخير،بخيلة بالنّفقة في سبيل اللّه.(352)

استقبلوكم.(الطّبريّ 21:141)

الفرّاء: ذربة.(2:339)

و جاء نحوه في أكثر التّفاسير.

الطّبريّ: عضّوكم بألسنة ذربة.و يقال للرّجل

ص: 137

الخطيب:الذّرب اللّسان.(21:141)

البغويّ: ذربة؛جمع حديد،يقال للخطيب الفصيح:الذّرب اللّسان.(3:623)

الخازن :أي ذربة تفعل كفعل الحديد.(5:202)

الشّربينيّ: ذربة قاطعة فصيحة،بعد أن كانت عند الخوف في غاية اللّجلجة،لا تقدر على الحركة من قلّة الرّيق و يبس الشّفاه،و هذا الطّلب العرض الفاني من الغنيمة و غيرها.(3:232)

أبو السّعود :و قالوا:وفّروا قسمتنا فإنّا قد شاهدناكم و قاتلنا معكم،و بمكاننا غلبتم عدوّكم،و بنا نصرتم عليه.(5:217)

الطّباطبائيّ: ضربوكم و طعنوكم بألسنة حداد قاطعة.(16:288)

بنت الشّاطئ: أمّا(حداد)فوحيدة الصّيغة، و جاء من المادّة:(حديد)ستّ مرّات،و حُدُودُ اللّهِ ثلاث عشرة مرّة.كما جاء الفعل(حادّ)ماضيا مرّة، و مضارعا مرّتين.[بل ثلاث مرّات]و ملحظ الحدّة و العنف واضح في بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ، و في لجج المحادّة و لدد الجدل.و في(الحديد)ظاهرة القوّة،و في حُدُودُ اللّهِ ما يعطيها قوّة المنازعة و الحرمة.(355)

عبد الكريم الخطيب :«الألسنة الحداد»أي الألسنة المسعورة الجارحة،الذّلقة في الحديث.

فالمنافقون أحدّ النّاس ألسنة،و أكثرهم قولا،و أقلّهم فعلا.(11:675)

مكارم الشّيرازيّ: «الألسنة الحداد»تعني الجارحة المؤذية،و هي هنا كناية عن الخشونة في الكلام.

(13:178)

فضل اللّه :فوجّهوا إلى النّبيّ و المؤمنين الكلام الحادّ السّليط الّذي لا يرتكز على قاعدة،و لا يخضع لحقّ، انطلاقا من حقدهم و غرورهم و نفاقهم الّذي يوزّع مواقفه على مصالحه و شهواته.(18:279)

حديد

فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ. ق:22

ابن عبّاس: حادّ،و يقال:فعلمك اليوم نافذ في البعث.(439)

هو خاصّ في الكافر أي فأنت اليوم عالم بما كنت تنكره في الدّنيا.(الطّبرسيّ 5:146)

يعاين ما يصير إليه من ثواب و عقاب.

(القرطبيّ 17:15)

مجاهد :يعني نظرك إلى لسان ميزانك حين توزن حسناتك و سيّئاتك.(البغويّ 4:274)

مثله الضّحّاك.(القرطبيّ 17:15)

الحسن :العمل الّذي كان يعمله في الدّنيا.

(الماورديّ 5:349)

قتادة :عاين الآخرة فنظر إلى ما وعده اللّه،فوجده كذلك.(الدّرّ المنثور 6:106)

مقاتل:شاخص لا يطرف لمعاينة الآخرة.

(ابن الجوزيّ 8:14)

ابن زيد :لقد كنت في غفلة من هذا الأمر يا محمّد، كنت مع القوم في جاهليّتهم فَكَشَفْنا....

(الطّبريّ 26:164)

ص: 138

1Lالفرّاء: يقول:قد كنت تكذّب،فأنت اليوم عالم نافذ البصر،و البصر هاهنا:هو العلم ليس بالعين.

(3:78)

ابن قتيبة :أي حادّ،كما يقال:حافظ و حفيظ.

(419)

الطّبريّ: [ذكر الأقوال في المقول ذلك له و أضاف:]و على هذا التّأويل الّذي قاله ابن زيد،يجب أن يكون هذا الكلام خطابا من اللّه لرسوله صلّى اللّه عليه و آله أنّه كان في غفلة في الجاهليّة من هذا الدّين الّذي بعثه به،فكشف عنه غطاءه الّذي كان عليه في الجاهليّة،فنفذ بصره بالإيمان و تبيّنه،حتّى تقرّر ذلك عنده،فصار حادّ البصر به.[إلى أن قال:]

يقول:فأنت اليوم نافذ البصر،عالم بما كنت عنه في الدّنيا في غفلة،و هو من قولهم:فلان يصير بهذا الأمر، إذا كان ذا علم به،و له بهذا الأمر بصر،أي علم.

و قد روي عن الضّحّاك أنّه قال:معنى ذلك:

فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ لسان الميزان.

و أحسبه أراد بذلك أنّ معرفته و علمه بما أسلف في الدّنيا شاهد عدل عليه،فشبّه بصره بذلك بلسان الميزان،الّذي يعدل به الحقّ في الوزن،و يعرف مبلغه الواجب لأهله،عمّا زاد على ذلك أو نقص،فكذلك علم من وافى القيامة بما اكتسب في الدّنيا شاهد عليه كلسان الميزان.(26:164)

الزّجّاج: أي فعلمك بما أنت فيه نافذ،ليس يراد بهذا البصر من بصر العين،كما تقول:فلان بصير بالنّحو و الفقه،تريد عالما بهما،و لم ترد بصر العين.(5:45)

الرّمّانيّ: (حديد)مشتقّ من:الحدّ،و معناه منيع من الإدخال في الشّيء ما ليس منه،و الإخراج عنه ما هو منه،و ذلك في صفة رؤيته للأشياء في الآخرة.

(الطّوسيّ 9:366)

الماورديّ: و في المراد بالبصر هنا وجهان:

أحدهما:بصيرة القلب،لأنّه يبصر بها من شواهد الأفكار،و نتائج الاعتبار ما تبصر العين ما قابلها من الأشخاص و الأجسام،فعلى هذا في قوله:حديد:

تأويلان:أحدهما:سريع كسرعة مور الحديد،الثّاني:

صحيح كصحّة قطع الحديد.

الوجه الثّاني:أنّ المراد به بصر العين و هو الظّاهر، فعلى هذا في قوله:حديد:تأويلان:أحدهما:شديد، قاله الضّحّاك،الثّاني:بصير،قاله ابن عبّاس.

و ما ذا يدرك البصر؟فيه خمسة أوجه:أحدها:

يعاين الآخرة،قاله قتادة.

الثّاني:لسان الميزان،قاله الضّحّاك.

الثّالث:ما يصير إليه من ثواب أو عقاب،و هو معنى قول ابن عبّاس.

الرّابع:ما أمر به من طاعة و حذّره من معصية،و هو معنى قول ابن زيد.

الخامس:[و هو قول الحسن](5:349)

الطّوسيّ: معناه:إنّ عينك حادّة النّظر لا يدخل عليها شكّ و لا شبهة.(9:366)

مثله الطّبرسيّ.(5:46)

الواحديّ: فأنت اليوم عالم نافذ البصر،تبصر ما كنت تنكر في الدّنيا.(4:167)

ص: 139

نحوه البغويّ.(4:274)

الزّمخشريّ: و قرئ (لقد كنت عنك غطاءك فبصرك) بالكسر على خطاب النّفس:أي يقال لها:لقد كنت جعلت الغفلة كأنّها غطاء غطّي به جسده كلّه،أو غشاوة غطّي بها عينيه فهو لا يبصر شيئا،فإذا كان يوم القيامة تيقّظ و زالت الغفلة عنه و غطاؤها،فيبصر ما لم يبصره من الحقّ،و رجع بصره الكليل عن الإبصار لغفلته حديدا لا لتيقّظه. (1)(4:7)

نحوه النّسفيّ.(4:178)

ابن عطيّة: و قال صالح بن كيسان و الضّحّاك و ابن عبّاس:معنى قوله: لَقَدْ كُنْتَ أي يقال للكافر الغافل من ذوي النّفس الّتي معها السّائق و الشّهيد،إذا حصل بين يدي الرّحمن و عاين الحقائق الّتي لا يصدّق بها في الدّنيا و يتغافل عن النّظر فيها: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا، فلمّا كشف الغطاء عنك الآن احتدّ بصرك أي بصيرتك،و هذا كما تقول:فلان حديد الذّهن و الفؤاد و نحوه.

و قال مجاهد: هو بصر العين إذا احتدّ التفاته إلى ميزانه،و غير ذلك من أهوال القيامة.

و قال زيد بن أسلم:قوله تعالى: ذلِكَ ما كُنْتَ مِنْهُ تَحِيدُ ق:19،و قوله: لَقَدْ كُنْتَ الآية،مخاطبة لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله،و المعنى أنّه خوطب بهذا في الدّنيا،أي لقد كنت يا محمّد في غفلة من معرفة هذا القصص و الغيب حتّى أرسلناك و أنعمنا عليك و علّمناك فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ.

و هذا التّأويل يضعف من وجوه:أحدها:أنّ الغفلة إنّما تنسب أبدا إلى مقصّر،و محمّد صلّى اللّه عليه و آله لا تقصير له قبل بعثه و لا بعده.

و ثان:أنّ قوله بعد هذا: وَ قالَ قَرِينُهُ يقتضي أنّ الضّمير إنّما يعود على أقرب مذكور،و هو الّذي يقال له:

فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ و إن جعلناه عائدا على«ذي النّفس»في الآية المتقدّمة جاء هذا الاعتراض لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم بين الكلامين غير متمكّن،فتأمّله.

و ثالث:أنّ معنى توقيف الكافر و توبيخه على حاله في الدّنيا يسقط،و هو أحرى بالآية و أولى بالرّصف.

و الوجه عندي ما قاله الحسن و سالم بن عبد اللّه:إنّها مخاطبة للإنسان«ذي النّفس»المذكورة من مؤمن و كافر.

(5:162)

ابن الجوزيّ: و في المراد بالبصر قولان:أحدهما:

البصر المعروف،قاله الضّحّاك.الثّاني:العلم،قاله الزّجّاج.

و في قوله:اليوم:قولان:أحدهما:أنّه يوم القيامة،قاله الأكثرون.و الثّاني:أنّه في الدّنيا،و هذا على قول ابن زيد.

فأمّا قوله:حديد:فقال ابن قتيبة:الحديد بمعنى الحادّ،أي فأنت ثاقب البصر،ثمّ فيه ثلاثة أقوال:

أحدها:فبصرك حديد إلى لسان الميزان حين توزن حسناتك و سيّئاتك،قاله مجاهد.

و الثّاني:أنّه شاخص لا يطرف لمعاينة الآخرة،قاله مقاتل.

و الثّالث:أنّه العلم النّافذ،قاله الزّجّاج.(8:14)ّ.

ص: 140


1- هكذا،الصّحيح«لتيقّظه»بدون«لا»كما ذكرها النّسفيّ.

الفخر الرّازيّ: و كان من قبل كليلا،و قرينك حديدا،و كان في الدّنيا خليلا،و إليه الإشارة.

(28:165)

القرطبيّ: قيل:يراد به بصر القلب،كما يقال:هو بصير بالفقه.فبصر القلب و بصيرته:تبصرته شواهد الأفكار و نتائج الاعتبار،كما تبصر العين ما قابلها من الأشخاص و الأجسام.

و قيل:المراد به بصر العين و هو الظّاهر،أي بصر عينك اليوم حديد،أي قويّ نافذ يرى ما كان محجوبا عنك.[و نقل قول مجاهد و الضّحّاك و ابن عبّاس ثمّ قال:]

و قيل:يعني أنّ الكافر يحشر و بصره حديد،ثمّ يزرق و يعمى.(17:15)

البيضاويّ: نافذ لزوال المانع للإبصار.و قيل:

الخطاب للنّبيّ عليه الصّلاة و السّلام،و المعنى كنت في غفلة من أمر الدّيانة فكشفنا عنك غطاء الغفلة بالوحي و تعليم القرآن،فبصرك اليوم حديد ترى ما لا يرون، و تعلم ما لا يعلمون.و يؤيّد الأوّل قراءة من كسر التّاء، و الكافات على خطاب النّفس.(2:415)

النّيسابوريّ: غير كليل متيقّظ،غير نائم.

(26:79)

الخازن :أي قويّ ثابت نافذ،تبصر ما كنت تتكلّم به[في]الدّنيا.و قيل:ترى ما كان محجوبا عنك.

(6:196)

أبو حيّان : لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا أي من عاقبة الكفر،فلمّا كشف الغطاء عنك احتدّ بصرك،أي بصيرتك،و هذا كما تقول:فلان حديد الذّهن.(8:125)

ابن كثير:أي قويّ،لأنّ كلّ أحد يوم القيامة يكون مستبصرا،حتّى الكفّار في الدّنيا يكونون يوم القيامة على الاستقامة،لكن لا ينفعهم ذلك.(6:403)

الشّربينيّ: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ أي بعد البعث حَدِيدٌ أي في غاية الحدّة و النّفوذ،فلذا تقرّ بما كنت تنكر في الدّنيا.[و نقل قول مجاهد ثمّ قال:]

و المعنى أزلنا غفلتك،فبصرك اليوم حديد و كان من قبل كليلا.(4:85)

أبو السّعود :نافذ لزوال المانع للإبصار.(6:127)

مثله الكاشانيّ(5:61)،و المراغيّ(26:159)

البروسويّ: أي نافذ،و بالفارسيّة«تيز است».

تبصر ما كنت تنكره و تستبعده في الدّنيا لزوال المانع للإبصار و لكن لا ينفعك،و هذا كقوله: أَسْمِعْ بِهِمْ وَ أَبْصِرْ يَوْمَ يَأْتُونَنا مريم:38،يقال:حددت السّكّين:رقّقت حدّها،ثمّ يقال لكلّ حاذق في نفسه من حيث الخلقة أو من حيث المعنى كالبصر و البصيرة:

حديد.فيقال:هو حديد النّظر،و حديد الفهم،و يقال:

لسان حديد،نحو لسان صارم و ماض؛و ذلك إذا كان يؤثّر تأثير الحديد.

و في الآية إشارة إلى أنّ الإنسان و إن خلق من عالمي الغيب و الشّهادة،فالغالب عليه في البداية الشّهادة و هي العالم الحسّيّ،فيرى بالحواسّ الظّاهرة العالم المحسوس مع اختلاف أجناسه،و هو بمعزل عن إدراك عالم الغيب.فمن النّاس من يكشف اللّه غطاءه عن بصر بصيرته،فيجعل بصره حديدا يبصر رشده و يحذر شرّه،و هم المؤمنون من أهل السّعادة.و منهم من

ص: 141

يكشف اللّه عن بصر بصيرته يوم القيامة يوم لا ينفع نفسا إيمانها،و هم الكفّار من أهل الشّقاوة.[ثمّ استشهد بشعر](9:122)

شبّر:حادّ:نافذ لا يحجبه شيء.(6:72)

مثله سيّد قطب.(6:3364)

الآلوسيّ: فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ الغطاء:

الحجاب المغطّى لأمور المعاد،و هو الغفلة و الانهماك في المحسوسات و الإلف بها،و قصر النّظر عليها.و جعل ذلك غطاء مجازا،و هو إمّا غطاء الجسد كلّه أو العينين، و على كليهما يصحّ قوله تعالى: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ.

أي نافذ لزوال المانع للإبصار،أمّا على الثّاني فظاهر،و أمّا على الأوّل فلأنّ غطاء الجسد كلّه غطاء للعينين أيضا،فكشفه عنه يستدعي كشفه عنهما.

و زعم بعضهم أنّ الخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و المعنى كنت في غفلة من هذا الّذي ذكرناه من أمر النّفخ و البعث،و مجيء كلّ نفس معها سائق و شهيد و غير ذلك،فكشفنا عنك غطاء الغفلة بالوحي و تعليم القرآن،فبصرك اليوم حديد ترى ما لا يرون و تعلم ما لا يعلمون.و لعمري أنّه زعم ساقط لا يوافق السّباق و لا السّياق.

و في«البحر»و عن زيد بن أسلم قول في هذه الآية يحرم نقله،و هو في كتاب ابن عطيّة،انتهى.

و لعلّه أراد به هذا لكن في دعوى«حرمة النّقل» بحث.

و قرأ الجحدريّ،و طلحة بن مصرّف بكسر الكافات الثّلاثة،أعني كاف(عنك)و ما بعده،على خطاب النّفس.و لم ينقل صاحب«اللّوامح»الكسر في الكاف إلاّ عن طلحة،و قال:لم أجد عنه في(لقد كنت) الكسر،فإن كسر فيه أيضا فذاك،و إن فتح يكون قد حمل ذلك على لفظ(كلّ)و حمل الكسر فيما بعده على معناه لإضافته إلى(نفس)و هو مثل قوله تعالى: فَلَهُ أَجْرُهُ و قوله سبحانه بعده: وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ.

(26:184)

مجمع اللّغة :تمثيل يراد به إثبات التّيقّظ يومئذ، و إدراك الأمور على حقائقها بعد انكشاف الحجب عن العقول.(1:241)

عزّة دروزة :حادّ قويّ الإبصار.(2:35)

مغنيّة:هذا إشارة إلى يوم الحساب و الجزاء،أمّا البصر الحديد فالمراد به:أنّ الحقيقة تتجلّى عند الموت و بعده لمنكر البعث،فيعرف ما أنكر و ينكر ما عرف...

(7:133)

الطّباطبائيّ: فَبَصَرُكَ و هو البصيرة و عين القلب، اَلْيَوْمَ و هو يوم القيامة، حَدِيدٌ أي نافذ يبصر ما لم يكن يبصره في الدّنيا.

و يتبيّن بالآية أوّلا:أنّ معرّف يوم القيامة أنّه يوم ينكشف فيه غطاء الغفلة عن الإنسان فيشاهد حقيقة الأمر،و في هذا المعنى و ما يقرب منه آيات كثيرة،كقوله تعالى: وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ الانفطار:19،و قوله:

لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ المؤمن:16،إلى غير ذلك من الآيات.

و ثانيا:أنّ ما يشاهده الإنسان يوم القيامة موجود مهيّأ له و هو في الدّنيا،غير أنّه في غفلة منه،و خاصّة يوم

ص: 142

القيامة أنّه يوم انكشاف الغطاء و معاينة ما وراءه؛و ذلك لأنّ الغفلة إنّما يتصوّر فيما يكون هناك أمر موجود مغفول عنه،و الغطاء يستلزم أمرا وراءه و هو يغطّيه و يستره، و عدم حدّة البصر إنّما ينفع فيما إذا كان هناك مبصر دقيق لا ينفذ فيه البصر.

و من أسخف القول ما قيل:إنّ الآية خطاب منه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله،و المعنى لقد كنت قبل الرّسالة في غفلة من هذا الّذي نوحي إليك،فكشفنا عنك غطاءك، فبصرك اليوم حديد يدرك الوحي أو يبصر ملك الوحي،فيتلقّى الوحي؛و ذلك لأنّ السّياق لا يساعده، و لا لفظ الآية ينطبق عليه.(18:350)

عبد الكريم الخطيب :لقد كشف عنك غطاء الغفلة الّذي كان مضروبا على بصرك،فبصرك اليوم حديد،أي قويّ يرى كلّ ما بين يديك و ما خلفك، فالحديد من الحدّة،و هي القوّة،و حدّ السّيف:الجانب القاطع منه.(13:482)

المصطفويّ: فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ و أوّل الآية فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فإنّ التّعلّقات المادّيّة و الحجب الظّلمانيّة الدّنيويّة ترتفع في عالم الآخرة و يحصل التّجرّد،فيقوى البصر،كما أنّ من انقطع عن علائق الدّنيا و توجّه إلى عالم الآخرة،و تنوّر قلبه بنور الإيمان و اليقين و تحصّل له التّجرّد و الخلوص،يكون بصره حديدا و نافذا.(2:192)

مكارم الشّيرازيّ: ...إلاّ أنّ الغرق في بحر الطّبيعة و الابتلاء بأنواع الحجب لا يسمحان للإنسان أن يرى الحقائق بصورة واضحة،لكنّه في يوم القيامة حيث تنقطع كلّ هذه العلائق،فمن البديهيّ أن يحصل للإنسان إدراك جديد و نظرة ثاقبة و أساسا،فإنّ يوم القيامة يوم الظّهور و بروز الحقائق.

حتّى في هذه الدّنيا لو أمكن أن يخلص بعض أنفسهم من قبضة الأسر و اتّباع الشّهوات،و أن يلقوا الحجب عن عيون قلوبهم لرزقوا بصرا حديدا يرون به الحقائق، أمّا أبناء الدّنيا فمحرومين منه.

و ينبغي الالتفات إلى هذه اللّطيفة:و هي أنّ الحديد معناه نوع من المعدن،و هو ما يسمّى بالمصطلح الغربيّ Ieets ستيل،كما يطلق على السّيف و المدية،ثمّ توسّعوا فيه فأطلقوه على حدّة البصر و حدّة الذّكاء.و من هنا يظهر أنّ المراد بالبصر ليس العين الحقيقيّة الظّاهرة بل بصر العقل و القلب.(17:35)

فضل اللّه :لا يخفى عليك أيّ شيء تحتاج إلى رؤيته، لأنّ الوضوح في قضايا الآخرة لجهة حساب الثّواب و العقاب،و لجهة المصير في رضوان اللّه و سخطه، و يفرض نفسه بحيث لا يترك مجالا للتّعلّل بأيّ خفاء في الحقيقة،في ما يعتذر به الشّاكّون أو الجاحدون،من عدم الوضوح.(21:181)

حدود

1- ...وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَقْرَبُوها... البقرة:187

ابن عبّاس: تلك المباشرة معصية اللّه.(26)

مثله الضّحّاك(الطّبريّ 2:182)،و نحوه مقاتل (ابن كثير 1:397).

ص: 143

شهر بن حوشب:فرائضه.(أبو حيّان 2:54)

الحسن :حرمات اللّه.(الطّبرسيّ 1:281)

السّدّيّ: شروطه.(142)

الطّبريّ: يعني تعالى ذكره بذلك الأشياء الّتي بيّنها من الأكل و الشّرب و الجماع في شهر رمضان نهارا،في غير عذر،و جماع النّساء في الاعتكاف في المساجد.

يقول:هذه الأشياء حدّدتها لكم،و أمرتكم أن تجتنبوها في الأوقات الّتي أمرتكم أن تجتنبوها،و حرّمتها فيها عليكم،فلا تقربوها،و أبعدوا منها أن تركبوها، فتستحقّوا بها من العقوبة ما يستحقّه من تعدّى حدودي،و خالف أمري،و ركب معاصيّ.

و كان بعض أهل التّأويل يقول: حُدُودُ اللّهِ:

شروطه؛و ذلك معنى قريب من المعنى الّذي قلنا:غير أنّ الّذي قلنا في ذلك أشبه بتأويل الكلمة؛و ذلك أنّ حدّ كلّ شيء:ما حصره من المعاني،و ميّز بينه و بين غيره، فقوله: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ من ذلك،يعني به المحارم الّتي ميّزها من الحلال المطلق،فحدّدها بنعوتها و صفاتها، و عرّفها عباده.(2:182)

نحوه الواحديّ ملخّصا(1:288)،و البغويّ(1:

232)،و النّسفيّ(1:96)،و النّيسابوريّ(2:131)، و ابن كثير(1:397)،و رشيد رضا(2:178).

الزّجّاج: معنى الحدود:ما منع اللّه عزّ و جلّ من مخالفتها.(1:257)

الماورديّ: أي ما حرّم،و في تسميتها حدود اللّه وجهان:أحدهما:لأنّ اللّه تعالى حدّها بالذّكر و البيان، و الثّاني:لما أوجبه في أكثر المحرّمات من الحدود.

(1:248)

الطّوسيّ: يعني ما بيّن لهم من الأدلّة على ما أمرهم به،و نهاهم عنه،لكي يتّقوا معاصي،و تعدّي حدوده الّتي أمرهم اللّه بها،و نهاهم عنها،و أباحهم إيّاها.و في ذلك دلالة على أنّه تعالى أراد التّقوى من جميع النّاس، الّذين بيّن لهم هذه الحدود.(2:137)

الرّاغب: أي أحكامه،و قيل:حقائق معانيه.

و جميع حدود اللّه على أربعة (1)أوجه:إمّا شيء لا يجوز أن يتعدّى بالزّيادة عليه و لا القصور عنه كأعداد ركعات صلاة الفرض،و إمّا شيء تجوز الزّيادة عليه و لا يجوز النّقصان عنه،و إمّا شيء يجوز النّقصان عنه و لا تجوز الزّيادة عليه.(109)

الزّمخشريّ: (تلك)الأحكام الّتي ذكرت حُدُودُ اللّهِ فَلا تَقْرَبُوها فلا تغشوها.

فإن قلت:كيف قيل: فَلا تَقْرَبُوها مع قوله:

فَلا تَعْتَدُوها وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ البقرة:229.؟

قلت:من كان في طاعة اللّه و العمل بشرائعه فهو متصرّف في حيّز الحقّ،فنهى أن يتعدّاه،لأنّ من تعدّاه وقع في حيّز الباطل.ثمّ بولغ في ذلك فنهى أن يقرب الحدّ الّذي هو الحاجز بين حيّزي الحقّ و الباطل لئلاّ يداني الباطل،و أن يكون في الواسطة متباعدا عن الطّرف فضلا عن أن يتخطّاه،كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ لكلّ ملك حمى،و حمى اللّه محارمه،فمن رتع حول الحمى يوشك أن يقع فيه».فالرّتع حول الحمى و قربان حيّزه واحد.

و يجوز أن يريد ب(حدود اللّه):محارمه و مناهيه،ه!

ص: 144


1- و قد ذكر ثلاثة أوجه!

خصوصا لقوله: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ و هي حدود لا تقرب.(1:340)

نحوه البيضاويّ(1:103)،و البروسويّ(1:

301)،و الشّربينيّ(1:125)،و أبو السّعود(1:244).

ابن عطيّة: الحدود:الحواجز بين الإباحة و الحظر،و منه قيل للبوّاب:حدّاد لأنّه يمنع،و منه الحادّ، و هي المرأة الممتنعة من الزّينة.(1:259)

الطّبرسيّ: (تلك)إشارة إلى الأحكام المذكورة في الآية.[ثمّ ذكر عدّة أقوال و أضاف:]

و قيل:معناه تلك فرائض اللّه فلا تقربوها بالمخالفة.

(1:281)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل (1):

المسألة الأولى:قوله:(تلك)لا يجوز أن يكون إشارة إلى حكم الاعتكاف،لأنّ الحدود جمع،و لم يذكر اللّه تعالى في الاعتكاف إلاّ حدّا واحدا،و هو تحريم المباشرة،بل هو إشارة إلى كلّ ما تقدّم في أوّل آية الصّوم إلى هاهنا،على ما سبق شرح مسائلها على التّفصيل.

المسألة الثّانية:[نقل قولي اللّيث و الأزهريّ في اللّغة ثمّ قال:]

فنقول:المراد من(حدود اللّه)محدوداته،أي مقدوراته الّتي قدّرها بمقادير مخصوصة،و صفات مضبوطة.

أمّا قوله تعالى: فَلا تَقْرَبُوها ففيه إشكالان:

الأوّل:أنّ قوله تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ إشارة إلى كلّ ما تقدّم،و الأمور المتقدّمة بعضها إباحة و بعضها حظر،فكيف قال في الكلّ: فَلا تَقْرَبُوها؟ و الثّاني:

أنّه قال في آية أخرى: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها البقرة:229،و قال في آية المواريث: وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ النّساء:14،و قال هاهنا:

فَلا تَقْرَبُوها فكيف الجمع بينهما؟

و الجواب عن السّؤالين من وجوه:

الأوّل:و هو الأحسن و الأقوى[فذكر نحو الزّمخشريّ إلى أن قال:]

الثّاني:ما ذكره أبو مسلم الأصفهانيّ:(لا تقربوها)أي لا تتعرّضوا لها بالتّغيير،كقوله: وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ الأنعام:152 و الإسراء:34.

الثّالث:أنّ الأحكام المذكورة فيما قبل و إن كانت كثيرة إلاّ أنّ أقربها إلى هذه الآية إنّما هو قوله:

وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ و قبل هذه الآية قوله: ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيامَ إِلَى اللَّيْلِ البقرة:

187،و ذلك يوجب حرمة الأكل و الشّرب في النّهار، و قبل هذه الآية قوله: وَ ابْتَغُوا ما كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ، و هو يقتضي تحريم مواقعة غير الزّوجة و المملوكة،و تحريم مواقعتهما في غير المأتيّ،و تحريم مواقعتهما في الحيض و النّفاس و العدّة و الرّدّة،و ليس فيه إلاّ إباحة الشّرب و الأكل و الوقاع في اللّيل،فلمّا كانت الأحكام المتقدّمة أكثرها تحريمات،لا جرم غلّب جانب التّحريم،فقال:

تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَقْرَبُوها أي تلك الأشياء الّتي منعتم عنها،إنّما منعتم عنها بمنع اللّه و نهيه عنها، فلا تقربوها.(5:126)

نحوه الخازن(1:139)،و رشيد رضا(2:178).قط

ص: 145


1- ذكر مسألتين فقط

القرطبيّ: أي هذه الأحكام حدود اللّه فلا تخالفوها، ف(تلك)إشارة إلى هذه الأوامر و النّواهي،و الحدود:

الحواجز.[إلى أن قال:]

و سمّيت حُدُودُ اللّهِ لأنّها تمنع أن يدخل فيها ما ليس منها،و أن يخرج منها ما هو منها.

و منها سمّيت الحدود في المعاصي،لأنّها تمنع أصحابها من العود إلى أمثالها.و منه سمّيت الحادّ في العدّة، لأنّها تمتنع من الزّينة.(2:337)

أبو حيّان :...و كانت آية الصّيام قد تضمّنت عدّة أوامر،و الأمر بالشّيء نهي عن ضدّه،فبهذا الاعتبار كانت عدّة مناهي،ثمّ جاء آخرها النّهي عن المباشرة في حالة الاعتكاف،فأطلق على الكلّ حدود تغليبا للمنطوق به،و اعتبارا بتلك المناهي الّتي تضمّنتها الأوامر،فقيل:(حدود اللّه).و احتيج إلى هذا التّأويل لأنّ المأمور بفعله لا يقال فيه:(فلا تقربوها).[ثمّ ذكر الأقوال و أضاف:]

و إضافة الحدود إلى(اللّه)تعالى هنا و حيث ذكرت، تدلّ على المبالغة في عدم الالتباس بها،و لم تأت منكّرة و لا معرّفة بالألف و اللاّم،بهذا المعنى.[إلى أن قال:]

و جاء هنا(فلا تقربوها)و في مكان آخر فَلا تَعْتَدُوها وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ و قوله: وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ لأنّه غلّب هنا جهة النّهي؛إذ هو المعقّب بقوله: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ و ما كان منهيّا عن فعله كان النّهي عن قربانه أبلغ.

و أمّا حيث جاء(فلا تعتدوها)فجاء عقب بيان عدد الطّلاق و ذكر أحكام العدّة و الإيلاء و الحيض،فناسب أن ينهى عن التّعدّي فيها،و هو مجاوزة الحدّ الّذي حدّه اللّه فيها،و كذلك قوله تعالى: وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ النّساء:14،جاء بعد أحكام المواريث، و ذكر أنصباء الوارث،و النّظر في أموال الأيتام،و بيان عدد ما يحلّ من الزّوجات،فناسب أن يذكر عقيب هذا كلّه التّعدّي الّذي هو مجاوزة ما شرّعه اللّه من هذه الأحكام إلى ما لم يشرّعه.

و جاء قوله: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ عقيب قوله:

وَصِيَّةً مِنَ اللّهِ ثمّ وعد من أطاع بالجنّة و أوعد من عصا و تعدّى حدوده بالنّار،فكلّ نهي من القربان و التّعدّي واقع في مكان مناسبته.(2:54)

نحوه السّمين.(1:476)

الكاشانيّ: (تلك)أي الأحكام الّتي ذكرت حُدُودُ اللّهِ: حرمات اللّه و مناهيه.(1:207)

نحوه شبّر.(1:192)

الآلوسيّ: (تلك)أي الأحكام السّتّة المذكورة، المشتملة على إيجاب و تحريم و إباحة، حُدُودُ اللّهِ أي حاجزة بين الحقّ و الباطل، فَلا تَقْرَبُوها كيلا يداني الباطل.

و النّهي عن القرب من«تلك الحدود»الّتي هي الأحكام،كناية عن قرب الباطل،لكون الأوّل لازما للثّاني،و هو أبلغ من(لا تعتدوها)لأنّه نهي عن قرب الباطل بطريق الكناية الّتي هي أبلغ من الصّريح؛و ذلك نهي عن الوقوع في الباطل بطريق الصّريح؛و على هذا لا يشكل فَلا تَقْرَبُوها في تلك الأحكام مع اشتمالها على ما سمعت،و لا وقوع(فلا تعتدوها)،و في آية أخرى

ص: 146

إذ قد حصل الجمع و صحّ(لا تقربوها)في الكلّ.

و قيل:يجوز أن يراد ب(حدود اللّه)تعالى:محارمه و مناهيه،إمّا لأنّ الأوامر السّابقة تستلزم النّواهي لكونها مغيّاة بالغاية،و إمّا لأنّ المشار إليه قوله سبحانه:

وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ و أمثاله.

و قال أبو مسلم: معنى(لا تقربوها)لا تتعرّضوا لها بالتّغيير،كقوله تعالى: وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ فيشمل جميع الأحكام،و لا يخفى ما في الوجهين من التّكلّف.

و القول:بأنّ(تلك)إشارة إلى الأحكام،و الحدّ:إمّا بمعنى المنع أو بمعنى الحاجز بين الشّيئين؛فعلى الأوّل يكون المعنى:تلك الأحكام ممنوعات اللّه تعالى عن الغير،ليس لغيره أن يحكم بشيء فَلا تَقْرَبُوها أي لا تحكموا على أنفسكم أو على عباده من عند أنفسكم بشيء،فإنّ الحكم للّه تعالى عزّ شأنه.

و على الثّاني يريد أنّ تلك الأحكام حدود حاجزة بين الألوهيّة و العبوديّة،فالإله يحكم و العباد تنقاد، فلا تقربوا الأحكام لئلاّ تكونوا مشركين باللّه تعالى، لا يكاد يعرض على ذي لبّ فيرتضيه،و هو بعيد بمراحل عن المقصود،كما لا يخفى.(2:69)

نحوه ملخّصا القاسميّ.(3:464)

الطّباطبائيّ: أصل الحدّ هو المنع،و إليه يرجع جميع استعمالاته و اشتقاقاته،كحدّ السّيف و حدّ الفجور و حدّ الدّار و الحديد،إلى غير ذلك.و النّهي عن القرب من الحدود كناية عن عدم اقترافها و التّعدّي إليها،أي لا تقترفوا هذه المعاصي الّتي هي الأكل و الشّرب و المباشرة،أو لا تتعدّوا هذه الأحكام و الحرمات الإلهيّة الّتي بيّنها لكم،و هي أحكام الصّوم بإضاعتها،و ترك التّقوى فيها.(2:49)

حسنين مخلوف:أي محارمه و مناهيه، فلا تقربوها.أو أحكامه المتضمّنة لما نهاكم عنه، فلا تقربوا ما نهيتم عنه.(62)

عبد الكريم الخطيب :تحذير من اختراق الحدود الّتي أقامها اللّه سبحانه و تعالى لحرماته،و جعلها حمى لتلك الحرمات.و الهاء في قوله: فَلا تَقْرَبُوها ضمير يرجع إلى تلك الحدود،بمعنى أن يحذر الإنسان الإلمام بالحدود المطيفة بالحرمات،أو يدنو منها،مخافة أن تزلّ قدمه فيقع فيما حرّم اللّه،و في الحديث:«من حام حول الحمى يوشك أن يواقعه».

هذا،و حُدُودُ اللّهِ قد تضرب على أشياء فرض تحريمها،أو تقام على أمور أباحها و أجاز الأخذ بها.

و سبحان من أحكم آياته،و تفرّد بكلماته،فجاء بها معجزة قاهرة،تعنوا لجلالها وجوه العالمين،و تخرس لبيانها ألسنة المخلوقين.

ففي الحدود الّتي تحتوي في داخلها المحرّمات،كما في قوله تعالى: وَ لا تُبَاشِرُوهُنَّ وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ جاء النّهي هكذا: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَقْرَبُوها أي بالتزام الوقوف خارج تلك الدّائرة؛ حيث أنّ ما وراءها من مقابل هذا المنهيّ عنه هو المطلق المباح،و الاقتراب من تلك الدّائرة اقتراب من خطر.

و في الحدود الّتي تضمّ المباحات؛حيث يكون النّاس معها في داخل الدّائرة،يجيء النّهي هكذا: تِلْكَ حُدُودُ

ص: 147

اَللّهِ...فَلا تَعْتَدُوها أي ألزموا هذه الدّائرة و لا تخرجوا عنها إلى ما يقابل هذه المباحات،ممّا هو خارج تلك الحدود،فإنّ الخروج عن تلك الدّائرة وقوع في محظور.

استمع إلى قوله: اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ... البقرة:

229،فالآية هنا تشريع لإباحة الطّلاق،و لكن هذه الإباحة ليست على إطلاقها،بل هي داخل حدود مرسومة،فمن تجاوز هذه الحدود،و خرج عنها معتد ظالم.

و انظر قوله سبحانه: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ... الطّلاق:1، تجد أنّها على سمت الآية السّابقة،إنّها تقيم حدود اللّه على أمر مباح،و لكنّه قائم على وصف خاصّ داخل هذه الحدود،فمن تجاوز به هذا الحدّ،و خرج به عن تلك الصّفة،فقد ظلم نفسه.(1:206)

المصطفويّ: [ذكر الآيات الّتي فيها كلمة حدود ثمّ قال:]

أي القوانين المقرّرة و الأحكام الملزمة الحادّة من الواجبات و المحرّمات.

و لا يخفى أنّ الحدود منصرفة إلى الأحكام الّتي فيها إلزام-واجبة أو محرّمة-و هذه بمناسبة مفهوم الحدّة،و قد ذكرت في القرآن الكريم أيضا في تلك الموارد،كالصّوم و الطّلاق و أحكامهما.(2:192)

2- ..وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.

البقرة:230

ابن عبّاس: هذه أحكام اللّه:فرائضه.(32)

مقاتل:يعني أمر اللّه في الطّلاق،يعني ما ذكر من أحكام الزّوج و المرأة في الطّلاق و في المراجعة.

(1:196)

الطّبريّ: هذه الأمور الّتي بيّنها لعباده في الطّلاق و الرّجعة و الفدية و العدّة و الإيلاء و غير ذلك،ممّا يبيّنه لهم في هذه الآيات(حدود اللّه):معالم فصول حلاله و حرامه،و طاعته و معصيته.(2:479)

نحوه الخازن.(1:195)

النّحّاس: ما منع منه،و الحدّ مانع من الاجتراء على الفواحش.(1:205)

نحوه القرطبيّ.(3:154)

البغويّ: يعلمون ما أمرهم اللّه تعالى به.(1:310)

ابن عطيّة: الأمور الّتي أمر أن لا تتعدّى.

(1:309)

الفخر الرّازيّ: يعني ما تقدّم ذكره من الأحكام يبيّنها اللّه لمن يعلم أنّ اللّه أنزل الكتاب و بعث الرّسول، ليعملوا بأمره،و ينتهوا عمّا نهوا عنه.(6:115)

البيضاويّ: أي الأحكام المذكورة.(1:122)

مثله الكاشانيّ.(1:238)

ابن كثير :أي شرائعه و أحكامه.(1:497)

الشّربينيّ: أي يتدبّرون ما أمرهم اللّه تعالى به، و يفهمونه،و يعملونه بمقتضى العلم.(1:150)

أبو السّعود :أي أحكامه المعيّنة المحميّة من التّعرّض لها بالتّغيير و المخافة.(1:273)

مثله البروسويّ(1:359)،و الآلوسيّ(2:142)، و القاسميّ(3:607).

المراغيّ: أي إنّ هذه الأحكام بيّنها اللّه على لسان

ص: 148

نبيّه في كتابه الكريم لأهل العلم بفائدتها،و معرفة ما فيها من المصلحة،ليعملوا بها على الوجه الّذي تتحقّق به الفائدة و المنفعة،لا لمن يجهلون ذلك،فلا يجعلون لحسن النّيّة و إخلاص القلب مدخلا في العلم،فيرجع أحدهم إلى المرأة و هو يضمر لها السّوء،و يبغي الانتقام منها.

(2:176)

الطّباطبائيّ: و وضع الظّاهر موضع المضمر في قوله تعالى: وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ لأنّ المراد بالحدود غير الحدود.(2:235)

فضل اللّه :في الطّلاق و الرّجوع.(4:308)

3- ..وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ.

التّوبة:112

ابن عبّاس: لفرائض اللّه.(167)

القائمين على طاعة اللّه،و هو شرط اشترطه على أهل الجهاد،إذا وفوا اللّه بشرطه،و في لهم شرطهم.

(الطّبريّ 11:40)

الحسن :القائمون على أمر اللّه.(الطّبريّ 11:40)

مثله الزّجّاج(2:472)،و النّحّاس(3:259)، و الماورديّ(2:408)،و البغويّ(2:392).

أهل الوفاء ببيعة اللّه.(البغويّ 2:392)

قتادة :الحافظون لفرائض اللّه تعالى من حلاله و حرامه.(الماورديّ 2:408)

مثله مغنيّة.(4:106)

مقاتل:يعني ما ذكر في هذه الآية لأهل الجهاد.

(2:199)

الطّبريّ: المؤدّون فرائض اللّه،المنتهون إلى أمره و نهيه،الّذين لا يضيّعون شيئا ألزمهم العمل به، و لا يركبون شيئا نهاهم عن ارتكابه.(11:39)

القمّيّ: هم الّذين يعرفون حدود اللّه صغيرها و كبيرها و دقيقها و جليّها،و لا يجوز أن يكون بهذه الصّفة غير الأئمّة عليهم السّلام.(1:306)

الطّوسيّ: و إنّما عطف(النّاهون)بالواو دون غيره من الصّفات،لأنّه لا يكاد يذكر على الإفراد بل يقال:

الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،فجاءت الصّفة مصاحبة للأولى.

فأمّا قوله:(و الحافظون)فلأنّه جاء و هو أقرب إلى المعطوف.و معنى اَلْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ أنّهم يحفظون ما أمر اللّه به و نهى عنه،فلا يتجاوزونه إلى غيره.

(5:355)

نحوه القرطبيّ(8:271)،و عبد الكريم الخطيب (6:902).

القشيريّ: هم الواقفون حيث وقفهم اللّه،الّذين لا يتحرّكون إلاّ إذا حرّكهم،و لا يسكنون إلاّ إذا سكنهم، و يحفظون مع اللّه أنفاسهم.(3:68)

نحوه فضل اللّه.(11:219)

ابن عطيّة: لفظ عامّ تحته إلزام الشّريعة و الانتهاء عمّا نهى اللّه في كلّ شيء و في كلّ فنّ.(3:90)

الطّبرسيّ: وَ الْحافِظُونَ... يعني الّذين يؤدّون فرائض اللّه و أوامره و يجتنبون نواهيه،لأنّ حدود اللّه:

أوامره و نواهيه.و إنّما أدخل الواو لأنّه جاء و هو أقرب إلى المعطوف.(3:76)

ص: 149

الفخر الرّازيّ: المسألة الثّانية:في تفسير هذه الصّفات التّسع[للمؤمنين في الآية،فذكرها ثمّ قال:]

الصّفة التّاسعة:قوله: وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ و المقصود أنّ تكاليف اللّه كثيرة،و هي محصورة في نوعين:أحدهما:ما يتعلّق بالعبادات،و الثّاني:ما يتعلّق بالمعاملات.

أمّا العبادات فهي الّتي أمر اللّه بها لا لمصلحة مرعيّة في الدّنيا،بل لمصالح مرعيّة في الدّين،و هي الصّلاة و الزّكاة و الصّوم و الحجّ و الجهاد و الإعتاق و النّذور، و سائر أعمال البرّ.

و أمّا المعاملات فهي:إمّا لجلب المنافع و إمّا لدفع المضارّ:

و القسم الأوّل:و هو ما يتعلّق بجلب المنافع،فتلك المنافع:إمّا أن تكون مقصودة بالأصالة أو بالتّبعيّة.

أمّا المنافع المقصودة بالأصالة،فهي المنافع الحاصلة من طرف الحواسّ الخمسة:

فأوّلها:المذوقات،و يدخل فيها كتاب الأطعمة و الأشربة من الفقه.و لمّا كان الطّعام قد يكون نباتا،و قد يكون حيوانا،و الحيوان لا يمكن أكله إلاّ بعد الذّبح،و اللّه تعالى شرط في الذّبح شرائط مخصوصة،فلأجل هذا دخل في الفقه كتاب الصّيد و الذّبائح،و كتاب الضّحايا.

و ثانيها:الملموسات،و يدخل فيها باب أحكام الوقاع،من جملتها ما يفيد حلّه،و هو باب النّكاح،و منه أيضا باب الرّضاع،و منها ما هو بحث عن لوازم النّكاح، مثل المهر و النّفقة و المسكن،و يتّصل به أحوال القسم و النّشوز،و منها ما هو بحث عن الأسباب المزيلة للنّكاح، و يدخل فيه كتاب الطّلاق و الخلع و الإيلاء و الظّهار و اللّعان.و من الأحكام المتعلّقة بالملموسات:البحث عمّا يحلّ لبسه و عمّا لا يحلّ،و عمّا يحلّ استعماله و عمّا لا يحلّ استعماله،و ما لا يحلّ،كاستعماله الأواني الذّهبيّة و الفضّيّة، و طال كلام الفقهاء في هذا الباب.

و ثالثها:المبصرات،و هي باب ما يحلّ النّظر إليه و ما لا يحلّ.

و رابعها:المسموعات،و هو باب هل يحلّ سماعه أم لا؟

و خامسها:المشمومات،و ليس للفقهاء فيها مجال.

و أمّا المنافع المقصودة بالتّبع فهي الأموال،و البحث عنها من ثلاثة أوجه:

الأوّل:الأسباب المفيدة للملك،و هي إمّا البيع أو غيره.أمّا البيع فهو إمّا بيع الأعيان،أو بيع المنافع.و بيع الأعيان،فإمّا أن يكون بيع العين بالعين،أو بيع الدّين بالعين و هو السّلم،أو بيع العين بالدّين،كما إذا اشترى شيئا في الذّمّة،أو بيع الدّين بالدّين.و قيل:إنّه لا يجوز، لما روي أنّه عليه الصّلاة و السّلام نهى عن بيع الكالئ بالكالئ،و لكن حصل له مثال في الشّرع و هو تقاضي الدّينين.

و أمّا بيع المنفعة فيدخل فيه كتاب الإجارة،و كتاب الجعالة،و كتاب عقد المضاربة.و أمّا سائر الأسباب الموجبة للملك فهي الإرث،و الهبة،و الوصيّة،و إحياء الموات،و الالتقاط،و أخذ الفيء و الغنائم،و أخذ الزّكوات و غيرها.و لا طريق إلى ضبط أسباب الملك إلاّ بالاستقراء.

ص: 150

و النّوع الثّاني من مباحث الفقهاء:الأسباب الّتي توجب لغير المالك التّصرّف في الشّيء،و هو باب الوكالة،و الوديعة و غيرهما.

و النّوع الثّالث:الأسباب الّتي تمنع المالك من التّصرّف في ملك نفسه،و هو الرّهن و التّفليس و الإجارة و غيرها،فهذا ضبط أقسام تكاليف اللّه في باب جلب المنافع.

و أمّا تكاليف اللّه تعالى في باب دفع المضارّ،فنقول:

أقسام المضارّ خمسة،لأنّ المضرّة:إمّا أن تحصل في النّفوس،أو في الأموال،أو في الأديان،أو في الأنساب، أو في العقول.

أمّا المضارّ الحاصلة في النّفوس،فهي إمّا أن تحصل في كلّ النّفس،و الحكم فيه إمّا القصاص أو الدّية أو الكفّارة، و إمّا في بعض من أبعاض البدن كقطع اليد و غيرها، و الواجب فيه إمّا القصاص أو الدّية أو الأرش.

و أمّا المضارّ الحاصلة في الأموال،فذلك الضّرر إمّا أن يحصل على سبيل الإعلان و الإظهار،و هو كتاب الغصب،أو على سبيل الخفية و هو كتاب السّرقة.

و أمّا المضارّ الحاصلة في الأديان،فهي إمّا الكفر و إمّا البدعة.أمّا الكفر فيدخل فيه أحكام المرتدّين،و ليس للفقهاء كتاب مقرّر في أحكام المبتدعين.

و أمّا المضارّ الحاصلة في الأنساب فيتّصل به تحريم الزّنى و اللّواط و بيان العقوبة المشروعة فيهما،و يدخل فيه أيضا باب حدّ القذف و باب اللّعان.

و هاهنا بحث آخر و هو أنّ كلّ أحد لا يمكنه استيفاء حقوقه من المنافع و دفع المضارّ بنفسه،لأنّه ربّما كان ضعيفا فلا يلتفت إليه خصمه،فلهذا السّرّ نصب اللّه تعالى الإمام لتنفيذ الأحكام،و يجب أن يكون لذلك الإمام نوّاب و هم الأمراء و القضاة.فلمّا لم يجز أن يكون قول الغير على الغير مقبولا إلاّ بالحجّة،فالشّرع أثبت لإظهار الحقّ حجّة مخصوصة و هي الشّهادة.و لا بدّ أن يكون للدّعوى و لإقامة البيّنة شرائط مخصوصة،فلا بدّ من باب مشتمل عليها،فهذا ضبط معاقد تكاليف اللّه تعالى و أحكامه و حدوده.و لمّا كانت كثيرة و اللّه تعالى إنّما بيّنها في كلّ القرآن،تارة على وجه التّفصيل،و تارة بأن أمر الرّسول عليه السّلام حتّى يبيّنها للمكلّفين،لا جرم أنّه تعالى أجمل ذكرها في هذه الآية،فقال: وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ و هو يتناول جملة هذه التّكاليف.

و اعلم أنّ الفقهاء ظنّوا أنّ الّذي ذكروه في بيان التّكاليف و ليس الأمر كذلك،فإنّ أعمال المكلّفين قسمان:أعمال الجوارح و أعمال القلوب،و كتب الفقه مشتملة على شرح أقسام التّكاليف المتعلّقة بأعمال الجوارح.فأمّا التّكاليف المتعلّقة بأعمال القلوب فلم يبحثوا عنها البتّة،و لم يصنّفوا لها كتبا و أبوابا و فصولا، و لم يبحثوا عن دقائقها.و لا شكّ أنّ البحث عنها أهمّ و المبالغة في الكشف عن حقائقها أولى،لأنّ أعمال الجوارح إنّما تراد لأجل تحصيل أعمال القلوب،و الآيات الكثيرة في كتاب اللّه تعالى ناطقة بذلك إلاّ أنّ قوله سبحانه: وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ متناول لكلّ هذه الأقسام،على سبيل الشّمول و الإحاطة.[إلى أن قال:]

فإن قيل:ما السّبب في أنّه تعالى ذكر تلك الصّفات الثّمان على التّفصيل،ثمّ ذكر تعالى عقيبها سائر أقسام

ص: 151

التّكاليف على سبيل الإجمال في هذه الصّفة التّاسعة؟

قلنا:لأنّ التّوبة و العبادة و الاشتغال بتحميد اللّه، و السّياحة لطلب العلم،و الرّكوع و السّجود و الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،أمور لا ينفكّ المكلّف عنها في أغلب أوقاته،فلهذا ذكرها اللّه تعالى على سبيل التّفصيل.و أمّا البقيّة فقد ينفكّ المكلّف عنها في أكثر أوقاته مثل أحكام البيع و الشّراء،و مثل معرفة أحكام الجنايات،و أيضا فتلك الأمور الثّمانية أعمال القلوب و إن كانت أعمال الجوارح،إلاّ أنّ المقصود منها ظهور أحوال القلوب،و قد عرفت أنّ رعاية أحوال القلوب أهمّ من رعاية أحوال الظّاهر،فلهذا السّبب ذكر هذا القسم على سبيل التّفصيل،و ذكر هذا القسم على سبيل الإجمال.(16:203)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ.(11:28)

البيضاويّ: وَ النّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ عن الشّرك و المعاصي،و العاطف فيه للدّلالة على أنّه بما عطف عليه في حكم خصلة واحدة،كأنّه قال:الجامعون بين الوصفين.و في قوله تعالى: وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ أي فيما بيّنه و عيّنه من الحقائق و الشّرائع،للتّنبيه على أنّ ما قبله مفصّل الفضائل و هذا مجملها.

و قيل:إنّ هذا للإيذان بأنّ التّعداد قد تمّ بالسّبع؛من حيث إنّ السّبعة هو العدد التّامّ،و الثّامن ابتداء تعداد آخر معطوف عليه،و لذلك تسمّى واو الثّمانية.(1:434)

النّسفيّ: أوامره و نواهيه،أو معالم الشّرع.

(2:148)

أبو حيّان :و الصّفات إذا تكرّرت و كانت للمدح أو الذّمّ أو التّرحّم،جاز فيها الاتباع للمنعوت و القطع في كلّها أو بعضها،و إذا تباين ما بين الوصفين جاز العطف.

و لمّا كان الأمر مباينا للنّهي؛إذ الأمر طلب فعل و النّهي ترك فعل،حسن العطف في قوله: وَ النّاهُونَ، و دعوى الزّيادة أو واو الثّمانية ضعيف،و ترتيب هذه الصّفات في غاية من الحسن،إذ بدأ أوّلا بما يخصّ الإنسان مرتّبة على ما سعى،ثمّ بما يتعدّى من هذه الأوصاف من الإنسان لغيره و هو الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر، ثمّ بما شمل ما يخصّه في نفسه و ما يتعدّى إلى غيره،و هو الحفظ لحدود اللّه.(5:104)

الشّربينيّ: أي لأحكامه بالعمل بها.و المقصود أنّ تكاليف اللّه تعالى كثيرة و هي محصورة في نوعين:

أحدهما ما يتعلّق بالعبادات،و الثّاني ما يتعلّق بالمعاملات.

فإن قيل:...[ثمّ قال:نحوا ممّا سبق في آخر كلام الفخر الرّازيّ](1:654)

أبو السّعود :أي فيما بيّنه و عيّنه من الحقائق و الشّرائع عملا و حملا للنّاس عليه فلئلاّ يتوهّم اختصاصه بأحد الوجهين.(3:197)

البروسويّ: أي فيما بيّنه و عيّنه من الحقائق و الشّرائع عملا و حملا للنّاس عليه.[ثمّ ذكر قول القشيريّ و أضاف:]

ثمّ إنّه لمّا كانت التّكاليف الشّرعيّة غير منحصرة فيما ذكر بل لها أصناف و أقسام كثيرة،لا يمكن تفصيلها و تبيينها إلاّ في مجلّدات،ذكر اللّه تعالى سائر أقسام التّكاليف على سبيل الإجمال بقوله: وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ.

ص: 152

و الفقهاء ظنّوا أنّ الّذي ذكروه في بيان التّكاليف واف،و ليس كذلك لأنّ أفعال المكلّفين قسمان:أفعال الجوارح و أفعال القلوب،و كتب الفقه مشتملة على شرح أقسام التّكاليف المتعلّقة بأعمال الجوارح.

و أمّا التّكاليف المتعلّقة بأعمال القلوب فليس في كتبهم منها إلاّ قليل نادر،و بعض مباحثها مدوّن في الكتب الكلاميّة،و البعض الآخر منها فصّله الإمام الغزاليّ و أمثاله في علم الأخلاق،و مجموعها مندرج في قوله تعالى: وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ.

قال الشّيخ أحمد الغزاليّ لأخيه الإمام محمّد الغزاليّ:

جعلت كلّ علمك في كلمتين:التّعظيم لأمر اللّه،و الشّفقة على خلق اللّه.

قال الحدّاديّ: و هذه الصّفة من أتمّ ما يكون من المبالغة في وصف العباد بطاعة اللّه،و القيام بأوامره و الانتهاء عن زواجره،لأنّ اللّه تعالى بيّن حدوده في الأمر و النّهي و فيما ندب إليه فرغّب إليه أو خيّر فيه، و بيّن ما هو الأولى في مجرى موافقة اللّه تعالى.فإذا قام العبد بفرائض اللّه تعالى و انتهى إلى ما أراد اللّه منه،كان من الحافظين لحدود اللّه.(3:520)

شبّر:القائمون بطاعته في أوامره و نواهيه هي حدوده تعالى...[ثمّ قال مثل البيضاويّ](3:122)

الآلوسيّ: أي فيما بيّنه و عيّنه من الحقائق و الشّرائع.فقيل:للإيذان بأنّ العدد قد تمّ بالسّابع،من حيث إنّ السّبعة هو العدد التّامّ،و الثّامن ابتداء تعداد آخر معطوف عليه،و لذلك يسمّى واو الثّمانية،و إليه مال أبو البقاء و غيره ممّن أثبت واو الثّمانية.و هو قول ضعيف لم يرضه النّحاة كما فصّله ابن هشام،و سيأتي إن شاء اللّه تعالى تحقيقه.

و قيل:إنّه للتّنبيه على أنّ ما قبله مفصّل الفضائل و هذا مجملها،يعني أنّه من ذكر أمر عامّ شامل لما قبله و غيره،و مثله يؤتى به معطوفا نحو:زيد و عمرو و سائر قبيلته كرماء،فلمغايرته بالإجمال و التّفصيل و العموم و الخصوص عطف عليه.

و قيل:هو عطف عليه،و قيل:هو عطف على ما قبله من الأمر و النّهي،لأنّ من يصدق فعله قوله لا يجدي أمره نفعا و لا يفيد نهيه منعا.

قال بعض المحقّقين:إنّ المراد بحفظ الحدود ظاهره، و هي إقامة الحدّ كالقصاص على من استحقّه،و الصّفات الأول إلى قوله سبحانه:«و الآمرون»صفات محمودة للشّخص في نفسه،و هذه له باعتبار غيره،فلذا تغاير تعبير الصّنفين فترك العاطف في القسم الأوّل،و عطف في الثّاني.و لمّا كان لا بدّ من اجتماع الأوّل في شيء واحد، ترك فيها العطف لشدّة الاتّصال،بخلاف هذه فإنّه يجوز اختلاف فاعلها و من تعلّقت به.و هذا هو الدّاعي لإعراب اَلتّائِبُونَ مبتدأ موصوفا بما بعده «و الآمرون»خبره،فكأنّه قيل:الكاملون في أنفسهم المكمّلون لغيرهم.و قدّم الأوّل لأنّ المكمّل لا يكون مكمّلا حتّى يكون كاملا في نفسه،و بهذا يتّسق النّظم أحسن اتّساق من غير تكلّف،و هو وجه وجيه للعطف في البعض و ترك العطف في الآخر.خلا أنّ المأثور عن السّلف،كابن عبّاس،و غيره تفسير وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ بالقائمين على طاعته سبحانه،و هو مخالف

ص: 153

لما في هذا التّوجيه،و لعلّ الأمر فيه سهل،و اللّه تعالى أعلم بمراده.(11:32)

نحوه القاسميّ.(8:3279)

رشيد رضا :و هذه الصّفة و ما بعدها من الصّفات المتعلّقة بجماعة المؤمنين فيما يجب على بعضهم لبعض، و كلّ ما قبلهما من صفات الأفراد.

وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ أي شرائعه و أحكامه الّتي حدّد فيها ما يجب و ما يحظر على المؤمنين من العمل بها،و ما يجب على أئمّة المسلمين و أولي الأمر و أهل الحلّ و العقد منهم إقامتها و تنفيذها بالعمل،في أفراد المسلمين و جماعتهم إذا أخلّوا بما يجب عليهم من الحفظ لها.[إلى أن قال:]

و من مباحث اللّغة:أنّ المعدودات تسرد بغير عطف،و إنّما عطف النّهي عن المنكر على الأمر بالمعروف للإيذان بأنّهما فريضة واحدة،لتلازمهما في الغالب.

و أمّا عطف وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ على جملة ما تقدّم فقيل:لأنّ التّعداد قد تمّ بالوصف السّابع؛من حيث إنّ السّبعة هو العدد التّامّ و الثّامن ابتداء عدد آخر معطوف عليه،و أنّ هذه الواو تسمّى واو الثّمانية.و أنكر هذه الواو النّحاة المحقّقون،و قيل:لأنّه إجمال لما تقدّم من التّفصيل قبله،فلا يصحّ أن يجعل فردا من أفراده فيسرد معه.

و أقوى منه عندي أنّه وصف جامع للتّكاليف عامّة،و المنهيّات خاصّة،و السّبعة المسرودة قبله من المأمورات،و لا يحصل الكمال للمؤمن بها إلاّ مع اجتناب المنهيّات،و هو أوّل ما يلاحظ في حفظ حدود اللّه،قال تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَقْرَبُوها البقرة:187، تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ البقرة:229، وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ الطّلاق:1.

و على هذا يكون معنى نظم الآية أنّ المؤمنين الكاملين الّذين باعوا أنفسهم للّه تعالى هم المتّصفون بالصّفات السّبع،و الحافظون مع ذلك لجميع حدود اللّه في كلّ أمر و نهي.و يعبّر عن هذا في عرف هذا العصر بقولهم:«المثل الأعلى»و يطلقونه على الأفراد النّابغين في بعض الفضائل العامّة،و على الجماعات و الأمم الرّاقية.

و يكفي أن يقال فيه:«المثل»في كذا،كما قال تعالى:

وَ لَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً الزّخرف:57،و قال:

وَ جَعَلْناهُ مَثَلاً لِبَنِي إِسْرائِيلَ الزّخرف:59،و يقال:

مثل عال،أو مثل شريف.و أمّا«الأعلى»فهو اللّه عزّ و جلّ،كما قال عن نفسه: وَ لِلّهِ الْمَثَلُ الْأَعْلى النّحل:60،و قال: وَ لَهُ الْمَثَلُ الْأَعْلى فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ الرّوم:27.

و جملة القول فيهم أنّهم الحافظون لجميع حدود اللّه تعالى،و خصّت تلك الخلال السّبع بالذّكر لأنّها هي الّتي تمثّل في نفس القارئ أكمل ما يكون المؤمن به محافظا على حدود اللّه تعالى.(11:54)

نحوه المراغيّ.(11:34)

الطّباطبائي: اَلتّائِبُونَ الْعابِدُونَ... يصف سبحانه المؤمنين بأجمل صفاتهم.[ثمّ ذكر معاني الصّفات و قال:]

هذا شأنهم بالنّسبة إلى حال الانفراد،و أمّا بالنّسبة

ص: 154

إلى حال الاجتماع فهم آمرون بالمعروف في السّنّة الدّينيّة و ناهون عن المنكر فيها،ثمّ هم حافظون لحدود اللّه لا يتعدّونه في حالتي انفرادهم و اجتماعهم خلوتهم و جلوتهم،ثمّ يأمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بأن يبشّرهم،و قد بشّرهم تعالى نفسه في الآية السّابقة،و فيه من كمال التّأكيد ما لا يقدّر قدره.

و قد ظهر بما قرّرنا أوّلا:وجه التّرتيب بين الأوصاف الّتي عدّها لهم،فقد بدأ بأوصافهم منفردين، و هي التّوبة و العبادة و السّياحة و الرّكوع و السّجود،ثمّ ذكر ما لهم من الوصف الخاصّ بهم المنبعث عن إيمانهم مجتمعين،و هو الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،و ختم بما لهم من جميل الوصف في حالتي انفرادهم و اجتماعهم، و هو حفظهم لحدود اللّه.و في التّعبير بالحفظ مضافا إلى الدّلالة على عدم التّعدّي،دلالة على الرّقوب و الاهتمام.

(9:396)

مكارم الشّيرازيّ: و هم بعد قيامهم برسالة الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،قد أدّوا آخر و أهمّ واجب اجتماعيّ،أي حفظ الحدود الإلهيّة و إجراء قوانين اللّه، و إقامة الحقّ و العدالة.(6:215)

4- ..وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ...

الطّلاق:1

ابن عبّاس: هذه أحكام اللّه و فرائضه في النّساء، للطّلاق من النّفقة و السّكنى.(475)

يعني طاعة اللّه.(الماورديّ 6:29)

سعيد بن جبير: سنّة اللّه و أمره.(الماورديّ 6:29)

الضّحّاك: تلك طاعة اللّه،فلا تعتدوها،يقول:من كان على غير هذه فقد ظلم نفسه.(الطّبريّ 28:135)

السّدّيّ: شروط اللّه.(الماورديّ 6:30)

مقاتل:يعني سنّة اللّه و أمره أن تطلّق المرأة للعدّة، طاهرة من غير حيض و لا جماع. وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ يعني سنّة اللّه و أمره فيطلّق لغير العدّة.(4:363)

الطّبريّ: و هذه الأمور الّتي بيّنتها لكم من الطّلاق للعدّة،و إحصاء العدّة،و الأمر باتّقاء اللّه،و أن لا تخرج المطلّقة من بيتها،إلاّ أن تأتي بفاحشة مبيّنة،حدود اللّه الّتي حدّها لكم أيّها النّاس فلا تعتدوها.(28:134)

نحوه عزّة دروزة.(9:245)

الزّجّاج: وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ... يعني بحدود اللّه حدود طلاق السّنّة،و ما ذكر مع الطّلاق.(5:184)

الطّوسيّ: يعني ما تقدّم ذكره من كيفيّة الطّلاق و العدّة،و ترك إخراجها عن بيتها إلاّ عند فاحشة(حدود اللّه)فالحدود نهايات تمنع أن يدخل في الشّيء ما ليس منه أو يخرج منه ما هو منه،فقد بيّن اللّه بالأمر و النّهي الحدود في الطّاعات و المعصية،بما ليس لأحد أن يدخل في شيء من ذلك ما ليس منه،أو يخرج عنه ما هو منه.

و قوله تعالى: وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ معناه من يجاوز حدود اللّه بأن يخرج عن طاعته إلى معصيته،فقد تعدّى حدّا من حدود اللّه،و كذلك من دخل في معصية، فقد خرج عن الطّاعة.و ليس كلّ من دخل في طاعة فقد خرج إليها عن معصية،لأنّها قد تكون نافلة.(10:31)

الواحديّ: يعني ما ذكر من سنّة الطّلاق و ما بعدها وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ... فيطلّق لغير السّنّة.

(4:312)

ص: 155

نحوه البغويّ(5:108)،و الطّبرسيّ(5:304)، و الخازن(7:91).

ابن عطيّة: إشارة إلى جميع أوامره في هذه الآية.

(5:323)

ابن الجوزيّ: يعني ما ذكر من الأحكام، وَ مَنْ يَتَعَدَّ... الّتي بيّنها،و أمر بها.(8:289)

نحوه القرطبيّ(18:156)،و البيضاويّ(2:482)، و النّسفيّ(4:264)،و الطّباطبائيّ(19:313)،و عبد الكريم الخطيب(14:1005).

الفخر الرّازيّ: و الحدود:هي الموانع عن المجاوزة نحو النّواهي،و الحدّ في الحقيقة هو النّهاية الّتي ينتهي إليها الشّيء.[ثمّ نقل قول مقاتل]

(و من يتعدّ...)و هذا تشديد فيمن يتعدّى طلاق السّنّة،و من يطلّق لغير العدّة.(30:33)

ابن كثير :أي شرائعه و محارمه.(7:35)

نحوه المراغيّ.(28:133)

أبو السّعود :الّتي عيّنها لعباده، وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ أي حدوده المذكورة بأن أخلّ بشيء منها،على أنّ الإظهار في حيّز الإضمار لتهويل أمر التّعدّي،و الإشعار بعلّة الحكم في قوله تعالى: فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ.

(6:260)

مثله البروسويّ(10:29)،و الآلوسيّ(28:134).

مكارم الشّيرازيّ: لأنّ الغرض من هذه الأحكام هو إسعاد النّاس أنفسهم،و التّجاوز على هذه الأحكام -سواء من قبل الرّجل أو المرأة-يؤدّي إلى توجيه ضربة قويّة إلى حياتهم السّعيدة.(18:371)

فضل اللّه:الّتي جعلها اللّه في دائرة العلاقات الزّوجيّة في حالة الطّلاق،فلا يجوز للمؤمن أن يتعدّاها، فيقدّم أو يؤخّر،أو يفعل ما يجب تركه،أو يترك ما يجب فعله.

وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ لأنّ اللّه قد جعلها لمصلحة الإنسان،كما أنّ التّمرّد على أحكام اللّه-في ما يوحي به من التّعرّض لعقابه،من خلال ما يستلزمه من سخطه- يمثّل ظلما للنّفس في تعريضها لدخول النّار.

(22:284)

حدوده

وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ...

النّساء:14

راجع«ع د و-يتعدّ».

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: باب الحدود على ثلاثة أوجه:

أحدها:المعاصي،كقوله: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَقْرَبُوها البقرة:187.

و الثّاني:الأحكام،كقوله: تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ البقرة:229،

و قوله: أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ البقرة:229،نظيرها في النّساء:13 و الطّلاق:1.

و الثّالث:الفرائض،كقوله تعالى: وَ أَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ التّوبة:97.

(205)

الدّامغانيّ: الحديد على أربعة أوجه:الحادّ،

ص: 156

الحديد بعينه،الخلاف،الأحكام.

فوجه منها:الحديد يعني الحادّ،قوله في سورة ق:

22، فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ يعني حادّا.

و الوجه الثّاني:الحديد بعينه،قوله في سورة الحديد:

25، وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ.

و الوجه الثّالث:يحادّون اللّه أي يخالفونه،كقوله في سورة المجادلة:5 إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ أي يخالفونهما،مثلها فيها.

و الوجه الرّابع:(حدود اللّه)يعني أحكامه،قوله في سورة البقرة:187 تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يعني أحكامه، مثلها في سورة النّساء:13.(260)

الفيروزآباديّ: و الحدود جاءت في القرآن على سبعة أوجه:الأوّل:حدّ الاعتكاف لإخلاص العبادة:

وَ أَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ البقرة:

187.

الثّاني:حدّ الخلع لبيان الفدية: فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ البقرة:229.

الثّالث:حدّ الطّلاق لبيان الرّجعة: وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ البقرة:230.

الرّابع:حدّ العدّة لمنع الضّرار و بيان المدّة (1).

الخامس:حدّ الميراث لبيان القسمة: وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ النّساء:14.

السّادس:حدّ الظّهار لبيان الكفّارة: فَمَنْ لَمْ يَسْتَطِعْ فَإِطْعامُ سِتِّينَ مِسْكِيناً... وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ المجادلة:4.

السّابع:حدّ الطّلاق لبيان مدّة العدّة: لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ... وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ الطّلاق:1،و قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ المجادلة:

5 و 20،أي يمانعون.و ذلك إمّا اعتبارا بالممانعة،و إمّا باستعمال الحديد.(2:437)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحدّ،و هو الحاجز بين الشّيئين؛و الجمع:حدود،يقال:حددت الدّار أحدّها حدّا و حدّدتها،أي وضعت لها حاجزا،و حدّ الشّيء من غيره يحدّه حدّا و حدّده:ميّزه،و حدّد فلان بلدا:قصد حدوده.و حدّ الرّجل:بأسه و نفاذه في نجدته.يقال:إنّه لذو حدّ،على التّشبيه،و مثله قول الشّاعر:

السّيف أصدق أنباء من الكتب

في حدّه الحدّ بين الجدّ و اللّعب

و حدّ كلّ شيء:طرف شباته،كحدّ السّكين و السّيف و السّنان و السّهم،و كأنّه يحدّ ما يقطع.و حدّ السّكّين يحدّها حدّا،و أحدّها إحدادا،و حدّدها تحديدا:

شحذها و مسحها بحجر أو مبرد،فهي محدّدة،و قد حدّت تحدّ حدّة و احتدّت،و سكّين حديدة و حداد و حديد، من سكاكين حديدات و حدائد و حداد،و إنّها لبيّنة الحدّ، و حدّد الشّفرة و أحدّها و استحدّها:شحذها،و حدّ السّيف يحدّ حدّة فهو حادّ حديد،و احتدّ و أحددته أنا،و سيوف حداد،و سيف حدّاد،و حدّ نابه يحدّ حدّة، و ناب حديد و حديدة.

و داري حديدة دارك و محادّتها:حدّها كحدّها، و فلان حديد فلان:داره إلى جانب داره،أو أرضه إلى

ص: 157


1- لم يذكر مثالا لهذا الوجه.

جنب أرضه.

و الحديد:الفلزّ المعروف،لأنّه شديد كالحدّ و القطعة منه حديدة؛و الجمع:حدائد.يقال:ضربه بحديدة في يده،و الحدّاد:معالج الحديد،و الاستحداد:الاحتلاق بالحديد.يقال:استحدّ الرّجل،أي أحدّ شفرته بحديدة و غيرها.

و حدّ الخمر و الشّراب:صلابتهما:تشبيها بصلابة الحديد،و رائحة حادّة:ذكيّة،على المثل،و ناقة حديدة الجرّة:توجد لجرّتها ريح حادّة،و ذلك ممّا يحمد؛و الجرّة:

الكرش.

و حدّ بصره إليه يحدّه و أحدّه:حدّقه إليه و رماه به، و رجل حديد النّاظر:لا يتّهم بريبة فيكون عليه غضاضة فيها،و هذا على المثل.

ثمّ استعمل«الحدّ»بمعنى المنع مجازا،لأنّه منيع شديد،يقال:حدّ الرّجل عن الأمر يحدّه حدّا،أي منعه و حبسه،و حددت فلانا عن الشّرّ أحدّه:منعته،و حدّ اللّه عنّا شرّ فلان حدّا:كفّه و صرفه،و المحدود:الممنوع من الخير و غيره،كأنّه قد منع الرّزق،و الحدّ:الرّجل المحدود عن الخير،و يقال للرّامي دعاء عليه:اللّهمّ احدده،أي لا توفّقه للإصابة،و حدّه يحدّه:صرفه عن أمر أراده.و الحدّاد:البوّاب و السّجّان،لأنّهما يمنعان من فيه أن يخرج.و منه:حدّ السّارق و غيره،لأنّه يمنعه عن المعاودة؛و الجمع:حدود،و حدود اللّه تعالى:الأشياء الّتي بيّن تحريمها و تحليلها،و سمّيت حدودا لأنّها نهايات نهى اللّه عن تعدّيها،و قد حدّه يحدّه:ضربه الحدّ.

و الحدد:المنع أيضا،يقال:هذا أمر حدد،أي منيع حرام لا يحلّ ارتكابه،و دعوة حدد:باطلة.

و الحداد:ثياب المآتم السّود،و الحادّ و المحدّ من النّساء:الّتي تترك الزّينة و الطّيب بعد زوجها للعدّة، لأنّها منعت من الزّينة و الخضاب.يقال:حدّت المرأة تحدّ و تحدّ حدّا و حدادا،و أحدّت تحدّ،و هي محدّ.

و المحادّة:المعاداة و المخالفة و المنازعة،و هو «مفاعلة»من الحدّ،كأنّ كلّ واحد من المحاددين يجاوز حدّه إلى الآخر.يقال:حادّ فلان فلانا،أي عاصاه و غاضبه.

و الحدّة:كالنّشاط و السّرعة في الأمور و المضاء فيها،مأخوذ من حدّ السّيف.يقال:حدّ يحدّ،أي أخذته عجلة و طيش.و الحدّة أيضا:ما يعتري الإنسان من النّزق و الغضب.يقال:حددت على الرّجل أحدّ حدّة و حدّا،و في فلان حدّة.

و رجل حديد و حداد،من قوم أحدّاء و أحدّة و حداد،يكون في اللّسن و الفهم و الغضب،و قد حدّ يحدّ حدّة،و إنّه لبيّن الحدّ.

2-و عرّف المناطقة و الفلاسفة و المتصوّفة و الفلكيّون«الحدّ»بتعريفات مختلفة،كما عرّفه الفقهاء أيضا،فقالوا:هو عقوبة مقدّرة وجبت على الجاني.

فالحدّ-إذا-هو الجانب العمليّ للقصاص؛إذ عرّف القصاص بأنّه ما يفعل بالفاعل مثل ما فعل،إلاّ أنّ الحدّ أعمّ من القصاص،لأنّ الأخير يوقع بالمثل،كالعين بالعين و الأنف بالأنف و الأذن بالأذن و السّنّ بالسّنّ.أمّا الحدّ فلا يقتضي المثل دائما،كحدّ السّارق و الزّاني و أمثالهما،فلا يجعل السّارق مثلا غارما،كما في القوانين

ص: 158

الوضعيّة،بل يجب قطع يده في الشّريعة الإسلاميّة.

و قد أثار المستشرقون و من ينادي بحقوق الإنسان زورا ضجّة حول حدود الإسلام،و اعتبروها ضربا من الإجحاف بالإنسان و امتهانا لكرامته.و شجّعوا بذلك الجناة على اقتراف الجريمة و استفحال الشّرّ،كما نرى هذه الظّاهرة بوضوح في المجتمع الغربيّ و الأمريكيّ.

و الأنكى من ذلك ترديد بعض سفهاء المسلمين هذه المقولة و التّرويج لهذه الفكرة الأثيمة عن قصد أو غير قصد جهلا و غباء،و سيأتي أثر الحدّ في الحدّ عن الجريمة في«ق ص ص».

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاءت فعلا ماضيا و مضارعا من باب«المفاعلة» بمعنى المعاداة،و المخالفة،و اسما و اسم مصدر مفردا و جمعا كلّها في 20 آية:

المحادّة:

1- إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ كُبِتُوا كَما كُبِتَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ... المجادلة:5

2- إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ المجادلة:20

3- لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ... المجادلة:22

4- أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها التّوبة:63

الحديد و الحداد:

5- ...وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ... الحديد:25

6- آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ... الكهف:96

7- ...يا جِبالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَ الطَّيْرَ وَ أَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ سبأ:10

8- قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً الإسراء:50

9- وَ لَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ الحجّ:21

10- ...فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ... الأحزاب:19

11- ...فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ ق:22

حدود اللّه:

12- ...تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَقْرَبُوها...

البقرة:187

13- اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ وَ لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَأْخُذُوا مِمّا آتَيْتُمُوهُنَّ شَيْئاً إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ البقرة:229

14- فَإِنْ طَلَّقَها فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتّى تَنْكِحَ زَوْجاً غَيْرَهُ فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ البقرة:230

15- تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ... النّساء:13

16- اَلْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا

ص: 159

حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ... التّوبة:97

17- ...وَ النّاهُونَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ التّوبة:112

18- ...ذلِكَ لِتُؤْمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ المجادلة:4

19- ...لا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَ لا يَخْرُجْنَ إِلاّ أَنْ يَأْتِينَ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ... الطّلاق:1

20- وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها... النّساء:14

يلاحظ أوّلا أنّ فيها ثلاثة محاور:

المحور الأوّل:المحاداة و المخالفة:(1-4)في سورتين مدنيّتين ثلاث في المجادلة و واحدة في التّوبة،و فيها بحوث:

1-كلّها موجّه إلى المنافقين،فقد جاءت في التّوبة في سياق آيات المنافقين،و هو الظّاهر في المجادلة أيضا.

2-طرف المحادّة فيها جميعا اللّه و رسوله،فإنّهما لا ينفكّان سواء في الوداد و الإيمان،أو في العداء و الكفر و الطّغيان،فالمؤمن من آمن باللّه و رسوله و أحبّهما، و الكافر من كفر بهما و عاداهما.

3-المحادّة أطلقت على المخالفة بين شخصين، مأخوذة:إمّا من أصل«المنع»أي يمنع كلّ منهما الآخر، أو من أصل«الحدّ»كأنّ كلّ واحد منهما تجاوز إلى حدّ الآخر،أو كلّ منهما في حدّ و جانب يقابل حدّ الآخر و جانبه،كالمشاقّة،أي كلّ منهما في شقّ غير الشّقّ الّذي فيه الآخر.

و يحتمل أن يكون من«الحديد»أي كلّ منهما يخالف الآخر بشدّة كالحديد.قال الرّاغب في إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ: أي يمانعون،فذلك إمّا اعتبارا بالممانعة،و إمّا باستعمال الحديد.و قالت بنت الشّاطئ:

«و ملحظ الحدّة و العنف واضح في (بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ) ،و في لجج المحادّة،و لدد الجدل،و في«الحديد ظاهرة القوّة» و هذا لا يخلو من لطف».

المحور الثّاني:«الحديد»و جمعه«الحداد»جاء في خمس منها(5-9)حقيقة:فتارة(5)في توصيف الحديد و شدّته: وَ أَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ، و بها سمّيت سورة الحديد،و أخرى(6)باستعمال الحديد في سدّ ذي القرنين: آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ بغية استحكامه و دوامه،و ثالثة(7)معجزة لداود عليه السّلام وَ أَلَنّا لَهُ الْحَدِيدَ إشعارا بشدّة الحديد،و رابعة(8)تهديدا للّذين أنكروا بعث الموتى وَ قالُوا أَ إِذا كُنّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً* قُلْ كُونُوا حِجارَةً أَوْ حَدِيداً* أَوْ خَلْقاً مِمّا يَكْبُرُ فِي صُدُورِكُمْ... الإسراء:49-51، أي أنتم مبعوثون و لو كنتم حجارة أو حديدا،أو شيء آخر أشدّ منهما،فكيف و أنتم عظام و رفاة كما اعترفتم بها!و أخيرا(9)تشديدا للعذاب بضرب مقامع من حديد على رءوسهم في الآخرة وَ لَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ.

فالشّدّة و البأس فيها جميعا إمّا مصرّح بهما،أو مشار إليهما.

و في هذه كلّها جاء لفظ«الحديد»حقيقة.

و جاء مجازا كناية عن الشّدّة مرّتين في(10 و 11).

ص: 160

إحداهما في الدّنيا بشأن المنافقين في غزوة الأحزاب،تجسيما لنفاقهم بأبلغ بيان: قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَ الْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا وَ لا يَأْتُونَ الْبَأْسَ إِلاّ قَلِيلاً* أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللّهُ أَعْمالَهُمْ وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً الأحزاب:18، 19،و(حداد)جمع«حديد»صفة للألسنة،أي ألسنة ذربة قاطعة تفعل كفعل الحديد.

و ثانيتهما في الآخرة(11): فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ خطاب للكافر في الآخرة،كما يقتضيه السّياق: وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ ذلِكَ يَوْمُ الْوَعِيدِ* وَ جاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَ شَهِيدٌ* لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ* وَ قالَ قَرِينُهُ هذا ما لَدَيَّ عَتِيدٌ* أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ ق:20-24، فيقال للكافر:أنت اليوم عالم بما كنت تنكره في الدّنيا، نافذ البصر،و ليس بصر العين،بل بصيرة القلب،كما يقال:فلان بصير بالنّحو و الفقه.

و فيها قول آخر:إنّه خطاب للنّبيّ عليه السّلام بأنّه كان في غفلة في الجاهليّة من هذا الدّين الّذي بعثه به،فكشف اللّه عنه غطاءه الّذي كان عليه في الجاهليّة،فنفذ بصره بالإيمان،و تبيّنه حتّى تقرّر ذلك عنده«إلى آخر ما عند الطّبريّ»و هو بعيد عن السّياق،و عدّه الطّباطبائيّ من أسخف القول.

و على كلّ منهما فالمراد بها نافذ البصيرة لا البصر، فهو تمثيل يراد به إثبات التّيقّظ يومئذ و إدراك الأمور على حقائقها،بعد انكشاف الحجب عن العقول.

و استفاد منها الطّباطبائيّ أنّ ما يشاهده الإنسان يوم القيامة موجود مهيّأ له و هو في الدّنيا،غير أنّه في غفلة منه.

و في قول آخر:إنّ بصره يومئذ كلسان الميزان شاهد عدل عليه بمعرفته ما سلف منه في الدّنيا من الأعمال، و للماورديّ فيها تفصيل،فلاحظ.

المحور الثّالث:الحدود 14 مرّة،في 9 آيات:(12- 20)و هي الأحكام الّتي قرّره اللّه لكلّ عمل و حدّدها بحدود،و لهذا أضيفت إلى اللّه في الجميع،و أكّد رعايتها و الالتزام بها بطرق شتّى نفيا و إثباتا:وعيدا و وعدا.

أمّا الوعيد-و هو أكثرها-فجاء-11 مرّة:ففي (12) تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَقْرَبُوها فنهى فيها عن الاقتراب إليها ذريعة إلى الاجتناب عن تجاوزها.

و في(13) تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ فَلا تَعْتَدُوها وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ، و(19) وَ مَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ، و(20) وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَتَعَدَّ حُدُودَهُ يُدْخِلْهُ ناراً خالِداً فِيها نهى عن تعدّي الحدود و تجاوزها.

و في(18) وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ وَ لِلْكافِرِينَ عَذابٌ أَلِيمٌ، و(16) اَلْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللّهُ جعل«حدود اللّه»حدّا للكفر و النّفاق فمن تعدّاها فقد كفر أو نافق.

و أمّا الوعد فثلاث مرّات:في(14) وَ تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ يُبَيِّنُها لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ، و(15) تِلْكَ حُدُودُ اللّهِ

ص: 161

وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ، و(17) وَ الْحافِظُونَ لِحُدُودِ اللّهِ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ فجعلها حدّا للإيمان و الطّاعة و الفوز بالجنّة فمن راعاها و لم يتعدّها فقد آمن و أطاع و فاز بالجنّة.

و من طرق التّأكيد فيها:تكرارها في(13)4 مرّات، و في(14)و(19)مرّتين.و أكثرها جاءت بشأن طلاق النّساء و إرثهنّ و ظهارهنّ،تأكيدا لحفظ حقوقهنّ، و رعاية شئونهنّ،لاحظ الطّلاق و الإرث و الظّهار.

و واحدة منها(16)جاءت بشأن المنافقين،و اثنتان (17 و 18)بشأن عموم المؤمنين و الكافرين،فلاحظ.

و ثانيا:إنّ ما يرتبط منها بالتّشريع كآيات«حدود اللّه»كلّها مدنيّ،لأنّ المدينة كانت دار التّشريع،و كذا آيات«المحادّة»أمّا آيات«الحديد»فيها المكّيّ و المدنيّ كلاهما.لأنّها ترجع إلى العقيدة المشتركة بينهما.

ص: 162

ح د ق

اشارة

حدائق

لفظ واحد،3 مرّات مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :حدقة العين في الظّاهر هي سواد العين، و في الباطن:خرزتها؛و تجمع على:حدق و حداق أيضا.

و الحديقة:أرض ذات شجر مثمر؛و الجميع:

الحدائق.

و الحديقة من الرّياض:ما أحدق بها حاجز أو أرض مرتفعة.

و التّحديق:شدّة النّظر.

و كلّ شيء استدار بشيء فقد أحدق به.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:41)

اللّيث:تقول:عليه شامة سوداء قد أحدق بها بياض.(الأزهريّ 4:34)

ابن شميّل: حديق الرّوض:ما أعشب به و التفّ.

يقال:روضة بني فلان ما هي إلاّ حديقة ما يجوز فيها شيء،و قد أحدقت الرّوضة عشبا،و إذا لم يكن فيها عشب فهي روضة.(الأزهريّ 4:34)

أبو عبيد: «في حديث الأحنف بن قيس:إنّ أهل هذه الأمصار نزلوا في مثل حدقة البعير من العيون العذاب تأتيهم فواكههم لم تخضد،...».

قوله:«مثل حدقة البعير من العيون العذاب»يعني كثرة مياههم و خصبهم،و أنّ ذلك عندهم كثير دائم، و إنّما شبّهه بحدقة البعير،لأنّه يقال:إنّ المخّ ليس يبقى في جسد البعير بقاءه في السّلامى و العين،و هو في العين أبقى منه في السّلامى أيضا.[ثمّ استشهد بشعر](2:393)

ابن الأعرابيّ: يقال للباذنجان:الحدق و المغد.

(الأزهريّ 4:34)

كراع النّمل:الحديقة:القطعة من الزّرع.

(ابن سيده 2:566)

ابن دريد :الحدقة:حدقة العين،و هي سوادها؛ و الجمع:حدق و أحداق و حداق.

ص: 163

و حدق القوم بالرّجل و أحدقوا به،إذا أطافوا به.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الحديقة:البستان من النّخل و الشّجر؛و الجمع حدائق.

و قالوا:الحندوقة و الحنديقة:الحدقة،و لا أدري ما صحّته.(2:123)

و حدقت و حدقت به المنيّة و أحدقت.[ثمّ استشهد بشعر](3:442)

الأزهريّ: [قيل:]السّواد الأعظم في العين هو الحدقة،و الأصغر هو النّاظر و فيه إنسان العين.و إنّما النّاظر كالمرآة إذا استقبلتها رأيت فيها شخصك.

و[قيل:]حدق فلان الشّيء بعينه يحدقه حدقا،إذا نظر إليه،و حدق الميّت،إذا فتح عينه و طرف بها.

و الحدوق:المصدر.

و رأيت الميّت يحدق يمنة و يسرة،أي يفتح عينيه و ينظر.(4:33)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و حدق به:لغة،و حدّق-أيضا-و احدودق به:

بمعنى.

و الحدق:شجر في لغة هذيل شاكة مورقة،و هو أيضا الباذنجان.(2:341)

الجوهريّ: [نحو الخليل و أضاف:]

يقال:الحديقة كلّ بستان عليه حائط.

و حدقوا بالرّجل و أحدقوا به،أي أحاطوا به.

(4:1456)

ابن فارس: الحاء و الدّال و القاف أصل واحد و هو الشّيء يحيط بشيء،يقال:حدق القوم بالرّجل و أحدقوا به.

و حدقة العين من هذا،و هي السّواد،لأنّها تحيط بالصّبيّ؛و الجمع:حداق.

و التّحديق:شدّة النّظر.

و الحديقة:الأرض ذات الشّجر.

و الحنديقة:الحدقة.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(2:33)

ابن سيده: حدق به الشّيء و أحدق:استدار.و الحديقة من الرّياض:كلّ أرض استدارت،و أحدق بها حاجز و أرض مرتفعة.

و قيل:الحديقة:كلّ أرض ذات شجر مثمر و نخل.

و قيل:الحديقة:البستان و الحائط،و خصّ بعضهم به الجنّة من النّخل و العنب.

و قيل:الحديقة:حفرة تكون في الوادي تحبس الماء.

و كلّ وطئ يحبس الماء في الوادي و إن لم يكن الماء في بطنه فهو حديقة.و الحديقة أعمق من الغدير.

و الحديقة:القطعة من الزّرع،عن كراع،و كلّه في معنى الاستدارة.

و الحدقة:السّواد المستدير وسط بياض العين، و قيل:هي في الظّاهر سواد العين،و في الباطن خرزتها، و الجمع:حدق و أحداق و حداق.

و قولهم:نزلوا في مثل حدقة البعير:أي نزلوا في خصب.و شبّهه بحدقة البعير لأنّها ريّا من الماء.و قيل:

إنّما أراد أنّ ذلك عندهم دائم.لأنّ النّقي لا يبقى في جسد البعير بقاءه في العين و السّلامى.

ص: 164

و الحندوقة و الحنديقة:الحدقة،قال ابن دريد و لا أدري ما صحّتها.

و التّحديق:شدّة النّظر بالحدقة.

و الحدق:الباذنجان،واحدتها حدقة،شبّه بحدق المها.و وجدنا بخطّ عليّ بن حمزة:الحذق:الباذنجان بالذّال المنقوطة،و لا أعرفها.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](2:566)

الرّاغب: حدائق ذات بهجة:جمع حديقة،و هي قطعة من الأرض ذات ماء سمّيت تشبيها بحدقة العين في الهيئة و حصول الماء فيها.و جمع الحدقة:حداق و أحداق.

و حدّق تحديقا:شدّد النّظر.

و حدقوا به و أحدقوا:أحاطوا به تشبيها بإدارة الحدقة.(110)

الزّمخشريّ: هم في مثل حدقة البعير،أي في خصب و ماء كثير،و هي موصوفة بكثرة الماء.

و هم رماة الحدق:للمهرة في النّضال.

و تقول:الرّامي إذا حذق،لم يخطئ الحدق.

و تكلّمت على حدق القوم،أي و هم ينظرون إليّ.

[ثمّ استشهد بشعر]

و حدّق إليّ و نظر إليّ بتحذيق،و حدقه بعينه:نظر إليه فهو حادق.

و رأيت المريض يحدق يمنة و يسرة.و رأيت الذّبيحة حادقة و قد أحدقوا به،إذا أحاطوا.

و من المجاز:ورد عليّ كتابك،فتنزّهت في أنق رياضه،و بهجة حدائقه.

و فلان قد أحدقت به المنيّة.(أساس البلاغة:76) [ثمّ ذكر حديث الأحنف السّابق،و قال:]

شبّه بلادهم في خصبها و كثرة مائها بحدقة البعير و حولاء النّاقة،لأنّ الحدقة توصف بكثرة الماء.

و قيل:أراد أنّ خصبها دائم لا ينقطع،لأنّ المخّ ليس يبقى في شيء بقاءه في العين.(الفائق 1:267)

المدينيّ: في حديث معاوية بن الحكم:«فحدّقني القوم بأبصارهم»أي رموني بحدقهم و نظروا إليّ بها، و التّحديق:شدّة النّظر.(1:413)

ابن الأثير: فيه:«سمع من السّماء صوتا يقول:اسق حديقة فلان».

الحديقة:كلّ ما أحاط به البناء من البساتين و غيرها.و يقال للقطعة من النّخل:حديقة،و إن لم يكن محاطا بها؛و الجمع:الحدائق.(1:354)

الفيّوميّ: أحدق القوم بالبلد إحداقا:أحاطوا به؛ و في لغة:حدق يحدق من باب«ضرب»،و حدّق إليه بالنّظر تحديقا شدّد النّظر إليه.

و حدقة العين:سوادها؛و الجمع:حدق و حدقات، مثل:قصبة و قصب و قصبات،و ربّما قيل:حداق مثل:

رقبة و رقاب.

و الحديقة:البستان يكون عليه حائط«فعيلة»بمعنى «مفعولة»لأنّ الحائط أحدق بها،أي أحاط.ثمّ توسّعوا حتّى أطلقوا الحديقة على البستان و إن كان بغير حائط؛ و الجمع:الحدائق.(1:125)

الفيروزآباديّ: الحدقة محرّكة:سواد العين، كالحندوقة و الحنديقة؛جمعها:حدق و أحداق و حداق.

ص: 165

و حدقوا به يحدقون:أطافوا به،كأحدقوا و احدودقوا،و الشّيء:نظر إليه،و الميّت حدوقا:فتح عينيه و طرف بهما،و فلانا:أصاب حدقته.

و الحدق محرّكة:الباذنجان.

و الحديقة:الرّوضة ذات الشّجر؛جمعها:حدائق،أو البستان من النّخل و الشّجر،أو كلّ ما أحاط به البناء،أو القطعة من النّخل،و قرية من أعراض المدينة.

و حديقة الرّحمن:بستان كان لمسيلمة الكذّاب فلمّا قتل عندها سمّيت:حديقة الموت.

و كجهينة:موضع لبني يربوع.و أحدقت الرّوضة:

صارت حديقة.

و التّحديق:شدّة النّظر.(3:226)

الطّريحيّ: حبّة الحدقة،و هي النّاظر في العين لا جسم العين كلّه.و حدقوا به،و أحدقوا به:أطافوا و أحاطوا.(5:144)

العدنانيّ: حدق القوم به و أحدقوا به:

و يخطّئون من يقول:حدق القوم به،أي أحاطوا به، و يقولون:إنّ الصّواب هو:أحدقوا به،اعتمادا على ما قاله الحريريّ في المقامتين المغربيّة و النّصيبيّة،و ما جاء في الأساس و المغرب و المختار.

و لكن:أجاز الفعلين:أحدق القوم به،و حدقوا،كلّ من:أدب الكاتب في باب أبنية الأفعال،و الصّحاح، و معجم مقاييس اللّغة،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.[ثمّ استشهد بشعر]

و فعله:حدق به يحدق حدقا.(146)

المصطفويّ: و الّذي يقوى في النّظر:أنّ«الحدق» مجرّدا لازم،بمعنى الاستدارة لازما،و تعديته بالحرف أو بالهمزة و التّضعيف.

و الحديقة«فعيلة»من ذلك المعنى،أي ما ثبت له الاستدارة بحائط يحيط به،أو بأشجار ملتفّة أو بارتفاع أو غير ذلك و لا حاجة إلى كونها بمعنى«المفعول»مع أنّها ليست بمتعدّية.

و الحدقة كالثّمرة اسم لداخل العين بمناسبة استدارتها في نفسها،أو بإحاطة العظم المستدير بها.

و أمّا التّحديق فهو إمّا اشتقاق انتزاعيّ من «الحدقة»أو باعتبار إحاطة البصر و توجّهه الكامل، و نظره التّامّ المحدق.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

يستفاد من هذه التّعبيرات أنّ قوام الحديقة ليس بالحائط و لا بشجر مخصوص،بل هي عبارة عن روضة ذات بهجة مستديرة،و الأغلب متكاثف الأشجار.

فيلاحظ في الحديقة الاستدارة،و في الجنّة الاستتار بالأشجار.(2:193)

النّصوص التّفسيريّة

حدائق

أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها... النّمل:60

ابن عبّاس: بساتين ما أحيط عليها من النّخل و الشّجر.(320)

ص: 166

نحوه الكلبيّ.(الماورديّ 4:221)

عكرمة :الحدائق:النّخل ذات بهجة.

مثله قتادة.(القرطبيّ 13:221)

و نحوه الحسن.(الماورديّ 4:221)

الفرّاء: إنّما يقال:حديقة لكلّ بستان عليه حائط، فما لم يكن عليه حائط لم يقل له:حديقة.(2:297)

نحوه الطّبريّ(20:3)،و الطّوسيّ(8:108)، و الطّبرسيّ(4:229)،و الخازن(5:127)،و شبّر(4:

435).

ابن قتيبة :الحدائق:البستان؛واحدها:حديقة.

سمّيت بذلك،لأنّه يحدق عليها،أي يحظر عليها حائط.

و منه قيل:حدّقت بالقوم،إذا أحطت بهم.(326)

الزّجّاج: الحدائق:واحدتها حديقة،و الحديقة:

البستان،و كذلك الحائط،و قيل:القطعة من النّخل.

(4:128)

الزّمخشريّ: الحديقة:البستان عليه حائط،من الإحداق و هو الإحاطة.(3:155)

نحوه الفخر الرّازيّ(24:205)،و القرطبيّ(13:

221)،و البيضاويّ(2:180)،و النّسفي(3:218)، و أبو السّعود(5:95)،و البروسويّ(6:361)، و الطّباطبائيّ(15:379).

ابن عطيّة: الحدائق:مجتمع الشّجر من الأعناب و النّخيل و غير ذلك،قال قوم:لا يقال:حديقة إلاّ لما عليه جدار قد أحدق به،و قال قوم:يقال ذلك كان جدارا أو لم يكن،لأنّ البياض محدق بالأشجار.(4:266)

الشّربينيّ: جمع حديقة،و هي البستان.و قيل:

القطعة من الأرض ذات الماء.[ثمّ نقل قول الرّاغب و أضاف:]

و قال غيره:سمّيت بذلك لإحداق الجدران بها-قاله ابن عادل-و ليس بشيء،لأنّه يطلق عليها ذلك مع عدم الجدران.(3:68)

أبو حيّان :الحديقة:البستان كان عليه جدار أو لم يكن.(7:81)

الطّريحيّ: أي ذات حسن؛واحدتها:حديقة، و إن لم يكن محاطا بها.(5:144)

الآلوسيّ: (حدائق):جمع حديقة،و هي كما في «البحر»البستان سواء أحاط به جدار أم لا،و هو ظاهر إطلاق تفسير ابن عبّاس؛حيث فسّر الحدائق لابن الأزرق بالبساتين،و لم يقيّد.

و قال الزّمخشريّ: هي البستان عليه حائط من الإحداق و هو الإحاطة و هو مرويّ عن الضّحّاك.

و قال الرّاغب: هي قطعة من الأرض ذات ماء، سمّيت حديقة تشبيها بحديقة العين في الهيئة و حصول الماء فيها.

و لعلّ الأظهر ما في«البحر»و كأنّ وجه تسمية البستان عليه حديقة أنّ من شأنها أن تحدق بالحيطان أو تصرف نحوها الأحداق،و تنظر إليها.(20:4)

مكارم الشّيرازيّ: و الحدائق:جمع الحديقة، و هي كما يقول كثير من المفسّرين:البستان الّذي يحيطه الجدار أو الحائط،و هو محفوظ من جميع الجهات؛و منها سمّيت حدقة العين:حدقة،لأنّها محفوظة بين الجفنين و الهدب.[ثمّ نقل كلام الرّاغب،و قال:]

ص: 167

و يستفاد من مجموع هذين الرّأيين أنّ الحديقة بستان له جدار و ماء كاف.(12:100)

و جاء بهذا المعنى قوله تعالى: حَدائِقَ وَ أَعْناباً النّبأ:32،و قوله تعالى: وَ حَدائِقَ غُلْباً عبس:30.

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحدقة،أي السّواد المحيط بناظر العين؛و الجمع:حدق و حداق و أحداق.و اشتقّ منه:التّحديق،و هو شدّة النّظر بالحدقة.و قالوا:حدق فلان الشّيء يحدقه حدقا،أي نظر إليه،و حدق الميّت حدوقا:فتح عينيه و طرف بهما،و رأيت الميّت يحدق يمنة و يسرة:يفتح عينيه و ينظر.

ثمّ استعير لكلّ شيء يحيط بشيء و يستدير به.

يقال:عليه شامة سوداء قد أحدق بها بياض،و حدق به الشّيء و أحدق،أي استدار.

و منه:الحديقة:«فعيلة»بمعنى«مفعولة»،و هي ما أحدق بها حائط من الجنان و الرّياض؛و الجمع:حدائق.

يقال:روضة بني فلان ما هي إلاّ حديقة ما يجوز فيها شيء،و قد أحدقت الرّوضة عشبا،و إذا لم يكن فيها عشب فهي روضة.

و حدق القوم بالرّجل،و أحدقوا به:أطافوا به، و حدقت و حدقت به المنيّة و أحدقت،على التّشبيه.

2-و يفرق البستان عن الحديقة،فهو-وفق أصله في الفارسيّة-مجمع الورد،أي المكان الّذي تزرع فيه ورود ذكيّة الرّائحة،أو تغرس فيه أشجار ذات ثمر ذكيّ الطّعم؛إذ ورد في«الفهلويّة»مركّبا من كلمتين:«بو»أي الرّائحة،و«ستان»أي مكان الرّائحة.

و عرّب من هذه اللّغة بلفظ«بستان»بحذف الواو، للتّخلّص من التقاء السّاكنين:«الواو»و«السّين»،فضمّ إلى وزن«فعلان»،مثل:حسبان و عنوان و ذودان و غيرها،ثمّ استعمله الفرس بهذا اللّفظ أيضا.

فلا وجه-إذا-لقول من قال:البستان:الحديقة من النّخل،أو كلّ بستان عليه حائط فهو حديقة،لأنّه يناقض الأصل و المنشأ،إلاّ أن يكون على التّوسّع.

كما لا معنى لقول الزّبيديّ معقبا لصاحب«شفاء الغليل»:«مقتضى تركيبه من«بو»و«ستان»أن يكون آخذ الرّائحة،و سقط«الواو»عند الاستعمال،لأنّه يخالف الاستعمال في الفارسيّة،و قواعد اللّغة في العربيّة؛ إذ يقتضي قوله وجود وزن«فوعلان»،ثمّ صار«فعلان» عند الاستعمال للتّخفيف.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد،ثلاث مرّات مكّيّة:

1- ...فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ...

النّمل:60

2- فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا* وَ عِنَباً وَ قَضْباً* وَ زَيْتُوناً وَ نَخْلاً* وَ حَدائِقَ غُلْباً عبس:27-30

3- إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً* حَدائِقَ وَ أَعْناباً

النّبأ:31،32

و يلاحظ أوّلا:أنّ حدائق جاءت مرّتين في نعم الدّنيا(1 و 2)،و مرّة في نعم الآخرة(3):فجاء في(1):

أَمَّنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ السَّماءِ

ص: 168

ماءً فَأَنْبَتْنا بِهِ حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ يَعْدِلُونَ النّمل:60

و في(2): فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ* أَنّا صَبَبْنَا الْماءَ صَبًّا* ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا* فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا* وَ عِنَباً وَ قَضْباً* وَ زَيْتُوناً وَ نَخْلاً* وَ حَدائِقَ غُلْباً* وَ فاكِهَةً وَ أَبًّا* مَتاعاً لَكُمْ وَ لِأَنْعامِكُمْ

عبس:24-32

و في(3): إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً* حَدائِقَ وَ أَعْناباً* وَ كَواعِبَ أَتْراباً* وَ كَأْساً دِهاقاً النّبأ:31-34

و فيها بحوث:

1-جاء في الأوليين تمهيدا لإنبات الحدائق إنزال الماء من السّماء،أو صبّه صبّا.

2-و جاء فيهما ذكر الأرض و الإنبات،و في(2) فقط شقّ الأرض.

3-و جاء في(2)إنّ ذلك طعام للنّاس،و متاع لهم و لأنعامهم، وَ حَدائِقَ غُلْباً أي مكثّفة الأغصان للسّكن تحتها و في(1)بدلها حَدائِقَ ذاتَ بَهْجَةٍ فنبّه فيها على لذّة العيون بها،و في الأولى على شبع البطون منها،و السّكن تحتها.

4-و نبّه في الأولى على أنّها فعل اللّه فهو الإله ما كانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَها أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ.

5-اكتفى فيها بالحدائق ذات بهجة،و ذكر في الثّانية إلى جانب وَ حَدائِقَ غُلْباً الحبّ و جملة من الثّمار، و الأبّ.[لاحظ أبّ،و الشّجر و الحبّ و النّبت و غيرها]

6-كلّ ذلك في حدائق الدّنيا فإنّها تنشأ بالأسباب الطّبيعيّة من الماء و شقّ الأرض و الإنبات و غيرها.أمّا حدائق الآخرة فهي تنشأ بأمر اللّه من دون الأسباب،فلم يذكر فيها الماء و الإنبات و غيرهما.

7-ذكرت في(3)مع الحدائق(اعنابا)للأكل،و وَ كَواعِبَ أَتْراباً للالتذاذ الجنسيّ، وَ كَأْساً دِهاقاً للشّرب،فجمع اللّه فيها للمتّقين كلّ لذّة مادّيّة الّتي كانت في الدّنيا بشكل أوسع و أعلى.

ثانيا:و كلّها مكّيّة لرجوعها إلى العقيدة،فإنّ الأوليين تهديان إلى عقيدة التّوحيد،و الأخيرة إلى عقيدة البعث و الدّار الآخرة،و مكّة كانت دارا لتحكيم العقيدة،كما أنّ المدينة كانت دار تشريع و تقنين حسب الغالب.

ص: 169

ص: 170

ح ذ ر

اشارة

13 لفظا،21 مرّة:3 مكّيّة،18 مدنيّة

في 12 سورة:3 مكّيّة،9 مدنيّة

حذر 2:-2 فاحذروه 1:-1

يحذر 3:1-2 فاحذروهم 1:-1

يحذرون 2:1-1 حاذرون 1:1

تحذرون 1:-1 محذورا 1:-1

احذرهم 2:-2 حذرهم 1:-1

احذروا 2:-2 حذركم 2:-2

يحذّركم 2:-2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحذر،مصدر قولك:حذرت أحذر حذرا فأنا حاذر و حذر.و تقرأ الآية وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ الشّعراء:56،أي مستعدّون.و من قرأ(حذرون)فمعناه إنّا نخاف شرّهم.

و أنا حذيرك منه،أي أحذّركه.

و حذار يا فلان،أي احذر،قال:

*حذار من أرماحنا حذار*

جرّت للجزم الّذي في الأمر،و أنّثت لأنّها كلمة.

يقال:سمعت (1)حذار في عسكرهم،و دعيت نزال بينهم.(3:199)

سيبويه :ما يجيء من المصادر مثنّى منتصبا على إضمار الفعل المتروك إظهاره:...و مثل ذلك:حذاريك، كأنّه قال:ليكن منك حذر بعد حذر.(1:348)

و لا نعلم في الكلام فعلّى و لا فعلّى،و لا شيئا من هذا النّحو لم نذكره،و لكن على«فعلّى».قالوا:حذرّى، و نذرّى،و هو اسم.(4:261)

و تلحق[الياء]رابعة فيكون الحرف على«فعلية»، فالأسماء نحو:حذرية و هبرية...(4:268)

ابن شميّل: الحذرية:الأرض الغليظة من القفّ، الخشنة.(الأزهريّ 4:463)

ص: 171


1- جاء في«اللّسان»«سمعت حذار...»مبنيّا للمجهول.

أبو عمرو الشّيبانيّ: و الحذرية،و جماعها:

الحذاري:المرتفعة من السّبتاء.(1:198)

الحذرية:المكان الغليظ الخشن؛و جماعها:حذاري.

(الحربيّ 3:1195)

أبو عبيدة :حذر و حذر و حاذر،و قوم حذرون و حاذرون.[ثمّ استشهد بشعر](2:86)

و يقال:سمعت في عسكرهم حذار حذار.

(الحربيّ 3:1195)

أبو زيد :في العين الحذر،و هو ثقل فيها من قذى يصيبها.(الأزهريّ 4:462)

الأصمعيّ: الحذريّة من الأرض:الخشنة،و الجمع:

حذاريّ.(الأزهريّ 4:463)

ابن السّكّيت: يقال:حذر و حذر،إذا كان كثير الحذر.(إصلاح المنطق:99)

شمر: الحاذر:المؤدي الشّاكّ في السّلاح.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:462)

الحربيّ: [و في حديث]«لا يغني حذر من قدر...يقال:حذرت أحذر حذارا.(3:1194)

ابن دريد :الحذر:معروف،حذر يحذر حذرا، و حاذر يحاذر محاذرة و حذارا.

و قد قرئ وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ أي متأهّبون، (و حذرون)أي خائفون.

و الحذريّة (1)«فعليّة»:الأرض الغليظة؛و الجمع:

حذاري و حذار.

و رجل حذريان:شديد الفزع.

و المحذورة:الفزع بعينه،و قالوا:بل الحرب.[ثمّ استشهد بشعر]

و قولهم:حذار من كذا و كذا،أي احذره.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد سمّت العرب:حذيرا و محذرا و محاذرا و حذّارا و حذارة.

و الحذاريات:القوم يحذّرون أو ينذرون.(2:127)

و حاذور:خائف من النّاس،لا يعاشرهم.(3:388)

و حذرياء،و هي أرض نحو الحذرية،و هي أرض صلبة.(3:412)

الحذرية:أرض فيها غلظ.(3:424)

الأزهريّ: [قال]اللّيث:أنا حذيرك من فلان،أي أحذّركه.

قلت:لم أسمع هذا الحرف لغيره،و كأنّه جاء به على لفظ نذيرك و عذيرك.[إلى أن قال:]

و قال أبو خيرة:أعلى الجبل إذا كان صلبا غليظا مستويا فهو حذرية،و يقال:رجل حذريان،إذا كان حذرا على«فعليان».(4:462)

الصّاحب:[مثل الخليل و أضاف:]

و حذار حذار:ينوّن الأخير.

و رجل حذرية:منكر.

و احتذروا:أي احذروا.

و الحذرية و الحذاري:المكان الغليظ من الأرض، و قيل:هي رأس الأكمة،و هي الحذرياء أيضا.

و الحذرية و العفرية:واحد،يقال:نفّش حذريته،:

و هي قنزعة الدّيك.د.

ص: 172


1- لم يشدّد ياء حذرية إلاّ عند ابن دريد.

و الحذر في العين:ثقل فيها من قذى.

و أبو حذر:دويبّة ترفع رأسها مرّة و تضعه أخرى تتلوّن ألوانا.(3:65)

الجوهريّ: الحذر و الحذر:التّحرّز،و قد حذرت الشّيء أحذره حذرا.

و رجل حذر و حذر،أي متيقّظ متحرّز؛و الجمع:

حذرون و حذارى و حذرون.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّحذير:التّخويف.

و الحذار:المحاذرة.

و قولهم:إنّه لابن أحذار،أي لابن حزم و حذر.

و حذار،مثل قطام،بمعنى احذر.[ثمّ استشهد بشعر] و المحذورة:الفزع بعينه.

و الحذرية على«فعلية»:قطعة من الأرض غليظة؛ و الجمع الحذارى.

و تسمّى إحدى حرّتي بني سليم:الحذرية.

و نفش الدّيك حذريته،أي عفريته.

و رجل حذريان:شديد الفزع و الحذر.(2:626)

ابن فارس: الحاء و الذّال و الرّاء أصل واحد،و هو من التّحرّز و التّيقّظ،يقال:حذر يحذر حذرا.و رجل حذر و حذور و حذريان:متيقّظ متحرّز.و حذار،بمعنى احذر.[ثمّ استشهد بشعر]

و المحذورة:الفزع.فأمّا الحذرية فالمكان الغليظ، و يمكن أن يكون سمّي بذلك لأنّه يحذر المشي عليه.

(2:37)

أبو هلال :الفرق بين الخوف و الحذر و الخشية و الفزع:أنّ الخوف توقّع الضّرر المشكوك في وقوعه، و من يتيقّن الضّرر لم يكن خائفا له،و كذلك الرّجاء لا يكون إلاّ مع الشّكّ،و من تيقّن النّفع لم يكن راجيا له.

و الحذر:توقّي الضّرر و سواء كان مظنونا أو متيقّنا، و الحذر يدفع الضّرر،و الخوف لا يدفعه،و لهذا يقال:

خذ حذرك،و لا يقال:خذ خوفك.(199)

الفرق بين الحذر و الاحتراز:أنّ الاحتراز هو التّحفّظ من الشّيء الموجود،و الحذر هو التّحفّظ ممّا لم يكن إذا علم أنّه يكون أو ظنّ ذلك.(200)

ابن سيده: الحذر و الحذر:الخيفة،حذره حذرا و احتذره،الأخيرة عن ابن الأعرابيّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل حذر و حذر و حاذورة و حذريان:متيقّظ شديد الحذر،و حاذر متأهّب معدّ كأنّه يحذر أن يفاجأ، و في التّنزيل: وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ الشّعراء:56، أي معدّون.

و قد حذّره الأمر،و أنا حذيرك منه،أي محذّرك.

و المحذورة:كالحذر،مصدر،كالمصدوقة و المكذوبة.

و قيل:هي الحرب

و يقال:حذار،أي احذر.و قد أبنت تعليل ذلك في «الكتاب المخصّص»في أبواب المذكّر و المؤنّث.

و قد جاء في الشّعر حذار.[و استشهد بشعر اللّحيانيّ]

و قالوا:حذاريك،جعلوه بدلا من اللّفظ بالفعل، و معنى التّثنية أنّه يريد ليكن منك حذر بعد حذر.

و من أسماء الفعل قولهم:حذرك زيدا و حذارك زيدا،إذا كنت تحذّره منه.و حكى اللّحيانيّ:حذارك،

ص: 173

بكسر الرّاء.

و أبو حذر:كنية الحرباء.

و الحذرية و الحذرياء:الأرض الخشنة،و يقال لها:

حذار،اسم معرفة.

و احذأرّ الرّجل:غضب فاحرنفش و تقبّض.

و الإحذار:الإنذار،و الحذاريات:المنذرون.

و قد سمّت:محذورا و حذيرا.(3:286)

الحذر:الخيفة،حذر يحذر حذارا و احتذر:استعدّ و تأهّب،فهو حاذر و حذر؛و الاسم:الحذر.

و هو حذر و حاذورة:شديد الحذر.

و حذر الشّيء يحذره حذارا:خافه و احترز منه، فالرّجل حاذر و حذر،و الشّيء محذور و محذور منه.

و حذّرته الأمر و منه:خوّفته.و أنا حذيرك،أي محذّرك.

و حذار:اسم فعل بمعنى احذر،و تقول:حذرك زيدا،أي احذره،و حذارك زيدا و حذاريك،أي ليكن منك حذر بعد حذر.(الإفصاح 1:168)

الطّوسيّ: و الحذر:إعداد ما يتّقي الضّرر،و مثله الخوف و الفزع،تقول:حذرت حذرا،و تحذّر تحذّرا، و حاذره محاذرة و حذارا،و حذّره تحذيرا.(5:291)

و قيل:الفرق بين الحاذر و الحذر:أنّ الحاذر:الفاعل للحذر،أن يناله مكروه،و الحذر:المطبوع على الحذر.

و قيل:(حاذرون):مؤدون في السّلاح،أي ذووا أداة من السّلاح،المستعدّون للحرب من عدوّ،و الحذر:

اجتناب الشّيء خوفا منه،حذر حذرا،فهو حاذر، و حذّره تحذير،و تحذّر تحذّرا،و حاذره محاذرة و حذارا.(8:23)

نحوه الطّبرسيّ.(4:190)

الرّاغب: الحذر:احتراز عن مخيف،يقال حذر حذرا و حذرته.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و حذار أي احذر،نحو مناع أي امنع.(111)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:441)

الزّمخشريّ: حذرته،و حاذرته،و فرّ حذر الموت،و حذار الموت.و وقاك اللّه كلّ مكروه و محذور.

و تقول:ذر لا تحذر.

و صبّحتهم المحذورة،و هي الخيل المغيرة أو الصّيحة.

و رجل حذريان:شديد الحذر.

و من الكناية:رجل حذر و حذر:متيقّظ محترز، و حاذر:مستعدّ.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(أساس البلاغة:77)

الطّبرسيّ: الحذر:إعداد ما يتّقي الضّرر،و رجل حذر:متيقّظ،متحرّز،و رجل حذريان:كثير الحذر شديد الفزع.(3:45)

الصّغانيّ: و حذرّى،على«فعلّى»بضمّتين و تشديد اللاّم،مثال حظبّى،و غلبّى:الباطل.

أبو حذر:دويبّة ترفع رأسها مرّة و تخفضه أخرى، و تتلوّن ألوانا.

و الحذراء:الأكمة الغليظة،مثل الحذرية.

و يقال:حذار حذار،بتنوين الأخير.

و الاحتذار:الحذر.(2:468)

الفيّوميّ: حذر حذرا من باب«تعب»،و احتذر و احترز:كلّها بمعنى استعدّ و تأهّب،فهو حاذر و حذر؛

ص: 174

و الاسم منه:الحذر،مثل حمل.

و حذر الشّيء،إذا خافه،فالشّيء محذور،أي مخوف.

و حذّرته الشّيء بالتّثقيل فحذره.

و المحذورة:الفزع،و بها كني،و منه أبو محذورة المؤذّن.(1:126)

الفيروزآباديّ: الحذر بالكسر و يحرّك:الاحتراز كالاحتذار و المحذورة،و الفعل كعلم،و هو حاذورة و حذريان و حذر و حذر،الجمع:حذرون و حذارى،أي متيقّظ شديد الحذر.

و هو ابن أحذار،أي حزم و حذر.

و المحذورة:الفزع و الدّاهية الّتي تحذر،و الحرب.

و حذار حذار و قد ينوّن الثّاني،أي احذر و ربيعة بن حذار كغراب:جواد،و موضع...

و أنا حذيرك منه،أي أحذّركه.

و الحذرية كالهبرية:القطعة الغليظة من الأرض، و حرّة لبني سليم،و الأكمة الغليظة كالحذرياء،و عفرية الدّيك،الجمع:حذاري و حذار.

و حذرّى كغلبّى:الباطل.

و حذران كعثمان و زبير:علمان.

و الحذاريات بالضّمّ:القوم الّذين يحذّرون،أي يخوّفون.

و احذارّ:غضب و تغيّظ.

و حذرك و حذاريك زيدا،إذا كنت تحذّره منه.

و أبو حذر:الحرباء...

و المحاذرة بين اثنين.(2:7)

الطّريحيّ: و الحذر و الحذر بمعنى واحد،كالأثر و الإثر.

و الحذر هو امتناع القادر من الشّيء لما فيه من الضّرر.

و رجل حاذر و حذر،أي محترز متيقّظ.و قد حذرت الشّيء أحذره حذرا.

و الحذار بالكسر:المحاذاة.

و حذار حذار،بمعنى احذر احذر.

و«أعوذ بك ممّا أخاف و أحاذر»هو تعوّذ من وجع و مكروه هو فيه،و ممّا يتوقّع حصوله في المستقبل من الحزن و الخوف،فإنّ الحذر هو الاحتراز عن مخوف.

(3:262)

مجمع اللّغة :حذره يحذره حذرا:خشيه و تحرّز منه على خيفة،فهو حاذر،و اسم المفعول:محذور.

أخذ فلان حذره:أعدّ نفسه و تنبّه لما يخشاه.

حذّره كذا تحذيرا:خوّفه إيّاه،و خوّفه منه.

(1:242)

محمّد إسماعيل إبراهيم: حذره:خافه و تحرّز منه،و يقال:أخذ حذره،إذا تيقّظ و احترز ممّا يخاف منه.

و حذّره الشّيء و منه:خوّفه و نبّهه.

و الحاذر:الحذر:المتيقّظ المتأهّب المستعدّ؛و الجمع:

حاذرون.

و المحذور:ما يحتذر منه.

و حذر الموت:خشية الموت و هربا منه.(1:126)

محمود شيت: حذره حذرا:تيقّظ و استعدّ،

ص: 175

و الشّيء و منه:خافه و احترز منه،فهو حاذر و حذر، و الشّيء محذور و محذور منه.

حاذره محاذرة و حذارا:حذر كلّ منهما الآخر.

حذّره الشّيء و منه:خوّفه.

الحاذورة:الشّديد الحذر.

حذار:اسم فعل أمر بمعنى احذر.

الحذر:التّيقّظ و الاستعداد.

المحذور:ما يتّقى و يحترز منه.

حذر:تيقّظ و استعدّ حسب أسوأ الاحتمالات.

الحذر:اليقظة و الاستعداد،و الحذر من مزايا القائد الجيّد.

المحذور:الممنوع.(1:175)

العدنانيّ: حذّره الشّيء،حذّره من الشّيء:

و يخطّئون من يقول:حذّره من الشّيء،و يقولون:

إنّ الصّواب هو:حذّره الشّيء،اعتمادا على قوله تعالى في الآيتين 28 و 29 من سورة آل عمران: وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ، و على معجم ألفاظ القرآن الكريم،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و المصباح المنير.

و لكن:أجاز حذّره الشّيء و من الشّيء كلّ من اللّسان و القاموس،و التّاج،و المدّ،و المتن،و الوسيط.

أمّا معنى:حذّره الشّيء و من الشّيء،خوّفه و صيّره حذرا.(147)

حذر الشّيء أو من الشّيء:

و يخطّئون من يقول:حذر من الشّيء،و يقولون إنّ الصّواب هو:حذر الشّيء،اعتمادا على ما جاء في الصّحاح،ثمّ مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و قوله تعالى في الآية 49 من سورة المائدة: وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ.

و جاء الفعل«حذر»مضارعا و أمرا،تسع مرّات أخرى في القرآن الكريم،يليه مفعوله دون أن يكون مسبوقا بحرف الجرّ«من».

ثمّ اعتمدوا على ما جاء في الأساس،ثمّ اللّسان،ثمّ المصباح،ثمّ التّاج.

و لكنّ مدّ القاموس،و محيط المحيط،و متن اللّغة، و المعجم الوسيط،أجازوا:حذر الشّيء،و حذر منه.

و جاء في مدّ القاموس:حذر عليه من كذا،و احتذر عليه من كذا،و احتذره.

و فعله:حذره يحذره حذرا:و حذر منه يحذر منه حذرا:احترزه و تيقّظ منه.(معجم الأخطاء الشّائعة:63)

المصطفويّ: و التّحقيق،أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو التّحرّز النّاشئ عن الخوف،لا مطلق التّحرّز و لا مطلق الخوف.و أمّا الاستعداد و التّيقّظ و التّأهّب و غيرها فمن آثار ذلك الأصل و لوازمه.

و الفرق بين الحذر و التّحرّز و الورع:أنّ الخوف ملحوظ في الأوّل و الثّاني و الثّالث،بينهما عموم و خصوص من وجه،فإنّ الورع هو التّحرّز عمّا ينافيه العقل و الشّرع،سواء كان في العرف كذلك أم لا.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و لا يخفى لطف التّعبير بهذه المادّة في مواردها؛إذ فيه دلالة على حصول الخوف و التّحرّز معا،و ليس المنظور تحقّق أحدهما.(2:194)

ص: 176

النّصوص التّفسيريّة

حذر

...يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ... البقرة:19

ابن عبّاس: مخافة البوائق و الموت.(5)

نحوه البغويّ(1:91)،و الخازن(1:32)،و المراغيّ (1:61).

الفرّاء: فنصب(حذر)على غير وقوع من الفعل عليه،لم ترد يجعلونها حذرا،إنّما هو كقولك:أعطيتك خوفا و فرقا.فأنت لا تعطيه الخوف،و إنّما تعطيه من أجل الخوف،فنصبه على التّفسير ليس بالفعل،كقوله جلّ و عزّ: يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً الأنبياء:90،و كقوله:

اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً الأعراف:55، و المعرفة و النّكرة تفسّران في هذا الموضع،و ليس نصبه على طرح(من).و هو ممّا قد يستدلّ به المبتدئ للتّعليم.

(1:17)

الزّجّاج: و يروى أيضا (حذار الموت) ،و الّذي عليه قرّاؤنا حَذَرَ الْمَوْتِ و إنّما نصبت(حذر الموت)لأنّه مفعول له،و المعنى يفعلون ذلك لحذر الموت،و ليس نصبه لسقوط اللاّم،و إنّما نصبه أنّه في تأويل المصدر،كأنّه قال:يحذرون حذرا،لأنّ جعلهم أصابعهم في آذانهم من الصّواعق يدلّ على حذرهم الموت.[ثمّ استشهد بشعر](1:97)

نحوه ملخّصا الزّمخشريّ(1:218)،و الطّبرسيّ (1:57)،و النّيسابوريّ 1:186)،و شبّر(1:76).

الفارسيّ: المفعول له لا يكون إلاّ مصدرا،لأنّه يدلّ على أنّه فعل لأجل ذلك الحدث،و الحدث مصدر، لكنّه ليس مصدرا عن هذا الفعل بل عن فعل آخر.

(الطّبرسيّ 1:57)

الطّوسيّ: نصب على التّمييز،و تقديره:من حذر الموت.و يجوز أن يكون نصبا،لأنّه مفعول له،فكأنّه قال:يفعلون هذا لأجل حذر الموت.و يحتمل أن يكون نصبا على الحال.(1:95)

العكبريّ: مفعول له،و قيل:مصدر،أي يحذرون حذرا مثل حذر الموت.و المصدر هنا مضاف إلى المفعول به.(1:36)

القرطبيّ: حذر و حذرا بمعنى،و قرئ بهما.قال سيبويه:هو منصوب،لأنّه موقوع له،أي مفعول من أجله،و حقيقته أنّه مصدر.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:220)

أبو حيّان : حَذَرَ الْمَوْتِ مفعول من أجله و شروط المفعول من أجله موجودة فيه؛إذ هو مصدر متّحد بالعامل فاعلا و زمانا،هكذا أعربوه.و فيه نظر لأنّ قوله: مِنَ الصَّواعِقِ هو في المعنى مفعول من أجله، و لو كان معطوفا لجاز،كقول اللّه تعالى: اِبْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ وَ تَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ البقرة:265.(1:87)

أبو السّعود : حَذَرَ الْمَوْتِ منصوب ب(يجعلون) على العلّة،و إن كان معرفة بالإضافة.[ثمّ استشهد بشعر]

و لا ضير في تعدّد المفعول له،فإنّ الفعل يعلّل بعلل شتّى.(1:74)

الآلوسيّ: نصب على العلّة ل(يجعلون)،و إن كان

ص: 177

مِنَ الصَّواعِقِ في المعنى مفعولا له كان هناك نوعان منصوب و مجرور،و لزوم العطف في مثله غير مسلّم، خلافا لمن زعمه.و لا مانع من أن يكون علّة مع علّته، كما أنّ(من الصّواعق)علّة له نفسه،و ورد مجيء المفعول له معرفة و إن كان قليلا.[ثمّ استشهد بشعر]

و جعله مفعولا مطلقا لمحذوف،أي يحذرون حذر الموت،بعيد.

و قرأ قتادة و الضّحّاك و ابن أبي ليلى(حذار)و هو ك«حذر»شدّة الخوف.(1:174)

و جاء بهذا المعنى ...وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ... البقرة:243.

يحذر-تحذرون

1- يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ... إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ. التّوبة:64

ابن عبّاس: ما تكتمون من محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه.

(161)

مجاهد :عسى اللّه ألاّ يفشي سرّنا علينا.

(الطّبريّ 10:171)

إنّ معناه الخبر عنهم بأنّهم كانوا يحذرون أن تنزّل فيهم آية يفتضحون بها،لأنّهم كانوا شاكّين.

نحوه الحسن و الجبّائيّ.(الطّوسيّ 5:291)

الحسن :إخبار من اللّه تعالى عن حذرهم.

(الماورديّ 2:378)

نحوه قتادة(الماورديّ 2:378)،و ابن القاسم(ابن الجوزيّ 3:463).

الطّبريّ: يخشى المنافقون أن تنزّل فيه سورة تنبّئهم بما في قلوبهم...إنّ اللّه مظهر عليكم أيّها المنافقون ما كنتم تحذرون أن تظهروه.(10:171)

نحوه الواحديّ(2:507)،و البغويّ(2:365)، و الخازن(3:95)،و الشّربينيّ(1:627).

الزّجّاج: لفظ(يحذر)لفظ الخبر،و معناه الأمر، لأنّه لا لبس في الكلام في أنّه أمر،فهو كقولك:ليحذر المنافقون،و على هذا يجوز في كلّ ما يؤمر به أن تقول:

يفعل ذلك،فينوب عن قولك:ليفعل ذلك.

و يجوز أن يكون خبرا عنهم،لأنّهم كانوا يكفرون عنادا و حسدا،و دليل هذا القول: قُلِ اسْتَهْزِؤُا...

ما تَحْذَرُونَ. (2:459)

نحوه النّسفيّ في الوجه الأوّل(2:133)،و شبّر(3:

91).

الماورديّ: [نقل قول الحسن و قتادة و الزّجّاج ثمّ قال:]

...ما تَحْذَرُونَ يحتمل وجهين:أحدهما:مظهر ما تسرّون،و الثّاني:ناصر من تخذلون.(2:378)

أبو مسلم الأصفهانيّ: إنّ ذلك الحذر إنّما أظهره على وجه الاستهزاء لا على سبيل التّصديق،لأنّهم حين رأوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله ينطق في كلّ شيء عن الوحي،قال بعضهم لبعض:احذروا ألاّ ينزل وحي فيكم يتناجون بذلك و يضحكون.(الطّبرسيّ 3:46)

الطّوسيّ: قيل في معنى يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ قولان:[ثمّ نقل قولي مجاهد و الحسن،و قال:]

الثّاني:قال الزّجّاج:إنّه تهديد،و معناه ليحذروا،

ص: 178

و حسن ذلك لأنّ موضوع الكلام على التّهديد،و الحذر:

إعداد ما يتّقي الضّرر،و مثله الخوف و الفزع.تقول:

حذرت حذرا،و تحذّر تحذّرا،و حاذره محاذرة و حذارا، و حذّره تحذيرا.[إلى أن قال:]

و قوله: إِنَّ اللّهَ.... إخبار من اللّه تعالى أنّ الّذى تخافون من ظهوره،فإنّ اللّه يظهره بأن يبيّن لنبيّه باطن حالهم و نفاقهم.(5:291)

نحوه الطّبرسيّ.(3:46)

الزّمخشريّ: و قيل:معنى(يحذر)الأمر بالحذر، أي ليحذر المنافقون.

فإن قلت:الحذر واقع على إنزال السّورة في قوله:

يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ، فما معنى قوله: مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ؟

قلت:معناه محصّل مبرز إنزال السّورة أو أنّ اللّه مظهر ما كنتم تحذرونه،أي تحذرون إظهاره من نفاقكم.

(2:200)

ابن عطيّة: يَحْذَرُ خبر عن حال قلوبهم، و حذرهم إنّما هو أن تتلى سورة و معتقدهم هل تنزّل أم لا؟ليس بنصّ في الآية لكنّه ظاهر.فإن حمل على مقتضى نفاقهم و اعتقادهم أنّ ذلك ليس من عند اللّه، فوجه بيّن.و إن قيل:إنّهم يعتقدون نزول ذلك من عند اللّه و هم ينافقون مع ذلك،فهذا كفر عناد.(3:54)

الفخر الرّازيّ: فإن قيل:المنافق كافر فكيف يحذر نزول الوحي على الرّسول؟

قلنا:فيه وجوه:الأوّل:[قول أبي مسلم]

الثّاني:أنّ القوم و إن كانوا كافرين بدين الرّسول إلاّ أنّهم شاهدوا أنّ الرّسول عليه الصّلاة و السّلام كان يخبرهم بما يضمرونه و يكتمونه،فلهذه التّجربة وقع الحذر و الخوف في قلوبهم.

الثّالث:قال الأصمّ:إنّهم كانوا يعرفون كونه رسولا صادقا من عند اللّه تعالى،إلاّ أنّهم كفروا به حسدا و عنادا.قال القاضي:«يبعد في العالم باللّه و برسوله و صحّة دينه أن يكون محادّا لهما».قال الدّاعي إلى اللّه:

هذا غير بعيد لأنّ الحسد إذا قوي في القلب صار بحيث ينازع في المحسوسات.

الرّابع:معنى الحذر الأمر بالحذر،أي ليحذر المنافقون ذلك.

الخامس:أنّهم كانوا شاكّين في صحّة نبوّته و ما كانوا قاطعين بفسادها.و الشّاكّ خائف،فلهذا السّبب خافوا أن ينزل عليه في أمرهم ما يفضحهم.[إلى أن قال:]

أي ذلك الّذي تحذرونه،فإنّ اللّه يخرجه إلى الوجود،فإنّ الشّيء إذا حصل بعد عدمه،فكأنّ فاعله أخرجه من العدم إلى الوجود.(16:121)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ(10:122)،و البروسويّ (3:458)،و القاسميّ(8:3192).

القرطبيّ: قوله تعالى: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ خبر و ليس بأمر،و يدلّ على أنّه خبر أنّ ما بعده: إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ لأنّهم كفروا عنادا.[إلى أن قال:]

يحذر،أي يتحرّز.(8:195)

البيضاويّ: ما تَحْذَرُونَ أي ما تحذرونه من إنزال السّورة فيكم،أو ما تحذرون إظهاره من مساويكم.

(1:421)

ص: 179

أبو حيّان:[ذكر قول مجاهد و السّدّيّ و بعضا من أسباب النّزول،ثمّ قال:]

و الظّاهر أنّ(يحذر)خبر،و يدلّ عليه إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ. فقيل هو واقع منهم حقيقة لمّا شاهدوا الرّسول يخبرهم بما يكتمونه،وقع الحذر و الخوف في قلوبهم.[إلى أن قال:]

و قال الزّجّاج و غيره ممّن ذهب إلى التّحرّز من أن يكون كفرهم عنادا:هو مضارع في معنى الأمر،أي ليحذر المنافقون،و يبعده(مخرج ما تحذرون)و(ان تنزّل) مفعول(يحذر)و هو متعدّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال تعالى: وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ لمّا كان قبل التّضعيف متعدّيا إلى واحد،عدّاه بالتّضعيف إلى اثنين.

و قال المبرّد:«حذر»إنّما هي من هيئات الأنفس الّتي لا تتعدّى،مثل فزع،و التّقدير:يحذر المنافقون من أن تنزّل و لا يلزم ذلك،أ لا ترى أنّ«خاف»من هيئات النّفس و تتعدّى.[إلى أن قال:]

و معنى مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ مبرز إلى حيّز الوجود ما تحذرونه من إنزال السّورة،أو مظهر ما كنتم تحذرونه من إظهار نفاقكم.(5:66)

أبو السّعود :أي يحذر المنافقون أن تنزّل على المؤمنين سورة تخبرهم بما في قلوب المنافقين،و تهتك عليهم أستارهم.[إلى أن قال:]

ما تَحْذَرُونَ أي ما تحذرونه من إنزال السّورة، و من مخازيكم و مثالبكم المستكنّة في قلوبكم،الفاضحة لكم على ملأ النّاس.و التّأكيد لردّ إنكارهم بذلك لا لدفع تردّدهم في وقوع المحذور؛إذ ليس حذرهم بطريق الحقيقة.(3:166)

الآلوسيّ: و يجوز أن يكون(يحذر)متعدّيا بنفسه، كما يدلّ عليه ما أنشد سيبويه من قوله:

حذر أمورا لا تضير و آمن

ما ليس ينجيه من الأقدار

و أنكر المبرّد كونه متعدّيا،لأنّ«الحذر»من هيئات النّفس كالفزع،و البيت قيل:إنّه مصنوع،و ردّ ما قاله المبرّد بأنّ من الهيئات ما يتعدّى ك«خاف و خشي»،فما ذكره غير لازم.[إلى أن قال:]

و في الإخبار عنهم بأنّهم(يحذرون)ذلك إشعار بأنّهم لم يكونوا على بتّ في أمر الرّسول عليه الصّلاة و السّلام.[ثمّ ذكر قول أبي مسلم إلى أن قال بعد قول الزّجّاج:]

و هو خلاف الظّاهر،و كان الظّاهر أن يقول:إنّ اللّه منزّل سورة كذلك أو منزّل ما تحذرون،لكن عدل عنه إلى ما في النّظم الكريم للمبالغة؛إذ معناه مبرز ما تحذرونه من إنزال السّورة،أو لأنّه أعمّ إذ المراد مظهر كلّ ما تحذرون ظهوره من القبائح.و إسناد الإخراج إلى اللّه تعالى للإشارة إلى أنّه سبحانه يخرجه إخراجا لا مزيد عليه،و التّأكيد لدفع التّردّد أو ردّ الإنكار.(10:130)

رشيد رضا :الجمهور على أنّ جملة(يحذر)خبر على ظاهرها،و عن الزّجّاج:أنّها إنشائيّة في المعنى، أي ليحذروا ذلك.و هو ضعيف،فالحذر كالتّعب:

الاحتراز و التّحفّظ ممّا يخشى و يخاف منه،كما يؤخذ من مفردات الرّاغب و أساس البلاغة،في مادّتي«ح ذ ر»،و ح ر ز»،و يستعمل في الخوف الّذي هو سببه.

ص: 180

و قد استشكل هذا الحذر منهم و هم غير مؤمنين بالوحي،و أجاب أبو مسلم عن هذا الإشكال بأنّهم أظهروا الحذر استهزاء.

و أجاب الجمهور بما حاصله أنّ أكثر المنافقين كانوا شاكّين مرتابين في الوحي و رسالة الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و لم يكونوا موقنين بشيء من الإيمان و لا من الكفر،فهم مذبذبون بين المؤمنين الموقنين و الكافرين الجازمين بالكفر،و منهم من كان شكّه قويّا،و من كان شكّه ضعيفا.و تقدّم شرح حالهم و بيان أصنافهم في أوّل سورة البقرة.فراجع تفسيره و ما فيه من بلاغة المثلين اللّذين ضربهما اللّه تعالى لهم.

و هذا الحذر و الإشفاق أثر طبيعيّ للشّكّ و الارتياب،فلو كانوا موقنين بتكذيب الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم لما خطر لهم هذا الخوف على بال،و لو كانوا موقنين بتصديقه لما كان هناك محلّ لهذا الخوف و الحذر،لأنّ قلوبهم مطمئنّة بالإيمان.[إلى أن قال:]

قوله تعالى: مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ معناه أنّه مخرجه الآن بتنزيل هذه السّورة الّتي لم تدع في قلوبهم شيئا من مخبآت نفاقهم إلاّ أخرجته و أظهرته لهم و للمؤمنين.

(10:526)

نحوه باختصار المراغيّ.(10:152)

سيّد قطب :إنّ النّصّ عامّ في حذر المنافقين أن ينزل اللّه قرآنا يكشف خبيئتهم،و يتحدّث عمّا في قلوبهم،فينكشف للنّاس ما يخبئونه.و قد وردت عدّة روايات عن حوادث معيّنة في سبب نزول هذه الآيات.

[ثمّ ذكر الرّوايات فراجع](3:1672)

عزّة دروزة:[نقل الرّوايات في سبب نزولها إلى أن قال:]

و الّذي يتبادر لنا أنّ الرّوايات الثّلاث لا تنطبق انطباقا تامّا على الآيات،و أنّ فحوى الآية و روحها تلهم أنّها في صدد مجلس من مجالس المنافقين استغابوا فيه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه،و قالوا:ما حكته الآية الأولى من حذرهم على سبيل الهزؤ و التّفكّه.و علم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بأمرهم فعاتبهم فاعتذروا،و منهم من تاب و حسن إيمانه،و منهم من ظلّ مرتكسا في الكفر و النّفاق.

و قد يكون هذا المجلس أثناء غزوة تبوك فجاءت الآيات منسجمة مع السّلسلة السّابقة و اللاّحقة،و إن كنّا نرجّح أنّها لم تنزل مستقلّة عن ما سبقها،و أنّها جزء من السّلسلة،و أنّ المجلس كان سابقا،فتضمّنت الآيات حكايته و التّذكير به في جملة ما حكى،و ذكر به من مواقفهم و أخلاقهم،في سياق التّنديد بهم على تثاقلهم عن الغزوة.و تكون الآيات و الحالة هذه قد نزلت أثناء الغزوة،و اللّه أعلم.(12:182)

مغنيّة:لم يحذر المنافقون حقيقة و واقعا من نزول الوحي في شأنهم،و إنّما أظهروا الحذر على وجه الاستهزاء و السّخريّة.كانوا يطعنون في النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فقال بعضهم لبعض ساخرا:احذروا أن تنزّل في شأنكم سورة.و الدّليل على أنّ هذا هو المراد قوله تعالى مهدّدا:

قُلِ اسْتَهْزِؤُا هذا من جهة،و من جهة أخرى أنّ المنافقين لا يؤمنون بالوحي،فكيف يحذرون منه على وجه الحقيقة؟

و ذهب أكثر المفسّرين إلى أنّ الضّمير في(عليهم)

ص: 181

و في(تنبّئهم)يعود إلى المؤمنين،و أنّ الضّمير في (قلوبهم)يعود إلى المنافقين.

و يلاحظ أوّلا:أنّ المؤمنين لم يرد لهم ذكر في الآية، و أنّ المذكورين فيها صراحة هم المنافقون،كما أنّ الآية الّتي قبلها تحدّثت عن المنافقين،دون غيرهم.

ثانيا:يلزم من هذا التّفسير التّفكيك بين الضّمائر، مع عدم الدّليل على ذلك.

و من أجل هذا نرجّح الرّأي القائل بأنّ الضّمائر كلّها تعود إلى المنافقين،و أنّ«على»في(عليهم)بمعنى«في» كما هي في قوله تعالى: وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ البقرة:102،أي في ملكه،و مثلها أيضا فيما يقال:كان هذا على عهد مضى؛و عليه يكون المعنى يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ -تهكّما-أن تنزل سورة تكشف عمّا يضمرون من العداء للإسلام و المسلمين.

فتوعّدهم اللّه سبحانه بأنّ السّورة الّتي سخروا من نزولها نازلة لا محالة،و أنّها تقابلهم وجها لوجه،فيعتذرون حيث لا تنفعهم المعاذير.(4:64)

الطّباطبائيّ: كان المنافقون يشاهدون أنّ جلّ ما يستسرّون به من شئون النّفاق،و يناجي به بعضهم بعضا من كلمة الكفر و وجوه الهمز و اللّمز و الاستهزاء، أو جميع ذلك لا يخفى على الرّسول،و يتلى على النّاس في آيات من القرآن يذكر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه من وحي اللّه، و لا محالة كانوا لا يؤمنون بأنّه وحي نزل به الرّوح الأمين على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و يقدّرون أنّ ذلك ممّا يتجسّسه المؤمنون فيخبرون به النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فيخرجه لهم في صورة كتاب سماويّ نازل عليهم،و هم مع ذلك كانوا يخافون ظهور نفاقهم و خروج ما خبوه في سرائرهم الخبيثة،لأنّ السّلطنة و الظّهور كانت للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عليهم يجري فيهم ما يأمر به و يحكم عليه.

فهم كانوا يحذرون نزول سورة يظهر بها ما أضمروه من الكفر،و همّوا به من تقليب الأمور على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و قصده بما يبطل به نجاح دعوته و تمام كلمته،فأمر اللّه نبيّه صلّى اللّه عليه و آله أن يبلّغهم أنّ اللّه عالم بما في صدورهم،مخرج ما يحذرون خروجه و ظهوره بنزول سورة من عنده،أي يخبرهم بأنّ اللّه منزل سورة هذا نعتها.

و بهذا يستنير معنى الآية،فقوله: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ الخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و وجه الكلام إليه،و هو يعلم بتعليم اللّه أنّ هذا الكلام الّذي يتلوه على النّاس كلام إلهيّ و قرآن منزل من عنده،فيصف سبحانه الكلام الّذي يخاف منه المنافقون بما له من الوصف عند النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و هو أنّه سورة منزلة من اللّه على النّاس و منهم المنافقون،لا على ما يراه المنافقون أنّه كلام بشريّ يدّعي كونه كلام اللّه.

فهم كانوا يحذرون أن يتلو النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عليهم و على النّاس كلاما هذا نعته الواقعيّ،و هو أنّه سورة منزّلة عليهم بما أنّها متوجّهة بمضمونها إليهم قاصدة نحوهم، ينبئهم هذه السّورة النّازلة بما في قلوبهم،فيظهر على النّاس و يفشو بينهم ما كانوا يسرّونه من كفرهم و سوء نيّاتهم،و هذا الظّهور في الحقيقة هو الّذي يحذرونه من نزول السّورة.[إلى أن قال:]

فصدر الآية و إن كان يذكر أنّهم يحذرون تنزيل سورة كذا و كذا،لكنّهم إنّما كانوا يحذرونها لما فيها من

ص: 182

الأنباء الّتي يحذرون أن يطّلع عليها النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و تنجلي للنّاس،و هذا هو الّذي يذكر ذيلها أنّهم يحذرونه، فالكلام بمنزلة أن يقال:يحذر المنافقون تنزيل سورة قل إنّ اللّه منزّلها،أو يقال:يحذر المنافقون انكشاف باطن أمرهم و ما في قلوبهم قل استهزءوا إنّ اللّه سيكشف ذلك و ينبئ عمّا في قلوبكم.

و بما تقدّم يظهر سقوط ما أشكل على الآية أوّلا:بأنّ المنافقين لكفرهم في الحقيقة لم يكونوا يرون أنّ القرآن كلام منزّل من عند اللّه،فكيف يصحّ القول:إنّهم يحذرون أن تنزّل عليهم سورة؟

و ثانيا:أنّهم لمّا لم يكونوا مؤمنين في الواقع،فكيف يصحّ أن يطلق أنّ سورة قرآنيّة نزّلت عليهم و لا تنزّل السّورة إلاّ على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أو على المؤمنين؟

و ثالثا:أنّ حذرهم نزول السّورة و هو حال داخليّ جدّيّ فيهم لا يجامع كونه استهزاء.

و رابعا:أنّ صدر الآية يذكر أنّهم يحذرون أن تنزّل سورة،و ذيلها يقول: إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ فهو في معنى أن يقال:إنّ اللّه مخرج سورة أو مخرج تنزيل سورة.

و قد يجاب عن الإشكال الأوّل بأنّ قوله: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ إلخ،إنشاء في صورة خبر،أي ليحذر المنافقون أن تنزّل عليهم سورة«إلخ».

و هو ضعيف؛إذ لا دليل عليه أصلا على أنّ ذيل الآية لا يلائم ذلك؛إذ لا معنى لقولنا:ليحذر المنافقون، كذا قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ أي ما يجب عليكم حذره،و هو ظاهر.

و قد يجاب عنه بأنّهم إنّما كانوا يظهرون الحذر استهزاء لا جدّا و حقيقة.و فيه أنّ لازمه أنّهم كانوا على ثقة بأنّ ما في قلوبهم من الأنباء و ما أبطنوه من الكفر و الفسوق لا سبيل للظّهور و الانجلاء إليه،و لا طريق لأحد إلى الاطّلاع عليه،و يكذّبه آيات كثيرة في القرآن الكريم تقصّ ما عقدوا عليه القلوب من الكفر و الفسوق، و همّوا به من الخدعة و المكيدة،كالآيات من سورة البقرة و سورة المنافقين و غيرهما؛و إذ كانوا شاهدوا ظهور أنبائهم و مطويّات قلوبهم عيانا مرّة بعد مرّة،فلا معنى لثقتهم بأنّها لا تنكشف أصلا،و إظهارهم الحذر استهزاء لا جدّا،و قد قال تعالى: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ المنافقون:4.

و قد يجاب عنه بأنّ أكثر المنافقين كانوا على شكّ من صدق الدّعوة النّبويّة،من غير أن يستيقنوا كذبه، و هؤلاء كانوا يجوّزون تنزيل سورة تنبّئهم بما في قلوبهم احتمالا عقليّا،و هذا الحذر و الإشفاق-كما ذكروه-أثر طبيعيّ للشّكّ و الارتياب،فلو كانوا موقنين بكذب الرّسول صلّى اللّه عليه و آله لما خطر لهم هذا الخوف على بال،و لو كانوا موقنين بصدقه لما كان هناك محلّ لهذا الخوف و الحذر، لأنّ قلوبهم مطمئنّة بالإيمان.

و هذا الجواب-و هو الّذي اعتمد عليه جمهور المفسّرين-و إن كان بظاهره لا يخلو عن وجه،غير أنّ فيه أنّه إنّما يحسم مادّة الإشكال لو كان الواقع من التّعبير في الآية نحوا من قولنا:يخاف المنافقون أن تنزّل عليهم سورة،و لذا قرّروا الجواب بأنّ الخوف يناسب الشّكّ دون اليقين.

ص: 183

لكن الآية تعبّر عن شأنهم بالحذر،و يخبر أنّهم يحذرون أن تنزّل عليهم سورة«إلخ».و الحذر فيه شيء من معنى الاحتراز و الاتّقاء،و لا يتمّ ذلك إلاّ بالتّوسّل إلى أسباب و وسائل تحفظ الحاذر ممّا يحذره و يحترز منه، و تصونه من شرّ مقبل إليه من ناحية ما يخافه.

و لو كان مجرّد شكّ من غير مشاهدة أثر من الآثار، و إصابة شيء ممّا يتّقونه إيّاهم،لما صحّ الاحتراز و الاتّقاء،فحذرهم يشهد أنّهم كانوا يخافون أن يقع بهم هذه المرّة نظير ما وقع بهم قبل ذلك،من جهة آيات البقرة و غيرها،فهذا هو الوجه لحذرهم دون الشّكّ و الارتياب،فالمعتمد في الجواب ما قدّمناه.

و قد يجاب عن الإشكال الثّاني بأنّ«على»في قوله:

«ان تنزّل عليهم»بمعنى«في»كما في قوله: وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ البقرة:102، و المعنى:يحذر المنافقون أن تنزّل فيهم،أي في شأنهم، و بيان حالهم سورة تكشف عمّا في ضمائرهم.

و فيه أنّه لا بأس به لو لا قوله بعده:(تنبّئهم بما في قلوبهم)على ما سنوضّحه.

و قد يجاب عنه بأنّ الضّمير في قوله:(عليهم)راجع إلى المؤمنين دون المنافقين،و المعنى:يحذر المنافقون أن تنزّل على المؤمنين سورة تنبّؤ المنافقين بما في قلوب المنافقين،أو تنبّؤ المؤمنين بما في قلوب المنافقين.

و ردّ عليه بأنّه يستلزم تفكيك الضّمائر،و دفع بأنّ تفكيك الضّمائر غير ممنوع و لا أنّه مناف للبلاغة،إلاّ إذا كان المعنى معه غير مفهوم.و ربّما أيّد بعضهم هذا الجواب بأنّه ليس هاهنا تفكيك للضّمائر،فإنّه قد سبق أنّ المنافقين يحلفون للمؤمنين ليرضوهم،ثمّ وبّخهم اللّه بأنّ اللّه و رسوله أحقّ أن يرضوه إن كانوا مؤمنين.فقد بيّن هاهنا بطريقة الاستئناف أنّهم يحذرون أن تنزّل على المؤمنين سورة تنبّئهم بما في قلوبهم فتبطل ثقتهم بهم، فأعيد الضّمير إلى المؤمنين،لأنّ سياق الكلام فيهم فلا أثر من التّفكيك.

و فيه أنّ من الواضح الّذي لا يرتاب فيه أنّ موضوع الكلام في هذه الآيات و آيات كثيرة ممّا يتّصل بها من قبل و من بعد:هم المنافقون،و السّياق سياق الخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا غيره،و إنّما كان خطاب المؤمنين في قوله:

يَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ لِيُرْضُوكُمْ خطابا التفاتيّا للتّنبيه على غرض خاصّ أومأنا إليه،ثمّ عاد الكلام إلى سياقها الأصليّ من خطاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بتبدّل خطابهم إلى خطابه، فلا معنى لقوله:إنّ سياق الكلام في المؤمنين.

و لو كان السّياق هو الّذي ذكره لكان من حقّ الكلام أن يقال:أن تنزّل عليكم سورة تنبّئكم بما في قلوبهم،فما معنى العدول إلى ضمير الغيبة،و لم يتقدّم في سابق الكلام ذكر لهم على هذا النّعت؟

على أنّ قوله:إنّ الآية يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ بيان من طريق الاستئناف لسبب حلفهم للمؤمنين ليرضوهم، إخراج لهذه الطّائفة من الآيات من استقلال غرضها الأصليّ الّذي بحثنا عنه في أوّل الكلام،و يختلّ بذلك ما يتراءى من فقرات الآيات من الاتّصال و الارتباط.

فالآية يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ إلخ،ليست بيانا لسبب حلفهم المذكور سابقا بل استئناف مسوق لغرض آخر، يهدي إليه مجموع الآيات الإحدى عشرة.

ص: 184

و بالجملة الآيات السّابقة على هذه الآية خالية عن ذكر المؤمنين ذكرا يوجب انعطاف الذّهن إليه حينما يلقي ضميرا يمكن عوده إليهم،و هذا هو التّفكيك المذكور، و هو مع ذلك تفكيك ممنوع لإيجابه إبهاما في البيان ينافي بلاغته.

و الحقّ أنّ الضّمير في قوله:(ان تنزّل عليهم) للمنافقين-كما تقدّمت الإشارة إليه-و لا بأس بأن يسمّى تنزيل سورة لبيان حالهم و ذكر مثالبهم و توبيخهم على نفاقهم،تنزيلا للسّورة عليهم و هم في جماعة المؤمنين غير متميّزين منهم،كما عبّر بنظير التّعبير في مورد المؤمنين؛حيث قال: وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَ ما أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنَ الْكِتابِ وَ الْحِكْمَةِ يَعِظُكُمْ بِهِ البقرة:231.

و قد أتى سبحانه بنظير هذا التّعبير في أهل الكتاب؛ حيث قال: يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ النّساء:153،و في المشركين حيث حكى عنهم قولهم: وَ لَنْ نُؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتّى تُنَزِّلَ عَلَيْنا كِتاباً نَقْرَؤُهُ الإسراء:93،و ليست نسبة المنافقين-و هم في المؤمنين-إلى نزول القرآن عليهم بأبعد من نسبة المشركين و أهل الكتاب إلى نزوله عليهم،و النّزول و الإنزال و التّنزيل يقبل التّعدّي ب«إلى»بعناية الانتهاء، و ب«على»بعناية الاستعلاء و الإتيان من العلوّ،و التّعدية بكلّ واحد منهما كثير في تعبيرات القرآن.و المراد بنزول الكتاب إلى قوم و على قوم تعرّضه لشئونهم و بيانه لما ينفعهم في دنياهم و أخراهم.

و قد يجاب عن الإشكال الثّالث:بأنّ قوله تعالى:

قُلِ اسْتَهْزِؤُا دليل على أنّهم كانوا يستهزءون بالحذر،و لم يكن من جدّ الحذر في شيء.

و فيه أنّ الآيات الكثيرة النّازلة في سورة البقرة و النّساء و غيرها-و كلّ ذلك قبل هذه الآيات نزولا- المخرجة لكثير من خبايا قلوبهم الكاشفة عن أسرارهم، تدلّ على أنّ هذا الحذر كان منهم على حقيقته،من غير استهزاء و سخريّة.

على أنّه تعالى وصفهم في سورة«المنافقون»بمثل قوله: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ المنافقون:4،و قال في مثل ضربه لهم و فيهم: يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ البقرة:19،و قد ذكر في الآية التّالية.

و الحقّ أنّ استهزاءهم إنّما هو نفاقهم و قولهم في الظّاهر خلاف ما في باطنهم،كما يؤيّده قوله تعالى: وَ إِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنّا وَ إِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ البقرة:14.

و الجواب عن الإشكال الرّابع:أنّ الشّيء الّذي كانوا يحذرونه في الحقيقة هو ظهور نفاقهم،و انكشاف ما في قلوبهم،و إنّما كانوا يحذرون نزول السّورة لأجل ذلك، فالمحذور الّذي ذكر في صدر الآية و الّذي في ذيل الآية أمر واحد،و معنى قوله: إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ أنّه مظهر لما أخفيتموه من النّفاق و منبئ لما في قلوبكم.

(9:326-331)

حسنين مخلوف: مظهر ما تخافونه من الفضيحة، مأخوذ من الحذر-بالكسر و يحرّك-بمعنى التّحرّز، و فعله كطرب.(325)

ص: 185

1Lعبد الكريم الخطيب: هو نذير للمنافقين يفضح نفاقهم على الملإ،و كشف ما بيّتوا من نفاق.[إلى أن قال:]

و في قوله سبحانه: قُلِ اسْتَهْزِؤُا... ما تَحْذَرُونَ تهديد و وعيد لمن أمسكوا قلوبهم على نفاق،و عقدوا نيّاتهم عليه،فاللّه سبحانه مخرج ما أمسكته قلوبهم، و ما انطوت عليه نيّاتهم.(5:828)

مكارم الشّيرازيّ: يستفاد أنّ اللّه سبحانه و تعالى يكشف السّتار عن أسرار المنافقين أحيانا؛و ذلك لدفع خطر المنافقين عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و يعرّيهم أمام النّاس ليعرفوا حقيقتهم،و بذلك سيحذرونهم،و بالتّالي لا يقعون في حبائل مكرهم،و ليعرف المنافقون أنفسهم و يحزموا متاعهم و يكفّوا عن هذه الأعمال.و نتيجة لهذا الكشف و التّعرية،فإنّ المنافقين يعيشون حالة من القلق و الرّعب،و إلى هذا الحال يشير القرآن و يبيّن خوفهم من نزول سورة تفضحهم و تكشف خبيئة أسرارهم، فقال: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ.

إلاّ أنّ العجيب في الأمر أنّ هؤلاء لم يكفّوا عن استهزائهم و سخريّتهم،لشدّة إصرارهم على هذا الطّريق و عدائهم و حقدهم،رغم حالة القلق الّتي يعيشونها،لذلك خاطبهم بأنّهم مهما يستهزءون و يسخرون من أعمال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فإنّه سوف يمضي في طريق تبليغ رسالته،و لا يكفّ عن هذا السّبيل،ثمّ حذّرهم من الفضيحة و إزاحة الحجاب عن خبيث أسرارهم و إظهار قلقهم أيضا،فقال: قُلِ...

ما تَحْذَرُونَ. (6:102)

فضل اللّه: الحذر:التّحرّز و مجانبة الشّيء خوفا منه.[إلى أن قال:]

و قد فسّر البعض من المفسّرين«الحذر»بأنّه وارد على سبيل السّخريّة،و لكنّه خلاف الظّاهر،و يحاولون أن يبرّروا ذلك كلّه،بأنّ الأمر لا يمثّل حالة جدّيّة في مواجهة المجتمع المسلم في دينه و عقيدته،بل كلّ ما هناك أنّهم يحاولون الخوض في الحديث في ما يخوض به الخائضون من أفانين الكلام،من دون أيّة عقدة داخليّة مضادّة،و أنّهم كانوا يلعبون كما يلعب النّاس،فلا ينبغي محاسبتهم على ذلك،كما لو كان الأمر يمثّل خطّة بعيدة المدى.(11:150)

يحذر

أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ... الزّمر:9

ابن عبّاس: يخاف عذاب الآخرة.(386)

يحذر عقاب الآخرة.(الطّبريّ 23:202)

و جاء نحوه في أكثر التّفاسير.

ابن عطيّة: يحذر حالها و هولها.و قرأ سعيد بن جبير:يحذر عذاب الآخرة.(4:523)

الفخر الرّازيّ: إشارة إلى أنّ الإنسان عند المواظبة ينكشف له في الأوّل مقام القهر،و هو قوله: يَحْذَرُ الْآخِرَةَ ثمّ بعده مقام الرّحمة،و هو قوله: وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ. (26:250)

البيضاويّ: في موقع الحال أو الاستئناف للتّعليل.

(2:318)

ص: 186

1Lالسّمين: يَحْذَرُ يجوز أن يكون حالا من الضّمير في قانِتٌ و أن يكون حالا من الضّمير في ساجِداً وَ قائِماً و أن يكون مستأنفا جوابا لسؤال مقدّر،كأنّه قيل:ما شأنه يقنت آناء اللّيل و يتعب نفسه و يكدّها؟فقيل:يحذر الآخرة و يرجو رحمة ربّه،أي عذاب الآخرة.(6:9)

نحوه الشّربينيّ(3:436)،و أبو السّعود(5:382)، و شبّر(5:304)،و الآلوسيّ(23:246)

البروسويّ: يَحْذَرُ الْآخِرَةَ و نعيمها كما يحذر الدّنيا و زينتها.(8:81)

فضل اللّه :فهو في قلق دائم من خطأ يقع فيه أو خطيئة يمارسها،أو انحراف يبتعد فيه عن الاستقامة، فيحتاط لذلك في النّظرة و المعرفة و الممارسة،حذرا من الوقوع في ما يجلب له الهلاك في الآخرة.(19:310)

احذرهم

...وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ...

المائدة:49

الطّبرسيّ: و في هذه الآية دلالة على وجوب مجانبة أهل البدع و الضّلال و ذوي الأهواء،و ترك مخالطتهم.

(2:204)

الفخر الرّازيّ: قال أهل العلم:هذه الآية تدلّ على أنّ الخطأ و النّسيان جائزان على الرّسول،لأنّ اللّه تعالى قال: وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ... و التّعمّد في مثل هذا غير جائز على الرّسول،فلم يبق إلاّ الخطأ و النّسيان.

(12:14)

مثله النّيسابوريّ(6:110)،و البروسويّ(2:401).

الطّباطبائيّ: أمر تعالى نبيّه بالحذر عن فتنتهم، مع كونه صلّى اللّه عليه و آله معصوما بعصمة اللّه،إنّما هو من جهة أنّ قوّة العصمة لا توجب بطلان الاختيار و سقوط التّكاليف المبنيّة عليه،فإنّها من سنخ الملكات العلميّة،و العلوم و الإدراكات لا تخرج القوى العاملة و المحرّكة في الأعضاء،و الأعضاء الحاملة لها عن استواء نسبة الفعل و التّرك إليها.

كما أنّ العلم الجازم بكون الغذاء مسموما يعصم الإنسان عن تناوله و أكله،لكن الأعضاء المستخدمة للتّغذّي كاليد و الفم و اللّسان و الأسنان من شأنها أن تعمل عملها في هذا الأكل و تتغذّى به،و من شأنها أن تسكن فلا تعمل شيئا مع إمكان العمل لها،فالفعل اختياريّ و إن كان كالمستحيل صدوره ما دام هذا العلم.

(5:354)

فيها مطالب أخرى راجع«ف ت ن(يفتنوك)».

فاحذروا

...إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا...

المائدة:41

ابن عبّاس: يعني إن لم يكن يوافقكم على ما تطلبون و يأمركم بغيره فاحذروا و لا تقبلوا منه.(94)

و قد جاء بهذا المعنى في أكثر التّفاسير.

أبو السّعود :أي فاحذروا قبوله،و إيّاكم و إيّاه، و في ترتيب الأمر بالحذر على مجرّد عدم إيتاء المحرّف من

ص: 187

المبالغة في التّحذير،ما لا يخفى.(2:272)

نحوه الآلوسيّ.(6:137)

فاحذروه

...وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ...

البقرة:235

ابن عبّاس: فاحذروا مخالفته.(33)

نحوه ابن الجوزيّ.(1:278).

الواحديّ: فخافوه.(1:346)

مثله البغويّ(1:318)،و الخازن(1:203)، و الشّربينيّ(1:155).

الزّمخشريّ: يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ من العزم على ما لا يجوز(فاحذروه)و لا تعزموا عليه.(1:374)

مثله البيضاويّ(1:125)،و النّسفيّ(1:120)، و الكاشانيّ(1:244)،و شبّر(1:241)،و نحوه رشيد رضا(2:427)،و المراغيّ(2:195).

الطّبرسيّ: فاتّقوا عقابه و لا تخالفوا أمره.

(1:339)

الفخر الرّازيّ: و هو تنبيه على أنّه تعالى لمّا كان عالما بالسّرّ و العلانية،وجب الحذر في كلّ ما يفعله الإنسان في السّرّ و العلانية.(6:144)

القرطبيّ: هذا نهاية التّحذير من الوقوع فيما نهى عنه.(3:196)

أبو حيّان: الهاء تعود على اللّه تعالى،أي فاحذروا عقابه.و قال الزّمخشريّ:يعلم ما في أنفسكم من العزم على ما لا يجوز فاحذروه و لا تعزموا عليه،انتهى.

فيحتمل أن تعود[الهاء]في كلام الزّمخشريّ على ما لا يجوز من العزم،أي فاحذروا ما لا يجوز و لا تعزموا عليه،فتكون«الهاء»في:فاحذروه و لا تعزموا عليه، عائدة على شيء واحد.و يحتمل في كلامه أن تعود على اللّه،و الهاء في«عليه»على«ما لا يجوز»فيختلف ما تعود عليه الهاءان.(2:230)

نحوه السّمين.(1:581)

أبو السّعود :بالاجتناب عن العزم ابتداء أو إقلاعا عنه بعد تحقّقه.(1:279)

مثله البروسويّ(1:369)،و الآلوسيّ(2:152).

حاذرون

وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ. الشّعراء:56

ابن مسعود: مؤدون في السّلاح.(القرطبيّ 13:102)

ابن عبّاس: شاكون ممدّون بالسّلاح.(309)

مؤدون مقوون.(الطّبريّ 19:78)

نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 19:77)

السّدّيّ: حذرنا و جمعنا أمرنا.(367)

ابن جريج: مؤدون معدّون في السّلاح و الكراع.

(الطّبريّ 19:77)

الكسائيّ: [حاذر و حذر]أصلهما واحد من الحذر، لأنّ المتسلّح إنّما يتسلّح مخافة القتل.و العرب تقول:هو حاذر و حذر،أي قد أخذ حذره.(أبو زرعة:517)

الكسائيّ: (حاذرون (1):مؤدون في السّلاح،

ص: 188


1- راجع إلى الآية إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ و يقرأ (حذرون) .

و(حذرون):فرقون،و حذرون:لغة إنّه لحذر و حذر.

(الحربيّ 3:1194)

الفرّاء: إنّ ابن مسعود قرأ وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ يقولون:مؤدون في السّلاح،يقول:ذوو أداة من السّلاح.(حذرون)و كأنّ الحاذر:الّذي يحذرك الآن، و كأنّ الحذر:المخلوق حذرا لا تلقاه إلاّ حذرا.(2:280)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء الكوفة وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ بمعنى:أنّهم معدّون مؤدون ذوو أداة و قوّة و سلاح و قرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة و البصرة (و انّا لجميع حذرون) بغير ألف.

[ثمّ نقل قول الفرّاء و أضاف:]

و الصّواب من القول في ذلك أنّهما قراءتان مستفيضتان في قرّاء الأمصار متقاربتا المعنى،فبأيّتهما قرأ القارئ،فمصيب الصّواب فيه.(19:77)

الزّجّاج: و يقرأ (حاذرون) ،و جاء في التّفسير أنّ معنى (حاذرون) مؤدون أي ذوو أداة،أي ذوو سلاح، و السّلاح:أداة الحرب،فالحاذر:المستعدّ،و الحذر:

المتيقّظ.(4:92)

نحوه أبو زرعة.(517)

الرّمّانيّ: الحذر:المطبوع على الحذر،و الحاذر:

الفاعل الحذر.(الماورديّ 4:172)

القمّيّ: يقول[أبو الجارود عن أبي جعفر عليه السّلام] مؤدون في الأداة و هو الشّاكي في السّلاح.(2:122)

الماورديّ: (و انّا لجميع حذرون) قراءة ابن كثير و نافع و أبي عمرو.و قرأ الباقون (حاذِرُونَ) .و فيه أربعة أوجه:

أحدها:أنّهما لغتان،و معناهما واحد،حكاه ابن شجرة و قاله أبو عبيدة.[ثمّ استشهد بشعر]

الثّاني:[قول الرّمّانيّ].

الثّالث:أنّ الحذر:الخائف و الحاذر:المستعدّ.

الرّابع:أنّ الحذر:المتيقّظ،و الحاذر:آخذ السّلاح، لأنّ السّلاح يسمّى حذرا،قال اللّه تعالى: خُذُوا حِذْرَكُمْ النّساء:102،أي سلاحكم.

و قرأ ابن عامر (حادرون) بدال غير معجمة،و في تأويله وجهان:

أحدهما:أقوياء،من قولهم:جمل حادر إذا كان غليظا.

الثّاني:مسرعون.(4:172)

الطّوسيّ: قرأ أهل الكوفة و ابن عامر إلاّ الحلوانيّ حاذِرُونَ بألف،الباقون بغير ألف.من قرأ بالألف قال:هو مثل شرب،فهو شارب،و حذر فهو حاذر.

و قيل:رجل حاذر فيما يستقبل،و ليس حاذرا في الوقت.فإذا كان الحذر له لازما قيل:رجل حذر،مثل سؤل و سائل،و طمع و طامع،و كان يجوز ضمّ الذّال لأنّهم يقولون:حذر و حذر-بكسر الذّالّ و ضمّها-مثل يقظ و يقظ و فطن و فطن.

و قرأ عبد اللّه بن السّائب (حادرون) بالدّال-المهملة -بمعنى نحن أقوياء غلاظ الأجسام،يقولون:رجل حادر،أي سمين،و عين حدرة بدرة إذا كانت واسعة عظيمة المقلة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:الفرق بين الحاذر و الحذر:أنّ الحاذر:الفاعل للحذر،أن يناله مكروه،و الحذر:المطبوع على الحذر.

ص: 189

و قيل:(حاذرون)مؤدون في السّلاح،أي ذووا أداة من السّلاح،المستعدّون للحروب من عدوّ،و الحذر:

اجتناب الشّيء خوفا منه،حذر حذرا،فهو حاذر و حذّره تحذيرا،و تحذّر تحذّرا،و حاذره محاذرة و حذارا.

(8:23)

الواحديّ: [نقل بعض الأقوال و قال:]

و معنى(حذرون):خائفون شرّهم.(3:354)

نحوه البغويّ(3:468)،و الطّبرسيّ(4:191)

الزّمخشريّ: و قرئ (حذرون) و (حاذرون) و (حادرون) بالدّال غير المعجمة؛فالحذر:اليقظ، و الحاذر:الّذي يجدّد حذره،و قيل:المؤدي في السّلاح، و إنّما يفعل ذلك حذرا و احتياطا لنفسه.و الحادر:السّمين القويّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:مدجّجون في السّلاح،قد كسبهم ذلك حدارة في أجسامهم.(3:114)

نحوه النّسفيّ.(3:185)

ابن عطيّة: و قرأ ابن كثير و أبو عمرو (حذرون) و هو جمع حذر،و هو المطبوع على الحذر،و هو هاهنا غير عامل.[ثمّ استشهد بشعر و أضاف:]

و اختلف في عمل«فعل»فقال سيبويه:إنّه عامل، و أنشد:

حذر أمورا لا تضير و آمن

ما ليس منجيه من الأقدار

و ادّعى اللاّحقي تدليس هذا البيت على سيبويه.

و قرأ عاصم و ابن عامر و حمزة و الكسائيّ (حاذرون) و هو الّذي أخذ يحذر.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ ابن عمارة و سميط بن عجلان (حادرون) بالدّال غير منقوطة،من قولهم:عين حدرة،أي معينة، فالمعنى ممتلئون غضبا و أنفة.(4:232)

ابن الجوزيّ: [نحو الزّجّاج إلاّ أنّه قال:]

و الثّاني:إنّهما لغتان،معناهما واحد.(6:125)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ الصّفة إذا كانت جارية على الفعل و هي اسم الفاعل و اسم المفعول،كالضّارب و المضروب أفادت الحدوث،و إذا لم تكن كذلك و هي المشبّهة أفادت الثّبوت.فمن قرأ (حذرون) ذهب إلى أنّا قوم من عادتنا الحذر و استعمال الحزم،و من قرأ (حاذرون) فكأنّه ذهب إلى معنى إنّا قوم ما عهدنا أن نحذر إلاّ عصرنا هذا.

و أمّا من قرأ (حادرون) بالدّال غير المعجمة،فكأنّه ذهب إلى نفي الحذر أصلا لأنّ الحادر هو المشمّر،فأراد إنّا قوم أقوياء أشدّاء.أو أراد إنّا مدجّجون في السّلاح.

و الغرض من هذه المعاذير أن لا يتوهّم أهل المدائن أنّه منكسر من قوم موسى أو خائف منهم.(24:137)

نحوه النّيسابوريّ.(19:51)

القرطبيّ: (و انّا لجميع حذرون)أي مجتمع مستعدّ أخذنا حذرنا و أسلحتنا.

و قرئ (حاذرون) و معناه معنى (حذرون) أي فرقون خائفون.[ثمّ بعد نقله لأقوال الجوهريّ و الأخفش و النّحّاس قال:]

و زعم أبو عمر الجرميّ: أنّه يجوز هو حذر زيدا، على حذف«من».فأمّا أكثر النّحويّين فيفرقون بين:

حذر و حاذر،منهم الكسائيّ و الفرّاء و محمّد بن يزيد،

ص: 190

فيذهبون إلى أنّ معنى حذر:في خلقته الحذر،أي متيقّظ متنبّه،فإذا كان هكذا لم يتعدّ.و معنى حاذر:مستعدّ، و بهذا جاء التّفسير عن المتقدّمين.

قال عبد اللّه بن مسعود في قول اللّه عزّ و جلّ: وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ قال:مؤدون في السّلاح،و الكراع:

مقوون،فهذا ذاك بعينه.و قوله:مؤدون معهم أداة.و قد قيل:إنّ المعنى:معنا سلاح و ليس معهم سلاح يحرّضهم على القتال.فأمّا(حادرون)...[فذكر نحو ابن عطيّة]

(13:101)

البيضاويّ: و إنّا لجميع من عادتنا الحذر و استعمال الحزم في الأمور،أشار أوّلا إلى عدم ما يمنع اتّباعهم من شوكتهم،ثمّ إلى تحقّق ما يدعو إليه من فرط عداوتهم و وجوب التّيقّظ في شأنهم حثّا عليه،أو اعتذر بذلك إلى أهل المدائن كي لا يظنّ به ما يكسر سلطانه.[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ](2:158)

مثله الآلوسيّ(19:82)،و نحوه الشّربينيّ(3:

13)،و أبو السّعود(5:42).

الخازن :أي خائفون من شرّهم،و قرئ (حذرون) أي ذو قوّة و أداة شاكون السّلاح.و قيل:

الحاذر:الّذي يحذرك الآن بالتّحقيق من المتلبّس بحمل السّلاح،و الحذر:الّذي لا تلقاه إلاّ خائفا.(5:97)

أبو حيّان :[ذكر القراءات و الأقوال كما سبق إلاّ أنّه قال:]

(حاذرون)بالألف و هو الّذي قد أخذ يحذر و يجدّد حذره،و«حذر»متعدّ،قال تعالى: يَحْذَرُ الْآخِرَةَ الزّمر:9.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

و ذهب سيبويه إلى أنّ«حذرا»يكون للمبالغة و أنّه يعمل كما يعمل«حاذر»فينصب المفعول به.[ثمّ استشهد بشعر](7:18)

السّمين:[ذكر الأقوال في الفرق بين الحاذر و الحذر ثمّ قال:]

و أنشد سيبويه في إعمال«حذر»على أنّه مثال مبالغة محوّل من«حاذر»قوله:

حذر أمورا لا تضير و آمن

ما ليس منجيه من الأقدار

و قد زعم بعضهم أنّ سيبويه لمّا سأله هل يحفظ شيئا في إعمال فعل صنع له هذا البيت،فعيّب على سيبويه كيف يأخذ الشّواهد الموضوعة.و هذا غلط،فإنّ هذا الشّخص قد أقرّ على نفسه بالكذب،فلا يقدح قوله في سيبويه و الّذي ادّعي أنّه صنع البيت هو الأخفش[ثمّ ذكر نحو أبي حيّان](5:273)

ابن كثير :أي نحن كلّ وقت نحذر من غائلتهم.

و قرأ طائفة من السّلف (و انّا لجميع حذرون) أي مستعدّون بالسّلاح.(5:184)

البروسويّ: و الحذر:احتراز عن مخيف،يريد أنّ بني إسرائيل لقلّتهم و حقارتهم لا يبالى بهم و لا يتوقّع علوّهم و غلبتهم،و لكنّهم يفعلون أفعالا تغيظنا و تضيق صدورنا.و نحن جمع و قوم من عادتنا التّيقّظ و الحذر و استعمال الحزم،فإذا خرج علينا خارج سارعنا إلى إطفاء نائرة فساده،قاله فرعون لأهل المدائن لئلاّ يظنّ به أنّه خاف من بني إسرائيل.

و قال بعضهم:(حاذرون)يعني المؤدون في السّلاح

ص: 191

عالمون بالحرب مع أنّهم لم يكونوا كذلك،فإنّ«الحاذر» يجيء بمعنى المتهيّئ و المستعدّ،كما في«الصّحاح».

(6:277)

شبّر: (...حذرون) :من عادتنا الحذار و التّيقّظ.

و قرأ الكوفيّون و ابن ذكوان (حاذرون) أي آخذون حذرنا.و هذه معاذير لئلاّ يظنّوا به عجزا.(4:385)

المراغيّ: [ذكر نحو البيضاويّ و أضاف:]

و خلاصة مقاله:أنّ هؤلاء عدد لا يعبأ به،و أنّ في مقدورنا أن نبيدهم بأهون الوسائل،و لا خوف منهم إذا نحن اتّبعنا آثارهم و رددناهم على أعقابهم خاسئين، حتّى لا يعودوا كرّة أخرى إلى الإخلال بالأمن و الهرج و المرج و الاضطراب في البلاد،و هذا ما يقتضيه الحزم و اليقظة في الأمور.

و الّذي نجزم به أنّ بني إسرائيل كانوا أقلّ من جند فرعون،لكنّا لا نجزم بعدد معيّن.و ما في كتب التّأريخ و التّوراة مبالغات يصعب تصديقها،و لا ينبغي التّعويل عليها،فخير لنا ألاّ نشغل أنفسنا باستقصاء تفاصيلها، و قد فنّد ابن خلدون في مقدّمة تأريخه هذه الرّوايات، و أبان ما فيها من مغالاة لا يقبلها العقل،و لا تثبت أمام البحث العلميّ الصّحيح.(19:67)

سيّد قطب : ...حاذِرُونَ مستيقظون لمكائدهم،محتاطون لأمرهم،ممسكون بزمام الأمور.

إنّها حيرة الباطل المتجبّر دائما في مواجهة أصحاب العقيدة المؤمنين.(5:2598)

الطّباطبائيّ: نحذر العدوّ أن يغتالنا أو يمكر بنا و إن كان ضعيفا قليلا،و المطلوب بقولهم هذا-و هو لا محالة بلاغ من فرعون-يحثّ النّاس عليهم.(15:277)

مكارم الشّيرازيّ: و قد فسّر بعضهم(حاذرون) على أنّها من الحذر بمعنى الخوف و الخشية من التّآمر، و بعضهم على أنّها من«الحذر»بمعنى الفطنة و التّهيّؤ من حيث السّلاح و القوّة.إلاّ أنّ هذين التّفسيرين لا منافاة بينهما،فربّما كان فرعون و قومه قلقين من موسى و مستعدّين لمواجهته أيضا.(11:338)

فضل اللّه :(حاذرون)جمع حاذر،و هو المحترز المتيقّظ.[إلى أن قال:]

نؤكّد الحذر الّذي يفرض علينا متابعة التّحدّيات في مواقعها الكبيرة و الصّغيرة،لنهزمها و ندمّر كلّ مواقع قوّتها قبل أن تطبق علينا بالخطّة الموضوعة المرسومة الّتي يعمل أصحابها على اغتيالنا و تدمير مصالحنا،بطريقة و بأخرى.(17:117)

محذورا

...إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً. الإسراء:57

ابن عبّاس: لم يأتهم الأمان.(238)

الطّوسيّ: أي متّقى.(6:491)

الواحديّ: يحذره المؤمنون المتّقون فيطيعون اللّه خوفا منه.(3:113)

البغويّ: أي يطلب منه الحذر.(3:139)

الزّمخشريّ: حقيقا بأن يحذره كلّ أحد من ملك مقرّب و نبيّ مرسل،فضلا عن غيرهم.(2:454)

نحوه البيضاويّ(1:589)،و النّسفيّ(2:318)، و الخازن(4:134)،و أبو حيّان(6:52)،و الكاشانيّ

ص: 192

(3:198)،و شبّر(4:31)،و المراغيّ(15:64).

الطّبرسيّ: أي متّقى يجب أن يحذر منه لصعوبته.

(3:422)

الفخر الرّازيّ: فالمراد أنّ من حقّه أن يحذر،فإن لم يحذره بعض النّاس لجهله،فهو لا يخرج من كونه بحيث يجب الحذر عنه.(20:233)

نحوه النّيسابوريّ.(15:49)

القرطبيّ: أي مخوفا لا أمان لأحد منه،فينبغي أن يحذر منه و يخاف.(10:280)

نحوه ابن كثير(3:321)،و القاسميّ(10:3942).

الشّربينيّ: [مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

لما شوهد من إهلاكه للقرون الماضية.(2:315)

أبو السّعود :[مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

و هو تعليل لقوله تعالى: وَ يَخافُونَ عَذابَهُ و تخصيصه بالتّعليل لما أنّ المقام مقام التّحذير من العذاب،و أنّ بينهم و بين العذاب بونا بعيدا.(4:138)

نحوه البروسويّ(5:175)،و الآلوسيّ(15:

100).

عزّة دروزة :واجب الاتّقاء و الحذر.(3:244)

مغنيّة: [مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

و كلّ عاقل يحذر و يخاف من العواقب،و يعدّ لها العدّة مهما كانت منزلته و مقدرته،و بخاصّة إذا كان الطّالب و المحاسب يعلم السّرّ و أخفى.(5:56)

الطّباطبائيّ: يجب التّحرّز منه.(13:130)

يحذّركم

1- ...وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ.

آل عمران:28

2- ...وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَ اللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ.

آل عمران:30

الواحديّ: يخوّفكم اللّه على موالاة الكفّار عذاب نفسه.(1:428)

البغويّ: يخوّفكم اللّه عقوبته على موالاة الكفّار و ارتكاب المنهيّ،و مخالفة الأمور.(1:421)

القشيريّ: وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ هذا خطاب للخواصّ من أهل المعرفة،فأمّا الّذين نزلت رتبتهم عن هذا،فقال لهم: فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِي... البقرة:24، و قال: وَ اتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ... البقرة:281،إلى غير ذلك من الآيات.

و يقال: يُحَذِّرُكُمُ... أن يكون عندكم أنّكم وصلتم،فإنّ خفايا المكر تعتري الأكابر.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال: يُحَذِّرُكُمُ... لأن يجري في وهم أحد أنّه يصل إليه مخلوق،أو يطأ بساط العزّ قدم همّة بشر، جلّت الأحديّة و عزّت!

و إنّ من ظنّ أنّه أقربهم إليه ففي الحقيقة أنّه أبعده عنه.[إلى أن قال:]

الإشارة من قوله: وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ للعارفين، و من قوله وَ اللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ للمستأنفين،فهؤلاء

ص: 193

أصحاب العنف و العنوة،و هؤلاء أصحاب التّخفيف و السّهولة.

و يقال لمّا قال: وَ يُحَذِّرُكُمُ... اقتضى إسماع هذا الخطاب تحويلهم،فقال مقرونا به: وَ اللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ لتحقيق تأميلهم،و كذلك سنّته يطعمهم في عين ما يروعهم.و يقال:أفناهم بقوله: وَ يُحَذِّرُكُمُ...

ثمّ أحياهم و أبقاهم بقوله: وَ اللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ.

(1:245)

الزّمخشريّ: فلا تتعرّضوا لسخطه بموالاة أعدائه، و هذا وعيد شديد.[إلى أن قال:]

وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ... ليكون على بال منهم لا يغفلون عنه.(1:422)

مثله النّسفيّ(1:153)،و النيسابوريّ(3:167)، و الخازن(1:283)،و نحوه البيضاويّ(1:156)، و أبو حيّان(2:425)،و ابن كثير(2:27)،و البروسويّ (2:20)،و القاسميّ(4:827).

ابن عطيّة: وعيد و تنبيه و وعظ و تذكير بالآخرة.

و قوله: نَفْسَهُ نائبة عن إيّاه،و هذه مخاطبة على معهود ما يفهمه البشر،و النّفس في مثل هذا راجع إلى الذّات،و في الكلام حذف مضاف،لأنّ التّحذير إنّما هو من عقاب و تنكيل و نحوه.(1:420)

أبو السّعود :و فيه من التّهديد ما لا يخفى عظمه، و ذكر النّفس للإيذان بأنّ له عقابا هائلا لا يؤبه دونه،بما يحذر من الكفرة.[إلى أن قال:]

وَ يُحَذِّرُكُمُ تكرير لما سبق و إعادة له.لكن لا للتّأكيد فقط بل لإفادة ما يفيده قوله عزّ و جلّ: وَ اللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ. (1:354)

شبّر:(و يحذّركم)في موالاة الكفّار بلا ضرورة، و ترك التّقيّة في الضّرورة.[إلى أن قال:]

كرّر للتّأكيد و التّذكير،و الحثّ على عمل الخير و ترك السّوء،أو الأوّل للمنع من موالاة الكفرة.

(1:311)

الآلوسيّ: و فيه تهديد عظيم مشعر بتناهي المنهيّ عنه في القبح؛حيث علّق التّحذير بنفسه.[إلى أن قال:]

قيل:ذكره أوّلا للمنع عن موالاة الكفّار،و هنا حثّا على عمل الخير و المنع من عمل السّوء مطلقا.

و جوّز أن يكون معطوفا على تَوَدُّ أي تهاب من ذلك اليوم و من العمل السّيّئ، وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ بإظهار قهّاريّته،و هو ممّا لا يكاد ينبغي أن يخرج الكتاب العزيز عليه.و أهون منه عطفه على تَجِدُ، و الظّرف معمول«لا ذكروا»أي اذكروا ذلك اليوم و اذكروا يوم يحذّركم اللّه نفسه بإظهار كبريائه و قهّاريّته.(3:126)

الطّباطبائيّ: التّحذير«تفعيل»من الحذر،و هو الاحتراز من أمر مخيف،و قد حذّر اللّه عباده من عذابه، كما قال تعالى: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً الإسراء:57،و حذّر من المنافقين و فتنة الكفّار،فقال:

هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ المنافقين:4،و قال: وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ المائدة:49،و حذّرهم من نفسه كما في هذه الآية و ما يأتي بعد آيتين.

و ليس ذلك إلاّ للدّلالة على أنّ اللّه سبحانه نفسه هو المخوّف الواجب الاحتراز في هذه المعصية،أي ليس بين

ص: 194

هذا المجرم و بينه تعالى شيء مخوّف آخر حتّى يتّقى عنه بشيء أو يتحصّن منه بحصن،و إنّما هو اللّه الّذي لا عاصم منه،و لا أنّ بينه و بين اللّه سبحانه أمر مرجوّ في دفع الشّرّ عنه من وليّ و لا شفيع.ففي الكلام أشدّ التّهديد،و يزيد في اشتداده تكراره مرّتين في مقام واحد،و يؤكّده تذييله أوّلا بقوله: وَ إِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ، و ثانيا بقوله: وَ اللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ على ما سيجيء من بيانه.

و من جهة أخرى:يظهر من مطاوي هذه الآية و سائر الآيات النّاهية عن اتّخاذ غير المؤمنين أولياء،أنّه خروج عن زيّ العبوديّة،و رفض لولاية اللّه سبحانه، و دخول في حزب أعدائه لإفساد أمر الدّين.

و بالجملة هو طغيان و إفساد لنظام الدّين الّذي هو أشدّ و أضرّ بحال الدّين،من كفر الكافرين و شرك المشركين،فإنّ العدوّ الظّاهر عداوته المبائن طريقته، مدفوع عن الحومة سهل الاتّقاء و الحذر،و أمّا الصّديق و الحميم إذا استأنس مع الأعداء و دبّ فيه أخلاقهم و سننهم،فلا يلبث فعاله إلاّ أن يذهب بالحومة و أهلها من حيث لا يشعرون،و هو الهلاك الّذي لا رجاء للحياة و البقاء معه.و بالجملة هو طغيان،و أمر الطّاغي في طغيانه إلى اللّه سبحانه نفسه،قال تعالى: أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ... إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصادِ الفجر:6-14، فالطّغيان يسلك بالطّاغي مسلكا يورده المرصاد الّذي ليس به إلاّ اللّه جلّت عظمته،فيصبّ عليه سوط عذاب و لا مانع.

و من هنا يظهر:أنّ التّهديد بالتّحذير من اللّه نفسه في قوله: وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ لكون المورد من مصاديق الطّغيان على اللّه بإبطال دينه و إفساده.

و يدلّ على ما ذكرناه قوله تعالى: فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ... ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ هود:112،113،و هذه آية ذكر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:أنّها شيّبته-على ما في الرّواية-فإنّ الآيتين-كما هو ظاهر للمتدبّر-ظاهرتان في أنّ الرّكون إلى الظّالمين من الكافرين طغيان يستتبع مسّ النّار استتباعا لا ناصر معه،و هو الانتقام الإلهيّ لا عاصم منه و لا دافع له،كما تقدّم بيانه.

و من هنا يظهر أيضا:أنّ في قوله: وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ ؛،دلالة على أنّ التّهديد إنّما هو بعذاب مقض قضاء حتما،من حيث تعليق التّحذير باللّه نفسه الدّالّ على عدم حائل يحول في البين،و لا عاصم من اللّه سبحانه و قد أوعد بالعذاب،فينتج قطعيّة الوقوع،كما يدلّ على مثله قوله في آيتي سورة هود: فَتَمَسَّكُمُ النّارُ...وَ ما لَكُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ مِنْ أَوْلِياءَ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ. [إلى أن قال:]

ذكر التّحذير ثانيا يعطي من أهمّيّة المطلب و البلوغ في التّهديد ما لا يخفى،و يمكن أن يكون هذا التّحذير الثّاني ناظرا إلى عواقب المعصية في الآخرة،كما هو مورد نظر هذه الآية،و التّحذير الأوّل ناظرا إلى و بالها في الدّنيا أو في الأعمّ من الدّنيا و الآخرة.(3:153،157)

مكارم الشّيرازيّ: فاللّه ينذر النّاس بغضب منه و بعقاب شديد.[إلى أن قال:]

وَ يُحَذِّرُكُمُ في الجزء الأوّل من هذه العبارة يحذّر اللّه النّاس من عصيان أوامره،و في الجزء الثّاني يذكّرهم برأفته.و يبدو أنّ هذين الجزءين هما-على عادة القرآن

ص: 195

-مزيج من الوعد و الوعيد.و من المحتمل أن يكون الجزء الثّاني وَ اللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ توكيدا للجزء الأوّل.

(5:334،338)

فضل اللّه : وَ يُحَذِّرُكُمُ من الانحراف عن صراطه المستقيم في رفض ولاية الكافرين و الالتزام بولاية المؤمنين،فلا تستهينوا بعقابه،و لا تستسلموا لإمهاله لكم و عدم الأخذ بالعقاب الفعليّ،لأنّه قد يمهل و لكنّه لا يهمل،فإذا كان هو الرّحمن الرّحيم،فإنّه القويّ العزيز الجبّار.[إلى أن قال:]

إنّ الآية هنا،كالآية الأولى،تدعو الإنسان إلى الحذر من عذاب اللّه،بأسلوب ينطلق فيه التّحذير من اللّه وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ لأنّ اللّه يرحم حيث تكون الرّحمة حكمة و مصلحة في موضع العفو و الرّحمة، و يعاقب بالاستحقاق حيث يكون العقاب حكمة و مصلحة،في موضع النّكال و النّقمة.فما الّذي يؤمن الإنسان من عذاب اللّه عند المعصية،إذا كانت القضيّة خاضعة لإرادة اللّه و حكمته لا يعلمها إلاّ هو.

(5:321،326)

و في هاتين الآيتين مطالب أخرى فراجع«ن ف س» (نفسه).

حذرهم-حذركم

1- ...فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ... وَ خُذُوا حِذْرَكُمْ... النّساء:102

راجع:«س ل ح»(اسلحتهم).

2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ... النّساء:71

ابن عبّاس: (حذركم)من عدوّكم و لا تخرجوا متفرّقين.(74)

مقاتل:عدّتكم من السّلاح.(الآلوسيّ 5:749)

الطّبريّ: خذوا جنّتكم و أسلحتكم،الّتي تتّقون بها من عدوّكم،لغزوهم و حربهم.(5:164)

الزّجّاج: أمر اللّه أن لا يلقي المؤمنون بأيديهم إلى التّهلكة و أن يحذروا عدوّهم،و أن يجاهدوا في اللّه حقّ الجهاد،ليبلو اللّه الأخيار،و ضمن لهم مع ذلك النّصر، لأنّه لو تولّى اللّه تعالى قتل أعدائه بغير سبب للآدميّين لم يكونوا مثابين،و لكنّه أمر أن يؤخذ الحذر.(2:74)

الماورديّ: فيه قولان:

أحدهما:يعني احذروا عدوّكم،و الثّاني:معناه خذوا سلاحكم،فسمّاه حذرا لأنّه به يتّقى الحذر.

(1:505)

نحوه البغويّ(1:661)،و ابن الجوزيّ(2:129).

الطّوسيّ: و قيل في معناه:قولان:

أحدهما:قال أبو جعفر و غيره:خذوا سلاحكم، فسمّى السّلاح حذرا لأنّه به يقي الحذر.

الثّاني:احذروا عدوّكم بأخذ السّلاح،كما يقال للإنسان:خذ حذرك،بمعنى احذر.و الحذر و الحذر لغتان.مثل الإذن و الأذن،و المثل و المثل.(3:253)

الواحديّ: هذه الآية حثّ من اللّه على الجهاد، و الحذر بمعنى الحذر،كالمثل.و تقول العرب:خذ حذرك،أي احذر.و المعنى:احذروا عدوّكم بأخذ العدّة و السّلاح.(2:79)

ص: 196

نحوه عزّة دروزة(9:110)،و مغنيّة(2:374).

الرّاغب: أي ما فيه الحذر من السّلاح و غيره.

(111)

الزّمخشريّ: الحذر و الحذر بمعنى كالأثر و الإثر، يقال:أخذ حذره،إذا تيقّظ و احترز من المخوف،كأنّه جعل الحذر آلته الّتي يقي بها نفسه و يعصم بها روحه، و المعنى:احذروا و احترزوا من العدوّ،و لا تمكّنوه من أنفسكم.(1:541)

نحوه النّسفيّ(1:235)،و ملخّصا الشّربينيّ(1:

315)،و الكاشانيّ(1:434)،و البروسويّ(2:235).

ابن عطيّة: احزموا و استعدّوا بأنواع الاستعداد، فهنا يدخل أخذ السّلاح و غيره.(2:77)

الطّبرسيّ: [ذكر نحو الطّوسيّ و قال:]

و أقول:إنّ هذا القول[الأوّل]أصحّ،لأنّه أوفق بمقايس كلام العرب،و يكون من باب حذف المضاف.

و تقديره:خذوا آلات حذركم و أهب حذركم،فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه،فصار خذوا حذركم.

(2:73)

الفخر الرّازيّ: المسألة الأولى:[ذكر قول الزّمخشريّ ثمّ أضاف:]

و قال الواحديّ رحمه اللّه:فيه قولان:

أحدهما:المراد بالحذر هاهنا:السّلاح،و المعنى خذوا سلاحكم،و السّلاح يسمّى حذرا،أي خذوا سلاحكم و تحذّروا.

و الثّاني:أن يكون خُذُوا حِذْرَكُمْ بمعنى احذروا عدوّكم،لأنّ هذا الأمر بالحذر يتضمّن الأمر بأخذ السّلاح،لأنّ أخذ السّلاح هو الحذر من العدوّ، فالتّأويل أيضا يعود إلى الأوّل.فعلى القول الأوّل:الأمر مصرّح بأخذ السّلاح،و على القول الثّاني:أخذ السّلاح مدلول عليه بفحوى الكلام.

المسألة الثّانية:لقائل أن يقول:ذلك الّذي أمر اللّه تعالى بالحذر عنه إن كان مقتضى الوجود لم ينفع الحذر، و إن كان مقتضى العدم لا حاجة إلى الحذر،فعلى التّقديرين الأمر بالحذر عبث،و عنه عليه الصّلاة و السّلام قال:«المقدور كائن و الهمّ فضل»و قيل أيضا:

«الحذر لا يغني من القدر».

فنقول:إن صحّ هذا الكلام بطل القول بالشّرائع، فإنّه يقال:إن كان الإنسان من أهل السّعادة في قضاء اللّه و قدره فلا حاجة إلى الإيمان،و إن كان من أهل الشّقاوة لم ينفعه الإيمان و الطّاعة،فهذا يفضي إلى سقوط التّكليف بالكلّيّة.و التّحقيق في الجواب أنّه لمّا كان الكلّ بقدر كان الأمر بالحذر أيضا داخلا في القدر،فكان قول القائل:أيّ فائدة في الحذر كلاما متناقضا،لأنّه لمّا كان هذا الحذر مقدّرا فأيّ فائدة في هذا السّؤال الطّاعن في الحذر!(10:176)

نحوه النّيسابوريّ(5:82)،و الخازن(1:465)

القرطبيّ: فعلّمهم مباشرة الحروب،و لا ينافي هذا التّوكّل بل هو مقام عين التّوكّل،كما تقدّم في آل عمران (1)،و يأتي.

و الحذر و الحذر لغتان كالمثل و المثل.قال الفرّاء:

أكثر الكلام الحذر،و الحذر مسموع أيضا.يقال:خذ).

ص: 197


1- راجع القرطبيّ(4:189).

حذرك أي احذر.و قيل:خذوا السّلاح حذرا،لأنّ به الحذر،و الحذر لا يدفع القدر.

و هي:خلافا للقدريّة في قولهم:إنّ الحذر يدفع و يمنع من مكائد الأعداء،و لو لم يكن كذلك ما كان لأمرهم بالحذر معنى.

فيقال لهم:ليس في الآية دليل على أنّ الحذر ينفع من القدر شيئا،و لكنّا تعبّدنا بألاّ نلقي بأيدينا إلى التّهلكة،و منه الحديث«اعقلها و توكّل».و إن كان القدر جاريا على ما قضى،و يفعل اللّه ما يشاء؛فالمراد منه طمأنينة النّفس،لا أنّ ذلك ينفع من القدر و كذلك أخذ الحذر.و الدّليل على ذلك أنّ اللّه تعالى أثنى على أصحاب نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم بقوله: قُلْ لَنْ يُصِيبَنا إِلاّ ما كَتَبَ اللّهُ لَنا التّوبة:51،فلو كان يصيبهم غير ما قضي عليهم لم يكن لهذا الكلام معنى.(5:273)

البيضاويّ: [نحو الزّمخشريّ ملخّصا و أضاف:]

و قيل:ما يحذر به كالحزم و السّلاح.(1:229)

أبو حيّان :و الحذر و الحذر بمعنى واحد.قالوا:و لم يسمع في هذا التّركيب إلاّ خذ حذرك،لا خذ حذرك.

و معنى خذ حذرك،أي استعدّ بأنواع ما يستعدّ به للقاء من تلقاه،فيدخل فيه أخذ السّلاح و غيره.و يقال:أخذ حذره إذا احترز من المخوف،كأنّه جعل الحذر آلته الّتي يتّقي بها و يعتصم،و المعنى احترزوا من العدوّ.(3:290)

نحوه أبو السّعود.(2:162)

ابن كثير :يأمر اللّه تعالى عباده المؤمنين بأخذ الحذر من عدوّهم،و هذا يستلزم التّأهّب لهم بإعداد الأسلحة و العدد.(2:337)

الآلوسيّ: أي عدّتكم من السّلاح،قاله مقاتل، و هو المرويّ عن أبي جعفر رضي اللّه تعالى عنه.

و قيل:الحذر مصدر كالحذر،و هو الاحتراز عمّا يخاف،فهناك الكناية و التّخييل بتشبيه الحذر بالسّلاح و آلة الوقاية،و ليس الأخذ مجازا ليلزم الجمع بين الحقيقة و المجاز في قوله سبحانه: وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ إذ التّجوّز في الإيقاع.و قد صرّح المحقّقون بجواز الجمع فيه،و المعنى استعدّوا لأعدائكم،أو تيقّظوا و احترزوا منهم،و لا تمكّنوهم من أنفسكم.(5:79)

محمّد عبده: الحذر و الحذر الاحتراس و الاستعداد لاتّقاء شرّ العدوّ؛و ذلك بأن نعرف حال العدوّ و مبلغ استعداده و قوّته.و إذا كان الأعداء متعدّدين فلا بدّ في أخذ الحذر من معرفة ما بينهم من الوفاق و الخلاف،و أن تعرف الوسائل لمقاومتهم إذا هجموا،و أن يعمل بتلك الوسائل.

فهذه ثلاثة لا بدّ منها؛و ذلك أنّ العدوّ إذا أنس غرّة منّا هاجمنا،و إذا لم يهاجمنا بالفعل كنّا دائما مهدّدين منه، فإن لم نهدّد في نفس ديارنا كنّا مهدّدين في أطرافها.فإذا أقمنا ديننا أو دعونا إليه عند حدود العدوّ،فإنّه لا بدّ أن يعارضنا في ذلك،و إذا احتجنا إلى السّفر إلى أرضه كنّا على خطر.و كلّ هذا يدخل في قوله: خُذُوا حِذْرَكُمْ كما قال في آية أخرى: وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ الأنفال:60،إلخ،و على النّفوس المستعدّة للفهم أن تبحث في كلّ ما يتوقّف عليه امتثال الأمر من علم و عمل.

و يدخل في ذلك معرفة حال العدوّ و معرفة أرضه

ص: 198

و بلاده،طرقها و مضايقها و جبالها و أنهارها،فإنّنا إذا اضطررنا في تأديبه إلى دخول بلاده فدخلناها و نحن جاهلون لها،كنّا على خطر،و في أمثال العرب:«قتلت أرض جاهلها».و تجب معرفة مثل ذلك من أرضنا بالأولى،حتّى إذا هاجمنا فيها لا يكون أعلم بها منّا.

و يدخل في الاستعداد و الحذر:معرفة الأسلحة و اتّخاذها و استعمالها،فإذا كان ذلك يتوقّف على معرفة الهندسة و الكيمياء و الطّبيعة و جرّ الأثقال فيجب تحصيل كلّ ذلك،كما هو الشّأن في هذه الأيّام؛ذلك أنّه أطلق الحذر،أي و لا يتحقّق الامتثال إلاّ بما يتحقّق به الوقاية و الاحتراز في كلّ زمن بحسبه.(رشيد رضا 5:250)

القاسميّ: أي تيقّظوا و احترزوا من العدوّ، و لا تمكّنوه من أنفسكم.يقال:أخذ حذره،إذا تيقّظ و احترز من المخوف،كأنّه جعل الحذر آلته الّتي يقي بها نفسه.

و يطلق«الحذر»على ما يحذر به و يصون،كالسّلاح و الحزم،أي استعدّوا للعدوّ.و الحذر على هذا حقيقة، و على الأوّل من الكناية و التّخييل،بتشبيه الحذر بالسّلاح و آلة الوقاية.

قال في«الإكليل»:«فيه الأمر باتّخاذ السّلاح،و أنّه لا ينافي التّوكّل».قال بعض المفسّرين:دلّت الآية على وجوب الجهاد و على استعمال الحذر،و هو الحزم من العدوّ،و ترك التّفريط.و كذلك ما يحذرونه و هو استعمال السّلاح على أحد التّفسيرين،فتكون الرّياضة بالمسابقة و الرّهان في الخيل،من أعمال الجهاد.(5:1392)

رشيد رضا :[ذكر عدّة أقوال،ثمّ قال بعد كلام محمّد عبده]

يريد رحمه اللّه تعالى أنّه يجب على المسلمين في هذا الزّمان اتّخاذ أهبة الحرب المستعملة فيه من المدافع بأنواعها و البنادق و البوارج المدرّعة،و غير ذلك من أنواع السّلاح و آلات الهدم و البناء،و كذلك المناطيد الهوائيّة و الطّيّارات.و أنّه يجب تحصيل العلم بصنع هذه الأسلحة و الآلات و غيرها و ما يلزم لها،و العلم بسائر الفنون و الأعمال الحربيّة،و هي تتوقّف على ما أشار إليه من العلوم الأخر،كتقويم البلدان و خرت الأرض.[إلى أن ذكر قول الفخر الرّازيّ و أضاف:]

أقول:إنّ المسلمين قد ابتلوا بمسألة القدر كما ابتلي بها من قبلهم،و قد شفي غيرهم من سمّ الجهل بحقيقتها، فلم يعدّ مانعا لهم من استعمال مواهبهم في ترقية أنفسهم و أمّتهم،و لمّا يشف المسلمون.و قد كشفنا الغطاء عن وجه المسألة غير مرّة و لم نر بدّا-مع ذلك-من العود إليها في مثل هذا الموضع،لا لأنّ مثل الرّازيّ ذكرها،بل لأنّ المسلمين أمسوا أقلّ النّاس حذرا من الأعداء،حتّى أنّ أكثر بلادهم ذهبت من أيديهم و هم لا يتوبون و لا يذكّرون.و لا يتدبّرون أمر اللّه في هذه الآية و ما في معناها و لا يمتثلون،ثمّ إنّك إذا ذكّرتهم يسلّون في وجهك كلمة القدر،و مثل الحديثين اللّذين ذكرهما الرّازيّ.

أمّا حديث«المقدور كائن...»فلا أذكر أنّني رأيته في كتب المحدّثين بهذا اللّفظ.و لكن روى البيهقيّ في الشّعب و القدر مرفوعا«لا تكثّر همّك ما قدّر يكن و ما ترزق يأتك»و هو ضعيف.

و أمّا الحديث الثّاني الّذي عبّر عنه بقوله:«و قيل

ص: 199

أيضا»فقد رواه الحاكم عن عائشة بلفظ«لا يغني حذر من قدر»و صحّحه،و ما أراه يصحّ و تساهل الحاكم في التّصحيح معروف،و الرّازيّ ليس من رجال الحديث، و لكنّه رأى بالعقل أنّه مخالف للآية أو مضعف من تأثير الأمر فيها،و كيف يقول اللّه:(خذوا حذركم)و يقول رسوله:إنّ الحذر لا ينفع،لأنّ العبرة بالقدر الّذي لا يتغيّر.

و إنّي على استبعادي لصحّة الحديث و ميلي إلى أنّه من وضع المفسدين الّذين أفسدوا بأس الأمّة بأمثال هذه الأحاديث،أقول:إنّه لا يناقض الآية،فإنّ اللّه أمرنا بالحذر لندفع عنّا شرّ الأعداء و نحفظ حقيقتنا،لا لندفع القدر و نبطله،و القدر:عبارة عن جريان الأمور بنظام تأتي فيه الأسباب على قدر المسبّبات،و الحذر من جملة الأسباب،فهو عمل بمقتضى القدر لا بما يضادّه.

(5:250-252)

نحوه ملخّصا المراغيّ(5:87)،و عبد الكريم الخطيب(3:831).

سيّد قطب :إنّها الوصيّة للّذين آمنوا:الوصيّة من القيادة العليا،الّتي ترسم لهم المنهج،و تبيّن لهم الطّريق.

و إنّ الإنسان ليعجب،و هو يراجع القرآن الكريم،فيجد هذا الكتاب يرسم للمسلمين-بصفة عامّة طبعا-الخطّة العامّة للمعركة،و هي ما يعرف باسم«استراتيجيّة المعركة»ففي الآية الأخرى يقول للّذين آمنوا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّارِ وَ لْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً التّوبة:123،فيرسم الخطّة العامّة للحركة الإسلاميّة.و في هذه الآية يقول للّذين آمنوا:

خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً و هي تبيّن ناحية من الخطّة التّنفيذيّة أو ما يسمّى«التّاكتيك» و في سورة الأنفال جوانب كذلك في الآيات: فَإِمّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ الأنفال:57.

و هكذا نجد هذا الكتاب لا يعلّم المسلمين العبادات و الشّعائر فحسب،و لا يعلّمهم الآداب و الأخلاق فحسب-كما يتصوّر النّاس الدّين ذلك التّصوّر المسكين! إنّما هو يأخذ حياتهم كلّها جملة،و يعرض لكلّ ما تتعرّض له حياة النّاس من ملابسات واقعيّة.و من ثمّ يطلب بحقّ الوصاية التّامّة على الحياة البشريّة، و لا يقبل من الفرد المسلم و لا من المجتمع المسلم،أقلّ من أن تكون حياته بجملتها من صنع هذا المنهج،و تحت تصرّفه و توجيهه.

و على وجه التّحديد لا يقبل من الفرد المسلم،و لا من المجتمع المسلم أن يجعل لحياته مناهج متعدّدة المصادر:

منهجا للحياة الشّخصيّة،و للشّعائر و العبادات، و الأخلاق و الآداب،مستمدّا من كتاب اللّه.و منهجا للمعاملات الاقتصاديّة و الاجتماعيّة و السّياسيّة و الدّوليّة،مستمدّا من كتاب أحد آخر،أو من تفكير بشريّ على الإطلاق.

إنّ مهمّة التّفكير البشريّ أن تستنبط من كتاب اللّه و منهجه أحكاما تفصيليّة تطبيقيّة لأحداث الحياة المتجدّدة،و أقضيتها المتطوّرة،بالطّريقة الّتي رسمها اللّه في الدّرس السّابق من هذه السّورة،و لا شيء وراء ذلك.

و إلاّ فلا إيمان أصلا و لا إسلام،لا إيمان ابتداء و لا إسلام،

ص: 200

لأنّ الّذين يفعلون ذلك لم يدخلوا بعد في الإيمان،و لم يعترفوا بعد بأركان الإسلام.و في أوّلها:شهادة أن لا إله إلاّ اللّه،الّتي ينشأ منها أن لا حاكم إلاّ اللّه،و أنّ لا مشرّع إلاّ اللّه.

و ها هو ذا كتاب اللّه يرسم للمسلمين جانبا من الخطّة التّنفيذيّة للمعركة،المناسبة لموقفهم حينذاك.

و لوجودهم بين العداوات الكثيرة في الخارج،و المنافقين و حلفائهم اليهود في الدّاخل.و هو يحذّرهم ابتداء:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ خذوا حذركم من عدوّكم جميعا،و بخاصّة المندسّين في الصّنوف من المبطئين،الّذين سيرد ذكرهم في الآية فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً. (2:704)

الطّباطبائيّ: الحذر:بالكسر فالسّكون:ما يحذر به،و هو آلة الحذر كالسّلاح،و ربّما قيل:إنّه مصدر كالحذر بفتحتين.[إلى أن قال:]

و التّفريع في قوله: فَانْفِرُوا ثُباتٍ على قوله:

خُذُوا حِذْرَكُمْ بظاهره يؤيّد كون المراد بالحذر:ما به الحذر،على أن يكون كناية عن التّهيّؤ التّامّ للخروج إلى الجهاد،و يكون المعنى:خذوا أسلحتكم،أي أعدّوا للخروج و اخرجوا إلى عدوّكم فرقة فرقة«سرايا»أو اخرجوا إليهم جميعا«عسكرا».(4:416)

حسنين مخلوف: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و فيه دلالة على وجوب الأخذ بالأسباب.(157)

المصطفويّ: الحذر:اسم مصدر،أي بمعنى ما يحصل من الحذر مصدرا.و نتيجة الحذر هي التّأهّب و الاستعداد و الاحتياط و التّوجّه،و عدم الغفلة.

(2:195)

مكارم الشّيرازيّ: الحذر يعني اليقظة و التّأهّب و التّرقّب لخطر محتمل،كما يعني أحيانا الوسيلة الّتي يستعان بها لدفع الخطر.[إلى أن قال:]

ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ معنى«الحذر»في الآية هو السّلاح لا غير،بينما للحذر معنى واسع لا يقتصر على السّلاح،ثمّ إنّ الآية(102)من هذه السّورة تدلّ بوضوح على أنّ الحذر غير السّلاح؛حيث يقول تعالى:

...أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَ خُذُوا حِذْرَكُمْ... و جواز وضع السّلاح في الصّلاة مع أخذ الحذر يدلّ على أنّ الحذر لا يعني السّلاح بالذّات.

الآية الكريمة هذه تشتمل على أمر عامّ مطلق لجميع المسلمين في كلّ العصور و الأزمنة،و يدعو هذا الأمر المسلمين إلى الالتزام باليقظة و الاستعداد الدّائم لمواجهة أيّ طارئ من جانب الأعداء و لحماية أمن الأمّة؛و ذلك عن طريق التّحلّي بالاستعداد المادّي و المعنويّ الدّائمين.

و كلمة«الحذر»أيضا تستوعب بمعانيها الواسعة كلّ أنواع الوسائل المادّيّة و المعنويّة الدّفاعيّة الّتي يتحتّم على المسلمين اتّباعها،من ذلك التّعرّف على قدرة العدوّ من حيث العدّة و العدد،و أساليبه الحربيّة، و الاستراتيجيّة،و مدى فاعليّة أسلحته،و كيفيّة مواجهتها و الاحتماء من خطرها و خطر العدوّ نفسه، و بذلك يكون المسلمون قد أوفوا من حيث العمل بما يتطلّبه منهم«أمر الحذر»من الاستعداد و التّأهّب و اليقظة،لمواجهة أيّ خطر طارئ.

و يشتمل«أمر الحذر»أيضا على الاستعداد النّفسيّ و الثّقافيّ و الاقتصاديّ،لتعبئة كافّة الإمكانيّات البشريّة،و الاستفادة من أقوى أنواع الأسلحة و أكثرها

ص: 201

تطوّرا في الوقت المطلوب،و كذلك الإلمام بصور استخدام هذا السّلاح و أساليبه.فإذا كان المسلمون يلتزمون بهذا الأمر و يطبّقونه على حياتهم،لاستطاعوا أن يجنّبوا أنفسهم و أمّتهم الفشل و التّقهقر و الهزيمة على مدى تأريخهم المليء بالأحداث.

و الشّيء الثّاني الّذي يفهم من هذه الآية الكريمة،هو اختلاف أساليب مواجهة العدوّ بحسب ما تقتضيه الضّرورة،و يعيّنه الظّرف،و يحدّد موقع العدوّ،فلو كان هذا الموقع يتطلّب مقابلة العدوّ بجماعات منفصلة، لوجب استخدام هذا الأسلوب مع كلّ ما يحتاج إليه من عدد و عدّة و غير ذلك،و قد يكون موقع العدوّ بصورة تقتضي مواجهة العدوّ في هجوم عامّ ضمن مجموعة واحدة متماسكة،و عند هذا يجب أن يعدّ المسلمون العدّة اللاّزمة و العدد الكافي لمثل هذا الهجوم الشّامل.

و من هنا يتّضح أنّ إصرار البعض على أن يكون للمسلمين أسلوب كفاحيّ واحد دون اختلاف في التّكتيك،لا يقوم على منطق و لا تدعمه التّجارب، إضافة إلى أنّه يتنافى مع روح التّعاليم الإسلاميّة.

لعلّ الآية هذه تشير أيضا إلى أنّ المسألة الهامّة هي تحقيق الأهداف الواقعيّة سواء تطلّب الأمر أن يسلك الجميع أسلوبا واحدا،أو أن ينهجوا أساليب متنوّعة.

(3:282)

فضل اللّه :[نحو مكارم الشّيرازيّ و أضاف:]

و لا بدّ من التّنبيه على أنّ كلمة«الحذر»تختلف عن كلمة«الخوف»فإنّ الخوف يشلّ القدرة و يدفع إلى الهزيمة.أمّا«الحذر»فإنّه يوحي بالدّراسة الدّقيقة الموضوعيّة للواقع،للتّعرّف على أفضل الوسائل للمواجهة،بطريقة حكيمة واعية مدروسة.(7:349)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: على ثلاثة أوجه:

أحدها:المخافة و الفزع،كقوله: حَذَرَ الْمَوْتِ البقرة:19،243،و قوله: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ التّوبة:

64،و قوله: قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ التّوبة:64.

و الثّاني:حذر الأهبة للقتال،كقوله في النّساء:71:

خُذُوا حِذْرَكُمْ، و قوله: وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ النّساء:102.

و الثّالث:الشّاكون في السّلاح و المستعدّون للحرب، كقوله: وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ الشّعراء:56،و من قرأ بغير الألف،(حذرون)فقد جعلها بمعنى:فرقون.

(185)

الدّامغانيّ: الحذر على ثلاثة أوجه:الخوف، الامتناع،الكتمان:

فوجه منها:الحذر يعني الخوف،قوله في آل عمران:

28: وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ يعني يخوّفكم بعقابه،كقوله في المائدة:49: وَ احْذَرْهُمْ أي خافهم،مثلها في الزّمر:9: يَحْذَرُ الْآخِرَةَ أي يخاف عذاب النّار.

و الوجه الثّاني:الحذر يعني الامتناع،قوله في المائدة:41 وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا أي امتنعوا أن تطيعوا،كقوله في المائدة:49: وَ احْذَرْهُمْ أي

ص: 202

لا تأمنهم.

و الوجه الثّالث:الحذر يعني الكتمان،قوله في سورة التّوبة:64: قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ أي:تكتمون.(280)

الفيروزآباديّ: [نحو الدّامغانيّ و أضاف:]

ثمّ يختلف الحذر تارة من فتنة الأولاد: عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ التّغابن:14،و تارة حذر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من مكر المنافقين: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ المنافقين:4، و تارة حذره صلّى اللّه عليه و سلّم من فتنة اليهود: وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ المائدة:49،و تارة حذر المنافقين من فضيحتهم بنزول القرآن: يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ التّوبة:64،و حذر فرعون و هامان من عسكر موسى بن عمران: وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ الشّعراء:56،و حذر المسلم ممّن يخالف الرّحمن: فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ النّور:63.(2:441)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحذر،أي الخيفة و التّحرّز.يقال:حذره يحذره حذرا و حذرا و احتذره، أي خافه و احترز منه،فهو حاذر و حذر،و حذّره الأمر:

خوّفه،و حاذر يحاذر محاذرة.

و رجل حذر و حذر و حاذورة و حذريان:متيقّظ شديد الحذر و الفزع متحرّز،و حاذر:متأهّب معدّ كأنّه يحذر أن يفاجأ؛و الجمع:حذرون و حذارى،و حاذور:

خائف من النّاس لا يعاشرهم.

و الحذار:المحاذرة،و إنّه لابن أحذار:لابن حزم و حذر.

و المحذورة:الفزع بعينه،و هو مصدر كالمصدوقة و الملزومة.

و حذار يا فلان:احذر.يقال:سمعت حذار في عسكرهم،و دعيت نزال بينهم.

و حذرك زيدا و حذارك زيدا،إذا كنت تحذّره منه.

و احذأرّ الرّجل:غضب فاحرنفش و تقبّض،و هو «افعألّ»من الحذر،و نفش الدّيك حذريته:عفريته، و هو أن ينفش ريش عنقه من الغضب.

و الحذرية:الأرض الخشنة و المكان الغليظ؛ و الجمع:حذارى،و هو الحذرياء أيضا،قال ابن فارس:

سمّي بذلك لأنّه يحذر المشي عليه.

2-و التّحذير في اللّغة:تنبيه المخاطب على أمر يجب الاحتراز منه،بواسطة اسم منصوب بفعل محذوف، تقديره«احذر»أو نحوه.و يجب إضمار الفعل النّاصب فيما يلي:

أ-إن كان الاسم منصوبا بالضّمير إيّاك و أخواته:

إيّاك و إيّاكما و إيّاكم و إيّاكنّ،نحو:إيّاك و المراء،و قول الشّاعر:ألقاه في اليمّ مكتوفا و قال له:

*إيّاك إيّاك أن تبتلّ بالماء*

ب-إن كان الاسم مكرّرا،نحو:النّار النّار،أي احذر النّار،و قول الشّاعر:

اليوم اليوم و ليس غدا أجراس العودة فلتقرع

ج-إن كان هناك اسم يعطف على الاسم المنصوب، نحو قولهم:ماز رأسك و السّيف،أي يا مازن ق رأسك

ص: 203

و احذر السّيف.

و يجوز إضمار الفعل النّاصب و إظهاره ما لم يكن عطف و لا تكرار،نحو:الأسد،أي احذر الأسد،و قول الشّاعر:

خلّ الطّريق لمن يبني المنار به

و ابرز ببرزة حيث اضطرّك القدر

و حذّر هنا الطّريق،و«خلّ»الفعل النّاصب له، و يجوز الطّريق،بحذف العامل.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الفعل المضارع من المجرّد 5 مرّات-و من التّفعيل مرّتين-و الأمر 7 مرّات،و اسم فاعل و مفعول كلّ منهما مرّة،و المصدر:فعلا مرّتين،و فعلا 3 مرّات- و كلّها من المجرّد-في 19 آية:

الحذر و التّحذير من اللّه:

1- وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ احْذَرُوا

المائدة:92

2- ...وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ... البقرة:235

3- فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ النّور:63

4- أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ ساجِداً وَ قائِماً يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ... الزّمر:9

5- وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ التّوبة:122

6- وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ

آل عمران:28

7- وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَ اللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ

آل عمران:30

الحذر من النّاس:

8- ...وَ احْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ ما أَنْزَلَ اللّهُ إِلَيْكَ... المائدة:49

9- ...يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ... المنافقون:4

10- ...إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَ أَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ... التّغابن:14

11- يَحْذَرُ الْمُنافِقُونَ أَنْ تُنَزَّلَ عَلَيْهِمْ سُورَةٌ تُنَبِّئُهُمْ بِما فِي قُلُوبِهِمْ قُلِ اسْتَهْزِؤُا إِنَّ اللّهَ مُخْرِجٌ ما تَحْذَرُونَ التّوبة:64

12- ...يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا... المائدة:41

13- ...وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ القصص:6

حاذر و محذور:

14- وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ الشّعراء:56

15- ...وَ يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَ يَخافُونَ عَذابَهُ إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً الإسراء:57

حذر الموت:

16- ...يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ... البقرة:19

17- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ هُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ... البقرة:243

ص: 204

حذر:

18- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ...

النّساء:71

19- ...فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ... وَ خُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً النّساء:102

و يلاحظ أوّلا:أنّ ما يحذر منه،فيها أقسام:

1-اللّه و أفعاله:7 آيات.

2-النّاس:3 آيات،و الأعداء منهم خاصّة آيتان.

3-الموت:آيتان.

4-نزول سورة:آية.

ثانيا:ما يرجع إلى اللّه نفسه 5 آيات:

فجاء في(1 و 2) وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ احْذَرُوا و أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ، و في(5) وَ لِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ هذه من المجرّد،و من المزيد يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ في(6 و 7)،و فيها بحوث:

1-الحذر في(1 و 5)مطلق منصرف إلى اللّه،و في الباقي خاصّ باللّه صريحا بطريقين:إنشاء و إخبار:

فَاحْذَرُوهُ و يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ.

و لمّا كان اللّه مبدأ الرّحمة و منبع الرّأفة،فليس عنده ما يوجب الخوف و الحذر منه سوى الكفر و العصيان من قبل النّاس،و لهذا قالوا في(2):«فاحذروا مخالفته»أو «فاتّقوا عقابه فلا تخالفوا أمره»أو«لا تعزموا على ما لا يجوز،و إنّه أرجع الحذر إلى نفسه تشديدا أو تهويلا»،و قال القرطبيّ:«هذا نهاية التّحذير من الوقوع فيما نهى عنه»،و قال الآلوسيّ:«و فيه من التّهديد ما لا يخفى».

و كذا قالوا في(6 و 7):«يخوّفكم عذابه و عقابه و تنكيله»و نحوها،و الشّاهد عليه الآية(15): إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً و نحوها من الآيات.

2-و انفرد القشيريّ-كعادته في التّأويل-بقوله في يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ: «إنّه خطاب للخواصّ من أهل المعرفة،فأمّا الّذين نزلت رتبتهم عن هذا فقال لهم:

فَاتَّقُوا النّارَ الَّتِي... البقرة:24،و نحوها.[إلى أن قال:]

إنّه يحذّركم أن توهّموا أنّكم وصلتم إليه تعالى...».لاحظ«خ و ف:الخوف من اللّه».

و لو قيل:إنّ الحذر من اللّه نوعان:الحذر من عقابه بمداومة الطّاعة،و من عظمته و هيبته بملازمة الخشوع و العبادة،لم يكن بعيدا.

3-كرّر يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ في(6 و 7)بفصل آية بينهما،و تمام الآيات: لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَ مَنْ يَفْعَلْ ذلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللّهِ فِي شَيْءٍ إِلاّ أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقاةً وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَ إِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ* قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَ يَعْلَمُ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ* يَوْمَ تَجِدُ كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ مِنْ خَيْرٍ مُحْضَراً وَ ما عَمِلَتْ مِنْ سُوءٍ تَوَدُّ لَوْ أَنَّ بَيْنَها وَ بَيْنَهُ أَمَداً بَعِيداً وَ يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ وَ اللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ آل عمران:28-30.

ففي الأولى نهى المؤمنين عن اتّخاذ الكافرين أولياء

ص: 205

من دون المؤمنين،ثمّ هدّدهم بأنّ من يفعل ذلك من غير تقيّة فليس من اللّه في شيء،أي لا ولاية و لا علاقة بينه و بين اللّه،و هذا وعيد بالغ النّهاية.ثمّ حذّرهم نفسه مشفوعا بأنّ مصيرهم إلى اللّه،مشيرا إلى أنّه يعاقبهم به، فهذا كالصّريح في أنّ الحذر من اللّه حذر من عقابه،و كرّر اسم الجلالة فيها ثلاث مرّات تشديدا و تهويلا.

ثمّ أكّده في الثّانية بأنّ اللّه يعلم ولاءكم للكافرين سواء أخفيتموه في صدوركم،أو أبديتموه بأفواهكم و سلوككم،فإنّ اللّه بكلّ شيء عليم،و هذا تهديد لمن والاهم سرّا،ليكونوا لهم عونا لو دارت الدّوائر عليهم، كما قال: تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ الممتحنة:1.

ثمّ شدّد الأمر في الثّالثة بأنّ كلّ نفس تجد ما عملت من خير أو سوء،مع الفصل بينهما بتكرار(ما عملت) تسجيلا للعدل في الجزاء،ثمّ زاده تشديدا،بأنّها تودّ أن يكون بينها و بين ما عملت أمدا بعيدا.

و أخيرا كرّر يُحَذِّرُكُمُ اللّهُ نَفْسَهُ مع تفاوت للأوّل؛حيث ذيّلها بما يبعث على الرّجاء و الأمل وَ اللّهُ رَؤُفٌ بِالْعِبادِ، في حين أنّه ذيّل الأوّل بما يوجب الهول و الحذر: وَ إِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ و بذلك فقد قارن اللّه-كعادته-الإنذار بالتّبشير تقديما الأوّل على الأخير،و تلطيفا في الخطاب بلفظي«رءوف»و«عباد» و قد كرّر فيها اسم الجلالة مرّتين تخفيفا في التّهويل.

ثالثا:ما يرجع فيه الحذر صريحا إلى أفعاله تعالى 3 آيات(3 و 4 و 15) أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ، و يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ ، و يَرْجُونَ رَحْمَتَهُ وَ يَخافُونَ عَذابَهُ*إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً و فيها بحوث أيضا:

1-جاء في الأوليين ما يتعلّق بالدّنيا و الآخرة معا:

ففي الأولى إصابة فتنة في الدّنيا،و عذاب أليم في الآخرة، و في الثّانية الحذر من العذاب في الآخرة و رجاء الرّحمة في الدّنيا،أو في الدّنيا و الآخرة معا.

و كذا في الأخيرة جمع بين رجاء الرّحمة و بين الخوف و الحذر من العذاب،مع تقديم الرّجاء فيها على الحذر عكس الثّانية؛حيث قدّم الحذر فيها تنويعا في الإنذار و التّبشير و تفنّنا في الإرشاد و التّبليغ.

قال الفخر الرّازيّ في هذا المجال:«إشارة إلى أنّ الإنسان عند المواظبة ينكشف له في الأوّل مقام القهر، و هو قوله: يَحْذَرُ الْآخِرَةَ ثمّ بعده مقام الرّحمة،و هو قوله: وَ يَرْجُوا رَحْمَةَ رَبِّهِ»

و نقول:من كمال المعرفة للّه حصول الخوف و الرّجاء معا في القلب،و لعلّ المطلوب التّسوية بينهما،غاية الأمر،المؤمنون متفاوتون في درجات المعرفة،أو في حالات التّقرّب و العبادة،فقد يتجلّى لهم من اللّه مقام اللّطف و الرّحمة فيتلوهما الرّجاء في القلوب.

و قد يتجلّى لهم مقام القهر و النّقمة،فيتسرّع إليها الخوف و الخشية،و من هنا نشأ التّفاوت بين الآيتين تقديما و تأخيرا.

على أنّ الأخيرة جاءت في حقّ من هو قانت باللّيل من المؤمنين،أمّا الثّانية فيحتمل اختصاصها بالأنبياء المذكورين قبلها،كما فسّرها الطّبرسيّ ج 3 ص 422، لاحظ:«خ و ف:الخوف و الرّجاء».

ص: 206

2-جاء«فتنة و عذاب»في الأولى نكرة تهويلا و تخويفا،أي فتنة و عذاب لا يعلم مداهما،و جاءت (الآخرة)و(رحمة ربّه)في الثّانية معرّفة ب«أل»أو بالإضافة إلى(ربّه)تشديدا في العذاب و تكريما في الرّحمة،و جاءت في الأخيرة الرّحمة و العذاب كلاهما مضافين إلى ضمير(ربّهم)تشديدا و تكريما،مع مزيد التّشديد في العذاب فيها بتكراره مرّتين،و بالجمع بين الخوف و الحذر مبالغة في الوعيد.

3-جاء الحذر في الأولى دون مقابل ترحيب و رحمة،تشديدا في الإنذار،و في الأخيرتين مقابلا للرّحمة جمعا-كما قلنا-بين الإنذار و التّبشير المعتاد في القرآن.

رابعا:ما جاء في الحذر من النّاس على أقسام أيضا:

1-آيتان(8 و 9)خطاب من اللّه للنّبيّ عليه السّلام أن يحذر أهل الكتاب أن يفتنوه،و المنافقين أن يكيدوا عليه، لاحظ«ف ت ن»و«ن ف ق».

2-آيتان أيضا(10 و 15)أولاهما خطاب للمؤمنين أن يحذروا بعض أولادهم و أزواجهم،لأنّهم عدوّ لهم، و ثانيتهما تكريم لهم لرجائهم رحمته،و خوفهم و حذرهم عذابه،لاحظ«ر ح م:رحمة»،و«ع ذ ب:عذاب».

و الحذر في هذين القسمين مندوب إليه.

3-آيتان أيضا(11 و 12)كلاهما تنديد للمنافقين:

في الأولى من أجل أنّهم يحذرون أن تنزّل عليهم سورة تنبّئهم بما في قلوبهم من النّفاق،و في الثّانية من أجل نفاقهم بالذّات،و كذلك هي تنديد لليهود الّذين حكّموا النّبيّ في قصّة زنى المحصنة،ثمّ رفضوا ما حكم به من الرّجم.

4-آيتان أيضا(16 و 17)في حذر الموت:أولاهما في المنافقين في المدينة،الّذين شبّههم اللّه بمن أصابه صيّب من السّماء و رعد و برق،فيجعلون أصابعهم في آذانهم حذر الموت من سماعها،أي يفرّون من استماع الآيات، كمن يفرّ من الصّيّب و الرّعد و البرق،فيجعلون أصابعهم في آذانهم لئلاّ يسمعوها.

و الثّانية:حكاية لجماعة من بني إسرائيل-كما قيل- خرجوا من ديارهم فرارا من طاعون،أو من جهاد حذر الموت.

و(حذر الموت)فيهما مفعول لأجله،أي يجعلون أصابعهم في آذانهم،أو خرجوا من ديارهم لحذرهم من الموت،أو مفعول مطلق لفعل محذوف،أي يحذرون حذر الموت؛و الأوّل أظهر.

5-آيتان أيضا(13 و 14)بشأن فرعون و هامان و جنودهما،و بشأن السّحرة الّذين أيّدوهما بسحرهم:

أولاهما إعلام من اللّه بإنجاز ما كان فرعون و من تبعه يحذرون منه،و هو زوال ملكهم،و ثانيتهما إعلام من السّاحرين،أو من فرعون بحذرهم قبال موسى عليه السّلام -على خلاف ما يأتي في معنى الحذر-و الحذر في هذه الأقسام الثّلاثة كلّها مذموم عكس القسمين الأوّلين.

خامسا:جاءت في اتّخاذ الحذر آيتان:(18 و 19)، و فيهما بحوث:

1-كلاهما من سورة النّساء،مع الفصل بينهما بآيات.

فأولاهما-و هي مقدّمة-في الحثّ على النّفر إلى

ص: 207

الجهاد مع اتّخاذ الحذر قبله؛حيث قال: خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا.

و الثّانية-و هي مؤخّرة-في التّرغيب إلى اتّخاذ الحذر أثناء الصّلاة في ساحة المعركة،في آية طويلة فرّقت المصلّين إلى طائفتين:طائفة يصلّون مع النّبيّ عليه السّلام،طائفة يقفون أمام العدوّ،و الطّائفتان تشاركان في الصّلاة؛إحداهما بعد الأخرى،و قد كرّر فيها اتّخاذ الحذر مرّتين و اتّخاذ الأسلحة مرّتين أيضا، و نصّها: وَ إِذا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ فَلْتَقُمْ طائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا أَسْلِحَتَهُمْ فَإِذا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرائِكُمْ وَ لْتَأْتِ طائِفَةٌ أُخْرى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ وَ لْيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ وَ أَسْلِحَتَهُمْ وَدَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ تَغْفُلُونَ عَنْ أَسْلِحَتِكُمْ وَ أَمْتِعَتِكُمْ فَيَمِيلُونَ عَلَيْكُمْ مَيْلَةً واحِدَةً وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ أَوْ كُنْتُمْ مَرْضى أَنْ تَضَعُوا أَسْلِحَتَكُمْ وَ خُذُوا حِذْرَكُمْ إِنَّ اللّهَ أَعَدَّ لِلْكافِرِينَ عَذاباً مُهِيناً.

فأمر الطّائفة الأولى بأن يأخذوا أسلحتهم في الصّلاة،ثمّ أمر الطّائفة الأخرى منهم بأن يأخذوا فيها حذرهم و أسلحتهم معا،ثمّ أعلمهم بحكمة هذا الأمر الأكيد بأنّ أعداءهم ودّوا لو يغفل المصلّون عن أسلحتهم و أمتعتهم فيميلوا عليهم ميلة واحدة،ثمّ رخّص لمن كان به أذى من مطر،أو كانوا مرضى أن يضعوا أسلحتهم،و أمرهم بأن يأخذوا حذرهم.هذه هي صلاة الخوف في المعركة،و في كيفيّتها خلاف واسع.

لاحظ«ص ل ي:صلاة الخوف،و لاحظ مجمع البيان ج 3 ص 102».

2-فالآية صريحة في أنّ اتّخاذ الأسلحة شيء سوى اتّخاذ الحذر،فقد يجتمعان و قد يفترقان،فاجتمعا في وسط الآية،و افترقا في طرفيها؛حيث خصّ أوّلها بالأسلحة-على خلاف فيمن يأخذ الأسلحة أهم المصلّون،أو الواقفون أمام العدوّ-و آخرها بالحذر.

و لكن يبدو أنّ اتّخاذ الحذر عبارة عن التّهيّؤ للدّفاع باتّخاذ الأسلحة و غيرها،فهو أعمّ من اتّخاذ الأسلحة، و لهذا أجاز للمرضى أن يضعوا أسلحتهم لثقلها و تعبهم بحملها،دون اتّخاذ الحذر.

و مع ذلك فقد اختلفوا في معنى«الحذر»أنّه الحذر- و عليه الأكثر-أو السّلاح،أو ما يحذر به من السّلاح و غيره.

قال الماورديّ: «معناه خذوا سلاحكم،فسمّاه حذرا،لأنّه به يتّقى الحذر».

و قال ابن عطيّة: «احزموا و استعدّوا بأنواع الاستعداد،فهنا يدخل أخذ السّلاح و غيره».

و قال الواحديّ-كما قال الفخر الرّازيّ-:«و الحذر بمعنى الحذر كالمثل،و تقول العرب:خذ حذرك،أي احذر».

و قال الرّاغب: «أي ما فيه الحذر من السّلاح و غيره».

و قال الزّمخشريّ: «الحذر و الحذر بمعنى كالأثر و الإثر،يقال:أخذ حذره،إذا تيقّظ و احترز».

و نحوه أبو حيّان فقال:«و لم يسمع في هذا التّركيب إلاّ خذ حذرك،لاخذ حذرك،أي استعدّ بأنواع ما يستعدّ به للقاء من تلقاه...»،و نحوها غيرهم.

ص: 208

و قال المصطفويّ: «الحذر:اسم مصدر،أي بمعنى ما يحصل من الحذر مصدرا...».

و نقول:لو قيل:إنّ«الحذر»فيها هو التّرس لم يكن بعيدا،و لكنّهم لم يذكروه.

3-و قد نبّه الإمام عبده و من بعده هنا على طرق الاستعداد و التّهيّؤ للعدوّ،و هي أمور:

أ-معرفة حال العدوّ و مبلغ استعداده و قوّته، و ما يوجد بينهم من الوفاق و الخلاف إذا كانوا متعدّدين، و ما عندهم من الأسلحة و معرفة الوسائل لمقاومتهم إذا هجموا على المسلمين.

ب-معرفة أرض العدوّ،و بلاده و طرقها و مضايقها و جبالها و أنهارها،و ما إلى ذلك،و كذا معرفة بلاد أنفسهم.

ج-الوقوف أمام العدوّ عند حدوده،و لا نمهله أن يتجاوز حدودنا.

د-تحصيل العلم بصناعة الأسلحة بأنواعها، و بالفنون الحربيّة و المكائد الخفيّة خلال الحروب.

ه-العلم بالأسلحة الّتي عند العدوّ و لا سيّما في العصر الحاضر من المدافع بأنواعها و البنادق و الموادّ المنفجرة و الطّيّارات و السّيّارات الخاصّة بالحرب،و هي لا تعدّ و لا تحصى،و تزداد في كلّ يوم شرقا و غربا.

و-و ذهب المكارم إلى أنّ كلمة«الحذر»بمعانيها الواسعة تستوعب كلّ أنواع الوسائل المادّيّة و المعنويّة الدّفاعيّة،و أنّ الأمر باتّخاذ الحذر يشمل الاستعداد النّفسيّ و الثّقافيّ و الاقتصاديّ،لتعبئة كافّة الإمكانيّات البشريّة،فلاحظ.

و قد نبّه فضل اللّه على أنّ«الحذر»غير«الخوف» فإنّ الخوف يشلّ القدرة،و يدفع إلى الهزيمة.أمّا«الحذر» فإنّه يوحي بالدّراسة الدّقيقة الموضوعيّة للواقع،للتّعرّف على أفضل الوسائل للمواجهة،بطريقة حكيمة واعية مدروسة.

ز-و للسّيّد قطب كلام رائع في هذا المجال،منه أنّ القرآن رسم للمسلمين-بصفة عامّة-الخطّة العامّة للمعركة،و هي ما يعرف باسم«استراتيجيّة المعركة»، و استشهد لذلك بآيات من سورة الأنفال و غيرها، فلاحظ.

و عندنا أنّ قوله: وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَ عَدُوَّكُمْ الأنفال:60،و هي من أوائل ما نزل بشأن الحرب،لأنّ «الأنفال»نزلت بشأن غزوة بدر.فقد رسم اللّه فيها كلّ ما يحتاج إليه المسلمون في الدّفاع عن أنفسهم أمام الأعداء إلى آخر الدّهر،مشيرا إلى أنّ الهدف من هذا الاستعداد ليس قتلهم،بل إرهابهم،لاحظ«ط و ع:

استطعتم»،و«ر ه ب:ترهبون».

سادسا:جاءت اسم فاعل و اسم مفعول في آيتين أيضا(14) وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ، و(15) إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً، و فيهما بحوث أيضا:

1-قرئت(حاذرون،و حذرون)حكاهما الطّبريّ مصرّحا بأنّهما قراءتان مستفيضتان يجوز القراءة بهما.

و بعضهم قرأ (حادرون) بالدّال،و حكى الزّمخشريّ القراءات الثّلاث.

2-هذه من قول فرعون في: وَ أَوْحَيْنا إِلى مُوسى

ص: 209

أَنْ أَسْرِ بِعِبادِي إِنَّكُمْ مُتَّبَعُونَ* فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ* إِنَّ هؤُلاءِ لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ* وَ إِنَّهُمْ لَنا لَغائِظُونَ* وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ الشّعراء:

52-56.

3-و قال أكثرهم في معنى(حاذرون)أي ذو سلاح، آخذين السّلاح،و في معنى«حذرون»أي متيقّظون.

و ذكر الماورديّ: «فيه أربعة أوجه:1-أنّهما لغتان بمعنى واحد.2-الحذر:المطبوع على الحذر،و الحاذر:

الفاعل للحذر.3-الحذر:الخائف،و الحاذر:المستعدّ.

4-ما حكيناه أوّلا و هو الأقرب إلى معنى اللّفظين.و ذكر بعضهم أنّ الحاذرون:الخائفون،أو الّذي يجدّد حذره، و هذا بيان لازم المعنى.و اختار الفخر الرّازيّ أنّ«الحاذر» اسم فاعل أفاد الحدوث،و«الحذر»صفة مشبّهة أفادت الثّبوت،أي من عادتنا الحذر.

4-و أمّا«حادرون»بالدّال ففسّروه بالقويّ الغائظ،يقال:رجل حادر أي سمين،و قيل:مدجّجون في السّلاح،قد كسبهم ذلك حرارة أجسامهم أي سمنا، و كيف كان ففرعون أعلن للنّاس أنّه و من معه مسلّحون مستعدّون متيقّظون لمقابلة موسى أو السّاحرون أعلنوا ذلك.

5-قال الزّمخشريّ في: إِنَّ عَذابَ رَبِّكَ كانَ مَحْذُوراً «حقيقا بأن يحذره كلّ أحد من ملك مقرّب و نبيّ مرسل،فضلا عن غيرهم،و قال الفخر الرّازيّ:

«من حقّه أن يحذر»،و قال القرطبيّ:«مخوفا لا أمان لأحد منه»،ففيه معنى التّيقّظ و الاستعداد أيضا،مثل «الحاذرون».

سابعا:قد غلب على أصناف الآيات في هذه المادّة- كما شاهدنا-عدد الاثنين تأكيدا على مغزاها،فلاحظ.

ص: 210

ح ر ب

اشارة

6 ألفاظ،11 مرّة:3 مكّيّة،8 مدنيّة

في 9 سور:3 مكّيّة،6 مدنيّة

حرب 1:-1 يحاربون 1:-1

الحرب 3:-3 المحراب 4:2-2

حارب 1:-1 محاريب 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحرب:نقيض السّلم،تؤنّث؛ و تصغيرها:حريب،رواية عن العرب،و مثلها ذريع و فريس و قريس أنثى،و نييب،-يعني النّاقة-و ذويد و قدير و خليق،يقال:ملحفة خليق،كلّ ذلك تأنيث يصغّر بغير الهاء.

و رجل محرب:شجاع.

و فلان حرب فلان،أي يحاربه.

و دار الحرب:بلاد المشركين الّذين لا صلح بينهم و بين المسلمين.

و حرّبته تحريبا،أي حرّشته على إنسان فأولع به و بعداوته.

و حرب فلان حربا:أخذ ماله فهو حرب محروب حريب.

و حريبة الرّجل:ماله الّذي يعيش به.

و الحريب:الّذي سلبت حريبته.

و قوله تعالى: يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ المائدة:

33،يعني المعصية.

و قوله تعالى: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ البقرة:279،يقال:هو القتل.

و شيوخ حربى؛و الواحد:حرب،شبيه بالكلبى و الكلب.

و الحراب:جمع الحربة،دون الرّمح.

و المحراب عند العامّة اليوم:مقام الإمام في المسجد،و كانت محاريب بني إسرائيل:مساجدهم الّتي يجتمعون فيها للصّلاة.

ص: 211

و المحراب:الغرفة.

و المحراب:عنق الدّابّة.

و الحرباء:دويبّة على خلقة سامّ أبرص مخطّطة؛ و جمعه:الحرابيّ.

و الحرباء و القتير:رأسا المسمار في الحلقة في الدّرع.

و الحربة:الوعاء مثل الجوالق.[و استشهد بالشّعر ثلاث مرّات](3:213)

ابن شميّل: في قوله:«اتّقوا الدّين فإنّ أوّله و آخره حرب»يباع داره و عقاره،و هو من الحريبة.

(الأزهريّ 5:22)

أبو عمرو الشّيبانيّ: حرابيّ المتن:لحم المتن؛ واحدها:حرباء،شبّه بحرباء الفلاة.

و إناث الحرابيّ،يقال لها:أمّهات حبين؛الواحدة:أمّ حبين،و هي قذرة لا تأكلها العرب بتّة.

الحربة:الطّلقة إذا كانت بقشرها،و يقال لقشرها إذا نزع:القيقاءة.(الأزهريّ 5:25)

الفرّاء: المحاريب:صدور المجالس،و منه سمّي:

محراب المسجد.و المحراب:الغرفة.(الجوهريّ 1:108)

أبو زيد :يقال إذا طلعت الجوزاء:انتصب العود في الحرباء،يريدون انتصب الحرباء في العود،و ذلك في شدّة الحرّ.(139)

أرض محربئة من الحرباء.(الأزهريّ 5:25)

الأصمعيّ: العرب تسمّي القصر محرابا لشرفه.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:23)

عن أبي عمرو بن العلاء:دخلت محرابا من محاريب حمير،فنفخ في وجهي ريح المسك.أراد قصرا أو ما يشبه القصر.

قد حرد حردا،و حرب حربا،إذا هاج و غضب، و حرّبته فحرب،و حرّشته و هيّجته.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن السّكّيت:78)

اللّحيانيّ: يقال في الدّعاء على الإنسان:ماله عبر و سهر،و حرب و جرب و رجل.(القاليّ 2:224)

الضّبّيّ: أحربت الرّجل،إذا دللته على مال يغير عليه.(الأزهريّ 5:25)

أبو عبيد: [في الحديث]«إنّ المحروب من حرب دينه»ليس هذا أن يكون من سلب ماله ليس بمحروب، إنّما هو على تغليظ الشّأن به،يقول:إنّما الحرب الأعظم أن يكون في الدّين،و إن كان ذهاب المال قد يكون حربا.

[ثمّ استشهد بشعر](1:426)

المحراب:سيّد المجالس و مقدّمها و أشرفها،و كذلك هو من المساجد.(الأزهريّ 5:23)

الحرباء:مسامير الدّرع.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 5:24)

حرب الرّجل يحرب حربا،إذا غضب.

و حرّبت عليه غيري،أي أغضبته.

و سنان محرّب مذرّب،إذا كان محدّرا مؤلّلا.

(الأزهريّ 5:25)

ابن الأعرابيّ: الحارب:المشلّح،يقال:حربه،إذا أخذ ماله،و أحربه:دلّه على ما يحربه.

و حرّبه،إذا أطعمه الحرب،و هو الطّلع.

و أحربه:وجده محروبا.

المحراب:مجلس النّاس و مجتمعهم.

ص: 212

الحربة:الجوالق.(الأزهريّ 5:21،23)

المحراب:القبلة،و المحراب:الغرفة،و المحراب:صدر المجلس،و المحراب:مأوى الأسد،يقال:دخل فلان على الأسد في محرابه و غيله و عرينه.

و رجل محرب،أي محارب لعدوّه.(الأزهريّ 5:25)

ابن السّكّيت: رجل حرب:شديد المحاربة.(175)

الحرب:من القتال.و الحرب:مصدر حرب يحرب حربا،إذا اشتدّ غضبه.و الحرب أيضا:أن يحرب الرّجل ماله.(إصلاح المنطق:38)

قد حربت الرّجل،إذا أخذت ماله.

(إصلاح المنطق:250)

الدّينوريّ: و المحراب:أكرم مجالس الملوك.

(ابن سيده 3:314)

ثعلب :لمّا مات حرب بن أميّة بالمدينة قالوا:

وا حربا،ثمّ نقلوها (1)فقالوا:وا حربا.و لا يعجبني.

(ابن سيده 3:313)

الحرباء:الأرض الغليظة.إنّما المعروف الحزباء، بالزّاي.(ابن سيده 3:314)

ابن دريد :تقول العرب:غضب الرّجل و أوب و حرب و أضم؛و كلّ هذا الغضب.[ثمّ استشهد بشعر]

(3:486)

ابن الأنباريّ: عن أحمد بن عبيد:سمّي المحراب محرابا لانفراد الإمام فيه و بعده عن النّاس،و منه يقال:

فلان حرب لفلان،إذا كان بينهما تباعد و مباغضة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحرباء:دويبّة على خلقة سامّ أبرص ذات قوائم أربع،دقيقة الرّأس،مخطّطة الظّهر،تستقبل الشّمس نهارها؛و الجميع:حرابيّ.

و الحرباء:رأس المسمار في الحلقة في الدّرع.

(الأزهريّ 5:24)

القاليّ: و حرب حربا،إذا هاج و غضب.و حرّبته أنا،فهو محرّب.[ثمّ استشهد بشعر و نقل كلام اللّحيانيّ ثمّ قال:]

عبر من العبرة،و حرب من الحرب،و الحرب:

السّلب.(1:64)

السّيرافيّ: الحرب:نقيض السّلم،أنثى؛و أصلها:

الصّفة،كأنّها مقاتلة حرب.(ابن سيده 3:312)

الأزهريّ أنّثوا«الحرب»لأنّهم ذهبوا إلى المحاربة، و كذلك السّلم و السّلم يذهب بهما إلى المسالمة،فتؤنّث.

محروب:حرب دينه،أي سلب دينه،يعني قوله:

«فإنّ المحروب من حرب دينه».

و قيل:سمّي محراب الإمام محرابا،لأنّ الإمام إذا قام فيه لم يأمن أن يلحن أو يخطئ فهو خائف مكانا،كأنّه مأوى الأسد.(5:21،25)

الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]

و الحرب:الويل،حرب الرّجل فهو محروب و حريب،و شيوخ حربى.

و أحربني فلان:دلّني على شيء أغرت عليه.

و الحربة:معروفة؛و الجميع:الحراب.

و المحرّب:المحدّد،سنان محرّب.

و المحراب:جمعه محاريب،و هي المساجد.ر.

ص: 213


1- الظّاهر:ثقّلوها،كما أوردها الفيروزآباديّ و ابن منظور.

و محراب الأسد:عرّيسته.

و المحراب:المنزل،و هو عند العرب:الغرفة، و مجلس الملك.

و الحرباء:دويبّة على خلقة سامّ أبرص؛و الجميع:

الحرابيّ.و أرض محربئة:كثيرة الحرابيّ.و هو أيضا:

رءوس المسامير في حلقة الدّروع.

و حرباء الكبد:لحم قد استبطنها من باطن.

و حرابيّ المتن:لحمه و فقره الوسطى.

و الحرباء:نشر من الأرض،كالحزباء بالزّاي.

و الحربة بضمّ الحاء:وعاء كالجوالق.

و يقال ليوم الجمعة:حربة؛و جمعها:حربات و حراب.(3:85)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ:«أنّ المشركين لمّا بلغهم خروج أصحاب رسول اللّه إلى بدر يرصدون العير قالوا:اخرجوا إلى معايشكم و حرائثكم».

بعضهم يرويه«إلى حرائبكم»جمع حريبة،و حريبة الرّجل:ماله الّذي يعيش به،و هذا أشبه،و اللّه أعلم.

(1:555)

و في حديث المغيرة:«...طلاقها حريبة...»من «الحرب»،اسم مشتقّ منه،كالشّتيمة من الشّتم.يريد:

أنّ له منها أولادا فإن طلّقها حربوا و فجعوا بها،و أصل الحرب:ذهاب المال.(2:549)

الجوهريّ: الحرب تؤنّث،يقال:وقعت بينهم حرب.قال الخليل :تصغيرها حريب بلا هاء،رواية عن العرب.قال المازنيّ:لأنّه في الأصل مصدر.و قال المبرّد:الحرب قد تذكّر.

و أنا حرب لمن حاربني،أي عدوّ.

و تحاربوا و احتربوا و حاربوا بمعنى.

و رجل محرب بكسر الميم،أي صاحب حروب، و قوم محربة.

و الحربة:واحدة الحراب.

و حرب الرّجل بالكسر:اشتدّ غضبه،و رجل حرب و أسد حرب.

و التّحريب:التّحريش،و حرّبته،أي أغضبته.

و حرّبت السّنان،أي حدّدته،مثل ذرّبته.

و حريبة الرّجل:ماله الّذي يعيش به.تقول:حربه يحربه حربا،مثل طلبه يطلبه طلبا،إذا أخذ ماله و تركه بلا شيء،و قد حرب ماله،أي سلبه فهو محروب و حريب.

و أحربته أي دللته على ما يغنمه من عدوّ.

و محارب:قبيلة من فهر.

و الحرباء:أكبر من العظاءة شيئا،يستقبل الشّمس و يدور معها.و يقال:حرباء تنضب،كما يقال:ذئب غضى.

و أرض محربئة:ذات حرباء.

و الحرباء أيضا:مسامير الدّروع.

و حرابيّ المتن:لحماته.

و احرنبى:ازبأرّ،و الياء للإلحاق ب«افعنلل».

[استشهد بالشّعر 4 مرّات](1:108)

ابن فارس: الحاء و الرّاء و الباء أصول ثلاثة:

أحدها السّلب،و الآخر دويبّة،و الثّالث بعض المجالس.

فالأوّل:الحرب،و اشتقاقها من«الحرب»و هو

ص: 214

السّلب.

يقال:حربته ماله و قد حرب ماله،أي سلبه،حربا، و الحريب:المحروب.

و رجل محراب:شجاع قئوم بأمر الحرب مباشر لها.

و حريبة الرّجل:ماله الّذي يعيش به فإذا سلبه لم يقم بعده.

و يقال:أسد حرب،أي من شدّة غضبه كأنّه حرب شيئا أي سلبه،و كذلك الرّجل الحرب.

و أمّا الدّويبّة فالحرباء،يقال:أرض محربئة،إذا كثر حرباؤها،و بها شبّه الحرباء و هي مسامير الدّروع، و كذلك حرابيّ المتن و هي لحماته.

و الثّالث:المحراب،و هو صدر المجلس؛و الجمع:

محاريب.و يقولون:المحراب:الغرفة في قوله تعالى:

فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ مريم:11.

و ممّا شذّ عن هذه الأصول«الحربة».ذكر ابن دريد أنّها الغرارة السّوداء.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(2:48)

ابن سيده: [ذكر قول السّيرافيّ و أضاف:]

و تصغيرها[الحرب]حريب بغير هاء،و هو أحد ما شذّ من هذا الضّرب،و قد أبنّاه.و حكى ابن الأعرابيّ فيها التّذكير.

و الأعرف تأنيثها،و إنّما حكاية ابن الأعرابيّ نادرة، و عندي أنّه إنّما حمله على معنى القتل و الهرج؛و جمعها:

حروب.

و دار الحرب:بلاد المشركين الّذين لا صلح بينهم و بين المسلمين.و قد حاربه محاربة و حرابا.

و رجل حرب و محرب و محراب:شديد الحرب شجاع.و قيل:محرب و محراب:صاحب حرب.

و فلان حرب لي،أي عدوّ محارب و إن لم يكن محاربا،مذكّر،و كذلك الأنثى.

و قوم حرب كذلك.و ذهب بعضهم إلى أنّه جمع حارب أو محارب،على حذف الزّائد.

و الحربة:الألّة؛و جمعها:حراب.قال ابن الأعرابيّ:

و لا تعدّ الحربة في الرّماح.

و الحرب أن يسلب الرّجل ماله،حربه يحربه فهو محروب و حريب،من قوم حربى و حرباء،الأخيرة على التّشبيه بالفاعل،كما حكاه سيبويه من قولهم:قتيل و قتلاء.

و حريبته:ماله الّذي سلبه،لا يسمّى بذلك إلاّ بعد ما يسلبه.

و قيل:حريبة الرّجل:ماله الّذي يعيش به.و قولهم:

وا حربا،إنّما هو من هذا.

و حرب حربا:اشتدّ غضبه،فهو حرب من قوم حربى،مثل:كلبى.

و حرّبه:أغضبه.

و الحرب كالكلب،و قوم حربى:كلبى و الفعل كالفعل.

و العرب تقول في دعائها على الإنسان:ماله حرب و جرب.

و حرّب السّنان:أحدّه.

و الحرب:الطّلع-يمانيّة-واحدته:حربة.و قد أحرب النّخل.

ص: 215

و الحربة:وعاء كالجوالق،و قيل:هي الغرارة.

و المحراب:صدر البيت و أكرم موضع فيه،و هو أيضا الغرفة.

و المحراب:الّذي يقيمه النّاس مقام الإمام في المسجد.

و محاريب بني إسرائيل:مساجدهم الّتي كانوا يجلسون فيها.

و قيل:المحراب:الموضع الّذي ينفرد فيه الملك فيتباعد من النّاس.

و الحرباء:مسمار الدّرع،و قيل:هو رأس المسمار في حلقة الدّرع.

و الحرباء:الظّهر،و قيل:حرابيّ الظّهر:سناسنه، و قيل:الحرابيّ:لحم المتن.

و الحرباء:ذكر أمّ حبين،و قيل:هو دويبّة نحو العظاءة تستقبل الشّمس برأسها،يقال:إنّه إنّما يفعل ذلك ليقي جسده برأسه.و قد استقصيناه عند ذكر الأحناش و الهوامّ في الكتاب«المخصّص».

و العرب تقول:انتصب العود في الحرباء،على القلب،و إنّما هو انتصب الحرباء في العود؛و ذلك أنّ الحرباء ينتصب على الحجارة و على أجذال الشّجر يستقبل الشّمس،فإذا زالت زال معها مقابلا لها.

و أرض محربئة:كثيرة الحرباء.

و الحارث الحرّاب:ملك من كندة.

و حرب و محارب:اسمان.

و حارب:موضع بالشّام،و حربة:موضع،غير مصروف.

و احرنبى الرّجل:تهيّأ للغضب و الشّرّ،و كذلك الدّيك و الكلب و الهرّ،و قد يهمز.

و قيل:استلقى على ظهره و رفع رجليه نحو السّماء.

[و استشهد بالشّعر 10 مرّات](3:312)

الحرب:القتال بين فئتين،و هي نقيض السّلم، أنثى،و قد تذكّر على معنى القتال؛الجمع:الحروب.

و دار الحرب:بلاد المشركين الّذين لا صلح بينهم و بين المسلمين.

حارب الرّجل محاربة و حرابا:قاتله.و رجل حرب و محرب و محراب:شديد الحرب شجاع.

و هو حرب لي و عليّ:عدوّ،للمذكّر و المؤنّث.

و احترب القوم و تحاربوا:حارب بعضهم بعضا.

(الإفصاح 1:626)

الطّوسيّ: الحرب:القتال،و الحرب:الشّدّة.

و الحربة:الّتي يطعن بها من آلة الحرب.

و التّحريب:التّحريش،لأنّه حمل على ما هو كالحرب من الأذى.

و المحراب:مقام الإمام،لأنّه كموضع الحرب في شدّة التّحفّظ.

و الحرباء:المسمار الّذي يجمع حلقتي الدّرع.

و الحرباء:دويبّة أكبر من العظاءة لأنّه ينتصب على الشّجرة كمصلوب.أخذ من«الحرب»لشدّة طلبه للشّمس،تدور معها كيفما دارت،و أصل الباب:الشّدّة.

(2:367)

الرّاغب: الحرب:معروف،و الحرب:السّلب في الحرب،ثمّ قد سمّي كلّ سلب حربا.

و الحرب مشتقّة المعنى من الحرب،و قد حرب فهو

ص: 216

حريب،أي سليب.

و التّحريب:إثارة الحرب،و رجل محرب،كأنّه آلة في الحرب.

و الحربة:آلة للحرب معروفة،و أصله«الفعلة»من الحرب أو من الحراب.

و محراب المسجد،قيل:سمّي بذلك لأنّه موضع محاربة الشّيطان و الهوى.

و قيل:سمّي بذلك لكون حقّ الإنسان فيه أن يكون حريبا من أشغال الدّنيا و من توزّع الخواطر.

و قيل:الأصل فيه أنّ محراب البيت صدر المجلس،ثمّ اتّخذت المساجد فسمّي صدره به.

و قيل:بل المحراب أصله في المسجد،و هو اسم خصّ به صدر المجلس،فسمّي صدر البيت محرابا،تشبيها بمحراب المسجد.و كأنّ هذا أصحّ.[ثمّ ذكر آية المحاريب سبأ:13]

و الحرباء:دويبّة تتلقّى الشّمس،كأنّها تحاربه.

و الحرباء:مسمار،تشبيها بالحرباء الّتي هي دويبّة في الهيئة،كقولهم في مثلها:ضبّة و كلب تشبيها بالضّبّ و الكلب.(112)

الزّمخشريّ: هو محروب و حريب.و قد حرب ماله،أي سلبه.و في الحديث:«المحروب من حرب دينه».

و حربته فحرب حربا،و منه:وا ويلاه و وا حرباه.

و أخذت حريبته و حرائبه.

و فلان منغمس في الحروب،و هو محرب،و حاربته و هو من أهل الحراب.

و أخذوا الحراب للحراب،و تحاربوا و احتربوا.

و من المجاز:حرب الرّجل حربا:غضب فهو حرب، و حرّبته أنا.

و أسد حرب و محرّب؛شبّه بمن أصابه الحرب في شدّة غضبه.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:78)

وهب رحمه اللّه:«قال طالوت لداود:أنت رجل جريء،و في حبالنا هذه جراجمة يحتربون النّاس».

يحتربون:يستلبون من حربته،إذا أخذت ماله.

(الفائق 1:207)

[في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله]:«سمّوا أولادكم أسماء الأنبياء،و أحسن الأسماء عبد اللّه و عبد الرّحمن، و أصدقهما الحارث و همام،و أقبحها حرب و مرّة».

قيل:لأنّه ما من أحد إلاّ و هو يحرث،أي يكسب، و يهمّ بالشّيء،أي يعزم عليه و يريده.و كره حربا و مرّة ذهابا إلى معنى المحاربة و المرارة.(الفائق 1:272)

بعث عروة بن مسعود رضي اللّه عنه إلى قومه بالطّائف،فأتاهم فدخل محرابا له،فأشرف عليهم عند الفجر،ثمّ أذّن للصّلاة،ثمّ قال:أسلموا تسلموا؛فقتلوه.

المحراب:المكان الرّفيع و المجلس الشّريف،لأنّه يدافع عنه و يحارب دونه،و منه قيل:محراب الأسد لمأواه.و سمّي القصر و الغرفة المنيفة:محرابا.[ثمّ استشهد بشعر](الفائق 1:273)

[في حديث عن]عليّ رضي اللّه عنه:«...و العدوّ قد حرب...»

يقال:حرب الرّجل ماله،إذا سلبه كلّه فحرب حربا،ثمّ قيل للغضبان:حرب و قد حرب،إذا غضب،

ص: 217

و أسد حرب و محرب،أي مغضب.(الفائق 3:278)

الجواليقيّ: الحرباء:جنس من العظاء،فارسيّة معرّبة.و أصلها بالفارسيّة:خربا،أي حافظ الشّمس.

(166)

ابن الأثير: في حديث الحديبيّة:«و إلاّ تركناهم محروبين»أي مسلوبين منهوبين.الحرب بالتّحريك:

نهب مال الإنسان،و تركه لا شيء له.

و منه الحديث:«الحارب المشلّح»أي الغاصب و النّاهب الّذي يعرّي النّاس ثيابهم.

و منه[أي بمعنى الغضب]حديث عيينة بن حصن «حتّى أدخل على نسائه من الحرب و الحزن ما أدخل على نسائي».

و منه حديث الأعشى الحرمازيّ:«فخلّفتني بنزاع و حرب»أي بخصومة و غضب.

و منه حديث ابن الزّبير رضي اللّه عنه عند إحراق أهل الشّام الكعبة:«يريد أن يحرّبهم»أي يزيد في غضبهم على ما كان من إحراقها.حرّبت الرّجل بالتّشديد،إذا حملته على الغضب و عرّفته بما يغضب منه.

و يروى بالجيم و الهمزة،و قد تقدّم.

و[في]حديث أنس رضي اللّه عنه:«أنّه كان يكره المحاريب»أي لم يكن يحبّ أن يجلس في صدر المجلس و يترفّع على النّاس.و المحاريب:جمع محراب.

و في حديث عليّ رضي اللّه عنه:«فابعث عليهم رجلا محرابا»أي معروفا بالحرب عارفا بها،و الميم مكسورة،و هو من أبنية المبالغة،كالمعطاء من العطاء.

و منه حديث ابن عبّاس،قال في عليّ رضي اللّه عنه:

«ما رأيت محرابا مثله».(1:358)

الفيّوميّ: حرب حربا من باب«تعب»:أخذ جميع ماله فهو حريب،و حرب بالبناء للمفعول كذلك فهو محروب.

و الحرب:المقاتلة و المنازلة من ذلك،و لفظها أنثى.

يقال:قامت الحرب على ساق،إذا اشتدّ الأمر و صعب الخلاص،و قد تذكّر ذهابا إلى معنى القتال، فيقال:حرب شديد.

و تصغيرها:حريب،و القياس بالهاء،و إنّما سقطت كيلا يلتبس بمصغّر الحربة الّتي هي كالرّمح.

و دار الحرب:بلاد الكفر الّذين لا صلح لهم مع المسلمين.و تجمع الحربة على:حراب،مثل كلبة و كلاب.و حاربته محاربة.

و حربويه:من أسماء الرّجال،ضمّ«ويه»إلى لفظ «حرب»كما ضمّ إلى غيره،نحو سيبويه و نفطويه.

و الحرباء ممدود يقال:هي ذكر أمّ حبين،و يقال:

أكبر من العظاء،تستقبل الشّمس و تدور معها كيفما دارت،و تتلوّن ألوانا؛و الجمع الحرابيّ بالتّشديد.

و المحراب:صدر المجلس،و يقال:هو أشرف المجالس،و هو حيث يجلس الملوك و السّادات و العظماء، و منه:محراب المصلّي.

و يقال:محراب المصلّي مأخوذ من المحاربة،لأنّ المصلّي يحارب الشّيطان و يحارب نفسه بإحضار قلبه.

و قد يطلق على الغرفة،و منه عند بعضهم: فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ مريم:11،أي من الغرفة.(1:127)

ص: 218

الفيروزآباديّ: الحرب:معروف،و قد تذكّر؛ جمعها:حروب.

و دار الحرب:بلاد المشركين الّذين لا صلح بيننا و بينهم.

و رجل حرب و محرب و محراب:شديد الحرب شجاع.

و رجل حرب:عدوّ محارب،و إن لم يكن محاربا للذّكر و الأنثى و الجمع و الواحد،و قوم محربة.

و حاربه محاربة و حرابا و تحاربوا و احتربوا.

و الحربة:الألّة؛جمعها:حراب،و فساد الدّين، و الطّعنة،و السّلب؛و بلا لام:موضع ببلاد هذيل أو بالشّام،و يوم الجمعة؛جمعها:حربات و حربات؛ و بالكسر:هيئة الحرب.

و حربه حربا كطلبه طلبا:سلب ماله،فهو محروب و حريب؛جمعه:حربى و حرباء.

و حريبته:ماله الّذي سلبه أو ماله الّذي يعيش به.

و لمّا مات حرب بن أميّة قالوا:وا حربا،ثمّ ثقّلوا فقالوا:وا حربا،أو هي من حربه:سلبه.

و حرب كفرح:كلب و اشتدّ غضبه،فهو حرب من حربى،و حرّبته تحريبا.

و الحرب محرّكة:الطّلع،واحدتها بهاء.

و أحرب النّخل:أطلع.

و حرّبه تحريبا:أطعمه إيّاه،و السّنان:حدّده.

و الحربة بالضّمّ:وعاء كالجوالق و الغرارة،أو وعاء زاد الرّاعي.

و المحراب:الغرفة،و صدر البيت،و أكرم مواضعه، و مقام الإمام من المسجد،و الموضع ينفرد به الملك فيتباعد عن النّاس،و الأجمة،و عنق الدّابّة.

و محاريب بني إسرائيل:مساجدهم الّتي كانوا يجلسون فيها.

و الحرباء بالكسر:مسمار الدّرع أو رأسه في حلقة الدّرع،و الظّهر أو لحمه أو سنسنه،و ذكر أمّ حبين،أو دويبّة نحو العظاية تستقبل الشّمس برأسها.

و أرض محربئة:كثيرتها،و الأرض الغليظة.

و كسكرى:قرية و بلدة ببغداد،و الحربيّة:محلّة بها.

[إلى أن قال:]

و حارب:موضع بحوران الشّام.

و أحربه:دلّه على ما يغنمه من عدوّ،و الحرب:

هيّجها.

و التّحريب:التّحريش و التّحديد.

و المحرّب كمعظّم و المتحرّب:الأسد.

و احرنبى:احرنبأ.(1:55)

الطّريحيّ: و في الحديث:«كان عليّ عليه السّلام يكسّر المحاريب إذا رآها في المسجد،يقول:كأنّها مذابح اليهود».

و منه:حديث الدّعاء على العدوّ:«اللّهمّ أذقه طعم الحرب و ذلّ الأسر».

و منه:«المؤمن يصبح و يمسي على ثكل،خير له أن يصبح و يمسي على حرب».

و في الخبر:«إيّاكم و الدّين،فإنّ أوّله همّ و آخره حرب»بسكون الرّاء،أي يعقب الخصومة و النّزاع، و بفتحها أي السّلب.

ص: 219

و حرب الرّجل بالبناء للمجهول:أخذ جميع ماله.

و حرب حربا من باب«تعب»كذلك.

و حريبة الرّجل:ماله الّذي يعيش به،و منه حديث الميّت:«أشكو إليكم دارا أنفقت فيها حريبتي و صار سكّانها غيري».

و تصغير الحرب:حريب،بغير هاء.

و رجل محرب-بكسر ميم و فتح راء-أي صاحب حرب.

و في حديث الأئمّة عليهم السّلام:«أنا حرب لمن حاربكم» أي عدوّ لمن عاداكم.

و الحربة كالرّمح؛تجمع على حراب،ككلبة و كلاب...(2:38)

مجمع اللّغة الحرب:المقاتلة و المنازعة،و حاربه محاربة و حرابا:أقام عليه الحرب.

المحراب؛و جمعه:محاريب،يطلق على معان:

1-صدر المجلس،أو أكرم موضع فيه.

ب-الغرفة الّتي في مقدّم المعبد.

ج-القصر.

د-الموضع الّذي ينفرد فيه الملك،فيتباعد عن النّاس.(1:243)

محمّد إسماعيل إبراهيم: [نحو مجمع اللّغة و أضاف:]

و المحارب:الغرف الّتي في مقدّم المعهد أو القصور الحصينة.(1:126)

العدنانيّ: حارب الأعداء،لا ضدّهم

و يقولون:حارب وسيم ضدّ الأعداء،و الصّواب:

حارب الأعداء،لأنّ ضدّ الأعداء،هو مخالفهم و منافيهم و خصمهم.و الّذى يحارب خصم عدوّه،يكون نصيرا لذلك العدوّ و حليفا،لا ضدّا.

و لا تصحّ جملة:حارب وسيم ضدّ أعدائه،إلاّ إذا وضعنا كلمة حلفائه بدلا من أعدائه.أو قلنا:حارب وسيم عدوّ حلفائه،و عندها يجب أن نقول:حارب وسيم أعداءه،لأنّ عدوّ حلفائه عدوّ له أيضا.

و قد تأتي كلمة«الضّدّ»بمعنى المثل و النّظير و الكفء،فتكون كلمة«الضّدّ»نفسها من الأضداد.

فلانة و فلان حرب لي لا عليّ.

و يقول: «الوسيط»:حرب لي،و عليّ:عدوّ، يستوي فيه المذكّر و المؤنّث.

و قد عثرت على من قال:فلان حرب لي،أي عدوّ و إن لم يكن محاربا.و من هؤلاء الشّاعر نصيب الّذي قال:

و قولا لها يا أمّ عثمان خلّتي

أسلم لنا في حبّنا أنت أم حرب؟

و ممّن ذكر أنّ هو حرب لي تعني عدوّي:التّهذيب، و الصّحاح،و اللّسان،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن«مجاز».

و لم أعثر على سوى«الوسيط»يقول:فلان حرب عليّ.

انتهت الحرب،انتهى الحرب

و يخطّئون من يقول:انتهى الحرب،و يقولون:إنّ الصّواب هو:انتهت الحرب.و لكن:قد تذكّر الحرب على معنى«القتال»:اللّسان،و المصباح،و التّاج،و محيط المحيط،و الوسيط.

ص: 220

و ممّن اكتفى بقوله:«قد تذكّر»ابن الأعرابيّ، و المبرّد،و الصّحاح،و المختار،و القاموس،و المدّ،و أقرب الموارد،و المتن.

و استشهد ابن الأعرابيّ بقول الشّاعر:

و هو إذا الحرب هفا عقابه

كره اللّقاء تلتظي حرابه

و نقله عنه الصّحاح،و اللّسان،و التّاج،و اختلف الصّحاح عنهما بأن روى العجز:*مرجم حرب تلتظي حرابه*

و تصغّر الحرب على:حريب،و القياس:حريبة، و قد سقطت الهاء-التّاء المربوطة-كيلا يلتبس بمصغّر «الحربة».و ممّن ذكروا هذا التّصغير«حريب»:الخليل ابن أحمد الفراهيديّ و بكر بن محمّد المازنيّ،و الصّحاح، و اللّسان،و المصباح،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن.(147)

محمود شيت:1-أ-حربه بالحربة حربا:طعنه بها.و حربا:سلبه جميع ما يملك.

ب-حاربه محاربة و حرابا:قاتله.و اللّه:عصاه.

ج-حرّب السّنان و غيره:أحدّه.و فلانا:أغضبه.

د-احتربوا:حارب بعضهم بعضا.

ه-تحاربوا:احتربوا.

و-الحرب:القتال بين فئتين،مؤنّثة،و قد تذكّر على معنى القتال؛جمعها:حروب.

ز-الحرب:الويل و الهلاك.

ح-الحرباء:دويبّة على شكل سامّ أبرص ذات قوائم أربع.

ط-الحربة:آلة قصيرة من الحديد محدودة الرّأس،تستعمل في الحرب؛جمعها:حراب.

ي-المحراب:الغرفة،و القصر،و صدر البيت، و أكرم موضع فيه،و مقام الإمام من المسجد.

2-أ-حاربه:قاتله.

ب-احتربوا:تحاربوا.

ج-الحرب:القتال.

د-الحربة:سلاح من حديد يستعمل في الصّولة.

تدريب الحربة:التّدريب على استعمال الحربة في القتال.

(1:176)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الحدّة عملا و هو ما يقابل السّلم،و يعبّر عنه في الفارسيّة بكلمة«ستيزه».و هذا المفهوم إذا استدام و استمرّ يعبّر عنه:بالمحاربة على«مفاعلة».

ثمّ إنّ الحرب إمّا بمقصد إتلاف النّفس أو بهدف إتلاف المال،و الأوّل:يقال فيه:المقاتلة،و الثّاني:يعبّر عنه بسلب المال.

و لمّا كان إهلاك النّفس هدفا أصليّا و مقصودا في الأغلب في مقام المحاربة،و يحتاج إلى عمل كثير و مقابلة مستديمة شديدة:يعبّر عنه بمطلق الحرب أو بالمحاربة.

و أمّا إتلاف المال أو أخذه،فيحتاج في مقام الاستعمال إلى ذكر المال،بعنوان المتعلّق ثانيا،فيقال:

حربت الرّجل ماله أو حرب الرّجل ماله.

و الظّاهر أن يكون المال بدلا من الرّجل،أو تمييزا من النّسبة.

و يؤيّد الأصل سائر مشتقّات المادّة من التّحارب

ص: 221

و الاحتراب و المحراب و التّحريب و غيرها.[إلى أن قال:]

ثمّ إنّ المحراب«مفعال»و معناه ما يحرب به،أي ما يتحقّق به الحدّة عملا،و هذه الوسيلة في مقام المحاربة، و التّحديد مع العدوّ:عبارة عن الأسلحة،و في مقام المجاهدة مع النّفس و محاربة الهوى و الحدّة في العبادة:

عبارة عن محلّ يستعدّ للعبادة من مسجد أو غرفة خالية.

و قد يطلق على غرفة أو بيت مخصوص للسّلطان، و هذا بلحاظ أنّه يتخلّى فيها لتدبير المملكة و المقابلة و المحاربة على الأعداء.(2:197)

النّصوص التّفسيريّة

الحرب

1- فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوالِكُمْ لا تَظْلِمُونَ وَ لا تُظْلَمُونَ.

البقرة:279

ابن عبّاس: فاستعدّوا للعذاب من اللّه في الآخرة بالنّار،و العذاب من رسوله في الدّنيا بالسّيف.(40)

البغويّ: قال أهل المعاني:حرب اللّه:النّار، و حرب رسول اللّه:السّيف.(1:387)

مثله الشّربينيّ.(1:185)

الزّمخشريّ: إن قلت:هلاّ قيل:«بحرب اللّه و رسوله»؟

قلت:كان هذا أبلغ،لأنّ المعنى:فأذنوا بنوع من الحرب عظيم من عند اللّه و رسوله.و روي أنّها لمّا نزلت قالت ثقيف:لا يديّ لنا بحرب اللّه و رسوله.(1:401)

نحوه النّسفيّ.(1:139)

أبو السّعود :أي ما أمرتم به من الاتّقاء و ترك البقايا،إمّا مع إنكار حرمته و إمّا مع الاعتراف بها فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ... أي فاعلموا بها،من أذن بالشّيء إذا علم به،أمّا على الأوّل فكحرب المرتدّين،و أمّا على الثّاني فكحرب البغاة.(1:317)

البروسويّ: أي بنوع من الحرب عظيم لا يقادر قدره كائن(من)عند(اللّه و رسوله).و حرب اللّه:حرب ناره،أي بعذاب من عنده،و حرب رسوله:نار حربه، أي القتال و الفتنة.فلمّا نزلت قالت ثقيف:لا طاقة لنا بحرب اللّه و رسوله.(1:438)

الآلوسيّ: و هو كحرب المرتدّين على الأوّل، و كحرب البغاة على الثّاني.و قيل:لا حرب حقيقة،و إنّما هو تهديد و تخويف،و جمهور المفسّرين على الأوّل.

و قرأ حمزة و عاصم في رواية ابن عيّاش (فاذنوا) بالمدّ،أي فأعلموا بها أنفسكم أو بعضكم بعضا أو غيركم،و هذا مستلزم لعلمهم بالحرب على أتمّ وجه.

و تنكير(حرب)للتّعظيم،و لذا لم يقل:بحرب اللّه تعالى بالإضافة.(3:53)

رشيد رضا :فسّر الأستاذ الإمام حرب اللّه لهم:

بغضبه و انتقامه.قال:و نحن إن لم نر أثر هذا في الماضين فإنّنا نراه في الحاضرين ممّن أصبحوا بعد الغنى يتكفّفون و من باتوا و المسألة الاجتماعيّة-مناصبة العمّال لأرباب الأموال-تهدّدهم بالويل و الثّبور.و أمّا الحرب من رسوله لهم،فهي مقاومتهم بالفعل في زمنه،و اعتبارهم أعداء له في هذا الزّمن الّذي لا يخلفه فيه أحد يقيم

ص: 222

شرعه.(3:102)

الطّباطبائيّ: و نسبة الحرب إلى اللّه و رسوله لكونه مرتبطا بالحكم الّذي للّه سبحانه فيه سهم بالجعل و التّشريع،و لرسوله فيه سهم بالتّبليغ،و لو كان للّه وحده لكان أمرا تكوينيّا،و أمّا رسوله فلا يستقلّ في أمر دون اللّه سبحانه،قال تعالى: لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ آل عمران:128.

و الحرب من اللّه و رسوله في حكم من الأحكام مع من لا يسلمه،هو تحميل الحكم على من ردّه من المسلمين بالقتال،كما يدلّ عليه قوله تعالى: فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ الحجرات:9،على أنّ للّه تعالى صنعا آخر في الدّفاع عن حكمه،و هو محاربته إيّاهم من طريق الفطرة،و هو تهييج الفطرة العامّة على خلافهم،و هي الّتي تقطع أنفاسهم،و تخرب ديارهم،و تعفي آثارهم،قال تعالى: وَ إِذا أَرَدْنا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنا مُتْرَفِيها فَفَسَقُوا فِيها فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْناها تَدْمِيراً الإسراء:16.(2:422)

مكارم الشّيرازيّ: تتغيّر في هذه الآية لهجة السّياق القرآنيّ،فبعد أن كانت الآيات السّابقة تنصح و تعظ،تهاجم هذه الآية المرابين بكلّ شدّة،و تنذرهم بلهجة صارمة أنّهم إذا واصلوا عملهم الرّبويّ،و لم يستسلموا لأوامر اللّه في الحقّ و العدل،و استمرّوا في امتصاص دماء الكادحين المحرومين،فلا يسع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلاّ أن يتوسّل بالقوّة العسكريّة لإيقافهم عند حدّهم و إخضاعهم للحقّ،و هذا بمثابة إعلان الحرب عليهم.و هي الحرب الّتي تنطلق من قانون: فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ الحجرات:9.

لذلك عند ما سمع الإمام الصّادق عليه السّلام أنّ مرابيا يتعاطى الرّبا بكلّ صراحة و يستهزئ بحرمته،هدّده بالقتل.

يتّضح من هذا أنّ هذا الحكم يخصّ الّذين ينكرون تحريم الرّبا في الإسلام.

على كلّ حال يستفاد من هذه الآية أنّ للحكومة الإسلاميّة أن تتوسّل بالقوّة لمكافحة الرّبا.(2:248)

و قد تقدّم بعض النّصوص في«أذن»فلاحظ

2- كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ...

المائدة:64

لاحظ«ط ف أ»

3- فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّا فِداءً حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها... محمّد:4

ابن عبّاس: الكفّار.(427)

حتّى لا يبقى أحد من المشركين.(الطّبرسيّ 5:97)

مجاهد :حتّى يخرج عيسى بن مريم،فيسلم كلّ يهوديّ و نصرانيّ و صاحب ملّة،و تأمن الشّاة من الذّئب،و لا تقرض فأرة جرابا،و تذهب العداوة من الأشياء كلّها،ذلك ظهور الإسلام على الدّين كلّه،و ينعم الرّجل المسلم،حتّى تقطر رجله دما إذا وضعها.

(الطّبريّ 26:42)

حتّى لا يبقى دين غير دين الإسلام.(الطّبرسيّ 5:97)

ص: 223

قتادة:حتّى لا يكون شرك.(الطّبريّ 26:42)

الحرب:من كان يقاتلهم سمّاهم حربا.

(الطّبريّ 26:42)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:فإذا لقيتم الّذين كفروا فاضربوا رقابهم،و افعلوا بأسراهم ما بيّنت لكم،حتّى تضع الحرب آثامها و أثقال أهلها،المشركين باللّه،بأن يتوبوا إلى اللّه من شركهم،فيؤمنوا به و برسوله،و يطيعوه في أمره و نهيه،فذلك وضع الحرب أوزارها.

و قيل: حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها و المعنى:حتّى تلقي الحرب أوزار أهلها.و قيل:معنى ذلك:حتّى يضع المحارب أوزاره.(26:42)

الزّجّاج: (حتّى)موصولة بالقتل و الأسر،المعنى فاقتلوهم و أسروهم حتّى تضع الحرب أوزارها، و التّفسير حتّى يؤمنوا و يسلموا،فلا يجب أن تحاربوهم، فما دام الكفر فالجهاد و الحرب قائمة أبدا.(5:6)

الزّمخشريّ: و المعنى:أنّهم يقتلون و يؤسرون حتّى تضع جنس الحرب الأوزار،و ذلك حين لا يبقى شوكة للمشركين.و إذا علّق بالمنّ و الفداء،فالمعنى أنّه يمنّ عليهم و يفادون حتّى تضع حرب بدر أوزارها.إلاّ أن يتأوّل المنّ و الفداء بما ذكرنا من التّأويل.(3:531)

ابن عطيّة: ظاهر الآية أنّها استعارة،يراد لها التزام الأمر أبدا؛و ذلك أنّ الحرب بين المؤمنين و الكافرين لا تضع أوزارها،فجاء هذا كما تقول:أنا أفعل كذا إلى يوم القيامة،فإنّما تريد:إنّك تفعله دائما.

(5:111)

الطّبرسيّ: أي حتّى يضع أهل الحرب أسلحتهم فلا يقاتلون....

و المعنى:حتّى تضع حربكم و قتالكم أوزار المشركين و قبائح أعمالهم بأن يسلموا،فلا يبقى إلاّ الإسلام خير الأديان و لا تعبد الأوثان.و هذا كما جاء في الحديث:

«و الجهاد ماض مذ بعثني اللّه إلى أن يقاتل آخر أمّتي الدّجّال».(5:97)

الفخر الرّازيّ: و في تعلّق(حتّى) وجهان:

أحدهما:تعلّقها بالقتل،أي اقتلوهم حتّى تضع.

و ثانيهما:بالمنّ و الفداء.و يحتمل أن يقال:متعلّقة ب(شدّوا الوثاق).و تعلّقها ب«القتل»أظهر و إن كان ذكره أبعد.

و في الأوزار وجهان:أحدهما:السّلاح،و الثّاني:

الآثام،و فيه مسائل:

المسألة الأولى:إن كان المراد الإثم،فكيف تضع الحرب الإثم و الإثم على المحارب؟و كذلك السّؤال في السّلاح،لكنّه على الأوّل أشدّ توجّها.فيقول:تضع الحرب الأوزار لا من نفسها،بل تضع الأوزار الّتي على المحاربين و السّلاح الّذي عليهم.

المسألة الثّانية:هل هذا كقوله تعالى: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف:82،حتّى يكون كأنّه قال:حتّى تضع أمّة الحرب أو فرقة الحرب أوزارها؟نقول:ذلك محتمل في النّظر الأوّل.لكن إذا أمعنت في المعنى تجد بينهما فرقا؛ و ذلك لأنّ المقصود من قوله: حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها الحرب بالكلّيّة؛بحيث لا يبقى في الدّنيا حزب من أحزاب الكفر يحارب حزبا من أحزاب الإسلام.

و لو قلنا:حتّى تضع أمّة الحرب جاز أن يضعوا

ص: 224

الأسلحة و يتركوا الحرب و هي باقية بمادّتها،كما تقول:

خصومتي ما انفصلت و لكنّي تركتها في هذه الأيّام.و إذا أسندنا الوضع إلى الحرب يكون معناه إنّ الحرب لم يبق.

المسألة الثّالثة:لو قال:حتّى لا يبقى حرب أو ينفر من الحرب،هل يحصل معنى قوله: حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها؟

نقول:لا،و التّفاوت بين العبارتين مع قطع النّظر عن النّظم،بل النّظر إلى نفس المعنى،كالتّفاوت بين قولك:انقرضت دولة بني أميّة،و قولك:لم يبق من دولتهم أثر،و لا شكّ أنّ الثّاني أبلغ.فكذلك هاهنا قوله تعالى:(اوزارها)معناه آثارها،فإنّ أوزار الحرب من آثارها.

المسألة الرّابعة:وقت وضع أوزار الحرب متى هو؟

نقول:فيه أقوال حاصلها راجع إلى أنّ ذلك الوقت هو الوقت الّذي لا يبقى فيه حزب من أحزاب الإسلام و حزب من أحزاب الكفر.و قيل:ذلك عند قتال الدّجّال، و نزول عيسى عليه السّلام.(28:45)

و في هذه الآية مباحث راجع«و ز ر:(أوزار)»

حارب

إِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ. التّوبة:7

لاحظ«ر ص د»

يحاربون

إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي اَلْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ. المائدة:33

ابن عبّاس: يكفرون باللّه و رسوله.(94)

كان قوم من أهل الكتاب بينهم و بين النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عهد و ميثاق،فنقضوا العهد و أفسدوا في الأرض،فخيّر اللّه رسوله،إن شاء أن يقتل،و إن شاء أن يقطع أيديهم و أرجلهم من خلاف.

نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 6:206)

في قطّاع الطّريق:إذا قتلوا و أخذوا المال قتلوا و صلبوا،و إذا قتلوا و لم يأخذوا المال قتلوا و لم يصلبوا، و إذا أخذوا المال و لم يقتلوا قطعت أيديهم و أرجلهم من خلاف،و إذا أخافوا السّبيل و لم يأخذوا مالا نفوا في الأرض.(البغويّ 2:45)

أنس بن مالك: قدم ثمانية نفر من عكل على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فأسلموا،ثمّ اجتووا المدينة،فأمرهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن يأتوا إبل الصّدقة،فيشربوا من أبوالها و ألبانها ففعلوا،فقتلوا رعاتها،و استاقوا الإبل،فأرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في إثرهم قافة (1)،فأتي بهم فقطع أيديهم و أرجلهم،و تركهم فلم يحسمهم،حتّى ماتوا.

[و في رواية]كانوا أربعة نفر من عرينة،و ثلاثة من عكل،فلمّا أتي بهم قطع أيديهم و أرجلهم و سمل أعينهم، و لم يحسمهم،و تركهم يتلقّمون الحجارة بالحرّة،فأنزل اللّه جلّ و عزّ في ذلك[الآية...]

[و في رواية]أنّ هذه الآية نزلت في أولئك النّفر

ص: 225


1- جمع:قائف:الّذي يتّبع الأثر.

العرنيّين،و هم من بجيلة،فارتدّوا عن الإسلام،و قتلوا الرّاعي،و استاقوا الإبل،و أخافوا السّبيل،و أصابوا الفرج الحرام.(الطّبريّ 6:208)

سعيد بن جبير: كان ناس أتوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فقالوا:

نبايعك على الإسلام فبايعوه،و هم كذبة و ليس الإسلام يريدون،ثمّ قالوا:إنّا نجتوي المدينة،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

«هذه اللّقاح تغدو عليكم و تروح،فاشربوا من أبوالها و ألبانها».

فبينا هم كذلك إذ جاء الصّريخ فصرخ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال:قتلوا الرّاعي،و ساقوا النّعم.فأمر نبيّ اللّه،فنودي في النّاس:أن يا خيل اللّه اركبي،فركبوا لا ينتظر فارس فارسا،فركب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على أثرهم، فلم يزالوا يطلبونهم حتّى أدخلوهم مأمنهم،فرجع صحابة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و قد أسروا منهم،فأتوا بهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فأنزل اللّه إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ....

فكان نفيهم أن نفوهم حتّى أدخلوهم مأمنهم و أرضهم،و نفوهم من أرض المسلمين،و قتل نبيّ اللّه منهم و صلب و قطع و سمل الأعين،فما مثّل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قبل و لا بعد،و نهى عن المثلة،و قال:«لا تمثّلوا بشيء».(الطّبريّ 6:207)

مجاهد :إنّه الزّنى و القتل و السّرقة.

(الماورديّ 2:33)

عكرمة :نزلت هذه الآية في المشركين،فمن تاب منهم من قبل أن تقدروا عليه،لم يكن عليه سبيل، و ليست تحرز هذه الآية الرّجل المسلم من الحدّ إن قتل أو أفسد في الأرض،أو حارب اللّه و رسوله،ثمّ ألحق بالكفّار قبل أن يقدر عليه،لم يمنعه ذلك أن يقام فيه الحدّ الّذي أصاب.

مثله الحسن.(الطّبريّ 6:206)

الإمام الباقر عليه السّلام: من حمل السّلاح باللّيل فهو محارب،إلاّ أن يكون رجلا ليس من أهل الرّيبة.

(الكاشانيّ 2:32)

عطاء: إنّه المجاهر بقطع الطّريق دون المكابر في المصر.

مثله أبو حنيفة.(الماورديّ 2:33)

مالك: إنّه المجاهر بقطع الطّريق و المكابر باللّصوصيّة في المصر و غيره.

مثله الشّافعيّ و الأوزاعيّ(الماورديّ 2:33)

نحوه ليث بن سعد و ابن لهيعة.(الطّوسيّ 3:504)

الوليد بن مسلم: قلت لمالك بن أنس:تكون محاربة في المصر؟قال:نعم،و المحارب عندنا:من حمل السّلاح على المسلمين في مصر أو خلاء،فكان ذلك منه على غير نائرة كانت بينهم و لا ذحل و لا عداوة،قاطعا للسّبيل و الطّريق و الدّيار،مخيفا لهم بسلاحه،فقتل أحدا منهم،قتله الإمام كقتله المحارب،ليس لوليّ المقتول فيه عفو و لا قود.

[و في رواية أخرى]سألت عن ذلك اللّيث بن سعد و ابن لهيعة.

قلت:تكون المحاربة في دور المصر و المدائن و القرى؟فقالا:نعم،إذا هم دخلوا عليهم بالسّيوف علانية أو ليلا بالنّيران.

ص: 226

قلت:فقتلوا،أو أخذوا المال و لم يقتلوا؟فقال:نعم، هم المحاربون،فإن قتلوا قتلوا،و إن لم يقتلوا و أخذوا المال قطعوا من خلاف إذا هم خرجوا به من الدّار،ليس من حارب المسلمين في الخلاء و السّبيل بأعظم من محاربة من حاربهم في حريمهم و دورهم.

(الطّبريّ 6:210)

ابن قتيبة :المحاربون للّه و رسوله:هم الخارجون على الإمام و على جماعة المسلمين يخيفون السّبل، و يسعون في الأرض بالفساد،و هم ثلاثة أصناف:

رجل قتل النّفس و لم يأخذ مالا،و رجل قتل النّفس و أخذ المال،و رجل أخذ المال و لم يقتل النّفس.فإذا قدر الإمام عليهم فإنّ بعضهم يقول:هو مخيّر في هذه العقوبات بأيّها شاء عاقب كلّ صنف منهم حدّا لا يتجاوزه إلى غيره.

فمن قتل النّفس و لم يأخذ المال قتل،لأنّ النّفس بالنّفس.

و من قتل النّفس و أخذ المال:صلب إلى أن يموت، فكان الشّهر له بالصّلب جزاء له بأخذه المال،و قتله جزاء له بقتله النّفس.

و من أصاب المال و لم يقتل،فإن شاء الإمام قطع يده اليمنى جزاء بالسّرق و رجله اليسرى جزاء بالخروج و المجاهرة بالفساد،و إن شاء نفاه من الأرض.(399)

الطّبريّ: و هذا بيان من اللّه عزّ ذكره،عن حكم الفساد في الأرض،الّذي ذكره في قوله: مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ المائدة:32.

أعلم عباده ما الّذي يستحقّ المفسد في الأرض من العقوبة و النّكال،فقال تبارك و تعالى:لا جزاء له في الدّنيا إلاّ القتل و الصّلب،و قطع اليد و الرّجل من خلاف، أو النّفي من الأرض خزيا لهم.و أمّا في الآخرة إن لم يتب في الدّنيا فعذاب عظيم.[ثمّ ذكر الأقوال إلى أن قال:]

و أولى الأقوال في ذلك عندي أن يقال:أنزل اللّه هذه الآية على نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم معرفة حكمه على من حارب اللّه و رسوله،و سعى في الأرض فسادا بعد الّذي كان من فعل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بالعرنيّين ما فعل.

[و إنّما قلنا ذلك لتظاهر الأخبار في العرنيّين،و لأنّه كان أولى بالآية السّابقة مِنْ أَجْلِ ذلِكَ الآية.

فإن قيل:كيف يجوز ذلك و الآية السّابقة في حال نقض كافر من بني إسرائيل عهده و هذه الآية في أهل الإسلام،يقال:يجوز ذلك،لأنّ الّذين نقضوا عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كانوا في عهد معه،ثمّ نقل الأقوال في نسخ حكم الآية و عدمه،و الّذي يستحقّ أن يصدق عليه اسم المحارب و حكمه،انتهى ملخّصا](6:205-209)

الزّجّاج: موضع(ان)رفع:المعنى إنّما جزاؤهم القتل،أو الصّلب،أو القطع للأيدي و الأرجل من خلاف،لأنّ القائل إذا قال:إنّما جزاؤك دينار،فالمعنى ما جزاؤك إلاّ دينار.

و قول العلماء إنّ هذه الآية نزلت في الكفّار خاصّة، و روي في التّفسير:أنّ أبا برزة الأسلميّ كان عاهد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ألاّ يعرض لما يريد النّبيّ بسوء و ألاّ يمنع من ذلك،و أنّ النّبيّ لا يمنع من يريد أبا برزة،فمرّ قوم يريدون النّبيّ بأبي برزة فعرض أصحابه لهم،فقتلوا و أخذوا

ص: 227

المال،فأنزل اللّه تعالى على نبيّه،و أتاه جبرئيل فأعلمه أنّ اللّه يأمره أنّ من أدركه منهم قد قتل و أخذ المال قتله و صلبه،و من قتل و لم يأخذ المال قتله،و من أخذ المال و لم يقتل قطع يده لأخذه المال،و قطع رجله لإخافة السّبيل.

و قال بعضهم:المسلمون مخيّرون في أمر المشركين، إن شاءوا قتلوهم و صلبوهم،أو قطعوا أيديهم و أرجلهم من خلاف.(2:169)

الجصّاص :قوله تعالى: يُحارِبُونَ اللّهَ هو مجاز ليس بحقيقة،لأنّ اللّه يستحيل أن يحارب،و هو يحتمل وجهين:

أحدهما:أنّه سمّى الّذين يخرجون ممتنعين مجاهرين بإظهار السّلاح و قطع الطّريق:محاربين،لما كانوا بمنزلة من حارب غيره من النّاس و مانعه،فسمّوا محاربين تشبيها لهم بالمحاربين من النّاس،كما قال تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ شَاقُّوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ الحشر:4،و قوله: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ المجادلة:5،و معنى المشاقّة:أن يصير كلّ واحد منهما في شقّ يباين صاحبه، و معنى المحادّة:أن يصير كلّ واحد منهما في حدّ على وجه المفارقة؛و ذلك يستحيل على اللّه تعالى؛إذ ليس بذي مكان فيشاقّ أو يحادّ أو تجوّز عليه المباينة و المفارقة.

و لكنّه تشبيه بالمعاديين؛إذ صار كلّ واحد منهما في شقّ و ناحية على وجه المباينة؛و ذلك منه على وجه المبالغة في إظهار المخالفة و المباينة،فكذلك قوله تعالى: يُحارِبُونَ اللّهَ يحتمل أن يكونوا سمّوا بذلك تشبيها بمظهري الخلاف على غيرهم و محاربتهم إيّاهم من النّاس.

و خصّت هذه الفرقة بهذه السّمة لخروجها ممتنعة بأنفسها لمخالفة أمر اللّه تعالى و انتهاك الحريم و إظهار السّلاح.و لم يسمّ بذلك كلّ عاص للّه تعالى؛إذ ليس بهذه المنزلة في الامتناع و إظهار المغالبة في أخذ الأموال و قطع الطّريق.

و يحتمل أن يريد الّذين يحاربون أولياء اللّه و رسوله، كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ الأحزاب:57، و المعنى يؤذون أولياء اللّه،و يدلّ على ذلك أنّهم لو حاربوا رسول اللّه لكانوا مرتدّين بإظهار محاربة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قد يصحّ إطلاق لفظ المحاربة للّه و لرسوله على من عظمت جريرته بالمجاهرة بالمعصية و إن كان من أهل الملّة،و الدّليل عليه ما روى زيد بن أسلم عن أبيه:أنّ عمر بن الخطّاب رأى معاذا يبكي،فقال:ما يبكيك؟ قال:سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يقول:«اليسير من الرّياء شرك،من عادى أولياء اللّه فقد بارز اللّه بالمحاربة».

فأطلق عليه اسم«المحاربة»و لم يذكر الرّدّة.و من حارب مسلما على أخذ ماله فهو معاد لأولياء اللّه تعالى محارب للّه تعالى بذلك.و روى أسباط عن السّدّيّ عن صبيح مولى أمّ سلمة عن زيد بن أرقم،أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال لعليّ و فاطمة و الحسن و الحسين:«أنا حرب لمن حاربتم،سلم لمن سالمتم»فاستحقّ من حاربهم اسم المحارب للّه و رسوله و إن لم يكن مشركا.فثبت بما ذكرنا أنّ قاطع الطّريق يقع عليه اسم المحارب للّه عزّ و جلّ و لرسوله،و يدلّ عليه أيضا ما روى أشعث عن الشّعبيّ عن سعد بن قيس:أنّ حارثة بن بدر حارب اللّه و رسوله و سعى في الأرض فسادا و تاب من قبل أن يقدر عليه،فكتب عليّ رضي

ص: 228

اللّه عنه إلى عامله بالبصرة:«أنّ حارثة بن بدر حارب اللّه و رسوله و تاب من قبل أن نقدر عليه فلا تعرضنّ له إلاّ بخير».فأطلق عليه اسم المحارب للّه و رسوله و لم يرتدّ و إنّما قطع الطّريق.

فهذه الأخبار و ما ذكرنا من معنى الآية دليل على أنّ هذا الاسم يلحق قطّاع الطّريق و إن لم يكونوا كفّارا و لا مشركين،مع أنّه لا خلاف بين السّلف و الخلف من فقهاء الأمصار أنّ هذا الحكم غير مخصوص بأهل الرّدّة، و أنّه فيمن قطع الطّريق و إن كان من أهل الملّة.

و حكي عن بعض المتأخّرين ممّن لا يعتدّ به:أنّ ذلك مخصوص بالمرتدّين.و هو قول ساقط مردود مخالف للآية و إجماع السّلف و الخلف،و يدلّ على أنّ المراد به قطّاع الطّريق من أهل الملّة قوله تعالى: إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ المائدة:34،و معلوم أنّ المرتدّين لا يختلف حكمهم في زوال العقوبة عنهم بالتّوبة بعد القدرة كما تسقطها عنهم قبل القدرة،و قد فرّق اللّه بين توبتهم قبل القدرة أو بعدها.

و أيضا فإنّ الإسلام لا يسقط الحدّ عمّن وجب عليه؛ فعلمنا أنّ المراد:قطّاع الطّريق من أهل الملّة،و أنّ توبتهم من الفعل قبل القدرة عليهم هي المسقطة للحدّ عنهم.

و أيضا فإنّ المرتدّ يستحقّ القتل بنفس الرّدّة دون المحاربة،و المذكور في الآية من استحقّ القتل بالمحاربة، فعلمنا أنّه لم يرد المرتدّ.

و أيضا ذكر فيه نفي من لم يتب قبل القدرة عليه و المرتدّ لا ينفى؛فعلمنا أنّ حكم الآية جار في أهل الملّة.

و أيضا فإنّه لا خلاف إنّ أحدا لا يستحقّ قطع اليد و الرّجل بالكفر،و أنّ الأسير من أهل الرّدّة متى حصل في أيدينا عرض عليه الإسلام،فإن أسلم،و إلاّ قتل و لا تقطع يده و لا رجله.

و أيضا فإنّ الآية أوجبت قطع يد المحارب و رجله و لم توجب معه شيئا آخر،و معلوم أنّ المرتدّ لا يجوز أن تقطع يده و رجله و يخلّى سبيله،بل يقتل إن لم يسلم، و اللّه تعالى قد أوجب الاقتصار بهم في حال على قطع اليد و الرّجل دون غيره.

و أيضا ليس من حكم المرتدّين الصّلب،فعلمنا أنّ الآية في غير أهل الرّدّة،و يدلّ عليه أيضا قوله تعالى:

قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ الأنفال:38،و قال في المحاربين: إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ فَاعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ المائدة:

34،فشرط في زوال الحدّ عن المحاربين وجود التّوبة منهم قبل القدرة عليهم،و أسقط عقوبة الكفر بالتّوبة قبل القدرة و بعدها،فلما علم أنّه لم يرد بالمحاربين:أهل الرّدّة.

فهذه الوجوه الّتي ذكرناها كلّها دالّة على بطلان قول من ادّعى خصوص الآية في المرتدّين.

فإن قال قائل:قد روى قتادة و عبد العزيز بن صهيب و غيرهما عن أنس قال:قدم على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أناس من عرينة،فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«لو خرجتم إلى ذودنا فشربتم من ألبانها و أبوالها،ففعلوا،فلمّا صحوا قاموا إلى راعي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فقتلوه و رجعوا كفّارا، و استاقوا ذود رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

ص: 229

فأرسل في طلبهم فأتي بهم،فقطع أيديهم و أرجلهم و سمل أعينهم،و تركهم في الحرّة حتّى ماتوا.

قيل له:إنّ خبر العرنيّين مختلف فيه،فذكر بعضهم عن أنس نحو ما ذكرنا و زاد فيه أنّه كان سبب نزول الآية،و روى الكلبيّ عن أبي صالح عن ابن عبّاس أنّها نزلت في أصحاب أبي برزة الأسلميّ و كان موادعا للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فقطعوا الطّريق على قوم جاءوا يريدون الإسلام،فنزلت فيهم،و روى عكرمة عن ابن عبّاس أنّها نزلت في المشركين فلم يذكر مثل قصّة العرنيّين، و روي عن ابن عمر أنّها نزلت في العرنيّين و لم يذكر ردّة.

و لا يخلو نزول الآية من أن يكون في شأن العرنيّين أو الموادعين،فإن كان نزولها في العرنيّين و أنّهم ارتدّوا، فإنّ نزولها في شأنهم لا يوجب الاقتصار بها عليهم،لأنّه لا حكم للسّبب عندنا و إنّما الحكم عندنا لعموم اللّفظ،إلاّ أن تقوم الدّلالة على الاقتصار به على السّبب.

و أيضا فإنّ من ذكر نزولها في شأن العرنيّين،فإنّه ما ذكر أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلم بعد نزول الآية[فعل]شيئا،و إنّما تركهم في الحرّة حتّى ماتوا.و يستحيل نزول الآية في الأمر بقطع من قد قطع و قتل من قد قتل،لأنّ ذلك غير ممكن،فعلمنا أنّهم غير مرادين بحكم الآية،و لأنّ الآية عامّة في سائر من يتناوله الاسم غير متصوّر الحكم على المرتدّين.و قد روى همام عن قتادة عن ابن سيرين قال:كان أمر العرنيّين قبل أن ينزل الحدود،فأخبر أنّه كان قبل نزول الآية،و يدلّ عليه أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلم سمل أعينهم،و ذلك منسوخ بنهي النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلم عن المثلة.

و أيضا لمّا كان نزول الآية بعد قصّة العرنيّين و اقتصر فيها على ما ذكر و لم يذكر سمل الأعين،فصار سمل الأعين منسوخا بالآية،لأنّه لو كان حدّا معه لذكره، و هو مثل ما روي في خبر عبادة في البكر بالبكر جلد مائة و تغريب عام،و الثّيّب بالثّيّب الجلد و الرّجم،ثمّ أنزل اللّه تعالى: اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ النّور:2،فصار الحدّ هو ما في الآية دون غيره، و صار النّفي منسوخا بها.

و ممّا يدلّ على أنّ الآية لم تنزل في العرنيّين و أنّها نزلت بعدهم أنّ فيها ذكر القتل و الصّلب و ليس فيها ذكر سمل الأعين.و غير جائز أن تكون الآية نزلت قبل إجراء الحكم عليهم،و أن يكونوا مرادين بها،لأنّه لو كان كذلك لأجرى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلم حكمها عليهم،فلمّا لم يصلبوا و سملهم،دلّ على أنّ حكم الآية لم يكن ثابتا حينئذ، فثبت بذلك أنّ حكم الآية غير مقصور على المرتدّين، و أنّه عامّ في سائر المحاربين.[ثمّ ذكر اختلاف الفقهاء في حكم المحاربين](2:406)

الواحديّ: يعصونهما و لا يطيعونهما،و كلّ من عصاك فهو حرب لك.(2:181)

الزّمخشريّ: يحاربون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و محاربة المسلمين في حكم محاربته.

نزلت في قوم هلال بن عويمر،و كان بينه و بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم عهد،و قد مرّ بهم قوم يريدون رسول اللّه فقطعوا عليهم.

و قيل:في العرنيّين،فأوحى إليه:أنّ من جمع بين القتل و أخذ المال قتل و صلب،و من أفرد القتل قتل، و من أفرد أخذ المال قطعت يده لأخذ المال،و رجله

ص: 230

لإخافة السّبيل،و من أفرد الإخافة نفي من الأرض.

و قيل:هذا حكم كلّ قاطع طريق،كافرا كان أو مسلما.(1:609)

ابن عطيّة: اقتضى المعنى في هذه الآية كون(انّما) حاصرة الحصر التّامّ،و اختلف النّاس في سبب هذه الآية.[ثمّ ذكر قول ابن عبّاس و الضّحّاك و أضاف:]

و يشبه أن تكون نازلة[في]بني قريظة حين همّوا بقتل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و قال عكرمة و الحسن:نزلت الآية في المشركين.

و في هذا ضعف،لأنّ توبة المشرك نافعة بعد القدرة عليه و على كلّ حال.[ثمّ ذكر قول أنس و سعيد و غيرهم إلى أن قال:]

و حكى الطّبريّ عن بعض أهل العلم أنّ هذه الآية نسخت فعل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بالعرنيّين و وقفت الأمر على هذه الحدود.و قال بعضهم:و جعلها اللّه عتابا لنبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم على سمل الأعين،و حكي عن جماعة من أهل العلم:أنّ هذه الآية ليست بناسخة لذلك الفعل،لأنّ ذلك وقع في المرتدّين.

لا سيّما و في بعض الطّرق أنّهم سملوا أعين الرّعاة، قالوا:و هذه الآية هي في المحارب المؤمن.و حكى الطّبريّ عن السّدّيّ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لم يسمل أعين العرنيّين و إنّما أراد ذلك،فنزلت الآية ناهية عن ذلك.

و هذا قول ضعيف تخالفه الرّوايات المتظاهرة، و لا خلاف بين أهل العلم أنّ حكم هذه الآية مترتّب في المحاربين من أهل الإسلام.و اختلفوا فيمن هو الّذي يستحقّ اسم«الحرابة»فقال مالك بن أنس رحمه اللّه:

المحارب عندنا من حمل على النّاس السّلاح في مصر أو برّيّة،فكابرهم عن أنفسهم و أموالهم دون نائرة و لا ذحل و لا عداوة،و قال بهذا القول جماعة من أهل العلم.و قال أبو حنيفة و أصحابه و جماعة من أهل العلم:

لا يكون المحارب إلاّ القاطع على النّاس في خارج الأمصار،فأمّا في المصر فلا.

يريدون أنّ القاطع في المصر يلزمه حدّ ما اجترح من قتل أو سرقة أو غصب و نحو ذلك.و الحرابة رتب أدناها إخافة الطّريق فقط،لكنّها توجب صفة الحرابة، ثمّ بعد ذلك أن يأخذ المال مع الإخافة،ثمّ بعد ذلك أن يقتل مع الإخافة،ثمّ بعد ذلك أن يجمع ذلك كلّه،فقال مالك رحمه اللّه و جماعة من العلماء:في أيّ رتبة كان المحارب من هذه الرّتب فالإمام مخيّر فيه في أن يعاقبه بما رأى من هذه العقوبات،و استحسن أن يأخذ في الّذي لم يقتل بأيسر العقوبات.

لا سيّما إن كانت زلّة و لم يكن صاحب شرور معروفة،و أمّا إن قتل فلا بدّ من قتله.و قال ابن عبّاس رضي اللّه عنه و الحسن و أبو مجلز و قتادة و غيرهم من العلماء:بل لكلّ رتبة من الحرابة رتبة من العقاب،فمن أخاف الطّرق فقط فعقوبته النّفي،و من أخذ المال و لم يقتل فعقوبته القطع من خلاف،و من قتل دون أخذ مال فعقوبته القتل،و من جمع الكلّ قتل و صلب.

و حجّة هذا القول أنّ الحرابة لا تخرج عن الإيمان و دم المؤمن حرام إلاّ بإحدى ثلاث:ارتداد،أو زنى بعد إحصان،أو قتل نفس،فالمحارب إذا لم يقتل فلا سبيل إلى قتله.و قد روي عن ابن عبّاس و الحسن أيضا و سعيد بن

ص: 231

المسيّب و غيرهم مثل قول مالك:إنّ الإمام مخيّر،و من حجّة هذا القول أنّ ما كان في القرآن«أو،أو»،فإنّه للتّخيير،كقوله تعالى: فَفِدْيَةٌ مِنْ صِيامٍ أَوْ صَدَقَةٍ أَوْ نُسُكٍ البقرة:196،و كآية كفّارة اليمين و آية جزاء الصّيد.

و رجّح الطّبريّ القول الآخر و هو أحوط للمفتي و لدم المحارب،و قول مالك أسدّ للذّريعة و أحفظ للنّاس و الطّرق،و المخيف في حكم القاتل،و مع ذلك فما لك يرى فيه الأخذ بأيسر العقوبات استحسانا.

و ذكر الطّبريّ عن أنس بن مالك أنّه قال:سأل رسول اللّه جبرئيل عليهما السّلام عن الحكم في المحارب،فقال:

من أخاف السّبيل و أخذ المال فاقطع يده للأخذ،و رجله للإخافة،و من قتل فاقتله،و من جمع ذلك فاصلبه.و بقي النّفي للمخيف فقط.و قوله تعالى: يُحارِبُونَ اللّهَ تغليظ جعل ارتكاب نهيه محاربة،و قيل:التّقدير يحاربون عباد اللّه،ففي الكلام حذف مضاف.(2:183)

ابن العربيّ: فيها اثنتا عشرة مسألة:

المسألة الأولى: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ ظاهرها محال؛فإنّ اللّه سبحانه لا يحارب و لا يغالب و لا يشاقّ و لا يحادّ لوجهين:

أحدهما:ما هو عليه من صفات الجلال،و عموم القدرة و الإرادة على الكمال،و ما وجب له من التّنزّه عن الأضداد و الأنداد.

الثّاني:أنّ ذلك يقتضي أن يكون كلّ واحد من المتحاربين في جهة و فريق عن الآخر.و الجهة على اللّه تعالى محال،و قد قال جماعة من المفسّرين:لما وجب من حمل الآية على المجاز،معناه يحاربون أولياء اللّه،و عبّر بنفسه العزيزة سبحانه عن أوليائه إكبارا لإذايتهم،كما عبّر بنفسه عن الفقراء في قوله تعالى: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً البقرة:245؛لطفا بهم و رحمة لهم،و كشفا للغطاء عنه بقوله في الحديث الصّحيح:

عبدي مرضت فلم تعدني،و جعت فلم تطعمني، و عطشت فلم تسقني،فيقول:و كيف ذلك و أنت ربّ العالمين؟فيقول:مرض عبدي فلان،و لو عدته لوجدتني عنده.و ذلك كلّه على البارئ سبحانه محال، و لكنّه كني بذلك عنه تشريفا له،كذلك في مسألتنا مثله.

و قد قال المفسّرون:إنّ الحرابة هي الكفر،و هي معنى صحيح،لأنّ الكفر يبعث على الحرب؛و هذا مبيّن في مسائل الخلاف.

المسألة الثّانية:في سبب نزولها،و فيها خمسة أقوال:

الأوّل:أنّها نزلت في أهل الكتاب؛نقضوا العهد، و أخافوا السّبيل،و أفسدوا في الأرض،فخيّر اللّه نبيّه فيهم.

الثّاني:نزلت في المشركين،قاله الحسن.

الثّالث:نزلت في عكل أو عرينة،قدم منهم نفر على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم المدينة و تكلّموا بالإسلام،فقالوا:يا نبيّ اللّه؛إنّا كنّا أهل ضرع،و لم نكن أهل ريف،و استوخموا المدينة، فأمر لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بذود و راع،و أمرهم أن يخرجوا فيه،فيشربوا من ألبانها و أبوالها،فانطلقوا حتّى إذا كانوا بناحية الحرّة كفروا بعد إسلامهم،و قتلوا راعي النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، و استاقوا الذّود.فبلغ ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فبعث الطّلب في آثارهم،فأمر بهم فسملوا أعينهم،و قطعوا أيديهم،

ص: 232

و تركوا في ناحية الحرّة حتّى ماتوا على حالهم.

و قال قتادة:فبلغنا أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بعد ذلك كان يحثّ على الصّدقة و ينهى عن المثلة.

هذا في الصّحيح من قصّتهم،و تمامها على الاستيفاء في صريح الصّحيح،زاد الطّبريّ:و في ذلك نزلت هذه الآية،و رواه جماعة.

الرّابع:أنّ هذه الآية نزلت معاتبة للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في شأن العرنيّين،قاله اللّيث.

الخامس:قال قتادة:هي ناسخة لما فعل في العرنيّين.

المسألة الثّالثة:في تحقيق ذلك:

لو ثبت أنّ هذه الآية نزلت في شأن عكل أو عرينة لكان غرضا ثابتا،و نصّا صريحا.

و اختار الطّبريّ أنّها نزلت في يهود،و دخل تحتها كلّ ذمّيّ و ملّيّ.و هذا ما لم يصحّ،فإنّه لم يبلغنا أنّ أحدا من اليهود حارب،و لا أنّه جوزي بهذا الجزاء.

و من قال:إنّها نزلت في المشركين أقرب إلى الصّواب،لأنّ عكلا و عرينة ارتدّوا و قتلوا و أفسدوا، و لكن يبعد،لأنّ الكفّار لا يختلف حكمهم في زوال العقوبة عنهم بالتّوبة بعد القدرة،كما يسقط قبلها،و قد قيل للكفّار: قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ ما قَدْ سَلَفَ الأنفال:38،و قال في المحاربين: إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ. و كذلك المرتدّ يقتل بالرّدّة دون المحاربة،و في الآية النّفي لمن لم يتب قبل القدرة،و المرتدّ لا ينفى،و فيها قطع اليد و الرّجل،و المرتدّ لا تقطع له يد و لا رجل؛فثبت أنّها لا يراد بها المشركون و لا المرتدّون.

فإن قيل:و كيف يصحّ أن يقال:إنّها في شأن العرنيّين أقوى،و لا يمكن أن يحكم فيهم بحكم العرنيّين من سمل الأعين،و قطع الأيدي؟

قلنا:ذلك ممكن،لأنّ الحربيّ إذا قطع الأيدي و سمل الأعين فعل به مثل ذلك إذا تعيّن فاعل ذلك.

فإن قيل:لم يكن هؤلاء حربيّين،و إنّما كانوا مرتدّين،و المرتدّ يلزم استتابته،و عند إصراره على الكفر يقتل.

قلنا:فيه روايتان:إحداهما أنّه يستتاب،و الأخرى لا يستتاب.

و قد اختلف العلماء على القولين،فقيل:لا يستتاب، لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قتل هؤلاء و لم يستتبهم.

و قيل:يستتاب المرتدّ،و هو مشهور المذهب،و إنّما ترك النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم استتابة هؤلاء لما أحدثوا من القتل و المثلة و الحرب،و إنّما يستتاب المرتدّ الّذي يرتاب فيستريب به و يرشد،و يبيّن له المشكل،و تجلّى له الشّبهة.

فإن قيل:فكيف يقال:إنّ هذه الآية تناولت المسلمين،و قد قال: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ و تلك صفة الكفّار؟

قلنا:الحرابة تكون بالاعتقاد الفاسد،و قد تكون بالمعصية،فيجازى بمثلها،و قد قال تعالى: فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ البقرة:279.

فإن قيل:ذلك فيمن يستحلّ الرّبا.

قلنا:نعم،و فيمن فعله،فقد اتّفقت الأمّة على أنّ من يفعل المعصية يحارب،كما لو اتّفق أهل بلد على العمل بالرّبا،و على ترك الجمعة و الجماعة.

ص: 233

المسألة الرّابعة:في تحقيق المحاربة:

و هي إشهار السّلاح قصد السّلب،مأخوذ من الحرب،و هو استلاب ما على المسلم بإظهار السّلاح عليه،و المسلمون أولياء اللّه بقوله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ* اَلَّذِينَ آمَنُوا يونس:62،63،و قد شرح ذلك مالك شرحا بالغا فيما رواه ابن وهب عنه،قال ابن وهب:قال مالك:المحارب الّذي يقطع السّبيل و ينفّر بالنّاس في كلّ مكان،و يظهر الفساد في الأرض و إن لم يقتل أحدا،إذا ظهر عليه يقتل؛ و إن لم يقتل فللإمام أن يرى فيه رأيه بالقتل،أو الصّلب،أو القطع،أو النّفي.قال مالك:و المستتر في ذلك و المعلن بحرابته سواء.و إن استخفى بذلك،و ظهر في النّاس إذا أراد الأموال و أخاف فقطع السّبيل أو قتل، فذلك إلى الإمام،يجتهد أيّ هذه الخصال شاء.و في رواية عن ابن وهب:أنّ ذلك إن كان قريبا و أخذ بحدثانه فليأخذ الإمام فيه بأشدّ العقوبة،و في ذلك أربعة أقوال:

الأوّل:ما تقدّم ذكره لمالك.

الثّاني:أنّها الزّنى و السّرقة و القتل،قاله مجاهد.

الثّالث:أنّه المجاهر بقطع الطّريق و المكابر باللّصوصيّة في المصر و غيره،قاله الشّافعيّ و مالك في رواية و الأوزاعيّ.

الرّابع:أنّه المجاهر في الطّريق لا في المصر،قاله أبو حنيفة و عطاء.

المسألة الخامسة:في التّنقيح:

أمّا قول مجاهد فساقط،إلاّ أن يريد به أن يفعله مجاهرة مغالبة،فإنّ ذلك أفحش في الحرابة.

قال القاضي رضي اللّه عنه:لقد كنت أيّام تولية القضاء قد رفع إليّ قوم خرجوا محاربين إلى رفقة، فأخذوا منهم امرأة مغالبة على نفسها من زوجها و من جملة المسلمين معه فيها فاحتملوها،ثمّ جدّ فيهم الطّلب فأخذوا و جيء بهم،فسألت من كان ابتلاني اللّه به من المفتين،فقالوا:ليسوا محاربين،لأنّ الحرابة إنّما تكون في الأموال لا في الفروج.فقلت لهم:إنّا للّه و إنّا إليه راجعون! أ لم تعلموا أنّ الحرابة في الفروج أفحش منها في الأموال، و أنّ النّاس كلّهم ليرضون أن تذهب أموالهم و تحرب من بين أيديهم و لا يحرب المرء من زوجته و بنته،و لو كان فوق ما قال اللّه عقوبة لكانت لمن يسلب الفروج، و حسبكم من بلاء صحبة الجهّال،و خصوصا في الفتيا و القضاء.

و أمّا قول من قال:إنّه سواء في المصر و البيداء،فإنّه أخذ بمطلق القرآن.

و أمّا من فرّق فإنّه رأى أنّ الحرابة في البيداء أفحش منها في المصر،لعدم الغوث في البيداء و إمكانه في المصر.

و الّذي نختاره:أنّ الحرابة عامّة في المصر و القفر، و إن كان بعضها أفحش من بعض،و لكن اسم الحرابة يتناولها،و معنى الحرابة موجود فيها،و لو خرج بعصا من في المصر لقتل بالسّيف،و يؤخذ فيه بأشدّ ذلك لا بأيسره،فإنّه سلب غيلة،و فعل الغيلة أقبح من فعل الظّاهرة،و لذلك دخل العفو في قتل المجاهرة،فكان قصاصا،و لم يدخل في قتل الغيلة،و كان حدّا،فتحرّر أنّ قطع السّبيل موجب للقتل في أصحّ أقوالنا،خلافا

ص: 234

للشّافعيّ و غيره.

فإن قيل:هذا لا يوجب إجراء الباغي بالفساد في الأرض خاصّة مجرى الّذي يضمّ إليه القتل و أخذ المال، لعظيم الزّيادة من أحدهما على الآخر.

و الّذي يدلّ على عدم التّسوية بينهما أنّ الّذي يضمّ إلى السّعي بالفساد في الأرض القتل و أخذ المال يجب القتل عليه،و لا يجوز إسقاطه عنه،و الّذي ينفرد بالسّعي في إخافة السّبيل خاصّة،يجوز ترك قتله،يؤكّده أنّ المحارب إذا قتل قوبل بالقتل،و إذا أخذ المال قطعت يده لأخذه المال،و رجله لإخافته السّبيل،و هذه عمدة الشّافعيّة علينا،و خصوصا أهل خراسان منهم،و هي باطلة لا يقولها مبتدئ.

أمّا قولهم:كيف يسوّى بين من أخاف السّبيل و قتل،و بين من أخاف السّبيل و لم يقتل،و قد وجدت منه الزّيادة العظمى،و هي القتل؟

قلنا:و ما الّذي يمنع من استواء الجريمتين في العقوبة و إن كانت إحداهما أفحش من الأخرى؟و لم أحلتم ذلك؟أ عقلا فعلتم ذلك أم شرعا؟

أمّا العقل فلا مجال له في هذا،و إن عوّلتم على الشّرع فأين الشّرع؟بل قد شاهدنا ذلك في الشّرع،فإنّ عقوبة القاتل كعقوبة الكافر،و إحداهما أفحش.

و أمّا قوله:لو استوى حكمهما لم يجز إسقاط القتل عمّن أخاف السّبيل و لم يقتل،كما لم يجز إسقاطه عمّن أخاف و قتل.

قلنا:هذه غفلة منكم،فإنّ الّذي يخيف و يقتل أجمعت الأمّة على تعيّن القتل عليه،فلم يجز مخالفته.

أمّا إذا أخاف و لم يقتل فهي مسألة مختلف فيها و محلّ اجتهاد،فمن أدّاه اجتهاده إلى القتل حكم به،و من أدّاه اجتهاده إلى إسقاطه أسقطه؛و لهذه النّكتة قال مالك:

و ليستشر ليعلم الحقيقة من الإجماع و الخلاف و طرق الاجتهاد لئلاّ يقدم على جهالة كما أقدمتم.

و أمّا قولهم:إنّ القتل يقابل القتل،و قطع اليد يقابل السّرقة،و قطع الرّجل يقابل المال،فهو تحكّم منهم و مزج للقصاص و السّرقة بالحرابة،و هو حكم منفرد بنفسه خارج عن جميع حدود الشّريعة،لفحشه و قبح أمره.[ثمّ أدام البحث في التّخيير و عدمه لإجراء الأحكام،فلاحظ](2:593)

الطّبرسيّ: [اكتفى بنقل الأقوال المتقدّمة]

(2:188)

ابن الجوزيّ: [نقل الأقوال حول معنى يحاربون ثمّ قال:]

و اعلم أنّ ذكر«المحاربة»للّه عزّ و جلّ في الآية مجاز، و في معناها للعلماء قولان:

أحدهما:أنّه سمّاهم محاربين له تشبيها بالمحاربين حقيقة،لأنّ المخالف محارب،و إن لم يحارب،فيكون المعنى:يخالفون اللّه و رسوله بالمعاصي.

و الثّاني:أنّ المراد يحاربون أولياء اللّه و أولياء رسوله.و قال سعيد بن جبير:أراد بالمحاربة للّه و رسوله الكفر بعد الإسلام.و قال مقاتل:أراد بها الشّرك.

(2:344)

نحوه الخازن.(2:37)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا ذكر في الآية

ص: 235

الأولى تغليظ الإثم في قتل النّفس بغير قتل نفس و لا فساد في الأرض أتبعه ببيان أنّ الفساد في الأرض الّذي يوجب القتل،ما هو،فإنّ بعض ما يكون فسادا في الأرض لا يوجب القتل،فقال: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ... الآية،و في الآية مسائل:

المسألة الأولى:في أوّل الآية سؤال،و هو أنّ المحاربة مع اللّه تعالى غير ممكنة،فيجب حمله على المحاربة مع أولياء اللّه،و المحاربة مع الرّسل ممكنة،فلفظة المحاربة إذا نسبت إلى اللّه تعالى كان مجازا،لأنّ المراد منه المحاربة مع أولياء اللّه،و إذا نسبت إلى الرّسول كانت حقيقة،فلفظ (يحاربون)في قوله: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ... يلزم أن يكون محمولا على المجاز و الحقيقة معا،و ذلك ممتنع،فهذا تقرير السّؤال.

و جوابه من وجهين:

الأوّل:أنّا نحمل المحاربة على مخالفة الأمر و التّكليف،و التّقدير:إنّما جزاء الّذين يخالفون أحكام اللّه و أحكام رسوله و يسعون في الأرض فسادا كذا و كذا.

و الثّاني:تقدير الكلام إنّما جزاء الّذين يحاربون أولياء اللّه تعالى و أولياء رسوله كذا و كذا.و في الخبر أنّ اللّه تعالى قال:«من أهان لي وليّا فقد بارزني بالمحاربة».

المسألة الثّانية:من النّاس من قال:هذا الوعيد مختصّ بالكفّار،و منهم من قال:إنّه في فسّاق المؤمنين، أمّا الأوّلون فقد ذكروا وجوها:[ثمّ ذكرها كما تقدّم،عن ابن العربيّ و أضاف:]

و الوجه الرّابع:أنّ هذه الآية نزلت في قطّاع الطّريق من المسلمين.و هذا قول أكثر الفقهاء،قالوا:و الّذي يدلّ على أنّه لا يجوز حمل الآية على المرتدّين وجوه:

أحدها:أنّ قطع المرتدّ لا يتوقّف على المحاربة و لا على إظهار الفساد في دار الإسلام،و الآية تقتضي ذلك.

و ثانيها:لا يجوز الاقتصار في المرتدّ على قطع اليد و لا على النّفي،و الآية تقتضي ذلك.

و ثالثها:أنّ الآية تقتضي سقوط الحدّ بالتّوبة قبل القدرة،و هو قوله: إِلاَّ الَّذِينَ تابُوا مِنْ قَبْلِ أَنْ تَقْدِرُوا عَلَيْهِمْ المائدة:34،و المرتدّ يسقط حدّه بالتّوبة قبل القدرة و بعدها،فدلّ ذلك على أنّ الآية لا تعلّق لها بالمرتدّين.

و رابعها:أنّ الصّلب غير مشروع في حقّ المرتدّ و هو مشروع هاهنا،فوجب أن لا تكون الآية مختصّة بالمرتدّ.

و خامسها:أنّ قوله: اَلَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ... الآية،يتناول كلّ من كان موصوفا بهذه الصّفة،سواء كان كافرا أو مسلما.أقصى ما في الباب أن يقال:الآية نزلت في الكفّار،لكنّك تعلم أنّ العبرة بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب.

المسألة الثّالث:المحاربون المذكورون في هذه الآية هم القوم الّذين يجتمعون و لهم منعة ممّن أرادهم بسبب أنّهم يحمي بعضهم بعضا و يقصدون المسلمين في أرواحهم و دمائهم،و إنّما اعتبرنا القوّة و الشّوكة،لأنّ قاطع الطّريق إنّما يمتاز عن السّارق بهذا القيد.و اتّفقوا على أنّ هذه الحالة إذا حصلت في الصّحراء كانوا قطّاع الطّريق.فأمّا لو حصلت في نفس البلدة فقال الشّافعيّ رحمه اللّه:إنّه يكون أيضا ساعيا في الأرض بالفساد،

ص: 236

و يقام عليه هذا الحدّ.قال:و أراهم في المصر إن لم يكونوا أعظم ذنبا فلا أقلّ من المساواة،و قال أبو حنيفة و محمّد رحمهما اللّه:إذا حصل ذلك في المصر فإنّه لا يقام عليه الحدّ.وجه قول الشّافعيّ رحمه اللّه النّصّ و القياس، أمّا النّصّ فعموم قوله تعالى: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ...

و معلوم أنّه إذا حصل هذا المعنى في البلد كان لا محالة داخلا تحت عموم هذا النّصّ.و أمّا القياس فهو أنّ هذا حدّ فلا يختلف في المصر و غير المصر كسائر الحدود.

وجه قول أبي حنيفة رحمه اللّه أنّ الدّاخل في المصر يلحقه الغوث في الغالب فلا يتمكّن من المقاتلة،فصار في حكم السّارق.(11:214)

القرطبيّ: [له بحث مستوفى،جمع فيه اختلاف العلماء في سبب النّزول و في حكم المحاربين إلاّ أنّه أيّد بعضها بروايات،و لم يأت بشيء جديد،فراجع]

(6:148)

البيضاويّ: أي يحاربون أولياءهما و هم المسلمون،جعل محاربتهم محاربتهما تعظيما.و أصل الحرب:السّلب،و المراد به هاهنا:قطع الطّريق.و قيل:

المكابرة باللّصوصيّة و إن كانت في مصر.(1:273)

النّسفيّ: أي أولياء اللّه في الحديث،يقول اللّه تعالى:«من أهان لي وليّا بارزني بالمحاربة».

(1:282)

أبو حيّان :[ذكر اختلاف المفسّرين في سبب نزول هذه الآية ثمّ قال:]

و الجمهور على أنّ هذه الآية ليست ناسخة و لا منسوخة.و قيل:نسخت ما فعل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بالعرنيّين من المثلة،و وقف الحكم على هذه الحدود.

و مناسبة هذه الآية لما قبلها ظاهرة،لمّا ذكر في الآية قبلها تغليظ الإثم في قتل النّفس بغير نفس و لا فساد في الأرض،أتبعه ببيان الفساد في الأرض الّذي يوجب القتل ما هو،فإنّ بعض ما يكون فسادا في الأرض لا يوجب القتل.و لا خلاف بين أهل العلم أنّ حكم هذه الآية مترتّب في المحاربين من أهل الإسلام.[فذكر مذاهب الفقهاء فيه،ثمّ قال:]

و أدنى الحرابة إخافة الطّريق،ثمّ أخذ المال مع الإخافة،ثمّ الجمع بين الإخافة و أخذ المال و القتل، و محاربة اللّه تعالى غير ممكنة،فيحمل على حذف مضاف،أي محاربون أولياء اللّه و رسوله.و إلاّ لزم أن يكون محاربة اللّه و رسوله جمعا بين الحقيقة و المجاز،فإذا جعل ذلك على حذف مضاف أو حملا على قدر مشترك، اندفع ذلك.

و قول ابن عبّاس:المحاربة هنا:الشّرك،و قول عروة:

الارتداد،غير صحيح عند الجمهور،و قد أورد ما يبطل قولهما.و في قوله: يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ تغليظ شديد لأمر الحرابة.[ثمّ ذكر معنى السّاعي و حكمه و حكم من يقتّل و من يصلّب،و في ما مضى عن المتقدّمين غنى عن الإعادة](3:470)

الفاضل المقداد: محاربة اللّه و رسوله محاربة المسلمين،جعل محاربتهم محاربة اللّه و رسوله تعظيما للفعل،و أصل الحرب السّلب،و منه حرب الرّجل ما له أي سلبه فهو محروب و حريب،و عند الفقهاء كلّ من جرّد السّلاح لإخافة النّاس في برّ أو بحر،ليلا أو نهارا،

ص: 237

ضعيفا كان أو قويّا،من أهل الرّيبة كان أو لم يكن،ذكرا كان أو أنثى،فهو محارب،و يدخل في ذلك قاطع الطّريق و المكابر على المال أو البضع،و(فسادا)منصوب صفة لمصدر محذوف أي سعيا فسادا،أو على الحال أي مفسدين،أو على أنّه مفعول له.

و اختلف في حدّه فقيل:على التّخيير لظاهر الآية؛إذ المجاز و الإضمار على خلاف الأصل فيتخيّر الإمام بين الأقسام الأربعة على أيّ فعل صدر منه.من قتل،أو أخذ مال،أو جرح،أو إخافة،فعلى هذا يصلب حيّا قطعا، و قيل:بالتّرتيب و التّفصيل و هو أقسام:الأوّل:يقتل إن قتل خاصّة،فلو عفى الوليّ قتل حدّا و لا معه قصاصا، الثّاني:إن أخذ المال و قتل،استرجع المال،و قطع مخالفا ثمّ قتل و صلب،الثّالث:إن أخذ المال خاصّة قطع مخالفا و نفي،الرّابع:إن جرح و لم يأخذ شيئا اقتصّ منه و نفي، الخامس:إن أشهر السّلاح و أخاف خاصّة نفي لا غير.

و من العجيب قول الرّاونديّ: إنّ هذا التّفصيل يدلّ عليه الآية،و ليت شعري من أيّ طريق تدلّ الآية و(او) صريحة في التّخيير بين الأقسام الأربعة،اللّهمّ إلاّ مع إضمار،و قد قلنا إنّ الأصل عدمه،فإن دلّ دليل على تقديره فيكون الدّلالة مستفادة من ذلك الدّليل،لا من الآية،فإذا الحقّ القول بالتّخيير،و هنا فوائد:

1-الصّلب على القول الأوّل يكون و هو حيّ قطعا، و على الثّاني قيل:يقتل ثمّ يصلب،و قيل:بل يصلب حيّا و يترك حتّى يموت،و قيل:يصلب و ينجع حتّى يموت.

2-القطع مخالفا و هو أن يقطع يمناه أوّلا حيّا ثمّ يقطع رجله اليسرى،و قد تقدّم كيفيّة القطع.

3-فسّر أبو حنيفة النّفي بالحبس،و قال الشّافعيّ و أصحابنا:هو النّفي من بلده،و أيّ بلد يستقرّ فيه أو يقصده يكتب إليهم أنّه محارب فلا يبايع و لا يعامل و لا يعاشر،و قيل:بل يقتصر على نفيه من بلده لا غير.

(2:351)

الشّربينيّ: أي يحاربون أولياءهما و هم المسلمون، جعل محاربتهم محاربتهما تعظيما.(1:373)

أبو السّعود :كلام مستأنف سيق لبيان حكم نوع من أنواع القتل،و ما يتعلّق به من الفساد بأخذ المال و نظائره،و تعيين موجبه العاجل و الآجل إثر بيان عظم شأن القتل بغير حقّ،و أدرج فيه بيان ما أشير إليه إجمالا،من الفساد المبيح للقتل.

قيل:أي يحاربون رسوله،و ذكر اللّه تعالى للتّمهيد و التّنبيه على رفعة محلّه عنده عزّ و جلّ.و محاربة أهل شريعته و سالكي طريقته من المسلمين محاربة له عليه السّلام، فيعمّ الحكم من يحاربهم و لو بعد أعصار،بطريق العبارة دون الدّلالة و القياس،لأنّ ورود النّصّ ليس بطريق خطاب المشافهة حتّى يختصّ حكمه بالمكلّفين عند النّزول،فيحتاج في تعميمه لغيرهم إلى دليل آخر.

و قيل:جعل محاربة المسلمين محاربة للّه و رسوله تعظيما لهم،و المعنى يحاربون أولياءهما.و أصل الحرب:

السّلب،و المراد هاهنا:قطع الطّريق.و قيل:المكابرة بطريق اللّصوصيّة و إن كانت في مصر.(2:264)

البروسويّ: أي يحاربون أولياءهما و هم المسلمون، جعل محاربتهم محاربتهما تعظيما لهم،و المراد بالمحاربة:

قطع الطّريق،و هو إنّما يكون من قوم اجتمعوا في

ص: 238

الصّحراء و تعرّضوا لدماء المسلمين و أموالهم و أزواجهم و إمائهم،و لهم قوّة و شوكة تمنعهم ممّن أرادهم.

(2:385)

شبّر:بمحاربة أوليائهما أو سائر المسلمين،جعل محاربتهم محاربتهما تعظيما.و المحارب:من شهر السّلاح لإخافة المسلم و لو في مصر.(2:169)

الآلوسيّ: ذهب أكثر المفسّرين-كما قال الطّبرسيّ و عليه جملة الفقهاء-إلى أنّها نزلت في قطّاع الطّريق، و الكلام كما قال الجصّاص على حذف مضاف،أي يحاربون أولياء اللّه تعالى و رسوله عليه الصّلاة و السّلام، فهو كقوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ الأحزاب:57.

و يدلّ على ذلك أنّهم لو حاربوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لكانوا مرتدّين بإظهار محاربته و مخالفته عليه الصّلاة و السّلام.[ثمّ ذكر نحو أبي السّعود إلى أن قال:]

و قيل:ليس هناك مضاف محذوف،و إنّما المراد:محاربة المسلمين،إلاّ أنّه جعل محاربتهم محاربة اللّه عزّ و جلّ و رسوله صلّى اللّه عليه و سلم تعظيما له و ترفيعا لشأنهم،و جعل ذكر الرّسول على هذا تمهيدا على تمهيد،و فيه ما لا يخفى.

(6:118)

رشيد رضا :اختلف نقلة التّفاسير المأثور فيمن نزل فيهم هاتان الآيتان،على ما هو ظاهر من اتّصالهما بما قبلهما أتمّ الاتّصال.[ثمّ ذكر قول أنس و أضاف:]

زاد البخاريّ إنّ قتادة الرّاوي للحديث عن أنس قال:بلغنا أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بعد ذلك كان يحثّ على الصّدقة، و ينهى عن المثلة.[ثمّ ذكر الرّوايات المختلفة إلى أن قال:]

و الظّاهر المتبادر-بصرف النّظر عن الرّوايات المتعارضة-أنّها عامّة لكلّ من يفعل هذه الأفعال في دار الإسلام إذا قدرنا عليهم،و هم متلبّسون بها بالفعل أو الاستعداد.

و قد قال الّذين جعلوها خاصّة بالمسلمين:إنّ أحكام الكفّار في الحرب معروفة بالنّصوص و العمل، و ليس فيها هذه الدّرجات في العقاب.و جوابه:أنّ هذا العقاب خاصّ بمن فعل مثل أفعال العرنيّين،فلا يقتضي ذلك أن يتّبع في حرب كلّ من حاربنا من الكفّار.

و قال بعضهم:إنّ استثناء من تابوا قبل القدرة عليهم،دليل على إرادة المسلمين،لأنّ الكفّار لا يشترط في توبتهم أن تكون قبل القدرة عليهم.و يجاب عن هذا بأنّ التّوبة من هذا الإفساد هي الّتي يشترط فيها أن تكون قبل القدرة عليهم،لا التّوبة من الكفر.

و مجموع الرّوايات في قصّة العرنيّين تفيد أنّهم جعلوا الإسلام خديعة للسّلب و النّهب،و أنّهم سملوا أعين الرّعاة ثمّ قتلوهم و مثّلوا بهم،و في بعضها أنّهم اعتدوا على الأعراض أيضا،و أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عاقبهم بمثل عقوبتهم،عملا بقوله تعالى: وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها الشّورى:40،و قوله: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللّهَ البقرة:194،إن صحّ أنّ الآية نزلت بعد عقابهم.و لم يعف عنهم كعادته لئلاّ يتجرّأ على مثل فعلتهم أمثالهم من أعراب المشركين و غيرهم،فأراد بذلك القصاص و سدّ الذّريعة،و أنّ اللّه تعالى أنزل الآية بهذا التّشديد في

ص: 239

العقاب على مثل هذا الإفساد،لهذه الحكمة،و هي سدّ ذريعة هذه المفسدة،و لكنّه حرّم مع ذلك كلّه المثلة، و هي تشويه الأعضاء.و لا مفسدة أشدّ و أقبح من سلب الأمن على الأنفس و الأعراض و الأموال النّاطقة و الصّامتة.فربّ عصبة من المفسدين تسلب الأمان و الاطمئنان من أهل ولاية كبيرة.و ربّ عصبة مفسدة تعاقب بهذه العقوبات المنصوصة في الآية فتطهّر الأرض من أمثالها زمنا طويلا.

و التّشديد في سدّ الذّرائع ركن من أركان السّياسة لا تزال جميع الدّول تحافظ عليه،حتّى أنّ بعضهم يحكم الوهم فيه.و من الأمر الإدّ،ما اجترحته إنكلترة في مصر بهذا القصد؛إذ مرّ بقرية«دنشواي»منذ سنين قليلة أفراد من جند الإنكليز كانوا يصيدون الحمام عند بيدرها (1)فتخاصموا مع أصحاب الحمام و تضاربوا، فعظم على الإنكليز تجرّؤ الفلاّح المصريّ،على ضرب الجنديّ الإنكليزيّ،فعقدوا المحكمة العرفيّة لمحاكمة أولئك الفلاّحين،برئاسة بطرس باشا غالي،فحكمت على بعض أولئك الفلاّحين بأن يصلّبوا و يعذّبوا بالضّرب بالسّياط(الكرابج)ذات العقد حتّى تتناثر لحومهم،و أن يبقوا مصلوبين بعد موتهم مدّة طويلة،و أن يكون ذلك على أعين أهليهم و أعين النّاس،و نفّذ الحكم.و قد أنكر هذه القسوة و استفظعها النّاس حتّى بعض أحرار الإنكليز في بلادهم،و شنّعوا عليها في الجرائد و في مجلس النّوّاب.و مثل هذه الحادثة لا تعدّ من الخروج على ذي السّلطان،و لا من الفساد في الأرض، و لكن قصد الإنكليز بالقسوة فيها أن لا يتجرّأ أحد على مقاومة جنديّ إنكليزيّ و إن اعتدى.

فأين هذا من عدل الإسلام الّذي ساوى خليفته عمر بن الخطّاب بين ابن فاتح مصر و قائد جيشها و حاكمها العامّ عمرو بن العاص و بين غلام قبطيّ؛إذ تسابقا فسبق القبطيّ ابن الحاكم فصفعه هذا،و قال:

أ تسبقني و أنا ابن الأكرمين؟فلمّا رفع الأمر إلى عمر لم يرض إلاّ أن يصفع القبطيّ ابن الفاتح الحاكم كما صفعه.

و قال لعمرو كلمته الذّهبيّة المشهورة:يا عمرو!منذ كم تعبّدتم النّاس و قد ولدتهم أمّهاتهم أحرارا؟و لكنّ المسلمين لمّا تركوا حكم الإسلام صاروا يطلبون من الإنكليز و ممّن دون الإنكليز أن يعلّموهم العدل و قوانينه!!

أمّا تفسير الآية فهو ما ترى: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ... أي إنّ جزاء الّذين يفعلون ما ذكر محصور فيما يذكر بعده من العقوبات على سبيل التّرتيب و التّوزيع على جناياتهم و مفاسدهم،لكلّ منها ما يليق بها من العقوبة.

و المحاربة«مفاعلة»من الحرب،و هي ضدّ السّلم.

و السّلم:السّلام،أي السّلامة من الأذى و الضّرر و الآفات،و الأمن على النّفس و المال.و الأصل في معنى كلمة الحرب:التّعدّي و سلب المال.[ثمّ نقل كلام بعض اللّغويّين و قال:]

فأنت ترى أنّ الحرب و المحاربة،ليس مرادفا للقتل و المقاتلة،و إنّما الأصل فيها الاعتداء و السّلب و إزالةا.

ص: 240


1- دنشواي:قرية من المنوفيّة.و البيدر:محل دوس الحصيد و استخراج الحبّ منه،و يسمّى جرنا.

الأمن.و قد يكون ذلك بقتل و قتال و بدونهما.و قد ذكر القتل و القتال في القرآن في أكثر من مائة آية.و أمّا «المحاربة»فلم تذكر إلاّ في هذه و في قوله تعالى في بيان علّة بناء المنافقين لمسجد الضّرار: وَ إِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ التّوبة:107.

قال رواة التّفسر المأثور:أي و ترقّبا و انتظارا للّذي حارب اللّه و رسوله من قبل بناء هذا المسجد،و هو أبو عامر الرّاهب،فإنّه كان شديد العداوة للإسلام، و وعد المنافقين بأن يذهب و يأتيهم بجنود من عند قيصر للإيقاع بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنين.فمحاربة هذا الرّاهب من قبل كانت بإثارة الفتن لا بالقتال و النّزال.و أمّا لفظ «الحرب»فقد ذكر في أربعة مواضع من أربع سور؛منها:

إعلام المصرّين على الرّبا بأنّهم في حرب للّه و رسوله بأكلهم أموال النّاس بالباطل.و الباقي بالمعنى المشهور، و هو ضدّ السّلم.

و كان أهل البوادي-و لا يزالون-يغزو بعضهم بعضا لأجل السّلب و النّهب.

و قد جعل الفقهاء كتاب المحاربة-و يقولون:الحرابة أيضا-غير كتاب الجهاد و القتال.و جعلوا الأصل فيها هاتين الآيتين.و عرّفوها بأنّها إشهار السّلاح و قطع السّبيل،و اشترط بعضهم كالشّافعيّ أن يكون ذلك من أهل الشّوكة،كالّذين يؤلّفون العصابات المسلّحة للسّلب و النّهب و قتل من يعارضهم،أو لمقاومة السّلطة ابتغاء الفتنة و الفساد،و اشترطوا فيها شروطا،سنشير إلى المهمّ منها.

أمّا كون هذا النّوع من العدوان محاربة للّه و لرسوله، فلأنّه اعتداء على شريعة السّلم و الأمان،و الحقّ و العدل الّذي أنزله اللّه على رسوله،فمحاربة اللّه و رسوله هي عدم الإذعان لدينه و شرعه في حفظ الحقوق،كما قال تعالى في المصرّين على أكل الرّبا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ البقرة:279،و ليس معناه محاربة المسلمين،كما قال بعض المفسّرين.فمن لم يذعنوا للشّرع فيما يخاطبهم به في دار الإسلام يعدّون محاربين للّه و رسوله عليه السّلام،فيجب على الإمام الّذي يقيم العدل و يحفظ النّظام،أن يقاتلهم على ذلك-كما فعل الصّديق رضي اللّه عنه بما نعي الزّكاة-حتّى يفيئوا و يرجعوا إلى أمر اللّه،و من رجع منهم في أيّ وقت يقبل منه و يكفّ عنه.

و لكن إذا امتنعوا على إمام العدل المقيم للشّرع، و عثوا إفسادا في الأرض،كان جزاؤهم ما بيّنه اللّه في هذه الآية.فقوله تعالى: وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً المائدة:33،متمّم لما قبله،أي يسعون فيها سعي فساد، أو مفسدين في سعيهم لما صلح من أمور النّاس،في نظام الاجتماع و أسباب المعاش.[ثمّ أدام الكلام في معنى الفساد و مصاديقه إلى أن قال:]

و لا تتحقّق محاربة اللّه و رسوله،بمحاربة الشّرع و مقاومة تنفيذه،و إفساد النّظام على أهله،إلاّ في دار الإسلام.و للكفّار في دار الحرب أحكام أخرى كما قال الفقهاء،و أحكامهم تذكر في كتاب الجهاد لا في كتاب المحاربة أو الحرابة،كما تقدّم،و قد فطن لهذا المعنى بعضهم و لم يتّضح له تمام الاتّضاح فاشترط أن يكون المحاربون المفسدون من المسلمين،كما تقدّم.و الصّواب أن يكون

ص: 241

إفسادهم في دار الإسلام،و لا فصل حينئذ فيهم بين أن يكونوا مسلمين أو ذمّيّين أو معاهدين أو حربيّين،كلّ من قدرنا عليه منهم نحكم بينهم بهذه الآية.[ثمّ ذكر قول مالك بن أنس المتقدّم عن الطّبريّ في كلام وليد بن مسلم و قال:]

و قال ابن المنذر: اختلفت الرّواية في مسألة إثبات المحاربة في المصر عن مالك،فأثبتها مرّة و نفاها أخرى.

نقول:و الصّواب الإثبات،لأنّه المعروف في كتب مذهبه.

و إنّما اشترط انتفاء العداوة و غيرها من الأسباب، ليتحقّق كون ذلك محاربة للشّرع و مقاومة للسّلطة الّتي تنفّذه.و في حاشية«المقنع»من كتب الحنابلة تلخيص لمذاهب الفقهاء في ذلك هذا نصّه:

«يشترط في المحاربين ثلاثة شروط:أن يكون معهم سلاح،فإن لم يكن معهم سلاح فليسوا محاربين،لأنّهم لا يمنعون من يقصدهم،و لا نعلم في هذا خلافا.فإن عرضوا بالعصيّ و الحجارة فهم محاربون،و هو المذهب، و به قال الشّافعيّ و أبو ثور.و قال أبو حنيفة:ليسوا محاربين،أن يكون ذلك في الصّحراء،فإن فعلوا ذلك في البنيان لم يكونوا محاربين في قول الخرقيّ،و جزم به في «الوجيز»،و به قال أبو حنيفة و الثّوريّ و إسحاق،لأنّ الواجب يسمّى حدّ قطّاع الطّريق،و قطع الطّريق إنّما هو في الصّحراء،و لأنّ في المصر يلحق الغوث غالبا فتذهب شوكة المعتدين و يكونون مختلسين،و المختلس ليس بقاطع و لا حدّ عليه.و قال أبو بكر:حكمهم في المصر و الصّحراء واحد،و هو المذهب،و به قال الأوزاعيّ و اللّيث و الشّافعيّ و أبو ثور،لتناول الآية بعمومها كلّ محارب،و لأنّه في المصر أعظم ضررا،فكان أولى أن يأتوا مجاهرة و يأخذوا المال قهرا.فأمّا إن أخذوه مختفين فهم سرّاق،و إن اختطفوه و هربوا فهم منتهبون لا قطع عليهم،و كذلك إن خرج الواحد و الاثنان على آخر قافلة فاستلبوا منها شيئا،لأنّهم لا يرجعون إلى منعة و قوّة.و إن خرجوا على عدد يسير فقهروهم فهم قطّاع طريق»انتهى.

قال بعض المفسّرين المستقلّين بالفهم:إنّ أكثر الشّروط الّتي اشترطها الفقهاء في هذا الباب لا يوجد لها أصل في الكتاب و لا في السّنّة.

و نحن نقول:إنّ الآية تدلّ دلالة صريحة على أنّ هذا العقاب خاصّ بمن يفسدون في الأرض،بالسّلب و النّهب أو القتل،أو إهلاك الحرث و النّسل،و مثل ذلك أو منه، الاعتداء على الأعراض،إذا كانوا محاربين للّه و رسوله، بقوّة يمتنعون بها من الإذعان و الخضوع لشرعه، و لا يتأتّى ذلك إلاّ حيث يقام شرعه العادل من دار الإسلام.فمن اشترط حملهم السّلاح أخذ شرطه من كون القوّة الّتي يتمّ بها ذلك الأمران إنّما هي قوّة السّلاح.و هو لو قيل له:إنّه يوجد أو سيوجد موادّ تفعل في الإفساد و الإعدام و تخريب الدّور،و كذا في الحماية و المقاومة أشدّ ممّا يفعل السّلاح كالدّيناميت المعروف الآن،أ لا تراه في حكم السّلاح؟يقول:بلى.و من اشترط خارج المصر، راعى الأغلب،أو أخذ من حال زمنه أنّ المصر لا يكون فيه ذلك.و ما اشترط أحد شرطا غير صحيح أو غير مطّرد إلاّ و له وجه انتزعه منه.(6:352)

ابن عاشور :تخلّص إلى تشريع عقاب المحاربين،

ص: 242

و هم ضرب من الجناة بجناية القتل،و لا علاقة لهذه الآية و لا الّتي بعدها بأخبار بني إسرائيل.نزلت هذه الآية في شأن حكم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في العرنيّين،و به يشعر صنيع البخاريّ إذ ترجم بهذه الآية من كتاب التّفسير،و أخرج عقبه حديث أنس بن مالك في العرنيّين.[ثمّ ذكر قصّتهم كما تقدّم عن سعيد بن جبير]

و على هذا يكون نزولها نسخا للحدّ الّذي أقامه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم سواء كان عن وحي أم عن اجتهاد منه،لأنّه لمّا اجتهد و لم يغيّره اللّه عليه قبل وقوع العمل به فقد تقرّر به شرع.و إنّما أذن اللّه له بذلك العقاب الشّديد،لأنّهم أرادوا أن يكونوا قدوة للمشركين في التّحيّل بإظهار الإسلام للتّوصّل إلى الكيد للمسلمين،و لأنّهم جمعوا في فعلهم جنايات كثيرة.قال أبو قلابة:فما ذا يستبقى من هؤلاء قتلوا النّفس و حاربوا اللّه و رسوله و خوّفوا رسول اللّه.و في رواية للطّبريّ:نزلت في قوم من أهل الكتاب كان بينهم و بين المسلمين عهد فنقضوه و قطعوا السّبيل و أفسدوا في الأرض،رواه عن ابن عبّاس و الضّحّاك؛ و الصّحيح الأوّل.و أيّا ما كان فقد نسخ ذلك بهذه الآية.

فالحصر ب(انّما)في قوله: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ إلخ على أصحّ الرّوايتين في سبب نزول الآية حصر إضافيّ،و هو قصر قلب لإبطال-أي لنسخ- العقاب الّذي أمر به الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم على العرنيّين،و على ما رواه الطّبريّ عن ابن عبّاس فالحصر أن لا جزاء لهم إلاّ ذلك،فيكون المقصود من القصر حينئذ أن لا ينقص عن ذلك الجزاء،و هو أحد الأمور الأربعة.و قد يكون الحصر لردّ اعتقاد مقدّر،و هو اعتقاد من يستعظم هذا الجزاء،و يميل إلى التّخفيف منه،و كذلك يكون إذا كانت الآية غير نازلة على سبب أصلا.

و أيّا ما كان سبب النّزول فإنّ الآية تقتضي وجوب عقاب المحاربين بما ذكر اللّه فيها،لأنّ الحصر يفيد تأكيد النّسبة.و التّأكيد يصلح أن يعدّ في أمارات وجوب الفعل المعدود بعضها في أصول الفقه،لأنّه يجعل الحكم جازما.

و معنى يُحارِبُونَ أنّهم يكونون مقاتلين بالسّلاح عدوانا لقصد المغنم،كشأن المحارب المبادئ،لأنّ حقيقة الحرب القتال.و معنى محاربة اللّه:محاربة شرعه و قصد الاعتداء على أحكامه،و قد علم أنّ اللّه لا يحاربه أحد،فذكره في المحاربة لتشنيع أمرها،بأنّها محاربة لمن يغضب اللّه لمحاربته،و هو الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.و المراد بمحاربة الرّسول:الاعتداء على حكمه و سلطانه،فإنّ العرنيّين اعتدوا على نعم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم المتّخذة لتجهيز جيوش المسلمين،و هو قد امتنّ عليهم بالانتفاع بها فلم يراعوا ذلك لكفرهم،فما عاقب به الرّسول العرنيّين كان عقابا على محاربة خاصّة هي من صريح البغض للإسلام.

ثمّ إنّ اللّه شرّع حكما للمحاربة الّتي تقع في زمن رسول اللّه و بعده،و سوّى عقوبتها،فتعيّن أن يصير تأويل يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ المحاربة لجماعة المسلمين.و جعل لها جزاء عين (1)جزاء الرّدّة،لأنّ الرّدّة لها جزاء آخر،فعلمنا أنّ الجزاء لأجل المحاربة.

و من أجل ذلك اعتبره العلماء جزاء لمن يأتي هذه الجريمة من المسلمين،و لهذا لم يجعله اللّه جزاء للكفّار الّذين حاربوا الرّسول لأجل عناد الدّين،فلهذا المعنى عدّير.

ص: 243


1- كذا و الظّاهر غير.

يُحارِبُونَ إلى اَللّهَ وَ رَسُولَهُ ليظهر أنّهم لم يقصدوا حرب معيّن من النّاس و لا حرب صفّ.[ثمّ نقل اختلاف العلماء في حقيقة الحرابة و أضاف:]

و الّذي نظر إليه مالك هو عموم معنى لفظ الحرابة، و الّذي نظر إليه مخالفوه،هو الغالب في العرف لندرة الحرابة في المصر.و قد كانت نزلت بتونس قضيّة لصّ اسمه«ونّاس»أخاف أهل تونس بحيله في السّرقة،و كان يحمل السّلاح فحكم عليه بحكم المحارب في مدّة الأمير محمّد الصّادق باي،و قتل شنقا بباب سويقة.(5:91)

مغنيّة:المراد بمحاربة اللّه و رسوله:أنّ الاعتداء على النّاس اعتداء على اللّه و الرّسول،و من أجل هذا كانت عقوبته حدّا من حدود اللّه.(2:50)

الطّباطبائيّ: الآيات غير خالية الارتباط بما قبلها،فإنّ ما تقدّمها من قصّة قتل ابن آدم أخاه و ما كتبه اللّه سبحانه على بني إسرائيل من أجله،و إن كان من تتمّة الكلام على بني إسرائيل و بيان حالهم من غير أن يشتمل على حدّ أو حكم بالمطابقة،لكنّها لا تخلو بحسب لازم مضمونها من مناسبة،مع هذه الآيات المتعرّضة لحدّ المفسدين في الأرض و السّرّاق.

قوله تعالى: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ... (فسادا):

مصدر وضع موضع الحال،و محاربة اللّه و إن كانت بعد استحالة معناها الحقيقيّ و تعيّن إرادة المعنى المجازيّ منها ذات معنى وسيع،يصدق على مخالفة كلّ حكم من الأحكام الشّرعيّة و كلّ ظلم و إسراف.لكن ضمّ الرّسول إليه يهدي إلى أنّ المراد بها بعض ما للرّسول فيه دخل،فيكون كالمتعيّن أن يراد بها ما يرجع إلى إبطال أثر ما للرّسول عليه ولاية من جانب اللّه سبحانه،كمحاربة الكفّار مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و إخلال قطّاع الطّريق بالأمن العامّ الّذي بسطه بولايته على الأرض،و تعقّب الجملة بقوله:

وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً يشخّص المعنى المراد و هو الإفساد في الأرض بالإخلال بالأمن و قطع الطّريق دون مطلق المحاربة مع المسلمين،على أنّ الضّرورة قاضية بأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يعامل المحاربين من الكفّار بعد الظّهور عليهم و الظّفر بهم هذه المعاملة من القتل و الصّلب و المثلة و النّفي.

على أنّ الاستثناء في الآية التّالية قرينة على كون المراد بالمحاربة هو الإفساد المذكور،فإنّه ظاهر في أنّ التّوبة إنّما هي من المحاربة دون الشّرك و نحوه.

فالمراد بالمحاربة و الإفساد-على ما هو ظاهر-هو الإخلال بالأمن العامّ،و الأمن العامّ إنّما يختلّ بإيجاد الخوف العامّ و حلوله محلّه،و لا يكون بحسب الطّبع و العادة إلاّ باستعمال السّلاح المهدّد بالقتل طبعا،و لهذا ورد فيما ورد من السّنّة تفسير الفساد في الأرض بشهر السّيف و نحوه.(5:326)

الصّابونيّ: من هو المحارب الّذي تجري عليه أحكام قطّاع الطّريق؟دلّت الآية الكريمة على حكم المحاربة و الإفساد في الأرض،و قد حكم اللّه تعالى على المحاربين بالقتل،أو الصّلب،أو تقطيع الأيدي و الأرجل من خلاف،أو النّفي من الأرض.و قد اختلف الفقهاء فيمن يستحقّ اسم المحاربة.[ثمّ نقل قول مالك و أبي حنيفة و الشّافعيّ المتقدّم ذكره،عن ابن العربيّ و قال:]

قال ابن المنذر:الكتاب على العموم،و ليس لأحد

ص: 244

أن يخرج من جملة الآية قوما بغير حجّة،لأنّ كلاّ يقع عليه اسم المحاربة.

أقول:و لعلّ هذا هو الأرجح لعموم الآية الكريمة، و ربّما كانت هناك عصابة في البلد تخيف النّاس في أموالهم و أرواحهم من قطّاع الطّريق في الصّحراء.[ثمّ ذكر حكم التّخيير في الآية،كما تقدّم عن ابن عطيّة](1:551)

مكارم الشّيرازيّ: جزاء مرتكب العدوان تكمّل الآية الأولى-من الآيتين الأخيرتين-البحث الّذي تناولته الآيات السّابقة حول قتل النّفس،و تبيّن جزاء و عقاب من يشهر السّلاح بوجه المسلمين،و ينهب أموالهم عن طريق التّهديد بالقتل أو بارتكاب القتل، فتقول: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ...

و معنى قطع الأيدي و الأرجل من خلاف،هو أن تقطع اليد اليمنى و الرّجل اليسرى.

و يجدر الانتباه هنا إلى عدّة أمور،و هي:

1-إنّ المراد بجملة اَلَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ الواردة في الآية-كما تشير إليه أحاديث أهل البيت عليهم السّلام و يدلّ عليه سبب نزول الآية-هو ارتكاب العدوان ضدّ أرواح أو أموال النّاس،عن طريق استخدام السّلاح و التّهديد به،سواء كان هذا العدوان من قبل قطّاع الطّرق في خارج المدن أو كان في داخلها، و على هذا الأساس فإنّ الآية تشمل أيضا الأشرار الّذين يعتدون على أرواح النّاس و أموالهم و نواميسهم.

و الّذي يلفت الانتباه في هذه الآية هو أنّها اعتبرت العدوان الممارس ضدّ البشر من عباد اللّه بمثابة إعلان الحرب و ممارسة العدوان ضدّ اللّه و رسوله،و هذه النّقطة تبيّن بل تثبت مدى اهتمام الإسلام العظيم بحقوق البشر، و رعاية أمنهم و سلامتهم.

2-المراد بقطع اليد أو الرّجل-المذكور في الآية، و كما أشارت إليه كتب الفقه-هو القطع بنفس المقدار الّذي ينفذ بحقّ السّارق لدى قطع يده،أي مجرّد قطع أربعة من أصابع اليد أو الرّجل.

3-هل أنّ العقوبات الأربع المذكورة في الآية لها طابع تخييريّ؟أي هل أنّ الحكومة الإسلاميّة مخيّرة في استخدام أيّ منهما بحقّ الفرد الّذي تراه يستحقّ ذلك،أم أنّ العقوبة يجب أن تتناسب و نوع الجريمة الّتي ارتكبها الفرد؟أي إذا ارتكب الفرد المحارب جريمة قتل ضدّ أفراد أبرياء تطبّق بحقّه عقوبة الإعدام،و إن ارتكب سرقة عن طريق التّهديد بالسّلاح تنفذ فيه عقوبة قطع أصابع اليد أو الرّجل،و إذا ارتكب الجريمتين معا يكون عقابه الإعدام و الصّلب على الأعواد لفترة معيّنة لكي يعتبر به النّاس،و إذا شهر الفرد المحارب السّلاح على النّاس دون أن يراق أيّ دم أو تتمّ سرقة شيء يكون عقابه النّفي إلى بلد آخر؟

لا شكّ أنّ الاحتمال الثّاني،و هو تطبيق العقوبة المتناسبة مع الجريمة أقرب إلى الحقيقة،و قد أيّد هذا المعنى ما ورد في أحاديث عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام أيضا.

و لو أنّ بعض الأحاديث أشارت إلى أنّ الحكومة الإسلاميّة مخيّرة في انتخاب أيّ من العقوبات الأربع الواردة،لكنّنا،نظرا للأحاديث الّتي أشرنا إليها قبل قليل،نرى أنّ المراد من التّخيير لا يعني أن تنتخب

ص: 245

الحكومة الإسلاميّة واحدا من العقوبات المذكورة انتخابا اعتباطيّا دون أن تأخذ نوع الجريمة بنظر الاعتبار؛حيث من المستبعد كثيرا أن تكون عقوبتا الإعدام و الصّلب متساويتين مع عقوبة النّفي،أو أن تكونا بمنزلة واحدة.

و يلاحظ هذا الأمر أيضا في الكثير من القوانين الوضعيّة المعاصرة بصورة واضحة؛حيث تعيّن عقوبات مختلفة لنوع واحد من الجرائم،و على سبيل المثال نرى أنّ بعض الجرائم تتراوح عقوبتها بين 3 سنين إلى 10 سنين من السّجن،و القاضي يتعامل في هذا المجال وفق ما يراه مناسبا لواقع الحال،و ليس وفق ما يشتهيه هو،فتارة يكون المناسب في الجريمة أن تطبّق العقوبة المشدّدة، و أخرى يتناسب معها تخفيف العقوبة،نظرا للظّروف المحيطة و الملابسات الواردة في حالة ارتكاب الجريمة.

و هذا القانون الإسلاميّ الّذي جاء بحقّ المحاربين، يتفاوت فيه أسلوب العقاب و نوعه مع اختلاف الجريمة الّتي يرتكبها الفرد المحارب أو الجماعة المحاربة.

(3:612)

المحراب

1- وَ كَفَّلَها زَكَرِيّا كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً آل عمران:37

أبو عبيدة :المحراب:سيّد المجالس و مقدّمها و أشرفها و كذلك هو من المساجد.(1:91)

نحوه الطّبريّ(3:246)،و الماورديّ.(1:388)

المبرّد: لا يكون المحراب إلاّ أن يرتقى إليه بدرج.

(الشّربينيّ 1:211)

الزّجّاج:[نحو أبي عبيدة و أضاف:]

و قد قيل:إنّ مساجدهم كانت تسمّى المحاريب.

(1:403)

الطّوسيّ: و المحراب مقام الإمام من المسجد، و أصله:أكرم موضع في المجلس و أشرفه.(2:447)

البغويّ: أراد بالمحراب:الغرفة الّتي بناها.[ثمّ أدام نحو أبي عبيدة](1:434)

نحوه الخازن(1:287)،و الشّربينيّ(1:211).

الزّمخشريّ: قيل:بنى لها زكريّا محرابا في المسجد، أي غرفة يصعد إليها بسلّم.

و قيل:المحراب أشرف المجالس و مقدّمها،كأنّها وضعت في أشرف موضع من بيت المقدس.

و قيل:كانت مساجدهم تسمّى المحارب.(1:427) نحوه النّسفيّ(1:155)،و البروسويّ(1:29).

ابن عطيّة: و المحراب:المبنى الحسن كالغرف و العلالي،و نحوه.و محراب القصر:أشرف ما فيه، و لذلك قيل لأشرف ما في المصلّى و هو موقف الإمام:

محراب.[ثمّ استشهد بشعر](1:426)

الفخر الرّازيّ: المحراب:الموضع العالي الشّريف.

[ثمّ استشهد بشعر]

و احتجّ الأصمعيّ على أنّ المحراب هو الغرفة،بقوله تعالى: إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ ص:21،و التّسوّر لا يكون إلاّ من علوّ.

و قيل:المحراب:أشرف المجالس و أرفعها،يروى أنّها لمّا صارت شابّة بنى زكريّا عليه السّلام لها غرفة في المسجد، و جعل بابها في وسطه لا يصعد إليه إلاّ بسلّم،و كان إذا

ص: 246

خرج أغلق عليها سبعة أبواب.(8:31)

البيضاويّ: أي الغرفة الّتي بنيت لها أو المسجد أو أشرف مواضعه و مقدّمها،سمّي به لأنّه محلّ محاربة الشّيطان،كأنّها وضعت في أشرف موضع من بيت المقدس.(1:158)

نحوه الكاشانيّ(1:308)،و شبّر(1:316).

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و هو مقام الإمام من المسجد في رأي،و أصله «مفعال»صيغة مبالغة كمطعان،فسمّي به المكان،لأنّ المحاربين نفوسهم كثيرون فيه.

و قيل:إنّه يكون اسم مكان،و سمّي به لأنّ محلّ محاربة الشّيطان فيه،أو لتنافس النّاس عليه.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقديم الظّرف على الفاعل لإظهار كمال العناية بأمرها،و نصب المحراب على التّوسّع؛إذ حقّ الفعل أن يتعدّى ب«في»أو ب«إلى».(3:139)

رشيد رضا :قيل:لا يسمّى محرابا إلاّ إذا كان يصعد إليه بالسّلاليم.

و أقول:المحراب هنا هو ما يعبّر عنه أهل الكتاب ب«المذبح»و هو مقصورة في مقدّم المعبد لها باب يصعد إليه بسلّم ذي درجات قليلة،و يكون من فيه محجوبا عمّن في المعبد.(3:293)

نحوه مغنيّة.(2:47)

الطّباطبائيّ: المحراب:المكان المخصوص بالعبادة من المسجد و البيت.[ثمّ ذكر قول الرّاغب و رشيد رضا و أضاف:]

أقول:و إليه ينتهي اتّخاذ المقصورة في الإسلام.

(3:174)

المصطفويّ: [ذكر الآيات ثمّ قال:]

يراد المحلّ المعدّ للعبادة و الصّلاة.

و التّعبير بصيغة اسم الآلة لا اسم المكان«مفعل» إشارة إلى التّوجّه بالمحاربة و المجاهدة و الحدّة في العبادة و التّوسّل إليها،فإنّ القيام في مكان الحرب لا يدلّ على العمل،بخلاف التّوسّل بآلة الحرب.(2:197)

مكارم الشّيرازيّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

كان بناء المحراب عند اليهود يختلف عن بنائه عندنا، فأولئك كانوا يبنون المحراب مرتفعا عن سطح الأرض بعدّة درجات بين حائطين مرتفعين يحفظانه؛بحيث كانت تصعب رؤية من بداخل المحراب من الخارج.

(2:354)

2- فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَ عَشِيًّا. مريم:11

ابن زيد :(المحراب):مصلاّه.(الطّبريّ 16:53)

الماورديّ: في(المحراب) وجهان:أحدهما:

[قول ابن زيد و قد تقدّم]

الثّاني:أنّه الشّخص المنصوب للتّوجّه إليه في الصّلاة.

و في تسميته محرابا وجهان:أحدهما:أنّه للتّوجّه إليه في صلاته،كالمحارب للشّيطان في صلاته.

الثّاني:أنّه مأخوذ من منزل الأشراف الّذي يحارب دونه ذبّا عن أهله،فكأنّ الملائكة تحارب عن المصلّي ذبّا عنه،و منعا منه.(3:358)

ص: 247

الطّوسيّ: هو الموضع الّذي يتوجّه إليه للصّلاة.

(7:110)

الطّبرسيّ: سمّي(المحراب)محرابا لأنّ المتوجّه إليه في صلاته كالمحارب للشّيطان على صلاته.

و الأصل فيه:مجلس الأشراف الّذي يحارب دونه ذبّا عن أهله.(3:505)

ابن عطيّة: (المحراب)أرفع المواضع و المباني؛إذ هي تحارب من ناوأها،ثمّ خصّ بهذا الاسم مبنى الصّلاة،و كانوا يتّخذونها فيما ارتفع من الأرض.

و اختلف النّاس في اشتقاقه،فقالت فرقة:هو مأخوذ من«الحرب»كأنّ ملازمه يحارب الشّيطان و الشّهوات.و قالت فرقة:هو مأخوذ من«الحرب»بفتح الرّاء كأنّ ملازمه يلقى منه حربا و تعبا و نصبا،و في اللّفظ بعد هذا نظر.(4:7)

القرطبيّ: [نحو ابن عطيّة و أضاف:]

هذه الآية تدلّ على أنّ ارتفاع إمامهم على المأمومين كان مشروعا عندهم في صلاتهم.[ثمّ ذكر اختلاف الفقهاء فيه فراجع](11:85)

الفخر الرّازيّ: قيل:كان له موضع ينفرد فيه بالصّلاة و العبادة،ثمّ ينتقل إلى قومه،فعند ذلك أوحى إليهم.

و قيل:كان موضعا يصلّي فيه هو و غيره،إلاّ أنّهم كانوا لا يدخلونه للصّلاة إلاّ بإذنه،و أنّهم اجتمعوا ينتظرون خروجه للإذن،فخرج إليهم و هو لا يتكلّم، فأوحى إليهم.(21:190)

البيضاويّ: من المصلّى أو من الغرفة.(2:30)

نحوه النّسفيّ(3:30)،و الخازن(4:194)، و أبو حيّان(6:176)،و أبو السّعود(4:233)، و البروسويّ(5:318)،و شبّر(4:109)،و القاسميّ (11:4129).

الآلوسيّ: أي من المصلّى،كما روي عن ابن زيد، أو من الغرفة كما قيل.[ثمّ نقل كلام الطّبرسيّ و أضاف:]

و يسمّى محل العبادة محرابا لما أنّ العابد كالمحارب للشّيطان فيه.و إطلاق المحراب على المعروف اليوم في المساجد لذلك،و هو محدث لم يكن على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.و قد ألّف الجلال السّيوطيّ في ذلك رسالة صغيرة سمّاها:إعلام الأريب بحدوث بدعة المحاريب.

(16:71)

المراغيّ: و هو المسمّى عند أهل الكتاب ب«المذبح»و هو مقصورة في مقدّم المعبد،لها باب يصعد إليه بسلّم ذي درج قليلة،يكون من فيه محجوبا عمّن في المعبد.(16:37)

مكارم الشّيرازيّ: (المحراب)هو محلّ خاصّ في مكان العبادة،يجعل للإمام أو الوجهاء و المبرّزين، و قد ذكروا علّتين لهذه التّسمية:

الأولى:أنّها من مادّة«الحرب»لأنّ المحراب في الحقيقة محلّ لمحاربة الشّيطان،و هوى النّفس.

و الثّاني:أنّ المحراب في اللّغة بمعنى المكان المرتفع على المجلس،و لمّا كان مكان المحراب فوق المعبد فقد سمّي بهذا الاسم.

يقول البعض:إنّ(المحراب)كان عند بني إسرائيل بعكس ما هو المتعارف عندنا؛حيث كان في مكان أعلى

ص: 248

من سطح الأرض،و كانوا يحيطونه بالجدران؛بحيث تصعب رؤية الّذين يتعبّدون في داخل المحراب،و تؤيّد جملة: فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ. و الّتي قرأناها في الآيات محلّ البحث هذا المعنى،و مع ملاحظة كلمة(على)الّتي تستعمل عادة للدّلالة على الجهة العليا يتّضح هذا المطلب أكثر.(9:367)

و جاء بهذه المعنى قوله تعالى: وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ ص:21.

محاريب

يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ وَ قُدُورٍ راسِياتٍ... سبأ:13

ابن عبّاس: يعني المساجد.(359)

نحوه مجاهد(ابن الجوزيّ 6:439)،و الضّحّاك (الطّبريّ 22:70)،و الحسن و قتادة(الماورديّ 4:

438)،و الفرّاء(2:356)،و ابن قتيبة(354)، و الخازن(5:233).

مجاهد :بنيان دون القصور.(الطّبريّ 22:70)

نحوه العوفيّ.(الماورديّ 4:438)

المشاهد سمّيت باسم بعضها تجوّزا.

(أبو حيّان 7:265)

قتادة :قصور و مساجد.(الطّبريّ 22:70)

نحوه الجبّائيّ(الطّبرسيّ 4:382)،و النّسفيّ (3:320).

ابن زيد :المحاريب:المساكن.(الطّبريّ 22:70)

أبو عبيدة :(محاريب)واحدها:محراب،و هو مقدّم كلّ مسجد و مصلّى و بيت.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:144)

نحوه الطّبريّ.(22:70)

محراب الدّار:أشرف موضع فيها،و لا يكون إلاّ أن يرتقى إليه.(الماورديّ 4:438)

نحوه الزّجّاج(4:246)،و المبرّد(الطّوسيّ 8:

382).

الواحديّ: من الأبنية الرّفيعة و القصور،قال المفسّرون:فبنوا له الأبنية العجيبة باليمن:صرواح و مرواح و قلثون و هندة و هنيدة و قلثوم و عمدان و بيتون،و هذه حصون باليمن عملتها الشّياطين.

(3:489)

البغويّ: أي مساجد و أبنية مرتفعة،و كان ممّا عملوا له بيت المقدس،ابتدأه داود،و رفعه قدر قامة رجل.[ثمّ بسط الكلام في كيفيّة بناء المسجد فراجع]

(3:673)

الزّمخشريّ: المحاريب:المساكن و المجالس الشّريفة المصونة عن الابتذال،سمّيت(محاريب)لأنّه يحامي عليها و يذبّ عنها.و قيل:هي المساجد.

(3:282)

نحوه البيضاويّ(2:257)،و الشّربينيّ(3:286)، و البروسويّ(7:272)،و أبو السّعود(5:251)، و الكاشانيّ(4:212)،و شبّر(5:174)،و القاسميّ (14:4943).

الطّبرسيّ: هي بيوت الشّريعة.(4:382)

الفخر الرّازيّ: المحاريب:إشارة إلى الأبنية الرّفيعة،

ص: 249

و لهذا قال تعالى: إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ ص:21.

[إلى أن قال:]

قدّم المحاريب على التّماثيل،لأنّ النّقوش تكون في الأبنية.(25:248)

القرطبيّ: [بعد نقل الأقوال قال:]

و في الخبر أنّه أمر أن يعمل حول كرسيّه ألف محراب،فيها ألف رجل عليهم المسوح يصرخون إلى اللّه دائبا،و هو على الكرسيّ في موكبه و المحاريب حوله، و يقول لجنوده إذا ركب:سبّحوا اللّه إلى ذلك العلم،فإذا بلغوه قال:هلّلوه إلى ذلك العلم،فإذا بلغوه قال:كبّروه إلى ذلك العلم الآخر،فتلجّ الجنود بالتّسبيح و التّهليل لجّة واحدة.(14:271)

أبو حيّان :قيل:ما يصعد إليه بالدّرج كالغرف.

(7:265)

الآلوسيّ: جمع محراب،و هو كما قال عطيّة:

القصر،و سمّي باسم صاحبه لأنّه يحارب غيره في حمايته.فإنّ المحراب في الأصل من صيغ المبالغة اسم لمن يكثر الحرب،و ليس منقولا من اسم الآلة و إن جوّزه بعضهم.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

قال مجاهد: هي المساجد،سمّيت باسم بعضها تجوّزا على ما قيل.و هو مبنيّ على أنّ المحراب اسم لحجرة في المسجد،يعبد اللّه تعالى فيها،أو لموقف الإمام.

(22:118)

الطّباطبائيّ: المحاريب:جمع محراب،و هو مكان إقامة الصّلاة و العبادة.(16:363)

مكارم الشّيرازيّ: (محاريب):جمع محراب،لغة بمعنى مكان العبادة أو القصور و المباني الكبيرة الّتي بنيت كمعابد،كذلك أطلقت أيضا على صدر المجلس،ثمّ اتّخذت المساجد فسمّي صدر المسجد به.[إلى أن قال:]

و على كلّ حال،فإنّ هؤلاء العمّال النّشطين المهرة، قاموا ببناء المعابد الضّخمة و الجميلة،و الّتي كانت في ظلّ حكومته الإلهيّة و العقائديّة،حتّى يستطيع النّاس أداء وظائفهم العباديّة بسهولة.(13:372)

الوجوه و النّظائر

مقاتل: تفسير الحرب على وجهين:

فوجه منهما:الحرب،يعني الكفر فذلك قوله:

...فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ البقرة:279،يعني بالحرب:الكفر،و قال: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ... المائدة:33،يعني بالمحاربة:الكفر باللّه و رسوله.

و الثّاني:الحرب،يعني القتال،فذلك قوله: فَإِمّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ يعني القتال فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ الأنفال:57،و قال: كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ المائدة:64.(328)

نحوه هارون الأعور(375)،و الدّامغانيّ(234).

الحيريّ: الحرب على ثلاثة أوجه:

أحدها:العذاب،كقوله: فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ البقرة:279.

و الثّاني:الكفر كقوله: إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ...، و قوله: وَ إِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ التّوبة:107.

ص: 250

و الثّالث:الحرب بعينه،كقوله: كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ المائدة:64،و قوله: فَإِمّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ الأنفال:57.(211)

الفيروزآباديّ: قد ورد في القرآن على ثلاثة أوجه:

الأوّل:بمعنى المخالفة فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ البقرة:279،أي بخلاف إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ... يخالفون.

الثّاني:بمعنى الكفر و الضّلالة،يقال:دار الحرب،أي الكفر، حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها محمّد:4،أي الكافر الحربيّ.

و الثّالث:بمعنى القتال فَإِمّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ أي في القتال كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أي القتال.

و رجل محرب:كأنّه آلة في الحرب،و الحربة:آلة للحرب معروفة؛و الجمع حراب.(بصائر ذوي التّمييز 2:444)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحربة،و هي الألّة دون الرّمح؛و الجمع حراب.و سنان محرّب:مذرّب،إذا كان محدّدا مؤلّلا.يقال:حرّب السّنان،أي أحدّه.

ثمّ اشتقّ الحرب من الحربة،لتسلّحهم بها عند القتال،فاكتسبت التّأنيث منها.يقال:وقعت بينهم حرب؛و جمعها حروب،و تصغيرها حريب.

و دار الحرب:بلاد المشركين الّذين لا صلح بينهم و بين المسلمين،و قد حاربه محاربة و حرابا،و تحاربوا و احتربوا.

و فلان حرب لي:عدوّ محارب و إن لم يكن محاربا، و فلان حرب فلان:محاربه،و كذا قوم حرب،و أنا حرب لمن حاربني:عدوّ.و رجل حرب و محرب و محراب:

شديد الحرب شجاع،و قوم محربة.

و المحراب:مجلس القوم و مجتمعهم،يتبادلون فيه شئون الحرب كنشوبها و خمودها و أخبارها،ثمّ توسّع فيه و أطلق على مواضع أخرى كالموضع الّذي ينفرد فيه الملك،و القصر،و الغرفة،و مأوى الأسد؛لأنّه يدافع عنه و يحارب دونه،يقال:دخل فلان على الأسد في محرابه و غيله و عرينه.كما أطلق على صدر المسجد و أشرف موضع فيه،لأنّه موضع محاربة الشّيطان و الهوى.

و الحرب:أن تنزل الحرب بالرّجل.يقال:حرب فلان حربا،فهو حرب و محروب و حريب.و حمل عليه من أخذ ماله كلّه و سلبه.يقال:حربه يحربه حربا،أي سلب ماله،و قد حرب ماله،فهو حرب و محروب و حريب،من قوم حربى و حرباء.و حريبة الرّجل:ماله الّذي سلبه،و الحارب:المشلّح أي الّذي يعرّي النّاس ثيابهم،يقال:أحرب الرّجل أي دلّه على مال يغير عليه.

و حرب الرّجل يحرب حربا:اشتدّ غضبه،فهو حرب من قوم حربى،كأنّه تهيّأ للحرب،و حرّبت عليه غيري و حرّبته:أغضبته،و حرّبت فلانا تحريبا:حرّشته تحريشا بإنسان،فأولع به و بعداوته.

و الحرب:الطّلع إذا كان بقشره،تشبيها بالحربة،

ص: 251

و هي لغة يمانيّة؛واحدته:حربة،و قد أحرب النّخل، و أحربه:وجده محروبا،و حرّبه:أطعمه الحرب،أي الطّلع.

و الحرباء:مسمار الدّرع،و سنسن الظّهر،و هو حرف فقاره؛و الجمع حرابيّ،و هو تشبيه بالحربة.

2-و الحرباء:دويبّة على شكل سامّ أبرص،ذات قوائم أربع،دقيقة الرّأس،مخطّطة الظّهر،تستقبل الشّمس نهارها؛و الجمع:حرابيّ،و الأنثى:حرباءة.

يقال:أرض محربئة،أي كثيرة الحرباء،و الحرباء:لحم المتن،لشبهه بها.و سمّيت حرباء لشبه بعض أعضائها بالحربة،كرأسها و لسانها.

و قال الجواليقيّ: «فارسيّة معرّبة،و أصلها بالفارسيّة (خربا)أي حافظ الشّمس».و نحن لا نحقّق هذا القول، لأنّه غير معروف في اللّغة الفهلويّة القديمة و الفارسيّة الحديثة،فالفرس يسمّون الحرباء«گرباسو» و«گرباسك»أو غير ذلك ممّا يقرب منهما.

و الحربة:الجوالق،و وعاء يجعل فيه الرّاعي زاده، و أصله«الخاء»،أي الخربة،و«الحاء»فيه لغة،كما قال ابن سيده،انظر«خ ر ب».

و احرنبى الرّجل:تهيّأ للغضب و الشّرّ،مخفّف احرنبأ،و لا عبرة بقول الجوهريّ:«و قد يهمز»لأنّ الهمزة قد سهّلت فيه،فقلبت ألفا،نحو:احبنطأ الرّجل و احبنطى،أي امتلأ غضبا.

3-و في حديث الإمام عليّ عليه السّلام:«فابعث إليهم رجلا محربا»،قال ابن أبي الحديد:«محرب:صاحب حروب» (1).

و رواه ابن الأثير بلفظ:«فابعث عليهم رجلا محرابا»،فقال:«أي معروفا بالحرب عارفا بها،و«الميم» مكسورة،و هو من أبنية المبالغة،كالمعطاء من العطاء».

و كلاهما بمعنى واحد،لأنّ«مفعلا»من أبنية المبالغة أيضا،كالمقول من القول،أي اللّسن.بيد أنّ رواية ابن الأثير«فابعث عليهم»أنسب هنا من رواية النّهج «فابعث إليهم»؛إذ يفيد السّياق الأوّل معنى التّسليط و يفيد الثّاني معنى الإرسال،لمقام«على»فهي تعني الفوقيّة و الإطباق،و لذا جاءت مقرونة بهذا الفعل في سياق العذاب في القرآن ثلاث مرّات:

وَ إِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكَ لَيَبْعَثَنَّ عَلَيْهِمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ مَنْ يَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذابِ الأعراف:167.

قُلْ هُوَ الْقادِرُ عَلى أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْكُمْ عَذاباً مِنْ فَوْقِكُمْ أَوْ مِنْ تَحْتِ أَرْجُلِكُمْ الأنعام:65.

فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ الإسراء:5.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها المصدر معرّفا 3 مرّات و منكّرا مرّة، و الفعل من«المفاعلة»مرّتين:ماضيا و مضارعا، و«مفعل»مفردا 4 مرّات،و جمعا مرّة،في 11 آية:

الحرب

1- فَإِمّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ الأنفال:57

2- فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّا فِداءً حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ

ص: 252


1- شرح الخطبة(134)من نهج البلاغة(8:296).

أَوْزارَها محمّد:4

3- ...كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ

المائدة:64

4- فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ... البقرة:279

المحاربة

5- وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَسْجِداً ضِراراً وَ كُفْراً وَ تَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ إِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ... التّوبة:107

6- إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا... المائدة:33

المحراب و المحاريب

7- ...كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً آل عمران:37

8- فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَ هُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ... آل عمران:39

9- فَخَرَجَ عَلى قَوْمِهِ مِنَ الْمِحْرابِ فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا بُكْرَةً وَ عَشِيًّا مريم:11

10- وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ ص:21

11- يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ... سبأ:13

و يلاحظ أوّلا:أنّ فيها محورين:الحرب و المحاربة، و المحراب و المحاريب:

المحور الأوّل:فيه 4 آيات في الحرب،و آيتان في المحاربة،و كلّها مدنيّ،لأنّ القتال و الجهاد شرّعا في المدينة،و كذا حكم المحاربة،و حكم الرّبا.

أمّا الحرب ففيها بحوث:

1-الحرب ضدّ السّلم،و هي مؤنّث سماعيّ.يقال:

وقعت بينهم حرب،و قامت الحرب على ساق،إذا اشتدّ الأمر،و صعب الخلاص.و انتهت الحرب،و جاء في(2) حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها و قد تذكّر ذهابا إلى معنى القتال،فيقال:حرب شديد.

و قال الخليل :«تصغيرها حريب بلا هاء رواية عن العرب».قيل:كيلا يلتبس بمصغّر الحربة،الّتي هي كالرّمح.و قال ابن سيده:«و هو أحد ما شذّ من هذا الضّرب و قد أبنّاه».و قال السّيرافيّ:«و أصلها بالصّفة كأنّها مقاتلة».و قال الأزهريّ:«أنّثوا الحرب إلى المحاربة،و كذلك السّلم و السّلم يذهب بهما إلى المسالمة فتؤنّث».و قال الفيروزآباديّ:«رجل حرب:عدوّ محارب إن لم يكن محاربا؛للذّكر و الأنثى،و الجمع و الواحد».

و نقول:إرجاعها إلى المحاربة تفرّس حسن،لأنّ الحرب يكون دائما بين اثنين و أكثر،فكلّ حرب محاربة -و كذلك السّلم-و لهذا جاء في مجمع اللّغة:الحرب:

المقاتلة و المنازعة.

فالحرب كالنّار،و قد جمع بينهما في(3): كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ أي أطفأ النّار أو الحرب.

و قد سبق في الأصول اللّغويّة أنّ الحرب مأخوذ من الحربة،و منها اكتسبت التّأنيث.

2-جاءت«الحرب»في(1-3)معرفة،و اللاّم

ص: 253

لتعريف الجنس تفخيما و تشديدا،و أريد بها الحرب بين المؤمنين و الكفّار،و في(4) فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ نكرة،و قبلها: ذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا فأريد بها أنّ من لم يذر ما بقي من الرّبا من المؤمنين،فهو كمن أعلن حربا على اللّه و رسوله،فهي أيضا للتّشديد تعمية و إيهاما،أي أعلن حربا عظيمة عليهما لا يعلم مداه.

فبان أنّ التّعريف و التّنكير كلاهما فيها جميعا للتّشديد بمناسبة السّياق.

قال البروسويّ: «أي بنوع من الحرب عظيم لا يقادر قدره كائن».و قال الآلوسيّ:«تنكير حرب للتّعظيم،و لذا لم يقل:بحرب اللّه تعالى بالإضافة».و عن الزّمخشريّ:«حرب من اللّه أبلغ من حرب اللّه،لأنّ المعنى:فأذنوا بنوع من الحرب عظيم من عند اللّه و رسوله».

3-الآية(1)هي من سورة الأنفال النّازلة في غزوة بدر،أوّل غزوة وقعت بين المسلمين و مشركي قريش، لكن هذه الآية لا علاقة لها بتلك الغزوة بل بجماعة من الكفّار نقضوا عهدهم مرارا،فقبلها: اَلَّذِينَ عاهَدْتَ مِنْهُمْ ثُمَّ يَنْقُضُونَ عَهْدَهُمْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَ هُمْ لا يَتَّقُونَ* فَإِمّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ... و هؤلاء كما حكاه في مجمع البيان ج 2 ص:552،عن مجاهد:«هم يهود بني قريظة،فإنّهم كانوا قد عاهدوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله على أن لا يضرّوا به و لا يمالئوا عليه عدوا،ثمّ مالئوا عليه الأحزاب يوم الخندق،و أعانوهم عليه بالسّلاح،و عاهدوا مرّة بعد أخرى فنقضوا،فانتقم اللّه منهم».

لكن سياق الآيات لا يساعد ذلك،لأنّ النّبيّ لم يقاتل بني قريظة في معركة،حتّى يقال فيهم: فَإِمّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ. و الآيات بعدها أوفق بالحروب الواقعة بينه و بين قبائل المشركين،لا سيّما وَ إِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً...

و أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ.

و يبدو أنّها نزلت في أقوام من العرب بعد غزوة بدر، متأخّرة عن نزول السّورة و ألحقت بها،لاحظ«ث ق ف، خ و ن،ر ب ط».

و كذلك الآية(2)نزلت بشأن مشركي العرب و عامّة الكفّار كقانون للحرب،دون قوم خاصّ كما يقتضيه سياق سورة محمّد و تمام الآية: فَإِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقابِ حَتّى إِذا أَثْخَنْتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثاقَ فَإِمّا مَنًّا بَعْدُ وَ إِمّا فِداءً حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها ذلِكَ وَ لَوْ يَشاءُ اللّهُ لاَنْتَصَرَ مِنْهُمْ وَ لكِنْ لِيَبْلُوَا بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ....

و قد تبيّن من ذلك أنّ ما جاء في النّصوص في تفسير حَتّى تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزارَها مثل:«حتّى لا يبقى دين غير الإسلام»و«حتّى يخرج عيسى بن مريم...» و نحوهما،لا يوافق سياق الآية،فإنّ المراد ب(الحرب) فيها:حرب اشتغلوا بها،لا كلّ حرب تشنّ فيما بعد إلى يوم القيامة.و لكن هذا الحكم مستمرّ كقانون للحرب.

و هو واضح لا ريب فيه،و فيها بحوث،لاحظ«وزر:

اوزارها».

و أمّا الآية(3)-فكما تحاكي صدرها-نزلت في اليهود: وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ إلى أن قال:

ص: 254

وَ أَلْقَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَ الْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ....

و أمّا الآية(4)فقد سبق أنّها تمثيل لآكل الرّبا بمن أعلن حربا على اللّه و رسوله،و لا علاقة له بالحرب بين المسلمين و الكفّار.

4-قال أهل المعاني-كما رواه البغويّ-في(4):

«حرب اللّه النّار،و حرب رسول اللّه السّيف».

و قال آخرون:«حرب اللّه كحرب المرتدّين، و حرب الرّسول كحرب البغاة،و جمهور المفسّرين عليه»،و عن الشّيخ عبده:«حرب اللّه بغضه و انتقامه، و حرب الرّسول فهي مقاومته بالفعل في زمنه...»

و قيل:«لا حرب حقيقة،و إنّما هو تهديد و تخويف»، و هذا ما أيّدناه،و قلنا:إنّها تمثيل لا حرب حقيقة، و لا شاهد لما قالوه.

5-و سياق آيات«الحرب»و كذلك«المحاربة»كلّها الذّمّ و التّشديد و العذاب،موافقة لنفس المادّة، و للمخاطبين فيها،و هم الكفّار و العصاة.

و أمّا المحاربة ففيها بحوث أيضا:

1-جاء في(5): إِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ، و في(6): اَلَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ.

و ليس المراد بهما القتال في المعركة بل السّعي في مخالفة اللّه و رسوله،و الإفساد في الأرض،كما يحاكي سياقهما و ما نزل بشأنهما:

فالأولى نزلت-كما رواه المفسّرون-بشأن مسجد بناه جماعة من المنافقين قرب مسجد قبا بنيّة سيّئة،كما قال: ضِراراً وَ كُفْراً وَ تَفْرِيقاً بَيْنَ الْمُؤْمِنِينَ وَ إِرْصاداً لِمَنْ حارَبَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ مِنْ قَبْلُ.

و أريد ب(من حارب اللّه من قبل-كما قال الطّبرسيّ ج 3 ص:72-:«أبو عامر الرّاهب الّذي ترهّب في الجاهليّة و لبس المسوح،فلمّا قدم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله المدينة حسده و حزّب عليه الأحزاب،ثمّ هرب بعد فتح مكّة إلى الطّائف.فلمّا أسلم أهل الطّائف لحق بالشّام و خرج إلى الرّوم،و تنصّر-و سمّاه الرّسول عليه السّلام«الفاسق»- و أرسل إلى المنافقين أن استعدّوا و ابنوا مسجدا،فإنّي آتيكم من عند قيصر بجنود...فكان هؤلاء المنافقون يتوقّعون أن يجيئهم أبو عامر،فمات قبل أن يلقى ملك الرّوم...».

و أمّا الثّانية ففي من نزلت فيهم خلاف واسع:أهم اليهود،أو المشركون،أو المرتدّون أو الزّناة،أو المفسدون في الأرض كقطّاع الطّريق و هو الأقوى بل المتعيّن-فراجع النّصوص-و لا سيّما نصّ الجصّاص و ابن عطيّة،و ابن العربيّ و الفخر الرّازيّ،و رشيد رضا، فقد اتّفقوا على أن ليس المراد بالمحاربة فيها:القتال في المعركة،بل عدّوها مجازا لاستحالة محاربة اللّه حقيقة.

قال الجصّاص:«هو مجاز،لأنّ اللّه يستحيل أن يحارب»ثمّ ذكر وجهين في إطلاقها على من ذكر:إمّا تشبيها بالمحاربين في المعركة،أو أريد بها الّذين يحاربون أولياء اللّه،و قال:«و قد يصحّ إطلاق لفظ المحاربة للّه و لرسوله على من عظمت جريرته بالمجاهرة بالمعصية، و إن كان من أهل الملّة...»و مثله ابن الجوزيّ و غيره.

2-جاء في تلك النّصوص حكم المحارب،و المفسد في الأرض تفصيلا،و أنّ الحاكم الإسلاميّ هل هو مخيّر

ص: 255

في إجراء ما ذكر فيها،أو أنّ لكلّ منهم جزاء خاصّا؟و قد اختلفت فيه آراء المذاهب،لاحظ«ف س د-الفساد في الأرض».

3-جاء في الآيتين و كذا في آية الرّبا(4)ذكر اللّه و رسوله تشديدا في الأمر و تهويلا،كما قال: إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ... المجادلة:5-20،و بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ... التّوبة:1،و نحوها.

كلّ ذلك جاء تحذيرا و تشديدا،كما جاء في عكسها آيات كثيرة ترغيبا و تكريما،مثل: أَطِيعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ الأنفال:20 و 46 و غيرهما.و قد كرّر في أوّل آية من الأنفال تشديدا في أمرها كما كرّر فيها«الأنفال» أيضا مرّتين: يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَنْفالِ قُلِ الْأَنْفالُ لِلّهِ وَ الرَّسُولِ فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَصْلِحُوا ذاتَ بَيْنِكُمْ وَ أَطِيعُوا اللّهَ وَ رَسُولَهُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ، و قد كرّرا في القرآن تكريما و تخويفا،لاحظ«ر س ل-رسول».

المحور الثّاني:لفظان:أحدهما:(المحراب)4 مرّات، و كلّها راجع إلى أهل الكتاب دون الإسلام:ثلاثة منها (7-9)جاءت بشأن مريم و زكريّا،و واحدة(10) بشأن داود عليهم السّلام.

و ثانيهما:(المحاريب)مرّة،و هي أيضا راجعة إلى سليمان من أهل الكتاب،و فيها بحوث:

1-قال الآلوسيّ في محراب:«إنّه«مفعال»صيغة مبالغة كمعطان،فسمّي به المكان،لأنّ المحاربين نفوسهم كثيرون فيه.و قيل:إنّه يكون اسم مكان و سمّي به،لأنّ محلّ محاربة الشّيطان فيه،أو لتنافس النّاس عليه»، و نحوه ابن عطيّة،و زاد:«و قالت فرقة:هو مأخوذ من (الحرب)بفتح الرّاء،كأنّ ملازمه يلقى منه حربا و تعبا و نصبا،و في اللّفظ بعد هذا نظر».

و عدّه المصطفويّ اسم آلة توسّلا بآلة الحرب في محاربة الشّيطان،لأنّ مجرّد القيام في مكان الحرب لا يدلّ على العمل.

و على كلّ حال فيفهم منه شدّة العمل و محاربة الشّيطان،هذا في لفظه.

2-و أمّا في معناه فقالوا:المحراب سيّد المجالس و مقدّمها و أشرفها،و أنّ المحراب غرفة يصعد إليها، و هكذا المحراب عند أهل الكتاب.

و قال رشيد رضا:«هو ما يعبّر عنه أهل الكتاب ب«المذبح»،و هو مقصورة في مقدّم المعبد،لها باب يصعد إليه بسلّم ذي درجات قليلة،و يكون من فيه محجوبا عمّن في المعبد».

ثمّ انتقل إلى الإسلام من دون نظر إلى مادّته،و سمّي به مكان الإمام من المسجد تشبيها بما كان عند أهل الكتاب،و قد يطلق على المسجد كلّه،إطلاقا لأشرف جزء منه على الكلّ.

3-فالأصل فيه أهل الكتاب.قال الآلوسيّ:«و هو محدث لم يكن على عهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و قد ألّف الجلال السّيوطيّ في ذلك رسالة صغيرة سمّاها إعلام الأريب بحدوث بدعة المحاريب».

و لعلّه أطلق أوّلا على تلك المحاريب الّتي أحدثوها في خلافة معاوية،حفظا لمكان الإمام عن المهاجمين عليه،و كان غرفة لها باب خلف الإمام،ثمّ أطلق على مكان الإمام في المسجد و إن لم يكن غرفة،كما هو المعتاد

ص: 256

في هذه الأعصار.

4-يصرّح الآية(8) وَ هُوَ قائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرابِ أنّ المحراب كان محلاّ للصّلاة.و باقي الآيات دالّة على أنّه كان محلاّ لمن كان له مكانة عظيمة عندهم أو عند اللّه،كما يرمز إليه وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً...، فَنادَتْهُ الْمَلائِكَةُ، فَأَوْحى إِلَيْهِمْ أَنْ سَبِّحُوا...

و إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرابَ. لاحظ«ص ل ي،س و ر، و ح ي».

5-محاريب في(11)جمع«محراب»و لكنّها لا تخصّ محلّ العبادة و الصّلاة،كالمحراب،بل كانت-كما جاء في النّصوص-تعمّ البنيان الكبار و القصور و المساكن و نحوها.و عن ابن عبّاس و مجاهد و غيرهما:هي المساجد سمّيت-كما سبق-باسم بعضها تجوّزا.

و يبدو أنّهم تأثّروا بما شاع في الإسلام من اختصاص المحراب بالمساجد،لاحظ:«ج ف ن-جفان، م ث ل-تماثيل،ج ب ي-الجواب».

ص: 257

ص: 258

ح ر ث

اشارة

5 ألفاظ،14 مرّة:7 مكّيّة،7 مدنيّة

في 7 سور:5 مكّيّة،2 مدنيّتين

تحرثون 1:1 الحرث 5:2-3

حرث 5:3-2 حرثه 1:1

حرثكم 2:-2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الاحتراث من الزّرع،و من كسب المال.

و الإحراث:هزل الخيل،يقال:أحرثنا الخيل؛ و حرثناها:لغة.

و المحراث:من الحديد كهيئة المسحاة،تحرّك بها النّار،و محراث الحرب:ما يهيّجها.

و الحرث:قذفك الحبّ في الأرض.[و استشهد فيها مرّتين بالشّعر،و يأتي منه كلام عن سيبويه نقله ابن سيده فلاحظ](3:205)

سيبويه :و قد يجيء فعلت و أفعلت،و المعنى فيهما واحد،إلاّ أنّ اللّغتين اختلفتا...و قالوا:حرثت الظّهر و أحرثته.(4:61)

أبو عمرو الشّيبانيّ: و الحراث:سنخ النّصل.

(1:142)

قد حرثتم بعيركم ذا حرث سوء،إذا ألحّوا عليه في الحمل و الإتعاب.(1:149)

أحرثت النّاقة،إذا سرت عليها،و أنضيتها.

(1:152)

المحروث:الّذي يبرى حتّى تقع اليد عليه،من عصا أو غيره.

حرث يحرث عصاه،إذا جعل لها مقبضا.(1:164)

و الحرث:قضم الحبّ.[ثمّ استشهد بشعر](1:184)

حرث الرّجل،إذا جمع بين أربع نسوة،و حرث إذا تفقّه،و فتّش،و حرث،إذا اكتسب لعياله و اجتهد لهم.

و الحرثة:عرق في أصل أداف الرّجل.

(الأزهريّ 4:477)

ص: 259

الحرثة:الفرصة الّتي في طرف القوس للوتر.

(الأزهريّ 4:478)

الفرّاء: حرثت القرآن أحرثه،إذا أطلت دراسته و تدبّرته.(الأزهريّ 4:478)

أبو عبيدة :حرثت النّاقة و أحرثتها،إذا سرت عليها حتّى تهزل.(الأزهريّ 4:477)

أبو عبيد: في حديث معاوية:«أنّه قدم من الشّام فمرّ بالمدينة،فلم تلقه الأنصار،فسأل عن ذلك،فقالوا:

لم يكن لنا ظهر،قال:فما فعلت نواضحكم؟قالوا:

حرثناها يوم بدر»يعني هزلناها،يقال:حرثت الدّابّة و أحرثتها:لغتان.(2:337)

نحوه المدينيّ.(1:418)

ابن الأعرابيّ: الحرث:إشعال النّار.

الحرث:الجماع الكثير،حرث الرّجل:امرأته.[ثمّ استشهد بشعر]

الحرث:المحجّة المكدودة بالحوافر.

و الحرث:أصل جردان الحمار.

و الحرث:تفتّش الكتاب و تدبّره،و منه قول عبد اللّه:«احرثوا هذا القرآن»أي فتّشوه.

(الأزهريّ 4:478)

الحرّاث:الكثير الأكل.(ابن سيده 3:297)

ابن السّكّيت: يقال:أنضيت ناقتي إنضاء، و أحرفتها إحرافا،و أحرثتها إحراثا،إذا هزلتها فأذهبت لحمها.(148)

فلان يحرث لدينه:يريد يعمل و يكسب.(687)

شمر:قال الغنويّ: يقال:حرث القوس و الكظرة و هو فرض،و هي من القوس حرث،و قد حرثت القوس أحرثها،إذا هيّأت موضعا لعروة الوتر.

و الزّندة تحرث ثمّ تكظر بعد الحرث،فهو حرث ما لم ينفذ،فإذا أنفذ فهو كظر.(الأزهريّ 4:478)

ابن أبي اليمان :الحرث:الكسب.(227)

المبرّد: قول الأعشى:«أتيت حريثا»يريد الحرث،و تصغيره على لفظه:حويرث.و هذا التّصغير الآخر يقال له:تصغير التّرخيم،و هو أن تحذف الزّوائد من الاسم ثمّ تصغّر حروفه الأصليّة،فتقول في تصغير أحمد:حميد،لأنّه من الحمد،و في الحرث:حريث،لأنّه من الحرث،و في غضبان:غضيب،لأنّه من الغضب، لأنّ الألف و النّون زائدتان،و كذلك ذوات الأربعة تقول في تصغير قنديل على لفظه:قنيديل،فإن صغّرته مرخّما حذفت الياء،فقلت:قنيدل،فعلى هذا مجرى الباب.

(2:30)

ثعلب :و الحرثة:المنبت.(ابن منظور 2:136)

ابن دريد :و الحرث:حرث الزّرع،حرث يحرث حرثا و حراثة.

و حرث الرّجل لدنياه أو آخرته،إذا عمل لها، و كذلك فسّر في التّنزيل مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ الشّورى:20،أي عمل الآخرة،و اللّه أعلم.

و الحرث:النّكاح،هكذا فسّر في التّنزيل،في قوله تعالى: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ البقرة:223.

و المحراث:خشبة تحرّك بها النّار؛و الجمع:المحارث.

و الحراث:مجرى الوتر الفوق؛و الجمع:أحرثة.

و أحرث الرّجل ناقته،إذا هزلها.

ص: 260

و قد سمّت العرب:حارثا و حرّاثا و حريثا و محرّثا و حرثان.(2:34)

الأزهريّ: ابن بزرج:أرض محروثة و محرثة:وطئها النّاس حتّى أحرثوها و حرثوها،و وطئت حتّى أثاروها، و هو فساد إذا وطئت فهي محرثة و محروثة،تقلب للزّرع، و كلاهما يقال بعد.

و قيل:الحرث:العمل للدّنيا و الآخرة،و منه حديث ابن عمر أنّه قال:«احرث لدنياك كأنّك تعيش أبدا و احرث لآخرتك كأنّك تموت غدا»و معناه تقديم أمر الآخرة و أعمالها حذار الفوت بالموت على عمل الدّنيا، و تأخير أمر الدّنيا كراهية الاشتغال بها عن عمل الآخرة.

و يقال:هو يحرث لعياله و يحترث،أي يكتسب.

و في الحديث:«أصدق الأسماء الحارث»لأنّ الحارث معناه الكاسب.

و احتراث المال:كسبه،و قول اللّه جلّ و عزّ: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها الشّورى:20.

(4:477)

الصّاحب:[مثل الخليل و أضاف:]

و المرأة:حرث الرّجل.

و حرث الدّنيا:متاعها.

و الحرث في قول اللّه عزّ و جلّ: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ: الثّواب و النّصيب.

و الحراث:السّهم الّذي لم يتمّ بريه؛و الجميع:

الأحرثة.

و حرث عنقه بالسّكّين حرثا:قطعها.

و الإحراث:التّأثير كما يؤثّر الحرث في الأرض.

و حرثت القرآن أحرثه حرثا:أطلت قراءته و درسه.

(3:73)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله«...اخرجوا إلى معايشكم و حرائثكم»الحرائث:أنضاء الإبل؛واحدتها:

حريثة،و أصله في الخيل إذا هزلت.يقال:أحرثنا الخيل و حرثناها،أي هزلناها.و إنّما يقال في الإبل:أحرفناها، يقال:ناقة حرف،أي هزيل.و يقال:سمّي حرفا، لانحرافه عن السّمن إلى الهزال.

و قد تكون الحرائث يراد بها:المكاسب و المتاجر.

و الاحتراث:اكتساب المال.[ثمّ استشهد بشعر]

و بعضهم يرويه«إلى حرائبكم»جمع حريبة.

و حريبة الرّجل:ما له الّذي يعيش به،و هذا أشبه،و اللّه أعلم.(1:554)

الجوهريّ: الحرث:كسب المال و جمعه،و في الحديث:«احرث لدنياك كأنّك تعيش أبدا».

و أبو الحارث:كنية الأسد.

و الحارث:قلّة من قلل الجولان،و هو جبل بالشّام.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الحرث:الزّرع،و الحرّاث:الزّرّاع،و قد حرث و احترث،مثل زرع و ازدرع.

و يقال:«احرث القرآن»أي ادرسه.

و حرثت النّاقة و أحرثتها،أي سرت عليها حتّى هزلت.

و حرثت النّار:حرّكتها.

و المحراث:ما تحرّك به نار التّنّور.

ص: 261

و قولهم:بلحارث،لبني الحارث بن كعب،من شواذّ التّخفيف،لأنّ النّون و اللاّم قريبا المخرج،فلمّا لم يمكنهم الإدغام لسكون اللاّم حذفوا النّون،كما قالوا:مست و ظلت.و كذلك يفعلون بكلّ قبيلة تظهر فيها لام المعرفة مثل بلعنبر و بلهجيم.فأمّا إذا تظهر اللاّم فلا يكون ذلك.

(1:279)

ابن فارس: الحاء و الرّاء و الثّاء أصلان متفاوتان:

أحدهما:الجمع و الكسب،و الآخر:أن يهزل الشّيء.

فالأوّل الحرث،و هو الكسب و الجمع؛و به سمّي الرّجل حارثا.و الحديث:«احرث لدنياك...»

و من هذا الباب:حرث الزّرع.و المرأة حرث الزّوج،فهذا تشبيه؛و ذلك أنّها مزدرع لولده،قال اللّه تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ البقرة:223.

و الأحرثة:مجاري الأوتار في الأفواق،لأنّها تجمعها.

و أمّا الأصل الآخر فيقال:حرث ناقته:هزلها،

و أحرثها أيضا.و من ذلك قول الأنصار لمّا قال لهم معاوية:ما فعلت نواضحكم؟قالوا:أحرثناها يوم بدر!!

(2:49)

ابن سيده: الحرث و الحراثة:العمل في الأرض زرعا كان أو غرسا،و قد يكون الحرث نفس الزّرع،و به فسّر الزّجّاج: أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ آل عمران:117،حرث يحرث حرثا.

و الحرث:الكسب،و الفعل كالفعل و المصدر كالمصدر.و هو أيضا الاحتراث.

و المرأة حرث للرّجل،أي يكون ولده منها كأنّه يحرث ليزرع،و في التّنزيل: نِساؤُكُمْ....

و الحرث:متاع الدّنيا،و في التّنزيل: وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا الشّورى:20.

و الحرث:الثّواب و النّصيب،و في التّنزيل: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ الشّورى:20.

و المحراث:خشبة تحرّك بها النّار.و محراث الحرب:مهيّجها.

و حرث الأمر:تذكّره و اهتاج له.[ثمّ استشهد بشعر]

و حرث الإبل و الخيل و أحرثها:أهزلها،و حرث ناقته حرثا و أحرثها،إذا سار عليها حتّى تهزل.

و الحراث:مجرى الوتر في القوس؛و جمعه:أحرثة.

و الحرثة:ما بين منتهى الكمرة و مجرى الختان.

و الحراث:السّهم قبل أن يراش؛و الجمع:أحرثة.

و الحارث:اسم.قال سيبويه:قال الخليل:«إنّ الّذين قالوا:«الحارث»:إنّما أرادوا أن يجعلوا الرّجل هو الشّيء بعينه،و لم يجعلوه سمّي به،و لكنّهم جعلوه كأنّه وصف له غلب عليه.قال:و من قال:«حارث»بغير ألف و لام،فهو يجريه مجرى زيد»و قد تقدّم مثل هذا في «الحسن»اسم رجل.قال ابن جنّيّ:إنّما تعرّف «الحارث»و نحوه من الأوصاف الغالبة بالوضع دون اللاّم،و إنّما أقرّت اللاّم فيها بعد النّقل و كونها أعلاما، مراعاة لمذهب الوصف فيها قبل النّقل.و جمع الأوّل:

الحرّث و الحرّاث.و جمع حارث:حرّث و حوارث،قال سيبويه:«و من قال:حارث،قال في جمعه:حوارث؛ حيث كان اسما خاصّا كزيد،فافهم».

و حويرث،و حريث،و حرثان،و حارثة،و حرّاث،

ص: 262

و محرّث،أسماء.قال ابن الأعرابيّ:هو اسم جدّ صفوان بن أميّة بن محرّث،و«صفوان»هذا أحد حكّام كنانة.(3:296)

الحرث:إثارة الأرض لزرع أو غرس،حرثها يحرثها حرثا و حراثة.

و المحرث و المحراث:آلة ذلك.(الإفصاح 2:1064)

الطّوسيّ: و الحرث:الزّرع الّذي قد حرثت له الأرض،حرث يحرث حرثا.

و الحرّاث:الّذي يحرث الأرض؛و منه الحارث، و منه الحرث:كناية عن الجماع.

و يقال:احترث لأهله،إذا اكتسب بطلب الرّزق، كما يطلب الحرّاث.(10:80)

الرّاغب: الحرث:إلقاء البذر في الأرض و تهيّؤها للزّرع،و يسمّى المحروث:حرثا،قال اللّه تعالى: أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ القلم:22.

و تصوّر منه العمارة الّتي تحصل عنه في مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا... و قد ذكرت في«مكارم الشّريعة»كون الدّنيا محرثا للنّاس،و كونهم حرّاثا فيها،و كيفيّة حرثهم.

و روي:«أصدق الأسماء الحارث»و ذلك لتصوّر معنى الكسب منه.

و روي:«احرث في دنياك لآخرتك».

و تصوّر معنى التّهيّج من حرث الأرض فقيل:

حرثت النّار.و لما تهيّج به النّار:محرث.

و يقال:«احرث القرآن»أي أكثر تلاوته،و حرث ناقته،إذا استعملها.[ثمّ ذكر حديث معاوية للأنصار]

و قال عزّ و جلّ: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ و ذلك على سبيل التّشبيه،فبالنّساء زرع ما فيه بقاء نوع الإنسان،كما أنّ بالأرض زرع ما به بقاء أشخاصهم،و قوله عزّ و جلّ: وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ البقرة:205،يتناول الحرثين.(112)

الزّمخشريّ: حرث الأرض:أثارها للزّراعة و ذلّلها لها،و بلد محروث،و لفلان ألف جريب محروث.

و من المجاز:حرثت الخيل الأرض:داستها حتّى صارت كالمحروثة.

و حرث النّاقة و أحرثها:هزّلها بالسّير.

و حرث النّار بالمحراث:حرّكها.

و حرث عنقه بالسّكّين:قطعها.

و احرث لآخرتك:اعمل لها.

و حرثت القرآن:أطلت دراسته و تدبّره.

و كيف حرثك،أي امرأتك.[و استشهد بالشّعر مرّتين](أساس البلاغة:78)

الطّبرسيّ: معنى الحرث في اللّغة:الكسب،و فلان يحرث و يحترث،أي يكتسب.(5:27)

و الحرث:كلّ أرض ذلّلته للزّرع.(1:132)

ابن الأثير: و في الحديث:«احرث لدنياك كأنّك تعيش أبدا،و اعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا»أي اعمل لدنياك،فخالف بين اللّفظين،يقال:حرثت و احترثت.

و الظّاهر من مفهوم لفظ هذا الحديث:أمّا في الدّنيا فللحثّ على عمارتها و بقاء النّاس فيها،حتّى يسكن فيها و ينتفع بها من يجيء بعدك،كما انتفعت أنت بعمل من

ص: 263

كان قبلك و سكنت فيما عمره،فإنّ الإنسان إذا علم أنّه يطول عمره أحكم ما يعمله و حرص على ما يكسبه.

و أمّا في جانب الآخرة فإنّه حثّ على إخلاص العمل،و حضور النّيّة و القلب في العبادات و الطّاعات و الإكثار منها،فإنّ من يعلم أنّه يموت غدا يكثر من عبادته و يخلص في طاعته،كقوله في الحديث الآخر:

«صلّ صلاة مودّع».

قال بعض أهل العلم:المراد من هذا الحديث غير السّابق إلى الفهم من ظاهره،لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إنّما ندب إلى الزّهد في الدّنيا،و التّقليل منها،و من الانهماك فيها و الاستمتاع بلذّاتها،و هو الغالب على أوامره و نواهيه فيما يتعلّق بالدّنيا،فكيف يحثّ على عمارتها و الاستكثار منها!و إنّما أراد-و اللّه أعلم-أنّ الإنسان إذا علم أنّه يعيش أبدا قلّ حرصه،و علم أنّ ما يريده لن يفوته تحصيله بترك الحرص عليه و المبادرة إليه،فإنّه يقول:

إن فاتني اليوم أدركته غدا،فإنّي أعيش أبدا،فقال عليه الصّلاة و السّلام:اعمل عمل من يظنّ أنّه يخلّد فلا يحرص في العمل،فيكون حثّا له على التّرك و التّقليل بطريقة أنيقة من الإشارة و التّنبيه،و يكون أمره لعمل الآخرة على ظاهره،فيجمع بالأمرين حالة واحدة و هو الزّهد و التّقليل،لكن بلفظين مختلفين.

و قد اختصر الأزهريّ هذا المعنى فقال:معناه تقديم أمر الآخرة و أعمالها حذار الموت بالفوت على عمل الدّنيا،و تأخير أمر الدّنيا كراهية الاشتغال بها عن عمل الآخرة.

و في حديث عبد اللّه:«احرثوا هذا القرآن»أي فتّشوه و ثوّروه.و الحرث:التّفتيش.

و فيه:«أصدق الأسماء الحارث»لأنّ الحارث هو الكاسب،و الإنسان لا يخلو من الكسب طبعا و اختيارا.

و منه حديث بدر:«اخرجوا إلى معايشكم و حرائثكم»أي مكاسبكم؛واحدها:حريثة.

[ثمّ ذكر كلام الخطّابيّ و حديث معاوية (1)و قال:] و هذا يخالف قول الخطّابيّ (2)،و أراد معاوية بذكر نواضحهم تقريعا لهم،لأنّهم كانوا أهل زرع و سقي، فأجابوه بما أسكنه تعريضا بقتل أشياخه يوم بدر.

(1:359)

القرطبيّ: و الحرث:اسم لكلّ ما يحرث،و هو مصدر سمّي به،تقول:حرث الرّجل حرثا،إذا أثار الأرض لمعنى الفلاحة،فيقع اسم الحراثة على زرع الحبوب و على الجنّات،و على غير ذلك من نوع الفلاحة.

(4:35)

أبو حيّان :و الحرث:مصدر حرث يحرث،و هو شقّ الأرض ليبذر فيها الحبّ،و يطلق على ما حرث و زرع،و هو مجاز في نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ.

و الحرث:الزّرع،و الحرث:الكسب.و الحرائث:

الإبل؛الواحدة:حريثة.(1:249)

الفيّوميّ: حرث الرّجل المال حرثا من باب».

ص: 264


1- تقدّم ذكره في قول أبي عبيد.
2- ذكر الخطّابيّ لفظ«الحرائث»في هذا الحديث-كما تقدّم عنه-بمعنى أنضاء الإبل،واحدتها حريثة،و أصله في الخيل إذا هزلت،و هو أحد قوليه،و القول الثّاني ما ذكره ابن الأثير،فلا معنى لقوله:«و هذا يخالف قول الخطّابيّ».

«قتل»:جمعه،فهو حارث؛و به سمّي الرّجل.

و حرث الأرض حرثا:أثارها للزّراعة،فهو حرّاث، ثمّ استعمل المصدر اسما،و جمع على«حروف»مثل فلس و فلوس.

و اسم الموضع:محرث وزان جعفر؛و الجمع:المحارث.

و: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ مجاز على التّشبيه بالمحارث،فشبّهت النّطفة الّتي تلقى في أرحامهنّ للاستيلاد بالبذور الّتي تلقى في المحارث للاستنبات.

و قوله: أَنّى شِئْتُمْ البقرة:223،أي من أيّ جهة أردتم بعد أن يكون المأتى واحدا،لهذا قيل:الحرث:

موضع النّبت.(1:127)

الفيروزآباديّ: الحرث:الكسب،و جمع المال، و الجمع بين أربع نسوة،و النّكاح بالمبالغة،و المحجّة المكدودة بالحوافر،و أصل جردان الحمار،و السّير على الظّهر حتّى يهزل،و الزّرع،و تحريك النّار،و التّفتيش و التّفقّه،و تهيئة الحراث كسحاب لفرضة في طرف القوس يقع فيها الوتر،و هي الحرثة بالضّمّ أيضا،فعل الكلّ يحرث و يحرث.

و بنو حارثة:قبيلة،و الحارثيّون منهم كثيرون.

و الحرثة بالضّمّ:ما بين منتهى الكمرة و مجرى الختان.

و الحراث ككتاب:سهم لم يتمّ بريه،و سنخ النّصل؛ جمعه:أحرثة.

و الحرائث:المكاسب؛الواحدة:حريثة،و الإبل المنضاة.

و كصرد:أرض.

و ذو حرث أيضا:حميريّ.

و المحرث و المحراث:ما يحرّك به النّار.(1:170)

مجمع اللّغة :1-حرث الأرض يحرثها حرثا:

أثارها و هيّأها للزّرع و الغرس.

و حرثها:قذف فيها الحبّ للازدراع.

2-أ-و يطلق الحرث على نفس الزّرع،قائما كان أو حصيدا.

ب-و قد يستعمل الحرث مرادا به نوع من التّشبيه و المجاز،فمن ذلك استعماله في الزّوجة،لأنّها موضع الإنتاج،كما أنّ الحرث وسيلة الاستنبات نِساؤُكُمْ...؛ و من ذلك استعماله في نعم الدّنيا أو ثواب الآخرة مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَ... الشّورى:20.(1:244)

محمّد إسماعيل إبراهيم: حرث الأرض:شقّها بالمحراث ليبذر فيها الحبّ.

حرث المال:كسبه و جمعه،و الحرث:الزّرع نفسه أو الأرض الّتي تستنبت بالبذر و النّوى و الغرس، و: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ أي مكان زرع الولد.

(1:127)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو بلوغ المحصول من الزّرع و تحصيل النّتيجة منه، و هذا المعنى إنّما يتحقّق بعد الزّرع و قبل الحصاد،و في هذا المقام ظهور ما زرع و اخضراره و تجلّيه.[ثمّ ذكر آيات و قال:]

ثمّ إنّ الكسب و الجمع و الدّرس و السّير بالنّاقة:كلّها من هذا الأصل،فإنّ مرجعها إلى حصول النّتيجة، و أخذها و تحصيلها.(2:199)

ص: 265

النّصوص التّفسيريّة

تحرثون

أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ* أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ. الواقعة:63،64

ابن قتيبة :أي تزرعون.(450)

الطّبريّ: أ فرأيتم أيّها النّاس الحرث الّذي تحرثونه.

(27:198)

الماورديّ: أضاف الحرث إليهم و الزّرع إليه تعالى،لأنّ الحرث فعلهم و يجري على اختيارهم و الزّرع من فعل اللّه و ينبت على اختياره لا على اختيارهم، و كذلك ما روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا يقولنّ أحدكم زرعت و لكن ليقل حرثت».(5:460)

البغويّ: يعني تثيرون من الأرض و تلقون فيها من البذر.(5:17)

مثله الميبديّ(9:460)،و النّسفيّ(4:218).

الزّمخشريّ: من الطّعام،أي تبذرون حبّه و تعملون في أرضه.(4:57)

نحوه البيضاويّ(2:449)،و النّيسابوريّ(27:81)، و أبو السّعود(6:193)،و الآلوسيّ(27:148)، و المراغيّ(27:144).

الطّبرسيّ: أي ما تعملون في الأرض و تلقون فيها من البذر.(5:223)

الفخر الرّازيّ: ذكر بعد دليل الخلق دليل الرّزق، فقوله: أَ فَرَأَيْتُمْ ما تُمْنُونَ الواقعة:58،إشارة إلى دليل الخلق و به الابتداء،و قوله: أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ إشارة إلى دليل الرّزق و به البقاء.

و ذكر أمورا ثلاثة:المأكول و المشروب و ما به إصلاح المأكول،و رتّبه ترتيبا؛فذكر المأكول أوّلا لأنّه هو الغذاء،ثمّ المشروب لأنّ به الاستمراء،ثمّ النّار الّتي بها الإصلاح،و ذكر من كلّ نوع ما هو الأصل،فذكر من المأكول الحبّ فإنّه هو الأصل،و من المشروب الماء لأنّه هو الأصل،و ذكر من المصلحات النّار لأنّ بها إصلاح أكثر الأغذية و أعمّها،و دخل في كلّ واحد منها ما هو دونه،هذا هو التّرتيب.

و أمّا التّفسير فنقول:الفرق بين الحرث و الزّرع،هو أنّ«الحرث»:أوائل الزّرع و مقدّماته من كراب الأرض، و إلقاء البذر،و سقي المبذور.و«الزّرع»هو آخر الحرث من خروج النّبات و استغلاظه و استوائه على السّاق، فقوله: أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ أي ما تبتدءون منه من الأعمال،أ أنتم تبلغونها المقصود أم اللّه؟و لا يشكّ أحد في أنّ إيجاد الحبّ في السّنبلة ليس بفعل النّاس،و ليس بفعلهم-إن كان-سوى إلقاء البذر و السّقي.

فإن قيل:هذا يدلّ على أنّ اللّه هو الزّارع،فكيف قال تعالى: يُعْجِبُ الزُّرّاعَ الفتح:29،و قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«الزّرع للزّارع».

قلنا:قد ثبت من التّفسير:أنّ الحرث متّصل بالزّرع،فالحرث أوائل الزّرع،و الزّرع أواخر الحرث، فيجوز إطلاق أحدهما على الآخر.

لكن قوله: يُعْجِبُ الزُّرّاعَ بدلا عن قوله:

يعجب الحرّاث،يدلّ على أنّ الحارث إذا كان هو المبتدئ،فربّما يتعجّب بما يترتّب على فعله من خروج

ص: 266

النّبات.و الزّارع لمّا كان هو المنتهى،و لا يعجبه إلاّ شيء عظيم،فقال: يُعْجِبُ الزُّرّاعَ الّذين تعوّدوا أخذ الحراث.

فما ظنّك بإعجابه الحرّاث،و قوله صلّى اللّه عليه و سلّم«الزّرع للزّارع»فيه فائدة،لأنّه لو قال:للحارث،فمن ابتدأ بعمل الزّرع و أتى بكراب الأرض و تسويتها يصير حارثا،و ذلك قبل إلقاء البذرة لزرع لمن أتى بالأمر المتأخّر و هو إلقاء البذر،أي من له البذر على مذهب أبي حنيفة رحمة اللّه تعالى عليه.و هذا أظهر،لأنّه بمجرّد الإلقاء في الأرض يجعل الزّرع للملقي سواء كان مالكا أو غاصبا.(29:180)

القرطبيّ: هذه حجّة أخرى،أي أخبروني عمّا تحرثون من أرضكم فتطرحون فيها البذر،أنتم تنبتونه و تحصّلونه زرعا فيكون فيه السّنبل و الحبّ أم نحن نفعل ذلك؟[ثمّ ذكر مثل الماورديّ](17:217)

أبو حيّان :ما تذرونه في الأرض و تبذرونه.

(8:211)

الشّربينيّ: أي تجدّدون حرثه على الاستمرار من أراضيكم،فتطرحون فيه البذر.(4:192)

البروسويّ: أي تبذرونه من الحبّ و تعملون في أرضه بالسّقي و نحوه،و الحرث:إلقاء البذر في الأرض و تهيئتها للزّرع.(9:332)

نحوه القاسميّ.(16:5656)

الطّباطبائيّ: قوله: أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ -إلى قوله - مَحْرُومُونَ بعد ما ذكّرهم بكيفيّة خلق أنفسهم و تقدير الموت بينهم تمهيدا للبعث و الجزاء،و كلّ ذلك من لوازم ربوبيّته،عدّ لهم أمورا ثلاثة من أهمّ ما يعيشون به في الدّنيا،و هي الزّرع الّذي يقتاتون به،و الماء الّذي يشربونه،و النّار الّتي يصطلون بها و يتوسّلون بها إلى جمل من مآربهم،و تثبت بذلك ربوبيّته لهم،فليست الرّبوبيّة إلاّ التّدبير عن ملك.

فقال: أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ الحرث:العمل في الأرض و إلقاء البذر عليها.(19:135)

المصطفويّ: أي قد زرعتموه أوّلا حتّى تحرثونه.

(2:199)

عبد الرّزّاق نوفل: أَ فَرَأَيْتُمْ... و هكذا وردت الحراثة و الزّراعة في آيتين متتاليتين،و تسبق الحراثة الزّراعة في الآيات كما تسبقها في الواقع.

و بالرّجوع إلى مرّات ذكر«الحراثة»بكلّ مشتقّاتها في القرآن الكريم،نجد أنّها تكرّرت بلفظ«حرث»10 مرّات،في مثل النّصّ الكريم: قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ... وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ البقرة:71.

و بلفظ(حرثكم)في مثل النّصّ الشّريف: أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ القلم:22.

و مرّة واحدة بالمشتقّات في النّصوص الكريمة: نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ الشّورى:20، أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ.

أي 14 مرّة تكرّر«الحرث»بكلّ مشتقّاته.

و بهذا العدد نفسه أي 14 مرّة تكرّرت«الزّراعة» بكلّ مشتقّاتها،فلقد وردت بلفظ زرع 5 مرّات في مثل النّصّ الشّريف: يُنْبِتُ لَكُمْ بِهِ الزَّرْعَ النّحل:11.

و 3 مرّات بلفظ«زرعا»في مثل النّصّ الكريم:

وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَ جَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً الكهف:32.

ص: 267

و مرّتين بلفظ«زروع»في مثل،قوله تعالى: كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ* وَ زُرُوعٍ وَ مَقامٍ كَرِيمٍ الدّخان:25،26.

و مرّة بلفظ«تزرعونه»و أخرى بلفظ«الزّارعون» في النّصّ الشّريف: أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ.

و مرّة واحدة بلفظ«تزرعون»في النّصّ الشّريف:

قالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَباً... يوسف:47.

و مرّة كذلك بلفظ«الزّرّاع»في النّصّ الكريم:

فَاسْتَوى عَلى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفّارَ الفتح:29.

و هكذا يتساوى عدد مرّات ذكر الحرث بكلّ مشتقّاته بالزّراعة بكلّ مشتقّاتها.

و ليس ذلك فقط بل إنّنا لو جمعنا عدد مرّات ذكر الفاكهة وجدناها تتساوى كذلك مع الحرث و مع الزّراعة؛إذ وردت 14 مرّة،حيث تكرّرت بلفظ «فاكهة»11 مرّة في مثل النّصّ الشّريف: لَكُمْ فِيها فاكِهَةٌ كَثِيرَةٌ مِنْها تَأْكُلُونَ الزّخرف:73.

و 3 مرّات بلفظ«فواكه»في مثل النّصّ الكريم:

لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ المؤمنون:19.

و بذلك يتساوى عدد مرّات ذكر«الحرث»بعدة مرّات ذكر«الزّراعة»بعدد مرّات ذكر«الفاكهة»و أيضا يتساوى مع عدد مرّات ذكر«العطاء»بكلّ مشتقّاته.

إذ ورد بلفظ«عطاء»4 مرّات في مثل النّصّ الشّريف:

وَ ما كانَ عَطاءُ رَبِّكَ مَحْظُوراً الإسراء:20.

و 3 مرّات بلفظ«اعطى»في مثل النّصّ الكريم:

فَأَمّا مَنْ أَعْطى وَ اتَّقى الليل:5.

و مرّة واحدة في النّصوص الشّريفة:

إِنّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ الكوثر:1.

حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ التّوبة:29.

وَ لَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضى الضّحى:5.

وَ مِنْهُمْ مَنْ يَلْمِزُكَ فِي الصَّدَقاتِ فَإِنْ أُعْطُوا مِنْها رَضُوا التّوبة:58.

وَ إِنْ لَمْ يُعْطَوْا مِنْها إِذا هُمْ يَسْخَطُونَ التّوبة:58.

فَنادَوْا صاحِبَهُمْ فَتَعاطى فَعَقَرَ القمر:29.

هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ص:39.(3:75)

حرث-حرثكم

1- نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ وَ قَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ... البقرة:223

ابن عبّاس: يعني بالحرث:الفرج.

(حرثكم)منبت الولد.(الطّبريّ 2:392)

مزدرع لكم و محترث لكم.(الطّبرسيّ 1:320)

السّدّيّ: أمّا الحرث فهي مزرعة يحرث فيها.

(الطّبريّ 2:392)

أبو عبيدة :كناية و تشبيه،قال: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ. (1:73)

ابن قتيبة :كناية،و أصل الحرث:الزّرع،أي هنّ للولد كالأرض للزّرع.(84)

أي مزدرع لكم كما تزدرع الأرض.

ص: 268

(تأويل مشكل القرآن:141)

الطّبريّ: يعني تعالى ذكره:نساؤكم مزدرع أولادكم،فأتوا مزدرعكم كيف شئتم،و أين شئتم،و إنّما عنى بالحرث و هو الزّرع:المحترث و المزدرع،و لكنّهنّ لمّا كنّ من أسباب الحرث جعلن حرثا؛إذ كان مفهوما معنى الكلام.(2:391)

الزّجّاج: زعم أبو عبيدة أنّه كناية،و القول عندي فيه أنّ معناه:أنّ نساءكم حرث لكم منهنّ تحرثون الولد و اللّذّة.(1:298)

القمّيّ: فالحرث:الزّرع في الفرج في موضع الولد.

(1:73)

الجصّاص :الحرث:المزدرع،و جعل في هذا الموضع كناية عن الجماع،و سمّي النّساء(حرثا)لأنّهنّ مزدرع الأولاد.

و قوله: فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ يدلّ على أنّ إباحة الوطء مقصورة على الجماع في الفرج،لأنّه موضع الحرث.(1:351)

الماورديّ: أي مزدرع أولادكم و محترث نسلكم، و في الحرث كناية عن النّكاح، فَأْتُوا حَرْثَكُمْ فانكحوا مزدرع أولادكم.(1:284)

الطّوسيّ: قيل في معنى قوله: حَرْثٌ لَكُمْ قولان:

أحدهما:أنّ معناه مزرع أولادكم،كأنّه قيل:

محترث لكم،في قول ابن عبّاس و السّدّيّ،و إنّما الحرث:

الزّرع في الأصل.

و القول الثّاني:نساؤكم ذو حرث لكم،فأتوا موضع حرثكم أنّى شئتم،ذكره الزّجّاج.

و قيل:الحرث كناية عن النّكاح على وجه التّشبيه.

(2:222)

البغويّ: يعني موضع الولد...و قيل: حَرْثٌ لَكُمْ أي مزرع لكم و منبت للولد،بمنزلة الأرض الّتي تزرع.

(1:291)

نحوه الشّربينيّ.(1:145)

الزّمخشريّ: مواضع حرث لكم و هذا مجاز، شبّههنّ بالمحارث تشبيها لما يلقى في أرحامهنّ من النّطف الّتي منها النّسل بالبذور.(1:362)

نحوه البيضاويّ(1:118)،و النّسفيّ(1:111)، و الطّريحيّ(2:248)،و فريد وجدي (44).

ابن عطيّة: و حرث تشبيه،لأنّهنّ مزدرع الذّرّيّة، فلفظة الحرث تعطي أنّ الإباحة لم تقع إلاّ في الفرج خاصّة؛إذ هو المزدرع.(1:229)

الطّبرسيّ: [مثل الطّوسيّ و أضاف:]

و الثّالث:معناه كحرث لكم،فحذف كاف التّشبيه.

[ثمّ استشهد لهذا و لما بعده بشعر]

و قد تسمّي العرب النّساء حرثا.

فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أي موضع حرثكم،يعني نساءكم.

(1:320)

الفخر الرّازيّ: أي مزرع و منبت للولد،و هذا على سبيل التّشبيه،ففرج المرأة كالأرض،و النّطفة كالبذر، و الولد كالنّبات الخارج،و الحرث مصدر،و لهذا وحّد الحرث،فكان المعنى:نساؤكم ذوات حرث لكم،فيهنّ تحرثون للولد،فحذف المضاف.و أيضا قد يسمّى موضع

ص: 269

الشّيء باسم الشّيء على سبيل المبالغة،كقوله:

*فإنّما هي إقبال و إدبار*

و يقال:هذا أمر اللّه أي مأموره،و هذا شهوة فلان أي مشتهاه،فكذلك حرث الرّجل:محرثه.(6:75)

نحوه القرطبيّ(3:93)،و النّيسابوريّ(2:249)، و الصّابونيّ(1:297).

أبو السّعود :[مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

فَأْتُوا حَرْثَكُمْ لمّا عبّر عنهنّ بالحرث عبّر عن مجامعتهنّ بالإتيان،و هو بيان لقوله تعالى: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ البقرة:222.(1:239)

البروسويّ: [مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

و الفرق بين الحرث و الزّرع:أنّ الحرث:إلقاء البذر و تهيئة الأرض،و الزّرع:مراعاته و إنباته،و لهذا قال تعالى: أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ.. .

فأثبت لهم الحرث و نفى عنهم الزّرع، فَأْتُوا حَرْثَكُمْ لمّا عبّر عنهنّ بالحرث عبّر عن مجامعتهنّ بالإتيان.(1:347)

الآلوسيّ: و الحرث:إلقاء البذر في الأرض و هو غير الزّرع،لأنّه إنباته،يرشدك إلى ذلك: أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ.

و قال الجوهريّ: «الحرث:الزّرع،و الحارث:

الزّارع»و على كلّ تقدير هو خبر عمّا قبله إمّا بحذف المضاف أي مواضع حرث،أو التّجوّز و التّشبيه البليغ، أي كمواضع ذلك.و تشبيههنّ بتلك المواضع متفرّع على تشبيه النّطف بالبذور؛من حيث إنّ كلاّ منهما مادّة لما يحصل منه و لا يحسن بدونه،فهو تشبيه يكنّى به عن تشبيه آخر، فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أي ما هو كالحرث،ففيه استعارة تصريحيّة.

و يحتمل أن يبقى الحرث على حقيقته،و الكلام تمثيل، شبّه حال إتيانهم النّساء في المأتى بحال إتيانهم المحارث في عدم الاختصاص بجهة دون جهة،ثمّ أطلق لفظ المشبّه به على المشبّه؛و الأوّل أظهر و أوفق لتفريع حكم الإتيان على تشبيههنّ بالحرث تشبيها بليغا.

و هذه الجملة مبيّنة ل: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ لما فيه من الإجمال من حيث المتعلّق،و الفاء جزائيّة و ما قبلها علّة لما بعدها،و قدّم عليه اهتماما بشأن العلّة،و ليحصل الحكم معلّلا فيكون أوقع.و يحتمل أن يكون المجموع كالبيان لما تقدّم،و الفاء للعطف،و عطف الإنشاء على الإخبار جائز بعاطف سوى الواو.(2:124)

نحوه القاسميّ(3:564)،و حسنين مخلوف(1:74).

رشيد رضا :بيّن في الآية السّابقة حكم المحيض و أحلّ غشيان النّساء بعده،و بيّن في هذه الآية حكمة هذا الغشيان الّتي شرّع الزّواج لأجلها،و كان من مقتضى الفطرة،و هي الاستنتاج و الاستيلاد،لأنّ الحرث هو الأرض الّتي تستنبت،و الاستيلاد كالاستنبات،و هذا التّعبير على لطفه و نزاهته و بلاغته و حسن استعارته تصريح بما فهم من: فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ أو بيان له.

فهو يقول:إنّه لم يأمر بإتيان النّساء الأمر التّكوينيّ بما أودع في فطرة كلّ من الزّوجين من الميل إلى الآخر، و الأمر التّشريعيّ بما جعل الزّواج من أمر الدّين و أسباب المثوبة و القربة،إلاّ لأجل حفظ النّوع البشريّ

ص: 270

بالاستيلاد،كما يحفظ النّبات بالحرث و الزّرع،فلا تجعلوا استلذاذ المباشرة مقصودا لذاته،فتأتوا النّساء في المحيض حيث لا استعداد لقبول زراعة الولد،و على ما في ذلك من الأذى.و هذا يتضمّن النّهي عن إتيانهنّ في غير الماتى الّذي يتحقّق به معنى الحرث.(2:361)

عزّة دروزة :التّعبير على وجه المجاز،و القصد منه أنّ المرأة مزرعة لنسل الرّجل.(7:337)

المراغيّ: و الحرث:موضع النّبت،أي الأرض تستنبت،شبّهت بها النّساء لأنّها منبت للولد كالأرض للنّبات.(2:155)

المصطفويّ: أي إنّهنّ كالحرث يوجب مشاهدتها ابتهاجا و مسرّة،و هنّ محصولات لما عملتم في الحياة الدّنيويّة تسكنون إليها و تعيشون معها و تدّخرونها للنّسل خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها الرّوم:21، اِهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ الحجّ:5، سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْواجَ كُلَّها يس:36.

و قد اشتبه على المفسّرين تفسير هذه الآية؛حيث فسّروا الحرث بالزّرع،و وقعوا في انحراف عن الحقيقة، فإنّ النّساء للسّكون إليها و التّعيّش معها في الحياة توجب الأنس بها مسرّة و بهجة،و الزّرع من آثار تلك الحياة.

مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها الشّورى:

20،أي محصولا ممّا يعمل في الحياة الدّنيويّة و نتيجة مادّيّة،في مقابل محصول أخرويّ،كما في مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ الشّورى:20.

(2:200)

مكارم الشّيرازيّ: شبّهت النّساء بالمزرعة،و قد يثقل هذا التّشبيه على بعض،و يتساءل لما ذا شبّه اللّه نصف النّوع البشريّ بهذا الشّكل؟

و لو أمعنّا النّظر في قوله سبحانه لوجدنا فيه إشارة رائعة لبيان ضرورة وجود المرأة في المجتمع الإنسانيّ، فالمرأة بموجب هذا التّعبير ليست وسيلة لإطفاء الشّهوة فحسب،بل وسيلة لحفظ حياة النّوع البشريّ.

و كما أنّ الإنسان يحتاج إلى الغذاء لاستمرار حياته و لا يمكن أن تؤمّن حياته بدون زراعة،كذلك يحتاج إلى وجود المرأة لاستمرار نوعه.

الحرث:مصدر يدلّ على عمل الزّراعة،و قد يدلّ على مكان الزّراعة«المزرعة».(2:87)

2- مَثَلُ ما يُنْفِقُونَ فِي هذِهِ الْحَياةِ الدُّنْيا كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَ ما ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَ لكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ. آل عمران:117

ابن عبّاس: زرع قوم.(54)

مثله الطّبرسيّ.(1:491)

الطّبريّ: يعني زرع قوم قد أمّلوا إدراكه،و رجوا ريعه،و عائدة نفعه.(4:58)

ابن عطيّة: «الحرث»شامل للزّرع و الثّمار،لأنّ الجميع ممّا يصدر عن إثارة الأرض،و هي حقيقة الحرث،و منه الحديث:«لا زكاة إلاّ في عين أو حرث أو ماشية».[إلى أن قال:]

حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ معناه زرعوا في غير أوان الزّراعة.(1:495)

ص: 271

الفخر الرّازيّ: و حرث الكافرين الظّالمين هو الّذي يذهب بالكلّيّة و لا يحصل منه منفعة لا في الدّنيا و لا في الآخرة،فأمّا حرث المسلم المؤمن فلا يذهب بالكلّيّة، لأنّه و إن كان يذهب صورة فلا يذهب معنى،لأنّ اللّه تعالى يزيد في ثوابه لأجل وصول تلك الأحزان إليه.(8:208)

[راجع«م ث ل»و«ظ ل م»]

3- مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ. الشّورى:20

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:من كانت نيّته الدّنيا فرّق اللّه عليه أمره،و جعل الفقر بين عينيه،و لم يأته من الدّنيا إلاّ ما كتب له.و من كانت نيّته الآخرة جمع اللّه شمله و جعل غناه في قلبه،و أتته الدّنيا و هي راغمة.

(العروسيّ 4:569)

الإمام عليّ عليه السّلام:إنّ المال و البنين حرث الدّنيا، و العمل الصّالح حرث الآخرة،و قد يجمعهما اللّه لأقوام، فاحذروا من اللّه ما حذّركم من نفسه،و اخشوه خشية ليست بتعذير،و اعملوا في غير رياء و لا سمعة.

و هو المرويّ أيضا عن الإمام الصّادق عليه السّلام.

(العروسيّ 4:569)

عبد اللّه بن عمر: «احرث لدنياك كأنّك تعيش أبدا،و اعمل لآخرتك كأنّك تموت غدا».

(ابن قتيبة:392)

ابن عبّاس: من كان إنّما يعمل للدّنيا نؤته منها.

(الطّبريّ 25:21)

من كان من الأبرار يريد بعمله الصّالح ثواب الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ أي في حسناته، وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا أي و من كان من الفجّار يريد بعمله الحسن الدّنيا نُؤْتِهِ مِنْها. (القرطبيّ 16:19)

قتادة :من آثر دنياه على آخرته لم نجعل له نصيبا في الآخرة إلاّ النّار و لم نزده بذلك من الدّنيا شيئا،إلاّ رزقا قد فرغ منه،و قسم له.(الطّبريّ 25:21)

إنّ اللّه يعطي على نيّة الآخرة ما شاء من أمر الدّنيا، و لا يعطي على نيّة الدّنيا إلاّ الدّنيا...[و]من عمل لآخرته زدناه في عمله و أعطيناه من الدّنيا ما كتبنا له...

(القرطبيّ 16:18)

السّدّيّ: من كان يريد عمل الآخرة نزد له في عمله.(الطّبريّ 25:21)

ابن زيد :من كان يريد الآخرة و عملها نزد له في عمله،و من أراد الدّنيا و عملها آتيناه منها،و لم نجعل له في الآخرة من نصيب.(الطّبريّ 25:21)

الإمام الصّادق عليه السّلام: من أراد الحديث لمنفعة الدّنيا لم يكن له في الآخرة نصيب،و من أراد به خير الآخرة أعطاه اللّه خير الدّنيا و الآخرة.

(العروسيّ 4:569)

ابن قتيبة :أي عمل الآخرة،يقال:فلان يحرث للدّنيا،أي يعمل لها و يجمع المال.[ثمّ ذكر قول عبد اللّه ابن عمر المتقدّم]و من هنا سمّي الرّجل حارثا.

و إنّما أراد من كان يريد بحرثه الآخرة أي بعمله نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ أي نضاعف له الحسنات، وَ مَنْ

ص: 272

كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا أي أراد بعمله الدّنيا آتيناه منها.

(392)

الطّبريّ: من كان يريد بعمله الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ: نزد له في عمله الحسن،فنجعل له بالواحدة عشرا إلى ما شاء ربّنا من الزّيادة.و من كان يريد بعمله الدّنيا و لها يسعى لا للآخرة نُؤْتِهِ مِنْها ما قسمنا له منها.(25:20)

نحوه الزّجّاج(4:397)،و الماورديّ(5:201)، و البغويّ(4:142)،و الطّريحيّ(2:247).

الحرث:العمل،من عمل للآخرة أعطاه اللّه،و من عمل للدّنيا أعطاه اللّه.(25:21)

الشّريف الرّضيّ: و هذه استعارة،و المراد بحرث الآخرة و الدّنيا:كدح الكادح لثواب الآجلة و حطام العاجلة،فهذا من التّشبيه العجيب،و التّمثيل المصيب، لأنّ الحارث المزدرع إنّما يتوقّع عاقبة حرثه،فيجني ثمرة غراسه،و يفوز بعوائد ازدراعه.

و قيل:معنى نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ أي نعطيه بالحسنة عشرا إلى ما شئنا من الزّيادة على ذلك.و من عمل للدّنيا دون الآخرة أعطيناه نصيبا من الدّنيا دون الآخرة.

(تلخيص البيان:298)

عبد الجبّار: و ربّما قيل:كيف يصحّ قوله: وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ... و معلوم أنّ فيمن يريد حرث الدّنيا من له نصيب في الآخرة؟

و جوابنا:أنّ المراد من كانت إرادته مقصورة على حرث الدّنيا،لأنّ من هذا سبيله لا نصيب له في الآخرة.

و بيّن تعالى أنّه لا يبخل عليه بما أراده من أمر الدّنيا و إن كانت هذه حاله.(375)

الطّوسيّ: قيل:معناه إنّا نعطيه بالحسنة عشرا إلى ما شئنا من الزّيادة وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا أي من عمل للدّنيا(نؤته)أي نعطيه نصيبه(منها)من الدّنيا لا جميع ما يريده،بل على ما تقتضيه الحكمة دون الآخرة.

و شبّه الطّالب بعمله الآخرة بالزّارع في طلب النّفع لحرثه،و كذلك الطّالب بعمله نفع الدّنيا،ثمّ قال:(و ما له) يعني لمن يطلب الدّنيا دون الآخرة فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ من الثّواب و النّعيم في الآخرة.

و قيل:إنّ الّذي وعدهم اللّه به أن يؤتيهم من الدّنيا إذا طلبوا حرث الدّنيا،هو ما جعل لهم من الغنيمة و الفيء إذا قاتلوا مع المسلمين،لأنّهم لا يمنعون ذلك مع إظهارهم الإيمان،لكن ليس لهم في الآخرة نصيب من الثّواب.

(9:155)

نحوه الطّبرسيّ.(5:27)

القشيريّ: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نزده اليوم في الطّاعات توفيقا،و في المعارف و صفاء الحالات تحقيقا.و نزده في الآخرة ثوابا و اقترابا و فنون نجاة و صنوف درجات.

وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا مكتفيا به نؤته منها ما يريد،و ليس له في الآخرة نصيب.(5:349)

و الظّاهر أنّ الآية في الكافر،يوسع له في الدّنيا،أي لا ينبغي له أن يغترّ بذلك،لأنّ الدّنيا لا تبقى.

(القرطبيّ 16:18)

الواحديّ: معنى الحرث في اللّغة:الكسب،يقال:

هو يحرث لعياله و يحترث،أي يكتسب... وَ مَنْ كانَ

ص: 273

يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا... أي من كان يسعى لدنياه و آثرها على آخرته نُؤْتِهِ مِنْها. (4:49)

الميبديّ: أي ثواب الآخرة بعمله، نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ فنعطيه بالواحد عشرا و مائة و أضعافا،و قيل:

نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ أي نجمع له الدّنيا و الآخرة.

وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها...

ما قسمناه و«من»هاهنا للتّبعيض.(9:20)

الزّمخشريّ: سمّى ما يعمله العامل ممّا يبغي به الفائدة و الزّكاء حرثا على المجاز،و فرّق بين عملي العاملين بأنّ من عمل للآخرة وفّق في عمله و ضوعفت حسناته،و من كان عمله للدّنيا أعطي شيئا منها لا ما يريده و يبتغيه،و هو رزقه الّذي قسم له و فرغ منه، و ما له نصيب قطّ في الآخرة،و لم يذكر في معنى عامل الآخرة و له في الدّنيا نصيب،على أنّ رزقه المقسوم له واصل إليه لا محالة،للاستهانة بذلك إلى جنب ما هو بصدده من زكاء عمله و فوزه في المآب.(3:465)

نحوه النّسفيّ.(4:104)

ابن عطيّة: و الحرث في هذه الآية:عبارة عن السّعي و التّكسّب و الإعداد.و لمّا كان حرث الأرض أصلا من أصول المكاسب استعير لكلّ متكسّب.[ثمّ ذكر حديث ابن عمر المتقدّم]

و قوله تعالى: نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وعد منتجز.

و قوله في: حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ... معناه ما شئنا و لمن شئنا،فربّ ممتحن مضيّق عليه،حريص على حرث الدّنيا،مريد له لا يحسّ بغيره-نعوذ باللّه من ذلك-و هذا الّذي لا يعقل غير الدّنيا هو الّذي نفى أن يكون له نصيب في الآخرة.(5:32)

نحوه أبو حيّان.(7:514)

الفخر الرّازيّ: و في الآية مسائل:

المسألة الأولى:أنّه تعالى أظهر الفرق في هذه الآية بين من أراد الآخرة و بين من أراد الدّنيا من وجوه:

الأوّل:أنّه قدّم مريد حرث الآخرة في الذّكر على مريد حرث الدّنيا؛و ذلك يدلّ على التّفضيل،لأنّه وصفه بكونه آخرة،ثمّ قدّمه في الذّكر تنبيها على قوله:

(نحن الآخرون السّابقون).

الثّاني:أنّه قال في مريد حرث الآخرة: نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ و قال في مريد حرث الدّنيا: نُؤْتِهِ مِنْها و كلمة«من»للتّبعيض،فالمعنى أنّه يعطيه بعض ما يطلبه و لا يؤتيه كلّه،و قال في سورة بني إسرائيل: عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ الإسراء:18

و أقول:البرهان العقليّ مساعد على البابين؛و ذلك لأنّ كلّ من عمل للآخرة و واظب على ذلك العمل، فكثرة الأعمال سبب لحصول الملكات،فكلّ من كانت مواظبته على تلك الأعمال أكثر كان ميل قلبه إلى طلب الآخرة أكثر،و كلّما كان الأمر كذلك كان الابتهاج أعظم و السّعادات أكثر؛و ذلك هو المراد بقوله: نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ. و أمّا طالب الدّنيا فكلّما كانت مواظبته على أعمال ذلك الطّلب أكثر كانت رغبته في الفوز بالدّنيا أكثر و ميله إليها أشدّ.و إذا كان الميل أبدا في التّزايد،و كان حصول المطلوب باقيا على حالة واحدة،كان الحرمان لازما لا محالة.

الثّالث:أنّه تعالى قال في طالب حرث الآخرة:

ص: 274

نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ و لم يذكر أنّه تعالى يعطيه الدّنيا أم لا،بل بقي الكلام ساكتا عنه نفيا و إثباتا.و أمّا طالب حرث الدّنيا فانّه تعالى بيّن أنّه لا يعطيه شيئا من نصيب الآخرة على التّنصيص،و هذا يدلّ على التّفاوت العظيم كأنّه يقول:الآخرة أصل و الدّنيا تبع،فواجد الأصل يكون واجدا للتّبع بقدر الحاجة،إلاّ أنّه لم يذكر ذلك تنبيها على أنّ الدّنيا أخسّ من أن يقرن ذكرها بذكر الآخرة.

الرّابع:أنّه تعالى بيّن أنّ طالب الآخرة يزاد في مطلوبه،و بيّن أنّ طالب الدّنيا يعطى بعض مطلوبه من الدّنيا،و أمّا في الآخرة فإنّه لا يحصل له نصيب البتّة، فبيّن بالكلام الأوّل أنّ طالب الآخرة يكون حاله أبدا في التّرقّي و التّزايد،و بيّن بالكلام الثّاني أنّ طالب الدّنيا يكون حاله في المقام الأوّل في النّقصان و في المقام الثّاني في البطلان التّامّ.

الخامس:أنّ الآخرة نسيئة و الدّنيا نقد،و النّسيئة مرجوحة بالنّسبة إلى النّقد،لأنّ النّاس يقولون:النّقد خير من النّسيئة،فبيّن تعالى أنّ هذه القضيّة انعكست بالنّسبة إلى أحوال الآخرة و الدّنيا.فالآخرة و إن كانت نسيئة إلاّ أنّها متوجّهة للزّيادة و الدّوام.فكانت أفضل و أكمل،و الدّنيا و إن كانت نقدا إلاّ أنّها متوجّهة إلى النّقصان ثمّ إلى البطلان،فكانت أخسّ و أرذل.فهذا يدلّ على أنّ حال الآخرة لا يناسب حال الدّنيا البتّة،و أنّه ليس في الدّنيا من أحوال الآخرة إلاّ مجرّد الاسم،كما هو مرويّ عن ابن عبّاس.

السّادس:الآية دالّة على أنّ منافع الآخرة و الدّنيا ليست حاضرة بل لا بدّ في البابين من الحرث،و الحرث لا يتأتّى إلاّ بتحمّل المشاقّ في البذر ثمّ التّسقية و التّنمية ثمّ الحصد ثمّ التّنقية،فلمّا سمّى اللّه كلا القسمين حرثا علمنا أنّ كلّ واحدة منهما لا يحصل إلاّ بتحمّل المتاعب و المشاقّ،ثمّ بيّن تعالى أنّ مصير الآخرة إلى الزّيادة و الكمال،و أنّ مصير الدّنيا إلى النّقصان ثمّ الفناء،فكأنّه قيل:إذا كان لا بدّ في القسمين جميعا من تحمّل متاعب الحراثة و التّسقية و التّنمية و الحصد و التّنقية،فلأن تصرف هذه المتاعب إلى ما يكون في التّزايد و البقاء أولى من صرفها إلى ما يكون في النّقصان و الانقضاء و الفناء.

المسألة الثّانية:في تفسير قوله: نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ قولان:

الأوّل:المعنى أنّا نزيد في توفيقه و إعانته و تسهيل سبل الخيرات و الطّاعات عليه.

[و الثّاني]قال مقاتل: نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ بتضعيف الثّواب،قال تعالى: فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ النّساء:173،و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«من أصبح و همّه الدّنيا شتّت اللّه تعالى عليه همّه و جعل فقره بين عينيه،و لم يأته من الدّنيا إلاّ ما كتب له،و من أصبح و همّه الآخرة جمع اللّه همّه و جعل غناه في قلبه و أتته الدّنيا و هي راغمة عن أنفها»أو لفظ يقرب من أن يكون هذا معناه.

المسألة الثّالثة:ظاهر اللّفظ يدلّ على أنّ من صلّى لأجل طلب الثّواب أو لأجل دفع العقاب فإنّه تصحّ صلاته،و أجمعوا على أنّها لا تصحّ.

و الجواب:أنّه تعالى قال: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ

ص: 275

اَلْآخِرَةِ و الحرث لا يتأتّى إلاّ بإلقاء البذر الصّحيح في الأرض،و البذر الصّحيح لجميع الخيرات و السّعادات ليس إلاّ عبوديّة للّه تعالى.

المسألة الرّابعة:قال أصحابنا:إذا توضّأ بغير نيّة لم يصحّ،قالوا:لأنّ هذا الإنسان ما أراد حرث الآخرة،لأنّ الكلام فيما إذا كان غافلا عن ذكر اللّه و عن الآخرة، فوجب أن لا يحصل له نصيب فيما يتعلّق بالآخرة،و الخروج عن عهدة الصّلاة من باب منافع الآخرة،فوجب أن لا يحصل في الوضوء العاري عن النّيّة.(27:161)

القرطبيّ: أي من طلب بما رزقناه حرثا لآخرته، فأدّى حقوق اللّه و أنفق في إعزاز الدّين،فإنّما نعطيه ثواب ذلك للواحد عشرا إلى سبعمائة فأكثر. وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا... أي طلب بالمال الّذي آتاه اللّه رئاسة الدّنيا و التّوصّل إلى المحظورات،فإنّا لا نحرمه الرّزق أصلا،و لكن لا حظّ له في الآخرة من ماله،قال اللّه تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ...* وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى...

الإسراء:18،19.

و قيل: نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ نوفّقه للعبادة و نسهّلها عليه.

و قيل:حرث الآخرة:الطّاعة،أي من أطاع فله الثّواب.

قيل: نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ أي نعطه الدّنيا مع الآخرة.

و قيل:الآية في الغزو،أي من أراد بغزوه الآخرة أوتي الثّواب،و من أراد بغزوه الغنيمة أوتي منها.

(16:18)

نحوه المراغيّ.(25:34)

البيضاويّ: حَرْثَ الْآخِرَةِ: ثوابها،شبّهه بالزّرع من حيث إنّه فائدة تحصل بعمل الدّنيا،و لذلك قيل:«الدّنيا مزرعة الآخرة»و الحرث في الأصل:إلقاء البذر في الأرض،و يقال للزّرع الحاصل منه.[ثمّ ذكر نحو الميبديّ](2:356)

نحوه الشّريف الكاشانيّ(6:212)،و الكاشانيّ (4:371).

النّيسابوريّ: سمّاه حرثا تشبيها للعامل الطّالب لثواب الآخرة أضعافا مضاعفة بالزّارع الّذي يلقي البذر في الأرض،طلبا للزّيادة و النّماء.

و من فضائل حرث الآخرة أنّ طالبها قد يحصل له الدّنيا بالتّبعيّة،و يرى ثواب عمله أضعافا مضاعفة، و طالب الدّنيا لا تحصل له المطالب بأسرها،و لهذا قال:

نُؤْتِهِ مِنْها أي بعض ذلك وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ قطّ.

و في زيادة لفظ«الحرث»فائدة أخرى،و هي أن يعلم أنّ شيئا من القسمين لا يحصل إلاّ بتحمّل المتاعب و المشاقّ.(25:25)

أبو السّعود :الحرث في الأصل:إلقاء البذر في الأرض،يطلق على الزّرع الحاصل منه،المتضمّن لتشبيه الأعمال بالبذور،و يستعمل في ثمرات الأعمال و نتائجها بطرق الاستعارة المبنيّة على تشبيهها بالغلال الحاصلة من البذور،أي من كان يريد بأعماله ثواب الآخرة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ نضاعف له ثوابه بالواحد عشرة إلى سبعمائة فما فوقها، وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ بأعماله حَرْثَ

ص: 276

اَلدُّنْيا و هو متاعها و طيّباتها نُؤْتِهِ مِنْها أي شيئا منها حسبما قسمنا له،لا ما يريده و يبتغيه.(6:15)

مثله البروسويّ(8:306)،و الآلوسيّ(25:27).

الطّباطبائيّ: الحرث:الزّرع،و المراد به:نتيجه الأعمال الّتي يؤتاها الإنسان في الآخرة على سبيل الاستعارة،كأنّ الأعمال الصّالحة بذور،و ما تنتجه في الآخرة حرث.

و المراد بالزّيادة له في حرثه:تكثير ثوابه و مضاعفته،قال تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها الأنعام:160،و قال: وَ اللّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ البقرة:261.

و قوله: وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا... أي و من كان يريد النّتائج الدّنيويّة بأن يعمل للدّنيا،و يريد نتيجة ما عمله فيها دون الآخرة،نؤته من الدّنيا و ما له في الآخرة نصيب.و في التّعبير بإرادة الحرث إشارة إلى اشتراط العمل لما يريده من الدّنيا و الآخرة،كما قال تعالى: وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى النّجم:39.

(18:40)

خليل ياسين: س-لم عبّر بالحرث عن نفع الدّنيا و نفع الآخرة؟

ج-[ذكر مثل الشّريف الرّضيّ و أضاف]

س-الوجه أن يقال:و من يرد حرث الدّنيا نؤته منه،لا منها؟

ج-إنّما صحّ تأنيث الضّمير لأنّ لفظة(حرث)في معرض الحذف،و يصحّ حلول ما بعدها محلّها،فيكون الضّمير عائدا على الجزء الثّاني و هو الدّنيا،فكأنّه قال:

من كان يريد الدّنيا نؤته منها.[ثمّ استشهد بشعر]

و كما في قوله تعالى: إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ الأعراف:56،أي إنّ اللّه قريب.

(2:190)

المصطفويّ: أي محصولا ممّا يعمل في الحياة الدّنيويّة و نتيجة مادّيّة،في مقابل محصول أخرويّ، كما في مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ.... (2:200)

مكارم الشّيرازيّ: إنّه لتشبيه لطيف و كناية جميلة،فجميع النّاس مزارعون،و هذه الدّنيا مزرعة لنا، أعمالنا هي البذور،و الإمكانات الإلهيّة هي المطر لهذه المزرعة،إلاّ أنّ هذه البذور تختلف كثيرا،فبعضها غير محدودة النّتاج،أبديّة و أشجارها خضراء دائما و تحمل الثّمر،إلاّ أنّ البعض الآخر من البذور تكون نتاجه قليلا جدّا،عمرها قصير و تنتهي بسرعة،و تحمل ثمارا ذات طعم رديء.

و في الحقيقة،فإنّ عبارة(يريد)تشير إلى اختلاف النّاس في النّيّات،و مجموع هذه الآية يعتبر توضيحا لما جاء في الآية السّابقة من المواهب و الرّزق الإلهيّ؛بحيث إنّ البعض يستفيد من هذه المواهب على شكل بذور للآخرة،و البعض الآخر يستعملها للتّمتّع الدّنيويّ.

و الطّريف في الأمر أنّ الآية تقول بخصوص الّذين يزرعون للآخرة: نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ إلاّ أنّها لا تقول أنّه لا يصيبهم شيء من متاع الدّنيا،و بخصوص الّذين يزرعون للدّنيا تقول: نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ.

و على هذا الأساس فلا طلاّب الدّنيا يصلون إلى

ص: 277

ما يريدون و لا طلاّب الآخرة يحرمون من الدّنيا،و لكن مع الفارق،و هو أنّ المجموعة الأولى تذهب إلى الآخرة بأيد فارغة،و المجموعة الثّانية بأيد مملوءة.

و قد جاء ما يشبه نفس هذا المعنى في الآية:18 و 19، من سورة الإسراء،و لكن بشكل آخر: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً* وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى لَها سَعْيَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً.

إنّ عبارة نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ تتلاءم مع ما ورد في آيات قرآنيّة أخرى،مثل: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها الأنعام:160،و لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ فاطر:30.

على أيّة حال،فالآية صورة ناطقة تعكس التّفكير الإسلاميّ بخصوص الحياة الدّنيا،الدّنيا المطلوبة لذاتها، و الدّنيا الّتي تعتبر مقدّمة للعالم الآخر و مطلوبة لغيرها، فالإسلام ينظر إلى الدّنيا على أنّها مزرعة يقتطف ثمارها يوم القيامة.

و العبارات الواردة في الرّوايات أو في آيات قرآنيّة أخرى تؤكّد هذا المعنى.

فمثلا تشبّه الآية:261،من سورة البقرة المنفقين بالبذر الّذي له سبعة سنابل،و في كلّ سنبلة مائة حبّة، و أحيانا أكثر.و هذا نموذج لمن يبذر البذور للآخرة.

و نقرأ في حديث عن الرّسول صلّى اللّه عليه و آله:«و هل يكبّ النّاس على مناخرهم في النّار إلاّ حصائد ألسنتهم».

و جاء في حديث آخر عن أمير المؤمنين عليه السّلام:«إنّ المال و البنين حرث الدّنيا،و العمل الصّالح حرث الآخرة،و قد يجمعهما اللّه لأقوام».

و يمكن أن نستفيد هذه الملاحظة من الآية هذه، و هي أنّ الدّنيا و الآخرة تحتاجان إلى السّعي،و لا يمكن نيلهما دون تعب و أذى،كما أنّ البذر و الثّمر لا يخلوان من التّعب و الأذى،لذا فالأفضل للإنسان أن يزرع شجرة و يبذل جهده في تربيتها،ليكون ثمرها حلو المذاق و دائميّا و أبديّا،و ليست شجرة تموت بسرعة و تفنى.

[و أنهى كلامه بالنّبويّ الشّريف:«من كانت نيّته الدّنيا...»و قال:]

و ما هو مشهور بين العلماء أنّ«الدّنيا مزرعة الآخرة»فذلك في الحقيقة اقتباس من مجموع ما ذكرناه.

(15:463)

الحرث

1- وَ إِذا تَوَلّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ. البقرة:205

ابن عبّاس: الحرث:ما تحرثون،و النّسل:نسل كلّ دابّة.(الطّبريّ 2:318)

مثله مكحول.(الطّبريّ 2:319)

مجاهد :نبات الأرض.

مثله الرّبيع،و الضّحّاك،و قتادة.(الطّبريّ 2:318)

الضّحّاك: (الحرث):الأصل،و النّسل:كلّ دابّة، و النّاس منهم.(الطّبريّ 2:318)

عطاء:الزّرع.(الطّبريّ 2:318)

مثله ابن قتيبة(80)،و الطّبريّ(2:317)، و الطّوسيّ(2:180).

ص: 278

1Lالإمام الصّادق عليه السّلام: إنّ الحرث في هذا الموضع:

الدّين،و النّسل:النّاس.(الطّبرسيّ 1:300)

الزّجّاج: قالوا في اَلْحَرْثَ وَ النَّسْلَ: إنّ الحرث:

النّساء،و النّسل:الأولاد،و هذا غير منكر،لأنّ المرأة تسمّى حرثا،قال اللّه عزّ و جلّ: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ.

و أصل هذا إنّما هو في الزّرع و كلّ ما حرث فيشبه ما منه الولد بذلك.و قال في الحرث:هو ما تعرفه من الزّرع،لأنّه إذا أفسد في الأرض أبطل بإفساده أمر الزّراعة.(1:277)

نحوه الأزهريّ.(الطّوسيّ 2:181)

إنّ الحرث:الرّجال،و النّسل:الأولاد.

(الطّوسيّ 2:181)

ابن عطيّة: و الحرث في اللّغة:شقّ الأرض للزّراعة،و يسمّى الزّرع حرثا للمجاورة و التّناسب، و يدخل سائر الشّجر و الغراسات في ذلك حملا على الزّرع،و منه قوله عزّ و جلّ: إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ الأنبياء:78،و هو كرم على ما ورد في التّفاسير،و سمّي النّساء حرثا على التّشبيه.(1:280)

الفخر الرّازيّ: من قال:سبب نزول الآية أنّ الأخنس مرّ بزرع للمسلمين فأحرق الزّرع و قتل الحمر،قال:المراد بالحرث:الزّرع،و بالنّسل:تلك الحمر،و الحرث هو ما يكون منه الزّرع،قال تعالى:

أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ* أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ و هو يقع على كلّ ما يحرث و يزرع من أصناف النّبات.

و قيل:إنّ الحرث هو شقّ الأرض،و يقال لما يشقّ به:محرث.[إلى أن قال:]

و أمّا من قال:إنّ سبب نزول الآية:إنّ الأخنس بيت على قوم ثقيف و قتل منهم جمعا.فالمراد بالحرث إمّا النّسوان لقوله تعالى: نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ أو الرّجال و هو قول قوم من المفسّرين الّذين فسّروا الحرث بشقّ الأرض،إذ الرّجال هم الّذين يشقّون أرض التّوليد، و أمّا النّسل فالمراد منه الصّبيان.(5:220)

2- زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ... وَ الْأَنْعامِ وَ الْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ.

آل عمران:14

ابن عبّاس: الزّرع و المزرعة.(44)

نحوه الطّبريّ(3:205)،و الطّوسيّ(2:412).

الميبديّ: (الحرث):الزّرع،و الفرق بين الحرث و الزّرع:أنّ الحرث تمهيد الأرض و ازدراعها و نثر البذر فيها،و الزّرع-بعد ذلك-هو إنباته و مراعاته،و لذلك أضاف الحرث إلى الخلق دون الزّرع،قال تعالى:

أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ.... (2:37)

ابن عطيّة: (و الحرث)هنا اسم لكلّ ما يحرث، و هو مصدر سمّي به،تقول:حرث الرّجل،إذا أثار الأرض لمعنى الفلاحة،فيقع اسم الحرث على زرع الحبوب و على الجنّات و غير ذلك من أنواع الفلاحة، و قوله تعالى: إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ الأنبياء:78، قال جمهور المفسّرين:كان كرما.(1:410)

أبو حيّان :و لم يجمع الحرث،لأنّه مصدر في الأصل، و قيل:يراد به المفعول.(2:398)

القاسميّ: أي الأرض المتّخذة للغراس و الزّراعة.

ص: 279

(4:804)

الطّباطبائيّ: (و الحرث)هو الزّرع،و فيه معنى الكسب و هو تربية النّبات،أو النّبات المربّى للانتفاع به في المعاش.(3:105)

3- وَ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَ كُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ. الأنبياء:78

ابن مسعود: كرم قد أنبت عناقيده.

(الطّبريّ 17:51)

نحوه ابن عبّاس(274)،و شريح(الطّبريّ 17:

51)،و مسروق(الميبديّ 6:278).

قتادة :هو زرع وقعت فيه الغنم ليلا،فأكلته.

(الطّوسيّ 7:266)

ابن إسحاق :كان الحرث نبتا.(الطّبريّ 17:50)

الطّبريّ: و اختلف أهل التّأويل في ذلك الحرث ما كان؟فقال بعضهم:كان نبتا.و قال آخرون:بل كان ذلك الحرث كرما.

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب،ما قال اللّه تبارك و تعالى: إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ و الحرث إنّما هو حرث الأرض،و جائز أن يكون ذلك كان زرعا،و جائز أن يكون غرسا،و غير ضائر الجهل بأيّ ذلك كان.

(17:51)

الخفاجيّ: لعلّه بمعنى الكرم مجاز على التّشبيه بالزّرع،و المعنى إذ يحكمان في حقّ الحرث.

(الآلوسيّ 17:74)

الفخر الرّازيّ: أكثر المفسّرين على أنّ(الحرث) هو الزّرع،و قال بعضهم:هو الكرم،و الأوّل أشبه بالعرف.(22:195)

نحوه البيضاويّ.(2:77)

القرطبيّ: [نقل قول ابن مسعود و قتادة و قال:]

و الحرث يقال فيهما[الزّرع و الكرم]

و هو في الزّرع أبعد من الاستعارة.(11:307)

مثله أبو حيّان.(6:330)

الآلوسيّ: المراد ب(الحرث)هنا الزّرع.و أخرج جماعة عن ابن مسعود أنّه الكرم.

و قيل:إنّه يقال فيهما،إلاّ أنّه في الزّرع أكثر.

(17:74)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحرث،أي المحجّة المكدودة بالحوافر،و أرض محروثة و محرثة:وطئها النّاس حتّى أحرثوها و حرثوها،و وطئت حتّى أثاروها، ثمّ استعمل في معالجة الأرض و كدّها بالغرس و الزّراعة.

يقال:حرث الأرض يحرثها حرثا و احترثها،أي زرعها، و الحرّاث:الزّرّاع.

و توسّع فيه فاستعمل في كدّ الدّوابّ و إعيائها.

يقال:حرث ناقته يحرثها حرثا و أحرثها،أي سار عليها حتّى تهزل و تنضى،و قد حرثتم بعيركم ذا حرث سوء:

ألححتم عليه في الحمل و الإتعاب.

و الحرث:الجماع،و ذلك أن يكون ولد الرّجل من المرأة،كأنّه يحرث ليزرع،و هي حرثه،أي يكدّها بالجماع.يقال:حرث الرّجل،أي جمع بين أربع نسوة.

ص: 280

و الحرث:أصل جردان الحمار،أي ذكره،لأنّه أداة نثر النّطفة في حياء الأتان،عند النّزو و الضّراب، و الحرثة:المنبت.

و الحرث:تحريك النّار،تشبيها بتهييج الأرض و إثارتها.يقال:حرثت النّار أحرثها حرثا،أي حرّكتها، و المحراث:خشبة تحرّك بها النّار في التّنّور،و محراث الحرب:ما يهيّجها،و حرث الأمر:تذكّره و اهتاج له.

و الحرث:حزّ القوس و فرضتها،تشبيها بحزّ الأرض حين حرثها،و هو الحرثة أيضا.يقال:هو حرث القوس و الكظرة،و هو فرض،و قد حرثت القوس أحرثها:

هيّأت موضعا لعروة الوتر،و الحراث:مجرى الوتر في القوس،و الجمع:أحرثة.

و الحرث:تفتيش الكتاب و تدبّره،و كأنّه إثارة له حين دراسته.يقال:حرثت القرآن أحرثه حرثا،أي أطلت دراسته و تدبّره.

و الحرث:الكسب،لأنّ صاحبه كالحرّاث،يكدّ نفسه ليجمع المال لعياله.يقال:احترث المال،أي كسبه،و هو يحرث لعياله و يحترث.و حمل عليه العمل للآخرة.يقال:فلان يحرث لدينه،و حرث الرّجل لدنياه أو لآخرته:عمل لها.

2-و جاء في حاشية«التّاج»:«المحراث:آلة حرث الأرض،كما في«لهجة اللّغات»،و المحراث هذا ممّا فات على المصحّح التّنبيه عليه في«القاموس المشكول»مع أنّه مصريّ.و العجب أنّ المحراث لم يذكر في شيء من أمّهات اللّغة بهذا المعنى».

و عقّب صاحب«الملحق بلسان العرب»قائلا:

«المحراث و الجمع محاريث:أداة الحرث.و من العجيب أنّ لفظ المحراث لم يرد بهذا المعنى في الأمّهات من معجماتنا،و هو نقص أشير إليه في هامش التّاج».

و لكنّ العجب العجاب هو تعجّب المتأخّرين من المتقدّمين و استدراك أمور عليهم،و زعمهم أنّ قولهم سابغ موفور،و رأي أولئك ناقص مبتور!و كأنّ هؤلاء ذوو ألسنة فصيحة،و أولئك جامدو القريحة!

إنّ العرب قد استعملت الحرث و الحراثة بمعنى العمل في الأرض زرعا كان أو غرسا،كنثر الحبّ في الأرض، و شقّ الأرض و إثارتها و غير ذلك،و ليس بمعنى تهييجها و إثارتها فحسب،فتضع لفظا بهذا المعنى،كما فعل المتأخّرون.

ثمّ إنّ هذه الموارد تنحصر في السّماع و ما أثر عن العرب،و ما سوى ذلك مولّد أو مصنوع،و إن ضارع القياس و وافقه،مثل:«مكرب»على وزن«مفعل» مثل:مبرد،أي ما تقلب به الأرض و تثار،كما زعم المولّدون،انظر«ك ر ب»من هذا المعجم.

و ليت الأمر يقتصر على ذلك،فيهون الخطب،فقد عمد المتأخّرون إلى وضع لفظ«محرث»بمعنى محراث، و تناقلته المعاجم الحديثة بأنّه لغة صحيحة،و دون الإشارة إلى أنّه مولّد،و من هذه المعاجم:الإفصاح في فقه اللّغة،و أقرب الموارد،و البستان،و المنجد،و المعجم المجمعيّ،و المعجم الوجيز،و المعجم الوسيط.

كما وضعت بعض المعاجم لفظ«محاريث»جمعا للفظ «محراث»،مثل:مفتاح و مفاتيح.

ص: 281

الاستعمال القرآنيّ

جاءت فعلا مرّة،و اسم مصدر عشر مرّات،حقيقة و مجازا،في 11 آية:6 مكّيّة،و 5 مدنيّة:

الحرث:الزّرع و المزرعة

1- أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ* أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ الواقعة:63،64

2- قالَ إِنَّهُ يَقُولُ إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ... البقرة:71

3- وَ إِذا تَوَلّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ... البقرة:205

4- ...وَ الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعامِ وَ الْحَرْثِ...

آل عمران:14

5- وَ جَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً... الأنعام:136

6- وَ قالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَ حَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاّ مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ... الأنعام:138

7- وَ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ... الأنبياء:78

8- ...كَمَثَلِ رِيحٍ فِيها صِرٌّ أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَأَهْلَكَتْهُ وَ ما ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَ لكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ آل عمران:117

9- أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ

القلم:22

الحرث:النّساء

10- نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ... البقرة:223

حرث الدّنيا و الآخرة

11- مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ الشّورى:20

يلاحظ أوّلا:أنّ«الحرث»مصدر حرث،و لهذا لم تجمع،لكن شاع استعماله في المزرعة،فهو اسم مصدر أريد به الأرض الّتي زرعت حقيقة،أو ما يشبه المزرعة مجازا،فيما يأتي من الآيات:

أ-جاء في(1)(تحرثون)و(تزرعون)خلال آيات يمنّ بها على النّاس بما أنعم عليهم،و فيها بحوث:

1-بدأ فيها بما يأكلون من الزّرع: أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ و ثنّى بما يشربون: أَ فَرَأَيْتُمُ الْماءَ الَّذِي تَشْرَبُونَ... و ثلّث بالنّار الّتي لها دخل في أطوار الحياة و لا سيّما في طبخ الطّعام،كما قال: أَ فَرَأَيْتُمُ النّارَ الَّتِي تُورُونَ الواقعة:71.

و قد فرّع على كلّ من الثّلاث ما يناسبه ممّا دلّ واضحا على أنّها من اللّه تعالى لا من النّاس،و اختار منها ما هو الأصل فيها(الحبّ)من المأكول،و(الماء)من المشروب،ثمّ النّار لما ذكر،و السّرّ في هذا التّرتيب الأنيق أنّ المأكول هو الطّعام الّذي يمدّ الحياة،و المشروب به إكمال الطّعام،و النّار بها إصلاح الطّعام،لاحظ الفخر الرّازيّ.

2-جمع فيها بين الحرث و الزّرع،فنسب الحرث إلى النّاس،و نفى الزّرع عنهم،و خصّه باللّه: أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ* أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ أي أنتم

ص: 282

تحرثون و نحن الزّارعون.

و الفرق بينهما أنّ الحرث أوائل الزّرع و مقدّماته من إثارة الأرض،و إلقاء البذر فيها،و سقي المبذور و نحوها، و الزّرع آخر الحرث من خروج النّبات،و استغلاظه، و استوائه على سوقه،و إثماره بأطواره و مراحله.فما كان منها فعل النّاس هي تلك المقدّمات،و ما كان فعل اللّه هي النّتائج،و لا يشكّ أحد أنّ انعقاد الحبّ في السّنبلة مثلا ليس فعل النّاس،فبدأ بما هو فعل النّاس،و انتهى إلى ما هو فعل اللّه،كما هو الواقع من تقدّم المقدّمات على النّتائج.و لكن المصطفويّ عكسهما حيث قال:«أي قد زرعتموه أوّلا حتّى تحرثونه»و كأنّه أراد بالحرث الحصاد!!

3-قال: أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ و لم يقل:أم نحن تزرعون،رعاية لرويّ الآيات،و تأكيدا أنّه من صفاته الثّابتة و أفعاله المستمرّة،كالرّحمن و الرّحيم و سائر الصّفات،كما أنّ صيغة المضارع (تحرثون)مشعرة بالتّجديد و الاستمرار،أي ما تجدّدون حرثه مستمرّين به.

4-طرح الفخر الرّازيّ سؤالا:إذا كان الزّرع فعل اللّه،فلم قال تعالى: يُعْجِبُ الزُّرّاعَ الفتح:29، و قال النّبيّ عليه السّلام:«الزّرع للزّارع»فأطلق«الزّارع»على الحارث.

و أجاب عن الآية بأنّ الحارث يتعجّب ممّا يترتّب على حرثه و انتهى إليه عمله من توفّر النّبات،و لا يعجبه إلاّ الشّيء العظيم،فقال: يُعْجِبُ الزُّرّاعَ أي الّذين تعوّدوا أخذ الحراث.

و عن الحديث بأنّه لو قال:الزّرع للحارث،لشمل من أثار الأرض و سوّاها قبل إلقاء البذر،مع أنّ الزّرع لمن ألقى البذر،على مذهب أبي حنيفة دون من أثار الأرض.

و نقول:إذا تتبّعنا نصوص هذه المادّة لغة و كتابا و سنّة،فسوف نقتنع بأنّ الحرث و الزّرع كانا يتبادلان تسامحا و توسّعا في الكلام،فيأتي أحدهما مكان الآخر أو يعمّهما جميعا،فلا حاجة إلى التّكلّف بما ذكر.قال ابن عطيّة في وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ: «و يسمّى الزّرع حرثا للمجاورة و التّناسب،و يدخل سائر الشّجر و الغراسات في ذلك حملا على الزّرع،و منه إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ».

ب:جاء«حرث»معرّفا بلام الجنس 4 مرّات(2- 5)،و نكرة مرّة(6)،و مضافا مرّتين(8 و 9)و كلّها بمعنى «المزرعة»أي الأرض الّتي زرعت،و فيها بحوث:

1-جاء في(2)بشأن بقرة بني إسرائيل: إِنَّها بَقَرَةٌ لا ذَلُولٌ تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ أي بقرة ليست بذلول تحرث و تسقى بها الأرض.قيل:إنّها كانت بقرة وحشيّة ما كانت يستفاد منها للزّرع و السّقي كما كانت شائعة في البقرة الأهليّة،فلم تحرث و لا تسقي الأرض، و كلاهما تفسير ل(ذلول).لاحظ«أ ث ر:تثير».

و في الجملتين: تُثِيرُ الْأَرْضَ وَ لا تَسْقِي الْحَرْثَ جناس صوتيّ بين«تثير و تسقى»و جناس لفظيّ بين «الحرث و الأرض».

2-و جاء في(3) وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ و فيها أيضا جناس صوتيّ و لفظيّ معا.

ص: 283

و حمل أكثرهم(الحرث)فيها على«المزرعة»وفاقا لما جاء في سبب نزولها أنّ الأخنس أحرق الزّرع،و حمله بعضهم على الرّجال أو النّسوان،بناء على أنّ الأخنس قتل من قوم ثقيف جماعة،و لم يحرق شيئا.

و شذّ عن الإمام الصّادق عليه السّلام:«أنّ المراد ب«الحرث» في هذا الموضع الدّين».

و هي لا توافق سياق الآية،لأنّ الإهلاك لا يطلق على الدّين،فالآفة فيها من قبل الرّواة.و عندنا أنّ كلاّ من الحرث و النّسل جاء بمعناه الشّائع،و لا يصرفه عنه ما روي بخلافه.

و يخطر بالبال أنّ وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ بيان لما قبلها: سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها كما جاء في ذيلها: وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ فهي من هذه الجهة تشبه (2)أيضا.

3-و جاء في(4)(الحرث)رديفا للنّساء و البنين و غيرها ممّا سبق بحثها في«حبّ».و هو بمعناها الشّائع:

المزرعة.لاحظ تلك الموادّ إضافة إلى«م ت ع:متاع».

4-جاء في(5) وَ جَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ... فجمع فيها الحرث و الأنعام كما جمعا في(4) (و الانعام و الحرث)مع تفاوت بين الآيتين؛حيث قدّم (الحرث)في(5)و أخّر في(4)تقديما(الأنعام)وصلا ب(الخيل)للمناسبة بينهما في: وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعامِ وَ الْحَرْثِ.

كما أنّ تقديم الحرث في(5)يناسب(ذرا)قبله:

وَ جَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً فإنّ مادّة«ذرأ»تحاكي الظّهور.قال الطّبرسيّ ج 4 ص 270:

«و الذّرأة:ظهور الشّيب...و قد ذرأت لحيته،إذا شابت»،ففي«الذّرء»و«الحرث»شيء من الظّهور.

هذا رغم تقديم الأنعام في آية بعدها،و كلاهما بشأن الأنعام اللاّتي حرّمها المشركون على أنفسهم(6) وَ قالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَ حَرْثٌ حِجْرٌ... و قد سمّيت سورة الأنعام بها،فقد كرّرت(الأنعام)فيها 6 مرّات.لاحظ «ن ع م:أنعام و ح ج ر:حجر»

5-و جاء في(7)بشأن قضاء داود و سليمان: إِذْ يَحْكُمانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ على خلاف بينهم في أنّه كان بستان كرم أنبتت عناقيد،أو زرع وقعت فيه الغنم ليلا،و هذا هو المناسب للمعنى الشّائع في(الحرث)و الموافق لنصّ الآية.

و قد احتملهما الطّبريّ بلا ترجيح،فقال:«و جائز أن يكون ذلك كان زرعا،و جائز أن يكون غرسا و غير ضائر الجهل بأيّ ذلك كان».

و رجّح الأوّل الفخر الرّازيّ قائلا:«و الأوّل أشبه بالعرف»،و القرطبيّ قائلا:«و هو في الزّرع أبعد من الاستعارة».

و قد عدّه الخفاجيّ-لو كان بمعنى الكرم-«مجازا على التّشبيه بالزّرع»،و لعلّه من أجل أنّ الكرم يوم ذاك كان منبسطا على الأرض دون المعروش على السّاباط، و كلاهما يوجد الآن في البلاد،و أكثرهم على أنّه حقيقة فيهما.لاحظ:«ح ك م،و داود و سليمان».

6-جاء(حرث)في(8 و 9)مضافا إلى(قوم)في الأولى أَصابَتْ حَرْثَ قَوْمٍ و إلى الضّمير(كم)في الثّانية أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ

ص: 284

فأطلق«الحرث»فيها على البستان،و هي الجنّة و الحديقة الّتي كانت«باليمن»أصيب أهلها إِنّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ.

و في خلال آياتها جاء«الصّرم»مرّات: لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ، فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ القلم:17،20،و 22،و«الصّريم»خاصّ بالنّخل.قال الطّبرسيّ ج 5:335:«الصّرام و الجداد في النّخل بمنزلة الحصاد و القطاف في الزّرع و الكرم...».

فقد شبّه اللّه فيها بلاء أهل مكّة و اختبارهم بالجوع و القحط ببلاء تلك الجنّة الّتي كانت معروفة عند أهل مكّة.لاحظ«ب ل ي:بلوناهم».

و أمّا(حرث)في(8)فظاهرها أنّها«المزرعة»و أنّها مثل،و ليست حكاية لمزرعة معيّنة،و إن كانت محتملة لها،كما يرمز إليه ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ، وَ ما ظَلَمَهُمُ اللّهُ وَ لكِنْ أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ.

و على هذا الاحتمال فيجوز حملها على«أصحاب الجنّة»في(9)فيراد بها البستان أيضا،إلاّ أنّهم سكتوا عنها.

ج:جاء«الحرث»مجازا في(10 و 11)و في الأولى بحوث:

1- نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ أطلق فيها(حرث)على الأزواج،و أكثرهم قالوا:إنّها كناية و تشبيه،أي نساؤكم كحرث لكم،فهنّ للولد كالأرض للزّرع،فآتوهنّ أي فجامعوهنّ لتلدن لكم الأولاد.و لهذا قال الماورديّ:«و في الحرث كناية عن النّكاح»،و قال الجصّاص:«جعل الحرث في هذا الموضع كناية عن الجماع»و قال القمّيّ:«فالحرث:الزّرع في الفرج في موضع الولد».

و حكى الطّوسيّ: فيه قولين:«هنّ زرع لكم،أو ذو حرث لكم.و قيل:الحرث كناية عن النّكاح على وجه التّشبيه».

و أضاف الطّبرسيّ وجها ثالثا:«أي كحرث لكم فحذف كاف التّشبيه...و قد سمّى العرب النّساء حرثا».

و قال الزّمخشريّ: «مواضع حرث لكم،و هذا مجاز، شبّههنّ بالحارث تشبيها لما يلقى في أرحامهنّ من النّطف الّتي منها النّسل بالبذور».

و وسّع الفخر الرّازيّ التّشبيه فقال:«فرج المرأة كالأرض و النّطفة كالبذر،و الولد كالنّبات الخارج-إلى أن قال-و قد يسمّى موضع الشّيء باسم الشّيء على سبيل المبالغة،كقولك:إنّما هي إقبال و إدبار،و هذا أمر اللّه،أي مأموره،و هذا شهوة فلان أي مشتهاه،فكذلك حرث الرّجل:محرثه».

و قال أبو السّعود و البروسويّ: «لمّا عبّر عنهنّ بالحرث عبّر عن مجامعتهنّ بالإتيان».

و قال الآلوسيّ: «و على كلّ تقدير هو خبر عمّا قبله، إمّا بحذف المضاف،أي مواضع حرث،أو التّجوّز و التّشبيه البليغ،أي كمواضع ذلك،و تشبيههنّ بتلك المواضع متفرّع على تشبيه النّطف بالبذور،من حيث إنّ كلاّ منهما مادّة لما يحصل منه و لا يحسن بدونه،فهو تشبيه يكنّى به عن تشبيه آخر فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أي ما هو كالحرث،ففيه استعارة تصريحيّة.

و يحتمل أن يبقى الحرث على حقيقته،و الكلام تمثيل

ص: 285

شبّه حال إتيانهم النّساء في المأتى بحال إتيانهم المحارث في عدم الاختصاص بجهة دون جهة،ثمّ أطلق لفظ المشبّه به على المشبّه.

و الأوّل أظهر و أوفق لتفريع حكم الإتيان على تشبيههنّ بالحرث تشبيها بليغا،و هذه الجملة مبيّنة-لما قبلها- فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ ...»

و قال رشيد رضا:«أحلّ قبلها غشيان النّساء،و بيّن في هذه الآية حكمة هذا الغشيان...و هي الاستنتاج و الاستيلاد،لأنّ الحرث هو الأرض الّتي تستنبت، و الاستيلاد كالاستنبات،و هذا التّعبير على لطفه و نزاهته،و بلاغته و حسن استعارته تصريح بما فهم من فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ ...»،أو بيان له.

هذه الأقوال مختلفة لفظا،و إجمالا و تفصيلا،متّحدة مفهوما،و هي شاهدة على احتواء الآية على نكات بلاغيّة،لاحظ المصطلحات البلاغيّة في«المدخل».

2-فقد اتّفقوا على أنّ المراد ب نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ أنّهنّ مزرعة للولد بالجماع،بشهادة فَأْتُوهُنَّ قبلها، و فَأْتُوا حَرْثَكُمْ بعدها.

و شذّ المصطفويّ بأنّ المراد بها النّظر إليهنّ ابتهاجا و مسرّة كالنّظر إلى المزارع بحجّة أنّ النّساء سكن للرّجال،كما قال: خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً لِتَسْكُنُوا إِلَيْها الرّوم:21،و أنّ المزارع هي سبب ابتهاج النّاس،كما قال: اِهْتَزَّتْ وَ رَبَتْ وَ أَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ الحجّ:5،و قال:«و قد اشتبه على المفسّرين تفسير هذه الآية-أي نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ -حيث فسّروا الحرث بالزّرع،و وقعوا في انحراف عن الحقيقة،فإنّ النّساء للسّكون إليها و التّعيّش معها في الحياة توجب الأنس بها مسرّة و بهجة،و الزّرع من آثار تلك الحياة».

و نقول له:أوّلا:إنّ الأمر بالإتيان مرّتين-قبلها و بعدها-كالصّريح فيما اجتمعوا عليه من إرادة مجامعتهنّ،خاصّة إنّ الأمر بالإتيان جاء عقيب الأمر باعتزالهنّ في المحيض: وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذىً فَاعْتَزِلُوا النِّساءَ فِي الْمَحِيضِ البقرة:222، و قد سكت المصطفويّ عنه،و لو أريد بها الابتهاج بهنّ لكان المناسب أن يقول:«فانظروا إليهنّ».

و ثانيا:كون النّساء سكنا لا ينافي كونهنّ حرثا للولد بالجماع بل جمع اللّه بينهما في آدم و زوجه: هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها لِيَسْكُنَ إِلَيْها فَلَمّا تَغَشّاها حَمَلَتْ حَمْلاً خَفِيفاً... الأعراف:189.

على أنّ أكبر السّكون بهنّ يحصل بالتّشفّي بهنّ من طغيان الشّهوة الجنسيّة،ممّا نصّ عليه القرآن مرّات:

زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ...

آل عمران:14، إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ... الأعراف:81، أُحِلَّ لَكُمْ لَيْلَةَ الصِّيامِ الرَّفَثُ إِلى نِسائِكُمْ البقرة:187.

3-فرّعوا على ما ذكر في وجه إطلاق الحرث على النّساء أنّ المراد ب فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ إتيانهنّ في فروجهنّ،لأنّها موضع الحرث،و أنّ المراد ب(انّى شئتم) من أيّ جهتين:أمام و وراء،دون من أيّ السّبيلين لكي يستفاد منه تحليل الدّبر،بداهة أنّ الدّبر لا يأتي منه الولد و ليس حرثا.

ص: 286

قال ابن عطيّة:«فلفظة(الحرث)تعطي أنّ الإباحة لم تقع إلاّ في الفرج خاصّة إذ هو المزدرع».

و قال البروسويّ: «لمّا عبّر عنهنّ بالحرث عبّر عن مجامعتهنّ بالإتيان».

و قال الجصّاص:«تدلّ الآية على أنّ إباحة الوطء مقصورة على الجماع في الفرج،لأنّه موضع الحرث».

و قال الآلوسيّ: «هذه الجملة مبيّنة ل فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ لما فيه من الإجمال من حيث المتعلّق، و الفاء في فَأْتُوا حَرْثَكُمْ جزائيّة،و ما قبلها نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ علّة لما بعدها،و قدّم عليه اهتماما بشأن العلّة،و ليحصل الحكم معلّلا،فيكون أوقع،و يحتمل أن يكون المجموع،أي نِساؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنّى شِئْتُمْ كالبيان لما تقدّم،أي فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ و الفاء للعطف،و عطف الإنشاء على الإخبار جائز بعاطف سوى الواو».

4-و من ذلك كلّه ظهر أنّ القرآن لا يدلّ على تحليل إتيان النّساء في الدّبر لو لم يدلّ مفهوما على تحريمه بقوله:

فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ، و المسألة بعد محلّ البحث في الفقه استنادا إلى السّنّة لاختلافها.و قد اتّفقوا على الكراهة الأكيدة.

5-استفاد مكارم الشّيرازيّ من الآية:ضرورة وجود المرأة لاستمرار الحياة ببقاء النّسل.

أمّا الآية الثّانية: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ...

ففيها بحوث أيضا:

1-هذه تتميم لما قبلها من أمر السّاعة: اَللّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ وَ الْمِيزانَ وَ ما يُدْرِيكَ لَعَلَّ السّاعَةَ قَرِيبٌ* يَسْتَعْجِلُ بِهَا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِها وَ الَّذِينَ آمَنُوا مُشْفِقُونَ مِنْها وَ يَعْلَمُونَ أَنَّهَا الْحَقُّ أَلا إِنَّ الَّذِينَ يُمارُونَ فِي السّاعَةِ لَفِي ضَلالٍ بَعِيدٍ* اَللّهُ لَطِيفٌ بِعِبادِهِ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ وَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ الشّورى:17-19.

فالحقّ و الميزان كلاهما إشارة إلى حساب الأعمال عند قيام السّاعة،ثمّ فصّله ببيان موقف المؤمنين و الكافرين من السّاعة،بأنّ الّذين لا يؤمنون بها لا يخافون منها،و يستعجلونها مكابرة،و مراء،و استهزاء بها.و الّذين يؤمنوا بها مشفقون منها،لأنّهم يعلمون أنّها الحقّ.

ثمّ أكّد أنّ الفرقة الأولى يمارون فيها و أنّهم في ضلال بعيد،و الفرقة الثّانية من جملة عباده الّذين يلطف بهم، و يرزقهم من موضع القوّة و العزّة.

ثمّ عاد إلى عاقبة الفريقين بأنّ ما يكتسبان هو حرث لهما،لكنّهما متفاوتان فيما يريدان،فالمؤمنون يريدون حرث الآخرة،و الكافرون يريدون حرث الدّنيا،و لكلّ منهما جزاء مناسب لكسبهم،فقال: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ.

و قد أدام فيما بعدها من الآيات حال الفريقين في الآخرة أيضا:بأنّ الفرقة الأولى-و وصفهم بالظّالمين- لهم عذاب أليم و أنّهم مشفقون ممّا كسبوا،و هو واقع بهم.

و الفرقة الثّانية-و وصفهم بأنّهم آمنوا و عملوا الصّالحات- جزاؤهم: فِي رَوْضاتِ الْجَنّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ الشّورى:22.

2-إنّ اللّه بدأ في(11)بحال المؤمنين قبل الكافرين

ص: 287

-كما هو المعمول به في القرآن في التّبشير و الإنذار، لاحظ:«ب ش ر»:بشّر،و«ن ذ ر»:أنذر-بعكس الآيات قبلها و بعدها حيث بدأ فيها بالكافرين-اهتماما بشأن المؤمنين ليختم الكلام بهم و تنبيها بأنّهم الواصلون إلى مغزى الخلقة،و هو العرفان و الطّاعة،دون الكافرين الّذين كسبوا الخذلان و الضّلالة.

3-جاء فيها-بدل وصفهم في تلك الآيات بالإيمان أو الكفر،و بالصّلاح أو الظّلم-التّعبير ب(حرث الدّنيا) تنبيها بأنّ النّاس في حياتهم الدّنيا بمنزلة الحارث،و أنّ ما يكتسبون فيها فهو حرث لهم،و الحرث هو حاصل عمل شاقّ مستمرّ طول السّنة،يغتنمها الحارث عند الحصاد في أخريات السّنة.

و ما أحسن الشّريف الرّضيّ حيث قال:«هذه استعارة،و المراد بحرث الآخرة و الدّنيا كدح الكادح لثواب الآجلة،و حطام العاجلة،فهذا من التّشبيه العجيب و التّمثيل المصيب،لأنّ الحارث المزدرع إنّما يتوقّع عاقبة حرثه،فيجني ثمرة غراسه،و يفوز بعوائد ازدراعه».

و قال الطّوسيّ-و نحوه الطّبرسيّ-:«شبّه الطّالب بعمله الآخرة بالزّارع في طلب النّفع لحرثه،و كذلك الطّالب بعمله نفع الدّنيا».

و قال الزّمخشريّ: «سمّى ما يعمله العامل ممّا يبغي به الفائدة،و الزّكاء حرثا على المجاز».

و قال ابن عطيّة:«و الحرث في هذه الآية عبارة عن السّعي و التّكسّب و الإعداد،و لمّا كان حرث الأرض أصلا من أصول المكاسب استعير لكلّ متكسّب».

و قال الفخر الرّازيّ: «الآية دالّة على أنّ منافع الآخرة و الدّنيا ليست حاضرة بل لا بدّ في البابين من الحرث،و الحرث لا يتأتّى إلاّ بتحمّل المشاقّ في البذر ثمّ التّسقية و التّنمية،ثمّ الحصد،ثمّ التّنقية.فلمّا سمّى اللّه كلا القسمين حرثا علمنا أنّ كلّ واحد منهما لا يحصل إلاّ بتحمّل المتاعب و المشاقّ...».

و قال البيضاويّ: «حرث الآخرة:ثوابها،شبّهه بالزّرع من حيث إنّه فائدة تحصل بعمل الدّنيا،و لذلك قيل:الدّنيا مزرعة الآخرة».

و قال النّيسابوريّ: «سمّاه حرثا تشبيها للعامل الطّالب لثواب الآخرة أضعافا مضاعفة بالزّارع الّذي يلقي البذر في الأرض طلبا للزّيادة و النّماء-إلى أن قال- و في زيادة لفظ«الحرث»فائدة أخرى،و هي أن يعلم أنّ شيئا من القسمين لا يحصل إلاّ بتحمّل المتاعب و المشاقّ».

و قال أبو السّعود:«الحرث في الأصل:إلقاء البذر في الأرض،يطلق على الزّرع الحاصل منه،المتضمّن لتشبيه الأعمال بالبذور،و يستعمل في ثمرات الأعمال و نتائجها بطرق الاستعارة المبنيّة على تشبيهها بالغلال الحاصلة من البذور...».

و قال الطّباطبائيّ: «الحرث:الزّرع،و المراد به نتيجة الأعمال الّتي يؤتاها الإنسان في الآخرة على سبيل الاستعارة،كأنّ الأعمال الصّالحة بذور،و ما تنتجه في الآخرة حرث».

و قال مكارم الشّيرازيّ: «إنّه لتشبيه لطيف و كناية جميلة،فجميع النّاس مزارعون،و هذه الدّنيا مزرعة لنا،

ص: 288

أعمالنا هي البذور،و الإمكانات الإلهيّة هي المطر لهذه المزرعة-إلى أن قال-يستفاد منها أنّ الدّنيا و الآخرة تحتاجان إلى السّعي،و لا يمكن نيلهما بدون تعب و أذى...».

فنرى أنّهم جميعا معجبون بلفظ«الحرث»فيها، و حريصون على تصويره تصويرا رائعا.

4-و اهتماما بذلك فقد كرّر«الحرث»فيها ثلاث مرّات:مرّتين في حرث الآخرة بتكرار لفظه مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الْآخِرَةِ نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ تفضيلا لها على الدّنيا،و مرّة في حرث الدّنيا بلفظه و مرّة بضميره وَ مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها.

5-جاء في كلّ منهما: مَنْ كانَ يُرِيدُ بدل«من عمل عملهما»و نحوه،تعميما لكلّ عامل بلفظ(من)، و إعلاما باشتراط استمرار العمل فيهما بلفظ(كان)الدّالّ على دوام العمل في الماضي،فلا تعمّ كلّ عمل،و لا كلّ عامل،و باشتراط الإرادة و القصد و النّيّة في عملهما بلفظ (يريد)،فلا تعمّ الأعمال غير المقصودة،سواء أعمال الآخرة أو الدّنيا.

و فيه إشعار بالجدّ و السّعي،كما قال: وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى* وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى النّجم:

39،40،و بأنّ الأعمال تتميّز حسنا و قبحا بالنّيّات،كما قال النّبيّ عليه السّلام:«إنّما الأعمال بالنّيّات».

و قد أكّد العرفاء و أهل السّلوك في تعاليمهم«الإرادة» و اصطلحوا إطلاق«المريد»على السّالك الصّادق أخذا، من مثل: وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى لَها سَعْيَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً الإسراء:19، لاحظ«رود:أراد».

6-قالوا في نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ، فضاعف أجره عشرا إلى سبعمائة و أزيد،استنادا إلى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها الأنعام:160،و كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ البقرة:261،فحملوا«الحرث»فيها على ثواب الأعمال،مع أنّ الحرث في أوّلها و آخرها نفس الأعمال،كما سبق.

و حمله القشيريّ على الأعمال الحسنة في الدّنيا و ثوابها في الآخرة،فقال:«نزده اليوم في الطّاعات توفيقا،و في المعارف و صفاء الحالات تحقيقا،و نزده في الآخرة ثوابا و اقترابا و فنون نجاة و صنوف درجات».

و هذا موافق لمعنى«الحرث»في أوّلها و آخرها،فإنّ «الحرث»أطلق على العمل بما ينتجه من الثّواب و العقاب،فيعمّ الدّنيا و الآخرة.و لا يبعد عنه قول الزّمخشريّ:«من عمل للآخرة وفّق في عمله و ضوعفت حسناته».

و قد حكى الفخر الرّازيّ الوجهين،أي الأعمال و ثوابهما،و أيّدهما بحديث،من دون ترجيح.

و ذكر القرطبيّ ثلاثة وجوه:الأعمال،و ثوابها، و مجموعهما،و أضاف:و قيل:الآية في الغزو،أي من أراد بغزوه الآخرة أوتي الثّواب،و من أراد بغزوه الغنيمة أوتي منها.

و نقول:إنّ الآية بعمومها تشمل الغزو،و لكنّها لا تخصّه،لأنّها مكّيّة،و الغزو خاصّ بالمدينة.

7-استفاد الفخر الرّازيّ منها وجوها من الفرق بين من أراد الآخرة و من أراد الدّنيا:

ص: 289

أ-قدّم مريد حرث الآخرة على مريد حرث الدّنيا في الذّكر تفضيلا له،كما قال عليه السّلام:«نحن الآخرون السّابقون».

ب:قال في مريد حرث الآخرة: نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ، و في مريد حرث الدّنيا نُؤْتِهِ مِنْها، و كلمة (من)للتّبعيض فيعطيه بعضه دون كلّه،كما قال: عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ الإسراء:18.

ثمّ أيّده بالبرهان العقليّ في البابين،لأنّ من عمل للآخرة و واظب عليه فكثرة الأعمال توجب حصول الملكات،فكلّما كانت مواظبته عليها أكثر كان ميله إلى طلب الآخرة أشدّ،فكان الابتهاج بها أعظم و السّعادات أكثر.

و أمّا طالب الدّنيا فكلّما كانت مواظبته على أعمالها أكثر،كانت رغبته في الفوز بالدّنيا أكثر،و ميله إليها أشدّ.

و إذا كان الميل أبدا في التّزايد بقي على حالة واحدة و كان الحرمان لازما له.

ج:إنّه قال في حرث الآخرة: نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ و بقي ساكتا عن إعطائه الدّنيا و الآخرة،كأنّه يقول:

الآخرة أصل و الدّنيا فرع.فواجد الأصل واجد للفرع بقدر الحاجة إلاّ أنّه لم يذكره،لأنّ الدّنيا أخسّ من أن يقرن بالآخرة.

د:إنّه بيّن في نَزِدْ لَهُ فِي حَرْثِهِ أنّ طالب الآخرة يكون حاله أبدا في التّرقّي و التّزايد،و في نُؤْتِهِ مِنْها وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ أنّ طالب الدّنيا في الدّنيا حاله في نقصان،و في الآخرة في تمام البطلان.

ه:إنّ الآخرة نسيئة و الدّنيا نقد،و النّسيئة مرجوحة عند النّاس بالنّسبة إلى النّقد،فبيّن اللّه أنّ هذه القضيّة معكوسة في أحوال الدّنيا و الآخرة،و الآخرة و إن كانت نسيئة إلاّ أنّها متوجّهة للزّيادة و الدّوام،و الدّنيا و إن كانت نقدا إلاّ أنّها متوجّهة إلى النّقصان،ثمّ إلى البطلان، فهي أرذل و أخسّ،و لا نسبة بينهما،و إنّ للدّنيا مجرّد اسم من أحوال الآخرة.

ز:ما تقدّم منه أنّ كلمة«حرث»فيهما تدلّ على وجود السّعي و تحمّل المتاعب فيهما-و أنّ الآخرة في تزايد و الدّنيا في نقصان-فصرف المتاعب فيما هو في التّزايد و البقاء،أولى من صرفها فيما يكون في النّقصان و الفناء.

و:و نضيف نحن وجها سابعا ذكره ابن عطيّة و هو:

أنّ الوعد في حرث الآخرة منجّز دون حرث الدّنيا،لأنّ معنى نُؤْتِهِ مِنْها ما شئنا و لمن نشاء،كما قال: عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ الإسراء:18،فربّ طالب للدّنيا محروم منها.

8-طرح عبد الجبّار سؤالا:كيف قال فيمن يريد حرث الدّنيا: وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ نَصِيبٍ و معلوم أنّ فيمن يريد حرث الدّنيا من له نصيب في الآخرة؟

و أجاب:بأنّ المراد:من كانت إرادته مقصورة على حرث الدّنيا فلا نصيب له في الآخرة.

و نقول:سياق الآية ينفي السّؤال رأسا،فلا موقع له أصلا.

9-قال: مَنْ كانَ يُرِيدُ حَرْثَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها فأنّث الضّمير(منها)و هو راجع إلى«حرث»؟

ص: 290

و أجاب عنه خليل ياسين بأنّ لفظة«حرث»في معرض الحذف،و يصحّ حلول ما بعدها محلّها،فالضّمير راجع إلى«الدّنيا»لا إلى«الحرث»كما في: إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ الأعراف:56،أي إنّ اللّه قريب،و نقول:إنّ أمر الضّمير في المؤنّث المجازيّ سهل يجوز فيه الوجهان.

10-و تلك عشرة كاملة:هذه الآية من سورة الشّورى تشبه الآية 18 و 19 من سورة الإسراء، و كلتاهما مكّيّة: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً* وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى لَها سَعْيَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً إلاّ أنّ بينهما فروقا:

أ:جاء في الشّورى حَرْثَ الدُّنْيا و حَرْثَ الْآخِرَةِ تركيزا على العمل المثمر:«الحرث»،و في الإسراء-و هي مقدّمة على الشّورى نزولا-(العاجلة) و(الآخرة)تركيزا على الدّار،دون العمل.

ب:جاء في الإسراء عَجَّلْنا لَهُ فِيها تجانسا ل«العاجلة»،و في الشّورى(نؤته)من دون تجانس لفعل سبقه.

ج:جاء في الشّورى(منها)أي بعض ما يريد،و في الإسراء ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ فعلّقه على مشيئته مقدارا و شخصا،أي لا يعجّل له كلّ ما يريد،و لا لكلّ من يريد.

د:حتم جهنّم في الآخرة بما وصفت به على من يريد العاجلة،و حتم الجزاء المشكور على من أراد الآخرة من دون ذكر الجنّة،تكبيرا و تعمية ليذهب ذهن السّامع إلى كلّ مذهب ممكن.

ه:أطلق من يريد العاجلة،و قيّد من أراد الآخرة ب(أمرين): سَعى لَها سَعْيَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فالأمر فيمن أراد الآخرة مشروط مضيّق،دون من أراد العاجلة، لأنّ«العاجلة»تنطوي فيها كلّ رذيلة و جمعها،فقد الإيمان بالدّار الآخرة،و بالبعث و الحساب و الجزاء.

و:و جاء فيهما فعل«الإرادة»في الفريقين،لأنّ الجزاء يترتّب عليها و هي دالّة على السّعي،إلاّ أنّ في الشّورى مَنْ كانَ يُرِيدُ مرّتين فيهما،و كذلك في الإسراء مرّة في الأولى مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ، و في الثّانية وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ و معلوم أنّ مَنْ كانَ يُرِيدُ يفيد الاستمرار-كما سبق-دون(من أراد) فلا استمرار فيه،إلاّ أنّه استدركه بضمّ(و سعى لها سعيها)إليه فإنّه دالّ على الاستمرار و زيادة؛حيث كرّر السّعي فيه مرّتين:فعلا و مصدرا،لاحظ«س ع ي».

ز:-و هو العمدة-قدّم الآخرة على الدّنيا في الشّورى اهتماما بها-كما سبق-و أخّرها في الإسراء تماشيا للأمر الواقع من سبق الدّنيا الآخرة.

ح:سورة الإسراء نزلت قبل الشّورى،فجاء فيها آية(العاجلة)تفصيلا لحال مريد الدّنيا،و مريد الآخرة في آيتين،و جاء موجزا في الشّورى في آية واحدة،مع ما بينهما من الفروق السّابقة.

ص: 291

ص: 292

ح ر ج

اشارة

لفظان،15 مرّة:2 مكّيّتان،13 مدنيّة

في 9 سور:2 مكّيّتان،7 مدنيّة

حرج 13:1-12 حرجا 2:1-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحرج:المأثم،و الحارج:الآثم.

و رجل حرج و حرج كما تقول:دنف و دنف،في معنى الضّيّق الصّدر.

و يقرأ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً الأنعام:

125،و(حرجا).

و قد حرج صدره،أي ضاق و لا ينشرح لخير.

و رجل متحرّج:كافّ عن الإثم.

و تقول:أحرجني إلى كذا،أي ألجأني،فحرجت إليه،أي انضممت إليه.

و الحرجة من الشّجر:الملتفّ قدر رمية حجر؛ و جمعها:حراج.

و الحرج:قلادة كلب؛و يجمع على:أحرجة،ثمّ أحراج.

و الحرج:و دعة.

و كلاب محرّجة،أي مقلّدة.

و الحرجوج:النّاقة الوقّادة القلب.

و الحرج من الإبل:الّتي لا تركب و لا يضربها الفحل معدّة للسّمن.

و يقال:قد حرج الغبار غير السّاطع المنضمّ إلى حائط أو سند.[و استشهد بالشّعر 9 مرّات](3:76)

اللّيث: أحرجت فلانا:صيّرته إلى الحرج،و هو الضّيق.(الأزهريّ 4:137)

معنى تحرج العين:لا تطرف و لا تنصرف.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:138)

الضّبّيّ: ناس من العرب يقولون:ليس في هذا الأمر حرج،يعنون ليس فيه حرج.(إصلاح المنطق:98)

و الحرج:لغة في الحرج،و هو الإثم.(الجوهريّ 1:305)

ص: 293

المفضّل الضّبّيّ: الحرج:حبال تنصب للسّبع.

[و استشهد بشعر](الأزهريّ 4:139)

الكسائيّ: حرجا و حرجا كلّه من الضّيق،كما يقال:إنّه لوحد فرد،و وحد فرد.(الحربيّ 1:241)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الحرج:العنق،و الرّأس، و الأكارع،و الإهاب و الظّهر كلّه غير القطن،للّذي يرمى للصّيد،أو يحتبله أو يصيده كلبه.[ثمّ استشهد بشعر](1:14)

الحراج:جماعة الشّجر،الواحدة:حرجة.

و الحرج:المتحيّر.(1:202)

و الحرجة:غيضة السّمر،و جماعها الحراج.

[و استشهد بالشّعر ثلاث مرّات](1:216)

الحرج:مركب النّساء دون الهودج.

و رجل متحرّج:كافّ عن الإثم.

و الحرجوج:النّاقة الوقّادة القلب.[و استشهد بالشّعر مرّتين](الحربيّ 1:242)

الحرجوج:الضّامر من الإبل؛و جمعه:حراجيج.

و الحرج مثلها.

و الحرج:أن ينظر الرّجل فلا يستطيع أن يتحرّك من مكانه فرقا و غيظا.

و أجاز بعضهم:ناقة حرجج،بمعنى الحرجوج.

(الأزهريّ 4:139)

أبو زيد :و الحرج:الإثم،و الحرج أيضا:النّاقة الضّامرة،و يقال:الطّويلة على وجه الأرض.

الحرجوج:الضّامر.(الجوهريّ 1:305)

و حرج عليه السّحور و السّحر،إذا أصبح قبل أن يتسحّر،و حرج عليه حرجا،و هما واحد.

و حرجت على المرأة الصّلاة تحرج حرجا،و حرمت عليها الصّلاة تحرم حرما،بمعنى واحد.

و يقال:حرج فلان يحرج،إذا هاب أن يتقدّم على الأمر،أو قاتل فصبر و هو كاره.(الطّوسيّ 4:286)

الأصمعيّ: يقال:حرج عليّ ظلمك يريد حرم عليّ.و منه أحرجها بتطليقة،يريد:حرّمها.و أكسعها بالمحرجات،يريد:بثلاث تطليقات.

الحرج:الشّجر الملتفّ؛الواحدة:حرجة.

و الحرج:التّحرّج في الورع.

و الحرج:سرير الميّت.

و الحرج:أن ينظر الرّجل فلا يستطيع أن يتحرّك من مكانه من غيظ أو فرق.

و الحرجوج:الرّيح الطّويلة الّتي لا تكاد تنقطع.[ثمّ استشهد بشعر]

الحرج:الودع.

و الحرج:ما جعل للكلب ممّا يصيد.

و الحرج:حبال تنصب.(الحربيّ 1:239-242)

أسماء رحاب الشّجر...و حرجة طلح و حديقة نخل و عنب.(ابن دريد 3:467)

محرّجة:[أي]في أعناقها[الكلاب]حرج،و هو الودع.و الودع:خرز يعلّق في أعناقها،يقال:أحرج لكلبك من صيده فإنّه أدعى له إلى الصّيد.

(الأزهريّ 4:138)

الحرج:خشب يشدّ بعضه على بعض،يحمل فيه الموتى.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:139)

ص: 294

أبو عبيد:تحرج العين،أي تحار.

(الأزهريّ 4:138)

ابن الأعرابيّ: الحرج:الودعة،و الحرج بمعنى الحجر:الحرام،و الحرج:ما يلقى للكلب من صيده، و الحرج:القلادة لكلّ حيوان،و الحرج:الثّياب الّتي تبسط على حبل لتجفّ؛و جمعها:حراج في جميعها.

(الأزهريّ 4:140)

للعرب أفعال تخالف معانيها ألفاظها،قالوا:تحرّج و تحنّث و تأثّم و تهجّد،إذا ترك الهجود.و من هذا الباب ما ورد بلفظ الدّعاء و لا يراد به الدّعاء بل الحثّ و التّحريض،كقوله:تربت يداك و عقرى حلقى، و ما أشبه ذلك.(الفيّوميّ 1:128)

ابن السّكّيت: باب الجماعة من الإبل:و الحرجة:

مائة و فويق ذلك.

باب الاضطرار و الإكراه على الشّيء:اضطرّه إليه اضطرارا...و قد أحرجه إليه إحراجا.(506)

باب الحليّ...و الحرج:الودعة؛و الجمع:أحراج.

(658)

فعل و فعل بمعنى واحد...و حرج و حرج،و بكلّ قرأت القرّاء: يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً الأنعام:

125،و(حرجا).(إصلاح المنطق:100)

أبو الهيثم:الحراج:غياض من شجر السّلم ملتفّة؛ واحدتها:حرجة.

و الحرجة من شدّة التفافها لا يقدر أحد أن ينفذ فيها.

(الأزهريّ 4:138)

ابن أبي اليمان :الحرج:النّاقة الضّامرة.

و الحرج:مركب من مراكب النّساء.

و الحرج:الضّيق،قال اللّه تبارك و تعالى: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ الحجّ:78.

و أصله الشّجر الملتفّ الكثير الّذي ليس فيه خلل.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](245)

أبو سعيد البغداديّ: الحرج بكسر الحاء:نصيب الكلب من الصّيد،و هو ما أشبه الأطراف من الرّأس و الكراع و البطن،و الكلاب تطمع فيها.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:138)

الحربيّ: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«اللّهمّ إنّي أحرّج حقّ الضّعيفين:اليتيم و المرأة»يقول:أضيّقه على من ظلمهما، و الحرج:الحرام.

و قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«حدّثوا عن بني إسرائيل و لا حرج»يقول:لا إثم عليكم إن لم تفعلوا.(1:239)

المبرّد: يقال:حرج يحرج،إذا دخل في مضيق.

و الحرجة:الشّجر الملتفّ المتضايق ما بينه.[ثمّ استشهد بشعر](1:171)

كراع النّمل:و الحرج:جماعة الغنم؛و جمعه:

أحراج.(ابن سيده 3:70)

ابن دريد :و الحرج:الضّيق.و مكان حرج و حريج:ضيّق،و في التّنزيل: ضَيِّقاً حَرَجاً و من ذلك أخذ الحرج في الدّين.

و الحرج:سرير الميّت الّذي يحمل عليه،و يسمّى المحفّة الّتي يحمل عليها المريض حرجا.

و ناقة حرجوج:طويلة على وجه الأرض.

و أحرجت الكلب و السّبع،إذا ألجأته إلى مضيق

ص: 295

فحمل عليك.

و ناقة حرج،أي ضامرة.

و الحرجة:الشّجر الملتفّ؛و الجمع:حرج و حراج.

و في حديث المغازي:«فرأيت أبا جهل و هو في مثل الحرجة من الرّماح».

و الحرج:الودعة الصّغيرة تعلّق على الصّبيان.

و المكان الحريج:الضيّق.

و الحرج:موضع معروف.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(2:54)

و يقال:رمى الحرجة بنفسه،إذا رمى الطّريق.

(3:471)

القاليّ: و الحرجة:الشّجر الكثير الملتفّ؛و جمعه:

حراج و أحراج.[ثمّ استشهد بشعر](1:67)

الأزهريّ: [قيل:]أحرجت فلانا،أي ألجأته إلى مضيق،و كذلك أجحرته و أجرذته بمعنى واحد.

و قولهم:رجل متحرّج،كقولك:رجل متأثّم و متحوّب و متحنّث:يلقي الحرج و الإثم و الحوب و الحنث عن نفسه،و رجل متلوّم:إذا تربّص بالأمر يريغ إلقاء الملامة عن نفسه.و هذه حروف جاءت معانيها مخالفة لألفاظها،قال ذلك أحمد بن يحيى[إلى أن قال:]

و يقال:حرج عليّ ظلمك أي حرم،و يقال:أحرج امرأته بطلقة،أي حرّمها.

و يقال:أكسعها بالمحرجات،يريد بثلاث تطليقات.

و الحرج:سرير الميّت.

و حرج النّعش:شجار من خشب جعل فوق نعش الميّت،و هو سريره.

و الحرج أيضا:مركب من مراكب النّساء كالهودج.

و الحرج:الضّامر من الإبل.

[و قيل:]حراج الظّلماء:ما كثف و التفّ.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال بعد قول اللّيث في الحرجوج و الحرج كما تقدّم عن الخليل:]

و القول في الحرجوج و الحرج ما قاله أبو عبيد،رواية عن أبي عمرو،و قول اللّيث مدخول.

و حرّج فلان على فلان،إذا ضيّق عليه.(4:137)

الصّاحب:الحرج:الضّيق،و المأثم.رجل حارج، أي آثم،و حرج و حرج،مثله و حرج.

و المتحرّج:الكافّ عن الإثم.

و أكسعها بالمحرجات،أي بالطّلاق.

و كلّ شيء انضمّ إلى شيء:فقد حرج إليه.

و أحرجني إلى كذا،أي ألجأني إليه،فحرجت.

و ليلة محراج:شديدة القرّ تحرج إلى ذرى و كنّ.

و الحرجة:الغيضة؛و الجميع:الحراج.

و الحرج:قلادة من ودع؛و جمعه:أحراج و أحرجة.

و كلاب محرّجة:مقلّدة.

و قيل:الحرج:نصيب الكلب من الصّيد.

و الحرجوج:النّاقة الوقّادة القلب.و هي من الرّيح:

الشّديدة الباردة.و ناقة حرجج:بمعناه.

و الحرج:الغضبان،و رجل حرج:لا يبرح القتال، و حرج الشّيء:بار.

و الحرجة:دلو من أدم صغيرة.و حرجوا الرّكيّة و زبروها:بمعنى.

و حرج عليه السّحور:حرم،و حرجت الصّلاة؛

ص: 296

و أحرجتها:حرّمتها.

و الحرج:ما يوضع فوق النّعش للنّساء،و هي خرقة مشدودة على رأس المرّانة،تتّخذ لصيد رئال النّعام.[ثمّ استشهد بشعر](2:400)

الخطّابيّ: و المحرّجة:الكلاب الّتي عليها قلائد، و الحرج:قلادة الكلب.(1:283)

و الحراجيج:واحدتها حرجوج.قال الأصمعيّ:

هي الطّويلة،و قال أبو عمرو:هي النّاقة الضّامرة.

(1:642)

الجوهريّ: مكان حرج و حرج،أي ضيّق كثير الشّجر،لا تصل إليه الرّاعية.و قرئ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً و (حرجا) و هو بمنزلة الوحد و الوحد، و الفرد و الفرد،و الدّنف و الدّنف،في معنى واحد؛و قد حرج صدره يحرج حرجا.

و الحرجة:الجماعة من الإبل.

و الحرجة:مجتمع شجر؛و الجمع:حرج و حرجات.

و يجمع أيضا على حراج.

و أحرجه،أي آثمه.

و التّحريج:التّضييق.

و تحرّج،أي تأثّم.

و أحرجه إليه،أي ألجأه.

و الحرج بالكسر:الودعة؛و الجمع:أحراج.و منه كلب محرّج،أي مقلّد.

و الحرج:نصيب الكلب من الصّيد.

و حرجت العين بالكسر،أي حارت.

و حرج عليّ ظلمك حرجا،أي حرم.

و الحرج و الحرجج و الحرجوج:النّاقة الطّويلة على وجه الأرض.و أصل الحرجوج:حرجج،و أصل الحرجج:حرج بالضّمّ؛و الجمع:الحراجيج.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](1:305)

ابن فارس: الحاء و الرّاء و الجيم أصل واحد،و هو معظم الباب،و إليه مرجع فروعه؛و ذلك تجمّع الشّيء و ضيقه.

فمنه الحرج جمع حرجة،و هي مجتمع شجر،و يقال في الجمع:حرجات.و يقال:حراج أيضا.

و من ذلك الحرج:الإثم،و الحرج:الضّيق،قال اللّه تعالى: وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً.

و يقال:حرجت العين تحرج،أي تحار.

و تقول:حرج عليّ ظلمك،أي حرم.

و يقال:أحرجها بتطليقة،أي حرّمها.

و يقولون:أكسعها بالمحرجات،يريدون بثلاث تطليقات.

و الحرج:السّرير الّذي تحمل عليه الموتى.و المحفّة حرج.

و ناقة حرج و حرجوج:ضامرة؛و ذلك تداخل عظامها و لحمها.و منه الحرج:الرّجل الّذي لا يكاد يبرح القتال.

و ممّا شذّ عن هذا الباب قولهم:إنّ الحرج الودعة؛ و الجمع:أحراج.و يقال:هو نصيب الكلب من لحم الصّيد.]

و يقال:الحرج:الحبال تنصب.(2:50)

ص: 297

الثّعالبيّ: فصل في عوارض العين...حرجت عينه،إذا حارت.[ثمّ استشهد بشعر](122)

ابن سيده: الحرج و الحرج:الإثم.و الحارج:الآثم، أراه على النّسب لأنّه لا فعل له.

و الحرج و الحرج و المتحرّج:الكافّ عن الإثم.

و الحرج:الضّيق.

و الحرج،الّذي لا يكاد يبرح القتال.

و الحرج،المضيّق عليه،و كأنّ الحرج الّذي لا يبرح القتال مضيّق عليه.

و الحرج،الّذي لا ينهزم،كأنّه يضيق عليه العذر في الانهزام.

و الحرج،الّذي يهاب أن يتقدّم على الأمر،و هذا ضيق أيضا.

و حرج إليه:لجأ عن ضيق.و أحرجه إليه:ألجأه و ضيّق عليه.و أحرج الكلب و السّبع:ألجأه إلى مضيق فحمل عليه.

و حرج الغبار فهو حرج:ثار في موضع ضيّق فانضمّ إلى حائط أو سند.

و مكان حرج و حريج:ضيّق.و حرجت عينه حرجا:حارت.

و حرج عليه السّحور حرجا:إذا أصبح قبل أن يتسحّر،فحرم لضيق وقته.

و حرجت الصّلاة على المرأة حرجا:حرمت و هو من الضّيق،لأنّ الشّيء إذا حرم فقد ضاق.

و الحرجة:الغيضة لضيقها،و قيل:الشّجر الملتفّ؛ و هي أيضا الشّجرة تكون بين الأشجار لا تصل إليها الآكلة،و هي ما رعى من المال؛و الجمع من ذلك كلّه:

حرج و أحراج و حراج.

و هي المحاريج أيضا.

و قيل:الحرجة تكون من السّمر و الطّلح و العوسج و السّلم و السّدر.

و قيل:هو ما اجتمع من السّدر و الزّيتون و سائر الشّجر.

و قيل:هي موضع من الغيضة تلتفّ فيه شجرات قدر رمية حجر.

قال أبو زيد:سمّيت بذلك لالتفافها و ضيق المسلك فيها.

و الحرجة:مائة من الإبل.

و ركب الحرجة،أي الطّريق،و قيل:معظمه.و قد حكيت بجيمين.

و الحرج:سرير يحمل عليه المريض أو الميّت، و قيل:هو خشب يشدّ بعضه إلى بعض.

و الحرج:مركب للنّساء و الرّجال،ليس له رأس.

و الحرج و الحرج:الشّحص.

و الحرج من الإبل:الّتي لا تركب و لا يضربها الفحل ليكون أسمن لها،إنّما هي معدّة.

و الحرج و الحرجوج:النّاقة الجسيمة الطّويلة على وجه الأرض،و قيل:الشّديدة،و قيل:هي الضّامر.

و الحرجوج:النّاقة الوقّادة القلب.

و الحرجوج:الرّيح الباردة الشّديدة.

و حرج الرّجل أنيابه يحرجها حرجا:حكّ بعضها إلى بعض من الحرد.

ص: 298

و الحرج:القطعة من اللّحم،و قيل:هي نصيب الكلب من الصّيد؛و الجمع:أحراج.

و الحرج:الودعة؛و الجمع:أحراج و حراج.

و الحرج،قلادة الكلب،و الجمع:أحراج و حرجة.

و الحرج:موضع معروف.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](3:70)

الطّوسيّ: و الحرج:الضّيق الشّديد.(4:290)

الرّاغب: أصل الحرج و الحراج:مجتمع الشّيء و تصوّر منه ضيق ما بينهما،فقيل للضّيق:حرج،و للإثم:

حرج.[ثمّ استشهد بآيات و قال:]

و المنحرج و المنحوب:المتجنّب من الحرج و الحوب.(113)

الزّمخشريّ: حرج صدره حرجا،و صدر حرج و حرج.

و أحرجني إلى كذا:ألجأني فحرجت إليه،و أحرج السّبع إلى مضيق حتّى أخذه.

و أحرج كلبك فإنّه أدعى له إلى الصّيد،أي أسهم له من الصّيد.و أطعمه حرجه منه،أي نصيبه.

و كلاب محرّجة:في أعناقها الأحراج،و هي الودع؛الواحد:حرج.

و من المجاز:وقع في الحرج،و هو ضيق المأثم.

و حدّث عن بني إسرائيل و لا حرج.

و أحرجني فلان:أوقعني في الحرج.

و حرجت الصّلاة على الحائض،و السّحور على الصّائم لمّا أصبح،أي حرما و ضاق أمرهما.

و ظلمك عليّ حرج أي حرام مضيّق.

و تحرّج من كذا:تأثّم.

و حلف فلان بالمحرجات،و هي الأيمان الّتي تضيّق مجال الحالف.

و كسعها بالمحرجات،أي بالطّلقات الثّلاث.

و حرجت العين:غارت فضاقت عليها منافذ البصر.

و ناقة حرج و حرجوج:ضامرة.

و دخلوا في الحرج،و هو مجتمع الشّجر متضايقه، و هم في حرجة ملتفّة و حرجات و حراج.[ثمّ استشهد بشعر]

و دونه حراج من الظّلام.

و احرنجمت الإبل:اجتمعت و تضامّت.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](أساس البلاغة:78)

في قصّة بدر:عن معاذ بن عمرو بن الجموح رضي اللّه تعالى عنه قال:«نظرت إلى أبي جهل في مثل الحرجة...»الحرجة:الغيضة الّتي تضايقت لالتفافها، من الحرج و هو الضّيق.(الفائق 1:273)

الطّبرسيّ: الحرج و الحرج:أضيق الضّيق.

(2:362)

المدينيّ: [ذكر حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كما تقدّم عن الحربيّ و قال:]

و منه الحديث:«حدّثوا عن بني إسرائيل و لا حرج».

قال بعضهم:أي لا حرج إن لم تحدّثوا عنهم،لأنّ قوله صلّى اللّه عليه و سلّم في أوّل الحديث:«بلّغوا عنّي»على الوجوب،فلمّا أتبع ذلك قوله:«و حدّثوا عن بني إسرائيل و لا حرج» أعلمهم أنّه ليس على الوجوب و لكنّه على التّوسعة،

ص: 299

و هذا تأويل بعيد.

و قال الشّافعيّ[في معنى الحديث]: أي لا بأس أن تحدّثوا عنهم ما سمعتم،و إن استحال أن يكون في هذه الأمّة مثل ما روي:أنّ ثيابهم تطول،و النّار تنزل من السّماء فتأكل القربان،ليس أن يحدّث عنهم بالكذب، و يدلّ على صحّة قول الشّافعيّ،ما روي في بعض الرّوايات عقيب الحديث:«فإنّ فيهم العجائب».[إلى أن قال:]

عن المزنيّ أنّه قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«حدّثوا عن بني إسرائيل و لا حرج،و حدّثوا عنّي و لا تكذبوا عليّ».

قال:و معناه:أنّ الحديث عنهم إذا حدّثت به فأدّيته كما سمعته،حقّا كان أو غير حقّ،لم يكن عليك حرج،لطول العهد و وقوع الفترة.

و الحديث عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لا ينبغي أن تحدّث به و تقبله إلاّ عن ثقة،و قد قال:«من حدّث عنّي حديثا يرى أنّه كذب،فهو أحد الكاذبين».قال:فإذا حدّثت بالحديث يكون عندك كذبا،ثمّ تحدّث به فأنت أحد الكاذبين في المأثم.

في الحديث:قدم وفد مذحج على حراجيج» الحراجيج:جمع حرجوج.قال الأصمعيّ:هي النّاقة الطّويلة،و قال أبو عمرو:هي الضّامرة،و قيل:هي الوقّادة القلب.و يقال:هو الذّاهب اللّحم حتّى يتقوّس.

و كذلك الحرجج،و الحرجوج أيضا:الرّيح الباردة.

في حديث يوم حنين:«تركوه في حرجة»أي شجراء ملتفّة.(1:418)

ابن الأثير: و من أحاديث الحرج قوله في قتل الحيّات:«فليحرّج عليها»هو أن يقول لها:أنت في حرج،أي ضيق إن عدت إلينا،فلا تلومينا أن نضيّق عليك بالتّتبّع و الطّرد و القتل.

و منها حديث اليتامى:«تحرّجوا أن يأكلوا معهم» أي ضيّقوا على أنفسهم.و تحرّج فلان،إذا فعل فعلا يخرج به من الحرج:الإثم و الضّيق.

و منه حديث ابن عبّاس رضي اللّه عنهما في صلاة الجمعة:«كره أن يحرجهم»أي يوقعهم في الحرج.

و أحاديث«الحرج»كثيرة،و كلّها راجعة إلى هذا المعنى.

و في حديث حنين:«حتّى تركوه في حرجة».

الحرجة بالتّحريك:مجتمع شجر ملتفّ كالغيضة؛ و الجمع:حرج،و حراج.(1:361)

الصّغانيّ: الحرج بالضّمّ:موضع.

و حراج الظّلماء بالكسر:ما كنف منها و تراكب.

و حارج:موضع على ساحل اليمن.

و يقال للغبار السّاطع المنضمّ إلى حائط أو سند:قد حرج إليه.

و الحرج:الّذي لا يكاد يبرح القتال.

و الحرج من الإبل:الّتي لا تركب و لا يضربها الفحل ليكون أسمن لها،إنّما هي معدّة.

و الحرج بالكسر:الحبال تنصب للسّبع.

و الحرج:الثّياب الّتي تبسط على حبل لتجفّ؛ و الجمع:حراج.

ليلة محراج:شديدة القرّ تحرج إلى ذرى و كنّ.

و حرجت الصّلاة:حرمت،و أحرجتها:حرّمتها.

ص: 300

و الحرجة:الدّلو الصّغيرة.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](1:412)

الفيّوميّ: حرج صدره حرجا من باب«تعب»:

ضاق،و حرج الرّجل:أثم،و صدر حرج:ضيّق،و رجل حرج:آثم.

و تحرّج الإنسان تحرّجا-هذا ممّا ورد لفظه مخالفا لمعناه-و المراد:فعل فعلا جانب به الحرج،كما يقال:

تحنّث،إذا فعل ما يخرج به عن الحنث.[ثمّ استشهد بقول ابن الأعرابيّ المتقدّم](1:127)

الفيروزآباديّ: الحرج محرّكة:المكان الضيّق الكثير الشّجر كالحرج ككتف،و الإثم كالحرج بالكسر، و النّاقة الضّامرة و الطّويلة على وجه الأرض،و خشب يحمل فيه الموتى،و جمع الحرجة لمجتمع الشّجر، و للجماعة من الإبل،و الحرمة و فعله حرج،و من الإبل الّتي لا تركب و لا يضربها الفحل ليكون أسمن لها.

و بالضّمّ:موضع.

و بالكسر:الحبال تنصب للسّبع،و الثّياب تبسط على حبل لتجفّ؛جمعه كجبال،و الودعة:و كلب محرّج:

مقلّد به،و نصيب الكلب من الصّيد.

و ككتف:الّذي لا يكاد يبرح من القتال.

و أحرجت الصّلاة:حرّمتها،و فلانا:آثمته،و إليه:

ألجأته.

و حرجت العين كفرح:حارت،و الصّلاة:حرمت.

و ليلة محراج:شديدة القرّ.

و حارج:موضع.

و حراج الظّلماء بالكسر:ما كثف منها.

و الحرجوج:النّاقة السّمينة الطّويلة على وجه الأرض،أو الشّديدة،أو الضّامرة الوقّادة القلب،و الرّيح الباردة الشّديدة.

و التّحريج:التّضييق.

و الحرجة بالضّمّ:الدّلو الصّغيرة.(1:189)

الطّريحيّ: و مكان حرج بكسر الرّاء،أي ضيّق.

و قولهم:«تحرّج الإنسان تحرّجا»قيل:هذا ممّا ورد لفظه مخالف لمعناه،و المراد:فعل فعلا جانب به الحرج، كما يقال:تأثّم و تهجّد،إذا ترك الهجود.

و حرج عليّ ظلمك،أي حرم.

و حرج فلان،إذا هاب أن يتقدّم على الأمر.

و في حديث الشّيعة:«و لا يكون منكم محرج الإمام، فإنّ محرج الإمام هو الّذي يسعى بأهل الصّلاح»كأنّه من أحرجه إليه:ألجأه.و حاصل المعنى لا يكون منكم من يلجئ الإمام إلى ما يكرهه،كأن يغشى أمره إلى ولاة الجور،فإنّه من فعل ذلك بالإمام فقد سعى بأهل الصّلاح.

و مثله قوله عليه السّلام:«من نزل بذلك المنزل عند الإمام فهو محرج الإمام،فإذا فعل ذلك عند الإمام،يعني ألجأه إلى أن يلعن أهل الصّلاح من أتباعه المقرّين بفضله».

(2:288)

مجمع اللّغة :الحرج:الضّيق أو أضيق الضّيق.

حرج حرجا:ضاق،و الحرج:الإثم.(1:245)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حرج صدره حرجا:

ضاق ضيقا شديدا،فهو حرج.

و أحرج غيره:أوقعه في المشقّة،أو صيّره إلى ضيق.

و الحرج:الإثم،أو المشقّة،أو الضّيق الشّديد.

ص: 301

و لا حرج عليك،أي لا إثم و لا ذنب عليك.(1:127)

العدنانيّ: حرج الموقف و الصّدر و يقولون:

حراجة الموقف و الصّدر.و الصّواب:حرج الموقف و الصّدر،أي ضيقهما،و فعله:حرج يحرج حرجا.

و من معاني الحرج:

1-غيضة الشّجر الملتفّة،لا يقدر أحد أن ينظر فيها.

2-من النّوق:الضّامرة،و المكتنزة الجسيمة.

3-الضّيّق،قال تعالى في الآية:125،من سورة الأنعام: يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً.

4-الإثم،جاء في الآية:61،من سورة النّور:

لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ.

5-يقال:«حدّث عنه و لا حرج»أي لا بأس عليك.

الأحراج،الحرج،الحرجات،الحراج

و يقولون:قضى يومه متنقّلا بين الأحراش، و الصّواب:قضى يومه متنقّلا بين الأحراج،أو الحرج، أو الحرجات،أو الحراج.و المفرد:حرجة،و هي أصغر من الغابة،و تطلق الحرج على المفرد و الجمع.

(معجم الأخطاء الشّائعة:63)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ضغطة معنويّة تحصل من التّجشّم و التّكلّف و تحمّل المشقّة.

و أمّا الضّيق و التّجمّع و الحيرة و التّحريم،فهي من آثار ذلك المفهوم.

و أمّا النّاقة الضّامرة،فكأنّها وقعت في ضغطة و مشقّة.

و يؤيّد هذا المعنى جمع الضّيق و الحرج في: وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً... الأنعام:

125،أي يكون صدره غير منشرح لا اطمئنان فيه،بل يكون مضطربا متزلزلا متوحّشا فهو ضيّق و في ضغطة من الوساوس الشّيطانيّة.

لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ الفتح:17،فلا يقعون في ضغطة من توجّه تكليف و مشقّة عليهم.

وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ الحجّ:78، أي لا يوجب حدوث ضغطة من توجّه تكاليف شاقّة، و تحميل أمور تشقّ.

و الفرق بين الضّغطة و الحرج:أنّ الحرج يستعمل في توجّه أمور شاقّة معنويّة كالتّكاليف و الوساوس و غيرها،و الضّغطة في المحسوسات.

و يقابل الحرج:الوسع و الطّمأنينة و الشّرح،كما قال تعالى: لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها البقرة:286، و أَلا بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ الرّعد:28،و رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي طه:25.(2:201)

النّصوص التّفسيريّة

حرج

1- ...ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ...

المائدة:6

ابن عبّاس: من ضيق.(89)

و نحوه أكثر المفسّرين.

عبد الجبّار: ما يُرِيدُ... يدلّ على أنّه تعالى

ص: 302

لا يريد تكليف ما لا يطاق،لأنّه نفى أن يريد ما يضيق على المكلّف فعله،و إن كان قد يمكنه أن يفعل إذا التزم المشقّة،فبأن لا يريد ما لا يطاق،و يتعذّر فعله على كلّ وجه أولى.(1:216)

فدلّ تعالى بذلك على أنّه لم يضيّق على المكلّف بالطّهارة و الماء معوز بل وسّع فألزم التّيمّم بالموجود من التّراب،فكيف يصحّ مع ذلك أن يقال:إنّه تعالى يكلّف المرء الإيمان و سائر الطّاعات و هو لا يطيقه!

(تنزيه القرآن عن المطاعن:111)

ابن عطيّة: و الحرج:الضّيق،و الحرجة:الشّجر الملتفّ المتضايق،و منه قيل يوم بدر في أبي جهل:إنّه كان في مثل الحرج من الرّماح.و يجري مع معنى هذه الآية قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«دين اللّه يسر»،و قوله:«بعثت بالحنيفيّة السّمحة»و جاء لفظ الآية على العموم، و الشّيء المذكور بقرب هو أمر التّيمّم و الرّخصة فيه، و زوال الحرج في تحمّل الماء أبدا،و لذلك قال أسيد:

ما هي بأوّل بركتكم يا آل أبي بكر.(2:165)

الفخر الرّازيّ: قالت المعتزلة:دلّت الآية على أنّ تكليف ما لا يطاق لا يوجد،لأنّه تعالى أخبر أنّه ما جعل عليكم في الدّين من حرج.و معلوم أنّ تكليف ما لا يطاق أشدّ أنواع الحرج.قال أصحابنا:لمّا كان خلاف المعلوم محال الوقوع فقد لزمكم ما ألزمتموه علينا.

اعلم أنّ هذه الآية أصل كبير معتبر في الشّرع،و هو أنّ الأصل في المضارّ أن لا تكون مشروعة،و يدلّ عليه هذه الآية: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ الحجّ:

78،و يدلّ عليه أيضا: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ البقرة:185،و يدلّ عليه من الأحاديث قوله عليه السّلام:«لا ضرر و لا ضرار في الإسلام»و يدلّ عليه أيضا:أنّ دفع الضّرر مستحسن في العقول،فوجب أن يكون الأمر كذلك في الشّرع،لقوله عليه السّلام:«ما رآه المسلمون حسنا فهو عند اللّه حسن».

و أمّا بيان أنّ الأصل في المنافع الإباحة،فوجوه:

أحدها:قوله تعالى: خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً البقرة:29.

و ثانيها:قوله: أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ المائدة:5، و قد بيّنّا أنّ المراد من الطّيّبات المستلذّات و الأشياء الّتي ينتفع بها.

و إذا ثبت هذان الأصلان فعند هذا قال نفاة القياس:

لا حاجة البتّة أصلا إلى القياس في الشّرع،لأنّ كلّ حادثة تقع فحكمها المفصّل إن كان مذكورا في الكتاب و السّنّة،فذاك هو المراد.و إن لم يكن كذلك،فإن كان من باب المضارّ حرّمناه بالدّلائل الدّالّة على أنّ الأصل في المضارّ الحرمة،و ان كان من باب المنافع أبحناه بالدّلائل الدّالّة على إباحة المنافع،و ليس لأحد أن يقدح في هذين الأصلين بشيء من الأقيسة،لأنّ القياس المعارض لهذين الأصلين يكون قياسا واقعا في مقابلة النّصّ،و أنّه مردود،فكان باطلا.

(11:176)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ.(6:59)

أبو حيّان :أي من تضييق بل رخّص لكم في تيمّم الصّعيد عند فقد الماء.و الإرادة صفة ذات،و جاءت بلفظ المضارع مراعاة للحوادث الّتي تظهر عنها،فإنّها

ص: 303

تجيء مؤتنقة من نفي الحرج و وجود التّطهير و إتمام النّعمة.

(3:439)

السّمين: زاد(من)في الإيجاب،في قوله: مِنْ حَرَجٍ، و ساغ ذلك،لأنّه في حيّز النّفي و إن لم يكن النّفي واقعا على فعل الحرج.و مِنْ حَرَجٍ مفعول «ليجعل»و الجعل يحتمل أنّه بمعنى الإيجاد و الخلق فيتعدّى لواحد و هو مِنْ حَرَجٍ، و(من)مزيدة فيه، كما تقدّم،و يتعلّق(عليكم)حينئذ بالجعل،و يجوز أن يتعلّق ب(حرج).(2:497)

مثله الآلوسيّ.(6:81)

شبّر: مِنْ حَرَجٍ مفعول(يريد)محذوف،و اللاّم للعلّة،أي ما يريد الأمر بالوضوء و الغسل و التّيمّم تضييقا عليكم،أو زائدة و المفعول«أن يجعل».

(2:149)

رشيد رضا :ما نفاه اللّه تعالى من الحرج في هذه الآية قاعدة من قواعد الشّريعة و أصل من أعظم أصول الدّين،تبنى عليه و تتفرّع منه مسائل كثيرة.و قد أطلق هنا نفي الحرج،و المراد به أوّلا و بالذّات:ما يتعلّق بأحكام الآية،أو بما تقدّم من الأحكام من أوّل السّورة، و ثانيا و بالتّبع:جميع أحكام الإسلام،و لهذا لم يقل:

ما يريد اللّه ليجعل عليكم من حرج فيما شرّعه لكم من أحكام الطّهارة مثلا،لأنّ حذف المتعلّق يؤذن بالعموم، و قد صرّح بنفي الحرج من الدّين كلّه في سورة الحجّ:

78،فقال: وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هذا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيداً عَلَيْكُمْ وَ تَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ.

إنّما صرّح في هذه الآية بنفي الحرج من الدّين كلّه، لأنّ سورة الحجّ من السّور المكّيّة الّتي بيّنت أصول الإسلام و قواعده الكلّيّة،و هي تدلّ على أنّ القيام بما لا بدّ منه من عزائم الأمور،ليس من الحرج في شيء، لأنّه نفى الحرج بعد الأمر بالجهاد في سبيل اللّه حقّ الجهاد،و هو بذل الجهد في الطّريق الموصل إلى إقامة سنن اللّه تعالى و حكمته في خلقه،و كلّ ما يرضيه من عباده من الحقّ و الخير و الفضيلة،و لا يصعد الإنسان إلى مستوى كما له إلاّ ببذل الجهد في معالي الأمور.

و إنّما الحرج هو الضّيق و المشقّة فيما ضرره أرجح أو أكبر من نفعه،كالإلقاء بالأيدي إلى التّهلكة،و الامتناع من سدّ الرّمق بلحم الميتة أو الخنزير أو الخمر،لمن لا يجد غيرها،كاستعمال المريض الماء في الوضوء أو الغسل مع خشية ضرره،و كذلك استعماله في البرد بهذا القيد،أو فيما يمكن إدراك غرض الشّارع منه بدون مشقّة في وقت آخر كالصّيام في المرض و السّفر.و قد صرّح القرآن الحكيم بعد بيان فرضيّة الصّيام و الرّخصة للمريض و المسافر بالفطر بأنّه يريد بعباده اليسر و لا يريد بهم العسر.

و قد بنى العلماء على أساس نفي الحرج و العسر و إثبات إرادة اللّه تعالى اليسر بالعباد في كلّ ما شرّعه لهم عدّة قواعد و أصول،فرّعوا عليها كثيرا من الفروع في العبادات و المعاملات،منها:إذا ضاق الأمر اتّسع،المشقّة تجلب التّيسير،درء المفاسد مقدّم على جلب المنافع، الضّرورات تبيح المحظورات،ما حرم لذاته يباح

ص: 304

للضّرورة،و ما حرم لسدّ الذّريعة يباح للحاجة.[ثمّ بحث حول العرف و انتقد الفقهاء،لاحظ«ع ر ف»]

(6:269)

المراغيّ: أي ما يريد اللّه ليجعل عليكم فيما شرّعه لكم في هذه الآية و في غيرها حرجا ما،أي أدنى ضيق و أقلّ مشقّة،لأنّه تعالى غنيّ عنكم رحيم بكم، فلا يشرّع لكم إلاّ ما فيه الخير و النّفع لكم.(6:64)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(3:1045)

مغنيّة: الحرج:الضّيق و المشقّة،و الضّرر حرج و زيادة،و منه الأذى و المرض و ذهاب المال.و الإسلام لم يشرّع حكما يستدعي أيّ نحو من الضّيق و المشقّة، فضلا عن الضّرر،فما أمر بشيء إلاّ و فيه خير و صلاح، و ما نهى عن شيء إلاّ و فيه شرّ و فساد.و إذا كان في الشّيء الواحد جانبان:نفع و ضرر،ينظر:فإن كان النّفع أكبر فهو مطلوب،و إن كان الضّرر أكبر فهو منهيّ عنه، فالعبرة دائما بالأكثر،و مع التّساوي فالخيار في الفعل و التّرك.[ثمّ استشهد بآيتي الأنفال:24 إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ و البقرة:185](3:24)

الطّباطبائيّ: دخول(من)على مفعول ما يُرِيدُ لتأكيد النّفي،فلا حكم يراد به الحرج بين الأحكام الدّينيّة أصلا،و لذلك علّق النّفي على إرادة الجعل دون نفس الحرج.

و الحرج حرجان:حرج يعرض ملاك الحكم و مصلحته المطلوبة،و يصدر الحكم حينئذ حرجيّا بذاته لتبعيّة ملاكه،كما لو حرم الالتذاذ من الغذاء لغرض حصول ملكة الزّهد،فالحكم حرجيّ من رأس؛و حرج بعرض الحكم من خارج عن أسباب اتّفاقيّة،فيكون بعض أفراده حرجيّا و يسقط الحكم حينئذ في تلك الأفراد الحرجيّة لا في غيرها،ممّا لا حرج فيه،كمن يتحرّج عن القيام في الصّلاة لمرض يضرّه معه ذلك، و يسقط حينئذ وجوب القيام عنه لا عن غيره ممّن يستطيعه.

و إضرابه تعالى بقوله: وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ، عن قوله: ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ يدلّ على أنّ المراد بالآية نفي الحرج الّذي في الملاك،أي أنّ الأحكام الّتي يجعلها عليكم ليست بحرجيّة شرّعت لغرض الحرج.و ذلك لأنّ معنى الكلام أنّ مرادنا بهذه الأحكام المجعولة:تطهيركم و إتمام النّعمة و هو الملاك، لا أن نشقّ عليكم و نحرّجكم،و لذلك لمّا وجدنا الوضوء و الغسل حرجيّين عليكم عند فقدان الماء،انتقلنا من إيجاب الوضوء و الغسل إلى إيجاب التّيمّم الّذي هو في وسعكم،و لم يبطل حكم الطّهارة من رأس،لإرادة تطهيركم و إتمام النّعمة عليكم،لعلّكم تشكرون.

(5:230)

مكارم الشّيرازيّ: [نحو الطّباطبائيّ و أضاف:]

و لا يخفى أيضا أنّ هناك من الأحكام الإلهيّة ما يظهر فيها الصّعوبة و المشقّة بذاتها مثل حكم الجهاد،إلاّ أنّه و لدى مقارنة المصالح الّتي تتحقّق بالجهاد مع الصّعوبات و المشاقّ الّتي فيه،تترجّح كفّة المصالح و أهمّيّتها، فلا تكون المشاقّ أمامها شيئا يذكر،و قد سمّي القانون الّذي أثبتته الجملة القرآنيّة الأخيرة بقانون«لا حرج» و هو مبدأ أساسيّ يستخدمه الفقهاء في أبواب مختلفة،

ص: 305

و يستنبطون منه أحكاما كثيرة.(3:553)

فضل اللّه : ...مِنْ حَرَجٍ في تكاليفه الملزمة، فقد أنزل اللّه شريعته على أساس تحقيق مصالح الإنسان في الحياة بما يأمره به من الأفعال المنفتحة على الخير كلّه في يسر و سهولة،و إبعاده عمّا يفسد حياته بما ينهاه عنه من الأعمال الّتي تسيء إلى حياته دون أن يثقل عليه في شيء من ذلك.(8:65)

راجع:«رود-و ما يريد».

2- ..وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ... الحجّ:78

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:إذا اجتمع أمران فأحبّهما إلى اللّه تعالى أيسرهما.(الفخر الرّازيّ 23:73)

كعب الأحبار:أعطى اللّه هذه الأمّة ثلاثا لم يعطهنّ إلاّ للأنبياء:«جعلهم شهداء على النّاس،و ما جعل عليهم في الدّين من حرج،و قال:ادعوني أستجب لكم».

(الفخر الرّازيّ 23:73)

نحوه قتادة.(النّحّاس 4:436)

أبو هريرة:الإصر الّذي كان على بني إسرائيل وضع عنكم.(النّحّاس 4:434)

مثله ابن عبّاس.(الواحديّ 3:282)

ابن عبّاس: من ضيق يقول:من لم يستطع أن يصلّي قائما فليصلّ قاعدا،و من لم يستطع أن يصلّي مضطجعا يومئ إيماء.(284)

الحرج:الضّيق،فجعل اللّه الكفّارات مخرجا من ذلك.(الطّبريّ 17:206)

هذا في هلال شهر رمضان إذا شكّ فيه النّاس،و في الحجّ إذا شكّوا في الهلال،و في الفطر و الأضحى إذا التبس عليهم،و أشباهه.(الطّبريّ 17:207)

نحوه الحسن.(القرطبيّ 12:100)

إنّما ذلك سعة الإسلام:ما جعل اللّه فيه من التّوبة و الكفّارات.(ابن العربيّ 3:1305)

الضّحّاك: جعل الدّين واسعا و لم يجعله ضيّقا.

(الطّبريّ 17:207)

عكرمة :هو ما أحلّ من النّساء مثنى و ثلاث و رباع، و ما ملكت يمينك.(القرطبيّ 12:100)

الكلبيّ: يعني الرّخص عند الضّرورات كالقصر و التّيمّم،و أكل الميتة،و الإفطار عند المرض،و السّفر.

(الواحديّ 3:282)

مثله مقاتل(الواحديّ 3:282)،و النّسفيّ(3:112).

الطّبريّ: و ما جعل عليكم ربّكم في الدّين الّذي تعبّدكم به من ضيق،لا مخرج لكم ممّا ابتليتم به فيه،بل وسّع عليكم،فجعل التّوبة من بعض مخرجا،و الكفّارة من بعض،و القصاص من بعض،فلا ذنب يذنب المؤمن إلاّ و له منه في دين الإسلام مخرج.[إلى أن قال:]

و قال آخرون:معنى ذلك وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ من ضيق في أوقات فروضكم إذا التبست عليكم،و لكنّه قد وسّع عليكم حتّى تيقّنوا محلّها.(17:205)

نحوه الثّعلبيّ(7:236)،و الواحديّ(3:281)، و البغويّ(3:354)،و الخازن(5:24)،و الشّربينيّ(2:

568)،و شبّر(4:262)،و نحوه بتفصيل المراغيّ(17:

148).

ص: 306

1Lالزّجّاج: أي من ضيق،جعل اللّه على من لم يستطع الشّيء الّذي يثقل في وقت،ما هو أخفّ منه،فجعل للصّائم الإفطار في السّفر،و بقصر الصّلاة[و]للمصلّي إذا لم يطق القيام أن يصلّي قاعدا،و إن لم يطق القعود أن يومئ إيماء،و جعل للرّجل أن يتزوّج أربعا،و جعل له جميع ما ملكته يمينه؛فوسّع اللّه عزّ و جلّ على خلقه.(3:

440)

الجصّاص :قال ابن عبّاس:من ضيق،و كذلك قال مجاهد.و يحتجّ به في كلّ ما اختلف فيه من الحوادث:

أنّ ما أدّى إلى الضّيق فهو منفيّ،و ما أوجب التّوسعة فهو أولى،و قد قيل:[ثمّ ذكر نحو الطّبريّ](3:327)

الباقلاّنيّ: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«بعثت بالحنيفيّة السّمحة».و قد كانت الشّدائد و العزائم في الأمم،فأعطى اللّه هذه الأمّة من المسامحة و اللّين ما لم يعط أحدا قبلها في حرمة نبيّها،و رحمة نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم لها.(ابن العربيّ 3:1305)

عبد الجبّار:فإنّه من أقوى ما يدلّ على أنّه تعالى لا يكلّف العبد ما لا يطيقه،لأنّه إذا لم يجعل في الدّين من ضيق و مشقّة شديدة،رأفة و رحمة،فكيف يجوز أن يتوهّم مع ذلك أنّه كلّفه ما لا يقدر عليه،ثمّ يعذّبه،لأنّه لم يفعل؟!(2:514)

الماورديّ: يعني من ضيق،و فيه خمسة أوجه:

أحدها:أنّه الخلاص من المعاصي بالتّوبة.

الثّاني:المخرج من الأيمان بالكفّارة.

الثّالث:أنّه تقديم الأهلّة و تأخيرها في الصّوم و الفطر و الأضحى،قاله ابن عبّاس.

الرّابع:أنّه رخّص السّفر من القصر و الفطر.

الخامس:أنّه عامّ،لأنّه ليس في دين الإسلام ما لا سبيل إلى الخلاص من المأثم فيه.(4:42)

الطّوسيّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

و فيه من الدّليل كالّذي في قوله: وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَأَعْنَتَكُمْ البقرة:220،على فساد مذهب المجبّرة في العدل،و مثله قوله: لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها البقرة:286.(7:344)

القشيريّ: الشّرع مبناه على السّهولة،و الّذي به تصل إلى رضوانه و تستوجب جزيل فضله و إحسانه، و تتخلّص به من أليم عقابه و امتحانه،يسير من الأمر لا يستغرق كنه إمكانك،بمعنى أنّك إن أردت فعله لقدرت عليه،و إن لم توصف في الحال بأنّك مستطيع ما ليس بموجود فيك.(4:237)

الزّمخشريّ: فتح باب التّوبة للمجرمين و فسح بأنواع الرّخص و الكفّارات و الدّيات و الأروش.نحوه قوله تعالى: يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ... البقرة:185.

(3:24)

ابن عطيّة: معناه من تضييق يريد في شرعة الملّة؛ و ذلك أنّها حنيفيّة سمحة ليست كشدائد بني إسرائيل و غيرهم،بل فيها التّوبة و الكفّارات و الرّخص،و نحو هذا ممّا كثر عدّه،و الحرجة:الشّجر الملتفّ المتضايق.

و رفع الحرج لجمهور هذه الأمّة و لمن استقام على منهاج الشّرع،و أمّا السّلاّبة و السّرّاق و أصحاب الحدود،فعليهم الحرج و هم جاعلوه على أنفسهم بمفارقتهم الدّين،و ليس في الشّرع أعظم حرجا من إلزام ثبوت رجل لاثنين في سبيل اللّه،و مع صحّة اليقين

ص: 307

و جودة العزم ليس بحرج.(4:135)

نحوه ملخّصا أبو حيّان.(6:390)

ابن العربيّ: الحرج هو الضّيق،و منه الحرجة، و هي الشّجرات الملتفّة لا تسلك،لالتفاف شجراتها، و كذلك وقع التّفسير فيه من الصّحابة رضي اللّه عنهم -و حكى أقوالهم ثمّ قال:-

فأعظم حرج رفع المؤاخذة بما نبدي في أنفسها و نخفيه،و ما يقترن به من إصر وضع،كما بيّنّا من قبل في سورة الأعراف و غيرها.

و منها التّوبة بالنّدم،و العزم على ترك العود في المستقبل،و الاستغفار بالقلب و اللّسان.و قيل لمن قبلنا:

فَتُوبُوا إِلى بارِئِكُمْ فَاقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ البقرة:54، و لو ذهبت إلى تعديد نعم اللّه في رفع الحرج لطال المرام.

و من جملته أنّه لا يؤاخذنا تعالى إن نسينا أو أخطأنا، و قد بيّنّاه أيضا فيما قبل ذلك.

و قد ثبت في الصّحيح عن عبد اللّه بن عمر و غيره:

أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم وقف في حجّة الوداع،فجعلوا يسألونه،فقال رجل:لم أشعر فحلقت قبل أن أذبح.

فقال:«اذبح و لا حرج».فجاء آخر،فقال:لم أشعر فنحرت قبل أن أرمي،فقال:«ارم،و لا حرج».فما سئل يومه عن شيء قدّم و لا أخّر إلاّ قال:افعل و لا حرج.

فأعجب لمن يقول:إنّ الدّم على من قدّم الحلق على النّحر،و النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قد قال:و لا حرج.و لقد نزلت بي هذه النّازلة سنة تسع و ثمانين،كان معي ما استيسر من الهدي،فلمّا رميت جمرة العقبة،و انصرفت إلى النّحر، جاء المزيّن و حضر الهدي،فقال أصحابي:ننحر و نحلق،فحلقت،و لم أشعر قبل النّحر،و ما تذكّرت إلاّ و جلّ شعري قد ذهب بالموسى،فقلت:دم على دم لا يلزم،و رأيت بعد ذلك الاحتياط لارتفاع الخلاف.

و الحقّ هو الأوّل،فهو المعقول.

إذا تعارض دليلان أحدهما بالحظر،و الآخر بالإباحة،فمن العلماء من مال إلى الاستظهار،و قال:

يقدّم دليل الحظر.و منهم من قال:يقدّم دليل الإباحة، و يختلف في ذلك مقاصد«مالك»،إلاّ في باب الرّبا، فيقدّم دليل الحظر،و ذلك من فقهه العظيم.

و كذلك لو قام دليل على زيادة ركن في العبادة،أو شرط،و قام الدّليل على إسقاطه،فاختلف العلماء أيضا فيه،فمن العلماء من أخذ بالاحتياط،و قضى بزيادة الرّكن و الشّرط،و منهم من أخذ بالخفّة،و قال بدليل الإسقاط،و لم يعوّل«مالك»هاهنا على أقوى الدّليلين:

كان بزيادة أو بإسقاط،و رأيه هو الّذي نراه،و قد مهّدناه في أصول الفقه،فهنالك ينظر إن شاء اللّه.

إذا كان الحرج في نازلة عامّا في النّاس فإنّه يسقط، و إذا كان خاصّا لم يعتبر عندنا،و في بعض أصول «الشّافعيّ»اعتباره،و ذلك يعرض في مسائل الخلاف، فمنه خذوه بعون اللّه.(3:1304)

الطّبرسيّ: [مثل الطّبريّ و أضاف:]

فلا عذر لأحد في ترك الاستعداد للقيامة و قيل:

معناه إنّ اللّه سبحانه لم يضيّق عليكم أمر الدّين،فلن يكلّفكم ما لا تطيقون بل كلّف دون الوسع،فلا عذر لكم في تركه.(4:97)

الفخر الرّازيّ: وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ فهو كالجواب عن سؤال يذكر،و هو أنّ التّكليف و إن كان تشريفا واجبا كما ذكرتم لكنّه شاقّ شديد على النّفس؟فأجاب اللّه تعالى عنه بقوله: وَ ما جَعَلَ....

ص: 308

الفخر الرّازيّ: وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ فهو كالجواب عن سؤال يذكر،و هو أنّ التّكليف و إن كان تشريفا واجبا كما ذكرتم لكنّه شاقّ شديد على النّفس؟فأجاب اللّه تعالى عنه بقوله: وَ ما جَعَلَ....

روي أنّ أبا هريرة قال:كيف قال اللّه تعالى:

وَ ما جَعَلَ... مع أنّه منعنا عن الزّنى و السّرقة؟فقال ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:بلى و لكنّ الإصر الّذي كان على بني إسرائيل وضع عنكم.[إلى أن قال:]

ما المراد من الحرج في الآية؟الجواب:قيل:هو الإتيان بالرّخص،فمن لم يستطع أن يصلّي قائما فليصلّ جالسا،و من لم يستطع ذلك فليومئ،و أباح للصّائم الفطر في السّفر و القصر فيه.و أيضا فإنّه سبحانه لم يبتل عبده بشيء من الذّنوب إلاّ و جعل له مخرجا منها:إمّا بالتّوبة أو بالكفّارة...

استدلّت المعتزلة بهذه الآية في المنع من تكليف ما لا يطاق،فقالوا:لمّا خلق اللّه الكفر و المعصية في الكافر و العاصي ثمّ نهاه عنهما،كان ذلك من أعظم الحرج، و ذلك منفيّ بصريح هذا النّصّ.

و الجواب:لمّا أمره بترك الكفر،و ترك الكفر يقتضي انقلاب علمه جهلا،فقد أمر اللّه المكلّف بقلب علم اللّه جهلا؛و ذلك من أعظم الحرج،و لمّا استوى القدمان زال السّؤال.(23:73)

نحوه النّيسابوريّ.(17:124)

القرطبيّ: أي من ضيق.و قد تقدّم في الأنعام (1)و هذه الآية تدخل في كثير من الأحكام،و هي ممّا خصّ اللّه بها هذه الأمّة.[ثمّ نقل أقوالا و أضاف:]

و ما ذكرناه هو الصّحيح في الباب.و كذلك الفطر و الأضحى.[ثمّ استشهد برواية](12:100)

البيضاويّ: أي ضيق بتكليف ما يشتدّ القيام به عليكم،إشارة إلى أنّه لا مانع لهم عنه و لا عذر لهم في تركه،أو إلى الرّخصة في إغفال بعض ما أمرهم به؛حيث شقّ عليهم،لقوله عليه الصّلاة و السّلام:«إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم».(2:101)

مثله أبو السّعود.(4:399)

البروسويّ: أصل الحرج و الحراج:مجتمع الشّيء، و تصوّر منه ضيق ما بينهما فقيل للضّيق:حرج،أي ما جعل فيه من ضيق بتكليف ما يشقّ عليه إقامته، و لذلك أزال الحرج في الجهاد عن الأعمى و الأعرج و عادم النّفقة و الرّاحلة،و الّذي لا يأذن له أبواه.[إلى أن قال:]

و في«التّأويلات النّجميّة»أي ضيق في السّير إلى اللّه و الوصول إليه،لأنّك تسير إلى اللّه بسيره لا بسيرك، و تصل إليه بتقرّبه إليك لا بتقرّبك إليه،و إن كنت ترى أنّ تقرّبك إليه منك و لا ترى أنّ تقرّبك إليه من نتائج تقرّبه إليك،و تقرّبه إليك سابق على تقرّبك إليه،كما قال:«من تقرّب إليّ شبرا تقرّبت إليه ذراعا»فالذّراع إشارة إلى الشّبرين:شبر سابق على تقرّبك إليه و شبر لاحق بتقرّبك إليه،حتّى لو مشيت إليه فإنّه يسارعك من قبل مهرولا،انتهى.(6:65)

الآلوسيّ: أي ضيق بتكليف ما يشتدّ لقيام به عليكم،إشارة إلى أنّه لا مانع لهم عنه،و الحاصل أنّه تعالى أمرهم بالجهاد،و بيّن أنّه لا عذر لهم في تركه؛حيث0.

ص: 309


1- القرطبيّ ج 7:80 و 300.

وجد المقتضي و ارتفع المانع.

و يجوز أن يكون هذا إشارة إلى الرّخصة في ترك بعض ما أمرهم سبحانه به حيث شقّ عليهم،لقوله صلّى اللّه عليه و سلّم:

«إذا أمرتكم بشيء فأتوا منه ما استطعتم»فانتفاء الحرج على هذا بعد ثبوته بالتّرخيص في التّرك بمقتضى الشّرع، و على الأوّل انتفاء الحرج ابتداء.

و قيل:عدم الحرج بأن جعل لهم من كلّ ذنب مخرجا،بأن رخّص لهم في المضايق و فتح عليهم باب التّوبة،و شرع لهم الكفّارات في حقوقه و الأروش و الدّيات في حقوق العباد.و لا يخفى أن تعميمه للتّوبة و نحوها خلاف الظّاهر،و إن روي ذلك من طريق ابن شهاب عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما.

و في«الحواشي الشّهابيّة»أنّ الظّاهر أنّ حقّ جهاده تعالى لمّا كان متعسّرا ذيّله بهذا ليبيّن أنّ المراد ما هو بحسب قدرتهم لا ما يليق به جلّ و علا من كلّ الوجوه.

و ذكر الجلال السّيوطيّ: أنّ هذه الآية أصل قاعدة المشقّة تجلب التّيسير،و هو أوفق بالوجه الثّاني فيها.

(17:209)

القاسميّ: أي في جميع أمور الدّين من ضيق، بتكليف ما يشقّ القيام به،كما كان على من قبلنا.

فالتّعريف في(الدّين)للاستغراق.(12:4384)

سيّد قطب :هذا الدّين كلّه بتكاليفه و عباداته و شرائعه ملحوظ فيه فطرة الإنسان و طاقته،ملحوظ فيه تلبيته تلك الفطرة.و إطلاق هذه الطّاقة و الاتّجاه بها إلى البناء و الاستعلاء،فلا تبقى حبيسة كالبخار المكتوم، و لا تنطلق انطلاق الحيوان الغشيم.(4:2446)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(10:363)

عزّة دروزة :و جملة ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ ذات خطورة تستدعي التّنويه؛من حيث إنّها تتضمّن تقرير كون اللّه عزّ و جلّ قد يسّر على المسلمين الأمور،فلم يحمّلهم في دينهم ما لا يطيقون،و لم يجعل عليهم فيه إعناتا و شدّة،و جعل لهم فيه لكلّ ضيق فرجا و لكلّ عسر يسرا.و هذا المعنى قد تكرّر في سور عديدة؛ بحيث يصحّ أن يقال:إنّه ممّا امتازت به الشّريعة الإسلاميّة عمّا قبلها.و قد أشير إلى هذا المعنى في آية سورة الأعراف:157.

و ممّا يصحّ أن يذكر في صدد ذلك«باب التّوبة» الّذي فتحه اللّه على مصراعيه لكلّ النّاس و في كلّ حال، على ما شرحناه في سياق سورة الفرقان.ثمّ تحليل الأطعمة المحرّمة عند الاضطرار،و الرّخص الكثيرة المتنوّعة كالتّيمّم و صلاة الخوف و تحلّة اليمين،ثمّ إباحة الاستمتاع بزينة الحياة الدّنيا و الطّيّبات من الرّزق، و حصر المحظورات في الخبائث و الفواحش و البغي و الشّرك و المنكرات من الأخلاق الشّخصيّة و الاجتماعيّة،و إباحة كلّ عمل و تصرّف للمسلم خارجا عن هذا النّطاق.و قد أشير إلى ذلك في آيات سورة الأعراف 31-33 و 42 و علّقنا عليه تعليقا يغني عن التّكرار.

و لقد أراد فريق من المؤمنين المخلصين نبذ الطّيّبات الّتي أحلّها اللّه زهدا و تورّعا و تقرّبا إلى اللّه،فنهاهم اللّه عن ذلك في آيات سورة المائدة:87،88،و قد كانوا تعاهدوا فيما بينهم و حلفوا،فأنزل اللّه هذه الآية

ص: 310

لإخراجهم من عهدة يمين حلفوها،بتحريم ما أحلّ اللّه على أنفسهم و لو كان تورّعا و زهدا.

و في سورة البقرة آية قرّرت أنّ اللّه لا يكلّف نفسا إلاّ وسعها،و أنّ الإنسان لا يسأل إلاّ عمّا صدر منه فعلا، و علّمت المسلمين الدّعاء للّه بعدم مؤاخذتهم بما يصدر عنهم من عمل مغاير لما أمر به بسائق النّسيان و الخطأ، و بعدم تكليفهم تكاليف شديدة و إلزامهم بإلزامات محرجة،كما كان شأن الّذين من قبلهم،و بعدم تحميلهم فوق طاقتهم.

و لقد روى المفسّرون (1)أحاديث في سياق هذه الآية تفيد أنّ اللّه سبحانه و تعالى قد قرّر أن يستجيب لهذا الدّعاء الّذي علّمهم إيّاه.و في سورة البقرة:185، في سياق آيات الصّيام هذه الجملة يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَ لا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ و في سورة المائدة:6 في سياق آيات الوضوء هذه الجملة ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ... حيث يتساوق بذلك التّلقين القرآنيّ الجليل الّذي انطوى في هذه الآية،كما هو ظاهر.

و لقد أثرت أحاديث نبويّة عديدة في هذا الباب أيضا،منها وصيّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لمعاذ و أبي موسى رضي اللّه عنهما حينما بعثهما إلى اليمن و هي«بشّرا و لا تنفّرا و يسّرا و لا تعسّرا».[ثمّ استشهد بأحاديث أخر و قال:]

و هكذا يكون التّساوق تامّا بين التّلقين القرآنيّ و التّلقين النّبويّ،و يصبح المعنى الّذي احتوته الجملة من المبادئ المحكمة في الإسلام.(7:126)

مغنيّة: هذا أصل من أصول الشّريعة الإسلاميّة تتجلّى فيه سعتها و لينها و مرونتها.و في الحديث:«إنّ دين اللّه يسر»لا عسر فيه و لا مشقّة،و هذا هو دين الفطرة،و قد فرّع الفقهاء على هذا الأصل العديد من الفتاوى و الأحكام في جميع أبواب الفقه،و اشتهر على ألسنتهم و في كتبهم:الضّرورات تبيح المحظورات، الضّرورة تقدّر بقدرها،الضّرر الأشدّ يزال بالضّرر الأخفّ،يتحمّل الضّرر الخاصّ لدفع ضرر عامّ.

و من أجلى مظاهر اليسر في الإسلام أنّه لم يقم بين الإنسان و خالقه أيّة واسطة،كما هو شأن الأديان الأخرى.(5:352)

الطّباطبائيّ: امتنان منه تعالى على المؤمنين بأنّهم ما كانوا لينالوا سعادة الدّين من عند أنفسهم؛و بحولهم غير أنّ اللّه منّ عليهم،إذ وفّقهم فاجتباهم و جمعهم للدّين،و رفع عنهم كلّ حرج في الدّين امتنانا،سواء كان حرجا في أصل الحكم أو حرجا طارئا عليه اتّفاقا،فهي شريعة سهلة سمحة،ملّة أبيهم إبراهيم الحنيف الّذي أسلم لربّه.(14:412)

عبد الكريم الخطيب :ثمّ إنّ هذه الرّسالة-رسالة الإسلام-مع ما فيها من دعوة إلى بذل النّفس و المال، بالجهاد-في سبيل اللّه-فإنّها رسالة قائمة على الرّحمة و العدل،ليس فيها حرج و مشقّة على أهلها؛إذ إنّ من أسسها العامّة أنّه لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها و إنّ كلّ إنسان يحمل من تكاليفها و أوامرها قدر ما يستطيع، و في هذا القدر تحقيق لأدنى المطلوب.

ففي باب الجهاد مثلا،يبدأ الجهاد بمجاهدة النّفس، و كفّها عن المحرّمات،و ردّها عن الأهواء و الشّهوات.ر.

ص: 311


1- انظر تفسير آية البقرة في تفسير ابن كثير.

و هذا و إن كان الجهاد الأكبر،كما سمّاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فإنّه قريب من كلّ إنسان،إنّه أقرب شيء إليه، لا يتكلّف له مالا،و لا يبذل له نفسا.و مع هذا فهو درجات،يبدأ بالكفّ عن الكبائر،و ينتهي بالانتهاء عن اللّمم و الصّغائر.

و من الجهاد مثلا:الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر، فهو مجاهدة بالقلب و باللّسان،لا بالنّفس و لا بالمال.

و في باب الجهاد كذلك:رفع اللّه الحرج عن الضّعفاء و المرضى،و أصحاب العاهات و نحوهم،و أعفاهم من الجهاد بأنفسهم،التّوبة:91.

و قل مثل هذا في جميع أوامر الشّريعة و أحكامها، إنّها شريعة قائمة على اليسر و رفع الحرج.[ثمّ استشهد بآيات و أحاديث](9:1106)

فضل اللّه :فقد أتاكم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالشّريعة السّمحة السّهلة،و بالدّين الّذي هو-في مجمله-يسر لا عسر فيه،فهو يتناسب مع الطّبيعة الإنسانيّة دون أن يحمل أيّ ضيق خارج عن استطاعة الإنسان و قدرته.و كلّ ما يحسبه الإنسان عسرا في هذه الشّريعة السّمحة،ما هو بعسر أو ضيق إلاّ لمن يهرب من مواجهة التّكليف بالالتزام الّذي يرفضه البعض،تخفّفا من قيود المسئوليّة مهما كانت.

و قد استفاد الفقهاء من هذه الفقرة قاعدة فقهيّة عامّة،تقضي بنفي الحرج في التّكاليف الّتي تستلزم الحرج؛و ذلك برفع الحكم الّذي يوقع المكلّف في ضيق فوق العادة،أو الّذي يتعلّق بفعل حرجيّ.و قد تحدّث الفقهاء بشكل تفصيليّ عن هذه القاعدة من حيث طبيعتها و مواردها و تفريعاتها،في ما اتّفقوا عليه من ذلك،أو في ما اختلفوا فيه.

و قد رأى بعضهم أنّ الاضطرار الّذي هو حدّ التّكليف الّذي ترتفع به المحرّمات،أو تسقط به الواجبات،هو بنفسه الحرج الّذي جاءت هذه الآية لرفعه،لأنّ الاضطرار المأخوذ حدّا للتّكليف ليس هو الاضطرار العقليّ الّذي تتوقّف عليه الحياة،بل هو الاضطرار العرفيّ الّذي تضيق به حركة الحياة في الواقع، و تفصيل ذلك موكول إلى محلّه.(16:126)

3- كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ... الأعراف:2

ابن عبّاس: فلا يقع في قلبك شكّ(منه)من القرآن أنّه ليس من اللّه.(124)

نحوه مجاهد و قتادة(الطّبريّ 8:116)،و السّدّيّ (257).

الضّحّاك: إثم.(الثّعلبيّ 4:215)

الحسن :الضّيق.(ابن الجوزيّ 3:165)

نحوه أبو العالية(الثّعلبيّ 4:215)،و مغنيّة(3:299).

الفرّاء: لا يضيق صدرك بالقرآن بأن يكذّبوك،و كما قال اللّه تبارك و تعالى: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ عَلى آثارِهِمْ إِنْ لَمْ يُؤْمِنُوا الكهف:6.(1:370)

نحوه أبو عبيدة(1:210)،و القمّيّ(1:223).

ابن قتيبة :الحرج:أصله الضّيق.و من الضّيق:

الشّكّ،كقول اللّه تعالى: فَلا يَكُنْ... أي شكّ،لأنّ الشّاكّ في الشّيء يضيق صدرا به.

ص: 312

و من الحرج:الإثم،قال تعالى: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ النّور:61،أي إثم، وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ التّوبة:91 أي إثم.

و أمّا الضّيق بعينه فقوله: ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ الحجّ:78،أي ضيق،و يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً و(حرجا)الأنعام:125.و منه الحرجة و هي الشّجر الملتفّ.(تأويل مشكل القرآن:484)

الطّبريّ: فلا يضق صدرك يا محمّد من الإنذار به من أرسلتك لإنذاره به،و إبلاغه من أمرتك بإبلاغه إيّاه، و لا تشكّ في أنّه من عندي،و اصبر بالمضيّ لأمر اللّه، و اتّباع طاعته فيما كلّفك و حمّلك من أثقال النّبوّة،كما صبر أولو العزم من الرّسل،فإنّ اللّه معك.

و الحرج:هو الضّيق في كلام العرب،و قد بيّنّا معنى ذلك بشواهده و أدلّته في قوله: ضَيِّقاً حَرَجاً بما أغنى عن إعادته.

و قال أهل التّأويل في ذلك:...لا تكن في شكّ منه.

[إلى أن قال:]

و هذا الّذي ذكرته من التّأويل عن أهل التّأويل:هو معنى ما قلنا في الحرج،لأنّ الشّكّ فيه لا يكون إلاّ من ضيق الصّدر به،و قلّة الاتّساع لتوجيهه وجهته،الّتي هي وجهته الصّحيحة.و إنّما اخترنا العبارة عنه بمعنى الضّيق،لأنّ ذلك هو الغالب عليه من معناه في كلام العرب.(8:116)

الزّجّاج: فمعنى الحرج:الضّيق،و فيه وجهان:

أحدهما:أن يكون لا يضق صدرك بالإبلاغ و لا تخافنّ، لأنّه يروى عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«ربّ إنّي أخاف أن يثلغوا رأسي فيجعلوه كالخبزة»،فأعلم اللّه عزّ و جلّ أنّه في أمان منهم،فقال: وَ اللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النّاسِ المائدة:67،و قال: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ أي فلا يضيقنّ صدرك من تأدية ما أرسلت به.

و قيل أيضا:فلا تشكّنّ فيه،و كلا التّفسيرين له وجه،فأمّا تأويل فلا تشكّنّ،و تأويل: فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ البقرة:147،و تأويل: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ... يونس:94،فإنّ ما خوطب به صلّى اللّه عليه و سلّم فهو خطاب لأمّته،فكأنّه بمنزلة«فلا تشكّوا و لا ترتابوا».(2:315)

نحوه شبّر.(2:345)

عبد الجبّار: و ربّما قيل في: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ كيف يصحّ أن يقول لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و الحرج هو الشّكّ،و الشّكّ لا يجوز عليه في القرآن؟

و جوابنا:أنّ ذلك نهي،و قد ينهاه عزّ و جلّ عن المعلوم أنّه لا يقع،كما قال: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ الزّمر:65،و بعد فليس الحرج هو الشّكّ، فيحتمل أن يريد به:لا يكن في صدرك الضّيق من القيام بأداء القرآن و إبلاغه،و لذلك قال بعده: لِتُنْذِرَ بِهِ وَ ذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ و إذا بعثه اللّه تعالى على الأداء و توعّده على تركه،فغيره بذلك أولى.

(تنزيه القرآن عن المطاعن:143)

الثّعالبيّ: و قيل:معناه لا أطبّق قلبك بإنذار من أرسلتك بإنذاره،و إبلاغ من أمرتك بإبلاغه إيّاه.

(4:215)

نحوه الواحديّ(2:348)،و الخازن(2:172).

الماورديّ: و في«الحرج»هاهنا ثلاثة أقاويل:

ص: 313

أحدها:أنّه الضّيق،قاله الحسن،و هو أصله.[ثمّ استشهد بشعر]

و يكون معناه:فلا يضيق صدرك خوفا ألاّ تقوم بحقّه.

و الثّاني:أنّ الحرج هنا الشّكّ...و معناه:فلا تشكّ فيما يلزمك فيه،فإنّما أنزل إليك لتنذر به.

و الثّالث:[قول الفرّاء](2:199)

الطّوسيّ: و قوله: فَلا... يحتمل دخول الفاء وجهين:أحدهما:أن يكون عطفا،و تقديره:إذا كان أنزل إليك لتنذر به،فلا يكن في صدرك حرج منه (1)، فيكون محمولا على معنى«إذا»و صيغة النّهي و إن كان متناولا للحرج،فالمعنيّ به المخاطب،نهي عن التّعرّض للحرج،و جاز ذلك لظهور المعنى أنّ الحرج لا ينتهي، و كان مخرج له بردّه إلى نهي المخاطب أبلغ،لما فيه من أنّ الحرج لو كان ممّا ينهى له لنهيناه عنك،فانته أنت عنه بترك التّعرّض له.[ثمّ ذكر مثل الماورديّ](4:368)

الرّاغب: قيل:هو نهي،و قيل:هو دعاء،و قيل:

هو حكم منه،نحو: أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ و المنحرج و المنحوب:المتجنّب من الحرج و الحوب.

(113)

البغويّ: قال مجاهد:شكّ،فالخطاب للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و المراد به الأمّة.و قال أبو العالية:حرج أي ضيق،معناه:

لا يضيق ما أرسلت به.(2:180)

الزّمخشريّ: أي شكّ منه،كقوله: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ و سمّي الشّكّ حرجا،لأنّ الشّاكّ ضيّق الصّدر حرجه،كما أنّ المتيقّن منشرح الصّدر منفسحه:أي لا تشكّ في أنّه منزل من اللّه و لا تحرج من تبليغه،لأنّه كان يخاف قومه و تكذيبهم له و إعراضهم عنه و أذاهم،فكان يضيق صدره من الأداء و لا ينبسط له،فأمّنه اللّه و نهاه عن المبالاة بهم.(2:65)

مثله النّسفيّ(2:44)،و نحوه الشّربينيّ(1:462)، و الكاشانيّ(2:179)،و القاسميّ(7:2609)،و جعفر شرف الدّين(3:115).

ابن عطيّة: ثمّ نهي النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أن يبرم أو يستصحب من هذا الكتاب أو بسبب من أسبابه حرجا، و لفظ النّهي هو للحرج و معناه للنّبيّ عليه السّلام.و أصل الحرج:

الضّيق،و منه الحرجة:الشّجر الملتفّ الّذي قد تضايق.

و«الحرج»هاهنا يعمّ الشّكّ و الخوف و الهمّ و كلّ ما يضيق الصّدر،و بحسب سبب الحرج يفسّر الحرج هاهنا،و تفسيره بالشّكّ قلق،و الضّمير في(منه)عائد على الكتاب،أي بسبب من أسبابه.و(من)هاهنا لابتداء الغاية،و قيل:يعود على التّبليغ الّذي يتضمّنه معنى الآية،و قيل:على الابتداء.

و هذا التّخصيص كلّه لا وجه له؛إذ اللّفظ يعمّ الجهات الّتي هي من سبب الكتاب و لأجله،و ذلك يستغرق التّبليغ و الإنذار،و تعرّض المشركين، و تكذيب المكذّبين،و غير ذلك.(2:372)

الطّبرسيّ: دخول الفاء فيه يحتمل وجهين:

أحدهما:أن تكون عاطفة جملة على جملة، و تقديره:هذا كتاب أنزلناه إليك فلا يكن بعد إنزاله في صدرك حرج.ظ.

ص: 314


1- سقط من التّبيان صدر الوجه الثّاني،و الصّحيح ما في مجمع البيان فلاحظ.

و الآخر:أن يكون جوابا،و تقديره:إذا كان أنزل إليك الكتاب لتنذر به...[فأدام نحو الزّجّاج](2:395)

الفخر الرّازيّ: و في تفسير الحرج قولان:الأوّل:

الحرج:الضّيق،و المعنى:لا يضيق صدرك بسبب أن يكذّبوك في التّبليغ.و الثّاني:[نحو الزّمخشريّ]

(14:16)

الرّازيّ: فإن قيل:النّهي في: فَلا يَكُنْ...

متوجّه إلى الحرج فما وجهه؟

قلنا:هو من باب قولهم:«لا أرينّك هنا»،معناه:

لا تقم هنا فإنّك إن أقمت رأيتك،فمعنى الآية:فكن على يقين منه و لا تشكّ فيه،لأنّ المراد بالحرج:الشّكّ.

(92)

القرطبيّ: (حرج)أي ضيق،أي لا يضيق صدرك بالإبلاغ،لأنّه روي عنه عليه السّلام أنّه قال:«إنّي أخاف أن يثلغوا رأسي فيدعوه خبزة»الحديث،خرّجه مسلم.

قال الكيا:فظاهره النّهي،و معناه نفي الحرج عنه، أي لا يضيق صدرك ألاّ يؤمنوا به،فإنّما عليك البلاغ، و ليس عليك سوى الإنذار به من شيء من إيمانهم أو كفرهم،و مثله لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ الشّعراء:3.

و مذهب مجاهد و قتادة أنّ الحرج هنا الشّكّ،و ليس هذا شكّ الكفر و إنّما هو شكّ الضّيق،و كذلك: وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ الحجر:97.

و قيل:الخطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و المراد أمّته،و فيه بعد.

و الهاء في(منه)للقرآن،و قيل:للإنذار،أي أنزل إليك الكتاب لتنذر به،فلا يكن في صدرك حرج منه؛فالكلام فيه تقديم و تأخير،و قيل:للتّكذيب الّذي يعطيه قوّة الكلام،أي فلا يكن في صدرك ضيق من تكذيب المكذّبين له.(7:160)

البيضاويّ: أي شكّ،فإنّ الشّاكّ حرج الصّدر أو ضيّق قلب من تبليغه،مخافة أن تكذّب فيه أو تقصّر في القيام بحقّه.و توجيهه النّهي إليه للمبالغة،كقولهم:

«لا أرينّك هاهنا»،و الفاء تحتمل العطف.و الجواب:

فكأنّه قيل:إذا أنزل إليك لتنذر به فلا يحرج صدرك منه.

(1:341)

النّيسابوريّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و توجّه النّهي إلى الحرج،كقولهم:«لا أرينّك هاهنا».

و المراد نهيه عن السّكون بحضرته،فإنّ ذلك سبب رؤيته،و مثله وَ لْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً التّوبة:123، ظاهره أمر للمشركين،و إنّه في الحقيقة أمر للمؤمنين بأن يغلظوا على المشركين.(8:69)

أبو حيّان :و فسّر الحرج هنا بالشّكّ،و هو تفسير قلق.[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ و الماورديّ إلى أن قال:]

و قيل:الحرج هنا الخوف،أي لا تخف منهم و إن كذّبوك و تمالئوا عليك.قالوا:و يحتمل أن يكون الخطاب له و لأمّته.و الظّاهر أنّ الضّمير في(منه)عائد على «الكتاب»،و قيل:على التّبليغ الّذي تضمّنه المعنى، و قيل:على التّكذيب الّذي دلّ عليه المعنى،و قيل:على الإنزال،و قيل:على الإنذار.[ثمّ ذكر قول ابن عطيّة]

(4:266)

أبو السّعود :أي شكّ،كما في فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ يونس:94،خلا أنّه عبّر عنه بما

ص: 315

يلازمه من الحرج،فإنّ الشّاكّ يعتريه ضيق الصّدر كما أنّ المتيقّن يعتريه انشراحه و انفساحه،مبالغة في تنزيه ساحته عليه الصّلاة و السّلام،و ما قد يقع من نسبته إليه في ضمن النّهي،فعلى طريقة التّهيّج و الإلهاب و المبالغة في التّنفير و التّحذير بإيهام أنّ ذلك من القبح و الشّرّيّة؛ بحيث ينهى عنه من لا يمكن صدوره عنه أصلا،فكيف بمن يمكن ذلك منه.

و التّنوين للتّحقير،و الجرّ في(منه)متعلّق ب(حرج) يقال:حرج منه،أي ضاق به صدره،أو بمحذوف وقع صفة به،أي حرج كائن منه،أي لا يكن فيك ما في حقّيّته،أو في كونه كتابا منزلا إليك من عنده تعالى.

فالفاء على الأوّل لترتيب النّهي أو الانتهاء على مضمون الجملة،فإنّه ممّا يوجب انتفاء الشّكّ فيما ذكر بالكلّيّة و حصول اليقين به قطعا.و أمّا على الثّاني فهي لترتيب ما ذكر على الإخبار بذلك لا على نفسه،فتدبّر.

و توجيه النّهي إلى الحرج مع أنّ المراد نهيه عليه الصّلاة و السّلام عنه:إمّا لما مرّ من المبالغة في تنزيهه عليه الصّلاة و السّلام عن الشّكّ فيما ذكر،فإنّ النّهي عن الشّيء ممّا يوهم إمكان صدور المنهيّ عنه عن المنهيّ.

و إمّا للمبالغة في النّهي،فإنّ وقوع الشّكّ في صدره عليه الصّلاة و السّلام سبب لاتّصافه عليه الصّلاة و السّلام به،و النّهي عن السّبب نهي عن المسبّب بالطّريق البرهانيّ،و نفي له من أصله بالمرّة،كما في وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ المائدة:2،و ليس هذا من قبيل:«لا أرينّك هاهنا»،فإنّ النّهي هناك وارد على المسبّب مراد به النّهي عن السّبب،فيكون المآل نهيه عليه الصّلاة و السّلام عن تعاطي ما يورث الحرج، فتأمّل.

و قيل:الحرج على حقيقته،أي لا يكن فيك ضيق صدر من تبليغه مخافة أن يكذّبوك،و أن تقصّر في القيام بحقّه،فإنّه عليه الصّلاة و السّلام كان يخاف تكذيب قومه له و إعراضهم عنه،فكان يضيق صدره من الأداء و لا ينبسط له،فآمنه اللّه تعالى و نهاه عن المبالاة بهم.

فالفاء حينئذ للتّرتيب على مضمون الجملة أو على الإخبار به،فإنّ كلاّ منهما موجب للإقدام على التّبليغ و زوال الخوف قطعا،و إن كان إيجابه الثّاني بواسطة الأوّل.(2:472)

نحوه ملخّصا البروسويّ.(3:134)

الآلوسيّ: أي شكّ،كما قال ابن عبّاس و غيره.

و أصله:الضّيق،و استعماله في ذلك مجاز-كما في «الأساس»-علاقته اللّزوم،فإنّ الشّاكّ يعتريه ضيق الصّدر كما أنّ المتيقّن يعتريه انشراحه و انفساحه.

و القرينة المانعة هو امتناع حقيقة الحرج و الضّيق من الكتاب،و إن جوّزتها فهو كناية.و على التّقديرين هو قد صار حقيقة عرفيّة في ذلك كما قاله بعض المحقّقين.

و جوّز أن يكون باقيا على حقيقته لكن في الكلام مضاف مقدّر كخوف عدم القبول و التّكذيب،فإنّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان يخاف قومه و تكذيبهم و إعراضهم عنه و أذاهم له، و يشهد لهذا التّأويل: فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ هود:12،و للأوّل: فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ البقرة:147،و قد يقال:إنّه كناية عن

ص: 316

الخوف،و الخوف كما يقع على المكروه يقع على سببه.

[ثمّ ذكر نحو أبي السّعود في«توجيه النّهي إلى الحرج»و أضاف:]

و الّذي ذهب إليه بعض المحقّقين:أنّ المراد نهي المخاطب عن التّعرّض للحرج بطريق الكناية،و أنّه من قبيل:«لا أرينّك هاهنا»في ذلك،لما أنّ عدم كون الحرج في صدره من لوازم عدم كونه متعرّضا للحرج،كما أنّ عدم الرّؤية من لوازم عدم الكون هاهنا،فالنّافي لكونه من قبيل ذلك إن أراد الفرق بينهما،باعتبار أنّ المراد في أحدهما النّهي عن السّبب و المراد المسبّب و في الآخر بالعكس،فلا ضير فيه.و لهذا عبّر البعض باللّزوم دون السّببيّة،و إن أراد أنّه ليس من الكناية أصلا فباطل.نعم جوّز أن يكون من المجاز،و المشهور أنّ الدّاعي لهذا التّأويل أنّ الظّاهر يستدعي نهي الحرج عن الكون في الصّدر،و الحرج ممّا لا ينهى و له وجه وجيه فليفهم.

و الجملة على تقدير كون الحرج حقيقة-كما يفهمه كلام«الكشّاف»-كناية عن عدم المبالات بالأعداء.

و أيّا ما كان فالتّنوين في(حرج)للتّحقير،و(من)متعلّقة بما عندها أو بمحذوف وقع صفة له،أي حرج ما كائن منه.و الفاء تحتمل العطف إمّا على مقدّر،أي بلّغه فلا يكن في صدرك إلخ،و إمّا على ما قبله بتأويل الخبر بالإنشاء أو عكسه،أي تحقّق إنزاله من اللّه تعالى إليك، أو لا ينبغي لك الحرج،و تحتمل الجواب كأنّه قيل:إذا أنزل إليك فلا يكن إلخ.

و قال الفرّاء:إنّها اعتراضيّة،و قال بعض المشايخ:

هي لترتيب النّهي أو الانتهاء على مضمون الجملة إن كان المراد لا يكن في صدرك شكّ ما في حقّيّته،فإنّه ممّا يوجب انتفاء الشّكّ فيما ذكر بالكلّيّة و حصول اليقين به قطعا،و لترتيب ما ذكر على الإخبار بذلك لا على نفسه إن كان المراد لا يكن فيه شكّ في كونه كتابا منزّلا إليك.

و للتّرتيب على مضمون الجملة أو على الإخبار به إذا كان المراد لا يكن فيك ضيق صدر من تبليغه،مخافة أن يكذّبوك أو أن تقصّر في القيام بحقّه،فإنّ كلاّ منهما موجب للإقدام على التّبليغ و زوال الخوف قطعا و إن كان إيجاب الثّاني بواسطة الأوّل.و لا يخفى ما في أوسط هذه الشّقوق من النّظر،فتدبّر.(8:75)

رشيد رضا :حرج الصّدر:ضيقه و غمّه،و هو من «الحرجة»الّتي هي مجتمع الشّجر المشتبك الملتفّ الّذي لا يجد السّالك فيه سبيلا واضحا ينفذ منه،أو الّذي لا يقبل الزّيادة كما قال الرّاغب.

و قد فسّر الحرج هنا بمعناه اللّغويّ و روي عن الضّحّاك.و روي عن ابن عبّاس و مجاهد تفسيره بالشّكّ، كما في«الدّرّ المنثور»،و عزاه ابن كثير إلى مجاهد و قتادة.

و وجّهوه بأنّ الشّكّ ضرب من ضروب حرج الصّدر و ضيق القلب.و تقدّم تفسير مثله في الأنعام:124.

و قال الرّاغب في هذه الجملة:قيل:هي نهي،و قيل:

دعاء،و قيل:حكم منه نحو أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ انتهى.

و النّهي أو الدّعاء عن أمر يتعلّق بالمستقبل دليل على أنّه مظنّة الوقوع في نفسه،و بحسب سنن اللّه و نظام الأسباب في خلقه،و الأمر هنا كذلك،إلاّ أن يحول دون وقوعه مانع كعناية اللّه و تأييده،فإنّ هذا القرآن أمر

ص: 317

عظيم بل هو أعظم شأن بين اللّه تعالى و بين عباده،و قد كان في أوّل ما نزل منه قوله عزّ و جلّ: إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً ثمّ نزل في تفسيره: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللّهِ وَ تِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ الحشر:21.

و كان ينزل على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في اليوم الشّديد البرد فيفصم عنه الوحي و هو يتفصّد عرقا،و كان يكاد يهيم بشدّة وقعه و عظم تأثيره حتّى كاد يلقي بنفسه من شاهق الجبل (1)،و أيّ قلب يحتمل و صدر يتّسع لكلام اللّه العظيم،ينزل به عليه الرّوح الأمين،إذا لم يتولّ سبحانه بفضله شرحه،و إعانته على حمله،و هو ما امتنّ به على رسوله بقوله: أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ* وَ وَضَعْنا عَنْكَ وِزْرَكَ* اَلَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ فهذا وجه مظنّة وقوع الحرج بمعناه اللّغويّ الأصليّ بالنّسبة إلى الرّسول نفسه، و كونه تعالى صرفه عنه بشرحه لصدره،و يصحّ فيه أن يكون النّهي تكوينيّا.

و له وجه آخر باعتبار تبليغه إيّاه،فإنّه صلّى اللّه عليه و سلّم كلّف به هداية الثّقلين،و إصلاح أهل الخافقين،و من المتوقّع المعلوم بالبداهة أنّ المتصدّي لذلك لا بدّ أن يلقى أشدّ الإيذاء و المقاومة،و الطّعن في كتاب اللّه،و الإعراض عن آيات اللّه،و هي أسباب لضيق الصّدر،كما قال تعالى في آخر سورة الحجر:97: وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ و في آخر سورة النّحل:127،بعدها:

وَ اصْبِرْ وَ ما صَبْرُكَ إِلاّ بِاللّهِ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ لا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ و مثله في سورة النّمل.و قال تعالى في أوائل سورة هود:12 فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ أَنْ يَقُولُوا لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ إِنَّما أَنْتَ نَذِيرٌ وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ.

و المراد من النّهي (2)عن أمر طبعيّ كهذا الاجتهاد في مقاومته،و التّسلّي عنه بوعد اللّه،و التّأسّي بمن سبق من رسله عليهم السّلام.

فهذان الوجهان الوجيهان،من تفسير القرآن بالقرآن،ينافيان ما روي من تفسير الحرج بالشّكّ، و يغنيان عمّا تمحّله المفسّرون في توجيهه بالتّأويل الشّبيه بالمحك،و ما أكثر ما روي في التّفسير بصحيح حتّى بالغ الإمام أحمد،فقال:لا يصحّ فيه شيء،و ما كلّ ما صحّ منه مقبول،إلاّ إذا صحّ رفعه إلى المعصوم صلّى اللّه عليه و آله.

و أمّا قوله تعالى في سورة يونس:94: فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ فهو على سبيل فرض المحال،المألوف في أمثال هذه المواضع و المحالّ،و شرط(إن)لا يقتضي الوقوع بحال من الأحوال.و مثله في هذه السّورة قوله تعالى بعد نهيه صلّى اللّه عليه و سلّم عن دعاء غير اللّه: فَإِنْ فَعَلْتَ فَإِنَّكَ إِذاً مِنَ الظّالِمِينَ يونس:106،و قوله في غيرها: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ الزّخرف:81، و في ابن جرير و غيره أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال في آية يونس:

«لا أشكّ و لا أسأل».(8:303)

سيّد قطب :يصوّر حالة واقعيّة لا يمكن أن يدركها اليوم إلاّ الّذي يعيش في جاهليّة،و هو يدعو إلىه.

ص: 318


1- كذا جاء في رواية أنكرها المحقّقون.
2- كذا،و الظّاهر:منه.

الإسلام،و يعلم أنّه إنّما يستهدف أمرا هائلا ثقيلا،دونه صعاب جسام،يستهدف إنشاء عقيدة و تصوّر،و قيم و موازين،و أوضاع و أحوال مغايرة تمام المغايرة لما هو كائن في دنيا النّاس.

و يجد من رواسب الجاهليّة في النّفوس،و من تصوّرات الجاهليّة في العقول،و من قيم الجاهليّة في الحياة،و من ضغوطها في الأوضاع و الأعصاب،ما يحسّ معه أنّ كلمة الحقيقة الّتي يحملها غريبة على البيئة،ثقيلة على النّفوس،مستنكرة في القلوب،كلمة ذات تكاليف بقدر ما تعنيه من الانقلاب الكامل،لكلّ ما يعهده النّاس في جاهليّتهم من التّصوّرات و الأفكار،و القيم و الموازين،و الشّرائع و القوانين،و العادات و التّقاليد، و الأوضاع و الارتباطات.

و من ثمّ يجد في صدره هذا الحرج من مواجهة النّاس بذلك الحقّ الثّقيل،الحرج الّذي يدعو اللّه سبحانه نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم ألاّ يكون في صدره من هذا الكتاب شيء منه، و أن يمضي به و ينذر و يذكّر،و لا يحفل ما تواجهه كلمة الحقّ من دهشة و استنكار،و من مقاومة كذلك و حرب و عناء.(3:1246)

عزّة دروزة :حرج:ضيق و غمّ،و قيل:شكّ.

و بعض المفسّرين أوّلوا جملة فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ بمعنى لا يضق صدرك بتلاوته و تبليغه للنّاس و إنذارهم به،و هو الأوجه.[إلى أن قال:]

و لقد تكرّر في القرآن نهي النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عن الاستشعار بضيق الصّدر من تبليغ آيات اللّه،و من ذلك ما جاء في آية:12،من سورة هود هذه فَلَعَلَّكَ تارِكٌ... وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ و قد احتوت الآية تثبيتا مثل التّثبيت الّذي احتوته الآيات الّتي نحن في صددها.

و لقد حكت آيات عديدة مرّت أمثلة منها ما كان من مواقف النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم القويّة الجريئة في مواجهة طواغيت الكفّار،كما حكت آيات عديدة ما كان من عمق إيمانه برسالته و استغراقه فيها،مثل آية:19،من سورة الأنعام هذه قُلْ أَيُّ شَيْءٍ... مِمّا تُشْرِكُونَ، و آية:8،من سورة الأحقاف هذه أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ... وَ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

حيث يتبادر من ذلك أنّ ذلك ليس بسبيل بيان كون صدر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يضيق فعلا بتبليغ القرآن للنّاس،لأنّه قد بلغ المرتبة الّتي خلصت نفسه بها من كلّ تردّد أو نفاد صبر أو ضيق صدر:بإعلان ما يوحى إليه أو شبهة في علوّ كلمة اللّه في النّهاية.و إنّما كان يعتلج في نفسه همّ و حزن دائمان،بسبب وقوف الزّعماء موقف العناد و المناوأة و الصّدّ،و انكماش أكثريّة النّاس عن دعوته نتيجة لذلك،على شدّة حرصه على هدايتهم،فكانت حكمة التّنزيل تقتضي موالاته بالتّثبيت و التّهوين،على ما شرحناه في سياق تفسير سورة«ق»،و العبارة هنا من هذا الباب.(2:114)

الطّباطبائيّ: كأنّه قيل:هذا كتاب مبارك يقصّ آيات اللّه،أنزله إليك ربّك فلا يكن في صدرك حرج منه، كما أنّه لو كان كتابا غير الكتاب و ألقاه إليك ربّك،لكان من حقّه أن يتحرّج و يضيق منه صدرك،لما في تبليغه و دعوة النّاس إلى ما يشتمل عليه من الهدى من المشاقّ و المحن.(8:7)

ص: 319

مكارم الشّيرازيّ: و الحرج في اللّغة:يعني الشّعور بالضّيق،و أيّ نوع من أنواع المعاناة،و الحرج في الأصل:يعني مجتمع الشّجر الملتفّ أوّلا ثمّ المنتشر،و هو يطلق على كلّ نوع من أنواع الضّيق.

هذه العبارة تسلّي النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و تطمئنّ خاطره،بأنّ هذه الآيات نازلة من جانب اللّه تعالى،فيجب أن لا يشعر صلّى اللّه عليه و آله بأيّ ضيق و حرج،لا من ناحية ثقل الرّسالة الملقاة على عاتقه،و لا من ناحية ردود فعل المعارضين و الأعداء الألدّاء تجاه دعوته،و لا من ناحية النّتيجة المتوقّعة من تبليغه و دعوته.

هذا و يمكن إدراك المشكلات الّتي كانت تعرقل حركة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إدراكا كاملا إذا عرفنا أنّ هذه السّورة من السّور المكّيّة،و نحن و إن كنّا نعجز عن الوقوف على جميع الجزئيّات و التّفاصيل المرتبطة بحياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله و صحبه في المحيط المكّيّ،و في مطلع الدّعوة الإسلاميّة،و نعجز عن تصوّرها في أذهاننا كما هي، و على ما هي و لكن مع الالتفات إلى حقيقة أنّه كان عليه صلّى اللّه عليه و آله أن يقوم بنهضة ثوريّة في جميع المجالات، و الأصعدة في تلك البيئة المتخلّفة جدّا في مدّة قصيرة، يمكن أن نتصوّر أبعاد و أنواع المشكلات الّتي كانت تنتظره،و لو على نحو الإجمال.

و على هذا الأساس يكون من الطّبيعيّ أن يعمد اللّه سبحانه إلى تسلية النّبيّ و تطمينه بأن لا يشعر بالضّيق و الحرج،و أن يطمئنّ إلى نتيجة جهوده.(4:515)

نحوه فضل اللّه.(10:14)

4- لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ... النّور:61

عائشة: كان المسلمون يوعبون في النّفير مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فكانوا يدفعون مفاتيحهم إلى ضمنائهم، و يقولون:إن احتجتم فكلوا،فيقولون:إنّما أحلّوه لنا عن غير طيب نفس،فأنزل اللّه جلّ و عزّ: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ.... [ثمّ حكى عن النّحّاس تفسير لغات الحديث و منه:«يوعبون»أي يخرجون بأجمعهم في المغازي.و الضّمني»هم«الزّمني»واحدهم ضمن مثل زمن.ثمّ قال:]

قال النّحّاس: و هذا القول-يعني قول عائشة-من أجلّ ما روي في الآية،لما فيه عن الصّحابة و التّابعين من التّوقيف أنّ الآية نزلت في شيء بعينه.

القرطبيّ 12:312)

مثله الزّهريّ.(الطّبريّ 18:169)،و نحوه ابن المسيّب(الواحديّ 3:329).

ابن عبّاس: مأثم.(299)

لمّا أنزل اللّه يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ النّساء:29،فقال المسلمون:إنّ اللّه قد نهانا أن نأكل أموالنا بيننا بالباطل،و الطّعام من أفضل الأموال،فلا يحلّ لأحد منّا أن يأكل عند أحد،فكفّ النّاس عن ذلك،فأنزل اللّه بعد ذلك لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ إلى قوله: أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ.

(الطّبريّ 18:168)

إنّ الأنصار كانوا يتحرّجون أن يؤاكلوا هؤلاء إذا دعوا إلى طعام،فيقولون:الأعمى لا يبصر أطيب الطّعام،و الأعرج لا يستطيع الزّحام عند الطّعام،

ص: 320

و المريض يضعف عن مشاركة الصّحيح في الطّعام، و كانوا يقولون:طعامهم مفرد،و يرون أنّه أفضل من أن يكونوا شركاء،فأنزل اللّه هذه الآية فيهم،و رفع الحرج عنهم في مؤاكلتهم.

مثله الضّحّاك و الكلبيّ.(الماورديّ 4:123)

إنّ أهل هذه الأعذار تحرّجوا في الأكل مع النّاس لأجل عذرهم،فنزلت الآية مبيحة لهم.

(ابن عطيّة 4:195)

سعيد بن جبير: كان العرجان و العميان يتنزّهون عن مؤاكلة الأصحّاء،لأنّ النّاس يتقزّزون منهم و يكرهون مؤاكلتهم،و كان أهل المدينة لا يخالطهم في طعامهم أعمى و لا أعرج و لا مريض تقزّزا،فأنزل اللّه سبحانه هذه الآية.

مثله الضّحّاك و مقسم.(الثّعلبيّ 7:118)

مجاهد :كان الرّجل يذهب بالأعمى و المريض و الأعرج إلى بيت أبيه،أو إلى بيت أخيه أو عمّه،أو خاله أو خالته،فكان الزّمني-جمع زمن-يتحرّجون من ذلك،يقولون:إنّما يذهبون بنا إلى بيوت غيرهم،فنزلت هذه الآية رخصة لهم.(الطّبريّ 18:169)

الحسن :ليس عليهم حرج في التّخلّف عن الجهاد.

مثله ابن زيد و الجبّائيّ.(الطّوسيّ 7:462)

عكرمة :كانت الأنصار في أنفسها قزازة،و كانت لا تأكل من هذه البيوت إذا استغنوا.(الزّمخشريّ 3:76)

مثله قتادة.(الفخر الرّازيّ 24:35)

السّدّيّ: كان الرّجل يدخل بيت أبيه أو بيت أخيه أو أخته فتتحفه المرأة بشيء من الطّعام فيتحرّج،لأنّه ليس ثمّ ربّة البيت،فأنزل اللّه تعالى هذه الرّخصة.

(الفخر الرّازيّ 24:169)

ابن زيد :هذا في الجهاد في سبيل اللّه.

(الطّبريّ 18:169)

الفرّاء: كانت الأنصار يتنزّهون عن مؤاكلة الأعمى و الأعرج و المريض،و يقولون:نبصر طيّب الطّعام و لا يبصره فنسبقه إليه،و الأعرج لا يستمكن من القعود فينال ما ينال الصّحيح،و المريض يضعف عن الأكل؛فكانوا يعزلونهم،فنزل:ليس عليكم في مؤاكلتهم حرج.و«في»تصلح مكان(على)هاهنا،كما تقول:ليس على صلة الرّحم و إن كانت قاطعة إثم، و ليس فيها إثم،لا تبالي أيّهما قلت.(2:261)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في هذه الآية،في المعنى الّذي أنزلت فيه،فقال بعضهم:أنزلت هذه الآية ترخيصا للمسلمين في الأكل مع العميان و العرجان و المرضى و أهل الزّمانة من طعامهم،من أجل أنّهم كانوا قد امتنعوا من أن يأكلوا معهم من طعامهم،خشية أن يكونوا قد أتوا بأكلهم معهم من طعامهم،شيئا ممّا نهاهم اللّه عنه بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا....

فمعنى الكلام على تأويل هؤلاء:ليس عليكم أيّها النّاس في الأعمى حرج،أن تأكلوا منه و معه،و لا في الأعرج حرج،و لا في المريض حرج،و لا في أنفسكم،أن تأكلوا من بيوتكم،فوجّهوا معنى(على)في هذا الموضع إلى معنى«في».

و قال آخرون:بل نزلت هذه الآية ترخيصا لأهل الزّمانة،في الأكل من بيوت من سمّى اللّه في هذه الآية،

ص: 321

لأنّ قوما كانوا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،إذا لم يكن عندهم في بيوتهم ما يطعمونهم،ذهبوا بهم إلى بيوت آبائهم و أمّهاتهم،أو بعض من سمّى اللّه في هذه الآية، فكان أهل الزّمانة يتخوّفون من أن يطعموا ذلك الطّعام، لأنّه أطعمهم غير ملكه.

و قال آخرون:بل نزلت ترخيصا لأهل الزّمانة الّذين وصفهم اللّه في هذه الآية،أن يأكلوا من بيوت من خلّفهم في بيوته من الغزاة.

و قال آخرون:بل عنى بقوله: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ... في التّخلّف عن الجهاد في سبيل اللّه،قالوا:

و قوله: وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ كلام منقطع عمّا قبله.

و قال آخرون:بل نزلت هذه الآية ترخيصا للمسلمين الّذين كانوا يتّقون مؤاكلة أهل الزّمانة في مؤاكلتهم إذا شاءوا ذلك.

و أشبه الأقوال الّتي ذكرنا في تأويل قوله: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ إلى قوله: أَوْ صَدِيقِكُمْ القول الّذي ذكرنا عن الزّهريّ،عن عبيد اللّه بن عبد اللّه؛ و ذلك أنّ أظهر معاني قوله: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ... أنّه لا حرج على هؤلاء الّذين سمّوا في هذه الآية،أن يأكلوا من بيوت من ذكره اللّه فيها،على ما أباح لهم من الأكل منها،فإذا كان ذلك أظهر معانيه،فتوجيه معناه إلى الأغلب الأعرف من معانيه أولى من توجيهه إلى الأنكر منها،فإذ كان ذلك كذلك،كان ما خالف من التّأويل قول من قال:معناه:ليس في الأعمى و الأعرج حرج أولى بالصّواب.

و كذلك أيضا الأغلب من تأويل قوله: وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ... أنّه بمعنى:و لا عليكم أيّها النّاس.ثمّ جمع هؤلاء و الزّمنى الّذين ذكرهم قبل في الخطاب،فقال:أن تأكلوا من بيوت أنفسكم،و كذلك تفعل العرب إذا جمعت بين خبر الغائب و المخاطب،غلّبت المخاطب،فقالت:أنت و أخوك قمتما،و أنت و زيد جلستما،و لا تقول:أنت و أخوك جلسا،و كذلك قوله: وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ و الخبر عن الأعمى و الأعرج و المريض،غلّب المخاطب،فقال:أن تأكلوا،و لم يقل:أن يأكلوا.(18:168)

الزّجّاج: الحرج في اللّغة:الضّيق،و معناه في الدّين الإثم.[ثمّ ذكر خلاصة من أقوال المفسّرين و قال:]

و جميع ما ذكروا جيّد بالغ إلاّ ما ذكروا من ترك المؤاكلة تقزّزا،فإنّي لا أدري كيف هو.(4:53)

عبد الجبّار:فمن قوّى ما يدلّ على بطلان قولهم بتكليف ما لا يطاق،لأنّه تعالى إذا أزال عنهم الضّيق و عذرهم بالتّأخير عن الجهاد للعذر الحاصل الّذي لا يمنع في الحقيقة من الجهاد،لكنّه يشقّ معه،فكيف يجوز أن يوجب في من لم يفعل ما لا يقدر عليه و لا سبيل له إلى فعله،العقاب الدّائم؟هذا ممّا لا يجوز أن يتصوّره أحد من العقلاء.(2:527)

الماورديّ: فيه خمسة أقاويل:[ثمّ ذكر أقوال ابن عبّاس و مجاهد و الزّهريّ و قال:]

الرّابع:أنّها نزلت في إسقاط الجهاد عمّن ذكروا من أهل الزّمانة.

الخامس:ليس على من ذكر من أهل الزّمانة حرج إذا دعي إلى وليمة.أن يأخذ معه قائده،و هذا قول عبد

ص: 322

الكريم.(4:122)

الطّوسيّ: و الحرج:الضّيق في الدّين،مشتقّ من:

الحرجة...نفى اللّه الحرج عن هؤلاء[الأعمى و الأعرج و المريض]لما يقتضيه حالهم من الآفات الّتي بهم ممّا تضيق على غيرهم.[ثمّ ذكر الأقوال المتقدّمة إلى أن قال:]

و قال الجبّائيّ: الآية منسوخة بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ... الأحزاب:53، و يقول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«لا يحلّ مال امرئ مسلم إلاّ عن طيب نفسه»و الّذي روي عن أهل البيت عليهم السّلام:أنّه لا بأس بالأكل لهؤلاء من بيوت من ذكرهم اللّه بغير إذنهم،قدر حاجتهم من غير إسراف.(7:462)

الواحديّ: ...و معنى الآية نفي الحرج عن الزّمنى في أكلهم من بيت أقاربهم أو بيت من يدفع إليهم المفتاح إذا خرج للغزو.(3:329)

الزّمخشريّ: [بعد نقله نحوا من الأحاديث و الأقوال السّابقة قال:]

فقيل:ليس على هؤلاء الضّعفاء حرج فيما تحرّجوا عنه،و لا عليكم أن تأكلوا من هذه البيوت؛و هذا كلام صحيح.

و كذلك إذا فسّر بأنّ هؤلاء ليس عليهم حرج في القعود عن الغزو.و لا عليكم أن تأكلوا من البيوت المذكورة،لالتقاء الطّائفتين في أنّ كلّ واحدة منهما منفيّ عنها الحرج،و مثال هذا:أن يستفتيك مسافر عن الإفطار في رمضان و حاجّ مفرد عن تقديم الحلق على النّحر،فقلت:ليس على المسافر حرج أن يفطر، و لا عليك يا حاجّ أن تقدّم الحلق على النّحر.(3:76)

ابن عطيّة: اختلف النّاس في المعنى الّذي رفع اللّه فيه الحرج عن الأصناف الثّلاثة،فظاهر الآية و أمر الشّريعة أنّ الحرج عنهم مرفوع في كلّ ما يضطرّهم إليه العذر،و تقتضي نيّتهم الإتيان فيه بالأكمل،و يقتضي العذر أن يقع منهم الأنقص،فالحرج مرفوع عنهم في هذا.(4:195)

ابن الجوزيّ: في سبب نزولها خمسة أقوال:[و قد ذكر الأقوال السّابقة عن الصّحابة و التّابعين ثمّ قال:]

فعلى القول الأوّل[لابن عبّاس]يكون معنى الآية:

ليس عليكم في الأعمى حرج أن تأكلوا معه،و لا في الأعرج،و تكون(على)بمعنى«في»ذكره ابن جرير.

و كذلك يخرج معنى الآية على كلّ قول بما يليق به.

و قد كان جماعة من المفسّرين يذهبون إلى أنّ آخر الكلام: وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ و أنّ ما بعده مستأنف لا تعلّق له به،و هو يقوّي قول الحسن،و ابن زيد.(6:63)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في المراد من رفع الحرج عن الأعمى و الأعرج و المريض،فقال ابن زيد:المراد أنّه لا حرج عليهم و لا إثم في ترك الجهاد،و قال الحسن:

نزلت الآية في ابن أمّ مكتوم وضع اللّه الجهاد عنه و كان أعمى.و هذا القول ضعيف لأنّه تعالى عطف عليه قوله:

أَنْ تَأْكُلُوا فنبّه بذلك على أنّه إنّما رفع الحرج في ذلك.

و قال الأكثرون:المراد منه أنّ القوم كانوا يحظرون الأكل مع هؤلاء الثّلاثة و في هذه المنازل،فاللّه تعالى رفع ذلك الحظر و أزاله.

ص: 323

و اختلفوا في أنّهم لأيّ سبب اعتقدوا ذلك الحظر،أمّا في حقّ الأعمى و الأعرج و المريض فذكروا فيه وجوها:

أحدها:أنّهم كانوا لا يأكلون مع الأعمى،لأنّه لا يبصر الطّعام الجيّد فلا يأخذه،و لا مع الأعرج لأنّه لا يتمكّن من الجلوس فإلى أن يأكل لقمة يأكل غيره لقمتين،و كذا المريض لأنّه لا يتأتّى له أن يأكل كما يأكل الصّحيح.قال الفرّاء:فعلى هذا التّأويل تكون(على) بمعنى«في»يعني ليس عليكم في مؤاكلة هؤلاء حرج.

و ثانيها:أنّ العميان و العرجان و المرضى تركوا مؤاكلة الأصحّاء،أمّا الأعمى فقال:إنّي لا أرى شيئا فربّما آخذ الأجود و أترك الأردأ،و أمّا الأعرج و المريض فخافا أن يفسدا الطّعام على الأصحّاء لأمور تعتري المرضى،و لأجل أنّ الأصحّاء يتكرّهون منهم،و لأجل أنّ المريض ربّما حمله الشّره على أن يتعلّق نظره و قلبه بلقمة الغير؛و ذلك ممّا يكرهه ذلك الغير.فلهذه الأسباب احترزوا عن مؤاكلة الأصحّاء،فاللّه تعالى أطلق لهم في ذلك.

و ثالثها:روى الزّهريّ عن سعيد بن المسيّب و عبيد اللّه بن عبد اللّه في هذه الآية:أنّ المسلمين كانوا إذا غزوا خلّفوا زمناهم،و كانوا يسلّمون إليهم مفاتيح أبوابهم، و يقولون لهم:قد أحللنا لكم أن تأكلوا ممّا في بيوتنا، فكانوا يتحرّجون من ذلك،قالوا:لا ندخلها و هم غائبون،فنزلت هذه الآية رخصة لهم،و هذا قول عائشة رضي اللّه عنها.فعلى هذا معنى الآية نفي الحرج عن الزّمنى في أكلهم من بيت من يدفع إليهم المفتاح إذا خرج إلى الغزو.

و رابعها:نقل عن ابن عبّاس و مقاتل بن حيّان:

نزلت هذه الآية في الحارث بن عمرو؛و ذلك أنّه خرج مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم غازيا و خلّف ابن مالك بن زيد على أهله،فلمّا رجع وجده مجهولا،فسأله عن حاله،فقال:

تحرّجت أن آكل من طعامك بغير إذنك.

و أمّا في حقّ سائر النّاس فذكروا وجهين:

الأوّل:كان المؤمنون يذهبون بالضّعفاء و ذوي العاهات إلى بيوت أزواجهم و أولادهم و قراباتهم و أصدقائهم فيطعمونهم منها،فلمّا نزل قوله تعالى:

لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً أي بيعا،فعند ذلك امتنع النّاس أن يأكل بعضهم من طعام بعض،فنزلت هذه الآية.

الثّاني:قال قتادة:كانت الأنصار في أنفسها قزازة و كانت لا تأكل من هذه البيوت إذا استغنوا.قال السّدّيّ:

كان الرّجل يدخل بيت أبيه أو بيت أخيه أو أخته فتتحفه المرأة بشيء من الطّعام فيتحرّج،لأنّه ليس ثمّ ربّ البيت،فأنزل اللّه تعالى هذه الرّخصة...(24:35)

القرطبيّ: اختلف العلماء في تأويل هذه الآية على أقوال ثمانية،أقربها:هل هي منسوخة أو ناسخة أو محكمة،فهذه ثلاثة أقوال:

الأوّل:أنّها منسوخة من قوله تعالى: وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ... قاله عبد الرّحمن بن زيد،قال:هذا شيء قد انقطع،كانوا في أوّل الإسلام ليس على أبوابهم أغلاق،و كانت السّتور مرخاة،فربّما جاء الرّجل فدخل البيت و هو جائع و ليس فيه أحد؛فسوّغ اللّه عزّ و جلّ أن يأكل منه،ثمّ صارت الأغلاق على البيوت،فلا يحلّ

ص: 324

لأحد أن يفتحها،فذهب هذا و انقطع.قال صلّى اللّه عليه و سلّم:

«لا يحتلبنّ أحد ماشية أحد إلاّ بإذنه...»خرّجه الأئمّة.

الثّاني:أنّها ناسخة،قاله جماعة.روى عليّ بن أبي طلحة عن ابن عبّاس[فذكره كما سبق عن الطّبريّ و أضاف:]

قلت:عليّ بن أبي طلحة هذا هو مولى بني هاشم سكن الشّام،يكنّى أبا الحسن،و يقال:أبا محمّد،و اسم أبيه أبي طلحة:سالم،تكلّم في تفسيره؛فقيل:إنّه لم ير ابن عبّاس،و اللّه أعلم.

الثّالث:أنّها محكمة،قاله جماعة من أهل العلم ممّن يقتدى بقولهم،منهم سعيد بن المسيّب و عبيد اللّه بن عبد اللّه بن عتبة بن مسعود.[ثمّ ذكر قول عائشة و قد تقدّم]

قال ابن العربيّ: و هذا كلام منتظم لأجل تخلّفهم عنهم في الجهاد و بقاء أموالهم بأيديهم،لكن قوله: أَوْ ما مَلَكْتُمْ مَفاتِحَهُ قد اقتضاه،فكان هذا القول بعيدا جدّا.

لكن المختار أن يقال:إنّ اللّه رفع الحرج عن الأعمى فيما يتعلّق بالتّكليف الّذي يشترط فيه البصر،و عن الأعرج فيما يشترط في التّكليف به من المشي،و ما يتعذّر من الأفعال مع وجود العرج،و عن المريض فيما يؤثّر المرض في إسقاطه،كالصّوم و شروط الصّلاة و أركانها، و الجهاد،و نحو ذلك.ثمّ قال بعد ذلك مبيّنا:و ليس عليكم حرج في أن تأكلوا من بيوتكم.فهذا معنى صحيح،و تفسير بيّن مفيد،يعضده الشّرع و العقل، و لا يحتاج في تفسير الآية إلى نقل.

قلت:و إلى هذا أشار ابن عطيّة،فقال:فظاهر الآية و أمر الشّريعة يدلّ على أنّ الحرج عنهم مرفوع في كلّ ما يضطرّهم إليه العذر،و تقتضي نيّتهم فيه الإتيان بالأكمل،و يقتضي العذر أن يقع منهم الأنقص،فالحرج مرفوع عنهم في هذا.[ثمّ ذكر بعض الأقوال المتقدّمة](12:312)

البيضاويّ: نفي لما كانوا يتحرّجون من مؤاكلة الأصحّاء حذرا من استقذارهم،أو أكلهم من بيت من يدفع إليهم المفتاح و يبيح لهم التّبسّط فيه إذا خرج إلى الغزو،و خلّفهم على المنازل مخافة أن لا يكون ذلك عن طيب قلب،أو من إجابة من يدعوهم إلى بيوت آبائهم و أولادهم و أقاربهم فيطعمونهم كراهة أن يكونوا كلاّ عليهم.و هذا إنّما يكون إذا علم رضا صاحب البيت بإذن أو قرينة،أو كان في أوّل الإسلام،ثمّ نسخ بنحو قوله:

لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلى طَعامٍ الأحزاب:53.

و قيل:كفى للحرج عنهم في القعود عن الجهاد.و هو لا يلائم ما قبله و لا ما بعده.(2:135)

أبو حيّان :[ذكر الأقوال إلى أن قال:]

و قيل:كانت العرب و من بالمدينة قبل البعث تجتنب الأكل مع أهل هذه الأعذار،فبعضهم تقذّر:لمكان جولان يد الأعمى،و لانبساط الجلسة مع الأعرج، و لرائحة المريض،و هي أخلاق جاهليّة و كبر،فنزلت.

و استبعد هذا،لأنّه لو كان هذا السّبب لكان التّركيب:

ليس عليكم حرج أن تأكلوا معهم،و لم يكن لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ و أجاب بعضهم بأنّ(على)في معنى «في»أي في مؤاكلة الأعمى،و هذا بعيد جدّا.

ص: 325

و في كتاب الزّهراويّ عن ابن عبّاس،أنّ أهل هذه الأعذار تحرّجوا في الأكل مع النّاس من أجل عذرهم، فنزلت.

و على هذه الأقوال كلّها:نفي«الحرج»عن أهل العذر و من بعدهم في المطاعم.و قال الحسن و عبد الرّحمن بن زيد:الحرج المنفيّ عن أهل العذر،هو في القعود عن الجهاد و غيره ممّا رخّص لهم فيه،و الحرج المنفيّ عمّن بعدهم في الأكل ممّا ذكر،و هو مقطوع ممّا قبله؛إذ متعلّق الحرجين مختلف و إن كانا قد اجتمعا في انتفاء الحرج،و هذا القول هو الظّاهر.(6:473)

الآلوسيّ: [ذكر بعض الرّوايات و قال:]

و المعنى على الرّواية الأولى[و هي الرّواية الثّالثة عن ابن عبّاس نقلت عن ابن عطيّة]ليس على هؤلاء حرج في أكلهم مع الأصحّاء.و يقدّر على سائر الرّوايات ما يناسب ذلك ممّا لا يخفى،و(على)على معناها في جميع ذلك.

و روي عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما أنّه لمّا نزل لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ تحرّج المسلمون عن مؤاكلة الأعمى،لأنّه لا يبصر موضع الطّعام الطّيّب،و الأعرج لأنّه لا يستطيع المزاحمة على الطّعام،و المريض لأنّه لا يستطيع استيفاء الطّعام،فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.

و قيل:كانت العرب و من بالمدينة قبل البعث تجتنب الأكل مع أهل هذه الأعذار لمكان جولان يد الأعمى و انبساط جلسة الأعرج و عدم خلوّ المريض من رائحة تؤذي أو جرح ينضّ أو أنف يذنّ،فنزلت.و من ذهب إلى هذا جعل(على)بمعنى«في»أي ليس في مؤاكلة الأعمى حرج و هكذا،و إلاّ لكان حقّ التّركيب ليس عليكم أن تأكلوا مع الأعمى حرج،و كذا يقال فيما بعد، و فيه بعد لا يخفى.

و قيل:لا حاجة إلى أن يقدّر محذوف بعد قوله تعالى:

(حرج)حسبما أشير إليه؛إذ المعنى ليس على الطّوائف المعدودة وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ... حرج أَنْ تَأْكُلُوا أنتم و هم معكم مِنْ بُيُوتِكُمْ إلخ.

و إلى كون المعنى كذلك ذهب مولانا شيخ الإسلام، ثمّ قال:و تعميم الخطاب للطّوائف المذكورة أيضا يأباه ما قبله و ما بعده،فإنّ الخطاب فيهما لغير أولئك الطّوائف حتما،و لعلّ ما تقدّم أولى،و أمّا تعميم الخطاب فلا أقول به أصلا.

و عن ابن زيد،و الحسن،و ذهب إليه الجبّائيّ، و قال أبو حيّان:هو القول الظّاهر أنّ الحرج المنفيّ عن أهل العذر هو الحرج في القعود عن الجهاد و غيره ممّا رخّص لهم فيه،و الحرج المنفيّ عمّن بعدهم الحرج في الأكل من البيوت المذكورة.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]

و هو تحقيق لأمر العطف،و ذلك أنّه لمّا كان فيه غرابة لبعد الجامع بادئ النّظر أزاله،بأنّ الغرض لمّا كان بيان الحكم كفاء الحوادث،و الحادثتان و إن تباينتا كلّ التّباين إذا تقارنتا في الوقوع و الاحتياج إلى البيان،قرب الجامع بينهما،و لا كذلك إذا كان الكلام في غير معرض الإفتاء و البيان.

و ليس هذا القول منه بناء على أنّ الاكتفاء في تصوّر

ص: 326

ما كاف في الجامعيّة كما ظنّ.

و بهذا يظهر الجواب عمّا اعترض به على هذه الرّواية من أنّ الكلام عليها لا يلائم ما قبله و لا ما بعده، لأنّ ملاءمته لما بعده قد عرفت وجهها،و أمّا ملاءمته لما قبله فغير لازمة؛إذ لم يعطف عليه.

و ربّما يقال في وجه ذكر نفي الحرج عن أهل العذر بترك الجهاد و ما يشبهه ممّا رخّص لهم فيه أثناء بيان الاستئذان و نحوه:إنّ نفي الحرج عنهم بذلك مستلزم عدم وجوب الاستئذان منه صلّى اللّه عليه و سلّم لترك ذلك،فلهم القعود عن الجهاد و نحوه من غير استئذان و لا إذن،كما أنّ للمماليك و الصّبيان الدّخول في البيوت-في غير العورات الثّلاث- من غير استئذان و لا إذن من أهل البيت،و مثل هذا يكفي وجها في توسيط جملة أثناء جمل ظاهرة التّناسب،و يرد عليه شيء عسى أن يدفع بالتّأمّل.

و إنّما لم يذكر«الحرج»في قوله تعالى: وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ بأن يقال:و لا على أنفسكم حرج اكتفاء بذكره فيما مرّ و الأواخر محلّ الحذف،و لم يكتف بحرج واحد بأن يقال:ليس على الأعمى و الأعرج و المريض و أنفسكم حرج أن تأكلوا دفعا لتوهّم خلاف المراد.

و قيل:حذف الحرج آخرا للإشارة إلى مغايرته للمذكور،و لا تقدح في دلالته عليه،لا سيّما إذا قلنا:إنّ الدّالّ غير منحصر فيه،و هو كما ترى.(18:218)

مكارم الشّيرازيّ: تحدّثت الآيات السّابقة عن الاستئذان في أوقات معيّنة،أو بشكل عامّ حين الدّخول إلى المنزل الخاصّ بالأب و الأمّ.

أمّا الآية هذه فإنّها استثناء لهذا الحكم؛حيث يجوز للبعض و بشروط معيّنة،الدّخول إلى منازل الأقرباء و أمثالهم،و حتّى أنّه يجوز لهم الأكل فيها دون استئذان؛ حيث تقول هذه الآية أوّلا: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ لأنّ أهل المدينة كانوا كما ورد بصراحة في بعض الأحاديث و قبل قبولهم الإسلام،يمنعون الأعمى و الأعرج و المريض من المشاركة في مائدتهم،و يحتقرون هذا العمل.

و على عكس ذلك كانت مجموعة منهم بعد إسلامها، تفرد لمثل هؤلاء موائد خاصّة،ليس لاحتقارهم المشاركة معهم على مائدة واحدة.و إنّما لأسباب إنسانيّة،فالأعمى قد لا يرى الغذاء الجيّد في المائدة، و هم يرونه،و قد يأكلونه،و هذا خلاف الخلق السّليم، و كذلك الأمر بالنّسبة للأعرج و المريض؛حيث يحتمل تأخّرهما عن الغذاء،و تقدّم السّالمين عليهما،و لهذا كلّه لم يشاركوهم الغذاء على مائدة واحدة.

و لهذا كان الأعمى و الأعرج و المريض يسحب نفسه حتّى لا يزعج الآخرين بشيء،و يعتبر الواحد منهم نفسه مذنبا إن شارك السّالمين غذاءهم في مائدة واحدة.

و قد استفسر من الرّسول صلّى اللّه عليه و آله عن هذا الموضع، فنزلت الآية السّابقة الّتي نصّت على عدم وجود مانع من مشاركة الأعمى و الأعرج و المريض للصّحيح غذاءه على مائدة واحدة.

و قد فسّر آخرون هذه العبارة باستثناء هذه الفئات الثّلاث من حكم الجهاد،أو أنّ القصد أنّه مسموح لكم استصحاب العاجزين معكم إلى الأحد عشر بيتا الّتي أشارت إليها الآية في آخرها،ليشاركوكم في غذائكم.

ص: 327

إلاّ أنّ هذين التّفسيرين كما يبدو بعيدان عن قصد الآية،و لا ينسجمان مع ظاهرها.فتأمّلوا جيّدا.

(11:144)

5- لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ... الفتح:17

قتادة :هذا كلّه في الجهاد.(الطّبريّ 26:84)

ابن عطيّة: عذّر أهل الأعذار من العرج و العمى و المرض جملة،و رفع الحرج عنهم و الضّيق و المأثم، و هذا حكم هؤلاء المعاذير في كلّ جهاد إلى يوم القيامة، إلاّ أن يحزب حازب في حضرة ما.فالفرض متوجّه بحسب الوسع،و مع ارتفاع الحرج فجائز لهم الغزو و أجرهم فيه مضاعف،لأنّ الأعرج أحرى النّاس بالصّبر،و أن لا يفرّ،و قد غزا ابن أمّ مكتوم،و كان يمسك الرّاية في بعض حروب القادسيّة.(5:133)

و هكذا قالت أكثر التّفاسير.

حرجا

1- ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً. النّساء:65

ابن عبّاس: شكّا.(73)

مثله مجاهد.(الطّبريّ 5:158)

ضيقا.(الواحديّ 2:76)

الزّجّاج: أي لا تضيق صدورهم من أقضيتك.

(2:70)

النّحّاس: شكّا و ضيقا.و أصل الحرج:الضّيق.

(2:129)

الطّبرسيّ: أي شكّا في أنّ ما قلته حقّ،عن مجاهد.

و قيل:إثما،أي لا يأثمون بإنكار ذلك،عن الضّحّاك.

و قيل:ضيقا بشكّ أو إثم،عن أبي عليّ الجبّائيّ، و هو الوجه.(2:69)

الزّمخشريّ: ضيقا،أي لا تضيق صدورهم من حكمك.

و قيل:شكّا،لأنّ الشّاكّ في ضيق من أمره حتّى يلوح له اليقين.(1:538)

ابن عطيّة: الضّيق و التّكلّف و المشقّة.(2:74)

الفخر الرّازيّ: [حكى قول الزّجّاج و قال:]

و اعلم أنّ الرّاضي بحكم الرّسول عليه الصّلاة و السّلام قد يكون راضيا به في الظّاهر دون القلب،فبيّن في هذه الآية أنّه لا بدّ من حصول الرّضا به في القلب، و اعلم أنّ ميل القلب و نفرته شيء خارج عن وسع البشر،فليس المراد من الآية ذلك،بل المراد منه أن يحصل الجزم و اليقين في القلب،بأنّ الّذي يحكم به الرّسول هو الحقّ و الصّدق.

قوله تعالى: وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً و اعلم أنّ من عرف بقلبه كون ذلك الحكم حقّا و صدقا قد يتمرّد عن قبوله على سبيل العناد أو يتوقّف في ذلك القبول،فبيّن تعالى أنّه كما لا بدّ في الإيمان من حصول ذلك اليقين في القلب،فلا بدّ أيضا من التّسليم معه في الظّاهر،فقوله:

ثُمَّ لا يَجِدُوا... المراد به الانقياد في الباطن،و قوله:

وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً المراد منه الانقياد في الظّاهر،و اللّه أعلم.[ثمّ ذكر دلالة الآية على عصمة الأنبياء و حكم

ص: 328

تخصيص القرآن بالقياس و أنّ الطّاعات و المعاصي بقضاء اللّه فلاحظ](10:165)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ(5:75)،و المراغيّ(5:

81).

أبو حيّان :[نحو الطّبرسيّ و أضاف:]

و قيل:همّا و حزنا.(3:284)

الشّربينيّ: أي نوعا من الضّيق.(1:314)

الآلوسيّ: و اختار بعض المحقّقين تفسيره بضيق الصّدر،لشائبة الكراهة و الإباء،لما أنّ بعض الكفرة كانوا يستيقنون الآيات بلا شكّ،و لكن يجحدون ظلما و عتوّا فلا يكونوا مؤمنين،و ما روي عن الضّحّاك يمكن إرجاعه إلى أيّ الأمرين شئت.و نفي وجدان الحرج أبلغ من نفي الحرج،كما لا يخفى،و هو مفعول به ل(يجدوا) و الظّرف قيل:حال منه،أو متعلّق بما عنده.(5:71)

مغنيّة:المعنى أنّهم لا يؤمنون،حتّى يعلموا علم اليقين أنّ حكمك هو حكم اللّه بالذّات،و أنّ من ردّ عليك فعلى اللّه يردّ،و محال أن يشعر المؤمن حقّا بالضّيق و الحرج من حكم يعلم أنّه من عند اللّه...(2:370)

نحوه الطّباطبائيّ.(4:405)

مكارم الشّيرازيّ: و الانزعاج النّفسيّ الباطنيّ من الأحكام،الّتي ربّما تكون في ضرر الإنسان،و إن كان في الأغلب أمرا غير اختياريّ،إلاّ أنّه على أثر التّربية الخلقيّة المستمرّة يمكن أن تحصل لدى الإنسان روح التّسليم أمام الحقّ،و الخضوع للعدالة،خاصّة بملاحظة المكانة لواقعيّة النّبيّ (1)صلّى اللّه عليه و آله،فلا ينزعج من أحكام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بل و لا بدّ من أحكام العلماء الّذين يخلفونه.

و على كلّ فإنّ المسلمين الواقعيّين مكلّفون دائما بتنمية روح الخضوع للحقّ،و التّسليم أمام العدل في نفوسهم.

إنّ الآية تبيّن علائم الإيمان الواقعيّ الرّاسخ في ثلاث مراحل:

1-أن يتحاكموا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و حكمه النّابع من الحكم الإلهيّ في ما اختلفوا فيه،كبيرا كان أم صغيرا، لا إلى الطّواغيت و حكّام الجور و الباطل.

2-أن لا يشعروا بأيّ انزعاج أو حرج في نفوسهم تجاه أحكام الرّسول صلّى اللّه عليه و آله و أقضيته العادلة الّتي هي في الحقيقة نفس الأوامر الإلهيّة،و لا يسيئوا الظّنّ بهذه الأحكام.

3-أن يطبّقوا تلك الأحكام في مرحلة تنفيذها تطبيقا كاملا،و يسلّموا أمام الحقّ تسليما مطلقا.

و من الواضح أنّ القبول بأيّ دين و أحكامه في ما إذا كانت في مصلحة الإنسان و كانت مناسبة لمنافعه و تطلّعاته،لا يمكن أن يكون دليلا على إيمانه بذلك الدّين،بل يثبت ذلك إذا كانت تلك الأحكام في الاتّجاه المتعاكس لمنافعه و تطلّعاته،ظاهرا،و إن كانت مطابقة للحقّ و العدل في الواقع،فإذا قبل بمثل هذه الأحكام و سلّم لها تسليما كاملا،كان ذلك دليلا على إيمانه، و رسوخ اعتقاده.

فقد روي عن الإمام الصّادق عليه السّلام في تفسير هذه الآية:«لو أنّ قوما عبدوا اللّه وحده لا شريك له و أقاموا الصّلاة و آتوا الزّكاة و حجّوا البيت و صاموا شهر رمضان،ثمّ قالوا لشيء صنعه اللّه و صنع رسوله صلّى اللّه عليه و آله لمه.

ص: 329


1- كذا،و الظّاهر:المكانة الواقعيّة للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

صنع هكذا و كذا،و لو صنع خلاف الّذي صنع،أو وجدوا ذلك في قلوبهم لكانوا بذلك مشركين،ثمّ تلا هذه الآية،ثمّ قال عليه السّلام:عليكم بالتّسليم».

ثمّ إنّه يستفاد من الآية أمران مهمّان:

1-إنّ الآية إحدى الأدلّة على عصمة النّبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله،لأنّ الأمر بالتّسليم المطلق أمام جميع أحكامه و أوامره قولا و عملا،بل و التّسليم القلبيّ و الخضوع الباطنيّ له أيضا دليل واضح على أنّه صلّى اللّه عليه و آله لا يخطئ في أحكامه و أقضيته و تعليماته،و لا يتعمّد قول ما يخالف الحقّ فهو معصوم عن الخطأ،كما هو معصوم عن الذّنب أيضا.

2-إنّ الآية الحاضرة تبطل كلّ اجتهاد في مقابل النّصّ الوارد عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و تنفي شرعيّة كلّ رأي شخصيّ في الموارد الّتي وصلت إلينا فيها أحكام صريحة، من جانب اللّه تعالى و نبيّه صلّى اللّه عليه و آله.

و على هذا الأساس فإنّ ما نراه في التّأريخ الإسلاميّ من اجتهاد بعض الأشخاص في مقابل الأحكام الإلهيّة و النّصوص النّبويّة،و قولهم:قال النّبيّ:كذا و نقول:كذا، فليس أمامنا حياله إلاّ أن نذعن بأنّهم عملوا على خلاف صريح هذه الآية،و خالفوا نصّها.(3:273)

راجع:«س ل م: (يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً) ».

2- ..وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً... الأنعام:125

ابن عبّاس: حرجا:شكّا.(119)

نحوه السّدّيّ(251)،و مجاهد(الطّبريّ 8:28).

الحرج:الموضع الكثير الشّجر الّذي لا تصل إليه الرّاعية.فكذلك صدر الكافر لا تصل إليه الحكمة.

(الفرّاء 1:353)

من أراد اللّه أن يضلّه يضيّق عليه صدره حتّى يجعل الإسلام عليه ضيّقا،و الإسلام واسع؛و ذلك حين يقول:

وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ: ما جعل عليكم في الإسلام من ضيق.(الطّبريّ 8:28)

إذا سمع ذكر اللّه اشمأزّ قلبه،و إذا ذكر شيء من عبادة الأصنام ارتاح إلى ذلك.(البغويّ 2:158)

لا يصل الخير إلى قلبه.(الطّبرسيّ 2:363)

سعيد بن جبير: ضَيِّقاً حَرَجاً لا يجد مسلكا إلاّ صعدا.(الطّبريّ 8:29)

قتادة :ملتبسا.(الطّبريّ 8:28)

عطاء الخراسانيّ: ضَيِّقاً حَرَجاً ليس للخير فيه منفذ.(الطّبريّ 8:29)

نحوه الكلبيّ(البغويّ 2:158)،و ابن شميّل (الثّعلبيّ 4:188).

الإمام الصّادق عليه السّلام:إنّ اللّه إذا أراد بعبد خيرا نكت في قلبه نكتة بيضاء،و فتح مسامع قلبه،و وكّل به ملكا يسدّده،و إذا أراد بعبد سوء نكت في قلبه نكتة سوداء،و سدّ عليه مسامع قلبه،و وكّل به شيطانا يظلّه، ثمّ تلا هذه الآية.

[و في حديث]قال أبو عبد اللّه عليه السّلام لموسى بن أشيم:

أ تدري ما الحرج؟قال:قلت:لا.

فقال بيده و ضمّ أصابعه،كالشّيء المصمت:الّذي لا يدخل فيه شيء،و لا يخرج منه شيء.

(العيّاشيّ 2:118)

قد يكون[القلب]ضيّقا و له منفذ يسمع منه

ص: 330

و يبصر،و الحرج هو الملتئم الّذي لا منفذ له يسمع به و لا يبصر منه.(الكاشانيّ 2:155)

سيبويه :الحرج بالفتح:المصدر كالصّلب و الحلب، و معناه ذا حرج،و الحرج بالكسر:الاسم،و هو أشدّ الضّيق،يعني قلبه ضيّقا لا يدخله الإيمان.

(الثّعلبيّ 4:188)

ابن جريج: ضَيِّقاً حَرَجاً بلا إله إلاّ اللّه لا يجد لها في صدره مساغا.(الطّبريّ 8:29)

المبرّد: و قرئ (حرجا) فمن قال: (حرجا) أراد التّوكيد للضّيق،كأنّه قال:ضيّق شديد الضّيق،و من قال:(حرجا)جعله مصدرا،مثل قولك:ضيّق ضيقا.(1:171)

الفرّاء: قرأها ابن عبّاس و عمر (حرجا) ،و قرأها النّاس: (حرجا) [و حكى قول ابن عبّاس و قال:]

و هو في كسره و فتحه بمنزلة الوحد و الوحد،و الفرد و الفرد،و الدّنف و الدّنف،تقوله العرب في معنى واحد.

(1:353)

الطّبريّ: و الحرج:أشدّ الضّيق،و هو الّذي لا ينفذ من شدّة ضيقه،و هو هاهنا الصّدر الّذي لا تصل إليه الموعظة،و لا يدخله نور الإيمان لرين الشّرك عليه.

و أصله من الحرج؛و الحرج:جمع حرجة،و هي الشّجرة الملتفّ بها الأشجار،لا يدخل بينها و بينها شيء لشدّة التفافها بها.

و اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك،فقال بعضهم:

معناه شاكّا.

و قال آخرون:معناه و أنّه من شدّة الضّيق لا يصل إليه الإيمان.

و اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأه بعضهم ضَيِّقاً حَرَجاً بفتح الحاء و الرّاء من (حرجا) و هي قراءة عامّة المكّيّين و العراقيّين،بمعنى:جمع حرجة على ما وصفت.و قرأ ذلك عامّة قرّاء المدينة (ضيّقا حرجا) بفتح الحاء و كسر الرّاء.

ثمّ اختلف الّذين قرءوا ذلك في معناه،فقال بعضهم:

هو بمعنى الحرج،و قالوا:الحرج بفتح الحاء و الرّاء، و الحرج بفتح الحاء و كسر الرّاء بمعنى واحد،و هما لغتان مشهورتان،مثل الدّنف و الدّنف،و الوحد و الوحد، و الفرد و الفرد.

و قال آخرون منهم:بل هو بمعنى الإثم،من قولهم:

فلان آثم حرج.و ذكر عن العرب سماعا منها:حرج عليك ظلمي،بمعنى:ضيق و إثم.

و القول عندي في ذلك:أنّهما قراءتان مشهورتان، و لغتان مستفيضتان بمعنى واحد،و بأيّتهما قرأ القارئ فهو مصيب،لاتّفاق معنييهما؛و ذلك كما ذكرنا من الرّوايات عن العرب في الوحد و الفرد،بفتح الحاء من الوحد و الرّاء من الفرد و كسرهما،بمعنى واحد.

[ثمّ فسّر شرح الصّدر و ضيقه،و أنّ كلاّ منهما من اللّه].[«لاحظ الهداية و الضّلالة»](8:28)

الزّجّاج: [حكى قول ابن عبّاس-عن الفرّاء-ثمّ قال:]

و أهل اللّغة أيضا يقولونه:الشّجر الملتفّ:يقال له:

الحرج.و الحرج في اللّغة:أضيق الضّيق،و الّذي قال ابن عبّاس صحيح حسن.

ص: 331

و يجوز(حرجا)بكسر الرّاء.فمن قال:حرج فهو بمنزلة قولهم:رجل دنف،لأنّ قولك:دنف هاهنا و حرج ليس من أسماء الفاعلين،إنّما هو بمنزلة قولهم:رجل عدل أي ذو عدل.(2:290)

النّحّاس: أي شديد الضّيق.(2:486)

حرج:اسم الفاعل،و حرج:مصدر وصف به،كما يقال:رجل عدل و رضا.(القرطبيّ 7:82)

الفارسيّ: من فتح الرّاء كان وصفا بالمصدر،مثل قمن و حرى،و دنف،و نحو ذلك من المصادر الّتي يوصف بها.و لا يكون كبطل،لأنّ اسم الفاعل في الأمر العامّ من«فعل»إنّما يجيء على«فعل».و من قرأ:

(حرجا) فهو مثل دنف،و فرق،و معنى الكلمة فيما فسّر أبو زيد:الضّيق و الكراهة.(3:401)

الثّعلبيّ: (حرجا)كسر أهل المدينة راءه و فتحها الباقون،و هما لغتان مثل الأنف و الأنف،و الفرد و الفرد، و الوعد و الوعد...

و قال عبيد بن عمير: قرأ ابن عبّاس هذه الآية، فقال:هل هاهنا أحد من بني بكر؟فقال رجل:نعم، قال:ما الحرج فيكم؟قال:الوادي الكثير الشّجر المتمسّك الّذي لا طريق فيه.قال ابن عبّاس:كذلك قلب الكافر.(الثّعلبيّ 4:188)

نحوه البغويّ.(2:158)

القيسيّ: و معنى«حرج»كمعنى«ضيّق»كرّر لاختلاف لفظه،بمعنى التّأكيد.فأمّا فتح الرّاء فهو مصدر حرج يحرج حرجا،و قيل:هو جمع حرجة،كقصبة و قصب.(1:288)

الماورديّ: ضَيِّقاً حَرَجاً يعني ضيقا لا يتّسع لدخول الإسلام.

(حرجا)فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:أن يكون شديد الصّلابة حتّى لا يثبت فيه شيء.

و الثّاني:شديد الضّيق حتّى لا يدخله شيء.

و الثّالث:أنّ موضعه مبيضّ!!.(2:166)

الطّوسيّ: و من فتح الرّاء من«حرج»جعلها وصفا للمصدر،لأنّ المصادر قد توصف،بمثل ذلك، كقولهم:رجل دنف،أي ذو دنف و لا يكون كبطل لأنّ اسم الفاعل في الأكثر من«فعل»إنّما يجيء على«فعل».

و من كسر الرّاء فهو مثل دنف،و فرق.[ثمّ ذكر قول أبي زيد و أضاف:]

و قال غيره:هما بمعنى واحد كالدّنف و الدّنف، و الوحد و الوحد،و الفرد و الفرد.

و قيل:الحرج:الإثم،و الحرج:الضّيق الشّديد.

(4:286)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ،ثمّ ذكر تأويلها بوجوه.

«لاحظ ض ل ل:يضلّه»](2:362)

الواحديّ: الحرج:الشّديد الضّيق،و قد حرج صدره،إذا ضاق.

و قرئ (حرجا) بكسر الرّاء.فمن فتح الرّاء كان وصفا بالمقدّر،و المعنى ذا حرج،كما قالوا:رجل دنف، أي ذو دنف.و من كسر فهو نعت،مثل دنف و فرق.

و المعنى أنّ قلبه غير مشروح للإيمان.(2:321)

القشيريّ: و ذلك حتّى لا يسعى في غير مراد الحقّ

ص: 332

سبحانه،و حدّ البشريّة ضيق القلب،و صاحبه في أسر الحدثان و الأعلال،و لا عقوبة أشدّ من عقوبة الغفلة عن الحقّ.(2:195)

الرّاغب: و قرئ (حرجا) أي ضيّقا بكفره،لأنّ الكفر لا يكاد تسكن إليه النّفس،لكونه اعتقادا عن ظنّ،و قيل:ضيّق بالإسلام،كما قال تعالى: خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ البقرة:7.(113)

الزّمخشريّ: يمنعه ألطافه حتّى يقسو قلبه و ينبو عن قبول الحقّ و ينسدّ فلا يدخله الإيمان،و قرئ (ضيّقا) بالتّخفيف و التّشديد، (حرجا) بالكسر،و (حرجا) بالفتح وصفا بالمصدر.(2:49)

نحوه البيضاويّ(1:330)،و أبو السّعود(2:441)، و الكاشانيّ(2:155).

الفخر الرّازيّ: [نقل القراءات و قول الفرّاء و الزّجّاج و قال:]

فمن قال:إنّه رجل حرج الصّدر بفتح الرّاء،فمعناه ذو حرج في صدره،و من قال:حرج،جعله فاعلا، و كذلك رجل دنف:ذو دنف،و دنف:نعت.(13:183)

العكبريّ: (حرجا)بكسر الرّاء:صفة ل«ضيّق»، أو مفعول ثالث،كما جاز في المبتدإ أن يخبر عنه بعدّة أخبار،و يكون الجميع في موضع خبر واحد،كحلو حامض؛و على كلّ تقدير هو مؤكّد للمعنى.

و يقرأ بفتح الرّاء على أنّه مصدر،أي ذا حرج، و قيل:هو جمع حرجة،مثل قصبة و قصب،و الهاء فيه للمبالغة.(1:537)

ابن عربيّ: يعسر عليه،و يعجزه عن ذلك (حرجا)ذا ظلمة،و قصور استعداد عن قبول النّور،كأنّما يزاول أمرا ممتنعا في الاستنارة بنور القلب،و طلب الفيض منه على هذا التّأويل الّذي ذكرناه.

و على المعنى الظّاهر:المراد من الآية السّابقة:فمن يرد اللّه أن يهديه للتّوحيد يشرح صدره بقبول نور الحقّ،و إسلام الوجود إلى اللّه،يكشف حجب صفات نفسه،عن وجه قلبه الّذي يلي النّفس،فيفسح لقبول نور الحقّ.

و من يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقا،حرجا باستيلائها عليه،و ضغطها له، كَأَنَّما يَصَّعَّدُ في سماء روحه مع تلك الهيئات البدنيّة؛و ذلك أمر محال كَذلِكَ يَجْعَلُ اللّهُ رجس التّلوّث بلوث التّعلّقات المادّيّة،أو رجس التّعذّب بالهيئات البدنيّة عَلَى الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ. (1:402)

القرطبيّ: و هذا ردّ على القدريّة،و نظير هذه الآية من السّنّة قوله عليه السّلام:«من يرد اللّه به خيرا يفقهه في الدّين»أخرجه الصّحيحان.و لا يكون ذلك إلاّ بشرح الصّدر و تنويره.[إلى أن ذكر القراءات و بعض الأقوال]

(7:81)

الخازن :قال أهل المعاني:لمّا كان القلب محلاّ للعلوم و الاعتقادات،وصف اللّه تعالى قلب من يريد هدايته بالانشراح و الانفساح و نوّره،فقبل ما أودعه من الإيمان باللّه و رسوله.و وصف قلب من يريد ضلالته بالضّيق الّذي هو خلاف الشّرح و الانفساح؛فدلّ ذلك على أنّ اللّه تعالى صيّر قلب الكافر بحيث لا يعي علما و لا استدلالا على توحيد اللّه تعالى و الإيمان به.و في الآية

ص: 333

دليل على أنّ جميع الأشياء بمشيئة اللّه و إرادته،حتّى إيمان المؤمن و كفر الكافر.(2:150)

أبو حيّان :و الحرج:كناية عن ضدّ الشّرح، و استعارة لعدم قبول الإيمان،و الحرج:الشّديد الضّيق...و ينتصب(ضيّقا حرجا)على الحال،أي يخلقه على هذه الهيئة فلا يسمع الإيمان و لا يقبله.[إلى أن ذكر القراءات و أضاف:]

و هذا تنبيه-و اللّه أعلم-على جهة اشتقاق الفعل من نفس العين،كقولهم:استحجر و استنوق.(4:217)

السّمين:(حرجا)و(حرجا)بفتح الرّاء و كسرها:

هو المتزايد في الضّيق،فهو أخصّ من الأوّل،فكلّ «حرج»ضيق من غير عكس.و على هذا فالمفتوح و المكسور بمعنى واحد؛يقال:رجل حرج و حرج.

و من غريب ما يحكى أنّ ابن عبّاس قرأ هذه الآية، فقال:هل هنا أحد من بني بكر؟فقال رجل:نعم،قال:

ما الحرجة فيكم؟قال:الوادي الكثير الشّجر المشتبك الّذي لا طريق فيه.فقال ابن عبّاس:فهكذا قلب الكافر.

هذه هي رواية عبيد بن عمير.و قد حكى أبو الصّلت الثّقفيّ هذه الحكاية بأطول من هذا عن عمر بن الخطّاب،فقال:«قرأ عمر بن الخطّاب هذه الآية،فقال:

أبغوني رجلا من بني كنانة و اجعلوه راعيا،فأتوه به، فقال له عمر:كذلك قلب الكافر لا يصل إليه شيء من الخير.و بعضهم يحكي هذه الحكاية عن عمر كالمنتصر لمن قرأ بالكسر،قال:قرأها بعض أصحاب عمر له بالكسر،فقال أبغوني رجلا من كنانة راعيا،و ليكن من بني مدلج،فأتوه به،فقال:يا فتى ما لحرجة تكون عندكم؟فقال:شجرة تكون بين الأشجار،لا تصل إليها راعية و لا وحشيّة،فقال:كذلك قلب الكافر لا يصل إليه شيء من الخير».

قال الشّيخ-أبو حيّان-: و هذا تنبيه-و اللّه أعلم- على اشتقاق الفعل من اسم العين،كاستنوق الجمل، و استحجر.

قلت:ليس هذا من باب استنوق و استحجر في شيء لأنّ هذا معنى مستقلّ و مادّة مستقلّة متصرّفة،نحو:

حرج يحرج،فهو حرج و حارج،بخلاف تيك الألفاظ فإنّ معناها يضطرّ فيه إلى الأخذ من الأسماء الجامدة.

فإنّ معنى قولك:استنوق الجمل،أي صار كالنّاقة، و استحجر الطّين،أي صار كالحجر،و ليس لنا مادّة متصرّفة إلى صيغ الأفعال من لفظ الحجر و النّاقة.و أنت إذا قلت:حرج صدره،ليس بك ضرورة أن تقول:صار كالحرجة،بل معناه:تزايد ضيقه.و أمّا تشبيه عمر بن الخطّاب فلإبرازه المعاني في قوالب الأعيان مبالغة في البيان.

و قرأ نافع و أبو بكر عن عاصم: (حرجا) بكسر الرّاء،و الباقون بفتحها،و قد عرفا.فأمّا على قراءة الفتح فإن كان مصدرا جاءت فيه الأوجه الثّلاثة المتقدّمة في نظائره؛و إن جعل صفة فلا تأويل.

و نصبه على القراءتين:إمّا على كونه نعتا ل(ضيّقا)، و إمّا على كونه مفعولا به تعدّد؛و ذلك أنّ الأفعال النّواسخ،إذا دخلت على مبتدإ و خبر،كان الخبران على حالهما،فكما يجوز تعدّد الخبر مطلقا،أو بتأويل في المبتدإ و الخبر الصّريحين،كذلك في المنسوخين،تقول:زيد

ص: 334

كاتب شاعر فقيه،ثمّ تقول:ظننت زيدا كاتبا شاعرا فقيها.فتقول:«زيدا»مفعول أوّل،«كاتبا»مفعول ثان، «شاعرا»مفعول ثالث،«فقيها»مفعول رابع،كما تقول:

خبر ثان و ثالث و رابع.و لا يلزم من هذا أن يتعدّى الفعل لثلاثة و لا أربعة،لأنّ ذلك بالنّسبة إلى تعدّد الألفاظ، فليس هذا كقولك:«أعلمت زيدا عمرا فاضلا»؛إذ المفعول الثّالث هناك ليس متكرّرا لشيء واحد،و إنّما بيّنت هذا،لأنّ بعض النّاس و هم في فهمه.و قد ظهر لك ممّا تقدّم أنّ قوله ضَيِّقاً حَرَجاً ليس فيه تكرار.

و قال مكّيّ: و معنى«حرج»-يعني بالكسر-كمعنى «ضيّق»كرّر لاختلاف لفظه للتّأكيد.

قلت:إنّما يكون للتّأكيد حيث لم يظهر بينهما فارق، فتقول:كرّر لاختلاف اللّفظ كقوله: صَلَواتٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ رَحْمَةٌ البقرة:157.

و أمّا هنا فقد تقدّم الفرق بينهما بالعموم و الخصوص، أو غير ذلك.و قال أبو البقاء:«و قيل:هو جمع حرجة، مثل:قصبة و قصب،و الهاء فيه للمبالغة».و لا أدري كيف توهّم كون هذه الهاء الدّالّة على الوحدة في مفرد أسماء الأسماء ك«تمرة و برّة و نبقة»للمبالغة،كهي في:

راوية و نسّابة و فروقة.(3:175)

ابن كثير :[ذكر الرّوايات و القراءات و قال:]

و هو الّذي لا يتّسع لشيء من الهدى،و لا يخلص إليه شيء ما ينفعه من الإيمان،و لا ينفذ فيه.(3:99)

الشّربينيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و في الآية دليل على أنّ جميع الأشياء بمشيئة اللّه و إرادته،حتّى إيمان المؤمن و كفر الكافر.(1:449)

البروسويّ: (حرجا):بحيث ينبو عن قبول الحقّ فلا يدخله الإيمان،أي من أراد اللّه منه الكفر قوّى صوارفه عن الإيمان و قوّى دواعيه إلى الكفر.(3:100)

شبّر: (حرجا)بكسر الرّاء،أي شديد الضّيق، و بفتحها على الوصف بالمصدر،عقوبة له على ترك الإيمان،أي يمنعه الألطاف الّتي ينشرح لها صدره لخروجه عن قبولها،بإقامته على كفره.[ثمّ استشهد بروايتين عن الإمام الصّادق عليه السّلام و قد تقدّم].

(2:312)

الآلوسيّ: بحيث ينبو عن قبول الحقّ،فلا يكاد يكون فيه للخير منفذ.[ثمّ ذكر القراءات](8:22)

القاسميّ: أي شديد الضّيق،فلا يتّسع للاعتقادات الصّائبة في اللّه،و الأمور الأخرويّة.(6:2497)

رشيد رضا :[ذكر القراءات و قال:]

و هذا وصف للكافر غير المستعدّ لقبول الإسلام،بما أفسد من فطرته بالشّرك و أعماله،و بما تدنّست به نفسه من رذيلتي الكبر و الحسد اللّذين يصرفان المدنّس بهما عن التّأمّل فيما يدعى إليه،و الحرص على استبانة الحقّ و الباطل فيه،و يشغلانه بما يكون من شأنه مع الدّاعي له إلى الشّيء،فيعزّ على المستكبر و الحاسد أن يكون تابعا لغيره،و هو يرى نفسه أجدر بالإمامة منها بالقدوة،أو بما سلبه استقلال الفكر و صحّة النّظر من التّقليد الأعمى الأصمّ،أو ما حرمه حرّية التّصرّف و هو ضعف الإرادة عن مخالفة الجمهور،فهو إذا عرضت عليه الدّعوة يجد صدره ضيّقا حرجا أو ذا حرج شديد.و هو تأكيد للضّيق لأنّه بمعناه،و قيل:بل هو أضيق الضّيق.

ص: 335

و المعنى أنّه يجد صدره شديد الضّيق،لا يتّسع لقبول شيء جديد مناف لما استحوذ على قلبه و فكره من التّقاليد،أو لما يزلزل كبرياءه و يصادم حسده من الخضوع و الاتّباع لمن يرى نفسه أولى منه بالرّئاسة و الإمامة،فيكون استثقاله لإجابة الدّعوة و شعوره بالعجز عنها كشعوره بالعجز عن الصّعود بجسمه في جوّ السّماء لأجل الوصول إليها،أو التّصاعد فيها بالتّدريج أو التّصعّد،أي التّكلّف له.و صعود السّماء يضرب به المثل فيما لا يستطاع،أو ما يشقّ على النّفس حتّى كأنّه غير مستطاع.(8:42)

الطّباطبائيّ: الإضلال مقابل الهداية،و لذا كان أثره مقابلا لأثرها،و هو التّضييق المقابل للشّرح و التّوسعة،و أثره أن لا يسع ما يتوجّه إليه من الحقّ و الصّدق،و يتحرّج عن دخولهما فيه،و لذا أردف كون الصّدر ضيّقا بكونه حرجا.[ثمّ نقل قولي الطّبرسيّ و الرّاغب و قال:]

فقوله: حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ في محلّ التّفسير،لقوله: ضَيِّقاً و إشارة إلى أنّ ذلك نوع من الضّيق يناظر بوجه التّضيّق و التّحرّج الّذي يشاهد من الظّروف و الأوعية إذا أريد إدخال ما هو أعظم منها و وضعه فيها.(7:343)

مكارم الشّيرازيّ: الحرج بمعنى الضّيق الشّديد، و هذه هي حال المعاندين و فاقدي الإيمان،ففكرهم قاصر و روحهم ضيّقة صغيرة،و لا يتنازلون في حياتهم عن شيء.(4:425)

فضل اللّه :الحرج:أضيق الضّيق،و أصل الحرج و الحراج:مجتمع الشّيء،و تصوّر منه ضيق ما بينهما، فقيل للضّيق:حرج،و للإثم:حرج.[إلى أن قال:]

أمّا نموذج الإنسان الكافر الضّالّ،فهو إنسان معقّد، لا يطيق الفكر و لا يجد للمعرفة أيّة أهمّيّة،و لا يشعر بالحاجة إلى أن يتعب نفسه في سبيل الإيمان،يتعامل مع العقيدة،من موقع اللاّمبالاة،و يتناول الفكرة الجاهزة المتحرّكة في بيئته،تماما كما يتناول المأكولات الجاهزة، فإذا التزم بشيء من ذلك،أغلق فكره و قلبه عن أيّ شيء آخر،فلا يسمح لأيّة دعوة أخرى أن تنفذ أو تحاول النّفاذ إلى داخله،لأنّ القضيّة أصبحت منتهية بالنّسبة إليه،فإذا جاءته دعوة الإسلام،لتفتح قلبه على عقائدها و مفاهيمها و أحكامها،و لتدعوه إلى الحوار حولها،ليتعرّف أيّ الفكرتين أفضل،و أيّ الموقفين أحسن،فإنّنا نفاجأ بأنّ صدره يضيق و وجهه يتقلّص، و تحسّ به كما لو كان يعيش حالة الاختناق كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ الأنعام:125،فيحاول أن يتهرّب من إثارة الموضوع،أو يخرج من المجلس،أو يوحي للآخرين بالحرج الشّديد من هذا الحديث.(9:320)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: باب الحرج على ثلاثة أوجه:

أحدها:الشّكّ،كقوله: حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ النّساء:

65،و قوله: فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ الأعراف:2، و قوله: يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً الأنعام:125.

و الثّاني:الضّيق،كقوله: ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ المائدة:6،و قوله: وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ الحجّ:78.

ص: 336

و الثّاني:الضّيق،كقوله: ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ المائدة:6،و قوله: وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ الحجّ:78.

و الثّالث:الإثم،كقوله: وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ التّوبة:91،و في النّور:61،و الفتح:

17: لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ. (213)

نحوه الدّامغانيّ(238)،و الفيروزآباديّ(2:447).

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحرجة،و هي الغيضة لا يقدر أحد أن ينفذ فيها،لالتفاف شجرها و ضيق مسلكها،و الجمع:حرج و أحراج و حرجات و حراج و محاريج،و حراج الظّلماء:ما كثف و التفّ،و مكان حرج و حرج:مكان ضيّق كثير الشّجر.

ثمّ استعير ضيق الحرجة لأشياء و أمور كثيرة، و منه:الحرجة:سرير يحمل عليه المريض أو الميّت، و مركب للنّساء و الرّجال ليس له رأس.

و الحرج من الإبل:الّتي لا تركب و لا يضربها الفحل ليكون أسمن لها،إنّما هي معدّة.

و الحرج و الحرجوج:النّاقة الطّويلة الضّامرة؛ و الجمع:حراجيج،و هي ناقة حرجج و حرجيج أيضا.

و الحرج:حيرة العين.يقال:حرجت عينه تحرج حرجا،أي حارت.

و الحرج:أن ينظر الرّجل فلا يستطيع أن يتحرّك من مكانه فرقا و غيضا.

و الحرج:حبال تنصب للسّبع؛و الجمع:أحراج و حراج.

و الحرج:قلادة الكلب.يقال:كلب محرّج و كلاب محرّجة،أي مقلّدة؛و الجمع:أحراج،و حرجة، و أحرجة.و الحرج:ما يلقى للكلب من صيده؛و الجمع:

أحراج.

و حرج الرّجل أنيابه يحرجها حرجا:حكّ بعضها إلى بعض من الحرد،أي الغضب.

و حرج صدره يحرج حرجا:ضاق فلم ينشرح لخير،فهو حرج و حرج.

و الحرج:الّذي يهاب أن يتقدّم على الأمر،و هذا ضيق أيضا.

و الحرج:الّذي لا ينهزم،كأنّه يضيق عليه العذر في الانهزام.

و حرجت الصّلاة على المرأة حرجا:حرمت،و هو من الضّيق،لأنّ الشّيء إذا حرم فقد ضاق.

و حرج عليه السّحور:أصبح قبل أن يتسحّر،فحرم عليه لضيق وقته.

و حرج عليّ ظلمك حرجا:حرم.

أحرج امرأته بطلقة:حرّمها.يقال:أكسعها بالمحرجات؟يريد بثلاث تطليقات.

و أحرج الكلب و السّبع:ألجأه إلى مضيق فحمل عليه،و حرج عليه:لجأ عن ضيق،و أحرجه إليه:ألجأه و ضيّق عليه،و حرّج فلان على فلان:ضيّق عليه، و أحرجت فلانا:صيّرته إلى الحرج،و هو الضّيق.

و الحرج و الحرج:الإثم،لأنّه ضيق،و الحارج:

الآثم،و الحرج و الحرج و المتحرّج:الكافّ عن الإثم.

يقال:رجل متحرّج:متأثّم،أي يلقي الحرج و الإثم عن نفسه،و أحرجه:آثمه،و تحرّج:تأثّم.

ص: 337

2-و جاء في محيط المحيط:«الحراج:وقوف البضاعة مع الدّلاّل عند ثمن لا مزيد عليه،و سوق الحراج:سوق الدّلالة،و هما من كلام المولّدين».

و ذكر معجم«دهخدا»الفارسيّ: «الحرّاج:المزايدة، و هو ليس عربيّا،لأنّه يعني في العربيّة الإثم و الضّيق، فلا يناسب هذا المعنى».

و نرى أنّه عربيّ أصيل،إلاّ أنّه مبدل«الفاء»، فأصله«الهرج»،أي الاختلاط و الكثرة في الشّيء، أبدلت«الحاء»من«الهاء»،مثل:نهم و نحم:صوّت، و زيدت ألف فيه،مثل:دانق و داناق.

و يستعمله أهل العراق بلغة قريبة من الأصل،فهم يقولون:الهرج،بفتح رائه،وفق ما اعتادوا عليه في فتح «عين»الاسم،مثل:جهل،أو ضمّه،مثل:ضرب،أو كسره،مثل:عبد،و هي لغة ملفّقة من النّقل عند الوقف.

يقال:هذا الضّرب،و رأيت الضّرب،و مررت بالضّرب.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت اسم مصدر 11 مرّة،و وصفا مرّة في 11 آية:

حرج:

1- ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ... المائدة:6

2- هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ... الحجّ:78

3- لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً... الأحزاب:37

4- ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللّهُ لَهُ... الأحزاب:38

5- ...قَدْ عَلِمْنا ما فَرَضْنا عَلَيْهِمْ فِي أَزْواجِهِمْ وَ ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ لِكَيْلا يَكُونَ عَلَيْكَ حَرَجٌ...

الأحزاب:50

6- لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ آبائِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أُمَّهاتِكُمْ...

النّور:61

7- لَيْسَ عَلَى الْأَعْمى حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْأَعْرَجِ حَرَجٌ وَ لا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ وَ مَنْ يُطِعِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ وَ مَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً الفتح:17

8- لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَى الْمَرْضى وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلّهِ وَ رَسُولِهِ... التّوبة:91

9- فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً النّساء:65

10- كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ... الأعراف:2

11- ...وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ... الأنعام:125

و يلاحظ أوّلا:أنّ«حرج»جاء في الجميع بفتح الرّاء اسم مصدر،إلاّ في(11)فجاء وصفا و قرئ بفتحها و كسرها،و جاء منفيّا في الجميع إلاّ في(11)أيضا،

ص: 338

فجاء مثبتا.

و ثانيا:أنّ الآيات كلّها تشريع و مدنيّ-على خلاف في الحجّ-سوى(10 و 11)فمكّيّ،راجع إلى العقيدة، و قريب منهما(9)إلاّ أنّها مدنيّة،و صدرها تشريع.

و ثالثا:جاء نكرة دائما عقيب النّفي فيفيد الشّمول و العموم،سوى(11)فلا تفيد العموم بنفسه،إلاّ بحسب العموم في صدرها.

و رابعا:دلّت ثلاث منها بعمومها و لا سيّما(1 و 2) على قاعدة«نفي الحرج»من القواعد الأصوليّة و الفقهيّة -كما سبق في النّصوص-و لفظ(من)فيها يقوّي عمومها،و الباقي ممّا جاء تشريعا،فهي من مصاديق تلك القاعدة،و قد طبّقت على مواضعها،فتكون عونا لتلك القاعدة.

و قد أدخل الفخر الرّازيّ فيها قاعدة«نفي الضّرر» و هي قاعدة فقهيّة أخرى مستقلّة،لكنّهما بملاك واحد و هو تبعيد المشقّة،و توفير السّعة على الأمّة.

و خامسا:احتجّت المعتزلة بآيات رفع الحرج على بطلان تكليف ما لا يطاق؛حيث إنّه إذا لم يرد اللّه الحرج و الضّيق على العباد و هو ممّا يطاق،فإنّه لا يريد منهم ما لا يطاق بطريق أولى.لاحظ«ج ب ر،و خ ي ر».

و سادسا:أريد بهذه الآيات رفع الحرج من اللّه في تكاليفه،و بالباقي النّهي عن الحرج في الصّدور.

و سابعا:ما تقدّم كان من المسائل العامّة في هذه الآيات،أمّا كلّ واحدة منها ففيها بحوث:

1-جاء في(1) ما يُرِيدُ اللّهُ و يُرِيدُ نفيا للحرج،و إثباتا للتّطهير في الوضوء و الغسل فقال:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا وَ إِنْ كُنْتُمْ مَرْضى أَوْ عَلى سَفَرٍ أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ فَلَمْ تَجِدُوا ماءً فَتَيَمَّمُوا صَعِيداً طَيِّباً فَامْسَحُوا بِوُجُوهِكُمْ وَ أَيْدِيكُمْ مِنْهُ ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ وَ لكِنْ يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَ لِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ المائدة:6.

فبدأ فيها بالوضوء و الغسل،ثمّ ذكر الرّخص فيهما بذكر التّيمّم،و ذيّلها ب ما يُرِيدُ اللّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ. فالمراد بها رفع الحرج بتشريع تلك الرّخص وصولا إلى التّطهير بسهولة.و في هذه الآية بحث طويل ليس هاهنا محلّه.لاحظ«غ س ل،و م س ح،و ي م م».

2-جاء في(2)نفي الحرج في الدّين و هي وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَ فِي هذا....

فأمر فيها أوّلا:بالجهاد في اللّه-أي في سبيله-حقّ جهاده،و المراد به السّعي و الجهد في الطّاعة دون القتال في المعركة،و هذا يعمّ كلّ أعمال الخير،ثمّ نفي الحرج في الدّين ثانيا،فيشمل وضع الأحكام ابتداء و الرّخص استمرارا،و لا وجه لاختصاصه بالرّخص،و لا بحكم خاصّ كتعدّد الزّوجات،أو قبول التّوبة و غيرهما ممّا جاء في النّصوص.

و قد ذكر الماورديّ فيه خمسة وجوه،خامسها العموم،و هو الحقّ و عليه الأكثر.

ص: 339

و قد أوّلها صاحب«التّأويلات النّجميّة»بالسّير إلى اللّه بأنّه لا حرج فيه على العبد،لأنّ اللّه يقرّب العبد إليه، و هو سهل عليه،و ليس العبد هو الّذي يتصدّى تقريبه إلى اللّه حتّى يشقّ عليه.و باب التّأويل واسع.

و قال بعضهم:«لمّا كان حَقَّ جِهادِهِ متعسّرا على العباد ذيّله بهذا،ليبيّن أنّ المراد ما هو بحسب قدرتهم، لا ما يليق باللّه جلّ جلاله من الوجوه.

و قال سيّد قطب:«هذا الدّين كلّه ملحوظ فيه فطرة الإنسان و طاقته،ملحوظ فيه تلبيته تلك الفطرة...»

ثمّ أكّد فيها ثالثا أنّ دينكم هذا هو ملّة أبيكم إبراهيم عليه السّلام،و خصّ الخطاب فيها بمن كان من ذرّيّة إبراهيم،و منهم أهل مكّة.و هذا شاهد على أنّ سورة الحجّ مكّيّة.فلاحظ«المدخل»فصل مكّيّ السّور و مدنيّها.

ثمّ نبّه على أنّ اللّه سمّاكم من قبل و في هذا مسلمين أو إبراهيم سمّاكم به كما جاء به في: وَ مِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ البقرة:128،تقريبا الإسلام إلى هؤلاء المشركين المنكرين،و تنبيها بأنّ هذا الدّين هو دين أبيكم إبراهيم،فلا تعرضوا عنه.

3-الآيات الثّلاث:(3-5)من سورة الأحزاب تنفي الحرج عن النّبيّ و المؤمنين في أمر المصاهرة:

فاثنتان منها في زواج المؤمنين أزواج أدعيائهم-أي من اتّخذوه ابنا لهم من أبناء غيرهم-فوسّع اللّه عليهم في ذلك و على النّبيّ عليه السّلام برفع الحرج عنه في نكاحه امرأة زيد بن حارثة-و كان اتّخذه ابنا-بعد أن قضى نحبه في آيتين:

وَ إِذْ تَقُولُ لِلَّذِي أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِ وَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِ أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَ اتَّقِ اللّهَ وَ تُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا اللّهُ مُبْدِيهِ وَ تَخْشَى النّاسَ وَ اللّهُ أَحَقُّ أَنْ تَخْشاهُ فَلَمّا قَضى زَيْدٌ مِنْها وَطَراً زَوَّجْناكَها لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْواجِ أَدْعِيائِهِمْ إِذا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَراً وَ كانَ أَمْرُ اللّهِ مَفْعُولاً* ما كانَ عَلَى النَّبِيِّ مِنْ حَرَجٍ فِيما فَرَضَ اللّهُ لَهُ سُنَّةَ اللّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَ كانَ أَمْرُ اللّهِ قَدَراً مَقْدُوراً الأحزاب:37،38.

فبدأ في الأولى بأمر النّبيّ زيدا-و قد أراد أن يطلّق زوجته لينكحها النّبيّ-ثمّ نصّ على أنّ اللّه زوّجها إيّاه بعد أن قضى زيد منها وطرا،ثمّ نبّه على أنّ ذلك لرفع الحرج عن المؤمنين في نكاح أزواج أدعيائهم.

ثمّ ذكر في الآية الثّانية نفي الحرج في هذا على النّبيّ، سنّة الأنبياء قبله برفع الحرج عنهم.و للحديث عن هذه القصّة مجال واسع.لاحظ«ز ي د-زيد».

و الأخيرة منها تنفي الحرج على النّبيّ أيضا في زواج من ذكرن فيها من نساء عشيرته و ممّن وهبت نفسها للنّبيّ خاصّة.لاحظ«زوج:أزواج النّبيّ».

4-و الآيات الثّلاث(6-8)نفت الحرج على ذوي الأعذار كالمريض و من به آفة و الضّعفاء و نحوهم في أمرين:الأكل من بيوت الأقرباء في(6)-على خلاف فيها-و القعود عن القتال في(7 و 8).

أمّا الأولى ففيها بحوث:

أ:اختلفوا فيمن نزلت:هل نزلت ترخيصا للمؤمنين عامّة في الأكل مع هؤلاء من طعامهم،لأنّهم امتنعوا منه خشية أن يأتوا بما نهاهم اللّه عنه في يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ النّساء:29،أو في الأكل معهم حذرا من الإجحاف عليهم؟و قد ذكر الفخر الرّازيّ لكلّ منهم وجها:أمّا الأعمى فإنّه لا يبصر الطّعام الجيّد،و أمّا الأعرج فلأنّه لا يتمكّن من الجلوس فإلى أن يأكل لقمة يأكل غيره لقما،و أمّا المريض فلأنّه لا يتأتّى له الأكل،كما يأكل الصّحيح.

ص: 340

أ:اختلفوا فيمن نزلت:هل نزلت ترخيصا للمؤمنين عامّة في الأكل مع هؤلاء من طعامهم،لأنّهم امتنعوا منه خشية أن يأتوا بما نهاهم اللّه عنه في يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ النّساء:29،أو في الأكل معهم حذرا من الإجحاف عليهم؟و قد ذكر الفخر الرّازيّ لكلّ منهم وجها:أمّا الأعمى فإنّه لا يبصر الطّعام الجيّد،و أمّا الأعرج فلأنّه لا يتمكّن من الجلوس فإلى أن يأكل لقمة يأكل غيره لقما،و أمّا المريض فلأنّه لا يتأتّى له الأكل،كما يأكل الصّحيح.

أو ترخيصا لهؤلاء في مؤاكلة الأصحّاء،لأنّ الأعمى لا يبصر فيأخذ الأجود،و الأعرج و المريض يفسدان الطّعام عليهم،و لأنّهم يكرهون مؤاكلة المرضى،أو لغير ذلك ممّا ذكره الفخر الرّازيّ و ممّا رواه من الأحاديث.

أو ترخيصا لهؤلاء خاصّة في الأكل من بيوت من سمّى اللّه من الأقرباء عموما،أو خصوص من خلّفهم الغزاة في بيوتهم.

أو هي ترخيص لهؤلاء في التّخلّف عن الجهاد، و قوله: وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ أَنْ تَأْكُلُوا... منقطع عمّا قبله و ترخيص للمؤمنين في الأكل من بيوت الأقرباء.

و قد ذكرها الطّبريّ،و رجّح الوجه الأخير،لأنّه أظهر،و ذكر له مثالا من قول العرب،فلاحظ و هو الأقرب.و حملها على التّرخيص لهؤلاء في القعود عن الجهاد أبعد الوجوه؛إذ لا يوجد شاهد عليه في الآية، و لا فيما قبلها و ما بعدها.

و قد أنهاها القرطبيّ إلى ثمانية وجوه:

منها أنّها منسوخة استنادا إلى ما قاله عبد الرّحمن بن زيد من أنّه خاصّ بأوّل الإسلام حين لم تكن على الأبواب أغلاق.و كانت السّتور مرخاة فرخّص لهم ذلك،ثمّ صارت الأغلاق على البيوت،فلا يحلّ لأحد أن يفتحها.

و منها أنّها ناسخة.

و منها أنّها محكمة،و هو ما ذكر أوّلا.فلاحظ النّصوص.

ب:قد كرّر فيها«حرج»ثلاث مرّات و«بيوت» عشر مرّات:مرّة في أدب الدّخول،و 9 مرّات في الأكل منها،لأنّ سياق الآية مبنيّ على البسط و التّفصيل فكرّر البيوت حسب الأقرباء.لاحظ«ب ي ت:بيوت ج 7:

231».

و كرّر«حرج»في ذوي الأعذار الثّلاثة دون وَ لا عَلى أَنْفُسِكُمْ تكريما بموقف هؤلاء في المجتمع.

قيل:و دفعا لتوهّم خلاف المراد لو جمعهم في«حرج» و إشارة إلى مغايرة الأخير للمذكورات قبله.

ج:رتّبهم حسب شدّة آفتهم،و خصّ بالذّكر ثلاثة أصناف مع وجود غيرهم،لوفورهم يوم ذاك بين النّاس،أو لشمول«المريض»غير الأعمى و الأعرج، فلا يختصّ التّرخيص بهم.

و أمّا الأخيرتان-و كلتاهما ترخيص لذوي الأعذار في التّخلّف عن القتال-ففيهما بحوث أيضا:

أ:ذكر في(7)هؤلاء بنفس ما جاء في(6)مع تكرار «حرج»لما سبق،و تنبيها على وحدة الملاك فيهما و الاشتراك في العلّة بين الحكمين،على الرّغم من اختلافهما موضوعا:فالأولى الأكل من بيوت الأقرباء، و الثّانية التّخلّف عن القتال بقرينة ما قبلهما من ذكر المخلّفين عن القتال-بل في ذيل الآية نفسها وَ مَنْ يَتَوَلَّ يُعَذِّبْهُ عَذاباً أَلِيماً إيماء إليه-فإنّه لمّا أدان المخلّفين مرّات

ص: 341

استثنى منهم ذوي الأعذار،فهي استثناء ممّا قبلها.

ب:الآية(8)كالمستثنى ممّا قبلها أيضا،و هي آيات أدانت المخلّفين و القاعدين و المعذّرين-و أكثرهم المنافقون-ثمّ تلتها آيتان: لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَى الْمَرْضى وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلّهِ وَ رَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ* وَ لا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ* إِنَّمَا السَّبِيلُ عَلَى الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ وَ هُمْ أَغْنِياءُ رَضُوا بِأَنْ يَكُونُوا مَعَ الْخَوالِفِ وَ طَبَعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لا يَعْلَمُونَ التّوبة:91-93

ج:و قد ذكر فيهما أربعة أصناف:صنفان ممّن به آهة:و هما الضّعفاء و المرضى،و صنفان ممّن به فاقة:

و هما الّذين لا يجدون ما ينفقون،و الّذين أتوا النّبيّ ليحملهم،فلم يجد ما يحملهم عليه.

و قد اختلف كلماتهم في شأن نزولها،و في توصيف الأصناف الأربعة،كما سبق عن الطّبرسيّ و غيره.لاحظ «ض ع ف:الضّعفاء،و م ر ض:المرضى».

5-تلك الآيات كلّها في نفي الحرج من اللّه في تشريعه،و أمّا الثّلاث الباقية(9-11)فأريد بها الحرج في الصّدور:

فالأولى(9)نهى عن وجود حرج في نفوسهم من قضاء النّبيّ عليه السّلام بينهم: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً و فيها بحوث:

أ:الحرج فيها عند أكثرهم:ضيق الصّدر و المشقّة، و عند بعضهم:الشّكّ،لأنّ الشّاكّ في ضيق من أمره حتّى يلوح له اليقين،و عند بعضهم الضّيق و الشّكّ معا.و قال بعضهم:همّا و حزنا،و قال آخر:كراهة.

و الأوّل هو الموافق للسّياق،فإنّ المؤمن راض بما قضى النّبيّ و لو كان عليه،و يؤيّده بل يفسّره وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً فإنّ التّسليم هنا نقيض الحرج فنفى الحرج أوّلا،و أثبت التّسليم فعلا و مصدرا ثانيا، تسجيلا للأمر و باقي المذكورات من لوازمه.

ب:هذا التّسليم يحكي عن كمال الإيمان،كما قال:

وَ ما زادَهُمْ إِلاّ إِيماناً وَ تَسْلِيماً الأحزاب:22،و هو أمر صعب بل هو كما قال بعض مشايخنا:أصعب التّكاليف الإلهيّة.

و التّعبير عنه ب ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً في نهاية البلاغة؛حيث يفيد أنّهم لا يخطر ببالهم أيّ ضيق و حرج بل يسلّموا تسليما تماما.

قال الآلوسيّ: «نفي وجدان الحرج أبلغ من نفي الحرج».

ج:حمل الفخر الرّازيّ ثُمَّ لا يَجِدُوا... على الانقياد في الباطن و وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً على الانقياد في الظّاهر!و لا شاهد عليه،بل كلاهما انقياد في الباطن، و الثّاني-كما سبق-تأييد و تفسير للأوّل.

د:جاء(حرجا)نكرة عقيب النّفي فيفيد العموم،أي أيّ ضيق،أو أيّ نوع من الضّيق.قال أبو السّعود:

«و التّنوين للتّحقير-و بهذا تمّ العموم-و الجرّ في(منه) متعلّق ب«حرج»يقال:حرج منه،أي ضاق به صدره، أو بمحذوف وقع صفة به،أي حرج كائن منه...»أو هو

ص: 342

متعلّق ب(يكن)أي لا يكن منه حرج في صدرك،و لعلّه الأقرب.

ه:قال مغنيّة:«لا يؤمنون حتّى يعلموا علم اليقين أنّ حكمك هو حكم اللّه بالذّات،و أنّ من ردّ عليك فعلى اللّه يردّ...و هذا لازم لمعنى الآية،و ليس معناها بالذّات، فإنّ معناها التّسليم لقضاء النّبيّ عليه السّلام.

و:استفاد مكارم الشّيرازيّ منها أنّ علامة الإيمان الرّاسخ لها ثلاث مراحل:التّحاكم إلى النّبيّ دون الطّواغيت،و أن لا يشعروا بأيّ حرج و انزعاج نفسيّ، و تطبيق تلك الأحكام تطبيقا كاملا،و عندنا أنّ ثانيها منطوق الآية،و الآخران من لوازمه.

ز:و استفاد منها أيضا تبعا للفخر الرّازيّ عصمة الأنبياء،و بطلان الاجتهاد قبال النّصّ،و هذا أيضا من اللّوازم البعيدة لمعنى الآية،و للبحث فيه مجال،و ليس هنا محلّه.

و أمّا الثّانية(10)فجاءت في وصف القرآن و موقف النّبيّ عليه السّلام منه: كِتابٌ أُنْزِلَ إِلَيْكَ فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ لِتُنْذِرَ بِهِ وَ ذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ و فيها بحوث أيضا:

أ:إسناد«الحرج»فيها-و كذا في(11)-إلى الصّدر، و المراد به القلب،مجاز شائع لعلاقة الحالّ و المحلّ،مثل إسناد الإيمان و الكفر و غيرهما إلى القلب.على أنّ الإسناد إلى القلب كان تمشّيا مع العرف العامّ و هذه كلّها عمل المخّ.لاحظ«ق ل ب:القلب و القلوب».

ب:فسّر بعضهم(حرج)فيها بالشّكّ.لأنّ الشّاكّ يعتريه ضيق الصّدر،كما أنّ المتيقّن يعتريه انشراحه، و قد قابل اللّه بين ضيق الصّدر و شرح الصّدر في(11) كما يأتي:أي لا تشكّ أنّ القرآن حقّ من عند اللّه،و الآية نظير فَإِنْ كُنْتَ فِي شَكٍّ مِمّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ فَسْئَلِ الَّذِينَ يَقْرَؤُنَ الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكَ... يونس:94،و اَلْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُمْتَرِينَ البقرة:147.

و عليه سأل عبد الجبّار كيف يصحّ أن يواجهه عليه السّلام بهذا الخطاب،و لا يجوز عليه الشّكّ في القرآن؟

و أجاب بأنّه قد ينهاه عن المعلوم أنّه لا يقع،كما قال: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ الزّمر:65.

و قال أبو السّعود:«و ما قد يقع من نسبته إليه في ضمن النّهي،فعلى طريقة التّهييج و الإلهاب و المبالغة في التّنفير و التّحذير بإيهام أنّ ذلك من القبح و الشّرّيّة؛ بحيث ينهى عنه من لا يمكن صدوره عنه أصلا،فكيف بمن يمكن ذلك منه».و أجاب عنه بعضهم بأنّ المراد بها أمّته،أي لا تشكّوا في القرآن.و هذا بعيد عن السّياق، لكنّه مستفاد منها،لأنّه إذا منع النّبيّ عن الشّكّ فيه فأمّته ممنوعون عنه قطعا.قال أبو حيّان:«و فسّر الحرج هنا بالشّكّ،و هو تفسير قلق».

و فسّره كثير منهم بالضّيق،و هو الصّواب و اختاره الطّبريّ لأنّه يوافق اللّغة،بل القرآن أيضا،مثله فَلَعَلَّكَ تارِكٌ بَعْضَ ما يُوحى إِلَيْكَ وَ ضائِقٌ بِهِ صَدْرُكَ هود:12،و وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّكَ يَضِيقُ صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ الحجر:97،و لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ الشّعراء:3.

و عليه فما هو سبب ضيق صدره عليه السّلام؟فأكثرهم قالوا:

كان يضيق صدره بأنّهم يكذّبونه،كما في يَضِيقُ

ص: 343

صَدْرُكَ بِما يَقُولُونَ، و في طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى طه:1،2،أو كان يخاف من أن يكذّبوه.

و بعضهم جمعوا بين الشّكّ و الضّيق و غيرهما.

قال الزّمخشريّ: «لا تشكّ أنّه منزل من اللّه، و لا تحرج من تبليغه،لأنّه كان يخاف قومه و تكذيبهم له،فأمّنه و نهاه عن المبالاة بهم»ثمّ ذكر وجه تسمية الشّكّ حرجا.

و قال ابن عطيّة: «و الحرج هاهنا يعمّ الشّكّ و الخوف و الهمّ،و كلّ ما يضيق الصّدر،و بحسب سبب الحرج يفسّر الحرج هاهنا.[إلى أن قال:]

لا وجه للتّخصيص؛إذ اللّفظ يعمّ الجهات الّتي هي من سبب الكتاب و لأجله؛و ذلك يستغرق التّبليغ و الإنذار،و تعرّض المشركين،و تكذيب المكذّبين و غير ذلك».

و قال القرطبيّ: «و مذهب مجاهد و قتادة أنّ الحرج هنا الشّكّ،و ليس هذا شكّ الكفر،و إنّما هو شكّ الضّيق...».

و قال أبو حيّان: «و قيل:الحرج هنا الخوف،أي لا تخف منهم و إن كذّبوك و تمالئوا عليك».لاحظ الآلوسيّ فعنده بسط في الكلام.

ج:قالوا في فَلا يَكُنْ فِي صَدْرِكَ حَرَجٌ مِنْهُ: إنّه نهى عن الحرج مبالغة،من باب قولهم:«لا أرينّك هنا» أي لا تقم هنا،يعني كن على يقين و لا تشكّ.

قال الطّوسيّ: «صيغة النّهي و إن كان متناولا للحرج فالمعنيّ به المخاطب،نهي عن التّعرّض للحرج...لما فيه من أنّ الحرج لو كان ممّا ينهى له لنهيناه عنك،فانته أنت عنه بترك التّعرّض له».

و قال ابن عطيّة:«لفظ النّهي هو للحرج و معناه للنّبيّ عليه السّلام».

و قال الرّاغب:«قيل:هو نهي،و قيل:دعاء،و قيل:

هو حكم منه،نحو أَ لَمْ نَشْرَحْ لَكَ صَدْرَكَ.

د:احتمل الطّوسيّ و الطّبرسيّ و غيرهما أنّ«الفاء» في(فلا يكن)إمّا عاطفة جملة على جملة،و تقديره:هذا الكتاب أنزلناه إليك،فلا يكن بعد إنزاله في صدرك حرج،و إمّا جواب«إذا»المقدّر،أي إذا أنزل إليك لتنذر به فلا يكن في صدرك حرج منه.

و عندنا أنّه تفريع على(لتنذر به)أي إذا أنزلناه لتنذر به النّاس لا لإلزامهم على قبوله،فلا يضيق صدرك بعد ذلك بتكذيبهم.و هذا مفهوم من جميع آيات ضيق صدره و حصر وظيفته بالتّبليغ،دفعا لتكليفه عليه السّلام بأكثر من التّبليغ و الإنذار،كما قال: وَ ما عَلَى الرَّسُولِ إِلاَّ الْبَلاغُ الْمُبِينُ النّور:54،و العنكبوت:18.

و لعلّه مراد الثّعلبيّ بقوله:«و قيل:معناه لا أطبّق قلبك بإنذار من أرسلتك بإنذاره،و إبلاغ من أمرتك بإبلاغه».

ه:قالوا:إنّ الضّمير في(منه)يرجع إلى«الكتاب» -و هو الأظهر،كما في ضمير(به)-أو إلى ثقل الرّسالة كما قال: إِنّا سَنُلْقِي عَلَيْكَ قَوْلاً ثَقِيلاً المزّمّل:5،أو إلى «الإنزال»أو«الإنذار»المستفاد من(انزل)و(لتنذر).

و قال بعضهم:الكلام فيه تقديم و تأخير،أي أنزل إليك الكتاب لتنذر به،فلا يكن في صدرك حرج منه.

و عليه فالموجب للتّأخير هو عطف وَ ذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ على(لتنذر)رعاية للرّويّ،أو الموجب للتّقديم أنّ المقصود بالآية دفع الحرج عنه عليه السّلام،فقدّم ما هو مقصود بها،و في كليهما لطف.

ص: 344

و عليه فالموجب للتّأخير هو عطف وَ ذِكْرى لِلْمُؤْمِنِينَ على(لتنذر)رعاية للرّويّ،أو الموجب للتّقديم أنّ المقصود بالآية دفع الحرج عنه عليه السّلام،فقدّم ما هو مقصود بها،و في كليهما لطف.

و أمّا الثّالثة(11)فجاءت تفسيرا لإضلال اللّه من يستحقّ الإضلال بأن يجعل صدره ضيّقا حرجا كأنّما يصّعّد في السّماء،و فيها بحوث أيضا:

أ:هذه الآية وحيدة بين آيات الحرج في تفسير الحرج بضيق الصّدر،و تفسير الضّيق ب كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ، و في جعله بإزاء شرح الصّدر ممّا يشهد بأنّه بمعنى الضّيق،و لا تحتمل غيره.

و العجب أنّ ابن عبّاس في أحد قوليه و السّدّيّ و مجاهد فسّروا«الحرج»فيها بالشّكّ.

ب:و هي وحيدة أيضا بقراءة(حرج)فيها بفتح الرّاء و كسرها،مثل:الوحد،و الوحد،و الفرد،و الفرد، و الدّنف و الدّنف،و أنّهما واحد معنى،نصّ به الطّبريّ.

و عن غيره أنّه بالكسر وصف،و بالفتح مصدر وصف به،مثل رجل عدل،و هذا مبالغة،أو معناه ذو حرج.

ج:بعضهم فسّر(حرجا)بشديد الضّيق،ليكون فرقا بينه و بين«ضيّقا».قال السّمين:«هو المتزايد في الضّيق فهو أخصّ من الأوّل،فكلّ حرج ضيق من غير عكس».ثمّ حكى عن«المكّيّ»أنّه كرّر لاختلاف اللّفظ تأكيدا.و لعلّه أقرب كأمثالها من المرادفات،و عليه فالشّدّة مستفادة من الجمع بينهما لا من(حرجا)بالذّات.

د:ذكر الماورديّ للحرج هنا ثلاثة أوجه:«شديد الصّلابة حتّى لا يثبت فيه شيء،شديد الضّيق حتّى لا يدخله شيء،موضعه مبيضّ»و لا وجه لها بعد العلم بأنّ المراد منها عدم قبول الحقّ،قبال من شرح صدرا فيقبله،فهي كناية.

ه:جاء في الأحاديث بيان لشرح الصّدر،و الحرج بحصول النّور في القلب أو زواله عنه.

و:و قد تعرّض المعتزلة و غيرهم هنا لتوجيه إرادة اللّه للعباد الهداية و الإضلال.لاحظ«ه د ي،و ض ل ل».

ص: 345

ص: 346

ح ر د

اشارة

حرد

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحرد مصدر الأحرد:الّذي إذا مشى رفع قوائمه رفعا شديدا و يضعها مكانها،من شدّة قطافته،في الدّوابّ و غيرها.

و حرد الرّجل فهو أحرد،إذا ثقلت عليه درعه فلم يستطع الانبساط في المشي.

و الحرد و الحرد:لغتان.يقال:حرد فهو حرد،إذا اغتاظ فتحرّش بالّذي غاظه،و همّ به،فهو حارد.

و قطا حرد،أي سراع.

و قول اللّه جلّ ذكره: وَ غَدَوْا عَلى حَرْدٍ...

القلم:25،أي على جدّ من أمرهم.

و حرد السّير،إذا لم يستو قطعه.

و الحرديّة:حياصة الحظيرة الّتي تشدّ على حائط من قصب عرضا.تقول:حرّدناه تحريدا؛و يجمع على حراديّ.

و حيّ حريد:الّذي ينزل منزلا من جماعة القبيلة لا يخالطهم في ارتحاله و حلوله.

و الحرد:قطعة من سنام.

و المحاردة:انقطاع اللّبن من المواشي و الإبل، و ناقة محارد:شديدة الحراد.

و الحرد:القصد.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(3:180)

المفضّل الضّبّيّ: إنّ من العرب من يقول:حرد حردا و حردا،و التّسكين أكثر،و الأخرى فصيحة، و قلّما يلحن النّاس في اللّغة.(الأزهريّ 4:413)

الضّبّيّ: سمعت أعرابيّا يسأل يقول:من يتصدّق على المسكين الحرد؟أي المحتاج.(الأزهريّ 4:415)

صارت الحمّى تحارده:تعهّده و تعاهده،و به سمّي الرّجل حاردا.(ابن دريد 3:460)

ابن شميّل: الحرد:أن تنقطع عصبة ذراع البعير

ص: 347

فتسترخي يده،فلا يزال يخفق بها أبدا.و إنّما تنقطع العصبة من ظاهر الذّراع،فتراها إذا مشى البعير كأنّها تمدّ مدّا من شدّة ارتفاعها من الأرض و رخاوتها.

و الحرد:إنّما يكون في اليد.و الأحرد يلقّف، و تلقيفه:شدّة رفعه يده،كأنّما يمدّ مدّا،كما يمدّ دقّاق الأرزّ خشبته الّتي يدقّ بها،فذلك التّلقيف.

(الأزهريّ 4:413)

المحرّد من الأوتار:الحصد الّذي يظهر بعض قواه على بعض،و هو المعجّر.(الأزهريّ 4:415)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الحرد:الملتوية الأجنحة.

(1:147)

الأحرد:البعير يلقّف يديه إذا مشى،و لا يخوض في ماء أبدا.(1:149)

الحارد:الغضبان،قد حرد يحرد حرودا.(1:150)

المحرد:حرد يحرد،و حرك يحرك.(1:164)

و المحاردة:انقطاع اللّبن.

و الحرد،تقول:قد حرد البعير،و أحردته أنت،و هو أن تقطع العصبة فوق الذّراع،و يكون انشلالا.(1:196)

و الحرد:الثّقب.(1:203)

قال الطّائيّ: المحرد:مفصل العنق أو المخدّش، و المخدّش:موضع الرّحل.(1:215)

رجل حريد،و هو المتحوّل عن قومه،و قد حرد يحرد حرودا.(الأزهريّ 4:414)

الحارد:القليلة اللّبن من النّوق.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](الأزهريّ 4:416)

الأصمعيّ: رجل حريد،أي فريد وحيد.

و المنحرد:المنفرد،في لغة هذيل.(الجوهريّ 2:464)

الحرد:داء يأخذ البعير ينفض منه يده.

و الأحرد من الرّجال:اللّئيم.

و حردت حرده،أي قصدت قصده.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](الأزهريّ 4:413)

الحرود:مباعر الإبل؛واحدها:حرد و حردة بكسر الحاء.(الأزهريّ 4:414)

البيت المحرّد،و هو المسنّم الّذي يقال له بالفارسيّة:كوخ.

و المحرّد من كلّ شيء:المعوّج.(الأزهريّ 4:416)

و قد حرد حردا،إذا هاج و غضب.

(ابن السّكّيت:78)

و الدّابّة الّتي تسمّى الحردون؛لا أدري ما صحّتها في العربيّة.و هي دويبّة تشبه الحرباء؛تكون بناحية مصر، و هي مليحة موشّاة بألوان و نقط،و له نزكان،كما أنّ للضّبّ نزكين.(الجواليقيّ:166)

أبو زيد :رجل حريد من قوم حرداء،و قد حرد يحرد حرودا،إذا ترك قومه و تحوّل عنهم.

و قالوا:كلّ قليل في كثير،حريد.[ثمّ استشهد بشعر](الجوهريّ 2:464)

ابن الأعرابيّ: الحرد:القصد و الحرد:المنع، و الحرد:الغيظ،و الغضب.و يجوز أن[يكون]هذا كلّه معنى قوله: وَ غَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ القلم:25.

الحرود:الأمعاء.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 4:414)

يقال:الخشب السّقف:الرّوافد،و يقال لما يلقى عليها

ص: 348

من أطنان (1)القصب:حراديّ.

و رجل حرديّ:واسع الأمعاء.(الأزهريّ 4:416)

ابن السّكّيت: و قالوا:كلّ قليل في كثير:حريد.

و الحيّ الحريد:القليل،ينزلون متفرّدين من النّاس.

(38)

و الحرد:القصد،يقال:حرد حرده،إذا قصد قصده.

و الحرد:الغيظ،و الحرد:أن ييبس عصب البعير من عقال،أو يكون خلقة،فيخبط بها إذا مشى.يقال:جمل أحرد.و ناقة حرداء،و إبل حرد.(إصلاح المنطق:47)

و تقول:هذه غرفة محرّدة،فيها حراديّ القصب؛ و الواحد:حرديّ.و لا تقل:هرديّ.

(إصلاح المنطق:306)

[الحرد:الغضب]و قد يحرّك،تقول منه:حرد بالكسر فهو حارد و حردان.و منه قيل:أسد حارد، و ليوث حوارد.

و حرد البعير حردا بالتّحريك لا غير،فهو أحرد و ناقة حرداء؛و ذلك أن يسترخي عصب إحدى يديه من عقال،أو يكون خلقة حتّى كأنّه ينفضها إذا مشى.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](الجوهريّ 2:464)

الدّينوريّ: و حرّد حبله:أدرج فتله فجاء مستديرا.

و حبل حرد بيّن الحرد:غير مستوي القوى.

(ابن سيده 3:257)

ابن أبي اليمان :و الحرد مصدر حرد حرده:أي قصد قصده.(298)

و الحريد:النّازل وحده منفردا.[و استشهد بالشّعر مرّتين](320)

المبرّد: قوله:«فإذا بيت حريد».يقول:متنحّ عن النّاس.و هذا من قولهم:انحرد الجمل،إذا تنحّى عن الإناث فلم يبرك معها.

و يقال في غير هذا الموضع:حرد حرده،أي قصد قصده.[ثمّ استشهد بشعر]

و قالوا في قوله عزّ و جلّ: وَ غَدَوْا عَلى حَرْدٍ...

أي على قصد،كما ذكرنا.و قالوا:هو أيضا على منع،من قولهم:حاردت النّاقة،إذا منعت لبنها،و حاردت السّنة، إذا منعت مطرها.

و البعير الأحرد:هو الّذي يضرب بيده،و أصله:

الامتناع من المشي.(1:290)

قال أبو زيد و الأصمعيّ و أبو عبيدة: الّذي سمع من العرب الفصحاء في الغضب:حرد يحرد حردا بتحريك الرّاء.و سألت ابن الأعرابيّ عنها فقال:صحيحة،إلاّ أنّ المفضّل أخبرني أنّ من العرب من يقول:حرد حردا و حردا،و التّسكين أكثر،و الأخرى فصيحة،قال:و قلّما يلحن النّاس في اللّغة.(الأزهريّ 4:413)

كراع النّمل:الحريد:السّمك المقدّد.

(ابن سيده 3:258)

الزّجّاج: حرد الرّجل الشّيء،إذا قصده، و أحردت فلانا،أي أفردته،و أحرد الأديم،إذا ألقى عنه شعره.و أحردت الرّجل:أغضبته.(فعلت و أفعلت:13)

ابن دريد :الحرد:القصد للشّيء بتسكين الرّاء، حردت نحوه حردا.ب.

ص: 349


1- في«اللّسان»:أطيان القصب.

و الحرد أيضا بسكون الرّاء:الغضب،و تحريكها خطأ.

و أسد حارد:غضبان.

و حرد البعير يحرد حردا إذا استرخى عصب إحدى يديه حتّى كأنّه يتلقّف بها إذا مشى،فهو أحرد،و الأنثى:

حرداء.

و كوكب حريد،إذا طلع في أفق السّماء متنحّيا عن الكواكب.

و رجل حريد المحلّ،إذا لم يخالط النّاس و لم ينزل معهم...و أمّا[الإناء]الّذي يسمّيه البصريّون:الحرديّ، من القصب،فهو نبطيّ معرّب.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](120)

حاردت النّاقة،إذا منعت الإبل.(3:168)

و يقال:فلان يحاردنا بالزّيارة،أي يزورنا بين الأيّام.(3:460)

ابن الأنباريّ: الحريد:المنفرد.(77)

الأزهريّ: الحرد في البعير:حادث ليس بخلقة.

(4:412)

يقال:جمل أحرد،و ناقة حرداء.(4:413)

قال اللّيث: وَ غَدَوْا عَلى حَرْدٍ...: على جدّ من أمرهم.

قلت:هكذا وجدته في نسخ كتاب اللّيث مقيّدا، و الصّواب:على حدّ،أي على منع.

و قال اللّيث:قطا حرد:سراع.

قلت:هذا خطأ،و القطا الحرد:القصار الأرجل، و هي موصوفة بذلك،و من هذا قيل للبخيل:أحرد اليدين،أي فيهما انقباض عن العطاء.

و من هذا قول من قال في قوله: عَلى حَرْدٍ أي على منع و بخل.(4:414)

و سمعت العرب تقول للحبل إذا اشتدّت غارة قواه حتّى تتعقّد و تتراكب:جاء بحبل فيه حرود،و قد حرّد حبله.

و قال اللّيث:الحرد:قطعة من السّنام.

قلت:لم أسمع بهذا لغير اللّيث،و هو خطأ،إنّما الحرد المعى.

و حاردت الإبل،إذا انقطع ألبانها و قلّت،فهي محاردة،و ناقة محارد،بغير هاء:شديدة الحراد.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](4:415)

و حرّد الرّجل،إذا أوى إلى كوخ.(4:416)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و الحرد:داء يأخذ الإبل من العقال في اليدين دون الرّجلين.

و حردت داره:بعدت.

و رجل حرد و فرد،و حرد فرد،و حريد فريد، و حارد فارد،من قوم حرداء،و منحرد منفرد.

و احترده:أفرده.

و الحرود:مباعر الإبل؛واحدها:حرد.

و في العود حرود و حيود،أي عجر.

و الحرد:الحزّ في الشّيء؛و جمعه:حرود.

و حردت اللّحم:قطعته.

و المحرد:أصل العنق؛و الحرد:العنق.

و المحارد:المشافر.

ص: 350

و وتر حرد،و حبل أحرد:و ذلك إذا شددت إحدى القوّتين و أرخيت الأخرى.

و الحرود:حرف الحبل،و حراديده:حيوده.

و ناقة محارد:و هي الّتي ينقطع لبنها سريعا.

و حارد الرّجل،إذا أعطى ثمّ أمسك.

و الحرود:الّتي لا تكاد تدرّ محاردة.و إبل حراد:

كذلك.

و المحرد:المغذّ في السّير.يقال:أحرد في سيره.

و المحرد:المغضب،و الحرد:الاسم.

و البيت المحرّد:المسنّم.(3:37)

الخطّابيّ: الحرد:القطعة من السّنام.

يقال:«حردت منه حردا»أي قطعت.و هذا مثل يريد أنّه لم يعي بالجواب عن هذه المعضلة،و لم يستأن بالقول فيها.(3:151)

الجوهريّ: حرد يحرد بالكسر حردا:قصد،تقول:

حردت حردك،أي قصدت قصدك.

و الحرود من النّوق:القليلة الدّرّ.

و حاردت السّنة:قلّ مطرها.

و حرد يحرد حرودا،أي تنحّى عن قومه،و نزل منفردا و لم يخالطهم.[إلى أن قال:]

و الحرد بالتّحريك:الغضب.قال أبو نصر أحمد بن حاتم صاحب الأصمعيّ:هو مخفّف.

و تحريد الشّيء:تعويجه كهيئة الطّاق.و منه قيل:

بيت محرّد،أي مسنّم.

و حبل محرّد،إذا ضفر فصارت له حروف لاعوجاجه.

و الحرديّ من القصب:نبطيّ معرّب.و لا يقال:

الهرديّ.

و غرفة محرّدة،أي فيها حراديّ القصب.

و الحرد بالكسر:واحد الحرود،و هي مباعر الإبل.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:464)

نحوه ملخّصا،الرّازيّ.(146)

ابن فارس: الحاء و الرّاء و الدّال أصول ثلاثة:

القصد،و الغضب،و التّنحّي.

فالأوّل:القصد.يقال:حرد حرده،أي قصد قصده.و من هذا الباب الحرود:مباعر الإبل؛واحدها:

حرد.

و الثّاني:الغضب.يقال:حرد الرّجل:غضب، حردا،بسكون الرّاء.

و يقال:أسد حارد.

و الثّالث:التّنحّي،و العدول.يقال:نزل فلان حريدا،أي متنحّيا.و كوكب حريد.

و حاردت النّاقة،إذا قلّ لبنها؛و ذلك أنّها عدلت عمّا كانت عليه من الدّرّ.و كذلك حاردت السّنة،إذا قلّ مطرها.

و حبل محرّد،إذا ضفر فصارت له حرفة لاعوجاجه.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](2:51)

أبو هلال :الفرق بين الغضب و الحرد:أنّ الحرد هو أن يغضب الإنسان فيبعد عن من غضب عليه،و هو من قولك:كوكب حريد،أي بعيد عن الكواكب،و حيّ حريد،أي بعيد المحلّ.

و لهذا لا يوصف اللّه تعالى بالحرد و هو الحرد بالإسكان،

ص: 351

و لا يقال:حرد بالتّحريك.و إنّما الحرد:استرخاء يكون في أيدي الإبل؛جمل أحرد،و ناقة حرداء.

و يجوز أن يقال:إنّ الحرد هو القصد،و هو أن يبلغ في الغضب أبعد غاية.(106)

ابن سيده: الحرد:الجدّ و القصد.حرد يحرد حردا، و في التّنزيل: وَ غَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ القلم:

25،و الحرد:المنع؛و قد فسّرت الآية على هذا.

و حرّد الشّيء:منعه.

و رجل حردان:متنحّ معتزل،و حرد من قوم حراد، و حريد من قوم حرداء،و امرأة حريدة؛و لم يقولوا:

حردى،و حيّ حريد:متفرّد معتزل:إمّا من عزّتهم،و إمّا من ذلّتهم و قلّتهم.

حرد يحرد حرودا.

و كوكب حريد:طلع منفردا،و الفعل كالفعل، و المصدر كالمصدر.

و منه التّحريد في الشّعر،و لذلك عدّ عيبا،لأنّه بعد و خلاف للنّظير.

و حرد عليه حردا،و حرد يحرد حردا،كلاهما غضب.فأمّا سيبويه فقال:حرد حردا.

و رجل حرد و حارد:غضبان.

و حاردت الإبل:انقطعت ألبانها أو قلّت.

و ناقة محارد و محاردة:بيّنة الحراد،و استعاره بعضهم للنّساء.

و حاردت السّنة:قلّ ماؤها،و قد استعير في الآنية إذا نفد شرابها.

و الحرد:داء في القوائم إذا مشى البعير نفض قوائمه، فضرب بهنّ الأرض كثيرا.

و قيل:هو داء يأخذ الإبل من العقال في اليدين دون الرّجلين.بعير أحرد،و قد حرد حردا.

و بعير أحرد:يخبط بيديه إذا مشى،خلقة.

و قيل:الحرد،أن ييبس عصب إحدى اليدين من العقال و هو فصيل،فإذا مشى ضرب بها صدره.

و قيل:الأحرد الّذي إذا مشى رفع قوائمه رفعا شديدا،و وضعها مكانها من شدّة قطافته،يكون في الدّوابّ و غيرها.

و رجل أحرد،إذا ثقلت درعه فلم يستطع الانبساط في المشي،و قد حرد حردا.

و الحرديّ و الحرديّة:حياصة الحظيرة الّتي تشدّ على حائط القصب عرضا.قال ابن دريد:«هي نبطيّة».و قد حرده.

و غرفة محرّدة:فيها حراديّ القصب.

و بيت محرّد:مسنّم.

و المحرّد من كلّ شيء:المعوجّ.

و حرد الوتر حردا فهو حرد،إذا كان بعض قواه أطول من بعض.

و الحرد:قطعة من السّنام.

و الحرد:مبعر البعير و النّاقة؛و الجمع:حرود.

و أحراد الإبل:أمعاؤها.و خليق أن يكون واحدها:

حردا،كواحد الحرود الّتي هي مباعرها،لأنّ المباعر و الأمعاء متقاربة.

و تحرّد الأديم:ألقى ما عليه من الشّعر.

و قطا حرد:سراع.[و استشهد بالشّعر 7 مرّات]

ص: 352

(3:256)

الحرد:أن يكون الرّجل إذا خطا،كأنّه يخبط برجله شيئا،حردت الدّابّة تحرد حردا:يبس عصبها خلقة أو من داء،فصارت تخبط إذا مشت،فهي حرداء.

(الإفصاح 1:517)

الحرد:أن يكون بعض قوى الحبل أو الوتر أطول من بعض.حرد الحبل يحرد حردا فهو حرد:تعجّر الأطول منه،و ذلك إذا لم تكن قواه مستوية.

و حرّد الحبل:ضفره على غير استواء،فجاءت له حرفة،يقال:فيه حرد.(الإفصاح 2:1014)

الرّاغب: الحرد:المنع عن حدّة و غضب،قال عزّ و جلّ: وَ غَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ أي على امتناع من أن يتناولوه قادرين على ذلك.

و نزل فلان حريدا،أي متمنّعا عن مخالطة القوم، و هو حريد المحلّ.

و حاردت السّنة:منعت قطرها،و النّاقة:منعت درّها.

و حرد:غضب،و حرّده:كذا.

و بعير أحرد:في إحدى يديه حرد.

و الحرديّة:حظيرة من قصب.(113)

الزّمخشريّ: حرد عليه:غضب،و هو حرد عليه و حارد.و أسد حارد،و أسود حوارد.

و فلان فريد حريد.

و حلّ حريدا:متنحّيا عن القوم.و كوكب حريد.

و لأحردنّ حردك،أي قصدك.

و بيت محرّد:مسنّم كالكوخ.

و حاردت النّاقة:قلّ لبنها.و ناقة محارد و حرود.

و من المجاز:حاردت السّنة:قلّ مطرها.و حاردت حالي:تنكّدت.و حارد فلان:كان يعطي ثمّ أمسك.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](أساس البلاغة:79)

الجواليقيّ: و الحرديّ:حرديّ القصب،الّذي تقول له العامّة:هرديّ؛نبطيّ معرّب.يقال:غرفة محرّدة.(165)

المدينيّ: في حديث صعصعة بن ناجية:«فرفع لي بيت حريد»أي منتبذ متنحّ عن النّاس،من قولهم:تحرّد الجمل،إذا تنحّى عن الإبل فلم يبرك معها،قاله صاحب التّتمّة.

و قال غيره:يقال:حريد فريد،و حرد فرد بكسر الرّاءين و بفتحهما،و بسكونهما.و حارد فارد،و منحرد منفرد،و قد حرد حرودا،أي تحوّل عن قومه.و أحرده، أي أفرده.

يقال:حردت من السّنام حردا،أي قطعت.

(1:422)

ابن الأثير: [نحو المدينيّ و قال:]

المحرد:المقطع.(1:362)

الصّغانيّ: الأحرد:البخيل من الرّجال اللّئيم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحردة:مبعر الإبل،أي معاها،مثل الحرد بلا هاء.

و المحارد:المشافر.

و حراديد الجبل:حروفه.

و أحرد في السّير:أغذّ-أسرع-فيه.(2:220)

الفيّوميّ: حرد حردا،مثل غضب غضبا،وزنا

ص: 353

و معنى،و قد يسكّن المصدر.

و حرد حردا بالسّكون:قصد.

و حرد البعير حردا بالتّحريك،إذا يبس عصبه خلقة،أو من عقال و نحوه؛فيخبط إذا مشى،فهو أحرد.

و الحرديّ بضمّ الحاء و سكون الرّاء:حزمة من قصب تلقى على خشب السّقف،كلمة نبطيّة؛و الجمع:

الحراديّ.

و عن اللّيث: أنّه يقال:هرديّة.قال:«و هي قصبات تضمّ ملويّة بطاقات الكرم،يرسل عليها قضبان الكرم»».و هذا يقتضي أن تكون الهرديّة عربيّة.و قد منعها ابن السّكّيت،و قال:لا يقال:هرديّة.(1:128)

الفيروزآباديّ: حرده يحرده:قصده،و منعه كحرّده،و ثقبه.

و رجل حرد و حارد و حرد و حريد و متحرّد،من قوم حراد و حرداء:معتزل متنحّ.

و حيّ حريد:منفرد إمّا لعزّته أو لقلّته،حرد يحرد حرودا.

و كضرب و سمع:غضب،فهو حارد و حرد و حردان.

و الحرد بالكسر:قطعة من السّنام و مبعر البعير و النّاقة كالحردة بالكسر.

و حاردت الإبل:انقطعت ألبانها أو قلّت،و السّنة:

قلّ ماؤها.

و ناقة حرود و محارد و محاردة:بيّنة الحراد.

و الحرد محرّكة:داء في قوائم الإبل أو في اليدين،أو يبس عصب إحداهما من العقال،فيخبط بيديه إذا مشى،و أن تثقل الدّرع على الرّجل فلم يقدر على الانتشاط في المشي،و أن يكون بعض قوى الوتر أطول من بعض؛و فعل الكلّ ك«فرح»فهو حرد.

و الحرديّ و الحرديّة بضمّهما:حياصة الحظيرة تشدّ على حائط القصب.

و المحرّد كمعظّم:الكوخ المسنّم و المعوجّ،و البيت فيه حراديّ القصب.

و حرّد الحبل تحريدا:أدرج فتله فجاء مستديرا، و الشّيء:عوّجه،و زيد:أوى إلى كوخ مسنّم.

و تحرّد الأديم ألقى ما عليه من الشّعر.

و قطا حرد:سراع.

و الحريد:السّمك المقدّد.

و أحرده:أفرده،و في السّير:أغذّ.

و الأحرد:البخيل اللّئيم.

و الحريداء:رملة ببلاد بني أبي بكر بن كلاب،و عصبة تكون في موضع العقال تجعل الدّابّة حرداء.

و الحرود:حروف الحبل كالحراديد.

و المحارد:المشافر.

و انحرد النّجم:انقضّ.

و كمجلس:مفصل العتق،أو موضع الرّحل.

(1:297)

الطّريحيّ: حرد حردا مثل غضب وزنا و معنى، و قد يسكّن المصدر.و عن ابن الأعرابيّ السّكون أكثر.

«حرد على قومه»أي تنحّى عنهم و تحوّل و نزل منفردا و لم يخالطهم.

و من كلام الحقّ فيمن يظلّهم اللّه في ظلّ عرشه:

ص: 354

«و الّذين يغضبون لمحارمي إذا استحلّت كالنّمر إذا حردت».نقل أنّها لا تملك نفسها عند الغضب،حتّى يبلغ من شدّة غضبها أن تقتل نفسها.(3:36)

مجمع اللّغة :الحرد،من معانيه:المنع عن حدّة، حرد يحرد حردا.(1:246)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حرده:منعه بشدّة، و الحرد:القصد.و هو المعنيّ في القرآن على الأرجح،و إن كان له معان أخر.(1:128)

المصطفويّ: الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو التّنحّي على حدّة،و بتناسب هذا المفهوم تستعمل في الغضب و المنع و العدول و الاعوجاج و النّكد، و هو قلّة الخير و المنع عن الدّرّ.

و أمّا القصد:فهو باعتبار العدول و التّنحّي عن شيء،ثمّ التّوجّه و القصد إلى جانب يقصده.فقيد التّنحّي و الحدّة مأخوذ في جميع هذه المصاديق.

و لا يخفى أنّ الحرد و الحرب و الحرز:قريبة المعاني في المفهوم الكلّيّ.(2:203)

النّصوص التّفسيريّة

حرد

وَ غَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ. القلم:25

ابن عبّاس: على حقد.(481)

ذوي قدرة.(الطّبريّ 29:31)

مجاهد :على جدّ.

مثله الحسن،و قتادة،و ابن زيد.(الطّبريّ 29:32)

على أمر أسّسوه بينهم.

على أمر مجمع.

مثله عكرمة.(الطّبريّ 29:32)

الحسن :على جهد.

على فاقة.(الطّبريّ 29:32)

قتادة :غدا القوم و هم محردون إلى جنّتهم، قادرون عليها في أنفسهم.(الطّبريّ 29:32)

الثّوريّ: على حنق.(الطّبريّ 29:32)

أبو عبيدة :مجازها:على منع،بمعنى«حاردت النّاقة»فلا لبن لها.

و(على حرد)أيضا على قصد.

و قال آخر:(على حرد):على غضب.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:265)

نحوه الفرّاء(3:176)،و الزّجّاج(5:207).

السّدّيّ: على غضب.

كان اسم قريتهم حرد.(460)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في معنى«الحرد»في هذا الموضع،فقال بعضهم:معناه:على قدرة في أنفسهم و جدّ.

و قال آخرون:بل معنى ذلك:و غدوا على أمرهم قد أجمعوا عليه بينهم،و استسرّوه،و أسرّوه في أنفسهم.

و قال آخرون:بل معنى ذلك:و غدوا على فاقة و حاجة.

و قال آخرون:بل معنى ذلك:على حنق.[إلى أن قال:]

و كان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل

ص: 355

البصرة يتأوّل ذلك:و غدوا على منع.و يوجّهه إلى أنّه من قولهم:حاردت السّنة،إذا لم يكن فيها مطر، و حاردت النّاقة،إذا لم يكن لها لبن...

و هذا قول لا نعلم له قائلا من متقدّمي العلم قاله، و إن كان له وجه.

فإذا كان كذلك و كان غير جائز عندنا أن يتعدّى ما أجمعت عليه الحجّة،فما صحّ من الأقوال في ذلك إلاّ أحد الأقوال الّتي ذكرناها عن أهل العلم.

و إذا كان ذلك كذلك و كان المعروف من معنى «الحرد»في كلام العرب:القصد،من قولهم:قد حرد فلان حرد فلان؛إذا قصد قصده.

صحّ أنّ الّذي هو أولى بتأويل الآية قول من قال:

معنى قوله:و غدوا على أمر قد قصدوه و اعتمدوه و استسرّوه بينهم،قادرين عليه في أنفسهم.[و استشهد بالشّعر مرّتين](29:31)

الطّوسيّ: الحرد:القصد.حرد يحرد حردا فهو حارد.[ثمّ استشهد بشعر و ذكر الأقوال المتقدّمة ثمّ قال:]

و الأصل:القصد.(10:81)

القشيريّ: أي قادرين عند أنفسهم،و يقال:على غضب منهم على المساكين.(6:188)

الزّمخشريّ: الحرد:من حاردت السّنة،إذا منعت خيرها،و حاردت الإبل،إذا منعت درّها.و المعنى:

و غدوا قادرين على نكد لا غير،عاجزين عن النّفع، يعني أنّهم عزموا أن يتنكّدوا على المساكين و يحرمونهم و هم قادرون على نفعهم،فغدوا بحال فقر و ذهاب مال لا يقدرون فيها إلاّ على النّكد و الحرمان؛و ذلك أنّهم طلبوا حرمان المساكين فتعجّلوا الحرمان و المسكنة.

أو غدوا على محاردة جنّتهم و ذهاب خيرها قادرين بدل كونهم قادرين على إصابة خيرها و منافعها،أي غدوا حاصلين على الحرمان مكان الانتفاع.

أو لمّا قالوا:(اغدوا على حرثكم)و قد خبثت نيّتهم،عاقبهم اللّه بأن حاردت جنّتهم و حرموا خيرها فلم يغدوا على حرث،و إنّما غدوا على حرد.

و(قادرين)من عكس الكلام للتّهكّم،أي قادرين على ما عزموا عليه من الصرام و حرمان المساكين، و عَلى حَرْدٍ ليس بصلة(قادرين).

و قيل:الحرد بمعنى الحرد.و قرئ على (حرد) ،أي لم يقدروا إلاّ على حنق و غضب بعضهم على بعض،لقوله تعالى: يَتَلاوَمُونَ القلم:30.

و قيل:الحرد:القصد و السّرعة،يقال:حردت حردك.[ثمّ استشهد بشعر]

و قطا حراد:سراع،يعني و غدوا قاصدين إلى جنّتهم بسرعة و نشاط قادرين عند أنفسهم،يقولون:

نحن نقدر على صرامها و زيّ منفعتها عن المساكين.

و قيل:(حرد)علم للجنّة،أي غدوا على تلك الجنّة قادرين على صرامها عند أنفسهم،أو مقدّرين أن يتمّ لهم مرادهم من الصّرام و الحرمان.(4:144)

نحوه الفخر الرّازيّ(30:89)،و ملخّصا،البيضاويّ (2:495)،و النّيسابوريّ(29:23)،و الخازن(7:112)، و الشّربينيّ(4:360)،و أبو السّعود(6:287)، و البروسويّ(10:116).(4:144)

الطّبرسيّ: أي على قصد منع الفقراء.(5:337)

ص: 356

أبو البركات:(على حرد)جارّ و مجرور في موضع نصب على الحال،و تقديره:و غدوا حاردين قادرين.

(2:454)

العكبريّ: (على حرد)يتعلّق ب(قادرين) و(قادرين)حال.و قيل:خبر(غدوا)لأنّها حملت على «أصبحوا».(2:1235)

القرطبيّ: [ذكر الأقوال و أضاف:]

و قيل:على انفراد.يقال:حرد يحرد حرودا،أي تنحّى عن قومه و نزل منفردا و لم يخالطهم.[إلى أن قال:]

و قرأ العامّة بالإسكان،و قرأ أبو العالية و ابن السّميقع بالفتح؛و هما لغتان.(18:243)

نحوه أبو حيّان.(8:312)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه قال:]

الجارّ متعلّق ب:(قادرين)قدّم للحصر و رعاية الفواصل،أي و غدوا قادرين على منع لا غير.و المعنى أنّهم عزموا على منع المساكين و طلبوا حرمانهم و نكدهم و هم قادرون على نفعهم فغدوا بحال لا يقدرون فيها إلاّ على المنع و الحرمان؛و ذلك أنّهم طلبوا حرمان المساكين فتعجّلوا الحرمان،أو غدوا على محاردة جنّتهم و ذهاب خيرها بدل كونهم قادرين على إصابة خيرها و منافعها، أي غدوا حاصلين على حرمان أنفسهم مكان كونهم قادرين على الانتفاع.

و الحصر على الأوّل حقيقيّ و على هذا إضافيّ بالنّسبة إلى انتفاعهم من جنّتهم،و الحرمان عليه خاصّ بهم.

و جوّز أن يكون(على حرد)متعلّقا ب(غدوا)، و المراد بالحرد:حرد الجنّة،جيء به مشاكلة للحرث، كأنّه لمّا قالوا: اُغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ و قد خبثت نيّتهم،عاقبهم اللّه تعالى بأن حاردت جنّتهم و حرموا خيرها،فلم يغدوا على حرث،و إنّما غدوا على حرد، و(قادرين)من عكس الكلام للتّهكّم،أي قادرين على ما عزموا عليه من الصّرام و حرمان المساكين.[إلى أن قال:]

و الحصر حقيقيّ ادّعائيّ،أو إضافيّ،و قيل:بمعنى القصد و السّرعة.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]

أي غدوا قاصدين إلى جنّتهم بسرعة قادرين عند أنفسهم على صرامها.و روي هذا عن ابن عبّاس؛ ف(على حرد)ظرف مستقرّ حال من ضمير(غدوا).

(29:31)

عبد الكريم الخطيب :الحرد:القصد،و الوجهة الّتي يأخذها الإنسان لغايته.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]

و المعنى:أنّهم و قد أخذوا طريقهم إلى جنّتهم،خيّل إليهم أنّهم قادرون على القصد الّذي قصدوا إليه،و إنجاز الأمر الّذي دبّروه،دون أن يحول بينهم و بينه حائل.

و ما دروا أنّ يد اللّه قد سبقتهم إليه،و أنّه قد حيل بينهم و بين ما يشتهون.(15:1098)

نحوه مغنيّة.(7:392)

المصطفويّ: أي و أصبحوا على نظر التّنحّي عن المساكين و الحدّة عليهم،مع أنّهم كانوا قادرين على الدّرّ و الخير،و لكنّهم نكدوا.(2:203)

مكارم الشّيرازيّ: (حرد)على وزن«سرد» بمعنى الممانعة الّتي تكون توأما مع الشّدّة و الغضب،نعم

ص: 357

إنّهم كانوا في حالة عصبيّة و انفعاليّة من حاجة الفقراء لهم و انتظار عطاياهم،و لذا كان القرار بتصميم أكيد على منعهم من ذلك.(18:493)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحرد،و هو استرخاء عصب إحدى يدي البعير أو النّاقة من عقال أو خلقة، فلا يزال يخفق بها أبدا،يقال:بعير أحرد و ناقة حرداء و إبل حرد،و قد حرد يحرد حردا.

و رجل أحرد:ثقلت عليه الدّرع فلم يستطع الانبساط في المشي.يقال:حرد يحرد حردا،تشبيها بالأحرد من الجمال.

و المحرّد من كلّ شيء:المعوّج،على التّشبيه بالأحرد أيضا.يقال:حبل محرّد،أي ضفر،فصارت له حروف لاعوجاجه،و حرّد حبله:أدرج فتله فجاء مستديرا.و المحرّد من الأوتار:الحصد الّذي يظهر بعض قواه على بعض،و حرد الوتر حردا فهو حرد،إذا كان بعض قواه أطول من بعض.

و حرد السّير:لم يستو قطعه،و هو كالتّحريد،أي التّعويج،و منه:الحرد:قطعة من السّنام.

يقال:حردت من سنام البعير حردا،أي قطعت منه قطعة،و الحريد:السّمك المقدّد.

و تحرّد الجمل:تنحّى عن الإبل فلم يبرك،و هو حريد فريد،و هو الامتناع من مخالطتها.

و منه:رجل حردان،أي متنحّ معتزل،و هو حرد من قوم حراد،و حريد من قوم حرداء،و امرأة حريدة، و رجل حريد:فريد وحيد،و قد حرد يحرد حرودا:

تنحّى و تحوّل عن قومه،و نزل منفردا لم يخالطهم،و حيّ حريد:منفرد معتزل من جماعة القبيلة،و لا يخالطهم في ارتحاله و حلوله،و كوكب حريد:طلع منفردا.

و الحراد:انقطاع ألبان الإبل أو قلّتها.يقال:ناقة محارد و محاردة،أي شديدة الحراد،و الحارد و الحرود:

القليلة اللّبن من النّوق،و قد حاردت حرادا،و حاردت السّنة:قلّ ماؤها و مطرها،و كلّ ذلك امتناع من العطاء.

و الحرد:مبعر البعير و النّاقة؛و الجمع:حرود، و أحراد الإبل:أمعاؤها،و رجل حرديّ:واسع الأمعاء، و هو تشبيه بالتّحريد،أي التّعويج،لأنّ الأمعاء معوّجة.

و قالوا مجازا:حرد عليه حردا،و حرد حردا،أي غضب و اغتاظ،فهو حرد و حارد،لأنّ الغضب صدّ و امتناع.

و منه أيضا:حرّد الشّيء:منعه،و حرد يحرد حردا:

منع و جدّ و قصد.

2-و الحرديّ و الحرديّة:حياصة الحظيرة الّتي تشدّ على حائط القصب عرضا؛و الجمع:حراديّ،و قد حرّده تحريدا،و غرفة محرّدة:فيها حراديّ القصب عرضا، و بيت محرّد:مسنّم،و حرّد الرّجل:أوى إلى كوخ،لأنّ سقفه حرديّ،كما يقال:أعرق،أي أتى بلاد العراق.

قال الجوهريّ: «الحرديّ من القصب:نبطيّ معرّب، و لا يقال:الهرديّ»،و قال الخليل:«الهرديّة:قصبات ملويّة مطويّة تضمّ بطاقات الكرم».

و هو لفظ معرّب كما قالوا:إلاّ أنّه ليس نبطيّا،بل معرّب من الآراميّة،و أصله:«هردا»فيجوز أن يلفظ بالهاء تبعا للأصل.ثمّ إنّ العرب تلفظ الكلمة الأعجميّة بصور شتّى،فتجعل لها أوزانا كثيرة،و تبدل حروفها

ص: 358

بحروف أخرى،فلا ضير أن يقال:حرديّ أو هرديّ.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد مصدرا في سورة مكّيّة:

وَ غَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ القلم:25

يلاحظ أوّلا:أنّ(حرد)جاء في قصّة أصحاب الجنّة الّتي وصفها اللّه في آيات: كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ* وَ لا يَسْتَثْنُونَ* فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَ هُمْ نائِمُونَ* فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ* فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ* أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ* فَانْطَلَقُوا وَ هُمْ يَتَخافَتُونَ* أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ* وَ غَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ و الآيات قبلها تحاكي الخشونة و الغضب و البخل و الإمساك عن التّصدّق على المساكين،و عن الاستثناء أي قول«إن شاء اللّه».و الآيات بعدها تحاكي النّدم و التّوبة و الاعتراف بالظّلم و التّقصير،و تبرّك التّسبيح،أي الاستثناء،و لكن لم ينفعهم ذلك.

ثانيا:فسّروا(حرد)بقدرة،جدّ،إجماع،انفراد، فاقة،و حاجة،حنق و غضب،قصد،منع-أي منع الفقراء-و حمله الطّبريّ على الأخير بحجّة أنّه المعروف من كلام العرب.و كلّ محتمل و لكنّ الأنسب،بما قبله فَانْطَلَقُوا وَ هُمْ يَتَخافَتُونَ أي يتفاهمون خفية حتّى لا يسمعه أحد، أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ هو المنع حيث كانوا مصرّين على منع المساكين بجدّ،أي أصبحوا جازمين،بأنّهم قادرون على منعهم من خيراتها.

قال الزّمخشريّ: «الحرد:من حاردت السّنة،إذا منعت خيرها،و حاردت الإبل،إذا منعت درّها.و المعنى:

و غدوا قادرين على نكد لا غير،عاجزين عن النّفع، يعني أنّهم عزموا أن يتنكّدوا على المساكين و يحرمونهم و هم قادرون على نفعهم...».

و لو قيل:إنّ(حرد)هو المنع عن الخير بجدّ و قصد و حنق،لا مطلق المنع،لكان حسنا قريبا.

ثالثا:قال الآلوسيّ: «الجارّ-أي(على حرد)- متعلّق ب(قادرين)للحصر و رعاية الفواصل،أي و غدوا قادرين على منع لا غير».ثمّ أدام نحو الزّمخشريّ.و كأنّ قيد«غير عاجزين عن النّفع».مستفاد من المقام،لأنّ من كان قادرا على المنع فهو قادر على النّفع بطريق أولى، و قوله:«قدّم(حرد)للحصر»فيه تأمّل؛إذ ليس هنا مقام الحصر،بل أخّر عنه(قادرين)رعاية للفواصل فقط.

ثمّ قال:«و جوّز أن يكون(على حرد)متعلّقا ب(غدوا)و جاء(حرد)مشاكلة للحرث الّذي في أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ أي لم يغدوا على حرث،و إنّما على حرد.و(قادرين)من عكس الكلام للتّهكّم،أي ما قدروا عليه»و هو بعيد و قال المصطفويّ:«أصبحوا على نظر التّنحّي عن المساكين و الحدّة عليهم،مع أنّهم كانوا قادرين على الدّرّ و الخير،و لكنّهم نكدوا»و هو بعيد أيضا.

رابعا:قال بعضهم(قادرين)حال و قيل:خبر (غدوا)لأنّها حملت على«أصبحوا».و لا بأس به،لأنّ «غدا»ملحق بالأفعال النّاقصة.

خامسا:انفرد القرطبيّ بقوله في(حرد):«قرأ العامّة بالإسكان،و قرأ أبو العالية و ابن السّميقع بالفتح و هما لغتان».و لم يذكره الطّبريّ،مع التزامه بذكر القراءات المعتبرة.

ص: 359

ص: 360

ح ر ر

اشارة

8 ألفاظ،15 مرّة:3 مكّيّة،12 مدنيّة

في 10 سور:2 مكّيّتان،8 مدنيّة

الحرّ 2:1-1 حريرا 1:-1

حرّا 1:-1 الحرّ 2:-2

الحرور 1:1 محرّرا 1:-1

حرير 2:1-1 تحرير 5:-5

النّصوص اللّغويّة

أبو عمرو ابن العلاء:الحرور و السّموم باللّيل و النّهار.(الفيّوميّ 1:129)

الخليل: حرّ النّهار يحرّ حرّا.

و الحرور:حرّ الشّمس.

و حرّت كبده حرّة؛و مصدره:الحرر،و هو يبس الكبد.و الكبد تحرّ من العطش أو الحزن.

و الحريرة:دقيق يطبخ بلبن.

و الحرّة:أرض ذات حجارة سود نخرة،كأنّما أحرقت بالنّار؛و جمعها:حرار و إحرّين و حرّات.

و الحرّان:العطشان،و امرأة حرّى.

و الحرّ:ولد الحيّة اللّطيف.

و الحرّ:نقيض العبد،حرّ بيّن الحروريّة و الحرّيّة و الحرار.

و الحرارة:سحابة حرّة من كثرة المطر.

و المحرّر في بني إسرائيل:النّذيرة،كانوا يجعلون الولد نذيرة لخدمة الكنيسة ما عاش،لا يسعه تركه في دينهم.

الحرّ:فعل حسن.

و الحرّيّة من النّاس:خيارهم.

و الحرّ من كلّ شيء:أعتقه.

و حرّة الوجه:ما بدا من الوجنة.

و الحرّ:فرخ الحمام.

و حرّة النّفرى (1):موضع مجال القرط.

ص: 361


1- و في كتب اللّغة:الذّفرى.و هو الوجه،كذا قال ذو الرّمّة: *و القرط في حرّة الذّفرى معلّقة*

و الحرّ و الحرّة:الرّمل و الرّملة الطّيّبة.

و تحرير الكتاب:إقامة حروفه و إصلاح السّقط.

و حروراء:موضع،كان أوّل مجتمع الحروريّة بها، و تحكيمهم منها.و طائر يسمّى:ساق حرّ.

و حرّان:موضع.

و سحابة حرّة:تصفها بكثرة المطر.

و يقال للّيلة الّتي تزفّ فيها العروس إلى زوجها فلا يقدر على افتضاضها:ليلة حرّة،فإذا افتضّها فهي ليلة شيباء.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](3:23)

سيبويه :زعم يونس أنّهم يقولون:حرّة و حرّون، يشبّهونها بقولهم:أرض و أرضون لأنّها مؤنّثة مثلها.و لم يكسروا أوّل«أرضين»لأنّ التّغيير قد لزم الحرف الأوسط،كما لزم التّغيير الأوّل من«سنة»في الجمع.

و قالوا:إوزّة و إوزّون،كما قالوا حرّة و حرّون.

و زعم يونس أنّهم يقولون أيضا:حرّة و إحرّون، يعنون الحرار،كأنّه جمع إحرّة،و لكن لا يتكلّم بها.

(3:599)

اللّيث: الحرّ:نقيض البرد،و الحارّ:نقيض البارد.

و تقول:حرّ النّهار و هو يحرّ حرّا.

و الحرور:حرّ الشّمس.الأزهريّ(3:428)

الحرارة:حرقة في طعم،أو في القلب من التّوجّع.

الحرير:ثياب من إبريسم.

و رجل حرّان:عطشان،و امرأة حرّى:عطشى.

و يدعو الرّجل على صاحبه فيقول:سلّط اللّه عليه الحرّة تحت القرّة،يريد:العطش مع البرد.(الأزهريّ 3:429)

الحرّة:الكريمة من النّساء.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحرّة:نقيض الأمة.

و أحرار البقول:ما يؤكل غير مطبوخ.

(الأزهريّ 3:431)

الكسائيّ: حررت يا يوم تحرّ و حررت تحرّ،إذا اشتدّ حرّ النّهار.

و قد حررت تحرّ،من الحرّيّة لا غير.

(الأزهريّ 3:428)

شيء حارّ يارّ جارّ،و هو حرّان يرّان جرّان.

و يقال:حرّ بيّن الحرّيّة و الحروريّة،و زاد شمر فقال:و بيّن الحرار بفتح الحاء و الحروريّة أيضا.

(الأزهريّ 3:429)

ابن شميّل: الحرّة:الأرض مسيرة ليلتين سريعتين أو ثلاث فيها حجارة،أمثال البروك،كأنّما شيّطت بالنّار،و ما تحتها أرض غليظة من قاع ليس بأسود،و إنّما سوّدها كثرة حجارتها و تدانيها.

(الأزهريّ 3:430)

و الفلفل له حوارة و حرارة أيضا بالرّاء و الواو.

(الأزهريّ 3:429)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الحرر:بثر مثل الحصبة.

(1:141)

إنّه لحرّان عند الحوض،إذا منع ماءه.(1:145)

الحرور،أشدّ هبوبا من السّموم.(1:158)

ساق حرّ،إنّما هو حكاية،أنّها تقول:ساق حرّ،و تمدّه «و خذ أخاك بحمّ استه»أي بحرّ ذاك،مثل.(1:166)

أحرّ من القرع شبه الجرب.(2:265)

الحرّة:البثرة الصّغيرة.(الأزهريّ 3:429)

ص: 362

تكون الحرّة مستديرة،فإذا كان منها شيء مستطيلا ليس بواسع،فذلك:الكراع.(الأزهريّ 3:430)

الفرّاء: يقال:حرّ بيّن الحروريّة و الحروريّة.

و يقال:أتانا في أفرّة الحرّ،و بعضهم يقول:في أوّله، و بعضهم يقول:في شدّته.و منهم من يقول:في فرّة الحرّ، و منهم من يقول:أتانا في أفرّة الحرّ،فيفتح الألف.

(إصلاح المنطق:132)

أبو عبيدة :السّموم:الرّيح الحارّة بالنّهار،و قد تكون باللّيل.و الحرور:باللّيل،و قد تكون بالنّهار.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 3:428)

أبو زيد :يقال:إنّي لأجد في نفسي حرورة،و هي الحرارة يجدها الرّجل في حلقه من الغيظ و الغضب، و يجدها في رأسه من الوجع،و في صدره.(219)

الأصمعيّ: الحرّة:الأرض الّتي ألبستها حجارة سود.(الأزهريّ 3:430)

سألت غنويّا عن جمع«حرّة»فقال:إحرّون.

و سألت قيسيّا،فقال:حرّون.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن دريد 1:59)

اللّحيانيّ: هو[حرّة تحت قرّة]دعاء معناه:رماه اللّه بالعطش و البرد.(ابن سيده 2:518)

أبو عبيد: ساق حرّ:الذّكر من القماريّ.

(الأزهريّ 3:430)

ابن الأعرابيّ: حرّ يحرّ،إذا عتق و حرّ يحرّ،إذا سخن ماء أو غيره.(الأزهريّ 3:428)

هي[الحريرة]:العصيدة،ثمّ النّجيرة،ثمّ الحرير،ثمّ الحسوّ.

الحريرة الرّجلاء:الصّلبة الشّديدة.

ساق حرّ:ذكر الحمام.و قال أبو عدنان:يعنون بساق حرّ:لحن الحمامة.

الحرّ:الجانّ من الحيّات.

و الحرّ:رطب الأزاذ.

و الحرّ:كلّ شيء فاخر جيّد من شعر أو غيره.

و الحرّ:خدّ الرّجل،و منه يقال:لطم حرّ وجهه.

و الحرّة:الوجنة.(الأزهريّ 3:429)

الحرّ:زجر المعز.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 3:433)

ابن السّكّيت: قال النّضر بن شميّل:من الحرّ:

الوغرة،و الوقدة،و الأكّة،و الأجّة،و الأوار،و الحمارّة.

فأمّا و غرة القيظ فأشدّه،يقال:إنّا لفي و غرة من القيظ، يعني أشدّ القيظ حرّا.و الوغرة:عند طلوع الشّعرى.

و اصابتنا و غرة من الحرّ؛و ذاك متى ما اشتدّ عليك الحرّ في إبّان الحرّ.و قد و غرنا وغرة شديدة.و أوغرنا،أي أصابنا الحرّ الشّديد و دخلنا فيه،و الوقدة مثل الوغرة.

يقال إنّا لفي وقدة من الغيظ.و اصابتنا و غرات من الحرّ و وقدات،و يوم أبت،و ليلة أبتة و ذلك شدّة الحرّ بسكون الرّيح.و أمّا الأكّة:فالحرّ المحتدم الّذي لا ريح فيه و فيه عكّة،و أصابتنا أكّة من حرّ.و هذا يوم أكّة و يوم ذو أكّ و ذو أكّة،و قد ائتكّ يومنا.و يوم مؤتكّ.و يوم عكّ أكّ و ليلة عكّة أكّة.فأمّا العكّة و العكّة:فالحرّ الشّديد بسكون الرّيح.يقال:يوم عكّ و يوم ذو عكيك،و قد عكّ يعكّ عكّا.و أوار الحرّ:صلاؤه،و صلاؤه:شدّة حرّه.و يقال:يوم ذو أوار،أي شديد الحرّ.و أوار النّار:

ص: 363

صلاؤها.يقال:دنوت من أوار النّار،أي من لفحها.

و كذلك أوار القيظ.و أوار السّموم:[ما]يصيب وجهك، و حمارّة القيظ و حمرّه:أشدّ ما يكون من القيظ،و أمّا الوديقة:فشدّة الحرّ كحرّ الوغرة.يقال:أصابتنا وديقة.

و صخدان الحرّ:شدّته،و كذلك الوهجان،و الوقدان، و اللّهبان؛و أصابنا صخدان حرّ.و يوم صخدان و ليلة صخدانة.و يوم صاخد،و اصخد يومنا،و ليلة وهجانة.

و أتيته في و هجان الحرّ،و في صخدان الحرّ،و في وقدان الحرّ،و صخدته الشّمس،و صهرته،و صقرته، و صمحته و صهدته،و دمغته بحرّها،و فنخته،و وغرته.

و وغره الحرّ:و ذلك إذا ما اشتدّ وقعه عليه،و إنّ يومنا لوهج و ليلة وهجة،و توهّج يومنا،و توهّج حرّه.و أمّا الوقدة من الحرّ فأن يصيبك حرّ شديد في آخر الحرّ بعد ما يسكن الحرّ.و تقول:قد أبردنا،فيصيبك الحرّ أيّاما بغير ريح،فتلك الوقدة.تقول:أصابتنا وقدة.و إنّما هي شبّة و سبّة مثل السّنبة،و هو زمين قدر عشرة أيّام من حرّ تصيبهم،و الوقدة عشرة أيّام أو نصف شهر.

و احتدم علينا الحرّ،و احتدامه:شدّته و احتراقه، و احتدمت النّار و الشّمس،و احتدم عليّ من الغيظ،أي احترق.و لا يقال للحرّ مع الرّيح:احتدم و إن كانت الرّيح حارّة.و الرّيح الحارّة:السّموم،و الحرور،و السّهام.

الفرّاء: أسمّ يومنا،و سمّ،و يوم مسموم،و أصابه سفع،و لفح،و كفح من سموم،و حرور،و سفعت لونه و وجه النّار سفعا،و لفحته السّموم لفحا،و كافحته السّموم مكافحة،إذا قابلت وجهه.و منه لقيته كفاحا، أي مقابلة.و ما كان من الحرّ فهو لفح،و ما كان من البرد فهو نفح.و يوم ذو شربة،أي يشرب فيه الماء كثيرا من حرّه،و أتيته في معمعان الحرّ،و ليلة معمعانيّة و معمعانة، و يوم معمعانيّ و معمعان،و هو أشدّ الحرّ،و يوم و مد، و ليلة و مدة،و ذلك شدّة الحرّ بسكون الرّيح.

و حرّ يومنا يحرّ حرّا و حرارة.و يوم مصمقرّ:شديد الحرّ.[ثمّ استشهد بشعر]

قال:و سمعت الكلابيّ يقول:أتيته في حمراء الظّهيرة،و هو شدّة حرّها،يقال لليوم إذا اشتدّ حرّه:إنّه ليوم أمد و يوم أبت.و يقال لشدّة الحرّ:السّهام،و إذا اشتدّ الحرّ قيل:بيضة الحرّ،و وغرة الحرّ،و قاظ يومنا يقيظ قيظا.و الرّمض:شدّة حرّ الشّمس على الأرض، فلا تقدر أن تمشي على سهل و لا حزن إلاّ آذاك حرّه؛ فذلك الرّمض.يقال:رمضت أي مشيت على الرّمض، و ليلة أمدة و أبتة،إذا اشتدّ حرّها.(383)

و يقال:قد أحرّ الرّجل فهو محرّ،إذا كانت إبله حرارا،أي عطاشا،و قد حرّ يومنا يحرّ حرارة و حرّا.

و بعضهم يقول:يحرّ.(إصلاح المنطق:251)

الحريرة:أن تنتصب القدر بلحم يقطّع صغارا على ماء كثير،فإذا نضج ذرّ عليه الدّقيق،فإن لم يكن فيها لحم فهي عصيدة.(إصلاح المنطق:347)

شمر:الحريرة:من الدّقيق،و الخزيرة:من النّخالة.

(الأزهريّ 3:429)

هي[الحرّة]حرار ذوات عدد،منها:حرّة واقم، و حرّة ليلى،و حرّة النّار،و حرّة غلاّس،و حرّة النّار لبني سليم،و هي تسمّى أمّ صبّار.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال لهذا الطّائر الّذي يقال له بالعراق:باذنجان،

ص: 364

لأصغر ما يكون جثة:حرّ (1).(الأزهريّ 3:430)

أبو الهيثم:أحرار البقول:ما رقّ منها و رطب، و ذكورها:ما غلظ منها و خشن.(الأزهريّ 3:431)

ثعلب:قال أعرابيّ: ليس لها أعراق في حرار، و لكنّ أعراقها في الإماء.(ابن سيده 2:520)

ابن دريد :حرّ يحرّ يومنا-بفتح الحاء و كسرها، و الفتح أكثر-حرّا.و زعم قوم من أهل اللّغة أنّه يجمع الحرّ:أحارر،و لا أعرف ما صحّته.

و الحرّ:خلاف العبد،و عبد معتق.

و في التّنزيل: نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً آل عمران:35؛،يقال-و اللّه أعلم-أنّها أرادت أنّه خادم لك و هو حرّ.

و الحروريّة:الّذين خرجوا على أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام نسبوا إلى حروراء:موضع اجتمعوا فيه.

و الحرّ:العتيق من الخيل و غيرها.و يقال:حرّ بيّن الحرّيّة.

و الحرّ:الحمامة الذّكر الّذي يسمّى:ساق حرّ.

و الحرّ:ضرب من الحيّات.

و الحرّ أيضا:طائر صغير.

و الحرّة:حرارة العطش و التهابه.و من دعائهم:

«رماك اللّه بالحرّة و القرّة»أي بالعطش و البرد.

و الحرّة:أرض غليظة تركبها حجارة سود؛و الجمع:

حرار و حرّون و إحرّون.

و للعرب حرار معروفة:حرّة بني سليم،و حرّة ليلى،و حرّة راجل،و حرّة واقم بالمدينة،و حرّة النّار لبني عبس.

و يقال:للّيلة الّتي تزفّ فيها العروس إلى زوجها فلا يقدر على افتضاضها:ليلة حرّة.(1:58)

و باتت فلانة بليلة شيباء،إذا غلبها زوجها،و بليلة حرّة،إذا غلبت زوجها.(3:206)

[من الاتباع]:حارّ يارّ،و في الحديث:أنّه حارّ يارّ.

و يقال:حرّان يرّان.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(3:430)

الأزهريّ: و يقال:ساق حرّ:صوت القمريّ.

و رواه أبو عدنان:ساق حرّ بفتح الحاء.قال:و هو طائر تسمّيه العرب:ساق حرّ بفتح الحاء،لأنّه إذا هدر كأنّه [يقول]ساق حرّ.[ثمّ استشهد بشعر](3:430)

حرّان:بلد معروف.

و حروراء:موضع بظاهر الكوفة،إليها نسبت الحروريّة من الخوارج،و بها كان أوّل تحكيمهم و اجتماعهم حين خالفوا عليّا رضي اللّه عنه.

و رأيت بالدّهناء رملة و عثة يقال لها:رملة حروراء.

و تحرير الحساب إثباته مستويا،لا غلت فيه و لا سقط و لا محو.

و يجمع الحرّ:أحرارا،و يجمع الحرّة:حرائر.

(3:432)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و حرّت كبده تحرّ حرّة و حررا.

و الحرّان و الحرّى:مثل عطشان و عطشى.

و أجد في فمي حرورة،أي حرارة.

و الحرير:ثياب إبريسم.ّ.

ص: 365


1- و في«اللّسان»باسم:جميّل حرّ.

و الحريرة:دقيق يطبخ باللّبن.

و الحرّ:ولد الحيّة اللّطيف في شعر الطّرمّاح.

[و استشهد بشعره في الهامش]

و الحرّ:نقيض العبد،و فرخ الحمام.

و الحرّة:ضدّ الأمة،و الكريمة.

و حرّ الدّار:وسطها.

و ليلة حرّة:ليلة غلبة المرأة الزّوج.

و تحرير الكتابة:إقامة حروفها.

و أحرار البقول:ما يؤكل غير مطبوخ.و حرّيّة البقل:

مثله.

و سحابة حرّة:توصف بكثرة المطر.

و المحرّر:النّذيرة في خدمة الكنيسة.

و حرّان:بلد.

و حروراء:موضع.

و ساق حرّ:طائر.

و الحرّ في قوله:

*ليس هذا منك ماويّ بحر*

أي بحسن.

و الحرّ:ولد الظّبي.و هو من الفرس:سواد في ظاهر أذنيه.

و الحارّ:شعر المنخرين.

و حر (1):زجر للحمار.

و محرّر دارم:ضرب من الحيّات.

و الحرّان:كوكبان أبيضان بين العوائذ و الفرقدين.

و المحرّون:المعطشون الّذين عطشت إبلهم.

و الحرّان:أخوان:حرّ و أبيّ.(2:311)

الخطّابيّ: [في قصّة]«قال للمرأة:ذرّي و أنا أحرّ لك»و قوله:أحرّ لك،أي أتّخذ لك حريرة،و هي حساء من دقيق و دسم.(2:52)

في حديث الحجّاج:«أنّه باع معتقا في حرارة»قوله:

في حرارة،هو مصدر حرّ المملوك يحرّ حرارا،إذا صار حرّا.و يقال:حرّ يومنا يحرّ حرّا و حرارة،و حرّت الرّيح حرورا،مضمومة الحاء.

و حرّت كبده تحرّ حرّة و حررا.و من دعائهم:«رماه اللّه بالحرّة تحت القرّة».

أي بالعطش و البرد،و منه قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«في كلّ كبد حرّى أجر»أي عطشى.

يقال:حرّان و حرّى مثل:عطشان و عطشى.

و الحرر:يبس الكبد عند العطش و شدّة الحزن.

و زعم بعض النّاس أنّ الحجّاج لم يبع رقبة حرّ قطّ.

و إنّما باع ولاءه،فقيل على هذا:قد باعه،و كانت العرب تفعل ذلك،و من أجله نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن بيع الولاء و عن هبته.(3:181)

الجوهريّ: الحرّ:ضدّ البرد،و الحرارة:ضدّ البرودة.

و الحرّة:أرض ذات حجارة سود نخرة،كأنّها أحرقت بالنّار؛و الجمع:الحرار و الحرّات.و ربّما جمع بالواو و النّون فقيل:حرّون،كما قالوا:أرضون؛و إحرّون أيضا،كأنّه جمع إحرّة.

و بعير حرّيّ: يرعى في الحرّة.

و الحرّة بالكسر:العطش،و منه قولهم:«أشدّّ.

ص: 366


1- ابن سيده:حرّ.

العطش حرّة على قرّة»إذا عطش في يوم بارد.

و يقال:إنّما كسروا الحرّة لمكان القرّة.

و الحرّان:العطشان،و الأنثى:حرّى،مثل:عطشى.

و الحرار:العطاش.

و حرّان:بلد بالجزيرة،يقال:إنّ حرّان بناها هاران ابن لوط،و بها سمّيت.فعلى هذا الاسم معرّب و ليس بعربيّ محض.هذا إن كان«فعلان»فهو من هذا الباب، و إن كان«فعّالا»فهو من باب النّون.

و الحرّ بالضّمّ:خلاف العبد.

و حرّ الرّمل و حرّ الدّار:وسطها.

و حرّ الوجه:ما بدا من الوجنة.يقال:لطمه على حرّ وجهه.

و الحرّان:الحرّ و أبيّ،و هما أخوان.

و الحرّ:فرخ الحمامة،و ولد الظّبية،و ولد الحيّة أيضا.

و ساق حرّ:ذكر القماريّ.

و أحرار البقول:ما يؤكل غير مطبوخ.

و يقال أيضا:«ما هذا منك بحرّ»أي بحسن و لا جميل.

و الحرّة:الكريمة.يقال:ناقة حرّة و سحابة حرّة،أي كثيرة المطر.

و الحرّة:خلاف الأمة.

و حرّة الذّفرى:موضع مجال القرط منها.

و طين حرّ:لا رمل فيه.و رملة حرّة،أي لا طين فيها؛و الجمع:حرائر.

و قولهم:باتت فلانة بليلة حرّة،إذا لم يقدر بعلها على افتضاضها.

فإن افتضّها فهي بليلة شيباء.

و الحريرة:واحدة الحرير من الثّياب.

و الحريرة:دقيق يطبخ بلبن.

و الحرير:المحرور الّذي تداخلته حرارة الغيظ و غيره.

و يقال:إنّي لأجد لهذا الطّعام حرورة في فمي،أي حرارة و لذعا.

و حروراء:اسم قرية،يمدّ و يقصر،نسبت إليها الحروريّة من الخوارج،لأنّه كان أوّل مجتمعهم بها و تحكيمهم منها.يقال:حروريّ بيّن الحروريّة.

و الحرور:الرّيح الحارّة،و هي باللّيل كالسّموم بالنّهار.

و حرّ العبد يحرّ حرارا.

و حرّ الرّجل يحرّ حرّيّة،من حرّيّة الأصل.

و حرّ الرّجل يحرّ حرّة:عطش،فهذه الثّلاثة بكسر العين في الماضي،و فتحها في المستقبل.

و أمّا حرّ النّهار ففيه لغتان،تقول:حررت يا يوم بالفتح،و حررت بالكسر،فأنت تحرّ و تحرّ و تحرّ،حرّا و حرارة و حرورا.

و أحرّ النّهار:لغة فيه،سمعها الكسائيّ.

و أحرّ الرّجل فهو محرّ،أي صارت إبله حرارا،أي عطاشا.

و تحرير الكتاب و غيره:تقويمه.

و تحرير الرّقبة:عتقها.

و تحرير الولد:أن تفرده لطاعة اللّه و خدمة المسجد.

و استحرّ القتل و حرّ،بمعنى،أي اشتدّ.[و استشهد

ص: 367

بالشّعر 8 مرّات](2:626)

ابن فارس: الحاء و الرّاء في المضاعف له أصلان:

فالأوّل:ما خالف العبوديّة،و برئ من العيب و النّقص.يقال هو حرّ بيّن الحروريّة و الحرّيّة.و يقال:

طين حرّ:لا رمل فيه.و باتت فلانة بليلة حرّة،إذا لم يصل إليها بعلها في أوّل ليلة،فإن تمكّن منها فقد باتت بليلة شيباء.

و الثّاني:خلاف البرد.يقال:هذا يوم ذو حرّ،و يوم حارّ.و الحرور:الرّيح الحارّة تكون بالنّهار و اللّيل.و منه «الحرّة»و هو العطش.و يقولون في مثل:«حرّة تحت قرّة».

و من هذا الباب:الحرير،و هو المحرور الّذي تداخله غيظ من أمر نزل به.و امرأة حريرة.

و الحرّة:أرض ذات حجارة سوداء.و هو عندي من الباب،لأنّها كأنّها محترقة.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(2:6)

الثّعالبيّ: كلّ ثوب من الإبريسم فهو حرير.

(39)

أبو سهل الهرويّ: و حرّ بيّن الحروريّة و الحرار بكسر الحاء،أي الظّاهر العتق الّذي لا ملك لأحد عليه، أو الظّاهر الكرم.(33)

تقول:قد حرّ يومنا يحرّ بالكسر حرّا،إذا صار حارّا،أي سخنا.

و تقول من الحرّيّة:حرّ المملوك يحرّ بالفتح حرارا بالفتح أيضا،إذا عتق.[ثمّ استشهد بشعر](35)

ابن سيده: الحرّ:ضدّ البرد؛و الجمع:حرور، و أحارر على غير قياس من وجهين:أحدهما بناؤه، و الآخر إظهار تضعيفه.قال ابن دريد:لا أعرف ما صحّته.و الحرور:الرّيح الحارّة باللّيل،و قد تكون بالنّهار.

و الحرور:حرّ الشّمس.و قيل:الحرور:استيقاد الحرّ و لفحه،هو يكون بالنّهار و اللّيل.و السّموم لا يكون إلاّ بالنّهار.

و جمع الحرور:حرائر.

و قد حررت يا يوم تحرّ،و حررت تحرّ،و تحرّ- الأخيرة عن اللّحيانيّ-حرّا و حرّة و حرارة،أي اشتدّ حرّك.و قد تكون الحرارة الاسم؛و جمعها حينئذ:

حرارات.

قال اللّحيانيّ: حررت يا رجل تحرّ حرّة و حرارة.

أراه إنّما يعني الحرّ لا الحرّيّة.

و إنّي لأجد حرّة و قرّة،أي حرّا و قرّا.

و الحرّة و الحرارة:العطش،و قيل:شدّته.

و رجل حرّان:عطشان،من قوم حرار و حرارى و حرارى،الأخيرتان عن اللّحيانيّ.و امرأة حرّى من نسوة حرار و حرارى.

و حرّت كبده و صدره حرّة و حرارة و حرارا.

و أحرّها اللّه.و العرب تقول في دعائها على الإنسان:

«ما له أحرّ اللّه صداه»أي أعطشه.و قيل:معناه أعطش هامته.

و رجل محرّ:عطشت إبله.

و من كلامهم:«حرّة تحت قرّة»،أي عطش في يوم بارد.

ص: 368

و الحرارة:حرقة في الفم من طعم الشّيء،و في القلب من التّوجّع.و الأعرف«الحراوة»و سيأتي ذكره.

و امرأة حريرة:حزينة محرقة الكبد.

و الحرّة من الأرضين:الصّلبة الغليظة الّتي ألبستها كلّها حجارة سود نخرة كأنّها مطرت؛و الجمع:حرّات و حرار.[ثمّ نقل كلام سيبويه و أضاف:]

قال بعض النّحويّين:إن قال قائل:ما بالهم قالوا في جمع حرّة و إحرّة:حرّون و إحرّون،و إنّما يفعل في المحذوف،نحو ظبة و ثبة،و ليست حرّة و لا إحرّة ممّا حذف شيء من أصوله،و لا هو بمنزلة أرض في أنّه مؤنّث بغير هاء؟

فالجواب:أنّ الأصل في إحرّة:إحررة،و هي «إفعلة»ثمّ إنّهم كرهوا اجتماع حرفين متحرّكين من جنس واحد،فأسكنوا الأوّل منهما،و نقلوا حركته إلى ما قبله،و أدغموه في الّذي بعده،فلمّا دخل الكلمة هذا الإعلال و التّوهين عوّضوها منه أن جمعوها بالواو و النّون،فقالوا:إحرّون،و لمّا فعلوا ذلك في إحرّة أجروا عليها حرّة،فقالوا:حرّون و إن لم يكن لحقها تغيير و لا حذف،لأنّها أخت إحرّة من لفظها و معناه،و إن شئت قلت:إنّهم قد أدغموا عين حرّة في لامها،و ذلك ضرب من الإعلال لحقها.

و بعير حرّيّ: يرعى في الحرّة.

و للعرب حرار معروفة:[مثل ابن دريد]

و الحرّ:نقيض العبد؛و الجمع:أحرار و حرار-الأخيرة عن ابن جنّيّ-و الأنثى:حرّة؛و الجمع:حرائر شاذّ

و حرّره:أعتقه.

و إنّه لبيّن الحرّيّة و الحرورة و الحروريّة و الحرارة و الحرار.

و الحرّيّة من النّاس:أخيارهم و أفاضلهم.

و الحرّ من كلّ شيء:أعتقه.

و فرس حرّ:عتيق.

و حرّ الفاكهة:خيارها.

و حرّ كلّ أرض:وسطها و أطيبها.

و الحرّة و الحرّ:الطّين الطّيّب و الرّمل الطّيّب.

و حرّ الدّار:وسطها و خيرها.

و الحرّ:الفعل الحسن.

و الحرّة:الكريمة من النّساء.

و يقال لأوّل ليلة من الشّهر:ليلة حرّة و ليلة حرّة، و لآخر ليلة:شيباء.

و باتت بليلة حرّة،إذا لم تفتضّ ليلة زفافها.

و سحابة حرّة:بكر،يصفها بكثرة المطر.

و أحرار البقول:ما أكل غير مطبوخ؛واحدها:حرّ.

و قيل:هو ما خشن منها،و هي ثلاثة:النّفل، و الحربث،و القفعاء.

و قيل:الحرّ:نبات من نجيل السّباخ.

و حرّ الوجه:ما أقبل عليك منه.

و قيل:حرّ الوجد:مسايل أربعة:مدامع العينين من مقدّمها و مؤخّرها.

و قيل:حرّ الوجه:الخدّ.

و الحرّتان:الأذنان.

و حرّة الذّفرى:مجال القرط.و قيل:حرّة الذّفرى صفة،أي إنّها حسنة الذّفرى أسيلتها،يكون ذلك للمرأة

ص: 369

و النّاقة.

و الحرّ:سواد في ظاهر أذني الفرس.

و الحرّ:حيّة دقيقة مثل الجانّ أبيض،و الجانّ في هذه الصّفة.

و قيل:هو ولد الحيّة اللّطيفة.و عمّ بعضهم به الحيّة.

و الحرّ:طائر صغير.

و الحرّ:الصّقر.و قيل:هو طائر نحوه،و ليس به، أنمر أصقع،قصير الذّنب،عظيم المنكبين و الرّأس.

و قيل:إنّه يضرب إلى الخضرة،و هو يصيد.

و الحرّ:فرخ الحمام،و قيل:الذّكر منها.

و ساق حرّ:الذّكر من القماريّ

و بناه صخر الغيّ فجعل الاسمين اسما واحدا؛فقال:

تنادي ساق حرّ و ظلت أبكي تليدا ما أبين لها كلاما.

و قيل:إنّما سمّي ذكر القماريّ ساق حرّ لصوته،كأنّه يقول:ساق حر ساق حر.و هذا هو الّذي جرّأ صخر الغيّ على بنائه عندي،لأنّ الأصوات مبنيّة،و لذلك بنوا من الأسماء ما ضارعها.

و قال الأصمعيّ: ظنّ أنّ«ساق حرّ»ولدها،و إنّما هو صوتها.قال ابن جنّيّ:يشهد عندي بصحّة قول الأصمعيّ:أنّه لم يعرب و لو أعرب لصرف ساق حرّ، فقال:ساق حرّ إن كان مضافا،أو ساق حرّا إن كان مركّبا،فيصرفه لأنّه نكرة؛فتركه إعرابه يدلّ على أنّه حكى الصّوت بعينه و هو صياحه:ساق حرّ ساق حرّ.

و أمّا قول حميد بن ثور:

و ما هاج هذا الشّوق إلاّ حمامة

دعت ساق حرّ ترحة و ترنّما

فلا يدلّ إعرابه على أنّه ليس بصوت،و لكن الصّوت قد يضاف أوّله إلى آخره؛و ذلك قولهم:خازباز، و ذلك أنّه في اللّفظ أشبه:باب دار.

و الحرّ:ولد الظّبي.

و الحرير:ثياب من إبريسم.

و الحريرة:الحساء من الدّسم و الدّقيق،و قيل:هو الدّقيق الّذي يطبخ بلبن.

و حرّ الأرض يحرّها حرّا:سوّاها.

و المحرّ:شبحة فيها أسنان،و في طرفها نقران يكون فيهما حبلان،و في أعلى الشّبحة نقران فيهما عود معطوف،و في وسطها عود يقبض عليه،ثمّ يوثق بالثّورين،فتغرز الأسنان في الأرض حتّى تحمل ما أثير من التّراب،إلى أن يأتيا به المكان المنخفض.

و تحرير الكتابة:إقامة حروفها و إصلاح السّقط.

و المحرّر:النّذيرة،و إنّما كان يفعل ذلك بنو إسرائيل،كان أحدهم ربّما ولد له ولد فجعله نذيرة في خدمة الكنيسة ما عاش،لا يسعه تركها في دينه.

و الحرّان:نجمان عن يمين النّاظر إلى الفرقدين،إذا انتصب الفرقدان اعترضا،فإذا اعترض الفرقدان انتصبا.

و الحرّان:الحرّ،و أخوه أبيّ.

و إذا كان أخوان أو صاحبان فكان أحدهما أشهر من الآخر سمّيا جميعا باسم الأشهر.

و حرّان:موضع.

ص: 370

و حروراء:موضع تنسب إليه الحروريّة،لأنّه كان أوّل اجتماعهم بها و تحكيمهم منها،و هو من نادر معدول النّسب،إنّما قياسه حروراويّ.

و حرّيّ: اسم.

و الحرّان:موضع.

و حرّيّات:موضع.

و الحرير:فحل من فحول الخيل معروف.

و حرّ:زجر للحمار.

حرّ:و أصله:حرح،فحذف على حدّ الحذف في شفة؛و الجمع:أحراح،لا يكسّر على غير ذلك.

و قالوا:حرّة.[و استشهد بالشّعر 24 مرّة]

(2:517)

الطّوسيّ: و معنى«محرّر»في اللّغة يحتمل أمرين:

أحدهما:معتق،من الحرّيّة.تقول:حرّرته تحريرا، إذا اعتقته،أي جعلته حرّا.

الثّاني:من تحرير الكتاب،و هو إخلاصه من الضّرر و الفساد.

و أصل الباب:الحرارة،لأنّ الحرّ يحمى في موضع اللاّئقة،فالمحرور يخلص من الاضطراب،كما يخلص حرارة النّار الذّهب و نحوه من شائبة الفساد.(2:443)

الرّاغب: الحرارة:ضدّ البرودة؛و ذلك ضربان:

حرارة عارضة في الهواء من الأجسام المحميّة كحرارة الشّمس و النّار،و حرارة عارضة في البدن من الطّبيعة كحرارة المحموم.يقال:حرّ يومنا و الرّيح يحرّ حرّا و حرارة، و حرّ يومنا فهو محرور،و كذا حرّ الرّجل،قال تعالى:

لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا التّوبة:81.

و الحرور:الرّيح الحارّة،قال تعالى: وَ لاَ الظِّلُّ وَ لاَ الْحَرُورُ فاطر:21.

و استحرّ القيظ:اشتدّ حرّه.

و الحرر:يبس عارض في الكبد من العطش.

و الحرّة:الواحدة من الحرّ،يقال:حرّة تحت قرّة.

و الحرّة أيضا:حجارة تسودّ من حرارة تعرض فيها،و عن ذلك استعير:استحرّ القتل:اشتدّ.

و حرّ العمل:شدّته.و قيل:إنّما يتولّى حارّها من تولّى قارّها.

و الحرّ:خلاف العبد،يقال:حرّ بيّن الحروريّة و الحرورة.

و الحرّيّة ضربان:الأوّل:من لم يجر عليه حكم الشّيء،نحو الحرّ بالحرّ.

و الثّاني:من لم تتملّكه الصّفات الذّميمة من الحرص و الشّره على المقتنيات الدّنيويّة،و إلى العبوديّة الّتي تضادّ ذلك،أشار النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بقوله:«تعس عبد الدّرهم، تعس عبد الدّينار».[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:عبد الشّهوة أذلّ من عبد الرّق.

و التّحرير:جعل الإنسان حرّا،فمن الأوّل: فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ النّساء:92،و من الثّاني: نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً آل عمران:35.

و حرّرت القوم:أطلقتهم و أعتقتهم عن أسر الحبس.

و حرّ الوجه:ما لم تسترقّه الحاجة.

و حرّ الدّار:وسطها.

و أحرار البقل:معروف،و قول الشّاعر:

ص: 371

*جادت عليه كلّ بكر حرّة*

و باتت المرأة بليلة حرّة:كلّ ذلك استعارة.

و الحرير من الثّياب:ما رقّ،قال اللّه تعالى:

وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ الحجّ:23.(111)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:443)

الزّمخشريّ: حرّ يومنا يحرّ،و حررت يا يوم، و يوم حارّ:شديد الحرّ،و طعام حارّ:شديد الحرارة.

و رجل حرّان:شديد العطش،و به حرّة.و رماه اللّه بالحرّة تحت القرّة،و كبد حرّى.

و هبّت الحرور،و هبّت السّمائم و الحرائر.

و حرّ المملوك يحرّ بالفتح،و حرّره مولاه،و عليه تحرير رقبة.

و هو حرّ بيّن الحرار و الحرّيّة.

و استحررت فلانة فحرّرت لي و حرّت:طلبت منها حريرة فعملتها لي.و في الحديث«ذرّي و أنا أحرّ لك» بالضّمّ.

و مررت بحرّة بني فلان،و بحرارهم.

و من المجاز:في فلان كرم و حرّيّة و حروريّة.

و تقول:ليس من الحروريّة،

أن تكون من الحروريّة،و هم قوم من الخوارج نسبوا إلى«حروراء»بالقصر و المدّ.

و أرض حرّة:لا سبخة فيها،و طين حرّ:لا رمل فيه، و رملة حرّة:طيّبة النّبات.

و نزل في حرّ الدّار،أي في وسطها.

و ليس هذا منك بحّر،أي بحسن.

و وجه حرّ،و كلام حرّ،و ضرب حرّ وجهه.

و حرّتاه:أذناه،و تقول:حفظ اللّه كريمتيك و حرّتيك.

و حرّر الكتاب:حسّنه و خلّصه بإقامة حروفه و إصلاح سقطه.

و هو من أحرار البقول،و حرّيّة البقول،و هي ما يؤكل غير مطبوخ.

و هو من حرّيّة قومه،أي من أشرافهم،و ما في حرّيّة العرب و العجم مثله.

و سحابة حرّة:كريمة المطر.

و باتت فلانة بليلة حرّة:لم تمكّن زوجها من فضّتها، و باتت بليلة شيباء،إذا افتضّت.

و استحرّ القتل في بني فلان.

[و استشهد بالشّعر 8 مرّات](أساس البلاغة:79)

المدينيّ: في حديث عيينة رضي اللّه عنه:«...لا، حتّى أذيق نساءه من الحرّ»الحرّ:بمعنى الحرارة،و هو حرقة في القلب من الغيظ و التّوجّع.

و منه حديث أمّ المهاجر:«أنّها لمّا نعي عمر،قالت:

وا حرّاه،فقال الغلام:حرّ انتشر فملأ البشر».

و في المثل:«سلّط اللّه عليه الحرّة بعد القرّة»أي العطش بعد البرد،و حرّ يحرّ:سخن.

و في حديث أسماء،رضي اللّه عنها في الشّبرم:«إنّه حارّ جارّ»،و في رواية:«حارّ يارّ»،و هو الأكثر في كلامهم.

و في الحديث:«في كلّ كبد حرّى أجر»الحرّ و الحرر:

يبس في الكبد من العطش،أو الحزن.و يقال:حرّت كبده تحرّ حرّة،و الحرّان:العطشان،و الحرّى:العطشى.

ص: 372

[ثمّ استشهد بشعر]

و في بعض الرّوايات:«في كلّ كبد حارّة أجر».قال بعضهم:معناه إذا ظمئت الكبد في سبيل اللّه عزّ و جلّ حتّى تحمى،فلصاحبها فيه أجر.

و هذا المعنى لا يلائم سياقة الحديث،لأنّه صلّى اللّه عليه و سلّم سئل عن سقي الإبل«الغريبة»،و في رواية«الظّميئة»،و في أخرى«الكلب»فأجاب بذلك.فعلى هذا يكون في الجواب إضمار،أي في سقي كلّ ذي كبد حرّى أجر.

و في حديث آخر:«ما دخل جوفي ما يدخل جوف حرّان كبد»فكأنّ حرارة الكبد كناية عن الحياة.

و في حديث ابن عبّاس،رضي اللّه عنه:«أنّه نهى مضاربة أن يشتري بماله ذا كبد رطبة».و يروونه في كتاب«الشّهاب»الّذي جمعه القضاعيّ:«في كلّ كبد حرّى رطبة أجر».

و قد نظرت في أصل كتاب القضاعيّ المسند،فليس فيه ذكر«حرّى»إنّما أخرجه من رواية أبي هريرة،رضي اللّه عنه،و لفظ روايته:«في كلّ ذات كبد رطبة أجر».

فمعناه:في كلّ كبد حرّى لمن سقاها حتّى تصير رطبة أجر.و الأوّل أصحّ،لأنّ«الرّطبة»قد وردت في الحديث بدل«الحارّة»فيجب أن تكون بمعناها،و اللّه عز و جلّ أعلم.

في حديث سويد،رضي اللّه عنه:«أنّ رجلا لطم وجه جارية،فقال سويد:أعجز عليك إلاّ حرّ وجهها».

قال أبو نصر،صاحب الأصمعيّ: هو أعتق موضع من الوجه.و قيل:هو ما أقبل عليك منه،و قيل:ما بدا من الوجه.و حرّ كلّ أرض و دار:وسطها و أطيبها،و كذا من الفاكهة و البقل و الطّين.

في حديث ابن عمر،قال لمعاوية:«حاجتي عطاء المحرّرين فإنّي رأيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حين جاءه شيء،لم يبدأ بأوّل منهم».

قال الطّحاويّ: معناه أنّهم كانوا كفّارا،فأردنا منهم الإيمان الّذي هو سبب لهم إلى الفوز.

كما قال:عجبت من أقوام يقادون إلى الجنّة في السّلاسل،ثمّ يؤمر مواليهم بالإحسان إليهم،و ندبهم الشّرع إلى إعتاقهم.فكذا أمر بتقديمهم في العطاء حتّى لا يفارق إحسانهم إليهم أبدا.(1:423)

ابن الأثير: فيه:«من فعل كذا و كذا فله عدل محرّر»أي أجر معتق.المحرّر:الّذي جعل من العبيد حرّا فأعتق.يقال:حرّ العبد يحرّ حرارا بالفتح،أي صار حرّا.

و منه حديث أبي هريرة:«فأنا أبو هريرة المحرّر»أي المعتق.

و في حديث أبي الدّرداء:«شراركم الّذين لا يعتق محرّرهم»أي أنّهم إذا أعتقوه استخدموه،فإذا أراد فراقهم ادّعوا رقّه.

و منه حديث أبي بكر رضي اللّه عنه:«أ فمنكم عوف الّذي يقال فيه:لا حرّ بوادي عوف؟قال:لا»هو عوف ابن محلّم بن ذهل الشّيبانيّ،كان يقال له ذلك لشرفه و عزّه،و أنّ من حلّ واديه من النّاس كان له كالعبيد و الخول.

و الحرّ:أحد الأحرار،و الأنثى:حرّة؛و جمعها:

حرائر.

و منه حديث عمر رضي اللّه عنه:قال للنّساء اللاّتي

ص: 373

كنّ يخرجن إلى المسجد:«لأردّنّكنّ حرائر»أي لألزمنّكنّ البيوت فلا تخرجن إلى المسجد،لأنّ الحجاب إنّما ضرب على الحرائر دون الإماء.

و في حديث عليّ: أنّه قال لفاطمة رضي اللّه عنهما:

«لو أتيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فسألته خادما يقيك حرّ ما أنت فيه من العمل».و في رواية:«حارّ ما أنت فيه»يعني التّعب و المشقّة من خدمة البيت،لأنّ الحرارة مقرونة بهما،كما أنّ البرد مقرون بالرّاحة و السّكون.و الحارّ:الشّاقّ المتعب.

و منه حديث الحسن بن عليّ رضي اللّه عنهما:قال لأبيه لمّا أمره بجلد الوليد بن عقبة:«ولّ حارّها من تولّى قارّها»أي ولّ الجلد من يلزم الوليد أمره و يعنيه شأنه.

و القارّ:ضدّ الحارّ.

و في حديث عمر رضي اللّه عنه و جمع القرآن:«إنّ القتل قد استحرّ يوم اليمامة بقرّاء القرآن»أي اشتدّ و كثر،و هو«استفعل»من الحرّ:الشّدّة.

و منه حديث عليّ رضي اللّه عنه:«حمس الوغى و استحرّ الموت».

و في حديث صفّين:«إنّ معاوية زاد أصحابه في بعض أيّام صفّين خمسمائة خمسمائة،فلمّا التقوا جعل أصحاب عليّ يقولون:لا خمس إلاّ جندل الإحرّين» هكذا رواه الهرويّ.

و الّذي ذكره الخطّابيّ: أنّ حبّة العرنيّ قال:شهدنا مع عليّ يوم الجمل،فقسم ما في العسكر بيننا،فأصاب كلّ رجل منّا خمسمائة،فقال بعضهم يوم صفّين:

قلت لنفسي السّوء لا تفرّين

لا خمس إلاّ جندل الإحرّين

قال:و رواه بعضهم:«لا خمس»بكسر الخاء من ورد الإبل،و الفتح أشبه بالحديث.و معناه:ليس لك اليوم إلاّ الحجارة و الخيبة.و الإحرّين:جمع الحرّة، و هي الأرض ذات الحجارة السّود؛و تجمع على حرّ، و حرار،و حرّات،و حرّين،و إحرّين،و هو من الجموع النّادرة كثبين و قلين،في جمع ثبة و قلة.و زيادة الهمزة في أوّله بمنزلة الحركة في أرضين،و تغيير أوّل سنين.

و قيل:إنّ واحد إحرّين:إحرّة.

و في حديث جابر رضي اللّه عنه:«فكانت زيادة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم معي لا تفارقني حتّى ذهبت منّي يوم الحرّة».

قد تكرّر ذكر:الحرّة و يومها في الحديث،و هو يوم مشهور في الإسلام أيّام يزيد بن معاوية،لمّا انتهب المدينة عسكره من أهل الشّام الّذين ندبهم لقتال أهل المدينة من الصّحابة و التّابعين،و أمّر عليهم مسلم بن عقبة المرّيّ في ذي الحجّة سنة ثلاث و ستّين،و عقيبها هلك يزيد.و الحرّة هذه:أرض بظاهر المدينة،بها حجارة سود كثيرة،و كانت الوقعة بها.

و منه الحديث:«ما رأيت أشبه برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من الحسن،إلاّ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان أحرّ حسنا منه»يعني أرقّ منه رقّة حسن.

و في حديث عائشة رضي اللّه عنها:«و قد سئلت عن قضاء صلاة الحائض،فقال:أ حروريّة أنت».

الحروريّة:طائفة من الخوارج نسبوا إلى«حروراء»

ص: 374

بالمدّ و القصر،و هو موضع قريب من الكوفة،كان أوّل مجتمعهم و تحكيمهم فيها،و هم أحد الخوارج الّذين قاتلهم عليّ كرّم اللّه وجهه.و كان عندهم من التّشدّد في الدّين ما هو معروف،فلمّا رأت عائشة هذه المرأة تشدّد في أمر الحيض شبّهتها بالحروريّة و تشدّدهم في أمرهم، و كثرة مسائلهم و تعنّتهم بها.

و قيل:أرادت أنّها خالفت السّنّة و خرجت عن الجماعة كما خرجوا عن جماعة المسلمين.و قد تكرّر ذكر «الحروريّة»في الحديث.

و في حديث أشراط السّاعة:«يستحلّ الحر و الحرير»هكذا ذكره أبو موسى-المدينيّ-في حرف الحاء و الرّاء،و قال:«الحر»بتخفيف الرّاء:الفرج،و أصله:

حرح،بكسر الحاء و سكون الرّاء؛و جمعه:أحراح، و منهم من يشدّد الرّاء و ليس بجيّد،فعلى التّخفيف يكون في«حرح»،لا في«حرر».

و المشهور في رواية هذا الحديث على اختلاف طرقه «يستحلّون الخزّ»بالخاء المعجمة و الزّاي،و هو ضرب من ثياب الإبريسم معروف،و كذا جاء في كتابي البخاريّ و أبي داود،و لعلّه حديث آخر ذكره أبو موسى، و هو حافظ عارف بما روى و شرح،فلا يتّهم،و اللّه أعلم.

(1:362)

الفيّوميّ: الحرّ بالكسر:فرج المرأة،و الأصل:

حرح،فحذفت الحاء الّتي هي لام الكلمة،ثمّ عوّض عنها راء و أدغمت في عين الكلمة.و إنّما قيل ذلك لأنّه يصغّر على«حريح»و يجمع على«أحراح»،و التّصغير و جمع التّكسير يردّان الكلمة إلى أصولها.و قد يستعمل استعمال يد و دم من غير تعويض.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحرّ بالضّمّ من الرّمل:ما خلص من الاختلاط بغيره.و الحرّ من الرّجال:خلاف العبد مأخوذ من ذلك، لأنّه خلص من الرّقّ؛و جمعه:أحرار و رجل حرّ بيّن الحرّيّة و الحروريّة،بفتح الحاء و ضمّها.

و حرّ يحرّ من باب«تعب»حرارا بالفتح:صار حرّا.قال ابن فارس:و لا يجوز فيه إلاّ هذا البناء.

و يتعدّى بالتّضعيف،فيقال:حرّرته تحريرا،إذا أعتقته.

و الأنثى:حرّة؛و جمعها:حرائر،على غير قياس، و مثله شجرة مرّة و شجر مرائر.

قال السّهيليّ: و لا نظير لهما،لأنّ باب«فعلة»أن يجمع على«فعل»مثل غرفة و غرف.و إنّما جمعت«حرّة» على«حرائر»لأنّها بمعنى كريمة و عقيلة،فجمعت كجمعها،و جمعت«مرّة»على«مرائر»لأنّها بمعنى خبيثة الطّعم فجمعت كجمعها.

و الحريرة:واحدة الحرير،و هو الإبريسم.

و ساق حرّ:ذكر القماريّ.

و الحرّ بالفتح:خلاف البرد.يقال:حرّ اليوم و الطّعام يحرّ من باب«تعب»و حرّ حرّا و حرورا من بابي:ضرب و قعد،لغة،و الاسم:الحرارة،فهو حارّ.

و حرّت النّار تحرّ من باب«تعب»:توقّدت و استعرت.

و الحرّة بالفتح:أرض ذات حجارة سود؛و الجمع:

حرار،مثل كلبة و كلاب.

و الحرور وزان رسول:الرّيح الحارّة.قال الفرّاء:

تكون ليلا و نهارا.و قال أبو عبيدة:أخبرنا رؤبة أنّ

ص: 375

الحرور بالنّهار،و السّموم باللّيل.

و قولهم:«ولّ حارّها من تولّى قارّها»أي ولّ صعاب الإمارة من تولّى منافعها.

و الحرير:الإبريسم المطبوخ.

حروراء بالمدّ:قرية بقرب الكوفة ينسب إليها فرقة من الخوارج،كان أوّل اجتماعهم بها،و تعمّقوا في أمر الدّين حتّى مرقوا منه.و منه قول عائشة:أ حروريّة أنت؟ معناه أ خارجة عن الدّين بسبب التّعمّق في السّؤال.

(128)

الفيروزآباديّ: الحرّ:ضدّ البرد كالحرور بالضّمّ و الحرارة؛الجمع:حرور و أحارر.و حررت يا يوم ك«مللت و فررت و مررت»،و زجر للبعير يقال له:

الحرّ كما يقال للضّأن:الحيه،و جمع الحرّة لأرض ذات حجارة نخرة:سود كالحرار و الحرّات و الحرّين و الإحرّين،و بعير حرّيّ:يرعى فيها.

و بالضّمّ:خلاف العبد،و خيار كلّ شيء،و الفرس العتيق،و من الطّين و الرّمل:الطّيّب.و رجل بيّن الحروريّة و يضمّ و الحرورة و الحرار و الحرّيّة؛الجمع:

أحرار و حرار،و فرخ الحمامة،و ولد الظّبية،و ولد الحيّة، و الفعل الحسن،و رطب الأزاذ،و الصّقر و البازي،و من الوجه:ما بدا،و من الرّمل:وسطه،و ابن يوسف الثّقفيّ، و إليه ينسب نهر الحرّ بالموصل،و ابن قيس و ابن مالك صحابيّان،و واد بنجد و آخر بالجزيرة،و من الفرس:

سواد في ظاهر أذنيه.

و جميل حرّ-و قد يكسر-:طائر،و ساق حرّ:

ذكر القماريّ.

و الحرّان:الحرّ و أخوه أبيّ.

و بالكسر:فرج المرأة لغة في المخفّفة،و ذكر في «ح ر ح».

و الحرّة:البثرة الصّغير،و العذاب الموجع،و الظّلمة الكثيرة،و موضع وقعة حنين،و موضع بتبوك و بنقدة، و بين المدينة و العقيق،و قبلي المدينة،و ببلاد عبس و ببلاد فزارة و ببلاد بني القين،و بالدّهناء و بعالية الحجاز،و قرب فيد،و بجبال طيّئ،و بأرض بارق، و بنجد قرب ضريّة،و موضع لبني مرّة و قرب خيبر و هي حرّة النّار،و بظاهر المدينة تحت و اقم،و بها كانت وقعة الحرّة أيّام يزيد،و بالبريك في طريق اليمن،و حرّة غلاّس و لبن و لفلف و شوران و الجمارة و جفل و ميطان و معشر و ليلى و عبّاد و الرّجلاء و قمأة:مواضع بالمدينة.

و بالضّمّ:الكريمة،و ضدّ الأمة؛الجمع:حرائر،و من الذّفرى:مجال القرط،و من السّحاب:الكثيرة المطر، و أبو حرّة الرّقاشيّ معروف.

و باتت بليلة حرّة،إذا لم يقدر بعلها على افتضاضها، و هي أوّل ليلة من الشّهر.و يقال:ليلة حرّة وصفا.

و حرّ يحرّ كظلّ يظلّ حرارا:عتق،و حرّة:عطش، فهو حرّان،و هي حرّى،و الماء حرّا:أسخنه.

و رماه اللّه بالحرّة تحت القرّة كسر للازدواج.

و حرارة كسحابة:[أعلام ذكرهم].

و قريتان بالبحرين كبرى و صغرى،و قرية بحلب، و بغوطة دمشق،و رملة و بالضّمّ:سكّة بأصفهان، و نهشل بن حرّيّ كبرّيّ:شاعر...

و الحرير:من تداخلته حرارة الغيظ أو غيره

ص: 376

كالمحرور،فرس ميمون بن موسى المرئيّ.و أمّ الحرير:

مولاة طلحة بن مالك.

و بهاء:دقيق يطبخ بلبن أو دسم،و حرّ كفرّ:طبخه، و واحدة الحرير من الثّياب.

و الحرور:الرّيح الحارّة باللّيل،و قد تكون بالنّهار، و حرّ الشّمس و الحرّ الدّائم،و النّار.

و الحرّيّة:الأرض اللّيّنة الرّمليّة،و من العرب:

أشرافهم.

و الحريرة كهريرة:موضع قرب نخلة.

و حروراء كجلولاء-و قد تقصر-:قرية بالكوفة، و هو حروريّ بيّن الحروريّة،و هم نجدة و أصحابه.

و تحرير الكتاب و غيره:تقويمه،و للرّقبة:إعتاقها.

و محرّر دارم:ضرب من الحيّات.

و استحرّ القتل:اشتدّ،و هو أحرّ حسنا منه،أي أرقّ منه رقّة حسن.

و الحارّ من العمل:شاقّه و شديده،و شعر المنخرين.

و أحرّ النّهار:صار حارّا،و الرّجل:صارت إبله حرارا،أي عطاشا.

و حرحار:موضع ببلاد جهينة.(2:7)

الطّريحيّ: الحرّة بالفتح و التّشديد:أرض ذات أحجار سود.و منه:حرّة المدينة؛و الجمع:حرار،مثل كلبة و كلاب.

و يوم الحرّة:معروف،و هو يوم قاتل عسكر يزيد ابن معاوية أهل المدينة و نهبهم،و كان المتأمّر عليهم مسلم بن عقبة-و عقيبها هلك يزيد-قتل فيه خلق كثير من المهاجرين و الأنصار،و كان ذلك في ذي الحجّة من سنة ثلاث و ستّين من الهجرة.

و حرّة واقم:بقرب المدينة.

و الحرّتان:حرّة واقم،و حرّة ليلى.

و منه الحديث:«حرم رسول اللّه من المدينة من الصّيد ما بين لابتيها.قلت:و ما لابتاها ؟قال:ما أحاطت به الحرار...».

و في حديث عبد اللّه بن رويس قال:«دخلت على عليّ بن أبي طالب عليه السّلام يوم نحر،فقرّب إلينا حريرة، فقلنا له:أصلحك اللّه لم قرّبت إلينا من هذا البطّ-يعني الأوزّ-فإنّه قد كثر الخير؟فقال:يا ابن رويس سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله يقول:لا يحلّ لخليفة أن يأخذ من مال اللّه إلاّ قصعتان:قصعة يأكلها و قصعة يضعها بين يدي النّاس».(3:263)

مجمع اللّغة :الحرّ:ضدّ البرد.

الحرور:الرّيح الحارّة،أو هو الحرّ بعينه.

الحرير هو ذلك النوع الرّقيق من الثّياب.

الحرّ:ضدّ العبد.

و تحرير الرّقبة:عتقها.

و تحرير الولد:أن يخصّص لطاعة اللّه و خدمة المسجد.و اسم المفعول:محرّر.(1:346)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:128)

محمود شيت:[نحو ما سبق و أضاف:]

المحرّ:أداة تسوّى بها الأرض،يجرّها ثوران.

الحرّ:يقال:فرس حرّ:أصيل.

الحرّيّة:يقال:حرب الحرّيّة،أو حرب التّحرير:

حرب الاستقلال.(1:178)

ص: 377

العدنانيّ: كتب الصّحيفة لا حرّرها.و يقولون حرّر الصّحيفة،و الصّواب:كتب الصّحيفة لأنّ:حرّر الصّحيفة و الكتاب و غيرهما تعني كما روى التّاج:قوّم الصّحيفة و حسّنها و خلّصها بإقامة حروفها و إصلاح سقطها.و هو من المجاز كما روى الأساس.

(معجم الأخطاء الشّائعة:64)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الحرارة ضدّ البرودة،و بمناسبة هذا المعنى تستعمل في الخالص من الشّيء و الوسط منه،و البريء من العيب و النّقص.

فالرّجل الحرّ:من كان خالصا من القوم ليس بمملوك،و من هذا المعنى:تحرير الولد،أي إفراده للطّاعة،و تحرير الكتابة:تقويمها.

و لا يخفى أنّ«الحرارة»إنّما تحصل من الحركة،كما أنّ البرودة إنّما تتحصّل من السّكون و الثّبوت،فيقال:برد، أي ثبت،و برد الإنسان،أي مات.

فالحرّ:صفة كالصّلب،بمعنى من يتّصف بالحرارة و الحركة و العمل و الفعّاليّة؛و ذلك إذا كان له اختيار و انطلاق في نفسه و لنفسه.

و أمّا الحرير و الحريرة:فلعلّ تسميتهما باعتبار ملاحظة الحرارة فيهما،و استعمال هذه المادّة في العطش أو في المحرور؛بمناسبة حصول الحرارة.(2:204)

النّصوص التّفسيريّة

الحرّ

1- ...وَ جَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَ سَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ... النّحل:81

ابن عبّاس: الحرّ:في الصّيف،و البرد:في الشّتاء.

(228)

عطاء: إنّما نزل القرآن على قدر معرفتهم.[إلى أن قال:]

أ لا ترى إلى قوله: سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ و ما تقي من البرد أكثر و أعظم،و لكنّهم كانوا أصحاب حرّ.

(الطّبريّ 14:156)

الإمام الصّادق عليه السّلام: [في رواية يربط الحرّ و البرد بالمرّيخ و الزّحل فلاحظ](العروسيّ 713)

الفرّاء: و لم يقل:البرد،و هي تقي الحرّ و البرد، فترك لأنّ معناه معلوم،و اللّه أعلم.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:112)

نحوه البغويّ.(3:91)

الطّبريّ: فإن قال لنا قائل:و كيف قيل: جَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ، فخصّ بالذّكر الحرّ دون البرد،و هي تقي الحرّ و البرد،أم كيف قيل: وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً و ترك ذكر ما جعل لهم من السّهل؟

قيل له:قد اختلف في السّبب الّذي من أجله جاء التّنزيل كذلك،و سنذكر ما قيل في ذلك،ثمّ ندلّ على أولى الأقوال في ذلك بالصّواب.[ثمّ نقل قول عطاء و أضاف:]

ص: 378

فالسّبب الّذي من أجله خصّ اللّه السّرابيل بأنّها تقي الحرّ دون البرد،على هذا القول:هو أنّ المخاطبين بذلك كانوا أصحاب حرّ،فذكر اللّه تعالى ذكره نعمته عليهم،بما يقيهم مكروه ما به عرفوا مكروهه،دون ما لم يعرفوا مبلغ مكروهه،و كذلك ذلك في سائر الأحرف الأخر.

و قال آخرون:ذكر ذلك خاصّة اكتفاء بذكر أحدهما من ذكر الآخر،إذا كان معلوم عند المخاطبين به معناه؛ و أنّ السّرابيل الّتي تقي الحرّ تقي أيضا البرد.و قالوا:ذلك موجود في كلام العرب مستعمل.[ثمّ استشهد بشعر]

و أولى القولين في ذلك بالصّواب،قول من قال:إنّ القوم خوطبوا على قدر معرفتهم،و إن كان في ذكر بعض ذلك،دلالة على ما ترك ذكره،لمن عرف المذكور و المتروك؛و ذلك أنّ اللّه تعالى ذكره،إنّما عدّد نعمه الّتي أنعمها على الّذين قصدوا بالذّكر في هذه السّورة دون غيرهم،فذكر أياديه عندهم.(14:156)

الزّجّاج: قال:تقيكم الحرّ،و لم يقل:تقيكم البرد، لأنّ ما وقى من الحرّ وقى من البرد.(3:215)

نحوه ابن الجوزيّ.(4:478)

الماورديّ: فإن قيل:كيف قال: تَقِيكُمُ الْحَرَّ و لم يذكر البرد؟فعن ذلك ثلاثة أجوبة.[ثمّ ذكر نحو ما تقدّم عن عطاء و الفرّاء و أضاف:]

و ذكر الحرّ دون البرد تحذيرا من حرّ جهنّم،و توقّيا لاستحقاقها بالكفّ عن المعاصي.(3:206)

الطّوسيّ: أي تمنعكم من الحرّ،و خصّ الحرّ بذلك مع أنّ وقايتها للبرد أكثر،لأمرين:

أحدهما:إنّ الّذين خوطبوا بذلك أهل حرّ في بلادهم،فحاجتهم إلى ما يقي الحرّ أشدّ في قول عطاء.

الثّاني:أنّه ترك ذلك،لأنّه معلوم.[ثمّ استشهد بشعر](6:413)

نحوه الخازن(4:89)،و الطّبرسيّ(3:378).

الميبديّ: و قيل:ملابس تدفع عنكم الحرّ و البرد.

و لم يذكر البرد لدلالة الحال عليه،فإنّ ما وقى من الحرّ فقد يقي من البرد.(5:428)

الزّمخشريّ: لم يذكر البرد،لأنّ الوقاية من الحرّ أهمّ عندهم،و قلّما يهمّهم البرد،لكونه يسيرا محتملا.

و قيل:ما يقي من الحرّ يقي من البرد،فدلّ ذكر الحرّ على البرد.(2:423)

ابن عطيّة: نعم عدّدها اللّه عليهم بحسب أحوالهم و بلادهم،و أنّها الأشياء المباشرة لهم،لأنّ بلادهم من الحرارة و قهر الشّمس بحيث للظّلّ غناء عظيم،و نفع ظاهر.[إلى أن قال:]

و ذكر وقاية الحرّ إذ هو أمسّ في تلك البلاد على ما ذكرنا،و البرد فيها معدوم في الأكثر،و إذا جاء في الشّتوات فإنّما يتوقّى بما هو أكنف من السّربال المتقدّم الذّكر،فتبقى السّرابيل لتوقّي الحرّ فقط.

و أيضا فذكر أحدهما يدلّ على الآخر.

و هذه الّتي ذكرناها هي بلاد الحجاز،و إلاّ ففي بلاد العرب ما فيه برد شديد.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(3:412)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ بلاد العرب شديدة الحرّ، و حاجتهم إلى الظّلّ و دفع الحرّ شديدة،فلهذا السّبب

ص: 379

ذكر اللّه تعالى هذه المعاني في معرض النّعمة العظيمة.

و أيضا البلاد المعتدلة و الأوقات المعتدلة نادرة جدّا، و الغالب إمّا غلبة الحرّ أو غلبة البرد.و على كلّ التّقديرات فلا بدّ للإنسان من مسكن يأوى إليه،فكان الإنعام بتحصيله عظيما،و لمّا ذكر تعالى أمر المسكن ذكر بعده أمر الملبوس،فقال: وَ جَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ. [ثمّ أدام الكلام في وجه ذكر الحرّ نحو ما تقدّم عن المفسّرين](20:93)

القرطبيّ: [طرح السّؤال ثمّ قال:]

فالجواب:أنّ القوم كانوا أصحاب جبال و لم يكونوا أصحاب سهل،و كانوا أهل حرّ و لم يكونوا أهل برد، فذكر لهم نعمه الّتي تختصّ بهم كما خصّهم بذكر الصّوف و غيره،و لم يذكر القطن و الكتّان و لا الثّلج،فإنّه لم يكن ببلادهم.قال معناه عطاء الخراسانيّ و غيره،و أيضا فذكر أحدهما يدلّ على الآخر.[ثمّ استشهد بشعر]

(10:160)

الشّربينيّ: و لم يقل تعالى:«و البرد»لتقدّمه في قوله تعالى: فِيها دِفْءٌ.

و قيل:إنّه اكتفى بأحد المتقابلين.

و قيل:كان المخاطبون بهذا الكلام العرب،و بلادهم حارّة،فكان حاجتهم إلى ما يدفع الحرّ فوق حاجتهم إلى ما يدفع البرد،كما قال تعالى: وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها النّحل:80،و سائر أنواع الثّياب أشرف، إلاّ أنّه تعالى ذكر ذلك النّوع،لأنّه كان الفهم بها أشدّ، و اعتيادهم للبسها أكثر.(2:254)

البيضاويّ: خصّه بالذّكر اكتفاء بأحد الضّدّين، أو لأنّ وقاية الحرّ كانت أهمّ عندهم.(1:565)

نحوه النّسفيّ(2:295)،و النّيسابوريّ(14:103)، و أبو السّعود(4:84)،و الكاشانيّ(3:148)، و الشّوكانيّ(3:232)،و المشهديّ(5:373)،و شبّر (3:437)،و طنطاوي(8:129)،و حسنين مخلوف (1:442).

البروسويّ: و لم يذكر البرد لدلالته عليه،لأنّه نقيضه،أو لأنّ وقايته هي الأهمّ عندهم،لكون البرد يسيرا محتملا،بخلاف الدّيار الرّوميّة فإنّها غالبة البرودة،و لذا قيل:الحرّ يؤذي الرّجل و البرد يقتله.

قال حضرة الشّيخ الشّهير بأفتاده أفندي قدّس سرّه:برد الرّبيع غير مضرّ لكن هذا في ديار العرب، فإنّ في برد تلك الدّيار اعتدالا بخلاف ديارنا.و في الحديث:«اغتنموا برد الرّبيع فإنّه يعمل بأبدانكم كما يعمل بأشجاركم،و اجتنبوا برد الخريف فإنّه يعمل بأبدانكم كما يعمل بأشجاركم».[ثمّ استشهد بشعر]

(5:66)

الآلوسيّ: خصّه بالذّكر كما قال المبرّد:اكتفاء بذكر أحد الضّدّين عن الآخر،أعني البرد.و لم يخصّ هو بالذّكر اكتفاء،لأنّ وقاية الحرّ أهمّ عندهم لما مرّ آنفا.

و قال بعضهم:من الرّأس خصّ الحرّ بالذّكر،لأنّ وقايته أهمّ.و تعقّب دعوى الأهمّيّة بأنّه يبعدها ذكر وقاية البرد سابقا،في قوله تعالى: لَكُمْ فِيها دِفْءٌ.

ثمّ قيل:و هذا وجه الاقتصار على الحرّ هنا،لتقدّم ذكر خلافه ثمّت.

و اعترض بأنّا لا نسلّم أنّ إثبات الدّفء هناك يبعد

ص: 380

دعوى الأهمّيّة،بل في تغاير الأسلوبين ما يشعر بهذه الأهمّيّة.و قال الزّجّاج:«خصّ الحرّ بالذّكر لأنّ ما يقي من الحرّ يقي من البرد».و ذكر ذلك الزّمخشريّ بعد ذكر الأهمّيّة،و قال في«الكشف»:هو الوجه،و تخصيص (الحرّ)بالذّكر لما قدّمه في الوجه الأوّل يعني الأهمّيّة، و ما قيل:من أولويّة الأوّل لقوله تعالى: مِمّا خَلَقَ ظِلالاً فليس بشيء،لأنّه تعالى عقّبه بقوله سبحانه:

مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً كيف و هو في مقام الاستيعاب انتهى،و صاحب القيل هو ابن المنير.

و قد اعترض أيضا على قوله:«أنّ ما يقي من الحرّ يقي من البرد»بأنّه خلاف المعروف،فإنّ المعروف:أنّ وقاية الحرّ رقيق القمصان و رفيعها،و وقاية البرد ضدّه، و لو لبس الإنسان في كلّ واحد من الفصلين القيظ و الشّتاء لباس الآخر لعدّ من الثّقلاء انتهى،فتدبّر.

(14:205)

المراغيّ: أي و جعل لكم ثيابا من القطن و الكتّان و الصّوف و نحوه،تقيكم الحرّ الشّديد الّذي في بلادكم، و هو ممّا يذيب دماغ الضّبّ حين حمارّة القيظ.

(14:121)

الطّباطبائيّ: [ذكر قول الطّبرسيّ و أضاف:]

و لعلّ بعض الوجه في ذكره(الحرّ)و الاكتفاء به:أنّ البشر الأولى كانوا يسكنون المناطق الحارّة من الأرض، فكان شدّة الحرّ أمسّ بهم من شدّة البرد،و تنبّههم لاتّخاذ السّراويل إنّما هو للاتّقاء ممّا كان الابتلاء به أقرب إليهم و هو الحرّ،و اللّه أعلم.(12:315)

2- ..وَ قالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ. التّوبة:81

ابن عبّاس: لا تخرجوا مع محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم إلى غزوة تبوك في الحرّ الشّديد(قل)لهم يا محمّد: نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا جمرا.(163)

ابن كعب القرظيّ: خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في حرّ شديد إلى تبوك،فقال رجل من بني سلمة:لا تنفروا في الحرّ،فأنزل اللّه قُلْ نارُ جَهَنَّمَ الآية.

(الطّبريّ 10:201)

ابن إسحاق :ذكر قول بعضهم لبعض،حين أمر رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بالجهاد،و أجمع السّير إلى تبوك على شدّة الحرّ،و جدب البلاد،يقول اللّه جلّ ثناؤه: وَ قالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا.

(الطّبريّ 10:201)

الطّبريّ: و ذلك أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم استنفرهم إلى هذه الغزوة،و هي غزوة تبوك في حرّ شديد،فقال المنافقون بعضهم لبعض:لا تنفروا في الحرّ،فقال اللّه لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:قل لهم يا محمّد:نار جهنّم الّتي أعدّها اللّه لمن خالف أمره،و عصى رسوله،أشدّ حرّا من هذا الحرّ الّذي تتواصون بينكم أن لا تنفروا فيه.

يقول:الّذي هو أشدّ حرّا أحرى أن يحذر و يتّقى من الّذي هو أقلّهما أذى لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ.

يقول:لو كان هؤلاء المنافقون يفقهون عن اللّه وعظه و يتدبّرون آي كتابه،و لكنّهم لا يفقهون عن اللّه،فهم يحذرون من الحرّ أقلّه مكروها،و أخفّه أذى،و يوافقون أشدّه مكروها،و أعظمه على من يصلاه بلاء.

(10:201)

ص: 381

الثّعالبيّ: كان هذا القول منهم،لأنّ غزوة تبوك كانت في شدّة الحرّ و طيب الثّمار.(2:65)

الطّوسيّ: معناه أنّهم قالوا لنظرائهم و من يقبل منهم:لا تخرجوا في الوقت الحارّ،فقال اللّه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله قل لهم: نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ لأنّهم توقّوا بالقعود عن الخروج حرّ الشّمس، فخالفوا بذلك أمر اللّه و أمر رسوله،و استحقّوا حرّ نار جهنّم،و كفى بهذا الاختيار جهلا ممّن اختاره.

(5:312)

الزّمخشريّ: استجهال لهم،لأنّ من تصوّن من مشقّة ساعة،فوقع بسبب ذلك التّصوّن في مشقّة الأبد، كان أجهل من كلّ جاهل.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:205)

نحوه النّسفيّ.(2:139)

الطّبرسيّ: أي لا تخرجوا إلى الغزو سراعا في هذا الحرّ.و قيل:بل معناه قال بعضهم لبعض ذلك طلبا للرّاحة و الدّعة،و عدولا عن تحمّل المشاقّ في طاعة اللّه و مرضاته،(قل)يا محمّد لهم:(نار جهنّم)الّتي وجبت لهم بالتّخلّف عن أمر اللّه تعالى(اشدّ حرّا)من هذا الحرّ،فهي أولى بالاحتراز و الحذر عنها؛إذ لا يعتدّ بهذا الحرّ في جنب ذلك الحرّ.(3:56)

نحوه الخازن(3:106)،و الشّربينيّ(21:637).

القرطبيّ: (حرّا)نصب على البيان،أي من ترك أمر اللّه تعرّض لتلك النّار.(8:216)

ابن كثير :[نحو الثّعالبيّ و أضاف:]

ممّا فررتم منه من الحرّ بل أشدّ حرّا من النّار.[ثمّ نقل رواية لشدّة نار جهنّم](3:33)

البروسويّ: فإنّه لا تستطاع شدّته،و كانوا دعوا إلى غزوة تبوك في وقت نضج الرّطب،و هو أشدّ ما يكون من الحرّ.و قول عروة بن الزّبير أنّ خروجه عليه السّلام لتبوك كان في زمن الخريف،لا ينافي وجود الحرّ في ذلك الزّمن، لأنّ أوائل الخريف و هو الميزان يكون فيه الحرّ.[إلى أن قال:]

(قل)ردّا عليهم و تجهيلا: نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا من هذا الحرّ،و قد آثرتموها بهذه المخالفة،فما لكم لا تحذرونها!

(3:475)

نحوه الآلوسيّ(10:151)،و القاسميّ(8:3218).

الشّوكانيّ: أي قال المنافقون لإخوانهم هذه المقالة تثبيطا لهم،و كسرا لنشاطهم،و تواصيا بينهم بالمخالفة لأمر اللّه و رسوله،ثمّ أمر اللّه رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم،أن يقول لهم: نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ.

و المعنى:أنّكم أيّها المنافقون كيف تفرّون من هذا الحرّ اليسير،و نار جهنّم الّتي ستدخلونها خالدين فيها أبدا أشدّ حرّا ممّا فررتم منه،فإنّكم إنّما فررتم من حرّ يسير في زمن قصير،و وقعتم في حرّ كثير في زمن كبير، بل غير متناه أبد الآبدين و دهر الدّاهرين.[ثمّ استشهد بشعر](2:486)

ابن عاشور :خطاب بعضهم بعضا و كانت غزوة تبوك في وقت الحرّ حين طابت الظّلال.

و جملة: قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا مستأنفة ابتدائيّة خطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و المقصود قرع أسماعهم بهذا الكلام.

ص: 382

و كون نار جهنّم أشدّ حرّا من حرّ القيظ أمر معلوم لا يتعلّق الغرض بالإخبار عنه،فتعيّن أنّ الخبر مستعمل في التّذكير بما هو معلوم تعرّضا بتجليلهم،لأنّهم حذروا من حرّ قليل و أقحموا أنفسهم فيما يصير بهم إلى حرّ أشدّ.فيكون هذا التّذكير كناية عن كونهم واقعين في نار جهنّم،لأجل قعودهم عن الغزو في الحرّ،و فيه كناية عرضيّة عن كونهم صائرين إلى نار جهنّم.(10:167)

فضل اللّه : لا تَنْفِرُوا و انتظروا زوال شدّته و مجيء الفصل المعتدل الّذي يبرد فيه الجوّ،فيعين الإنسان على تحمّل مشقّة الجهاد،ليخلقوا بذلك حالة من الارتباك و البلبلة في صفوف المسلمين،و ليثيروا في أنفسهم الشّعور بالمانع و المشاكل الّتي تعترضهم في طريق الجهاد.و لكنّ اللّه يثير أمامهم و أمام المسلمين مشكلة الحرّ من طريق آخر،و هي قضيّة الحرّ في الآخرة الّذي ينتظرهم في نار جهنّم،إذا تخلّفوا عن رسول اللّه و عصوا أمر الجهاد،فعليهم أن يوازنوا بين حرارة الجوّ و حرارة النّار،فأيّهما يفضّلون؟و لا يتركهم اللّه ليختاروا و ليفكّروا في ذلك،بل يعطيهم الفكرة الحاسمة.

(11:178)

الحرور

وَ لاَ الظُّلُماتُ وَ لاَ النُّورُ* وَ لاَ الظِّلُّ وَ لاَ الْحَرُورُ.

فاطر:20،21

ابن عبّاس: يعني الجنّة و النّار.(366)

مثله السّدّيّ(394)،و الفرّاء(2:369)،و الكلبيّ (الواحديّ 3:54)،و ابن قتيبة(361)،و البغويّ(3:

692)،و النّسفيّ(3:322)،و الخازن(5:247).

(الحرور):الرّيح الحارّة باللّيل و السّموم بالنّهار.

(البغويّ 3:692)

عطاء: يعني الظّلّ باللّيل و السّموم بالنّهار.

(الواحديّ 3:504)

قطرب: (الحرور):الحرّ،و(الظّلّ):البرد.و معنى الكلام أنّه لا يستوي الجنّة و النّار.(الماورديّ 4:469)

الأخفش: (الحرور)لا يكون إلاّ مع شمس النّهار، و السّموم يكون باللّيل و النّهار.(الماورديّ 4:469)

أبو عبيدة :(الحرور)بالنّهار مع الشّمس هاهنا.

و كان رؤبة يقول:الحرور باللّيل و السّموم بالنّهار.[ثمّ استشهد بشعر](2:154)

الطّبريّ: (الحرور)قيل:النّار،كأنّ معناه عندهم:و ما تستوي الجنّة و النّار.و الحرور:بمنزلة السّموم،و هي الرّياح الحارّة.[إلى أن قال:]

و القول في ذلك عندي:أنّ(الحرور)يكون باللّيل و النّهار،غير أنّه في هذا الموضع،بأن يكون كما قال أبو عبيدة:أشبه مع الشّمس،لأنّ الظّلّ إنّما يكون في يوم شمس،فذلك يدلّ على أنّه أريد ب(الحرور):الّذي يوجد في حال وجود الظّلّ.(22:128)

الزّجّاج: المعنى لا يستوي أصحاب الحقّ الّذين هم في ظلّ من الحقّ،و أصحاب الباطل الّذين هم في حرور، أي في حرّ دائم ليلا و نهارا.و الحرور:استيقاد الحرّ و لفحه بالنّهار و باللّيل،و السّموم لا يكون إلاّ بالنّهار.

(4:267)

القمّيّ: (الظّلّ):النّاس و(الحرور):البهائم.

(2:209)

ص: 383

مثله البحرانيّ(8:142)،و العروسيّ(4:358).

السّجستانيّ: (الحرور):ريح حارّة تهبّ باللّيل و قد تكون بالنّهار،و السّموم بالنّهار و قد تكون باللّيل.

(153)

الماورديّ: (الحرور):الرّيح الحارّة كالسّموم.

(4:469)

الطّوسيّ: (الحرور)السّموم،و هو الرّيح الحارّة في الشّمس.

و قيل:(الظّلّ):الجنّة،و(الحرور):النّار.(8:423)

الميبديّ: يعني الجنّة و النّار.و قيل:(الحرور):

الرّيح الحارّة تأتي باللّيل و السّموم بالنّهار،و الحرور «فعول»من الحرارة،و هو اشتداد الحرّ و نفحه.

و قيل:(الظّلّ):الحقّ،و(الحرور):الباطل.(8:175)

الزمخشريّ: و(الحرور):السّموم،إلاّ أنّ السّموم يكون بالنّهار و الحرور باللّيل و النّهار،و قيل:باللّيل خاصّة.

فإن قلت:(لا)المقرونة بواو العطف ما هي؟

قلت:إذا وقعت الواو في النّفي قرنت بها لتأكيد معنى النّفي.فإن قلت:هل من فرق بين هذه الواوات؟قلت:

بعضها ضمّت شفعا إلى شفع و بعضها وترا إلى وتر.

(3:306)

نحوه البيضاويّ(2:271)،و أبو السّعود 5:279)، و المشهديّ(8:339).

ابن عطيّة: (الحرور):شدّة حرّ الشّمس،و قال رؤبة بن العجّاج:الحرور باللّيل و السّموم بالنّهار.

و ليس كما قال،و إنّما الأمر كما حكى الفرّاء و غيره.

أنّ السّموم يختصّ بالنّهار،و الحرور يقال في حرّ اللّيل و في حرّ النّهار.(4:435)

الطّبرسيّ: [نقل بعض الأقوال ثمّ قال:]

بعضهم أراد نفس الأعمى و البصير و الظّلّ و الحرور و الظّلمات و النّور،على طريق ضرب المثل،أي كما لا يستوي هذه الأشياء و لا يتماثل و لا يتشاكل،فكذلك عبادة اللّه لا تشبه عبادة غيره،و لا يستوي المؤمن و الكافر و الحقّ و الباطل و العالم و الجاهل.(4:405)

الفخر الرّازيّ: في تفسير الآية مسائل:

المسألة الأولى:ما الفائدة في تكثير الأمثلة هاهنا؛ حيث ذكر الأعمى و البصير،و الظّلمة و النّور،و الظّلّ و الحرور،و الأحياء و الأموات؟

فنقول:الأوّل مثل المؤمن و الكافر،فالمؤمن بصير و الكافر أعمى،ثمّ إنّ البصير و إن كان حديد البصر، و لكن لا يبصر شيئا إن لم يكن في ضوء،فذكر للإيمان و الكفر مثلا،و قال:الإيمان نور و المؤمن بصير،و البصر لا يخفى عليه النّور،و الكفر ظلمة و الكافر أعمى،فله صادّ فوق صادّ.ثمّ ذكر لمآلهما و مرجعهما مثلا و هو الظّلّ و الحرور،فالمؤمن بإيمانه في ظلّ و راحة،و الكافر بكفره في حرّ و تعب.(26:16)

القرطبيّ: [نقل بعض الأقوال ثمّ قال:]

عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«قالت النّار ربّ أكل بعضي بعضا فأذن لي أتنفّس،فأذن لها بنفسين:نفس في الشّتاء و نفس في الصّيف،فما وجدتم من برد أو زمهرير فمن نفس جهنّم،و ما وجدتم من حرّ أو حرور فمن نفس جهنّم».

ص: 384

و روي من حديث الزّهريّ عن سعيد،عن أبي هريرة:فما تجدون من الحرّ فمن سمومها،و شدّة ما تجدون من البرد فمن زمهريرها.و هذا يجمع تلك الأقوال،و أنّ السّموم و الحرور يكون باللّيل و النّهار،فتأمّله.

(14:339)

النّيسابوريّ: قال أهل اللّغة:السّموم:يكون بالنّهار،و الحرور أعمّ.و قال بعضهم:الحرور:يكون باللّيل،فالمؤمن بإيمانه كمن هو في ظلّ راحة،و الكافر في كفره كمن هو في حرّ و تعب.(22:74)

أبو حيّان :(الظّلّ)و(الحرور):تمثيل للحقّ و الباطل،و ما يؤدّيان إليه من الثّواب و العقاب، و(الاحياء)و(الاموات):تمثيل لمن دخل في الإسلام و من لم يدخل فيه.و الحرور:شدّة حرّ الشّمس.[ثمّ ذكر كلام ابن عطيّة و قال:]

و لا يرد على رؤبة،لأنّه منه تؤخذ اللّغة،فأخبر عن لغة قومه.(7:308)

الشّربينيّ: و(لا الظّلّ)أي الجنّة،و(لا الحرور) أي النّار،أو و لا الثّواب و لا العقاب.(3:322)

نحوه الآلوسيّ.(22:186)

الكاشانيّ: (الحرور)من الحرّ:غلب على السّموم.

(4:236)

مثله شبّر.(5:204)

البروسويّ: (الحرور):الرّيح الحارّة باللّيل،و قد تكون بالنّهار،و حرّ الشّمس،و الحرّ الدّائم،و النّار،كما في«القاموس»«فعول»من الحرّ غلب على السّموم، و هي الرّيح الحارّة الّتي تؤثّر تأثير السّمّ،تكون غالبا بالنّهار.

و المعنى:كما لا يستوي الظّلّ و الحرارة؛من حيث إنّ في الظّلّ استراحة للنّفس،و في الحرارة مشقّة و ألما، كذلك لا يستوي ما للمؤمن من الجنّة الّتي فيها ظلّ و راحة،و ما للكافر من النّار الّتي فيها حرارة شديدة.

و فيه إشارة إلى أنّ البعد من اللّه تعالى كالحرور في إحراق الباطن،و القرب منه كالظّلّ في تفريح القلب.(7:338)

مغنيّة:و(الظلّ)يومئ إلى النّعيم و(الحرور)إلى الجحيم.(6:286)

مكارم الشّيرازيّ: المؤمن يستظلّ في إيمانه بهدوء و أمن و أمان،أمّا الكافر فلكفره بالعذاب و الألم.

(14:58)

فضل اللّه :الّذي هو شدّة حرارة الشّمس.

و قيل:هو السّموم.(19:101)

حرير

1- جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ. فاطر:33

الطّوسي: معناه أنّ ما يلبسه أهل الجنّة من اللّباس إبريسم محض.(8:431)

مثله الطّبرسيّ.(4:409)

ابن عربيّ: يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ صوّر كمالات الأخلاق،و الفضائل،و الأحوال،و المواهب المصوغة بالأعمال،من ذهب العلوم الرّوحانيّة،و لؤلؤ المعارف،و الحقائق الكشفيّة الذّوقيّة،فلباسهم فيها حرير الصّفات الإلهيّة.(2:319)

ص: 385

النّسفيّ: لما فيه من اللّذّة و الزّينة.(3:342)

ابن كثير :و لهذا كان محذورا عليهم في الدّنيا، فأباحه اللّه تعالى لهم في الآخرة،و ثبت في الصّحيح أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«من لبس الحرير في الدّنيا لم يلبسه في الآخرة»،و قال:«هي لهم في الدّنيا،و لكم في الآخرة».(5:587)

البروسويّ: لا كحرير الدّنيا،فإنّه لا يوجد من معناه في الدّنيا إلاّ الاسم،و اللّباس:اسم ما يلبس- و بالفارسيّة جامه و پوشش-و الحرير من الثّياب:ما رقّ- كما في المفردات-و ثوب يكون سداه و لحمته إبريسما و إن كان في الأصل الإبريسم المطبوخ،كما في القهستانيّ.[ثم ذكر بعض المسائل الفقهية فراجع].

(7:352)

الآلوسيّ: أي إبريسم محض،كما في«مجمع البيان».و قال الرّاغب:ما رقّ من الثّياب.

و تغيير الأسلوب حيث لم يقل:و يلبسون فيها حريرا،قيل:للإيذان بأنّ ثبوت اللّباس لهم أمر محقّق غنيّ عن البيان؛إذ لا يمكن عراؤهم عنه.و إنّما المحتاج إلى البيان أنّ لباسهم ما ذا؟بخلاف الأساور و اللّؤلؤ،فإنّها ليست من اللّوازم الضروريّة،و لذا لا يلزم العدل بين الزّوجات فيها،فجعل بيان تحليتهم مقصودا بالذّات، و لعلّ هذا هو الباعث على تقديم«التّحلية»على بيان حال اللّباس.(22:199)

مكارم الشّيرازيّ: تشير الآية إلى ثلاثة أنواع من نعم الجنّة:بعضها إشارة إلى جانب مادّيّ،و بعضها الآخر إلى جانب معنويّ و باطنيّ،و بعض أيضا يشير إلى عدم وجود أيّ نوع من المعوّقات،فتقول الآية:

يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ.

فهؤلاء لم يلتفتوا في هذه الدّنيا إلى بريقها و زخرفها، و لم يجعلوا أنفسهم أسرى لزبرجها.و حين عريت أجسامهم عن اللّباس الخشن،لم يكونوا أسرى التّفكير باللّباس الفاخر،و اللّه سبحانه و تعالى ليجبر كلّ ذلك فيلبسهم في الآخرة أفخر الثّياب.

هؤلاء زيّنوا حياتهم الدّنيا بالخيرات،فزيّنهم اللّه سبحانه و تعالى في يوم تجسّد الأعمال يوم القيامة بأنواع الزّينة.

لقد قلنا مرارا إنّ الألفاظ الّتي وضعت لهذا العالم المحدود لا يمكنها أن توضح مفاهيم و مفردات عالم القيامة العظيم،فلأجل بيان نعم ذلك العالم الآخر نحتاج إلى حروف أخرى و ثقافة أخرى و قاموس آخر.على أيّة حال،فلأجل توضيح صورة و إن كانت باهتة عن النّعم العظيمة في ذلك العالم لا بدّ لنا أن نستعين بهذه الألفاظ العاجزة.(14:88)

2- جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ. الحجّ:23

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«من لبس الحرير في الدّنيا لم يلبسه اللّه إيّاه في الآخرة،فإن دخل الجنّة لبسه أهل الجنّة و لم يلبسه هو».(البغويّ 3:332)

ابن عبّاس: لا يوصف فضله.(279)

الواحديّ: يعني يلبسون في الجنّة ثياب الإبريسم،

ص: 386

و هو الّذي حرّم لبسه في الدّنيا على الرّجال.(3:264)

نحوه البغويّ(3:332)،و الميبديّ(6:351)، و البروسويّ(6:20).

الطّوسيّ: ثمّ أخبر أنّ لباسهم في الجنّة حرير، فحرّم اللّه على الرّجال لبس الحرير في الدّنيا،و شوّقهم إليه في الآخرة.(7:305)

نحوه الطّبرسيّ.(4:78)

الفخر الرّازيّ: فبيّن تعالى أنّه موصلهم في الآخرة إلى ما حرّمه عليهم في الدّنيا من هذه الأمور،و إن كان من أحلّه لهم أيضا شاركهم فيه،لأنّ المحلّل للنّساء في الدّنيا يسير بالإضافة إلى ما سيحصل لهم في الآخرة.

(23:22)

ابن عربيّ: شعاع أنوار الصّفات الإلهيّة و التّجلّيات اللّطيفة.(2:100)

القرطبيّ: أي و جميع ما يلبسونه من فرشهم و لباسهم و ستورهم حرير،و هو أعلى ممّا في الدّنيا بكثير.

(12:29)

البيضاويّ: غيّر أسلوب الكلام فيه للدّلالة على أنّ الحرير ثيابهم المعتادة،أو للمحافظة على هيئة الفواصل.(2:89)

مثله المشهديّ.(6:482)

ابن كثير :و قوله: وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ في مقابلة ثياب أهل النّار الّتي فصّلت لهم،لباس هؤلاء من الحرير:استبرقه و سندسه،كما قال: عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ...* وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً الدّهر:21،22.(4:627)

الشّربينيّ: و هو الإبريسم المحرّم لبسه على الرّجال المكلّفين في الدّنيا،في مقابلة ثياب الكفّار،كما كان لباس الكفّار في الدّنيا حريرا و لباس المؤمنين دون ذلك.(2:545)

أبو السّعود :[مثل البيضاويّ و أضاف:]

بل للإيذان بأنّ ثبوت اللّباس لهم أمر محقّق غنيّ عن البيان؛إذ لا يمكن عراؤهم عنه.و إنّما المحتاج إلى البيان أنّ لباسهم ما ذا؟بخلاف الأساور و اللّؤلؤ فإنّها ليست من اللّوازم الضّروريّة،فجعل بيان تحليتهم بها مقصودا بالذّات.و لعلّ هذا هو الباعث إلى تقديم بيان«التّحلية» على بيان حال اللّباس.(4:376)

الشّوكانيّ: أي جميع ما يلبسونه حرير،كما تفيده هذه الإضافة.و يجوز أن يراد:أنّ هذا النّوع من الملبوس الّذي كان محرّما عليهم في الدّنيا حلال لهم في الآخرة، و أنّه من جملة ما يلبسونه فيها،ففيها ما تشتهيه الأنفس، و كلّ واحد منهم يعطى ما تشتهيه نفسه و ينال ما يريده.

(3:556)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

الظّاهر أنّ حرمة استعمال الحرير للرّجال-في غير ما استثني-مجمع عليها،و أنّه يكفر من استحلّ ذلك غير متأوّل.

و لعلّ خبر البيهقيّ في سننه و غيره عن ابن الزّبير رضي اللّه تعالى عنهما مرفوعا«من لبس الحرير في الدّنيا لم يلبسه في الآخرة و لم يدخل الجنّة»إن صحّ،محمول على ما إذا كان اللّبس محرّما بالإجماع،و قد استحلّه فاعله من غير تأوّل،أو على أنّ المراد:لم يدخل الجنّة

ص: 387

مع السّابقين.و إلاّ فعدم دخول اللاّبس مطلقا الجنّة مشكل.(17:137)

المراغيّ: أي و يلبسون الحرير الّذي حرم عليهم لبسه في الدّنيا،و كان فيها عنوان العزّة و الكرامة،فأوتوه في الآخرة إجلالا و تعظيما لهم.(17:104)

عزة دروزه:يلبسون الثّياب الحريريّة جزاء لما كان من اهتدائهم إلى أحسن الأقوال،و سيرهم في أحمد الطّرق و أضمنها للنّجاة.(7:88)

ابن عاشور :الحرير:يطلق على ما نسج من خيوط الحرير،كما هنا.و أصل اسم الحرير:اسم لخيوط تفرزها من لعابها دودة مخصوصة تلفّها لفّا بعضها إلى بعض مثل كبّة تلتئم،مشدودة كصورة الفول السّودانيّ تحيط بالدّودة كمثل الجوزة،و تمكث فيه الدّودة مدّة،إلى أن تتحوّل الدّودة إلى فراشة ذات جناحين،فتثقب ذلك البيت و تخرج منه.

و إنّما تحصّل الخيوط من ذلك البيت بوضعها في ماء حارّ في درجة الغليان،حتّى يزول تماسكها بسبب انحلال المادّة الصّمغيّة اللّعابيّة الّتي تشدّها،فيطلقونها خيطا واحدا طويلا،و من تلك الخيوط تنسج ثياب تكون بالغة في اللّين و اللّمعان.

و ثياب الحرير أجود الثّياب في الدّنيا قديما و حديثا و أقدم ظهورها في بلاد الصّين منذ خمسة آلاف سنة تقريبا؛حيث يكثر شجر التّوت،لأنّ دود الحرير لا يفرز الحرير إلاّ إذا كان علفه ورق التّوت،و الأكثر أنّه يبني بيوته في أغصان التّوت.و كان غير أهل الصّين لا يعرفون تربية دود الحرير،فلا يحصّلون الحرير إلاّ من طريق بلاد الفرس يجلبه التّجّار،فلذلك يباع بأثمان غالية.و كانت الأثواب الحريريّة تباع بوزنها من الذّهب.

ثمّ نقل بذر دود الحرير الّذي يتولّد منه الدّود إلى القسطنطينيّة في زمن الإمبراطور(بوستنيانوس)بين سنة:527 و سنة:565 م.و من أصناف ثياب الحرير:

السّندس و الإستبرق،و قد تقدّما في سورة الكهف.

و عرفت الأثواب الحريريّة في الرّومان في حدود أوائل القرن الثّالث المسيحيّ.(17:169)

المصطفويّ: فأحسن اللّباس في الدّنيا هو التلبّس بالتّقوى،و في الجنّة يكون لباسهم حريرا.و في مادّته إشارة إلى الحركة و الفعّاليّة الحسنة المطلوبة، و التّحوّلات الّتي ترغب إليها نفوسهم و تلتذّ بها،و هذا معنى قوله تعالى: وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً الدّهر:12 و اللّه أعلم.(2:205)

مكارم الشّيرازيّ: و هاتان مكافئتان يمنّ اللّه بهما على عباده العالمين في الجنّة،يهبهم أفخر الملابس الّتي حرموا منها في الدّنيا،و يجمّلهم بزينة الأساور الّتي منعوا عنها في الحياة الأولى،لأنّها كانت تؤدّي إلى إصابتهم بالغرور و الغفلة،و تكون سببا لحرمان الآخرين و فقرهم.

أمّا في الجنّة فينتهي هذا المنع،و يباح للمؤمنين لباس الحرير و الحليّ و غيرها.و بالطّبع ستكون للحياة الأخرويّة مفاهيم أسمى ممّا نفكّر به في هذه الدّنيا الدّنيئة، لأنّ مبادئ الحياة و مدلولها يختلفان في الدّنيا عمّا هي في الآخرة،فتأمّلوا جيّدا.(10:279)

3- وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً الدّهر:12

ص: 388

1Lالحسن: أدخلهم الجنّة و ألبسهم الحرير،كقوله:

وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ فاطر:33.

(الميبديّ 10:322)

نحوه الخازن.(7:160)

الإمام الباقر عليه السّلام: جنّة يسكنونها،و حريرا يفترشونه و يلبسونه.(شبّر 6:333)

نحوه الطّبرسيّ(5:410)،و أبو السّعود(6:342)، و الكاشانيّ(5:262)،و البحرانيّ(10:142)، و العروسيّ(5:480)،و البروسويّ(10:268)، و الآلوسيّ(29:157)،و القاسميّ(17:6013).

القيسيّ: (حريرا):نصب ب(جزيهم)،مفعول ثان، و التّقدير:دخول جنّة و لبس حرير،ثمّ حذف المضاف فيها.(2:437)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:جنّة يسكنونها،و حريرا يلبسونه.

الثّاني:أنّ الجنّة المأوى،و الحرير أبد العيش في الجنّة،و منه لبس الحرير ليلبسون من لذّة العيش.

(6:168)

الطّوسيّ: يلبسونه.(10:213)

مثله البيضاويّ(2:526)،و المشهديّ(11:122).

الواحديّ: يعني لباس أهل الجنّة.(4:402)

مثله ابن الجوزيّ.(8:435)

الميبديّ: قيل:حرير الجنّة:أوراق الأشجار.

و قيل:الحرير كناية عن لين العيش.(10:322)

الزّمخشريّ: فإن قلت:ما معنى ذكر الحرير مع الجنّة؟

قلت:المعنى و جزاهم بصبرهم على الإيثار و ما يؤدّي إليه من الجوع و العري بستانا فيه مأكل هنيء، و حرير فيه ملبس بهيّ،يعني أنّ هواءها معتدل لا حرّ شمس يحمى و لا شدّة برد تؤذي،و في الحديث:«هواء الجنّة سجسج لا حرّ و لا قرّ».(4:197)

القرطبيّ: (حريرا)أي أدخلهم الجنّة و ألبسهم الحرير،أي يسمّى بحرير الدّنيا،و كذلك الّذي في الآخرة.(19:134)

ابن كثير :أي منزلا رحبا و عيشا رغدا و لباسا حسنا.(ابن كثير 7:182)

الشّربينيّ: أي ألبسوه،أي هو في غاية العظمة.

(4:453)

الشّريف العامليّ: قد ورد في مواضع من القرآن ما يدلّ على تنعّم أهل الجنّة بالحرير،فرشا و لباسا.

(125)

الشّوكانيّ: أي أدخلهم الجنّة و ألبسهم الحرير، و هو لباس أهل الجنّة عوضا عن تركه في الدّنيا،امتثالا لما ورد في الشّرع من تحريمه.

و ظاهر هذه الآيات العموم في كلّ من خاف من يوم القيامة،و أطعم لوجه اللّه،و خاف من عذابه.و السّبب و إن كان خاصّا-كما سيأتي-فالاعتبار بعموم اللّفظ لا بخصوص السّبب،و يدخل سبب التّنزيل تحت عمومها دخولا أوّليّا.(5:428)

ابن عاشور :الحرير:اسم لخيوط من مفرزات دودة مخصوصة.

و كان الجزاء برفاهيّة العيش؛إذ جعلهم في أحسن

ص: 389

المساكن،و هو الجنّة،و كساهم أحسن الملابس و هو الحرير الّذي لا يلبسه إلاّ أهل فرط اليسار،فجمع لهم حسن الظّرف الخارج،و حسن الظّرف المباشر و هو اللّباس.و المراد بالحرير هنا:ما ينسج منه.(29:360)

عبد الكريم الخطيب :أي و جعل اللّه سبحانه جزاءهم عنده أن أدخلهم الجنّة،و كساهم فيها خير ما يكسى به أهل النّعيم في الدّنيا،و هو الحرير،و لكنّه حرير الجنّة الّذي لا يعلم صفته إلاّ اللّه تعالى.

(15:1365)

فضل اللّه :من اللّباس الّذي يوحي بمنتهى الرّقّة و النّعومة و الجمال،أو من الفراش الّذي يتقلّبون فيه و ينامون عليه،كعنوان للحياة النّاعمة الرّضيّة الّتي تقدّم إليهم في الجنّة.(23:273)

الحرّ

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ... البقرة:178

لاحظ«ق ت ل:القتلى،و ق ص ص:القصاص».

محرّرا

إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.

آل عمران:35

ابن عبّاس: (محرّرا):خادما لمسجد بيت المقدس.(46)

إذ قالت امرأة عمران بن ماثان و اسمها:حنّة بنت فاقوذ،و هي أمّ مريم: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً. و ذلك أنّ أمّ مريم حنّة كانت جلست عن الولد و المحيض،فبينما هي ذات يوم في ظلّ الشّجرة إذ نظرت إلى طير يزقّ فرخا له،فتحرّكت نفسها للولد، فدعت اللّه أن يهب لها ولدا،فحاضت من ساعتها،فلمّا طهرت أتاها زوجها،فلمّا أيقنت بالولد قالت:لئن نجّاني اللّه و وضعت ما في بطني لأجعلنّه محرّرا.

و بنو ماثان من ملوك بني إسرائيل من نسل داود.

و المحرّر لا يعمل للدّنيا و لا يتزوّج،و يتفرّغ لعمل الآخرة، يعبد اللّه تعالى،و يكون في خدمة الكنيسة.و لم يكن محرّرا في ذلك الزّمان إلاّ الغلمان.فقالت لزوجها:ليس جنس من جنس الأنبياء إلاّ و فيهم محرّر غيرنا،و إنّي جعلت ما في بطني نذيرة،تقول:نذرت أن أجعله للّه فهو المحرّر.

فقال زوجها:أ رأيت إن كان الّذي في بطنك أنثى و الأنثى عورة،فكيف تصنعين؟فاغتمّت لذلك،فقالت عند ذلك: رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً فَتَقَبَّلْ مِنِّي إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.

(الدّرّ المنثور 2:18)

سعيد بن جبير: (محرّرا)للبيعة و الكنيسة.

(محرّرا)للعبادة.(الطّبريّ 3:236)

الشّعبيّ: جعلته في الكنيسة،و فرّغته للعبادة.

(الطّبريّ 3:236)

مجاهد :للكنيسة يخدمها.(الطّبريّ 3:236)

خالصا لا يخالطه شيء من أمر الدّنيا.

ص: 390

(الطّبريّ 3:236)

نحوه عكرمة(القرطبيّ 4:66)،و زيد بن عليّ(158).

عكرمة :إنّ امرأة عمران كانت عجوزا عاقرا تسمّى:حنّة،و كانت لا تلد،فجعلت تغبط النّساء لأولادهنّ،فقالت:اللّهمّ إنّ عليّ نذرا شكرا،إن رزقتني ولدا أن أتصدّق به على بيت المقدس،فيكون من سدنته و خدّامه،قال:و قوله: نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً أنّها للحرّة ابنة الحرائر،محرّرا للكنيسة يخدمها.(الطّبريّ 3:237)

الضّحّاك: جعلت ولدها للّه و للّذين يدرسون الكتاب و يتعلّمونه.(الطّبريّ 3:237)

قتادة :كانت امرأة عمران حرّرت للّه ما في بطنها، و كانوا إنّما يحرّرون الذّكور،و كان المحرّر إذا حرّر جعل في الكنيسة لا يبرحها،يقوم عليها،و يكنسها.

مثله الرّبيع.(الطّبريّ 3:236)

السّدّيّ: إنّ امرأة عمران حملت،فظنّت أنّ ما في بطنها غلام،فوهبته للّه محرّرا،لا يعمل في الدّنيا.(172)

الكلبيّ: كان المحرّر إذا حرّر جعل في الكنيسة، يقوم عليها،يكنسها و يخدمها،و لا يبرح،مقيما عليها حتّى يبلغ الحلم،ثمّ يخيّر إن أحبّ أقام فيها و إن أحبّ ذهب حيث شاء،و إن أراد أن يخرج بعد التّخيير لم يكن له ذلك،و لم يكن أحد من الأنبياء و العلماء إلاّ من نسله محرّر لبيت المقدس،و لم يكن محرّرا إلاّ الغلمان، و لا تصلح له الجارية،لما يصيبها من الحيض و الأذى، فحرّرت أمّ مريم ما في بطنها...

مثله محمّد بن إسحاق.(البغويّ 1:431)

أبو عبيدة:أي عتيقا للّه،أعتقته و حرّرته،واحد.

(1:90)

ابن قتيبة :أي عتيقا للّه عزّ و جلّ،تقول:أعتقت الغلام و حرّرته،سواء.و أرادت:إنّي نذرت أن أجعل ما في بطني محرّرا من التّعبيد للدّنيا،ليعبدك و يلزم بيتك.

(103)

الطّبريّ: يعني بذلك:حبسته على خدمتك و خدمة قدسك في الكنيسة،عتيقة من خدمة كلّ شيء سواك، مفرّغة لك خاصّة،و نصب(محرّرا)على الحال من(ما) الّتي بمعنى الّذي.(3:235)

الزّجّاج: أنّي جعلته خادما يخدم في متعبّداتنا، و كان ذلك جائزا لهم،و كان على أولادهم فرضا أن يطيعوهم في نذرهم،فكان الرّجل ينذر في ولده أن يكون خادما في متعبّدة و لعبّادهم،و لم يكن ذلك النّذر في النّساء إنّما كان ذلك في الذّكورة،فلمّا ولدت امرأة عمران مريم قالت: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى و ليست الأنثى ممّا يصلح للنّذر،فجعل اللّه عزّ و جلّ من الآيات في مريم -لما أراده اللّه من أمر عيسى-أن جعلها متقبّلة في النّذر، فقال عزّ و جلّ: فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَ أَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً آل عمران:37.(1:401)

السّجستانيّ: أي عتيقا للّه لخدمة بيته.(34)

الأصمّ:لم يكن لبني إسرائيل غنيمة و لا سبي، فكان تحريرهم جعلهم أولادهم على الصّفة الّتي ذكرنا.

[وقفا على طاعة اللّه](الفخر الرّازيّ 8:27)

الجصّاص :و التّحرير:ينصرف على وجهين:

أحدهما:العتق من الحرّيّة،و الآخر:تحرير الكتاب،

ص: 391

و هو إخلاصه من الفساد و الاضطراب.و قولها: إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً إذا أرادت مخلصا للعبادة أنّها تنشئه على ذلك و تشغله بها دون غيرها، و إذا أرادت به أنّها تجعله خادما للبيعة أو عتيقا لطاعة اللّه تعالى،فإنّ معاني جميع ذلك متقاربة،كان نذرا من قبلها نذرته للّه تعالى.(2:14)

عبد الجبّار: ربّما قيل في: إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً كيف يصحّ تحرير ما في البطن؟

و جوابنا:أنّ المراد بذلك أنّها نذرت أن يكون ما في بطنها مسلما للّه تعالى ذكرا كان أو أنثى،موفرا على عبادة اللّه تعالى.و قد كان مثل ذلك من عبادات ذلك الزّمان،فلذلك قال تعالى: فَتَقَبَّلْ مِنِّي، و لذلك قال:

فَتَقَبَّلَها رَبُّها بِقَبُولٍ حَسَنٍ وَ أَنْبَتَها نَباتاً حَسَناً آل عمران:37،و كلّ ذلك لما في المعلوم من أمر عيسى عليه السّلام.(64)

الثّعالبيّ: أي حبيسا على خدمة بيتك،محرّرا من كلّ خدمة و شغل من أشغال الدّنيا.و البيت الّذي نذرته له هو بيت المقدس.(1:247)

القيسيّ: (محرّرا):حال من(ما).و قيل:

تقديره:غلاما محرّرا.أي خالصا لك.و وقعت(ما)لما يعقل للإبهام،كما قالت العرب:«خذ من عبيدي ما شئت».و حكى سيبويه:«سبحان ما سبّح الرّعد بحمده».و كما قال تعالى: فَانْكِحُوا ما طابَ لَكُمْ مِنَ النِّساءِ النّساء:3.(1:136)

نحوه أبو البركات.(1:200)

القشيريّ: المحرّر:الّذي ليس في رقّ شيء من المخلوقات،حرّره الحقّ سبحانه في سابق حكمه عن رقّ الاشتغال،بجميع الوجوه و الأحوال.(1:249)

الواحديّ: أي عتيقا خالصا للّه،خادما للكنيسة، مفرّغا للعبادة و لخدمة الكنيسة.و كلّ ما أخلص فهو محرّر،يقال:حرّرت العبد،إذا أعتقته.(1:430)

نحوه ابن كثير.(2:30)

الرّاغب: قيل:هو أنّه جعل ولده بحيث لا ينتفع به الانتفاع الدّنيويّ المذكور،في قوله عزّ و جلّ: بَنِينَ وَ حَفَدَةً النّحل:72،بل جعله مخلصا للعبادة،و لهذا قال الشّعبيّ:معناه مخلصا،و قال مجاهد:خادما للبيعة، و قال جعفر:معتقا من أمر الدّنيا،و كلّ ذلك إشارة إلى معنى واحد.(111)

البغويّ: [نحو الواحديّ و أضاف:]

و كانت القصّة في ذلك:أنّ زكريّا و عمران تزوّجا أختين،و كانت إيشاع بنت فاقوذا أمّ يحيى عند زكريّا، و كانت حنّة بنت فاقوذا أمّ مريم عند عمران،و كان قد أمسك عن حنّة الولد حتّى أيست،و كانوا أهل بيت من اللّه بمكان،فبينما هي في ظلّ شجرة بصرت بطائر يطعم فرخا،فتحرّكت بذلك نفسها للولد،فدعت اللّه أن يهب لها ولدا،و قالت:اللّهمّ لك عليّ إن رزقتني ولدا أن أتصدّق به على بيت المقدس،فيكون من سدنته و خدمه،فحملت بمريم فحرّرت ما في بطنها و لم تعلم ما هو،فقال لها زوجها:ويحك ما صنعت؟أ رأيت إن كان ما في بطنك أنثى لا تصلح لذلك؟فوقعا جميعا في همّ من ذلك،فهلك عمران و حنّة حامل بمريم.(1:431)

ص: 392

الميبديّ: (محرّرا):خالصا للّه،فارغا من جميع أمور الدّنيا.و يقال:رجل حرّ،أي خالص من العيوب.

و طين حرّ،أي خالص من الرّمل و الحصاة.و الحرّ هو الّذي صار للّه تعالى في الحقيقة عبدا.(2:98)

الزّمخشريّ: (محرّرا):أي معتقا لخدمة بيت المقدس لا يدلي عليه،و لا أستخدمه و لا أشغله بشيء، و كان هذا النّوع من النّذر مشروعا عندهم.و روي أنّهم كانوا ينذرون هذا النّذر فإذا بلغ الغلام خيّر بين أن يفعل و بين أن لا يفعل.و ما كان التّحرير إلاّ للغلمان،و إنّما بنت الأمر على التّقدير،أو طلبت أن ترزق ذكرا.(1:425)

نحوه النّسفيّ(1:145)،و الشّربينيّ(1:210)، و الخازن(1:285).

ابن عطيّة: أي جعلت نذرا أن يكون هذا الولد الّذي في بطني حبيسا على خدمة بيتك،محرّرا من كلّ خدمة و شغل من أشغال الدّنيا،أي عتيقا من ذلك.فهو من لفظ الحرّيّة،و نصبه على الحال.

قال مجاهد: معناه خادما للكنيسة.و قال مثله الشّعبيّ و سعيد بن جبير.و كان هذا المعنى من التّحرير للكنائس عرفا في الذّكور خاصّة،و كان فرضا على الأبناء التزام ذلك.(1:424)

الطّبرسيّ: [نقل الأقوال و أضاف:]

قالوا:و كان المحرّر إذ حرّر جعل في الكنيسة،يقوم عليها و يكنسها و يخدمها لا يبرح حتّى يبلغ الحلم،ثمّ يخيّر فإن أحبّ أن يقيم فيه أقام و إن أحبّ أن يذهب ذهب حيث شاء.

قالوا:و كانت حنّة قد أمسك عنها الولد حتّى أيست،فبينا هي تحت شجرة إذ رأت طائرا يزقّ فرخا له،فتحرّكت نفسها للولد،فدعت اللّه أن يرزقها ولدا، فحملت بمريم.(1:434)

الفخر الرّازيّ: المحرّر:الّذى يجعل حرّا خالصا.

يقال:حرّرت العبد،إذا خلّصته عن الرّقّ،و حرّرت الكتاب،إذا أصلحته و خلّصته،فلم تبق فيه شيئا من وجوه الغلط.و رجل حرّ،إذا كان خالصا لنفسه،ليس لأحد عليه تعلّق.و الطّين الحرّ:الخالص عن الرّمل و الحجارة و الحمأة و العيوب.

أمّا التّفسير فقيل:مخلصا للعبادة.[إلى أن قال:]

و المعنى أنّها نذرت أن تجعل ذلك الولد وقفا على طاعة اللّه.[ثمّ نقل قول الأصمّ و قال:]

و ذلك لأنّه كان الأمر في دينهم أنّ الولد إذا صار بحيث يمكن استخدامه،كان يجب عليه خدمة الأبوين، فكانوا بالنّذر يتركون ذلك النّوع من الانتفاع، و يجعلونهم محرّرين لخدمة المسجد و طاعة اللّه تعالى.

[إلى أن قال:]

و هذا التّحرير لم يكن جائزا إلاّ في الغلمان،أمّا الجارية فكانت لا تصلح لذلك،لما يصيبها من الحيض و الأذى.

ثمّ إنّ حنّة نذرت مطلقا:إمّا لأنّها بنت الأمر على التّقدير،أو لأنّها جعلت ذلك النّذر وسيلة إلى طلب الذّكر.(8:27)

القرطبيّ: (محرّرا):مأخوذ من الحرّيّة الّتي هي ضدّ العبوديّة؛من هذا تحرير الكتاب،و هو تخليصه من الاضطراب و الفساد.[إلى أن قال:]

ص: 393

و هذا معروف في اللّغة أن يقال لكلّ ما خلص:حرّ، و محرّر بمعناه.[ثمّ استشهد بشعر](4:66)

البيضاويّ: معتقا لخدمته لا أشغله بشيء،أو مخلصا للعبادة.(1:157)

نحوه الكاشانيّ(1:306)،و شبّر(1:314).

ابن جزيّ: أي عتيقا من كلّ شغل إلاّ خدمة المسجد.(1:105)

أبو حيّان :معناه عتيقا من كلّ شغل من أشغال الدّنيا،فهو من لفظ الحرّيّة.[إلى أن قال:]

و أتى بلفظ(ما)دون(من)لأنّ الحمل إذ ذاك لم يتّصف بالعقل،أو لأنّ(ما)مبهمة تقع على كلّ شيء فيجوز أن تقع موقع(من)و نسب هذا إلى سيبويه.

(2:437)

السّمين: قوله:(محرّرا)في نصبه أوجه:

أحدها:أنّه حال من الموصول،و هو ما فِي بَطْنِي فالعامل فيها(نذرت).

الثّاني:أنّه حال من الضّمير المرفوع بالجارّ،لوقوعه صلة ل(ما)و هو قريب من الأوّل،فالعامل في هذه الحال الاستقرار الّذي تضمّنه الجارّ و المجرور.

الثّالث:أن ينتصب على المصدر،لأنّ المصدر يأتي على زنة اسم المفعول من الفعل الزّائد على ثلاثة أحرف، و على هذا فيجوز أن يكون في الكلام حذف مضاف، تقديره:نذرت لك ما في بطني نذر تحرير،و يجوز أن يكون ممّا انتصب على المعنى،لأنّ المعنى نَذَرْتُ لَكَ: حرّرت ما في بطني تحريرا.

و من مجيء المصدر بزنة«المفعول»ممّا زاد على الثّلاثيّ قوله تعالى: وَ مَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ سبأ:

19،و قوله: (وَ مَنْ يُهِنِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ) الحجّ:18، في قراءة من فتح الرّاء،أي كلّ تمزيق،و فما له من إكرام.

[ثمّ استشهد بشعر]

الرّابع:أن يكون نعت مفعول محذوف،تقديره:

غلاما محرّرا،قاله مكّيّ بن أبي طالب،و جعل ابن عطيّة في هذا القول نظرا.

قلت:وجه النّظر فيه أنّ«نذر»قد أخذ مفعوله، و هو قوله: ما فِي بَطْنِي فلم يتعدّ إلى مفعول آخر، و هو نظر صحيح.و على القول بأنّها حال يجوز أن يكون حالا مقارنة إن أريد بالتّحرير معنى العتق،و مقدّرة إن أريد به معنى خدمة الكنيسة،كما جاء في التّفسير.

(2:71)

البروسويّ: أي معتقا لخدمة بيت المقدس لا يد لي عليه و لا أستخدمه و لا أشغله بشيء،أو خالصا للّه و لعبادته لا يعمل عمل الدّنيا و لا يتزوّج،فيتفرّغ لعمل الآخرة.

و كان هذا النّذر مشروعا عندهم،لأنّ الأمر في دينهم أنّ الولد إذا صار بحيث يمكن استخدامه،كان يجب عليه خدمة الأبوين،فكانوا بالنّذر يتركون ذلك النّوع من الانتفاع و يجعلونهم محرّرين لخدمة المسجد.

و لم يكن أحد من الأنبياء إلاّ و من نسله محرّر لبيت المقدس،و لم يكن يحرّر إلاّ الغلمان،و لا تصحّ له الجارية لما يصيبها من الحيض و الأذى،فتحتاج إلى الخروج،و لكن حرّرت حنّة ما في بطنها مطلقا:إمّا لأنّها بنت الأمر على تقدير الذّكورة،أو لأنّها جعلت ذلك

ص: 394

النّذر وسيلة إلى طلب الولد الذّكر.(2:26)

الشّوكانيّ: [نحو القرطبيّ و أضاف:]

و قيل:المراد بالمحرّر هنا:الخالص للّه سبحانه الّذي لا يشوبه شيء من أمر الدّنيا.و رجّح هذا بأنّه لا خلاف أنّ عمران و امرأته حرّان.(1:425)

الآلوسيّ: و هدا في الحقيقة استدعاء للولد الذّكر لعدم قبول الأنثى،فيكون المعنى:ربّ إنّي نذرت لك ما في بطني،فاجعله ذكرا على حدّ أعتق عبدك عنّي.

و جعله بعض الأئمّة تأكيدا لنذرها،و إخراجا له عن صورة التّعليق إلى هيئة التّنجيز.

و اللاّم من(لك)للتّعليل،و المراد لخدمة بيتك.[ثمّ ذكر أقوال المفسّرين و أضاف:]

و على كلّ هو من الحرّيّة،و هي ضربان:أن لا يجري عليه حكم السّبي،و أن لا تتملّكه الأخلاق الرّديئة و الرّذائل الدّنيويّة.

و انتصابه على الحاليّة من(ما)،و العامل فيه (نذرت)،و قيل:من الضّمير الّذي في الجارّ و المجرور، و العامل فيه حينئذ الاستقرار-و لا يخفى رجحان الوجه الأوّل-و الحال إمّا مقدّرة أو مصاحبة.(3:133)

رشيد رضا :أي معتقا من رقّ الأغيار لعبادته سبحانه و خدمة بيته،أو مخلصا لهذه العبادة و الخدمة، لا يشتغل بشيء آخر.(3:289)

طنطاوي: أي جعلت الحمل الّذي في بطني نذرا محرّرا منّي لك.و النّذر:ما أوجبه الإنسان على نفسه، فيكون المعنى أنّه خالص لعبادة اللّه و خدمة الكنيسة، لا يشغل بشيء من أمور الدّنيا،و كان المحرّر يجعل في الكنيسة فيقوم عليها،و لا يبرح مقيما حتّى يبلغ الحلم ثمّ يخيّر،فإن شاء بقي فيها و إلاّ ذهب،و ليس له بعد اختيار الكنيسة أن يتركها.و كانت عادة أنبياء بني إسرائيل و علمائهم أن يحرّروا أبناءهم لخدمة بيت المقدس،و كان ذلك خاصّا بالغلمان،لأنّ النّساء لا يصلحن لذلك.

و محصّل هذه القصّة:أنّ زكريّا و عمران تزوّجا.[ثمّ أدام القصّة نحو البغويّ](2:102)

سيّد قطب :و قصّة النّذر تكشف لنا عن قلب امرأة عمران-أمّ مريم-و ما يعمره من إيمان،و من توجّه إلى ربّها بأعزّ ما تملك،و هو الجنين الّذي تحمله في بطنها، خالصا لربّها،محرّرا من كلّ قيد و من كلّ شرك،و من كلّ حقّ لأحد غير اللّه سبحانه.

و التّعبير عن الخلوص المطلق بأنّه تحرّر تعبير موح، فما يتحرّر حقّا إلاّ من يخلص للّه كلّه،و يفرّ إلى اللّه بجملته،و ينجو من العبوديّة لكلّ أحد و لكلّ شيء و لكلّ قيمة،فلا تكون عبوديّته إلاّ للّه وحده.فهذا هو التّحرير إذن،و ما عداه عبوديّة و إن تراءت في صورة الحرّيّة.

و من هنا يبدو التّوحيد،هو الصّورة المثلى للتّحرّر، و ما يتحرّر إنسان و هو يدين لأحد-غير اللّه-بشيء ما في ذات نفسه،أو في ما جريان حياته،أو في الأوضاع و القيم و القوانين و الشّرائع الّتي تصرّف هذه الحياة.

لا تحرّر و في قلب الإنسان تعلّق أو تطلّع أو عبوديّة لغير اللّه،و في حياته شريعة أو قيم أو موازين مستمدّة من غير اللّه.و حين جاء الإسلام بالتّوحيد جاء بالصّورة

ص: 395

الوحيدة للتّحرّر في عالم الإنسان.(1:392)

ابن عاشور :و امرأة عمران هي حنّة بنت فاقوذا.

قيل:مات زوجها و تركها حبلى فنذرت حبلها ذلك محرّرا،أي مخلّصا لخدمة بيت المقدس،و كانوا ينذرون ذلك إذا كان المولود ذكرا.و إطلاق«المحرّر»على هذا المعنى إطلاق تشريف،لأنّه لمّا خلص لخدمة بيت المقدس فكأنّه حرّر من أسر الدّنيا و قيودها إلى حرّيّة عبادة اللّه تعالى.

قيل:إنّها كانت تظنّه ذكرا،فصدر منها النّذر مطلقا عن وصف الذّكورة،و إنّما كانوا يقولون:إذا جاء ذكرا فهو محرّر.و أنّث الضّمير في قوله: فَلَمّا وَضَعَتْها و هو عائد إلى ما فِي بَطْنِي باعتبار كونه انكشف ما صدقه على أنثى.(3:85)

الطّباطبائيّ: من المعلوم أنّ تحرير الأب أو الأمّ للولد ليس تحريرا عن الرّقيّة،و إنّما هو تحرير عن قيد الولاية الّتي للوالدين على الولد؛من حيث تربيته، و استعماله في مقاصدهما و افتراض طاعتهما،فبالتّحرير يخرج من تسلّط أبويه عليه في استخدامه.

و إذا كان التّحرير منذورا للّه سبحانه،يدخل في ولاية اللّه يعبده و يخدمه،أي يخدم في البيع و الكنائس، و الأماكن المختصّة بعبادته تعالى،في زمان كان فيه تحت ولاية الأبوين لو لا التّحرير.

و قد قيل:إنّهم كانوا يحرّرون الولد للّه،فكان الأبوان لا يستعملانه في منافعهما،و لا يصرفانه في حوائجهما بل كان يجعل في الكنيسة يكنسها و يخدمها،لا يبرح حتّى يبلغ الحلم،ثمّ يخيّر بين الإقامة و الرّواح؛فإن أحبّ أن يقيم أقام،و إن أحبّ الرّواح ذهب لشأنه.

و في الكلام دلالة على أنّها كانت تعتقد أنّ ما في بطنها ذكر لا إناث،حيث إنّها تناجي ربّها عن جزم و قطع من غير اشتراط و تعليق؛حيث تقول: نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً من غير أن تقول مثلا:إن كان ذكرا،و نحو ذلك.

و ليس تذكير قوله:(محرّرا)من جهة كونه حالا عن(ما)الموصولة الّتي يستوي فيه المذكّر و المؤنّث؛إذ لو كانت نذرت تحرير ما في بطنها سواء كان ذكرا أو أنثى،لم يكن وجه لما قالتها تحزّنا و تحسّرا لمّا وضعتها: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى و لا وجه ظاهر لقوله تعالى: وَ اللّهُ أَعْلَمُ بِما وَضَعَتْ وَ لَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثى. (3:170)

المصطفويّ: التّحرير الحقيقيّ هو التّخليص عن قيود المادّة،و التّخريج عن حجب عالم الطّبيعة إلى نور الحقيقة.(2:205)

مكارم الشّيرازيّ: المحرّر:من التّحرير،و كانت تطلق في ذلك الزّمان على الأبناء المعيّنين للخدمة في المعبد،ليتولّوا تنظيفه و خدماته،و ليؤدّوا عباداتهم فيه وقت فراغهم.و لذلك سمّي الواحد منهم المحرّر؛إذ هو محرّر من خدمة الأبوين،و كان ذلك مدعاة لافتخارهم.

قيل:إنّ الصّبيان القادرين على هذه الخدمة كانوا يقومون بها بإشراف الأبوين إلى سنّ البلوغ،و من ثمّ كان الأمر يوكل إليهم،إن شاءوا بقوا،و إن شاءوا تركوا الخدمة.(2:351)

فضل اللّه :إنّ القصّة هنا تختصر الحوادث،فليست هناك ملامح شخصيّة لهذه الإنسانة«امرأة عمران»؛من

ص: 396

هي؟و ما هو اسمها،و ما هي صفاتها الذّاتيّة؟لأنّ ذلك كلّه لا يمثّل شيئا في ما تهدف إليه القصّة من الحديث،عن الرّوحيّة الّتي كان يعيشها آل عمران،و عن إخلاصهم العظيم للّه،و عن النّمط المميّز من التّفكير الّذي كان يطبع وعيهم،فقد فقدت هذه المرأة زوجها بعد أن حملت منه،و ربّما كان إنسانا صالحا يعيش في خدمة بيت اللّه، و بدأت تفكّر في مستقبل هذا الولد،و لم تفكّر تفكيرا ذاتيّا أنانيّا كما يفكّر الكثيرون في الانتفاع بأولادهم،من ناحية مادّيّة أو معنويّة،في ما يكسبه من مال،و في ما يحصل عليه من جاه،بل فكّرت في أن يكون خادما للّه،و هذا ما تعنيه كلمة(محرّرا)بحيث لا يكون خاضعا لأيّة سلطة بشريّة،سواء في ذلك سلطة والديه أو سلطة الآخرين.

فهو لا يعمل لأحد و لا يدخل في خدمة أحد،بل يعمل للّه و يخدم بيته،فيكون حرّا أمام الآخرين في ما يملكه من سلطان نفسه تجاههم،و عبدا أمام اللّه باعتباره خادما أمينا له،فنذرته للّه،و كان هذا النّذر مشروعا في شريعتهم،و أرادت من خلاله أن تتقرّب إلى اللّه،لأنّها لا تملك شيئا تقدّمه إليه غير ذلك.إنّه نوع من القربان الحيّ المتحرّك الّذي تقدّمه الأمّ إلى خالقها ليظلّ في طاعته و خدمته.و ابتهلت إليه أن يتقبّله منها، فإنّه السّميع الّذي يسمع دعوات عباده المخلصين له، العليم الّذي يعلم إخلاصهم الرّوحيّ في عبادته.

و بقيت هذه المرأة الصّالحة في أجواء هذه الرّوحيّة طيلة أيّام الحمل،و جاء اليوم الموعود الّذي انتظرته ليتحقّق حملها،و كانت المفاجأة غير المنتظرة،فالمولود أنثى،و الأنثى لا تصلح للخدمة في بيت المقدس،لأنّها من شئون الذّكور،فهتفت هتاف اليائس المعتذر الخائب،لتعلن أنّ الحلم لم يتحقّق،و لم تكن بحاجة إلى هذا الإعلان.فإنّ اللّه أعلم بما وضعت،لأنّه هو الّذي خلقه و صوّره،و ليس الذّكر كالأنثى،فلو كان المولود ذكرا لكان شأنه أن ينتهي إلى خادم بسيط في بيت المقدس،و لكن هذه الأنثى الّتي وضعتها ستكون مؤهّلة لكرامة اللّه حيث تظهر-من خلالها-قدرته في ولادة عيسى منها من دون أب.

و بدأت المرأة تفكّر من جديد-في ما توحي به الآية -فهي لا تريد أن تبتعد عن اللّه في أحلامها الرّوحيّة،فإذا لم يقدّر لها أن تلد ذكرا خادما لبيت المقدس،و ولدت بدلا منه أنثى،فإنّها تعود لتناجي اللّه في أمنيّاتها الجديدة، فقد أسمتها«مريم»-الّتي تعني العابدة في لغتهم،كما يقال- لتكون إنسانة عابدة للّه مطيعة له في ما يأمر به و ينهى عنه،ثمّ طلبت من اللّه أن يعيذها و ذرّيّتها من الشّيطان الرّجيم،فيجبرهم من وسوسته و تثبيطه و مكره و خدعه و مكائده،ليستطيعوا السّير في خطّ الطّاعة من دون أيّ انحراف أو زلل.

إنّنا نكتشف في هذه المرأة إنسانيّة تعيش العلاقة باللّه كأروع ما تكون العلاقات،و كأصفى ما تكون المشاعر، و كأعظم ما تتحرّك الأفكار،فهي تفكّر في مستقبل ذرّيّتها من خلال اللّه،لتقرّبهم إليه و تبعّدهم عن الشّيطان.(5:346)

ص: 397

تحرير

1- ..وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ... النّساء:92

ابن عبّاس: فعليه عتق رقبة مؤمنة باللّه و رسوله.

(77)

سعيد بن جبير: عتق الرّقبة واجب على القاتل في ماله.(ابن الجوزيّ 2:163)

الإمام الباقر عليه السّلام:...فعليه تحرير رقبة مؤمنة فيما بينه و بين اللّه.(الكاشانيّ 1:447)

القيسيّ: (فتحرير)ابتداء،و خبره محذوف تقديره:فعليه تحرير رقبة ودية مسلّمة.(1:202)

مثله أبو البركات.(1:264)

الزّمخشريّ: و التّحرير:الإعتاق،و الحرّ و العتيق:

الكريم،لأنّ الكرم في الأحرار كما أنّ اللّؤم في العبيد، و منه عتاق الخيل و عتاق الطّير لكرامها،و حرّ الوجه:

أكرم موضع منه،و قولهم للّئيم:عبد و فلان عبد الفعل، أي لئيم الفعل.(1:553)

نحوه البيضاويّ(1:236)،و النّسفيّ(1:242)، و النّيسابوريّ(5:111)،و أبو حيّان(3:321)، و الآلوسيّ(5:113).

الطّبرسيّ: أي فعليه إعتاق رقبة مؤمنة في ماله خاصّة،على وجه الكفّارة،حقّا للّه.(2:91)

الفخر الرّازيّ: معناه فعليه تحرير رقبة،و التّحرير عبارة عن جعله حرّا،و الحرّ هو الخالص.و لمّا كان الإنسان في أصل الخلقة خلق ليكون مالكا للأشياء،كما قال تعالى: خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً البقرة:

29،فكونه مملوكا يكون صفة تكدّر مقتضى الإنسانيّة و تشوّشها،فلا جرم سمّيت إزالة الملك تحريرا،أي تخليصا لذلك الإنسان عمّا يكدّر إنسانيّته.(10:233)

العكبريّ: (فتحرير)مبتدأ،و الخبر محذوف،أي فعليه تحرير رقبة.و يجوز أن يكون خبرا،و المبتدأ محذوف،أي فالواجب عليه تحرير،و الجملة خبر(من).

(1:380)

القرطبيّ: أي فعليه تحرير رقبة،هذه الكفّارة الّتي أوجبها اللّه تعالى في كفّارة القتل و الظّهار أيضا.[إلى أن قال:]

و اختلفوا أيضا في معناها،فقيل:أوجبت تمحيصا و طهورا لذنب القاتل،و ذنبه ترك الاحتياط و التّحفّظ حتّى هلك على يديه امرؤ محقون الدّم.

و قيل:أوجبت بدلا من تعطيل حقّ اللّه تعالى في نفس القتيل،فإنّه كان له في نفسه حقّ،و هو التّنعّم بالحياة و التّصرّف فيما أحلّ له تصرّف الأحياء،و كان للّه سبحانه فيه حقّ،و هو أنّه كان عبدا من عباده،يجب له من اسم العبوديّة صغيرا كان أو كبيرا حرّا كان أو عبدا مسلما كان أو ذمّيّا ما يتميّز به عن البهائم و الدّوابّ، و يرتجى مع ذلك أن يكون من نسله من يعبد اللّه و يعطيه، فلم يخل قاتله من أن يكون فوّت منه الاسم الّذي ذكرنا،و المعنى الّذي وصفنا،فلذلك ضمن الكفّارة.

و أيّ واحد من هذين المعنيين كان،ففيه بيان أنّ

ص: 398

النّصّ و إن وقع على القاتل خطأ فالقاتل عمدا مثله،بل أولى بوجوب الكفّارة عليه منه.(5:314)

السّمين: الفاء جواب شرط،أو زائدة في الخبر إن كانت(من)بمعنى الّذي،و ارتفاع(تحرير)إمّا على الفاعليّة،أي فيجب عليه تحرير،و إمّا على الابتدائيّة و الخبر محذوف،أي فعليه تحرير،أو بالعكس أي فالواجب تحرير.(2:414)

القاسميّ: أي فالواجب عليه،لحقّ اللّه،إعتاق نفس محكوم عليها بالإيمان،و لو صغيرة،ليعتق اللّه عنه بكلّ جزء منها جزء منه من النّار.[إلى أن قال:]

لطيفتان:

الأولى:قال الزّمخشريّ[و قد تقدّم]

الثّانية:قيل في حكمة الإعتاق:إنّه لمّا أخرج نفسا مؤمنة من جملة الأحياء،لزمه أن يدخل نفسا مثلها في جملة الأحرار،لأنّ إطلاقها من قيد الرّقّ كإحيائها،من قبل أنّ الرّقيق ملحق بالأموات؛إذ الرّقّ أثر من آثار الكفر،و الكفر موت حكما: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ الأنعام:122.و لهذا منع من تصرّف الأحرار،و هذا مشكل؛إذ لو كان كذلك لوجب في العمد أيضا.لكن يحتمل أن يقال:إنّما وجب عليه ذلك،لأنّ اللّه تعالى أبقى للقاتل نفسا مؤمنة؛حيث لم يوجب القصاص،فأوجب عليه مثلها رقبة مؤمنة.(5:1443)

ابن عاشور :الفاء رابطة لجواب الشّرط،و(تحرير) مرفوع على الخبريّة لمبتدإ محذوف من جملة الجواب، لظهور أنّ المعنى:فحكمه أو فشأنه تحرير رقبة،كقوله:

فَصَبْرٌ جَمِيلٌ يوسف:18،و التّحرير:«تفعيل»من الحرّيّة،أي جعل الرّقبة حرّة.

و من أسرار الشّريعة الإسلاميّة حرصها على تعميم الحرّيّة في الإسلام بكيفيّة منتظمة،فإنّ اللّه لمّا بعث رسوله بدين الإسلام كانت العبوديّة متفشّية في البشر، و أقيمت عليها ثورات كثيرة،و كانت أسبابها متكاثرة:

و هي الأسر في الحروب،و التّصيير في الدّيوان، و التّخطّف في الغارات،و بيع الآباء و الأمّهات أبناءهم، و الرّهائن في الخوف،و التّداين،فأبطل الإسلام جميع أسبابها عدا الأسر،و أبقى الأسر لمصلحة تشجيع الأبطال و تخويف أهل الدّعارة من الخروج على المسلمين،لأنّ العربيّ ما كان يتّقي شيئا من عواقب الحروب مثل الأسر.[ثمّ استشهد بشعر]

ثمّ داوى تلك الجراح البشريّة بإيجاد أسباب الحرّيّة في مناسبات دينيّة جمّة:منها واجبة،و منها مندوب إليها.و من الأسباب الواجبة كفّارة القتل المذكورة هنا،و قد جعلت كفّارة قتل الخطأ أمرين:

أحدهما: تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ و قد جعل هذا التّحرير بدلا من تعطيل حقّ اللّه في ذات القتيل،فإنّ القتيل عبد من عباد اللّه و يرجى من نسله من يقوم بعبادة اللّه و طاعة دينه،فلم يخل القاتل،من أن يكون فوّت بقتله هذا الوصف،و قد نبّهت الشّريعة بهذا على أنّ الحرّيّة حياة،و أنّ العبوديّة موت،فمن تسبّب في موت نفس حيّة كان عليه السّعي في إحياء نفس كالميتة و هي المستعبدة.

و سنزيد هذا بيانا عند قوله تعالى: وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ

ص: 399

وَ جَعَلَكُمْ مُلُوكاً المائدة:20،فإنّ تأويله أنّ اللّه أنقذهم من استعباد الفراعنة،فصاروا كالملوك لا يحكمهم غيرهم.

و ثانيهما الدّية...(4:217)

المصطفويّ: أي تخرج رقبة مقيّدة ساكنة عن القيود و السّكون.(2:205)

فضل اللّه :التّحرير:«تفعيل»من الحرّيّة،و هو إخراج العبد من الرّقّ إلى الحرّيّة.(7:398)

2- ..فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ.

المائدة:89

الطّبريّ: يعني تعالى ذكره بذلك:أو فكّ عبد من أسر العبوديّة و ذلّها،و أصل التّحرير:الفكّ من الأسر.

[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:تحرير رقبة،و المحرّر:صاحب الرّقبة،لأنّ العرب كان من شأنها إذا أسرت أسيرا أن تجمع يديه إلى عنقه بقيد أو حبل أو غير ذلك،و إذا أطلقته من الأسر أطلقت يديه،و حلّتهما ممّا كانتا به مشدودتين إلى الرّقبة،فجرى الكلام عند إطلاقهم الأسير،بالخبر عن فكّ يديه عن رقبته،و هم يريدون الخبر عن إطلاقه من أسره،كما يقال:قبض فلان يده عن فلان،إذا أمسك يده عن نواله.و بسط فيه لسانه،إذا قال فيه سوء، فيضاف الفعل إلى الجارحة الّتي يكون بها ذلك الفعل دون فاعله،لاستعمال النّاس ذلك بينهم،و علمهم بمعنى ذلك.

فكذلك ذلك في قول اللّه تعالى ذكره: أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ أضيف التّحرير إلى الرّقبة،و إن لم يكن هناك غلّ في رقبته،و لا شدّ يد إليها،و كان المراد بالتّحرير:نفس العبد،بما وصفنا من جرّى استعمال النّاس ذلك بينهم، لمعرفتهم بمعناه.(7:26)

الزّجّاج: فخيّر الحالف أحد هذه الثّلاثة،و أفضلها عند اللّه أكثرها نفعا،و أحسنها موقعا من المساكين،أو من المعتق،فإن كان النّاس في جدب لا يقدرون على المأكول إلاّ بما هو أشدّ تكلّفا من الكسوة أو الإعتاق فالإطعام أفضل،لأنّ به قوام الحياة،و إلاّ فالإعتاق أو الكسوة أفضل.(2:202)

السّجستانيّ: أي عتق رقبة،يقال:حررت المملوك فحرّ،أي أعتقته فعتق.و الرّقبة:ترجمة عن الإنسان.(54)

الماورديّ: يعني أو فكّ رقبة من أسر العبوديّة إلى حال الحرّيّة و التّحرير،و الفكّ:العتق.[ثمّ استشهد بشعر](2:62)

نحوه الطّوسيّ.(4:15)

ابن عطيّة: التّحرير:الإخراج من الرّقّ، و يستعمل في الأسر و المشقّات و تعب الدّنيا و نحوها،فمنه قوله تعالى عن أمّ مريم: إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً آل عمران:35،أي من شغوب الدّنيا.[ثمّ استشهد بشعر](2:231)

مثله القرطبيّ(6:280)،و نحوه أبو حيّان(4:11)، و الشّوكانيّ(2:90).

الطّبرسيّ: معناه عتق رقبة عبد أو أمة.[إلى أن

ص: 400

قال:]

و هذه الثّلاثة واجبة على التّخيير.و قيل:إنّ الواجب منها واحد لا بعينه،و فائدة هذا الخلاف و الكلام في شرحها،و في الأدلّة على صحّة المذهب الأوّل مذكور في أصول الفقه.(2:238)

الفخر الرّازيّ: المراد بالرّقبة:الجملة،و قيل:الأصل في هذا المجاز أنّ الأسير في العرب كان يجمع يداه إلى رقبته بحبل،فإذا أطلق حلّ ذلك الحبل،فسمّي الإطلاق من الرّقبة:فكّ الرّقبة،ثمّ جرى ذلك على العتق.

(12:76)

مثله النّيسابوريّ.(7:20)

البيضاويّ: أو إعتاق إنسان.(1:290)

نحوه أبو السّعود(2:316)،و المشهديّ(3:181)، و البروسويّ(2:433)،و شبّر(2:209)،و الآلوسيّ (7:13)،و القاسميّ(6:2134).

[ لاحظ ر ق ب:رقاب]

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحرّة،و هي أرض ذات حجارة سود نخرات،كأنّها أحرقت بالنّار؛و الجمع:

حرار و حرّات؛يقال:بعير حرّيّ،أي يرعى في الحرّة، و أرض حرّيّة:رمليّة ليّنة.و حرّ الأرض يحرّها حرّا:

سوّاها،و المحرّ:شبحة فيها أسنان تسوّى بها الأرض، و لعلّه تشبيه باستواء الحرّة.

و الحرّة:الظّلمة الكثيرة،تشبيها بسواد حجارة الحرّة.

و الحرّ و الحرّة:الطّين الطّيّب،و طين حرّ:لا رمل فيه،و رملة حرّة:لا طين فيها؛و الجمع:حرائر.فلا يقال للطّين الملوّث بالرّمل،أو الرّمل الملوّث بالطّين:حرّ،لأنّ الحرّ من كلّ شيء:أعتقه؛يقال:فرس عتيق،و ناقة حرّة.و الحرّ من النّاس:أخيارهم و أفاضلهم،و الحرّة:

الكريمة من النّساء،و حرّيّة العرب:أشرافهم.و حرّ الفاكهة:خيارها،و أحرار البقول:ما رقّ منها و رطب و ما أكل غير مطبوخ.و الحرّ:الفعل الحسن؛يقال:ما هذا منك بحرّ،أي بحسن و لا جميل.و ليلة حرّة:أوّل ليلة من الشّهر،لشرفها.يقال:باتت فلانة بليلة حرّة،أي لم تفتضّ ليلة زفافها،و لم يقدر بعلها على افتضاضها، كأنّها بقيت عتيقة.و سحابة حرّة:بكر،تشبيها بمن باتت بليلة حرّة.

و حرّ الوجه:ما بدا من الوجنة،و الحرّ:الخدّ.يقال:

لطم حرّ وجهه،و الحرّة:الوجنة،و حرّة الذّفرى:موضع مجال القرط منها،و الحرّتان:الأذنان،و ينبئ ذلك عن شرف هذه الأعضاء.

و الحرّ:سواد في ظاهر أذن الفرس،و الحرّان:

السّودان في أعلى الأذنين،تشبيها بسواد الحرّة.

و الحرّ:نقيض العبد؛و الجمع:أحرار و حرار، و الحرّة:نقيض الأمة؛و الجمع:حرائر،تشبيها بأشراف النّاس.يقال:حرّ العبد يحرّ حرارة،أي صار حرّا، و حرّره:أعتقه،و إنّه لحرّ بيّن الحرّيّة و الحرورة و الحروريّة و الحرارة و الحرار.و يشبه تحرير العبد الطّين الحرّ،و هو الّذي لا رمل فيه،فكما أنّ الطّين يلوّث بالرّمل،فكذلك الحرّ يلوّث بالعبوديّة،فهم يقولون:

ص: 401

رمّل فلان بالدّم،أي لطّخ به.

و الحرّ:ولد الحيّة اللّطيفة،و ولد الظّبي،و فرخ الحمام،و كأنّها أفضل جنسها.

و الحرير:ثياب من إبريسم؛واحدها:حريرة،و هو ما رقّ منها و خلّص من الشّوائب،كما خلّص العبد من لوث العبوديّة.

و الحرّ:ضدّ البرد؛و الجمع:حرور و أحارر،و الحارّ:

نقيض البارد،و الحرارة:ضدّ البرودة،و هو من هذا الباب أيضا،لأنّه يشبه لفح الحرّة.يقال:حرّ النّهار يحرّ حرّا،و قد حررت يا يوم تحرّ،و حررت تحرّ و تحرّ حرّا و حرارة و حرورا،أي اشتدّ حرّك،و حرّ الماء يحرّ:

سخن.و الحرور:الرّيح الحارّة باللّيل،و قد تكون بالنّهار؛و الجمع:حرائر.

و الحريرة:الحساء من الدّسم و الدّقيق،لأنّها تؤكل حارّة.

و الحرّة و الحرارة:العطش و شدّته،لأنّه ينشأ من حرارة الجوف.يقال:حرّ الرّجل يحرّ،أي عطش،و من دعائهم:«رماه اللّه بالحرّة و القرّة»أي بالعطش و البرد، و رجل حرّان:عطشان،من قوم حرار و حرارى و حرارى،و امرأة حرّى:عطشى،من نسوة حرار و حرارى.و حرّت كبده و استحرّت،و هي تحرّ حرّة و حرارة و حرارا:يبست من عطش أو حزن،و كذا استحرّ صدره.يقال في الدّعاء عليه:ما له أحرّ اللّه صدره،أي أعطشه.و أحرّ الرّجل:صارت إبله حرارا، أي عطاشا،فهو محرّ.

و الحرير:المحرور الّذي تداخلته حرارة الغيظ و غيره،و امرأة حريرة:حزينة محرقة الكبد.

و تحرير الكتابة:إقامة حروفها و إصلاح السّقط، و تحرير الحساب:إثباته مستويا،لا غلت فيه و لا سقط و لا محو،تشبيها بتحرير الرّقبة،و إزالة آثار العبوديّة عن العبد.

2-و يلحظ أنّ في فتح«الحاء»و كسرها و ضمّها أثرا في معاني مشتقّات هذه المادّة،ففتح«الحاء»في الحرّ يعني اللّفح و الاتّقاد و التّوهّج،و مثله الحرّة،كما تقدّم.

و كسر«الحاء»في الحرّة يعني شدّة العطش،و هو الغلّة و الظّمأ و الصّدى.

و ضمّ«الحاء»في لفظ الحرّ يعني نقيض العبد، و الشّريف من النّاس،و الفعل الحسن،و الطّين الطّيّب، و مثله الحرّة،أي نقيض الأمة،و الكريمة من النّساء، و الوجنة و غير ذلك.

و منه:الحرّيّة،و هو مصدر جعليّ،يعني الانعتاق من نير الرّقّ و لوث العبوديّة،و شعوب العالم اليوم تصبو إليها و تنشدها،و تبذل مهجها و كلّ ما تملك في سبيلها.

و تعني في الاقتصاد إعفاء التّجارة الدّوليّة من القيود و الرّسوم.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت مصدرا من التّفعيل 5 مرّات،و اسم مفعول منه مرّة،و اسما 9 مرّات:فعلا مرّتين،و فعلا 3 مرّات، و فعلولا مرّة،و فعيلا 3 مرّات في 11 آية:

تحرير رقبة

1- ...وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ

ص: 402

وَ دِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ.. النّساء:92

2- لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ عَشَرَةِ مَساكِينَ مِنْ أَوْسَطِ ما تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ ذلِكَ كَفّارَةُ أَيْمانِكُمْ إِذا حَلَفْتُمْ وَ احْفَظُوا أَيْمانَكُمْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ آياتِهِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ المائدة:89

3- وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَتَمَاسّا... المجادلة:3

محرّرا

4- إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً آل عمران:35

الحرّ

5- ...كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ وَ الْأُنْثى بِالْأُنْثى... البقرة:178

الحرّ

6- ...وَ قالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ التّوبة:81

7- وَ جَعَلَ لَكُمْ سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ وَ سَرابِيلَ تَقِيكُمْ بَأْسَكُمْ... النّحل:81

الحرور

8- وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ* وَ لاَ الظُّلُماتُ وَ لاَ النُّورُ* وَ لاَ الظِّلُّ وَ لاَ الْحَرُورُ* وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لاَ الْأَمْواتُ إِنَّ اللّهَ يُسْمِعُ مَنْ يَشاءُ وَ ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ فاطر:19-23

حرير

9 و 10- ...يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ الحجّ:23،و فاطر:33

11- وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً

الدّهر:12

و فيها ثلاثة محاور:

المحور الأوّل:ثلاثة ألفاظ:تحرير،و المحرّر، و الحرّ.و كلّها تشريع و مدنيّ إلاّ(4)فحكاية نذر امرأة عمران ما في بطنها.و هي أيضا نحو من التّشريع.

أمّا تحرير فجاء(تحرير رقبة)خمس مرّات،في ثلاثة مواضيع:

1-القاتل خطأ في(1):و هو بالنّسبة إلى المقتول أنواع:

أ-مؤمن في بلاد الإسلام: وَ مَنْ قَتَلَ مُؤْمِناً خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ.

ب-مؤمن في بلاد الكفّار: فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ.

ج-ذمّيّ أو معاهد: وَ إِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ.

2-المقسم باليمين المؤكّدة في(2): وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ... أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ.

3-المظاهر في(3): وَ الَّذِينَ يُظاهِرُونَ مِنْ نِسائِهِمْ ثُمَّ يَعُودُونَ لِما قالُوا فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ.

ص: 403

يلاحظ أوّلا:أنّه قيّدت الرّقبة في(1)ب(مؤمنة) ثلاث مرّات،و أطلقت في(2)و(3)،و الحكمة في ذلك القيد-كما قال القاسميّ-«أنّه لمّا أخرج نفسا مؤمنة من جملة الأحياء،لزمه أن يدخل نفسا مثلها في جملة الأحرار،لأنّ إطلاقها من قيد الرّقّ كإحيائها».

و هذا حقّ في الأوّلين دون الأخير،لأنّه كافر ذمّيّ أو معاهد،و إن جاز أن يكون هو أيضا مؤمنا من قوم آخرين،بينهم و بين المؤمنين ميثاق بدليل هذا القيد.

و سيتلى عليك ما نبّهوا عليه من النّكات في التّعبير ب تحرير رقبة.

ثانيا:في(ب)كفّارة دون دية،و في(أ)و(ج)كفّارة و دية معا،لأنّ نماء الدّية هنا يدعم البلاد الكافرة، فتشتدّ شوكتها على الإسلام،و لذا تعمد الدّول المستكبرة في هذه الأيّام إلى تجميد أرصدة الدّول النّامية في مصارفها،لإضعاف اقتصادها.

و لكن ربّما قيل:إن كان الأمر كذلك،فلم أوجب دفعها إلى أولياء المقتول الذّمّيّ أو المعاهد،و هم كفّار لا يؤمن جانبهم؟

قيل:نسخ هذا الحكم بقوله تعالى: بَراءَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عاهَدْتُمْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ التّوبة:1، أو هو استثناء من هذه الآية،و البحث موكول إلى الفقه.

لاحظ«ب ر ء:براءة،و ع ه د:عاهدتم».

ثالثا:تشدّد القرآن في تحرير الرّقبة المؤمنة دون هوادة،و لكنّه رخّص في غير المؤمنة؛إذ خيّر في(2)بين إطعام عشرة مساكين،و كسوتهم،و تحرير رقبة،أو صيام ثلاثة أيّام عند عدمها.كما خيّر في(3)بين تحرير رقبة،و صيام شهرين متتابعين،أو إطعام ستّين مسكينا، و هذا يشهد على حرمة المؤمن عند اللّه و عظم خطره.

رابعا:أنّ كفّارة الأيمان هي:إطعام عشرة مساكين، أو كسوتهم،أو تحرير رقبة،أو صيام ثلاثة أيّام.و كفّارة المظاهرة هي:تحرير رقبة،أو صيام شهرين متتابعين،أو إطعام ستّين مسكينا على التّوالي فيها.فثقّل العقوبة على المظاهر بتثقيل بديل تحرير الرّقبة،لفداحة فعله،و لذا استهلّها بالأصعب فالصّعب.و خفّفها على المقسم بتخفيف البديل،لطفافة فعله،فاستهلّها بالأسهل فالصّعب-و هو تحرير رقبة-ثمّ السّهل:صيام ثلاثة أيّام.

خامسا:عالج القرآن في هاتين الكفّارتين أربعة احتياجات خطيرة،تنشدها المجتمعات البشريّة قاطبة لدنياها و آخرتها،و هي:الحرّيّة تحرير رقبة،:

و توفير الغذاء«الإطعام»،و اللّباس«الكسوة»-في(2» فقط-للمساكين،و تهذيب النّفس(الصّيام).لاحظ «ص و م:الصّيام».

و قد دعا الإسلام إلى الحرّيّة بهدوء و دون تهريج حتّى تلاشى الرّقّ من المجتمعات الإسلاميّة على مرّ العصور،كما نرى ذلك اليوم.و هذا خلاف ما فعله «إبراهام لنكولن»في الولايات المتّحدة الأمريكيّة قبل ثلاثة قرون تقريبا؛إذ دعا إلى تحرير العبيد الّذين جلبوا من إفريقيا،ليعملوا في مزارع الولايات الجنوبيّة، و سرعان ما نشبت الحرب الأهليّة بين شمال الولايات الأمريكيّة و جنوبها من جرّاء هذه الدّعوة،و استمرّت سنوات،و راح ضحيّتها الآلاف من النّاس،و أحرقت المزارع،و خرّبت الدّور،و نزح المدنيّون من أوطانهم.

ص: 404

و لا زالت هذه المشكلة قائمة إلى يومنا هذا في أمريكا، رغم هذه الويلات و النّكبات،و لكن بنمط آخر؛إذ تحوّل الصّراع بين المحرّرين(البيض)و المحرّرين(السّود)،بعد أن كان الصّراع دائرا بين البيض أنفسهم حول تحرير السّود.

و اهتمّ الإسلام كذلك بتوفير الغذاء و الكسوة للمحتاجين بصور مختلفة،وجوبا-كما في هاتين الآيتين-أو استحبابا،لأنّ الحرّيّة و الغذاء متلازمان، فإن انفكّ أحدهما عن الآخر،اختلّ النّظام الاجتماعيّ، فيبرز الكبت أو العوز.و لذا جمعا هنا و في قوله تعالى:

فَكُّ رَقَبَةٍ* أَوْ إِطْعامٌ فِي يَوْمٍ ذِي مَسْغَبَةٍ البلد:13، 14.

و هذا خلاف ما حدث في روسيا قبل تسعين عاما تقريبا؛حيث أسّس«لينين»الحزب الشّيوعيّ،و نادى بإشباع حاجات الإنسان الاقتصاديّة كفافا،و رغباته الجنسيّة دون حدّ«الشّيوعيّة الجنسيّة».و لكنّه حدّ من حرّيّة الفرد-كما هو طابع هذا النّظام-و صادرها، فضاق النّاس به ذرعا فثاروا،فأخمد ثورتهم بالنّار و الحديد،و قتل الملايين من البشر في هذه البلاد.

و خصوصا إبّان حكم«ستالين»رفيق«لينين»؛لمطالبتهم بالحرّيّة.لاحظ«ط ع م:طعام و إطعام،و ظ ه ر:

يظاهرون،و ي م ن:أيمان».

سادسا:نبّهوا في تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ على نكات:

1-التّحرير:الإعتاق-و مثله عتق الرّقبة-و الحرّ و العتيق:الكريم،كما أنّ اللّؤم في العبيد،فالتّحرير تكريم للعبيد،قاله الزّمخشريّ.

2-لمّا كان الإنسان خلق ليكون مالكا للأشياء،كما قال: خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً البقرة:29، فكونه مملوكا تشويش لمقتضى الإنسانيّة،و سمّيت إزالة الملك تحريرا،أي تخليصا له عمّا يكدّر إنسانيّته،قاله الفخر الرّازيّ.

3-العبوديّة موت و الحرّيّة حياة،فلمّا فوّت القاتل حياة المقتول،فعليه أن يحيي مملوكا بتحريره.

4-إنّ العتيق عبد من عباد اللّه و يرجى من نسله من يقوم بعبادة اللّه،و القاتل فوّت عليه هذا الوصف،فلا بدّ أن يجبره بتحرير عبد يقوم بدله بهذا الواجب،أفاده و ما قبله ابن عاشور.

5-التّحرير:تطهير لذنب القاتل الّذي هلك على يديه إنسان محقون الدّم،أفاده و ما قبله القرطبيّ.

6-لمّا أخرج نفسا مؤمنة من جملة الأحياء لزمه أن يدخل نفسا مثلها في جملة الأحرار،لأنّ إطلاقها من الرّقّ كإحيائها،لأنّ الرّقيق ملحق بالأموات؛إذ الرّقّ أثر من آثار الكفر،و الكفر موت حكما،كما قال: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ الأنعام:122،و لهذا منع العبد من تصرّف الأحرار.

7-لمّا أبقى اللّه للقاتل خطأ نفسا مؤمنة؛حيث لم يوجب عليه القصاص،فأوجب عليه مثلها رقبة مؤمنة، أفاده القاسميّ.

8-كان من شأن العرب إذا أسرت أسيرا أن يجمع يديه إلى عنقه،و إذا أطلقته من الأسر أطلقت يديه من عنقه،فجعل تحرير الرّقبة كناية عن عتقه،و إن لم يكن هناك غلّ في رقبته،كما أنّ قبض اليد و بسطها كناية عن

ص: 405

الجود و البخل،و بسط اللّسان في«بسط في فلان لسانه» كناية عن قول سوء فيه و إن لم يكن أثر من البسط في يده أو في لسانه،أفاده الطّبريّ و تبعه غيره.و أكثر هذه الوجوه يخصّ القاتل خطأ في(1)و بعضها مثل 1 و 2 و 8 يعمّ غيرها من الآيات.

سابعا:قالوا في إعراب فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ:

1-إنّه مبتدأ،و خبره محذوف،أي فعليه تحرير رقبة.و يجوز العكس بجعله خبرا،و المبتدأ محذوف،أي فالواجب عليه تحرير،أو فحكمه تحرير رقبة،أو هو فاعل لفعل محذوف،أي فيجب عليه تحرير رقبة.و هذه الوجوه جارية في(1)و(3)و هي نظير فَصَبْرٌ جَمِيلٌ يوسف:18.

2-قد تكرّر في(1)«تحرير رقبة مؤمنة»ثلاث مرّات و الفاء فيها جواب الشّرط،و المذكور في الأخيرين،و المفهوم من الأوّل،و لا سيّما لو كانت(من) شرطيّة،و كذا في(3).لاحظ«ع ت ق:عتق،و ر ق ب:

رقبة».

و أمّا المحرّر فجاء مرّة في(4): إِذْ قالَتِ امْرَأَتُ عِمْرانَ رَبِّ إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً.

و يلاحظ أوّلا:أنّ المفسّرين ذكروا في معنى «المحرّر»:خادم لبيت المقدس،حبيس على خدمة بيت اللّه،معتق من أمر الدّنيا،معتق لخدمة بيت المقدس،أو عتيق اللّه،خالص لا يخالطه شيء من أمر الدّنيا.

فمن قال:هو المعتق أو العتيق،فقوله مفسّر و مبيّن.

قال ابن قتيبة:«أعتقت الغلام و حرّرته سواء».و من قال:الخالص،فهو إحالة،أي أناط اللّفظ بالأصل و أرجعه إليه،لأنّ تحرير العبد مشتقّ من الطّين الحرّ الخالص من الرّمل،كما سبق.و من قال:الخادم أو الحبيس،فهو تعليل،و التّقدير على هذا القول: إِنِّي نَذَرْتُ لَكَ ما فِي بَطْنِي مُحَرَّراً ليكون خادما لبيت المقدس،أو حبيسا على بيتك.و القولان الأوّلان موافقان للّغة،و هو اختيارنا،لموافقته الأصل.

ثانيا:إن كان التّحرير هو العتق أو الخلوص،فممّ يحرّر الجنين؟ذكروا في ذلك أقوالا،منها:

1-الانفكاك من عمل الدّنيا و العزوف عن الحياة الزّوجيّة،و التّفرّغ لعمل الآخرة و عبادة اللّه و خدمة الكنيسة،و هو قول ابن عبّاس.

2-العتق من خدمة كلّ شيء سوى اللّه،و هو قول الطّبريّ.

3-عدم الانتفاع به انتفاعا دنيويّا من قبل الأبوين، و هو قول الرّاغب.

و يبدو أنّ قول الرّاغب أقرب الأقوال و أخصّها، لأنّ العمل للوالدين يدخل في عمل الآخرة.فيخرج القول الأوّل،و خدمتهما من خدمة اللّه،فيخرج القول الثّاني،و قد اختار العلاّمة الطّباطبائيّ القول الثّالث دون الإشارة إلى قائله،أي الرّاغب،فقال:«من المعلوم أنّ تحرير الأب أو الأمّ للولد ليس تحريرا عن الرّقية،و إنّما هو تحرير عن قيد الولاية الّتي للوالدين على الولد؛من حيث تربيته و استعماله في مقاصدهما،و افتراض طاعتهما،فبالتّحرير يخرج من تسلّط أبويه عليه في استخدامه،و إذا كان التّحرير منذورا للّه سبحانه يدخل في ولاية اللّه و يخدمه،أي يخدم في البيع و الكنائس

ص: 406

و الأماكن المختصّة بعبادته تعالى،في زمان كان فيه تحت ولاية الأبوين لو لا التّحرير».

ثالثا:نحن لا ندري ما هو الحال الآن عند النّصارى، هل يخصّون بالنّذر و غيره ولدا أو بنتا بالكنيسة كالسّيّدة مريم،أو بدّلوه بما هو متعارف عندهم من رهبانيّة البنات؟

رابعا:ذكر السّمين في نصب(محرّرا)وجوها:إنّه حال من الموصول(ما فى بطنى)أو من الفاعل المستتر في صلته،أي الكائن في بطني،أو مفعول مطلق لفعل (نذرت)أي نذرت نذر تحرير،أو لفعل محذوف من مادّته،أي نذرت و حرّرت ما في بطني تحريرا،أو وصف لمفعول محذوف أي غلاما محرّرا.

أو هو مصدر،لأنّ المصدر قد يأتي على زنة اسم المفعول من غير الثّلاثيّ،و منه وَ مَزَّقْناهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ سبأ:19،و وَ مَنْ يُهِنِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ الحجّ:18،على قراءة فتح الرّاء.

و قال طنطاوي: «أي جعلت الحمل الّذي في بطني نذرا محرّرا منّي لك،و هذا بيان للمعنى لا للّفظ.و أوّل الوجوه أوجهها.

خامسا:جاء(محرّرا)مذكّرا،و قد أنّث الضّمير الرّاجع إليه بعده رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى لأنّها كانت تعتقد أنّ ما في بطنها ذكر،و لهذا لمّا وضعتها أنثى قالت تحزّنا و تأسّفا على ما فاتها من الولد: رَبِّ إِنِّي وَضَعْتُها أُنْثى فجاء مؤنّثا وفقا للأمر الواقع.

سادسا:جاء(ما في بطنى)بدل«من في بطني»لأنّ ما حملته حين ذاك لم يكن عاقلا،بل كان شيئا من الأشياء،أو أنّ(ما)مبهمة تقع على كلّ شيء،فجاز أن تقع موقع(من)و له في القرآن نظائر.

سابعا:و استنتج منها سيّد قطب-كعادته-في كلام طويل أنّ من تحرّر من كلّ عبوديّة لكلّ أحد،و لكلّ شيء و لكلّ قيمة،فلا تكون عبوديّته إلاّ للّه وحده،فهذا هو التّحرير،و ما عداه عبوديّة،و إن تراءت في صورة الحرّيّة،و أنّ التّوحيد هو الصّورة المثلى لهذا التّحرير.

و ما قاله موافق لبعض ما قيل في معنى المحرّر».

و أمّا الحرّ فجاء مرّتين في(5): كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِصاصُ فِي الْقَتْلى الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَ الْعَبْدُ بِالْعَبْدِ.

و يلاحظ أوّلا:أنّ هذه الآية تفصح عن التّصنيف الطّبقيّ لمجتمع الجزيرة العربيّة الّذي كان يسود النّاس في صدر الإسلام،فهم آنذاك طبقتان متمايزتان:الأحرار و العبيد.و أمّا الأنثى فهي جنس ينضوي تحت إحدى الطّبقتين،فهي إمّا حرّة و إمّا أمة،و ذكرت استطرادا لبيان حكمها.و ينبئ هذا التّرتيب في الآية بانحطاط رتبتها في ذلك الزّمان،فهي تلي العبد الذّكر،كما تلي الحرّ الذّكر، و هذا ما يلحظ في كلّ القرآن حين يعكس الرّؤية الغالبة حين ذاك،إلاّ قوله تعالى: يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ إِناثاً وَ يَهَبُ لِمَنْ يَشاءُ الذُّكُورَ الشّورى:49،حيث قدّم الإناث و أخّر الذّكور،تبيانا لما عند اللّه عكس ما كان عند النّاس.

ثانيا:ترمي الآية من وراء هذا التّصنيف إلى إشاعة الحرّيّة و نبذ العبوديّة،فمنعت أن يقتل حرّ بعبد لجلالة الأوّل و خساسة الثّاني،و منعت أيضا أن يقتل عبد بحرّ، لعدم تكافؤ دمائهما.و هذا حثّ للمؤمنين على الاحتفاظ بحرّيّاتهم و عدم التّفريط بها،لأنّ الخطاب موجّه إليهم،

ص: 407

و استنهاض للعبيد للتّخلّص من نير عبوديّتهم،لأنّهم كانوا في الأصل أحرارا.قال الإمام عليّ عليه السّلام:«لا تكن عبد غيرك و قد جعلك اللّه حرّا».و لو حرص المسلمون اليوم على الذّود عن حرّيّتهم،و أبوا الخضوع إلى الكفّار، لأضحوا أحرارا مستقلّين.

ثالثا:انتقد الغربيّون حكم القصاص في الإسلام، لأنّهم يتخيّلون أنّه ضرب من ضروب القسوة و العنف و التّشفّي من الإنسان،و دعوا النّاس إلى النّصرانيّة، لأنّها بزعمهم دين السّماحة و السّلام.

و لكن فاتهم أنّ كتابهم طافح بأحكام جائرة،تقضي بقتل الإنسان أو الحيوان لأمور تافهة،نحو:مسّ جبل سيناء،لأنّ الرّبّ ينزل عليه!الخروج(19:12 و 13)، و شتم الأب أو الأمّ!الخروج(21:17)،بل استئصال كلّ كائن حيّ عند احتلال المدن و مداهمتها!التّثنية(20:

16).

و نشهد في هذا العصر قتل الآلاف المؤلّفة من بني البشر بأيدي اليهود و النّصارى أو عملائهم في أرجاء العالم بذرائع شتّى،أعدّوا أسبابها بأنفسهم.

و لا غرو أن نرى اليوم بعض المتفيهقين و المتشدّقين الّذين يدّعون الإسلام،يلوكون أحكام هذا الدّين الحنيف،و يقدحون في شرعه المنيف،يبنون على ما أسّسه الغربيّون!! لاحظ«ق ص ص:القصاص».

المحور الثّاني:الحرّ و الحرور في(6 إلى 8):

يلاحظ أوّلا:أنّ الآية(6)تحكي قول المنافقين لبعضهم بعضا،حينما استنفر الرّسول المسلمين إلى غزوة تبوك،و كان ذلك في شدّة الحرّ و طيب الثّمار،و ذكروا في معناها:لا تخرجوا مع الرّسول في الحرّ الشّديد،أو لا تخرجوا سراعا في هذا الحرّ.

و كان الحافز إلى هذا القول-كما هو ظاهر الآية- الفرار من الحرّ،إلاّ أنّ الغرض-كما تحاكي آيات قبلها و ما بعدها-هو تثبيط عزائم المسلمين و كسر نشاطهم و التّواصي بينهم بالمخالفة لأمر اللّه و رسوله،كما قال:

قَدْ يَعْلَمُ اللّهُ الْمُعَوِّقِينَ مِنْكُمْ وَ الْقائِلِينَ لِإِخْوانِهِمْ هَلُمَّ إِلَيْنا الأحزاب:18.

ثانيا:لعلّ قائلا يقول:إنّ ردّه عليهم بقوله: قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا، لا يفي بما يحتجّ به عليهم،لأنّه واضح بيّن،فشتّان بين حرّ الشّمس و حرّ النّار.

و الجواب:إنّما جاراهم في ظاهر القول تذكيرا و تحذيرا لهم،مثل: وَ يَقُولُونَ هُوَ أُذُنٌ قُلْ أُذُنُ خَيْرٍ لَكُمْ التّوبة:61،كما هو تعريض بعقولهم أيضا في ذيلها لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ.

ثالثا:أنّ الحرّ ذريعة قد تذرّع بها المنافقون للصّدّ عن الجهاد في سبيل اللّه كما هو ديدنهم،فلو استنفرهم الرّسول في الشّتاء،لتعلّلوا بالبرد أيضا،و نظير ذلك:

وَ لَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ* لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ الحجر:14،15،و: وَ لَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ ءَ أَعْجَمِيٌّ وَ عَرَبِيٌّ فصّلت:44.

و قال الإمام عليّ عليه السّلام يصف تثاقل أصحابه عن حرب أهل الشّام:«فإذا أمرتكم بالسّير إليهم في أيّام الحرّ،قلتم:هذه حمّارة القيظ،أمهلنا يسبّخ عنّا الحرّ،

ص: 408

و إذا أمرتكم بالسّير إليهم في الشّتاء،قلتم:هذه صبّارة القرّ،أمهلنا ينسلخ عنّا البرد،كلّ هذا فرارا من الحرّ و القرّ،فإذا كنتم من الحرّ و القرّ تفرّون،فأنتم و اللّه من السّيف أفرّ»نهج البلاغة-الخطبة:27.

رابعا:ذكرت في(7)الظّلال و أكنان الجبال و السّرابيل كنعم أنعم اللّه بها على الإنسان،و قد بدأ بعدّها من أوائل سورة النّحل،و انتهى بها إلى هذه الآية.

و كما أنّ السّرابيل-أي الثّياب-تقي الإنسان من حرّ الصّيف،فكذلك تقيه من برد الشّتاء،إلاّ أنّه ذكر الحرّ هنا دون البرد،فما هو سرّ ذلك؟

قالوا:اكتفى بذكر أحدها عن ذكر الآخر،لأنّ ما وقي من الحرّ وقي من البرد،و هو معلوم لهم فسكت عنه، لأنّهم كانوا أصحاب حرّ فذكر ما عرفوا مكروهه،و ذكر الحذر من حرّ جهنّم و التّوقّي لاستحقاقها بالكفّ عن المعاصي،أو لأنّه قد تقدّم في صدر السّورة(5): فِيها دِفْءٌ و هو يغني عن ذكر البرد هنا.

و نضيف أنّه متناسق لما قبله في صدر الآية وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِمّا خَلَقَ ظِلالاً... فالظّلّ مطلوب فرارا من حرّ الشّمس،و هو يرمز إلى البرد.

و أيضا لعلّ سراويلهم كانت تقيهم من الحرّ فقط، لكونها رقيقة فلا يكفي عطف«البرد»عليه.و لو أريد الوقاية من البرد أيضا لقال:«و سراويل تقيهم البرد» كما قال:(و سراويل تقيهم بأسهم)،فإنّ لكلّ واحد من الحرّ و البرد و البأس سراويل خاصّة.

خامسا:استعمل القرآن الحرّ نقيضا للبرد بألفاظ أخرى تدلّ عليه:

1-النّار و البرد: قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ الأنبياء:69.

2-الحميم و البرد: لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً* إِلاّ حَمِيماً وَ غَسّاقاً النّبأ:24،25.

3-اليحموم و البرد: وَ ظِلٍّ مِنْ يَحْمُومٍ* لا بارِدٍ وَ لا كَرِيمٍ الواقعة:43،44.

كما استعملا معا بلفظي الشّمس و الزّمهرير اللّذين يدلاّن عليهما أيضا:

مُتَّكِئِينَ فِيها عَلَى الْأَرائِكِ لا يَرَوْنَ فِيها شَمْساً وَ لا زَمْهَرِيراً الدّهر:13.

راجع(ب ر د)،و(ح م م)،و(ز م ه ر)،و(ش م س)، و(ن و ر)،و(ظ ل ل).

سادسا:أنّ المفسّرين ذكروا للحرور في(8)معاني كثيرة،فمنهم من فسّره بالحرّ الدّائم ليلا و نهارا،أو باللّيل فقط،و منهم من أسنده إلى الرّيح،أي الرّيح الحارّة تهبّ باللّيل،و قد تكون بالنّهار-و هذا ما ورد في اللّغة كما رأيت-و منهم من خصّه بالشّمس،أي شدّة حرّها، و منهم من عمّه على السّموم،فقال:هو السّموم بالنّهار، أو باللّيل و النّهار.و منهم من أوّله بالنّار،أو البهائم،أو الباطل،أو الكافر،أو العقاب،و هو نهج بعض المتقدّمين.

سابعا:قال قطرب:«الحرور:الحرّ،و الظّلّ:

البرد»،و هو أقرب الأقوال محاكاة لنظم الآيات السّابقة و اللاّحقة طباقا،فقد جاء في الآيات السّابقة لها في هذه السّورة (1):

1-الإمساك و الإرسال: وَ ما يُمْسِكْ فَلا مُرْسِلَر.

ص: 409


1- فاطر.

لَهُ: 2

2-السّماء و الأرض: هَلْ مِنْ خالِقٍ غَيْرُ اللّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ: 3

3-الكفر و الإيمان: اَلَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ: 7

4-السّيّئ و الحسن: أَ فَمَنْ زُيِّنَ لَهُ سُوءُ عَمَلِهِ فَرَآهُ حَسَناً: 8

5-الضّلال و الهدى: فَإِنَّ اللّهَ يُضِلُّ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ: 8

6-الموت و الحياة: فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فَأَحْيَيْنا بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِها: 9

7-العذب و الملح: هذا عَذْبٌ فُراتٌ سائِغٌ شَرابُهُ وَ هذا مِلْحٌ أُجاجٌ: 12

8-اللّيل و النّهار: يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ: 13

9-الشّمس و القمر: وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى: 13

10-الفقر و الغنى: يا أَيُّهَا النّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَراءُ إِلَى اللّهِ وَ اللّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ: 15

11-الذّهاب و الإتيان: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ: 16

12-الأعمى و البصير: وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ: 19

13-الظّلمة و النّور: وَ لاَ الظُّلُماتُ وَ لاَ النُّورُ:

20

و جاء في الآيات اللاّحقة لها:

1-الحيّ و الميّت: وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لاَ الْأَمْواتُ: 22

2-البشير و النّذير: إِنّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَ نَذِيراً: 24

3-الأبيض و الأسود: وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِيبُ سُودٌ: 27

4-السّرّ و العلانية: وَ أَنْفَقُوا مِمّا رَزَقْناهُمْ سِرًّا وَ عَلانِيَةً: 29

5-السّماوات و الأرض: وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعْجِزَهُ مِنْ شَيْءٍ فِي السَّماواتِ وَ لا فِي الْأَرْضِ: 44

ثامنا:أخّر الحرور عن الظّلّ مراعاة لتقديم الممدوح على المذموم،خلافا لبعض الآيات السّابقة،و ممالأة للآيات اللاّحقة جميعا،و للرّويّ،و هو الرّاء الغالبة على جميع آيات السّورة.و السّابق«للرّاء»إمّا«واو»،نحو:

نور و حرور،و إمّا«ياء»،نحو:مصير،و بصير،و هما متساويان في العدد تقريبا،و سبقه الألف مرّة واحدة.

خسارا».لاحظ خ س ر».

تاسعا:حكى الطّبرسيّ عن بعضهم أنّ ما ذكر في الآية من الظّلمات و النّور و غيرها إنّما هي تمثيل للمؤمن و الكافر و للحقّ و الباطل،و قريب منه قول الفخر الرّازيّ حيث طرح سؤالا:ما الفائدة في تكثير الأمثلة هنا؟ و أجاب بأنّ الأعمى و البصير مثل للكافر و المؤمن، و الظّلمة و النّور مثل للإيمان و الكفر،و الظّلّ و الحرور مثل لمآلهما و مرجعهما في الآخرة،و بسط الكلام فيهما، فلاحظ.

و نحوه أبو حيّان و أضاف:و الأحياء و الأموات

ص: 410

بعدها: وَ ما يَسْتَوِي الْأَحْياءُ وَ لاَ الْأَمْواتُ... تمثيل لمن دخل الإسلام،و من لم يدخل فيه.

عاشرا-و تلك عشرة كاملة-:نبّه الزّمخشريّ على أنّ(لا)إذا وقعت في النّفي قرنت ب(واو)العطف تأكيدا للنّفي،و أنّه هذه الواوات ضمّت بعضها شفعا إلى شفع مثل وَ ما يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ، و بعضها وترا إلى وتر مثل وَ لاَ الظُّلُماتُ وَ لاَ النُّورُ و كذا ما بعدها.

و لكنّه لم يذكر سرّ هذا الشّفع و الوتر.و يخطر بالبال أنّه جاء في الأولى(ما يستوى)فلم يعطف عليه (و لا البصير)أمّا في الباقي فجاء عطف(لا)على(لا)، و لكنّه منقوض ب(ما يستوى الاحياء و لا الاموات) بعدها،و لا نعلم وجها لذلك سوى أنّ الجملة الأولى أوّل الكلام و جاء مع الفعل(ما يستوى)فلا حاجة فيها إلى تكرار النّفي،و في الباقي تكرار للنّفي مع حذف الفعل فيها سوى في الأخيرة.

و مهما كان الأمر فرعاية التّنسيق و الجناس في هذه الآيات بلغت أوجها:فقبلها إِلَى اللّهِ الْمَصِيرُ، ثمّ اَلْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ، ثمّ اَلظُّلُماتِ وَ النُّورَ، ثمّ «الظل و الحرور،»ثمّ اَلْأَحْياءُ وَ لاَ الْأَمْواتُ فجاء (الظلمات)جمعا،و(النّور)مفردا ثمّ(الظل و الحرور)فبين(الظّلمات)و(الظّلّ)جناس لفظيّ حرفا لا وزنا،و بين(النّور)و(الحرور)جناس لفظيّ و شبه معنويّ،و في اَلْأَحْياءُ وَ لاَ الْأَمْواتُ جناس وزنيّ،و تضادّ معنويّ.

المحور الثّالث:الحرير(9-11)

يلاحظ أوّلا:أنّ فريقا من المفسّرين صرّحوا بمعنى الحرير،فقالوا:هو إبريسم محض،أو ما رقّ من الثّياب، أو لباس حسن،أو أوراق الجنّة.و فريقا منهم كنّوا عنه بلين العيش و اللّذّة و الزّينة.

و نرى القول الأخير هو الأظهر،لاستعماله بمعنى السّيادة و العزّة و رفاهة العيش بكثرة،كقول المتنبّي يصف وقيعة سيف الدّولة ببني كلاب:

فمسّاهم و بسطهم حرير

و صبّحهم و بسطهم تراب

ثانيا:ختمت آيتا الحجّ:23،و فاطر:33،بنسق واحد: يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ، حيث قرنت الحلية باللّباس،كما في يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ يَلْبَسُونَ ثِياباً خُضْراً مِنْ سُنْدُسٍ وَ إِسْتَبْرَقٍ الكهف:3،و: عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ وَ حُلُّوا أَساوِرَ مِنْ فِضَّةٍ الدّهر:21.

غير أنّ الحلية في الأوليين أساور و لؤلؤ،و الثّياب فيها حرير،و الحلية في الأخيرتين أساور فقط،و الثّياب فيهما من سندس و إستبرق،و كانت أساور الآية الأخيرة من فضّة.

و تنبئ الزّيادة في الحلية و اختصاصها بالمصطفين و للّذين آمنوا و عملوا الصّالحات في الأوليين،عن رجحان كفّة الحرير لكفّة السّندس و الإستبرق رتبة و مزيّة و شهرة؛حيث يقترن ذكر الحرير بالأساور و اللّؤلؤ،و يقترن السّندس و الإستبرق بالأساور دون اللّؤلؤ.

ثالثا:ذكر القرآن هذه الأنواع الثّلاثة من ثياب أهل

ص: 411

الجنّة فيها دون سائر الثّياب،في سور مكّيّة و مدنيّة، و قد اجتمعت في سورة الدّهر المدنيّة:

الحرير: وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً: 12

السّندس و الإستبرق: عالِيَهُمْ ثِيابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَ إِسْتَبْرَقٌ: 21

و أعدّت هذه الثّياب جميعا للّذين آمنوا و عملوا الصّالحات و للأبرار،و أعدّ الحرير وحده لمن اصطفاهم اللّه من عباده و للّذين آمنوا و عملوا الصّالحات خاصّة، كما تقدّم.لاحظ:«إستبرق،و سندس،و خضر».

رابعا:أوّل ابن عربيّ-كعادته-التّحلية بالزّينة هنا بأنّها صور كمالات الأخلاق و الفضائل و الأحوال و المواهب،و الأعمال المصوغة من ذهب العلوم و لؤلؤ المعارف،و الحقائق الكشفيّة الذّوقيّة.

خامسا:لمّا خصّ الحرير في الآيتين بلباس أهل الجنّة جاءت في السّنّة حرمة لبس الحرير و الصّلاة فيه للرّجال في الدّنيا،و لفقهاء المذاهب فيه تفصيل أخذا ممّا جاء في السّنّة،كما سبق في النّصوص.

سادسا:نبّه الآلوسيّ على سرّ تغيير الأسلوب في الآيتين؛حيث قال: وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ و لم يقل:

«و يلبسون فيها حريرا»،«فقيل:للإيذان بأنّ ثبوت اللّباس أمر محقّق غنيّ عن البيان؛إذ لا يمكن عراؤهم عنه.و إنّما المحتاج إلى البيان أنّ لباسهم ما ذا؟بخلاف الأساور و اللّؤلؤ،فإنّها ليست من اللّوازم الضّروريّة، و لذا لا يلزم العدل بين الزّوجات فيها،فجعل بيان تحليتهم مقصودا بالذّات،و لعلّ هذا هو الباعث على تقديم التّحلية على بيان حال اللّباس».

و نضيف إليه أنّ تغيير الأسلوب و كذا تأخير اللّباس كلاهما لرعاية الرّويّ؛و لدخول الحرير في الحلية؛إذ لو قال:«و يلبسون حريرا»لخالف الرّويّ،و لكان عطفا على(يحلّون)خارجا عن الحلية.و أمّا في هذا الأسلوب فالحرير يعدّ لباسا و حلية معا.

سابعا:جاء في(11) جَنَّةً وَ حَرِيراً و فيها بحوث:

1-جاء(حريرا)رويّا مناسقا لكثير ممّا قبل الآية و ما بعدها في السّورة،مثل:(بصيرا)(سعيرا)(تفجيرا) (مستطيرا)(اسيرا)(قمطريرا)(زمهريرا)(قواريرا) (تقديرا)(كبيرا)و قد سبق أنّه جاء في(9 و 10)حرير رعاية للرّويّ أيضا.

2-جاء فيها(حريرا)من دون ذكر اللّباس و الثّياب،فحمله أكثرهم على اللّباس للتّصريح به في (9 و 10) وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ و عمّه بعضهم للّباس و الفراش،و هو المرويّ عن الإمام الباقر عليه السّلام:«جنّة يسكنونها و حريرا يفترشونه و يلبسونه».

و قال الشّريف العامليّ: «قد ورد في مواضع من القرآن ما يدلّ على تنعّم أهل الجنّة بالحرير فرشا و لباسا».و ليس في القرآن ما يدلّ على كونه فرشا سوى هذه الآية بإطلاقها،لا بعمومها.

و بعضهم كالميبديّ و الماورديّ احتمل أنّ(الحرير) كناية عن لين العيش و لذّته و عمّه ابن كثير للجميع، فقال:«منزلا رحبا،و عيشا رغدا،و لباسا حسنا».

و الصّواب أنّ حمله على اللّباس موافق لمنطوق القرآن،و على غيره تعميم للغرض منه.

3-جاء فيها جَنَّةً وَ حَرِيراً فجمع بين مسكن فيه

ص: 412

مأكل هنيء،و بين ملبس بهيّ-على تعبير الزّمخشريّ- أو بين أحسن المساكن،و أحسن الملابس،فجمع لهم حسن الظّرف الخارج-و هو المسكن-و حسن الظّرف المباشر-و هو اللّباس-على تعبير ابن عاشور.

4-الحرير-كما سبق-يطلق على لفظ القماش أو اللّباس،أي الملبوس كما فسّروه.و لكن ابن عاشور قال:المراد بالحرير هنا ما ينسج منه-و هو المادّة،أي الإبريسم-و لو سلّم أنّ الحرير في الدّنيا نفس المادّة، دون القماش،فحرير الآخرة ليس منها قطعا،فلا وجه لما قال،مع وضوح أنّ الإبريسم لا يستفاد منه إلاّ بعد نسجه و خيطه،فما الدّاعي على تفسيره به هنا،نعم لو قال اللّه:«لباسهم من حرير»لكان له وجه.

5-بين المحور الثّاني و المحور الثّالث من هذه المادّة في القرآن-أي الحرّ و الحرير-شبه تقابل،فالأوّل يحاكي الصّعوبة و خشونة الحياة،و الثّاني يحاكي الرّفاهية و لينة العيش،و قد وزّعها اللّه في الآيات بين أهل الجنّة و أهل النّار،و جمع بين جهنّم و النّار،و الحرّ أو الحرور في(6)، كما جمع بين الجنّة،أو الجنّات و الحرير في(9-11) و(الحرّ)معرّف مرّتين و مشدّد،و(حرير)منكّر و مخفّف مرّتين أيضا فيهما تلاؤما لما فيهما من الخشونة و اللّينة.

ص: 413

ص: 414

ح ر س

اشارة

حرسا

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحرس:وقت من الدّهر دون الحقب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحرس:هم الحرّاس و الأحراس.و الفعل:حرس يحرس،و يحترس،أي يحترز:فعل لازم.

و الأحرس:هو الأصمّ من البنيان.

و في الحديث:«أنّ الحريسة السّرقة».

و حريسة الجبل:ما يسرق من الرّاعي في الجبال و أدركها اللّيل قبل أن يؤويها المأوى.(3:137)

أبو عبيدة :حريسة الجبل:يجعلها بعضهم السّرقة نفسها.يقال:حرس يحرس حرسا،إذا سرق.

(ابن فارس 2:38)

الحريسة،هي المحروسة،الحريسة:المسروقة.

يقال:حرس يحرس حرسا.و قدّر أنّ ذلك لفظ قد تصوّر من لفظ«الحريسة»لأنّه جاء عن العرب في معنى السّرقة.(الرّاغب:113)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في«حريسة الجبل أنّه لا قطع فيها».

يقال:في الحريسة قولان:

أحدهما:يجعلها السّرقة نفسها.يقال:حرست أحرس حرسا،إذا سرق؛فيكون المعنى أنّه ليس فيما يسرق من الماشية بالجبل قطع حتّى يؤويها المراح.

القول الآخر:أن يكون الحريسة هي المحروسة فيقول:ليس فيما يحرس في الجبل قطع،لأنّه ليس بموضع حرز و إن حرس.(1:422)

الحرس:الدّهر،و المسند:الدّهر.(الأزهريّ 4:296)

ابن الأعرابيّ: يقال للّذي يسرق الغنم:محترس، و يقال للشّاة الّتي تسرق:حريسة.

ص: 415

و فلان يأكل الحريسات،إذا تسرّق غنم النّاس فأكلها،و هي الحرائس.(الأزهريّ 4:296)

ابن السّكّيت: و المحترس:الّذي يسرق الإبل و الغنم فيأكلها.

و في الحديث:«حريسة الجبل ليس فيها قطع».

و هي الّتي تحترس،أي تسرق من الجبل.(238)

و يقال:أقمت عنده حرسا،و أيضا:و أحرس بهذا المكان:أقام به حرسا.[ثمّ استشهد بشعر](501)

و الحريسة:الشّاة تحرس،أي تسرق ليلا.يقال:قد احترسها،إذا سرقها ليلا،و هي الحرائس.

(إصلاح المنطق:352)

حرس الشّيء:حفظه،و حرسه:سرقه من المرعى.

(الأضداد:227)

شمر:الاحتراس:أن يؤخذ الشّيء من المرعى.

(الأزهريّ 4:296)

أبو حاتم: حرس فلان الشّيء،إذا حفظه و كلأه، و حرس الشّيء:سرقه من المرعى،و في الحديث:

«لا قطع في حريسة الجبل»أي الشّاة تسرق من الجبل، لأنّها مخلّى عنها.(الأضداد:131)

ابن أبي اليمان :و الحرس:الدّهر.(453)

و الحريسة:السّرقة(474)

ابن دريد :الحرس:الدّهر.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحرس:مصدر حرست الشّيء أحرسه حرسا و حراسة و حريسة.و في الحديث:«لا قطع في حريسة الجبل»أي ما امتنع به في الجبل.و المحرس:الموضع الّذي يحرس فيه.(2:131)

و محراس:سهم عظيم عريض القذذ.(3:419)

القاليّ: «نحترس الثّأى (1)»،أي كلّ واحد منّا يخاف صاحبه أن يغدر به.(1:240)

الأزهريّ: و يقال:حارس و حرس للجميع،كما يقال:خادم و خدم،و عاسّ و عسس.

البناء الأحرس،هو القديم العاديّ الّذي أتى عليه الحرس،و هو الدّهر.

و في الحديث:«أنّ غلمة لحاطب بن أبي بلتعة احترسوا ناقة لرجل فانتحروها».

يقال للرّجل الّذي يؤتمن على حفظ شيء لا يؤمن أن يخون فيه:محترس من مثله و هو حارس.

و الحرسان:جبلان،يقال لأحدهما:حرس قسا، و فيه هضبة يقال لها:البيضاء.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(4:296)

الصّاحب:الحرس:وقت من الدّهر دون الحقب.

و مضى حرس من اللّيل:ساعة منه.

و الحرس:هم الحرّاس و الأحراس،و الفعل:حرس يحرس؛و يحترس.

و البناء الأحرس:هو الأصمّ من البنيان.

و الحريسة:السّرقة في الإبل،و الشّاء خاصّة.

و حريسة الجبل:ما يسرق من الرّائي في الجبال و أدركه اللّيل.

و الحريسة:جدار من حجارة للغنم.و حرسني شاة من غنم...

ص: 416


1- الثّأى:الفساد،و هو مقتطف من الشّعر: ظلّلنا معا جارين نحترس الثّأى...

و هو يأكل الحرسات،أي السّرقات.(2:480)

الجوهريّ: حرسه يحرسه حراسة،أي حفظه.

و تحرّست من فلان و احترست منه بمعنى،أي تحفّظت منه.و في المثل:«محترس من مثله و هو حارس».

و الحرس:حرس السّلطان،و هم الحرّاس،الواحد:

حرسيّ،لأنّه قد صار اسم جنس فنسب إليه.و لا تقل:

حارس إلاّ أن تذهب به إلى معنى الحراسة دون الجنس.

و الحريسة:الشّاة تسرق ليلا.و احترسها فلان، أي سرقها ليلا،و هي الحرائس.و منه:حريسة الجبل.

و الحرس:الدهر.

و يجمع على أحرس.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

و يقال:أحرس فلان بالمكان،أي أقام به حرسا.

(3:916)

ابن فارس: الحاء و الرّاء و السّين أصلان:أحدهما:

الحفظ،و الآخر:زمان.

فالأوّل:حرسه يحرسه حرسا.و الحرس:الحرّاس.

و أمّا حريسة الجبل الّتي جاءت في الحديث،فيقال:هي الشّاة يدركها اللّيل قبل أويّها إلى مأواها،فكأنّها حرست هناك.و قال أبو عبيدة في حريسة الجبل:يجعلها بعضهم السّرقة نفسها،يقال:حرس يحرس حرسا،إذا سرق.

و هذا إن صحّ فهو قريب من الباب،لأنّ السّارق يرقب الشّيء كأنّه يحرسه حتّى يتمكّن منه؛و الأوّل أصحّ.

و ذلك قول أهل اللّغة:إنّ الحريسة هي المحروسة.

فيقول:«ليس فيما يحرس بالجبل قطع»لأنّه ليس بموضع حرز.(2:38)

أبو هلال :الفرق بين الحفظ و الحراسة:أنّ الحراسة حفظ مستمرّ،و لهذا سمّي الحارس حارسا لأنّه يحرس في اللّيل كلّه،أو لأنّ ذلك صناعته فهو يديم فعله.و اشتقاقه من الحرس،و هو الدّهر.

و الحراسة هو أن يصرف الآفات عن الشّيء قبل أن تصيبه صرفا مستمرّا،فإذا أصابته فصرفها عنه سمّي ذلك تخليصا و هو مصدر،و الاسم:الخلاص.و يقال:

حرس اللّه عليك النّعمة،أي صرف عنها الآفة صرفا مستمرّا،و الحفظ لا يتضمّن معنى الاستمرار.(169)

ابن سيده: حرس الشّيء يحرسه و يحرسه حرسا:

حفظه،و هم الحرّاس.و الحرس:اسم للجمع كالعسس، و قيل:هو جمع.

و الأحراس:الحرّاس.

و احترس منه:تحرّز.

و بناء أحرس:أصمّ.

و حرس الإبل و الغنم يحرسها حرسا،و احترسها:

سرقها ليلا فأكلها.

و الحريسة:السّرقة.و الحريسة أيضا:ما احترس منها.و في الحديث:«حريسة الجبل ليس فيها قطع».

و الحرس:الدّهر؛و الجمع:أحرس.

و أحرس بالمكان:أقام به حرسا.

و المحراس:سهم عظيم القذذ.

و الحروس:موضع.[و استشهد بالشّعر مرّتين].

(3:182)

الرّاغب: الحرس و الحرّاس:جمع حارس،و هو

ص: 417

حافظ المكان.

و الحرز و الحرس يتقاربان معنى تقاربهما لفظا،لكن الحرز يستعمل في النّاضّ و الأمتعة أكثر،و الحرس يستعمل في الأمكنة أكثر.

و أحرس:معناه صار ذا حراسة،كسائر هذا البناء المقتضي لهذا المعنى،و حريسة الجبل:ما يحرس في الجبل باللّيل.(113)

الزّمخشريّ: حرسه من البلاء،و أدام اللّه حراستك،و بات فلان في الحرس،و هو من الحرّاس و الأحراس.

و احترس منه و تحرّس.

و من المجاز:فلان حارس من الحرّاس،أي سارق.

و هو ممّا جاء على طريق التّهكّم و التّعكيس،و لأنّهم وجدوا الحرّاس فيهم السّرقة.

و نحوه:كلّ النّاس عدول إلاّ العدول.

فقالوا للسّارق:حارس،و قد رأيته سائرا على ألسنة العرب من الحجازيّين و غيرهم،يتكلّم به كلّ أحد،يقول الرّجل لصاحبه:يا حارس،و ما أنت إلاّ حارس،و حسبناه أمينا فإذا هو حارس.و منه:«لا قطع في حريسة الجبل».

و حرسني شاة من غنمي و احترسني،و فلان يأكل الحرسات أي السّرقات.

و مضى عليه حرس من الدّهر،و مضت عليه أحراس.[و استشهد بالشّعر مرّتين](أساس البلاغة:80)

[في حديث حريسة الجبل..]و احترس فلان،إذا استرق الحريسة.(الفائق 1:271)

المدينيّ: في حديث أبي هريرة:«ثمن الحريسة حرام».

قال الجبّان: الحريسة:السّرقة في الإبل و الشّاة، و حريسة الجبل:ما يسرق من الرّاعي هناك.و الحريسة:

المسروقة،كالذّبيحة و القتيلة.يقال:هو يأكل الحريسات:أي السّرقات.فكأنّ المعنى أنّ ثمن المسروقة من الإبل و الشّاء و غيرها حرام كعينها.

(1:428)

ابن الأثير: فيه«لا قطع في حريسة الجبل»أي ليس فيما يحرس بالجبل إذا سرق قطع،لأنّه ليس بحرز.

و الحريسة«فعيلة»بمعنى مفعولة،أي أنّ لها من يحرسها و يحفظها.و منهم من يجعل الحريسة:السّرقة نفسها.

يقال:حرس يحرس حرسا،إذا سرق،فهو حارس و محترس،أي ليس فيما يسرق من الجبل قطع.

و منه الحديث:«أنّه سئل عن حريسة الجبل فقال:

فيها غرم مثلها و جلدات نكالا،فإذا أواها المراح ففيها القطع».و يقال للشّاة الّتي يدركها اللّيل قبل أن تصل إلى مراحها:حريسة.و فلان يأكل الحرسات،إذا سرق أغنام النّاس و أكلها.

و منه الحديث:«أنّ غلمة لحاطب احترسوا ناقة لرجل فانتحروها».

و في حديث أبي هريرة:«ثمن الحريسة حرام لعينها» أي أنّ أكل المسروقة و بيعها و أخذ ثمنها حرام كلّه.

و في حديث معاوية:«أنّه تناول قصّة من شعر كانت في يد حرسيّ».

الحرسيّ بفتح الرّاء:واحد الحرّاس و الحرس،و هم

ص: 418

خدم السّلطان المرتّبون لحفظه و حراسته.و الحرسيّ:

واحد الحرس،كأنّه منسوب إليه حيث قد صار اسم جنس.و يجوز أن يكون منسوبا إلى الجمع شاذّا.

(1:367)

الصّغانيّ: ...و قد سمّوا حرّاسا بالفتح و التّشديد، و حرسا بالتّحريك،و حريسا على«فعيل»و حريسا، مصغّرا.

و الحريسة:جدار من حجارة يعمل للغنم.

و حرس،إذا عاش زمانا طويلا.

و المحراس:القدح،و هو السّهم.(3:337)

الفيّوميّ: حرسه يحرسه،من باب«قتل»:حفظه، و الاسم:الحراسة،فهو حارس؛و الجمع:حرس و حرّاس،مثل خادم و خدم و خدّام.

و حرس السّلطان:أعوانه،جعل علما على الجمع لهذه الحالة المخصوصة.

و لا يستعمل له واحد من لفظه،و لهذا نسب إلى الجمع،فقيل:حرسيّ.و لو جعل الحرس هنا جمع حارس لقيل:حارسيّ.

قالوا:و لا يقال:حارسيّ إلاّ إذا ذهب به إلى معنى الحراسة دون الجنس.

و حريسة الجبل:الشّاة يدركها اللّيل قبل رجوعها إلى مأواها فتسرق من الجبل.

و من جعل«حرس»بمعنى سرق،قال:الفعل من الأضداد.

و احترست منه:تحفّظت،و تحرّست مثله.(1:130)

الفيروزآباديّ: حرسه حرسا و حراسة فهو حارس؛جمعه:حرس و أحراس و حرّاس.

و الحرسيّ: واحد حرس السّلطان،و هم الحرّاس.

و الحرس:الدّهر،جمعه:أحرس.

و الحرسان:جبلان،و كلّ واحد منهما حرس ببلاد بني عامر بن صعصعة.

و حرس كضرب:سرق كاحترس،و كسمع:

عاش زمانا طويلا.

و الحريسة:المسروقة؛جمعها:حرائس،و جدار من حجارة يعمل للغنم.

و الأحرس:القديم العاديّ الّذي أتى عليه الحرس.

و كصبور:موضع...

و تحرّست منه و احترست:تحفّظت.

و«محترس من مثله و هو حارس»مثل لمن يعيب الخبيث و هو أخبث منه.(2:213)

الطّريحيّ: و الحرس:حرس السّلطان،و هم الحرّاس؛الواحد:حرسيّ.و الحرس:اسم مفرد بمعنى الحرّاس كالخدّام و الخدم،و لذلك وصف ب«شديد».

و حرسه حراسة:حفظه؛و الجمع:حرس و حرّاس، مثل خدم و خدّام.و منه الدّعاء:«اللّهمّ احرسني من حيث أحترس و من حيث لا أحترس».

و احترست من فلان و تحرّست منه بمعنى،أي تحفّظت منه.(4:61)

مجمع اللّغة :حرسه يحرسه حراسة:حفظه.

و الحارس:الحافظ؛و جمعه:حرس و حرّاس.

(1:247)

محمّد إسماعيل إبراهيم: حرس الشّيء:حفظه

ص: 419

فهو حارس له.

و الحرس:اسم جمع لحارس،بمعنى حرّاس.

(1:128)

العدنانيّ: حرس:حفظ،سرق ليلا.

و يخطّئون من يقول:إنّ معنى حرس الشّاة،هو سرقها ليلا.و يقولون:إنّ الصّواب هو حفظها.و الحقيقة هي أنّ الفعل«حرس»من الأضداد،إذ يعني:

أ-حفظ.

ب-سرق ليلا.

يؤيّد ذلك كلّ من:

1-ابن الأنباريّ،و ابن فارس في معجم مقاييس اللّغة،و الأساس،و المغرب،و اللّسان،و المصباح، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و التّضادّ،و الوسيط.

أ-و يسترعي الانتباه قول الأساس:«و من المجاز:

فلان حارس من الحرّاس،أي سارق،و هو ممّا جاء على طريق التّهكّم و التّعكيس،و لأنّهم وجدوا الحرّاس فيهم السّرقة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قالوا للسّارق:حارس،و قد رأيته سائرا على ألسنة العرب من الحجازيّين و غيرهم،يتكلّم به كلّ أحد،يقول الرّجل لصاحبه:يا حارس،و ما أنت إلاّ حارس،و حسبناه أمينا فإذا هو حارس».

ب-و ممّا أضافه مدّ القاموس و محيط المحيط قولهما:

احترس الشّاة:سرقها ليلا.

2-و جاء في الحديث:«أنّ غلمة لحاطب بن أبي بلتعة احترسوا ناقة لرجل فانتحروها».و قال شمر بن حمدويه:الاحتراس أن يؤخذ الشّيء من المرعى.و قال كلّ من الفارابيّ،و ابن أخته الجوهريّ صاحب الصّحاح، و اللّسان،و التّاج،و أحمد رضا صاحب المتن:أ-حرس:

حفظ.ب-احترس:سرق ليلا.

و أضاف المتن قوله:احترس الإبل:سرقها ليلا «مجاز».أو سرقها«مجاز».

3-أمّا حريسة الجبل،أي الشّاة الّتي يدركها اللّيل قبل رجوعها إلى مأواها فتسرق من الجبل،فقد جاء في الحديث:«حريسة الجبل ليس فيها قطع»أي في الشّاة الّتي تسرق من الجبل؛لأنّها مخلّى عنها و ليست لأحد.

و قد ذكر«حريسة الجبل»كلّ من ابن السّكّيت، و ابن الأنباريّ،و الرّاغب الأصفهانيّ.

الحريسة:المحروسة أو المسروقة،و الأساس «مجاز»،و المغرب،و اللّسان،و المصباح،و التّاج، و التّضادّ.

4-أمّا فعله فهو:حرس يحرس أو يحرس الشّاة حرسا و حراسة:حفظها.و حرس يحرس الشّاة حرسا:

سرقها.

و قال اللّسان:حرس الشّاة يحرسها أو يحرسها:

حفظها أو سرقها.

5-و يجمع حارس على حرس،و حرّاس، و أحراس لذا قل:

أ-حرس الشّيء يحرسه أو يحرسه حرسا و حراسة:

حفظه.

ب-حرس الشّاة يحرسها حرسا:سرقها ليلا.

و تجنّب استعمال:

أ-حريسة الجبل.

ص: 420

ب-احترس بمعنى:سرق،أو سرق ليلا.

راجع مادّة«الأضداد»في هذا المعجم.(148)

محمود شيت:[نحو ما ذكر إلاّ أنّه أضاف:]

و احترس منه:توقّاه.

الحرسيّ: واحد الحرس،و هم الجند،يرتّبون لحفظ الحاكم و حراسته.

الحريسة:المحروسة،و جدار من حجارة يقام لحراسة الغنم،و حفظها؛جمعها:حرائس.

حرسه:حفظه و صانه.

الحرس:الحرّاس.و يقال:حرس الباب،و حرس السّلاح،و حرس المستودعات...إلخ.

الحارس:واحد الحرس.يقال:الجيش هو الحارس الأمين للأمّة.(1:178)

المصطفويّ: و الفرق بين الحرس و الحفظ:أنّ الحرس بمعنى المراقبة،و يستعمل في ذوي العقلاء، و الحفظ أعمّ.و أمّا الحرز فقال في«المقاييس»:و ناس يذهبون إلى أنّ هذه الزّاء مبدلة من سين،و أنّ الأصل:

الحرس،و هو وجه.(2:206)

النّصوص التّفسيريّة

حرسا

وَ أَنّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَ شُهُباً. الجنّ:8

الطّبريّ: يعني حفظة.(29:110)

مثله القاسميّ.(16:5948)

الماورديّ: هم الملائكة الغلاظ الشّداد.(6:112)

مثله البغويّ(5:160)،و أبو الفتوح(19:439)، و الخازن(7:133).

الطّوسيّ: نصب(حرسا)على التّمييز، و(شديدا)نعته،و(شهبا)عطف على(حرسا)فهو نصب أيضا على التّمييز،و تقديره:ملئت من الحرس.

و الحرس:جمع حارس.

و قيل:إنّ السّماء لم تحرس قطّ إلاّ لنبوّة أو عقوبة عاجلة عامّة.(10:149)

الواحديّ: و هم الملائكة الّذين يحرسون السّماء من استراق السّمع.(4:365)

مثله الميبديّ(10:253)،و ابن الجوزيّ(8:

380)،و العروسيّ(5:436).

الزّمخشريّ: و الحرس:اسم مفرد في معنى الحرّاس كالخدم في معنى الخدّام،و لذلك وصف ب«شديد»،و لو ذهب إلى معناه لقيل:شدادا.(4:168)

مثله الفخر الرّازيّ(30:157)،و النّيسابوريّ (29:67)،و نحوه أبو السّعود(6:315)،و البروسويّ (10:192).

ابن عطيّة: و الحرس:يحتمل أن يريد:الرّمي بالشّهب.و كرّر المعنى بلفظ مختلف،و يحتمل أن يريد:

الملائكة.(5:381)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و يجوز أن يكون جمع:حرسيّ،فيكون مثل عربيّ و عرب.و(شديدا)مذكّر محمول على اللّفظ،و يمكن أن يكون على النّسبة،أي ذات شدّة.(5:367)

ص: 421

القرطبيّ: أي حفظة،يعني الملائكة.و الحرس:

جمع حارس.[إلى أن قال:]

(حرسا)نصب على المفعول الثّاني ب(ملئت)، و(شديدا)من نعت الحرس،أي ملئت ملائكة شدادا.

و وحّد الشّديد على لفظ الحرس،و هو كما يقال:

السّلف الصّالح،بمعنى الصّالحين.و جمع السّلف:أسلاف، و جمع الحرس:أحراس،قال:

*تجاوزت أحراسا و أهوال معشر*

و يجوز أن يكون(حرسا)مصدرا على معنى حرست حراسة شديدة.(19:10)

البيضاويّ: (...حرسا):حرّاسا اسم جمع كالخدم،(شديدا):قويّا،و هم الملائكة الّذين يمنعونهم عنها.(2:510)

نحوه الكاشانيّ.(5:235)

النّسفيّ: جمعا أقوياء من الملائكة يحرسون،جمع:

حارس،و نصب على التّمييز.[ثمّ أدام نحو الزّمخشريّ]

(4:299)

أبو حيّان :و(شديدا):صفة للحرس على اللّفظ لأنّه اسم جمع.[ثمّ استشهد بشعر]

و الظّاهر أنّ المراد بالحرس:الملائكة،أي حافظين من أن تقربها الشّياطين.(8:349)

ابن كثير :يخبر تعالى عن الجنّ حين بعث اللّه رسوله محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم و أنزل عليه القرآن،و كان من حفظه له أنّ السّماء ملئت حرسا شديدا،و حفظت من سائر أرجائها،و طردت الشّياطين عن مقاعدها الّتي كانت تقعد فيها قبل ذلك،لئلاّ يسترقوا شيئا من القرآن، فيلقوه على ألسنة الكهنة،فيلتبس الأمر و يختلط، و لا يدرى من الصّادق.و هذا من لطف اللّه تعالى بخلقه، و رحمته بعباده،و حفظه لكتابه العزيز.(7:133)

الشّربينيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و هم الملائكة الّذين يرجمونهم بالشّهب و يمنعونهم من الاستماع.(4:401)

الآلوسيّ: أي حرّاسا،اسم جمع كخدم،كما ذهب إليه جمع،لأنّه على وزن يغلب في المفردات،كبصر و قمر.و لذا نسب إليه فقيل:حرسيّ،و ذهب بعض إلى أنّه جمع،و الصّحيح الأوّل،و لذا وصف بالمفرد،فقيل:

(شديدا)أي قويّا.[إلى أن قال:]

و المراد بالحرس:الملائكة عليهم السّلام الّذين يمنعونهم عن قرب السّماء.(29:86)

المراغيّ: و الحرس و الحرّاس،واحدهم:حارس، و هو الرّقيب.[إلى أن قال:]

إنّ السّماء ملئت حرّاسا شدادا و شهبا تحرسها من سائر أرجائها،و تمنعنا من استراق السّمع،كما كنّا نفعل.

(29:97)

مغنيّة: و الحرس:لجماعة الحرّاس،و يوصف بالمفرد كما في الآية باعتبار لفظه،و بالجمع باعتبار معناه.

(7:436)

الطّباطبائيّ: و الحرس-على ما قيل-:اسم جمع لحارس،و لذا وصف بالمفرد،و المراد بالحرس الشّديد:

الحفّاظ الأقوياء في دفع من يريد الاستراق منها،و لذا شفّع بالشّهب و هي سلاحهم.(20:42)

نحوه فضل اللّه.(23:152)

المصطفويّ: هذا من قول مؤمني الجنّ،و لمسهم السّماء.و الحرس و الشّهب:لا بدّ و أن تناسب عالم الجنّ،

ص: 422

و الحرس من الملائكة،و هم ممّا وراء عالم الطّبيعة و المادّة.

فيظهر من هذه الآية الكريمة:أنّ مرتبة الجنّ فيما دون مرتبة الملائكة،فإنّهم إذا أرادوا الصّعود إلى جانب محيط الملائكة لم يقدروا،و يمنعون من الصّعود إليهم،كما أنّ الإنسان لا يقدر الصّعود إلى السّماء المادّيّ.

و أمّا الحرس:فهم أقوياء من الجنّ،يحرسون حدود المراتب،و يمنعون عن التّجاوز،و الخروج عن النّظم، و الشّهب:قوى مانعة رادعة.

وَ حِفْظاً مِنْ كُلِّ شَيْطانٍ مارِدٍ* لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَ يُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ الصّافّات:7، 8.أي لا يقدرون السّمع و الاستفادة.(2:206)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحرس،أي الحفظ.يقال:

حرس الشّيء يحرسه و يحرسه حرسا،أي حفظه،فهو حارس،و هم حرّاس و حرس و أحراس.و الحرس:

حرس السّلطان،و هم الحرّاس؛و الواحد:حرسيّ.

و تحرّست من فلان و احترست منه:تحفّظت منه، و في المثل:«محترس من مثله و هو حارس»،يقال ذلك للرّجل الّذي يؤتمن على حفظ شيء لا يؤمن أن يخون فيه.

و بناء أحرس:أصمّ،فهو محفوظ من التّداعي و الانهيار،لصلابته و إحكامه.

و منه قولهم:حرس الإبل و الغنم يحرسها و يحرسها حرسا و احترسها،أي سرقها ليلا فأكلها،فهو حارس و محترس،لأنّ السّارق-كما قال ابن فارس-يرقب الشّيء كأنّه يحرسه حتّى يتمكّن منه.

و الحريسة:الشّاة الّتي تسرق ليلا،أو الّتي يدركها اللّيل قبل أن تصل إلى مراحها،و هي«فعيلة»بمعنى «مفعولة»،أي أنّ لها من يحرسها و يحفظها؛و الجمع:

حرائس و حراسات،يقال:فلان يأكل الحراسات،أي يتسرّق غنم النّاس فيأكلها.

و الحرس:الدّهر؛و الجمع:أحرس،لأنّه يبقى و يفنى النّاس،أو كأنّه يرقبهم جيلا بعد جيل.يقال:أحرس بالمكان،أي أقام به حرسا،أي دهرا.

و المحراس:سهم عظيم،عريض القذذ،لأنّه يتحفّظ منه و يحترز.

2-و يقال أيضا:احترزت من كذا و تحرّزت،أي توقّيته،و أحرزت الشّيء أحرزه إحرازا:حفظته و ضممته إليّ و صنته عن الأخذ،كما يقال:احترست منه،أي تحفّظت منه.

و إبدال السّين زايا معروف في اللّغة،كقولهم:سرط اللّقمة و زرطها،أي ابتلعها،فهو سرّاط و زرّاط،و لعلّ الأصل في احترز و احترس الزّاي؛إذ لم تعرف لغة السّين في سائر اللّغات السّاميّة،فقد ورد لفظ«حرز»بمعنى الملجأ و التّعويذة في السّريانيّة،و لعلّه الأصل لكلتا اللّغتين.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد(حرسا)في سورة مكّيّة:

وَ أَنّا لَمَسْنَا السَّماءَ فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وَ شُهُباً الجنّ:8

و فيها بحوث:

1-قال الطّوسيّ: «إنّ حرس جمع حارس»،و قال

ص: 423

الزّمخشريّ: «إنّه اسم مفرد في معنى الحرّاس كالخدم في معنى الخدّام،و لذلك وصف ب(شديد)و لو ذهب إلى معناه لقيل:شداد.و قال الطّبرسيّ:«يجوز أن يكون جمع حرسيّ،فيكون مثل عربيّ و عرب،و(شديدا)مذكّر محمول على اللّفظ،و يمكن أن يكون على النّسبة أي ذات شدّة».و قال القرطبيّ:«و(شديدا)من نعت الحرس.أي ملئت ملائكة شدادا،و وحّد(الشّديد)على لفظ الحرس،كما يقال:السّلف الصّالح بمعنى الصّالحين،و جمع سلف:أسلاف،و جمع الحرس:أحراس...و يجوز أن يكون(حرسا)مصدر على معنى حرست حراسة شديدة».

و قال البيضاويّ: «حرسا:حرّاسا اسم جمع كالخدم».و قال النّسفيّ:«جمع حارس».و قال أبو حيّان:

«شديدا:صفة للحرس على اللّفظ لأنّه اسم جمع»،و كذا الآلوسيّ.و أضاف:لأنّه على وزن يغلب في المفردات ك«بصر و قمر»و لذا نسب إليه فقيل:حرسيّ..و لذا وصف بالمفرد،فقيل:(شديدا)،و نحوها غيرهم.

2-و مع اختلافهم في لفظ«حرس»اتّفقوا على أنّ معناه الجمع.و عطف(شهبا)عليه-و هو جمع-و كذا سبق(ملئت)عليه دليل على الجمع؛إذ لا ملأ غالبا إلاّ بالجمع.

و لعلّ الجمع بين الجمع و المفرد فيها ب(حرسا شديدا و شهبا)إشارة إلى أنّ الحرّاس جماعة إلاّ أنّ كلّ واحد ممّن يستمع يجد له شهابا واحدا،كما يأتي.

3-و اختلفوا أيضا في أنّ(حرسا)تمييز أو مفعول ثان ل(ملئت)،أو مصدر لفعل محذوف،أي حرست حرسا شديدا.

4-هذه بحوث في اللّفظ،و أمّا المعنى فكادوا اتّفقوا على أنّ المراد ب(حرسا شديدا)الملائكة،فإنّهم كانوا يمنعون الجنّ عن الاتّصال بالملإ الأعلى و الاستماع منهم بعد بعثة النّبيّ عليه السّلام،و قد كانوا يستمعون إليهم قبله،كما قال بعدها مباشرة: وَ أَنّا كُنّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ فَمَنْ يَسْتَمِعِ الْآنَ يَجِدْ لَهُ شِهاباً رَصَداً.

و هذه مزيّة له عليه السّلام،و لهذا قال الطّوسيّ: «و قيل:

إنّ السّماء لم تحرس قطّ إلاّ لنبوّة أو عقوبة عاجلة عامّة».

و من هذا المنطلق يجوز أن نقول:إنّ الكهانة-و كانت مستندة إلى ما استمعته الجنّ عن الملإ الأعلى-بطلت بالنّبوّة الختميّة؛حيث سدّت أبواب السّماء على الجنّ.

و في هذا المجال قال العلاّمة الطّباطبائيّ ج 20:43:

«فيتحصّل من مجموع الآيتين الإخبار بأنّهم عثروا على حادثة سماويّة جديدة مقارنة لنزول القرآن و بعثة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و هي منع الجنّ من تلقّي أخبار السّماء باستراق السّمع».

5-و قد بحث الفخر الرّازيّ و العلاّمة الطّباطبائيّ و غيرهما في دفع شبهة وجود الشّهب قبل بعثة النّبيّ، و ظاهر الآية حدوثها بعدها،فقال الرّازيّ:«هذه الشّهب كانت موجود قبل المبعث إلاّ أنّها زيدت بعد المبعث و جعلت أكمل و أقوى».

و قال الطّباطبائيّ بعد نقاش طويل لما قاله الفخر الرّازيّ: «إنّ الّذي يظهر من القرآن حدوث رجم الشّياطين من الجنّ بالشّهب من غير تعرّض لحدوث أصل الشّهب».و تمام البحث في«ش ه ب:شهاب»في قوله: إِلاّ مَنْ خَطِفَ الْخَطْفَةَ فَأَتْبَعَهُ شِهابٌ ثاقِبٌ الصّافّات:10.

ص: 424

ح ر ص

اشارة

5 ألفاظ،5 مرّات:3 مكّيّة،2 مدنيّتان

في 5 سور:2 مكّيّتان،3 مدنيّة

حرصت 1:1 تحرص 1:1

حرصتم 1:-1 أحرص 1:-1

حريص 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :حرص يحرص حرصا،فهو حريص عليك،أي على نفعك؛و قوم حرصاء و حراص.

و الحرصة:مستقرّ (1)وسط كلّ شيء كالعرصة للدّار.

و الحارصة:شجّة تشقّ الجلد قليلا،كما يحرص القصّار الثّوب عند الدّقّ،و يقال منه قول اللّه عزّ و جلّ:

وَ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ يوسف:103.

و المطر يحرص الأرض:يخرقها.(3:116)

أبو عمرو الشّيبانيّ: المحترص من السّحاب:

الّذي يجيء سيله قبل مطره،كثير الرّعد و البرق.

(1:149)

أصابتهم سحابة حريصة:حدّة مطرها،و سحابة حديدة.

حرصت الأرض حرصا شديدا،تحرص،و هو أن تنزع البقل و تدفنه من شدّة سيلها.(1:152)

الحرصيان:القشر الّذي بين الجلد و البطن.

(1:153)

الحريصة،من السّحاب:الجديدة الغزيرة،الّتي تسيل الأرض سريعا.(1:158)

و الاحتراص:الجهد.(1:184)

الحريص:الثّوب يحرق فيدقّ،و تداوى به الشّجّة.

(1:186)

الحرصيان:الصّفاق الّذي يلي الجلد من قبل بطن الشّاة،الّذي إذا شققته خرج بطن الشّاة،و بدا لك فؤادها.(1:214)

ص: 425


1- في«اللّسان»:مستقرّ،بكسر القاف.

الأصمعيّ: أوّل الشّجاج الحارصة،و هي الّتي تحرص الجلد،أي تشقّه قليلا،و منه قيل:حرص القصّار الثّوب،إذا شقّه،و قد يقال لها:الحرصة.

الحريصة:سحابة تقشر وجه الأرض،و تؤثّر فيه من شدّة وقعها.(الأزهريّ 4:240)

ابن الأعرابيّ: الحرصة و الشّقفة و الرّعلة و السّلعة:الشّجّة.(الأزهريّ 4:239)

يقال لباطن جلد الفيل:حرصيان.و قيل في قول اللّه جلّ و عزّ: فِي ظُلُماتٍ ثَلاثٍ الزّمر:60،هي الحرصيان و الغرس و البطن.

و الحرصيان:باطن جلد البطن...(الأزهريّ 4:240)

ابن السّكّيت: في قول الطّرمّاح:

و قد ضمّرت حتّى انطوى ذو ثلاثها

إلى أبهري درماء شعب السّناسن

الحرصيان:جلدة حمراء بين الجلد الأعلى و اللّحم، تقشر بعد السّلخ؛و الجمع:الحرصيانات،و ذو ثلاثها عنى به بطنها،و الثّلاث:الحرصيان،و الرّحم،و السّابياء.

(الأزهريّ: 4:240)

ابن دريد :الحرص:معروف،و يقال:حرص يحرص حرصا،و حرص يحرص.و قد قرئ (يحرصون و يحرصون) و كذلك إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ و (ان تحرص) .و الكسر أكثر.و يقال:رجل حريص على الشّيء.

و الحارصة:الشّجّة الّتي تحرص الجلد،أي تقشره.

يقال:حرصت رأسه أحرصه حرصا،و ما أصابه إلاّ بحريصة،و سحابة حارصة و حريصة.

و الحارصة:السّحابة تحرص الأرض،أي تقشر وجهها من شدّة المطر

و الحرصيان:لحمة حمراء بين الجلد و الصّفاق.

(2:134)

الأزهريّ: [ذكر أوّل قول الخليل و قال:]

اللّغة العالية:حرص يحرص،و أمّا حرص يحرص:

فلغة رديئة.[إلى أن قال:]

لم أسمع حرصة بمعنى العرصة لغير اللّيث،و أمّا الصّرحة فمعروفة.(4:239)

و أصل الحرص:القشر،و به سمّيت الشّجّة حارصة، و قيل للشّره:حريص،لأنّه يقشر بحرصه وجوه النّاس يسألهم.

و الحرصيان:«فعليان»من الحرص،و هو القشر.

الحرصيان:«فعليان»من الحرص،و على مثاله حذريان و صلّيان.(4:240)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و الحريصة:سحابة تقشر وجه الأرض بمطر شديد.

و الحرصة:بثرة تخرج في الضّرع.(2:457)

الجوهريّ: الحرص:الجشع،و قد حرص على الشّيء يحرص بالكسر،فهو حريص.

و الحرص:الشّقّ.و الحارصة:الشّجّة الّتي تشقّ الجلد قليلا،و كذلك الحرصة.[ثمّ استشهد بشعر]

و حرص القصّار الثّوب يحرصه،أي خرقه بالدّقّ.

و الحريصة و الحارصة:السّحابة الّتي تقشر وجه الأرض بمطرها.(3:1032)

ابن فارس: الحاء و الرّاء و الصّاد أصلان:أحدهما:

ص: 426

الشّقّ،و الآخر:الجشع.

فالأوّل:الحرص:الشّقّ.يقال:حرص القصّار الثّوب،إذا شقّه.

و الحارصة من الشّجاج:الّتي تشقّ الجلد.و منه الحريصة و الحارصة،و هي السّحابة الّتي تقشر وجه الأرض من شدّة وقع مطرها.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا الجشع و الإفراط في الرّغبة،فيقال:حرص إذا جشع يحرص حرصا،فهو حريص.قال اللّه تعالى: إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ النّحل:37.

و يقال:حرص المرعى،إذا لم يترك منه شيء؛ و ذلك من الباب،كأنّه قشر عن وجه الأرض.(2:40)

الثّعالبيّ: إذا أثرت[الأمطار]في الأرض من شدّة وقعها،فهي الحريصة،لأنّها تحرص وجه الأرض.

(278)

أبو سهل الهرويّ: «حرصت عليه أحرص»أي اجتهدت و طلبت بنصب و شدّة.(التّلويح:4)

ابن سيده: الحرص:شدّة الإرادة،و الشّره إلى المطلوب.و قد حرص عليه يحرص و يحرص حرصا و حرصا،و حرص حرصا.

عدّاه بالباء،لأنّه في معنى هممت،و المعروف:

حرصت عليه.

و رجل حريص من قوم حرصاء و حراص،و امرأة حريصة من نسوة حراص و حرائص.

و حرص الثّوب يحرصه حرصا:خرقه.قيل:هو أن يدقّه حتّى يجعل فيه ثقبا و شقوقا.

و الحرصة:من الشّجاج،الّتي حرصت من وراء الجلد و لم تخرّقه.

و الحارصة و الحريصة:أوّل الشّجاج،و هي الّتي تحرص الجلد،أي تشقّه قليلا.

و حرص القصّار الثّوب:شقّه.

و الحريصة:السّحابة الّتي تحرص وجه الأرض، تقشره من شدّة وقعها.

و الحرصيان:قشرة رقيقة بين الجلد و اللّحم، يقشرها القصّاب بعد السّلخ؛و جمعها:حرصيانات، و لا تكسّر.

و أرض محروصة:مرعيّة مدعثرة.

و الحرصة:كالعرصة.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(3:145)

الطّوسيّ: و الحرص:طلب الشّيء بجدّ و اجتهاد.

تقول:حرص يحرص حرصا،و حرص يحرص بكسر الرّاء في الماضي،و فتحها في المستقبل؛و الأوّل لغة أهل الحجاز.(6:381)

الرّاغب: الحرص:فرط الشّره و فرط الإرادة.

قال عزّ و جلّ: إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ النّحل:37، أي إن تفرط إرادتك في هدايتهم،و قال تعالى:

وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ البقرة:96، و قال تعالى: وَ ما أَكْثَرُ النّاسِ وَ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ يوسف:103.

و أصل ذلك من:حرص القصّار الثّوب،أي قشره بدقّة.

و الحارصة:شجّة تقشر الجلد،و الحارصة و الحريصة:سحابة تقشر الأرض بمطرها.(113)

ص: 427

الزّمخشريّ: حرص على الشّيء و هو حريص من قوم حراص،و ما أحرصك على الدّنيا!و الحرص شؤم، و لا حرس اللّه من حرص.

و حرص القصّار الثّوب:شقّه،و بثوبك حرصة.

و أصابته حارصة،و هي من الشّجاج الّتي شقّت الجلد.

و حمار محرّص:مكدّح.

و انهلّت الحارصة و الحريصة،و هي السّحابة الشّديدة وقع المطر،تحرص وجه الأرض.[ثمّ استشهد بشعر]

و رأيت العرب حريصة على وقع الحريصة (1).

(أساس البلاغة:80)

الفيّوميّ: حرص القصّار الثّوب حرصا،من بابي «ضرب و قتل»:شقّه.و منه قيل للشّجّة تشقّ الجلد:

حارصة.

و حرص عليه حرصا،من باب«ضرب»إذا اجتهد،و الاسم:الحرص بالكسر.

و حرص على الدّنيا من باب«ضرب»أيضا،و من باب«تعب»لغة،إذا رغب رغبة مذمومة،فهو حريص؛ و جمعه:حراص،مثل ظريف و ظراف،و غليظ و غلاظ، و كريم و كرام.(130)

الفيروزآباديّ: الحرص بالكسر:الجشع،و قد حرص كضرب و سمع،فهو حريص من حرّاص و حرصاء.

و الحرصة (2)محرّكة:مستقرّ وسط كلّ شيء.

و الحارصة:السّحابة تقشر وجه الأرض بمطرها كالحريصة،و الشّجّة تشقّ الجلد قليلا كالحرصة بالفتح.

و الحرص:الشّقّ،و ثوب حريص.

و الحرصة:تفرّق الشّخب في الإناء،لاتّساع خرق في الطّبي (3)،من جرح يحصل من الصّرار.

و الحرصيان بالكسر:باطن جلد البطن،و باطن جلد الفيل،و جلدة حمراء تقشر بعد السّلخ؛جمعه:

حرصيانات«فعليانات»من الحرص:القشر.

و حرص المرعى كعني:لم يترك منه شيء.

و أنّه ليتحرّص غداءهم و عشاءهم:يتحيّنهما.

و احترص:حرص و جهد.(2:309)

الطّريحيّ: الحريص:الحثيث على الشّيء.

و حرص عليه حرصا،من باب«ضرب»:اجتهد، و الاسم:الحرص بالكسر.

و حرص«كتعب»حرصا:أشرف على الهلاك.

و الحارصة:هي الشّجّة الّتي تشقّ الجلد قليلا، و لا تجري الدّم،و كذلك الحرصة.

و في الحديث:«و تترك للحارص كذا»هو الّذي يحرص البستان،و النّاطور بها.(4:165)

الجزائريّ: [الفرق بين]الحرص و الطّمع:

قيل:الحرص:أشدّ من الطّمع،و عليه جرى قوله تعالى: أَ فَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ البقرة:75،لأنّ الخطاب فيه للمؤمنين.

و قوله سبحانه: إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ..

ص: 428


1- كذا،و الظّاهر:«حريصة»في الموردين.
2- ذكرت في كتب اللّغة بسكون حرف الرّاء.
3- الطّبي و الطّبي:واحد الأطباء و هي حلمات الضّرع...

النّحل:37،فإنّ الخطاب فيه مقصور على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و لا شكّ أنّ رغبته صلّى اللّه عليه و آله في إسلامهم و هدايتهم كان أشدّ و أكثر من رغبة المؤمنين المشاركين له في الخطاب الأوّل في ذلك.(85)

مجمع اللّغة :حرص على الشّيء يحرص و حرص يحرص حرصا:اشتدّت رغبته فيه و عظم تمسّكه به،فهو حريص؛و أفعل التّفضيل منه:أحرص.

(1:247)

العدنانيّ: حرص على الأمر و حرص عليه.

و يخطّئون من يقول:حرص فلان على الشّيء،أي اشتدّت رغبته فيه،و يقولون:إنّ الصّواب هو:حرص على الأمر،اعتمادا على قوله تعالى: وَ ما أَكْثَرُ النّاسِ وَ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ يوسف:103،و اعتمادا على ما جاء في:أدب الكاتب،و الصّحاح،و الأساس، و المختار،و الوسيط.

و لكن ذكر التّاج:أنّ الحسن و النّخعيّ و أبا حيوة قرءوا الآية (ان تحرص على هديهم) النّحل:37، و ماضيه:حرص.

و أجاز استعمال الفعل«حرص»مفتوح الرّاء و مكسورها كلّ من معجم ألفاظ القرآن الكريم،و ابن درستويه،و ابن القوطيّة،و الأزهريّ-الّذي قال:

حرص يحرص اللّغة العالية،و حرص يحرص لغة رديئة -و الصّاغانيّ،و اللّسان-الّذي استشهد ببيت أبي ذؤيب:

و لقد حرصت بأن أدافع عنهم

فإذا المنيّة أقبلت لا تدفع

عدّى الفعل«حرص»بالباء،لأنّه في معنى هممت، و المعروف:حرصت عليه-و المصباح،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد-الّذي قال:إنّ حرص يحرص لغة رديئة-و المتن.

و فعله:حرص يحرص:جاء في الآية(37)من سورة النّحل حسب قراءة معظم القرّاء إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ...، و يحرص حرصا و حرصا.

و حرص يحرص حرصا،فهو حريص:جاء في الآية لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ التّوبة:128.

و هم حرصاء و حراص،و هي حريصة،و هنّ حراص و حرائص.(148)

المصطفويّ: و الظّاهر:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الرّغبة الشّديدة على شيء،مع الفعّاليّة و العمل؛بحيث يكون ميله مفرطا.

و بمناسبة هذا المفهوم تطلق على القصّار إذا كان في عمله مفرطا؛بحيث يوجب الشّقّ في الثّوب،و هكذا في وقع المطر من السّحاب.

و أمّا الاجتهاد و الإرادة:فمن لوازم ذلك الأصل،كما أنّ المذموميّة في الرّغبة قد تكون حاصلة في بعض الموارد من جهة الإفراط في الرّغبة.[ثمّ ذكر الآيات و فسّرها]

(2:207)

النّصوص التّفسيريّة

حرصت

وَ ما أَكْثَرُ النّاسِ وَ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ. يوسف:103

ص: 429

ابن عبّاس: لو جهدت كلّ الجهد.(204)

الطّوسيّ: و الحرص:طلب الشّيء في إصابته، حرص عليه يحرص حرصا،فهو حريص على الدّنيا،إذا اشتدّ طلبه لها.و التّقدير:و ما أكثر النّاس بمؤمنين و لو حرصت على هدايتهم.(6:201)

الميبديّ: (و لو حرصت)أي اجتهدت كلّ الاجتهاد،فإنّ ذلك إلى اللّه فحسب.(5:147)

نحوه النّسفيّ.(2:239)

الطّبرسيّ: أي و ليس أكثر النّاس بمصدّقين و لو حرصت على إيمانهم و تصديقهم،و اجتهدت في دعائهم إليه و إرشادهم إليه،لأنّ حرص الدّاعي لا يغني شيئا إذا كان المدعوّ لا يجيب.(3:267)

الفخر الرّازيّ: قال ابن الأنباريّ:جواب(لو) محذوف،لأنّ جواب(لو)لا يكون مقدّما عليها،فلا يجوز أن يقال:قمت لو قمت (1)...

و معنى الحرص:طلب الشّيء بأقصى ما يمكن من الاجتهاد.(18:223)

نحوه النّيسابوريّ.(13:55)

القرطبيّ: أي ليس تقدر على هداية من أردت هدايته...

و الحرص:طلب الشّيء باختيار (2).

(9:271)

أبو حيّان :و لو بالغت في طلب إيمانهم لا يؤمنون، لفرط عنادهم و تصميمهم على الكفر.و جواب(لو) محذوف،أي و لو حرصت لم يؤمنوا.(5:351)

البروسويّ: (و لو حرصت)على إيمانهم،و بالغت في إظهار الآيات لهم.و الحرص:طلب شيء باجتهاد في إصابته.(4:328)

الآلوسيّ: أي على إيمانهم،و بالغت في إظهار الآيات القاطعة الدّالّة على صدقك عليهم.(13:65)

نحوه القاسميّ.(9:3602)

حرصتم

وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ.

النّساء:129

راجع«عدل».

تحرص

إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ. النّحل:37

الواحديّ: أي إن تطلب بجهدك ذلك.(3:62)

مثله الفخر الرّازيّ(20:29)،و نحوه القرطبيّ(10:

104).

الميبديّ: أي إن تطلب هداهم أشدّ الطّلب.

(5:381)

نحوه أبو السّعود.(4:61)

ابن عطيّة: الحرص:أبلغ الإرادة في الشّيء.

و هذه تسلية للنّبيّ عليه السّلام،أي إنّ حرصك لا ينفع،فإنّها أمور محتومة.(3:392)

ص: 430


1- في الأصل:لوقت!!
2- الظّاهر:باجتهاد،كما في كتب اللّغة.

الشّربينيّ: فتطلبه بغاية جدّك و اجتهادك،و قد أضلّهم اللّه تعالى،لا تقدر على ذلك.(2:230)

احرص

وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ.... البقرة:96

الفرّاء: معناه،و اللّه أعلم:و أحرص من الّذين أشركوا على الحياة.و مثله أن تقول:هذا أسخى النّاس و من هرم.لأنّ التّأويل للأوّل هو أسخى من النّاس و من هرم.

(1:62)

الطّبريّ: يا محمّد لتجدنّ أشدّ النّاس حرصا على الحياة في الدّنيا،و أشدّهم كراهة للموت:اليهود.[إلى أن قال:]

و أحرص من الّذين أشركوا على الحياة،كما يقال:

هو أشجع النّاس و من عنترة،بمعنى:هو أشجع من النّاس و من عنترة،فكذلك قوله: وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا، لأنّ معنى الكلام:و لتجدنّ يا محمّد اليهود من بني إسرائيل أحرص النّاس على حياة و من الّذين أشركوا،فلمّا أضيف(احرص)إلى(النّاس)-و فيه تأويل من-أظهرت بعد حرف العطف ردّا على التّأويل الّذي ذكرناه.

و إنّما وصف اللّه جلّ ثناؤه اليهود بأنّهم أحرص النّاس على الحياة لعلمهم بما قد أعدّ لهم في الآخرة على كفرهم ممّا لا يقرّ به أهل الشّرك،فهم للموت أكره من أهل الشّرك الّذين لا يؤمنون بالبعث،لأنّهم يؤمنون بالبعث و يعلمون ما لهم هنالك من العذاب،و أنّ المشركين لا يصدّقون بالبعث و لا العقاب،فاليهود أحرص منهم على الحياة،و أكره للموت.(1:428)

نحوه الطّوسيّ.(1:359)

الواحديّ: لأنّهم[علماء اليهود]علموا أنّهم صائرون إلى النّار إذا ماتوا.و معنى الحرص:شدّة الطّلب.(1:177)

الزّمخشريّ: معنى أَحْرَصَ النّاسِ أحرص من النّاس.

فإن قلت:أ لم يدخل(الّذين اشركوا)تحت(النّاس)؟

قلت:بلى،و لكنّهم أفردوا بالذّكر،لأنّ حرصهم شديد.و يجوز أن يراد:و أحرص من الّذين أشركوا، فحذف لدلالة أَحْرَصَ النّاسِ عليه.

و فيه توبيخ عظيم لأنّ الّذين أشركوا لا يؤمنون بعاقبة،و لا يعرفون إلاّ الحياة الدّنيا،فحرصهم عليها لا يستبعد لأنّها جنّتهم،فإذا زاد عليهم في الحرص من له كتاب و هو مقرّ بالجزاء،كان حقيقا بأعظم التّوبيخ.

فإن قلت:لم زاد حرصهم على حرص المشركين؟

قلت:لأنّهم علموا لعلمهم بحالهم أنّهم صائرون إلى النّار لا محالة،و المشركون لا يعلمون ذلك.(1:298)

نحوه البيضاويّ(1:71)،و النّسفيّ(1:63)، و النّيسابوريّ(1:378)،و أبو السّعود(1:168)، و الكاشانيّ(1:149)،و البروسويّ(1:185)، و القاسميّ(2:196)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه سبحانه و تعالى لمّا أخبر عنهم في الآية المتقدّمة أنّهم لا يتمنّون الموت،أخبر في

ص: 431

هذه الآية أنّهم في غاية الحرص على الحياة،لأنّ هاهنا قسما ثالثا،و هو أن يكون الإنسان بحيث لا يتمنّى الموت و لا يتمنّى الحياة،فقال: وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ. [ثمّ أدام البحث نحو الزّمخشريّ]

(3:192)

رشيد رضا :كذلك كانوا و كذلك هم الآن.

و الظّاهر من سيرتهم و نظام معيشتهم أنّهم كذلك يكونون إلى ما شاء اللّه،و إن كان الظّاهر أنّ الكلام خاصّ بمن كانوا في عصر التّنزيل يحاجّهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و يشاغبونه و يجاحدونه،معتزّين بشعبهم مغترّين بكتابهم،بل ذهب بعض المفسّرين إلى أنّ المراد علماؤهم فقط.

و نكّر الحياة للتّحقير،كأنّه يقول:إنّهم شديد و الحرص على الحياة و إن كانت في بؤس و شقاء.

ثمّ خصّ طائفة من النّاس بالذّكر عرفوا بشدّة الحرص على الحياة و تمنّي طول البقاء في الدّنيا،لأنّهم لا يؤمنون بحياة بعدها.(1:390)

نحوه المراغيّ.(1:173)

الطّباطبائيّ: قوله تعالى: وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ كالدّليل المبين لقوله تعالى: وَ لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً البقرة:95،أي و يشهد على أنّهم لن يتمنّوا الموت،أنّهم أحرص النّاس على هذه الحياة الدّنيا الّتي لا حاجب و لا مانع عن تمنّي الدّار الآخرة إلاّ الحرص عليها و الإخلاد إليها.(1:228)

عبد الكريم الخطيب :فهم أحرص النّاس جميعا بلا استثناء على الحياة،حتّى إنّ المشركين الّذين لا يؤمنون بالآخرة،و لا يرجون حياة بعد هذه الحياة، ليس فيهم هذا الحرص على التّمسّك بالحياة الّتي يحرص اليهود عليها هذا الحرص العجيب.(1:112)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(1:263)

المصطفويّ: وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ الحياة في مقابل الموت،في الآية السّابقة قبلها، يراد رغبتهم الشّديد و جدّهم،لتأمين الحياة الدّنيويّة، و هم عن الآخرة لغافلون.

هذه الآية راجعة إلى اليهود،لعلّ السّبب في حرصهم عليها،أنّهم كانوا في ابتلاء و ضيق و شدّة و أقلّيّة،فظنّوا أنّ التّوجّه الشّديد إلى الأمور الدّنيويّة و تقويتهم من هذه الجهة يوجب رفع ابتلاؤهم،مع أنّ التّوجّه إلى المعنويّات و الرّوحانيّات هو السّبب الأعلى لحصول القوّة و القدرة.(2:207)

حريص

لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ. التّوبة:128

الفرّاء: و الحريص:الشّحيح أن يدخلوا النّار.

(1:456)

الطّوسيّ: فالحرص:شدّة الطّلب للشّيء على الاجتهاد فيه،و المعنى:حريص عليكم أن تؤمنوا.

(5:378)

الفخر الرّازيّ: و الحرص يمتنع أن يكون متعلّقا بذواتهم،بل المراد:حريص على إيصال الخيرات إليكم في الدّنيا و الآخرة.

قال الفرّاء:الحريص:الشّحيح،و معناه:أنّه شحيح

ص: 432

عليكم أن تدخلوا النّار.و هذا بعيد،لأنّه يوجب الخلوّ عن الفائدة.(16:237)

القرطبيّ: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ أن تدخلوا الجنّة، و قيل:حريص عليكم أن تؤمنوا.و الحرص على الشّيء:الشحّ عليه أن يضيع و يتلف.(8:302)

مكارم الشّيرازيّ: الحرص في اللّغة،بمعنى قوّة و شدّة العلاقة بالشّيء،و اللّطيف هنا أنّ الآية قد أطلقت القول،و قالت: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ فلم يرد حديث عن الهداية،و لا عن أيّ شيء آخر،و هي تشير إلى عشقه صلّى اللّه عليه و آله لكلّ خير و سعادة لكم،و لكلّ تقدّم و رقيّ و سعادة،و كما يقال:إنّ حذف المتعلّق دليل على العموم.

و على هذا،فإنّه إذا دعاكم و سار بكم إلى ساحات الجهاد المليئة بالمرارة،و إذا جعل المنافقين تحت ضغط شديد،فإنّ كلّ ذلك من أجل عشقه لحرّيّتكم و شرفكم و عزّتكم،و هدايتكم و تطهير مجتمعكم.(6:263)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: الحرص على وجهين:

أحدهما:الجهد،كقوله: وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ النّساء:129،و قوله:

وَ ما أَكْثَرُ النّاسِ وَ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ يوسف:

103.

و الثّاني:الحرص بعينه،كقوله: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ التّوبة:128،و قوله: إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ النّحل:37.(215)

الدّامغانيّ: الحرص على وجهين:الجهد،الإرادة.

[فذكر نحو الحيريّ في الجهد و قال:]

و الوجه الثّاني:الحرص يعني الإرادة،قوله:

حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ أي مريد بإيمانكم.(252)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحرص،أي الشّقّ.يقال:

حرص الثّوب يحرصه و يحرصه حرصا،أي خرقه، و حرص القصّار الثّوب:شقّه و خرقه بالدّقّ.

و الحارصة و الحريصة:أوّل الشّجاج،و هي الّتي تحرص الجلد،أي تشقّه قليلا،و هي أيضا السّحابة الّتي تحرص وجه الأرض،و تؤثّر فيه بمطرها من شدّة وقعها، و المطر يحرص الأرض:يخرقها.

و الحرصيان:«فعليان»من الحرص،و هو القشر، و هي جلدة حمراء بين الجلد الأعلى و اللّحم تقشر بعد السّلخ؛و الجمع:حرصيانات.

و الحرص:الجشع و الشّره.يقال:حرص على الشّيء يحرص و يحرص حرصا و حرصا،و حرص يحرص حرصا،فهو حريص،من قوم حرصاء و حراص،و امرأة حريصة،من نسوة حراص و حرائص.و سمّي الحريص حريصا-كما قيل-لأنّه يقشر بحرصه وجوه النّاس.

2-و لم يذكر شرّاح الحديث أثرا من هذه المادّة سوى ابن الأثير،فإنّه قال باقتضاب:«في ذكر الشّجاج الحارصة،و هي الّتي تحرص الجلد،أي تشقّه.يقال:

حرص القصّار الثّوب،إذا شقّه».

و منه ما ذكره الشّيخ الصّدوق و ابن حنبل:قال

ص: 433

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:«يهرم ابن آدم و يبقى منه اثنتان:

الحرص و الأمل» (1).

الاستعمال القرآنيّ

جاءت ماضيا مرّتين،و مضارعا و وصفا،و تفضيلا كلّ واحد مرّة،و كلّها مدح إلاّ واحدة في 5 آيات:

1- وَ ما أَكْثَرُ النّاسِ وَ لَوْ حَرَصْتَ بِمُؤْمِنِينَ.

يوسف:103

2- إِنْ تَحْرِصْ عَلى هُداهُمْ فَإِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ... النّحل:37

3- لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ

التّوبة:128

4- وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ... النّساء:129

5- وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ

البقرة:96

و يلاحظ أوّلا:أنّه على الرّغم من أنّ«الحرص»يعدّ صفة مذمومة عند النّاس-لأنّه غلب عندهم على جمع المال-إلاّ أنّه جاء في القرآن مرّة واحدة في هذا المجال وصفا لليهود فقط في(5) وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ و سنبحثه،و جاء ثلاث مرّات مدحا للنّبيّ عليه السّلام في(1-3)و مرّة تشريعا في العدل بين النّساء في(4).

و ثانيا:يستفاد من الثّلاث الأولى حرص النّبيّ عليه السّلام على إيمان النّاس،و على هدايتهم،و على المؤمنين بالذّات،كما دلّت آيات على مكابدته و تحمّل المشاقّ في هدايتهم مثل طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى طه:1،2،و على أسفه من رفضهم الإيمان،و على تسلّيه في ذلك بما جرى بين الأنبياء و أممهم،مثل: يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ يس:30،و مثلها كثير في القرآن.فحرص النّبيّ عليه السّلام على إيمان النّاس نشأ من إصرار اللّه على هدايته النّاس إلى الصّراط المستقيم النّاشئ عن كمال نعمته،و تمام رحمته لهم.

و ثالثا:حرص النّبيّ عليه السّلام على إيمان النّاس و هدايتهم في(1 و 2)خاصّ،و مفهوم و مشفوع.-مع الأسف- بالفشل على الأكثر و الأغلب.أمّا حرصه عليهم في(3) فعامّ،يشمل جميع أطوار حياتهم المادّيّة و المعنويّة،و إن خصّه بعضهم بالإيمان أو بدخول الجنّة أو النّجاة من النّار و نحوها.و لكنّ الحقّ مناسقا لحذف المتعلّق هو العموم.

قال الفخر الرّازيّ:«و الحرص يمتنع أن يكون متعلّقا بذواتهم،بل المراد:حريص على إيصال الخيرات إليكم في الدّنيا و الآخرة».

و قال مكارم:«قد أطلقت القول،و قالت: حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ فلم يرد حديث عن الهداية،و لا عن أيّ شيء آخر،و هي تشير إلى عشقه صلّى اللّه عليه و آله لكلّ خير و سعادة لكم،و لكلّ تقدّم و رقيّ و سعادة».

و أمّا الطّباطبائيّ: فقد عمّ حرصه عليه السّلام على النّاس جميعا حيث الخطاب عامّ للنّاس،فقال ج 9:411:

«و أنّه حريص عليكم جميعا من مؤمن أو غير مؤمن

ص: 434


1- الخصال(1:37)و مسند أحمد(3:119).

و أنّه رءوف رحيم بالمؤمنين منكم خاصّة...».

فالتّعميم في المتعلّق و في المفعول كلاهما هو مقتضى سياق الآية،و كذا تخصيص الرّحمة بالمؤمنين؛حيث قال: لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ، لاحظ:«ع ز ز»عزيز و«ع ن ت عنتّم».

و رابعا:الكلام في(4) وَ لَنْ تَسْتَطِيعُوا أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ... موكول إلى بحث العدل بين النّساء، فلاحظ:«ع د ل-تعدلوا،ن س و-النّساء».

و خامسا:جاء في(5)وصفا لليهود وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ... و فيها بحوث:

1-زعم اليهود أنّ الجنّة خالصة لهم من دون النّاس، فخاطبهم اللّه ردّا عليهم بقوله: قُلْ إِنْ كانَتْ لَكُمُ الدّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللّهِ خالِصَةً مِنْ دُونِ النّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَ لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِالظّالِمِينَ* وَ لَتَجِدَنَّهُمْ أَحْرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ وَ ما هُوَ بِمُزَحْزِحِهِ مِنَ الْعَذابِ أَنْ يُعَمَّرَ وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ.

فأكّد على أنّ زعمهم ذلك يقتضي تمنّاهم الموت ليصلوا بمزاعمهم من الجنّات و الخيرات في الآخرة،ثمّ أكّد بأنّهم لا يتمنّون الموت خوفا ممّا قدّمت أيديهم من السّوء،ثمّ أكّد بأنّهم بدلا من تمنّاهم الموت أحرص النّاس على حياة و حتّى من المشركين الّذين لا يعتقدون الدّار الآخرة إلى حدّ أنّ أحدهم يتمنّى أن يعمّر ألف سنة.

و بذلك أثبت أنّ مزاعمهم في اختصاص الجنّة بهم خطأ في ميزان العقل.

قال الطّباطبائيّ: «و لتجدنّهم)كالدّليل ل وَ لَنْ يَتَمَنَّوْهُ أَبَداً أي و يشهد على أنّهم لا يتمنّون الموت أنّهم أحرص النّاس على هذه الحياة الدّنيا الّتي لا حاجب و لا مانع من تمنّي الدّار الآخرة إلاّ الحرص عليها و الإخلاد إليها».

2-نصّت الآية في بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ على أنّ سبب عدم تمنّيهم الموت هي أعمالهم السّيّئة الّتي تدخلهم النّار،قال الطّبريّ:«لعلمهم بما قد أعدّ لهم في الآخرة على كفرهم ممّا لا يقرّبه أهل الشّرك،فهم للموت أكره من أهل الشّرك الّذين لا يؤمنون بالبعث،لأنّهم-أي اليهود-يؤمنون بالبعث و يعلمون ما لهم هنالك من العذاب،و لأنّ المشركين لا يصدّقون بالبعث و لا العقاب و مع ذلك فاليهود أحرص منهم على الحياة،و أكره للموت»،و لعلّها خاصّة بمن كان منهم يعتقد بالحياة الآخرة حقّا.

و مع الاعتراف بذلك فقوله: أَحْرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ وَ مِنَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا يَوَدُّ أَحَدُهُمْ لَوْ يُعَمَّرُ أَلْفَ سَنَةٍ يشعر بأنّ سبب كراهتهم الموت لم يكن منحصرا في خوف العذاب،بل كانت لهم علاقة شديدة بالحياة الدّنيا أيضا أكثر من غيرهم.و لعلّ سببها-كما أشار إليه المصطفويّ-أنّهم كانوا طول حياتهم في ابتلاء و ضيق و شدّة و حرمان و عزلة عن الخلق،فحرصوا على جبرانها بالإقبال على موجبات الحياة،و لا سيّما على جمع المال؛بحيث صار ذلك طبيعتهم في الحياة يعرفون بذلك بين الأمم،فإنّهم كذلك كانوا و كذلك يكونون إلى

ص: 435

ما شاء اللّه-كما أكّد عليه رشيد رضا-و لا يخصّ بمن كان منهم في عصر التّنزيل و لا بمن يعتقد بالحياة الآخرة.

3-جاءت فيها(حيوة)نكرة أَحْرَصَ النّاسِ عَلى حَياةٍ تحقيرا،أي أنّهم شديد و الحرص على الحياة،و إن كانت في بؤس و شقاوة،فإنّهم حريصون على أقلّ الحياة.أو تعميما،أي يطلبون الحياة بلا حدّ كيفا و كمّا،فالحياة-و إن كانت ظلما و عدوانا لغيرهم- مطلوب عندهم،كما نرى منهم في تاريخهم الطّويل،و قد كشفت السّتار عنها آيات أوائل سورة البقرة،و إنّهم المفسدون في الأرض سياسيّا و اقتصاديّا و فجورا و لهوا في هذا العصر،على مستوى كبير في العالم عامّة،و في فلسطين خاصّة.

و سادسا:و قد فسّروا الحرص في جملة منها بالجهد، فقالوا مثلا في(1): وَ لَوْ حَرَصْتَ، أي و لو جهدت كلّ الجهد،و في بعضها بأنّه-أي الحرص-أبلغ الإرادة في الشّيء،أو في طلب الشّيء بأقصى ما يمكن من الاجتهاد،أو بأشدّ الطّلب و نحوها ممّا يرجع إلى شيء واحد،و هو شدّة السّعي و الجدّ البالغ للوصول إلى المطلوب،فقد جمعت فيه الإرادة النّفسيّة،و الجدّ في العمل،و لعلّ بعضها مثل: أَنْ تَعْدِلُوا بَيْنَ النِّساءِ وَ لَوْ حَرَصْتُمْ... خاصّ بالعلاقة القلبيّة،و غيرها يعمّ القلب و العمل.

و سابعا:ثلاث من الآيات خاصّة بإيمان النّاس مدى حياته الرّساليّة،و لكنّه في أواخر حياته اشتدّ رجاؤه- حيث نزلت سورة التّوبة-و قد رأى شطرا كبيرا من نجاحه في رسالته،و في تحقيقه و تأسيسه أمّة الإسلام بين الأمم في قوّة و سداد؛حيث وقفت في حرب«تبوك»في جيش كبير أمام الرّوم إحدى الدّولتين الكبيرتين في الأرض يوم ذاك،و في قطاع البحرين و أرض اليمن أمام الفرس الدّولة الأخرى،لأنّهما كانتا تحت سيطرة الفرس حين ذاك،و خضعتا لدولة الإسلام في حياة النّبيّ عليه السّلام، من دون حرب.و حيث تسلّمت له الجزيرة العربيّة بأسرها طوعا أو كرها.

فاشتدّ و تصلّب بذلك رجاؤه و حرصه على نجاح هذه الأمّة في جميع أطوار الحياة المادّيّة و المعنويّة،كما يحاكي لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ...، و قد نبّأه اللّه بانتهاء رسالته في سورة العصر،مشكورا مغفورا.

و اثنتان منها مدنيّتان موزّعتان بين النّساء و التّاريخ اليهوديّ؛حيث خصّت إحداهما بالعدل بين النّساء و الأخرى بشأن اليهود،و هما من أهمّ أموره و مهامّه الاجتماعيّة و السّياسيّة.

ص: 436

ح ر ض

اشارة

لفظان،3 مرّات،في 3 سور:1 مكّيّة،2 مدنيّتان

حرضا 1:1 حرّض 2:-2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :التّحريض:التّحضيض.و الحرض، مثقل:الأشنان،و المحرضة:وعاؤه.

و قوله تعالى: حَتّى تَكُونَ حَرَضاً يوسف:85، أي محرضا يذيبك الهمّ،و هو المشرف حتّى يكاد يهلك.

رجل حرض و رجال أحراض.

و الحرض:الّذي لا خير فيه لؤما و دقّة من كلّ شيء،و الفعل منه:حرض يحرض حروضا.

و ناقة حرض و إبل أحراض،و هو الضّاوي الرّديء.

(3:103)

اللّيث: الحرض:الأشنان تغسل به الأيدي على أثر الطّعام.

و المحرضة:الوعاء الّذي فيه الحرض،و هو النّوفلة.

(الأزهريّ 4:205)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قال أبو خالد:الإحريض:

من شجر الحمض.(1:66)

جدي حرضيّ: أوّل الغداء،و هو الصّغريّ،و هو الرّبعيّ؛و الدّفئيّ:أوسطها،و الصّيفيّ:آخرها،و الغذويّ:

من أوّلها.(1:183)

الحرض:الّذي أذابه الحزن أو العشق،و هو في معنى محرض،و قد حرض بالكسر.و أحرضه الحبّ،أي أفسده.[ثمّ استشهد بشعر]الجوهريّ 3:1070

الفرّاء: يقال:رجل حرض و امرأة حرض و قوم حرض؛يكون موحّدا على كلّ حال:الذّكر و الأنثى، و الجميع فيه سواء.

و من العرب من يقول للذّكر:حارض،و للأنثى:

حارضة،فيثنّي هاهنا و يجمع،لأنّه قد خرج على صورة فاعل،و فاعل يجمع.

و الحارض:الفاسد في جسمه أو عقله.و يقال للرّجل:إنّه لحارض،أي أحمق؛و الفاسد في عقله أيضا.

ص: 437

و أمّا«حرض»فترك جمعه،لأنّه مصدر بمنزلة دنف و ضنى.(2:54)

نحوه الطّبريّ.(13:42)

أبو زيد :الإحريض:العصفر.(222)

في قوله: حَتّى تَكُونَ حَرَضاً أي مدنفا،و هو محرض.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:204)

الأصمعيّ: رجل حارضة:للّذي لا خير فيه.

و يقال:كذب كذبة فأحرص نفسه،أي أهلكها، و جاء بقول حرض،أي هالك.(الأزهريّ 4:204)

يقال:رجل حارضة،و هو الأحمق.

(الخطّابيّ 1:138)

اللّحيانيّ: يقال:حارض فلان على العمل، و واكب عليه،و واظب عليه،و واصب عليه،إذا داوم عليه،فهو محارض.(الأزهريّ 4:204)

ابن الأعرابيّ: إنّ بعض العرب قال:إذا لم يعلم القوم مكان سيّدهم فهم حرضان كلّهم.و الحارض:

السّاقط الّذي لا خير فيه.

جمل حرضان و ناقة حرضان:ساقط

و قال أكثم بن صيفي: «سوء حمل الفاقة يحرض الحسب،و يذئر العدوّ،و يقوّي الضّرورة».يحرضه،أي يسقطه.

الإحريض:العصفر،و ثوب محرّض:مصبوغ بالعصفر.(الأزهريّ 4:205،206)

حرّض:شغل بضاعته في الحرض.

و حرّض ثوبه:صبغه بالإحريض.

(الصّغانيّ 4:66)

ابن السّكّيت: و الحرض:الّذي لا يرجى خيره و لا يخاف شرّه،و هو الحرضان أيضا.

و الأحراض:جمع حرض.(199)

و الحارض:الرّذل الفسل الذّاهب العقل،حرض يحرض حرضا و يحرض حروضا.(200)

[في باب المواظبة و المداومة]...و حارض يحارض محارضة،و قد أشاح يشيح إشاحة،إذا جدّ و حمل.

(443)

أبو الهيثم: الحرضة:الرّجل الّذي لا يشتري اللّحم و لا يأكله بثمن إلاّ أن يجده عند غيره.[ثمّ استشهد بشعر]

و المحرض:الهالك مرضا،الّذي لا حيّ فيرجى،و لا ميّت فيوأس منه.(الأزهريّ 4:205)

الدّينوريّ: الحرّاضة:سوق الأشنان.

(ابن سيده 3:125)

ابن أبي اليمان :و الحرض:البالي،قال اللّه تعالى:

حَتّى تَكُونَ حَرَضاً... يوسف:85 و الحرض:

الأشنان.(501)

النّحّاس: يقال:حرض حرضا و حرض حروضا و حروضة،إذا بلي و سقم،و رجل حارض و حرض.إلاّ أنّ«حرضا»لا يثنّى و لا يجمع،و مثله قمن و حريّ لا يثنّيان و لا يجمعان.

و حكى أهل اللّغة:أحرضه الهمّ،إذا أسقمه.

رجل حارض،أي أحمق.(القرطبيّ 9:250)

ابن دريد :الحرض:الأشنان،و قالوا:أشنان، و الأشنان:فارسيّ معرّب.

ص: 438

و الحرّاض:الّذي يحرقه فيتّخذ منه القلي.

و المحرضة:الأشناندانة:ما جعل فيه الأشنان من إناء.

و الإحريض:العصفر،أو صبغ أحمر،لغة بني حنيفة.

و حرض الرّجل يحرض حرضا،إذا طال همّه و سقمه.

و يقال:رجل حرض و قوم حرض،كما قالوا:رجل دنف و قوم دنف،الواحد و الجمع فيه سواء.

و قد قرئ (حتّى تكون حرضا و حرضا) إن شاء اللّه.

و الحارضة:الّذي لا خير عنده.و ربّما سمّي الحرض أيضا؛و جمعه:أحراض.و الحرضة:الّذي يناول قداح الميسر،و هو لا يأكل اللّحم بثمن أبدا إنّما يأكل ما يعطى، فسمّي حرضة لأنّه لا خير عنده.

و الحراض:جمع حرض،كما قالوا:حرض و أحراض.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:135)

القاليّ: و الحرض:الأشنان.(1:81)

الحرض:السّاقط الّذي لا يقدر على النّهوض، يقال:أحرضه اللّه إحراضا.(1:140)

الإحريض:حجارة النّورة.(2:124)

الأزهريّ: قال اللّيث:التّحريض:التّحضيض.

قلت:و منه قول اللّه جلّ و عزّ: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ الأنفال:65.

[و قيل:]الحرّاضة:سوق الأشنان.و الحرّاض:الّذي يوقد على الجصّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و شجر الأشنان يقال له:الحرض و هو من الحمض، و منه يسوّى القلي الّذي يغسل به الثّياب،و يحرق الحمض رطبا،ثمّ يرشّ الماء على رماده،فينعقد و يصير قليا.

و حرض:ماء معروف في البادية.(4:203)

الصّاحب:التّحريض:التّحضيض.

و الحرض:الأشنان،و المحرضة:الوعاء للحرض، و الحرّاض:الّذي يحرقه؛و الموضع:الحرّاضة.

و الحرض في قول اللّه عزّ و جلّ: حَتّى تَكُونَ حَرَضاً أي محرضا يذيبك الهمّ،و هو الكالّ الضّعيف الّذي أشرف؛و رجال أحراض.

و جمل حرضان:لا خير فيه.

و الحارضة و الحرض:الّذي لا خير فيه،و لا يكاد يكبر.

و الإحريض:العصفر،و قيل:النّشاستق.

و أحرض:اسم لجبل هذيل.

و حارض على الأمر،أي داوم.

و المحارضة:المضاربة بالقداح،و الّذي يضرب بها:

الحرضة،و قيل:هو البرم.

و الأحرض من الرّجال:المتفتّت أشفار العينين؛ و امرأة حرضاء،و قوم حرض.

و قيل في قول عمرو بن معدي كرب:

*نحيط المحرضات من السّعالي*

أي المغضبات،أحرضني:أغضبني.(2:441)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«ما من مؤمن يمرض مرضا حتّى يحرضه إلاّ حطّ اللّه عنه خطاياه».قوله:«يحرضه»معناه يدنفه،و الحرض:الّذي أشرف على الهلاك.

ص: 439

و منه قيل للرّجل السّاقط:حارض.[إلى أن قال:]

و يقال:إنّ الحرض هو الّذي لا يتّخذ سلاحا و لا يقاتل.[ثمّ استشهد بشعر](1:138)

في حديث عوف:...قلت:و من الأحراض؟قال:

«الّذين يشار إليهم بالأصابع».

الأحراض:جمع الحرض،و هو الضّاويّ المهزول من المرض.يقال:رجل حرض،و قد أحرضه المرض، و يقال:رأيت فلانا حرضا من الأحراض،إذا أشرف على الهلاك،و الحارض:الرّجل السّاقط.[إلى أن قال:]

و الأحراض هم الّذين أسرفوا في الذّنوب،حتّى استوجبوا عقوبة اللّه فأشرفوا على الهلاك.

و معنى قوله:«يشار إليهم بالأصابع»أي اشتهروا بالشّرّ و عرفوا به.و قد يجوز أن يكون أراد بذلك:

أصحاب الرّياء و أهل النّفاق الّذي شهروا أنفسهم،حتّى أشير إليهم بالأصابع.(2:506)

الجوهريّ: رجل حرض،أي فاسد مريض يحدث في ثيابه:واحده و جمعه سواء.

و التّحريض على القتال:الحثّ و الإحماء عليه.

و الحرض و الحرض:الأشنان،و المحرضة بالكسر:إناؤه.

و الحرّاض:الّذي يوقد على الحرض ليتّخذ منه القلي،و كذلك الّذي يوقد على الصّخر ليتّخذ منه نورة أو جصّا.

و الحرضة:الّذي يضرب للأيسار بالقداح،لا يكون إلاّ ساقطا برما.

و أحرض الرّجل،إذا ولد ولد سوء.

و يقال:الأحراض و الحرضان:الضّعاف الّذين لا يقاتلون.

و الإحريض:العصفر.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(3:1070)

ابن فارس: الحاء و الرّاء و الضّاد أصلان:أحدهما:

نبت،و الآخر:دليل الذّهاب و التّلف و الهلاك و الضّعف، و شبه ذلك.

فأمّا الأوّل:فالحرض:الأشنان،و معالجه:

الحرّاض.و الإحريض:العصفر.

و الأصل الثّاني:الحرض،و هو المشرف على الهلاك، قال اللّه تعالى: حَتّى تَكُونَ حَرَضاً يوسف:85.

و يقال:حرّضت فلانا على كذا.زعم ناس أنّ هذا من الباب،قال أبو إسحاق البصريّ الزّجّاج:و ذلك أنّه إذا خالف فقد أفسد،و قوله تعالى: حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ الأنفال:65،لأنّهم إذا خالفوه فقد أهلكوا.

و سائر الباب مقارب هذا؛لأنّهم يقولون:هو حرضة،و هو الّذي يناول قداح الميسر ليضرب بها.

و يقال:إنّه لا يأكل اللّحم أبدا بثمن،إنّما يأكل ما يعطى،فيسمّى حرضة،لأنّه لا خير عنده.

و من الباب قولهم للّذي لا يقاتل و لا غناء عنده و لا سلاح معه:حرض.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:حرض الشّيء و أحرضه غيره،إذا فسد و أفسده غيره.و أحرض الرّجل،إذا ولد له ولد سوء.

و ربّما قالوا:حرض الحالبان النّاقة،إذا احتلبا لبنها كلّه.(2:41)

ص: 440

الهرويّ: يقال:حارض على الأمر،و أكبّ و واكب و واظب و واصب بمعنى.(السّمين 3:435)

الثّعالبيّ: فصل في ترتيب أحوال العليل.[إلى أن قال:]

ثمّ حرض.و محرض،و هو الّذي لا حيّ فيرجى، و لا ميّت فينسى.(143)

الثّعلبيّ: و أصل الحرض:الفساد في الجسم أو العقل،من الحزن أو العشق أو الهرم.

يقال منه:رجل حرض و امرأة حرض،و رجلان و امرأتان حرض،و رجال و نساء حرض،يستوي فيه الواحد،و الاثنان و الجمع،و المذكّر و المؤنّث،لأنّه مصدر وضع موضع الاسم.

و من العرب من يقول للذّكر:حارض،و للأنثى:

حارضة،فإذا وصف بهذا اللّفظ ثنّى و جمع و أنّث،و يقال:

حرض يحرض حرضا و حراضة فهو حرض.و يقال:

رجل محرض[و استشهد بالشّعر مرّتين](5:248)

ابن سيده: حرّضه:حضّه.

و رجل حرض و حرض،لا يرجى خيره و لا يخاف شرّه؛الواحد و الجميع و المؤنّث في«حرض»سواء.

و قد جمع على أحراض،و حرضان،و هو أعلى.

فأمّا حرض بالكسر،فجمعه:حرضون،لأنّ جمع السّلامة في«فعل»صفة،أكثر.و قد يجوز أن يكسّر على «أفعال»لأنّ هذا الضّرب من الصّفة ربّما كسّر عليه،نحو نكد و أنكاد.

و الحرضان كالحرض.

و الحرض:الفاسد في جسمه و أخلاقه،حرض الرّجل نفسه يحرضها حرضا:أفسدها.

و حرّضه المرض و أحرضه،إذا أشفى منه على شرف الموت.و أحرض هو نفسه،كذلك.

و حرض يحرض و يحرض حرضا و حروضا:هلك.

و جمل حرضان:هالك،و كذلك النّاقة،بغير هاء.

و الحرض و المحرّض و الحريض و الإحريض:

السّاقط الّذي لا يقدر على النّهوض.و قيل:هو السّاقط الّذي لا خير فيه.

و الحرض:الرّديء من النّاس و الكلام؛و الجمع:

أحراض.

و الحرض و الأحراض:السّفلة من النّاس.

و الحرضة:الّذي يضرب بالقداح،يدعونه بذلك لرذالته.

و رجل محروض:مرذول؛و الاسم من ذلك كلّه:

الحراضة و الحروضة و الحروض،و قد حرض و حرض حرضا فهو حرض.

و رجل حارض:أحمق؛و الأنثى بالهاء.

و قوم حرضان:لا يعرفون مكان سيّدهم.

و الحرض:الّذي لا يتّخذ سلاحا و لا يقاتل.

و الإحريض:العصفر عامّة،و قيل:الّذي يجعل في الطّبيخ،و قيل:حبّ العصفر.

و الحرض:من نجيل السّباخ،و قيل:هو من الحمض،و قيل:هو الأشنان.

و حكاه سيبويه:الحرض،بالإسكان.و في بعض النّسخ:الحرض:و هو حلقة القرط.و المحرضة:وعاء الحرض.

ص: 441

و الحرض:الجصّ،و الحرّاض:الّذي يحرق الجصّ، و الحرّاضة:الموضع الّذي يحرق فيه.

و قيل:الحرّاضة:مطبخ الجصّ.و قيل:الحرّاضة:

موضع إحراق الأشنان،يتّخذ منه القلي للصّبّاغين،كلّ ذلك اسم كالبقّالة و الزّرّاعة.و محرقه:الحرّاض.

و الحرّاض و الإحريض:الّذي يوقد على الأشنان و الجصّ.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:124)

الطّوسيّ: و التّحريض و الحثّ نظائر،و هو الدّعاء الوكيد بتحريك النّفس على أمر من الأمور،و ضدّه:

التّفتير.

و التّحريض:الحثّ على الشّيء الّذي يعلم معه أنّه حارض إن خالف و تأخّر.و الحارض هو الّذي قارب الهلاك.

و حارض فلان على أمره،إذا واظب عليه.

و التّحريض:ترغيب في الفعل بما يبعث على المبادرة إليه،مع الصّبر عليه.(5:179)

أصل الحرض:فساد الفعل و الجسم للحزن و الحبّ.

و رجل محرض إذا كان مريضا.

و لا يثنّى«حرض»و لا يجمع لأنّه مصدر.يقال:

حرضه على فلان،أي أفسده عليه بما يغريه.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](6:183)

الرّاغب: الحرض:ما لا يعتدّ به و لا خير فيه، و لذلك يقال لما أشرف على الهلاك:حرض.

و الحرضة:من لا يأكل إلاّ لحم الميسر لنذالته.

و التّحريض:الحثّ على الشّيء بكثرة التّزيين، و تسهيل الخطب فيه،كأنّه في الأصل:إزالة الحرض، نحو:مرّضته و قذّيته،أي أزلت عنه المرض و القذى.

و أحرضته:أفسدته،نحو:أقذيته،إذا جعلت فيه القذى.(114)

الزّمخشريّ: نهك فلان مرضا حتّى أصبح حرضا، و هو المشفي على الهلاك.

و أحرضه المرض.

و لا تأكل كذا فإنّه يمرضك و يحرضك.

و حرّضه على الأمر،و فيه تحريض على الخير و تحضيض.

و غسل يده بالحرض،و هو الأشنان.

و ناوله المحرضة،و هي الأشناندانة.

و أعدّوا الأباريق و المحارض.

و بالكوفة الحراضة،مضموم،و هي سوق الحرض.

و صبغ ثوبه بالإحريض،و هو العصفر.و منه الحرضة:الّذي يفيض القداح للأيسار،ليأكل من لحمهم،و هو مذموم كالبرم.و تقول:خبت يا باغي الكرم بين الحرضة و البرم.و أحرض الشّيء و حرضه:

أفسده.[و استشهد بالشّعر مرّتين](أساس البلاغة:80)

الطّبرسيّ: و التّحريض و الحضّ و الحثّ بمعنى، و هو التّرغيب في الفعل بما يبعث على المبادرة إليه، و ضدّه:التّفتير.(2:556)

و الحرض:المشرف على الهلاك.يقال:رجل حرض و حارض،أي فاسد في جسمه و عقله.و منه حرّضته على كذا:أمرته به،لأنّه إذا خالف الأمر فكأنّه هلك؛و أحرضه،أي أفسده.

و الحرض:لا يثنّى و لا يجمع،لأنّه مصدر.

ص: 442

(3:256)

المدينيّ: في الحديث:«ما من مؤمن يمرض مرضا حتّى يحرضه»،أي يدنفه.قاله صاحب«التّتمّة»،و قد استوعب الهرويّ هذا الباب.(1:431)

ابن الأثير: «ما من مؤمن...»أي يدنفه و يسقمه.

يقال:أحرضه المرض فهو حرض و حارض،إذا أفسد بدنه،و أشفى على الهلاك.

و في حديث عطاء في ذكر الصّدقة:«كذا و كذا و الإحريض»قيل:هو العصفر.

و فيه ذكر«الحرض»بضمّتين،و هو واد عند أحد.

و فيه ذكر«حرض»بضمّ الحاء و تخفيف الرّاء:

موضع قرب مكّة،قيل:كانت به العزّى.(1:369)

الصّغانيّ: [ذكر نحو السّابقين و أضاف:]

جمل حرضان،و ناقة حرضان،بالضّمّ:ساقط.

و حرض الثّوب،إذا بلي حرضه،أي حاشيته و طرّته و صنفته.

و حرّض،إذا صار ذا حرضة،و هو أمين المقامرين.

و حرض،إذا لقط العصفر.(4:65)

الرّازيّ: [نحو الجوهريّ إلاّ أنّه قال:]

رجل حرض بفتحتين،أي فاسد مريض،يحدث في ثيابه.

قلت:قوله:في ثيابه،قيد،انفرد بذكره،لا تظهر فيه فائدة زائدة؛و واحده و جمعه سواء.(147)

الفيّوميّ: حرض حرضا،من باب«تعب»:

أشرف على الهلاك،فهو حرض،تسمية بالمصدر مبالغة.

و حرّضته على الشّيء تحريضا.

و الحرض بضمّتين:الأشنان.(1:130)

الفيروزآباديّ: الحرض محرّكة:الفساد في البدن، و في المذهب،و في العقل.

و الرّجل الفاسد المريض كالحارضة و الحارض و الحرض ككتف.

و الكالّ المعيي،و المشرف على الهلاك كالحارض.

و من لا خير عنده،أو لا يرجى خيره و لا يخاف شرّه؛للواحد و الجمع و المؤنّث.و قد يجمع على:

أحراض و حرضان و حرضة.

و من أذابه العشق أو الحزن كالمحرّض كمعظّم.

و من لا يتّخذ سلاحا و لا يقاتل.

و السّاقط لا يقدر على النّهوض كالحريض و الحرض و المحرّض و الإحريض،و قد حرض كفرح.

و الرّديء من النّاس و من الكلام،و المضنى مرضا و سقما،و منه:حتّى تكون حرضا،و قد حرض يحرض و يحرض حروضا.

و حرض نفسه يحرضها:أفسدها.

و حرض ككرم و فرح:طال همّه و سقمه،و رذل و فسد،فهو حارض فاسد متروك،بيّن الحراضة و الحروضة و الحروض.و يقال:رجل حرضة بالكسر.

الجمع:حرض كعنب.

و ناقة حرض محرّكة:ضاويّة،و المحروض:

المرذول.

و حرض محرّكة:بلدة باليمن،و من الثّوب:حاشيته و طرّته و صنفته،و بضمّة و بضمّتين:الأشنان،و قرئ به، أي حتّى تكون كالأشنان نحولا و يبسا.

ص: 443

و المحرضة بالكسر:وعاؤه.

و الحرّاض ككتّان:من يحرقه للقلي،و الموقد على الصّخر لاتّخاذ النّورة أو الجصّ.و بهاء:سوق الأشنان.

و كغراب:موضع بين المشاس و الغمير فوق ذات عرق.

و ذو حرض كعنق:موضع أو واد عند النّقرة، و موضع عند أحد.

و حراضان كخراسان:واد بالقبليّة.

و كثمامة:ماءة قرب المدينة لبني جشم.

و الأحرض:المتفتّت أشفار العين،و بضمّ الرّاء:

جبل ببلاد هذيل،لأنّ من شرب من مائه فسدت معدته.

و الحرضة بالضّمّ:أمين المقامرين.

و الإحريض بالكسر:العصفر.

و حرض كفرح:لقطه،و فسدت معدته.

و أحرضه:أفسده،و فلان ولد ولد سوء.

و حرّضه تحريضا:حثّه،و زيد شغل بضاعته في الحرض،و ثوبه:صبغه بالإحريض،و الثّوب:بلي طرّته.

و المحارضة:المداومة على العمل،و المضاربة بالقداح.(2:339)

مجمع اللّغة :حرض يحرض و يحرض حروضا، و حرض يحرض حرضا،و حرض يحرض حراضة:

اعتلّ و هزل من همّ أو مرض،فهو حرض و حارض.

حرّضه على الأمر تحريضا:حثّه عليه.(1:247)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حرّضه على الأمر:

حثّه و حضّه عليه منعا للهلاك.و حرض:أذابه الهمّ، و حرض:أشرف على الهلاك،و يكون حرضا،أي قريبا من الموت و مشفيا على الهلاك،لطول مرضه.(1:129)

محمود شيت:[نحو السّابقين و أضاف:]

الحرض:الشّديد المرض.

حرّض على القتال:حثّ عليه.(1:179)

المصطفويّ: و التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الانقطاع عن أفكار مختلفة و علائق متشتّتة،و جعل الهمّ همّا واحدا و النّيّة نيّة خالصة،كما ترى هذه الحالة في المحبّ الصّادق و العاشق.

و التّحريض جعل الشّخص حرضا،أي ذا نيّة خالصة و همّ صادق مستقيم،و هو يعمل على الحبّ و العلاقة الصّميميّة و العشق.

و بمناسبة تخليص الأشنان و تطهيره الأوساخ و الأقذار يطلق عليه الحرض و الحرضة،أي ما يحرض به.

و أمّا مفهوم الضّعف و الهلاك و التّلف و الفساد و المرض و إذابة الحزن و شبهها:فباعتبار ما يتظاهر من الحرض،و يتراءى من تلك الحالة و يتوهّم منه أنّ صاحبه مبتلى بها.

و أمّا مفهوم الحضّ و الحثّ و التّرغيب و الإحماء:

فباعتبار ملازمتها بمعنى الرّحيض.فهذه كلّها معان مجازيّة،خارجة عن الحقيقة.(2:209)

النّصوص التّفسيريّة

حرضا

قالُوا تَاللّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ

ص: 444

تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ. يوسف:85

ابن عبّاس: حتّى تكون دنفا.(202)

نحوه مقاتل.(الثّعلبيّ 5:248)

الجهد في المرض البالي.(الطّبريّ 13:43)

مجاهد :دون الموت.(الطّبريّ 13:43)

الضّحّاك: الشّيء البالي الفاني.

نحوه السّدّيّ.(الطّبريّ 13:43)

الحسن :هرما.(الطّبريّ 13:43)

كالشّنّ المدقوق المكسور،علام تعبا مضنى.

(الثّعلبيّ 5:248)

العوفيّ: الهدّ في المرض.(الثّعلبيّ 5:248)

قتادة :حتّى تبلى أو تهرم.(الطّبريّ 13:43)

زيد بن عليّ: البالي الفاني،و يقال:الحرض:

الّذي أذابه الحزن و الشّوق.(225)

الرّبيع: يابس الجلد على العظم.(الثّعلبيّ 5:248)

ابن إسحاق :أي تكون فاسدا لا عقل لك.(الطّبريّ 13:44)

ابن زيد :الحرض:الّذي قد ردّ إلى أرذل العمر، حتّى لا يعقل.(الطّبريّ 13:44)

الكسائيّ: الحرض:الفاسد الّذي لا خير فيه.(الثّعلبيّ 5:248)

مؤرّج السّدوسيّ: ذائبا من الهمّ.

(القرطبيّ 9:250)

الأخفش: ذاهبا.(الثّعلبيّ 5:248)

ابن قتيبة :أي دنفا.يقال:أحرضه الحزن،أي أدنفه و لا أحسبه،قيل للرّجل السّاقط:حارض،إلاّ من هذا،كأنّه الذّاهب الهالك.(221)

الطّبريّ: يقول:حتّى تكون دنف الجسم،مخبول العقل.(13:42)

نحوه البغويّ.(2:509)

الزّجّاج: و الحرض:الفاسد في جسمه،أي حتّى تكون مدنفا مريضا.و الحرض:الفاسد في أخلاقه، و قولهم:حرّضت فلانا على فلان،تأويله:أفسدته عليه.(3:126)

القمّيّ: أي ميّتا.(1:350)

الماورديّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و أصل الحرض:فساد الجسم و العقل،من مرض أو عشق.(3:70)

ابن الأنباريّ: هالكا.(القرطبيّ 9:250)

الثّعلبيّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و كلّها متقاربة.و معنى الآية:حتّى يكون دنف الجسم مخبول العقل.و أصل الحرض:الفساد في الجسم أو العقل،من الحزن أو العشق أو الهرم.[ثمّ استشهد بشعر](5:248)

الطّوسيّ: و إنّما قالوا هذا القول إشفاقا عليه و كفّا له عن البكاء،أي لا تزال تذكر يوسف بالحزن و البكاء عليه حتّى تصير بذلك إلى مرض لا تنتفع بنفسك معه،-لأنّه كان قد أشفى على ذهاب بصره و فساد جسمه-أو تموت بالغمّ.(6:183)

نحوه الواحديّ(2:628)،و النّيسابوريّ(13:41)، و الخازن(3:252).

الميبديّ: أي دنفا مريضا قريبا من الموت.

(5:123)

ص: 445

الزّمخشريّ: مشفيا على الهلاك مرضا،و أحرضه المرض،و يستوي فيه الواحد و الجمع و المذكّر و المؤنّث، لأنّه مصدر،و الصّفة حرض بكسر الرّاء،و نحوهما دنف و دنف،و جاءت القراءة بهما جميعا.(2:339)

نحوه البيضاويّ(1:506)،و الشّربينيّ(2:131)، و أبو السّعود(3:424)،و حسنين مخلوف(393).

ابن عطيّة: و الحرض:الّذي قد نهكه الهرم أو الحبّ أو الحزن،إلى حال فساد الأعضاء و البدن و الحسّ،و على هذا المعنى قراءة الجمهور (حرضا) بفتح الرّاء و الحاء.و قرأ الحسن بن أبي الحسن بضمّهما، و قرأت فرقة (حرضا) بضمّ الحاء و سكون الرّاء.

و هذا كلّه المصدر يوصف به المذكّر و المؤنّث و المفرد و الجمع بلفظ واحد،كعدل و عدول.

و قيل:في قراءة الحسن إنّه يراد:فتات الأشنان،أي باليا متعتّتا،و يقال من هذا المعنى الّذي هو شنّ الهمّ و الهرم:رجل حارض،و يثنّى هذا البناء و يجمع و يؤنّث و يذكّر.

و قد سمع من العرب:رجل محرض.[و استشهد لهما بشعرين]

و الحرض بالجملة:الّذي فسد و دنا موته.فكأنّهم قالوا على جهة التّعنيف له:أنت لا تزال تذكر يوسف إلى حال القرب من الهلاك أو إلى الهلاك.(3:273)

الفخر الرّازيّ: حكى الواحديّ عن أهل المعاني أنّ أصل الحرض:فساد الجسم و العقل للحزن و الحبّ و قوله:حرّضت فلانا على فلان،تأويله:أفسدته و أحميته عليه،و قال تعالى: حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ.

إذا عرفت هذا فنقول:وصف الرّجل بأنّه حرض:

إمّا أن يكون لإرادة أنّه ذو حرض،فحذف المضاف.أو لإرادة أنّه لمّا تناهى في الفساد و الضّعف،فكأنّه صار عين الحرض و نفس الفساد.و أمّا«الحرض»بكسر الرّاء فهو الصّفة،و جاءت القراءة بهما معا.

إذا عرفت هذا فنقول:للمفسّرين فيه عبارات:

أحدها:الحرض و الحارض هو الفاسد في جسمه و عقله.

و ثانيهما:سأل نافع بن الأزرق ابن عبّاس عن «الحرض»فقال:الفاسد الدّنف.

و ثالثها:أنّه الّذي يكون لا كالأحياء و لا كالأموات.و ذكر أبو روق أنّ أنس بن مالك قرأ (حتّى تكون حرضا) بضمّ الحاء و تسكين الرّاء.قال:يعني مثل عود الأشنان،و قوله: أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ أي من الأموات.

و معنى الآية:أنّهم قالوا لأبيهم:إنّك لا تزال تذكر يوسف بالحزن و البكاء عليه،حتّى تصير بذلك إلى مرض لا تنتفع بنفسك معه،أو تموت من الغمّ،كأنّهم قالوا:أنت الآن في بلاء شديد و نخاف أن يحصل ما هو أزيد منه و أقوى،و أرادوا بهذا القول منعه عن كثرة البكاء و الأسف.(18:197)

النّسفيّ: مشفيا على الهلاك مرضا.(2:235)

نحوه الكاشانيّ(3:38)،و البروسويّ(4:307)، و القاسميّ(9:3584)،و المراغيّ(13:29)،و فضل اللّه

ص: 446

(12:256).

أبو حيّان :الحرض:الّذي قدّرنا موته...و كأنّهم قالوا له ذلك على جهة تفنيد الرّأي،أي لا تزال تذكر يوسف إلى حال القرب من الهلاك،أو إلى أن تهلك.

(5:339)

السّمين: الحرض:الإشفاء على الموت،يقال منه:

حرض الرّجل يحرض حرضا،بفتح الرّاء فهو حرض بكسرها،فالحرض:مصدر فيجيء في الآية الأوجه في «رجل عدل»...[ثمّ ذكر نحو اللّغويّين](4:209)

ابن كثير :أي ضعيف القوّة.(4:44)

شبّر:مشرفا على الموت،أو ذائبا من الغمّ،أو دنفا فاسد العقل،و هو مصدر يصلح للواحد و غيره.(3:302)

الآلوسيّ: مريضا مشفيا على الهلاك.و قيل:

الحرض:من أذابه همّ أو مرض و جعله مهزولا نحيفا، و هو في الأصل مصدر حرض فهو حرض بكسر الرّاء، و جاء أحرضني.[ثمّ استشهد بشعر]

و لكونه كذلك في الأصل لا يؤنّث و لا يثنّى و لا يجمع،لأنّ المصدر يطلق على القليل و الكثير.و قال ابن إسحاق:الحرض:الفاسد الّذي لا عقل له.

و قرئ (حرضا) بفتح الحاء و كسر الرّاء،و قرأ الحسن البصريّ (حرضا) بضمّتين،و نحوه من الصّفات:

رجل جنب و غرب.(13:43)

سيّد قطب :حتّى تذوب حزنا أو تهلك أسى بلا جدوى،فيوسف ميئوس منه،قد ذهب و لن يعود.

(4:2025)

نحوه مغنيّة.(4:349)

الطّباطبائيّ: الحرض و الحارض:المشرف على الهلاك.و قيل:هو الّذي لا ميّت فينسى و لا حيّ فيرجى،و المعنى الأوّل أنسب بالنّظر إلى مقابلته الهلاك، و الحرض لا يثنّى و لا يجمع،لأنّه مصدر.

و المعنى:نقسم باللّه لا تزال تذكر يوسف و تديم ذكره منذ سنين،لا تكفّ عنه حتّى تشرف على الهلاك أو تهلك.و ظاهر قولهم هذا،أنّهم إنّما قالوه،رقّة بحاله و رأفة به،و لعلّهم إنّما تفوّهوا به تبرّما ببكائه و سأمه،من طول نياحه ليوسف،و خاصّة من جهة أنّه كان يكذّبهم في ما كانوا يدّعونه من أمر يوسف.و كان ظاهر بكائه و تأسّفه أنّه يشكوهم،كما ربّما يؤيّده قوله: إِنَّما أَشْكُوا... يوسف:86.(11:233)

عبد الكريم الخطيب :الحرض:الشّيء الّذي استحالت طبيعته و تغيّرت معالمه.و المعنى:أنّك لا تزال هكذا في هذا الوسواس المزعج حتّى تفسد و تختلّ،أو تهلك و تموت.و هو خبر يراد به اللّوم و التّقريع.

(7:34)

المصطفويّ: الحرض:في مقابل الهالك،أي من يكون منقطعا عن أيّ شيء غير محبوبه كالعاشق.

(2:210)

حرّض

1- ...لا تُكَلَّفُ إِلاّ نَفْسَكَ وَ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ...

النّساء:84

ابن عبّاس: حضّض(76)

مثله أبو عبيدة(1:134)،و ابن الجوزيّ(2:

149).

ص: 447

الطّبريّ: و حضّهم على قتال من أمرتك بقتالهم معك.(5:185)

مثله الواحديّ(2:88)،و نحوه القرطبيّ(5:

293).

الثّعلبيّ: حثّهم على الجهاد و رغّبهم فيه.

(3:352)

نحوه الطّوسيّ(3:275)،و البغويّ(1:668)، و الطّبرسيّ(2:83)،و السّمين(2:404)،و مغنيّة(2:

392).

الزّمخشريّ: و ما عليك في شأنهم إلاّ التّحريض فحسب،لا التّعنيف بهم.(1:549)

نحوه البيضاويّ(1:233)،و النّسفيّ(1:240)، و الخازن(1:471)،و الشّربينيّ(1:319)،و الكاشانيّ (1:440)،و شبّر(2:75)،و المراغيّ(5:107).

ابن عطيّة: خصّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالأمر بالتّحريض، أي الحثّ على المؤمنين في القيام بالفرض الواجب عليهم.(2:86)

الفخر الرّازيّ: إنّ الواجب على الرّسول عليه الصّلاة و السّلام إنّما هو الجهاد و تحريض النّاس في الجهاد، فإن أتى بهذين الأمرين فقد خرج عن عهدة التّكليف، و ليس عليه من كون غيره تاركا للجهاد شيء.

(10:204)

مثله النّيسابوريّ.(5:98)

ابن كثير :أي على القتال و رغّبهم فيه و شجّعهم عليه،كما قال لهم صلّى اللّه عليه و سلّم يوم بدر و هو يسوّي الصّفوف:

«قوموا إلى جنّة عرضها السّماوات و الأرض»و قد وردت أحاديث كثيرة في التّرغيب في ذلك.[ثمّ ذكر الأحاديث](2:348)

مثله القاسميّ.(5:1416)

أبو السّعود :عطف على الأمر السّابق داخل في حكمه،فإنّ كون حال الطّائفتين-كما حكي-سبب للأمر بالقتال وحده و بتحريض خلّص المؤمنين.و التّحريض على الشّيء:الحثّ عليه و التّرغيب فيه.(2:172)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ إلى أن قال:]

(على القتال)يعني في الجهاد الأصغر و الجهاد الأكبر.

(2:249)

الآلوسيّ: أي حثّهم على القتال و رغّبهم فيه، و عظهم لما أنّهم آثمون بالتّخلّف،لفرضه عليهم قبل هذا بسنين.و أصل التّحريض:إزالة الحرض،و هو ما لا خير فيه و لا يعتدّ به،فالتّفعيل للسّلب و الإزالة،كقذّيته، و جلّدته.و لم يذكر المحرّض عليه لغاية ظهوره.(5:96)

رشيد رضا :حرّض المؤمنين على القتال معك، لأنّ التّحريض من التّبليغ الّذي منه الأمر و النّهي.

(5:304)

عبد الكريم الخطيب :هو استدعاء سماويّ للمؤمنين الّذين صدقوا إيمانهم أن يكونوا مع النّبيّ،و أن يأخذوا طريقه الّذي أخذه.و في هذا ما فيه من تكريم لهم،و رفع لقدرهم.(3:848)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ منشأ تفسير الكلمة بالحثّ و الحضّ:استعمالها في القرآن في موردين يناسبان مفهوم الحضّ؛و على هذا ترى المفسّرين يفسّرونها في

ص: 448

الموردين به[و ذكر الآيتين:النّساء:84،و الأنفال:65]

مع أنّ الحرض مجرّدا لم يستعمل بمفهوم الرّغبة و الميل،و ما يقاربها.

و يدلّ على ما أصّلناه ما قبل الآيتين.[ثمّ استشهد بالآيات]

الحرض في مقابل الهالك،أي من يكون منقطعا عن أيّ شيء غير محبوبه كالعاشق.

راجع«حثث»في تفسير مفهوم الحثّ و الحضّ.

فظهر أنّ المنظور في الآيتين:تخليص نيّة المؤمنين و إيجاد حالة الخلوص و الانقطاع و الصّدق لهم في مقام القتال،و تزكية قلوبهم عن الرّياء و النّفاق و الخوف و التّزلزل و الاضطراب.

فغلبة عشرين مجاهدا صابرين على مائة من الكفّار نتيجة كون المؤمنين حرضين.

فظهر أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يكلّف بتحريض المؤمنين،و لا يكلّف في القتال إلاّ نفسه،و ليست الدّعوة المطلقة مطلوبة.(2:209)

فضل اللّه :حثّ و استنهض،و يتمّ ذلك من خلال الحديث عن قيمة القتال و أهدافه و عواقبه و فلسفته.

و التّحريض:الحثّ على الشّيء بكثرة التّزيين و تسهيل الخطب فيه،كأنّه بالأصل:إزالة الحرض،و الحرض:ما لا يعتدّ به.(7:377)

2- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ...

الأنفال:65

ابن عبّاس: حضّ و حثّ المؤمنين.(151)

نحوه الطّبريّ(10:38)،و البغويّ(2:308).

الزّجّاج: تأويله حثّهم على القتال.

و تأويل التّحريض في اللّغة:أن يحثّ الإنسان على الشّيء حثّا يعلم معه أنّه حارض إن تخلّف عنه.

و الحارض:الّذي قد قارب الهلاك،و قوله تعالى: حَتّى تَكُونَ حَرَضاً أي حتّى تذوب غمّا فتقارب الهلاك، فتكون من الهالكين.(2:423)

نحوه القرطبيّ(8:44)،و الشّربينيّ(1:581).

الزّمخشريّ: التّحريض:المبالغة في الحثّ على الأمر،من«الحرض»و هو أن ينهكه المرض و يتبالغ فيه حتّى يشفي على الموت،أو أن تسمّيه حرضا،و تقول له:

ما أراك إلاّ حرضا في هذا الأمر و محرضا فيه ليهيّجه و يحرّك منه.و يقال:حرّكه و حرّضه و حرّشه و حرّبه بمعنى.

و قرئ (حرّص) بالصّاد غير المعجمة،حكاها الأخفش من«الحرص».(2:167)

ابن عطيّة: معناه حثّهم و حضّهم.قال النّقّاش:

و قرئت(حرّص)بالصّاد غير منقوطة،و المعنى متقارب.

و الحارض:الّذي هو القريب من الهلاك،لفظة مباينة لهذه ليست منها في شيء.

و قالت فرقة من المفسّرين:المعنى حرّض على القتال حتّى يبين لك فيمن تركه أنّه حرض.و هذا قول غير ملتئم و لا لازم من اللّفظ،و نحا إليه الزّجّاج.

(2:549)

الفخر الرّازيّ: التّحريض في اللّغة كالتّحضيض، و هو الحثّ على الشّيء.و ذكر الزّجّاج في اشتقاقه وجها

ص: 449

آخر بعيدا.[ثمّ ذكر كلام الزّجّاج المتقدّم في النّصوص اللّغويّة و أضاف:]

أشار بهذا إلى أنّ المؤمنين لو تخلّفوا عن القتال بعد حثّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،كانوا حارضين،أي هالكين.فعنده «التّحريض»مشتقّ من لفظ الحارض و الحرض.

(15:192)

البيضاويّ: بالغ في حثّهم عليه،و أصله:الحرض، و هو أن ينهكه المرض حتّى يشفي على الموت.و قرئ (حرّص) من الحرص.(1:401)

نحوه النّسفيّ.(2:110)

السّمين: [ذكر كلام الزّجّاج في تأويل التّحريض في اللّغة ثمّ قال:]

و استبعد النّاس هذا منه،و قد نحا الزّمخشريّ نحوه.

[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ](3:435)

أبو السّعود :أي بالغ في حثّهم عليه و ترغيبهم فيه، بكلّ ما أمكن من الأمور المرغّبة،الّتي أعظمها تذكير وعده تعالى بالنّصر،و حكمه بكفايته تعالى أو بكفايتهم.

و أصل التّحريض:الحرض،و هو أن ينهكه المرض حتّى يشفي على الموت.و قال الرّاغب:كأنّه في الأصل إزالة«الحرض»و هو ما لا خير فيه و لا يعتدّ به.

قلت:فالأوجه حينئذ أن يجعل الحرض عبارة عن ضعف القلب الّذي هو من باب نهك المرض.

و قيل:معنى تحريضهم تسميتهم حرضا بأن يقال:

إنّي أراك في هذا الأمر حرضا،أي محرضا فيه،لتهييجه إلى الإقدام.

و قرئ (حرّص) بالصّاد المهملة،و هو واضح.

(3:111)

البروسويّ: أي بالغ في حثّهم على قتال الكفّار، و رغّبهم فيه بوعد الثّواب،أو التّنفيل عليه.

و التّحريض على الشّيء:أن يحثّ الإنسان غيره و يحمله على شيء،حتّى يعلم منه أنّه إن تخلّف عنه كان حارضا،أي قريبا من الهلاك،فتكون الآية إشارة إلى أنّ المؤمنين لو تخلّفوا عن القتال بعد حثّ النّبيّ عليه السّلام إيّاهم على القتال،لكانوا حارضين مشرفين على الهلاك.

و الحثّ إنّما يكون بعد الإقدام بنفسه ليقتدي القوم به،و لهذا كان النّبيّ عليه السّلام إذا اشتدّت الحرب أقرب إلى العدوّ منهم،كما قال عليّ رضي اللّه عنه:«كنّا إذا أحرّ البأس و لقى القوم القوم اتّقينا برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فما يكون أحد أقرب إلى العدوّ منه».[ثمّ استشهد بشعر]

و في الآية بيان فضيلة الجهاد و إلاّ لما وقع التّرغيب عليه.و في الحديث:«ما جميع أعمال العباد عند المجاهدين في سبيل اللّه إلاّ كمثل خطّاف أخذ بمنقاره من ماء البحر».

(3:371)

الآلوسيّ: التّحريض:الحثّ على الشّيء.و قال الزّجّاج:هو في اللّغة:أن يحثّ الإنسان على شيء حتّى يعلم منه أنّه حارض،أي مقارب للهلاك،و على هذا فهو للمبالغة في الحثّ.

و زعم في«الدّرّ المصون»أنّ ذلك مستبعد من الزّجّاج.و الحقّ معه،و يؤيّده ما قاله الرّاغب:«من أنّ الحرض يقال لما أشرف على الهلاك،و التّحريض:الحثّ على الشّيء بكثرة التّزيين و تسهيل الخطب فيه،كأنّه في الأصل إزالة الحرض،نحو قذيته:أزلت عنه القذى،

ص: 450

و يقال:أحرضته إذا أفسدته،نحو أقذيته إذا جعلت فيه القذى».

فالمعنى هنا يا أيّها النّبيّ بالغ في حثّ المؤمنين على قتال الكفّار.

و جوّز أن يكون من تحريض الشّخص،و هو أن يسمّيه حرضا.و يقال له:ما أراك إلاّ حرضا في هذا الأمر و محرضا فيه،و نحوه فسقته،أي سمّيته فاسقا،فالمعنى سمّهم حرضا،و هو من باب التّهييج و الإلهاب.و المعنى الأوّل هو الظّاهر.

و قرئ (حرّص) بالصّاد المهملة من«الحرص»و هو واضح.(10:31)

رشيد رضا :[نقل كلام الرّاغب و غيره و أضاف:]

و المعنى:يا أيّها النّبيّ حرّض المؤمنين على القتال و رغّبهم فيه،لدفع عدوان الكفّار،و إعلاء كلمة الحقّ و العدل و أهلهما،على كلمة الباطل و الظّلم و أنصارهما، لأنّه من ضرورات الاجتماع البشريّ و سنّة التّنازع في الحياة و السّيادة،كما تقدّم بيانه في تفسير هذا السّياق.

و يشير إليه هنا اختيار التّحريض على ما هو في معناه العامّ كالتّحضيض و الحثّ،كأنّه يقول:حثّهم على ما يقيهم أن يكونوا حرضا أو يكونوا من الهالكين، بعدوان الكافرين عليهم،و ظلمهم لهم إذا رأوهم ضعفاء مستسلمين.(10:76)

نحوه المراغيّ.(10:30)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ الجنود و المقاتلين مهما كانوا عليه من استعداد،ينبغي قبل بدء الحرب أن ترفع معنويّاتهم و تشحذ هممهم،و هذا الأمر معروف في جميع النّظم العسكريّة في العالم؛إذ يقوم قادة الجيوش و أمراؤهم قبل التّحرّك نحو سوح القتال أو عند ساحة القتال،فيلقون خطبا تثيرهم و تقوّي معنويّاتهم، و تحذّرهم من الهزيمة و الجبن.

غاية ما في الأمر أنّ مثل هذه التّرغيبات و التّشويق إلى القتال ضعيفة في المدارس المادّيّة و محدودة،و لكنّها واسعة في الأديان السّماويّة،نظرا للتّعاليم الرّبّانيّة، و تأثير الإيمان باللّه،و التّذكير بمنزلة الشّهداء عند ربّهم و مقامهم عنده،و ما ينتظرهم من الثّواب الجزيل البعيد المدى،و ما سينالونه من العزّة و الفخر عند انتصارهم، فكلّ ذلك يحرّك روح البطولة و الثّبات في نفوس الجنود، فتلاوة بعض آيات القرآن في الحروب الإسلاميّة تشحذ الجنديّ عزما و قوّة و إقداما لا حدود له،و يتّقد فيه الشّوق و العشق للتّضحية و الفداء.

و على كلّ حال فإنّ الآية توضّح أهمّيّة الإعلام و التّبليغ،و شحذ همم المقاتلين و الجنود و معنويّاتهم، باعتبار ذلك تعليما إسلاميّا مهمّا.(5:441)

فضل اللّه :إنّ المعركة الفاصلة بين الإيمان و الشّرك تفرض تقوية الموقف،و شدّ العزيمة،و شحذ الهمم.

و لا بدّ للنّبيّ من أن يقوم بدور فاعل في حثّ المؤمنين على القتال،لا سيّما مع القوّة القليلة عددا و عدّة الّتي يملكها المسلمون في مقابل كثرة العدد و العدّة لدى المشركين.

و قد أراد اللّه لنبيّه أن يدعوهم للصّبر الّذي يدفعهم إلى مواجهة الآلام و المشاكل،و التّحدّيات الّتي تفرضها المعركة،بروح قويّة راضية مطمئنّة،فرحة بالجهد الّذي

ص: 451

تقدّمه أمام اللّه،ليستنفروا كلّ طاقاتهم،و يحوّلوها إلى طاقة واحدة،مضاعفة؛بحيث يتحرّك الواحد منهم في مقابل عشرة رجال.(10:417)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحرض،أي الفساد و الهلاك.يقال:حرض الرّجل نفسه يحرضها حرضا، أي أفسدها،فهو حرض و حرض،و قوم حرض، و امرأة حرض.

و حرض يحرض و يحرض حرضا و حروضا:هلك.

يقال:جاء بقول حرض،أي هالك،و كذب كذبة فأحرض نفسه:أهلكها،و جمل حرضان:هالك،و ناقة حرضان:هالكة أيضا.

و أحرضه المرض:أفسد بدنه و أشفى على الهلاك، و المحرض:الهالك مرضا،الّذي لا حيّ فيرجى و لا ميّت فيوأس منه.

و الحرض:الّذي أذابه الحزن أو العشق،و قد حرض،و أحرضه الحبّ:أفسده.

و الحرض و المحرض و الإحريض:السّاقط الّذي لا يقدر على النّهوض.يقال:أحرضه اللّه إحراضا.

و الحرض:الفاسد المريض،يحدث في ثيابه.

و الحارض:الفاسد في جسمه و عقله،و رجل حارض:أحمق،و امرأة حارضة:حمقاء.

و المحروض:المرذول،و قد حرض و حرض حرضا،فهو حرض.

و الحرضة:الّذي يضرب للأيسار بالقداح،لا يكون إلاّ ساقطا،يدعونه بذلك لرذالته،و هو أيضا الّذي لا يشتري اللّحم و لا يأكله بثمن إلاّ أن يجده عند غيره.

و الحرض و الحرض:الّذي لا يرجى خيره و لا يخاف شرّه،و هو الحارضة و الحرضان أيضا.و جمع الحرض:

أحراض،و جمع حرض:حرضون،و قد حرض يحرض حروضا.

و الحرض:الّذي لا يتّخذ سلاحا و لا يقاتل،فلا غناء عنده،و هم الأحراض و الحرضان.

و جاءت بعض مشتقّات هذه المادّة ضدّ الفساد و الهلاك،و منه:التّحريض:التّحضيض و الحثّ و الإحماء على القتال،لأنّه يزيل الحرض،نحو مرّضته و قذّيته، أي أزلت عنه المرض و القذى،كما قال الرّاغب.

و الإحريض:العصفر عامّة،كأنّه يزيل فساد الثّوب.

يقال:ثوب محرّض،أي مصبوغ بالعصفر.

و الحرض:الأشنان تغسل به الأيدي على أثر الطّعام،فيزيل الوسخ منهما،و المحرضة:وعاء الحرض،و الحرّاض:الّذي يحرق الأشنان،و الحرّاضة:

موضع إحراق الأشنان.

و الحرض:الجصّ،لأنّه يزيل الخراب و فساد البناء،و الحرّاضة:مطبخ الجصّ،و الحرّاض:الّذي يوقد على الجصّ.

2-و التّحريض و التّحضيض واحد.يقال:حضّضه، أي حثّه،و حضّضت أيضا القوم على القتال تحضيضا، أي حرّضتهم.إلاّ أنّ التّحضيض يكون في السّير و السّوق و غيرهما،و التّحريض يكون في المرض و الفساد و القتال كما رأيت؛فالتّحضيض أعمّ من

ص: 452

التّحريض و الحثّ أيضا.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها فعل الأمر من«التّفعيل»مرّتين،و الوصف من المجرّد مرّة،في 3 آيات:

1- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ... الأنفال:65

2- فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاّ نَفْسَكَ وَ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا...

النّساء:84

3- قالُوا تَاللّهِ تَفْتَؤُا تَذْكُرُ يُوسُفَ حَتّى تَكُونَ حَرَضاً... يوسف:85

يلاحظ أوّلا أنّ فيها محورين:التّحريك إلى القتال، و الهلاك.

فالأوّل آيتان:(1 و 2)كلاهما أمر من اللّه للنّبيّ عليه السّلام بأن يحرّض المؤمنين على القتال،و فيهما بحوث:

1-الآية الأولى جاءت في سورة«الأنفال»النّازلة بعد«البقرة»بشأن غزوة بدر الكبرى،أوّل معركة بين المشركين و المؤمنين على كراهتهم و قلّتهم،و عدم استعدادهم للقتال،كما تشهد آيات،منها مثل:

يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ الأنفال:6،و آيات بعدها.

و فيها أحكام للقتال و لقسمة الغنائم و غيرهما، و منها إعداد السّلاح و القوّة حسب الاستطاعة في:60 وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَ مِنْ رِباطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللّهِ وَ عَدُوَّكُمْ....

كما أنّ فيها بشائر بالنّصر و التّثبيت،و مدحا للمهاجرين و الأنصار المجاهدين.

و الآية الثّانية جاءت في سورة«النّساء»-بعد شطر من الآيات في أوّلها بشأن النّساء-ثمّ انصرفت إلى أحكام القتال بدء ب:74 فَلْيُقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يَشْرُونَ الْحَياةَ الدُّنْيا بِالْآخِرَةِ...، و استمرّت إلى:

104 وَ لا تَهِنُوا فِي ابْتِغاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَما تَأْلَمُونَ وَ تَرْجُونَ مِنَ اللّهِ ما لا يَرْجُونَ....

و في خلالها آيات تحاكي كراهة المؤمنين للقتال أيضا،مثل:75 وَ ما لَكُمْ لا تُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ الْمُسْتَضْعَفِينَ مِنَ الرِّجالِ وَ النِّساءِ وَ الْوِلْدانِ...، و:

77 فَلَمّا كُتِبَ عَلَيْهِمُ الْقِتالُ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَخْشَوْنَ النّاسَ كَخَشْيَةِ اللّهِ أَوْ أَشَدَّ خَشْيَةً وَ قالُوا رَبَّنا لِمَ كَتَبْتَ عَلَيْنَا الْقِتالَ لَوْ لا أَخَّرْتَنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ....

كما أنّ فيها ما يفضّل المجاهدين على القاعدين مرّات إدانة للقاعدين،مثل:95 لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً.

2-فقد تبيّن ممّا ذكر أنّ الآيتين(1 و 2)إنّما عبّر عن أمر النّاس بالقتال ب حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ في حال كراهتهم للقتال،و في جوّ استنكافهم عنه،فلنكشف من هذا أنّ بين الأمرين:كراهة القتال و تحريضهم إليه

ص: 453

علاقة،و هذا ما نريد أن نسجّله هنا.

3-قال بعضهم: حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ أي حضّهم،أو حثّهم،أو رغّبهم،أو شجّعهم،أو استنهضهم،و نحوها،و نرى أنّ هذه لا تبلّغ سويداء معناها،و لا تحاكي رمزها و سرّها.

و قال الزّجّاج:التّحريض في اللّغة:أن يحثّ الإنسان غيره على شيء حثّا يعلم منه أنّه إن تخلّف عنه كان حارضا أي قارب الهلاك،فأشار بهذا إلى أنّ المؤمنين لو تخلّفوا عن القتال بعد حثّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كانوا حارضين أي هالكين.

و هذا ما يساوق جوّ الآيتين من كراهتهم للقتال.

و حكى ابن عطيّة عن فرقة من المفسّرين:المعنى حرّض على القتال حتّى يبين لك فيمن تركه أنّه حرض.

و من هنا تبيّن أنّ ما احتمله الرّاغب حيث قال:

«كأنّه في الأصل إزالة الحرض نحو قذيته:أزلت عنه القذى»جاء هنا،أي أزل حرض المؤمنين أي كراهتهم و قذارتهم للحرب من قلوبهم،و بهذا يرجع المحور الأوّل إلى المحور الثّاني كما يأتي.

4-و يبدو من سياق آيات الأنفال هذه: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتالِ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ عِشْرُونَ صابِرُونَ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ يَغْلِبُوا أَلْفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَفْقَهُونَ* اَلْآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنْكُمْ وَ عَلِمَ أَنَّ فِيكُمْ ضَعْفاً فَإِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ مِائَةٌ صابِرَةٌ يَغْلِبُوا مِائَتَيْنِ وَ إِنْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَلْفٌ يَغْلِبُوا أَلْفَيْنِ بِإِذْنِ اللّهِ وَ اللّهُ مَعَ الصّابِرِينَ، أنّ المؤمنين حين ذاك كانوا في حالة يشكّ في كفايتهم و قيامهم لقتال العدوّ،فخاطب اللّه النّبيّ عليه السّلام مرّتين ب يا أَيُّهَا النَّبِيُّ اهتماما بالأمر و توثيقا بالنّصر،و لو كان عددهم عشر عدوّهم.ثمّ نبّه على أنّهم ضعفوا بعد ذلك إلى أن نزلت مقاومتهم إلى لزوم كونهم نصف العدوّ.

و كذلك جاء في آية النّساء: فَقاتِلْ فِي سَبِيلِ اللّهِ لا تُكَلَّفُ إِلاّ نَفْسَكَ وَ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَسَى اللّهُ أَنْ يَكُفَّ بَأْسَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ اللّهُ أَشَدُّ بَأْساً وَ أَشَدُّ تَنْكِيلاً ما يشعر بقعود المؤمنين عن القتال،فلا يكلّف به إلاّ نفس النّبيّ،عسى اللّه أن يكفّ به بأس العدوّ،و مع ذلك أمر بتحريض المؤمنين إتماما للحجّة و رحمة عليهم.

و أمّا المحور الثّاني و هو الهلاك،فجاء في(3) حَتّى تَكُونَ حَرَضاً أَوْ تَكُونَ مِنَ الْهالِكِينَ نقلا عن إخوة يوسف لأبيهم يعقوب الآسف الحزين على فراق ابنه يوسف في آية قبلها: يا أَسَفى عَلى يُوسُفَ وَ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ، و فيها بحوث أيضا:

1-قالوه-كما أشار إليه الطّوسيّ-إشفاقا عليه و كفّا له عن البكاء-و كما قال الطّباطبائيّ-رقّة بحاله و رأفة به، لا تعييرا و ملاومة و توهينا إيّاه و تعنيفا به،كما قال ابن عطيّة.أو لوما و تقريعا،كما قال الخطيب.

2-قد سبق أنّ الحرض:الهلاك،لكنّهم تفنّنوا في بيانه بقولهم:حتّى تكون مدنفا مريضا،ميّتا،مريض الجسم،مجنون العقل،فاسدا لا عقل لك،ذائبا من الهمّ، فانيا،هرما،يابس الجلد على العظم،مهزولا سخيفا ضعيف القوّة،ذاهبا،هالكا،مشرفا أو مشفيا على

ص: 454

الموت،أو دانيا من الموت،لا كالأحياء و لا كالأموات، حتّى تفسد و تختلّ،أو تهلك و تموت،و نحوها.و جاء في كلام بعضهم كالماورديّ و الثّعلبيّ و غيرهما من جملة الحرض:الفساد أو الهلاك من عشق أو حزن،و كلاهما يناسبان حال يعقوب بفرط حبّه،بابنه يوسف حتّى بلغ العشق،و فراقه أوجب الحزن المشرف على الهلاك.

3-قال ابن عطيّة،ذاكرا فيه القراءات الثّلاث:بفتح الرّاء و الحاء،و ضمّهما،و ضمّ الحاء و سكون الرّاء:

«و هذا كلّه المصدر يوصف به المذكّر و المؤنّث و المفرد و الجمع بلفظ واحد ك(عدل و عدول)،و قيل في قراءة الحسن-بضمّهما-:إنّه يراد:فتات الأشنان(عود الأشنان)أي باليا متعتّتا،و منه شنّ الهمّ و الهرم...» و على هذا فهو اسم.

و احتمل الفخر الرّازيّ أنّه بمعنى ذو حرض حذف المضاف،تنبيها على أنّه تناهى في الفساد و الضّعف حتّى كأنّه صار عين المرض و نفس الفساد.و قال:«و أمّا «الحرض»بكسر الرّاء فهو الصّفة،و جاءت القراءة بهما جميعا-فهذه قراءة رابعة،إلى أن قال-كأنّهم قالوا:أنت الآن في بلاء شديد و نخاف أن يحصل ما هو أزيد منه و أقوى،و أرادوا بهذا القول منعه عن كثرة البكاء و الأسف».

4-و هذه قصّة مكّيّة و الأوليان تشريع مدنيّ.

ص: 455

ص: 456

ح ر ف

اشارة

4 ألفاظ،6 مرّات مدنيّة

في 5 سور مدنيّة

يحرّفون 3:-3 متحرّفا 1:-1

يحرّفونه 1:-1 حرف 1:-1

النّصوص اللّغويّة

النّصوص اللّغويّة (1)

الخليل :الحرف:من حروف الهجاء،و كلّ كلمة بنيت أداة عارية في الكلام لتفرقة المعاني تسمّى حرفا، و إن كان بناؤها بحرفين أو أكثر،مثل:حتّى،و هل،و بل، و لعلّ.

و كلّ كلمة تقرأ على وجوه من القرآن تسمّى حرفا، يقال:يقرأ هذا الحرف في حرف ابن مسعود،أي في قراءته.

و التّحريف في القرآن:تغيير الكلمة عن معناها، و هي قريبة الشّبه،كما كانت اليهود تغيّر معاني التّوراة بالأشباه،فوصفهم اللّه بفعلهم،فقال: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ المائدة:13.

و تحرّف فلان عن فلان و انحرف،و احرورف:

واحد،أي مال.

و الإنسان يكون على حرف من أمره،كأنّه ينتظر و يتوقّع،فإن رأى من ناحية ما يحبّ،[فهو]و إلاّ مال إلى غيرها.

و حرف السّفينة:جانب شقّها.

و الحرف:النّاقة الصّلبة تشبّه بحرف الجبل.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحرف:حبّ كالخردل،و الحبّة منه:حرفة.

و المحارفة:المقايسة بالمحراف،و هو الميل تسبر به الجراحات.

و المحارف:المحروم المدبر.(3:210)

سيبويه :و أمّا ما جاء لمعنى،و ليس باسم و لا فعل، فنحو«ثمّ و سوف و واو القسم و لام الإضافة».

(الصّاحبيّ: 86)

الكسائيّ: يقال:رجل محارف و مجارف...في معنى

ص: 457


1- قد ألّف هذه المادّة الأخ محمّد جواد الحويزيّ.

واحد.(الكنز اللّغويّ:30)

الشّافعيّ: إذا كان لا يبلغ كسبه ما يقيمه و عياله، فهو الّذي ذكر المفسّرون أنّه المحروم المحارف.

و المحارف:الّذي يحترف بيديه قد حرم سهمه من الغنيمة،لا يغزو مع المسلمين،فبقي محروما يعطى من الصّدقة ما يسدّ حرمانه.(الأزهريّ 5:15)

أبو عمرو الشّيبانيّ: المحراف:الميل الّذي تقاس به الشّجّة.

يقال:ما أظرف حرفته و تصرّفه في معيشته.

(1:151)

الحرف:من الإبل المسنّة:البازل،و هي الحرجوج.

(1:161)

المحراف:سكّين يكون للطّبيب.(1:176)

و المحارف:الأميال؛الواحد:محرف.[ثمّ استشهد بشعر](1:204)

الحرف:النّاقة الضّامر.(الأزهريّ 5:14)

الفرّاء: حرف المعجم:يجمع على حروف،و جميعها مؤنّثة،و لم يسمع التّذكير فيها في شيء،و يجوز تذكيرها في الشّعر.

مثله ابن السّكّيت.(الفيّوميّ:130)

و حرف الجبل:يجمع حرفا،مثال عنب،و مثله طلّ و طلل،و لم يسمع غيرهما.(الصّغانيّ 4:451)

أبو عبيدة :المحارفة:المقايسة،و لهذا قيل للميل الّذي تسبر به الجراحات و الشّجاج:المحراف.[ثمّ استشهد بشعر](2:221)

الحرف من الرّجال:القصير،و الحرف من الإبل:

الضّخمة.(ثلاثة كتب في الأضداد:96)

حرفت الشّيء عن وجهه حرفا.

(الجوهريّ 4:1343)

أبو زيد :يقال:أحرف الرّجل إحرافا فهو محرف؛ و الاسم:الحرفة،إذا نما ماله و صلح.(90)

الأخفش: ما لم يحسن له الفعل و لا الصّفة و لا التّثنية و لا الجمع،و لم يجز أن يتصرّف،فهو حرف.(الصّاحبيّ:86)

الأصمعيّ: الحرف:النّاقة المهزولة.

(الأزهريّ 5:14)

يقال:هو يحرف لعياله،أي يكسب من هاهنا و هاهنا،مثل يقرف.(الجوهريّ 4:1343)

اللّحيانيّ: الحرف:الحرمان،و حرف في ماله حرفة،إذا ذهب منه شيء.(ابن سيده 3:307)

أبو عبيد: في حديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«نزل القرآن على سبعة أحرف كلّها كاف شاف».و بعضهم يرويه:

«فاقرءوا كما علّمتم».

قوله:«سبعة أحرف»يعني سبع لغات من لغات العرب،و ليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه،هذا لم يسمع به قطّ.

و لكن يقول:هذه اللّغات السّبع متفرّقة في القرآن، فبعضه بلغة قريش،و بعضه بلغة هذيل،و بعضه بلغة هوازن،و بعضه بلغة أهل اليمن،و كذلك سائر اللّغات، و معانيها مع هذا كلّه واحد.

و ممّا يبيّن ذلك قول ابن مسعود:إنّي قد سمعت القراءة فوجدتهم متقاربين،فاقرءوا كما علّمتم،إنّما هو

ص: 458

كقول أحدكم:هلمّ و تعال.و كذلك قال ابن سيرين:إنّما هو كقولك:هلمّ و تعال و أقبل.(1:450)

في حديث عبد اللّه:«موت المؤمن عرق الجبين تبقى عليه البقيّة من الذّنوب،فيكافأ بها عند الموت».

و يروى:«فيحارف بها عند الموت».

فكأنّ معنى الحديث:أنّ المؤمن يقايس بذنوبه عند الموت،فيشتدّ عليه،ليكون ذلك كفّارة له.(2:221)

باب الحروف:و قد انفردت العرب بالألف و اللاّم اللّتين للتّعريف،كقولنا:الرّجل و الفرس،فليسا في شيء من لغات الأمم غير العرب.(الصّاحبيّ:100)

ابن السّكّيت: يقال:أنضيت ناقتي إنضاء، و أحرفتها إحرافا،و أحرثتها إحراثا،إذا هزلتها فأذهبت لحمها.(148)

في باب الاكتساب:هو يقرش لعياله،و يقرف و يقترف،أي يكسب من هاهنا و هاهنا.و يخرش...

و يحرف و يحترف.(687)

لا يقال:جمل حرف،إنّما تخصّ به النّاقة.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 3:306)

أحرف الرّجل،إذا جازى على خير أو شرّ،و منه الخبر:«أنّ العبد ليحارف على عمله الخير و الشّرّ».

و أحرف،إذا استغنى بعد فقر.

و أحرف الرّجل،إذا كدّ على عياله.

(الأزهريّ 5:16)

شمر: الحرف من الجبل:ما نتأ في جنبه منه،كهيئة الدّكّان الصّغير أو نحوه.و الحرف أيضا في أعلاه ترى له حرفا دقيقا مشرفا على سواء ظهره.(الأزهريّ 5:14)

أبو الهيثم:أمّا تسميتهم الحرف حرفا،فحرف كلّ شيء:ناحيته،كحرف الجبل و النّهر و السّيف و غيره.

(الأزهريّ 5:12)

الدّينوريّ: الحرف:هو الّذي تسمّيه العامّة:حبّ الرّشاد.(ابن سيده 3:308)

المبرّد: في قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«نزل القرآن على سبعة أحرف»ما هي إلاّ لغات.

و العرب تصف النّاقة بالحرف لأنّها ضامر،و تشبّه بالحرف من حروف المعجم و هو الألف،و تشبّه بحرف الجبل،إذا وصفت بالعظم.(الأزهريّ 5:13،15)

ابن دريد :حرف كلّ شيء:حدّه و ناحيته.

و ناقة حرف:ضامر.

و فلان على حرف من هذا الأمر،أي منحرف عنه مائل.

و انحرفت عن الشّيء انحرافا،إذا ملت عنه.

و الحرفة:المكسب و الطّعمة.

حرفة فلان من كذا و كذا،أي مكسبه.و المحارف من هذا،هو الّذي قد حورف كسبه فميل به عنه،أي ضيق عليه.

و قال قوم:المحارف:المقدّر عليه رزقه،مأخوذ من«المحراف»و هو الميل الّذي تسبر به الجراح و تقدّر.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الحرف:هذا الحبّ الّذي يسمّى الثّفاء،عربيّ معروف،و منه اشتقاق طعم الشّيء الحرّيف:الّذي يلذع اللّسان.(2:138)

أحرفت ناقتك،أي أطلحتها-أبعتها-فجعلتها

ص: 459

كأنّها حرف سيف.(3:467)

باب«فعل»و يجمع على«فعلة»،مثل نقع و نقعة، و حرف و حرفة.(3:511)

ابن الأنباريّ: التّأنيث في حروف المعجم عندي على معنى الكلمة،و التّذكير على معنى الحرف.

(الفيّوميّ 130)

الأزهريّ: [ذكر قول أبي الهيثم و أضاف:]

كأنّ الخير و الخصب ناحية،و الضّرّ و الشّرّ و المكروه ناحية أخرى،فهما حرفان،و على العبد أن يعبد خالقه على حالة السّرّاء و الضّرّاء.و من عبد اللّه على السّرّاء وحدها دون أن يعبده على الضّرّاء-يبتليه اللّه بها-فقد عبده على حرف.

و من عبده كيفما تصرّفت به الحال فقد عبده عبادة عبد مقرّ:بأنّ له خالقا يصرّفه كيف يشاء،و أنّه إن امتحنه باللّأواء و أنعم عليه بالسّرّاء،فهو في ذلك عادل أو متفضّل،غير ظالم،و لا متعدّ،له الخيرة و بيده الأمر، و لا خيرة للعبد عليه.

[و ذكر حديث«نزل القرآن على سبعة أحرف»ثمّ قال]

قلت فأبو العبّاس النّحويّ و هو واحد عصره،قد ارتضى ما ذهب إليه أبو عبيد و استصوبه،و هذه الأحرف السّبعة الّتي معناها:اللّغات،غير خارجة من الّذي كتب في مصاحف المسلمين الّتي اجتمع عليها السّلف المرضيّون و الخلف المتّبعون.

فمن قرأ بحرف لا يخالف المصحف بزيادة أو نقصان، أو تقديم مؤخّر أو تأخير مقدّم-و قد قرأ به إمام من أئمّة القرّاء المشتهرين في الأمصار-فقد قرأ بحرف من الحروف السّبعة الّتي نزل القرآن بها.و من قرأ بحرف شاذّ يخالف المصحف،و خالف بذلك جمهور القراء المعروفين،فهو غير مصيب.

و هذا مذهب أهل العلم الّذين هم القدوة،و مذهب الرّاسخين في علم القرآن قديما و حديثا،و إلى هذا أومأ أبو العبّاس النّحويّ و أبو بكر الأنباريّ في كتاب له،ألّفه في اتّباع ما في المصحف الإمام،وافقه على ذلك أبو بكر مجاهد مقرئ أهل العراق و غيره من الأثبات المتقنين، و لا يجوز عندي غير ما قالوا[ثمّ نقل رواية ابن مسعود المتقدّمة و أضاف:]

و معنى عرق الجبين:شدّة السّياق.و يقال:لا تحارف أخاك بالسّوء،أي لا تجازه بسوء صنيعه تقايسه، و أحسن إذا أساء،و اصفح عنه.و يقال للمحروم الّذي قتّر عليه رزقه:محارف.[إلى أن قال:]

و جاء في تفسير قول اللّه جلّ و عزّ: لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ الذّاريات:19،أنّ المحروم هو المحارف؛ و الاسم منه:الحرفة بالضّمّ،و أمّا«الحرفة»فهو اسم من الاحتراف،و هو الاكتساب،يقال:هو يحرف لعياله و يحترف،و يقرش و يقترش،و يجرح و يجترح،بمعنى يكتسب.(5:12-16)

الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]

التّحريف في القرآن و في الكلام:تغيير الكلمة عن معناها:و إذا مال إنسان عن الشّيء قيل:تحرّف و انحرف و احرورف.

و الإنسان على حرف من أمره،أي على انحراف.

ص: 460

و المحارف:المحروم،و الحرف:الحرمان.

و يقال:حرف و حرفة كقعب و قعبة.

و الحرف:حبّ الرّشاد،و الحبّة:حرفة.

و أحرف الرّجل إحرافا:نما ماله و صلح،فهو محرف؛ و الاسم:الحرفة.

و الرّجل يحرف لعياله،أي يكسب.

و حرف في ماله:ذهب منه شيء.

و الحرف:المنحرف،و انحرفت بهم دنياهم.

و المحرف:المصرف و المتنحّي[يقال:]ما لي عن هذا محرف.(3:82)

الجوهريّ: حرف كلّ شيء:طرفه و شفيره و حدّه،و منه حرف الجبل،و هو أعلاه المحدّد.

و الحرف:واحد حروف التّهجّي.

و قوله تعالى: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلى حَرْفٍ الحجّ:11،قالوا:على وجه واحد،و هو أن يعبده على السّرّاء دون الضّرّاء.

و الحرف:النّاقة الضّامرة الصّلبة،شبّهت بحرف الجبل.

و رجل محارف،بفتح الرّاء،أي محدود محروم،و هو خلاف قولك:مبارك.

و قد حورف كسب فلان،إذا شدّد عليه في معاشه، كأنّه ميل برزقه عنه.[ثمّ ذكر حديث ابن مسعود المتقدّم و أضاف:]

أي يشدّد عليه لتمحّص عنه ذنوبه.

و الحرف،بالضّمّ:حبّ الرّشاد،و منه قيل:شيء حرّيف،بالتّشديد:للّذي يلذع اللّسان بحرافته.و كذلك بصل حرّيف،و لا تقل:حرّيف.

و الحرف أيضا:الاسم،من قولك:رجل محارف، أي منقوص الحظّ،لا ينمو له مال.

و كذلك الحرفة،بالكسر،و في حديث عمر:«لحرفة أحدهم أشدّ عليّ من عيلته».

و الحرفة أيضا:الصّناعة،و المحترف:الصّانع.

و فلان حريفي،أي معاملي.

و المحراف:الميل الّذي تقاس به الجراحات.

و تحريف الكلام عن مواضعه:تغييره.و تحريف القلم:قطّه محرّفا.

و يقال:انحرف عنه و تحرّف و احرورف،أي مال و عدل.

و يقال:ما لي عن هذا الأمر محرف،و ما لي عنه مصرف؛بمعنى واحد،أي متنحّى.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](4:1342)

الرّازيّ: نحوه ملخّصا.(148)

ابن فارس: الحاء و الرّاء و الفاء ثلاثة أصول:حدّ الشّيء،و العدول،و تقدير الشّيء.

فأمّا الحدّ،فحرف كلّ شيء:حدّه،كالسّيف و غيره.و منه:الحرف،و هو الوجه،تقول:هو من أمره على حرف واحد،أي طريقة واحدة.قال تعالى:

وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلى حَرْفٍ الحجّ:11، أي على وجه واحد.

و يقال للنّاقة:حرف.قال قوم:هي الضّامر،شبّهت بحرف السّيف.و قال آخرون:بل هي الضّخمة،شبّهت بحرف الجبل،و هو جانبه.

ص: 461

و الأصل الثّاني:الانحراف عن الشّيء،يقال:

انحرف عنه ينحرف انحرافا،و حرّفته أنا عنه،أي عدلت به عنه.و لذلك يقال:محارف؛و ذلك إذا حورف كسبه فميل به عنه،و ذلك كتحريف الكلام،و هو عدله عن جهته،قال اللّه تعالى: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ النّساء:46.

و الأصل الثّالث:المحراف:حديدة يقدّر بها الجراحات عند العلاج.و من هذا الباب:فلان يحرف لعياله،أي يكسب.و أجود من هذا أن يقال فيه:إنّ الفاء مبدلة من ثاء،و هو من«حرث»أي كسب و جمع.

و ربّما قالوا:أحرف فلان إحرافا،إذا نما ماله و صلح.

و فلان حريف فلان،أي معامله.و كلّ ذلك من حرف و احترف،أي كسب،و الأصل ما ذكرناه.[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:42)

أصل الحروف:الثّمانية و العشرون الّتي منها تأليف الكتاب كلّه.و تتولّد بعد ذلك حروف،كقولنا:اصطبر و ادّكر؛تولّدت الطّاء لعلّة،و كذلك الدّال.

فأوّل الحروف:الهمزة،و العرب تتفرّد بها في عرض الكلام،و لا تكون في شيء من اللّغات إلاّ ابتداء.

و ممّا اختصّت به لغة العرب:الحاء و الظّاء.و زعم ناس أنّ الضّاد مقصورة على العرب دون سائر الأمم.(الصّاحبيّ:100)

أبو هلال :الفرق بين الحرمان و الحرف:أنّ الحرمان:عدم الظّفر بالمطلوب عند السّؤال،يقال:سأله فحرمه.

و الحرف:عدم الوصول إلى المنافع من جهة الصّنائع،يقال للرّجل إذا لم يصل إلى إحراز المنافع في صناعته:إنّه محارف.

و قد يجعل المحروم خلاف المرزوق في الجملة، فيقال:هذا محروم،و هذا مرزوق.(146)

الثّعالبيّ: إذا كانت[النّاقة]قليلة اللّحم فهي حرجوج،و حرف،و رهب.(177)

ابن سيده: الحرف من الهجاء معروف.

و الحرف:الأداة الّتي تسمّى الرّابطة،لأنّها تربط الاسم بالاسم و الفعل بالفعل،ك«عن»و«على» و نحوهما.

و الحرف:القراءة الّتي تقرأ على أوجه،و ما جاء في الحديث من قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«نزل القرآن على سبعة أحرف».

و حرفا الرّأس:شقّاه،و حرفا السّفينة و الجبل:

جانباهما؛و الجمع:أحرف و حروف و حرفة.

و الحرف من الإبل:النّجيبة الماضية الّتي أنضتها الأسفار،شبّهت بحرف السّيف في مضائها و نجائها و دقّتها.و قيل:هي الصّلبة،شبّهت بحرف الجبل في شدّتها و صلابتها.

و حرف الشّيء:ناحيته.و فلان على حرف من أمره؛أي ناحية منه،إذا رأى شيئا لا يعجبه عدل عنه.

و قلم محرّف:عدل بأحد حرفيه عن الآخر.

و التّحريف في القرآن و الكلمة:تغيير الحرف عن معناه،و هي قريبة الشّبه.

و المحرّف:الّذي ذهب ماله.

و المحارف:الّذي لا يصيب خيرا من وجه يوجّه له.

و المصدر:الحراف.

ص: 462

و المحرف:الّذي نما ماله و صلح؛و الاسم:الحرفة.

و حرفة الرّجل:ضيعته أو صنعته.

و حرف لأهله يحرف و احترف:كسب و طلب و احتال.و قيل:الاحتراف:الاكتساب أيّا كان.

و حرف عينه:كحلها.

و المحرف و المحراف:الميل.و المحراف أيضا:

المسبار الّذي يقاس به الجرح.

و المحارفة:مقايسة الجرح بالمحراف.

و حارفه:ناجزه.

و الحرف:حبّ الرّشاد؛واحدته:حرفة.

و الحرف و الحراف:حيّه مظلم اللّون يضرب إلى السّواد،إذا أخذ الإنسان لم يبق فيه دم إلاّ خرج.

و الحرافة:طعم يحرق اللّسان و الفم.و بصل حرّيف:

يحرق الفم و فيه حرارة.و قيل:كلّ طعام يحرق فم آكله بحرارة مذاقة،فهو حرّيف.(3:306)

الحرفة:الصّنعة،و كلّ ما اشتغل به الإنسان و ضري يسمّى:صنعة و حرفة،لأنّه ينحرف إليها.

و حريفك:معاملك في حرفتك.

و المحرف و المحترف:موضع يحترف فيه الإنسان،و يتقلّب و يتصرّف.

و احترف:اتّخذ حرفة.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](الإفصاح 2:1212)

الطّوسيّ: التّحرّف:الزّوال من جهة الاستواء إلى جهة الحرف.تقول:تحرّف تحرّفا،و انحرف انحرافا، و حرّفه تحريفا،و احترف احترافا،لأنّه يقصد جهة الحرف لطلب الرّزق،مثل أبعد في طلب الرّزق.

و المحارف:المحدود من جهة الرّزق إلى جهة الحرف.و منه:حروف الهجاء،لأنّها أطراف الكلمة كحرف الجبل و نحوه،(5:109)

و الحرف:منتهى الجسم،و منه الانحراف:الانعدال إلى الجانب.

و قلم محرّف:قد عدل بقطعته عن الاستواء إلى جانب.

و تحريف القول:هو العدول به عن جهة الاستواء.

فالحرف معتدل إلى الجانب عن الوسط.(7:296)

نحوه الطّبرسيّ.(2:529)

الرّاغب: حرف الشّيء:طرفه؛و جمعه:أحرف و حروف.يقال:حرف السّيف،و حرف السّفينة.

و حرف الجبل.

و حروف الهجاء:أطراف الكلمة.

و الحروف العوامل في النّحو:أطراف الكلمات الرّابطة بعضها ببعض.

و ناقة حرف:تشبيها بحرف الجبل،أو تشبيها في الدّقّة بحرف من حروف الكلمة...

و انحرف عن كذا و تحرّف و احترف.

و الاحتراف:طلب حرفة للمكتسب؛و الحرفة:

حالته الّتي يلزمها في ذلك،نحو القعدة و الجلسة.

و المحارف:المحروم الّذي خلا به الخير.

و تحريف الشّيء:إمالته،كتحريف القلم.

و تحريف الكلام:أن تجعله على حرف من الاحتمال، يمكن حمله على الوجهين.[ثمّ ذكر الآيات و أضاف:]

و الحرف:ما فيه حرارة و لذع،كأنّه محرّف عن

ص: 463

الحلاوة و الحرارة،و طعام حرّيف....(114)

الزّمخشريّ: انحرف عنه و تحرّف،و حرّف القلم، و قلم محرّف.و حرّف الكلام.

و كتب بحرف القلم،و قعد على حرف السّفينة، و قعدوا على حروفها.

و ما لي عنه محرف،أي معدل.

و رجل محارف:محدود.

و حورف فلان،و أدركته حرفة الأدب،و تقول:ما من حرف.إلاّ و هو مقرون بحرف.

و فلان حرفته الوراقة،و هو يحترف بكذا،و هو يحرف لعياله:يكسب من هاهنا و هاهنا،أي من كلّ حرف.

و فلان حريفك.

و فيه حرافة:حدّة.

و أحدّ من الحرف،و هو الخردل؛الواحدة:حرفة.

و بصل حرّيف:شديد الحرافة.

و حارف الجرح بالمحراف:قايسه بالمسبار حتّى عرف حدّ غوره.

و من المجاز:هو على حرف من أمره،أي على طرف كالّذي في طرف العسكر،إن رأى غلبة استقرّ،و إن رأى ميلة فرّ.

و ناقة حرف:شبيهة بحرف السّيف في هزالها،أو مضائها في السّير.

و حارفت فلانا بفعله:كافأته.

و لا تحارف أخاك بالسّوء:لا تكافئه،و اصفح عنه.

و منه الحديث:«إنّ المؤمن تبقى عليه الخطايا فيحارف بها عند الموت».[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(أساس البلاغة:80)

[في حديث]«...أراد أن يأتيها فأبت،إلاّ أن تؤتى على حرف...»الحرف:الطّرف و النّاحية،و المعنى إتيانها على جنب.

و منه حديث ابن عبّاس:«كان أهل الكتاب لا يأتون النّساء إلاّ على حرف...»

و قيل:معنى«على حرف»ألاّ يتمكّن منها تمكّن المتوسّط المتبحبح في الأمر.(الفائق 1:274)

ابن الشّجريّ: [لقد أطال الكلام في أسماء الهجاء و الحروف المقطّعة في القرآن](171)

المدينيّ: في حديث أبي بكر:«سيأكل آل أبي بكر من هذا المال و يحترف فيه للمسلمين»أي يكسب للمسلمين بإزاء ما يأكل من بيت ما لهم.يقال:هو يحرف لعياله،و يحرف و يحترف،و الحرفة:الصّناعة،و حريف الرّجل:معامله في حرفته.

و في حديث عمر:«لحرفة أحدهم أشدّ عليّ من عيلته».قيل:الحرفة:أن يكون محدودا،إذا طلب فلا يرزق،و منه المحارف.

و الحرفة لا أعرفه بهذا المعنى،إنّما الحرف،بضمّ الحاء:الحرمان،و قد حورف فهو محارف،و لعلّه من قولهم:انحرف عنه و تحرّف،أي مال.و المحارف:الّذي حورف كسبه فميل به عنه.

و قيل:أراد أنّ إغناء الفقير و كفاية أمره،أيسر عليّ من إصلاح الفاسد.

و قيل:أراد عدم حرفة أحدهم و الاغتمام لذلك،لأنّه

ص: 464

منحرف إليها.

و فيه ما يروى أنّه قال:«إنّي لأرى الرّجل يعجبني فأقول:هل له من حرفة؟فإن قالوا:لا،سقط من عيني».(1:431)

ابن الأثير: [ذكر حديث نزول القرآن و كلام أبي عبيد فيه،و أضاف:]

على أنّه قد جاء في القرآن ما قد قرئ بسبعة و عشرة،كقوله تعالى: مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ، عَبَدَ الطّاغُوتَ المائدة:60،[ثمّ ذكر كلام ابن مسعود فيه و قال:]و فيه أقوال غير ذلك،و هذا أحسنها.

و الحرف في الأصل:الطّرف و الجانب،و به سمّي الحرف من حروف الهجاء.و منه حديث ابن عبّاس «أهل الكتاب لا يأتون النّساء إلاّ على حرف»،أي على جانب.[ثمّ استشهد بشعر]

الحرف:النّاقة الضّامرة،شبّهت بالحرف من حروف الهجاء لدقّتها.

في حديث عائشة:«لمّا استخلف أبو بكر قال:لقد علم قومي أنّ حرفتي لم تكن تعجز عن مئونة أهلي، و شغلت بأمر المسلمين فسيأكل آل أبي بكر من هذا، و يحترف للمسلمين فيه».

الحرفة:الصّناعة وجهة الكسب.و حريف الرّجل:

معامله في حرفته.و أراد باحترافه للمسلمين:نظره في أمورهم و تثمير مكاسبهم و أرزاقهم.[ثمّ ذكر حديث عمر نحو المدينيّ و أضاف:]

و منه حديثه الآخر:«إنّي لأرى الرّجل يعجبني...» و قيل:معنى الحديث الأوّل هو أن يكون من الحرفة بالضّمّ و بالكسر،و منه قولهم:حرفة الأدب.

و المحارف-بفتح الرّاء-هو المحروم المحدود الّذي إذا طلب لا يرزق،أو يكون لا يسعى في الكسب.و قد حورف كسب فلان،إذا شدّد عليه في معاشه و ضيّق، كأنّه ميل برزقه عنه،من الانحراف عن الشّيء،و هو الميل عنه.

و منه الحديث:«سلّط عليهم موت طاعون ذفيف يحرّف القلوب»أي يميلها و يجعلها على حرف،أي جانب و طرف،و يروى يحوّف بالواو.[ثمّ ذكر أحاديث أخرى بمعنى الميل،إلى أن قال في حديث ابن مسعود«موت المؤمن...»نحو ما قاله أبو عبيد،و أضاف:]

أو هو من المحارفة و هو التّشديد في المعاش.

(1:369)

الصّغانيّ: الحرف في اصطلاح النّحاة:ما دلّ على معنى في غيره،و من ثمّ لم ينفكّ من اسم أو فعل يصحبه إلاّ في مواضع مخصوصة حذف فيها الفعل،و اقتصر على الحرف فجرى مجرى النّائب،نحو قولك:نعم و بلى و إي و إنّه،و يا زيد،و قد،في مثل قول النّابغة.[ثمّ استشهد بشعره و ذكر الأقوال في قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«نزل القرآن على سبعة أحرف»و أضاف:]

و يقال:«لا تحارف أخاك بالسّوء»أي لا تجازه بسوء صنيعه تقايسه.«و أحسن إن أساء،و اصفح عنه».

و حرفان.بالضّمّ:من الأسماء الأعلام.

رستاق حرف:من نواحي الأنبار.(4:450)

الحرف:النّاقة العظيمة،و النّاقة المهزولة.

(ذيل كتاب الأضداد:227)

ص: 465

الفيّوميّ: انحرف عن كذا:مال عنه.و يقال:

المحارف:الّذي حورف كسبه فميل به عنه،كتحريف الكلام:يعدل به عن جهته.

و قوله تعالى: إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ الأنفال:16، أي إلاّ مائلا لأجل القتال لا مائلا هزيمة،فإنّ ذلك معدود من مكايد الحرب،لأنّه قد يكون لضيق المجال فلا يتمكّن من الجولان،فينحرف للمكان المتّسع ليتمكّن من القتال.

و حرفت الشّيء عن وجهه حرفا،من باب«قتل» و التّشديد مبالغة:غيّرته.

و حرف لعياله يحرف أيضا:كسب؛و الاسم:الحرفة بالضّمّ.و احترف مثله،و الاسم منه:الحرفة بالكسر.

و أحرف إحرافا،إذا نما ماله و صلح،فهو محرف.

و الحرف بالضّمّ:حبّ كالخردل؛الحبّة:حرفة.

و الحريف:المعامل؛و جمعه:حرفاء،مثل شريف و شرفاء.

و حرف المعجم:يجمع على حروف.[ثمّ ذكر قول الفرّاء و ابن السّكّيت و ابن الأنباريّ و أضاف:]

و قال في«البارع»:الحروف:مؤنّثة إلاّ أن تجعلها أسماء،فعلى هذا يجوز أن يقال:هذا جيم و هذه جيم، و ما أشبهه.

و قول الفقهاء:تبطل الصّلاة بحرف مفهم،هذا لا يتأتّى إلاّ أن يكون فعل أمر اعتلّت فاؤه و لامه، و يسمّى اللّفيف المفروق،كما إذا أمرت من«وفى و وقى» فمضارعه«يفي و يقي»فتحذف حرف المضارعة و تحذف اللاّم لمكان الجزم فيبقى«ف»و«ق»من الوفاء و الوقاية، و شبه ذلك.[إلى أن قال:]

و حرف الجبل:أعلاه المحدّد؛و جمعه:حرف،وزان عنب،و مثله طلّ و طلل.قال الفرّاء:و لا ثالث لهما.

و الحرف:الوجه و الطّريق.و منه:«نزل القرآن على سبعة أحرف».

و حروف القسم معروفة.

و حرفا الفوق من السّهم:الجانبان اللّذان فرض للوتر بينهما،و يقال لهما:الشّرخان.(130)

الجرجانيّ: الحرف:ما دلّ على معنى في غيره.

الحرف الأصلي:ما ثبت في تصاريف الكلمة لفظا أو تقديرا.

الحرف الزّائد:ما سقط في بعض تصاريف الكلمة.

الحروف:هي الحقائق البسيطة من الأعيان عند مشايخ الصّوفيّة.

الحروف العاليات:هي الشّئون الذّاتيّة الكائنة في غيب الغيوب،كالشّجرة في النّواة.[ثمّ استشهد بشعر]

حروف اللّين:هي الواو و الياء و الألف،سمّيت حروف اللّين لما فيها من قبول المدّ.

حروف الجرّ:ما وضع لإفضاء الفعل أو معناه إلى ما يليه،نحو:مررت بزيد،و أنا مارّ بزيد.(38)

الفيروزآباديّ: الحرف من كلّ شيء:طرفه و شفيره و حدّه،و من الجبل:أعلاه المحدّد؛جمعه:كعنب، و لا نظير له سوى طلّ و طلل.

و واحد حروف التّهجّي،و النّاقة الضّامرة أو المهزولة أو العظيمة،و مسيل الماء،و آرام سود ببلاد سليم.و عند النّحاة:ما جاء لمعنى ليس باسم و لا فعل،

ص: 466

و ما سواه من الحدود فاسد.

و رستاق حرف بالأنبار...

و«نزل القرآن على سبعة أحرف»:سبع لغات من لغات العرب،و ليس معناه أن يكون في الحرف الواحد سبعة أوجه و إن جاء على سبعة أو عشرة أو أكثر،و لكنّ المعنى هذه اللّغات السّبع متفرّقة في القرآن.

و حرف لعياله يحرف:كسب،و الشّيء عن وجهه:

صرفه،و عينه حرفة:كحلها.

و ما لي عنه محرف:مصرف و متنحّى.

و المحرف أيضا و المحترف:موضع يحترف فيه الإنسان و يتقلّب و يتصرّف.

و حرف في ماله-بالضّمّ-حرفة:ذهب منه شيء.

و الحرف بالضّمّ:حبّ الرّشاد.

الحرفيّون:المحدّثون،نسبة إلى بيعه.

و الحرمان كالحرفة بالضّمّ و الكسر،و منه قول عمر:

-و قد مرّ-

و الحرفة بالكسر:الطّعمة و الصّناعة يرتزق منها، و كلّ ما اشتغل الإنسان به و ضري يسمّى صنعة و حرفة،لأنّه ينحرف إليها.

و حريفك:معاملك في حرفتك.

و المحراف:الميل يقاس به الجراحات.

و حرفان كعثمان:علم.

و أحرف:نما ماله و صلح و كثر،و ناقته:هزلها،و كدّ على عياله،و جازى على خير أو شرّ.

و التّحريف:التّغيير،و قطّ القلم محرّفا.

و احرورف:مال و عدل كانحرف و تحرّف.

و حارفه بسوء:جازاه.

و المحارفة:المقايسة بالمحراف.

و المحارف،بفتح الرّاء:المحدود المحروم.

و طاعون يحرّف القلوب:يميلها و يجعلها على حرف، أي جانب و طرف.(3:130)

[و الحرف]قسيم الاسم و الفعل.و قيل:للحرف حرف،لوقوعه في طرف الكلمة،أو لضعفه في نفسه،أو لحصول قوّة الكلمة به،أو لانحرافه،فإنّ كلّ حرف من حروف المعجم مختصّ بنوع انحراف،يتميّز به عن سائر الحروف.(بصائر ذوي التّمييز 1:86)

الطّريحيّ: حرف كلّ شيء:طرفه و شفيره و حدّه.

و الحرف:واحد حروف التّهجّي،و ربّما جاء للكلام التّامّ.و منه الحديث:«الأذان و الإقامة خمسة و ثلاثون حرفا»يعني فصلا.

و في الحديث:«سئل عليه السّلام:أنّهم يقولون:نزل القرآن على سبعة أحرف؟فأنكره و قال:«نزل القرآن على حرف واحد من عند واحد».[إلى أن قال:]

ثمّ إنّهم اختلفوا في معناه على أقوال:فقيل:المراد بالحرف:الإعراب،و قيل:الكيفيّات،و قيل:إنّها وجوه القراءة الّتي اختارها القرّاء،و منه«فلان يقرأ بحرف ابن مسعود».

«يشتر لي متاعا و يحرف للمسلمين»أي يكسب لهم...

و حروف القسم معروفة.

و تحريف القلم:قطّة.

و تحريف الكلام:تغييره عن مواضعه.

ص: 467

و تحريف الغالين:من الغلوّ،و هو التّجاوز عن القدر.

و الغالي:هو الّذي يتجاوز في أمر الدّين عمّا عدل و بيّن،قال تعالى: لا تَغْلُوا فِي دِينِكُمْ النّساء:171، فالمبتدعة:غلاة في الدّين،يتجاوزون في كتاب اللّه و سنّة رسول اللّه و آله صلّى اللّه عليه و سلّم عن المعنى المراد،فيحرّفونه عن جهته.

و الحرفة بالضّمّ:الحرمان كالحرفة بالكسر.

و المحارف،بفتح الرّاء:المحروم الّذي إذا طلب لا يرزق أو يكون لا يسعى في الكسب،و هو خلاف قولك:المبارك.

و منه الحديث:«لا تشتر من محارف فإنّ صفقته لا بركة فيها».

و المحارف أيضا:المنقوص من الحظّ،لا ينمو له مال.و الحرف بالضّمّ:اسم منه.[إلى أن قال:]

و فلان حريفي؛أي معاملي.و منه الحديث:«دلّني على حريف».

و الحرفة بالكسر:الاسم من الاحتراف،و هو الاكتساب بالصّناعة و التّجارة.(5:36)

مجمع اللّغة :

1-حرف الشّيء:طرفه و حدّه.

2-حرّف الكلام تحريفا:بدّله أو صرفه عن معناه.

3-تحرّف عن الشّيء:مال و عدل فهو متحرّف.

(1:248)

محمّد إسماعيل إبراهيم: حرّف الشّيء عن وجهه:أماله و صرفه عنه.

و حرف القول:صرفه عن معناه،و جعله محتملا للتّأويل.

و حرف الشّيء:طرفه و جانبه.

و المتحرّف:المتحيّز،و هو الّذي يميل عن جهة الاستواء إلى جهة الحرف أو الطّرف.

يعبد اللّه على حرف:على طرف من الدّين لا ثبات له و لا استقرار،أي أنّه مذبذب غير متمكّن في دينه.

[ثمّ ذكر مجموعة من الآيات](1:129)

العدنانيّ: الحرف و الكلمة الحرف له عدد من المعاني،أشهرها:

1-كلّ واحد من حروف المباني الثّمانية و العشرين،الّتي تتركّب منها الكلمات،و تسمّى:

حروف الهجاء.

2-و الكلمة،يقال:هذا الحرف ليس في لسان العرب.

و أنا أرى أن نقتصر على استعمال المعنى الأوّل، و نهمل المعنى الثّاني إهمالا تامّا،ما دام لفظ«الكلمة» يؤدّي المعنى الثّاني،فنحول بذلك دون تشويش أذهان السّامعين و القارئين.فما هو رأي مجامعنا الأربعة، و مكتب الرّباط الدّائم لتنسيق التّعريب العربيّ؟(149)

المصطفويّ: و التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو طرف الشّيء و منتهاه،يقال:حرفت الشّيء و حرّفته،أي أخرجته عن موضعه و اعتداله، و نحّيته عنه إلى جهة الحرف،و هو الطّرف للشّيء...

و بهذا الاعتبار يستعمل بمعنى الميل و العدول،من جهة الخروج عن الموضع.يقال:انحرف عن كذا و حرّفه،إذا كان خارجا عن موضعه و عن الاعتدال،ثمّ استقرّ في جهة طرف،فمرجع الميل هنا إلى صيرورة الشّيء،أو جعله حرفا.

و بملاحظة هذا المعنى:و هو الخروج عن الموضع

ص: 468

و التّجاوز عن الاعتدال،يقال للنّاقة الضّامرة:إنّها حرف،و الرّجل المحدود الّذي وقع في مضيق المعيشة:

أنّه محارف،أي استمرّ وقوع جريان أمره في الحرف.

و يقال:حرف لعياله،إذا كان كسبه لهم و جريان عمله في مرحلة الخارج عن موضعه.و يقال:أحرف،إذا أخرج نفسه و كسبه و جريان أمره عن التّوسّط إلى الأعلى.

و أمّا حروف التّهجّي:فباعتبار انتهاء الكلمة إليها، كالنّقطة من الخطّ.

و أمّا المحراف:فهو آلة بها يتعدّى إلى أطراف الجراحة للسّبر و التّقدير.

و لا يبعد أن نقول:إنّ المأخوذ في مفهوم هذه المادّة قيدان:قيد الطّرف،و قيد العدول و الخروج عن الموضع؛ فيكون مفهوم المادّة عبارة عن عدول شيء عن موضعه و استقراره في الطّرف،أو جعل شيء في الطّرف عن موضعه.

و بملاحظة هذين القيدين قد يغلب عليها الانحراف و الميل،و يكون النّظر في المرتبة الأولى إلى العدول،و قد يغلب عليها جهة الوقوع في الطّرف.

و بهذا القيد يظهر الفرق بين الحرف و الطّرف و الجنب،راجع«ج ن ب»(2:212)

النّصوص التّفسيريّة

يحرّفون

1- مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ...

النّساء:46

الإمام عليّ عليه السّلام: «الكلام عن مواضعه»يعني صفة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و آية الرّجم.(الثّعلبيّ 3:323)

ابن عبّاس: يغيّرون صفة محمّد و نعته بعد بيانه في التّوراة.(71)

يحرّفون حدود اللّه في التّوراة.(الدّرّ المنثور 5:168)

كان اليهود يأتون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و يسألونه عن الأمر فيخبرهم،و يرى أنّهم يأخذون بقوله،فإذا انصرفوا من عنده حرّفوا كلامه.(الثّعلبيّ 3:323)

مجاهد :تبديل اليهود التّوراة.(الطّبريّ 5:118)

زيد بن عليّ: يقلّبون و يغيّرون.(171)

مثله أبو عبيدة.(1:129)

الكلبيّ: هم اليهود يغيّرون صفة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و زمانه و نبوّته في كتابهم.

مثله مقاتل.(الواحديّ 2:61)

ابن زيد :لا يضعونه على ما أنزله اللّه.

(الدّرّ المنثور 2:168)

اليزيديّ: يغيّرون.(119)

مثله الثّعلبيّ.(3:323)

الطّبريّ: يبدّلون معناها،و يغيّرونها عن تأويله.

و الكلم:جماع كلمة.و أمّا قوله: عَنْ مَواضِعِهِ فإنّه يعني:عن أماكنه و وجوهه الّتي هي وجوهه.(5:118)

النّحّاس: و معنى(يحرّفون)يغيّرون،و منه:

تحرّفت عن فلان،أي عدلت عنه،فمعنى(يحرّفون) يعدلون عن الحقّ.(2:102)

الطّوسيّ: يعني يغيّرونها عن تأويلها.(3:213)

القشيريّ: تركوا حشمة الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و رفضوا

ص: 469

حرمته،فعوقبوا بالشّكّ في أمره.(2:32)

الواحديّ: أي قوم أو فريق يحرّفون الكلم.

(2:61)

البغويّ: يغيّرون الكلم(عن مواضعه)يعني صفة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:641)

الزّمخشريّ: يميلونه عنها و يزيلونه،لأنّهم إذا بدّلوه و وضعوا مكانه كلما غيره فقد أمالوه عن مواضعه الّتي وضعها اللّه فيها،و أزالوه عنها،و ذلك نحو تحريفهم «أسمر ربعة»عن موضعه في التّوراة بوضعهم«آدم طوال» مكانه،و نحو تحريفهم«الرّجم»بوضعهم«الحدّ»بدله.

فإن قلت:كيف قيل هاهنا: عَنْ مَواضِعِهِ، و في المائدة: مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ المائدة:41؟قلت:أمّا عَنْ مَواضِعِهِ فعلى ما فسّرناه من إزالته عن مواضعه الّتي أوجبت حكمة اللّه وضعه فيها،بما اقتضت شهواتهم من إبدال غيره مكانه.و أمّا مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ فالمعنى:أنّه كانت له مواضع هو قمن بأن يكون فيها، فحين حرّفوه تركوه كالغريب الّذي لا موضع له بعد مواضعه و مقارّه،و المعنيان متقاربان.(1:530)

نحوه النّسفيّ.(1:228)

ابن عطيّة: تحريف الكلم على وجهين:إمّا بتغيير اللّفظ،و قد فعلوا ذلك في الأقلّ،و إمّا بتغيير التّأويل، و قد فعلوا ذلك في الأكثر.و إليه ذهب الطّبريّ،و هذا كلّه في التّوراة على قول الجمهور.

و قالت طائفة: هو كلم القرآن،و قال مكّيّ:كلام النّبيّ محمّد عليه السّلام،فلا يكون التّحريف على هذا إلاّ في التّأويل.(2:62)

الطّبرسيّ: أي يبدّلون كلمات اللّه و أحكامه عن مواضعها.(2:55)

ابن الجوزيّ: أمّا التّحريف فهو التّغيير.[إلى أن قال:]

و في معنى تحريفهم(الكلم)قولان:

أحدهما:[قول ابن عبّاس الأخير]

و الثّاني:[قول مجاهد](2:99)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا حكى عنهم أنّهم يشترون الضّلالة،شرح كيفيّة تلك الضّلالة،و هي أمور:أحدها:أنّهم كانوا يحرّفون الكلم عن مواضعه، و فيها مسائل:[بعد بيان اثنين منها قال:]

المسألة الثّالثة:في كيفيّة التّحريف وجوه:

أحدها:أنّهم كانوا يبدّلون اللّفظ بلفظ آخر،مثل تحريفهم اسم«ربعة»عن موضعه في التّوراة بوضعهم «آدم طويل»مكانه،و نحو تحريفهم«الرّجم»بوضعهم «الحدّ»بدله،و نظيره قوله تعالى: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هذا مِنْ عِنْدِ اللّهِ البقرة:79.

فإن قيل:كيف يمكن هذا في الكتاب الّذي بلغت آحاد حروفه و كلماته مبلغ التّواتر،المشهور في الشّرق و الغرب؟

قلنا:لعلّه يقال:القوم كانوا قليلين،و العلماء بالكتاب كانوا في غاية القلّة،فقدروا على هذا التّحريف.

و الثّاني:أنّ المراد بالتّحريف:إلقاء الشّبه الباطلة و التّأويلات الفاسدة،و صرف اللّفظ عن معناه الحقّ إلى معنى باطل،بوجوه الحيل اللّفظيّة،كما يفعله أهل

ص: 470

البدعة في زماننا هذا بالآيات المخالفة لمذاهبهم،و هذا هو الأصحّ.

الثّالث:أنّهم كانوا يدخلون على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، و يسألونه عن أمر فيخبرهم ليأخذوا به،فإذا خرجوا من عنده حرّفوا كلامه.

المسألة الرّابعة:ذكر اللّه تعالى هاهنا عَنْ مَواضِعِهِ، و في المائدة مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ؟ و الفرق أنّا إذا فسّرنا التّحريف بالتّأويلات الباطلة،فهاهنا قوله: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ معناه:أنّهم يذكرون التّأويلات الفاسدة لتلك النّصوص،و ليس فيه بيان أنّهم يخرجون تلك اللّفظة من الكتاب.

و أمّا الآية المذكورة في سورة المائدة،فهي دالّة على أنّهم جمعوا بين الأمرين،فكانوا يذكرون التّأويلات الفاسدة،و كانوا يخرجون اللّفظ أيضا من الكتاب، فقوله: يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ إشارة إلى التّأويل الباطل، و قوله: مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ إشارة إلى إخراجه عن الكتاب.(10:117)

القرطبيّ: قرأ أبو عبد الرّحمن السّلميّ و إبراهيم النّخعيّ(الكلام).قال النّحّاس:و(الكلم)في هذا أولى، لأنّهم إنّما يحرّفون كلم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،أو ما عندهم في التّوراة،و ليس يحرّفون جميع الكلام.

و معنى(يحرّفون):يتأوّلونه على غير تأويله، و ذمّهم اللّه تعالى بذلك،لأنّهم يفعلونه متعمّدين.و قيل:

(عن مواضعه)يعني صفة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.(5:243)

البيضاويّ: أي من الّذين هادوا قوم يحرّفون الكلم،أي يميلونه عن مواضعه الّتي وضعه اللّه فيها بإزالته عنها،و إثبات غيره فيها،أو يؤوّلونه على ما يشتهون فيميلونه عمّا أنزل اللّه فيه.(1:222)

نحوه المشهديّ.(2:468)

النّيسابوريّ: و معنى هذا التّحريف استبدال لفظ مكان لفظ.[ثمّ ذكر أنحاء من التّحريف كالزّمخشريّ، و نحو الوجه الثّاني و الثّالث من الفخر](5:52)

الخازن :أي يزيلونه و يغيّرونه و يبدّلونه(عن مواضعه)يعني يغيّرون صفة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم من التّوراة.

(1:451)

ابن جزيّ: يحتمل تحريف اللّفظ أو المعنى،و قيل:

الكلم هنا التّوراة،و قيل:كلام النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:144)

أبو حيّان :أي كلم التّوراة،و هو قول الجمهور،أو كلم القرآن،و هو قول طائفة،أو كلم الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و هو قول ابن عبّاس.[و نقل أقوالا أخرى ثمّ أضاف:]

و كانوا يتأوّلون التّوراة بغير التّأويل الّذي تقتضيه معاني ألفاظها لأمور يختارونها و يتوصّلون بها إلى أموال سفلتهم،و أنّ التّحريف في كلم القرآن أو كلم الرّسول فلا يكون إلاّ في التّأويل.[ثمّ ذكر القراءات للكلمة، و قول الزّمخشريّ في الفرق بين الآيتين عَنْ مَواضِعِهِ و مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ ثمّ قال:]

و الّذي يظهر أنّهما سياقان،فحيث وصفوا بشدّة التّمرّد و الطّغيان و إظهار العداوة و اشترائهم الضّلالة و نقض الميثاق،جاء يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ، أ لا ترى إلى قوله: وَ يَقُولُونَ سَمِعْنا وَ عَصَيْنا و قوله:

فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنّاهُمْ... يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ المائدة:13،فكأنّهم لم يتركوا الكلم من

ص: 471

التّحريف عن ما يراد بها،و لم تستقرّ في مواضعها، فيكون التّحريف بعد استقرارها،بل بادروا إلى تحريفها بأوّل وهلة.

و حيث وصفوا ببعض لين و ترديد و تحكيم للرّسول في بعض الأمر جاء مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ أ لا ترى إلى قوله: يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا المائدة:41،و قوله بعد: فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ فكأنّهم لم يبادروا بالتّحريف بل عرض لهم التّحريف بعد استقرار(الكلم) في مواضعها.

و قد يقال:إنّهما سيّان لكنّه حذف هنا و في أوّل المائدة مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ لأنّ قوله: عَنْ مَواضِعِهِ يدلّ على استقرار مواضع له،و حذف في ثاني المائدة عَنْ مَواضِعِهِ لأنّ التّحريف مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يدلّ على أنّه تحريف عَنْ مَواضِعِهِ. فالأصل يحرّفون الكلم من بعد مواضعه،فحذف هنا البعديّة.

و هناك حذف عنها،كلّ ذلك توسّع في العبارة،و كانت البداءة هنا بقوله:(عن مواضعه)لأنّه أخصر،و فيه تنصيص باللّفظ على(عن)و على«المواضع»و إشارة إلى البعديّة.(3:262)

ابن كثير :أي يتأوّلونه على غير تأويله، و يفسّرونه بغير مراد اللّه عزّ و جلّ،قصدا منهم و افتراء.

(2:306)

نحوه الشّوكانيّ(1:606)،و القاسميّ(5:1276).

الشّربينيّ: أي و من الّذين هادوا قوم يحرّفون، أي يغيّرون الكلم الّذي أنزل في التّوراة،من نعت محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم عَنْ مَواضِعِهِ الّتي وضع عليها،بإزالته عنها و إثبات غيره فيها.و في المائدة مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ و المعنيان متقاربان.(1:307)

أبو السّعود :أي من الّذين هادوا قوم أو فريق يحرّفون،إلخ.و فيه أنّه يقتضي كون الفريق السّابق بمعزل من التّحريف الّذي هو المصداق لاشترائهم في الحقيقة، فالّذي يليق بشأن التّنزيل الجليل أنّه بيان للموصول الأوّل المتناول بحسب المفهوم لأهل الكتابين قد وسّط بينهما ما وسّط،لمزيد الاعتناء ببيان محلّ التّشنيع و التّعجيب،و المسارعة إلى تنفير المؤمنين منهم، و تحذيرهم عن مخالطتهم،و الاهتمام بحملهم على الثّقة باللّه عزّ و جلّ،و الاكتفاء بولايته و نصرته.

و أنّ قوله تعالى: يُحَرِّفُونَ و ما عطف عليه بيان لاشترائهم المذكور،و تفصيل لفنون ضلالتهم،و قد روعيت في النّظم الكريم طريقة التّفسير بعد الإبهام، و التّفصيل إثر الإجمال روما لزيادة تقرير يقتضيه الحال.

[إلى أن قال:]

و قرئ (يحرّفون الكلام) و المراد به هاهنا:إمّا ما في التّوراة خاصّة،و إمّا ما هو أعمّ منه و ممّا سيحكى عنهم من الكلمات المعهودة الصّادرة عنهم،في أثناء المحاورة مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم...(2:143)

الطّريحيّ: أي يحرّفون كلام اللّه من بعد مواضعه، أي من بعد أن فرض فروضه و أحلّ حلاله و حرّم حرامه،يعني بذلك ما غيّروا من حكم اللّه تعالى في الزّنى،و نقلوه من الرّجم إلى أربعين جلدة.كذا نقل عن جماعة من المفسّرين.

ص: 472

و قيل:نقلوا حكم القتل من القود إلى الدّية حتّى كثر القتل فيهم.(5:35)

الكاشانيّ: يميلون عنها بتبديل كلمة مكان أخرى،كما حرّفوا في وصف محمّد صلّى اللّه عليه و آله«أسمر ربعة»عن موضعه في التّوراة،و وضعوا مكانه«آدم طوال».

(1:422)

البروسويّ: أي يزيلون،لأنّهم لمّا غيّروه و وضعوا مكانه غيره فقد أزالوه عن مواضعه الّتي وضعه اللّه فيها،و أمالوه عنها.

و التّحريف نوعان:أحدهما:صرف الكلام إلى غير المراد.بضرب من التّأويل الباطل،كما يفعل أهل البدعة في زماننا بالآيات المخالفة لمذاهبهم.

و الثّاني:تبديل الكلمة بأخرى،و كانوا يفعلون ذلك،نحو تحريفهم في نعت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم«أسمر ربعة»عن موضعه في التّوراة بوضعهم«آدم طوال»مكانه،و نحو تحريفهم«الرّجم»بوضعهم«الحدّ»بدله.(2:215)

شبّر: يميلونه،و قوله تعالى:(عن مواضعه)الّتي وضعه اللّه فيها بتبديله بغيره،أو بتأويله على ما يشتهون.(2:51)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود في المراد به هاهنا ثمّ أضاف:]

و تحريف ذلك إمّا بإزالته عن مواضعه الّتي وضعه اللّه تعالى فيها من التّوراة كتحريفهم«ربعة»في نعت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و وضعهم مكانه«طوال»و كتحريفهم«الرّجم»و وضع «الحدّ»موضعه.و إمّا صرفه عن المعنى الّذي أنزله اللّه تعالى فيه إلى ما لا صحّة له بالتّأويلات الفاسدة و التّمحّلات الزّائغة،كما تفعله المبتدعة في الآيات القرآنيّة المخالفة لمذاهبهم.

و يؤيّد الأوّل ما رواه البخاريّ عن ابن عبّاس،قال:

كيف تسألون أهل الكتاب عن شيء و كتابكم الّذي أنزل على رسوله أحدث،تقرءونه محضا لم يشب،و قد حدّثكم أنّ أهل الكتاب بدّلوا كتاب اللّه تعالى و غيّروه، و كتبوا بأيديهم الكتاب،و قالوا:هو من عند اللّه ليشتروا به ثمنا قليلا؟

و استشكل بأنّه كيف يمكن ذلك في الكتاب الّذي بلغت آحاد حروفه و كلماته مبلغ التّواتر،و انتشرت نسخه شرقا و غربا؟

و أجيب:بأنّ ذلك كان قبل اشتهار الكتاب في الآفاق و بلوغه مبلغ التّواتر،و فيه بعد،و إن أيّد بوقوع الاختلاف في نسخ التّوراة الّتي عند طوائف اليهود.

و قيل:إنّ اليهود فعلوا ذلك في نسخ من التّوراة ليضلّوا بها،و لمّا لم ترج عدلوا إلى التّأويل.

و المراد من(مواضعه)على تقدير إرادة الأعمّ ما يليق به مطلقا،سواء كان ذلك بتعيينه تعالى صريحا كمواضع ما في التّوراة،أو بتعيين العقل و الدّين كمواضع غيره.

و أصل التّحريف:إمالة الشّيء إلى حرف،أي طرف،فإذا كان(يحرّفون)بمعنى«يزيلون»كان كناية، لأنّهم إذا بدّلوا(الكلم)و وضعوا مكانه غيره،لزم أنّهم أمالوه عن مواضعه،و حرّفوه.

و الفرق بين ما هنا و ما يأتي من سورة المائدة: مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ أنّ الثّاني أدلّ على ثبوت مقارّ(الكلم)

ص: 473

و اشتهارها ممّا هنا.و ذلك لأنّ الظّرف يدلّ على أنّه بعد ما ثبت الموضع و تقرّر حرّفوه عنه.و اختار ذلك هنا لك، لأنّ فيه ما يقتضي الإتيان بالأدلّ الأبلغ.(5:46)

رشيد رضا :تحريف الكلم عن مواضعه،هو إمالته و تنحيته عنها كأن يزيلوه بالمرّة،أو يضعوه في مكان غير مكانه من الكتاب،أو المراد ب(مواضعه):معانيه، كأن يفسّروه بغير ما يدلّ عليه،قال الأستاذ الإمام:

التّحريف يطلق على معنيين:

أحدهما:تأويل القول بحمله على غير معناه الّذي وضع له،و هو المتبادر،لأنّه هو الّذي حملهم على مجاحدة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و إنكار نبوّته و هم يعلمون؛إذ أوّلوا و لا يزالون يؤوّلون البشارات به إلى اليوم،كما يؤوّلون ما ورد في المسيح،و يحملونه على شخص آخر لا يزالون ينتظرونه.

ثانيهما:أخذ كلمة أو طائفة من(الكلم)من موضع من الكتاب،و وضعها في موضع آخر،و قد حصل مثل هذا التّشويش في كتب اليهود:خلطوا فيما يؤثر عن موسى عليه السّلام ما كتب بعده بزمن طويل،و كذلك وقع في كلام غيره من الأنبياء.و قد اعترف بهذا بعض المتأخّرين من أهل الكتاب،و إنّما كان هذا منهم بقصد الإصلاح.

و هذا النّوع من التّحريف لا يضرّ المسلمين،و لم يكن هو الحامل على إنكار ما جاء به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

هذا ما قرّره الأستاذ الإمام في الدّرس،و كتبت في مذكّرتي عند كتابته:كأنّه وجد عندهم قراطيس متفرّقة،أي بعد أن فقدت النّسخة الّتي كتبها موسى عليه السّلام، فأرادوا أن يؤلّفوا بين الموجود فجاء فيه ذلك الخلط،و هذا سبب ما جاء في أسفار التّوراة من الزّيادة و التّكرار.

و قد أثبت العلماء تحريف كتب العهد العتيق و العهد الجديد بالشّواهد الكثيرة.و في كتاب«إظهار الحقّ» للشّيخ رحمة اللّه الهنديّ مائة شاهد على التّحريف اللّفظيّ و المعنويّ فيها،و الأوّل ثلاثة أقسام:تبديل الألفاظ، و زيادتها،و نقصانها.

فمن الشّواهد على الزّيادة ما جاء في سفر التّكوين «36:31»و«هؤلاء الملوك الّذين ملكوا في أرض أدوم قبل أن ملك ملك لبني إسرائيل».و لا يمكن أن يكون هذا من كلام موسى عليه السّلام لأنّه لم يكن لبني إسرائيل ملك في تلك الأرض إلاّ من بعده،و كان أوّل ملوكهم«شاول» و هو بعد موسى بثلاثة قرون و نصف،و قد قال آدم كلارك-أحد مفسّري التّوراة-:أظنّ ظنّا قويّا قريبا من اليقين أنّ هذه الآيات،أي من(32-39)كانت مكتوبة على حاشية نسخة صحيحة من التّوراة،فظنّ النّاقل أنّها جزء المتن،فأدخلها فيه!!

و منها في سفر تثنية الاشتراع«3:14):«يائير بن منسيّ أخذ كلّ كورة أرجوب إلى تخم الجشوريّين و المعكيّين و دعاها على اسمه باشان حوّوث يائير إلى هذا اليوم»قال هورن في المجلّد الأوّل من تفسيره بعد إيراد هذه الفقرة و الفقرة السّابقة:«هاتان الفقرتان لا يمكن أن يكونا من كلام موسى عليه السّلام،لأنّ الأولى دالّة على أنّ مصنّف هذا الكتاب«سفر التّكوين أو التّوراة كلّها»وجد بعد زمان قامت فيه سلطنة بني إسرائيل، و الفقرة الثّانية دالّة على أنّ مصنّفه كان بعد زمان إقامة اليهود في فلسطين»إلى آخر ما قاله،و منه أنّ هاتين

ص: 474

الفقرتين ثقل على الكتاب و لا سيّما الثّانية.

و قد صرّح هؤلاء المفسّرون:بأنّ عزرا الكاتب قد زاد بعض العبارات في التّوراة،و صرّحوا في بعضها بأنّهم لا يعرفون من زادها،و لكنّهم يجزمون بأنّها ليست ممّا كتبه موسى.و كثرة الألفاظ البابليّة في التّوراة تدلّ على أنّها كتبت بعد سبي البابليّين لبني إسرائيل،و هنالك شواهد على تحريف سائر كتبهم،تراجع في الكتب المؤلّفة لبيان ذلك.(5:140)

نحوه المراغيّ.(5:52)

سيّد قطب :لقد بلغ من التوائهم و سوء أدبهم مع اللّه عزّ و جلّ أن يحرّفوا الكلام عن المقصود به،و الأرجح أنّ ذلك يعني تأويلهم لعبارات التّوراة يغير المقصود منها،و ذلك كي ينفوا ما فيها من دلائل على الرّسالة الأخيرة،و من أحكام كذلك و تشريعات يصدّقها الكتاب الأخير،و تدلّ وحدتها في الكتابين على المصدر الواحد.و تبعا لهذا على صحّة رسالة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و تحريف الكلم عن المقصود به ليوافق الأهواء،ظاهرة ملحوظة في كلّ رجال دين ينحرفون عن دينهم،و يتّخذونه حرفة و صناعة،يوافقون بها أهواء ذوي السّلطان في كلّ زمان،و أهواء الجماهير الّتي تريد التّفلّت من الدّين...و اليهود أبرع من يصنع ذلك،و إن كان في زماننا هذا من محترفي دين المسلمين من ينافسون-في هذه الخصلة-اليهود.(2:675)

نحوه محمود صافي.(5:54)

ابن عاشور :[التّحريف]هنا مستعمل في الميل عن سواء المعنى،و صريحه إلى التّأويل الباطل،كما يقال:

تنكّب عن الصّراط و عن الطّريق،إذا أخطأ الصّواب و صار إلى سوء الفهم أو التّضليل،فهو على هذا تحريف مراد اللّه في التّوراة إلى تأويلات باطلة،كما يفعل أهل الأهواء في تحريف معاني القرآن بالتّأويلات الفاسدة.

و يجوز أن يكون التّحريف مشتقّا من«الحرف»و هو الكلمة و الكتابة،فيكون مرادا به تغيير كلمات التّوراة و تبديلها بكلمات أخرى،لتوافق أهواء أهل الشّهوات في تأييد ما هم عليه من فاسد الأعمال،و الظّاهر أنّ كلا الأمرين قد ارتكبه اليهود في كتابهم.(4:145)

مغنيّة: كلّ كلام لا يتّفق مع مقاصدهم[اليهود] الشّريرة يحرّفونه عن مواضعه،حتّى و لو عقلوا و علموا أنّه من عند اللّه،فلقد حرّفوا من قبل،و وضعوا مكان آيات العدل و الرّحمة:الأمر بالسّلب و النّهب،و قتل النّساء و الأطفال.[إلى أن قال:]

لقد دعا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يهود الحجاز مرارا إلى اتّباع الحقّ و عدم تحريف الكلام،فكانوا يصرّون على العناد وَ يَقُولُونَ سَمِعْنا وَ عَصَيْنا... (2:339)

الطّباطبائيّ: وصف اللّه تعالى هذه الطّائفة بتحريف الكلم عن مواضعه؛و ذلك إمّا بتغيير مواضع الألفاظ بالتقديم و التّأخير و الإسقاط و الزّيادة،كما ينسب إلى التّوراة الموجودة،و إمّا بتفسير ما ورد عن موسى عليه السّلام في التّوراة،و عن سائر الأنبياء،بغير ما قصد منه من المعنى الحقّ،كما أوّلوا ما ورد في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله من بشارات التّوراة،و من قبل أوّلوا ما ورد في المسيح عليه السّلام من البشارة،و قالوا:إنّ الموعود لم يجئ بعد،و هم ينتظرون قدومه إلى اليوم.

ص: 475

و من الممكن أن يكون المراد بتحريف الكلم عن مواضعه ما سيذكره تعالى بقوله: وَ يَقُولُونَ سَمِعْنا وَ عَصَيْنا فتكون هذه الجملة معطوفة على قوله:

(يحرّفون)،و يكون المراد حينئذ من تحريف الكلم عن مواضعه:استعمال القول بوضعه في غير المحلّ الّذي ينبغي أن يوضع فيه.

فقول القائل:(سمعنا)من حقّه أن يوضع موضع الطّاعة،فيقال:سمعنا و أطعنا،لا أن يقال: سَمِعْنا وَ عَصَيْنا أو يوضع:(سمعنا)موضع التّهكّم و الاستهزاء،و كذا قول القائل:(اسمع)،ينبغي أن يقال فيه:اسمع أسمعك اللّه،لا أن يقال: اِسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ أي لا أسمعك اللّه،(و راعنا)و هو يفيد في لغة اليهود معنى:

اسمع غير مسمع.(4:364)

حسنين مخلوف: يميلونه عن مواضعه،و يجعلون مكانه غيره،أو يتأوّلونه على ما يشتهون،من التّحريف و هو التّغيير،و منه قولهم:طاعون يحرّف القلوب،أي يميلها و يجعلها على حرف،أي جانب و طرف،و أصله من«الحرف»،يقال:حرّف الشّيء عن وجهه:صرفه عنه.(1:152)

عبد الكريم الخطيب : مِنَ الَّذِينَ هادُوا...

يكشف،عن تلبيسات اليهود،و موارد نفاقهم،إنّهم ينافقون بالكلمة و بالعمل معا،تلتوي ألسنتهم بالكلمات فتزيلها عن معانيها الّتي لها،و تعبث أيديهم بالعمل فتموّهه و تزيّفه،و تجعل ظاهره غير باطنه،كما يطلى المعدن الخسيس بسراب خادع من معدن كريم.

(3:806)

المصطفويّ: أي يجعلون الكلمات و الجملات خارجة عمّا وضعت لها و فيها،و يضعونها في أطراف تلك المواضع.و هذا التّحريف إمّا من جهة المعنى،فيكون المراد من المواضع:المصاديق،أو من جهة الظّاهر و المكان و المحلّ،فيكون المراد:تغيير محالّها إلى أطراف تلك المواضع.و أمّا تبديل الكلمة بكلمة أخرى فليس بتحريف.(2:213)

مكارم الشّيرازيّ: تشرح هذه الآية صفات جماعة من أعداء الإسلام،و تشير إلى جانب من أعمالهم و مواقفهم،فتقول أوّلا:إنّ أحد أعمال هذه الجماعة هو تحريف الحقائق،و تغيير حقيقة الأوامر الإلهيّة مِنَ الَّذِينَ هادُوا... أي أنّ جماعة من اليهود يحرّفون الكلمات عن مواضعها.

و هذا التّحريف قد يكون له جانب لفظيّ،و قد يكون له جانب معنويّ و عمليّ.أمّا العبارات اللاّحقة فتفيد أنّ المراد من التّحريف في المقام هو التّحريف اللّفظيّ،و تغيير العبارة.(3:225)

فضل اللّه :هؤلاء هم اليهود الّذين هم أشدّ النّاس عداوة للّذين آمنوا،و قد حدّثنا اللّه عنهم أنّهم لا يواجهون القضايا من موقع مداليلها الحقيقيّة بصراحة،و لا يستقيمون في تعاملهم مع المبادئ و الأشخاص و الكلمات،بل يعملون على تحريف الأمور -و لا سيّما الكلمات الّتي توحي بالمبادئ الصّحيحة- عن مواضعها،بما يتناسب مع شهواتهم و أهدافهم.

و لهذا فإنّ على المؤمنين أن يحذروا منهم حتّى في الحالات الّتي يتحدّثون فيها بكلام اللّه،لأنّهم-أي

ص: 476

اليهود-يعرفون من كلام اللّه ما لا يعرفه غيرهم،و بذلك يضلّلون النّاس باسم الهدى،و هم لا يشعرون.

و هذا أسلوب قرآنيّ يريد اللّه من خلاله أن يوحي للمؤمنين بأن يدرسوا طبيعة الأشخاص من مواقع تاريخهم و انتماءاتهم و علاقاتهم و مواقفهم،قبل الاستماع إليهم،ليعرفوا من ذلك نوعيّة الأساليب الّتي يتّبعونها في الدّعوة و المعاملة و الموقف،ليحذروا ممّا يمكن أن يكون موقفا للحذر في ذلك كلّه.(7:287)

و بهذا المعنى جاءت الآيتان:

1- وَ جَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَ نَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ. المائدة:13

2- وَ مِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ.

المائدة:41

يحرّفونه

أَ فَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَ قَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ. البقرة:75

ابن عبّاس: يغيّرونه مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ و فهموه، وَ هُمْ يَعْلَمُونَ أنّهم يغيّرونه.(12)

هم الّذين انطلقوا مع موسى إلى الجبل فسمعوا كلام اللّه ثمّ حرّفوه،و زادوا فيه.

مثله مقاتل.(الواحديّ 1:160)

مجاهد :إنّهم علماء اليهود،و الّذي يحرّفونه:

التّوراة،فيجعلون الحلال حراما و الحرام حلالا،اتّباعا لأهوائهم،و إعانة لراشيهم.

مثله السّدّيّ.(الماورديّ 1:147)

و نحوه ابن زيد(1:367)،و الشّوكانيّ(1:131).

الّذين غيّروا آية الرّجم و صفة محمّد عليه السّلام.

مثله قتادة و السّدّيّ.(الواحديّ 1:160)

الرّبيع: إنّهم الّذين اختارهم موسى من قومه، فسمعوا كلام اللّه فلم يمتثلوا أمره،و حرّفوا القول في إخبارهم لقومهم.

مثله ابن إسحاق.(الماورديّ 1:147)

الإمام العسكريّ عليه السّلام: ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ عمّا سمعوه إذا أدّوه إلى من وراءهم من سائر بني إسرائيل 292)

مثله الكاشانيّ(1:131)،و البحرانيّ(1:438)، و شبّر(1:112).

الطّبريّ: و يعني بقوله: ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ ثمّ يبدّلون معناه و تأويله،و يغيّرونه.و أصله من انحراف الشّيء عن جهته،و هو ميله عنها إلى غيرها،فكذلك يُحَرِّفُونَهُ أي يميلونه عن جهته و معناه الّذي هو معناه إلى غيره.(1:368)

القمّيّ: إنّما نزلت في اليهود،و قد كانوا أظهروا الإسلام و كانوا منافقين،[إلى أن قال:]

و كان قوم منهم يحرّفون التّوراة و أحكامه،ثمّ يدّعون أنّه من عند اللّه.(1:50)

الماورديّ: في ذلك قولان:

أحدهما:[قول مجاهد و السّدّيّ المتقدّم]

و الثّاني:[قول الرّبيع و ابن إسحاق المتقدّم،إلى أن

ص: 477

قال:]

و في قوله: مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ... وجهان:

أحدهما:من بعد ما سمعوه،و هم يعلمون أنّهم يحرّفونه.

و الثّاني:من بعد ما عقلوه،و هم يعلمون ما في تحريفه من العقاب.(1:147)

الطّوسيّ: قوله: مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ قيل:فيه وجهان:[و ذكر الماورديّ و أضاف:]

و الذي يليق بمذهبنا في الموافاة أن نقول:إنّ معناه و هم يعلمون أنّهم يحرّفونه.

فإن قيل:فلما ذا أخبر اللّه عن قوم بأنّهم حرّفوا و فعلوا ما فعلوا من المعاندة ما يجب أن يؤيس من إيمان من هو في هذا الوقت،و أيّ علقة بين الموضوعين و الحالين؟

قيل:ليس كلّما يطمع فيه يؤيس منه على وجه الاستيقان بأنّه لا يكون،لأنّ الواحد من أفناء العامّة (1)لا يطمع أن يصير ملكا،و مع ذلك لا يمكن القطع على كلّ حال أنّ ذلك لا يكون أبدا،و لكن لا يطمع فيه لبعده.

و اللّه تعالى نفى عنهم الطّمع و لم يؤيسهم على القطع و الثّبات،و إنّما لم يطمع فيهم لبعد ذلك من الوهم منهم مع أحوالهم الّتي كانوا عليها.

و شبّههم بأسلافهم المعاندين،و قد كانوا قادرين على أن يؤمنوا،و كان ذلك منه جائزا.و هؤلاء الّذين عاندوا-و هم يعلمون-كان قليلا عددهم،يجوز على مثلهم التّواطؤ و الاتّفاق و كتمان الحقّ،و إنّما يمتنع ذلك في الجمع العظيم و الخلق الكثير،فأمّا على وجه التّواطؤ و العمد فلا يمتنع فيهم أيضا.فيبطل بذلك قول من نسب فريقا إلى المعاندة دون جميعهم،و إن كانوا بأجمعهم كفّارا.

(1:313)

القشيريّ: أنبأهم عن إيمانهم،و ذكر أنّهم بعد سماع الخطاب من اللّه سبحانه حرّفوا و بدّلوا،فكيف يؤمنون لكم و إنّما يسمعون بواسطة الرّسالة،و من لم يبق على الإيمان بعد العيان فكيف يؤمن بالبرهان،و الّذي لم يصلح للحقّ لا يصلح لكم.و من لم يحتشم من الحقّ فيكف يحتشم منكم؟(1:112)

الواحديّ: يَسْمَعُونَ كَلامَ اللّهِ يعني التّوراة ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ أي يغيّرونه.[و نقل قولي ابن عبّاس و مجاهد الأخيرين و أضاف:]

و ذلك أنّهم لمّا رجعوا إلى قومهم سألهم الّذين لم يذهبوا معهم،فقالت طائفة منهم: لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ المائدة:41،سمعنا اللّه في آخر كلامه يقول:إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا،و إن شئتم فلا تفعلوا و لا بأس،فغيّروا ما سمعوا و لم يؤدّوه على الوجه الّذي سمعوه،فقيل في هؤلاء الّذين شاهدهم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

إنّهم إن كفروا و حرّفوا فلهم سابقة في كفرهم،و هذا ممّا يقطع الطّمع في إيمانهم.

و قوله تعالى: وَ هُمْ يَعْلَمُونَ أي لم يفعلوا ذلك عن خطإ و نسيان بل فعلوه عن قصد و تعمّد.

(1:160)

البغويّ: يغيّرون ما فيها[التّوراة]من الأحكام.

مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ: علموه،كما غيّروا صفة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّمو.

ص: 478


1- أي لا يعلم ممّن هو.

و آية الرّجم.(1:135)

نحوه البروسويّ.(1:166)

الزّمخشريّ: كما حرّفوا صفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و آية الرّجم.

و قيل:كان قوم من السّبعين المختارين،سمعوا كلام اللّه حين كلّم موسى بالطّور و ما أمر به و نهى،ثمّ قالوا:

سمعنا اللّه.يقول في آخره:إن استطعتم أن تفعلوا هذه الأشياء فافعلوا،و إن شئتم فلا تفعلوا فلا بأس.

و قرئ (كلم اللّه) مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ من بعد ما فهموه و ضبطوه بعقولهم،و لم تبق لهم شبهة في صحّته.

(1:291)

نحوه البيضاويّ(1:64)،و النّسفيّ(1:57)، و النّيسابوريّ(1:350)،و الشّربينيّ(1:72).

ابن عطيّة: قال مجاهد و السّدّيّ:عنى ب(الفريق) هنا:الأحبار الّذين حرّفوا التّوراة في صفة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

و قيل:المراد كلّ من حرّف في التّوراة شيئا،حكما أو غيره،كفعلهم في آية الرّجم و نحوها.[ثمّ نقل قول ابن إسحاق و الرّبيع و قال:]

و في هذا القول ضعف،و من قال:إنّ السّبعين سمعوا ما سمع موسى فقد أخطأ،و أذهب فضيلة موسى عليه السّلام، و اختصاصه بالتّكليم.

و قرأ الأعمش (كلم اللّه) ،و تحريف الشّيء:إحالته من حال إلى حال.

و ذهب ابن عباس رضي اللّه عنه إلى أنّ تحريفهم و تبديلهم إنّما هو بالتّأويل و لفظ التّوراة باق.و ذهب جماعة من العلماء إلى أنّهم بدّلوا ألفاظا من تلقائهم،و أنّ ذلك ممكن في التّوراة،لأنّهم استحفظوها،و غير ممكن في القرآن،لأنّ اللّه تعالى ضمن حفظه.(1:167)

الطّبرسيّ: قوله: ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ قيل:فيه وجهان:

أحدهما:أن يكون معناه أنّهم غيّروه من بعد ما فهموه فانكروه عنادا وَ هُمْ يَعْلَمُونَ أنّهم يحرّفونه، أي يغيّرونه.

و الثّاني:أنّ معناه من بعد ما تحقّقوه و هم يعلمون ما عليهم في تحريفه من العقاب.و الأوّل أليق بمذهبنا في الموافاة.

و إنّما أراد اللّه سبحانه بالآية أنّ هؤلاء اليهود الّذين كانوا على عهد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إن لم يؤمنوا به و كذّبوه و جحدوا نبوّته فلهم بآبائهم و أسلافهم الّذين كانوا في زمان موسى عليه السّلام أسوة،إذ جروا على طريقتهم في الجحد و العناد، و هؤلاء الّذين عاندوا و حرّفوا معدودين،يجوز على مثلهم التّواطؤ و الاتّفاق في كتمان الحقّ،و إن كان يمتنع ذلك على الجمع الكثير و الجمّ الغفير،لأمر يرجع إلى اختلاف الدّواعي،و يبطل قول من قال:إنّهم كانوا كلّهم عارفين معاندين،لأنّ اللّه سبحانه إنّما نسب فريقا منهم إلى المعاندة و إن كانوا بأجمعهم كافرين.

و في هذه الآية دلالة على عظم الذّنب في تحريف الشّرع،و هو عامّ في إظهار البدع في الفتاوى و القضايا و جميع أمور الدّين.(1:142)

ابن الجوزيّ: [ذكر الأقوال في المخاطبين بهذه الآية ثمّ قال:]و في سماعهم لكلام اللّه قولان:

أحدهما:أنّهم قرءوا التّوراة فحرّفوها،هذا قول

ص: 479

مجاهد و السّدّيّ في آخرين.فيكون سماعهم لكلام اللّه بتبليغ نبيّهم،و تحريفهم:تغيير ما فيها.

و الثّاني:أنّهم السّبعون الّذين اختارهم موسى...[و ذكر قول مقاتل]

و الأوّل أصحّ.(1:103)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّا إن قلنا:بأنّ المحرّفين هم الّذين كانوا في زمن موسى عليه السّلام،فالأقرب أنّهم حرّفوا ما لا يتّصل بأمر محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم[ثمّ ذكر رواية السّبعين الّتي رواها الزّمخشريّ]

و أمّا إن قلنا:المحرّفون هم الّذين كانوا في زمن محمّد عليه الصّلاة و السّلام،فالأقرب أنّ المراد تحريف أمر محمّد عليه الصّلاة و السّلام،و ذلك إمّا أنّهم حرّفوا نعت الرّسول و صفته،أو لأنّهم حرّفوا الشّرائع كما حرّفوا آية الرّجم.و ظاهر القرآن لا يدلّ على أنّهم أيّ شيء حرّفوا.

لقائل أن يقول:كيف يلزم من إقدام البعض على التّحريف حصول اليأس من إيمان الباقين،فإنّ عناد البعض لا ينافي إقرار الباقين؟

أجاب القفّال عنه،فقال:يحتمل أن يكون المعنى:

كيف يؤمن هؤلاء و هم إنّما يأخذون دينهم و يتعلّمونه من قوم يتعمّدون التّحريف عنادا،فأولئك إنّما يعلّمونهم ما حرّفوه و غيّروه عن وجهه،و المقلّدة لا يقبلون إلاّ ذلك،و لا يلتفتون إلى قول أهل الحقّ؛و هو كقولك للرّجل:كيف تفلح و أستاذك فلان!أي و أنت عنه تأخذ و لا تأخذ عن غيره.(3:135)

ابن عربي: (أ فتطمعون)أن يوحّدوا بتوحيد الصّفات لأجل هدايتكم،و قد كان فريق منهم يقبلون صفات اللّه،ثمّ يحرّفونها بنسبتها إلى أنفسهم، مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ أي علموا توحيد الصّفات و ما وجدوه بالعيان.(و هم يعلمون)أنّ تلك الصّفات للّه،لكن نفوسهم ينتحلونها بالإشراك حالة ذهول العقل عن استيلائها على القلب،لعدم كون توحيدهم ملكة و حالا،بل علما.(1:65)

القرطبيّ: [نقل قول مجاهد و السّدّيّ الأوّل و أضاف:]

مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ أي عرفوه و علموه،و هذا توبيخ لهم،أي إنّ هؤلاء اليهود قد سلفت لآبائهم أفاعيل سوء و عناد،فهؤلاء على ذلك السّنن،فكيف تطمعون في إيمانهم.و دلّ هذا الكلام أيضا على أنّ العالم بالحقّ المعاند فيه بعيد من الرّشد،لأنّه علم الوعد و الوعيد،و لم ينهه ذلك عن عناده.(2:3)

الخازن :أي يغيّرون كلام اللّه و يبدّلونه.

فمن فسّر الفريق الّذين يسمعون كلام اللّه بالفريق الّذين كانوا مع موسى عليه السّلام،استدلّ بقول ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:أنّها نزلت في السّبعين الّذين اختارهم موسى لميقات ربّه،و ذلك لأنّهم لمّا رجعوا إلى قومهم بعد ما سمعوا كلام اللّه،أمّا الصّادقون منهم فإنّهم أدّوا كما سمعوا.و قالت طائفة منهم:سمعنا اللّه يقول في آخر كلامه:إن استطعتم أن تفعلوا فافعلوا،و إن شئتم فلا تفعلوا،فكان هذا تحريفهم.

و من فسّر الفريق الّذين كانوا يسمعون كلام اللّه بالّذين كانوا في زمن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،قال:كان تحريفهم

ص: 480

تبديلهم صفة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و آية الرّجم في التّوراة.(1:64)

أبو حيّان :التّحريف الّذي وقع قيل:في صفة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فإنّهم وصفوه بغير الوصف الّذي هو عليه حتّى لا تقوم عليهم به الحجّة.و قيل:في صفته و في آية الرّجم مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ. (1:272)

ابن كثير :أي يتأوّلونه على غير تأويله، مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ أي فهموه على الجليّة،و مع هذا يخالفونه على بصيرة وَ هُمْ يَعْلَمُونَ أنّهم مخطئون...

(1:200)

أبو السّعود : ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ عن مواضعه لا لقصور فهمهم عن الإحاطة بتفاصيله على ما ينبغي، لاستيلاء الدّهشة و المهابة حسبما يقتضيه مقام الكبرياء، بل مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ أي فهموه و ضبطوه بعقولهم.

(1:151)

الطّريحيّ: أي يقلبونه و يغيّرونه.(5:36)

الآلوسيّ: أي يسمعون التّوراة و يؤوّلونها تأويلا فاسدا حسب أغراضهم،و إلى ذلك ذهب ابن عبّاس رضي اللّه عنهما،و الجمهور على أنّ تحريفها بتبديل كلام من تلقائهم،كما فعلوا في نعته صلّى اللّه عليه و سلّم.(1:298)

القاسميّ: أي يميلونه عن وجهه،و معناه الّذي هو معناه إلى غيره، مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ [ثمّ ذكر نحو ابن كثير](2:166)

رشيد رضا :يغيّرونه كنعت محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و آية الرّجم،و قيل:هؤلاء من السّبعين المختارين الّذين سمعوا كلام اللّه.[كما رواه الزّمخشريّ و غيره و قد تقدّم]

(1:72)

طنطاوي: هم الأحبار يسمعون التّوراة ثمّ يحرّفون كلامه من بعد ما فهموه،و هم يعلمون أنّهم مفترون.

(1:91)

المراغيّ: و خلاصة المعنى:استبعاد الطّمع في إيمان هؤلاء،فقد كان لهم سلف من الأحبار و الرّؤساء على تلك الحال الشّنيعة،من تحريف لكلام اللّه بعد سماعه و تأويله بحسب ما يشاءون،و ليس هؤلاء بأحسن حالا من أولئك.(1:149)

سيّد قطب :الفريق المشار إليه هنا هو أعلم اليهود و أعرفهم بالحقيقة المنزلة عليهم في كتابهم،هم الأحبار و الرّبانيّون،الّذين يسمعون كلام اللّه المنزل على نبيّهم موسى في التّوراة ثمّ يحرّفونه عن مواضعه،و يؤوّلونه التّأويلات البعيدة الّتي تخرج به عن دائرته،لا عن جهل بحقيقة مواضعه،و لكن عن تعمّد للتّحريف،و علم بهذا التّحريف،يدفعهم الهوى،و تقودهم المصلحة،و يحدوهم الغرض المريض،فمن باب أولى ينحرفون عن الحقّ الّذي جاء به محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و قد انحرفوا عن الحقّ الّذي جاء به نبيّهم موسى عليه السّلام،و من باب أولى-و هذا خراب ذممهم، و هذا إصرارهم على الباطل و هم يعلمون بطلانه-أن يعارضوا دعوة الإسلام،و يروغوا منها و يختلقوا عليها الأكاذيب.(1:84)

عزّة دروزة :فقد كان منهم من يسمع آيات القرآن،ثمّ يحرّفون ما سمعوا تعمّدا بقصد التّشويش و التّعطيل و التّشكيك،بعد أن يكونوا عقلوه و فهموه.

(7:198)

ابن عاشور :المراد بالتّحريف:إخراج الوحي

ص: 481

و الشّريعة عمّا جاءت به،إمّا بتبديل و هو قليل،و إمّا بكتمان بعض و تناسيه،و إمّا بالتّأويل البعيد،و هو أكثر أنواع التّحريف.(1:55)

مغنيّة: قد كان أسلاف هؤلاء اليهود يسمعون كلام اللّه من موسى،مقترنا بالآيات و المعجزات، فيحرّفونه و يتأوّلونه حسب أهوائهم،على علم منهم بالحقّ،و تصميم على مخالفته.و ما حال يهود المدينة إلاّ كحال أسلافهم،حرّف السّلف،و جعل الحلال حراما و الحرام حلالا،تبعا لهواه.و حرّف الخلف أوصاف محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم الواردة في التّوراة،كي لا تقوم عليهم الحجّة.(1:131)

الطّباطبائيّ: يعني أنّ كتمان الحقائق و تحريف الكلام من شيمهم،فلا ينبغي أن يستبعد نكولهم عمّا قالوا،و نقضهم ما أبرموا.(1:213)

عبد الكريم الخطيب :أي أنّهم يحرّفون عن عمد و يضلّون على علم،و تلك هي قاصمة الظّهر،فلو أنّهم حرّفوا عن سهو أو أخطئوا عن جهل،لكان لهم وجه من العذر،و لكنّهم عن عمد حرّفوا،و على علم ضلّوا و أضلّوا.(1:100)

المصطفويّ: أي بعد زمان ثبوت الكلام في موضعه و تعقّلهم و علمهم به.فلا يخفى لطف التّعبير بالتّحريف دون التّبديل و التّغيير،فإنّ التّبديل في كلمة أو كلام غير ممكن عادة مع تعدّد النّسخ و انتشارها.

و إذا اتّضح مفهوم التّحريف،فليكن المسلمون على حذر،و لا يفسّروا القرآن برأيهم،و لا يحرّفوا كلماته عن مواضعها عمدا أو جهلا بمفاهيمها.(2:213)

مكارم الشّيرازيّ: من عبارة وَ قَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ نفهم أنّ بني إسرائيل لم يكونوا بأجمعهم محرّفين، بل إن فريقا منهم-و من المحتمل أن يشكّل عددهم أكثريّة بني إسرائيل-كانوا هم المحرّفين.

ورد في أسباب النّزول أنّ مجموعة من بني إسرائيل حين عادوا من جبل الطّور قالوا:سمعنا أنّ اللّه قال لموسى:اعملوا بأوامري قدر استطاعتكم،و اتركوها متى تعذّر عليكم العمل بها،و كان ذلك أوّل تحريف في بني إسرائيل.

على أيّ حال،كان من المتوقّع أن يكون اليهود أوّل من يؤمن بالرّسالة الإسلاميّة بعد إعلانها،لأنّهم أهل كتاب-خلافا للمشركين-و لأنّهم قرءوا صفات النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في كتبهم،لكن القرآن يوجّه أنظار المسلمين إلى الحالة النّفسيّة السّائدة لدى هؤلاء القوم،و يوضّح لهم أنّ الانحراف النّفسيّ يدفع إلى الإعراض عن الحقيقة،مهما كانت هذه الحقيقة واضحة بيّنة.

(1:239)

فضل اللّه :(ثمّ يحرّفونه)[التّوراة]و يؤوّلونه، و يبتعدون به عن ظاهره إلى معنى آخر،لا علاقة له بالحقائق العقيديّة الإيمانيّة.(2:97)

متحرّفا

وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ. الأنفال:16

ابن عبّاس: مستطردا للقتال،و يقال:

للكرّة.(146)

ص: 482

1Lسعيد بن جبير: أي يفرّ بين يدي قرنه مكيدة، ليريه أنّه قد خاف منه فتبعه،ثمّ يكرّ عليه فيقتله،فلا بأس في ذلك.

مثله السّدّيّ.(ابن كثير 3:292)

الضّحّاك: المتحرّف:المتقدّم من أصحابه ليرى غرّة من العدوّ فيصيبها.(الطّبريّ 9:200)

الحسن :أي تاركا موقفا إلى موقف آخر أصلح للقتال من الأوّل.(الطّبرسيّ 2:529)

نحوه شبّر(3:12)،و مغنيّة(3:461).

السّدّيّ: إلاّ مستطردا يريد العودة.

(الطّبريّ 9:201)

الطّبريّ: إلاّ مستطردا لقتال عدوّه،بطلب عورة له يمكنه إصابتها،فيكرّ عليه.(9:201)

عبد الجبّار: بيّن أنّ من ولاّهم دبره متحرّفا لقتال،عادلا من جهة إلى جهة،لظنّه بأنّه أقرب إلى الظّفر فذلك مباح.و كذلك من ولاّهم دبره متحيّزا...(1:317)

الماورديّ: هو أن يهرب ليطلب،و يفرّ ليكرّ،فإنّ الحرب كرّ و فرّ،و هرب و طلب.(2:303)

الطّوسيّ: نصب على الحال،و تقديره:إلاّ أن يتحرّف لأن يقاتل.و كذلك(متحيّزا)نصب على الحال (الى فئة).و يجوز النّصب فيهما على الاستثناء.

(2:109)

القشيريّ: الإشارة في قوله: إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ بإيثار بعض الرّخص ليتقوّى على ما هو أشدّ،كأكله مثلا ما يقيم صلبه ليقوى على السّهر،و كترفّقه بنفسه بإيثار بعض الرّاحة من إزالة عطش،أو نفي مقاساة جوع أو برد أو غيره،لئلاّ يبقى عن مراعاة قلبه،و لاستدامة اتّصال قلبه به،فإن ترك بعض أوراد الظّاهر لئلاّ يبقى به عن الاستقامة في أحكام واردات السّرائر أخذ في حقّ الجهاد بحزم.(2:304)

الواحديّ: أي منعطفا كأنّه يطلب عورة يمكنه إصابتها،ينحرف عن وجهه،و يري أنّه منهزم،ثمّ يكرّ.

(2:448)

البغويّ: أي منعطفا،يري من نفسه الانهزام، و قصده طلب الغرّة،و هو يريد الكرّة.(2:277)

الزّمخشريّ: هو الكرّ بعد الفرّ،يخيّل عدوّه أنّه منهزم،ثمّ يعطف عليه،و هو باب من خدع الحرب و مكائدها.(2:149)

نحوه الفخر الرّازيّ(15:137)،و ابن جزيّ(1:

63)،و الكاشانيّ(2:286)

ابن عطيّة: يراد به الّذي يرى أنّ فعله ذلك أنكى للعدوّ،و أعود عليه بالشّرّ.و نصبه على الحال،و كذلك نصب(متحيّزا).و أمّا الاستثناء فهو من المولّين الّذين يتضمّنهم(من).و قال قوم:الاستثناء هو من أنواع التّولّي،و لو كان ذلك لوجب أن يكون إلاّ تحرّفا و تحيّزا.

(2:510)

الطّبرسيّ: [ذكر قول الحسن ثمّ قال:]

و قيل:معناه إلاّ منعطفا مستطردا،كأنّه يطلب عورة يمكنه إصابتها فيتحرّف عن وجه،و يري أنّه يفرّ ثمّ يكرّ،و الحرب كرّ و فرّ.(4:529)

القرطبيّ: التّحرّف:الزّوال عن جهة الاستواء،

ص: 483

فالمتحرّف من جانب إلى جانب لمكايد الحرب غير منهزم،و كذلك المتحيّز إذا نوى التّحيّز إلى فئة من المسلمين،ليستعين بهم فيرجع إلى القتال،غير منهزم أيضا.(7:383)

نحوه الشّوكانيّ.(2:369)

البيضاويّ: يريد الكرّ بعد الفرّ،و تغرير العدوّ، فإنّه من مكائد الحرب.(1:318)

مثله طنطاوي(5:27)،و نحوه المشهديّ(4:32).

البروسويّ: [مثل أبي السّعود،إلى أن قال:]

و انتصابه على الحاليّة.و التّقدير:و من يولّهم ملتبسا بحال من الأحوال؛أيّة حال كانت،إلاّ في حال كذا، أَوْ مُتَحَيِّزاً.... (3:323)

البحرانيّ: يعني يرجع.(4:293)

الآلوسيّ: أي تاركا موقفه إلى موقف أصلح منه، أو متوجّها إلى قتال طائفة أخرى أهمّ من هؤلاء،أو مستطردا يريد الكرّ،كما روي عن ابن جبير.

(9:181)

القاسميّ: أي مائلا له.[ثمّ أدام نحو أبي السّعود]

(8:2963)

رشيد رضا :أي إلاّ متحرّفا لمكان من أمكنة القتال رآه أحوج إلى القتال فيه.أو متحرّفا لضرب من ضروبه رآه أبلغ في النّكاية بالعدوّ،كأن يوهم خصمه أنّه منهزم منه ليغريه باتباعه،فينفرد عن أشياعه،فيكرّ عليه فيقتله.(9:616)

نحوه المراغيّ(1:179)،و محمّد عبد المنعم الجمّال.(2:1125).

النّسفيّ: مائلا.[ثمّ أدام نحو الزّمخشريّ](2:98)

النّيسابوريّ: بيّن[اللّه]أنّ الانهزام محرّم إلاّ في حالتين،فقال: إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ ...(او متحيّزا).

[و ذكر نحو الزّمخشريّ](9:133)

الخازن :يعني إلاّ منقطعا إلى القتال،يري عدوّه من نفسه الانهزام،و قصده طلب الكرّة على العدوّ و العود إليه.(3:13)

الفاضل المقداد: التّحرّف للقتال:الاستعداد له بأن يصلح لأمته،أو يطلب ماء لمكان عطشه،أو مأكولا لجوعه،أو تكون الشّمس في مقابلته و يتأذّى بها،أو غير ذلك.(1:357)

الشّربينيّ: أي منعطفا(لقتال)بأن يريهم أنّه منهزم خداعا،ثمّ يكرّ عليهم،و هو باب من مكائد الحرب.(1:561)

نحوه طه الدّرّة.(5:202)

أبو السّعود : إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ إمّا بالتّوجّه إلى قتال طائفة أخرى أهمّ من هؤلاء،و إمّا بالفرّ للكرّ،بأن يخيّل لعدوّه أنّه منهزم،ليغرّه و يخرجه من بين أعوانه،ثمّ يعطف عليه وحده،أو مع من في الكمين من أصحابه، و هو باب من خدع الحرب،و مكائدها.(3:86)

الطّريحيّ: التّحرّف:الميل إلى حرف،أي طرف، و قيل:يريد الكرّ بعد الفرّ و تغرير العدوّ.(5:36)

سيّد قطب :و المعنى:يا أيّها الّذين آمنوا،إذا واجهتم الّذين كفروا(زحفا)أي متدانين متقاربين متواجهين،فلا تفرّوا عنهم،إلاّ أن يكون ذلك مكيدة حرب،حيث تختارون موقعا أحسن،أو تدبّرون خطّة

ص: 484

أحكم،أو أن يكون ذلك انضماما إلى فئة أخرى من المسلمين،أو إلى قواعد المسلمين،لتعاودوا القتال.

(3:1487)

عزّة دروزة :قاصدا أسلوبا من أساليب القتال و الحركات الحربيّة.(8:16)

ابن عاشور :استثني منه[أي من الفرار]حالة التّحرّف،لأجل الحيلة الحربيّة،و الانحياز إلى فئة من الجيش للاستنجاد بها أو لإنجادها.[إلى أن قال:]

و التّحرّف:الانصراف إلى الحرف،و هو المكان البعيد عن وسطه،فالتّحرّف:مزايلة المكان المستقرّ فيه، و العدول إلى أحد جوانبه،و هو يستدعي تولية الظّهر لذلك المكان،بمعنى الفرار منه.

و اللاّم للتّعليل،أي إلاّ في حال تحرّف،أي مجانبة لأجل القتال.أي لأجل أعماله إن كان المراد بالقتال الاسم،أو لأجل إعادة المقاتلة إن كان المراد بالقتال المصدر،و تنكير(قتال)يرجّح الوجه الثّاني.

فالمراد بهذا التّحرّف ما يعبّر عنه بالفرّ لأجل الكرّ، فإنّ الحرب كرّ و فرّ.(9:46)

الطّباطبائيّ: التّحرّف:الزّوال عن جهة الاستواء إلى جهة الحرف،و هو طرف الشّيء،و هو أن ينحرف و ينعطف المقاتل من جهة إلى جهة أخرى ليتمكّن من عدوّه،و يبادر إلى إلقاء الكيد عليه.(9:37)

عبد الكريم الخطيب :[أي]حال واحدة هي الّتي يحقّ للمؤمن فيها أن يعطي العدوّ ظهره،و هو أن يتحرّف لقتال،أي يريد تغيير موقفه الّذي هو فيه، و يتخيّر موقفا آخر أمكن له،و أصلح لموقفه في القتال.

(5:581)

مكارم الشّيرازيّ: استثنت الآية صورتين من مسألة الفرار،ظاهرهما أنّهما من صور الفرار،غير أنّهما في الحقيقة و الواقع صورتان للقتال و الجهاد:

الصّورة الأولى:عبّر عنها ب(متحرّفا لقتال) و«متحرّف»من مادّة«التّحرّف»أي الابتعاد جانبا من الوسط نحو الأطراف و الجوانب،و المقصود بهذه الجملة هو أنّ المقاتلين يقومون بتكتيك قتاليّ إزاء الأعداء، فيفرّون من أمامهم نحو الأطراف ليلحقوهم،ثمّ ليغافلوهم في توجيه ضربة قويّة إليهم،و ليرهقوهم بإجراء الهجوم و الانسحاب المتتابع،و كما يقول العرب:

الحرب كرّ و فرّ.

و الصّورة الثّانية:أن يرى المقاتل نفسه وحيدا في ساحة القتال،فينسحب للالتحاق بإخوانه المقاتلين، و ليهجم من جديد على الأعداء.

و على كلّ حال فلا ينبغي تفسير هذا التّحريم بشكل جافّ يضيع به الكثير من أساليب الحرب و خدعها، و الّتي هي أساس كثير من الانتصارات.(5:350)

حرف

وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلى حَرْفٍ. الحجّ:11

ابن عبّاس: على وجه تجربة و شكّ و انتظار نعمة.

(الطّبريّ 17:123)

نحوه طنطاوي.(11:5)

مجاهد :على شكّ.

مثله قتادة.(الطّبريّ 17:123)

ص: 485

و مثله اليزيديّ(259)،و أبو عبيد(أبو حيّان 6:354) و ابن الأعرابيّ(الأزهريّ 5:15)،و الطّبريّ(17:

122)،و القمّيّ(2:79).

الحسن :يعني المنافق،يعبده بلسانه دون قلبه.

(الطّوسيّ 7:296)

فإنّه من يعبد اللّه بلسانه دون قلبه.(الطّبرسيّ 4:75)

الإمام الباقر عليه السّلام: يعني على شكّ في محمّد فيما جاء به...(العروسيّ 3:473)

مثله الطّريحيّ.(5:36)

الإمام الصّادق عليه السّلام: [في حديث ضريس:]«إنّ الآية تنزل في الرّجل،ثمّ يكون في أتباعه».ثمّ قلت:كلّ من نصب دونكم شيئا فهو ممّن عبد اللّه على حرف؟ فقال:«نعم و قد يكون محضا».(العروسيّ 3:473)

ابن زيد :هذا المنافق،إن صلحت له دنياه أقام على العبادة،و إن فسدت عليه دنياه و تغيّرت،انقلب و لا يقيم على العبادة إلاّ لما صلح من دنياه...(الطّبريّ 17:123)

أبو عبيدة :كلّ شاكّ في شيء فهو على حرف، لا يثبت و لا يدوم.

و تقول:إنّما أنت لي على حرف،أي لا أثق بك.

(2:46)

ابن قتيبة :أراد سبحانه و تعالى:من النّاس من يعبد اللّه على الخير يصيبه من تثمير المال و عافية البدن و إعطاء السّؤل،فهو مطمئنّ ما دام ذلك له،و إن امتحنه اللّه تعالى باللّأواء في عيشه و الضّرّاء في بدنه و ماله،كفر به.

فهذا عبد اللّه على وجه واحد،و معنى متّحد و مذهب واحد،و هو معنى الحرف.و لو عبد اللّه على الشّكر للنّعمة،و الصّبر للمصيبة،و الرّضا بالقضاء،لم يكن عبده على حرف.(تأويل مشكل القرآن:36)

الزّجّاج: جاء في التّفسير على شكّ،و حقيقته أنّه يعبد اللّه على حرف الطّريقة في الدّين،لا يدخل فيه دخول متمكّن.(3:414)

النّحّاس: على حرف طريقة الدّين،أي ليس داخلا فيه بكلّيّته.(4:384)

الأزهريّ: أي إذا لم ير ما أحبّ انقلب على وجهه.

(5:12)

الرّمّانيّ: أي على ضعف في العبادة كضعف القائم على حرف،أي طرف جبل أو نحوه؛و ذلك من اضطرابه في طريق العلم،إذا لم يتمكّن من الدّلائل المؤدّية إلى الحقّ،فينقاد لأدنى شبهة لا يمكنه حلّها.

(الطّبرسيّ 4:75)

نحوه الطّوسيّ.(7:296)

الشّريف الرّضيّ: هذه استعارة،و المراد بها-و اللّه أعلم-صفة الإنسان المضطرب الدّين الضّعيف اليقين، الّذي لم يثبت في الحقّ قدمه،و لا استمرّت عليه جريرته،فأوهن شبهة تعرض له ينقاد معها و يفارق دينه لها،تشبيها بالقائم على حرف لهواه،فأدنى عارض يزلقه و أضعف دابغ يطرحه.(تلخيص البيان:122)

عبد الجبّار:ربّما قيل في قوله تعالى: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلى حَرْفٍ ما المفهوم من ذلك، و لا يعرف ذلك في اللّغة؟

و جوابنا:أنّ المنافق يظهر العبادة و يبطن خلافها، فشبّه تعالى ظاهر أمره بحرف،لأنّ الحرف هو طرف

ص: 486

الشّيء،و المرء يحتاج في العبادة أن يظهر باطنا و ظاهرا.

فلمّا أظهر المنافق ذلك من أحد الوجهين وصفه تعالى بذلك،و لذلك قال بعده: فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ.... (270)

الماورديّ: فيه ثلاثة تأويلات:يعني على شكّ، و هو قول مجاهد،لكونه منحرفا بين الإيمان و الكفر.

و الثّاني:على شرط،و هو قول ابن كامل.

و الثّالث:على ضعف في العبادة كالقيام على حرف، و هو قول عليّ بن عيسى.

و يحتمل عندي تأويلا رابعا:أنّ حرف الشّيء:

بعضه،فكأنّه يعبد اللّه بلسانه و يعصيه بقلبه.(4:10)

القشيريّ: يعني يكون على جانب غير مخلص،لا له استجابة توجب الوفاق،و لا جحدا يبين الشّقاق؛فإن أصابه أمن و خير و لين اطمأنّ به و سكن إليه،و إن أصابته فتنة أو نالته محنة ارتدّ على عقبيه ناكسا،و صار لما أظهر من و فاقه عاكسا،و من كانت هذه صفته فقد خسر في الدّارين،و أخفق في المنزلتين.(4:204)

الواحديّ: أكثر المفسّرين قالوا:على شكّ و ضلالة.و أصله من:حرف الشّيء و هو طرفه،نحو حرف الجبل و الدّكّان و الحائط الّذي عليه القائم غير مستقرّ،فالّذي يعبد اللّه على حرف قلق في دينه،على غير ثبات و طمأنينة كالّذي هو على حرف الجبل و نحوه، يضطرب اضطرابا و يضعف قيامه،فهو يعرض أن يقع في أحد جانبي الطّرف.فقيل للشّاكّ في دينه:إنّه يعبد اللّه على حرف،لأنّه ليس على يقين في وعده و وعيده، بخلاف المؤمن،لأنّه لو عبده على يقين و بصيرة و لم يكن على حرف يسقط عنه بأدنى شيء يصيبه،و هذا المعنى ظاهر في قوله: فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ.

(3:261)

نحوه البغويّ(3:326)،و الخازن(5:5).

الزّمخشريّ: على طرف من الدّين،لا في وسطه و قبله،و هذا مثل لكونهم على قلق و اضطراب في دينهم،لا على سكون و طمأنينة،كالّذي يكون على طرف من العسكر،فإن أحسّ بظفر و غنيمة قرّ و اطمأنّ، و إلاّ فرّ و طار على وجهه.(3:7)

نحوه البيضاويّ(2:86)،و النّسفيّ(3:95)، و النّيسابوريّ(17:81)،و أبو السّعود(4:371)، و الكاشانيّ(4:365)،و المشهديّ(6:468)، و القاسميّ(12:1332)،و المراغي(17:94).

ابن عطيّة: معناه على انحراف منه على العقيدة البيضاء،أو على شفا منها معدّى للزّهوق.(4:110)

ابن الجوزيّ: [ذكر كلام أبي عبيدة و أضاف:]

و بيان هذا:أنّ القائم على حرف الشّيء غير متمكّن منه،فشبّه به الشّاكّ،لأنّه قلق في دينه على غير ثبات، و يوضّحه قوله تعالى: فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ...

(5:411)

الفخر الرّازيّ: في تفسير«الحرف»وجهان:

الأوّل:ما قاله الحسن:و هو أنّ المرء في باب الدّين معتمده القلب و اللّسان،فهما حرفا الدّين.فإذا وافق أحدهما الآخر فقد تكامل في الدّين،و إذا أظهر بلسانه الدّين لبعض الأغراض و في قلبه النّفاق،جاز أن يقال فيه على وجه الذّمّ:يعبد اللّه على حرف.

ص: 487

الثّاني:[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و هذا هو المراد.(23:13)

العكبريّ: هو حال،أي مضطربا متزلزلا.

(2:934)

القرطبيّ: [نقل قول كثير من المفسّرين و أضاف:]

و بالجملة فهذا الّذي يعبد اللّه على حرف:ليس داخلا بكلّيّته.(12:17)

ابن جزيّ: الحرف هنا كناية عن المقصد،و أصله من الانحراف عن الشّيء،أو من الحرف بمعنى الطّرف، أي أنّه في طرف من الدّين لا في وسطه.(2:36)

أبو حيّان :[اكتفى بذكر أقوال المفسّرين]

(6:355)

نحوه ابن كثير(4:619)

السّمين: على شكّ،أو على انحراف،أو على طرف الدّين لا في وسطه،كالّذي يكون في طرف العسكر،إن رأى خيرا قرّ و إلاّ فرّ.(5:129)

الفيروزآباديّ: أي على وجه،و هو أن يعبده في السّرّاء دون الضّرّاء.[ثمّ ذكر أقوالا أخرى]

(بصائر ذوي التّمييز 2:452)

الشّربينيّ: (على حرف)فهو مزلزل كزلزلة من يكون على حرف شفير أو جبل أو غيره لا استقرار له، و كالّذي على طرف من العسكر،فان رأى غنيمة استمرّ،و إن توهّم خوفا طار و فرّ.(2:540)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

فالحرف:الطّرف و النّاحية،وصف الدّين بما هو من صفات الأجسام على سبيل الاستعارة التّمثيليّة.

(6:11)

شبّر: طرف من الدّين،مضطربا فيه كالقائم على جبل،أو على شكّ بلسانه دون قلبه،فإنّ الدّين حرفان:

القلب،و اللّسان.(4:229)

الشّوكانيّ: هذا بيان لشقاق أهل الشّقاق.[إلى أن قال:]

و قيل:الحرف:الشّرط،أي و من النّاس من يعبد اللّه على شرط،و الشّرط هو قوله: فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ... (3:550)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

ففي الكلام استعارة تمثيليّة.(17:124)

سيّد قطب :إنّ العقيدة هي الرّكيزة الثّابتة في حياة المؤمن،تضطرب الدّنيا من حوله فيثبت هو على هذه الرّكيزة،و تتجاذبه الأحداث و الدّوافع فيتشبّث هو بالصّخرة الّتي لا تتزعزع،و تتهاوى من حوله الأسناد فيستند هو إلى القاعدة الّتي لا تحول و لا تزول.

هذه قيمة العقيدة في حياة المؤمن،و من ثمّ يجب أن يستوي عليها،متمكّنا منها واثقا بها،لا يتلجلج فيها و لا ينتظر عليها جزاء،فهي في ذاتها جزاء.

ذلك أنّها الحمى الّذي يلجأ إليه،و السّند الّذي يستند عليه،أجل،هي في ذاتها جزاء على تفتّح القلب للنّور و طلبه للهدى،و من ثمّ يهبه اللّه العقيدة ليأوى إليها،و يطمئنّ بها،هي في ذاتها جزاء يدرك المؤمن قيمته حين يرى الحيارى الشّاردين من حوله تتجاذبهم الرّياح،و تتقاذفهم الزّوابع،و يستبدّ بهم القلق،بينما هو بعقيدته مطمئنّ القلب،ثابت القدم،هادئ البال،

ص: 488

موصول باللّه،مطمئنّ بهذا الاتّصال.

أمّا ذلك الصّنف من النّاس الّذي يتحدّث عنه السّياق،فيجعل العقيدة صفقة في سوق التّجارة فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ و قال:إنّ الإيمان خير،فها هو ذا يجلب النّفع،و يدرّ الضّرع،و ينمي الزّرع،و يربح التّجارة و يكفل الرّواج وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ خسر الدّنيا بالبلاء الّذي أصابه فلم يصبر عليه،و لم يتماسك له،و لم يرجع إلى اللّه فيه.و خسر الآخرة بانقلابه على وجهه،و انكفائه عن عقيدته،و انتكاسه عن الهدى الّذي كان ميسّرا له.

و التّعبير القرآنيّ يصوّره في عبادته للّه(على حرف)غير متمكّن من العقيدة،و لا متثبّت في العبادة، يصوّره في حركة جسديّة متأرجحة قابلة للسّقوط عند الدّفعة الأولى،و من ثمّ ينقلب على وجهه عند مسّ الفتنة،و وقفته المتأرجحة تمهّد من قبل لهذا الانقلاب!

إنّ حساب الرّبح و الخسارة يصلح للتّجارة،و لكنّه لا يصلح للعقيدة،فالعقيدة حقّ يعتنق لذاته،بانفعال القلب المتلقّي للنّور،و الهدى الّذي لا يملك إلاّ أن ينفعل بما يتلقّى.و العقيدة تحمل جزاءها في ذاتها،بما فيها من طمأنينة و راحة و رضى،فهي لا تطلب جزاءها خارجا عن ذاتها.و المؤمن يعبد ربّه شكرا له على هدايته إليه، و على اطمئنانه للقرب منه و الأنس به،فإن كان هنالك جزاء فهو فضل من اللّه و منّة،استحقاقا على الإيمان أو العبادة.

و المؤمن لا يجرّب إلهه،فهو قابل ابتداء لكلّ ما يقدّره له،مستسلم ابتداء لكلّ ما يجرّ به عليه،راض ابتداء بكلّ ما يناله من السّرّاء و الضّرّاء.و ليست هي صفقة في السّوق بين بائع و شار،إنّما هي إسلام المخلوق للخالق، صاحب الأمر فيه،و مصدر وجوده من الأساس.

(4:2412)

عزّة دروزة :(على حرف)على طرف،و المقصد على غير اطمئنان و إيمان صادق.

و في هذه الآيات إشارة تنديديّة ثالثة إلى فريق من النّاس يعبد اللّه على غير اطمئنان و إيمان صادق،و يكون طرفا مذبذبا،فإذا أصابه خير اطمأنّ و ابتهج به،و إذا أصابه شرّ انقلب عن موقفه،و جحد ما كان عليه،و أخذ يدعو غير اللّه الّذي لا ينفعه و لا يضرّه،بل و الّذي ضرره هو الأوكد.و في هذا من الخسران الدّنيويّ و الأخرويّ و الضّلال البعيد ما فيه.(7:79)

ابن عاشور :تمثيل لحال المتردّد في عمله،يريد تجربة عاقبته بحال من يمشي على حرف جبل أو حرف واد،فهو متهيئ لأن يزلّ عنه إلى أسفله فينقلب.

(17:154)

مغنيّة: في الآية السّابقة ذكر سبحانه من يكفر باللّه،و يجادل فيه بغير علم،و في هذه الآية ذكر الّذي يعبد اللّه على حرف.و اختلف المفسّرون في المراد منه على أقوال؛منها:أنّه يعبد اللّه على شكّ في دينه.و منها:

أنّه يعبده بلسانه دون قلبه،إلى غير ذلك.

و لا وجه لهذا الاختلاف،لأنّ اللّه قد بيّن هذا الّذي يعبده على حرف،و فسّره بقوله: فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ....

و محصّل المعنى:أنّ الّذي يعبد اللّه على حرف هو

ص: 489

الّذي لا يعبده إلاّ على شرط أن يعوّضه عن عبادته، و يقبض ثمنها في هذه الحياة،و إلاّ كفر به و بكتبه و رسله.

(5:314)

الطّباطبائيّ: هذا صنف آخر من النّاس غير المؤمنين الصّالحين،و هو الّذي يعبد اللّه سبحانه بانيا عبادته على جانب واحد دون كلّ جانب،و على تقدير لا على كلّ تقدير؛و هو جانب الخير،و لازمه استخدام الدّين للدّنيا،فإن أصابه خير استقرّ بسبب ذلك الخير على عبادة اللّه و اطمأنّ إليها،و إن أصابته فتنة و محنة انقلب و رجع على وجهه،من غير أن يلتفت يمينا و شمالا،و ارتدّ عن دينه تشؤّما من الدّين،أو رجاء أن ينجو بذلك من المحنة و المهلكة،و كان ذلك دأبهم في عبادتهم الأصنام.[إلى أن قال:]

هذا ما يعطيه التّدبّر في معنى الآية.و عليه فقوله:

يَعْبُدُ اللّهَ عَلى حَرْفٍ من قبيل الاستعارة بالكناية.

و قوله: فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ... تفسير لقوله: يَعْبُدُ اللّهَ عَلى حَرْفٍ، و تفصيل له،و قوله: خَسِرَ الدُّنْيا أي بإصابته الفتنة،و قوله:(و الآخرة)أي بانقلابه على وجهه.(14:350)

عبد الكريم الخطيب :و هذا صنف آخر من النّاس،و هذا الصّنف يقف على مفارق الطّريق بين الإيمان و الكفر،إنّه يعبد اللّه على حرف،أي على جانب واحد،دون أن يعطي اللّه وجوده كلّه.(9:994)

المصطفويّ: أي على جهة خارجة عن الحقّ، عادلة عنه.فعبادتهم منحرفة عن موضعها و ليست على ما هي عليه،فإنّهم لم يفهموا حقيقة العبادة،و لم يدركوا حقّها.(2:214)

مكارم الشّيرازيّ: أي إنّ بعض النّاس يعبد اللّه بلقلقة لسان،و إنّ إيمانه ضعيف جدّا؛حيث لم يدخل الإيمان إلى قلبه.و عبارة عَلى حَرْفٍ يمكن أن تكون إشارة إلى أنّ إيمانهم بألسنتهم،و أنّ قلوبهم لم تر بصيصا من نوره.و يمكن أن تكون إشارة إلى أنّ هذه المجموعة تحيا على هامش الإيمان و الإسلام و ليس في عمقه.

فأحد معاني«الحرف»هو حافّة الجبل و الأشياء الأخرى.و الّذي يقف على الحافّة لا يمكنه أن يستقرّ، فهو قلق في موقفه هذا،يمكن أن يقع بهزّة خفيفة.

و هكذا ضعاف الإيمان الّذين يفقدون إيمانهم بأدنى سبب.

(10:263)

فضل اللّه :و هذا نموذج آخر،و هو الإنسان الّذي لا ينطلق في إيمانه من موقع تأمّل و تفكير،و لا يتحرّك في عبادته للّه من قاعدة روحيّة عميقة،أو من رؤية واضحة شاملة قوامها الانفتاح على اللّه و المعرفة الواعية به.و لذلك فإنّه يبقى ثابتا ما دامت الأمور منسجمة مع أوضاعه النّفسيّة و الحياتيّة.[إلى أن قال:]

أمّا إذا هدّد الإيمان مصالحه بالتّعقيد...فإنّه يبادر إلى الانقلاب على إيمانه،و الابتعاد عن عبادته بسرعة و حسم،خوفا من خسارة فرص الرّبح.(16:27)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحرف،أي حدّ الجبل و ما نتأ من جنبه،ثمّ أطلق على طرف كلّ شيء و حدّه و شفيره،نحو:حرف السّفينة،أي جانبها،و حرفا

ص: 490

الرّأس:شقّاه؛و الجمع:أحرف،و حروف،و حرفة.

و الحرف من الإبل:الضّامرة الصّلبة،شبّهت بحرف الجبل في شدّتها و صلابتها،يقال:أحرفت ناقتي،أي هزلتها،و هي ناقة حرف:مهزولة.و لا يقال:جمل حرف.

و تحريف القلم:قطّه محرّفا.يقال:قلم محرّف،أي عدل بأحد حرفيه عن الآخر،و منه:التّحريف في القرآن و الكلمة،أي تغيير الحرف عن معناه و الكلمة عن معناها،و هي قريبة الشّبه.

و الحرف:حبّ الرّشاد؛واحدته:حرفة،لأنّه يحرق حرف اللّسان بحرارته،و الحرافة:طعم يحرق اللّسان و الفم،كأنّه محرّف عن الحلاوة و الحرارة،كما قال الرّاغب.و الحرّيف:كلّ طعام يحرق فم آكله بحرارة مذاقه و يلذع اللّسان بحرافته.يقال:بصل حرّيف،أي يحرق الفم و له حرارة.

و المحرف و المحراف:الميل الّذي يقاس به الجرح،فهو يعيّن حدّه و سبره؛و جمع المحراف:محارف و محاريف،و المحارفة:مقايسة الجرح بالمحراف.

و الحرف من حروف الهجاء:معروف،سمّي بذلك لأنّه طرف الكلمة و جانبها،و كلّ كلمة بنيت أداة عارية في الكلام لتفرقة المعاني،مثل:هل و حتّى و لعلّ؛إذ بها يعرف معنى الجملة و وجهها.

و الحرف:الحرمان،و الاسم منه الحرفة،و المحارف:

المحروم،كأنّه قدّر عليه رزقه كما تقدّر الجراحة بالمحراف،و قد حورف كسب فلان:شدّد عليه في معاملته و ضيّق عليه في معاشه،كأنّه ميل برزقه عنه.

و المحرّف:الّذي ذهب ماله،و حرف في ماله حرفة:

ذهب منه شيء.يقال:حرفت الشّيء عن وجهه حرفا.

و المحرف:الّذي نما ماله و صلح؛و الاسم الحرفة.

يقال:أحرف الرّجل إحرافا،أي نما ماله و صلح،فهو محرف،و أحرف الرّجل:استغنى بعد فقر،و جاء فلان بالحرف و الإحراف:جاء بالمال الكثير.فالإفعال للسّلب كالقسط و الإقساط.

و يقال مجازا:فلان على حرف من أمره،أي ناحية منه،إذا رأى شيئا لا يعجبه عدل عنه،و حرف عن الشّيء يحرف حرفا و انحرف و تحرّف و احرورف:عدل و مال عنه،و ما لي عن هذا الأمر محرف و ما لي عنه مصرف:متنحّى و مصرف.

2-و الحرفة:الصّناعة وجهة الكسب.يقال:حرف لأهله و احترف،أي كسب و طلب و احتال،و هو ممّا أبدلت ثاؤه فاء،نحو:الحفالة و الحثالة:الرّديء من كلّ شيء.

و عدّ ابن فارس هذا المعنى من«تقدير الشّيء» فقال:«و من هذا الباب:فلان يحرف لعياله،أي يكسب،و أجود من هذا أن يقال فيه:إنّ«الفاء»مبدلة من«ثاء»،و هو من:حرث،أي كسب و جمع».

و من إبدال الفاء ثاء قولهم:ناقة حرث،أي هزيلة، و حرثت الدّابّة و أحرثتها:أهزلتها،مثل:النّفيّ و النّثيّ:

ما نفاه الرّشاء من الماء.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت فعلا مضارعا من«التّفعيل»4 مرّات،و وصفا

ص: 491

من«التّفعّل»و مصدرا من المجرّد،كلاهما مرّة،في 6 آيات:

التّحريف:

1- مِنَ الَّذِينَ هادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ... النّساء:46

2- فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنّاهُمْ وَ جَعَلْنا قُلُوبَهُمْ قاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ وَ نَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ... المائدة:13

3- ...وَ مِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ لَمْ يَأْتُوكَ يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ... المائدة:41

4- أَ فَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَ قَدْ كانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ البقرة:75

التّحرّف:

5- وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ الأنفال:16

الحرف:

6- وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيا وَ الْآخِرَةَ ذلِكَ هُوَ الْخُسْرانُ الْمُبِينُ

الحجّ:11

يلاحظ:أنّ فيها ثلاثة محاور:تحريف الكلام خيانة، و الانحراف عن القتال مصلحة،و العكوف على طريقة باطلة جهلا و عنادا،و الوسط تشريع و مدح،و الطّرفان قصّة و قدح،و كلّها مدنيّة:

المحور الأوّل:تحريف الكتاب أو الكلام،و فيه 4 آيات(1-4)و كلّها إدانة لليهود تصريحا أو تلويحا، دون المنافقين-كما قيل-و فيها بحوث:

1-ما المراد بما يحرّفونه هل التّوراة،أو القرآن،أو كلام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله؟ففيه تفصيل:

أمّا التّحريف في(1)فدلّ ما بعدها أنّهم كانوا يحرّفون كلام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله وَ يَقُولُونَ سَمِعْنا وَ عَصَيْنا وَ اسْمَعْ غَيْرَ مُسْمَعٍ وَ راعِنا لَيًّا بِأَلْسِنَتِهِمْ وَ طَعْناً فِي الدِّينِ وَ لَوْ أَنَّهُمْ قالُوا سَمِعْنا وَ أَطَعْنا وَ اسْمَعْ وَ انْظُرْنا لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَ أَقْوَمَ وَ لكِنْ لَعَنَهُمُ اللّهُ بِكُفْرِهِمْ فَلا يُؤْمِنُونَ إِلاّ قَلِيلاً.

و العجب أنّ جملة من المفسّرين لم يلاحظوا ذيل هذه الآية،فصرفوا التّحريف إلى التّوراة،و قالوا:«يحرّفون صفة النّبيّ في التّوراة،فبدّلوا وصفه فيها:«أسمر ربعة» ب«آدم طوال»،و مثل تحريف«الرّجم»فيها ب«الحدّ»،أو قالوا:يحرّفون كلمات اللّه و أحكامه في القرآن.

و بعضهم كأبي حيّان ردّد التّحريف فيها بين التّوراة و القرآن و كلام النّبيّ،و الأخير هو المتعيّن في هذه الآية بحجّة ما بعدها.بل لو دقّقنا النّظر لوجدنا التّحريف في ما أبرزوه من السّماع و الطّاعة بضدّهما،و ليس تحريف كلام النّبيّ،بل تحريف التّلبّي بالطّاعة و السّماع بالعصيان و ترك السّماع،و قد أشار إليه الطّباطبائيّ.

و أمّا التّحريف في(2)فهو تحريف التّوراة بقرينة ما بعدها: وَ نَسُوا حَظًّا مِمّا ذُكِّرُوا بِهِ أي حرّفوا كتابهم-و هو التّوراة-بنسيان شيء منه لقساوة قلوبهم.

و قد اتّفقت كلمتهم على ذلك مردّدين-كما يأتي- بين تحريف لفظ التّوراة،أو تأويل معناه،و الأوّل أنسب

ص: 492

بالنّسيان.

و كذا التّحريف في(3)يرجع إلى لفظ التّوراة،لما جاء في نزولها في حكم النّبيّ عليه السّلام على من زنى من اليهود محصنا بما في كتابهم من الرّجم،فحرّفوه بالحدّ،قائلين:

إِنْ أُوتِيتُمْ هذا أي إن حكم محمّد بالحدّ فَخُذُوهُ وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا أي لا تقبلوا حكمه بالرّجم، و الآيات بعدها بيان لحكمه عليه السّلام بينهم: فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ إلى وَ ما أُولئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ.

و يؤيّد ما ذكرنا من تحريف اللّفظ قوله فيما بعدها:

يَحْكُمُ بِهَا -أي بالتوراة -اَلنَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَ الرَّبّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ... ففيها إيماء إلى نسيان شيء منها.

و بذلك ظهر أنّ ما جاء عن بعضهم هنا من تحريف صفة النّبيّ عليه السّلام-كما قالوا في(2)-ليس في موضعه.

و أمّا التّحريف في(4)فبعضهم فسّروه بفريق ممّن اختارهم موسى عليه السّلام من قومه ذاهبا بهم إلى الطّور، فسمعوا كلام اللّه ثمّ حرّفوه حين أدّوه إلى بني إسرائيل.

و آخرون حملوه على من حرّف التّوراة في عصر النّبيّ عليه السّلام بتبديل صفته في التّوراة،أو تبديل حكم الرّجم بالجلد.و شذّ منهم«عزّة دروزة»حيث صرفها إلى تحريف ما سمعوا من آيات القرآن.

و سياق الآية بيان لتحريف قوم ممّن سلف من اليهود كلام اللّه-أي التّوراة أو كلامه لموسى-عمدا فشبّه اللّه بهم طائفة من اليهود في عصر النّبيّ عليه السّلام، و حذّر المؤمنين عن الطّمع في إيمانهم.

قال الطّباطبائيّ: «يعني أنّ كتمان الحقائق و تحريف الكلام من شيمهم،فلا ينبغي أن يستبعد نكولهم عمّا قالوا و نقضهم ما أبرموا».

و قال الفخر الرّازيّ: ما حاصله:إن كان المحرّفون في زمن موسى فحرّفوا ما لا يتّصل بأمر النّبيّ عليه السّلام،و إن كانوا في زمنه،فالأقرب تحريفهم أمره عليه السّلام،و ظاهر القرآن لا يدلّ على أحد الأمرين.

2-هذا كلّه فيما حرّفوه،و أمّا أنّهم هل حرّفوا اللّفظ بتغييره بلفظ آخر أو بتأويله إلى غير معناه؟

فالقوم مردّدون بينهما في الآيات الأربع،و اختار الطّبريّ الثّاني و الزّمخشريّ الأوّل،و نحن رجّحنا الأوّل في الجميع.و احتمل الفخر الرّازيّ وجها ثالثا و هو إلقاء الشّبه الباطلة و التّأويلات الفاسدة-و هذا راجع إلى الثّاني-.

ثمّ أشكل في تغيير اللّفظ بأنّه كيف يمكن هذا في الكتاب الّذي بلغت آحاد حروفه و كلماته مبلغ التّواتر المشهور في الشّرق و الغرب؟و أجاب هو بأنّ القوم كانوا قليلين و العلماء بالكتاب كانوا في غاية القلّة.و قيل:إنّه وقع قبل انتشار التّوراة دون بعدها.

و الّذي يحلّ المشكلة أنّهم قاسوا التّوراة بالقرآن الّذي اهتمّ بحفظه من لدن نزوله المئات و الآلاف و إلى هذا الزّمان في كلّ عصر الملايين،و عدّدوا كلماته و حروفه،و ضبطوا رسومه و أشكاله،و حدّدوا قراءاته، حتّى إنّ كلاّ من هذه عدّ علما من علوم القرآن.

أمّا التّوراة فكانت نسخها قليلة خاصّة بالأحبار دون غيرهم،مع اختلافها حسب فرقهم،فكان منهم من

ص: 493

يخفي شيئا منها حسب أهوائهم،كما قال: قُلْ مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَ هُدىً لِلنّاسِ تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَ تُخْفُونَ كَثِيراً... الأنعام:91، و يا أَهْلَ الْكِتابِ قَدْ جاءَكُمْ رَسُولُنا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيراً مِمّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتابِ وَ يَعْفُوا عَنْ كَثِيرٍ...

المائدة:15.

3-جاء في(1 و 2) يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ، و في(3) يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ، و كلّ من صرف التّحريف إلى تأويل اللّفظ قال:مواضعه هي معانيه الّتي وضعت لها،فكانوا يحوّلون اللّفظ بالتّأويل إلى غير معناه.و هذا محتمل و ليس متعيّنا.

و قد فرّق الزّمخشريّ بينهما بأنّ عَنْ مَواضِعِهِ بإبدال غيره مكانه،و مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ بأنّه كانت له مواضع هو قمن بأن يكون فيها،فحين حرّفوه تركوه كالغريب الّذي لا موضع له،أي حرّفوه عن موضعه إلى موضع آخر.

و فرّق الفخر الرّازيّ بينهما بأنّ عَنْ مَواضِعِهِ أي إنّهم يأوّلونها إلى تأويلات فاسدة دون أن يخرجوا تلك اللّفظة من الكتاب.و أمّا مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ فإنّهم -إضافة إلى التّأويلات الفاسدة لها-يخرجونها من الكتاب.

و فرّق بينهما أبو حيّان بأنّهما سياقان،فإنّهم إذا وصفوا بشدّة التّمرّد و الطّغيان و إظهار العداوة...جاء يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَواضِعِهِ، كما قال:

وَ يَقُولُونَ سَمِعْنا وَ عَصَيْنا، ر فَبِما نَقْضِهِمْ مِيثاقَهُمْ لَعَنّاهُمْ، فكأنّهم لم بتركوا الكلم عن التّحريف بعد استقرارها،بل بادروا إلى تحريفها بأوّل وهلة.

و إذا وصفوا ببعض لين و ترديد و تحكيم للرّسول في بعض الأمر جاء مِنْ بَعْدِ مَواضِعِهِ، كما قال: إِنْ أُوتِيتُمْ هذا فَخُذُوهُ وَ إِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا، و فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ فكأنّهم لم يبادروا بالتّحريف،بل عرض لهم التّحريف بعد استقرار الكلم في مواضعها...

و قد يقال:إنّهما سيّان،لكنّه حذف في بعضها شيء ذكر في بعضها مع تفاوت بين المحذوف و المذكور،و هو الأقرب عندنا،و اختاره«الشّربينيّ».

4-و قد نبّه رشيد رضا-استلهاما من شيخه الإمام عبده-على ما اعترف به بعض المتأخّرين من أهل الكتاب على تحريف التّوراة،و فقدان بعضها،و ما فيها من الخلط و التّكرار،فلاحظ.

5:نبّه فضل اللّه على أنّ اللّه حدّثنا في هذه الآيات على أنّ اليهود لا يواجهون القضايا من موقع مداليلها الحقيقيّة بصراحة،و لا يستقيمون في تعاملهم مع المبادئ و الأشخاص و الكلمات،بل يعملون على تحريف الأمور-إلى أن قال-و هذا أسلوب قرآنيّ يريد اللّه من خلاله أن يوحي للمؤمنين بأن يدرسوا طبيعة الأشخاص،من مواقع تاريخهم و انتماءاتهم و علاقاتهم و مواقفهم،قبل الاستماع إليهم،ليعرفوا من ذلك الأساليب الّتي يتّبعونها في الدّعوة...

المحور الثّاني:التّحرّف عن القتال في(5) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفاً فَلا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبارَ* وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً

ص: 494

لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ. حرّم اللّه على المؤمنين في أوّل حرب وقعت بينهم و بين المشركين تولّيهم الأدبار و هدّدهم بغضب من اللّه،و أنّ مأواهم جهنّم،و بذلك عدّ الفرار عن القتال في المعركة من الكبائر.و قد استثنى اللّه منه صورتين من الإدبار:التّحرّف لقتال،و التّحيّز إلى فئة،و في الآيتين بحوث:

1-عبّر فيهما عن الفرار بتولّي الأدبار مكرّرا،مفردا و جمعا مشعرا بقبحه،و قد جاء ذلك تنديدا في آيات أخرى نزلت بعدهما،لاحظ«د ب ر».

2-اتّفقت كلماتهم على أنّ هذين الأمرين:التّحرّف و التّحيّز،صورتان من الخدعة في الحرب،فقديما قيل:

«الحرب خدعة»،و«الحرب كرّ و فرّ»،أو صورتان من الانتقال إلى الأصلح،أو الأوّل خدعة،و الثّاني مصلحة على تفصيل ياتي.

3-و في نصبهما وجهان بل قولان:الاستثناء، و الحال:أي المتولّون عن القتال معذّبون إلاّ فرقتين:

و هما المتحرّفون و المتحيّزون،أو إلاّ و هم متحرّفون أو متحيّزون،و مآلهما واحد.

و قال قوم:الاستثناء هو من أنواع التّولّي!!و لو كان ذلك لوجب أن يكون:«إلاّ تحرّفا و تحيّزا»حكاه ابن عطيّة.

4-و قد قدّم الاستثناء و أتى به خلال الشّرط،و لم يؤخّره إلى ما بعد الجزاء-و هو متأخّر معنى اهتماما به، لئلاّ يتّهم من تولّى تحرّفا أو تحيّزا بالفرار،و يحكم عليه بالعذاب،و مثله كثير في القرآن.

5-و اللاّم في«لقتال»للعلّة،أي لأجل القتال، لا فرارا عن القتال،أو للغاية،أي إلى قتال لا إلى فرار.

قال ابن عاشور:«أي لأجل إعماله إن كان المراد بالقتال الاسم،أو لأجل إعادته المقاتلة إن كان المراد بالقتال المصدر،و تنكير(قتال)يرجّح الوجه الثّاني».

و نحن لا نرى وجها لقوله:فإنّ(قتال)مصدر لا اسم،و تنكيره يؤيّد ما يأتي في الغرض منه،و هو التّوجّه إلى قتال فرقة أخرى،دون إغراء العدوّ و الاحتيال معه،فلاحظ.

6-قالوا في معنى مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ: مستطردا للقتال،أو للكرّة،متقدّما من أصحابه ليرى غرّة من العدوّ فيصيبها،تاركا موقفا إلى موقف آخر أصلح منه للقتال،مائلا،عادلا من جهة إلى جهة،أن يهرب ليطلب و يفرّ ليكرّ،يتحرّف لأن يقاتل،منعطفا كأنّه يطلب عورة يمكنه إصابتها،ينحرف عن وجهه و يرى أنّه منهزم ثمّ يكرّ.

التّحرّف للقتال:الاستعداد له بأن يصلح لأمته،أو يطلب ماء لعطشه،أو مأكولا لجوعه،أو منعطفا عن الشّمس لئلاّ يتأذّى بها،أو غير ذلك.منقطعا إلى القتال بأن يريهم أنّه منهزم خداعا.متوجّها إمّا إلى قتال طائفة أخرى أهمّ من هؤلاء،أو بالفرّ و الكرّ.أو ليخرج العدوّ من بين أعوانه ثمّ يعطف عليه وحده،أو مع من في الكمين من أصحابه،تاركا موقفه إلى موقع أصلح فيه.

متحرّفا لضرب من ضروب القتال رآه أبلغ في النّكاية بالعدوّ،و اختيار موقع أحسن،أو تدبّر خطّة أحكم.

و قالوا في اشتقاق التّحرّف:التّحرّف:الميل إلى

ص: 495

حرف أي طرف،أو الانصراف إلى الحرف و هو المكان البعيد،التّحرّف:مزايلة المكان المستقرّ فيه و العدول إلى أحد جوانبه،الزّوال عن جهة الاستواء إلى جهة الحرف و هو طرف الشّيء،الابتعاد جانبا من الوسط نحو الأطراف و الجوانب،أو من جانب إلى جانب-فيرجع إلى المحور الثّالث-و نحوها ممّا اتّحد معناه و اختلف مغزاه، فالمعنى هو الانحراف إلى جانب قولا واحدا،و المغزى مردّد بين إغراء العدوّ(حيلة)بالفرّ و الكرّ،و بين تدبير أصلح و أحكم و سدّ حاجة أهمّ.

7-و لمّا كان من معاني باب«التّفعّل»المعاناة في عمل،مثل«التّكسّب»و هو الكسب بمشقّة، و«التّمشّي»:و هو المشي بصعوبة و بنحو غير معتاد.

و عليه فلك أن تقول: مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أي يخرج و ينحرف عن قتاله بمعاناة إلى قتال آخر.

8-و قالوا في(او متحيّزا الى فئة)قولا واحدا و هو التّحيّز إلى طائفة من المسلمين،ليستعين بهم فيرجع إلى القتال غير منهزم،أو انضماما إلى فئة أخرى من المسلمين،أو إلى قواعد المسلمين ليتعاودوا القتال، و نحوها،لاحظ«ح ي ز:متحيّزا».

المحور الثّالث:عبادة اللّه على حرف(6) وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلى حَرْفٍ فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَ إِنْ أَصابَتْهُ فِتْنَةٌ انْقَلَبَ عَلى وَجْهِهِ...، و هذه قسيم لما قبلها: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ* ثانِيَ عِطْفِهِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ و قد كرّرت في آيات قبلها هكذا: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ الحجّ:3،و فيها بحوث:

1-يبدو من ملاحظة الآيات الثّلاث و لواحقها أنّ النّاس المنحرفين عن الحقّ طائفتان:

الطّائفة الأولى:و هم الّذين يجادلون في اللّه،ليسوا على شكّ من أمرهم بل هم على يقين في المزاعم الباطلة في اللّه،تابعين للشّيطان من غير علم و لا هدى و لا كتاب منير،مستكبرين،مضلّين عباد اللّه عن الصّراط المستقيم عمدا و عنادا،كما جاء في الآيتين(3 و 8)من هذه السّورة.

و قد فرّق أبو مسلم بينهما-كما حكاه الفخر الرّازيّ (ج 23:10)-«بأنّ الأولى في الأتباع المقلّدين،و الثّانية في المتبوعين غير المقلّدين،و أنّ كلاّ من المجادلين جادل بغير علم،و إن كان أحدهما تبعا و الآخر متبوعا،بيّن ذلك قوله: وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ فإنّ مثل ذلك لا يقال في المقلّد،و إنّما يقال فيمن يخاصم بناء على شبهة».

و حكاه الطّباطبائيّ(ج 14:348)عن كشف الكشّاف،و أيّده بقوله:«و هو كذلك بدليل قوله هنا ذيلا: لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ، و قوله هناك: وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ. و الإضلال من شأن«المقلّد بفتح اللاّم،و الاتّباع من شأن المقلّد بكسر اللاّم».

و في هذا الفرق نظر فكلّ منهما يتّبع الشّيطان و يجادلون في اللّه من دون علم مضلّين لغيرهم،إلاّ أنّ اللّه كرّرهم للاهتمام بهم،و فرّق أوصافهم بين الآيتين.

الطّائفة الثّانية:هم الّذين يعبدون اللّه على حرف، أي ليسوا على يقين يلتزمون به في كلّ حال،بل حالهم

ص: 496

يختلف بحسب ما أتاهم من الخير و الشّرّ،فهم متردّدون بين النّفع و الضّرر،دون عقيدة ثابتة،و لو كانت باطلة يجادلون عنها كالفريق الأوّل.

و قد حملها بعضهم على المنافقين و الفريق الأوّل على الكفّار،و هذا و إن صحّ من وجه إلاّ أنّ القرآن لا يقصد هنا الفرق بين الكافر و المنافق-و هم الّذين يخالف ظاهرهم باطنهم-بل أراد تنويع النّاس في تصوّرهم عن الدّين،فمنهم الثّابتون على باطلهم يدافعون عنه-طبعا بلا دليل حقّ-من غير ملاحظة ما يترتّب عليه من خير أو شرّ-و منهم من هو تابع للنّتيجة المادّيّة من الدّين،و لا قرار له على شيء ثابت،و لا ينظر إلى الدّين إلاّ كوسيلة للوصول إلى ما ينفعه و لا يضرّه.

و لذلك فسّر كثير منهم عَلى حَرْفٍ في الآية ب«على شكّ»لأنّهم ليسوا على يقين،و هو تفسير باللاّزم لا بالمنطوق،فإنّ الحرف:جانب الشّيء،و فيه تشبيه بليغ،شبّهه اللّه لعدم استقراره بمن وقف على طرف الجبل أو طرف النّهر،أوشك أن يسقط.

قال الشّريف الرّضيّ: «هذه استعارة،و المراد بها -و اللّه أعلم-صفة الإنسان المضطرب الدّين،الضّعيف اليقين،الّذي لا يثبت في الحقّ قدمه،و لا استمرّت عليه جريرته،فأوهن شبهة تعرض له ينقاد معها و يفارق دينه لها،تشبيها بالقائم على حرف هواه...».

و قد اتّكل هو ككثير منهم على ضعف إيمانه و عدم استقرار دينه،و الحال أنّ الغرض من الآية ليس ضعف إيمانه و قوّته،بل بيان أنّه لا إيمان له إلاّ كوسيلة للنّفع و الحذر من الشّرّ.

و أقرب كلام فيها سبق في النّصوص ما عن الطّباطبائيّ:«و هذا صنف آخر من النّاس غير المؤمنين، و هو الّذي يعبد اللّه سبحانه بانيا عبادته على جانب واحد دون كلّ جانب،و على تقدير لا على كلّ تقدير، و هو جانب الخير،و لازمه استخدام الدّين للدّنيا-إلى أن قال-: فَإِنْ أَصابَهُ خَيْرٌ تفسير لقوله: يَعْبُدُ اللّهَ عَلى حَرْفٍ و تفصيل له».

و قد عبّر عنهم سيّد قطب في كلامه الطّويل ب«ذلك الصّنف من النّاس يجعل العقيدة صفقة في سوق التّجارة...إنّ حساب الرّبح و الخسارة يصلح للتّجارة، و لكنّه لا يصلح للعقيدة،فالعقيدة حقّ يعتنق لذاته...و المؤمن لا يجرّب إلهه».

و على ذلك يحمل كلام من فسّر(على حرف) ب«على شرط»و منهم مغنيّة؛حيث قال:«محصّل المعنى أنّ الّذي يعبد اللّه على حرف هو الّذي لا يعبده إلاّ على شرط أن يعوّضه عن عبادته،و يقبض ثمنها في هذه الحياة،و إلاّ كفر به و بكتبه و رسله.

و ليس بذاك،فإنّ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلى حَرْفٍ لا يشترط على اللّه،بل الشّرطان عبارتان عن صورتي إظهار إيمانه و إنكاره،و ليس في الحقيقة له إيمان بتاتا.

ص: 497

ص: 498

ح ر ق

اشارة

4 ألفاظ،9 مرّات:4 مكّيّة،5 مدنيّة

في 8 سور:4 مكّيّة،4 مدنيّة

الحريق 5:1-4 لنحرّقنّه 1:1

فاحترقت 1:-1 حرّقوه 2:2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :حريق النّاب:صريفه إذا حرق أحدهما بالآخر.و الرّجل يحرق نابه.

و أحرقني فلان،إذا برّح بي و آذاني.

و أحرقت النّار الشّيء فاحترق.

و حرق الثّوب:ما يصيبه من دقّ القصّار.

و الحرّاقات:سفن فيها مرامي نيران يرمى بها العدوّ في البحر بالبصرة،و هي أيضا بلغتهم:مواضع القلاّءين و الفحّامين.

و الحرّوق و الحرّاق:ما يورى به النّار.

و المحارقة:المباضعة على الجنب.و الحرقة:حيّ من اليمن.

و الحريقاء:من الأسماء.

و الحارقة:عصبة بين وابلة الفخذ الّتي تدور في صدفة الورك و الكتف،فإذا انفصلت لم تلتئم أبدا.

و يقال:إنّما هي عصبة بين خربة الورك و رأس الفخذ يقال عند انفصالها:حرق الرّجل فهو محروق.

و الحرقة:ما يوجد من رمد عين أو وجع قلب أو طعم شيء محرق.

و الحارقة من السّبع:اسم له.

و الحرقة:احتراق يقع في أصول الشّعر فينحصّ.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:44)

أبو عمرو الشّيبانيّ: لأحرقنّها عليك سمرا، و حرّقها سمرا.(1:141)

الحارقة:عصبة في خربة الورك إذا انقطعت،قيل:

محروق.(1:142)

و المحروق:البعير تنقطع عصبة فخذه الّتي في خربته،

ص: 499

و الخربة حتّى الورك.(1:186)

الحرق و الحراق و الحراق:الكشّ الّذي يلقّح به النّخلة.

نحوه ابن الأعرابيّ.(الأزهريّ 4:46)

الأصمعيّ: [في حديث]«...فإنّما غرّني بعمامته الحرقانيّة...»الحرقانيّة:منسوبة إلى لون كاحتراق النّار.

(الخطّابيّ 3:140)

أبو عبيد: الحرق:حرق النّابين أحدهما بالآخر.

[ثمّ استشهد بشعر]

و حريق النّاب:صريفه.(الأزهريّ 4:44)

إذا انقطع الشّعر و نسل،قيل:حرق يحرق،فهو حرق.(الأزهريّ 4:46)

ابن الأعرابيّ: حرق عليه نابه يحرقه،و حرق نابه يحرق و يحرق.

حرق النّار:لهبها.(الأزهريّ 4:44)

الحرق:الثّقب في الثّوب من النّار،و الحرق محرّك:

الثّقب في الثّوب من دقّ القصّار،جعله مثل الحرق الّذي هو لهب النّار.

ماء حراق و قعاع:بمعنى واحد.

الحروق و الحرّوق و الحرّاق:ما يثقب به النّار من خرقة أو نبخ.و النّبخ:أصول البردي إذا جفّ.

امرأة حارقة:ضيّقة الملاقي.(الأزهريّ 4:45)

الحارقة:العصبة الّتي تكون في الورك،فإذا انقطعت مشى صاحبها على أطراف أصابعه لا يستطيع غير ذلك، و إذا مشى على أطراف أصابعه اختيارا فهو مكتام.

و الحارقة من النّساء:الّتي تكثر سبّ جاراتها.

(الأزهريّ 4:46)

الحرق:الأكل المستقصي.(الأزهريّ 4:47)

أحرق لنا في هذه القصبة نارا،أي أقبسنا.

(ابن سيده 2:573)

و الحارقة أيضا:عصبة أو عرق في الرّجل.

(ابن سيده 2:575)

ابن السّكّيت: و الحرق:أن يصيب الثّوب احتراق.و الحرق أيضا:مصدر حرق:ناب البعير يحرق و يحرق،إذا صرف.و الحرق في الثّوب:من الدّقّ.(إصلاح المنطق:46)

و الحريقة:الماء يغلى ثمّ يذرّ عليه الدّقيق فيلعق، و هو أغلظ من الحساء.(إصلاح المنطق:353)

الحريقة و النّفيتة:أن يذرّ الدّقيق على ماء أو لبن حليب حتّى ينفت و يتحسّى من نفتها،و هي أغلظ من السّخينة،فيوسّع بها صاحب العيال لعياله إذا غلبه الدّهر.(الأزهريّ 4:47)

أبو الهيثم: الحارقة:النّكاح على الجنب؛و أخذ من حارقة الورك.(الأزهريّ 4:46)

الدّينوريّ: الحروقاء و الحروق و الحرّاق و الحرّوق:ما تقدح به النّار،هي الخرق المحرّقة الّتي يقع فيها السّقط.(ابن سيده 2:572)

الحربيّ: تحرّقت الأرض بشدّتهم و جماعتهم،و ما عليهم من السّلاح.(1:325)

المبرّد: يقال:ماء قعاع و ماء حراق،فالقعاع:

الشّديد الملوحة...و الحراق:الّذي يحرق كلّ شيء بملوحته.(1:406)

ص: 500

في حديث عليّ أنّه سئل عن امرأته و قد جمعها إليه:

كيف وجدتها؟فقال:«وجدتها حارقة طارقة فائقة».

طارقة،أي طرقت بخير.

و روي عن عليّ رضي اللّه عنه أيضا أنّه قال:«كذبتكم الحارقة ما قام لي بها إلاّ أسماء بنت عميس».

و الحارقة:النّكاح على الجنب.(الأزهريّ:4:45)

ثعلب :الحارقة:هي الّتي تقام على أربع.و قال عليّ رضي اللّه عنه:«ما صبر على الحارقة إلاّ أسماء بنت عميس».

(ابن سيده 2:575)

ابن دريد :حرق ناب البعير يحرق و صرف يصرف،إذا حكّ أحد نابيه على الآخر تهديدا و وعيدا، و هو من فحول الإبل،خاصّة من النّوق-زعموا-و من الأعياء.

و يقال:فلان يحرق عليك الأرّم،أي يصرف بأنيابه تغيّظا.

و حرقت الحديدة بالمبرد أحرقها حرقا،إذا بردتها.

و حرق الرّجل فهو محروق،إذا زال حقّ وركه.

و أحرقت الشّيء بالنّار إحراقا و حرّقته تحريقا.

و امرأة حارقة،قالوا:ضيّقة الفرج.و في حديث عليّ عليه السّلام:«خير النّساء الحارقة».

و الحرقة:قبيلة من العرب،و محرّق:لقب ملك من ملوكهم...

و الحريق:اشتعال النّار.

و الحرّاق:ما اقتبست منه النّار،و كانوا يتّخذونه من الشّعر،إذا وقع فيه السّقط اشتعل.

و ثوب فيه حرق و حرق:من أثر دقّ القصّار أو غيره.كلام عربيّ صحيح.

و الحرقان:المذح في الفخذين من احتكاكهما في المشي.

و شعر حرق و ريش حرق،إذا قلّ و ضعف.

و قد سمّت العرب:حراقا و حريقا.و حريق و حرقة ابن النّعمان بن المنذر و ابنته.

و ماء حراق:ملح.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(2:139)

أبو مالك: هذه نار حراق و حراق:تحرق كلّ شيء.(الأزهريّ 4:46)

و رجل حراق،و هو الّذي لا يبقي شيئا إلاّ أفسده.

و سنة حراق،و ناب حراق:يقطع كلّ شيء.(الأزهريّ 4:47)

الأزهريّ: قال بعضهم:الحارقة:الإبراك.

(4:45)

ألقى اللّه الكافر في حارقته،أي في ناره.

و الحرق:الغضابى من النّاس.

و حرق الرّجل،إذا ساء خلقه.(4:47)

الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]الحرق:حرق أحد النّابين بالآخر.حرق نابه و يحرق و يحرق حرقا و حروقا:من الغيظ.و حريق النّاب:كصريف الباب.

و حروق النّاب:محدث،و هو تحريق على الأرّم.

و نار حراق و حراق.

و الحرق:من حرق النّار،و في الحديث:«الحرق و الغرق و الشّرق شهادة».

و الحرّوق و الحرّاق:ما تورى به النّار،

ص: 501

و الحروقاء:مثله.

و الفعل اللاّزم:الاحتراق.

و الإحراق و التّحريق:في النّار.

و الحاروق:المحمودة الخلاط.

و حرّقته باللّوم و أحرقته:سواء.

و الحريقة على«فعيلة»:الماء يغلى ثمّ يذرّ عليه الدّقيق و يلعق،و قيل:الحروقة،و قد أحرقنا حريقة و حروقة،و هي الحراقة أيضا.

و الحرق:الرّيش من الطّير الّذي انحسر ريشه.

و رجل حرقريقة:حديد،و حرقة:مثله،و هو الشّجاع.

و سيف حرقة و حرّاقة:ماض،و حاروقة:مثله.

و رجل حراق و حراق:يفسد كلّ شيء.

و ماء حراق:زعاق.

و المحروق:السّفّود.و قيل:هو الّذي زالت حارقته.

و الشّمروخ الّذي يلقح به النّخل:الحرق؛و الجميع:

حرقة و أحراق و حروق.

و الحرقوة:أعلى اللّهاة من الحلق.(2:347)

الجوهريّ: الحرق بالتّحريك:النّار،يقال:في حرق اللّه.

و الحرق أيضا:احتراق يصيب الثّوب من الدّقّ، و قد يسكّن.

و أحرقه بالنّار و حرّقه،شدّد للكثرة.

و تحرّق الشّيء بالنّار و احترق؛و الاسم:الحرقة و الحريق.

و حرقت الشّيء حرقا:بردته و حككت بعضه ببعض.و منه قولهم:حرق نابه يحرقه و يحرقه،أي سحقه حتّى سمع له صريف.

و فلان يحرق عليك الأرّم غيظا.

و حرق شعره بالكسر،أي تقطّع و نسل،فهو حرق الشّعر و الجناح.

و سحاب حرق،أي شديد البرق.

و يقال:ماء حراق بالضّمّ مخفّف:للشّديد الملوحة.

و فرس حراق العدو،إذا كان يحترق في عدوه.

و الحراق و الحراقة:ما تقع فيه النّار عند القدح، و العامّة تقوله بالتّشديد.و الحروقاء لغة فيه.

و الحرّاقة بالتّشديد و الفتح:ضرب من السّفن فيها مرامي نيران يرمى بها العدوّ في البحر.

و الحارقتان:رءوس الفخذين في الوركين.و يقال:

هما عصبتان في الورك.

و المحروق:الّذي انقطعت حارقته.و يقال:الّذي زال وركه.

و الحرقان:المذح،و هو اصطكاك الفخذين.

و المحارقة:المجامعة.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(4:1457)

ابن فارس: الحاء و الرّاء و القاف أصلان:أحدهما:

حكّ الشّيء بالشّيء مع حرارة و التهاب،و إليه يرجع فروع كثيرة.و الآخر:شيء من البدن.

فالأوّل:قولهم:حرقت الشّيء،إذا بردت و حككت بعضه ببعض.

و العرب تقول:«هو يحرق عليك الأرّم غيظا»و ذلك إذا حكّ أسنانه بعضها ببعض.و الأرّم هي الأسنان.

ص: 502

و قرأ ناس: (لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ) .قالوا:معناه لنبردنّه بالمبارد.

و الحرق:النّار،و الحرق في الثّوب.

و الحروقاء:هذا الّذي يقال له:الحرّاق.و كلّ ذلك قياسه واحد.

و من الباب قولهم للّذي ينقطع شعره و ينسل:حرق.

و الحرقان:المذح في الفخذين،و هو من احتكاك إحداهما بالأخرى.

و يقال:فرس حراق،إذا كان يتحرّق في عدوه.

و سحاب حرق،إذا كان شديد البرق.و أحرقني النّاس بلومهم:آذوني.

و يقال:إنّ المحارقة جنس من المباضعة.

و ماء حراق:ملح شديد الملوحة.

و أمّا الأصل الآخر:فالحارقة،و هي العصب الّذي يكون في الورك.يقال:رجل محروق،إذا انقطعت حارقته.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:43)

الثّعالبيّ: كلّ و سم بمكواة،فهو نار،و ما كان بغير مكواة،فهو حرق و حزّ.(42)

فإذا أتت[السّنة الشّديدة المحل]على الزّرع و الضّرع،فهي قاشورة و لا حسة،و حالقة، و حراق.(85)

فإذا قويت[الحمّى]و اشتدّت حرارتها و لم تفارق البدن،فهي المحرقة.(149)

الحريقة:أن يذرّ الدّقيق على ماء أو لبن حليب فيحسى،و هي أغلظ من السّخينة،يبقي صاحب العيال على عياله إذا عضّه الدّهر.(264)

ابن سيده: الحرق:النّار.

و قد تحرّقت.و التّحريق:تأثيرها[النّار]في الشّيء.

و أحرقته النّار و حرّقته،فاحترق و تحرّق.

و الحرقة:حرارتها أيضا.

و الحرقة:ما يجده الإنسان من لذعة حبّ أو حزن أو طعم شيء فيه حرارة.

و الحرّاقات:سفن فيها مرامي نيران،و قيل:هي المرامي أنفسها.

و نار حراق:لا تبقي شيئا.

و رجل حراق:لا يبقي شيئا إلاّ أفسده،مثل بذلك.

و رمي حراق:شديد،مثل بذلك أيضا.

و عمامة حرقانيّة:و هو ضرب من الوشي فيه لون، كأنّه محترق.

و الحرق و الحريق:اضطرام النّار و تحرّقها.

و الحريق أيضا:اللّهب.

و الحروقة:الماء يحرق قليلا ثمّ يذرّ عليه دقيق قليل فيتنافت أي ينتفخ و يتعافر عند الغليان؛و الحريقة:

النّفيتة.

و قيل:الحريقة:الماء يغلى ثمّ يذرّ عليه الدّقيق فيلعق،و هو أغلظ من الحساء،و إنّما يستعملونها في شدّة الدّهر و غلاء السّعر،و عجف المال،و كلب الزّمان.

و الحريق:ما أحرق النّبات من حرّ أو برد أو ريح أو غير ذلك من الآفات،و قد احترق النّبات.و في التّنزيل:

فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ البقرة:266.

و هو يتحرّق جوعا،كقولك:يتضرّم.

ص: 503

و نصل حرق:حديد،كأنّه ذو إحراق،أراه على النّسب.

و ماء حراق و حرّاق:ملح،و كذلك الجمع.

و أحرقنا فلان:برّح بنا و آذانا.

و حرق ناب البعير يحرق و يحرق حرقا و حريقا:

صرف.

و حرق الإنسان و غيره نابه،يحرقه و يحرقه حرقا و حريقا و حروقا:فعل ذلك من غيظ و غضب.

و قيل:الحروق محدث.

و الحارقة:العصبة الّتي تجمع بين رأس الفخذ و الورك.و قيل:هي عصبة متّصلة بين وابلة الفخذ و العضد.

و قيل:الحارقة في الخربة:عصبة تعلّق الفخذ بالورك و بها يمشي الإنسان.

و قيل:الحارقتان:عصبتان في رءوس أعالي الفخذين في أطرافهما،ثمّ تدخلان فتكونان في نقرتي الوركين ملتزقتين ثابتتين في النّقرتين،فيهما موصل ما بين الفخذ و الورك،و إذا زالت الحارقة عرج الّذي يصيبه ذلك.

و قيل:الحارقة عصبة أو عرق في الرّجل.

و حرق حرقا و حرق حرقا:انقطعت حارقته.

و الحرق في النّاس و الإبل:انقطاع الحارقة.

و رجل حرق:أكثر من محروق،و بعير محروق:أكثر من حرق.

و اللّغتان في كلّ واحد من هذين النّوعين فصيحتان.

و الحرقوة:أعلى الحلق أو اللّهاة.

و حرق الشّعر حرقا فهو حرق:قصر فلم يطل،أو تقطّع.

و حرق ريش الطّائر فهو حرق:انحصّ.

و الحرق في النّاصية كالسّفا،و الفعل كالفعل.

و حرقت اللّحية فهي حرقة:قصر شعر ذقنها عن شعر العارضين.

و حرق الحديد بالمبرد يحرقه و يحرقه حرقا و حرّقه:

برده.

و قرئ (لنحرّقنّه) طه:97،و (لنحرقنّه) و هما سواء في المعنى.

و ليست«حرقه»مكثّرة عن«حرقه»كما ذهب إليه الزّجّاج:من أنّ(لنحرّقنّه)بمعنى لنبردنّه مرّة بعد مرّة، لأنّ الجوهر المبرود لا يحتمل ذلك،و بهذا ردّ عليه الفارسيّ قوله.

و الحارقة و الحاروق من النّساء:الضّيّقة.[إلى أن ذكر قول ثعلب و قال:]

و عندي أنّ«الحارقة»في حديث عليّ هذا إنّما هو اسم لهذا الضّرب من الجماع.

و الحارقة:السّبع.

[و استشهد بالشّعر 7 مرّات](2:572)

الطّوسيّ: و الإحراق:إحراق النّار،أحرقته بالنّار فاحترق احتراقا،و حرّقته تحريقا،و تحرّق تحرّقا.

و الحرق:حكّ البعير أحد نابيه بالآخر يكون وعيدا و تهديدا من فحول الإبل لالتهابه غضبا كالتهاب الإحراق.

و الحرق:حكّ الحديدة بالمبرد،حرقت الحديدة

ص: 504

أحرقها حرقا،إذا بردتها للتّفريق بالإحراق

و الحرق:قطع عصبة في الورك لا تلتئم،كما لا يرجع ما أحرق.يقال:حرق الورك فهو محروق.و الحرق:

الثّوب يقع فيه الحرق من دقّ القصّار،لأنّه كالإحراق بالنّار في أنّه لا يرجع إلى الحال.و منه ريش حرق لأنّه كالمنقطع بالإحراق.و الحرّاق:ما اقتبست به النّار للإحراق.و الحرقة ما يجده من حدّة لأنّه كالإحراق بالنّار.

و الحرّاقات:سفن يتّخذ منها مرامى نيران يرمى بها العدوّ.و أصل الباب:الإحراق.(2:342)

و الحريق:تفريق الأجسام الكبيرة العظيمة بالنّار العظيمة.(5:161)

و التّحريق هو التّقطيع بالنّار.يقال:حرّقه تحريقا و أحرقه إحراقا.و ثوب حرق،أي متقطّع كالتّقطّع بالنّار،و احترق الشّيء احتراقا،و تحرّق على الأمر تحرّقا.(7:262)

الرّاغب: يقال:أحرق كذا فاحترق.و الحريق:

النّار.[ثمّ ذكر الآيات]

حرق الشّيء:إيقاع حرارة في الشّيء من غير لهيب،كحرق الثّوب بالدّقّ.

و حرق الشّيء:إذا برده بالمبرد،و عنه استعير:

حرق النّاب،و قولهم:يحرق على الأرّم.

و حرق الشّعر،إذا انتشر.

و ماء حراق:يحرق بملوحته.

و الإحراق:إيقاع نار ذات لهيب في الشّيء،و منه استعير:أحرقني بلومه،إذا بالغ في أذيّته بلوم.(114)

الزّمخشريّ: أحرقه بالنّار و حرّقه،فاحترق و تحرّق،و وقع الحريق في داره،«و أعوذ باللّه من الحرق و الغرق».

و في الثّوب حرق،و هو أثر دقّ القصّار،و قد حرق الثّوب يحرقه حرقا.

و وقع السّقط في الحراق.

و حرق الحديد:برده.

و أكلوا الحريقة،و هي حريرة فيها غلظ تطبخ طبخا محرقا.

و من المجاز:حرّق المرعى الإبل:عطّشها.

و أحرقني النّاس:برّحوا بي و آذوني.و حرّقني باللّوم.

و ماء حراق زعاق:شديد الملوحة،كأنّما يحرق حلق الشّارب.

و فرس حراق العدو:يكاد يحترق لشدّة عدوه، و منه ركبوا في الحرّاقة،و هي سفينة خفيفة المرّ.

و رأس حرق المفارق،و طائر حرق الجناح،إذا نسل الشّعر و الرّيش،كأنّه يحترق فيسقط.

و إنّه ليحرق عليك الأرّم،أي يسحق بعضها ببعض فعل الحارق بالمبرد.

و عليكم من النّساء بالحارقة،و هي الّتي تضمّ الشّيء لضيقها،و تغمزه فعل من يحرق أسنانه،و هي الرّصوف و العضوض.

و حارق المرأة:جامعها.

و جامعها الحرّيقاء،و هي المجامعة على الجنب.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات].(أساس البلاغة:81)

ص: 505

[في حديث]قال حريث:«رأيته[النّبيّ]دخل مكّة يوم الفتح،و عليه عمامة سوداء حرقانيّة،قد أرخى طرفها على كتفيه»هي الّتي على لون ما أحرقته النّار، كأنّها منسوبة بزيادة الألف و النّون إلى«الحرق».يقال:

الحرق بالنّار و الحرق معا.و الحرق:من الدّقّ الّذي يعرض للثّوب عند دقّة،محرّك لا غير.(الفائق 1:271)

[في حديث]«نهى عن حرق النّواة،و أن تقصع بها القملة».قيل:هو إحراقها بالنّار.و يجوز أن يكون من:

حرق الشّيء،إذا برده بالمبرد.(الفائق 1:373)

المدينيّ: في الحديث:«يحرقون أنيابهم»أي يحكّون بعضها على بعض غيظا و حنقا.و منه قولهم:«هو يحرق عليّ الأرّم».

[ثمّ ذكر حديث حرق النّواة عند الزّمخشريّ]

و في حديث آخر:«أوحي إليّ أن أحرق قريشا»أي أهلكهم،و أصل الإحراق:الإهلاك.

و منه حديث المظاهر:«احترقت»،و في رواية:

«هلكت و أهلكت».(1:432)

ابن الأثير: «ضالّة المؤمن حرق النّار»حرق النّار بالتّحريك:لهبها،و قد يسكّن،أي إنّ ضالّة المؤمن إذا أخذها إنسان ليتملّكها أدّته إلى النّار.

و منه الحديث:«الحرق و الغرق و الشّرق شهادة».

و منه الحديث الآخر:«الحرق شهيد»بكسر الرّاء.

و في رواية«الحريق»هو الّذي يقع في حرق النّار فيلتهب.[ثمّ ذكر حديث المظاهر،و قال:]

و منه حديث المجامع في نهار رمضان أيضا:

«احترقت»شبّها ما وقعا فيه من الجماع في المظاهرة و الصّوم بالهلاك.

و حديث قتال أهل الرّدّة:«فلم يزل يحرّق أعضاءهم حتّى أدخلهم من الباب الّذي خرجوا منه».

[إلى أن ذكر حديث حرق النّواة و أضاف:]

و إنّما نهي عنه إكراما للنّخلة،و لأنّ النّوى قوت الدّواجن.

و فيه«شرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم الماء المحرق من الخاصرة».الماء المحرق:هو المغلى بالحرق و هو النّار، يريد أنّه شربه من وجع الخاصرة.

و في رواية:«كذبتكم الحارقة»هي المرأة الضّيّقة الفرج.و قيل:هي الّتي تغلبها الشّهوة حتّى تحرق أنيابها بعضها على بعض،أي تحكّها.يقول:عليكم بها.

(1:371)

الفيّوميّ: أحرقته النّار إحراقا.و يتعدّى بالحرف، فيقال:أحرقته بالنّار فهو محرق و حريق.

و حرّق تحريقا،إذا أكثر الإحراق.

و أحرقته باللّسان،إذا عبته و تنقّصته.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحرق بفتحتين:اسم من إحراق النّار،و يقال:

النّار بعينها.

و احترق الشّيء بالنّار و تحرّق.(131)

الفيروزآباديّ: حرقه:برده،و حكّ بعضه ببعض،و نابه يحرقه و يحرقه:سحقه حتّى سمع له صريف.

و الحارقتان:رءوس الفخذين في الوركين،أو عصبتان في الورك.

ص: 506

و المحروق:الّذي زال وركه،و السّفّود.

و الحارقة:النّار،و المرأة الضّيّقة الملاقي،و الّتي تثبت للرّجل على شقّها،و الّتي تغلبها الشّهوة حتّى تحرق أنيابها بعضها على بعض إشفاقا من أن تبلغ الشّهوة بها الشّهيق أو النّخير،أو الّتي تكثر سبّ جاراتها،و النّكاح على الجنب أو الإبراك.

و امرأة حاروق:نعت محمود لها عند الجماع.

و الحرق بالكسر:شمراخ الفحّال يلقح به، و بالتّحريك:النّار أو لهبها،و أثر احتراق من دقّ القصّار و نحوه في الثّوب.

و عمامة حرقانيّة محرّكة:على لون ما أحرقته النّار.

و حرق شعره كفرح:تقطّع و نسل،فهو حرق الشّعر.

و ككتف:الرّجل المتشقّق الأطراف،و من السّحاب:الشّديد البرق.

و كشكور و تنّور و جلولاء و كناسة و غراب، و تشديدهما أو تشديد الأولى لحن:ما يقع فيه النّار عند القدح.

و كسحاب:اسم رجل.

و كغراب:من المياه الشّديد الملوحة و يشدّد،و من الخيل:العدّاء،و من يفسد في كلّ شيء كالحراق بالكسر،و الجشن الّذي يلقح به النّخل كالحرق و الحراق بكسرهما،و الحرق محرّكة و كصبور و يضمّ.

و نار حراق ككتاب:لا تبقي شيئا،و رمي حراق:

شديد.

و في جوفه حرقة و يضمّ و حريقة:حرارة.

و الحرّاقات مشدّدة:مواضع القلاّءين و الفحّامين، و سفن بالبصرة و فيها مرامي نيران يرمى بها العدوّ.

و الحرقة بالضّمّ:اسم من الاحتراق.

و الحريقة و الحروقة:طعام من الحساء،أو ماء يذرّ عليه دقيق قليل فينتفخ عند الغليان،و أحرقها:اتّخذها.

و الحرقان بالضّمّ:اصطكاك الفخذين.

و كزبير:أخو حرقة.

و الحرقوة كترقوة:أعلى اللّهاة من الحلق.

و رجل حرقريقة:حديد.

و الحارق:سنّ السّبع.

و حرقه بالنّار يحرقه و أحرقه و حرّقه بمعنى، فاحترق و تحرّق.

و المحرّقة كمعظّمة:قرية باليمامة.

و حرّق المرعى الإبل:عطّشها.

و حارقها:جامعها على الجنب.(3:227)

مجمع اللّغة :حرقه بالنّار يحرقه حرقا:أصابه بها،و جعلها تؤثّر فيه أثرها المعهود،فاحترق.و مثله حرّقه تحريقا و أحرقه.(1:248)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حرقه و حرّقه بالنّار:

أصابه بها،و جعلها تؤثّر فيه.و احترق:حرقته النّار.

و الحريق:اضطرام النّار،و اللّهب.(129)

العدنانيّ: الحريق لا الحريقة

و يقولون:شبّت حريقة في الحيّ الفلانيّ،و الصّواب:

شبّ حريق فيه.

و في دمشق حيّ كبير التهبته النّيران في صدر القرن العشرين،فأطلقوا عليه خطأ اسم:الحريقة.

و فعله:حرقت النّار الخشب تحرقه حرقا.

ص: 507

و يقال:حرقه بالنّار،فالفاعل:حارق و حريق، و المفعول:محروق و حريق.

و من معاني الحريق:

1-اللّهب.

2-اسم من الاحتراق.

3-ما أحرق النّبات من حرّ،أو برد،أو ريح،أو غير ذلك من الآفات.

أمّا الحريقة فتعني:

1-الحرارة.

2-نوعا غليظا من الحساء؛و الجمع:حرائق.

(149)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو التّحرّق بحرارة و التهاب.و الأغلب استعمال المجرّد منها لازما،و منه:الحريق و الحرق و الحرق و الحارقة و التّحرّق و الاحتراق.و إذا عدّيته تقول:

أحرقه و حرّقه.

و لمّا كان التّحرّق بالنّار:هو التّأثّر و التّغيّر في صورة الشّيء،في أثر الحدّة و النّفوذ و الشّدّة من الحرارة، استعير هذا المعنى في موارد التّأثّر و التّغيّر الحاصل من تأثير البرودة أو العصر أو الغسل أو الاحتكاك،أو الحوادث:من الحبّ و الحزن و غيرهما،فكأنّ الشّيء يحترق بتأثير الحرارة؛فوجه الشّبه:هو التّأثّر الشّديد، و التّغيّر العميق.

و أمّا الحارقة:فباعتبار كونها حارّة،و لها حدّة و شدّة،في مقام حركة العضو و قوّته و عمله،و إذا قطعت تلك العصبة توقّف الإنسان عن الحركة و المشي.

وَ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ الأنفال:50،أي ما يحترق و يكون فيه حدّة.و التّعبير«بالذّوق»باعتبار مفهوم العذاب المشتقّ من العذب.

فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ البقرة:266، فيكون الاحتراق بتأثير حدّة العصر و الحرارة الحاصلة منه،كالرّيح العاصف الشّديد.

قالُوا حَرِّقُوهُ وَ انْصُرُوا آلِهَتَكُمْ الأنبياء:68،من التّحريق،و هو أشدّ مجازاة للمجرم؛حيث يتغيّر ظاهره، ثمّ يزول أثره و تمحو مادّته.(2:216)

النّصوص التّفسيريّة

الحريق

1- ..وَ نَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ.

آل عمران:181

ابن عبّاس: الشّديد.(62)

أبو عبيدة : عَذابَ الْحَرِيقِ: النّار؛اسم جامع، تكون نارا و هي حريق و غير حريق،فإذا التهبت فهي حريق.(1:110)

نحوه القرطبيّ.(4:295)

الطّبريّ: عذاب نار محرقة ملتهبة،و النّار:اسم جامع للملتهبة منها و غير الملتهبة،و إنّما الحريق صفة لها، يراد أنّها محرقة،كما قيل: عَذابٌ أَلِيمٌ يعني مؤلم، و وجيع،يعني:موجع.(4:196)

نحوه ملخّصا البغويّ(1:547)،و نحوه الفخر الرّازيّ(9:119)،و أبو السّعود(2:73)،و البروسويّ

ص: 508

(2:135).

الزّجّاج: أي عذاب محرق بالنّار،لأنّ العذاب يكون بغير النّار،فأعلم أنّ مجازاة هؤلاء هذا العذاب.(1:494)

الطّوسيّ: يعني المحرق،و الفائدة فيه أن يعلم أنّه عذاب بالنّار الّتي تحرق،و هي الملتهبة،لأنّ ما لم يلتهب لا يسمّى حريقا.

و قد يكون العذاب بغير النّار.(3:66)

مثله الطّبرسيّ(1:548)،و نحوه الواحديّ(1:

528).

ابن عطيّة: معناه المحرق«فعيل»بمعنى«مفعل».

و قيل:(الحريق):طبقة من طبقات جهنّم.(1:548)

نحوه أبو حيّان.(3:130)

النّسفيّ: أي عذاب النّار.(1:198)

الشّربينيّ: أي النّار،و هي بمعنى المحرق،كما يقال:عذاب أليم،أي مؤلم.(1:270)

الآلوسيّ: و الحريق بمعنى المحرق،و إضافة «العذاب»إليه من الإضافة البيانيّة،أي العذاب الّذي هو المحرق،لأنّ المعذّب هو اللّه تعالى لا الحريق.أو الإضافة للسّبب،لتنزيله منزلة الفاعل.[إلى أن قال:]

و في هذه الآية مبالغات في الوعيد؛حيث ذكر فيها العذاب و الحريق و الذّوق المنبئ عن اليأس.(4:142)

الطّباطبائيّ: الحريق:النّار أو اللّهب،و قيل:هو بمعنى المحرق.(4:83)

2- ..لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ نُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ. الحجّ:9

ابن عبّاس: عذاب النّار،و يقال:العذاب الشّديد.

(227)

الطّبريّ: و نحرقه يوم القيامة بالنّار.(17:122)

نحوه الشّربينيّ.(2:540)

الطّوسيّ: أي العذاب الّذي يحرق بالنّار.

(7:295)

ابن عطيّة: و الحريق:طبقة من طبقات جهنّم

(4:109)

الطّبرسيّ: أي النّار الّتي تحرقهم.(4:72)

القرطبيّ: أي نار جهنّم.(12:16)

البيضاويّ: المحرق و هو النّار.(2:86)

أبو حيّان :و الحريق قد يكون من إضافة الموصوف إلى صفته،أي العذاب الحريق،أي المحرق،كالسميع بمعنى المسمع.(6:355)

أبو السّعود :أي النّار المحرقة.(4:371)

نحوه القاسميّ.(12:4327)

البروسويّ: الحريق بمعنى المحرق،فيجوز أن يكون من إضافة المسبّب إلى سببه،على أن يكون الحريق عبارة عن النّار،و أن يكون من إضافة الموصوف إلى صفته،و الأصل:العذاب الحريق.(6:9)

نحوه الآلوسيّ.(17:122)

3- ..وَ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ. الحجّ:22

ابن عبّاس: الشّديد.(227)

الطّوسيّ: و الحريق:الغليظ من النّار المنتشر،

ص: 509

العظيم الإهلاك.(7:303)

نحوه الزّمخشريّ(3:9)،و الفخر الرّازيّ(23:22)، و النّسفيّ(3:97)،و أبو السّعود(4:375).

الواحديّ: و الحريق:اسم من الاحتراق.(3:264)

نحوه الطّبرسيّ.(4:78)

البغويّ: أي المحرق،مثل الأليم و الوجيع.

(3:331)

نحوه ابن عطيّة.(4:114)

القرطبيّ: [نحو البغويّ و أضاف:]

تحرّق الشّيء بالنّار و احترق؛و الاسم:الحرقة و الحريق.(12:28)

البيضاويّ: أي النّار البالغة في الإحراق.

(2:89)

مثله الكاشانيّ.(3:368)

النّيسابوريّ: بنار الشّهوات.لكنّه لا يحسّ بها في الدّنيا،لأنّه نائم بنوم الغفلة،فإذا مات انتبه.(17:87)

الخازن :و الحريق بمعنى المحرق،فهذا وصف حال أحد الخصمين،و هم الكفّار.(5:9)

المراغيّ: ذوقوا عذاب هذه النّار الّتي تحرق الأمعاء و الأحشاء.(17:103)

لاحظ«ع ذ ب:عذاب الحريق»

لنحرّقنّه

...وَ انْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً. طه:97

الإمام عليّ عليه السّلام: لَنُحَرِّقَنَّهُ لنبردنّه.

(الفرّاء 2:191)

ابن عبّاس: بالنّار.(266)

سحله بالمبارد و ألقاه على النّار.

مثله السّدّيّ.(ابن كثير 4:535)

قتادة :استحال العجل من الذّهب لحما و دما، فحرقه بالنّار،ثمّ ألقى رماده في البحر.

(ابن كثير 4:535)

الفرّاء: قوله لَنُحَرِّقَنَّهُ بالنّار،و(لنحرقنّه):

لنبردنّه بالحديد بردا،من حرقت أحرقه و أحرقه،لغتان.

(2:191)

ابن قتيبة : لَنُحَرِّقَنَّهُ بالنّار،و من قرأ (لنحرقنّه)أراد لنبردنّه.(281)

الطّبريّ: لَنُحَرِّقَنَّهُ اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء الحجاز و العراق لَنُحَرِّقَنَّهُ بضمّ النّون و تشديد الرّاء،بمعنى:لنحرّقنّه بالنّار قطعة قطعة.

و روي عن الحسن البصريّ أنّه كان يقرأ ذلك (لنحرقنّه) بضمّ النّون و تخفيف الرّاء بمعنى:لنحرقنّه بالنّار إحراقة واحدة.

و قرأه أبو جعفر القارئ (لنحرقنّه) بفتح النّون و ضمّ الرّاء بمعنى:لنبردنّه بالمبارد،من حرقته أحرقه و أحرقه.[ثمّ استشهد بشعر].

و الصّواب في ذلك عندنا من القراءة لَنُحَرِّقَنَّهُ بضمّ النّون و تشديد الرّاء،من الإحراق بالنّار.

و عن ابن عبّاس لَنُحَرِّقَنَّهُ فحرّقه ثمّ ذراه في

ص: 510

اليمّ،و إنّما اخترت هذه القراءة،لإجماع الحجّة من القرّاء عليها.(16:208)

الزّجّاج: يقرأ (لنحرقنّه) أي لنحرقنّه بالنّار، فإذا شدّد،فالمعنى نحرّقه مرّة بعد مرّة.و قرئت (لنحرقنّه)و تأويله:لنبردنّه بالمبرد،يقال:حرقت أحرق و أحرق،إذا بردت الشّيء.و لم يقرأ«لنحرقنّه» و لو قرئت كانت جائزة.(3:375)

السّجستانيّ: لَنُحَرِّقَنَّهُ يعني بالنّار، و(نحرقنّه):نبردنّه بالمبارد.(122)

الطّوسيّ: يقال:حرّقته بتشديد الرّاء،إذا حرقته بالنّار.

و حرقته بتخفيف الرّاء،بمعنى بردته بالمبرد؛و ذلك لأنّه يقطع به كما يقطع المحرق بالنّار.يقال:حرقته و أحرقته حرقا.[ثمّ استشهد بشعر](7:205)

الزّمخشريّ: لَنُحَرِّقَنَّهُ و(لنحرقنّه) و(لتحرّقنّه)،و في حرف ابن مسعود(لنذبّحنّه)، و(لنحرّقنّه و لتحرّقنّه)القراءتان من الإحراق.

و ذكر أبو عليّ الفارسيّ في لَنُحَرِّقَنَّهُ أنّه يجوز أن يكون حرّق مبالغة في حرق،إذا برد بالمبرد.و عليه القراءة الثّالثة،و هي قراءة عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه.(2:551)

الفخر الرّازيّ: في قوله: لَنُحَرِّقَنَّهُ وجهان:

أحدهما:المراد إحراقه بالنّار.و هذا أحد ما يدلّ على أنّه صار لحما و دما،لأنّ الذّهب لا يمكن إحراقه بالنّار.و قال السّدّيّ:أمر موسى عليه السّلام بذبح العجل فذبح،فسال منه الدّم،ثمّ أحرق ثمّ نسف رماده.و في حرف ابن مسعود(لنذبّحنّه و لنحرّقنّه).

ثانيهما:(لنحرقنّه)أي لنبردنّه بالمبرد،يقال:

حرقه يحرقه،إذا برده.

و هذه القراءة تدلّ على أنّه لم ينقلب لحما و لا دما، فإنّ ذلك لا يصحّ أن يبرد بالمبرد،و يمكن أن يقال:إنّه صار لحما فذبح ثمّ بردت عظامه بالمبرد حتّى صارت بحيث يمكن نسفها.

قراءة العامّة بضمّ النّون و تشديد الرّاء،و معناه لنحرّقنّه بالنّار.و قرأ أبو جعفر و ابن محيصن (لنحرقنّه)بفتح النّون و ضمّ الرّاء خفيفة،يعني لنبردنّه.

(22:112)

نحوه النّيسابوريّ.(16:154)

البيضاويّ: أي بالنّار،و يؤيّده قراءة(لنحرقنّه)، أو بالمبرد على أنّه مبالغة في حرق إذا برد بالمبرد، و يعضده قراءة(لنحرقنّه).(2:59)

نحوه أبو السّعود.(4:306)

البروسويّ: لَنُحَرِّقَنَّهُ جواب قسم محذوف، أي بالنّار.و يؤيّده قراءة(لنحرقنّه)من الإحراق،و هو إيقاع نار ذات لهب في الشّيء،بخلاف«الحرق»فإنّه إيقاع حرارة في الشّيء من غير لهب،كحرق الثّوب بالدّقّ.[ثمّ أدام نحو البيضاويّ](5:422)

الآلوسيّ: جواب قسم محذوف،أي باللّه تعالى لنحرّقنّه بالنّار،كما أخرج ذلك ابن المنذر،و ابن أبي حاتم عن ابن عبّاس،و يؤيّده قراءة الحسن و قتادة و أبي جعفر في رواية.و أبي رجاء و الكلبيّ(لنحرقنّه)مخفّفا، من«أحرق»رباعيّا.فإنّ الإحراق شائع فيما يكون

ص: 511

بالنّار،و هذا ظاهر في أنّه صار ذا لحم و دم،و كذا ما في مصحف أبيّ و عبد اللّه(لنذبّحنّه ثمّ لنحرّقنّه).

و جوّز أبو عليّ أن يكون«نحرّق»مبالغة في حرق الحديد حرقا بفتح الرّاء،إذا برده بالمبرد.و يؤيّد قراءة عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه،و حميد و عمرو بن فايد و أبي جعفر في رواية،و كذا ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما (لنحرقنّه)بفتح النّون و سكون الحاء و ضمّ الرّاء،فإنّ حرق يحرق بالضّمّ مختصّ بهذا المعنى كما قيل.و هذا ظاهر في أنّه لم يصر ذا لحم و دم،بل كان باقيا على الجماديّة.

و زعم بعضهم أنّه لا بعد على تقدير كونه حيّا في تحريقه بالمبرد؛إذ يجوز خلق الحياة في الذّهب مع بقائه على الذّهبيّة عند أهل الحقّ.

و قال بعض القائلين بأنّه صار حيوانا ذا لحم و دم:أنّ التّحريق بالمبرد كان للعظام،و هو كما ترى.و قال النّسفيّ:تفريقه بالمبرد طريق تحريقه بالنّار،فإنّه لا يفرق الذّهب إلاّ بهذا الطّريق،و جوّز على هذا أن يقال:إنّ موسى عليه السّلام حرقه بالمبرد ثمّ أحرقه بالنّار.و تعقّب بأنّ النّار تذيبه و تجمعه و لا تحرقه و تجعله رمادا،فلعلّ ذلك كان بالحيل الإكسيريّة،أو نحو ذلك.(16:257)

الطّباطبائيّ: أي أقسم لنحرّقنّه بالنّار ثمّ لنذرينّه في البحر ذروا.و قد استدلّ بحديث إحراقه على أنّه كان حيوانا ذا لحم و دم،و لو كان ذهبا لم يكن لإحراقه معنى.و هذا يؤيّد تفسير الجمهور السّابق أنّه صار حيوانا ذا روح بإلقاء التّراب المأخوذ من أثر جبريل عليه.لكنّ الحقّ أنّه إنّما يدلّ على أنّه لم يكن ذهبا خالصا،لا غير.

و قد احتمل بعضهم أن يكون(لنحرقنّه)من حرق الحديد،إذا برده بالمبرد،و المعنى:لنبردنّه بالمبرد ثمّ لنذرينّ برادته في البحر،و هذا أنسب.(14:198)

مكارم الشّيرازيّ: هنا يأتي سؤالان:

الأوّل:أنّ جملة لَنُحَرِّقَنَّهُ تدلّ على أنّ العجل كان جسما قابلا للاشتعال،و هذا يؤيّد عقيدة من يقولون:إنّ العجل لم يكن ذهبيّا بل تبدّل إلى موجود حيّ،بسبب تراب قدم جبرئيل.

و نقول في الجواب:إنّ ظاهر جملة جَسَداً لَهُ خُوارٌ هو أنّ العجل كان جسدا لا روح فيه،كان يخرج منه صوت يشبه خوار العجل بالطّريقة الّتي قلناها سابقا.

أمّا مسألة الإحراق فمن الممكن أن تكون لأحد سببين:

أحدهما:أنّ هذا التّمثال لم يكن ذهبيّا خالصا،بل يحتمل أنّ الخشب قد استعمل في صنعه،و طلي بالذّهب.

و الآخر:أنّه على فرض أنّه كان من الذّهب فقط، فإنّ إحراقه كان للتّحقير و الإهانة و تعرية شكله الظّاهريّ و إسقاطه،كما تكرّر هذا الأمر في تماثيل الملوك المستكبرين الجبابرة في عصرنا.

بناء على هذا فإنّهم بعد حرقه كسروه قطعا صغيرة بآلات معيّنة،ثمّ ألقوا ذرّاته في البحر.

و السّؤال الآخر هو:هل كان إلقاء كلّ هذا الذّهب في البحر جائزا،و لم يكن يعدّ إسرافا؟

و الجواب:قد يكون مثل هذا التّعامل مع الأصنام واجبا في بعض الأحيان،إذا أريد منه تحقيق هدف أهمّ و أسمى،كتحطيم و سحق فكرة عبادة الأصنام،لئلاّ يبقى

ص: 512

بين النّاس مادّة الفساد،و تكون باعثا للوسوسة في صدور بعض النّاس.

و بعبارة أوضح:فإنّ موسى عليه السّلام لو كان قد أبقى الّذي استعمل في صناعة العجل،أو قسّمه بين النّاس بالسّويّة،فقد كان من الممكن أن ينظر إليه الجاهلون يوما ما نظرة تقديس،و تحيا فيهم من جديد فكرة عبادة العجل،فيجب أن تتلف هنا هذه المادّة الغالية الثّمن فداء لحفظ عقيدة النّاس،و لم يكن هنا غير هذا الطّريق.

و بهذا فإنّ موسى بطريقته الحازمة و تعامله الجازم الّذي اتّخذه مع السّامريّ و عجله،استطاع أن يقطع مادّة عبادة العجل،و أن يمحو آثارها من العقول،و سنرى فيما بعد كيف أثّر هذا التّعامل القاطع مع عبّاد العجل في عقول بني اسرائيل.(10:60)

حرّقوه

قالُوا حَرِّقُوهُ وَ انْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ.

الأنبياء:68

أبيّ بن كعب: إنّ إبراهيم قال حين أوثقوه ليلقوه في النّار،قال:«لا إله إلاّ أنت،سبحانك ربّ العالمين،لك الحمد و لك الملك،لا شريك لك».ثمّ رموا به في المنجنيق إلى النّار،فاستقبله جبريل،فقال:يا إبراهيم أ لك حاجة؟فقال إبراهيم:أمّا إليك فلا،فقال جبريل:فسل ربّك،فقال إبراهيم:حسبي من سؤالي علمه بحالي.

(البغويّ 1:294)

مجاهد :قالها رجل من أعراب فارس،يعني الأكراد.(الطّبريّ 17:43)

قتادة: فما أحرقت النّار منه إلاّ وثاقه.

(الماورديّ 3:453)

السّدّيّ: حبسوه في بيت و جمعوا له حطبا،حتّى إن كانت المرأة لتمرض،فتقول:لئن عافاني اللّه لأجمعنّ حطبا لإبراهيم.فلمّا جمعوا و أكثروا من الحطب،حتّى أنّ الطّير لتمرّ بها فتحترق من شدّة وهجها،فعمدوا إليه فرفعوه على رأس البنيان،فرفع إبراهيم رأسه إلى السّماء،فقالت السّماء و الأرض و الجبال و الملائكة:ربّنا إبراهيم يحرق فيك.فقال:أنا أعلم به،و إن دعاكم فأغيثوه.و قال إبراهيم حين رفع رأسه إلى السّماء:

«اللّهمّ أنت الواحد في السّماء و أنا الواحد في الأرض، ليس في الأرض أحد يعبدك غيري،حسبي اللّه و نعم الوكيل»،فقذفوه في النّار.(353)

ابن جريج: ألقي إبراهيم في النّار و هو ابن ستّ و عشرين سنة.(الماورديّ 3:453)

ابن إسحاق :أي لا تنصروها منه إلاّ بالتّحريق بالنّار إن كنتم ناصرين.(الطّبريّ 7:43)

جمعوا الحطب شهرا ثمّ أوقدوها و اشتعلت و اشتدّت،حتّى إن كان الطّائر ليمرّ بجنباتها فيحترق من شدّة وهجها،ثمّ قيّدوا إبراهيم و وضعوه في المنجنيق مغلولا.(القرطبيّ 11:303)

شعيب الجبئيّ: إنّ الّذي قال:حرّقوه«هيزن» فخسف اللّه به الأرض،فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة.(الطّبريّ 17:43)

الطّبريّ: قال بعض قوم إبراهيم لبعض:حرّقوا إبراهيم بالنّار.(17:43)

ص: 513

الواحديّ: أي بتحريق إبراهيم،لأنّه يعيبها و يطعن عليها،فإذا أحرقتموه كان ذلك نصر منكم إيّاها.(3:243)

البغويّ: روي أنّهم لم يعلموا كيف يلقونه فيها، فجاء إبليس فعلّمهم عمل المنجنيق،ليتوصّلوا إلى إلقائه فيها،فعملوه،ثمّ عمدوا إلى إبراهيم فرفعوه على رأس البنيان و قيّدوه،ثمّ وضعوه في المنجنيق مقيّدا مغلولا، فصاحت السّماء و الأرض و من فيها من الملائكة و جميع الخلق إلاّ الثّقلين صيحة واحدة،و ضجّت ضجّة عظيمة، أي ربّنا،إبراهيم خليلك،يلقى في النّار و ليس في أرضك أحد يعبدك غيره،فأذن لنا في نصرته.

فقال اللّه عزّ و جلّ:إنّه خليلي ليس لي غيره خليل، و أنا إلهه و ليس له إله غيري،فإن استغاث بشيء منكم أو دعاه فلينصره،فقد أذنت له في ذلك،و إن لم يدع غيري فأنا أعلم به و أنا وليّه،فخلّوا بيني و بينه.

فلمّا أرادوا إلقاءه في النّار أتاه خازن المياه،فقال له:

إن أردت أخمدت النّار،و أتاه خازن الرّياح،فقال:إن شئت طيّرت النّار في الهواء،فقال إبراهيم:لا حاجة لي إليكم،حسبي اللّه و نعم الوكيل.(3:294)

نحوه القرطبيّ.(11:303)

الزّمخشريّ: و اختاروا المعاقبة بالنّار،لأنّها أهول ما يعاقب به و أفظعه،و لذلك جاء:«لا يعذّب بالنّار إلاّ خالقها».(2:578)

البروسويّ: أي قال بعضهم لبعض لمّا عجزوا عن المحاجّة،و هكذا ديدن المبطل المحجوج إذا قرعت شبهته بالحجّة القاطعة و افتضح،لا يبقى له مفزع إلاّ المناصبة، و اتّفقت كلمتهم على إحراقه،لأنّه أشدّ العقوبات.

(5:496)

نحوه الآلوسيّ.(17:67)

ابن عاشور :لمّا غلبهم بالحجّة القاهرة،لم يجدوا مخلصا إلاّ بإهلاكه،و كذلك المبطل إذا قرعت باطله حجّة فساده،غضب على المحقّ،و لم يبق له مفزع إلاّ مناصبته و التّشفّي منه،كما فعل المشركون من قريش مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حين عجزوا عن المعارضة.و اختار قوم إبراهيم أن يكون إهلاكه بالإحراق،لأنّ النّار أهول ما يعاقب به و أفظعه.و التّحريق:مبالغة في الحرق،أي حرقا متلفا.

و أسند قول الأمر بإحراقه إلى جميعهم،لأنّهم قبلوا هذا القول و سألوا ملكهم-و هو نمروذ-إحراق إبراهيم، فأمر بإحراقه،لأنّ العقاب بإتلاف النّفوس لا يملكه إلاّ ولاة أمور الأقوام.

قيل:الّذي أشار بالرّأي بإحراق إبراهيم رجل من القوم كرديّ،اسمه«هينون»و استحسن القوم ذلك.

و الّذي أمر بالإحراق نمروذ،فالأمر في قولهم(حرّقوه) مستعمل في المشاورة.

و يظهر أنّ هذا القول كان مؤامرة سرّيّة بينهم دون حضرة إبراهيم،و أنّهم دبّروه ليبغتوه به خشية هروبه، لقوله تعالى: وَ أَرادُوا بِهِ كَيْداً الأنبياء:70.

(17:77)

الطّباطبائيّ: هو[إبراهيم]عليه السّلام و إن أبطل بكلامه السّابق ألوهيّة الأصنام،و كان لازمه الضّمنيّ أن لا يكون كسرهم ظلما و جرما،لكنّه لوّح بكلامه إلى أنّ رميه كبير

ص: 514

الأصنام بالفعل،و أمرهم أن يسألوا الآلهة عن ذلك لم يكن لدفع الجرم عن نفسه،بل كان تمهيدا لإبطال ألوهيّة الآلهة.و بهذا المقدار من السّكوت و عدم الرّدّ،قضوا عليه بثبوت الجرم،و أنّ جزاءه أن يحرق بالنّار.

و لذلك قالوا: حَرِّقُوهُ وَ انْصُرُوا آلِهَتَكُمْ بتعظيم أمرهم،و مجازاة من أهان بهم،و قولهم: إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ تهييج و إغراء.(14:302)

مكارم الشّيرازيّ: بالرّغم من أنّ عبدة الأوثان قد سقط ما في أيديهم نتيجة استدلالات إبراهيم العمليّة و المنطقيّة،و اعترفوا في أنفسهم بهذه الهزيمة، إلاّ أنّ عنادهم و تعصّبهم الشّديد أصبح مانعا من قبول الحقّ،و لذلك فلا عجب من أن يتّخذوا قرارا صارما و خطيرا في شأن إبراهيم،و هو قتل إبراهيم بأبشع صورة،أي الحرق و جعله رمادا!

هناك علاقة عكسيّة بين القوّة و المنطق عادة،فكلّ من اشتدّت قوّته ضعف منطقه،إلاّ رجال الحقّ فإنّهم كلّما زادت قوّتهم يصبحون أكثر تواضعا و منطقا.

إنّ المتعنّتين عند ما لا يحقّقون شيئا عن طريق المنطق،فإنّهم سيتوسّلون بالقوّة فورا،و قد طبّقت هذه الخطّة في حقّ إبراهيم تماما،كما يقول القرآن الكريم:

قالُوا حَرِّقُوهُ وَ انْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ.

إنّ المتسلّطين المتعنّتين يستغلّون نقاط الضّعف النّفسيّة لدى عامّة النّاس الجاهلين لتحريكهم عادة، لأنّهم عارفون بالنّفسيّات و ماهرون في عملهم.و كذلك فعلوا في هذه الحادثة،و أطلقوا شعارات تثير حفيظتهم، فقالوا:إنّ آلهتكم و إنّ مقدّساتكم مهدّدة بالخطر،و قد سحقت سنّة آبائكم و أجدادكم،فأين غيرتكم و حميّتكم؟!لما ذا أنتم ضعفاء أذلاّء؟لما ذا لا تنصرون آلهتكم؟احرقوا إبراهيم و انصروا آلهتكم-إذا كنتم لا تقدرون على أيّ عمل-ما دام فيكم عرق ينبض، و لكم قوّة و قدرة.

انظروا إلى كلّ النّاس يدافعون عن مقدّساتهم،فما بالكم و قد أحدق الخطر بكلّ مقدّساتكم؟!

و الخلاصة:فقد قالوا الكثير من أمثال هذه الخزعبلات و أثاروا النّاس ضدّ إبراهيم؛بحيث إنّهم لم يكتفوا بعدّة حزم من الحطب تكفي لإحراق عدّة أشخاص،بل أتوا بآلاف الحزم و ألقوها حتّى صارت جبلا من الحطب،ثمّ أشعلوه فاتّقدت منه نار مهولة كأنّها البحر المتلاطم،و الدّخان يتصاعد إلى عنان السّماء لينتقموا من إبراهيم أوّلا،و ليحفظوا مهابة أصنامهم المزعومة الّتي حطّمتها خطّته و أسقطت أبّهتها!!

(10:173)

[و هناك مبالغات في التّفاسير في هذه الواقعة و هذه النّار تشبه الإسرائيليّات]

2- فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللّهُ مِنَ النّارِ... العنكبوت:24

الطّبريّ: فلم يكن جواب قوم إبراهيم له؛إذ قال لهم:اعبدوا اللّه و اتّقوه،ذلكم خير لكم إن كنتم تعلمون، إلاّ أن قال بعضهم لبعض:اقتلوه أو حرّقوه بالنّار، ففعلوا،فأرادوا إحراقه بالنّار فأضرموا له النّار فألقوه فيها،فأنجاه اللّه منها و لم يسلّطها عليه.(20:141)

ص: 515

الطّوسيّ: و في ذلك دلالة على أنّ جميع ما تقدّم حكاية ما قال إبراهيم لقومه،أنّهم لمّا عجزوا عن جوابه بحجّة،عدلوا إلى أن قالوا: اُقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ. و في الكلام حذف،و تقديره:إنّهم أوقدوا نارا و طرحوه فيها.

(8:199)

نحوه ابن عطيّة.(4:312)

الطّبرسيّ: و في هذا تسفيه لهم؛إذ قالوا حين انقطعت حجّتهم:لا تحاجّوه،و لكن اقتلوه أو حرّقوه، ليتخلّصوا منه.(4:279)

الفخر الرّازيّ: لمّا أتى إبراهيم عليه السّلام ببيان الأصول الثّلاثة و أقام البرهان عليه،بقي الأمر من جانبهم:إمّا الإجابة أو الإتيان بما يصلح أن يكون جوابه،فلم يأتوا إلاّ بقولهم: اُقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ. و في الآية مسائل:

المسألة الأولى:كيف سمّي قولهم:(اقتلوه)جوابا مع أنّه ليس بجواب؟

فنقول:الجواب عنه من وجهين:

أحدهما:أنّه خرج منهم مخرج كلام المتكبّر،كما يقول الملك لرسول خصمه:جوابكم السّيف،مع أنّ السّيف ليس بجواب،و إنّما معناه لا أقابله بالجواب،و إنّما أقابله بالسّيف،فكذلك قالوا:لا تجيبوا عن براهينه و اقتلوه أو حرّقوه.

الثّاني:هو أنّ اللّه أراد بيان ضلالتهم،و هو أنّهم ذكروا في معرض الجواب هذا مع أنّه ليس بجواب،فتبيّن أنّهم لم يكن لهم جواب أصلا؛و ذلك لأنّ من لا يجيب غيره و يسكت،لا يعلم أنّه لا يقدر على الجواب،لجواز أن يكون سكوته لعدم الالتفات،أمّا إذا أجاب بجواب فاسد،علم أنّه قصد الجواب و ما قدر عليه.

المسألة الثّانية:القائلون الّذين قالوا:(اقتلوه)هم قومه،و المأمورون بقولهم:(اقتلوه)أيضا هم،فيكون الآمر نفس المأمور؟

فنقول الجواب عنه من وجهين:

أحدهما:أنّ كلّ واحد منهم قال لمن عداه:(اقتلوه)، فحصل الأمر من كلّ واحد،و صار المأمور كلّ واحد و لا اتّحاد،لأنّ كلّ واحد أمر غيره.

و ثانيهما:هو أنّ الجواب لا يكون إلاّ من الأكابر و الرّؤساء،فإذا قال أعيان بلد كلاما يقال:اتّفق أهل البلدة على هذا،و لا يلتفت إلى عدم قول العبيد و الأرذال.فكان جواب قومه و هم الرّؤساء أن قالوا لأتباعهم و أعوانهم:(اقتلوه)،لأنّ الجواب لا يباشره إلاّ الأكابر،و القتل لا يباشره إلاّ الأتباع.

المسألة الثّالثة:«أو»يذكر بين أمرين،الثّاني منهما ينفكّ عن الأوّل،كما يقال:زوج أو فرد،و يقال:هذا إنسان أو حيوان،يعني إن لم يكن إنسانا فهو حيوان، و لا يصحّ أن يقال:هذا حيوان أو إنسان؛إذ يفهم منه أنّه يقول:هو حيوان،فإن لم يكن حيوانا فهو إنسان،و هو محال.لكن التّحريق مشتمل على القتل،فقوله: اُقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ كقول القائل:حيوان أو إنسان،الجواب عنه من وجهين:

أحدهما:أنّ الاستعمال على خلاف ما ذكر شائع و يكون«أو»مستعملا في موضع«بل»كما يقول القائل:

أعطيته دينارا أو دينارين،و كما يقول القائل:أعطه دينارا بل دينارين،قال اللّه تعالى: قُمِ اللَّيْلَ إِلاّ قَلِيلاً*

ص: 516

نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلاً* أَوْ زِدْ عَلَيْهِ المزّمّل:2-4، فكذلك هاهنا:اقتلوه أو زيدوا على القتل و حرّقوه.

الجواب الثّاني:هو أنّا نسلّم ما ذكرتم و الأمر هنا كذلك،لأنّ التّحريق فعل مفض إلى القتل و قد يتخلّف عنه القتل،فإنّ من ألقى غيره في النّار حتّى احترق جلده بأسره و أخرج منها حيّا،يصحّ أن يقال:احترق فلان و أحرقه فلان و ما مات،فكذلك هاهنا قالوا(اقتلوه)أو لا تعجلوا قتله،و عذّبوه بالنّار،و إن ترك مقالته فخلّوا سبيله،و إن أصرّ فخلّوا في النّار مقيله.(25:51)

البيضاويّ: و كان ذلك قول بعضهم،لكن لمّا قيل منهم و رضي به الباقون أسند إلى كلّهم.(2:207)

نحوه النّسفيّ.(3:254)

الخازن :قال ذلك بعضهم لبعض،و قيل:قال الرّؤساء للأتباع:اقتلوه أو حرّقوه.(5:158)

البروسويّ: التّحريق:المبالغة في الحرق،و الفرق بين التّحريق و الإحراق و بين الحرق:أنّ الأوّل إيقاع ذات لهب في الشّيء،و منه استعير:أحرقني بلومه،إذا بالغ في أذيّته بلوم،و الثّاني إيقاع حرارة في الشّيء من غير لهيب كحرق الثّوب بالدّق كما في«المفردات».و فيه تسفيه لهم؛حيث أجابوا من احتجّ عليهم بأن يقتل أو يحرق،و هكذا ديدن كلّ محجوج مغلوب.(6:462)

الآلوسيّ: و المراد بالقتل:ما كان بسيف و نحوه، فتظهر مقابلة الإحراق له،و لا حاجة إلى جعل«أو» بمعنى«بل»و الآمرون بذلك:إمّا بعضهم لبعض،أو كبراؤهم قالوا لأتباعهم:اقتلوه فتستريحوا منه عاجلا، أو حرّقوه بالنّار،فإمّا أن يرجع إلى دينكم إذا مضّته النّار،و إمّا أن يموت بها إن أصرّ على قوله و دينه.

و أيّا ما كان ففيه إسناد ما للبعض إلى الكلّ،و جاء هنا التّرديد بين قتله عليه السّلام و إحراقه،فقد يكون ذلك من قائلين:ناس أشاروا بالقتل و ناس بالإحراق،و في «اقترب (1)»قالوا:(حرّقوه)اقتصروا على أحد الشّيئين،و هو الّذي فعلوه،رموه عليه السّلام في النّار و لم يقتلوه.

ثمّ إنّه ليس المراد أنّهم لم يصدر عنهم بصدد الجواب عن حججه عليه السّلام إلاّ هذه المقالة الشّنيعة،كما هو المتبادر من ظاهر النّظم الكريم،بل إنّ ذلك هو الّذي استقرّ عليه جوابهم بعد اللّتيا و الّتي في المرّة الأخيرة،و إلاّ فقد صدر عنهم من الخرافات و الأباطيل ما لا يحصى.(20:149)

الطّباطبائيّ: إنّ كلاّ من طرفي التّرديد قول طائفة منهم،و المراد بالقتل:القتل بالسّيف و نحوه،فهو قولهم أوّل ما ائتمروا ليجازوه و إن اتّفقوا بعد ذلك على إحراقه، كما قال: قالُوا حَرِّقُوهُ وَ انْصُرُوا آلِهَتَكُمْ الأنبياء:68، و يمكن أن يكون التّرديد من الجميع لتردّدهم في أمره أوّلا،ثمّ اتّفاقهم على إحراقه.(16:120)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(12:335)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحرق،أي النّار و لهبها.

يقال:في حرق اللّه،أي في ناره،و قد تحرّقت،و أحرقه بالنّار و حرّقه،و ألقى اللّه الكافر في حارقته:في ناره، و أحرق لنا في هذه القصبة نارا:أقبسنا.

و الحرق و الحريق:اضطرام النّار و تحرّقها،و الحرق:

ص: 517


1- الأنبياء.

أن يصيب الثّوب احتراق من النّار،أو يصيبه دقّ القصّار،تشبيها بلهب النّار،و الماء المحرق:المغلى بالحرق،و هو النّار.

و هذه نار حراق و حراق:تحرق كلّ شيء،و أحرقته النّار و حرّقته،فاحترق و تحرّق،و تحرّق الشّيء بالنّار و احترق.

و الحرقة:حرارة النّار،و ما يجده الإنسان من لذعة حبّ أو حزن أو طعم فيه حرارة،و ما يجده في العين من الرّمد،و في القلب من الوجع.

و الحروق و الحروقاء و الحرّاق و الحرّوق:ما يقدح به النّار،و الحراق و الحراقة:ما تقع فيه النّار عند القدح.

و الحرّاقة:ضرب من السّفن فيها مرامي نيران، يرمى بها العدوّ في البحر؛و الجمع:حرّاقات،و رمي حراق:شديد.

و الحريق:لهب النّار،و هو ما أحرق النّبات من حرّ أو برد أو ريح أو غير ذلك من الآفات،و قد احترق النّبات.

و الحريقة:الماء يغلى ثمّ يذرّ عليه الدّقيق فيلعق، و هو أغلظ من الحساء؛و الجمع:حرائق.يقال:وجدت بني فلان ما لهم عيش إلاّ الحرائق.

و الحروقة:الماء يحرق قليلا ثمّ يذرّ عليه دقيق قليل فيتنافت،أي ينتفخ و يتقافز عند الغليان.

و الحرق:حرق النّابين أحدهما بالآخر.يقال:حرق ناب البعير يحرق و يحرق حرقا و حريقا،أي صرف به، و حرق الإنسان نابه يحرقه و يحرقه حرقا و حريقا و حروقا:سحقه حتّى سمع له صريف،يفعل ذلك من غيظ و غضب،و فلان يحرق عليك الأرّم غيظا:يحكّ أضراسه بعضها ببعض من الغيظ،و امرأة حارقة:الّتي تغلبها الشّهوة حتّى تحرق أنيابها بعضها على بعض،أي تحكّها.

و الحرق:برد الحديد.يقال:حرق الحديد بالمبرد يحرقه و يحرقه حرقا و حرّقه،أي برده و حكّ بعضه ببعض.

و الحرقان:المذح،و هو اصطكاك الفخذين.

و الحرق:الغضابى من النّاس،يقال:حرق الرّجل، أي ساء خلقه،و الحارقة من النّساء:الّتي تكثر سبّ جارتها.

و الحارقة:العصبة الّتي تجمع بين رأس الفخذ و الورك.يقال:حرق الرّجل فهو محروق،عند ما تنفصل حارقته و لا تلتئم،و حرق حرقا،و حرق حرقا:انقطعت حارقته.

و نصل حرق حديد:كأنّه ذو إحراق،و سحاب حرق:شديد البرق.

و ماء حراق و حرّاق:ملح شديد الملوحة،و فرس حراق العدو:يحترق في عدوه.

و الحرق:قصر الشّعر و تساقطه.يقال:حرق الشّعر حرقا،فهو حرق،أي قصر فلم يطل،أو انقطع، و حرقت اللّحية،فهي حريقة:قصر شعر ذقنها عن شعر العارضين،و حرق ريش الطّائر،فهو حرق:انحصّ،أي انجرد و تناثر.

و الحارقة:النّكاح على الجنب،أخذ من حارقة الورك،و هو المحارقة أيضا.و الحارقة:الإبراك،لأنّه

ص: 518

يحرق الرّكبتين،و الحارقة:الضيّقة الفرج،و هي الحاروق أيضا.

و رجل حراق و حراق:لا يبقي شيئا إلاّ أفسده، تشبيها بفعل النّار.

و أحرقنا فلان:برّح بنا و آذانا؛على المجاز.

2-و قولهم:عمامة حرقانيّة،لضرب من الوشي، قيل في علّة تسميته:فيه لون كأنّه محترق.و نراه تصحيف خرقانية من«خرق»؛إذ جاء في حديث ابن عبّاس:«عمامة خرقانيّة».قال ابن الأثير:«كأنّه لواها ثمّ كوّرها كما يفعله أهل الرّساتيق.هكذا جاء في رواية، و قد رويت بالحاء المهملة و بالضّمّ و الفتح و غير ذلك».

و يستشفّ من كلامه أنّها جاءت بلفظ«خرقانيّة» بفتح الخاء و الرّاء أيضا،و نحتمل أنّها نسبة إلى قرية «خرقان»من قرى«بسطام»في بلاد فارس،أو نسبة إلى «خرقان»قرية في«سمرقند»،أو إلى«خرقانة»:موضع، انظر«معجم البلدان».

و قولهم:حرق الرّجل،أي ساء خلقه،صحّف بلفظ «حرف»انظر«ح ر ف».

و الحرقوة:أعلى اللّهاة و الحلق،و هي«فعلوة»من «ح ر ق»،و لم يجئ على هذا الوزن إلاّ سبعة ألفاظ،منها هذا اللّفظ،و قد حصرها السّيوطيّ في«المزهر».(2:68)

الاستعمال القرآنيّ

جاءت من التّفعيل مضارعا مرّة،و أمرا مرّتين،و من الافتعال ماضيا مرّة-و كلّها حرق الدّنيا-و من المجرّد وصفا(الحريق)5 مرّات-و كلّها عذاب الآخرة-في 9 آيات:

الحرق في الدّنيا

1- ...لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً

طه:97

2- فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللّهُ مِنَ النّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ العنكبوت:24

3- قالُوا حَرِّقُوهُ وَ انْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ* قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ

الأنبياء:68،69

4- ...فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ...

البقرة:266

الحرق في الآخرة

5- ...وَ قَتْلَهُمُ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَ نَقُولُ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ آل عمران:181

6- ...يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَ أَدْبارَهُمْ وَ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ الأنفال:50

7- ...لَهُ فِي الدُّنْيا خِزْيٌ وَ نُذِيقُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَذابَ الْحَرِيقِ الحجّ:9

8- كُلَّما أَرادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْها مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيها وَ ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ الحجّ:22

9- إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَ لَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ

البروج:10

يلاحظ أوّلا:أنّ الثّلاث الأولى جاءت في قصّتين:

أولاهما قصّة موسى عليه السّلام مع السّامريّ؛حيث قال له في

ص: 519

عجله الّذي صنعه و عبده:(1) وَ انْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً .

و الأخرى قصّة إبراهيم عليه السّلام مع قومه،حين دعاهم إلى رفض الأصنام،و الإقبال على عبادة اللّه الواحد الرّحمن،فأنكروه و خاصموه حتّى صمّموا على قتله أو حرقه،كما قال في الآيتين(2 و 3): قالُوا حَرِّقُوهُ وَ انْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ* قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ، و فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللّهُ مِنَ النّارِ. و فيها بحوث:

1-جاء فيها«التّحريق»بدل«الحرق»تشديدا و مبالغة مثل«قطع و قطّع»فإنّ موسى عليه السّلام قرّر أن يبالغ في حرق إله السّامريّ حتّى يصير رمادا و غبارا ينسفنّه في اليمّ،كأن لم يكن شيئا.و سياق الآية-بما فيها من لام القسم و نون التّأكيد مرّتين،و المفعول المطلق المؤكّد مرّة:

لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً، و بعد أن وصف إلهه بأنّه ظلّ عليه عاكفا،مشيرا إلى نهاية خضوعه لإلهه و تعظيمه إيّاه-هو التّشديد،حيث قابله موسى بما يضادّ فعله توهينا له،و هو تحريقه و نسفه في اليمّ،نسفا و غضبا عليه،كما جاء في أوّل القصّة فَرَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً طه:86.

و كذلك قوم إبراهيم العابدين للأصنام الّتي أنكرها و أهانها إبراهيم،أمروا بتحريقه عنادا له و خشما عليه.

و سياق الآيتين في هذه القصّة أيضا-بما فيهما من صيغة الأمر(حرّقوه)مرّتين و حصر الجواب كمقابلة في(2) فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا، و الأمر بنصر الآلهة كمقابلة لم يتمكّنوا سواها في(3) وَ انْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فاعِلِينَ -مشعر بشدّة خصومتهم و بلوغ عداوتهم لإبراهيم.

فظهر بذلك أنّ صيغة«التّحريق»فيها للتّشديد، و لكن كثيرا منهم لم يفرّقوا بينها و بين الحرق و الإحراق بل صرّحوا بأنّها سواء،سوى الطّبريّ حيث قال:

«لنحرّقنّه بالنّار قطعة قطعة»،و الزّجّاج حيث قال:

«نحرقه مرّة بعد مرّة»،و ابن سيده حيث قال:«التّحريق تأثير النّار في الشّيء»،و الطّوسيّ حيث قال:«التّحريق هو التّقطيع بالنّار»،و الفيّوميّ حيث قال:«حرّق تحريقا، إذا أكثر الإحراق».

فهؤلاء متّفقون على إفادة صيغة«التّفعيل»هنا المبالغة و التّشديد،مختلفون في كيفيّة التّشديد،و بعضهم عدّوا«حرّق»رباعيّا.

2-قال غير واحد منهم في لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ: إنّ التّحريق هنا من«حرق الشّيء إذ أبرده بالمبرد».فقد حكى الزّمخشريّ عن أبي عليّ الفارسيّ أنّه يجوز أن يكون«حرّق»مبالغة في«حرق» إذا برد بالمبرد.و لا شاهد عليه سوى ما يأتي من قراءة عليّ عليه السّلام (لنحرقنّه) بالتّخفيف.

3-القراءة في لَنُحَرِّقَنَّهُ -كما حكاها الطّبريّ- مختلفة،فقرئ بالتّشديد من«التّفعيل»أي نحرّقنّه قطعة قطعة،و بالتّخفيف من الإفعال أي نحرقنّه مرّة واحدة، و بفتح النّون من المجرّد،أي لنبردنّه بالمبارد،ثمّ رجّح الطّبريّ التّشديد،لإجماع الحجّة عليها من القرّاء.

ص: 520

و يؤيّده-كما سبق-أنّ التّشديد-بما فيه من المبالغة- يلائم السّياق.

4-اختلفوا في«العجل»هل صار حيوانا ذا لحم و دم،و استشهدوا عليه بقراءة ابن مسعود (لنذبّحنّه و لنحرّقنّه) ،و بأنّ الحديد و الذّهب لا يحرقان،أو بقي على حاله،و استشهدوا بقراءة (لنحرقنّه) بفتح النّون بمعنى لنبردنّه بالمبارد ثمّ ننسفنّه في البحر،و أنّ النّسف أيضا لا يناسب ما صار لحما و رمادا.

و الحقّ أنّ هذه الآية ساكتة عن ذلك كلّه.

نعم جاء في آيات قبلها في وصف العجل: ...وَ لكِنّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السّامِرِيُّ* فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَ إِلهُ مُوسى فَنَسِيَ* أَ فَلا يَرَوْنَ أَلاّ يَرْجِعُ إِلَيْهِمْ قَوْلاً وَ لا يَمْلِكُ لَهُمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً طه:88-89، و ظاهرها أنّ العجل كان جسما له خوار،لا حيوانا له صوت.

و نقول:طرح هذه المسألة كطرح مسألة أخرى في الآية:أنّ موسى كيف ألقى الذّهب في البحر و لم يوزّعه بين بني إسرائيل؟فهذا إسراف،و أمثال هذه المسائل ممّا سكت عنها القرآن خارجة عن وظيفة المفسّر،و هي أشبه بالإسرائيليّات الّتي تحوم حول مبهمات القرآن، و تتّبع ما لا هداية فيها من الأوهام،و قد عدّت هذه فرصة للقصّاص إشباعا لهوى المسامرين و المسافرين طوال اللّيالي و الأسفار،و اتّباعا سنن الجاهليّة.و كتب التّفسير المأثور-مع الأسف-مليئة بها.

5-تلك بحوث راجعة إلى(1)،و أمّا(2 و 3):

فأوّل ما فيهما أنّ اللّه اهتمّ بقصّة إبراهيم أكثر من قصّة موسى فكرّرها في سورتين مكّيّتين،و لم يكرّر قصّة موسى هذه،و هي مكّيّة أيضا،كما هو الوضع الغالب على القصص القرآنيّة،فكانت أنسب بحال أهل مكّة يوم ذاك،الّذين لم يعرفوا عن الأنبياء و أممهم شيئا،لعدم اختلاطهم بأهل الكتاب،كاختلاط أهل المدينة بهم.

لاحظ المدخل بحث«القصص».

و لعلّ السّرّ فيه أنّ إبراهيم عليه السّلام كان أبا لقريش و لعلّهم كانوا يستندون دينهم إلى أبيهم،و يدّعون أنّهم على ملّة إبراهيم،فأنكره القرآن بالتّركيز مرّات على أنّ ما جاءهم به النّبيّ عليه السّلام هو ملّة أبيهم إبراهيم: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ هُوَ سَمّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ الحجّ:78.

أمّا موسى عليه السّلام فكان من بني إسرائيل،و هم أسرة أخرى من ذرّيّة إبراهيم،لم يكونوا مخاطبين بتلك الآية، فاكتفى بذكر قصّتهم مرّة واحدة،و لم يكرّرها.

و ثاني ما فيهما أنّهما ككثير من القصص القرآنيّة المكرّرة نقل بالمعنى دون اللّفظ،فاختلفت ألفاظها و اتّحدت معانيها-لاحظ المدخل أيضا-حيث جاء في (3) حَرِّقُوهُ وَ انْصُرُوا آلِهَتَكُمْ، و في(2) اُقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ، و جاء في إنجاء إبراهيم من الاحتراق بالنّار في (2) فَأَنْجاهُ اللّهُ مِنَ النّارِ، و في(3) قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ، و الفرق بينهما بالإجمال و التّفصيل.

و ثالث ما فيهما أنّه قال في(3):(حرّقوه)،و في(2):

اُقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ، و هذا أيضا نوع من الإجمال و التّفصيل،و يبدو من اُقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ أنّ غيظهم

ص: 521

على إبراهيم كان في تزايد و تضاعف فابتدءوا أوّلا بالأمر بقتله،ثمّ اشتدّ غضبهم عليه-و لم يسكن بمجرّد الأمر بقتله-فتجاوزوا إلى الأمر بتحريقه بما فيه-كما سبق- من المبالغة و التّشديد.لكنّ القرآن استدرك حذف (اقتلوه)في(3)بإضافة وَ انْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إليه،و هو نوع انتقام و تسكين للأحاسيس.

6-هناك تفاوت بين هذه الآيات الثّلاث اللاّتي احتوت صيغة«التّحريق»-مع اشتراكها في إفادة المبالغة و التّشديد،و في أنّ سياقها الغضب و المجازاة-و هو أنّ التّحريق في(1)صادر عن النّبيّ موسى عليه السّلام و واقع على العجل المصنوع إلها بيد السّامريّ،فكان فعل موسى عملا صالحا في سبيل التّوحيد و حطما لرذيلة الشّرك، و قلعا لجرثومة الشّرّ،و دفاعا عن الحقّ و الخير.و هو في (2 و 3)ضدّها تماما،فكان عملا غير صالح و شرّا،و كان التّحريق صادرا عن عبدة الأوثان دفاعا عنها،و واقعا على إبراهيم عدوّ الأصنام و الدّاعي إلى رفضها،و إن لم يؤثّر فيه التّحريق.

فيبدو أنّ عمل موسى كان انتقاما من عبدة الأوثان فيما أجروه من التّحريق على أبيه إبراهيم.فعزم على تحريق العجل كما عزموا على تحريق إبراهيم،و كلاهما مرتبط بالتّوحيد سلبا و إيجابا.

و تفاوت آخر فيها:أنّ التّحريق قد وقع على إبراهيم لكنّه تبدّل بضدّه،كما قال: فَأَنْجاهُ اللّهُ مِنَ النّارِ، و قُلْنا يا نارُ كُونِي بَرْداً وَ سَلاماً عَلى إِبْراهِيمَ* وَ أَرادُوا بِهِ كَيْداً فَجَعَلْناهُمُ الْأَخْسَرِينَ.

أمّا تحريق موسى للعجل فليس خبر عن وقوعه في القرآن،و إنّما روي عن ابن عبّاس،و لا بدّ أن يفي موسى بما هدّدهم به مقسما عليه بقوله: لَنُحَرِّقَنَّهُ، ليقطع مادّة عبادة العجل،و يمحو آثارها من عقول بني إسرائيل،و قد فعل.

ثانيا:جاء في(4) نارٌ فَاحْتَرَقَتْ في مثل يجري مجرى القصّة،و الآية كاملة: أَ يَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنابٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُ فِيها مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ وَ أَصابَهُ الْكِبَرُ وَ لَهُ ذُرِّيَّةٌ ضُعَفاءُ فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ.

و قد جاء هذا المثل إثر مثلين آخرين:أحدهما في الّذي ينفق ماله رئاء النّاس،و الثّاني في الّذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات اللّه.و قبلها مثل آخر في الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه،فلاحظ الآيات،البقرة:

261-266،و قابل بين هذه الأمثال،و هي خارجة عن بحثنا،فالتّركيز هنا على جملة: فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ فَاحْتَرَقَتْ و فيها بحوث:

1-بيان الضّمائر و الألفاظ فيها:أنّ فَأَصابَها أي أصحاب الجنّة إعصار،أي ريح عاصف تستدير في الأرض،ثمّ تنعكس إلى السّماء حاملة الغبار فتكون كهيئة العمود،(فيه نار)،أي في الإعصار نار(فاحترقت) أي الجنّة احترقت بتلك النّار.

2-الاحتراق:افتعال للإحراق،أي أحرقته النّار فاحترق.قال الطّوسيّ:«احتراق:افتراق الأجزاء بالنّار».

3-و«الفاء»فيه للتّفريع و السّببيّة،كما أنّ«الفاء»

ص: 522

في(فاصابها)للتّرتيب.لاحظ«مثل،و إعصار، و أصاب،و نار».

4-الاحتراق في هذه الآية،و التّحريق فيما قبلها خاصّان بالدّنيا،و ما بعدها من الآيات خاصّ بالآخرة.

ثالثا:جاء في(5-9) عَذابَ الْحَرِيقِ 5 مرّات، و كلّها بيان لعذاب جهنّم،كما قال في(9): فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَ لَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ، و فيها بحوث أيضا:

1-فسّروا«الحريق»ب الشّديد،الملتهب،المحرق، النّار،اللّهب،الغليظ من النّار،النّار البالغة في الإحراق، العظيم الإحراق،النّار الّتي تحرق الأمعاء و الأحشاء و نحوها،طبقة من طبقات جهنّم.و هي مختلفة لفظا متّحدة معنى،و مشتركة في شدّة الحرق.

2-«الحريق»هل هو اسم بمعنى«النّار»،فالإضافة حقيقيّة من قبيل عذاب النّار و عذاب السّعير و عذاب السّموم،أو وصف بمعنى الملتهب و الشّديد و نحوهما ممّا مضى؟

قال البروسويّ: «يجوز أن يكون من إضافة المسبّب إلى سببه،على أن يكون الحريق عبارة عن النّار،و أن يكون من إضافة الموصوف إلى صفته،و الأصل:العذاب الحريق».

و نحوه يوجد في كلمات غيره،فيدور الأمر بين أنّه بمعنى عذاب النّار أو عذاب محرق،و كلّ محتمل.و لكلّ منهما نظير في القرآن بكثرة،مثل عذاب السّعير،عذاب السّموم،عذاب النّار و نحوها،أو عذاب أليم،عذاب شديد،عذاب غليظ،عذاب عظيم و نحوها.

3-الاختلاف في ذلك إضافة و وصفا،و تعريفا و تنكيرا،و وزنا مثل«فعيل»أو«فعول»و نحوها، لاختلاف الرّويّ.لاحظ«ع ذ ب»في المعجم المفهرس، و لاحظ رويّ الآيات في مواضعها في القرآن.

ص: 523

ص: 524

ح ر ك

اشارة

لا تحرّك

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :حرك الشّيء يحرك حركا و حركة، و كذلك يتحرّك.تقول:حركت بالسّيف محركه حركا، أي ضربته.

و المحرك:منتهى العنق،و عند مفصل الرّأس.

و الحارك:أعلى الكاهل.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحراكيك:الحراقف؛واحدها:حرككة.(3:61)

اللّيث:و تقول:قد أعيا فما به حراك.

(الأزهريّ 4:97)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قال البحرانيّ:نقول إذا قلّ صيد البحر:قد حرك يحرك،و هو أيّام الحراك،و ذاك في الصّيف.(1:143)

و قال أبو المسلّم: الحارك:رءوس الكتفين،و هو المحرك.و قال:هو الحضض.(1:144)

قال الكلبيّ: المحرك:مغرز الرّقبة.و قال:المحرد:

حرد يحرد و حرك يحرك.(1:164)

و الحرك:تقول:حركه بالسّيف،و يحركه في المسألة، إذا ألحف،و في السّبّ أيضا،و في السّير الشّديد.

(1:191)

الفرّاء: حركت حاركه:قطعته،فهو محروك.

و روي عن أبي هريرة أنّه قال:«آمنت بمحرّف القلوب»،و رواه بعضهم:«آمنت بمحرّك القلوب».

المحرّف:المزيل،و المحرّك:المقلّب.

(الأزهريّ 4:97)

أبو زيد :حركه بالسّيف حركا،إذا ضرب عنقه.

و المحرك:أصل العنق من أعلاها.(الأزهريّ 4:97)

الأصمعيّ: و من أمثالهم:«حرّك خشاشه»إذا عمل بما يؤذيه.(القاليّ 1:223)

ابن الأعرابيّ: حرك،إذا منع من الحقّ الّذي عليه.

ص: 525

و حرك،إذا عنّ عن النّساء.و الحريك:العنّين.

(الأزهريّ 4:97)

ابن دريد :الحرك:جمع حركة،و ما بالرّجل حراك و لا حركة.

و كلّ شيء أزلته عن موضعه فقد حرّكته تحريكا.

و الحاركان:ملتقى الكتفين من الدّابّة من أعلى؛ و الواحد:حارك،و الجمع:حوارك.[ثمّ استشهد بشعر]

و محراك:الجمر،و يقال:المحراث:الخشبة الّتي تحرّك بها النّار.و رجل حريك،و امرأة حريكة،و هو الّذي يضعف خصره،فإذا مشى رأيته كأنّه يتقلّع من الأرض.

و في بعض اللّغات الحريك:العنّين.

و حرك فلان فلانا بالسّيف،إذا ضرب عنقه أو وسطه.(2:141)

القاليّ: و الحارك:منسج الفرس.(1:193)

الأزهريّ: و يقال للحارك:محرك بفتح الرّاء،و هو مفصل ما بين الكاهل و العنق،ثمّ الكاهل:و هو بين المحرك و الملحاء،و الظّهر:ما بين المحرك إلى الذّنب.

[ثمّ ذكر قول الفرّاء في رواية أبي هريرة و أضاف:]

قال العبّاس (1):و«المحرّك»أجود،لأنّ السّنّة تؤيّده:«يا مقلّب القلوب».(4:97)

الصّاحب:حرك الشّيء يحرك حركا و حركة، و تحرّك مثله،و ما به حراك.

و ظللت اليوم أحرك هذا البعير،أي أسيّره فلا يسير.

و حركت محركه بالسّيف حركا:ضربت حاركه، و هو منتهى العنق عند مفصل الرّأس.و محرك،على «مفعل»أيضا...

و رجل محترك:لازم لحارك بعيره.

و الحراكيك:الحراقف؛الواحدة:حرككة:و هو ما ظهر عن عجب الذّنب.

دابّة بادية الحراكيك،أي مهزول.(2:377)

الجوهريّ: الحركة:ضدّ السّكون،و حرّكته فتحرّك.

و يقال:ما به حراك،أي حركة.

و المحراك:المحراث الّذي تحرّك به النّار.

و غلام حرك،أي خفيف ذكيّ.

و الحارك من الفرس:فروع الكتفين،و هو أيضا الكاهل.

و حركته أحركه حركا:أصبت حاركه.

و الحرككة:الحرقفة؛و الجمع:الحراكك.و الحراكيك، و هي رءوس الوركين.و يقال:أطراف الوركين ممّا يلي الأرض إذا قعدت.(4:1579)

ابن فارس: الحاء و الرّاء و الكاف أصل واحد، فالحركة:ضدّ السّكون.و من الباب:الحاركان،و هما ملتقى الكتفين،لأنّهما لا يزالان يتحرّكان.و كذلك الحراكيك و هي الحراقف؛واحدتها:حرككة.(2:45)

أبو هلال :الفرق بين السّكون و الحركة:أنّ السّكون يوجد في الجوهر في كلّ وقت،و لا يجوز خلوّه منه،و ليس كذلك الحركة،لأنّ الجسم يخلو منها إلى السّكون.س.

ص: 526


1- في اللّسان:أبو العبّاس.

الفرق بين الاضطراب و الحركة:أنّ الاضطراب حركات متوالية في جهتين مختلفتين،و هو افتعال من ضرب،يقال:اضطرب الشّيء،كأنّ بعضه يضرب بعضا فيتمحّص.و لا يكون الاضطراب إلاّ مكروها فيما هو حقيقة فيه أو غير حقيقة.أ لا ترى أنّه يقال:

اضطربت السّفينة و اضطرب حال زيد و اضطرب الثّوب،و كلّ ذلك مكروه،و ليس الحركة كذلك.

الفرق بين النّقلة و الحركة:أنّ النّقلة لا تكون إلاّ عن مكان،و هي التّحوّل منه إلى غيره،و الحركة قد تكون لا عن مكان،و ذلك أنّ الجسم قد يجوز أن يحدثه اللّه تعالى لا في مكان،و لا يخلو من الحركة أو السّكون في الحال الثّاني،فإن تحرّك تحرّك لا عن مكان،و إن سكن سكن لا في مكان.(120)

الثّعالبيّ: [فصل في الحركات و الهيئات و الأشكال و ضروب الرّمي و الضّرب].(192)

ابن سيده: [نحو الجوهريّ ثمّ أضاف:]

و الحارك:أعلى الكاهل،و قيل:الحارك:منبت أدنى العرف إلى الظّهر الّذي يأخذ الفارس إذا ركب.

و قيل:الحارك:عظم مشرف من جانبي الكاهل اكتنفه فرعا الكتفين،و كلّ ذلك اسم كالكاهل، و الغارب.

و الحركوك:الكاهل.

و الحرككة:الحرقوف؛و الجمع:حراكيك.و هذا الجمع نادر،و قد يجوز أن يكون كراهية التّضعيف،كما حكى سيبويه:قراديد،في جمع قردد،لأنّ هذا لا يدغم لمكان الإلحاق.

و حركه يحركه حركا:أصاب منه،أيّ ذلك كان.

و حرك حركا:شكا،أيّ ذلك كان.

و حركه:أصاب وسطه،غير مشتقّ.

و رجل حريك:ضعيف الحراكيك.

و الحريك في بعض اللّغات:العنّين.(3:38)

الطّوسيّ: و التّحريك:تغيير الشّيء من مكان إلى مكان،أو من جهة إلى جهة،بفعل الحركة فيه.و الحركة:

ما به يتحرّك المتحرّك.و المتحرّك:هو المنتقل من جهة إلى غيرها.(10:196)

نحوه الطّبرسيّ.(5:396)

الرّاغب: الحركة:ضدّ السّكون،و لا تكون إلاّ للجسم،و هو انتقال الجسم من مكان إلى مكان.

و ربّما قيل:تحرّك كذا،إذا استحال،و إذا زاد في أجزائه،و إذا نقص من أجزائه.(114)

الزّمخشريّ: ركب حارك البعير،و هو أعلى كاهله.

و حركت البعير:أصبت حاركه.

و تقول:ظللت اليوم أحرّك هذا البعير،أي أسيّره فلا يكاد يسير.(أساس البلاغة:81)

المدينيّ: في الحديث:«دفع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،حتّى إذا أتى وادي محسّر حرّك قليلا»،أي حرّك ناقته و أراد منها السّير أكثر ممّا كانت تسير.

و حرّكته على الأمر:حرّضته.(1:434)

الفيّوميّ: الحركة:خلاف السّكون.يقال:حرك حركا،وزان:شرف شرفا،و كرم كرما.

و الحركة واحدة منه،و الأمر منه احرك بالضّمّ.

و حرّكته فتحرّك.

ص: 527

و الحراك مثل سلام:الحركة.

و الحاركان:ملتقى الكتفين.(1:131)

الجرجانيّ: الحركة:الخروج من القوّة إلى الفعل على سبيل التّدريج،قيّد بالتّدريج ليخرج السّكون عن الحركة.

و قيل:هي شغل حيّز بعد أن كان في حيّز آخر.

و قيل:الحركة كونان في آنين في مكانين،كما أنّ السّكون كونان في آنين في مكان واحد.

الحركة في الكمّ:هي انتقال الجسم من كمّيّة إلى أخرى كالنّموّ و الذّبول.

الحركة في الكيف:هي انتقال الجسم من كيفيّة إلى أخرى كتسخّن الماء و تبرّده،و تسمّى هذه الحركة استحالة.

الحركة في الكيف:هي الكيفيّة الحاصلة للمتحرّك ما دام متوسّطا بين المبدإ و المنتهى،و هو أمر موجود في الخارج.

الحركة في الأين:هي حركة الجسم من مكان إلى مكان آخر،و تسمّى نقلة.

الحركة في الوضع:هي الحركة المستديرة المنتقل بها الجسم من وضع إلى آخر،فإنّ المتحرّك على الاستدارة إنّما تبدل نسبة أجزائه إلى أجزاء مكانه ملازما لمكانه، غير خارج عنه قطعا،كما في حجر الرّحا.

الحركة في الوضع:قيل:هي الّتي لها هويّة اتّصاليّة على الزّمان،لا يتصوّر حصولها إلاّ في الزّمان.

الحركة العرضيّة:ما يكون عروضها للجسم بواسطة عروضها لشيء آخر بالحقيقة كجالس السّفينة.

الحركة الذّاتيّة:ما يكون عروضها لذات الجسم نفسه.

الحركة القسريّة:ما يكون مبدؤها بسبب ميل مستفاد من خارج،كالحجر المرميّ إلى فوق.

الحركة الإراديّة:ما لا يكون مبدؤها بسبب أمر خارج مقارنا بشعور و إرادة،كالحركة الصّادرة من الحيوان بإرادته.

الحركة الطّبيعيّة:ما لا يحصل بسبب أمر خارج، و لا يكون مع شعور و إرادة،كحركة الحجر إلى أسفل.

الحركة بمعنى التّوسّط:هي أن يكون الجسم واصلا إلى حدّ من حدود المسافة في كلّ آن،لا يكون ذلك الجسم واصلا إلى ذلك الحدّ قبل ذلك الآن و بعده.

الحركة بمعنى القطع:إنّما تحصل عند وجود الجسم المتحرّك إلى المنتهى،لأنّها هي الأمر الممتدّ من أوّل المسافة إلى آخرها.(37)

الفيروزآباديّ: حرك ككرم حركا بالفتح، و حركة:ضدّ سكن.و حرّكته فتحرّك.

و ما به حراك كسحاب:حركة.و المحراك:خشبة يحرّك بها النّار.

و كمقعد:أصل العنق من أعلاها.

و الحارك:أعلى الكاهل،و عظم مشرف من جانبيه،و منبت أدنى العرف إلى الظّهر الّذي يأخذ به من يركبه.

و الحركوك:الكاهل.

و كأمير:العنّين،و قد حرك كفرح،و من يضعف خصره،فإذا مشى كأنّه يتقلّع،و هي بهاء.

ص: 528

و حرك:امتنع من الحقّ الّذي عليه،و فلانا:أصاب حاركه.

و المحترك:اللاّزم لحارك بعيره.

و ككتف:الغلام الخفيف الذّكيّ.(3:308)

الطّريحيّ: في حديث الزّكاة:«في المال الصّامت الّذي يحول عليه الحول و إن لم يحرّك»أي و إن لم يعمل به شيئا.

و الحركة،بالتّحريك:الاسم من التّحريك،و هو الانتقال،و هو خلاف السّكون.

و الحركة عند المتكلّمين:حصول الجسم في مكان بعد حصوله في مكان آخر،أعني أنّها عبارة عن مجموع الحصولين.

و عند الحكماء:هي الخروج من القوّة إلى الفعل، على سبيل التّدريج.

و الحراك كسلام:الحركة.(5:261)

أبو البقاء الكفوي:الحركة:كون الجسم في مكان عقيب كونه في مكان آخر،و السّكون:كونه في مكان أزيد من آن واحد.

و الحركة المتبادرة في العرف و اللّغة هي هذا المعنى، و يسمّى بالأينيّة.و قد تطلق على الوضعيّة أو الكيفيّة أو الكمّيّة.(المصطفويّ 2:216)

مجمع اللّغة :الحركة:ضدّ السّكون.و حرّكه تحريكا:ضدّ سكّنه تسكينا.(1:248)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حرّك الشّيء فتحرّك، أي أخرجه من حالة سكونه.

و يحرّك لسانه:ينطق.(1:130)

العدنانيّ: و يصفون الغلام الخفيف الذّكيّ النّشيط بقولهم:هذا غلام حرك.و الصّواب:هذا غلام حرك،كما جاء في:الصّحاح،و المختار،و اللّسان،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن-الّذي ذكر أنّ العامّة تقول:حرك-،و الوسيط.(150)

محمود شيت:[قال نحو السّابقين و أضاف:]

تحرّك:حرك في قوّة.

حرّك الجيش:نقله من مكان إلى آخر.

تحرّك الجيش:انتقل من مكان إلى آخر،و الجيش:

قاتل.

الحارك:أعلى الكاهل،من أقسام الحصان الّتي تعلّم أسماؤها للمستجدّين من الجنود و الضّبّاط في صنف الخيّالة.

الحركة:انتقال القوّة من مكان إلى آخر،و القتال.

يقال:حركة سنة 1941:ثورة العراق على الإنكليز.

و الحركة:الثّورة،يقال:حركة سنة 1920:ثورة العراق على الإنكليز سنة 1920.

المحرك:أصل العنق من أعلاه،و هو منتهى العنق عند المفصل من الرّأس.

و المحرك:من أقسام الحصان الّتي تعلّم أسماؤها للمستجدّين من الجنود و الضّبّاط في صنف الخيّالة.

و المحرّك:ما يحرّك العجلة و نحوها:يقال:محرّك الباخرة،و محرّك الدّبّابة،و محرّك المدرّعة،و محرّك الطّائرة...(1:180)

ص: 529

النّصوص التّفسيريّة

لا تحرّك

لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. القيمة:16

ابن عبّاس: كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إذا نزل عليه جبريل بالوحي،كان يحرّك به لسانه و شفتيه،فيشتدّ عليه، فكان يعرف ذلك فيه،فأنزل اللّه هذه الآية.

(الطّبريّ 29:187)

كان لا يفتر من القرآن مخافة أن ينساه،فقال اللّه:

لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ... إنّ علينا أن نجمعه لك، و قرآنه:أن نقرئك فلا تنسى.

نحوه مجاهد و الحسن و قتادة(الطّبريّ 29:188)، و زيد بن عليّ(447).

سعيد بن جبير: عن ابن عبّاس:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان إذا نزل عليه القرآن تعجّل،يريد حفظه،فقال اللّه تعالى ذكره: لا تُحَرِّكْ بِهِ...، و قال ابن عبّاس:هكذا، و حرّك شفتيه.

نحوه يونس الضّبّي.(الطّبريّ 29:187)

الشّعبيّ: كان إذا نزل عليه الوحي عجل يتكلّم به،من حبّه إيّاه.فنزل لا تُحَرِّكْ....

(الطّبريّ 29:187)

الضّحّاك: حرّك به لسانه مخافة أن ينساه.

(الطّبريّ 29:187)

ابن زيد :قال:لا تكلّم بالّذي أوحينا إليك،حتّى يقضى إليك وحيه،فإذا قضينا إليك وحيه فتكلّم به.(الطّبريّ 29:187)

الفرّاء: كان جبريل عليه السّلام إذا نزل بالوحي على محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم بالقرآن،قرأ بعضه في نفسه قبل أن يستتمّه خوفا أن ينساه،فقيل له: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ * إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ في قلبك وَ قُرْآنَهُ و قراءته،أي إنّ جبريل عليه السّلام يعيده عليك.(3:211)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في السّبب الّذي من أجله قيل له: لا تُحَرِّكْ بِهِ...، فقال بعضهم:قيل له ذلك؛لأنّه كان إذا نزل عليه منه شيء عجل به،يريد حفظه،من حبّه إيّاه،فقيل له:لا تعجل به،فإنّا سنحفظه عليك.

و قال آخرون:بل السّبب الّذي من أجله قيل له ذلك،أنّه كان يكثر تلاوة القرآن،مخافة نسيانه،فقيل له: لا تُحَرِّكْ... إنّ علينا أن نجمعه لك،و نقرئكه فلا تنسى.

و أشبه القولين بما دلّ عليه ظاهر التّنزيل،القول الّذي ذكر عن سعيد بن جبير عن ابن عبّاس،و ذلك أنّ قوله: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ ينبئ أنّه إنّما نهي عن تحريك اللّسان به،مستعجلا فيه قبل جمعه،و معلوم أنّ دراسته للتّذكّر إنّما كانت تكون من النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،من بعد جمع اللّه له ما يدرس من ذلك.(29:188)

الزّجّاج: كان جبريل عليه السّلام إذا نزل بالوحي على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم تلاه النّبيّ عليه السّلام عليه كراهة أن ينفلت منه، فأعلم اللّه عزّ و جلّ أنّه لا ينسيه إيّاه و أنّه يجمعه في قلبه، فقال: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ.

أي إنّ علينا أن نقرئك فلا تنسى،و علينا تلاوته عليك.

ص: 530

فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ، أي لا تعجل بالتّلاوة إلى أن يقرأ عليك ما ينزل في وقته.(5:253)

القشيريّ: لا تستعجل في تلقّف القرآن على جبريل،فإنّ علينا جمعه في قلبك و حفظه،و كذلك علينا تيسير قراءته على لسانك، فَإِذا قَرَأْناهُ أي جمعناه في قلبك و حفظك فاتّبع بإقرائك جمعه.(6:224)

الزّمخشريّ: الضّمير في(به)للقرآن،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذا لقن الوحي نازع جبريل القراءة و لم يصبر إلى أن يتمّها،مسارعة إلى الحفظ و خوفا من أن يتفلّت منه،فأمر بأن يستنصت له ملقيا إليه بقلبه و سمعه،حتّى يقضي إليه وحيه،ثمّ يقفيه بالدّراسة،إلى أن يرسخ فيه.

و المعنى:لا تحرّك لسانك بقراءة الوحي ما دام جبريل صلوات اللّه عليه يقرأ، لِتَعْجَلَ بِهِ لتأخذه على عجلة،و لئلاّ يتفلّت منك.ثمّ علّل النّهي عن العجلة بقوله: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ في صدرك و إثبات قراءته في لسانك، فَإِذا قَرَأْناهُ جعل قراءة جبريل قراءته.

و القرآن:القراءة فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ فكن مقفيا له فيه و لا تراسله،وطأ من نفسك أنّه لا يبقى غير محفوظ،فنحن في ضمان تحفيظه.(4:191)

نحوه ملخّصا أبو السّعود(6:336)،و الآلوسيّ (29:142).

الفخر الرّازيّ: زعم قوم من قدماء الرّوافض:أنّ هذا القرآن قد غيّر و بدّل و زيد فيه و نقص عنه، و احتجّوا عليه بأنّه لا مناسبة بين هذه الآية و بين ما قبلها،و لو كان هذا التّرتيب من اللّه تعالى لما كان الأمر كذلك.

و اعلم أنّ في بيان المناسبة وجوها:

أوّلها:يحتمل أن يكون الاستعجال المنهيّ عنه،إنّما اتّفق للرّسول عليه السّلام عند إنزال هذه الآيات عليه، فلا جرم نهي عن ذلك الاستعجال في هذا الوقت،و قيل له: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. و هذا كما أنّ المدرّس إذا كان يلقي على تلميذه شيئا،فأخذ التّلميذ يلتفت يمينا و شمالا،فيقول المدرّس في أثناء ذلك الدّرس:

لا تلتفت يمينا و شمالا،ثمّ يعود إلى الدّرس،فإذا نقل ذلك الدّرس مع هذا الكلام في أثنائه،فمن لم يعرف السّبب يقول:إنّ وقوع تلك الكلمة في أثناء ذلك الدّرس غير مناسب،لكن من عرف الواقعة علم أنّه حسن التّرتيب.

و ثانيها:أنّه تعالى نقل عن الكفّار أنّهم يحبّون السّعادة العاجلة؛و ذلك هو قوله: بَلْ يُرِيدُ الْإِنْسانُ لِيَفْجُرَ أَمامَهُ القيمة:5،ثمّ بيّن أنّ التّعجيل مذموم مطلقا حتّى التّعجيل في أمور الدّين،فقال: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ، و قال في آخر الآية: كَلاّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ القيمة:20.

و ثالثها:أنّه تعالى قال: بَلِ الْإِنْسانُ عَلى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ* وَ لَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ القيمة:14،15،فها هنا كان الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم يظهر التّعجيل في القراءة مع جبريل، و كان يجعل العذر فيه خوف النّسيان،فكأنّه قيل له:

إنّك إذا أتيت بهذا العذر لكنّك تعلم أنّ الحفظ لا يحصل إلاّ بتوفيق اللّه و إعانته،فاترك هذا التّعجيل و اعتمد على هداية اللّه تعالى،و هذا هو المراد من قوله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ.

ص: 531

و رابعها:كأنّه تعالى قال:يا محمّد إنّ غرضك من هذا التّعجيل أن تحفظه و تبلّغه إليهم لكن لا حاجة إلى هذا، فإنّ الإنسان على نفسه بصيرة،و هم بقلوبهم يعلمون أنّ الّذي هم عليه من الكفر و عبادة الأوثان،و إنكار البعث منكر باطل،فإذا كان غرضك من هذا التّعجيل أن تعرّفهم قبح ما هم عليه،ثمّ إنّ هذه المعرفة حاصلة عندهم،فحينئذ لم يبق لهذا التّعجيل فائدة،فلا جرم قال: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ.

و خامسها:أنّه تعالى حكى عن الكافر أنّه يقول:

أين المفرّ؟ثمّ قال تعالى: كَلاّ لا وَزَرَ* إِلى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ القيمة:11،12،فقيل لمحمّد إنّك في طلب حفظ القرآن،تستعين بالتّكرار،و هذا استعانة منك بغير اللّه،فاترك هذه الطّريقة،و استعن في هذا الأمر باللّه،فكأنّه قيل:إنّ الكافر يفرّ من اللّه إلى غيره،و أمّا أنت فكن كالمضادّ له،فيجب أن تفرّ من غير اللّه إلى اللّه، و أن تستعين في كلّ الأمور باللّه،حتّى يحصل لك المقصود على ما قال: إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ، و قال في سورة أخرى: وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ*وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً طه:114،115،أي لا تستعن في طلب الحفظ بالتّكرار بل اطلبه من اللّه تعالى.

و سادسها:ما ذكره القفّال،و هو أنّ قوله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ ليس خطابا مع الرّسول عليه السّلام بل هو خطاب مع الإنسان المذكور في قوله: يُنَبَّؤُا الْإِنْسانُ يَوْمَئِذٍ بِما قَدَّمَ وَ أَخَّرَ القيمة:13،فكان ذلك للإنسان حال ما ينبّأ بقبائح أفعاله؛و ذلك بأن يعرض عليه كتابه، فيقال له: اِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً الإسراء:14،فإذا أخذ في القراءة تلجلج لسانه من شدّة الخوف و سرعة القراءة،فيقال له:لا تحرّك به لسانك لتعجل به،فإنّه يجب علينا بحكم الوعد أو بحكم الحكمة أن نجمع أعمالك عليك و أن نقرأها عليك،فإذا قرأناه عليك فاتّبع قرآنه بالإقرار بأنّك فعلت تلك الأفعال،ثمّ إنّ علينا بيان أمره و شرح مراتب عقوبته.

و حاصل الأمر من تفسير هذه الآية أنّ المراد منه:

أنّه تعالى يقرأ على الكافر جميع أعماله على سبيل التّفصيل،و فيه أشدّ الوعيد في الدّنيا و أشدّ التّهويل في الآخرة.ثمّ قال القفّال:فهذا وجه حسن ليس في العقل ما يدفعه،و إن كانت الآثار غير واردة به.(30:222)

البروسويّ: في لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ إلخ،تعليم و تأديب:أمّا التّعليم فما أشير إليه من باب أنّ جهة الوحدة مسدود على أكثر النّاس فلا يفهمون عن اللّه إلاّ من الجهة المناسبة لحالهم،و هي جهة الوسائط و الكثرة الإمكانيّة.

و أمّا التّأديب فإنّه لمّا كان الآتي بالوحي من اللّه جبريل،فمتى بودر بذكر ما أتى به كان كالتّعجيل له و إظهار الاستغناء عنه،و هذا خلل في الأدب بلا شكّ سيّما مع المعلّم المرشد.

و من هذا التّقرير عرف أنّ قوله تعالى: لا تُحَرِّكْ بِهِ إلخ،واقع في البين بطريق الاستطراد،فإنّه لمّا كان من شأنه عليه السّلام الاستعجال عند نزول كلّ وحي على ما سبق من الوجه،و لم ينه عنه إلى أن أوحي إليه هذه السّورة من أوّلها إلى قوله: وَ لَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ القيمة:15،و عجل في ذلك كسائر المرّات نهي عنه

ص: 532

بقوله: لا تُحَرِّكْ إلخ،ثمّ عاد الكلام إلى تكملة ما ابتدئ به من خطاب النّاس.و نظيره ما لو ألقى المدرّس على الطّالب مسألة،و تشاغل الطّالب بشيء لا يليق بمجلس الدّرس،فقال:ألق إليّ بالك،و تفهّم ما أقول،ثمّ كمّل المسألة.

يقول الفقير أيّده اللّه القدير:لاح لي في سرّ المناسبة وجه لطيف أيضا،و هو أنّ اللّه تعالى بيّن قبل قوله:

لا تُحَرِّكْ بِهِ إلخ،جمع العظام و متفرّقات العناصر الّتي هي أركان ظاهر الوجود،ثمّ انتقل إلى جمع القرآن و أجزائه الّتي هي أساس باطن الوجود،فقال بعد قوله:

أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ القيمة:03

إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ فاجتمع الجمع بالجمع و الحمد للّه تعالى.و قد تحيّر طائفة من قدماء الرّوافض؛حيث لم يجدوا المناسبة،فزعموا أنّ هذا القرآن غيّر و بدّل و زيد فيه و نقص.[و قد أنكره جمهور الشّيعة]

و في«التّأويلات النّجميّة»:اعلم أنّ كلّ ما استعدّ لإطلاق الشّيئيّة عليه فله ملك و ملكوت،لقوله تعالى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ يس:83،و القرآن أشرف الأشياء و أكملها،فله أيضا ملك و ملكوت.فأمّا ملكه فهو الأحكام و الشرائع الظّاهرة الّتي تتعلّق بمصالح الأمّة،من العبادات الماليّة و البدنيّة،و الجنايات و الوصايات و أمثالها.و أمّا ملكوته فهو الأسرار الإلهيّة و الحقائق اللاّهوتيّة الّتي تتعلّق ببواطن خواصّ الأمّة و أخصّ الخواصّ،بل بخلاصة أخصّ الخواصّ من المكاشفات و المشاهدات السّرّيّة و المعاينات الرّوحيّة.و لكلّ واحد من الملك و الملكوت مدركات يدرك بها لا غير،لأنّ الوجدانيّات و الذّوقيّات لا تسعها ألسنة العبارات،لأنّها منقطع الإشارات،فقوله:

لا تُحَرِّكْ إلخ،يشير إلى عدم تعبيره بلسان الظّاهر عن أسرار الباطن،و الحقائق الآبية عن تصرّف العبارات فيها بالتّعبير عنها،و أنّ مظهره الجامع جامع بين ملك القرآن و ملكوته،و هو عليه السّلام يتّبع بظاهره ملكه و بباطنه ملكوته.نسأل اللّه سبحانه أن يجعلنا من المتّبعين للقرآن في كلّ زمان.(10:249)

سيّد قطب :و في ثنايا السّورة و حقائقها تلك و مشاهدها تعترض أربع آيات،تحتوي توجيها خاصّا للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و تعليما له في شأن تلقّي هذا القرآن.

و يبدو أنّ هذا التّعليم جاء بمناسبة حاضرة في السّورة ذاتها؛إذ كان الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم يخاف أن ينسى شيئا ممّا يوحى إليه،فكان حرصه على التّحرّز من النّسيان يدفعه إلى استذكار الوحي فقرة فقرة في أثناء تلقّيه،و تحريك لسانه به ليستوثق من حفظه.فجاءه هذا التّعليم:

لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ* فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ جاءه هذا التّعليم ليطمئنه إلى أنّ أمر هذا الوحي،و حفظ هذا القرآن،و جمعه و بيان مقاصده كلّ أولئك موكول إلى صاحبه.و دوره هو،هو التّلقّي و البلاغ،فليطمئنّ بالا، ليتلقّ الوحي كاملا،فيجده في صدره منفوشا ثابتا، و هكذا كان.

فأمّا هذا التّعليم فقد ثبت في موضعه؛حيث نزل، أ ليس من قول اللّه؟و قول اللّه ثابت في أيّ غرض كان؟ و لأيّ أمر أراد؟و هذه كلمة من كلماته تثبت في صلب

ص: 533

الكتاب شأنها شأن بقيّة الكتاب:و دلالة إثبات هذه الآيات في موضعها هذا من السّورة،دلالة عميقة موحية على حقيقة لطيفة في شأن كلّ كلمات اللّه،في أيّ اتّجاه.

و في شأن هذا القرآن،و تضمّنه لكلّ كلمات اللّه الّتي أوحى بها إلى الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم لم يخرم منها حرف،و لم تندّ منها عبارة،فهو الحقّ و الصّدق و التّحرّج و الوقار!

(6:3767)

عزّة دروزة :تعليق على دلالة آيات لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ و أخواتها.

و في الآيات صورة رائعة من صور التّنزيل القرآنيّ و وحيه،ترد لأوّل مرّة في وقت مبكّر نوعا ما من العهد المكّيّ،و هي تثير معاني خطيرة و جليلة نبّهنا إليها بإسهاب في كتابنا«القرآن المجيد».

و من ذلك أنّها لا تدع محلاّ لشكّ و لا مراء حتّى من أشدّ النّاس شكّا و مراء،بأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان مؤمنا أقوى الإيمان بأنّ الوحي الرّبّانيّ هو الّذي كان يوحي إليه بالقرآن،لا على معنى أنّه نابع من ذاته،بل على معنى أنّه من خارج ذاته،يشعر به في أعماق نفسه و يستمع إليه بأذن بصيرته و يعيه بقلبه.

و من ذلك أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان شديد الحرص على ألاّ يفلت منه آية أو كلمة أو حرف أو معنى ممّا يوحى إليه.

و من ذلك أنّه كان يأمر بتدوين ما يوحى إليه حالا، و يملي على كاتبه،حتّى ما هو تعليم خاصّ له بكيفيّة تلقّيه وحي اللّه عزّ و جلّ و قرآنه،لأنّه وحي

من ذلك أنّ الوحي القرآنيّ كان يقذف من اللّه رأسا في روع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و لمّا كان هناك آيات صريحة أخرى تفيد أنّ اللّه كان ينزل القرآن على النّبيّ بواسطة جبريل الّذي ذكر اسمه صراحة في هذا الصّدد في آية سورة البقرة:97،و ذكر بوصف الرّوح الأمين في آية سورة الشّعراء:193، و بوصف روح القدس في آية سورة النّحل:102،فيقال بسبيل التّوفيق:إنّ في الآيات الّتي نحن في صددها صورة من صور الوحي القرآنيّ،و هي قذف هذا الوحي من اللّه عزّ و جلّ رأسا في روع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و هذه الصّورة إحدى الصّور الثّلاث لاتّصال اللّه سبحانه بمن يصطفيهم من عباده الّتي انطوت في آية سورة الشّورى هذه:51، وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ .(2:11)

الطّباطبائيّ: لا تُحَرِّكْ بِهِ إلى ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ الّذي يعطيه سياق الآيات الأربع بما يحفّها من الآيات المتقدّمة و المتأخّرة الواصفة ليوم القيامة:أنّها معترضة،متضمّن أدبا إلهيّا،كلّف النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و آله أن يتأدّب به حينما يتلقّى ما يوحى إليه من القرآن الكريم، فلا يبادر إلى قراءة ما لم يقرأ بعد،و لا يحرّك به لسانه، و ينصت حتّى يتمّ الوحي.

فالآيات الأربع في معنى قوله تعالى: وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ طه:114.

فالكلام في هذه الآيات يجري مجرى قول المتكلّم منّا أثناء حديثه لمخاطبه،إذا بادر إلى تتميم بعض كلام المتكلّم باللّفظة و اللّفظين،قبل أن يلفظ بها المتكلّم؛ و ذلك يشغله عن التّجرّد للإنصات،فيقطع المتكلّم

ص: 534

حديثه و يعترض،و يقول:لا تعجل بكلامي و أنصت لتفقه ما أقول لك،ثمّ يمضي في حديثه.

فقوله: لا تُحَرِّكْ... الخطاب فيه للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و آله، و الضّميران للقرآن الّذي يوحى إليه أو للوحي،و المعنى لا تحرّك بالوحي لسانك لتأخذه عاجلا،فتسبقنا إلى قراءة ما لم نقرأ بعد،فهو كما مرّ في معنى قوله: وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ... (20:109)

المصطفويّ: و التّعبير بحركة اللّسان فإنّها أوّل مرتبة من النّطق،فهذا غاية تأكيد في النّطق باللّسان و النّهي عنه،أي لا تبتدئ بقراءة القرآن بحركة لسانك.

(2:216)

مكارم الشّيرازيّ: وردت هذه الآيات في الحقيقة بمثابة الجملة الاعتراضيّة الّتي تتداخل أحيانا في حديث المتحدّث،كمن يكون مشغولا بالخطابة في مجلس ما و النّاس مجتمعون في آخر المجلس،و الحال أنّ صدر المجلس خال فيقطع حديثه مؤقّتا،و يدعو الحاضرين للتّقدّم لينفتح الطّريق للقادمين،ثمّ يستأنف حديثه مجدّدا،أو كالأستاذ الّذي يقطع حديثه لينبّه طالبا،و بعد ذلك يكمل حديثه.

و إذا ما سمع شخص ما حديث الأستاذ عن طريق شريط كاسيت فيرى إشكالا في استمراريّة الحديث، و يتعجّب لما يرى من عدم التّرابط بين الجمل،و لكن التّمعّن في شرائط المجلس الخاصّة يتّضح فلسفة هذه الجمل المعترضة.

بعد هذه المقدّمة البسيطة نتّجه إلى تفسير الآيات الّتي يراد بحثها،يترك اللّه تعالى الحديث عن القيامة و أحوال المؤمنين و الكفرة مؤقّتا،ليعطي تذكرة مختصرة للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حول القرآن،فيقول: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ. لهذه الآية أقوال متعدّدة للمفسّرين،و على المجموع ذكرت لها ثلاثة تفاسير:

الأوّل:هو التّفسير المشهور الّذي نقل عن ابن عبّاس عن كتب الحديث،و هو أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان إذا نزل عليه الوحي ليقرأ عليه القرآن،تعجّل بقراءته ليحفظه؛ و ذلك لحبّه الشّديد للقرآن،فنهاه اللّه عن ذلك و قال:

إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ .

الثّاني:نعلم أنّ للقرآن نزولين:هما نزول دفعيّ، أي نزوله بتمامه على قلب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في ليلة القدر، و نزول تدريجيّ و الّذي كان أمده 23 عاما،و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يعجل في إبلاغ الرّسالة أحيانا قبل النّزول التّدريجيّ للآيات أو قراءة ما يرافق تلك الآيات،فنهاه اللّه عن ذلك.و أمره أن يبلّغ و يتلو ما ينزل عليه في حينه،و على هذا يكون مضمون هذه الآية كالآية:

114،من سورة طه: وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ.

و ليس في القولين اختلاف واسع،و يكون المعنى:

لا ينبغي للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يعجل في استلام الوحي.

الثّالث:و هو ما لم يتّفق عليه الكثير،و هو أنّ المخاطبين في هذه الآيات هم المذنبون؛و ذلك في يوم القيامة حيث يؤمرون بمحاسبة أنفسهم و ذكر أعمالهم، و يقال لهم:لا تعجلوا في ذلك.و من الطّبيعيّ أنّهم سوف يتضجّرون عند ذكرهم لسيّئاتهم،و يمرّون عليها باستعجال،فيؤمرون بالتّأنّي في قراءتها و اتّباع الملائكة

ص: 535

عند ذكر الملائكة لأعمالهم.و هذا المعنى و التّفسير لا يطابق الآيات الّتي جاءت بشكل الجملة المعترضة، و إنّها تفيد الارتباط مع الآيات السّابقة و اللاّحقة لها، لأنّ جميعها تتحدّث عن أحوال القيامة و المعاد.

و أمّا التّفسير الأوّل و الثّاني فهو ما يناسب شكل الجملة المعترضة،و التّفسير الثّالث بعيد للالتفات إلى ما جاء فيه من ذكر اسم القرآن في الآيات اللاّحقة، و تشير سياق الآيات إلى أنّ المراد هو أحد التّفسيرين السّابقين.و لا إشكال في الجمع بينهما،لما يتوافق سياق الآيات مع التّفسير الأوّل،أي المشهور.تمعّن.

(19:193)

فضل اللّه :[ذكر الرّواية المتقدّمة عن ابن عبّاس ثمّ قال:]

قد تكون هذه الرّواية صحيحة و قد لا تكون،و ربّما كانت اجتهادا شخصيّا في التّفسير،ممّا لا يجعلها حجّة في فهم معنى الآية،لذا لا بدّ من دراسة أجواء هذه الآيات و كلماتها.و في هذا المجال نلاحظ أنّ هذه الآيات لا تتّفق في مضمونها مع ما يحيط بها أوّلا أو آخرا من الآيات المتّصلة بالقيامة في تفصيلات أحداثها،أو الأحداث السّابقة عليها،أو الأفكار المتعلّقة بها،فهي واردة مورد الجمل المعترضة الّتي قد تكون لها بعض المناسبة،و ليس المناسبة كلّها.

و لعلّ الجوّ الّذي يسود هذه الآيات قريب من الحالة النّفسيّة الّتي كان يعيشها النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله عند نزول الآيات السّابقة؛بحيث إنّه كان يتابع كلمات القرآن عند تلاوة جبريل لها،فيردّدها معه و يلاحقه في التّرديد، حذرا من أن تفوته كلمة أو ينساها،لأنّ مسئوليّته هي الوعي الكامل للقرآن،ليبلّغه للنّاس بكلّ دقّة.

و قد تكون المسألة بطريقة الكناية،بعيدا عن أيّة حالة طارئة للنّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله آنذاك،فتكون تأكيدا على كفالة اللّه للقرآن؛بحيث لا يحتاج إلى السّرعة في ملاحقة الرّسول الملائكيّ بالتّلاوة و بالاستعجال بها عند سماعه، و لعلّ هذا أقرب إلى الذّهن،و اللّه العالم.

لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ في متابعة سريعة للتّلاوة،لأنّ اللّه قد تكفّل بجمعه و تسهيل قراءته بكلّ دقّة،و تكفّل بحفظه من التّحريف بالزّيادة أو النّقصان، إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ أي قراءته عليك لتردّده في كلّ وقت كما تشاء،و ليردّده المسلمون معك، و سنجمعه بكلّ كلماته لنضمّ بعضها إلى بعض...فلما ذا العجلة،و لما ذا الخوف من نسيانه؟

فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ في اتّباع كلماته المقروءة بكلّ هدوء و خشوع،في استغراق واع لكلّ معانيه.

و ربّما فسّر البعض الاتّباع بالسّير على وقف أوامره و نواهيه في الجانب العمليّ.و لكنّ السّياق لا يتناسب معه،لأنّ الجوّ جوّ حفظ القرآن و الاحتفاظ به،لا جوّ الاتّباع العمليّ.

ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ حتّى تتبيّن حروفه لك و للنّاس من خلالك،كما تتبيّن معانيه،ليعيش في أذهانهم على مستوى الوضوح في الكلمة،و في الجوّ و في المضمون،لأنّه جاء نورا للنّاس ليخرجهم من الظّلمات إلى النّور،فلا يمكن أن يبقى فيه التباس أو غموض.

و قد أثار البعض من المفسّرين الحديث-في جوّ

ص: 536

مناسبة الآية-عن نزول القرآن دفعة واحدة قبل نزوله تدريجيّا على النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله حسبما جاء في بعض الرّوايات،الّتي ذكرت أنّ النّبيّ كان يسبق جبريل إلى ترديده في المرحلة التّدريجيّة قبل أن يكمل كلامه،ممّا كان يحفظه الرّسول منه.

و لكنّنا نلاحظ على ذلك،أنّ القضيّة لو كانت كما ذكر في هذه الرّوايات لما كانت هناك ضرورة إلى التّأكيد على جمعه و قرآنه،لأنّه مجموع بجملته في النّزول الدّفعيّ الأوّل،ممّا يجعل هذا الكلام غير دقيق.(23:244)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الحركة:ضدّ السّكون، يقال:حرك الشّيء يحرك حركة و حركا،و حرّكه فتحرّك.و الحراك:الحركة.يقال:قد أعيا فما به حراك، و المحراك:الخشبة الّتي تحرّك بها النّار.

و المحرك:مقطع العنق،لأنّه موضع حركة الرّأس.

يقال:حركت محركه بالسّيف حركا،أي ضربت عنقه، و حركه بالسّيف حركا:ضرب عنقه.

و الحارك:الكاهل،لأنّه يتحرّك عند المشي،و هو المحرك و الحركوك أيضا.يقال:حركت حاركه،أي قطعته،فهو محروك.

و غلام حرك:خفيف ذكيّ،لأنّه لا يزال يتحرّك.

و الحريك:الّذي يضعف خصره (1)إذا مشى،كأنّه ينقلع عن الأرض،فهو«فعيل»بمعنى«مفعول»،أي كأنّه يحرّك من ضعفه.و الحريكة:مؤنّث الحريك، و رجل حريك:ضعيف الحراكيك،أي الحراقف،و هي عظام رأس الورك،و حركه:أصاب وسطه.

2-و قال أبو عمرو الشّيبانيّ: «يحركه في المسألة،إذا ألحف»و لكنّ الأصل فيه«الخاء».قال ابن الأعرابيّ:

«خرك الرّجل،إذا لجّ»،و يقال أيضا:رجل معروك، أي ألحّ عليه في المسألة،فهو إمّا من باب إبدال«الحاء» من«الخاء»،أو من إبدالها من«العين»،و كلاهما سائغ في اللّغة،كما تقدّم سابقا.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت فعلا مضارعا نهيا مرّة واحدة:

لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ* إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ القيمة:16،17

يلاحظ أوّلا:أنّهم اختلفوا في تفسير هذه الآية بما أنهاه الفخر الرّازيّ إلى ستّة وجوه إضافة إلى ما ذكره غيره،و بعضها خارج عن كونها خطابا للنّبيّ،أو عن كونها نزلت بشأن القرآن،فلاحظ.و سنكتفي بما يرجع إليهما،و هي ثلاثة وجوه:

أوّلها:اختاره الطّبريّ و من قبله،و كثير ممّن بعده:

أنّ النّبيّ كان حين نزول الوحي عليه يحرّك لسانه بقراءته خوفا من النّسيان،فنهاه اللّه عن ذلك تضمينا له أنّه سيجمعه و يحفظه من الضّياع،فقال: لا تُحَرِّكْ بِهِ أي بالقرآن لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ أي تعجيلا لقراءته قبل أن تتمّ، إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ أي نحن نضمن لك جمع القرآن في قلبك،ثمّ في الصّدور و الصّحف،و نضمن لك أيضا قراءته كما نزل،بلا نقص و لا تحريف فَإِذا

ص: 537


1- المعجم الوسيط:الخصر من الإنسان و الحيوان وسطه...

قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ أي و لكن بدل التّعجيل في قراءته اصبر فإذا قرأناه فاتّبع قرآنه، ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا بَيانَهُ أي نحن نضمن لك تفسيره و بيانه أيضا كما ضمنّا جمعه و قراءته.

و يؤيّد هذا الوجه آيات أخرى:

منها: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى الأعلى:6.و الإقراء هو تعليم الغير شيئا ثمّ تلقّيه عنه اختبارا و اطمئنانا بأنّه حفظه،و هذا كان عمل المقرئين للقرآن،و قد أقرأ جبرائيل النّبيّ في كلّ سنة مرّة،و أقرأه في العام الّذي توفّي فيه مرّتين كما جاء في الرّوايات.

و قد حكى الطّبرسيّ ذيل هذه الآية(ج 5:475) عن ابن عبّاس أنّه قال:«كان النّبيّ عليه السّلام إذا نزل عليه جبرائيل عليه السّلام بالوحي يقرؤه مخافة أن ينساه،فكان لا يفرغ جبرائيل عليه السّلام من آخر الوحي حتّى يتكلّم هو بأوّله.فلمّا نزلت هذه الآية لم ينس بعد ذلك شيئا(الاّ ما شاء اللّه)أن ينسيه بنسخه من رفع حكمه و تلاوته».

و منها: وَ لا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً طه:114،و قد ذكر الطّبرسيّ(ج 4:32)فيها وجوها،أوّلها و أقواها:«أي لا تعجل بتلاوته قبل أن يفرغ جبرائيل عليه السّلام من إبلاغه،فإنّه صلّى اللّه عليه و آله كان يقرأ معه و يعجل بتلاوته مخافة نسيانه،أي تفهّم ما يوحى إليك إلى أن يفرغ الملك من قراءته،و لا تقرأ معه،ثمّ اقرأ بعد فراغه منه،و هذا كقوله: لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ عن ابن عبّاس و الحسن و الجبّائيّ».

و يشهد به ذيل الآية: وَ قُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْماً

و منها: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً الفرقان:32،و فيها إعلام بأنّ النّبيّ عليه السّلام كان يحتاج إلى تثبيت فؤاده بالقرآن بنزوله منجّما ليحفظه.

قال الطّبرسيّ(4:169):«و قيل:إنّما أنزلت الكتب جملة واحدة،لأنّها نزلت على الأنبياء يكتبون و يقرءون فنزلت مكتوبة،و القرآن إنّما نزل على نبيّ أمّيّ لا يكتب و لا يقرأ،و لذلك نزل متفرّقا...».

و يؤيّده ذيلها وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً أي رتّلناه على مكث لتحفظه.و التّرتيل-كما قال الطّبرسيّ(4:169):- «التّبيين في تثبيت و ترسّل و ثغر رتل...»فالتّفريق في نزول الآيات كان رعاية لحال النّبيّ عليه السّلام.

و لكنّه جاء رعاية لحال النّاس في آية أخرى مكّيّة أيضا: وَ قُرْآناً فَرَقْناهُ لِتَقْرَأَهُ عَلَى النّاسِ عَلى مُكْثٍ وَ نَزَّلْناهُ تَنْزِيلاً الإسراء:106.

و«التّنزيل»هو النّزول تدريجا،و يقابله«الإنزال» و هو النّزول جمعا إذا جاء مع التّنزيل مثل: نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ وَ أَنْزَلَ التَّوْراةَ وَ الْإِنْجِيلَ* مِنْ قَبْلُ... آل عمران:3،4.

و تلك الآيات كلّها مكّيّة،نزلت ردّا على المشركين الّذين اعتقدوا الخلط في القرآن،و اطمئنانا للنّبيّ عن النّسيان.

و لا يبعد عنها آية أخرى مكّيّة أيضا نزلت بشأن القرآن،و هي إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9،جاءت ردّا لقولهم: وَ قالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ

ص: 538

عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ الحجر:6،تعريضا له أنّه لا يعلم ما يقول و يخلط في كلامه النّازل عليه مفرّقا لجنونه،فردّ اللّه عليهم مؤكّدا بتأكيدات عدّة.إنّا نحن نزّلناه و نحفظه من أيّ خطإ و تخليط،و نقص،و تحريف.

و قد طوّلنا الكلام في توجيه الوجه الأوّل في لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ لنعرف الجوّ الّذي نزلت هذه الآية و أمثالها،ردّا على تشكيك المشركين بالخلط في القرآن،و تسجيلا على أنّ اللّه هو الّذي عصم النّبيّ من نسيان القرآن و الخلط فيه،فهذا كان معجزة له.و إلاّ فهو بشر يجوز عليه النّسيان،لو لا أنّ اللّه عصمه منه.

و الوجه الثّاني في تفسير الآية:ما حكاه فضل اللّه عن بعضهم،استنادا إلى بعض الرّوايات-و لم يذكره الفخر الرّازيّ في جملة ما ذكرها من الوجوه السّتّة،و لا الطّبريّ فيما ذكره من الوجهين،و لا غيرهما فيما سبق من النّصوص-و هو مبنيّ على أنّ للقرآن نزولين:نزول دفعيّ على قلب النّبيّ عليه السّلام في ليلة القدر،و نزول تدريجيّ طول 23 عاما،و كان النّبيّ حافظا للقرآن بالنّزول الأوّل،فيعجّل عند نزول آية في قراءتها اعتمادا على حفظه،و لم يصبر حتّى يتمّ وحيها.ثمّ ردّه السّيّد فضل اللّه:«بأنّ القضيّة لو كانت كما ذكر في هذه الرّوايات لما كانت ضرورة إلى تأكيد جمعه و قرآنه،لأنّه مجموع بجملته في النّزول الدّفعيّ الأوّل،ممّا يجعل هذا الكلام غير دقيق».

و الوجه الثّالث-و هو أيضا مبنيّ على نزول القرآن دفعتين،حكاه مكارم الشّيرازيّ،و لم يعلم من هو قائله-:من أنّ النّبيّ كان يعجل في إبلاغ الرّسالة أحيانا قبل النّزول التّدريجيّ،فنهاه اللّه عن ذلك و أمره يبلّغ و يتلو ما نزل عليه في حينه،و هو محجوج أيضا بما ذكره السّيّد فضل اللّه.

و كأنّ الطّباطبائيّ-و هو قائل بنزول القرآن دفعتين -مال إلى الوجه الثّاني ذيل تفسير الآية بقوله:«لا تحرّك بالوحي لسانك لتأخذه عاجلا،فتسبقنا إلى قراءة ما لم نقرأه».و لو أراد بكلامه ما استنبطنا منه،فهو محجوج بما ذكر.

و الحقّ أنّ نزول القرآن دفعتين مع وجود روايات فيه من طريق الفريقين،وقع محلّ التّرديد و الإنكار عند بعض المحقّقين منهما.لاحظ:«ن ز ل و ق ر أ».

ثانيا:سورة القيامة-كما دلّ عليه اسمها-تتحدّث عن القيامة و أحوالها إلى 15 آية،ثمّ تنتقل في هذه الآيات الأربع إلى القرآن،ثمّ ترجع إلى القيامة و غيرها، و لهذا وقعت في هذه الآيات قديما معركة بين المفسّرين، فبعضهم تكلّفوا بمعاناة ربطها بالقيامة،و إليه يرجع بعض ما حكاه الفخر الرّازيّ أو غيره من الوجوه،فلاحظ.

و الّذين حوّلوها إلى القرآن،وجّهوها بمثل أنّه اتّفق للنّبيّ عليه السّلام تحريك لسانه عند نزول هذه الآيات،فنهاه اللّه تأديبا،ثمّ رجع إلى حديثه عن القيامة،فهذه الآيات وقعت في أثناء الكلام بطريق الاستطراد.

قال البروسويّ: «و نظيره ما لو ألقى المدرّس على الطّالب مسألة،و تشاغل الطّالب بشيء لا يليق بمجلس الدّرس،فقال:ألق إليّ بالك،و تفهّم ما أقول،ثمّ كمّل المسألة.

ثمّ أدام:«يقول الفقير أيّده اللّه القدير:لاح لي في

ص: 539

سرّ المناسبة وجه لطيف أيضا،و هو أنّ اللّه تعالى بيّن قبل قوله: لا تُحَرِّكْ بِهِ... جمع العظام و متفرّقات العناصر الّتي هي أركان ظاهر الوجود،ثمّ انتقل إلى جمع القرآن و أجزائه الّتي هي أساس باطن الوجود،فقال بعد قوله:

أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ : إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ فاجتمع الجمع بالجمع و الحمد للّه»!!

ثمّ حكى عن«التّأويلات النّجميّة»ما حاصله:«أنّ كلّ شيء له ملك و ملكوت،و القرآن-و هو أشرف الأشياء-له ملك و ملكوت أيضا:ملكه الأحكام المتعلّقة بمصالح الأمّة عامّة،و ملكوته الأسرار الإلهيّة و الحقائق اللاّهوتيّة المتعلّقة ببواطن خواصّ الأمّة و أخصّ الخواصّ من المكاشفات،و المشاهدات السّرّيّة،و لكلّ واحد من الملك و الملكوت مدركات، فقوله: لا تُحَرِّكْ يشير إلى عدم تعبيره بلسان الظّاهر عن أسرار الباطن،فإنّ الحقائق آبية عن التّعبير عنها بالعبارات».

و العجب ممّن يفسّر القرآن بذلك،و يغفل عن نزول هذه الآيات في مكّة لقوم بسطاء كانوا ينكرون الوحي و النّبوّة،فكيف بهذه الأسرار الإلهيّة الّتي وصل إليها صاحب التّأويلات النّجميّة بعد قرون؟!

و بين أمثال هذه التّأويلات الغريبة،و ما سنتلوه عليكم نقلا عن المتأخّرين الجدد بون بعيد:

قال سيّد قطب بشأن هذه الآيات الأربع خلال آيات القيامة:«جاءت تعليما له في شأن تلقّي هذا القرآن.و يبدو أنّ هذا التّعليم جاء بمناسبة حاضرة في السّورة ذاتها،إذ كان الرّسول صلّى اللّه عليه و آله يخاف أن ينسى شيئا ممّا يوحى إليه،فكان حرصه على التّحرّز من النّسيان يدفعه إلى استذكار الوحي فقرة فقرة في أثناء تلقّيه، بتحريك لسانه به ليستوثق من حفظه،فجاءه هذا التّعليم-و ذكر الآيات-ليطمئنه إلى أنّ أمر هذا الوحي، و حفظ هذا القرآن،و جمعه و بيان مقاصده،كلّ أولئك موكول إلى صاحبه،و دوره هو،هو التّلقّي و البلاغ-إلى أن قال:-و دلالة إثبات هذه الآيات في موضعها هذا من السّورة دلالة عميقة موحية على حقيقة لطيفة في شأن كلّ كلمات اللّه في أيّ اتّجاه...».

و قال عزّة دروزة:«و في الآيات صورة رائعة من صور التّنزيل القرآنيّ و وحيه.و ترد لأوّل مرّة في وقت مبكّر نوعا ما من العهد المكّيّ،و هي تثير معاني خطيرة و جليلة نبّهنا إليها بإسهاب في كتابنا-القرآن المجيد-.

و من ذلك أنّها لا تدع محلاّ لشكّ و لا مراء حتّى من أشدّ النّاس شكّا و مراء-إلى أن قال:-و من ذلك أنّ النّبيّ كان شديد الحرص على ألاّ يفلت منه آية أو كلمة أو حرف أو معنى ممّا يوحى إليه...».

ثالثا:ليست هذه الآيات-جملة معترضة بين ما قبلها و ما بعدها-فريدة في القرآن،فكم تجد مثلها خلال الآيات!و منها تلك الآيات الّتي أيّدنا بها الوجه الأوّل في توجيه لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ مثل: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى و ما تلاها،فإنّ أكثرها وقعت خلال آيات لا تتحدّث عن القرآن،دفعا لشبهة كان المشركون في مكّة يطرحونها،أو توثيقا للنّبيّ عن النّسيان،لأنّه آن ذاك كان حديث عهد بالوحي القرآنيّ،فيخاف النّسيان.

رابعا:و بذلك انتهينا إلى مزايا ثلاثة بشأن القرآن:

ص: 540

الأوّل:أنّ اللّه كان يهتمّ بأمر القرآن في نفس القرآن،فكان يطرحه خلال الآيات،و لا سيّما في السّور المكّيّة،تذكارا للنّبيّ عليه السّلام،و دفعا لشبهة حدثت له،أو وجّهت إليه من قبل المشركين.

الثّاني:أنّ النّبيّ عليه السّلام كان لا يرى نفسه مبرّئا عن النّسيان،و كان يخاف و يتحذّر منه بالتّعجيل في قراءة ما نزل عليه.

الثّالث:أنّه كان مصونا عن النّسيان بعصمة اللّه إيّاه، و لا سيّما في خصوص القرآن.

و نحن نعلم أنّ مسألة نسيان النّبيّ كانت مطروحة بين الإماميّة قديما،و أكثرهم استنكفوا عن الاعتراف به،لأنّه لا يتماشى مع عصمته.

و الحقّ أنّه كان بشرا كغيره من النّاس،معرضا للنّسيان،و لكن اللّه عصمه منه فلم يكن ينسى القرآن.

و هذا-كما سبق-كان من جملة معجزاته صلوات اللّه عليه و آله و سلم،لاحظ«القرآن».

ص: 541

ص: 542

ح ر م

اشارة

26 لفظا،83 مرّة:31 مكّيّة،52 مدنيّة

في 25 سورة:15 مكّيّة،10 مدنيّة

المحروم 2:2 حرّموا 1:1

محرومون 2:1-1 حرّمنا 7:6-1

حرام 2:2 حرّم 3:-3

الحرام 23:2-21 حرّمت 3:1-2

حراما 1:1 يحرّم 1:1

حرما 2:2 يحرّمون 1:-1

حرما 1:-1 يحرّمونه 1:-1

حرم 4:-4 تحرّم 1:-1

حرمات 1:-1 تحرّموا 1:-1

الحرمات 1:-1 محرّم 2:1-1

حرّم 18:7-11 المحرّم 1:1

حرّمها 1:1 محرّما 1:1

حرّمهما 1:1 محرّمة 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحرم:حرم مكّة و ما أحاط بها إلى قريب من المواقيت الّتي يحرمون منها،مفصول بين الحلّ و الحرم بمنى.

و المحرّم في شعر الأعشى هو الحرم؛حيث يقول:

*بأجياد غربيّ الصّفا و المحرّم*

و قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«مكّة حرم إبراهيم،و المدينة حرمي».

و المحرّم هو الحرم،و رجل حرميّ:منسوب إلى الحرم.

و إذا نسبوا غير النّاس،فتحوا و حرّكوا،فقالوا:

[حرميّ أي]منسوب إلى الحرم،أي محرمون.

و تقول:أحرم الرّجل،فهو محرم و حرام.و يقال:إنّه حرام على من يرومه بمكروه،و قوم حرم،أي محرمون.

و الأشهر الحرم:ذو القعدة،و ذو الحجّة،و المحرّم، و رجب،ثلاثة سرد و واحدة فرد.و المحرّم سمّي به،لأنّهم

ص: 543

لا يستحلّون فيه القتال.

و أحرمت:دخلت في الشّهر الحرام.و الحرمة:

ما لا يحلّ انتهاكه.

و تقول:فلان له حرمة،أي تحرّم منّا بصحبة و بحقّ.

و حرم الرّجل:نساؤه و ما يحمي.

و المحارم:ما لا يحلّ استحلاله.

و المحرم:ذو الرّحم في القرابة،و ذات الرّحم في القرابة،أي:ما لا يحلّ تزويجها.يقال:هو ذو رحم محرم، و هي ذات رحم محرم.

و حريم الدّار:ما أضيف إليها من حقوقها و مرافقها.

و حريم البئر:ملقى النّبيثة و الممشى على جانبيها و نحو ذلك.

و حريم النّهر:ملقى طينه و الممشى على حافتيه.

و الحريم:الّذي حرم مسّه فلا يدنى منه.و كانت العرب إذا حجّوا ألقوا الثّياب الّتي دخلوا بها الحرم،فلا يلبسونها ما داموا في الحرم.

و الحرام:ضدّ الحلال؛و الجميع:حرم.

و المحروم:الّذي حرم الخير حرمانا.

و حرم الرّجل،إذا لجّ في شيء و محك.

و الحرمى من الشّاء و البقر،هي المستحرمة.تقول:

استحرمت حرمة،إذا أرادت السّفاد،و هنّ حرامى،أي مستحرمات.

و القطيع المحرّم:السّوط الّذي لم يمرن.[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](3:221)

الحرام:ما حرّمه اللّه.(الأزهريّ 5:44)

الكسائيّ: حرمت الصّلاة على المرأة حرما، و حرمت عليها حرما و حراما.(الأزهريّ 5:46)

[و هو ذو]محرمة و محرمة.(الصاحب 3:94)

اليزيديّ: سألت عمّي عن قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«كلّ مسلم عن مسلم محرم».قال:المحرم:الممسك،معناه أنّ المسلم ممسك عن مال المسلم و عرضه و دمه.[ثمّ استشهد بشعر](ابن منظور 12:124)

أبو عمرو الشّيبانيّ: أخذنا في أرض حرم:

معشبة،و هي أرض معشبة:بعيدة من الماء،فلا يطؤها أحد أو يرعاها.(1:147)

حرمت عليها الصّلاة حرما،و بدأتم بالشّتم و الحرم.

قد استحرمت النّعجة و الغنم حرمة شديدة،و لم يقل:فعلت.(1:158)

حرم الغلام في اللّعبة،يحرم حرما،و تقول:أحرمته أنا.(1:162)

الحريم،من الإبل و المال كلّه:الّذي لا يباع و لا يؤكل،لأنّه خيار.(1:169)

الحارم:القليل.يقال:طعام حارم،و كلأ حارم، و نصيّ حارم،أي قليل.(1:215)

و إني إليهم لبحرمة،و أخذته حرمة،أي غيظ،و هذا كلّه إذا كان حريصا على لقائهم.(3:5)

الحروم:النّاقة المعتاطة الرّحم،و الزّجوم:الّتي لا ترغو.(الأزهريّ 5:49)

[و الحريم]هو شيء كانوا يصنعونه من سنام الجزور، لا يمسّه إلاّ من شهد الوقعة.(الصّاحب 3:94)

أبو زيد :يقال:هو حرمتك،و هما حرمتك،و هم حرمتك،و هي حرمتك،و هنّ حرمتك،و هم ذوو رحمه

ص: 544

و جاره،و من ينصره غائبا و شاهدا،و من وجب عليه حقّه.(الأزهريّ 5:42)

أحرمت الرّجل،إذا قمرته،و حرم الرّجل يحرم حرما،إذا قمر.(الأزهريّ 5:46)

قال العقيليّون:حرام اللّه لا أفعل ذاك،و يمين اللّه لا أفعل ذاك؛و معناهما واحد.

و يقال للرّجل:ما هو بحارم عقل،و ما هو بعادم عقل،معناهما أنّ له عقلا.(الأزهريّ 5:49)

يقال:هذا و اللّه الحرم بعينه،و الحرمان بعينه.

(ابن دريد 3:473)

الأصمعيّ: يقال:إنّ لي محرمات فلا تهتكها؛ واحدتها:محرمة و محرمة.(الجوهريّ 5:1896)

أحرم الرّجل فهو محرم،إذا كانت له ذمّة.

و أحرم القوم،إذا دخلوا في الشّهر الحرام.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](الأزهريّ 5:45)

أحرم الرّجل،إذا دخل في الإحرام بالإهلال.

و أحرم،إذا صار في حرمة من عهد أو ميثاق،هو له حرمة من أن يغار عليه.

و يقال:مسلم محرم،و هو الّذي لم يحلّ من نفسه شيئا يوقع به.

حرمت الرّجل العطيّة أحرمه حرمانا و حريمة.و لغة أخرى:أحرمت،و ليست بجيّدة.

و حرمت الصّلاة على المرأة تحرم حروما،و حرمت المرأة على زوجها تحرم حرما و حراما.

استحرمت الماعزة،إذا اشتهت الفحل،و ما أبين حرمتها!

و روى المعتمر بن سليمان عمّن أخبره:الّذين تدركهم السّاعة تبعث عليهم الحرمة-أي الغلمة- و يسلبون الحياء.(الأزهريّ 5:46)

يقال:حرمته و أحرمته حرمانا،إذا منعته العطيّة.(الأزهريّ 5:45)

ابن الأعرابيّ: المحرم:المسالم[ثمّ استشهد بشعر]

و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«كلّ مسلم عن مسلم محرم،أخوان نصيران».

يقال:إنّه لمحرم عنك،يحرم أذاك عليه.

(الأزهريّ 5:45)

الحيرم:البقر،و الحورم:المال الكثير من الصّامت و النّاطق.

و الحريم:قصبة الدّار،و الحريم:فناء المسجد.

و الحرم:المنع.

و الحريم:الصّديق.يقال:فلان حريم صريح،أي صديق خالص.

و كانت العرب تسمّي شهر رجب:الأصمّ و المحرّم، في الجاهليّة.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:49)

محارم اللّيل:مخاوفه،يحرم على الجبان أن يسلكها.

[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 3:326)

أبو عبيد: الاستحرام لكلّ ذات ظلف خاصّة.

(الأزهريّ 5:46)

ابن السّكّيت: و الحرم:الحرام.يقال:هذا شيء حرم و حرام،و حلّ و حلال.

و يقال:«كنت أطيّبه لحرمه»،أي عند إحرامه.

(إصلاح المنطق:34)

ص: 545

الأمويّ: استحرمت الكلبة،إذا اشتهت السّفاد- قال أبو عبيد و قال غيره:الاستحرام لكلّ ذات ظلف خاصّة-.(الأزهريّ 5:46)

شمر: قال يحيى بن ميسرة الكلابيّ:الحرمة:

المهابة.قال:و إذا كان للإنسان رحم و كنّا نستحي منه قلنا:له حرمة.قال:و للمسلم على المسلم حرمة و مهابة.(الأزهريّ 5:42)

[في حديث]«أنّ فلانا كان حرميّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم».

و الحرميّ: أنّ أشراف العرب الّذين كانوا يتحمّسون في دينهم،إذا حجّ أحدهم لم يأكل طعام رجل من الحرم، و لم يطف إلاّ في ثيابه،فكان لكلّ شريف من أشراف العرب رجل من قريش،فكلّ واحد منهما حرميّ صاحبه،كما يقال:كريّ للمكري و المكتري،و خصم للمخاصم و المخاصم.(الأزهريّ 5:44)

في قول عمر:«الصّيام إحرام».إنّما قال:الصّيام إحرام،لامتناع الصّائم ممّا يثلم صيامه.و يقال للصّائم:

محرم.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:45)

قال أبو واصل الكلابيّ: حريم الدّار:ما دخل فيها ممّا يغلق عليه بابها،و ما خرج منها،فهو الفناء.

و فناء البدويّ: ما يدركه حجرته و أطنابه،و هو من الحضريّ؛إذا كانت داره تحاذيها دار أخرى،ففناؤهما:

حدّ ما بينهما.(الأزهريّ 5:47)

المبرّد: العرب تنسب إلى الحرم فيقولون:حرميّ و حرميّ،على قولهم:حرمة البيت،و حرمة البيت.[ثمّ استشهد بشعر](2:261)

الزّجّاج: حرمت الرّجل عطاءه،و أحرم الرّجل، إذا دخل في الحرم.(فعلت و أفعلت:12)

ابن دريد :الحرم:حرم مكّة و ما حولها،و حرم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله:المدينة.

و الحرام:ضدّ الحلال.

و الحرم:ضدّ الحلّ.

و حرمة الرّجل:الّتي لا تحلّ لغيره؛و الجمع:حرم.

و لفلان حرمة ببني فلان،أي تحرم.

و حريم الرّجل:ما يجب عليه حفظه و منعه.

و أحرم الرّجل إحراما:من إحرام الحجّ.

و قوم حرم و حرام،أي محرمون.و يقال أيضا:رجل حرام من قوم حرام،أي محرمون.

و رجل حرميّ: منسوب إلى الحرم.

و قد سمّت العرب:حريما-و هو أبو حيّ منهم- و حراما.

و في العرب بطون ينسبون إلى حرام:بطن في بني تميم،ثمّ في بني سعد،و بطن في جذام؛حرام بن جذام، و بطن في ربيعة؛في بكر بن وائل.

و سمّي المحرّم محرّما في الإسلام،و كان أحد الصّفرين في الجاهليّة،لأنّهم كانوا ينسئونه فيحلّونه سنة و يحرّمونه سنة.

و فلان محرم ببني فلان،أي في حريمهم.

و أحرم الرّجل،إذا دخل في الشّهر الحرام و إن لم يكن محرما.

و شاة حرمى من غنم حرام،إذا أرادت الفحل، و أكثر ما يستعمل في المعزى.

و حرمت الرّجل أحرمه حرمانا و حرما،إذا سألك

ص: 546

فمنعته،و الرّجل محروم و هو المحدود الّذي لا يصيب خيرا.[ثمّ استشهد بشعر](2:142)

يقال:استحرمت الشّاة،إذا اشتهت الفحل.و هذه شاة حرمى و شاء حرمى مثله سواء للجمع،و قالوا:

حرام.(3:467)

الأزهريّ: [نقل كلام اللّيث في معنى الحرم ثمّ قال:]

قلت:الحرم قد ضرب على حدوده بالمنار القديمة الّتي بيّن خليل اللّه إبراهيم عليه السّلام مشاعرها،و كانت قريش تعرفها في الجاهليّة و الإسلام،لأنّهم كانوا سكّان الحرم،و يعلمون أنّ ما دون المنار إلى مكّة من الحرم.

و ما وراءها ليس من الحرم.

و لمّا بعث اللّه جلّ و عزّ محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم نبيّا،أقرّ قريشا على ما عرفوه من ذلك.

و كتب مع ابن مربع الأنصاريّ إلى قريش:أن قرّوا على مشاعركم،فإنّكم على إرث من إرث إبراهيم،فما كان دون المنار فهو حرم،و لا يحلّ صيده،و لا يقطع شجره،و ما كان وراء المنار فهو من الحلّ،يحلّ صيده إذا لم يكن صائده محرما.[إلى أن قال:]

و أمّا المواقيت الّتي يهلّ منها للحجّ فهي بعيدة من حدود الحرم،و هي من الحلّ،و من أحرم منها بالحجّ في أشهر الحجّ فهو محرم،مأمور بالانتهاء ما دام محرما عن الرّفث و ما وراءه من أمر النّساء،و عن التّطيّب بالطّيب، و عن لبس الثّوب المخيط،و عن صيد الصّيد.

و تقول:أحرم الرّجل فهو محرم و حرام.و البيت الحرام،و المسجد الحرام،و البلد الحرام،و قوم حرم، و محرمون،و شهر حرام.

و الأشهر الحرم:ذو القعدة،و ذو الحجّة،و المحرّم و رجب،ثلاثة سرد،أي متتابعة،و واحد فرد.

و المحرم:الدّاخل في الشّهر الحرام.

[ثم ذكر حديث النّبيّ و قول ابن الأعرابيّ فيه و قال:]

قلت:و هذا معنى الخبر،أراد أنّه يحرم على كلّ واحد منهما أن يؤذي صاحبه لحرمة الإسلام المانعة عن ظلمه.[إلى أن قال:]

و في حديث عائشة أنّها قالت:كنت أطيّب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لحلّه و حرمه.

المعنى أنّها كانت تطيّبه إذا اغتسل و أراد الإحرام و الإهلال بما يكون به محرما،من حجّ أو عمرة،و كانت تطيّبه إذا حلّ من إحرامه.

و سمعت العرب تقول:ناقة محرّمة الظّهر،إذا كانت صعبة لم ترض و لم تذلّل.و جلد محرّم:غير مدبوغ.

و يقال:إنّ لفلان محرمات فلا تهتكها؛و الواحدة محرمة، يريد أنّ له حرمات.[و استشهد بالشّعر مرّات]

(5:43-49)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و المحارم:ما لا يحلّ استحلاله،و في المثل:«لا بقيا للحميّة بعد الحرائم»أي عند الحرمة.[إلى أن قال:]

و هو عليه حرام و حرم و حرم و حرم.

و حرام اللّه لا أفعل ذاك،أي يمين اللّه.

و المحروم:الّذي حرم الخير،حرمانا.

و الحرم:الحرمان،يقال:حرمه حرما و حرما و حرمة و حريمة.

ص: 547

و حرم الرّجل،إذا لجّ في شيء و محك.

و الحرمى من الشّاء و البقر،هي المستحرمة إذا أرادت السّفاد،و هنّ حرامى مستحرمات.

و الحيرمة:البقرة؛و الجميع:الحيرم.

و إنّه لحرم الجمال و حارم الجمال،أي ليس بالجميل.

و ما هو بحارم عقل،أي له عقل.

و الحرم:القرء إذا حاضت المرأة،و حرم عليها الصّلاة.(3:93)

الخطّابيّ: قوله:«كلّ مسلم عن مسلم محرم»فإنّ المحرم في أشياء.يقال:أحرم الرّجل،إذا دخل في الحرم،و أحرم إذا دخل في الشّهر الحرام،و أحرم إذا اعتصم بحرمة.[ثمّ استشهد بشعر]

و معنى الحديث:أنّ المسلم معتصم بالإسلام ممتنع بحرمته،ممّن أراد دمه أو ماله.(1:323)

النّاقة المحرّمة:هي الّتي لم تركب و لم تذلّل.و يقال:

سوط محرّم،و هو الّذي لم يكمل دباغه.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أعرابيّ محرّم،إذا لم يخالط أهل الحضر.(1:

344)

يقال:هتك فلان محرما،أي حرمة.[ثمّ استشهد بشعر](1:483)

و الحرم الّتي أمر بصيامها هي أربعة أشهر:

ذو القعدة،و ذو الحجّة،و المحرّم،ثلاثة متوالية،و الرّابع فرد و هو رجب.قال اللّه تعالى: إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً التّوبة:36.

و قيل لأعرابيّ: كم الأشهر الحرم؟قال:أربعة، ثلاثة سرد،و واحد فرد.(1:511)

في حديث الحسن:«في الرّجل يحرم في الغضب».

يحرم معناه يحلف،و إنّما سمّي الحالف محرما لتحرّمه باليمين.و منه إحرام الحاجّ،إنّما هو دخوله في حرمة الحجّ أو حرمة الحرم،و كذلك إحرام المصلّي بالتّكبير،إذا افتتح الصّلاة.(3:99)

قول عائشة:«طيّبت رسول اللّه لحرمه حين أحرم» مضمومة الحاء،و الحرم:الإحرام.

فأمّا الحرم بكسر الحاء،فهو بمعنى الحرام.يقال:

حرم و حرام،كما قيل:حلّ و حلال.(3:245)

الجوهريّ: الحرم بالضّمّ:الإحرام.[ثمّ ذكر حديث عائشة و أضاف:]

و الحرمة:ما لا يحلّ انتهاكه.و كذلك المحرمة و المحرمة،بفتح الرّاء و ضمّها.

و قد تحرّم بصحبته.

و حرمة الرّجل:حرمه و أهله.

و رجل حرام،أي محرم؛و الجمع:حرم،مثل قذال و قذل.

و من الشّهور:أربعة حرم أيضا.[ثمّ ذكرها و قال:] و كانت العرب لا تستحلّ فيها القتال إلاّ حيّان:خثعم و طيّئ،فإنّهما كانا يستحلاّن الشّهور.و كان الّذين ينسئون الشّهور أيّام الموسم يقولون:حرّمنا عليكم القتال في هذه الشّهور،إلاّ دماء المحلّين،فكانت العرب تستحلّ دماءهم،خاصّة في هذه الشّهور.

و الحرام:ضدّ الحلال،و كذلك الحرم بالكسر.

و الحرمة بالكسر:الغلمة.و في الحديث:«الّذين

ص: 548

تدركهم السّاعة تبعث عليهم الحرمة و يسلبون الحياء».

و الحرمة أيضا:الحرمان.

و الحرميّ: الرّجل المنسوب إلى الحرم؛و الأنثى:

حرميّة.

و الحرميّة أيضا:سهام تنسب إلى الحرم.

و مكّة:حرم اللّه عزّ و جلّ.

و الحرمان:مكّة و المدينة.

و الحرم:قد يكون الحرام،و نظيره زمن و زمان.

و الحرمة بالتّحريك أيضا في الشّاء،كالضّبعة في النّوق و الحناء في النّعاج،و هو شهوة البضاع.

يقال:استحرمت الشّاة-و كلّ أنثى من ذوات الظّلف خاصّة-إذا اشتهت الفحل.و هي شاة حرمى و شياه حرام و حرامى،مثال عجال و عجالى،كأنّه لو قيل لمذكّره لقيل:حرمان.

و المحرم:الحرام.و يقال:هو ذو محرم منها،إذا لم يحلّ له نكاحها.

و محارم اللّيل:مخاوفه الّتي يحرم على الجبان أن يسلكها.

و المحرّم:أوّل الشّهور.

و يقال أيضا:جلد محرّم،أي لم تتمّ دباغته.و سوط محرّم:لم يليّن بعد.

و التّحريم:ضدّ التّحليل.

و حريم البئر و غيرها:ما حولها من مرافقها و حقوقها.

و الحريم:ثوب المحرم.و كانت العرب تطوف عراة و ثيابهم مطروحة بين أيديهم في الطّواف.

و الحريمة:ما فات من كلّ مطموع فيه.

و حرم الشّيء بالضّمّ حرمة.يقال:حرمت الصّلاة على الحائض حرما.

و حرمه الشّيء يحرمه حرما،مثال سرقه سرقا بكسر الرّاء،و حرمة و حريمة و حرمانا؛و أحرمه أيضا، إذا منعه إيّاه.

و الحرم بكسر الرّاء أيضا:الحرمان.[و ذكر قول أبي زيد في حرم الرّجل ثمّ قال:]

و يقال أيضا:حرمت الصّلاة على المرأة،لغة في حرمت.

و أحرم الرّجل،إذا دخل في حرمة لا تهتك.

و أحرم،أي دخل في الشّهر الحرام.

و أحرم بالحجّ و العمرة،لأنّه يحرم عليه ما كان حلالا من قبل،كالصّيد و النّساء.

و الإحرام أيضا و التّحريم بمعنى.

و الحيرمة:البقرة؛و الجمع:حيرم.[و استشهد بالشّعر 8 مرّات](5:1895)

ابن فارس: الحاء و الرّاء و الميم أصل واحد،و هو المنع و التّشديد.فالحرام:ضدّ الحلال،قال اللّه تعالى:

وَ حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها الأنبياء:95.

و سوط محرّم،إذا لم يليّن بعد.

و الحريم:حريم البئر،و هو ما حولها،يحرّم على غير صاحبها أن يحفر فيه.

و الحرمان:مكّة و المدينة،سمّيا بذلك لحرمتهما،و أنّه حرّم أن يحدث فيهما أو يؤوى محدث.

و أحرم الرّجل بالحجّ،لأنّه يحرم عليه ما كان حلالا له من الصّيد و النّساء و غير ذلك.

ص: 549

و أحرم الرّجل:دخل في الشّهر الحرام.

و يقال:المحرم:الّذي له ذمّة.

و يقال:أحرمت الرّجل:قمرته،كأنّك حرمته ما طمع فيه منك.و كذلك حرم هو يحرم حرما،إذا لم يقمر.

و القياس واحد،كأنّه منع ما طمع فيه.

و حرمت الرّجل العطيّة حرمانا؛و أحرمته،و هي لغة رديئة.[إلى أن قال:]

و يقال:بين القوم حرمة و محرمة؛و ذلك مشتقّ من أنّه حرام إضاعته و ترك حفظه.

و يقال:إنّ الحريمة اسم ما فات من كلّ همّ مطموع فيه.

و ممّا شذّ الحيرمة:البقرة[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](2:45)

أبو هلال :ممّا يخالف الحظّ:الحرمان و الحرف

الفرق بينهما:أنّ الحرمان عدم الظّفر بالمطلوب عند السّؤال،يقال:سأله فحرمه.و الحرف:عدم الوصول إلى المنافع من جهة الصّنائع،يقال للرّجل إذا لم يصل إلى إحراز المنافع في صناعته:إنّه محارف.

و قد يجعل المحروم خلاف المرزوق في الجملة، فيقال:هذا محروم و هذا مرزوق.(146)

الفرق بين المحظور و الحرام:أنّ الشّيء يكون محظورا إذا نهى عنه ناه و إن كان حسنا،كفرض السّلطان التّعامل ببعض النّقود،أو الرّعي ببعض الأرضين و إن لم يكن قبيحا.و الحرام لا يكون إلاّ قبيحا.

و كلّ حرام محظور،و ليس كلّ محظور حراما.

و المحظور يكون قبيحا إذا دلّت الدّلالة على أنّ من حظره لا يحظر إلاّ لقبيح،كالمحظور في الشّريعة،و هو ما أعلم المكلّف أو دلّ على قبحه،و لهذا لا يقال:إنّ أفعال البهائم محظورة و إن وصفت بالقبح.

و قال أبو عبد اللّه الزّبيريّ: الحرام يكون مؤبّدا، و المحظور قد يكون إلى غاية.

و فرّق أصحابنا بين قولنا:و اللّه لا آكله،فقالوا:إذا حرّمه على نفسه،حنث بأكل الخبز.و إذا قال:و اللّه [كلّه]لا آكله،لم يحنث حتّى يأكله كلّه.و جعلوا تحريمه على نفسه بمنزلة قوله:و اللّه لا آكل منه شيئا.(190)

الفرق بين الحرام و السّحت:أنّ السّحت مبالغة في صفة الحرام،و لهذا يقال:حرام سحت،و لا يقال:

سحت حرام.

و قيل:السّحت يفيد أنّه حرام ظاهر،فقولنا:

حرام،لا يفيد أنّه سحت،و قولنا:سحت يفيد أنّه حرام.

و يجوز أن يقال:إنّ السّحت:الحرام الّذي يستأصل الطّاعات؛من قولنا:سحتّه،إذا استأصلته.و يجوز أن يكون المراد به أنّه يستأصل صاحبه.(192)

أبو سهل الهرويّ: حرمت الرّجل عطاءه أحرمه حرمانا بالكسر،أي منعته إيّاه.(12)

ابن سيده: الحرم و الحرام:نقيض الحلال؛و جمعه:

حرم.و قد حرم عليه الشّيء حرما و حراما،و حرّمه اللّه عليه.

و حرمت الصّلاة على المرأة حرما و حرما،و حرمت عليها حرما و حراما،و حرم عليه السّحور حرما؛و حرم لغة.

و المحارم:ما حرّم اللّه.

ص: 550

و أحرم الشّيء:جعله حراما.

و الحريم:ما حرّم،فلم يمسّ.

و حرم مكّة:معروف،و هو حرم اللّه و حرم رسوله.

و الحرمان:مكّة و المدينة؛و الجمع:أحرام.

و أحرم القوم؛دخلوا في الحرم.

و رجل حرام:داخل في الحرم،و كذلك الاثنان و الجميع و المؤنّث.و قد جمعه بعضهم على:حرم.

و النّسب إلى الحرم:حرميّ،و هو من المعدول الّذي يأتي على غير قياس.

قالوا في الثّوب المنسوب إليه:حرميّ؛و ذلك للفرق الّذي يحافظون عليه كثيرا،و يعتادونه في مثل هذا.

و الحريم:ما كان المحرمون يلقونه من الثّياب،فلا يلبسونه.

و بلد حرام و مسجد حرام،و شهر حرام.

و المحرّم:شهر اللّه،سمّته العرب بهذا الاسم،لأنّهم كانوا لا يستحلّون فيه القتال،و أضيف إلى اللّه تعالى إعظاما له،كما قيل للكعبة:بيت اللّه.

و قيل:سمّي بذلك،لأنّه من الأشهر الحرم،و هذا ليس بقويّ.

و جمع المحرّم:محارم،و محاريم،و محرّمات.

و حرم و أحرم:دخل في الشّهر الحرام.

و الحرم:الإحرام بالحجّ...

و الحرمة:ما لا يحلّ انتهاكه،و قوله تعالى: ذلِكَ وَ مَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللّهِ الحجّ:30.[ثمّ ذكر قول الزّجّاج:هي ما وجب القيام به...إلى أن قال:]

و حرم الرّجل:نساؤه و ما يحمي،و هي المحارم؛ واحدتها:محرمة و محرمة.

و رحم محرم:محرّم تزويجها.

و الحرمة:الذّمّة.و أحرم الرّجل،إذا كانت له ذمّة.

و تحرّم منه بحرمة:تحمّى و تمنّع.

و حرم الرّجل و حريمه:ما يقاتل عنه و يحميه؛فجمع الحرم:أحرام،و جمع الحريم:حرم.

و فلان محرم بنا،أي في حريمنا.

و حرمه الشّيء يحرمه،و حرمه،حرمانا و حرما و حريما و حرما و حرمة و حرمة و حريمة،و أحرمه-لغة ليست بالعالية-كلّه:منعه.

و رجل محروم:ممنوع من الخير.

و حريمة الرّبّ:الّتي يمنعها من شاء من خلقه.

و أحرم الرّجل:قمره.و حرم هو في اللّعبة حرما:قمر و لم يقمر هو.

و يخطّ خطّ فيدخل فيه غلمان،و يكون عدّتهم في خارج الخطّ،فيدنو هؤلاء من الخطّ و يصافح أحدهم صاحبه.فإن مسّ الدّاخل الخارج فلم يضبطه،قيل للدّاخل:حرم،و أحرم الخارج الدّاخل.و إن ضبطه الدّاخل فقد حرم الخارج و أحرمه الدّاخل.

و حرم الرّجل حرما:لجّ و محك.

و حرمت المعزى و غيرها-من ذوات الظّلف- حراما،و استحرمت:أرادت الفحل،و هي حرمى؛ و جمعها:حرام،و حرامى.فسّر على ما يفسّر عليه «فعلى»الّتي لها فعلان،نحو:عجلان و عجلى،و غرثان و غرثى.و الاسم:الحرمة و الحرمة-الأولى عن اللّحيانيّ -و كذلك الذّئبة و الكلبة.و أكثرها في الغنم،و قد حكي

ص: 551

ذلك في الإبل.

و جاء في بعض الحديث:«الّذين تقوم عليهم السّاعة تسلّط عليهم الحرمة و يسلبون الحياء».

فاستعمل في ذكور الأناسيّ.

و المحرّم من الإبل مثل العرضيّ،و هو الذّلول الوسط، الصّعب التّصرّف حين تصرّفه.

و ناقة محرّمة:لم ترض.

و المحرّم من الجلود:ما لم يدبغ،أو دبغ فلم يتمرّن، و لم يبالغ.

و سوط محرّم:جديد لم يليّن.[إلى أن قال:]

و الحيرم:البقر؛واحدتها:حيرمة.قال الأصمعيّ:لم نسمع«الحيرم»إلاّ في شعر ابن أحمر،و له نظائر سيأتي ذكرها إن شاء اللّه.

قال ابن جنّيّ: و القول في هذه الكلمة و نحوها، وجوب قبولها؛و ذلك لما ثبتت به الشّهادة من فصاحة ابن أحمر.فإمّا أن يكون شيئا أخذه عمّن ينطق بلغة قديمة لم يشارك في سماع ذلك منه على حدّ ما قلناه في من خالف الجماعة و هو فصيح،كقوله في الذّر حرح:

الذّرّ حرح،و نحو ذلك.و إمّا أن يكون شيئا ارتجله ابن أحمر،فإنّ الأعرابيّ إذا قويت فصاحته و سمت طبيعته تصرّف و ارتجل ما لم يسبقه أحد قبله به.فقد حكي عن رؤبة و أبيه أنّهما كانا يرتجلان ألفاظا لم يسمعاها و لا سبقا إليها،و على هذا قال أبو عثمان:ما قيس على كلام العرب،فهو من كلام العرب.[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](3:326)

الحرمان:حرمه الشّيء يحرمه حرمانا:منعه إيّاه.(الإفصاح 2:1247)

حرم عليه الشّيء مثل كرم حرما و حرمة و حراما و كفرح حرما و حراما:امتنع فعله.و من ذلك الحرمان و هما مكّة و المدينة تسمّيه لهما بالمصدر.

و البيت الحرام:مسجد مكّة.و المسجد الحرام:الّذي فيه الكعبة.(الإفصاح 2:1270)

الطّوسيّ: و التّحريم،هو المنع من الفعل بإقامة الدّليل على وجوب تجنّبه،و ضدّه:التّحليل،و هو الإطلاق في الفعل بالبيان عن جواز تناوله.

و أصل التّحريم:المنع،من قولهم:حرم فلان الرّزق، فهو محروم حرمانا.و حرم الرّجل،إذا لجّ في الشّيء بالامتناع منه،و حرّمه تحريما.

و أحرم بالحجّ إحراما،و تحرّم بطعامه تحرّما.

و استحرمت الشّاة،إذا طلبت الفحل،لأنّها تتّبعه كما تتّبع الحرمة البعل.و الحرم:مكّة و ما حولها ممّا هو معروف.

و أشهر الحرم:[ذكرها]

و المحرم:القرابة الّتي لا يحلّ تزوّجها.

و حريم الدّار:ما كان من حقوقها.

و المحرّم:السّوط الّذي لا يليّن،لأنّه حرام أن يضرب به حتّى يليّن.(4:419)

و الحرمان:منع الخير الّذي كان ينال لو لا ما حدث من سبب الانقطاع.يقال:حرمه يحرمه حرمانا،فهو محروم،في خلاف المرزوق.(10:82)

الرّاغب: الحرام:الممنوع منه إمّا بتسخير إلهيّ، و إمّا بمنع قهريّ،و إمّا بمنع من جهة العقل أو من جهة

ص: 552

الشّرع،أو من جهة من يرتسم أمره.[ثمّ استشهد بشعر و ذكر الآيات إلى أن قال:]

و سوط محرّم:لم يدبغ جلده،كأنّه لم يحلّ بالدّباغ الّذي اقتضاه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أيّما إهاب دبغ فقد طهر».

و قيل:بل المحرّم الّذي لم يليّن.

و الحرم:سمّي بذلك لتحريم اللّه تعالى فيه كثيرا ممّا ليس بمحرّم في غيره من المواضع،و كذا الشّهر الحرام.

و قيل:رجل حرام و حلال و محلّ و محرم.و المحرمة و المحرمة:الحرمة.

و استحرمت الماعز:أرادت الفحل.(114)

الزّمخشريّ: هتك حرمته.و فلان يحمي البيضة و يحوط الحريم.

و هي له محرم إذا لم يحلّ له نكاحها،و هو لها محرم.

و الحاجّة لا بدّ لها من محرم.

و هو ذو رحم محرم،و هي من ذوات المحارم.

و تقول:إنّ من أعظم المكارم اتّقاء المحارم.

و هو حرام محرّم.

و حرام اللّه لا أفعل.

و أحرم الحاجّ فهو حرام و هم حرم.

و لبس المحرم،و هو لباس الإحرام.

و أحرمنا:دخلنا في الشّهر الحرام أو البلد الحرام.

و فلان محرم:له ذمّة و حرمة.

و تحرّم فلان بفلان،إذا عاشره و مالحه،و تأكّدت الحرمة بينهما.

و تحرّمت بطعامك و مجالستك،أي حرم عليك منّي بسببهما ما كان لك أخذه.

و حرمني معروفه حرما،و حرمانا.

و فلان محروم:غير مرزوق.

و حرمت الشّاة و البقرة،و استحرمت،شاة و بقرة مستحرمة و حرمى،و بها حرمة شديدة مثل الضّبعة.

و من المجاز:جلد محرّم:لم يدبغ.و سوط محرّم:لم يمرّن.

و أعرابيّ محرّم:جاف لم يخالط الحضر.

و سرى في محارم اللّيل،و هي مخاوفه الّتي يحرم السّرى معها.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(أساس البلاغة:81)

الحسن رحمه اللّه قال:«في الرّجل يحرم في الغضب كذا»أي يحلف في حال الغضب.و إنّما سمّي الحالف محرما، لأنّه يتحرّم بيمينه كالمحرم الّذي يدخل في حرمة الحجّ و الحرم.و منه إحرام المصلّي بالتّكبير.(الفائق 1:277)

في حديث عائشة:«...قالت:وجهي من وجهك حرام».حرام،أي ممنوع من لقائه،تعني أنّي لا ألقاك أبدا.(الفائق 1:28)

[و في الحديث]«...كلّ مسلم عن مسلم محرم، أخوان نصيران»

كلّ من دخل في حرمة لا يسوغ هتكها فهو محرم، يعني أنّ حقّ كلّ مسلم أن يكون آمنا أذى مسلم مثله، متباعدا عن استطالته عليه،و نكايته فيه،لكونه داخلا في حرمة الإسلام و مأمنه.(الفائق 1:390)

[و في الحديث]«...و إفساد الصّبيّ غير محرّمه».

غير محرّمه،يعني أنّه كرهه و لم يبلغ به التّحريم.

(الفائق 3:83)

ص: 553

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و حرمة الرّجل:زوجته.

و الحرمات:الجنايات.

و المحرم:القرابة الّتي لا يحلّ تزوّجها.

و حريم الدّار:ما كان من حقوقها.(2:414)

المدينيّ: في حديث عمر:«في الحرام كفّارة يمين» قال أبو زيد:العقيليّون يقولون:حرام اللّه لا أفعل كذا، و يمين اللّه لا أفعله.

و يحتمل أن يريد:تحريم الزّوجة و الجارية من غير نيّة الطّلاق،كما في قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ التّحريم:1،إلى أن قال: قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ التّحريم:2.

و هذه المسألة اختلف قول الصّحابة،رضي اللّه عنهم،و الأئمّة فيها.

في الحديث:«حريم البئر:أربعون ذراعا،عطن لماشيته»يعني البئر الّتي يحفرها الرّجل في موات لا يملكه أحد،فحريمها:ملقى ترابها،ليس لأحد أن ينزل فيه، و لا يتصرّف فيه.

و كذلك من حفر نهرا فحريمه ملقى ترابه،و كما أنّه ملك البئر و النّهر بالحفر،ملك حريمهما تبعا لهما،فيمكن أن يكون سمّي به،لأنّه يحرم منع صاحبه منه،أو لأنّه يحرم على غيره التّصرّف فيه،و أصل الباب:المنع.

في الحديث:«استحرم آدم عليه الصّلاة و السّلام بعد قتل ابنه مائة سنة لم يضحك».كأنّه من«الحرمة»،و ليس من قولهم:استحرمت الشّاة،إذا أرادت السّفاد في شيء.

(1:435)

ابن برّيّ: و شاة حرمى و شياه حرام و حرامى،مثل عجال و عجالى،«فعلى»مؤنّثة«فعلان»قد تجمع على:

فعالى و فعال نحو عجالى و عجال.

و أمّا:شاة حرمى،فإنّها و إن لم يستعمل لها مذكّر، فإنّها بمنزلة ما قد استعمل،لأنّ قياس المذكّر منه «حرمان»فلذلك قالوا في جمعه:حرامى و حرام،كما قالوا:عجالى و عجال.(ابن منظور 12:126)

ابن الأثير: [و في]حديث عائشة:«آلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من نسائه و حرّم،فجعل الحرام حلالا» تعني ما كان قد حرّمه على نفسه من نسائه بالإيلاء،عاد أحلّه،و جعل في اليمين الكفّارة.

و منه حديث عليّ:«في الرّجل يقول لامرأته أنت عليّ حرام».

و حديث ابن عبّاس:«من حرّم امرأته فليس بشيء».

و حديثه الآخر:«إذا حرّم الرّجل امرأته فهي يمين يكفّرها».

و في حديث عائشة«كنت أطيّب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لحلّه و حرمه».

الحرم-بضمّ الحاء و سكون الرّاء-:الإحرام بالحجّ، و بالكسر:الرّجل المحرم.يقال:أنت حلّ،و أنت حرم.

و الإحرام:مصدر أحرم الرّجل يحرم إحراما،إذا أهلّ بالحجّ أو بالعمرة،و باشر أسبابهما و شروطهما،من خلع المخيط و اجتناب الأشياء الّتي منعه الشّرع منها، كالطّيب و النّكاح و الصّيد و غير ذلك؛و الأصل فيه:

المنع.فكأنّ المحرم ممتنع من هذه الأشياء.

ص: 554

و أحرم الرّجل،إذا دخل الحرم،و في الشّهور الحرم.[ثمّ سمّاها]

و منه حديث الصّلاة:«تحريمها التّكبير».كأنّ المصلّي بالتّكبير و الدّخول في الصّلاة صار ممنوعا من الكلام،و الأفعال الخارجة عن كلام الصّلاة و أفعالها، فقيل للتّكبير:تحريم،لمنعه المصلّي من ذلك،و لهذا سمّيت:تكبيرة الإحرام،أي الإحرام بالصّلاة.

و في حديث الحديبيّة:«لا يسألوني خطّة يعظّمون فيها حرمات اللّه إلاّ أعطيتهم إيّاها».

الحرمات:جمع حرمة،كظلمة و ظلمات.يريد حرمة الحرم،و حرمة الإحرام،و حرمة الشّهر الحرام.

و الحرمة:ما لا يحلّ انتهاكه.

و منه الحديث:«لا تسافر المرأة إلاّ مع ذي محرم منها»،و في رواية«مع ذي حرمة منها».ذو المحرم:من لا يحلّ له نكاحها من الأقارب،كالأب و الابن و الأخ و العمّ،و من يجري مجراهم.

و منه حديث بعضهم:«إذا اجتمعت حرمتان طرحت الصّغرى للكبرى»أي إذا كان أمر فيه منفعة لعامّة النّاس،و مضرّة على الخاصّة،قدّمت منفعة العامّة.

و منه الحديث:«أ ما علمت أنّ الصّورة محرّمة»أي محرّمة الضّرب،أو ذات حرمة.

و الحديث الآخر:«حرّمت الظّلم على نفسي»أي تقدّست عنه و تعاليت،فهو في حقّه كالشّيء المحرّم على النّاس.

و الحديث الآخر:«فهو حرام بحرمة اللّه»أي بتحريمه.و قيل:الحرمة:الحقّ،أي بالحقّ المانع من تحليله.

و حديث الرّضاع:«فتحرّم بلبنها»أي صار عليها حراما.

و في حديث ابن عبّاس،و ذكر عنده قول عليّ أو عثمان في الجمع بين الأمتين الأختين:«حرّمتهنّ آية و أحلّتهنّ آية».فقال:«تحرّمهنّ عليّ قرابتي منهنّ،و لا تحرّمهنّ عليّ قرابة بعضهنّ من بعض».

أراد ابن عبّاس أن يخبر بالعلّة الّتي وقع من أجلها تحريم الجمع بين الأختين الحرّتين،فقال:لم يقع ذلك بقرابة إحداهما من الأخرى؛إذ لو كان ذلك لم يحلّ وطء الثّانية بعد وطء الأولى،كما يجري في الأمّ مع البنت، و لكنّه قد وقع من أجل قرابة الرّجل منهما،فحرم عليه أن يجمع الأخت إلى الأخت،لأنّها من أصهاره.

و كأنّ ابن عبّاس رضي اللّه عنهما قد أخرج الإماء من حكم الحرائر،لأنّه لا قرابة بين الرّجل و بين إمائه.

و الفقهاء على خلاف ذلك،فإنّهم لا يجيزون الجمع بين الأختين في الحرائر و الإماء.

فأمّا الآية المحرّمة،فهي قوله تعالى: وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ النّساء:23.

و أمّا الآية المحلّة،فقوله: إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ النّساء:24.

و في حديث عائشة:«أنّه أراد البداوة فأرسل إليّ ناقة محرّمة»المحرّمة:هي الّتي لم تركب و لم تذلّل.

و فيه:«الّذين تدركهم السّاعة تبعث عليهم الحرمة» هي بالكسر:الغلمة و طلب الجماع،و كأنّها بغير الآدميّ من الحيوان أخصّ.يقال:استحرمت الشّاة،إذا طلبت

ص: 555

الفحل.(1:373)

الفيّوميّ: حرم الشّيء بالضّمّ حرما و حرما،مثل عسر و عسر:امتنع فعله.و زاد ابن القوطيّة:حرمة، بضمّ الحاء و كسرها.

و حرمت الصّلاة-من بابي قرب و تعب-حراما و حرما:امتنع فعلها أيضا.

و حرّمت الشّيء تحريما.

و باسم المفعول سمّي الشّهر الأوّل من السّنة، و أدخلوا عليه الألف و اللاّم لمحا للصّفة في الأصل، و جعلوه علما بهما،مثل النّجم و الدّبران و نحوهما.و لا يجوز دخولهما على غيره من الشّهور عند قوم،و عند قوم يجوز على صفر و شوّال.

و جمع المحرّم:محرّمات.و سمع:أحرمته؛بمعنى حرمته.

و الممنوع يسمّى حراما تسمية بالمصدر،و به سمّي، و منه:أمّ حرام.و قد يقصر،فيقال:حرم،مثل زمان و زمن.

و الحرم و زان حمل:لغة في الحرام أيضا.

و الحرمة بالضّمّ:ما لا يحلّ انتهاكه.

و الحرمة:المهابة،و هذه اسم من الاحترام،مثل الفرقة من الافتراق؛و الجمع:حرمات،مثل غرفة و غرفات.

و شهر حرام؛و جمعه:حرم بضمّتين.فالأشهر الحرم أربعة...

و البيت الحرام و المسجد الحرام و البلد الحرام،أي لا يحلّ انتهاكه.و يقال:ذو رحم محرم،أي لا يحلّ نكاحه،قاله الجوهريّ.

و قال الأزهريّ: «المحرم:ذات الرّحم في القرابة الّتي لا يحلّ تزوّجها،يقال:ذو رحم محرم».فيجعل«محرم» وصفا لرحم،لأنّ الرّحم مذكّر و قد وصفه بمذكّر،كأنّه قال:ذو نسب محرم.و المرأة أيضا ذات رحم محرم.

و من أنّث الرّحم يمنع من وصفها بمحرم،لأنّ المؤنّث لا يوصف بمذكّر؛و يجعل محرما صفة للمضاف،و هو«ذو و ذات»على معنى شخص.و كأنّه قيل:شخص قريب محرم،فيكون قد وصف مذكّرا بمذكّر أيضا.

و محرم بمعنى حرام.

و الحرمة أيضا:المرأة؛و الجمع:حرم،مثل غرفة و غرف.

و المحرمة بفتح الرّاء و ضمّها:الحرمة الّتي لا يحلّ انتهاكها.

و المحرم:و زان جعفر مثله؛و الجمع:المحارم.

و حرم مكّة و المدينة:معروف،و النّسبة إليه:حرميّ بكسر الحاء و سكون الرّاء،على غير قياس.يقال:

رجل حرميّ و امرأة حرميّة،و سهام حرميّة.

و أحرم الشّخص:نوى الدّخول في حجّ أو عمرة، و معناه أدخل نفسه في شيء حرم عليه به ما كان حلالا له،و هذا كما يقال:أنجد،إذا أتى نجدا،و أتهم،إذا أتى تهامة.

و رجل محرم؛و جمعه:محرمون،و امرأة محرمة؛ و جمعها:محرمات،و رجل و امرأة حرام أيضا؛و جمعه حرم،مثل عناق و عنق.

و أحرم:دخل الحرم،و أحرم:دخل في الشّهر

ص: 556

الحرام.

و حريم الشّيء:ما حوله من حقوقه و مرافقه،سمّي بذلك لأنّه يحرم على غير مالكه أن يستبدّ بالانتفاع به.

و حرمت زيدا كذا أحرمه-من باب«ضرب» يتعدّى،إلى مفعولين-حرما بفتح الحاء و كسر الرّاء، و حرمانا و حرمة بالكسر فهو محروم.و أحرمته بالألف لغة فيه.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:131)

الجرجانيّ: المحرّم:ما ثبت النّهي فيه بلا عارض، و حكمه:الثّواب بالتّرك للّه تعالى،و العقاب بالفعل، و الكفر بالاستحلال في المتّفق.(89)

الفيروزآباديّ: الحرم،بالكسر:الحرام؛الجمع:

حرم،و قد حرم عليه ككرم حرما بالضّمّ و حراما كسحاب،و حرّمه اللّه تحريما.

و حرمت الصّلاة على المرأة ككرم حرما بالضّمّ و بضمّتين،و حرمت كفرح حرما و حراما،و كذا السّحور على الصّائم.

و المحارم:ما حرّم اللّه تعالى،و من اللّيل:مخاوفه.

و الحرم و المحرّم:حرم مكّة،و هو حرم اللّه و حرم رسوله.

و الحرمان:مكّة و المدينة؛الجمع:أحرام.

و أحرم:دخل فيه أو في حرمة لا تهتك،أو في الشّهر الحرام كحرم،و الشّيء:جعله حراما،و الحاجّ أو المعتمر:

دخل في عمل حرم عليه به ما كان حلالا،و فلانا:قمره كحرّمه...

و كأمير:ما حرّم فلم يمسّ.

و الحريم:الشّريك،و بلدة باليمامة،و محلّة ببغداد تنسب إلى طاهر بن الحسين،منها ابن اللّيثيّ الحريميّ، و ثوب المحرم،و ما كان المحرمون يلقونه من الثّياب فلا يلبسونه،و من الدّار:ما أضيف إليها من حقوقها و مرافقها،و ملقى نبيثة البئر،و منك:ما تحميه و تقاتل عنه كالحرم؛الجمع:أحرام و حرم بضمّتين.

و حرمه الشّيء كضربه و علمه حريما و حرمانا بالكسر و حرما و حرمة بكسرهما،و حرما و حرمة و حريمة بكسر رائهنّ:منعه.

و أحرمه:لغيّة.

و المحروم:الممنوع عن الخير،و من لا ينمى له مال،و المحارف الّذي لا يكاد يكتسب،و بلدة.

و حريمة الرّبّ:الّتي منعها من شاء.

و حرم كفرح:قمر و لم يقمر هو،و لجّ و محك،و ذات الظّلف و الذّئبة و الكلبة حراما بالكسر:أرادت الفحل كاستحرمت،فهي حرمى كسكرى؛الجمع:كجبال و سكارى.و الاسم:الحرمة بالكسر و بالتّحريك،و قد استعمل في الحديث لذكور الأناسيّ.

و المحرّم كمعظّم من الإبل:الذّلول الوسط،الصّعب التّصرّف حين تصرّفه،و الّذي يلين في اليد من الأنف، و الجديد من السّياط،و الجلد لم يدبغ.و شهر اللّه الأصبّ؛ الجمع:محارم و محاريم و محرّمات.

و الأشهر الحرم:[ذكرها]

و الحرم بالضّمّ:الإحرام.

و الحرمة بالضّمّ و بضمّتين و كهمزة:ما لا يحلّ انتهاكه،و الذّمّة،و المهابة،و النّصيب،و من يعظّم حرمات اللّه،أي ما وجب القيام به،و حرم التّفريط فيه.

ص: 557

و حرمك بضمّ الحاء:نساؤك،و ما تحمي،و هي المحارم؛محرمة كمكرمة،و يفتح راؤه.و رحم محرم:محرّم تزوّجها.

و تحرّم منه بحرمة:تمنّع و تحمّى بذمّة.

و كمحسن:المسالم،و من في حريمك

و حرم على قرية أهلكناها بالكسر،أي واجب.

[إلى أن قال:]

و الحيرم:البقر؛واحدته بهاء.

و حرمى و اللّه:أما و اللّه

و الحروم كصبور:النّاقة المعتاطة الرّحم.

و هو بحارم عقل،أي له عقل.

و حرمة:موضع بجنب حمى ضريّة،و بفتحتين مشدّدة الميم:إكام صغار لا تنبت شيئا.

و الحورم:المال الكثير من الصّامت و النّاطق.

و إنّه لمحرم عنك كمحسن:أي يحرم أذاه عليك.

و حرام اللّه لا أفعل،كقولهم:يمين اللّه لا أفعل.

(4:95)

الطّريحيّ: و التّحريم:ضدّ التّحليل.و حرم عليّ الشّيء بالضّمّ حرمة:نقيض حلّ.

و منه:«حرمت الصّلاة على الحائض»و حرمت بالكسر:لغة.

و حرمت الظّلم على نفسي،أي تقدّست عنه، كالشّيء المحرّم على النّاس.

و محارم اللّه:حرماته.

و في الحديث:«لا ورع كالكفّ عن محارم اللّه».

و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أهل بيتي من حرم الصّدقة» بضمّ حاء و خفّة راء.

و الحرمة-بفتح الرّاء و ضمّها-:ما لا يجوز انتهاكه، و جميع ما كلّف اللّه به بهذه الصّفة،فمن خالف فقد انتهك الحرمة.

و منه حديث غسل الجنب الميّت«يغسل غسلا واحدا،لأنّهما حرمتان اجتمعتا في حرمة واحدة»أي تكليفان اجتمعا في واحد.

و الحرمة:المرأة؛و الجمع:حرم،مثل غرفة و غرف.

و حرمة الرّجل:أهله.

و الإحرام:مصدر أحرم الرّجل يحرم،إذا أهلّ بالحجّ أو العمرة،و باشر أسبابها و شروطها،من خلع المخيط و اجتناب الأشياء الّتي منع الشّرع منها.

و الإحرام:توطين النّفس على اجتناب المحرّمات من الصّيد و الطّيب و النّساء،و لبس المخيط و أمثال ذلك.[إلى أن قال:]

و المحرم:ما حرم بنسب أو رضاع أو مصاهرة تحريما مؤبّدا.

و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«ألا إنّ مكّة حرام حرّمها اللّه لم تحلّ لأحد بعدي،و إن أحلّت لي ساعة من نهار» يعني دخوله إيّاها بغير إحرام.

و حرمت زيدا أحرمه بالكسر-يتعدّى إلى مفعولين -حرما-بفتح العين و كسرها-و حرمانا،و حرمة بالكسر:منعته إيّاه.

و أحرمته بالألف:لغة.

و سمّيت الكعبة البيت الحرام،لأنّه حرم على المشركين أن يدخلوه.

ص: 558

و في الحديث تكرّر«ذكر الحريم»فحريم البئر و غيره:ما حولها من مرافقها و حقوقها الّتي يلقى فيها ترابها،أي البئر الّتي يحفرها الرّجل في موات،ليس لأحد أن ينزل فيه و لا ينازعه عليه.

و حريم البئر العادية:خمسون ذراعا.

و حريم الدّار:حقوقها.

و حريم قبر الحسين عليه السّلام:خمس فراسخ من أربع جوانبه،و في رواية«فرسخ في فرسخ من أربع جوانبه».

و في أخرى«خمسة و عشرون ذراعا من ناحية رجليه و خمسة و عشرون ذراعا من ناحية رأسه».(6:37)

مجمع اللّغة :مادّة«حرم»و ما تصرّف منها تفيد معنى المنع:

1-حرمه الشّيء يحرمه حرما و حرمانا:منعه إيّاه.

و اسم المفعول منه:محروم.

و المحروم أيضا:الممنوع عن الخير،و هو التّعس الشّقيّ.

و المحروم:الّذي لا يجد ما يدفع حاجته،و هو متعفّف لا يسأل النّاس.

2-الحرام:ضدّ الحلال،و هو الممنوع إمّا بتشريع أو بصرف عنه.

و حرّم الشّيء تحريما:جعله حراما،أي ممنوعا، سواء كان هذا المنع بحكم شرعيّ أو صرف عن ملابسته بصارف،أو حيلولة بين المحرّم و المحرّم عليه قهرا.و اسم المفعول محرّم،و مؤنّثه محرّمة.

و البيت المحرّم،هو الكعبة.

3-المسجد الحرام و البيت الحرام و الشّهر الحرام:

سمّيت بذلك لأنّ اللّه حرّم فيها كثيرا ممّا ليس محرّما في غيرها.

4-و الحرم:ما يحميه الرّجل و يدافع عنه.

و الحرم:ما لا يحلّ انتهاكه.و بهذا المعنى الأخير سمّيت مكّة و ما حولها.

5-و أحرم الرّجل بالحجّ أو العمرة فهو محرم و حرام؛ و جمعه:حرم بضمّتين.و إنّما وصف بذلك،لأنّه يحرم عليه ما كان له حلالا من قبل،كالصّيد و النّساء.أو لأنّه دخل بذلك في عهد و حرمة من أن يعتدى عليه،كما كانت عادة العرب.

6-و الأشهر الأربعة الحرم هي ذو القعدة، و ذو الحجّة،و المحرّم،و رجب.سمّيت بذلك،لأنّ اللّه حرّمها من عهد قديم،و التزمت العرب تحريمها.

7-و الحرمة:ما لا يحلّ انتهاكها،أو ما وجب القيام بها من حقوق اللّه،و حرم التّفريط فيه؛و جمعها:

حرمات.(1:241)

محمّد إسماعيل إبراهيم:[نحو مجمع اللّغة ملخّصا و أضاف:]

المحروم:الممنوع ممّا يحبّ و يتطلّع إليه.(1:130)

العدنانيّ: البطّانيّة لا الحرام:

و يسمّون الدّثار الصّوفيّ الّذي نلتحف به في الشّتاء:

حراما.

و قد أطلق مؤتمر مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة على ذلك الدّثار اسم«بطّانيّة»في جلسته العاشرة،بتاريخ 27 آذار 1962،الصّفحة 131 من المجلّد الرّابع،من مجموعة المصطلحات العلميّة و الفنّيّة،في فصل«ألفاظ

ص: 559

الحضارة»،و باب«حجرة النّوم»،في الرّقم 6.

الحراميّ:

جاء في محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المعجم الوسيط:أنّ«الحراميّ»كلمة مولّدة،معناها فاعل الحرام.و زاد محيط المحيط قوله:و غلب الحراميّ على اللّصّ في اصطلاح العامّة.

و قال محمود تيمور عضو مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة،في الجزء الثّالث عشر من مجلّة المجمع الّذي أصدر:المعجم الوسيط:إنّ كلمة«حراميّ»هي من بقايا حقيقة تاريخيّة في عصر بعيد،تلك هي أنّ قبيلة«بني حرام»كانت تتّهم بالخبث و التّلصّص،فقيل في كلّ من يستحقر و يسرق:هو حراميّ.

حرمة الرّجل،و حرمه،و حرمه و حريمه:و يطلقون على المرأة اسم الحرمة،مؤيّدين بما جاء في المتن و الوسيط،و يخطّئ التّاج و المدّ ذلك،و يقولان:إنّ كلمة الحرمة عامّيّة،إذا كانت تعني المرأة.

و الحقيقة هي أنّ حرم الرّجل هي نساؤه و عياله و من يحمي،كما جاء في التّهذيب،و اللّسان،و المختار، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد.

و قال اللّسان،و المختار،و أقرب الموارد:إنّ حرمة الرّجل هي أيضا بمعنى حرم الرّجل.و لمّا كان جمع التّكسير«فعل»يطّرد في كلّ اسم على وزن«فعلة» سواء أ كان صحيح اللاّم،أم معتلّها،أم مضاعفها،مثل:

غرفة و غرف،و مدية و مدى،و حجّة و حجج،لذا يصحّ أن نطلق على كلّ واحدة من نساء الرّجل و عياله و من يحميه اسم«الحرمة»على أن لا نطلق هذه الكلمة على كلّ امرأة،كما قال المتن،و الوسيط،فلا نقول:

زارتنا حرمة،بل نقول:زارتنا حرمة فلان.

و هنا لك من يسمّي نساء الرّجل و عياله و من يحمي:

أ-حرم الرّجل:اللّسان،و القاموس،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط؛و الجمع:أحرام.

ب-و حريمه:اللّسان،و القاموس،و أقرب الموارد، و المتن؛و الجمع:حرم.

و من معاني الحرمة:

1-ما لا يحلّ انتهاكه.

2-الذّمّة

3-المهابة.

4-النّصيب.

احترمه،أجلّه:

يقول الأب أنستاس ماري الكرمليّ: إنّ الفعل «احترم»عربيّ صحيح فصيح،لكنّه غير مذكور في معاجم اللّغة.

و عند ما ذكر بطرس البستانيّ هذا الفعل في معجمه «محيط المحيط»انتقده الأب أنستاس انتقادا مرّا.

و قد وجدت مصادر كثيرة تذكر الفعل«احترم»، منها:

أ-مقدّمة الأدب:الّتي قال فيها الزّمخشريّ:إنّ معنى احترمه هو:كرّمه،أجلّه.

ب-و المصباح:الحرمة:اسم من الاحترام،و هي الّتي لا يحلّ انتهاكها.

ج-و المدّ:احترمه:كرّمه،تشرّف به.

ص: 560

د-و محيط المحيط و أقرب الموارد:رعى حرمته،و هابه.

ه-و دوزيّ: احترمه:أجلّه.

و-و الفرائد الدّرّيّة:أجلّه،قدّسه.

ز-و بادجر:احترم:أكرم،كرّم،وقّر،أعزّ.

ح-و المتن:احترمه:جعل له حرمة،و هو ما يقتضيه القياس.و لم أرهم ذكروه في المسموع غير ما تدلّ عليه عبارة«المصباح».

ط-و الوسيط:احترمه:كرّمه.

و هذه المصادر كافية لتجعلنا نقدم على استعمال الفعل«احترم»و مشتقّاته،دون حذر،أو خوف.(150)

و يقولون:حرمه من حقّه،و الصّواب:حرمه-بفتح الرّاء و كسرها-حقّه،حرمانا و حرما و حريما و حريمة و حرمة و حرمة و حرما و محرمة،فهو حارم،و ذاك محروم.و الفعل حرم يتعدّى إلى مفعولين تعدّيا مباشرا.

و يجوز أن نقول:«أحرمه»و لكنّها لغة ليست بالعالية.

المحرّم،يقولون:ولد في محرّم،و الصّواب:ولد في المحرّم.و في«مستدرك التّاج»:أنّ هذا الشّهر الهجريّ أدخلوا«أل»التّعريف،من دون الشّهور الأخر.(65)

محمود شيت:[نحو السّابقين و أضاف:]

أ-حرّم القائد القمار:جعله حراما،و منع الجنود من عمله.

ب-احترمه:كرّمه،و سلّم عليه،و أدّى له التّحيّة العسكريّة.

ج-الحرام:الممنوع من فعله.و الأرض الحرام:

الأرض الّتي تكون بين الطّرفين المتنازعين،يحرم عليهما دخولها.و يقال:المنطقة الحرام.(1:182)

المصطفويّ: الفرق بين الحرام و المنع و الرّدّ:أنّ الحرام هو المنع من الأصل،و قبل أن يوجد و يبدو،فمعنى حرمة الرّبا:ممنوعيّة ظهوره و وجوده.و المحروم:من كان من الأصل ممنوعا،لم يصل إلى الخير.

و أمّا المنع:فهو ناظر إلى بعد الظّهور و الوجود.يقال:

منع عن مشيه و تحصيله و كلامه،إذا وجد المقتضى لها و إن لم تكن متحقّقة.

و أمّا الرّدّ:فهو المنع بعد الجريان و العمل.

فالحرام و الحرم و الحريم على أوزان:جبان، و حسن،و شريف:صفات مشبّهة،و معناها ما كان ممنوعا عقلا أو شرعا أو عرفا.

فالحرام يجمع على حرم،المسجد الحرام،الشّهر الحرام،المشعر الحرام،البيت الحرام،هذا حلال و هذا حرام،و حرام على قرية.و أنتم حرم،الأشهر الحرم، أربعة حرم،ما دمتم حرما.

أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً القصص:57، أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً العنكبوت:67.

و الحرم يدلّ على أشدّ ثبوتا من الحرام،فإنّ الألف تدلّ على الظّهور و البروز.[إلى أن قال:]

و الحرام في مقابل الحلال.راجع«ح ل ل:حلّ».

(2:218)

النّصوص التّفسيريّة

المحروم

1- وَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ.

الذّاريات:19

ص: 561

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:[في حديث]«ليس المسكين الّذي تردّه التّمرة و التّمرتان و الأكلة و الأكلتان»قالوا:فمن المسكين يا رسول اللّه؟قال:«الّذي لا يجد غنى و لا يعلم بحاجته،فيتصدّق عليه،فذلك المحروم».

(الطّبريّ 26:202)

عائشة: (المحروم):المحارف.

مثله ابن عبّاس و أبو العالية و ابن المسيّب و النّخعيّ و مجاهد و عكرمة و عطاء.(الجصّاص 3:412)

ابن عبّاس: (المحروم):الّذي لا يسأل و لا يعطى و لا يفطن.(441)

(المحروم):الّذي ليس له في الإسلام سهم،و هو محارف.(الطّبريّ 26:201)

نحوه ابن المسيّب(الثّعلبيّ 9:112)،و النّخعيّ (الطّبريّ 26:203)،و الواحديّ(4:175).

إنّه الّذي يطلب الدّنيا و تدبر عنه.

(الماورديّ 5:366)

(السّائل):الّذي يسأل النّاس،(و المحروم):

الّذي ليس له في الغنائم سهم،و لا يجري عليه من الفيء سهم.(البغويّ 5:284)

النّخعيّ: هو المحارف الّذي ليس له أحد يعطف عليه،أو يعطيه شيئا.(الطّبريّ 26:201)

عمر بن عبد العزيز: يقولون:إنّه الكلب.

(الماورديّ 5:367)

عكرمة :(السّائل):الّذي يسألك،و(المحروم):

الّذي لا ينمي له مال.(الطّبريّ 26:203)

الضّحّاك: هو الرّجل المحارف الّذي لا يكون له مال إلاّ ذهب،قضى اللّه له ذلك.(الطّبريّ 26:201)

أبو قلابة: جاء سيل باليمامة،فذهب بمال رجل، فقال رجل من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:هذا المحروم.

(الطّبريّ 26:202)

الحسن :(المحروم):الّذي يطلب فلا يرزق.

(الجصّاص 3:412)

إنّه الّذي يجيء بعد الغنيمة،و ليس له فيها سهم.

(الماورديّ 5:366)

مثله ابن الحنفيّة.(القرطبيّ 17:38)

الإمام الباقر عليه السّلام: (المحروم):الرّجل ليس بعقله بأس،و لا يبسط له في الرّزق،و هو محارف.

(العروسيّ 5:123)

عطاء: هو المحدود المحارف.(الطّبريّ 26:202)

القرظيّ: (المحروم):الّذي أصابته الجائحة.

(القرطبيّ 17:39)

قتادة : لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ هذان فقيرا أهل الإسلام،سائل يسأل في كفّه،و فقير متعفّف،و لكليهما عليك حقّ يا بن آدم.(الطّبريّ 26:202)

المتعفّف الّذي يسأل النّاس شيئا و لا يعلم بحاجته.

(الماورديّ 5:366)

زيد بن عليّ: (المحروم):الّذي لا يسأل النّاس شيئا.(387)

الزّهريّ: (السّائل):الّذي يسأل،(و المحروم):

المتعفّف الّذي لا يسأل.(الطّبريّ 26:202)

زيد بن أسلم: (و المحروم):الّذي يصاب زرعه أو ثمره أو نسل ماشيته،فيكون له حقّ على من لم يصبه

ص: 562

ذلك من المسلمين.

نحوه ابن زيد.(الطّبريّ 26:203)

الإمام الصّادق عليه السّلام: (المحروم):المحارف الّذي قد حرم كدّ يده في الشّراء و البيع.(العروسيّ 5:123)

مالك: أنّه الّذي يحرم الرّزق.(القرطبيّ 17:39)

الفرّاء: أمّا(السّائل)فالطّوّاف على الأبواب،و أمّا (المحروم)فالمحارف،أو الّذي لا سهم له في الغنائم.

(3:84)

ابن قتيبة :(و المحروم):المحارف و هو المقتّر عليه في الرّزق.و قيل:الّذي لا سهم له في الغنائم.

(421)

الطّبريّ: [نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

و الصّواب من القول في ذلك عندي:أنّه الّذي قد حرم الرّزق و احتاج،و قد يكون ذلك بذهاب ماله و ثمره،فصار ممّن حرمه اللّه ذلك،و قد يكون بسبب تعفّفه و تركه المسألة،و يكون بأنّه لا سهم له في الغنيمة، لغيبته عن الوقعة.فلا قول في ذلك أولى بالصّواب من أن تعمّ،كما قال جلّ ثناؤه: وَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ (26:204)

الزّجّاج: (المحروم):جاء في التّفسير:الّذي لا ينمو له مال-و الأكثر في اللّغة:لا ينمي له مال-و جاء أيضا أنّه المحارف لا يكاد يكتسب.(5:53)

الماورديّ: أمّا(السّائل)فهو من يسأل النّاس لفاقته،و أمّا(المحروم)ففيه ثمانية أقوال[و ذكرها و قال:] إنّه المملوك،قاله عبد الرّحمن بن حميد.

و يحتمل تاسعا:أنّه من وجبت نفقته بالفقر من ذوي الأنساب،لأنّه قد حرم كسب نفسه،حتّى وجبت نفقته في مال غيره.(5:366)

الطّوسيّ: و قيل:(المحروم):الممنوع الرّزق بترك السّؤال.أو إذهاب مال،أو سقوط سهم،أو خراب ضيعة،إذا صار فقيرا من هذه الجهة.

و فرّق قوم بين الفقير و المحروم:بأنّه قد يحرمه النّاس بترك الإعطاء،و قد يحرم نفسه بترك السّؤال، فإذا سأل لا يكون ممّن حرم نفسه بترك السّؤال،و إنّما حرمه الغير،و إذا لم يسأل فقد حرم نفسه و حرمه النّاس.(9:384)

نحوه الطّبرسيّ.(5:155)

القشيريّ: (السّائل)هو المتكفّف،و(المحروم) هو المتعفّف.و يقال:هو الّذي يحرم نفسه بترك السّؤال.

هؤلاء هم الّذين يعطون بشرط العلم،فأمّا أصحاب المروءة فغير المستحقّ لما لهم أولى من المستحقّ،و أمّا أهل القترة (1)فليس لهم مال حتّى تتوجّه عليهم مطالبة،لأنّهم أهل الإيثار-في الوقت- لكلّ ما يفتح عليهم به.(6:31)

الميبديّ: (المحروم):هو الّذي حرم من الرّزق ما يكفيه.[و ذكر بعض الأقوال ثمّ قال:]

و قيل:هو أبو البنات.(9:312)ه.

ص: 563


1- في الأصل:الفتوّة!!و جاء في الهامش:و العبارة قد تبدو غامضة،و قد يكون مراد القشيريّ-إن صحّت عنه العبارة-هكذا:أنّ أهل المروءة لا يتقيّدون في عطائهم بما تفرضه الشّريعة للمستحقّين و حسب،فإنّ المستحقّ يأخذ ما هو حقّ له،و إنّما يعطون دائما،و يمنحون دائما بغضّ النّظر عن استحقاق أو عدمه.

الزّمخشريّ: (السّائل):الّذي يستجدي، و(المحروم):الّذي يحسب غنيّا فيحرم الصّدقة لتعفّفه.(4:16)

نحوه البيضاويّ(2:420)،و أبو السّعود(6:

136)،و المشهديّ(10:12)،و البروسويّ(9:156).

ابن عطيّة: و اختلف النّاس في(المحروم) اختلافا،هو عندي تخليط من المتأخّرين؛إذ المعنى واحد.و إنّما عبّر علماء السّلف في ذلك بعبارات على جهة المثالات،فجعلها المتأخّرون أقوالا،و حصرها مكّيّ ثمانية.

و(المحروم)هو الّذي تبعد عنه ممكنات الرّزق بعد قربها منه،فيناله حرمان و فاقة،و هو مع ذلك لا يسأل.

فهذا هو الّذي له حقّ في أموال الأغنياء،كما للسّائل حقّ.[ثمّ ذكر قول ابن عبّاس الثّاني و قول أبي قلابة و زيد بن أسلم و أضاف:]

و المعنى الجامع لهذه الأقوال:أنّه الّذي لا مال له لحرمان أصابه،و إلاّ فالّذي أجيحت ثمرته و له مال كثير غيرها فليس في هذه الآية بإجماع،و بعد هذا مقدّر من الكلام،تقديره:فكونوا مثلهم أيّها النّاس و على طريقتهم،فإنّ النّظر المؤدّي إلى ذلك متوجّه،ففي الأرض آيات لمن اعتبر و أيقن.(5:175)

نحوه أبو حيّان.(8:136)

الفخر الرّازيّ: في لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ وجوه:

أحدها:أنّ(السّائل)هو النّاطق و هو الآدميّ، و(المحروم):كلّ ذي روح غيره من الحيوانات المحرومة،قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«لكلّ كبد حرّى أجر».

و ثانيها:و هو الأظهر و الأشهر،أنّ(السّائل)هو الّذي يسأل،و(المحروم):المتعفّف الّذي يحسبه بعض النّاس غنيّا فلا يعطيه شيئا.و الأوّل:كقوله تعالى:

كُلُوا وَ ارْعَوْا أَنْعامَكُمْ طه:54،و الثّاني:كقوله:

وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ الحجّ:36،فالقانع كالمحروم.

فإن قيل:على الوجه الأوّل التّرتيب في غاية الحسن،فإنّ دفع حاجة النّاطق مقدّم على دفع حاجة البهائم،فما وجه التّرتيب في الوجه الثّاني؟نقول:فيه وجهان:

أحدهما:أنّ السّائل اندفاع حاجته قبل اندفاع حاجة المحروم في الوجود،لأنّه يعرف حاله بمقاله و يطلب لقلّة ماله،فيقدّم بدفع حاجته،و المحروم غير معلوم فلا تندفع حاجته إلاّ بعد الاطّلاع عليه،فكان الذّكر على التّرتيب الواقع.

و ثانيهما:هو أنّ ذلك إشارة إلى كثرة العطاء فيقول:

يعطي السّائل فإذا لم يجدهم يسأل هو عن المحتاجين، فيكون سائلا و مسئولا.

الثّالث:هو أنّ المحاسن اللّفظيّة غير مهجورة في الكلام الحكميّ،فإنّ قول القائل:«إنّ رجوعهم إلينا و علينا حسابهم»،ليس كقوله تعالى: إِنَّ إِلَيْنا إِيابَهُمْ* ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ الغاشية:25،26،و الكلام له جسم و هو اللّفظ،و له روح و هو المعنى،كما أنّ الإنسان الّذي نوّر روحه بالمعرفة،ينبغي أن ينوّر جسمه الظّاهر بالنّظافة،كذلك الكلام،و ربّ كلمة حكميّة لا تؤثّر في

ص: 564

النّفوس لركاكة لفظها.

إذا عرفت هذا فقوله: وَ بِالْأَسْحارِ هُمْ يَسْتَغْفِرُونَ* وَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ الذّاريات:18، 19.أحسن من حيث اللّفظ من قولنا:«و بالأسحار هم يستغفرون،و في أموالهم حقّ للمحروم و السّائل».

فإن قيل:قدّم(السّائل)على(المحروم)هاهنا لما ذكرت من الوجوه،و لم قدّم(المحروم)على(السّائل)في قوله: اَلْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ الحجّ:36،لأنّ(القانع)هو الّذي لا يسأل،(و المعترّ)السّائل؟

نقول:قد قيل:إنّ(القانع)هو السّائل(و المعترّ) الّذي لا يسأل،فلا فرق بين الموضعين.و قيل:بأنّ اَلْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ كلاهما لا يسأل.لكن(القانع) لا يتعرّض و لا يخرج من بيته،(و المعترّ)يتعرّض للأخذ بالسّلام و التّردّد و لا يسأل.و قيل:بأنّ(القانع) لا يسأل(و المعترّ)يسأل،فعلى هذا فلحم البدنة يفرّق من غير مطالبة ساع أو مستحقّ مطالبة جزية،و الزّكاة لها طالب وسائل،هو السّاعي و الإمام،فقوله:(للسّائل) إشارة إلى الزّكاة،و قوله:(و المحروم)أي الممنوع، إشارة إلى الصّدقة المتطوّع بها،و إحداهما قبل الأخرى، بخلاف إعطاء اللّحم.(28:206)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ.(27:10)

القرطبيّ: [اكتفى بنقل أقوال السّابقين،و بعد نقل قول مالك قال:]

و هذا قول حسن،لأنّه يعمّ جميع الأقوال.(17:38)

النّسفيّ: أي الّذي يتعرّض و لا يسأل حياء.

(4:184)

الخازن:[نقل أقوال المفسّرين و أضاف:]

و قيل:هو المكاتب.

و أظهر الأقوال أنّه المتعفّف،لأنّه قرنه بالسّائل، و المتعفّف لا يسأل و لا يكاد النّاس يعطون من لا يسأل، إنّما يفطن له متيقّظ.(6:202)

الشّربينيّ: و(المحروم)و هو المتعفّف الّذي لا يجد ما يغنيه و لا يسأل النّاس،و لا يفطن له ليتصدّق عليه.

و هذه صفة أهل الصّفّة رضي اللّه تعالى عنهم.فالمحسنون يعرفون صاحب الوصف لما لهم من ناقد البصيرة،و للّه تعالى بهم العناية.[ثمّ ذكر كما مرّ عن الفخر الرّازيّ]

(4:97)

الآلوسيّ: [نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

و أنا بقول رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم، أقول.(27:9)

القاسميّ: و يدخل في(المحروم)كلّ من لا مال له،و من هلك ماله بآفة،و من حرم الرّزق و احتاج،إلاّ أنّ أهمّ أفراده المتعفّف،و لذا عوّل عليه الأكثر.

(15:5528)

الطّباطبائيّ: (المحروم)هو الّذي حرم الرّزق فلم ينجح سعيه في طلبه،و لا يسأل تعفّفا.(18:370)

مكارم الشّيرازيّ: هناك كلام في الفرق بين السّائل و المحروم:فقال بعضهم:(السّائل)هو من يطلب العون من النّاس،أمّا(المحروم)فمن يحافظ على ماء وجهه و يبذل قصارى جهده ليعيش إلاّ أنّه لا يمدّ يده إلى أحد،و كلّ حياته و أعماله مضطربة،و مع ذلك فلا يطلب العون من أحد،و يصبّر نفسه.

ص: 565

و هذا هو ما يعبّر عنه بالمحارف،لأنّه قيل في كتب اللّغة في معنى المحارف.بأنّه الشّخص الّذي لا ينال شيئا مهما سعى و جدّ،فكأنّ سبل الحياة مغلّقة بوجهه.

و على كلّ حال فهذا التّعبير يشير إلى هذه اللّطيفة، و هي ألاّ تنتظروا أن يأتيكم المحتاجون و يمدّوا أيديهم إليكم،إنّما عليكم أن تبحثوا عنهم،و تجدوا الأفراد المحرومين الّذين يعبّر عنهم القرآن بأنّهم يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ البقرة:273،لتساعدوهم و تحفظوا ماء أوجههم.و هذا دستور مهمّ لحفظ حيثيّة المسلمين المحرومين،و ينبغي الاهتمام به.

و هؤلاء الأشخاص يمكن معرفتهم-كما صرّح بذلك القرآن في سورة البقرة:273 تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النّاسَ إِلْحافاً

أجل فبرغم سكوتهم إلاّ أنّ في عمق وجوههم آثار الهموم،و ما تحمله أنفسهم من آلام يعرفها المطّلعون، و يخبر لون أوجههم عن الأشجان و الحزن.(17:83)

2- وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ. المعارج:24،25

و نصوصها قريبة ممّا مضى في آية الذّاريات.

محرومون

...إِنّا لَمُغْرَمُونَ* بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ.

الواقعة:66،67

ابن عبّاس: حرمنا منفعة زروعنا.(455)

مجاهد :حورفنا فحرمنا.(الطّبريّ 27:200)

قتادة:أي محارفون.(الطّبريّ 27:200)

الطّبريّ: إنّهم يقولون:ما هلك زرعنا و أصبنا به من أجل إِنّا لَمُغْرَمُونَ و لكنّا قوم محرومون، يقول:إنّهم غير مجدودين ليس لهم جدّ.(27:200)

الثّعلبيّ: محدودون ممنوعون،محارفون،و المحروم:

ضدّ المرزوق.(9:216)

الطّوسيّ: مبخوسون بحظوظنا،محارفون بهلاك زرعنا.(9:506)

نحوه الطّبرسيّ.(5:224)

القشيريّ: بل نحن محرومون بعد أن ضاع منّا الرّزق.(6:92)

الواحديّ: حرمنا ما كنّا نطلبه من الرّيع في الزّرع.(4:238)

نحوه البغويّ(5:18)،و الميبديّ(9:460)، و القرطبيّ(17:220)،و الخازن.(7:20).

الزّمخشريّ: محارفون محدودون،لا حظّ لنا و لا بخت لنا،و لو كنّا مجدودين لما جرى علينا هذا.

(4:57)

نحوه النّسفيّ(4:219)،و النّيسابوريّ(27:82)، و أبو حيّان(8:212)،و الشّربينيّ(4:193)، و أبو السّعود(6:193)،و البروسويّ(9:333).

البيضاويّ: حرمنا رزقنا أو محدودون لا مجدودون.(2:449)

نحوه الكاشانيّ(5:127)،و المشهديّ(10:217).

الشّوكانيّ: أي حرمنا رزقنا بهلاك زرعنا، و المحروم:الممنوع من الرّزق الّذي لا حظّ له فيه،و هو

ص: 566

المحارف.(5:195)

المراغيّ: غير مجدودين،لنحس طالعنا،و سوء حظّنا.(27:147)

الطّباطبائيّ: ممنوعون من الرّزق و الخير.

و لا منافاة بين نفي الزّرع عنهم و نسبته إليه تعالى، و بين توسّط عوامل و أسباب طبيعيّة في نبات الزّرع و نموّه.فإنّ الكلام عائد في تأثير هذه الأسباب و صنعها، و ليس نحو تأثيرها باقتضاء من ذاتها منقطعة عنه تعالى، بل بجعله و وضعه و موهبته،و كذا الكلام في أسباب هذه الأسباب،و ينتهي الأمر إلى اللّه سبحانه وَ أَنَّ إِلى رَبِّكَ الْمُنْتَهى النّجم:42.(19:135)

فضل اللّه :من كلّ المنافع الّتي كنّا نترقّبها منه،ممّا يجعلنا نواجه الحرمان بأبشع صوره في حياتنا.

(21:340)

2- فَلَمّا رَأَوْها قالُوا إِنّا لَضَالُّونَ* بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ. القلم:26،27.

ابن عبّاس: حرمنا منفعة البستان لسوء نيّاتنا.

(481)

نحوه الماورديّ(6:69)،و الواحديّ(4:338).

قتادة :بل جوزينا فحرمنا.(الطّبريّ 29:34)

الطّبريّ: فقال من علم أنّها جنّتهم،و أنّهم لم يخطئوا الطّريق:بل نحن أيّها القوم محرومون،حرمنا منفعة جنّتنا،بذهاب حرنها.(29:34)

الثّعلبيّ: حرمنا خيرها و نفعها،لمنعنا المساكين و تركنا الاستثناء.(10:17)

مثله البغويّ(5:138)،و نحوه الطّبرسيّ(5:337)، و الفخر الرّازيّ(30:89)،و النّيسابوريّ(29:24).

الطّوسيّ: (محرومون)ما كان لنا في جنّتنا.

(10:82)

الزّمخشريّ: حرمنا خيرها لجنايتنا على أنفسنا.(4:145)

مثله البيضاويّ(2:496)،و النّسفيّ(4:282)، و أبو حيّان(8:313)،و أبو السّعود(6:288)، و الآلوسيّ(29:32).

ابن عطيّة: أي قد حرمنا غلّتها و بركتها.

(5:350)

الشّربينيّ: أي ثابت حرماننا ما كنّا فيه من الخير الّذي لم نغب عنه إلاّ سواد اللّيل،فحرمنا اللّه تعالى إيّاه بما عزمنا عليه من حرمان المساكين.(4:360)

البروسويّ: حرمنا خيرها و منعنا نفعها بجنايتنا على أنفسنا بسوء نيّتنا،و هي إرادة حرمان المساكين، و قصد منع حقّ الفقراء.(10:116)

الطّباطبائيّ: إضراب عن سابقه،أي ليس مجرّد الضّلال عن الصّواب بل حرمنا الزّرع.(19:374)

مكارم الشّيرازيّ: أي أردنا أن نحرم الفقراء و المحتاجين من العطاء إلاّ أنّنا حرمنا أكثر من الجميع، حرمنا من الرّزق المادّيّ،و من البركات المعنويّة الّتي تحصل عن طريق الإنفاق في سبيل اللّه،للفقراء و المحتاجين.(18:495)

فضل اللّه :فقد فقدنا كلّ شيء،و لم يعد لدينا ما نؤمّله من المال الّذي نقضي به حاجاتنا،و نحصل به على رغباتنا،فكيف نتصرّف و ما ذا نفعل أمام هذا الجوّ الّذي

ص: 567

يوحي باليأس؟!(23:50)

حرام

1- وَ لا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَ هذا حَرامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ... النّحل:116

ابن عبّاس: (هذا)الحرث و الأنعام(حلال)على الرّجال(و هذا حرام)على النّساء.(232)

مجاهد :في البحيرة و السّائبة.(الطّبريّ 14:189)

نحوه البغويّ(3:101)،و ابن عطيّة(3:429)، و القرطبيّ(10:196).

الطّبريّ: هذا حَلالٌ وَ هذا حَرامٌ كي تفتروا على اللّه بقيلكم ذلك الكذب،فإنّ اللّه لم يحرّم من ذلك ما تحرّمون،و لا أحلّ كثيرا ممّا تحلّون.(14:189)

الطّبرسيّ: أي لا تقولوا لما حلّلتموه بأنفسكم مثل الميتة: هذا حَلالٌ و لما حرّمتموه مثل السّائبة: هذا حَرامٌ. (3:390)

الشّربينيّ: وَ لا تَقُولُوا... لما لم يحلّه اللّه و لم يحرّمه،فإنّهم كانوا يحرّمون البحيرة و السّائبة و الوصيلة و الحام،و كانوا يقولون:ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا و محرّم على أزواجنا،فقد زادوا في المحرّمات و زادوا أيضا في المحلّلات،لأنّهم حلّلوا الميتة و الدّم و لحم الخنزير و ما أهلّ به لغير اللّه،فبيّن تعالى أنّ المحرّمات هي هذه الأربعة،و بيّن أنّ الأشياء الّتي يقولون:هذا حلال و هذا حرام كذب و افتراء على اللّه تعالى.(2:267)

البروسويّ: لا تقولوا:هذا حلال و هذا حرام،لما تصفه ألسنتكم بالحلّ و الحرمة،فقدّم عليه كونه كذبا و أبدل منه هذا حلال و هذا حرام مبالغة.(5:92)

مكارم الشّيرازيّ: أي إنّ ما جئتم به ليس إلاّ كذبة صريحة،أطلقتها ألسنتكم في تحليلكم أشياء بحسب ما تهوى أنفسكم،و تحريمكم لأخرى إشارة إلى الأنعام الّتي حرّمها البعض على نفسه،و البعض الآخر حلّلها لنفسه،بعد أن جعل قسما منها لأصنامه.

فهل أعطاكم اللّه حقّ سنّ القوانين؟أم أنّ أفكاركم المنحرفة و تقاليدكم العمياء هي الّتي دفعتكم لإحداث هذه البدع؟أو ليس هذا كذبا و افتراء على اللّه؟.

و جاء في الآية(136)من سورة الأنعام بوضوح:

وَ جَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَ هذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَ ما كانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ.

و يستفاد كذلك من الآية(148)من سورة الأنعام سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللّهُ ما أَشْرَكْنا وَ لا آباؤُنا وَ لا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ أنّهم كانوا يجعلون لأنفسهم حقّ التّشريع في التّحليل و التّحريم،و يظنّون أنّ اللّه يؤيّد بدعهم،و على هذا فكانوا يضعون البدعة أوّلا و يحلّلون و يحرّمون ثمّ ينسبون ذلك إلى اللّه،فيكون افتراء آخر.

(8:319)

و بهذا المعنى جاءت كلمة(حراما)في قُلْ أَ رَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَ حَلالاً

يونس:59.

2- وَ حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ.

الأنبياء:95

ص: 568

ابن عبّاس: (حرام)التّوفيق.(275)

عكرمة :معناه حرام على قرية وجدناها هالكة بالذّنوب،أنّهم لا يرجعون إلى التّوبة.

(الماورديّ 3:470)

الحسن :حرام على قرية أهلكناها بالعذاب،أنّهم لا يرجعون إلى الدّنيا.(الماورديّ 3:470)

زيد بن عليّ: وجب على قرية أهلكناها أنّهم لا يرجعون إلى الحقّ و لا يتوبون.(279)

ابن قتيبة :أي حرام عليهم أن يرجعوا.و يقال:

حرام:واجب.[ثمّ استشهد بشعر]

و من قرأ(حرم)فهو بمنزلة حرام.يقال:حرم و حرام،كما يقال:حلّ و حلال.(288)

الجبّائيّ: معناه و حرام على قرية أهلكناها عقوبة لهم أن يرجعوا إلى دار الدّنيا.(الطّوسيّ 7:278)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة قوله: (وَ حَرامٌ) ، فقرأته عامّة قرّاء أهل الكوفة (و حرم) بكسر الحاء، و قرأ ذلك عامّة قرّاء أهل المدينة و البصرة (و حرام) بفتح الحاء و الألف.

و الصّواب من القول في ذلك:أنّهما قراءتان مشهورتان متّفقتا المعنى،غير مختلفتيه؛و ذلك أنّ الحرم هو الحرام،و الحرام هو الحرم،كما الحلّ هو الحلال، و الحلال هو الحلّ،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب.و كان ابن عبّاس يقرؤه (و حرم) بتأويل:و عزم.[و لاحظ تمام تمام الكلام في«ر ج ع:يرجعون».(17:86)

الزّجّاج: قرئت: (حرم و حرام) هاتان أكثر القراءة، و قد قرئت (حرم على قرية) و (حرم على قرية) .

و جاء في التّفسير(حرم)في معنى حتم،و جاء أيضا عن ابن عبّاس أنّه قال:حتم عليهم ألاّ يرجعوا إلى دنياهم،و جاء عنه و عن قتادة أنّهم لا يرجعون إلى توبة.

و عند أهل اللّغة:«حرم و حرام»في معنى واحد مثل حلّ و حلال،و ظاهر«حرام عليهم أنّهم لا يرجعون» يحتاج إلى أن يبيّن،و لا أعلم أحدا من أهل اللّغة و لا من أهل التّفسير بيّنه.

و هو-و اللّه أعلم-أنّه لمّا قال: فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَ إِنّا لَهُ كاتِبُونَ الأنبياء:94،أعلمنا أنّ اللّه عزّ و جلّ قد حرّم قبول أعمال الكافرين،و بيّن ذلك بقوله:

اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ محمّد:1،فالمعنى:حرام على قرية أهلكناها أن نتقبّل منهم عملا،لأنّهم لا يرجعون،أي لا يتوبون.و حرم و حرم في معنى حرام،إلاّ أنّ حراما اسم،و حرم و حرم فعل.(3:404)

أبو زرعة: قرأ حمزة و الكسائيّ و أبو بكر: (و حرم على قرية) بغير ألف،و قرأ الباقون:(و حرام).

قال قطرب:هما لغتان مثل حلّ و حلال،و حرم و حرام.و قال قوم:حرم بمعنى عزم،و حرام بمعنى واجب.(470)

نحوه البغويّ(3:316)،و الميبديّ(6:305).

الماورديّ: فيه تأويلان:[و ذكر قولي عكرمة و الحسن المتقدّمين،و أضاف:]

و قرأ ابن عبّاس: (و حرم على قرية) و تأويلها ما قاله سفيان:وجب على قرية أهلكناها،أنّهم لا يرجعون، قال:لا يتوبون.(3:470)

ص: 569

الطّوسيّ: «حرم و حرام»لغتان،مثل حلّ و حلال.

و قيل في معنى وَ حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ: معناه واجب عليهم أن لا يرجعون إلى تلك القرية أبدا.(7:278)

الزّمخشريّ: استعير الحرام للممتنع وجوده،و منه قوله عزّ و جلّ: إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ الأعراف:50،أي منعهما منهم و أبى أن يكونا لهم.

(2:583)

ابن عطيّة: و اختلف القرّاء في قوله تعالى:

(و حرام) فقرأ عكرمة و غيره (و حرم) بفتح الحاء و كسر الرّاء،و قرأ جمهور السّبعة (و حرام)، و قرأ حمزة و الكسائيّ و حفص عن عاصم (و حرم) بكسر الحاء و سكون الرّاء،و قرأ ابن العبّاس بخلاف عنه (و حرم) بفتح الحاء و سكون الرّاء،و قرأت فرقة (و حرّم) بفتح الحاء و شدّ الرّاء،و قرأت فرقة (و حرّم) بضمّ الحاء و كسر الرّاء و شدّها،و قرأ قتادة و مطرق الورّاق (و حرم) بفتح الحاء و ضمّ الرّاء.

و المستفيض من هذه القراءات قراءة من قرأ (و حرم) و قراءة من قرأ (و حرام) و هما مصدران بمعنى نحو الحلّ و الحلال،فأمّا معنى الآية فقالت فرقة:(حرام و حرم) معناه جزم و حتم،فالمعنى:حتم على قرية.[إلى أن قال:]

و قالت فرقة:المعنى:و حرام،أي ممتنع،و حرم كذلك.(4:99)

الطّبرسيّ: [نحو أبي زرعة و أضاف:]

قال أبو عليّ«حرم و حرام»لغتان،و كذلك حلّ و حلال.و كلّ واحد من(حرم و حرام)إن شئت رفعته بالابتداء لاختصاصه بما جاء بعده من الكلام،و خبره محذوف،و تقديره:(و حرام على قرية أهلكناها بأنّهم لا يرجعون)مقضيّ أو ثابت أو محكوم عليه،و إن شئت جعلته خبر مبتدإ محذوف.(4:61)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ قوله:(و حرام)خبر فلا بدّ له من مبتدإ،و هو إمّا قوله: أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ أو شيء آخر.

أمّا الأوّل فالتّقدير:أنّ عدم رجوعهم حرام،أي ممتنع،و إذا كان عدم رجوعهم ممتنعا كان رجوعهم واجبا.فهذا الرّجوع إمّا أن يكون المراد منه الرّجوع إلى الآخرة أو إلى الدّنيا.[إلى أن قال:]

فعند هذا ذكر المفسّرون وجهين:

الأوّل:أنّ الحرام قد يجيء بمعنى الواجب،و الدّليل عليه الآية و الاستعمال و الشّعر.

أمّا الآية فقوله تعالى: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً الأنعام:151، و ترك الشّرك واجب و ليس بمحرّم.

و أمّا الشّعر فقول الخنساء:

و إنّ حراما لا أرى الدّهر باكيا

على شجوه إلاّ بكيت على عمرو

يعني إنّ واجبا.

و أمّا الاستعمال فلأنّ تسمية أحد الضّدّين باسم الآخر مجاز مشهور،كقوله تعالى: وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها الشّورى:40.

إذا ثبت هذا فالمعنى:أنّه واجب على أهل كلّ قرية أهلكناها أنّهم لا يرجعون.

الوجه الثّاني:أن يترك قوله:(و حرام)على ظاهره

ص: 570

و يجعل في قوله:(لا يرجعون)صلة زائدة،كما أنّه صلة في قوله: ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ الأعراف:12، و المعنى:و حرام على قرية أهلكناها رجوعهم إلى الدّنيا، و هو كقوله: فَلا يَسْتَطِيعُونَ تَوْصِيَةً وَ لا إِلى أَهْلِهِمْ يَرْجِعُونَ يس:50.

أو يكون المعنى:و حرام عليهم رجوعهم عن الشّرك و ترك الإيمان،و هذا قول طائفة من المفسّرين.

و هذا كلّه إذا جعلنا قوله:(و حرام)خبرا لقوله: أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ.

أمّا إذا جعلناه خبرا لشيء آخر،فالتّقدير:و حرام على قرية أهلكناها ذاك،و هو المذكور في الآية المتقدّمة من العمل الصّالح و السّعي المشكور غير المكفور.

(22:220)

الرّازيّ: و إن قيل:قوله تعالى: وَ حَرامٌ... يدلّ على أنّه يجب أن يرجعوا،لأنّ كلّ ما حرم أن لا يوجد وجب أن يوجد،فكيف معنى الآية؟

قلنا:معناه و واجب على أهل قرية عزمنا على إهلاكهم أو قدّرنا إهلاكهم أنّهم لا يرجعون على الكفر إلى الإيمان،أو أنّهم لا يرجعون بعد إهلاكهم إلى الدّنيا.

فالحرام هنا بمعنى الواجب،كذا قاله ابن عبّاس رضي اللّه عنهما.[ثمّ أيّده بشعر]

و قيل:لفظ الحرام على ظاهره،و(لا)زائدة،و المعنى ما سبق ذكره،و الحرمة هنا بمعنى المنع،كما في قوله تعالى:

وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ القصص:12، و قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ الأعراف:50.(مسائل الرّازيّ:229)

السّيوطيّ: قرئ بلفظ الماضي بفتح الرّاء، و كسرها،و ضمّها،و بلفظ الوصف بكسر الرّاء، و سكونها مع فتح الحاء،و حرام بالفتح و ألف،فهذه سبع قراءات.(2:332)

البروسويّ: (حرام)خبر لقوله: أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ، و الجملة لتقرير مضمون ما قبلها من قوله:

كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ الأنبياء:93،و الحرمان:مستعار لممتنع الوجود بجامع،أنّ كلّ واحد منهما غير مرجوّ الحصول.(5:522)

نحوه الآلوسيّ.(17:90)

و للطّباطبائيّ بحث في الآية سيأتي في«ر ج ع- يرجعون».

عبد الكريم الخطيب :أي و محكوم على أيّة قرية هلكت أن لا يرجع أهلها مرّة أخرى إلى الدّنيا،أو أن يفرّوا من هذا العذاب المعدّ لهم.

و في التّعبير عن الحكم بلفظ الحرام،تأكيد لهذا الحكم،و جعل عودتهم إلى الدّنيا من المحرّمات،الّتي إن ارتكبها المجرمون،فإنّها لا تجيء من عند اللّه تعالى،اللّه عن ذلك علوّا كبيرا،فكما كتب سبحانه على نفسه الرّحمة،حرّم سبحانه على نفسه أن يرجع الموتى إلى الدّنيا مرّة أخرى،و إنّما يبعثهم للحساب و الجزاء.(9:

953)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ هؤلاء في الحقيقة أناس ترفع الحجب عن أعينهم و أنظارهم بعد مشاهدة العذاب الإلهيّ،أو بعد فنائهم و انتقالهم إلى عالم البرزخ،و عندها يأملون أن يرجعوا إلى الدّنيا ليصلحوا أخطاءهم

ص: 571

و يعملون الصّالحات.إلاّ أنّ القرآن يقول بصراحة:إنّ رجوع هؤلاء حرام تماما،و لم يبق طريق لجبران ما صدر منهم.

إنّ هذا يشبه ما جاء في سورة المؤمنون الآية:99.

(10:217)

فضل اللّه : حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها بعد أن كفرت و تمرّدت و عصت ربّها،و انحرفت عن الصّراط المستقيم، أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ. و لكن ما معنى ثبوت الحرمة و تعلّقها بعدم رجوعهم،مع أنّ المقصود كما هو الظّاهر من السّياق،هو نفي رجوعهم،ممّا يفرض أن تكون الحرمة،بمعنى التّرك،متعلّقة بالرّجوع؟

و اختلفت الآراء في تفسير ذلك،بين من حكم بزيادة كلمة(لا)،و بين من ضمّن كلمة(حرام)،معنى الواجب،و بين من فسّر«الهلاك»بمعنى الحكم به، و اعتبر أنّ المعنى-على ذلك-هو امتناع رجوع هؤلاء المحكومين بالهلاك بذنوبهم إلى التّوبة،و بين من حمل الرّجوع على ما بعد الموت،و بذلك يكون المعنى:أنّ الّذين أهلكهم اللّه بالعذاب في الدّنيا حرام عليهم أن لا يرجعوا بعد الممات،بل سيرجعون إلى الحياة ليواجهوا أعمالهم في يوم الحساب.

و هناك توجيه آخر للآية،يرتكز على أنّ التّعبير جار على أسلوب المجاز العقليّ؛حيث وضع فيه نتيجة تعلّق الفعل بشيء،و هو ما يؤول عليه حال المتعلّق، فإذا كانت الحرمة تؤدّي إلى التّرك،كان من المناسب التّعبير عن النّتيجة،و هي عدم الرّجوع تدليلا على نفوذ الفعل و تأكّده،نظير قوله تعالى: ما مَنَعَكَ أَلاّ تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُكَ الأعراف:12؛حيث وضع عدم السّجدة الّذي هو النّتيجة،موضع نفس السّجدة الّتي هي متعلّق المنع، و هذا هو ما رواه محمّد بن مسلم عن أبي جعفر الباقر عليه السّلام أنّه قال:«كلّ قرية أهلكها اللّه بعذاب فإنّهم لا يرجعون».

و ربّما يخطر بالبال،أنّ الآية تتحدّث عن الحرمة لا بمعنى التّكليف،أو الامتناع الواقعيّ،بل بمعنى التّأسّف عليهم،لأنّهم عرّضوا أنفسهم بالمعصية أو الكفر،و لأنّهم لا يرجعون إلى اللّه فيتوبون إليه لينقذوا أنفسهم من ذلك.

و ربّما كان هذا غير مناف لما جاء في الرّواية عن الباقر عليه السّلام،لأنّها تقرّر عدم رجوعهم،و لا تتحدّث عن طبيعة تعلّق الحرمة بعدم الرّجوع،و اللّه العالم.(15:267)

المسجد الحرام

فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ. البقرة:144

راجع«س ج د»و كذا الآية:149 و 150 و 191 و 196 و 217 من سورة البقرة.و الآية:2 من سورة المائدة و 34 من الأنفال و 7 و 19 و 28 من سورة التّوبة و الآية:1 من الإسراء و 25 من الحجّ و 25 و 27 من سورة الفتح.

الشّهر الحرام

اَلشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ. البقرة:194

راجع«ش ه ر»و كذا الآية:217 من سورة البقرة،و الآية:2 و 97 من سورة المائدة.

ص: 572

البيت الحرام

وَ لاَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ. المائدة:2

راجع«ب ي ت»و كذا الآية:97 من سورة المائدة.

المشعر الحرام

فَاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ. البقرة:198

راجع«ش ع ر».

حرما

1- أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ... القصص:57

ابن عبّاس: حرما من أن يهاج فيه.(328)

قتادة :كان أهل الحرم آمنين،يذهبون حيث شاءوا،إذا خرج أحدهم فقال:إنّي من أهل الحرم،لم يتعرّض له،و كان غيرهم من النّاس إذا خرج أحدهم قتل.(الطّبريّ 20:94)

الطّبريّ: أو لم نوطّئ لهم بلدا حرّمنا على النّاس سفك الدّماء فيه،و منعناهم من أن يتناولوا سكّانه فيه بسوء،و أمنّا على أهله من أن يصيبهم بها غارة،أو قتل أو سباء.(20:93)

الطّوسيّ: [تقدّم كلامه في«أ م ن»فلاحظ]

(8:165)

الزّمخشريّ: فألقمهم اللّه الحجر بأنّه مكّن لهم في الحرم الّذي آمنه بحرمة البيت و آمن قطّانه بحرمته، و كانت العرب في الجاهليّة حولهم يتغاورون و يتناحرون،و هم آمنون في حرمهم لا يخافون،و بحرمة البيت هم قارّون بواد غير ذي زرع...و إسناد الأمن إلى أهل الحرم حقيقة،و إلى الحرم مجاز.(3:185)

نحوه النّسفيّ.(3:341)

ابن عطيّة: و أمن الحرم:هو أن لا يغزى و لا يؤذى فيه أحد.(4:293)

الطّبرسيّ: أو لم نجعل لهم مكّة في أمن و أمان قبل هذا،و دفعنا ضرر النّاس عنهم حتّى كانوا يأمنون فيه، فكيف يخافون زواله الآن؟!أ فلا نقدر على دفع ضرر النّاس عنهم لو آمنوا؟!بل حالة الإيمان و الطّاعة أولى بالأمن و السّلامة من حالة الكفر.(4:260)

الفخر الرّازيّ: [تقدّم في«أ م ن»فلاحظ]

(25:30)

و كذا القرطبيّ: (13:300)،و أبو حيّان(7:126)، و الآلوسيّ(20:97).

البروسويّ: قال في«عرائس البيان»:حرمهم في الحقيقة:قلب محمّد عليه السّلام،و هو كعبة القدس و حرم الأنس،يجبى إليه ثمرات جميع أشجار الذّات و الصّفات، من دخل ذلك الحرم بشرط المحبّة و الموافقة كان آمنا من آفات الكونين،و كان منظور الحقّ في العالمين،و هكذا كلّ من دخل في قلب وليّ من أولياء اللّه.(6:417)

سيّد قطب :فما بالهم يخافون أن يتخطّفهم النّاس لو اتّبعوا هدى اللّه،و اللّه هو الّذي مكّن لهم هذا الحرم الآمن منذ أيّام أبيهم إبراهيم؟أ فمن أمنهم و هم عصاة،يدع النّاس يتخطّفونهم و هم تقاة؟!(5:2704)

الطّباطبائيّ: و المعنى:أو لم نجعل لهم حرما آمنا

ص: 573

ممكّنين إيّاهم.

و قيل:(حرما)منصوب على الظّرفيّة،و المعنى:أو لم نمكّن لهم في حرم؛و(آمنا)صفة(حرما)أي حرما ذا أمن.

و عدّ الحرم ذا أمن-و المتلبّس بالأمن أهله-من المجاز في النّسبة،و الجملة معطوفة على محذوف، و التّقدير:أو لم نعصمهم و نجعل لهم حرما آمنا ممكّنين إيّاهم.و هذا جواب أوّل منه تعالى،لقولهم: إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا القصص:57.

و محصّله:أنّا مكّنّاهم في أرض جعلناها حرما ذا أمن تحترمه العرب،فلا موجب لخوفهم أن يتخطّفوا منها إن آمنوا.(16:60)

مكارم الشّيرازيّ: اللّه الّذي جعل هذه الأرض المالحة و المليئة بالصّخور،و الخالية من الأشجار و الأنهار،جعلها حرما تهفو إليه القلوب،و يؤتى إليه بالثّمرات من مختلف نقاط العالم،كلّ ذلك بيد قدرته القاهرة.

فإنّ من له هذه القدرة،و له هذا التّمكين للحرم، و النّعم ليتمتّع بها،من يرى كلّ ذلك بعينيه و يجد آثارها سنوات طوالا،كيف لا يكون قادرا على أن يحفظكم من هجوم حفنة من الجاهلين عبّاد الأوثان؟!

فقد كنتم في زمان الكفر مشمولين بنعمتي اللّه العظيمتين:الأمن و المواهب المعاشيّة،فكيف يمكن أن يحرمكم اللّه منهما بعد الإسلام؟!

لتكن قلوبكم قويّة فتؤمنوا و تقفوا شامخين،فإنّ ربّ الكعبة و ربّ مكّة معكم.

هنا،ينقدح هذا السّؤال،و هو:إنّ التّأريخ يدلّ على أنّ حرم مكّة لم يكن آمنا للمسلمين للغاية،أ لم تعذّب طائفة من المسلمين في مكّة؟أ لم يرموا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالأحجار الكثيرة؟أ لم يقتل بعض المسلمين في مكّة؟أ لم يهاجر جماعة من المسلمين من مكّة مع جعفر بن أبي طالب،و جماعة آخرون مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله آخر الأمر، لعدم الأمن في مكّة؟

فنقول جوابا على ذلك:

أوّلا:مع جميع هذه الأمور ما تزال مكّة أكثر أمنا من النّقاط الأخرى،و كان العرب يحترمونها و يقدّسونها، و بالرّغم من أنّهم كانوا يقدمون على جرائم متعدّدة في أماكن أخرى إلاّ أنّهم كانوا يحجمون عن الإتيان بمثلها هناك في مكّة.

و الخلاصة:فمع عدم الأمن كانت مكّة من حيث الأمن ملحوظة نسبيّا،و لا سيّما من الأعراب الّذين هم خارجها؛إذ كانوا يحترمونها.

ثانيا:صحيح أنّ هذه الأرض الّتي جعلها اللّه حرما آمنا،أضحت لفترة وجيزة غير آمنة على أيدي جماعة، إلاّ أنّها سرعان ما تحوّلت إلى معهد كبير للأمن الثّابت، و مركزا عظيما للنّعم الكثيرة المتعدّدة.فعلى هذا لم يكن تحمّل هذه الصّعاب الّتي لا تلبث طويلا،من أجل الوصول للنّعم العظيمة،أمرا عسيرا و معقّدا.و على كلّ حال،فإنّ كثيرا ممّن يقلقون على منافعهم الشّخصيّة، كالحارث بن نوفل،لا يسلكون سبيل الهداية و الإيمان، في حين أنّ الإيمان باللّه و التّسليم لأمره،لا يؤمّن المنافع المعنويّة لهم فحسب،بل يؤمّن لهم المحيط الصّحيح و المنافع المادّيّة المشروعة،و ما إلى ذلك.

ص: 574

فعدم الأمن و الغارات و الحروب الّتي نجدها في عصر التّمدّن-كما يصطلح عليه-و الدّنيا البعيدة عن الإيمان و الهداية،كلّ هذه الأمور الّتي نراها شاهد حيّ على هذا المدّعى.(12:240)

فضل اللّه :فمن الّذي جعل لهم هذا البلد الحرام الّذي يشعر أهله بالأمن من خلال احترام النّاس لهم،في ما تعبّدهم به من الحجّ إلى بيته المحرّم،فهل حقّقوا لأنفسهم ذلك الموقع،و لبلدهم ذلك المستوى،أو أنّ اللّه هو الّذي حقّق لهم ذلك؟فكيف يخافون الضّياع إذا ساروا مع اللّه؟!.(17:318)

2- أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَ يُتَخَطَّفُ النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ... العنكبوت:67

ابن زيد :هي مكّة،و هم قريش أمّنهم اللّه بها.

(الماورديّ 4:294)

الطّبريّ: حرّمنا على النّاس أن يدخلوه بغارة أو حرب.(21:14)

الواحديّ: حَرَماً آمِناً يعني مكّة.(3:426)

البغويّ: يسبي بعضهم بعضا،و أهل مكّة آمنون.(3:568)

مثله الميبديّ.(7:414)

الزّمخشريّ: كانت العرب حول مكّة يغزو بعضهم بعضا،و يتغاورون و يتناهبون و أهل مكّة قارّون آمنون فيها،لا يغزون و لا يغار عليهم مع قلّتهم و كثرة العرب، فذكّرهم اللّه هذه النّعمة الخاصّة عليهم،و وبّخهم بأنّهم يؤمنون بالباطل الّذي هم عليه.و مثل هذه النّعمة المكشوفة الظّاهرة و غيرها من النّعم الّتي لا يقدر عليها إلاّ اللّه وحده،مكفورة عندهم.(3:212)

ابن عطيّة: ثمّ عدّد تعالى كفّار قريش نعمته عليهم في الحرم،في أنّه جعله لهم أمنا لا خوف فيه من أحوال العرب و غارتهم و سوء أفعالهم،من القتل و أخذ الأموال و نحوه.(4:325)

الطّبرسيّ: يأمن أهله فيه من القتل و الغارة.

(4:293)

الفخر الرّازيّ: التّفسير ظاهر،و إنّما الدّقيق وجه تعلّق الآية بما قبلها،فنقول:الإنسان في البحر يكون على أخوف ما يكون،و في بيته يكون على آمن ما يكون، لا سيّما إذا كان بيته في بلد حصين،فلمّا ذكّر اللّه المشركين حالهم عند الخوف الشّديد،و رأوا أنفسهم في تلك الحالة راجعة إلى اللّه تعالى،ذكّرهم حالهم عند الأمن العظيم و هي كونهم في مكّة،فإنّها مدينتهم و بلدهم،و فيها سكناهم و مولدهم،و هي حصين بحصن اللّه؛حيث كلّ من حولها يمتنع من قتال من حصل فيها، و الحصول فيها يدفع الشّرور عن النّفوس و يكفّها.

يعني أنّكم في أخوف ما كنتم دعوتم اللّه،و في آمن ما حصلتم عليه كفرتم باللّه.و هذا متناقض،لأنّ دعاءكم في ذلك الوقت على سبيل الإخلاص ما كان إلاّ لقطعكم بأنّ النّعمة من اللّه لا غير،فهذه النّعمة العظيمة الّتي حصلت و قد اعترفتم بأنّها لا تكون إلاّ من اللّه،كيف تكفرون بها؟و الأصنام الّتي قطعتم في حال الخوف أن لا أمن منها،كيف آمنتم بها في حال الأمن؟(25:93)

نحوه الشربينيّ ملخّصا.(3:154)

البيضاويّ: أي جعلنا بلدهم مصونا من النّهب

ص: 575

و التّعدّي،آمنا أهله عن القتل و السّبي.(2:215)

مثله الكاشانيّ(4:123)،و المشهديّ(7:552).

النّسفيّ: ممنوعا مصونا.(3:264)

الشّوكانيّ: إنّا جعلنا حرمهم هذا حرما آمنا يأمن فيه ساكنه من الغارة و القتل و السّبي و النّهب،فصاروا في سلامة،و عافية ممّا صار فيه غيره من العرب،فإنّهم في كلّ حين تطرقهم الغارات،و تجتاح أموالهم الغزاة، و تسفك دماءهم الجنود،و تستبيح حرمهم و أموالهم شطّار العرب،و شياطينها.(4:265)

البروسويّ: (حرما)محترما.[ثمّ قال نحو البيضاويّ](6:495)

الآلوسيّ: مكانا حرم فيه كثير ممّا ليس بمحرّم في غيره من المواضع،(آمنا)أهله عمّا يسوؤهم من السّبي و القتل.

على أنّ أمنه كناية عن أمن أهله،أو على أنّ الإسناد مجازيّ،أو على أنّ في الكلام مضافا مقدّرا.و تخصيص أهل مكّة و إن أمن كلّ من فيه حتّى الطّيور و الوحوش، لأنّ المقصود الامتنان عليهم،و لأنّ ذلك مستمرّ في حقّهم.(21:13)

الطّباطبائيّ: الحرم الآمن هو مكّة و ما حولها، و قد جعله اللّه مأمنا بدعاء إبراهيم عليه السّلام.(16:150)

مكارم الشّيرازيّ: أي أرض مكّة المكرّمة.في حين أنّ العرب كانوا يعيشون في حالة غير آمنة خارج مكّة،و كانت قبائلهم مشغولة بالنّهب و السّلب و الغارات،إلاّ أنّ هذه الأرض باقية على أمنها.

(16:414)

فضل اللّه:و هو مكّة و ما حولها،فقد جعله اللّه حرما آمنا يأوي إليه النّاس من كلّ مكان،فيتعبّدون و يتّجرون و يجتمعون،من دون أن يخاف أحد على نفسه،كما يشعر أهله بالحفظ و الرّعاية و الخير الّذي يأتيهم من ذلك.(18:88)

حرما

وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِي إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ. المائدة:96

ابن عطيّة: (حرما)يقع للجميع و الواحد كرضى و ما أشبهه،و المعنى ما دمتم محرمين،فهي بالمعنى كقرّاء الجماعة بضمّ الحاء و الرّاء.(2:242)

العكبريّ: جمع حرام،ككتاب و كتب.

و قرئ في الشّاذّ (حرما) بفتح الحاء و الرّاء،أي ذوي حرم،أي إحرام.و قيل:جعلهم،بمنزلة المكان الممنوع منه.(1:463)

راجع تمام البحث في«ص ي د».

حرمات

ذلِكَ وَ مَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ... الحجّ:30

ابن عبّاس: مناسك الحجّ.(279)

هي جميع المناهي في الحجّ:فسوق و جدال و جماع و صيد؛و تعظيمها:أن لا يحوم حولها.

(الآلوسيّ 17:147)

ص: 576

مجاهد:الحرمة:مكّة و الحجّ و العمرة،و ما نهى اللّه عنه من معاصيه كلّها.(الطّبريّ 17:153)

عطاء:المعاصي.(النّحّاس 4:404)

الكلبيّ: ما يتعلّق بالحجّ[و]ما أمر به من المناسك.(الماوردي 4:21)

زيد بن أسلم:الحرمات خمس:الكعبة الحرام، و المسجد الحرام،و البلد الحرام،و الشّهر الحرام، و المحرم حتّى يحلّ.(الزّمخشريّ 3:12)

نحوه ابن زيد.(أبو حيّان 6:366)

الإمام الصّادق عليه السّلام:هي ثلاث حرمات واجبة، فمن قطع منها حرمة فقد أشرك باللّه:

الأولى:انتهاك حرمة اللّه في بيته الحرام.

و الثّانية:تعطيل الكتاب و العمل بغيره.

و الثّالثة:قطيعة ما أوجب اللّه من فرض طاعتنا و مودّتنا.(البحرانيّ 6:554)

الطّبريّ: و من يجتنب ما أمره اللّه باجتنابه في حال إحرامه،تعظيما منه لحدود اللّه أن يواقعها،و حرمة أن يستحلّها،فهو خير له عند ربّه في الآخرة.(17:153)

الزّجّاج: و حرمات اللّه:الحجّ و العمرة و سائر المناسك،و كلّ ما فرض اللّه فهو من حرمات اللّه، و الحرمة:ما وجب القيام به و حرّم تركه،و التّفريط فيه.

(3:424)

الثّعلبيّ: فيتجنّب معاصيه.(7:20)

نحوه الطّوسيّ.(7:311)

القشيريّ: تعظيم الحرمات بتعظيم أمره،و تعظيم أمره بترك مخالفته.

يقال:من طلب الرّضا بغير رضى اللّه لم يبارك له فيما آثره من هواه على رضى مولاه،و لا محالة سيلقى سريعا غبّه.

و يقال:تعظيم حرماته بالغيرة على إيمانه،و ما فجر صاحب حرمة قطّ.

و يقال:ترك الخدمة يوجب العقوبة،و ترك الحرمة يوجب الفرقة.

و يقال:كلّ شيء من المخالفات فللعفو فيه مساغ و للأمل إليه طريق،و ترك الحرمة على خطر ألاّ يغفر؛ و ذلك بأن يؤدّي ثبوته بصاحبه إلى أن يختلّ دينه و توحيده.(4:213)

الماورديّ: فيه قولان:

أحدهما:[قول الكلبيّ و قد تقدّم]

و الثّاني:أنّه اجتناب ما نهي عنه في إحرامه.

و يحتمل عندي قولا ثالثا:أن يكون تعظيم حرماته أن يفعل الطّاعة و يأمر بها،و ينتهي عن المعصية و ينهى عنها.(4:21)

البغويّ: أي معاصي اللّه و ما نهى اللّه عنه، و تعظيمها:ترك ملابستها.[إلى أن قال:]

و ذهب قوم إلى أنّ معنى الحرمات هاهنا:المناسك، بدليل ما يتّصل بها من الآيات.(3:338)

الزّمخشريّ: و الحرمة:ما لا يحلّ هتكه،و جميع ما كلّفه اللّه تعالى بهذه الصّفة من مناسك الحجّ و غيرها، فيحتمل أن يكون عامّا في جميع تكاليفه،و يحتمل أن يكون خاصّا فيما يتعلّق بالحجّ.(3:11)

مثله النّسفيّ(3:100)،و نحوه النّيسابوريّ(17:

ص: 577

95).

ابن عطيّة: و الحرمات المقصودة هاهنا في أفعال الحجّ المشار إليها في قوله: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ الحجّ:29.

و يدخل في ذلك تعظيم المواضع،قاله ابن زيد و غيره.(4:120)

الطّبرسيّ: و الحرمة:ما لا يحلّ انتهاكه...و هي في هذه الآية ما نهي عنها و منع من الوقوع فيها.(4:82)

ابن عربيّ: و هي ما لا يحلّ هتكه،و تطهيره، و القربان بالنّفس،و جميع ما ذكر من المناسك،كالتّحلّي بالفضائل،و اجتناب الرّذائل،و التّعرّض للأنوار في التّجلّيات،و الاتّصاف بالصّفات،و التّرقّي في المقامات.

(2:103)

الفخر الرّازيّ: [مثل الزّمخشريّ و أضاف:]

قال المتكلّمون:لا تدخل النّوافل في حرمات اللّه تعالى.(23:31)

القرطبيّ: [نحو ابن عطيّة و أضاف:]

و يجمع ذلك أن تقول:الحرمات امتثال الأمر من فرائضه و سننه.(12:54)

الشّربينيّ: ...حُرُماتِ اللّهِ ذي الجلال و الإكرام كلّها،و هي ما لا يحلّ انتهاكه من مناسك الحجّ و غيرها.

و قيل:الحرمات هنا:مناسك الحجّ،و تعظيمها:

إقامتها و إتمامها.(2:550)

أبو السّعود :أي أحكامه و سائر ما لا يحلّ هتكه بالعلم،بوجوب مراعاتها و العمل بموجبه.(4:379)

البروسويّ: جمع حرمة،و هي ما لا يحلّ هتكه، و هو خرق السّتر عمّا وراءه.[ثمّ أدام نحو أبي السّعود و قال:]أي أحكامه و فرائضه و سننه،و سائر ما لا يحلّ هتكه كالكعبة الحرام و المسجد الحرام و البلد الحرام و الشّهر الحرام،بالعلم بوجوب مراعاتها و العمل بموجبه.

(6:29)

الآلوسيّ: جمع حرمة،و هو ما يحترم شرعا، و المراد بها جميع التّكليفات من مناسك الحجّ و غيرها، و تعظيمها بالعلم بوجوب مراعاتها و العمل بموجبه.

و قال جمع:هي ما أمر به من المناسك.(17:147)

الطّباطبائيّ: الحرمة:ما لا يجوز انتهاكه و وجب رعايته.و قوله:(ذلك)أي الأمر ذلك،أي الّذي شرعناه لإبراهيم عليه السّلام و من بعده من نسك الحجّ،هو ذلك الّذي ذكرناه و أشرنا إليه من الإحرام و الطّواف و الصّلاة و التّضحية بالإخلاص للّه،و التّجنّب عن الشّرك.

و قوله: وَ مَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ ندب إلى تعظيم حرمات اللّه،و هي الأمور الّتي نهى عنها و ضرب دونها حدودا،منع عن تعدّيها و اقتراف ما وراءها.و تعظيمها:الكفّ عن التّجاوز إليها.

و الّذي يعطيه السّياق:أنّ هذه الجملة توطئة و تمهيد لما بعدها من قوله: وَ أُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فإنّ انضمام هذه الجملة إلى الجملة قبلها يفيد أنّ الأنعام-على كونها ممّا رزقهم اللّه و قد أحلّها لهم-فيها حرمة إلهيّة،و هي الّتي يدلّ عليها الاستثناء- إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ. (14:371)

ص: 578

1Lفضل اللّه: و هي الدّوائر التّشريعيّة الّتي أحاطها اللّه بنواهيه،أو المواقع الّتي أراد اللّه من النّاس احترامها،فلا يتجاوزون الحدود الّتي كلّفهم بالوقوف عندها،في ما تستدعيه الطّاعة من خضوع لأمر اللّه و نهيه،تعبيرا عن العبوديّة،لأنّ تعظيم هذه الحرمات يمثّل تعظيما عمليّا للّه،ينال به الإنسان الدّرجات الرّفيعة عنده،نتيجة القرب منه.(16:59)

الحرمات

اَلشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ...

البقرة:194

الطّبريّ: (الحرمات):إنّها جمع حرمة،كالظّلمات جمع ظلمة،و الحجرات جمع حجرة.

و إنّما قال جلّ ثناؤه: وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ فجمع،لأنّه أراد الشّهر الحرام و البلد الحرام،و حرمة الإحرام،فقال جلّ ثناؤه لنبيّه محمّد و المؤمنين معه:

دخولكم الحرم بإحرامكم هذا في شهركم هذا الحرام قصاص ممّا منعتم من مثله عامكم الماضي،و ذلك هو الحرمات الّتي جعلها اللّه قصاصا.(2:198)

نحوه ملخّصا الثّعلبيّ(2:90)،و البغويّ(1:239)، و القرطبيّ(2:355).

الطّوسيّ: إنّما جمع(الحرمات)لأحد أمرين:

أحدهما:أنّه يريد حرمة الشّهر،و حرمة البلد، و حرمة الإحرام.

الثّاني:كلّ حرمة تستحلّ،فلا يجوز إلاّ على وجه المجازاة.(2:150)

ابن عطيّة: أي الشّهر الحرام الّذي غلّبكم اللّه فيه و أدخلكم الحرم عليهم بالشّهر الحرام الّذي صدّوكم فيه،و معنى اَلْحُرُماتُ قِصاصٌ على هذا التّأويل،أي حرمة الشّهر و حرمة البلد و حرمة المحرمين،حين صددتم،بحرمة البلد و الشّهر و القطّان حين دخلتم.

قال الحسن بن أبي الحسن: نزلت الآية في أنّ الكفّار سألوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم هل يقاتل في الشّهر الحرام؟فأخبرهم أنّه لا يقاتل فيه،فهمّوا بالهجوم عليه فيه،و قتل من معه حين طمعوا أنّه لا يدافع فيه،فنزلت اَلشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ أي هو عليكم في الامتناع من القتال،أو الاستباحة بالشّهر الحرام عليهم في الوجهين،فأيّا سلكوا فاسلكوا.

(و الحرمات)على هذا جمع حرمة عموما:النّفس و المال و العرض و غير ذلك،فأباح اللّه بالآية مدافعتهم.

و القول الأوّل أكثر.(1:263)

و تمام البحث في«ق ص ص-قصاص»فلاحظ.

حرّم

1- إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ...

(البقرة:173)

الفخر الرّازيّ: قرئ (حرم) على البناء للفاعل، و (حرم) للبناء للمفعول.و (حرّم) بوزن كرّم.(5:12)

الآلوسيّ: أي أكلها و الانتفاع بها،و أضاف الحرمة إلى العين-مع أنّ الحرمة من الأحكام الشّرعيّة الّتي هي

ص: 579

من صفات فعل المكلّف،و ليست ممّا تتعلّق بالأعيان- إشارة إلى حرمة التّصرّف في الميتة.(2:41)

و تمام البحث في«م و ت-الميتة»فلاحظ.

2- كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ... آل عمران:93

ابن عبّاس: بالنّذر...حرّم يعقوب لحم الإبل و ألبانها على نفسه،فلمّا نزلت هذه الآية سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم اليهود،فقال:ما الّذي حرّم إسرائيل على نفسه من الطّعام؟

فقالوا:ما حرّم إسرائيل على نفسه شيئا من الطّعام، و كلّ ما هو اليوم حرام علينا،من نحو لحم الإبل و ألبانها و شحوم البقر و الغنم و غير ذلك،كان حراما على كلّ نبيّ من آدم إلى موسى صلوات اللّه عليهم،و تستحلّونه أنتم، و ادّعوا تحريم ذلك في التّوراة.(52)

نحوه الحسن(الطّبريّ 4:4)،و أبو العالية و عطاء و مقاتل(البغويّ 1:470)،و الماورديّ(1:409).

فإنّه حرّم على نفسه العروق؛و ذلك أنّه كان يشتكي عرق النّساء،فكان لا ينام اللّيل،فقال:و اللّه لئن عافاني اللّه منه لا يأكله لي ولد،و ليس مكتوبا في التّوراة.

(الطّبريّ 4:2)

أخذه-يعني إسرائيل-عرق النّساء،فكان لا يثبت باللّيل من شدّة الوجع،و كان لا يؤذيه بالنّهار،فحلف لئن شفاه اللّه لا يأكل عرقا أبدا،و ذلك قبل أن تنزّل التّوراة.(الطّبريّ 4:2)

نحوه مجاهد الطّبريّ(4:4)،و الضّحّاك(الطّبريّ 4:2)،و قتادة(الطّبريّ 4:4)،و أبو مجلز،و السّدّيّ (الطّبريّ 4:1).

حرّم العروق و لحوم الإبل.(الطّبريّ 4:5)

عكرمة :حرّم زائدتي الكبد و الكليتين و الشّحم إلاّ ما حملته الظّهور.(الطّبرسيّ 1:475)

الحسن :حرّم إسرائيل على نفسه لحم الجزور تعبّدا للّه تعالى،فسأل ربّه أن يجيز له ذلك فحرّمها اللّه على ولده.(البغويّ 1:470)

مجاهد :حرّم لحوم الأنعام.(الطّبريّ 4:5)

العوفيّ: إنّما كان محرّما عليهم بتحريم إسرائيل، فإنّه كان قد قال:إن عافاني اللّه تعالى لآكله و لا يأكله ولد لي،و لم يكن محرّما عليهم في التّوراة.

(البغويّ 1:470)

الكلبيّ: لم يحرّمه اللّه عليهم في التّوراة،و إنّما حرّم عليهم بعد التّوراة بظلمهم،كما قال اللّه تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ النّساء:160،و قال اللّه تعالى: وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ إلى أن قال: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَ إِنّا لَصادِقُونَ الأنعام:146،و كانت بنو إسرائيل إذا أصابوا ذنبا عظيما حرّم اللّه عليهم طعاما طيّبا،أو صبّ عليهم رجزا و هو الموت.

(البغويّ 1:470)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تحريم ذلك عليهم هل نزل في التّوراة أم لا؟فقال بعضهم:لمّا أنزل اللّه عزّ و جلّ التّوراة،حرّم عليهم من ذلك ما كانوا يحرّمونه قبل نزولها.[إلى أن قال:]

ص: 580

فتأويل الآية على هذا القول:كلّ الطّعام كان حلاّ لبني إسرائيل،إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة،فإنّ اللّه حرّم عليهم من ذلك،ما كان إسرائيل حرّمه على نفسه في التّوراة ببغيهم على أنفسهم،و ظلمهم لها.قل يا محمّد:فأتوا أيّها اليهود إن أنكرتم ذلك بالتّوراة،فاتلوها إن كنتم صادقين،إنّ اللّه لم يحرّم ذلك عليكم في التّوراة،و إنّكم إنّما تحرّمونه لتحريم إسرائيل إيّاه على نفسه.

و قال آخرون:ما كان شيء من ذلك عليهم حراما، و لا حرّمه اللّه عليهم في التّوراة،و إنّما هو شيء حرّموه على أنفسهم،اتّباعا لأبيهم،ثمّ أضافوا تحريمه إلى اللّه، فكذّبهم اللّه عزّ و جلّ في إضافتهم ذلك إليه،فقال اللّه عزّ و جلّ لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:قل لهم يا محمّد:إن كنتم صادقين،فأتوا بالتّوراة فاتلوها حتّى ننظر هل ذلك فيها، أم لا؟ليتبيّن كذبهم لمن يجهل أمرهم.[ثمّ ذكر قول الضّحّاك و قال:]

و تأويل الآية على هذا القول:كلّ الطّعام كان حلاّ لبني إسرائيل من قبل أن تنزّل التّوراة و بعد نزولها،إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة، بمعنى:لكن إسرائيل حرّم على نفسه من قبل أن تنزّل التّوراة بعض ذلك،و كأنّ الضّحّاك وجّه قوله:(الاّ ما حرّم...)إلخ إلى الاستثناء الّذي تسمّيه النّحويّون:

الاستثناء المنقطع.[إلى أن قال:]

و أولى الأقوال في ذلك عندنا بالصّواب،قول من قال:معنى ذلك:كلّ الطّعام كان حلاّ لبني إسرائيل من قبل أن تنزّل التّوراة،إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه،من غير تحريم اللّه ذلك عليه،فإنّه كان حراما عليهم بتحريم أبيهم إسرائيل ذلك عليهم،من غير أن يحرّمه اللّه عليهم في تنزيل،و لا بوحي قبل التّوراة،حتّى نزلت التّوراة، فحرّم اللّه عليهم فيها ما شاء،و أحلّ لهم فيها ما أحبّ.

و هذا قول قالته جماعة من أهل التّأويل،و هو معنى قول ابن عبّاس الّذي ذكرناه قبل.(4:1)

و اختلف أهل التّأويل في الّذي كان إسرائيل حرّمه على نفسه،فقال بعضهم:كان الّذي حرّمه إسرائيل على نفسه العروق.

و قال آخرون:بل الّذي كان إسرائيل حرّم على نفسه:لحوم الإبل و ألبانها.

و أولى هذه الأقوال بالصّواب،قول ابن عبّاس الّذي رواه الأعمش،عن حبيب،عن سعيد،عنه:أنّ ذلك العروق و لحوم الإبل،لأنّ اليهود مجمعة إلى اليوم على ذلك من تحريمهما،كما كان عليه من ذلك أوائلها.

(4:3)

الماورديّ: و اختلفوا في تحريم إسرائيل على نفسه،هل كان بإذن اللّه تعالى أم لا؟على اختلافهم في اجتهاد الأنبياء على قولين:

أحدهما:لم يكن إلاّ بإذنه،و هو قول من زعم أن ليس لنبيّ أن يجتهد.

و الثّاني:باجتهاده من غير إذن،و هو قول من زعم أنّ للنّبيّ أن يجتهد.

و اختلفوا في تحريم اليهود ذلك على أنفسهم على قولين:

أحدهما:أنّهم حرّموه على أنفسهم اتّباعا لإسرائيل.

ص: 581

و الثّاني:أنّ التّوراة نزلت بتحريمها فحرّموها بعد نزولها،و الأوّل أصحّ.(1:409)

الطّوسيّ: و كان إسرائيل-و هو يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم-نذر إن برأ من النّساء أن يحرّم أحبّ الطّعام و الشّراب إليه،و هو لحوم الإبل و ألبانها،فلمّا برأ وفى بنذره.

إن قيل:كيف يجوز للإنسان أن يحرّم على نفسه شيئا،و هو لا يعلم ما له فيه من المصلحة ممّا له فيه المفسدة؟

قلنا:يجوز ذلك إذا أذن اللّه له في ذلك،و أعلمه، و كان اللّه أذن لإسرائيل في هذا النّذر،فلذلك نذر.

و في النّاس من استدلّ بهذه الآية على أنّه يجوز للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يجتهد في الأحكام،لأنّه إذا كان أعلم و رأيه أفضل،كان اجتهاده أحقّ.

و هذا الّذي ذكروه إن جعل دليلا على أنّه كان يجوز أن يتعبّد النّبيّ بالاجتهاد،كان صحيحا،و إن جعل دليلا على أنّه كان متعبّدا به،فليس فيه دليل عليه،لأنّا قد بيّنّا أنّ إسرائيل ما حرّم ذلك إلاّ بإذن اللّه،فمن أين أنّ ذلك كان محرّما له من طريق الاجتهاد،فأمّا من امتنع من جواز تعبّد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالاجتهاد بأنّ ذلك يؤدّي إلى جواز مخالفة أمّته له،إذا أدّاهم الاجتهاد إلى خلاف اجتهاده فقد أبعد،لأنّه لا يمتنع أن يجتهد النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله الاجتهاد إلى خلاف ما أدّى اجتهاد الأمّة إليه،فوجب اتّباعه،و لا يلتفت إلى اجتهاد من يخالفه،كما أنّ الأمّة يجوز أن تجمع على حدّ عن اجتهاد،و إن لم يجز مخالفتها، فبطل قول الفريقين.(2:532)

الزّمخشريّ: و الّذي حرّم إسرائيل-و هو يعقوب عليه السّلام-على نفسه:لحوم الإبل و ألبانها.[إلى أن قال:]

و قيل:أشارت عليه الأطبّاء باجتنابه،ففعل ذلك بإذن من اللّه،فهو كتحريم اللّه ابتداء.

و المعنى:أنّ المطاعم كلّها لم تزل حلالا لبني إسرائيل من قبل إنزال التّوراة،و تحريم ما حرّم عليهم منها لظلمهم و بغيهم،لم يحرّم منها شيء قبل ذلك غير المطعوم الواحد الّذي حرّمه أبوهم إسرائيل على نفسه،فتبعوه على تحريمه.

و هو ردّ على اليهود و تكذيب لهم؛حيث أرادوا براءة ساحتهم ممّا نعى عليهم في قوله تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ إلى قوله تعالى: عَذاباً أَلِيماً النّساء:160،161،و في قوله: وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إلى قوله: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ الأنعام:146،و جحود ما غاظهم و اشمأزّوا منه و امتعضوا ممّا نطق به القرآن من تحريم الطّيّبات عليهم،لبغيهم و ظلمهم،فقالوا:لسنا بأوّل من حرّمت عليه و ما هو إلاّ تحريم قديم،كانت محرّمة على نوح و على إبراهيم و من بعده من بني إسرائيل،و هلمّ جرّا،إلى أن انتهى التّحريم إلينا،فحرّمت علينا كما حرّمت على من قبلنا.

و غرضهم تكذيب شهادة اللّه عليهم بالبغي و الظّلم و الصّدّ عن سبيل اللّه،و أكل الرّبا و أخذ أموال النّاس بالباطل،و ما عدّد من مساوئهم الّتي كلّما ارتكبوا منها

ص: 582

كبيرة حرّم عليهم نوع من الطّيّبات،عقوبة لهم.

(1:445)

ابن عطيّة: و ذهب كثير من المفسّرين إلى أنّ معنى الآية:الرّدّ على اليهود في قولهم في كلّ ما حرّموه على أنفسهم من الأشياء:إنّها محرّمة عليهم بأمر اللّه في التّوراة،فأكذبهم اللّه بهذه الآية،و أخبر أنّ جميع الطّعام كان حلاّ لهم،إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه خاصّة،و لم يرد به ولده،فلمّا استنّواهم به جاءت التّوراة بتحريم ذلك عليهم،و ليس من التّوراة شيء من الزّوائد الّتي يدّعون أنّ اللّه حرّمها،و إلى هذا تنحو ألفاظ السّدّيّ.

و قال:إنّ اللّه تعالى حرّم ذلك عليهم في التّوراة عقوبة لاستنانهم في تحريم شيء إنّما فعله يعقوب خاصّة لنفسه، قال:فذلك قوله تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ النّساء:160.

و الظّاهر في لفظة(ظلم)أنّها مختصّة بتحريم و نحوه، يدلّ على ذلك أنّ العقوبة وقعت بذلك النّوع.

و ذهب قوم من العلماء إلى أنّ معنى الآية:الرّدّ على قوم من اليهود قالوا:إنّ ما نحرّمه الآن على أنفسنا من الأشياء الّتي لم تذكر في التّوراة،كان علينا حراما في ملّة أبينا إبراهيم.فأكذبهم اللّه و أخبر أنّ الطّعام كلّه كان حلالا لهم قبل التّوراة إِلاّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ في خاصّته،ثمّ جاءت التّوراة بتحريم ما نصّت عليه، و بقيت هذه الزّوائد في حيّز افترائهم و كذبهم.

و إلى هذا تنحو ألفاظ ابن عبّاس رضي اللّه عنهما، و ترجم الطّبريّ في تفسير هذه الآية بتراجم،و أدخل تحتها أقوالا توافق تراجمه،و حمل ألفاظ الضّحّاك:أنّ الاستثناء منقطع.و كأنّ المعنى:كلّ الطّعام كان حلاّ لهم قبل نزول التّوراة و بعد نزولها.

فيرجع المعنى إلى القول الأوّل الّذي حكيناه،و حمل الطّبريّ قول الضّحّاك إنّ معناه:لكن إسرائيل حرّم على نفسه خاصّة،و لم يحرّم اللّه على بني إسرائيل في توراة و لا غيرها.

و هذا تحميل يردّ عليه قوله تعالى: حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ الأنعام:146،و قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«حرّمت عليهم الشّحوم»، إلى غير ذلك من الشّواهد،و قوله تعالى: حِلاًّ معناه:

حلالا،و«اسرايل»هو يعقوب،و انتزع من هذه الآية أنّ للأنبياء أن يحرّموا باجتهادهم على أنفسهم ما اقتضاه النّظر لمصلحة أو قربة أو زهد،و من هذا على جهة المصلحة تحريم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم جاريته،فعاتبه اللّه تعالى في ذلك و لم يعاتب يعقوب،فقيل:إنّ ذلك لحقّ آدميّ ترتّب في نازلة نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.و قيل:إنّ هذا تحريم تقرّب و زهد،و تحريم الجارية تحريم غضب و مصلحة نفوس.

و اختلف النّاس في الشّيء الّذي حرّمه يعقوب على نفسه،فقال يوسف بن ماهك:جاء أعرابيّ إلى ابن عبّاس فقال له:إنّه جعل امرأته عليه حراما،فقال ابن عبّاس:إنّها ليست عليك بحرام،فقال الأعرابيّ:و لم؟ و اللّه تعالى يقول في كتابه إِلاّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ فضحك ابن عبّاس،و قال:و ما يدريك ما حرّم إسرائيل؟

ثمّ أقبل على القوم يحدّثهم،فقال:إنّ إسرائيل عرضت له الأنساء فأضنته،فجعل للّه إن شفاه من ذلك

ص: 583

أن لا يطعم عرقا،قال:فلذلك اليهود تنزع العروق من اللّحم،و قال بمثل هذا القول قتادة و أبو مجلز و غيرهم.

و قال ابن عبّاس و الحسن بن أبي الحسن و عبد اللّه بن كثير و مجاهد أيضا:إنّ الّذي حرّم إسرائيل هو لحوم الإبل و ألبانها،و لم يختلف فيما علمت أن سبب التّحريم هو بمرض أصابه،فجعل تحريم ذلك شكرا للّه تعالى إن شفي.و قيل:هو وجع عرق النّساء.

و في حديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:أنّ عصابة من بني إسرائيل قالوا له:يا محمّد ما الّذي حرّم إسرائيل على نفسه؟فقال لهم:أنشدكم باللّه هل تعلمون أنّ يعقوب مرض مرضا شديدا فطال سقمه منه،فنذر للّه نذرا إن عافاه اللّه من سقمه ليحرّمنّ أحبّ الطّعام و الشّراب إليه،و كان أحبّ الطّعام إليه لحوم الإبل و ألبانها؟

قالوا:اللّهمّ نعم،و ظاهر الأحاديث و التّفاسير في هذا الأمر أنّ يعقوب عليه السّلام حرّم لحوم الإبل و ألبانها،و هو يحبّها،تقرّبا إلى اللّه بذلك؛إذ ترك التّرفّه و التّنعّم من القرب،و هذا هو الزّهد في الدّنيا،و إليه نحا عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه بقوله:إيّاكم و هذه المجازر،فإنّ لها ضراوة كضراوة الخمر.

و من ذلك قول أبي حازم الزّاهد،و قد مرّ بسوق الفاكهة فرأى محاسنها،فقال:موعدك الجنّة إن شاء اللّه، و حرّم يعقوب عليه السّلام أيضا العروق،لكن بغضة لها لما كان امتحن بها،و هذا شيء يعتري نفوس البشر في غير ما شيء،و ليس في تحريم العروق قربة فيما يظهر،و اللّه أعلم.

و قد روي عن ابن عبّاس:أنّ يعقوب حرّم العروق و لحوم الإبل،و أمر اللّه نبيّه محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم أن يأمرهم بالإتيان بالتّوراة،حتّى يبيّن منها كيف الأمر.

المعنى:فإنّه أيّها اليهود،كما أنزل اللّه عليّ لا كما تدّعون أنتم.قال الزّجّاج:و في هذا تعجيز لهم و إقامة الحجّة عليهم،و هي كقصّة المباهلة مع نصارى نجران.

(1:472)

الطّبرسيّ: اختلفوا في ذلك الطّعام...[ثمّ ذكر الأقوال و قال:]

و اختلف في أنّه عرق،كيف حرّمه على نفسه؟فقيل:

بالاجتهاد،و قيل:بالنّذر،و قيل:بنصّ ورد عليه، و قيل:حرّمه كما يحرّم المستظهر في دينه من الزّهّاد اللّذّة على نفسه.[ثمّ ذكر نحو الطّوسيّ](1:475)

الفخر الرّازيّ: [نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

ظاهر الآية يدلّ على أنّ إسرائيل حرّم ذلك على نفسه.و فيه سؤال،و هو أنّ التّحريم و التّحليل إنّما يثبت بخطاب اللّه تعالى،فكيف صار تحريم يعقوب عليه السّلام سببا لحصول الحرمة؟

و أجاب المفسّرون عنه من وجوه:

الأوّل:أنّه لا يبعد أنّ الإنسان إذا حرّم شيئا على نفسه فإنّ اللّه يحرّمه عليه.أ لا ترى أنّ الإنسان يحرّم امرأته على نفسه بالطّلاق،و يحرّم جاريته بالعتق، فكذلك جائز أن يقول اللّه تعالى:إن حرّمت شيئا على نفسك فأنا أيضا أحرّمه عليك.

الثّاني:أنّه عليه الصّلاة و السّلام ربّما اجتهد فأدّى اجتهاده إلى التّحريم،فقال بحرمته.و إنّما قلنا:إنّ الاجتهاد جائز من الأنبياء لوجوه:

ص: 584

الأوّل:قوله تعالى: فَاعْتَبِرُوا يا أُولِي الْأَبْصارِ الحشر:2،و لا شكّ أن الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام رؤساء أولي الأبصار.

الثّاني:قال: لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ النّساء:83،مدح المستنبطين،و الأنبياء أولى بهذا المدح.

و الثّالث:قال تعالى لمحمّد عليه الصّلاة و السّلام عَفَا اللّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنْتَ لَهُمْ التّوبة:43،فلو كان ذلك الإذن بالنّصّ،لم يقل: لِمَ أَذِنْتَ فدلّ على أنّه كان بالاجتهاد.

الرّابع:أنّه لا طاعة إلاّ و للأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام فيها أعظم نصيب،و لا شكّ أنّ استنباط أحكام اللّه تعالى بطريق الاجتهاد طاعة عظيمة شاقّة،فوجب أن يكون للأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام فيها نصيب، لا سيّما و معارفهم أكثر و عقولهم أنور و أذهانهم أصفى و توفيق اللّه و تسديده معهم أكثر،ثمّ إذا حكموا بحكم بسبب الاجتهاد يحرم على الأمّة مخالفتهم في ذلك الحكم، كما أنّ الإجماع إذا انعقد على الاجتهاد،فإنّه يحرم مخالفته.

و الأظهر الأقوى أنّ إسرائيل صلوات اللّه عليه،إنّما حرّم ذلك على نفسه بسبب الاجتهاد؛إذ لو كان ذلك بالنّصّ،لقال:إلاّ ما حرّم اللّه على إسرائيل.فلمّا أضاف التّحريم إلى إسرائيل،دلّ هذا على أنّ ذلك كان بالاجتهاد،و هو كما يقال:الشّافعيّ يحلّل لحم الخيل، و أبو حنيفة يحرّمه،بمعنى أنّ اجتهاده أدّى إليه،فكذا هاهنا.

الثّالث:يحتمل أنّ التّحريم في شرعه،كالنّذر في شرعنا،فكما يجب علينا الوفاء بالنّذر،كان يجب في شرعه الوفاء بالتّحريم.

الرّابع:قال الأصمّ:لعلّ نفسه كانت مائلة إلى أكل تلك الأنواع،فامتنع من أكلها قهرا للنّفس و طلبا لمرضاة اللّه تعالى،كما يفعله كثير من الزّهّاد،فعبّر عن ذلك الامتناع بالتّحريم.

الخامس:قال قوم من المتكلّمين:إنّه يجوز من اللّه تعالى أن يقول لعبده:احكم فإنّك لا تحكم إلاّ بالصّواب.

فلعلّ هذه الواقعة كانت من هذا الباب، و للمتكلّمين في هذه المسألة منازعات كثيرة،ذكرناها في أصول الفقه.

ظاهر هذه الآية يدلّ على أنّ الّذي حرّمه إسرائيل على نفسه فقد حرّمه اللّه على بني إسرائيل؛و ذلك لأنّه تعالى قال: كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ فحكم بحلّ كلّ أنواع المطعومات لبني إسرائيل،ثمّ استثنى عنه ما حرّمه إسرائيل على نفسه،فوجب بحكم الاستثناء أن يكون ذلك حراما على بني إسرائيل،و اللّه أعلم.

(8:148)

نحوه ملخّصا القرطبيّ.(4:135)

أبو حيّان :[نحو ابن عطيّة إلاّ أنّه قال:]

و هذا الاستثناء يحتمل الاتّصال و الانقطاع،فإن كان متّصلا كان التّقدير:إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه فحرّم عليهم في التّوراة،فليست فيها الزّوائد الّتي افتروها و ادّعوا تحريمها.و إن كان منقطعا كان التّقدير:

لكنّ إسرائيل حرّم ذلك على نفسه خاصّة و لم يحرّمه اللّه

ص: 585

على بني اسرائيل،و الاتّصال أظهر.[إلى أن قال:]

و اختلفوا في سبب التّحريم للطّعام الّذي حرّمه إسرائيل على بنيه و من بعدهم من اليهود،و هذا إذا قلنا بأنّ الاستثناء متّصل.أمّا إذا كان منقطعا فلم يحرّم عليهم.و قال عطيّة:حرّمها عليهم بتحريم إسرائيل و لم يكن محرّما في التّوراة.و روي عن ابن عبّاس أنّ يعقوب قال:إن عافاني اللّه لا يأكله لي ولد.[ثمّ ذكر قول الضّحّاك]

و قيل:لم يحرّم عليهم قبل نزول التّوراة و لا بعدها، و لا بتحريم إسرائيل عليهم و لا لموافقته،بل قالوا ذلك تحرّضا و افتراء.(3:3)

الآلوسيّ: [نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

و ذهب كثير إلى أنّ التّحريم كان بنصّ ورد عليه، و قال بعض:كان ذلك عن اجتهاد،و يؤيّده ظاهر النّظم، و به استدلّ على جوازه للأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام.

و الاستثناء متّصل،لأنّ المراد على كلّ تقدير أنّه حرّمه على نفسه و على أولاده.و قيل:منقطع، و التّقدير:و لكن حرّم إسرائيل على نفسه خاصّة،و لم يحرّمه عليهم؛و صحّ الأوّل.

مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ الظّاهر أنّه متعلّق بقوله تعالى: كانَ حِلاًّ و لا يضرّ الفصل بالاستثناء؛ إذ هو فصل جائز،و ذلك على مذهب الكسائيّ،و أبي الحسن في جواز أن يعمل ما قبل إلاّ فيما بعدها إذا كان ظرفا أو جارّا و مجرورا أو حالا.

و قيل:متعلّق ب(حرّم)،و تعقّبه أبو حيّان بأنّه بعيد؛ إذ هو من الإخبار بالواضح المعلوم ضرورة و لا فائدة فيه،و اعتذر عنه بأنّ فائدة ذلك بيان أنّ التّحريم مقدّم عليها و أنّ التّوراة مشتملة على محرّمات أخر حدثت عليهم حرجا و تضييقا.

و اختار بعضهم أنّه متعلّق بمحذوف،و التّقدير:كان حلاّ من قبل أن تنزّل التّوراة،في جواب سؤال نشأ من سابق المستثنى،كأنّه قيل:متى كان حلاّ؟فأجيب به.

و الّذي دعاه إلى ذلك عدم ظهور فائدة تقييد التّحريم، و لزوم قصر الصّفة قبل تمامها،على تقدير:جعله قيدا للحلّ.

و لا يخفي ما فيه،و المعنى على الظّاهر أنّ كلّ الطّعام ما عدا المستثنى كان حلاّ لبني إسرائيل قبل نزول التّوراة، مشتملة على تحريم ما حرّم عليهم لظلمهم؛و ذلك ردّ لليهود في دعواهم البراءة فيما نعى عليهم قوله تعالى:

فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ النّساء:160، و قوله سبحانه: وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا الأنعام:146، الآيتين،و تبكيت لهم في منع النّسخ،ضرورة أنّ تحريم ما كان حلالا لا يكون إلاّ به،و الطّعن في دعوى الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم موافقته لأبيه إبراهيم عليه السّلام،على ما دلّ عليه سبب النّزول.(4:2)

سيّد قطب :و هنا يردّهم القرآن إلى الحقيقة التّاريخيّة الّتي يتجاهلونها للتّشكيك في صحّة ما جاء في القرآن،من أنّه مصدّق للتّوراة،و أنّه مع هذا أحلّ للمسلمين بعض ما كان محرّما على بني إسرائيل.هذه الحقيقة هي أنّ كلّ الطّعام كان حلاّ لبني إسرائيل إِلاّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ و إسرائيل هو يعقوب عليه السّلام.

ص: 586

و تقول الرّوايات إنّه مرض مرضا شديدا،فنذر للّه لئن عافاه ليمتنعنّ-تطوّعا-عن لحوم الإبل و ألبانها، و كانت أحبّ شيء إلى نفسه،فقبل اللّه منه نذره.

و جرت سنّة بني إسرائيل على اتّباع أبيهم في تحريم ما حرّم،كذلك حرّم اللّه على بني إسرائيل مطاعم أخرى عقوبة لهم على معصيات ارتكبوها.و أشير إلى هذه المحرّمات في آية الأنعام وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ... الأنعام:146،و كانت قبل هذا التّحريم حلالا لبني إسرائيل.

يردّهم اللّه سبحانه إلى هذه الحقيقة،ليبيّن أنّ الأصل في هذه المطاعم هو الحلّ،و أنّها إنّما حرّمت عليهم لملابسات خاصّة بهم.فإذا أحلّها للمسلمين فهذا هو الأصل الّذي لا يثير الاعتراض،و لا الشّكّ في صحّة هذا القرآن،و هذه الشّريعة الإلهيّة الأخيرة.

و يتحدّاهم أن يرجعوا إلى التّوراة،و أن يأتوا بها ليقرءوها،و سيجدون فيها أنّ أسباب التّحريم خاصّة بهم،و ليست عامّة.(1:433)

الطّباطبائيّ: و قوله: إِلاّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ استثناء من الطّعام المذكور آنفا،و قوله: مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ متعلّق ب(كان)في الجملة الأولى،و المعنى لم يحرّم اللّه قبل نزول التّوراة شيئا من الطّعام على بني إسرائيل إلاّ ما حرّم إسرائيل على نفسه.

و في قوله تعالى: قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ دلالة على أنّهم كانوا ينكرون ذلك، أعني حلّيّة كلّ الطّعام عليهم قبل التّوراة،و يدلّ عليه أنّهم كانوا ينكرون النّسخ في الشّرائع و يحيلون ذلك-كما مرّ ذكره في ذيل قوله تعالى: ما نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِها... البقرة:106-فهم كانوا ينكرون بالطّبع قوله تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ النّساء:160.

و كذا يدلّ قوله تعالى بعد: قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ حَنِيفاً آل عمران:95،أنّهم كانوا يجعلون ما ينكرونه من حلّيّة كلّ الطّعام عليهم قبل التّوراة، و كون التّحريم إنّما نزل عليهم لظلمهم بنسخ الحلّ بالحرمة وسيلة إلى إلقاء الشّبهة على المسلمين،و الاعتراض على ما كان يخبر به رسول اللّه عليه السّلام عن ربّه أنّ دينه هو ملّة إبراهيم الحنيف،و هي ملّة فطريّة لا إفراط فيها و لا تفريط،كيف؟و هم كانوا يقولون:إنّ إبراهيم كان يهوديّا على شريعة التّوراة،فكيف يمكن أن تشتمل ملّته على حلّيّة ما حرّمتها التّوراة،و النّسخ غير جائز؟

فقد تبيّن أنّ الآية إنّما تتعرّض لدفع شبهة أوردتها اليهود،و يظهر من عدم تعرّض الآية لنقل الشّبهة عنهم، كما يجري عليه القرآن في غالب الموارد،كقوله تعالى:

وَ قالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ المائدة:64،و قوله:

وَ قالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النّارُ إِلاّ أَيّاماً مَعْدُودَةً البقرة، 80،و قوله: وَ قالُوا قُلُوبُنا غُلْفٌ البقرة:88،إلى غير ذلك من الآيات الكثيرة.

و كذا قوله تعالى بعد عدّة آيات: قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ مَنْ آمَنَ إلى أن قال:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تُطِيعُوا فَرِيقاً مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ يَرُدُّوكُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ كافِرِينَ الآيات، آل عمران 99،100.

ص: 587

و بالجملة يظهر من ذلك أنّها كانت شبهة تلقيها اليهود لا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بل على المؤمنين،في ضمن ما كانوا يتلاقون و يتحاورون.

و حاصلها:أنّه كيف يكون النّبيّ صادقا و هو يخبر بالنّسخ،و أنّ اللّه إنّما حرّم الطّيّبات على بني إسرائيل لظلمهم،و هذا نسخ لحلّ سابق لا يجوز على اللّه سبحانه، بل المحرّمات محرّمة دائما من غير إمكان بتغيير لحكم اللّه؟!و حاصل الجواب من النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بتعليم من اللّه تعالى:أنّ التّوراة ناطقة بكون كلّ الطّعام حلاّ قبل نزولها فأتوا بالتّوراة و اتلوها إن كنتم صادقين في قولكم،و هو قوله تعالى: كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إلى قوله: إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

فإن أبيتم الإتيان بالتّوراة و تلاوتها فاعترفوا بأنّكم المفترون على اللّه الكذب و أنّكم الظّالمون؛و ذلك قوله تعالى: (فَمَنِ افْتَرى) إلى قوله:(ظالمون).

و قد تبيّن بذلك أنّي صادق في دعوتي،فاتّبعوا ملّتي و هي ملّة إبراهيم حنيفا،و ذلك قوله تعالى: قُلْ صَدَقَ اللّهُ فَاتَّبِعُوا مِلَّةَ إِبْراهِيمَ...

و للمفسّرين في توضيح معنى الآية بيانات مختلفة، لكنّهم على أيّ حال ذكروا أنّ الآية متعرّضة لبيان شبهة أوردتها اليهود،مرتبطة بالنّسخ كما مرّ.

و أعجب ما قيل في المقام ما ذكره بعضهم:أنّ الآية متعرّضة لجواب شبهة أوردتها اليهود في النّسخ، و تقريرها:أنّ اليهود كأنّها قالت:إذا كنت يا محمّد على ملّة إبراهيم و النّبيّين بعده-كما تدّعي-فكيف تستحلّ ما كان محرّما عليه و عليهم كلحم الإبل؟أما و قد استبحت ما كان محرّما عليهم،فلا ينبغي لك أن تدّعي أنّك مصدّق لهم،و موافق في الدّين،و لا أن تخصّ إبراهيم بالذّكر، فتقول:إنّي أولى به.

و محصّل الجواب:أنّ كلّ الطّعام كان حلاّ لعامّة النّاس،و منهم بنو إسرائيل.لكن بني إسرائيل حرّموا أشياء على أنفسهم بما ارتكبوا من المعاصي و السّيّئات، كما قال تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ... النّساء:160،فالمراد ب(اسرائيل)شعب إسرائيل،كما هو مستعمل عندهم، لا يعقوب وحده،و معنى تحريمهم ذلك على أنفسهم:أنّهم ارتكبوا الظّلم و اجترحوا السّيّئات،فكانت سببا للتّحريم،و قوله: مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ متعلّق بقوله: حَرَّمَ إِسْرائِيلُ و لو كان المراد بقوله:(اسرائيل) هو يعقوب نفسه،لكان قوله: مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ لغوا زائدا من الكلام،لبداهة أنّ يعقوب كان قبل التّوراة زمانا،فلا وجه لذكره.

هذا محصّل ما ذكره،و ذكر بعض آخر نظير ما ذكره إلاّ أنّه قال:إنّ المراد من تحريم بني إسرائيل على أنفسهم:تحريمهم ذلك تشريعا من عند أنفسهم من غير أن يستند إلى وحي من اللّه سبحانه إلى بعض أنبيائهم، كما كانت عرب الجاهليّة تفعل ذلك،على ما قصّه اللّه تعالى في كتابه.

و قد ارتكبا جميعا من التّكلّف ما لا يرتضيه ذو خبرة،فأخرجا الكلام من مجراه،و عمدة ما حملهما على ذلك حملهما قوله تعالى: مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ على أنّه متعلّق بقوله: حَرَّمَ إِسْرائِيلُ مع كونه متعلّقا

ص: 588

بقوله:(كان حلاّ)في صدر الكلام،و قوله:(الاّ ما حرّم) استثناء معترض.

و من ذلك يظهر أن لا حاجة إلى أخذ(اسرائيل)بمعنى بني إسرائيل،كما توهّما مستندين إلى عدم استقامة المعنى دونه.

على أنّ إطلاق(اسرائيل)و إرادة:بني إسرائيل،و إن كان جائزا على حدّ قولهم:بكر و تغلب و نزار و عدنان:

يريدون بني بكر و بني تغلب و بني نزار و بني عدنان،لكنّه في«بني إسرائيل»من حيث الوقوع استعمال غير معهود عند العرب في عهد النّزول،و لا أنّ القرآن سلك هذا المسلك في هذه الكلمة،في غير هذا المورد الّذي يدّعيانه،مع أنّ(بنى اسرائيل)مذكور فيه فيما يقرب من أربعين موضعا،و من جملتها نفس الآية: كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ فما هو الفرق على قولهما بين الموضعين في الآية؟حيث عبّر عنهم أوّلا ب(بنى اسرائيل)ثمّ أردف ذلك بقوله:

(اسرائيل)مع أنّ المقام من أوضح مقامات الالتباس، و ناهيك في ذلك أنّ الجمّ الغفير من المفسّرين فهموا منه أنّ المراد به:يعقوب لا بنوه.

و من أحسن الشّواهد على أنّ المراد به:يعقوب قوله تعالى:(على نفسه)بإرجاع ضمير المفرد المذكّر إلى إسرائيل،و لو كان المراد به بني إسرائيل لكان من اللازم أن يقال:على نفسها أو على أنفسهم.(3:345)

مكارم الشّيرازيّ: لقد صرّحت الآية الأولى من هذه الآيات الثّلاث بتنفيذ كلّ المزاعم اليهوديّة حول تحريم بعض أنواع الطّعام الطّيّب،مثل لحوم الإبل و ألبانها،و ردّت على هذه الكذبة بقولها: كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ

أمّا لما ذا حرّم إسرائيل على نفسه بعض الأطعمة؟ و ما هو نوع الأطعمة الّتي حرّمها على نفسه؟فلم يرد في الآية أيّ توضيح بشأنها،بيد أنّ المستفاد من الرّوايات الإسلاميّة هو أنّ يعقوب كان-كما قيل-كلّما أكل من لحم الإبل أخذه وجع العرق الّذي يقال له:عرق النّساء، فعزم إن شفاه اللّه على أن يحرّم لحم الإبل على نفسه، فاقتدى به أتباعه في هذا،حتّى اشتبه الأمر على من أتوا من خلفهم فيما بعد،فتصوّر بعض أنّه تحريم إلهيّ، فاعتبروا ذلك حكما،و نسبوه إلى اللّه،و ادّعوا بأنّه حرّم عليهم لحم الإبل،فنزلت الآية تفنّد هذا الزّعم ببيان علّة الالتباس،و تصرّح بأنّ نسبة هذا التّحريم إلى اللّه سبحانه محض اختلاق.

و على هذا فقد كان كلّ الطّعام حلالا،و لم يكن شيء من الطّيّبات منه حراما على بني إسرائيل قبل نزول التّوراة،كما يفيد قوله سبحانه: مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ و إن كان قد حرّمت-بعد نزول التّوراة و مجيء موسى بن عمران-بعض الأطعمة الطّيّبة،على اليهود لظلمهم و عصيانهم،تنكيلا بهم،و جزاء لظلمهم...

(2:451)

فضل اللّه :كانت هذه الآيات من أجل أن تضع القضيّة في موضعها من الحقيقة الدّينيّة التّاريخيّة،و هي أنّ اللّه لم يحرّم على بني إسرائيل شيئا قبل نزول التّوراة، بل كانت الأطعمة كلّها حلالا منذ عهد إبراهيم حتّى عهد

ص: 589

يعقوب الّذي هو إسرائيل،الّذي منع نفسه من بعض الأطعمة لأنّه يعافها أو يتضرّر منها،لا على أساس التّحريم الشّرعيّ،فإنّه أعظم قدرا من أن يحرّم على نفسه شيئا قد أحلّه اللّه.

و هكذا استمرّت الشّريعة قبل نزول التّوراة؛و ذلك هو قوله تعالى: كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ لأنّ اللّه لم يحرّم منه شيئا عليهم إِلاّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ لأنّ اللّه لم يحرّم منه شيئا عليهم إِلاّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ و هو يعقوب عَلى نَفْسِهِ تحريما ذاتيّا لها من النّاحية المزاجيّة،فإنّ الإنسان قد يمنع نفسه من بعض الأشياء المحلّلة من أجل بعض الجوانب النّفسيّة،بعيدا عن عالم التّحريم و التّحليل،و كان ذلك: مِنْ قَبْلِ أَنْ تُنَزَّلَ التَّوْراةُ

و لمّا نزلت التّوراة حرّمت بعض الأشياء عقوبة لهم على ما قاموا به من بعض المعاصي،كما أشار إليه اللّه سبحانه في قوله تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً النّساء:160،و حرّمت عليهم أشياء أخرى منها ما ذكره اللّه في قوله: وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَ إِنّا لَصادِقُونَ الأنعام:146،و لم يرد في التّوراة تحريم لحم الإبل،فكيف يدّعون تحريمها و ينكرون على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حلّيّتها،ثمّ أطلق التّحدّي في وجوههم: قُلْ فَأْتُوا بِالتَّوْراةِ فَاتْلُوها إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ آل عمران:93،و لكنّهم لم يثبتوا أمام التّحدّي،لأنّهم يعرفون نتيجة ذلك في إظهار كذبهم، و زيف دعاويهم.

و هذا أسلوب لا بدّ من مراعاته،و اتّباعه مع النّاس الّذين ينسبون إلى الشّريعة تحليل شيء غير موجود فيها،أو ينكرون وجود بعض العقائد الباطلة في كتبهم، و هي موجودة فيها؛و ذلك كبعض الملحدين الّذين يتحرّكون في وضع سياسيّ و اقتصاديّ معيّن،فإذا تحدّث إليهم متحدّث بما عندهم من ذلك،و خافوا أن تعطّل هذه القضايا بعض خططهم و أهدافهم،و أنكروا وجودها اعتمادا على أنّ النّاس لا يقرءون،أو أنّهم لا يصلون إلى هذه الكتب،فيمكن للعاملين في سبيل الدّعوة إلى اللّه أن يطلبوا منهم إبراز كتبهم أمام النّاس ليظهروا ما فيها من شئون العقيدة في عالم الإلحاد و الإيمان،ليبرز من ذلك زيفهم و بطلان أساليبهم الخادعة.

فإذا وضحت الحقيقة من خلال ذلك،أو من خلال هروبهم عن إظهارها،فلا بدّ من أن يقفوا وقفة الصّدق أمام الحقيقة الواضحة فَمَنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ مِنْ بَعْدِ ذلِكَ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ آل عمران:94،الّذين يظلمون أنفسهم و يظلمون الحقيقة و النّاس الّذين يريدون الارتباط بالحقيقة،على أساس الحجّة و البرهان.(6:154)

3- ..إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَ مَأْواهُ النّارُ... المائدة:72

ابن عبّاس: أن يدخلها.(98)

الطّبريّ: أن يسكنها في الآخرة.(6:313)

ص: 590

الطّوسيّ: و التّحريم هاهنا،هو تحريم منع لا تحريم عبادة.(3:602)

الزّمخشريّ: الّتي هي دار الموحّدين،أي حرّمه دخولها و منعه منه،كما يمنع المحرّم من المحرّم عليه.

(1:634)

نحوه أبو السّعود(2:304)و البروسويّ(2:422)

الطّبرسيّ: [مثل الطّوسيّ و قال:]و معناه فإنّ اللّه يمنعه الجنّة.(2:228)

الفخر الرّازيّ: و احتجّ أصحابنا على أنّ عقاب الفسّاق لا يكون مخلّدا.قالوا:و ذلك لأنّه تعالى جعل أعظم أنواع الوعيد و التّهديد في حقّ المشركين:هو أنّ اللّه حرّم عليهم الجنّة و جعل مأواهم النّار،و أنّه ليس لهم ناصر ينصرهم و لا شافع يشفع لهم،فلو كان حال الفسّاق من المؤمنين كذلك،لما بقي لتهديد المشركين على شركهم بهذا الوعيد فائدة.(12:59)

الشّربينيّ: أي منعه من دخولها منعا متحتّما، فإنّها دار الموحّدين.(1:388)

الآلوسيّ: لأنّها[الجنّة]دار الموحّدين،و المراد يمنع من دخولها كما يمنع المحرّم عليه من المحرّم، فالتّحريم مجاز مرسل،أو استعارة تبعيّة للمنع؛إذ لا تكليف ثمّة.و إظهار الاسم الجليل في موقع الإضمار لتهويل الآمر و تربية المهابة.(6:207)

الطّباطبائيّ: و قوله: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ يدلّ على أنّ من يجعل للّه شريكا في ألوهيّته فهو مشرك كافر محرّم عليه الجنّة.

و في قوله تعالى حكاية عنه[عيسى]عليه السّلام: فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَ مَأْواهُ النّارُ وَ ما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ عناية بإبطال ما ينسبونه إلى المسيح من حديث التّفدية،و أنّه عليه السّلام باختياره الصّلب فدى بنفسه عنهم، فهم مغفور لهم مرفوع عنهم التّكاليف الإلهيّة، و مصيرهم إلى الجنّة،و لا يمسّون نارا،كما تقدّم نقل ذلك عنهم في تفسير سورة آل عمران في قصّة عيسى عليه السّلام، فقصّة التّفدية و الصّلب إنّما سيقت لهذا الغرض.(6:69)

4- وَ ما لَكُمْ أَلاّ تَأْكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ...

الأنعام:119

ابن عبّاس: من الميتة و الدّم و لحم الخنزير.(118)

الطّبريّ: و اختلفت القرّاء في قول اللّه جلّ ثناؤه:

وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ فقرأه بعضهم بفتح أوّل الحرفين من(فصّل)و(حرّم)،أي فصّل ما حرّمه من مطاعمكم،فبيّنه لكم.

و قرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين وَ قَدْ فَصَّلَ بفتح فاء فصّل،و تشديد صاده، (ما حرّم) بضمّ حائه و تشديد رائه،بمعنى:و قد فصّل اللّه لكم المحرّم عليكم من مطاعمكم.

و قرأ ذلك بعض المكّيّين و بعض البصريّين (و قد فصّل لكم) بضمّ فائه،و تشديد صاده (ما حرّم عليكم) بضمّ حائه و تشديد رائه،على وجه ما لم يسمّ فاعله في الحرفين كليهما.

و روي عن عطيّة العوفيّ أنّه كان يقرأ ذلك (و قد فصل) بتخفيف الصّاد و فتح الفاء،بمعنى:و قد أتاكم

ص: 591

حكم اللّه فيما حرّم عليكم.

و الصّواب من القول في ذلك عندنا،أن يقال:إنّ كلّ هذه القراءات الثّلاث الّتي ذكرناها-سوى القراءة الّتي ذكرناها عن عطيّة-قراءات معروفات مستفيضة القراءة بها في قرّاء الأمصار،و هنّ متّفقات المعاني،غير مختلفات،فبأيّ ذلك قرأ القارئ فمصيب فيه الصّواب.(8:12)

الزّجّاج: و حرّم جميعا،أي فصّل لكم الحلال من الحرام،و أحلّ لكم في الاضطرار ما حرّم عليكم.

(2:286)

الطّوسيّ: قرأ نافع و حفص عن عاصم وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ بفتح الفاء و الصّاد و الحاء و الرّاء، و قرأ ابن كثير و أبو عمرو،و ابن عامر (فصّل) و (حرّم) بضمّ الفاء و الحاء،و قرأ حمزة و الكسائيّ و أبو بكر (فصّل) بفتح الفاء،و (حرّم) بضمّ الحاء.

من ضمّ الفاء و الحاء،فلقوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ... المائدة:3،فهنا تفصيل هذا العامّ بقوله:(حرّم)و كذلك(فصّل)لأنّ هذا المفصّل هو ذلك المحرّم الّذي حلّ في هذه الآية.

و من فتحهما فلقوله: أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ الأنعام:

151،و كذلك قوله: اَلَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هذا الأنعام:150،و لأنّه قال: وَ ما لَكُمْ أَلاّ تَأْكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَ قَدْ فَصَّلَ فينبغي أن يكون الفعل مبنيّا للفاعل،لتقدّم ذكر اسم اللّه.

و من فتح الفاء و ضمّ الحاء،فلقوله: فَصَّلْنَا الْآياتِ الأنعام:97،و قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ المائدة:3.[إلى أن قال:]

و قوله: وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ يعني ما ذكره في مواضع من قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ...

و غيرها.(4:273)

الزّمخشريّ: (و قد فصّل لكم)و قد بيّن لكم،(ما حرّم عليكم)ممّا لم يحرّم،و هو قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ المائدة:3،و قرئ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ على تسمية الفاعل،و هو اللّه عزّ و جلّ.(2:46)

ابن عطيّة: أي قد بيّن لكم الحرام من الحلال،و أزيل عنكم اللّبس و الشّكّ.[و ذكر القراءات،و بعد قراءة العوفيّ قال:]

و المعنى:قد فصل الحرام من الحلال و انتزعه بالنّبيّين.و(ما)في قوله: إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ يريد بها من جميع ما حرّم كالميتة و غيرها.(2:338)

نحوه القرطبيّ.(7:73)

الفخر الرّازيّ: [ذكر القراءات نحو الطّوسيّ و قال:]

أكثر المفسّرين قالوا:المراد منه قوله تعالى في أوّل سورة المائدة: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ.

و فيه إشكال:و هو أنّ سورة الأنعام مكّيّة و سورة المائدة مدنيّة،و هي آخر ما أنزل اللّه بالمدينة.و قوله:

وَ قَدْ فَصَّلَ يقتضي أن يكون ذلك المفصّل مقدّما على هذا المجمل،و المدنيّ متأخّر عن المكّيّ،و المتأخّر يمتنع كونه متقدّما.بل الأولى أن يقال:المراد بعد هذه الآية قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ

ص: 592

يَطْعَمُهُ الأنعام:145،و هذه الآية و إن كانت مذكورة بعد هذه الآية بقليل،إلاّ أنّ هذا القدر من التّأخير لا يمنع أن يكون هو المراد،و اللّه أعلم.(13:166)

الشّربينيّ: أي ممّا لم يحرّم في آية: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ المائدة:3،تفصيلا واضح البيان ظاهر البرهان.[ثمّ ذكر القراءات](1:446)

أبو السّعود : ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ بقوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً الأنعام:145،فبقي ما عدا ذلك على الحلّ لا بقوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ المائدة:3،لأنّها مدنيّة،و أمّا التّأخّر في التّلاوة،فلا يوجب التّأخّر في النّزول.و قرئ الفعلان على البناء للمفعول،و قرئ الأوّل للبناء للفاعل،و الثّاني للمفعول.(2:437)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و يجوز أن يحمل على التّفصيل بالوحي الغير المتلوّ، كما ذهب إليه سعدي چلبي المفتي،و جعله أولى عنده.(3:92)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود،و اكتفى بنقل كلام الفخر الرّازيّ](8:14)

فضل اللّه :في ما فصّله من المحرّمات في كتابه،فإنّه لم يذكر فيها تحريم ذلك،فكيف تتوقّفون فيه لمجرّد كلمة تسمعونها من مشرك؟(9:302)

5 و 6- ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ...

الأنعام:143،144

ابن عبّاس: أ جاء تحريم البحيرة و الوصيلة من قبل ماء الذّكرين أو من قبل ماء الأنثيين؟(121)

نحوه ابن جريج.(الطّبريّ 8:66)

قتادة :إنّ كلّ هذا لم أحرّم منه قليلا و لا كثيرا،ذكرا و لا أنثى.(الطّبريّ 8:66)

السّدّيّ: يقول تعالى:أنزلت لكم ثمانية من هذا الّذي عددت،ذكر و أنثى،فالذّكرين حرّمت عليكم،أم الأنثيين؟أم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين؟

يقول:و ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين إلاّ على ذكر أو أنثى،فما حرّمت عليكم ذكرا و لا أنثى من الثّمانية،و إنّما ذكر هذا من أجل ما حرّموا من الأنعام.

(254)

ابن زيد :أيّ هذين حرّم على هؤلاء،أي أن تكون لهؤلاء حلاّ،و على هؤلاء حراما.(الطّبريّ 8:67)

الفرّاء: أ جاءكم التّحريم فيما حرّمتم من السّائبة و البحيرة و الوصيلة و الحام من الذّكرين أم من الأنثيين؟ فلو قالوا:من قبل الذّكر حرّم عليهم كلّ ذكر،و لو قالوا:

من قبل الأنثى حرّمت عليهم كلّ أنثى.(1:360)

نحوه الشّربينيّ(1:454)،و الطّوسيّ(4:325).

الطّبريّ: قل يا محمّد لهؤلاء الّذين حرّموا ما حرّموا من الحرث و الأنعام،اتّباعا للشّيطان من عبدة الأوثان و الأصنام،الّذين زعموا أنّ اللّه حرّم عليهم ما هم محرّمون من ذلك: آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ ربّكم أيّها الكذبة

ص: 593

على اللّه من الضّأن و المعز.فإنّهم إن ادّعوا ذلك و أقرّوا به،كذّبوا أنفسهم،و أبانوا جهلهم،لأنّهم إذا قالوا:يحرّم الذّكرين من ذلك،و أوجبوا تحريم كلّ ذكرين من ولد الضّأن و المعز،و هم يستمتعون بلحوم الذّكران منها و ظهورها،و في ذلك فساد دعواهم،و تكذيب قولهم:

(ام الانثيين).

فإنّهم إن قالوا:حرّم ربّنا الأنثيين،أوجبوا تحريم لحوم كلّ أنثى من ولد الضّأن و المعز على أنفسهم و ظهورها،و في ذلك أيضا تكذيب لهم،و دحض دعواهم أنّ ربّهم حرّم ذلك عليهم؛إذ كانوا يتمتّعون بلحوم بعض ذلك و ظهوره.(8:65)

الزّجّاج: هذا احتجاج عليهم بيّن اللّه عزّ و جلّ به فريتهم و كذبهم فيما ادّعوه،من أنّ ما في بطون الأنعام حلال للذّكور و محرّم على الإناث،و ما حرّموا من سائر ما وصفنا،فقيل لهم: آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ فإن كان حرّم من الغنم ذكورها فكلّ ذكورها حرام،و إن كان حرّم الأنثيين فكلّ الإناث حرام،و إن كان حرّم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين فقد حرّم الأولاد،و كلّها أولاد فكلّها حرام.

و كذلك الاحتجاج في قوله: وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ. [إلى أن قال:]

و قد بيّن الاحتجاج أنّهم لا يؤمنون بنبيّ و لا يدّعون أنّ نبيّا خبّرهم عن اللّه أنّ هذا حرام،و لا أنّهم شاهدوا اللّه قد حرّم ذلك.(2:299)

الثّعلبيّ: و ذلك أنّهم كانوا يقولون:هذه أنعام و حرث حجر،و قالوا:أمّا في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا و محرّم على أزواجنا:فحرّموا البحيرة و السّائبة و الوصيلة و الحام.فلمّا قام الإسلام و ثبتت الأحكام جادلوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و كان خطيبهم يومئذ مالك بن عوف و أبو النّضر النّصريّ،فقال:يا محمّد رأينا أنّك تحرّم ما كان آباؤنا يفعلونه؟

فقال لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:إنّكم قد حرّمتم أصنافا من النّعم على غير[رجالكم]إنّ اللّه خلق هذه الأزواج الثّمانية للأكل و الانتفاع بها،فمن أين حرّمت ذكران هذه النّعم على نسائكم دون رجالكم؟

فإن زعمتم أنّ تحريمه من أجل الذّكران،وجب أن تحرّموا كلّ ذكر،لأنّ للذّكر فيها حظّا.و إن زعمتم أنّ تحريمه من جهة الأنثى،وجب أن تحرّموا كلّ أنثى،لأنّ للإناث فيها حظّا.و إن زعمتم أنّ تحريمه لاجتماع الذّكر و الأنثى فيه و ما اشتمل الرّحم عليه،وجب أن تحرّموا الذّكر و الأنثى و الحيّ و الميّت،لأنّه لا يكون ولد إلاّ من ذكر و أنثى،و لا يشتمل الرّحم إلاّ على ذكر و أنثى،فلم تحرّمون بعضا و تحلّون بعضا؟فسكت.(4:200)

الماورديّ: إبطالا لما حرّمته الجاهليّة منها في البحيرة،و السّائبة،و الوصيلة،و الحام.[إلى أن قال:] و أنّ هذه الثّمانية أزواج حلال،لا يحرم منها شيء بتحريمكم.(2:181)

البغويّ: (قل)يا محمّد: آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ اللّه عليكم،يعني ذكر الضّأن و المعز.[ثمّ أدام نحو الثّعلبيّ](2:165)

الزّمخشريّ: و المعنى إنكار أن يحرّم اللّه تعالى من جنسي الغنم ضأنها و معزها شيئا من نوعي ذكورها

ص: 594

و إناثها،و لا ممّا تحمل إناث الجنسين،و كذلك الذّكران من جنسي الإبل و البقر و الأنثيان منهما و ما تحمل إناثهما؛ و ذلك أنّهم كانوا يحرّمون ذكورة الأنعام تارة و إناثها تارة و أولادهما كيفما كانت ذكورا و إناثا أو مختلطة تارة، و كانوا يقولون:قد حرّمها اللّه،فأنكر ذلك عليهم.

(2:57)

ابن عطيّة: هذا تقسيم على الكفّار حتّى يتبيّن كذبهم على اللّه،أي لا بدّ أن يكون حرّم الذّكرين، فيلزمكم تحريم جميع الذّكور،أو الأنثيين فيلزمكم تحريم جميع الإناث،أم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين فيلزمكم تحريم الجميع،و أنتم لم تلتزموا شيئا ممّا يوجبه هذا التّقسيم،و في هذه السّؤالات تقرير و توبيخ.[إلى أن قال:]

وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ... القول في هذه الآية في المعنى و ترتيب التّقسيم كالقول المتقدّم في قوله: مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ... و كأنّه قال:أنتم الّذين تدّعون أنّ اللّه حرّم خصائص من هذه الأنعام لا يخلو تحريمه من أن يكون في(الذّكرين)أو فيما اِشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ لكنّه لم يحرّم لا هذا و لا هذا،فلم يبق إلاّ أنّه لم يقع تحريم.(2:355)

الطّبرسيّ: (الذّكرين)من الضّأن و المعز(حرّم)اللّه (ام الانثيين)منهما أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أي أم حرّم ما اشتمل عليه رحم الأنثى من الضّأن و الأنثى من المعز.و إنّما ذكر اللّه سبحانه هذا على وجه الاحتجاج عليهم،بيّن به فريتهم و كذبهم على اللّه تعالى فيما ادّعوا:

من أنّ ما في بطون الأنعام حلال للذّكور و حرام على الإناث،و غير ذلك ممّا حرّموه.

فإنّهم لو قالوا:حرّم الذّكرين؟لزمهم أن يكون كلّ ذكر حراما،و لو قالوا:حرّم الأنثيين؟لزمهم أن يكون كلّ أنثى حراما،و لو قالوا:حرّم ما اشتمل عليه رحم الأنثى من الضّأن و المعز؟لزمهم تحريم الذّكور و الإناث.فإنّ أرحام الإناث تشتمل على الذّكور و الإناث،فيلزمهم بزعمهم تحريم هذا الجنس صغارا و كبارا و ذكورا و إناثا.

و لم يكونوا يفعلون ذلك بل كانوا يخصّون بالتّحريم بعضا دون بعض،فقد لزمتهم الحجّة.(2:377)

الفخر الرّازيّ: قال المفسّرون:إنّ المشركين من أهل الجاهليّة كانوا يحرّمون بعض الأنعام،فاحتجّ اللّه تعالى على إبطال قولهم،بأن ذكر الضّأن و المعز و الإبل و البقر،و ذكر من كلّ واحد من هذه الأربعة زوجين، ذكرا و أنثى.

ثمّ قال:إن كان حرّم منها الذّكر،وجب أن يكون كلّ ذكورها حراما،و إن كان حرّم الأنثى،وجب أن يكون كلّ إناثها حراما،و قوله: أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ تقديره:إن كان حرّم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين،وجب تحريم الأولاد كلّها،لأنّ الأرحام تشتمل على الذّكور و الإناث.هذا ما أطبق عليه المفسّرون في تفسير هذه الآية.

و هو عندي بعيد جدّا،لأنّ لقائل أن يقول:هب أنّ هذه الأنواع الأربعة-أعني:الضّأن و المعز،و الإبل، و البقر-محصورة في الذّكور و الأناث،إلاّ أنّه لا يجب أن تكون علّة تحريم ما حكموا بتحريمه محصورة في الذّكورة و الأنوثة،بل علّة تحريمها كونها بحيرة أو سائبة أو وصيلة

ص: 595

أو حاما أو سائر الاعتبارات.

كما أنّا إذا قلنا:إنّه تعالى حرّم ذبح بعض الحيوانات لأجل الأكل،فإذا قيل:إنّ ذلك الحيوان إن كان قد حرّم لكونه ذكرا وجب أن يحرّم كلّ حيوان ذكر،و إن كان قد حرّم لكونه أنثى وجب أن يحرّم كلّ حيوان أنثى،و لمّا لم يكن هذا الكلام لازما علينا،فكذا هذا الوجه الّذي ذكره المفسّرون في تفسير هذه الآية،و يجب على العاقل أن يذكر في تفسير كلام اللّه تعالى وجها صحيحا.

فأمّا تفسيره بالوجوه الفاسدة فلا يجوز؛و الأقرب عندي فيه وجهان:

أحدهما:أن يقال:إنّ هذا الكلام ما ورد على سبيل الاستدلال على بطلان قولهم،بل هو استفهام على سبيل الإنكار،يعني أنّكم لا تقرّون بنبوّة نبيّ،و لا تعرفون شريعة شارع،فكيف تحكمون بأنّ هذا يحلّ و أنّ ذلك يحرم؟!

و ثانيهما:أنّ حكمهم بالبحيرة و السّائبة و الوصيلة و الحام مخصوص بالإبل،فاللّه تعالى بيّن أنّ النّعم عبارة عن هذه الأنواع الأربعة،فلمّا لم تحكموا بهذه الأحكام في الأقسام الثّلاثة-و هي الضّأن و المعز و البقر-فكيف خصصتم الإبل بهذا الحكم على التّعيين؟فهذا ما عندي في هذه الآية،و اللّه أعلم بمراده.(13:217)

القرطبيّ: و المعنى:قل لهم:إن كان حرّم الذّكور فكلّ ذكر حرام،و إن كان حرّم الأناث فكلّ أنثى حرام.

و إن كان حرّم ما اشتملت عليه أرحام الأنثيين-يعني من الضّأن و المعز-فكلّ مولود حرام،ذكرا كان أو أنثى.

و كلّها مولود فكلّها إذا حرام،لوجود العلّة فيها.فبيّن انتفاض علّتهم و فساد قولهم،فأعلم اللّه سبحانه أنّ ما فعلوه من ذلك افتراء عليه نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ أي بعلم إن كان عندكم،من أين هذا التّحريم الّذي فعلتموه؟و لا علم عندهم،لأنّهم لا يقرءون الكتب.

و القول في: وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ و ما بعده،كما سبق.(7:115)

نحوه ملخّصا المراغيّ.(8:54)

أبو حيّان :[نحو الثّعلبيّ و أضاف:]

فأمّا تخصيص التّحريم بالولد الخامس أو السّابع أو ببعض دون بعض فمن أين؟[إلى أن قال:]

و هذا الاستفهام هو استفهام إنكار و توبيخ و تقريع؛ حيث نسبوا ما حرّموه إلى اللّه تعالى،و كانوا مرّة يحرّمون الذّكور و مرّة الإناث و مرّة أولادها ذكورا أو إناثا أو مختلطة،فبيّن تعالى أنّ هذا التّقسيم هو من قبل أنفسهم لا من قبله تعالى.(4:239)

أبو السّعود :و المعنى إنكار أنّ اللّه سبحانه حرّم عليهم شيئا من الأنواع الأربعة،و إظهار كذبهم في ذلك، و تفصيل ما ذكر من الذّكور و الإناث و ما في بطونها للمبالغة في الرّدّ عليهم،بإيراد الإنكار على كلّ مادّة من موادّ افترائهم،فإنّهم كانوا يحرّمون ذكور الأنعام تارة و إناثها تارة و أولادها-كيفما كانت-تارة أخرى، مسندين ذلك كلّه إلى اللّه سبحانه.

و إنّما عقّب تفصيل كلّ واحد من نوعي الصّغار و نوعي الكبار بما ذكر من الأمر بالاستفهام و الإنكار،مع حصول التّبكيت بإيراد الأمر عقيب تفصيل الأنواع الأربعة،بأن يقال:قل:آلذّكور حرّم أم الإناث أم

ص: 596

اشتملت عليه أرحام الإناث،لما في التّثنية و التّكرير من المبالغة في التّبكيت و الإلزام.(2:453)

مثله القاسميّ.(6:2531)

البروسويّ: و المعنى إنكار أنّ اللّه تعالى حرّم عليهم شيئا من الأنواع الأربعة ذكرا و أنثى،أو ما يحمل إناثها ردّا عليهم.

فإنّهم كانوا يحرّمون ذكور الأنعام تارة كالحام،فإنّه إذا انتجت من صلب الفحل عشرة أبطن حرّموه،و لم يمنعوه ماء و لا مرعى،و قالوا:إنّه قد حمي ظهره.

و كالوصيلة فإنّ الشّاة إذا ولدت أنثى فهي لهم،و إن ولدت ذكرا فهو لآلهتهم،و إن ولدتهما وصلت الأنثى أخاها.

و يحرّمون إناثها تارة كالبحيرة و السّائبة،فإنّه إذا أنتجت النّاقة خمسة أبطن آخرها ذكر،بحروا أذنها و خلّوا سبيلها،فلا تركب و لا تحلب.و كان الرّجل منهم يقول:إن شفيت فناقتي سائبة،و يجعلها كالبحيرة في تحريم الانتفاع بها.

و كانوا إذا ولدت النّوق البحائر و السّوائب فصيلا حيّا،حرّموا لحم الفصيل على النّساء دون الرّجال،و إن ولدت فصيلا ميتا اشترك الرّجال و النّساء في لحم الفصيل،و لا يفرّقون بين الذّكور و الإناث في حقّ الأولاد.(3:113)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود ثمّ أضاف:]

و إنّما لم يل المنكّر و هو التّحريم الهمزة،و الجاري في الاستعمال أنّ ما نكّر وليها،لأنّ ما في النّظم الكريم أبلغ.

و بيانه-على ما قال السّكّاكيّ-أنّ إثبات التّحريم يستلزم إثبات محلّه لا محالة،فإذا انتفى محلّه-و هو الموارد الثّلاثة-لزم انتفاء التّحريم على وجه برهانيّ،كأنّه وضع الكلام موضع من سلّم أنّ ذلك قد كان،ثمّ طالبه ببيان محلّ،كي يتبيّن كذبه و يفتضح عند المحاقّة.و إنّما يورد سبحانه الأمر عقيب تفصيل الأنواع الأربعة،بأن يقال:(قل الذّكور حرّم أم الأناث أمّا اشتملت عليه أرحام الأناث)لما في التّكرير من المبالغة أيضا في الإلزام و التّبكيت.[ثمّ ذكر كلام الفخر الرّازيّ](8:41)

رشيد رضا :أي قل لهم أيّها الرّسول:أحرّم اللّه الذّكرين من كلّ واحد من الزّوجين وحدهما-كما يدلّ عليه تقديم المفعول على عامله-أم الأنثيين وحدهما،أم الأجنّة الّتي اشتملت عليها أرحام إناث الزّوجين كليهما، سواء أ كانت ذكورا أم إناثا؟و الاستفهام للإنكار،أي أنّه لم يحرّم شيئا من هذه الثّلاث.

و بهذا السّؤال التّفصيليّ يظهر للمتفكّر فيه منهم أنّه لا وجه يعقل لقولهم،لأنّ ترتيب الحكم على الوصف بالذّكورة أو الأنوثة أو الحمل يكون لغوا أو جهالة فاضحة إذا لم يكن تعليلا،و التّعليل بهذه الأوصاف لا وجه له و يلزمه ما لا يقولون به،و بعدمه يلزمهم التّحكّم في أحكام اللّه،و كون الافتراء عليه بغير أدنى علم و لا عقل.[إلى أن قال:]

و قد لخّص السّيّد الآلوسيّ أقوال المفسّرين في هذه الآية أحسن تلخيص،بقوله في«روح المعاني».[ثمّ ذكره و أضاف:]

و أقول:إنّ قول الرّازيّ:إنّ علّة تحريم ما حرّموا من الأنعام،هي كونها بحيرة أو سائبة أو وصيلة،لا كونها

ص: 597

ذكرا أو أنثى أو حملا لها،فيه أنّ الإنكار عليهم في جعلهم إيّاها كذلك،كما هو صريح آية المائدة،فهو جهل لا يعقل أن يكون علّة للتّحريم،فالحرام منه مثل الحلال،و ما ذكر في التّفصيل في الإنكار يذكّر المفكّر المستقلّ،بأنّ ما قالوه عين الجهل،و هو ما انفردنا ببيانه آنفا.(8:141)

سيّد قطب :هذه الأنعام الّتي يدور حولها الجدل، و الّتي ذكر في الآية السّابقة أنّ اللّه خلقها لهم،هي ثمانية أزواج-و كلّ من الذّكر و الأنثى يطلق عليه لفظ زوج عند ما يكون مع رفيقه-زوج من الضّأن و زوج من المعز،فأيّ منها حرّمه اللّه على أيّ من النّاس؟أم إنّه حرّم أجنّتها في البطون؟

نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

فهذه الشّئون لا يفتى فيها بالظّنّ،و لا يقضى فيها بالحدس،و لا يشرّع فيها بغير سلطان معلوم.

و بقيّة الأزواج ذكر و أنثى من الإبل،و ذكر و أنثى من البقر،فأيّها كذلك حرّم؟أم أجنّتها هي الّتي حرّمها اللّه على النّاس؟و من أين هذا التّحريم؟

أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصّاكُمُ اللّهُ بِهذا؟ فحضرتم و شهدتم وصيّة اللّه لكم خاصّة بهذا التّحريم،فما ينبغي أن يكون هناك تحريم بغير أمر من اللّه مستيقن،لا يرجع فيه إلى الرّجم و الظّنون.

و بهذا يردّ أمر التّشريع كلّه إلى مصدر واحد،و قد كانوا يزعمون أنّ اللّه هو الّذي شرّع هذا الّذي يشرّعونه.(3:1224)

عبد الكريم الخطيب :إنكار على المشركين هذا الّذي شرّعوه من حلّ بعضها و حرمة بعضها،كما ذكر اللّه سبحانه و تعالى عنهم ذلك في قوله: وَ قالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَ حَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاّ مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ الأنعام:138،و قوله سبحانه: وَ قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَ مُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا الأنعام:139،فهذا هو حكم اللّه فيها الإباحة المطلقة.

فمن أين جاءهم هذا القول الّذي يقولونه فيها؟ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ و إنّه لا علم عندهم،و لكنّها أوهام و أباطيل.(4:329)

مكارم الشّيرازيّ: و بعد ذكر هذه الأزواج الأربعة،يأمر تعالى نبيّه فورا بأن يسألهم بصراحة:هل أنّ اللّه حرّم الذّكور منها أم الإناث: قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ ؟ أم أنّه حرّم عليهم ما في بطون الإناث من الأغنام أم ما في بطون الإناث من المعز؟ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ؟

ثمّ يضيف قائلا:إذا كنتم صادقين في أنّ اللّه حرّم شيئا ممّا تدّعونه،و كان لديكم ما يدلّ على تحريم أيّ واحد من هذه الأنعام،فهاتوا دليلكم على ذلك:

نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

ثمّ في الآية اللاّحقة يبيّن الأزواج الأربعة الأخرى من الأنعام الّتي خلقها اللّه للبشر؛إذ يقول:و خلق من الإبل ذكرا و أنثى،و من البقر ذكرا و أنثى،فأيّ واحد من هذه الأزواج حرّم اللّه عليكم:الذّكور منها أم الإناث؟أم ما في بطون الإناث من الإبل و البقر: وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ...؟

و حيث إنّ الحكم بتحليل هذه الأنعام و تحريمها إنّما هو بيد اللّه خالقها،و خالق البشر و خالق العالم كلّه،و من

ص: 598

هنا يتوجّب على كلّ من يدّعي تحليل أو تحريم شيء منها،إمّا أن يثبت ذلك عن طريق شهادة العقل،و إمّا أن يكون قد أوحي له بذلك،أو يكون حاضرا عند النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عند صدور هذا الحكم منه،أو نزوله عليه.

و لقد صرّح في الآية السّابقة بأنّه لم يكن لدى المشركين أيّ دليل علميّ أو عقليّ على تحريم هذه الأنعام؛و حيث إنّهم لم يدّعوا أيضا نزول الوحي عليهم، أو النّبوّة،فعلى هذا يبقى الاحتمال الثّالث فقط،و هو أن يدّعوا أنّهم حضروا عند أنبياء اللّه و رسله يوم أصدروا هذه الأحكام،و لهذا يقول اللّه لهم في مقام الاحتجاج عليهم:هل حضرتم عند الأنبياء و شهدتم أمر اللّه لهم بتحليل أو تحريم شيء من هذه الأنعام: أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصّاكُمُ اللّهُ بِهذا؟

و حيث إنّ الجواب على هذا السّؤال هو الآخر بالنّفى و السّلب،يثبت أنّهم ما كانوا يمتلكون في هذا المجال إلاّ الافتراء،و لا يسندون إلاّ إلى الكذب.(4:454)

7- قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ... (الأنعام:150)

راجع«ش ه د:شهداء».

8- ..وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ. الأنعام:151

راجع«ق ت ل-و لا تقتلوا».

9- قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ... الأعراف:32

راجع«ز ي ن-زينة».

10- قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ. الأعراف:33

راجع ف ح ش:«الفواحش».

11- إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ... النّحل:115

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره مكذّبا المشركين الّذين كانوا يحرّمون ما ذكرنا،من البحائر و غير ذلك:ما حرّم اللّه عليكم أيّها النّاس إلاّ الميتة و الدّم و لحم الخنزير،و ما ذبح للأنصاب،فسمّي عليه غير اللّه،لأنّ ذلك من ذبائح من لا يحلّ أكل ذبيحته،فمن اضطرّ إلى ذلك،أو إلى شيء منه لمجاعة،حلّت.(14:188)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا حصر المحرّمات في تلك الأربع،بالغ في تأكيد ذلك الحصر،و زيّف طريقة الكفّار في الزّيادة على هذه الأربع تارة،و في نقصانها أخرى،فإنّهم كانوا يحرّمون البحيرة و السّائبة و الوصيلة و الحام.و كانوا يقولون:ما في بطون هذه الأنعام خالصة لذكورنا و محرّم على أزواجنا،فقد زادوا في المحرّمات،و زادوا أيضا في المحلّلات؛و ذلك لأنّهم حلّلوا الميتة و الدّم و لحم الخنزير و ما أهلّ به لغير اللّه تعالى،فاللّه تعالى بيّن أنّ المحرّمات هي هذه الأربعة، و بيّن أنّ الأشياء الّتي يقولون:إنّ هذا حلال و هذا حرام، كذب و افتراء على اللّه.(20:131)

النّيسابوريّ: المراد أنّكم لمّا آمنتم و تركتم الكفر،

ص: 599

فكلوا الحلال الطّيّب و هو الغنيمة،و اتركوا الخبائث و هو الميتة و الدّم،أو أنّه سبحانه أعاد تحريم هذه الأشياء في البقرة و في المائدة و الأنعام،و في هذه السّورة قطعا للأعذار و إزالة للشّبهة.[ثمّ أدام نحو الفخر الرّازيّ ملخّصا](14:128)

أبو حيّان :لما بيّن تعالى ما حرّم،بالغ في تأكيد ذلك بالنّهي عن الزّيادة فيما حرّم كالبحيرة و السّائبة،و فيما أحلّ كالميتة و الدّم.و ذكر تعالى تحريم هؤلاء الأربع في سورة الأنعام و هذه السّورة[النّحل]-و هما مكّيّتان- بأداة الحصر،ثمّ كذلك في سورة البقرة و المائدة بقوله:

أُحِلَّتْ لَكُمْ...، و أجمعوا على أنّ المراد«مما يتلى عليكم»هو قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ... و هما مدنيّتان، فكان هذا التّحريم لهذه الأربع مشرّعا ثانيا في أوّل مكّة و آخرها،و أوّل المدينة و آخرها،فنهى تعالى أن يحرّموا و يحلّوا من عند أنفسهم،و يفتروا بذلك على اللّه؛حيث ينسبون ذلك إليه.(5:544)

نحوه الشّربينيّ.(2:267)

أبو السّعود :تعليل لحلّ ما أمرهم بأكله ممّا رزقهم،أي إنّما حرّم هذه الأشياء دون ما تزعمون حرمته من البحائر و السّوائب و نحوها.(4:100)

البروسويّ: أي أكلها،و هي ما لم تلحقه الذّكاة...

أي إنّما حرّم هذه الأشياء دون ما تزعمون حرمته من البحائر و السّوائب و نحوهما،و تنحصر المحرّمات فيها إلاّ ما ضمّه إليها دليل،كالسّباع و الحمر الأهليّة.(5:90)

الآلوسيّ: تعليل لحلّ ما أمرهم بأكله ممّا رزقهم، و الحصر إضافيّ على ما قال غير واحد،أي إنّما حرّم أكل هذه الأشياء دون ما تزعمون من البحائر و السّوائب و نحوها،فلا ينافي تحريم غير المذكورات كالسّباع و الحمر الأهليّة.

و قيل:الحصر على ظاهره،و السّباع و نحوها لم تحرّم قبل،و إنّما حرّمت بعد،و ليس الحصر إلاّ بالنّظر إلى الماضي.[ثمّ ذكر قول الفخر الرّازيّ و قال:]

فتفطّن و لا تغفل.(14:246)

الطّباطبائيّ: و الآية بمعناها-على اختلاف ما في لفظها-واقعة في أربعة مواضع من القرآن:في سورتي الأنعام و النّحل؛و هما مكّيّتان من أوائل ما نزلت بمكّة و أواخرها،و في سورتي البقرة و المائدة؛و هما من أوائل ما نزلت بالمدينة و أواخرها،و هي تدلّ على حصر محرّمات الأكل في الأربع المذكورة:الميتة و الدّم و لحم الخنزير و ما أهلّ لغير اللّه به،كما نبّه عليه بعضهم.

لكن بالرّجوع إلى السّنّة يظهر أنّ هذه هي المحرّمات الأصليّة الّتي عني بها في الكتاب،و ما سوى هذه الأربع من المحرّمات ممّا حرّمه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بأمر من ربّه،و قد قال تعالى: ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا الحشر:7،و قد تقدّم بعض الرّوايات الدّالّة على هذا المعنى.(12:365)

عبد الكريم الخطيب :هو بيان لتلك المآكل الخبيثة الّتي يجب على المؤمن باللّه أن يتجنّبها،حتّى يكون مأكله حلالا طيّبا،و تلك المآكل الخبيثة هي:

الميتة،و الدّم،و لحم الخنزير،و ما ذكر اسم غير اسم اللّه عليه.(7:386)

مكارم الشّيرازيّ: فلسفة تحريم ما يذبح لغير اللّه

ص: 600

-حيث كانوا بدلا من ذكر اسم اللّه عند الذّبح يذكرون أسماء أصنامهم أو لا يتلفّظون بشيء-فليست صحّيّة بل هي أخلاقيّة و معنويّة؛حيث نعلم بعدم كفاية علّة التّحليل و التّحريم في الإسلام،بملاحظة الجانب الصّحّيّ للموضوع،بل من المحرّمات ذات جانب معنويّ صرف، و حرّمت بلحاظ تهذيب الرّوح و النّظر إلى الجنبة الأخلاقيّة،و قد يأتي التّحريم في بعض الحالات حفظا للنّظام الاجتماعيّ.

فتحريم أكل لحم ما لم يذكر عليه اسم اللّه،إنّما كان بلحاظ أخلاقيّ.فمن جهة يكون التّحريم حربا على الشّرك و عبادة الأصنام،و من جهة أخرى يكون دعوة إلى خالق هذه النّعم.

و يستفاد من المحتوى العامّ للآية و الآيات التّالية:أنّ الإسلام يوصي بالاعتدال في تناول اللّحوم،ليس كالّذين حرّموا على أنفسهم تناول اللّحم،و اكتفوا بالأغذية النّباتيّة،و لا كالّذين أحلّوا لأنفسهم أكل اللّحوم أيّا كانت كأهل الجاهليّة،و البعض ممّن يدّعي التّمدّن في عصرنا الحاضر،ممّن يجيزون أكل كلّ لحم كالسّحالي و السّرطان و أنواع الدّيدان.

جواب عن سؤال:

و هنا يأتي السّؤال التّالي:ذكرت الآية المباركة أربعة أقسام من الحيوانات المحرّمة الأكل أو أجزائها،و الّذي نعلمه أنّ المحرّم من اللّحوم أكثر ممّا ذكر،حتّى أنّ بعض السّور القرآنيّة قد ذكرت من المحرّمات أكثر من أربعة أقسام،كما في الآية:3 من سورة المائدة،فلما ذا حدّدت الآية أربعة أشياء فقط؟

و جواب السّؤال-كما قلنا في تفسير الآية:145 من سورة الأنعام-:أنّ الحصر الموجود في الآية هو حصر إضافيّ،أي أنّ المقصود من استعمال(انّما)في هذه الآيات لنفي و إبطال البدع الّتي كان يقول بها المشركون في تحريم بعض الحيوانات،و كأنّ القرآن يقول لهم:هذه الأشياء حرام،لا ما تقولون.

و ثمّة احتمال آخر،و هو أن تكون هذه المحرّمات الأربعة هي المحرّمات الأصليّة أو الأساسيّة؛حيث إنّ المنخنقة المذكورة في الآية:3،من سورة المائدة داخلة في إحدى الأقسام الأربعة الميتة.

أمّا المحرّمات الأخرى من أجزاء الحيوانات أو أنواعها-كالوحوش-فتأتي في الدّرجة الثّانية،و لذا أتى حكم تحريمها بطريق سنّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله؛و عليه فيمكن أن يكون الحصر في الآية حصرا حقيقيّا،فتأمّل.

(8:317)

فضل اللّه :فعليكم أن لا تأكلوا من ذلك كلّه،لأنّ اللّه لم يحرّمه إلاّ لاستخباثه الّذي يخرجه عن الطّيّب الّذي أحلّه اللّه لعباده،سواء كان ذلك لجهة العناصر المادّيّة المضرّة فيه،أو لجهة العناصر الرّوحيّة السّلبيّة.و قد تحدّثنا عن مضمون هذه الآية في ما قدّمناه من تفسير الآية المماثلة في سورة البقرة الآية:173،و في سورة المائدة الآية:3،و في سورة الأنعام الآية:145 فليراجع التّفسير في مكانه.(13:314)

12- وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً. الإسراء:33

ص: 601

راجع«ق ت ل-تقتلوا».

13- وَ لا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَ لا يَزْنُونَ. الفرقان:68

راجع«ق ت ل-يقتلون».

حرّمها

إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ وَ أُمِرْتُ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْمُسْلِمِينَ.

النّمل:91

النّبيّ عليه السّلام:ألا إنّ اللّه قد حرّم مكّة يوم خلق السّماوات و الأرض،فهي حرام بحرام اللّه إلى يوم القيامة،لا ينفّر صيدها و لا يعضد شجرها،و لا يختلى خلاها،و لا تحلّ لقطتها إلاّ لمنشد...(العروسيّ 4:105)

ابن عبّاس: أي جعلها حرما.(322)

الطّبريّ: و هي مكّة،الّذي حرّمها على خلقه أن يسفكوا فيها دما حراما،أو يظلموا فيها أحدا،أو يصاد صيدها،أو يختلى خلاها،دون الأوثان الّتي تعبدونها أيّها المشركون.(20:24)

نحوه البغويّ.(3:520)

الزّجّاج: و قد قرئت (الّتى حرّمها) و قد قرئ بها لكنّها قليلة،ف(الّتى)في موضع خفض من نعت البلدة.

(4:130)

الماورديّ: و تحريمها هو تعظيم حرمتها،و الكفّ عن صيدها و شجرها.(4:231)

الطّوسيّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

و قيل:(حرّمها)حتّى أمن الوحش فيها،فلا يعدو الكلب على الغزال،و لا على الطّير،و لو خرج من الحرم لنفر أشدّ النّفور.(8:125)

الميبديّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

و قيل:حرّمها على الجبابرة حتّى لا يتملّكها جبّار و يدّعيها لنفسه.(7:264)

الزّمخشريّ: و وصف ذاته بالتّحريم الّذي هو خاصّ،وصفها فأجزل بذلك قسمها في الشّرف و العلوّ، و وصفها بأنّها محرّمة،لا ينتهك حرمتها إلاّ ظالم مضادّ لربّه وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ الحجّ:25،لا يختلى خلاها و لا يعضد شجرها،و لا ينفّر صيدها،و اللاّجئ إليها آمن.(3:163)

ابن عطيّة: و في قوله:(حرّمها)تعديد نعمته على قريش،في رفع اللّه تعالى عن بلدهم الغارات و الفتن الشّائعة،في جميع بلاد العرب.(4:274)

الطّبرسيّ: أي جعلها حرما آمنا،يحرم فيها ما يحلّ في غيرها،لا ينفّر صيدها و لا يختلى خلاها و لا يقتصّ فيها.(4:237)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله: اَلَّذِي حَرَّمَها فقرئ (الّتى حرّمها) .و إنّما وصفها بالتّحريم لوجوه:

أحدها:أنّه حرّم فيها أشياء على من يحجّ.

و ثانيها:أنّ اللاّجئ إليها آمن.

و ثالثها:لا ينتهك حرمتها إلاّ ظالم،و لا يعضد شجرها،و لا ينفّر صيدها.

و إنّما ذكر ذلك،لأنّ العرب كانوا معترفين بكون مكّة محرّمة،و علموا أنّ تلك الفضيلة ليست من الأصنام

ص: 602

بل من اللّه تعالى،فكأنّه قال:لمّا علمت و علمتم أنّه سبحانه هو المتولّي لهذه النّعم،وجب عليّ أن أخصّه بالعبادة.(24:222)

القرطبيّ: [نحو المفسّرين و أضاف:]

و قرأ ابن عبّاس: (الّتي حرّمها) نعتا ل(البلدة).

و قراءة الجماعة(الّذى)هو في موضع نصب نعت ل(ربّ).

و لو كان بالألف و اللاّم لقلت:المحرّمها،فإن كانت نعتا للبلدة قلت:المحرّمها هو،لا بدّ من إظهار المضمر مع الألف و اللاّم،لأنّ الفعل جرى على غير من هو له.

فإن قلت: اَلَّذِي حَرَّمَها لم تحتج أن تقول:هو.

(13:246)

أبو حيّان :و(البلدة):مكّة،و أسند التّحريم إليه تشريفا لها و اختصاصا،و لا تعارض بين قوله: اَلَّذِي حَرَّمَها، و قوله عليه السّلام:«إنّ إبراهيم حرّم مكّة و إنّي حرّمت المدينة»،لأنّ إسناد ذلك إلى اللّه من حيث كان بقضائه و سابق علمه،و إسناده إلى إبراهيم من حيث كان ظهور ذلك بدعائه و رغبته،و تبليغه لأمّته.[ثمّ قال نحو ابن عطيّة و أضاف:]

و قرأ الجمهور (الّذى) صفة ل(ربّ)،و قرأ ابن مسعود و ابن عبّاس (الّتي حرّمها) صفة ل(البلدة).(7:102)

أبو السّعود :و(البلدة)هي مكّة المعظّمة، و تخصيصها بالإضافة لتفخيم شأنها و إجلال مكانها، و التّعرّض لتحريمه تعالى إيّاها تشريف لها بعد تشريف، و تعظيم إثر تعظيم،مع ما فيه من الإشعار بعلّة الأمر، و موجب الامتثال به،كما في قوله تعالى: فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ* اَلَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ قريش:3،4،و من الرّمز إلى غاية شناعة ما فعلوا فيها.

ألا يرى أنّهم مع كونها محرّمة من أن تنتهك حرمتها باختلاء خلاها و عضد شجرها و تنفير صيدها،و إرادة الإلحاد فيها بوجه من الوجوه،قد استمرّوا فيها على تعاطي أفجر أفراد الفجور،و أشنع آحاد الإلحاد؛حيث تركوا عبادة ربّها،و نصبوا فيها الأوثان،و عكفوا على عبادتها،قاتلهم اللّه أنّى يؤفكون.

و قرئ (حرمها) بالتّخفيف.(5:108)

البروسويّ: و التّحريم:جعل الشّيء حراما،أي ممنوعا منه.و التّعرّض لتحريمه تعالى إيّاها إجلال لها، و معناه:يحرّمها من انتهاك حرمتها بقطع شوكها و شجرها و نباتها،و تنفير صيدها،و إرادة الإلحاد فيها بوجه من الوجوه،و في الحديث:«إنّ مكّة حرّمها اللّه و لم يحرّمها النّاس»أي كان تحريمها من اللّه بأمر سماويّ لا من النّاس باجتهاد شرعيّ.و أمّا قوله عليه السّلام:«إنّ إبراهيم حرّم مكّة»فمعناه:أظهر الحرمة الثّابتة،أو دعا فحرّمها اللّه حرمة دائمة.

و معنى الآية:قل لقومك يا محمد:أمرت من قبل اللّه أن أخصّه وحده بالعبادة،و لا اتّخذ له شريكا،فاعبدوه أنتم ففيه عزّكم و شرفكم،و لا تتّخذوا له شريكا،و قد ثبتت عليكم نعمته بتحريم بلدتكم.(6:377)

الآلوسيّ: [مثل أبي السّعود ثمّ قال:]

و لا تعارض بين ما في الآية من نسبة تحريمها إليه عزّ و جلّ،و ما في قوله عليه الصّلاة و السّلام:«إنّ إبراهيم

ص: 603

عليه السّلام حرّم مكّة و أنا حرّمت المدينة»من نسبة تحريمها إلى إبراهيم عليه السّلام،لأنّ ماهنا باعتبار أنّه هو المحرّم في الحقيقة، و ما في الحديث باعتبار أنّ إبراهيم عليه السّلام مظهر لحكمه عزّ شأنه.(20:39)

الطّباطبائيّ: و المشار إليها بهذه الإشارة مكّة المشرّفة،و في الكلام تشريفها من وجهين:إضافة «الرّبّ»إليها،و توصيفها بالحرمة؛حيث قال: رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها و فيه تعريض لهم؛حيث كفروا بهذه النّعمة؛نعمة حرمة بلدتهم،و لم يشكروا اللّه بعبادته،بل عدلوا إلى عبادة الأصنام.(15:406)

مكارم الشّيرازيّ: أعبد ربّ هذه البلدة المقدّسة اَلَّذِي حَرَّمَها و جعل لها خصائص و أحكاما و حرمة،و أمورا أخر لا تتمتّع بها أيّة بلدة أخرى في الأرض.(12:145)

فضل اللّه :فهو الّذي خلقها بجبالها و سهولها و ناسها و حيوانها و نباتها،و هو الّذي أعطاها صفة القداسة عند ما جعلها حرما آمنا يأوي إليه كلّ النّاس،من دون أن يخافوا عدوّا،حينما حرّم فيها القتال على كلّ من في داخلها أو خارجها،و هو الّذي يستحقّ العبادة.فإذا دعوتكم لعبادته وحده،فإنّني أوّل من يلتزم بذلك و يقوم به.و إذا دعوتكم لرفض عبادة الأصنام من موقع أنّها مصنوعة من الأحجار أو الأخشاب،فإنّني أوّل الرّافضين لذلك كلّه.(17:253)

حرّمهما

وَ نادى أَصْحابُ النّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قالُوا إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ. الأعراف:50

ابن عبّاس: يعني ثمار الجنّة و الماء.(128)

ابن زيد :طعام أهل الجنّة و شرابها.

(الطّبريّ 8:201)

نحوه القرطبيّ.(7:215)

و الهاء و الميم في قوله: إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُما عائدتان على الماء،و على(ما)الّتي في قوله: أَوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ. (الطّبريّ 8:201)

الجبّائيّ: طلبوا شيئا من نعيم الجنّة،فأجابهم أهل الجنّة بتحريم المنع لا تحريم العبادة،فقالوا: إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ (الطّوسيّ 4:446)

الميبديّ: أي ماء الجنّة و طعامها تحريم منع.

(3:620)

الزّمخشريّ: منعهم شراب الجنّة و طعامها،كما منع المكلّف ما يحرم عليه و يحذر،كقوله:

*حرام على عينيّ أن تطعم الكرى*

(2:82)

مثله الشّربينيّ.(1:478)

أبو البركات: و لم يقل:حرّمه،و إن كان التّقدير:

أفيضوا علينا أحد هذين،لأنّ(او)هاهنا للإباحة،و هي لتجويز الجمع،كقولهم:جالس الحسن أو ابن سيرين، فيجوز أن يجمع بينهما،فأشبهت الواو الّتي للجمع فحملت عليها،و إن كانت«أو»لتجويز الجمع،و الواو لإيجاب الجمع.

و الدّليل على أنّهم يقيمونها مقامها،قول الشّاعر:

ص: 604

و كان سيّان أن لا يسرحوا نعما

أو يسرحوه بها و اغبرّت السّوح

(1:363)

النّيسابوريّ: أي منعهم شراب الجنّة و طعامها، كما يمنع المكلّف ما يحرم عليه،و هذه نهاية الحسرة و الخيبة،أعاذنا اللّه منها.(8:123)

نحوه البروسويّ.(3:171)

أبو حيّان :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و إخبارهم بذلك هو عن أمر اللّه.(4:305)

أبو السّعود :أي منعهما منهم منعا كلّيّا،فلا سبيل إلى ذلك قطعا.(2:496)

رشيد رضا :الحرام في اللّغة:الممنوع،و التّحريم و هو المنع،قسمان:تحريم بالحكم و التّكليف كتحريم اللّه الفواحش و المنكرات،و أرض الحرم أن يؤخذ صيدها أو يقطع شجرها أو يختلى خلاها،أي ينزع حشيشها الرّطب.

و تحريم بالفعل أو القهر،كتحريم الجنّة و ما فيها على الكافرين في هذه الآية،و في قوله: إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَ مَأْواهُ النّارُ المائدة:72، أي قال أهل الجنّة جوابا عن هذا الاستجداء:إنّ اللّه قد حرّم ماء الجنّة و رزقها على الكافرين كما حرّم عليهم دخولها،فلا يمكن إفاضة شيء منهما عليهم و هم في النّار، فإنّ لهم ماءها الحميم،و طعامها من الضّريع و الزّقّوم.

(8:439)

مكارم الشّيرازيّ: حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ إشارة إلى أنّ أهل الجنّة بأنفسهم،ليسوا هم الّذين يمتنعون عن إعطاء شيء من هذه النّعم لأهل النّار،لأنّه لا يقلّ منها شيء بسبب الإعطاء،و لا أنّهم يحملون حقدا أو ضغينة على أحد في صدورهم،حتّى بالنّسبة إلى أعدائهم،و لكن وضع أهل النّار إنّما هو على نحو لا يمكن أن يستفيدوا من نعم الجنّة.

إنّ هذا الحرمان-في الحقيقة-نوع من الحرمان التّكوينيّ،مثل حرمان كثير من المرضى من الأطعمة اللّذيذة المتنوّعة.(5:61)

فضل اللّه :لأنّه قضى عليهم بالعذاب في الدّار الآخرة،و حرمهم من كلّ نعيمها،و نحن لا نملك التّصرّف في ذلك إلاّ بأمر اللّه و لم يأذن لنا اللّه بذلك،لأنّكم من الكافرين.(10:135)

حرّموا

قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ حَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِراءً عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّوا وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ. الأنعام:140

ابن عبّاس: (و حرّموا)على النّساء.(120)

الطّبريّ: و تحريم ما حرّمت عليهم من أموالهم، فقتلوا طاعة لها أولادهم،و حرّموا ما أحلّ اللّه لهم و جعله لهم رزقا من أنعامهم.(8:51)

الطّوسيّ: يعني ما حرّموه على نفوسهم من الحرث،بزعمهم أنّه حجر.و قال الحسن:إنّه راجع إلى الأنعام.و قال الرّمّانيّ:لا يجوز ذلك،لأنّها محرّمة عليهم بحجّة العقل حتّى يأتي بسمع.(4:317)

البغويّ: يعني البحيرة و السّائبة و الوصيلة و الحام.

ص: 605

(2:164)

نحوه أبو السّعود(2:451)،و البروسويّ(3:

111)،و الآلوسيّ(8:37).

الطّبرسيّ: يعني الأنعام و الحرث الّذين زعموا أنّها حجر،عن الحسن.و اعترض عليّ بن عيسى على هذا، فقال:الأنعام كانت محرّمة حتّى ورد السّمع،فما قاله غير صحيح.

و هذا الاعتراض يفسد من حيث إنّ الرّكوب لا يحتاج إلى السّمع و إن احتاج الذّبح إليه،لأنّ الرّكوب مباح إذا قام بمصالحها،و لأنّ أكلها أيضا بعد الذّبح مباح.

(2:374)

القرطبيّ: أخبر بخسرانهم لوأدهم البنات، و تحريم البحيرة و غيرها بعقولهم.(7:96)

مكارم الشّيرازيّ: في هذه العبارة إدانة أخرى لأعمالهم،فهم أوّلا:حرّموا على أنفسهم النّعمة الّتي رزقهم إيّاها و حلّلها عليهم،و كانت ضروريّة لحياتهم، فنقضوا بذلك قانون اللّه.

و هم ثانيا:افتروا على اللّه قائلين:إنّه هو الّذي أمر بذلك.(4:446)

حرّمنا

1- وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما.... الأنعام:146

الماورديّ: هذا التّحريم على الّذين هادوا إنّما هو تكليف بلوى و عقوبة.(2:183)

ابن عطيّة: لمّا ذكر اللّه عزّ و جلّ ما حرّم على أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،أعقب ذلك بذكر ما حرّم على اليهود،لما في ذلك من تكذيبهم في قولهم:إنّ اللّه لم يحرّم علينا شيئا، و إنّما حرّمنا على أنفسنا ما حرّمه إسرائيل على نفسه، و قد تقدّم القول في سورة البقرة.(2:357)

أبو حيّان :مناسبة هذه لما قبلها أنّه لمّا بيّن أنّ التّحريم إنّما يستند للوحي الإلهيّ،أخبر أنّه حرّم على بعض الأمم السّابقة أشياء كما حرّم على أهل هذه الملّة أشياء،ممّا ذكرها في الآية قبل.فالتّحريم إنّما هو راجع إلى اللّه تعالى في الأمم جميعها،و في قوله:(حرّمنا) تكذيب اليهود في قولهم:إنّ اللّه لم يحرّم علينا شيئا،و إنّما حرّمنا على أنفسنا ما حرّمه إسرائيل على نفسه.(4:243)

الشّربينيّ: أي بسبب ظلمهم عليهم.(1:456)

مكارم الشّيرازيّ: في الآيات السّابقة حصرت الحيوانات المحرّمة في أربعة،غير أنّ هاتين الآيتين تشيران إلى بعض ما حرّم على اليهود،ليتبيّن أنّ أحكام الوثنيّين الخرافيّة،و المجهولة لا تنطبق لا على أحكام الإسلام،و لا على دين اليهود،بل و لا على دين المسيح الّذي يتّبع في أكثر أحكامه الدّين اليهوديّ.

ثمّ إنّه قد صرّح في هذه الآيات أنّ هذا النّوع من المحرّمات على اليهود،كان له طابع المعاقبة و صفة المجازاة، و لو أنّ اليهود لم تقترف ما اقترفته من الجنايات و المخالفات لما حرّم عليها حتّى هذه الأمور،و على هذا الأساس لسائل أن يسأل الوثنيّين:من أين أتيتم بهذه الأحكام المصطنعة؟

و لهذا يقول سبحانه في البداية: وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ. (4:461)

ص: 606

و تمام الكلام سيأتي في:«ظ ف ر-ظفر»فراجع

2- وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ فَقالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ وَ هُمْ لَهُ ناصِحُونَ.

(القصص:12

ابن عبّاس: على موسى.(324)

كان لا يؤتى بمرضع فيقبلها.(الطّبريّ 20:40)

نحوه قتادة.(الطّبريّ 20:41)

مجاهد :لا يرضع ثدي امرأة حتّى يرجع إلى أمّه.

(الطّبريّ 20:40)

نحوه الرّجّاج.(4:135)

السّدّيّ: أرادوا له المرضعات،فلم يأخذ من أحد من النّساء،و جعل النّساء يطلبن ذلك لينزلن عند فرعون في الرّضاع،فأبى أن يأخذ،فقالت أخته: هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى أَهْلِ بَيْتٍ... فلمّا جاءت أمّه أخذ منها، و أخذوا أخته و قالوا:إنّك قد عرفت هذا الغلام فدلّينا على أهله،فقالت:ما أعرفه و لكنّي إنّما قلت:هم للملك ناصحون.(372)

ابن قتيبة :أي منعناه أن يرضع منهنّ.(329)

نحوه الطّبريّ(20:40)،و الميبديّ(7:278)، و البغويّ(3:525)،و أبو حيّان(7:107)،و القرطبيّ (13:257)،و أبو السّعود(5:115).

عبد الجبّار:المراد به الصّرف و المنع لا التّحريم في الحقيقة،و ذلك كقوله تعالى في أهل النّار: إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ الأعراف:50.(308)

الماورديّ: [نقل قول ابن عبّاس الثّاني و قال:]

و هذا تحريم منع لا تحريم شرع.[ثمّ استشهد بشعر]

(4:239)

الطّوسيّ: و معناه:منعناه منهنّ و بغضناهنّ إليه، فكان ذلك كالمنع و النّهي،لا أنّ هناك نهيا عن الفعل.

[ثمّ استشهد بشعر]

و مثله قولهم:فلان حرّم على نفسه كذا بالامتناع منه،كالامتناع بالنّهي.(8:134)

الزّمخشريّ: التّحريم:استعار للمنع،لأنّ من حرّم عليه الشّيء فقد منعه،أ لا ترى إلى قولهم:«محظور و حجر»و ذلك لأنّ اللّه منعه أن يرضع ثديا،فكان لا يقبل ثدي مرضع قطّ حتّى أهمّهم ذلك.(3:167)

ابن عطيّة: يقتضي أنّ اللّه تعالى خصّه من الامتناع من ثدي النّساء بما يشدّ به عن عرف الأطفال،و هو تحريم تنقيص.(4:279)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ قوله: حَرَّمْنا...

يقتضي تحريمها من قبله،فإذا لم يصحّ بالتّعبّد و النّهي لتعذّر التّمييز،فلا بدّ من فعل سواه.

و ذلك الفعل يحتمل أنّه تعالى مع حاجته[موسى] إلى اللّبن أحدث فيه نفار الطّبع عن لبن سائر النّساء، فلذلك لم يرضع،أو أحدث في لبنهنّ من الطّعم ما ينفر عنه طبعه،أو وضع في لبن أمّه لذّة فلمّا تعوّدها لا جرم كان يكره لبن غيرها.(24:230)

الشّربينيّ: أي منعنا بعظمتنا.(3:85)

البروسويّ: التّحريم بمنع،كما في قوله تعالى:

فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ المائدة:72،لأنّه لا معنى للتّحريم على صبيّ غير مكلّف،أي منعنا موسى أن

ص: 607

يرضع من المرضعات و يشرب لبن غير أمّه،بأن أحدثنا فيه كراهة ثدي النّساء و النّفار عنها.(6:386)

الآلوسيّ: أي منعناه ذلك،فالتّحريم مجاز عن المنع،فإنّ من حرّم عليه شيء فقد منعه.و لا يصحّ إرادة التّحريم الشّرعيّ،لأنّ الصّبيّ ليس من أهل التّكليف، و لا دليل على الخصوصيّة.(20:50)

الطّباطبائيّ: التّحريم في الآية تكوينيّ لا تشريعيّ،و معناه جعله بحيث لا يقبل ثدي مرضع، و يمتنع من ارتضاعها.(16:13)

مكارم الشّيرازيّ: و قال بعضهم:هذا التّحريم التّكوينيّ على موسى أن يرضع غير لبن أمّه،إنّما هو لأنّ اللّه لم يرد لموسى أن يرتضع من الألبان الملوّثة بالحرام، الملوّثة بأموال السّرقة،أو الملوّثة بالإجرام و الرّشوة، و غصب حقوق الآخرين،و إنّما أراد لموسى أن يرتضع من لبن طاهر كلبن أمّه،ليستطيع أن ينهض بوجه الأرجاس،و يحارب الآثمين.(12:176)

فضل اللّه :فلم يقبل على ثدي أيّة مرضعة منهنّ، ممّا جعلهم يعيشون مشكلة صعبة في تغذيته،للإبقاء على حياته،و كانت أخته قد اقتربت من الجوّ أكثر بحيث أمكنها أن تعطي رأيا،أو تشير بموقف،و قد عرفت طبيعة المشكلة،و قرّرت أن تتدخّل ليرجع الولد إلى أمّه من خلال إحساسها الخفيّ،بأنّ هناك وضعا غيبيّا خفيّا لتحقيق الوعد الإلهيّ بعودته إلى أمّه،في ما كانت تعيشه بالإلهام الدّاخليّ الّذي كانت تختزنه في وعيها الخاصّ.

(17:271)

حرّم

1- ...وَ لِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ...

آل عمران:50

ابن عبّاس: مثل لحم الإبل و شحوم البقر و الغنم و السّبت،و غير ذلك.(47)

الحسن :كان حرّم عليهم أشياء،فجاءهم عيسى ليحلّ لهم الّذي حرّم عليهم،يبتغي بذلك شكرهم.(الطّبريّ 3:282)

قتادة :كان الّذي جاء به عيسى ألين ممّا جاء به موسى،و كان قد حرّم عليهم فيما جاء به موسى:لحوم الإبل و الثّروب،و أشياء من الطّير و الحيتان.

(الطّبريّ 3:282)

نحوه الرّبيع(الطّبريّ 3:282)،و الطّبرسيّ(1:446).

ابن جريج:لحوم الإبل و الشّحوم،لمّا بعث عيسى أحلّها لهم،و بعث إلى اليهود،فاختلفوا و تفرّقوا.

(الطّبريّ 3:282)

الزّجّاج: أي لم أحلّ لكم شيئا بغير برهان،فهو حقّ عليكم اتّباعي،لأنّي أنبّئكم ببرهان،و تحليل طيّبات كانت حرّمت عليكم...

قال أبو عبيدة:معنى وَ لِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ معناه كلّ الّذي حرّم عليكم،و هذا مستحيل في اللّغة و في التّفسير و ما عليه العمل.

فأمّا استحالته في اللّغة فإنّ البعض و الجزء لا يكوّن الكلّ،و أنشد في ذلك أبو عبيدة بيتا غلط في معناه،و هو قول لبيد:

ص: 608

تراك منزلة إذا لم أرضها

أو يعتلق بعض النّفوس حمامها

قال:المعنى«أو يعتلق كلّ النّفوس حمامها»و هذا كلام تستعمله النّاس،يقول القائل:بعضنا يعرفك،يريد أنا أعرفك.و هذا إنّما هو تبعيض صحيح،و إنّما جاءهم عيسى بتحليل ما كان حراما عليهم،قال اللّه عزّ و جلّ:

فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ النّساء:160،و هي نحو الشّحوم و ما يتبعها في التّحريم،فأمّا أن يكون أحلّ لهم القتل و السّرقة و الزّنى فمحال.(1:415)

الطّوسيّ: إنّما أحلّ لهم لحوم الإبل و الثّروب و أشياء من الطّير و الحيتان،ممّا كان محرّما في شرع موسى عليه السّلام،و لم يحلّ جميع ما كان محرّما عليهم من الظّلم و الغصب و الكذب،و العبث و غير ذلك،فلذلك قال:

بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ [و نقل مناقشة أبي عبيدة و الزّجّاج ثمّ قال:]

و وجه الآية ما ذكره أبو عليّ،و جماعة من المفسّرين:أنّ قوما من اليهود حرّموا على نفوسهم أشياء ما حرّمها اللّه عليهم،فجاء بتحليل ذلك.

قال الرّمّانيّ: تأويل الآية على ما قالوه،لكنّه لا يمتنع أن يوضع«البعض»في موضع«الكلّ»إذا كانت هناك قرينة تدلّ عليه،كما يجوز وضع«الكلّ»في موضع «البعض»بقرينة.(2:470)

الزّمخشريّ: و ما حرّم اللّه عليهم في شريعة موسى:الشّحوم و الثّروب و لحوم الإبل و السّمك و كلّ ذي ظفر،فأحلّ لهم عيسى بعض ذلك.قيل:أحلّ لهم من السّمك و الطّير ما لا صئصئة له،و اختلفوا في إحلاله لهم السّبت.

و قرئ (حرّم عليكم) على تسمية الفاعل،و هو ما بين يدي من التّوراة أو اللّه عزّ و جلّ أو موسى عليه السّلام،لأنّ ذكر التّوراة دلّ عليه،و لأنّه كان معلوما عندهم.و قرئ (حرم) بوزن«كرم».(1:432)

ابن عطيّة: إشارة إلى ما حرّمه الأحبار بعد موسى و شرّعوه،فكأنّ عيسى ردّ أحكام التّوراة إلى حقائقها الّتي نزلت من عند اللّه.و قال عكرمة:(حرّم عليكم) بفتح الحاء و الرّاء المشدّدة،و إسناد الفعل إلى اللّه تعالى أو إلى موسى عليه السّلام.(1:441)

الفخر الرّازيّ: فيه سؤال:و هو أنّه يقال:هذه الآية الأخيرة مناقضة لما قبلها،لأنّ هذه الآية الأخيرة صريحة في أنّه جاء ليحلّ بعض الّذي كان محرّما عليه في التّوراة،و هذا يقتضي أن يكون حكمه بخلاف حكم التّوراة،و هذا يناقض قوله: وَ مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيَّ مِنَ التَّوْراةِ؟

و الجواب:أنّه لا تناقض بين الكلامين؛و ذلك لأنّ التّصديق بالتّوراة لا معنى له إلاّ اعتقاد أنّ كلّ ما فيها فهو حقّ و صواب،و إذا لم يكن الثّاني مذكورا في التّوراة،لم يكن حكم عيسى بتحليل ما كان محرّما فيها مناقضا، لكونه مصدّقا بالتّوراة،و أيضا إذا كانت البشارة بعيسى عليه السّلام موجودة في التّوراة،لم يكن مجيء عيسى عليه السّلام،و شرعه مناقضا للتّوراة.

ثمّ اختلفوا،فقال بعضهم:إنّه عليه السّلام ما غيّر شيئا من أحكام التّوراة.قال وهب بن منبّه:إنّ عيسى عليه السّلام كان

ص: 609

على شريعة موسى عليه السّلام كان يقرّر السّبت،و يستقبل بيت المقدس،ثمّ إنّه فسّر قوله: وَ لِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ بأمرين:

أحدهما:أنّ الأحبار كانوا قد وضعوا من عند أنفسهم شرائع باطلة،و نسبوها إلى موسى،فجاء عيسى عليه السّلام و رفعها و أبطلها،و أعاد الأمر إلى ما كان في زمن موسى عليه السّلام.

الثّاني:أنّ اللّه تعالى كان قد حرّم بعض الأشياء على اليهود عقوبة لهم على بعض ما صدر عنهم من الجنايات، كما قال اللّه تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ النّساء:160،ثمّ بقي ذلك التّحريم مستمرّا على اليهود،فجاء عيسى عليه السّلام،و رفع تلك التّشديدات عنهم.

و قال آخرون:إنّ عيسى عليه السّلام رفع كثيرا من أحكام التّوراة،و لم يكن ذلك قادحا في كونه مصدّقا بالتّوراة على ما بيّنّاه،و رفع السّبت،و وضع الأحد قائما مقامه، و كان محقّا في كلّ ما عمل،لما بيّنّا أنّ النّاسخ و المنسوخ كلاهما حقّ و صدق.(8:62)

أبو حيّان :قال بعض المفسّرين حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إشارة إلى ما حرّمه الأحبار بعد موسى و شرّعوه،فكأنّ عيسى ردّ أحكام التّوراة إلى حقائقها الّتي نزلت من عند اللّه.[إلى أن قال:]

و المراد ب«بعض»مدلولها المتعارف،و زعم أبي عبيدة أنّ المراد به هنا معنى كلّ،خطأ،لأنّه كان يلزم أن يحلّ لهم القتل و الزّنى و السّرقة،لأنّ ذلك محرّم عليهم، و استدلاله على أنّ«بعضا»تأتي بمعنى كلّ بقول لبيد.

[المتقدّم في قول الزّجّاج]ليس بصحيح،لأنّ«بعضا» على مدلوله إذ يريد نفسه فهو تبعيض صحيح،و كذلك استدلال من استدلّ بقوله:

إنّ الأمور إذا الأحداث دبّرها

دون الشّيوخ ترى في بعضها خللا

لصحّة التّبعيض؛إذ ليس كلّ ما دبّره الأحداث يكون فيه الخلل.

و قال بعضهم:لا يقوم«بعض»مقام«كلّ»إلاّ إذا دلّت قرينة على ذلك،نحو قوله:

أبا منذر أفنيت فاستبق بعضنا

حنانيك بعض الشّرّ أهون من بعض

يريد بعض الشّرّ أهون من كلّه،انتهى.و في ذلك نظر.

(2:468)

أبو السّعود :أي في شريعة موسى عليه الصّلاة و السّلام من الشّحوم و الثّروب و السّمك و لحوم الإبل و العمل في السّبت.

قيل:أحلّ لهم من السّمك و الطّير ما لا صئصئة له، و اختلف في إحلال السّبت.

و قرئ (حرّم) على تسمية الفاعل،و هو ما بين يديّ أو اللّه عزّ و جلّ.و قرئ (حرم) بوزن«كرم»و هذا يدلّ على أنّ شرعه كان ناسخا لبعض أحكام التّوراة،و لا يخلّ ذلك بكونه مصدّقا لها،لما أنّ النّسخ في الحقيقة بيان و تخصيص في الأزمان.

و تأخير المفعول عن الجارّ و المجرور لما مرّ مرارا من المبادرة إلى ذكر ما يسرّ المخاطبين،و للتّشويق إلى ما أخّر.(1:372)

ص: 610

مكارم الشّيرازيّ: هذه الآية جاءت على لسان المسيح عليه السّلام الّذي يقول:جئت أؤكّد لكم التّوراة و أثبّت أصولها و مبادئها،كما جئت لأرفع الحظر الّذي فرض عليكم،بالنّسبة لبعض الأشياء في دين موسى،بسبب عصيانكم،مثل منع لحم الأباعر،و بعض شحوم الحيوانات،و بعض الطّيور،و الأسماك.

سوف نجد في تفسير الآية:160،من سورة النّساء، أنّه بسبب عناد بعض جماعات اليهود و طغيانهم حرّم اللّه عليهم بعض الطّيّبات من النّعم فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ.

إلاّ أنّ هذه المحظورات أحلّت لهم مرّة أخرى،ببركة ظهور المسيح عليه السّلام هذا النّبيّ العظيم.

ثمّ مرّة أخرى تتكرّر الجملة الّتي قرأنا على لسان المسيح في الآية السّابقة وَ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَطِيعُونِ آل عمران:50.(2:377)

2- اَلزّانِي لا يَنْكِحُ إِلاّ زانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَ الزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ.

النّور:3

[ لاحظ«ز ن ي»و«ن ك ح»]

حرّمت

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ...

النّساء:23

ابن عبّاس: من النّسب.(67)

حرم من النّسب سبع،و من الصّهر سبع.

مثله عمرو بن سالم.(الطّبريّ:4:320)

نحوه الثّعلبيّ.(3:281)

الطّبريّ: كلّ هؤلاء اللّواتي سمّاهنّ اللّه تعالى و بيّن تحريمهنّ في هذه الآية،محرّمات غير جائز نكاحهنّ،لمن حرّم اللّه ذلك عليه من الرّجال،بإجماع جميع الأمّة،لا اختلاف بينهم في ذلك،إلاّ في أمّهات نسائنا اللّواتي لم يدخل بهنّ أزواجهنّ،فإنّ في نكاحهنّ اختلافا.[ثمّ بيّن موارد الخلاف فراجع](4:320)

الزّجّاج: هذا يسمّى التّحريم المبهم،و كثير من أهل العلم لا يفرّق في المبهم و غير المبهم تفريقا مقنعا،و إنّما كان يسمّي هذا المبهم:من المحرّمات،لأنّه لا يحلّ بوجه و لا سبب.و اللاّحق به وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ النّساء:23،و الرّضاعة قد أدخلت هذه المحرّمات في الإبهام.(2:33)

الطّوسيّ: في النّاس من اعتقد أنّ هذه الآية و ما يجري مجراها،كقوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ المائدة:3،مجملة لا يمكن التّعلّق بظاهرها في تحريم شيء،و إنّما يحتاج إلى بيان،قالوا:لأنّ الأعيان لا تحرم و لا تحلّ،و إنّما يحرم التّصرّف فيها،و التّصرّف يختلف، فيحتاج إلى بيان التّصرّف المحرّم،دون التّصرّف المباح.

و الأقوى أنّها ليست مجملة،لأنّ المجمل هو ما لا يفهم المراد بعينه بظاهره،و ليست هذه الآية كذلك، لأنّ المفهوم من ظاهرها تحريم العقد عليهنّ،و الوطء، دون غيرهما من أنواع الفعل،فلا يحتاج إلى البيان مع ذلك.و كذلك قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ المفهوم الأكل،و البيع،دون النّظر إليها،أو رميها،و ما جرى

ص: 611

مجراهما.

كيف و قد تقدّم هذه الآية ما يكشف عن أنّ المراد ما بيّنّاه من قوله: وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ فلمّا قال بعده: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ كان المفهوم أيضا تحريم نكاحهنّ،و قد استوفينا ذلك في العدّة في أصول الفقه،فلا نطول بذكره هاهنا.[ثمّ ذكر قول ابن عبّاس و قال:]

فالمحرّمات من النّسب الأمّهات،و يدخل في ذلك أمّهات الأمّهات و إن علون،و أمّهات الآباء مثل ذلك؛ و البنات و يدخل في ذلك بنات الأولاد و أولاد البنين و أولاد البنات و إن نزلن؛و الأخوات،سواء كنّ لأب و أمّ أو لأب أو لأمّ؛و كذلك العمّات و الخالات،و إن علون، من جهة الأب كنّ أو من جهة الأمّ؛و بنات الأخ و بنات الأخت و إن نزلن.

و المحرّمات بالسّبب الأمّهات من الرّضاعة، و الأخوات أيضا من الرّضاعة،و كلّ من يحرم بالسّبب يحرم مثله بالرّضاع،لقوله صلّى اللّه عليه و آله:«يحرم من الرّضاع ما يحرم من النّسب»،و أمّهات النّساء يحرمن بنفس العقد، و إن لم يدخل بالبنت،على قول أكثر الفقهاء.(3:156)

نحوه الميبديّ(2:462)،و الرّاونديّ(2:82).

القشيريّ: تكلّف انتزاع المعاني الّتي لأجلها حصل هذا التّحريم محال من الأمر،لأنّ الشّرع غير معلّل،بل الحقّ تعالى حرّم ما شاء على من شاء،و كذلك الإباحة، و لا علّة للشّرائع بحال،و لو كانت المحرّمات من هؤلاء محلّلات[محرّمات (1)]لكان ذلك سائغا.(2:19)

البغويّ: بيّن اللّه تعالى في هذه الآية المحرّمات بسبب الوصلة،و جملة المحرّمات في كتاب اللّه تعالى أربع عشرة:سبع بالنّسب،و سبع بالسّبب.

فأمّا السّبع بالسّبب،فمنها:اثنتان بالرّضاع و أربع بالصّهريّة و السّابعة المحصنات،و هنّ ذوات الأزواج.

و أمّا السّبع بالنّسب،فقوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ و هي جمع أمّ،فيدخل فيه الجدّات و إن علون من قبل الأمّ أو من قبل الأب.[ثمّ عدّد بقيّة المحرّمات بالنّسب](1:590)

الزّمخشريّ: تحريم نكاحهنّ لقوله: وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ و لأنّ تحريم نكاحهنّ هو الّذي يفهم من تحريمهنّ كما يفهم من تحريم الخمر تحريم شربها،و من تحريم لحم الخنزير تحريم أكله.

(1:515)

نحوه الشّربينيّ(1:292)،و البروسويّ(2:186).

ابن عطيّة: حكم حرّم اللّه به سبعا من النّسب، و ستّا من بين رضاع و صهر،و ألحقت السّنّة المأثورة سابعة؛و ذلك الجمع بين المرأة و عمّتها،و مضى عليه الإجماع.[إلى أن قال:]

و تحريم الأمّهات عامّ في كلّ حال لا يتخصّص بوجه من الوجوه،و يسمّيه أهل العلم:المبهم،أي لا باب فيه، و لا طريق إليه،لانسداد التّحريم و قوّته،و كذلك تحريم البنات و الأخوات.[و أدام نحو الطّوسيّ فراجع]

(2:31)

نحوه القرطبيّ.(5:107)

الطّبرسيّ: لا بدّ فيه من محذوف،لأنّ التّحريمن.

ص: 612


1- كذا في المتن.

لا يتعلّق بالأعيان،و إنّما يتعلّق بأفعال المكلّف،ثمّ يختلف باختلاف ما أضيف إليه.فإذا أضيف إلى مأكول نحو قوله:

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ. المائدة:3،فالمراد الأكل،و إذا أضيف إلى النّساء فالمراد العقد،فالتّقدير:

حرّم عليكم نكاح أمّهاتكم،فحذف المضاف و أقيم المضاف إليه مقامه،لدلالة مفهوم الكلام عليه.و كلّ امرأة رجع نسبك إليها بالولادة من جهة أبيك أو من جهة أمّك بإناث رجعت إليها و بذكور،فهي أمّك.(2:28)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى نصّ على تحريم أربعة عشر صنفا من النّسوان:سبعة منهنّ من جهة النّسب،و هنّ:الأمّهات و البنات و الأخوات و العمّات و الخالات و بنات الأخ و بنات الأخت،و سبعة أخرى لا من جهة النّسب:الأمّهات من الرّضاعة و الأخوات من الرّضاعة و أمّهات النّساء و بنات النّساء-بشرط أن يكون قد دخل بالنّساء-و أزواج الأبناء و الآباء-إلاّ أنّ أزواج الأبناء مذكورة هاهنا،و أزواج الآباء مذكورة في الآية المتقدّمة-و الجمع بين الأختين.

و في الآية مسائل:

المسألة الأولى:ذهب الكرخيّ إلى أنّ الآية مجملة، قال:لأنّه أضيف التّحريم فيها إلى الأمّهات و البنات، و التّحريم لا يمكن إضافته إلى الأعيان،و إنّما يمكن إضافته إلى الأفعال،و ذلك الفعل غير مذكور في الآية،فليست إضافة هذا التّحريم إلى بعض الأفعال الّتي لا يمكن إيقاعها في ذوات الأمّهات و البنات،أولى من بعض،فصارت الآية مجملة من هذا الوجه.

و الجواب عنه من وجهين:

الأوّل:أنّ تقديم قوله تعالى: وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ النّساء:22،يدلّ على أنّ المراد من قوله:

حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ تحريم نكاحهنّ.

الثّاني:أنّ من المعلوم بالضّرورة من دين محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم أنّ المراد منه:تحريم نكاحهنّ،و الأصل فيه:أنّ الحرمة و الإباحة إذا أضيفتا إلى الأعيان،فالمراد تحريم الفعل المطلوب منها في العرف.فإذا قيل:حرّمت عليكم الميتة و الدّم،فهم كلّ أحد أنّ المراد تحريم أكلهما،و إذا قيل:

حرّمت عليكم أمّهاتكم و بناتكم و أخواتكم،فهم كلّ أحد أنّ المراد تحريم نكاحهنّ،و لمّا قال عليه الصّلاة و السّلام:«لا يحلّ دم امرئ مسلم إلاّ لإحدى معان ثلاث»فهم كلّ أحد أنّ المراد لا يحلّ إراقة دمه،و إذا كانت هذه الأمور معلومة بالضّرورة،كان إلقاء الشّبهات فيها جاريا مجرى القدح في البديهيّات و شبه السّوفسطائيّة،فكانت في غاية الرّكاكة.و اللّه أعلم.

بلى عندي فيه بحث من وجوه أخرى:

أحدها:أنّ قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ مذكور على ما لم يسمّ فاعله،فليس فيه تصريح بأنّ فاعل هذا التّحريم هو اللّه تعالى،و ما لم يثبت ذلك لم تفد الآية شيئا آخر، و لا سبيل إليه إلاّ بالإجماع.فهذه الآية وحدها لا تفيد شيئا،بل لا بدّ معها من الإجماع على هذه المقدّمة.

و ثانيها:أنّ قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ ليس نصّا في ثبوت التّحريم على سبيل التّأبيد،فإنّ القدر المذكور في الآية يمكن تقسيمه إلى المؤبّد،و إلى المؤقّت،كأنّه تعالى تارة قال:حرّمت عليكم أمّهاتكم و بناتكم إلى الوقت الفلانيّ فقط،و أخرى:حرّمت عليكم أمّهاتكم و بناتكم

ص: 613

مؤبّدا مخلّدا.و إذا كان القدر المذكور في الآية صالحا لأن يجعل موردا للتّقسيم بهذين القسمين،لم يكن نصّا في التّأبيد،فإذن هذا التّأبيد لا يستفاد من ظاهر الآية،بل من دلالة منفصلة.

و ثالثها:أنّ قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ خطاب مشافهة،فيخصّص بأولئك الحاضرين،فإثبات هذا التّحريم في حقّ الكلّ إنّما يستفاد من دليل منفصل.

و رابعها:أنّ قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ إخبار عن ثبوت هذا التّحريم في الماضي،و ظاهر اللّفظ غير متناول للحاضر و المستقبل،فلا يعرف ذلك إلاّ بدليل منفصل.

و خامسها:أنّ ظاهر قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ يقتضي أنّه قد حرّم على كلّ أحد جميع أمّهاتهم و جميع بناتهم.و معلوم أنّه ليس كذلك،بل المقصود أنّه تعالى قابل الجمع بالجمع،فيقتضي مقابلة الفرد بالفرد،فهذا يقتضي أنّ اللّه تعالى قد حرّم على كلّ أحد أمّه خاصّة،و بنته خاصّة،و هذا فيه نوع عدول عن الظّاهر.

و سادسها:أن قوله:(حرّمت)يشعر ظاهره بسبق الحلّ؛إذ لو كان أبدا موصوفا بالحرمة لكان قوله:

(حرّمت)تحريما لما هو في نفسه حرام،فيكون ذلك إيجاد الموجود،و هو محال؛فثبت أنّ المراد من قوله:(حرّمت) ليس تحديد التّحريم حتّى يلزم الإشكال المذكور،بل المراد الإخبار عن حصول التّحريم؛فثبت بهذه الوجوه أنّ ظاهر الآية وحده غير كاف في إثبات المطلوب،و اللّه أعلم.

المسألة الثّانية:اعلم أنّ حرمة الأمّهات و البنات كانت ثابتة من زمن آدم عليه السّلام إلى هذا الزّمان،و لم يثبت حلّ نكاحهنّ في شيء من الأديان الإلهيّة،بل أنّ زرادشت رسول المجوس قال بحلّه،إلاّ أنّ أكثر المسلمين اتّفقوا على أنّه كان كذّابا.أمّا نكاح الأخوات فقد نقل أنّ ذلك كان مباحا في زمن آدم عليه السّلام،و إنّما حكم اللّه بإباحة ذلك على سبيل الضّرورة.

و رأيت بعض المشايخ أنكر ذلك،و قال:إنّه تعالى كان يبعث الحواري من الجنّة ليزوّج بهنّ أبناء آدم عليه السّلام، و هذا بعيد،لأنّه إذا كان زوجات أبنائه و أزواج بناته من أهل الجنّة،فحينئذ لا يكون هذا النّسل من أولاد آدم فقط،و ذلك بالإجماع باطل.

و ذكر العلماء أنّ السّبب لهذا التّحريم:أنّ الوطء إذلال و إهانة،فإنّ الإنسان يستحيي من ذكره و لا يقدم عليه إلاّ في الموضع الخالي،و أكثر أنواع الشّتم لا يكون إلاّ بذكره،و إذا كان الأمر كذلك وجب صون الأمّهات عنه،لأنّ إنعام الأمّ على الولد أعظم وجوه الإنعام، فوجب صونها عن هذا الإذلال،و البنت بمنزلة جزء من الإنسان و بعض منه،قال عليه الصّلاة و السّلام:«فاطمة بضعة منّي»فيجب صونها عن هذا الإذلال،لأنّ المباشرة معها تجري مجرى الإذلال،و كذا القول في البقيّة،و اللّه أعلم.(10:24)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ.(5:5)

أبو حيّان :لمّا تقدّم تحريم نكاح امرأة الأب على ابنه و ليست أمّه،كان تحريم أمّه أولى بالتّحريم.و ليس هذا من المجمل بل هذا ممّا حذف منه المضاف،لدلالة

ص: 614

المعنى عليه،لأنّه إذا قيل:حرّم عليك الخمر،إنّما يفهم منه شربها،و حرّمت عليك الميتة،أي أكلها،و هذا من هذا القبيل،فالمعنى نكاح أمّهاتكم،و لأنّه قد تقدّم ما يدلّ عليه،و هو قوله: وَ لا تَنْكِحُوا ما نَكَحَ آباؤُكُمْ مِنَ النِّساءِ النّساء:22.[ثمّ ذكر قول الفخر الرّازيّ ملخّصا و أضاف:]

و هذه البحوث الّتي ذكرها لا تختصّ بهذا الموضع و لا طائل فيها؛إذ من البواعث على حذف الفاعل العلم به،و معلوم أنّ المحرّم هو اللّه تعالى،أ لا ترى إلى آخر الآية،و هو قوله: وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً و قال بعد: (و احلّ لكم ما وراء ذلكم) على قراءة من بناه للفاعل.و متى جاء التّحريم من اللّه فلا يفهم منه إلاّ التّأبيد،فإن كان له حالة إباحة نصّ عليها،كقوله: فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ البقرة:173.

و أمّا أنّه صيغة ماض فيخصّه،فالأفعال الّتي جاءت يستفاد منها الأحكام الشّرعيّة و إن كانت بصيغة الماضي،فإنّها لا تخصّه،فإنّها نظير:أقسمت لأضربنّ زيدا،لا يراد بها أنّه صدر منه إقسام في زمان ماض،فإن كان الحكم ثابتا قبل ورود الفعل ففائدته تقرير ذلك الحكم الثّابت،و إن لم يكن ثابتا ففائدته إنشاء ذلك الحكم و تجديده.

و أمّا أنّ الظّاهر أنّه يحرم على كلّ أحد جميع أمّهاتهم،فليس بظاهر و لا مفهوم من اللّفظ،لأنّ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ عامّ يقابله عامّ،و مدلول العموم أن تقابل كلّ واحد بكلّ واحد واحد.أمّا أن يأخذ ذلك على طريق الجمعيّة فلا،لأنّها ليست دلالة العامّ،فإنّما المفهوم حرّم على كلّ واحد واحد منكم كلّ واحدة واحدة من أمّ نفسه،و المعنى:حرّم على هذا أمّه.(3:209)

السّيوطيّ: قيل:مجملة،لأنّ إسناد التّحريم إلى العين لا يصحّ،لأنّه إنّما يتعلّق بالفعل،فلا بدّ من تقديره، و هو محتمل لأمور لا حاجة إلى جميعها،و لا مرجّح لبعضها.

و قيل:لا،لوجود المرجّح،و هو العرف،فإنّه يقضي بأنّ المراد تحريم الاستمتاع بوطء أو نحوه،و يجري ذلك في كلّ ما علّق فيه التّحريم و التّحليل بالأعيان.

(3:63)

أبو السّعود :ليس المراد تحريم ذواتهنّ،بل تحريم نكاحهنّ و ما يقصد به من التّمتّع بهنّ،و بيان امتناع ورود ملك النّكاح عليهنّ،و انتفاء محلّيّتهنّ له أصلا.

و أمّا حرمة التّمتّع بهنّ بملك اليمين-في الموادّ الّتي يتصور فيها قرار الملك،كما في بعض المعطوفات على تقدير رقّهنّ-فثابتة بدلالة النّصّ،لاتّحاد المدار الّذي هو عدم محلّيّة أبضاعهنّ للملك،لا بعبارته بشهادة سباق النّظم الكريم و سياقه.

و إنّما لم يوجب المدار المذكور امتناع ورود ملك اليمين عليهنّ رأسا،و لا حرمة سببه الّذي هو العقد أو ما يجري مجراه-كما أوجب حرمة عقد النّكاح و امتناع ورود حكمه عليهنّ-لأنّ مورد ملك اليمين ليس هو البضع الّذي هو مورد ملك النّكاح حتّى يفوت بفوات محلّيّته له كملك النّكاح،فإنّه حيث كان مورده ذلك فات بفوات محلّيّته له قطعا،و إنّما مورده الرّقبة الموجودة في كلّ

ص: 615

رقيق،فيتحقّق بتحقّق محلّه حتما،ثمّ يزول بوقوع العتق في الموادّ الّتي سبب حرمتها محض القرابة النّسبيّة كالمذكورات،و يبقى في البواقي على حاله مستتبعا لجميع أحكامه المقصودة منه شرعا.

و أمّا حلّ الوطء فليس من تلك الأحكام،فلا ضير في تخلّفه عنه،كما في المجوسيّة.

و الأمّهات تعمّ الجدّات و إن علون،و البنات تتناول بناتهنّ و إن سفلن،و الأخوات ينتظمن الأخوات من الجهات الثّلاث و كذا الباقيات،و العمّة كلّ أنثى ولدها من ولد والدك،و الخالة كلّ أنثى ولدها من ولد والدتك قريبا أو بعيدا،و بنات الأخ و بنات الأخت تتناول القريبة و البعيدة.(2:116)

الآلوسيّ: ليس المراد تحريم ذاتهنّ،لأن الحرمة و أخواتها إنّما تتعلّق بأفعال المكلّفين،فالكلام على حذف مضاف بدلالة العقل،و المراد:تحريم نكاحهنّ،لأنّه معظم ما يقصد منهنّ،و لأنّه المتبادر إلى الفهم،و لأنّ ما قبله و ما بعده في النّكاح.و لو لم يكن المراد هذا،كأن تخلّل أجنبيّ بينهما من غير نكتة،فلا إجمال في الآية، خلافا للكرخيّ،و الجملة إنشائيّة،و ليس المقصود منها الإخبار عن التّحريم في الزّمان الماضي.

و قال بعض المحقّقين:لا مانع من كونها إخباريّة، و الفعل الماضي فيها مثله في التّعاريف،نحو الاسم ما دلّ على معنى في نفسه،و لم يقترن بأحد الأزمنة،و الفعل ما دلّ و اقترن،فإنّهم صرّحوا أنّ الجملة الماضويّة هناك خبريّة و إلاّ لما صحّ كونها صلة الموصول،مع أنّه لم يقصد من الفعل فيها الدّلالة على الزّمان الماضي فقط، و إلاّ للزم أن يكون حال المعرّف في الزّمان الحال و المستقبل ليس ذلك الحال،و بني الفعل لما لم يسمّ فاعله،لأنّه لا يشتبه أنّ المحرّم هو اللّه تعالى.(4:249)

رشيد رضا :أي حرّم اللّه تعالى عليكم أن تتزوّجوا أمّهاتكم.فإسناد الفعل إلى المفعول مع العلم بأنّ تعالى هو المحرّم،للإيجاز،و المراد:أنّه حكم الآن بتحريم ذلك و منعه،فهو إنشاء حكم جديد.(4:466)

الطّباطبائيّ: و المراد بتحريم الأمّهات و ما يتلوها من الأصناف:حرمة نكاحهنّ،على ما يفيده الإطلاق من مناسبة الحكم و الموضوع،كما في قوله تعالى: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ المائدة:3،أي أكلهما،و قوله:

فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ المائدة:26،أي سكنى الأرض، و هذا مجاز عقليّ شائع،هذا.

و لكنّه لا يلائم ما سيأتي من قوله تعالى: إِلاّ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ النّساء:24،فإنّه استثناء من الوطء دون علقة النّكاح على ما سيجيء،و كذا قوله تعالى: أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ النّساء:24،على ما سيجيء،فالحقّ أنّ المقدّر هو ما يفيد معنى الوطء دون علقة النّكاح،و إنّما لم يصرّح تأدّبا و صونا للّسان على ما هو دأب كلامه تعالى.

و اختصاص الخطاب بالرّجال دون أن يقال:حرّم عليهنّ أبناءهنّ إلخ،أو يقال مثلا:لا نكاح بين المرأة و ولدها إلخ،لما أنّ الطّلب و الخطبة بحسب الطّبع إنّما يقع من جانب الرّجال فحسب.

و توجيه الخطاب إلى الجمع مع تعليق الحرمة بالجمع كالأمّهات و البنات إلخ،تفيد الاستغراق في التّوزيع،أي

ص: 616

حرّمت على كلّ رجل منكم أمّه و بنته؛إذ لا معنى لتحريم المجموع على المجموع،و لا لتحريم كلّ أمّ و بنت لكلّ رجل مثلا على كلّ رجل لأوّله إلى تحريم أصل النّكاح،فمآل الآية إلى أنّ كلّ رجل يحرم عليه نكاح أمّه و بنته و أخته إلخ.(4:263)

مكارم الشّيرازيّ: تحريم الزّواج بالمحارم.

في هذه الآية أشار سبحانه إلى النّساء اللاّتي يحرم نكاحهنّ و الزّواج بهنّ،و يمكن أن تنشأ هذه الحرمة من ثلاث طرق أو أسباب،و هي:

1-الولادة الّتي يعبّر عنها بالارتباط النّسبيّ.

2-الزّواج الّذي يعبّر عنه بالارتباط السّببيّ.

3-الرّضاع الّذي يعبّر عنه بالارتباط الرّضاعيّ.

و قد أشار في البداية إلى النّساء المحرّمات بواسطة النّسب،و هنّ سبع طوائف إذ يقول: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ وَ عَمّاتُكُمْ وَ خالاتُكُمْ وَ بَناتُ الْأَخِ وَ بَناتُ الْأُخْتِ.

و يجب التّنبيه إلى أنّ المراد من«الأمّ»ليس هي الّتي يتولّد منها الإنسان دونما واسطة فقط بل يشمل الجدّة من ناحية الأب و من ناحية الأمّ و إن علون،كما أنّ المراد من البنت ليس هو البنت بلا واسطة بل تشمل بنت البنت و بنت الابن و أولادهما و إن نزلن،و هكذا الحال في الطّوائف الخمس الأخرى.

و من الواضح جدّا أنّ الإنسان يبغض النّكاح و الزّواج بهذه الطّوائف من النّسوة،و لهذا تحرّمه جميع الشّعوب و الجماعات إلاّ من شذّ و هو قليل،و حتّى المجوس الّذين كانوا يجوّزون هذا النّوع من النّكاح في مصادرهم الأصليّة ينكرونه و يشجبونه اليوم،و إن حاول البعض أن يردّ هذه المبغوضيّة إلى العادة و التّقليد القديم.و لكن عموميّة هذا القانون و شيوعه لدى جميع أفراد البشر و طوائفه،و في جميع القرون و الأعصار تحكي-عادة-عن فطريّة هذا القانون،لأنّ التّقليد و العادة لا يمكن أن يكون أمرا عامّا و دائميّا.

هذا مضافا إلى أنّ هناك حقيقة ثابتة اليوم،و هي أنّ الزّواج بين الأشخاص ذوي الفئة المشابهة من الدّم ينطوي على أخطار كثيرة،و يؤدّي إلى انبعاث أمراض خفيّة و موروثة،و تشدّدها و تجدّدها،لأنّ هذا النّوع من الزّواج يولّد هذه الأمراض بل يساعدها على التّشدّد و التّجدّد و الانتقال،إلى درجة أنّ البعض لا يستحسن حتّى الزّواج بالأقرباء البعيدين فضلا عن المحارم المذكورة هنا،مثل الزّواج الواقع بين أبناء و بنات العمومة،و يرون أنّه يؤدّي هو الآخر أيضا إلى أخطار تصاعد الأمراض الوراثيّة.

إلاّ أنّ هذا النّوع من الزّواج إذا لم يسبّب أيّة مشكلة لدى الأقرباء البعيدين-كما هو الغالب-فإنّه لا شكّ يسبّب مضاعفات خطيرة لدى الأقرباء القريبين الّذين تشتدّ عندهم ظاهرة وحدة الدّم و تشابهه.

هذا مضافا إلى أنّه تضعف الرّغبة الجنسيّة و التّجاذب الجنسيّ لدى المحارم عادة،لأنّ المحارم في الأغلب يكبرون معا،و يشبّون معا،و لهذا لا ينطوي الزّواج فيما بينهم على عنصر المفاجأة و صفة العلاقة الجديدة،لأنّهم تعوّدوا على التّعامل فيما بينهم،فلا يكون أحدهم جديدا على الآخر،بل العلاقة لديهم علاقة

ص: 617

عاديّة و رتبية،و لا يمكن أن يكون بعض الموارد النّادرة مقياسا لانتزاع القوانين الكلّيّة العامّة،أو سببا لنقض مضادّاتها،و نحن نعلم أنّ التّجاذب الجنسيّ شرط أساسيّ لدوام العلاقة الزّوجيّة و استمرار الرّابطة العائليّة،و لهذا إذا تمّ التّزاوج بين المحارم فإنّ الرابطة الزّوجيّة النّاشئة من هذا الزّواج ستكون رابطة ضعيفة مهزوزة و قصيرة العمر.[ثمّ بيّن تفاصيل هذه المحرّمات فراجع](3:152)

فضل اللّه :المحارم في الإسلام.

و هذا تشريع إسلاميّ يتناول المحارم من النّساء اللاّتي حرّم اللّه على الرّجال الزّواج بهنّ،من خلال علاقات النّسب و الرّضاع و الزّواج.

و ربّما كان في هذا اللّون من التّشريع،تخطيط لنظام الأسرة في إيجاد مساحة واسعة من العلاقات الإنسانيّة بين الرّجال و النّساء،الّتي يعيش فيها المجتمع المشاعر الطّاهرة الّتي لا تتحرّك من أيّ إحساس جنسيّ،نتيجة ما يثيره التّحريم من حواجز نفسيّة ضدّ ذلك الإحساس، ممّا يفسح المجال لحرّيّة الاختلاط،بعيدا عن المشاكل السّلبيّة الّتي قد تحدث من خلاله في بقاء الرّجال و النّساء في حالة اختلاط،و بذلك يمكن للأسرة الصّغيرة داخل البيت،و للأسرة الكبيرة داخل العائلة،أن تحافظ على توازن العلاقات في الحياة اليوميّة،بشكل لا يثير أيّة مشكلة أخلاقيّة.

و قد نستطيع اعتبار مثل هذه الحواجز النّفسيّة وسيلة عمليّة من وسائل التّربية الإسلاميّة،الّتي يراد من خلالها تركيز المناعة الأخلاقيّة في بعض العلاقات القريبة الحميمة،من خلال ما يوحيه للذّات من مشاعر و أحاسيس تتّصل بالعمق الدّاخليّ من حركة الشّخصيّة الإنسانيّة،ليتعلّم كيف يقف عند حدود اللّه من خلال جذور البناء المتماسك للذّات المرتكز على الإيمان،كيف يقف عند حدوده في التّوجيهات العامّة الآتية من أوامر اللّه و نواهيه،بعيدا عن الجوانب الذّاتيّة الدّاخليّة.

و لا بدّ للتّربية الإسلاميّة من الانطلاق في الاتّجاه الّذي يعمل على إثارة التّشريع كعقدة متأصّلة في الذّات،لا سيّما في مثل هذه العلاقات المتّصلة بالجانب الجنسيّ من حياة الإنسان،لينطلق الالتزام كحاجز نفسيّ يحول بين الإنسان و بين الإقدام على الانحراف، لأنّ ذلك هو الّذي يحمي للتّشريع قوّته في حركة الإنسان العمليّة.

و قد حاول دعاة الانحراف و الضّلال مواجهة ذلك بإثارة الأجواء الّتي تخفّف من حالة الرّفض النّفسيّ للعلاقات المحرّمة،فبدأت بالقصص و الأفلام و الأبحاث الّتي تحاول أن تجعل منها شيئا طبيعيّا في حياة الإنسان، و تعمل على إرجاع الاستنكار إلى تقاليد و عادات قديمة، لا ترتكز على أساس ثابت في عمق المصلحة الإنسانيّة.

و قد ساعدت هذه الأجواء في تحطيم كثير من الحواجز النّفسيّة الّتي تمنع الأب من إقامة علاقة مع ابنته، أو تنكر على الأخ إقامة علاقة مع أخته،بدأنا نقرأ في صفحات الجرائد و المجلاّت أخبار الجرائم من هذه القضايا الأخلاقيّة المنحرفة،الّتي اعتبرت لونا من ألوان الحرّيّة الجنسيّة.

و قد نحتاج في مواجهة ذلك إلى التّحرّك على أكثر

ص: 618

من صعيد،من أجل تطويق هذه الجملة و العودة بالإنسان إلى حالة الالتزام العمليّ بهذه الحدود الأخلاقيّة،على أساس من حركة الدّين و الأخلاق في فكر الإنسان و ضميره،كجزء من مواجهة المفاهيم المنحرفة الّتي تعمل على تحويل المسيرة الإنسانيّة في غير الخطّ السّليم.

و قد اعتبر الإسلام علاقة الرّضاع من العلاقات المحرّمة،فإذا تحقّق الرّضاع ضمن شروط الشّرعيّة المذكورة في كتب الفقه،فإنّه يحقّق،في نطاق العلاقات، وجها من وجوه التّحريم،في ما يفرضه من عنوان الأمّ و الأخت و البنت و غيرها من العناوين اللاّحقة لذلك.

و قد تحدّثت الآيات عن الأمّ و الأخت الرّضاعيّتين، و لكن الاقتصار عليهما لا يعني انحصار التّحريم فيهما، لأنّ أيّ عنوان من هذه العناوين يفرض حدوث العناوين الأخرى التّابعة لها بشكل طبيعيّ.و قد جاءت السّنّة المطهّرة،لتعطي الموضوع حجم القاعدة في الحديث النّبويّ المأثور«إنّ اللّه حرّم من الرّضاعة ما حرّم من النّسب».[ثمّ أدام الكلام عن بقيّة المحرّمات]

(7:175)

لا يحرّمون

قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ. التّوبة:29

ابن عبّاس: (لا يحرّمون)في التّوراة ما حَرَّمَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ. (156)

سعيد بن جبير: يعني الخمر و الخنزير.

(ابن الجوزيّ 3:419)

نحوه الميبديّ.(4:115)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:أنّه ما أمر اللّه سبحانه و تعالى بنسخة من شرائعهم.

و الثّاني:ما أحلّه لهم و حرّمه عليهم.(2:350)

الطّوسيّ: معناه أنّهم لا يعترفون بالإسلام الّذي هو الدّين الحقّ،و لا يسلمون لأمر اللّه الّذي بعث به نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله في تحريم حرامه و تحليل حلاله.(5:237)

الواحديّ: من الميتة و الدّم و لحم الخنزير و الخمر.

(2:489)

الزّمخشريّ: و تحريم ما حرّم اللّه و رسوله،لأنّهم لا يحرّمون ما حرّم في الكتاب و السّنّة.

و عن أبي روق: لا يعملون بما في التّوراة و الإنجيل.

(2:184)

نحوه النّسفيّ(2:123)،و النّيسابوريّ(10:69)

الفخر الرّازيّ: و فيه وجهان:

الأوّل:أنّهم لا يحرّمون ما حرّم في القرآن و سنّة الرّسول.

و الثّاني:قال أبو روق:لا يعملون بما في التّوراة و الإنجيل،بل حرّفوهما و أتوا بأحكام كثيرة من قبل أنفسهم.(16:29)

نحوه الخازن.(3:64)

البيضاويّ: ما ثبت تحريمه بالكتاب و السّنّة.

(1:411)

مثله الكاشانيّ(2:333)،و المشهديّ(4:163)،

ص: 619

و نحوه أبو السّعود(3:333)،و البروسويّ(3:412).

الآلوسيّ: أي ما ثبت تحريمه بالوحي متلوّا و غير متلوّ،فالمراد بالرّسول:نبيّنا صلّى اللّه تعالى عليه و سلم.

و قيل:المراد به رسولهم الّذي يزعمون اتّباعه، فإنّهم بدّلوا شريعته و أحلّوا و حرّموا من عند أنفسهم اتّباعا لأهوائهم،فيكون المراد:لا يتّبعون شريعتنا و لا شريعتهم.و مجموع الأمرين سبب لقتالهم و إن كان التّحريف بعد النّسخ ليس علّة مستقلّة.(10:78)

رشيد رضا :كونهم لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ ففيه قولان للمفسّرين:

أحدهما:أنّ المراد به:ما حرّم في شرعنا،و يرد عليه:أنّه لا يعقل أن يحرّموا على أنفسهم ما حرّم اللّه و رسوله علينا،إلاّ إذا أسلموا،و إنّما الكلام في أهل الكتاب لا في المسلمين العاصين.

و الثّاني:أنّه ما حرّم في شرعهم الّذي جاء به موسى،و نسخ بعضه عيسى عليهما السّلام،و حينئذ يكون المراد به في اليهود:أنّهم لا يلتزمونه كلّه بالعمل،كاتّباعهم عادات المشركين في القتال،و النّفي،و مفاداة الأسرى الّذي قال تعالى فيه لهم: أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ البقرة:85،و استحلالهم لأكل أموال النّاس بالباطل كالرّبا و غير ذلك.

و المراد به في النّصارى:أنّهم استباحوا ما حرّم عليهم في التّوراة ممّا لم ينسخه الإنجيل،و اتّبعوا مقدّسهم بولس في إباحة جميع محرّمات الطّعام و الشّراب فيها،إلاّ ما ذبح للأصنام،إذا قيل للمسيحيّ:

إنّه مذبوح لوثن،فيراعى ضمير القائل أمامه.و علّله بأنّ كلّ شيء طاهر للطّاهرين،و أنّ ما يدخل الفم لا ينجس الفم و إنّما ينجسه ما يخرج منه.و هذا بعض ما يقال في النّصارى في عصر التّنزيل.

و أمّا نصارى هذا الزّمان و لا سيّما أهل أروبة،فإنّهم أبعد خلق اللّه عن كلّ ما في أناجيلهم من الزّهد و السّلم و التّقشّف،كما بيّنّا ذلك مرارا،و لكنّهم بعد الإسراف في الشّهوات و الطّغيان في العدوان،و الإلحاد في الأديان، طفقوا يبحثون في حقيقة الأديان،فتظهر لهم أنوار الإسلام،و المرجوّ أن يهتدوا به في يوم من الأيّام.

اختار السّيّد الآلوسيّ القول الأوّل و ضعّف الثّاني، فقال في تفسير الجملة:[نقل كلامه و قال:]

و اختار السّيّد محمد صدّيق الثّاني،فقال في«فتح البيان»: وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ ممّا ثبت في كتبهم،فإنّ اللّه حرّم عليهم الشّحوم فأذابوها و باعوها و أكلوا أثمانها،و حرّم عليهم أشياء كثيرة فأحلّوها.(10:285)

نحوه المراغيّ ملخّصا.(10:94)

الطّباطبائيّ: وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ و ذلك كقول اليهود بإباحة أشياء عدّها و ذكرها لهم القرآن في سورتي البقرة و النّساء و غيرهما، و قول النّصارى بإباحة الخمر و لحم الخنزير،و قد ثبت تحريمها في شرائع موسى و عيسى و محمّد عليهم السّلام، و أكلهم أموال النّاس بالباطل،كما سينسبه إليهم في الآية الآتية إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النّاسِ بِالْباطِلِ التّوبة:34.

و المراد بالرّسول في قوله: ما حَرَّمَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ:

ص: 620

إمّا رسول أنفسهم الّذي قالوا بنبوّته،كموسى عليه السّلام بالنّسبة إلى اليهود،و عيسى عليه السّلام بالنّسبة إلى النّصارى، فالمعنى لا يحرّم كلّ أمّة منهم ما حرّمه عليهم رسولهم الّذي قالوا بنبوّته،و اعترفوا بحقّانيّته،و في ذلك نهاية التّجرّؤ على اللّه و رسوله،و اللّعب بالحقّ و الحقيقة.

و إمّا النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله الّذي يجدونه مكتوبا عندهم في التّوراة و الإنجيل،يحلّ لهم الطّيّبات و يحرّم عليهم الخبائث،و يضع عنهم إصرهم و الأغلال الّتي كانت عليهم.

و يكون حينئذ توصيفهم بعدم تحريمهم ما حرّم اللّه و رسوله بغرض تأنيبهم و الطّعن فيهم،و لبعث المؤمنين و تهييجهم على قتالهم،لعدم اعتنائهم بما حرّمه اللّه و رسوله في شرعهم،و استرسالهم في الوقوع في محارم اللّه و هتك حرماته.

و ربّما أيّد هذا الاحتمال أن لو كان المراد بقوله:

(و رسوله)رسول كلّ أمّة بالنّسبة إليها،كموسى بالنّسبة.

إلى اليهود،و عيسى بالنّسبة إلى النّصارى،كان من حقّ الكلام أن يقال:«و لا يحرّمون ما حرّم اللّه و رسله»على ما هو دأب القرآن في نظائره،للدّلالة على كثرة الرّسل، كقوله: وَ يُرِيدُونَ أَنْ يُفَرِّقُوا بَيْنَ اللّهِ وَ رُسُلِهِ النّساء:

150،و قوله: قالَتْ رُسُلُهُمْ أَ فِي اللّهِ شَكٌّ إبراهيم:

10،و قوله: وَ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ يونس:13.

على أنّ النّصارى رفضوا محرّمات التّوراة و الإنجيل، فلم يحرّموا ما حرّم موسى و عيسى عليهما السّلام،و ليس من حقّ الكلام في مورد هذا شأنه أنّهم لا يحرّمون ما حرّم اللّه و رسوله.(9:239)

يحرّمونه

...اَلَّذِينَ كَفَرُوا يُحِلُّونَهُ عاماً وَ يُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللّهُ... التّوبة:37

ابن عبّاس: (يحرّمونه)يعني المحرّم.(157)

إذا قاتلوا فيه أحلّوه،و حرّموا مكانه صفرا،و إذا لم يقاتلوا فيه حرّموه.(الواحديّ 2:495)

مثله الميبديّ(4:130)،و نحوه الزّجّاج(2:

447).

الطّبرسيّ: أي يجعلون الشّهر الحرام حلالا إذا احتاجوا إلى القتال فيه،و يجعلون الشّهر الحلال حراما، و يقولون:شهر بشهر،و إذا لم يحتاجوا إلى القتال لم يفعلوا ذلك.(3:29)

البيضاويّ: فيتركونه على حرمته.قيل:أوّل من أحدث ذلك جنادة بن عوف الكنانيّ كان يقوم على جمل في الموسم،فينادي:إنّ آلهتكم قد أحلّت لكم المحرّم فأحلّوه،ثمّ ينادي في القابل:إنّ آلهتكم قد حرّمت عليكم المحرّم فحرّموه.(1:415)

أبو السّعود :أي يحافظون على حرمته كما كانت، و التّعبير عن ذلك بالتّحريم باعتبار إحلالهم له في العام الماضي أو لإسنادهم له إلى آلهتهم،كما سيجيء.

(3:146)

مثله الآلوسيّ(10:94)،و نحوه البروسويّ(3:

426)،و القاسميّ(8:3143).

و تمام الكلام سيأتي في«ن س ء-النّسىء».

ص: 621

تحرّم

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. التّحريم:1

مسروق:إنّ النّبىّ صلّى اللّه عليه و سلّم حرّم جاريته و آلى منها، فجعل الحلال حراما،و في اليمين قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ التّحريم:2.(الطّبريّ 28:156)

ابن عبّاس: نكاحه،يعني نكاح مارية القبطيّة أمّ إبراهيم بن محمّد رسول اللّه،حرّمها النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم على نفسه.

(477)

كانت حفصة و عائشة متحابّتين،و كانتا زوجتي النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فذهبت حفصة إلى أبيها،فتحدّثت عنده، فأرسل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلى جاريته،فظلّت معه في بيت حفصة،و كان اليوم الّذي يأتي فيه عائشة،فرجعت حفصة،فوجدتهما في بيتها،فجعلت تنتظر خروجها، و غارت غيرة شديدة،فأخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم جاريته، و دخلت حفصة،فقالت:قد رأيت من كان عندك،و اللّه لقد سؤتني،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:و اللّه لأرضينّك فإنّي مسرّ إليك سرّا فاحفظيه؛قالت:ما هو؟قال:إنّي أشهدك أنّ سرّيّتي هذه عليّ حرام رضا لك،و كانت حفصة و عائشة تظاهران على نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فانطلقت حفصة إلى عائشة،فأسرّت إليها:أن أبشري،إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قد حرّم عليه فتاته،فلمّا أخبرت بسرّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،أظهر اللّه عزّ و جلّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فأنزل اللّه على رسوله لمّا تظاهرتا عليه يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ إلى قوله:(و هو العليم الحكيم)».

(الطّبريّ 28:157)

نحوه الضّحّاك(الطّبريّ 28:156)،و قتادة (الطّبريّ 28:158)،و زيد بن أسلم و ابن زيد(الطّبريّ 28:156)،و الفرّاء(3:165)و القمّيّ(2:376)، و الواحديّ(4:317).

إنّه أراد بذلك المرأة الّتي وهبت نفسها للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فلم يقبلها.أنّه حرّمها على نفسه من غير يمين،فكان التّحريم موجبا لكفّارة اليمين.(الماورديّ 6:38)

الشّعبيّ: حرّمها عليه و حلف لا يقربها،فعوتب في التّحريم،و جاءت الكفّارة في اليمين.

(الطّبريّ 28:156)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:يا أيّها النّبيّ المحرّم على نفسه ما أحلّ اللّه له،يبتغي بذلك مرضاة أزواجه،لم تحرّم على نفسك الحلال الّذي أحلّه اللّه لك، تلتمس بتحريمك ذلك مرضاة أزواجك.

و اختلف أهل العلم في الحلال الّذي كان اللّه جلّ ثناؤه أحلّه لرسوله،فحرّمه على نفسه ابتغاء مرضاة أزواجه،فقال بعضهم:كان ذلك مارية مملوكته القبطيّة، حرّمها على نفسه بيمين أنّه لا يقربها،طلبا بذلك رضا حفصة بنت عمر زوجته،لأنّها كانت غارت بأن خلا بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في يومها و في حجرتها.

و قال آخرون:بل حرّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم جاريته، فجعل اللّه عزّ و جلّ تحريمه إيّاها بمنزلة اليمين،فأوجب فيها من الكفّارة،مثل ما أوجب في اليمين إذا حنث فيها صاحبها.

و قال آخرون:كان ذلك شرابا يشربه،كان يعجبه ذلك.

ص: 622

و الصّواب من القول في ذلك أن يقال:كان الّذي حرّمه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم على نفسه شيئا كان اللّه قد أحلّه له، و جائز أن يكون ذلك كان جاريته،و جائز أن يكون كان شرابا من الأشربة،و جائز أن يكون كان غير ذلك.

غير أنّه أيّ ذلك كان،فإنّه كان تحريم شيء كان له حلالا،فعاتبه اللّه على تحريمه على نفسه ما كان له قد أحلّه،و بيّن له تحلّة يمينة،في يمين كان حلف بها مع تحريمه ما حرّم على نفسه.

فإن قال قائل:و ما برهانك على أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان حلف مع تحريمه ما حرّم،فقد علمت قول من قال:لم يكن من النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في ذلك غير التّحريم.و أنّ التّحريم هو اليمين؟

قيل:البرهان على ذلك واضح،و هو أنّه لا يعقل في لغة عربيّة و لا عجميّة،أنّ قول القائل لجاريته،أو لطعام أو شراب،هذا عليّ حرام،يمين،فإذا كان ذلك غير معقول،فمعلوم أنّ اليمين غير قول القائل للشّيء الحلال له:هو عليّ حرام.و إذا كان ذلك كذلك صحّ ما قلنا، و فسد ما خالفه.

و بعد،فجائز أن يكون تحريم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ما حرّم على نفسه من الحلال الّذي كان اللّه تعالى ذكره أحلّه له بيمين،فيكون قوله: لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ معناه:

لم تحلف على الشّيء الّذي قد أحلّه اللّه أن لا تقربه، فتحرّمه على نفسك باليمين؟.

و إنّما قلنا:إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حرّم ذلك،و حلف مع تحريمه،كما حدّثني الحسن بن قزعة،قال:حدّثنا مسلمة ابن علقمة،عن داود بن أبي هند،عن الشّعبيّ،عن مسروق،عن عائشة قالت:«آلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و حرّم، فأمر في الإيلاء بكفّارة،و قيل له في التّحريم: لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ؟» .(28:155)

الزّجّاج: أي و قد غفر اللّه لك ذلك التّحريم.و جاء في التّفسير أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم شرب عسلا عند زينب بنت جحش،فأجمعت عائشة و حفصة على أن يقولا له:إنّا نشمّ منك ريح المغافير.و المغافير:صمغ متغيّر الرّائحة، و قيل في التّفسير:إنّه بقلة،فلمّا صار إلى كلّ واحدة منهما قالت له:إنّي أشمّ منك ريح المغافير،فحرّم النّبيّ عليه السّلام على نفسه شرب العسل،و قيل:إنّه حلف على ذلك.[ثمّ أدام الكلام نحو ابن عبّاس في مارية القبطيّة و أضاف:]

فلم يجعل اللّه لنبيّه أن يحرّم إلاّ ما حرّم اللّه،فعلى هذين التّفسيرين[أكل العسل و وطء جاريته]ليس لأحد أن يحرّم ما أحلّ اللّه،فقال اللّه: قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ يعني الكفّارة،لأنّه قد روي أنّه مع ذلك التّحريم حلف.و قال قوم:إنّ الكفّارة كفّارة التّحريم.

(5:191)

نحوه الثّعلبيّ(9:343)،و البغويّ(5:116)، و الميبديّ(10:155)،و ابن الجوزيّ(8:302)، و البيضاويّ(2:485)،و أبو السّعود(6:267)، و الكاشانيّ(5:193)،و شبّر(6:241).

الجصّاص :[ذكر الوجهين في شأن النّزول،ثمّ قال:]

و جائز أن يكون الأمران جميعا قد كانا من تحريم مارية و تحريم العسل،إلاّ أنّ الأظهر أنّه حرّم مارية،و أنّ الآية فيها نزلت،لأنّه قال: تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ و ليس في ترك شرب العسل رضا أزواجه

ص: 623

و في ترك قرب مارية رضاهنّ،فروي في العسل أنّه حرّمه،و روي أنّه حلف أن لا يشربه.[ثمّ ذكر الأقوال]

و أمّا قول من قال:إنّه حرّم و حلف أيضا،فإنّ ظاهر الآية لا يدلّ عليه،و إنّما فيها التّحريم فقط،فغير جائز أن يلحق بالآية ما ليس فيها،فوجب أن يكون التّحريم يمينا لإيجاب اللّه تعالى فيها كفّارة يمين بإطلاق لفظ التّحريم.

و من النّاس من يقول:لا فرق بين التّحريم و اليمين، لأنّ اليمين تحريم للمحلوف عليه،و التّحريم أيضا يمين، و هذا عند أصحابنا يختلف في وجه و يتّفق في وجه آخر.

فالوجه الّذي يوافق اليمين فيه التّحريم:أنّ الحنث فيهما يوجب كفّارة اليمين،و الوجه الّذي يختلفان فيه:

أنّه لو حلف أنّه لا يأكل هذا الرّغيف فأكل بعضه لم يحنث.و لو قال:«قد حرّمت هذا الرّغيف على نفسي» فأكل منه اليسير حنث و لزمته الكفّارة،لأنّهم شبّهوا تحريمه الرّغيف على نفسه بمنزلة قوله:«و اللّه لا أكلت من هذا الرّغيف»تشبيها له بسائر ما حرّمه اللّه من الميتة و الدّم،أنّه اقتضى تحريم القليل منه و الكثير.

(3:622)

الماورديّ: [اكتفى بنقل الأقوال المتقدّمة]

(6:39)

الطّوسيّ: هذا خطاب من اللّه تعالى للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و عتاب له على تحريم ما أباحه اللّه له و أحلّه له،و لا يدلّ على أنّه وقعت منه معصية،لأنّ العتاب قد يكون على أمر قد يكون الأولى خلافه،كما يكون على ترك الواجب.[ثمّ نقل الأقوال المتقدّمة و أضاف:]

و التّحريم:تبيين أنّ الشّيء حرام لا يجوز،و نقيضه:

الحلال،و الحرام:هو القبيح الممنوع بالنّهي عنه،و الحلال:

الحسن المطلق بالإذن فيه.و عندنا أنّه لا يلزم بقوله:أنت عليّ حرام،شيء و وجوده كعدمه،و هو مذهب مسروق.

و فيه خلاف بين الفقهاء ذكرناه في«الخلاف».

و إنّما أوجب اللّه الكفّارة،لأنّه صلّى اللّه عليه و آله كان حلف ألاّ يقرب جاريته أو لا يشرب الشّرب المذكور،فعاتبه اللّه على ذلك و أوجب عليه أن يكفّر عن يمينه،و يعود إلى استباحة ما كان يفعله.و بيّن أنّ التّحريم لا يحصل إلاّ بأمر اللّه و نهيه،و ليس يصير الشّيء حراما بتحريم محرّم و لا باليمين على تركه،فلذلك قال: لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ. (10:45)

الزّمخشريّ: [ذكر قصّة التّحريم و أضاف:]فإن قلت:ما حكم تحريم الحلال؟قلت:قد اختلف فيه.فأبو حنيفة يراه يمينا في كلّ شيء...و لا يراه الشّافعيّ يمينا، و لكن سببا في الكفّارة في النّساء وحدهنّ (1)...[ثمّ ذكر الأقوال في ذلك،و أضاف:]

و ما لم يحرّمه اللّه تعالى فليس لأحد أن يحرّمه،و لا أن يصير بتحريمه حراما،و لم يثبت عن رسول صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال لما أحلّ اللّه:هو حرام عليّ،و إنّما امتنع من مارية ليمين تقدّمت منه،و هو قوله عليه الصّلاة و السّلام:«و اللّه لا أقربها بعد اليوم»فقيل له: لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ؟ أي لم تمتنع منه بسبب اليمين،يعني أقدم على ما حلفت عليه،و كفّر عن يمينك،نحوه قوله تعالى:

وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ القصص:12،أي منعناه منها.(4:125)ّ.

ص: 624


1- و تفصيل قولهما عند الفخر الرّازيّ.

ابن العربيّ: فيها خمس مسائل:

المسألة الأولى:في سبب نزولها.[و ذكر اختلاف المفسّرين في ذلك]

المسألة الثّانية:أمّا من روى أنّ الآية نزلت في الموهوبة فهو ضعيف في السّند،و ضعيف في المعنى.أمّا ضعفه في السّند فلعدم عدالة رواته،و أمّا ضعفه في معناه فلأنّ ردّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم للموهوبة ليس تحريما لها،لأنّ من ردّ ما وهب له لم يحرم عليه،و إنّما حقيقة التّحريم بعد التّحليل.

و أمّا من روى أنّه حرّم مارية فهو أمثل في السّند، و أقرب إلى المعنى،لكنّه لم يدوّن في صحيح،و لا عدّل ناقله،أما أنّه روي مرسلا.

و قد روى ابن وهب،عن مالك،عن زيد بن أسلم، قال:حرّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أمّ ولده إبراهيم،فقال:أنت عليّ حرام؛و اللّه لا أتيتك.فأنزل اللّه في ذلك: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ [إلى أن قال:]

و إنّما الصّحيح أنّه كان في العسل،و أنّه شربه عند زينب،و تظاهرت عليه عائشة و حفصة فيه،و جرى ما جرى،فحلف ألاّ يشربه،و أسرّ ذلك،و نزلت الآية في الجميع.

المسألة الثّالثة:قوله: لِمَ تُحَرِّمُ إن كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حرّم و لم يحلف،فليس ذلك بيمين عندنا في معنى،و لا يحرم شيئا قول الرّجل:هذا حرام عليّ،حاشا الزّوجة.

و قال أبو حنيفة:إذا أطلق حمل على المأكول و المشروب دون الملبوس،و كانت يمينا،توجب الكفّارة.

و قال زفر:هو يمين في الكلّ،حتّى في الحركة و السّكون.و عوّل المخالف على أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حرّم العسل، فلزمته الكفّارة.

و قد قال اللّه تعالى فيه: قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ التّحريم:2،فسمّاه يمينا؛و عوّل أيضا على أنّ معنى اليمين التّحريم،فإذا وجد ملفوظا به تضمّن معناه كالملك في البيع.

و دليلنا قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ المائدة:87،و قوله: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَ حَلالاً قُلْ آللّهُ أَذِنَ لَكُمْ أَمْ عَلَى اللّهِ تَفْتَرُونَ يونس:59،فذمّ اللّه المحرّم للحلال،و لم يوجب عليه كفّارة.و قد بيّنّا ذلك عند ذكر هذه الآيات،و هذا ينقض مذهب المخالفين:زفر، و أبي حنيفة،و ينقض مذهب أبي حنيفة إخراجه اللّباس منه،و لا جواب له عنه،و خفي عن القوم سبب الآية، و أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حلف ألاّ يشرب عسلا،و كان ذلك سبب الكفّارة؛و قيل له:(لم تحرّم).

و قولهم:إنّ معنى النّهي تحريم الحلال فكان كالمال في البيع لا يصحّ،بل التّحريم معنى يركّب على لفظ اليمين، فإذا لم يوجد اللّفظ لم يوجد المعنى،بخلاف الملك فإنّه لم يركّب على لفظ البيع،بل هو في معنى لفظه،و قد استوعبنا القول في كتاب:«تلخيص التّلخيص، و الإنصاف في مسائل الخلاف».(4:1844)

الطّبرسيّ: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ ناداه سبحانه بهذا النّداء تشريفا له و تعليما لعباده،كيف يخاطبونه في

ص: 625

أثناء محاوراتهم،و يذكرونه في خلال كلامهم لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ من الملاذّ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ أي تطلب به رضاء نسائك و هنّ أحقّ بطلب مرضاتك منك.

و ليس في هذا دلالة على وقوع ذنب منه صغير أو كبير،لأنّ تحريم الرّجل بعض نسائه أو بعض الملاذّ لسبب أو لغير سبب ليس بقبيح،و لا داخلا في جملة الذّنوب،و لا يمتنع أن يكون خرج هذا القول مخرج التّوجّع له صلّى اللّه عليه و آله إذا بالغ في إرضاء أزواجه و تحمّل في ذلك المشقّة.

و لو أنّ إنسانا أرضى بعض نسائه بتطليق بعضهنّ لجاز أن يقال له:لم فعلت ذلك و تحمّلت فيه المشقّة و إن كان لم يفعل قبيحا؟و لو قلنا:إنّه عوتب على ذلك،لأنّ ترك التّحريم كان أفضل من فعله لم يمتنع،لأنّه يحسن أن يقال لتارك النّفل:لم لم تفعله و لم عدلت عنه؟و لأنّ تطييب قلوب النّساء ممّا لا تنكره العقول.[ثمّ ذكر الأقوال فيمن قال لامرأته:أنت عليّ حرام](5:314)

الفخر الرّازيّ: [ذكر قول الزّمخشريّ و غيره في قصّة التّحريم،ثمّ قال:]

في الآية مباحث:

البحث الأوّل: لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ يوهم أنّ هذا الخطاب بطريق العتاب،و خطاب الوصف-و هو النّبيّ-ينافي ذلك لما فيه من التّشريف و التّعظيم فكيف هو؟

نقول:الظّاهر أنّ هذا الخطاب ليس بطريق العتاب بل بطريق التّنبيه على أنّ ما صدر منه لم يكن كما ينبغي.

البحث الثّاني:تحريم ما أحلّ اللّه تعالى غير ممكن،لما أنّ الإحلال ترجيح جانب الحلّ،و التّحريم ترجيح جانب الحرمة،و لا مجال للاجتماع بين التّرجيحين، فكيف يقال: لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ؟

نقول:المراد من هذا التّحريم هو الامتناع عن الانتفاع بالأزواج،لا اعتقاد كونه حراما بعد ما أحلّه اللّه تعالى،فالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم امتنع عن الانتفاع معها مع اعتقاده بكونه حلالا.و من اعتقد أنّ هذا التّحريم هو تحريم ما أحلّه اللّه تعالى بعينه فقد كفر،فكيف يضاف إلى الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم مثل هذا!

البحث الثّالث:إذا قيل:ما حكم تحريم الحلال؟

نقول:اختلفت الأئمّة فيه،فأبو حنيفة يراه يمينا في كلّ شيء،و يعتبر الانتفاع المقصود فيما يحرّمه؛فإذا حرّم طعاما فقد حلف على أكله،أو أمة فعلى وطئها،أو زوجة فعلى الإيلاء منها إذا لم يكن له نيّة،و إن نوى الظّهار فظهار،و إن نوى الطّلاق فطلاق بائن،و كذلك إن نوى اثنتين،و إن نوى ثلاثا فكما نوى.

فإن قال:نويت الكذب،دين فيما بينه و بين ربّه و لا يدين في القضاء بإبطال الإيلاء.و إن قال:كلّ حلال عليه حرام،فعلى الطّعام و الشّراب إذا لم ينو،و إلاّ فعلى ما نوى.و لا يراه الشّافعيّ يمينا و لكن سببا في النّساء وحدهنّ،و إن نوى الطّلاق فهو رجعيّ عنده.و أمّا اختلاف الصّحابة فيه،فكما هو في«الكشّاف»،فلا حاجة بنا إلى ذكر ذلك.(30:41)

نحوه الشّربينيّ(4:324)

القرطبيّ: [نقل الأقوال و قال:]

ص: 626

قلت:أكثر المفسّرين على أنّ الآية نزلت في حفصة لمّا خلا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في بيتها بجاريته،ذكره الثّعلبيّ.و على هذا فكأنّه قال:لا يحرم عليك ما حرّمته على نفسك، و لكن عليك كفّارة يمين،و إن كان في تحريم العسل و الجارية أيضا.فكأنّه قال:لم يحرم عليك ما حرّمته، و لكن ضممت إلى التّحريم يمينا فكفّر عن اليمين.و هذا صحيح،فإنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حرّم ثمّ حلف،كما ذكره الدّارقطنيّ.

و ذكر البخاريّ معناه في قصّة العسل عن عبيد ابن عمير عن عائشة قالت:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يشرب عند زينب بنت جحش عسلا و يمكث عندها،فتواطأت أنا و حفصة على أيّتنا دخل عليها فلتقل:أكلت مغافير؟ إنّي لأجد منك ريح مغافير!قال:«لا و لكن شربت عسلا و لن أعود له و قد حلفت،لا تخبري بذلك أحدا».يبتغي مرضات أزواجه.فيعني بقوله:«و لن أعود له»على جهة التّحريم.و بقوله:«حلفت»أي باللّه،بدليل أنّ اللّه تعالى أنزل عليه عند ذلك معاتبته على ذلك،و حوالته على كفّارة اليمين بقوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ يعنى العسل المحرّم بقوله:«لن أعود له».

(18:175)

النّيسابوريّ: [نقل الأقوال في شأن نزول الآية ثمّ قال:]

قال جمع من العلماء:لم يثبت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم تحريم حلال،بأن يقول:هو عليّ حرام،و لكنّه كان يمينا، كقوله:و اللّه لا أشرب العسل و لا أقرب الجارية بعد اليوم،فقيل له:لم تحرّم؟أي لم تمتنع بسبب اليمين،يعني أقدم على ما حلفت عليه و كفّر عن يمينك.(28:79)

الخازن :[نقل الأقوال ثمّ قال:]

و أمّا التّفسير،فقوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ أي من العسل أو ملك اليمين،على اختلاف الرّواية فيه.و هذا التّحريم تحريم امتنع عن الانتفاع بها أو بالعسل،لا تحريم اعتقاد بكونه حراما،بعد ما أحلّه اللّه.فالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم امتنع عن الانتفاع بذلك،مع اعتقاده أنّ ذلك حلال تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ أي تطلب رضاهنّ بترك ما أحلّ اللّه لك.(7:97)

أبو حيّان :معنى تُحَرِّمُ تمنع،و ليس التّحريم المشروع بوحي من اللّه،و إنّما امتناع لتطييب خاطر بعض من يحسن معه العشرة ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ، هو مباشرة مارية جاريته.[ثمّ نقل الأقوال](8:289)

نحوه مغنيّة.(7:362)

البروسويّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و معنى الآية لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ من ملك اليمين أو من العسل،أي تمتنع من الانتفاع به مع اعتقاد كونه حلالا لك،لأنّ اعتقاد كونه حراما بعد ما أحلّ اللّه ممّا لا يتصوّر من عوامّ المؤمنين،فكيف من الأنبياء!

قال الفقهاء:من اعتقد من عند نفسه حرمة شيء قد أحلّه اللّه فقد كفر؛إذ ما أحلّه اللّه لا يحرّم إلاّ بتحريم اللّه إيّاه بنظم القرآن أو بوحي غير متلوّ،و اللّه تعالى إنّما أحلّ لحكمة و مصلحة عرفها في إحلاله،فإذا حرّم العبد كان ذلك قلب المصلحة مفسدة.(10:49)

الآلوسيّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

ص: 627

و بالجملة الأخبار متعارضة،و قد سمعت ما قيل فيها،لكن قال الخفاجيّ:قال النّوويّ في شرح مسلم:

الصّحيح أنّ الآية في قصّة العسل لا في قصّة مارية المرويّة في غير الصّحيحين،و لم تأت قصّة مارية في طريق صحيح.ثمّ قال الخفاجيّ نقلا عنه أيضا:الصّواب أنّ شرب العسل كان عند زينب رضي اللّه تعالى عنها.

و قال الطّيّبيّ فيما نقلناه عن«الكشّاف»:ما وجدته في الكتب المشهورة،و اللّه أعلم.(28:147)

القاسميّ: و المراد بتحريمه ما أحلّ له:امتناعه منه، و حظره إيّاه على نفسه.و هذا المقدار مباح،ليس في ارتكابه جناح،و إنّما قيل له: لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ؟ رفقا به و شفقة عليه و تنويها لقدره و لمنصبه صلّى اللّه عليه و سلّم، أن يراعي مرضاة أزواجه بما يشقّ عليه،جريا على ما ألف من لطف اللّه تعالى بنبيّه،و رفعه عن أن يحرج بسبب أحد من البشر الّذين هم أتباعه و من أجله خلقوا،ليظهر اللّه كمال نبوّته بظهور نقصانهم عنه،كما أفاده«النّاصر».

تنبيهان:الأوّل:للأثريّين في هذا الّذي حرّمه صلوات اللّه عليه على نفسه روايات.[و نقلها ثمّ قال:]

و الّذي يظهر لي،هو ترجيح روايات تحريم الجارية في سبب نزولها؛و ذلك لوجوه:

منها:أنّ مثله يبتغي به مرضاة الضّرّات و يهتمّ به لهنّ.

و منها:أنّ روايات شرب العسل لا تدلّ على أنّه حرّمه ابتغاء مرضاتهنّ،بل فيه أنّه حلف لا يشربه أنفة من ريحه،ثمّ رغب إلى عائشة أن لا تحدّث صاحبته به شفقة عليها،إلاّ أن يكنّ عاتبنه في ذلك،و لم يحتمل لطف مزاجه الكريم ذلك فحرّمه،و لكن ليس في الرّواية ما يشعر به،و ما زاد على ذلك فمن اجتهاد الرّواة.

و منها:أنّ الاهتمام بإنزال سورة على حدة لتقريع أزواجه صلّى اللّه عليه و سلّم،و تأديبهنّ في المظاهرة عليه،و إيعادهنّ على الإصرار على ذلك بالاستبدال بهنّ،و إعلامهنّ برفعة مقامه،و أنّ ظهراءه مولاه و جبريل و الملائكة و المؤمنون،كلّ ذلك يدلّ على أنّ أمرا عظيما دفعهنّ إلى تحريمه ما حرّم،و ما هو إلاّ الغيرة من مثل ما روي في شأن الجارية،فإنّ الأزواج يحرصن أشدّ الحرص على ما يقطع وصلة الضّرّة الضّعيفة و يبترها من عضو الزّوجيّة،هذا ما ظهر لي الآن.

و أمّا تخريج رواية العسل في هذه الآية،و قول بعض السّلف نزلت فيه،فالمراد منه:أنّ الآية تشمل قصّته بعمومها،على ما عرف من عادة السّلف في قولهم:نزلت في كذا،كما نبّهنا عليه مرارا.و كأنّه عليه السّلام كان حرّم ذلك الشّراب،ثمّ أخبر الرّواة بأنّ مثله فرضت فيه التّحلّة، فلا مانع من العود إلى شربه،و اللّه أعلم.

الثّاني:في«الإكليل»:استدلّ بها على أنّ من حرّم على نفسه أمة أو طعاما أو زوجة،لم تحرم عليه،و تلزمه كفّارة يمين.(16:5852)

المراغيّ: أي يا أيّها النّبيّ لم تمتنع عن شرب العسل الّذي أحلّه اللّه لك،تلتمس بذلك رضا أزواجك؟

و هذا عتاب من اللّه على فعله ذلك،لأنّه لم يكن عن باعث مرضيّ،بل كان طلبا لمرضاة الأزواج.

و في هذا تنبيه إلى أنّ ما صدر منه لم يكن ممّا ينبغي لمقامه الشّريف أن يفعله.(28:156)

ص: 628

1Lسيّد قطب: هو عتاب مؤثّر موح،فما يجوز أن يحرّم المؤمن على نفسه ما أحلّه اللّه له من متاع، و الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم لم يكن حرّم العسل أو مارية بمعنى التّحريم الشّرعيّ،إنّما كان قد قرّر حرمان نفسه.فجاء هذا العتاب يوحي بأنّ ما جعله اللّه حلالا،فلا يجوز حرمان النّفس منه عمدا و قصدا إرضاء لأحد.و التّعقيب:

وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ يوحي بأنّ هذا الحرمان من شأنه أن يستوجب المؤاخذة،و أن تتداركه مغفرة اللّه و رحمته، و هو إيحاء لطيف.(6:3615)

عزّة دروزة :[ذكر الرّوايات ثمّ قال:]

و يحسن أن ننبّه على مدى تعبير لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ من حيث كونه ليس في معنى المناقضة في تحريم ما أحلّ اللّه تعالى في المفهوم الشّرعيّ الّذي يقابله معنى إحلال ما حرّم اللّه،و إنّما هو في معنى حرمان النّفس و منعها ممّا أحلّه اللّه.و هذا غير غريب عن المألوفات البشريّة في امتناع النّاس أو حلفهم على الامتناع عن شيء هو في أصله حلال و مباح لهم،دون أن يعني أنّه قصد نقيض حلّة.(10:147)

الطّباطبائيّ: خطاب مشوب بعتاب لتحريمه صلّى اللّه عليه و آله لنفسه بعض ما أحلّ اللّه له،و لم يصرّح تعالى به و لم يبيّن أنّه ما هو؟و ما ذا كان؟غير أنّ قوله: تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ يومئ أنّه كان عملا من الأعمال المحلّلة الّتي يقترفها النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لا ترتضيه أزواجه،فضيّقن عليه و آذينه حتّى أرضاهنّ بالحلف،على أن يتركه و لا يأتي به بعد.

فقوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ علّق الخطاب و النّداء بوصف النّبيّ دون الرّسول،لاختصاصه به في نفسه دون غيره،حتّى يلائم وصف الرّسالة.

و قوله: لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ المراد بالتّحريم:

التّسبّب إلى الحرمة بالحلف،على ما تدلّ عليه الآية التّالية،فإنّ ظاهر قوله: قَدْ فَرَضَ اللّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمانِكُمْ إلخ أنّه صلّى اللّه عليه و آله حلف على ذلك،و من شأن اليمين أن يوجب عروض الوجوب إن كان الحلف على الفعل و الحرمة؛و إن كان الحلف على التّرك،و إذ كان صلّى اللّه عليه و آله حلف على ترك ما أحلّ اللّه له،فقد حرّم ما أحلّ اللّه له بالحلف.

و ليس المراد بالتّحريم:تشريعه صلّى اللّه عليه و آله على نفسه الحرمة فيما شرّع اللّه له فيه الحلّيّة،فليس له ذلك.(19:329)

مكارم الشّيرازيّ: من الواضح أنّ هذا التّحريم ليس تحريما شرعيّا،و إنّما هو-كما يستفاد من الآيات اللاّحقة-قسم من قبل الرّسول صلّى اللّه عليه و آله.

و من المعروف أنّ القسم على ترك بعض المباحات ليس ذنبا.

و بناء على هذا فإنّ جملة(لم تحرّم)لم تأت كتوبيخ و عتاب،و إنّما هي نوع من الإشفاق و العطف.تماما،كما نقول لمن يجهد نفسه كثيرا لتحصيل فائدة معيّنة من أجل العيش ثمّ لا يحصل عليها،نقول له:لما ذا تتعب نفسك و تجهدها إلى هذا الحدّ دون أن تحصل على نتيجة توازي ذلك التّعب؟(18:407)

لا تحرّموا

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّهُ

ص: 629

لَكُمْ... المائدة:87

أبيّ بن كعب: ضاف عبد اللّه بن رواحة ضيف، فانقلب ابن رواحة و لم يتعشّ،فقال لأهله:ما عشّيته؟ فقالت:كان الطّعام قليلا،فانتظرت أن تأتي،قال:

فحبست ضيفي من أجلي؟فطعامك عليّ حرام إن ذقته، فقالت هي:و هو عليّ حرام إن ذقته إن لم تذقه،و قال الضّيف:هو عليّ حرام إن ذقته إن لم تذوقوه.فلمّا رأى ذلك،قال ابن رواحة:قرّبي طعامك،كلوا باسم اللّه، و غدا إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فأخبره،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم:قد أحسنت،فنزلت هذه الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ... و قرأ حتّى بلغ لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ. إذا قلت:و اللّه لا أذوقه،فذلك العقد.

(الطّبريّ 7:11)

ابن عبّاس: من الطّعام و الشّراب و الجماع.(100) هم رهط من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قالوا:نقطع مذاكيرنا،و نترك شهوات الدّنيا،و نسيح في الأرض،كما تفعل الرّهبان.فبلغ ذلك النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فأرسل إليهم،فذكر ذلك لهم فقالوا:نعم،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«لكنّي أصوم و أفطر،و أصلّي و أنام،و أنكح النّساء،فمن أخذ بسنّتي فهو منّي،و من لم يأخذ بسنّتي فليس منّي».(الطّبريّ 7:10)

نحوه قتادة و السّدّيّ(الطّبريّ 7:9)،و الفرّاء(1:

318)،و الزّجّاج(2:201)،و الواحديّ(2:219).

إنّ رجلا أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال:يا رسول اللّه؛إنّي إذا أصبت من اللّحم انتشرت و أخذتني شهوتي فحرّمت اللّحم،فأنزل اللّه تعالى ذكره الآية.(الطّبريّ 7:11)

النّخعيّ: كانوا حرّموا الطّيب و اللّحم،فأنزل اللّه تعالى هذا فيهم.(الطّبريّ 7:8)

مجاهد :أراد رجال-منهم عثمان بن مظعون و عبد اللّه بن عمرو أن يتبتّلوا و يخصوا أنفسهم،و يلبسوا المسوح،فنزلت هذه الآية إلى قوله: وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ. الطّبريّ 7:10)

نحوه عكرمة.(الطّبريّ 7:8)

الحسن :لا تعتدوا إلى ما حرّم عليكم.

(الطّبريّ 7:12)

الإمام الصّادق عليه السّلام: نزلت هذه الآية في أمير المؤمنين عليه السّلام و بلال و عثمان بن مظعون،فأمّا أمير المؤمنين عليه السّلام فحلف أن لا ينام باللّيل أبدا،و أمّا بلال فإنّه حلف أن لا يفطر بالنّهار أبدا،و أمّا عثمان بن مظعون فإنّه حلف أن لا ينكح أبدا،فدخلت امرأة عثمان على عائشة و كانت امرأة جميلة،فقالت عائشة:ما لي أراك معطّلة، فقالت:و لمن أتزيّن،فو اللّه ما قاربني زوجي منذ كذا و كذا،فإنّه قد ترهّب و لبس المسوح و زهد في الدّنيا.

فلمّا دخل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أخبرته عائشة بذلك، فخرج فنادى:الصّلاة جامعة،فاجتمع النّاس فصعد المنبر،فحمد اللّه و أثنى عليه،ثمّ قال:«ما بال أقوام يحرّمون على أنفسهم الطّيّبات،ألا إنّي أنام باللّيل و أنكح،و أفطر بالنّهار،فمن رغب عن سنّتي فليس منّي» فقاموا هؤلاء فقالوا:يا رسول اللّه فقد حلفنا على ذلك، فأنزل اللّه تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما عَقَّدْتُمُ الْأَيْمانَ فَكَفّارَتُهُ إِطْعامُ....

(القمّيّ 1:179)

ص: 630

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:يا أيّها الّذين صدّقوا اللّه و رسوله،و أقرّوا بما جاءهم به نبيّهم صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه حقّ من عند اللّه لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ يعني بالطّيّبات:اللّذيذات الّتي تشتهيها النّفوس و تميل إليها القلوب،فتمنعوها إيّاها،كالّذي فعله القسّيسون و الرّهبان،فحرّموا على أنفسهم النّساء و المطاعم الطّيّبة، و المشارب اللّذيذة،و حبس في الصّوامع بعضهم أنفسهم،و ساح في الأرض بعضهم.يقول تعالى ذكره:

فلا تفعلوا أيّها المؤمنون،كما فعل أولئك،و لا تعتدوا حدّ اللّه الّذي حدّ لكم فيما أحلّ لكم،و فيما حرّم عليكم، فتجاوزوا حدّه الّذي حدّه،فتخالفوا بذلك طاعته،فإنّ اللّه لا يحبّ من اعتدى حدّه الّذي حدّه لخلقه،فيما أحلّ لهم،و حرّم عليهم.(7:8)

الماورديّ: فيه تأويلان:أحدهما:أنّه اغتصاب الأموال المستطابة،فتصير بالغصب حراما،و قد كان يمكنهم الوصول إليها بسبب مباح،قاله بعض البصريّين.

الثّاني:[نحو ما تقدّم عن الصّادق عليه السّلام](2:59)

الطّوسيّ: هذا خطاب للمؤمنين خاصّة نهاهم اللّه أن يحرّموا طيّبات ما أحلّ اللّه لهم.و التّحريم هو العقد على ما لا يجوز فعله للعبد،و التّحليل:حلّ ذلك العقد، و ذلك كتحريم السّبب بالعقد على أهله،فلا يجوز لهم العمل فيه،و تحليله:تحليل ذلك العقد بأنّه يجوز لهم الآن العمل فيه.[إلى أن قال:]

و الّذي اقتضى ذكر النّهي عن تحريم الطّيّبات-على ما قال ابن عبّاس و مجاهد و أبو مالك و قتادة و إبراهيم- حال الرّهبان الّذين حرّموا على أنفسهم المطاعم الطّيّبة و المشارب اللّذيذة،و حبسوا أنفسهم في الصّوامع، و ساحوا في الأرض،و حرّموا النّساء،فهمّ قوم من الصّحابة أن يفعلوا مثل ذلك،فنهاهم اللّه عن ذلك.و قال أبو عليّ:نهوا أن يحرّموا الحلال من الرّزق بما يخلطه من الغصب.و اختار الرّمّانيّ الوجه الأوّل،لأنّ أكثر المفسّرين عليه.(4:9)

الزّمخشريّ: معنى(لا تحرّموا):لا تمنعوها أنفسكم كمنع التّحريم،أو لا تقولوا:حرّمناها على أنفسنا مبالغة منكم في العزم على تركها،تزهّدا منكم و تقشّفا.[ثمّ أدام الكلام نحو قول ابن عبّاس المتقدّم عن الطّبريّ]

(1:639)

نحوه النّسفيّ(1:299)،و أبو السّعود(2:314)، و القاسميّ(6:2128).

ابن العربيّ: فيها أربع مسائل:

المسألة الأولى:في سبب نزولها،فيه ثلاثة أقوال.

[ثمّ ذكر نحو ما تقدّم عن الصّادق عليه السّلام و ابن عبّاس و أبي عليّ و قال:]

المسألة الثّانية:ظنّ أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّ المطلوب منهم طريق من قبلهم من رفض الطّعام و الشّراب و النّساء،و قد قال اللّه سبحانه: لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً المائدة:48،فكانت شريعة من قبلنا بالرّهبانيّة و شريعتنا بالسّمحة الحنيفيّة.

و في«الصّحيح»أنّ عثمان بن مظعون نهاه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عن التّبتّل،و لو أذن له لاختصينا.

و الّذي يوجب في ذلك العلم،و يقطع العذر، و يوضّح الأمر أنّ اللّه سبحانه قال لنبيّه: وَ تَبَتَّلْ إِلَيْهِ

ص: 631

تَبْتِيلاً، فبيّن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم التّبتّل بفعله،و شرح أنّه امتثال الأمر،و اجتناب النّهي،و ليس بترك المباحات،و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يأكل اللّحم إذا وجده،و يلبس الثّياب تبتاع بعشرين جملا،و يكثر من الوطء،و يصبر إذا عدم ذلك، و من رغب عن سنّته لسنّة عيسى فليس منه.

المسألة الثّالثة:قال علماؤنا:هذا إذا كان الدّين قواما،و لم يكن المال حراما.فأمّا إذا فسد الدّين عند النّاس،و عمّ الحرام،فالتّبتّل و ترك اللذّات أولى،و إذا وجد الحلال فحال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أفضل،و كان دانشمند (1)رحمه اللّه يقول:إذا عمّ الحرام،و طبّق البلاد،و لم يوجد حلال استؤنف الحكم،و صار الكلّ معفوّا عنه،و كان كلّ واحد أحقّ بما في يده ما لم يعلم صاحبه.

و أنا أقول:إنّ هذا الكلام منقاس إذا انقطع الحرام.

فأمّا و الغصب متماد،و المعاملات الفاسدة مستمرّة،و لا يخرج المرء من حرام إلاّ إلى حرام فأشبه المعاش من كان له عقار قديم الميراث يأكل من غلّته،و ما رأيت في رحلتي أحدا يأكل مالا حلالا محضا إلاّ سعيدا المغربيّ، كان يخرج في صائفة الخطميّ،فيجمع من زريعته قوته و يطحنها،و يأكلها بزيت يجلبه الرّوم من بلادهم.

المسألة الرّابعة:إذا قال:هذا عليّ حرام،لشيء من الحلال عدا الزّوجة،فإنّه كذبة لا شيء عليه فيها، و يستغفر اللّه،و لا يحرم عليه شيء ممّا حرّمه.

هذا مذهب مالك و الشّافعيّ،و أكثر الصّحابة.

و روي أنّه قول يوجب الكفّارة،و به قال أبو حنيفة.

و يدلّ عليه حديث عبد اللّه بن رواحة المتقدّم.

و في حديث الجماعة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم مثله.

و روي أيضا عنهم أنّهم حلفوا باللّه،فأذن لهم في الكفّارة،فتعلّق أصحاب أبي حنيفة بمسألة اليمين،و تأتي إن شاء اللّه.

و أمّا إذا قال لزوجته:أنت عليّ حرام،فموضعها سورة التّحريم،و اللّه يسهّل في البلوغ إليها بعونه.

(2:637)

الطّبرسيّ: لمّا تقدّم ذكر الرّهبان و كانوا قد حرّموا على أنفسهم الطّيّبات،نهى اللّه المؤمنين عن ذلك،فقال:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أي يا أيّها المؤمنون لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ. و هو يحتمل وجوها:

منها:أن يريد:لا تعتقدوا تحريمها،و منها:أن يريد:

لا تظهروا تحريمها،و منها:أن يريد:لا تحرّموها على غيركم بالفتوى و الحكم،و منها:أن يريد:لا تجروها مجرى المحرّمات في شدّة الاجتناب،و منها:أن يريد:

لا تلتزموا تحريمها بنذر أو يمين.فوجب حمل الآية على جميع هذه الوجوه.(2:236)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:الطّيّبات:اللّذيذات الّتي تشتهيها النّفوس،و تميل إليها القلوب،و في الآية قولان:

الأوّل:روي أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم وصف يوم القيامة لأصحابه في بيت عثمان بن مظعون،و بالغ و أشبع الكلام في الإنذار و التّحذير،فعزموا على أن يرفضوا الدّنيا و يحرّموا على أنفسهم المطاعم الطّيّبة و المشارب اللّذيذة،و أن يصومواء.

ص: 632


1- هكذا بالأصل،و في هامشة:هو الإمام أبو حامد الغزاليّ، و هو لقب أعجميّ يفسّر بعالم العلماء.

النّهار و يقوموا اللّيل،و أن لا يناموا على الفرش،و يخصوا أنفسهم و يلبسوا المسوح و يسيحوا في الأرض،فأخبر النّبي صلّى اللّه عليه و سلّم بذلك،فقال لهم:«إنّي لم أؤمر بذلك،إنّ لأنفسكم عليكم حقّا فصوموا و أفطروا و قوموا و ناموا، فإنّي أقوم و أنام و أصوم و أفطر،آكل اللّحم و الدّسم و آتي النّساء،فمن رغب عن سنّتي فليس منّي».

و بهذا الكلام ظهر وجه النّظم بين هذه الآية و بين ما قبلها؛و ذلك لأنّه تعالى مدح النّصارى بأنّ منهم قسّيسين و رهبانا،و عادتهم الاحتراز عن طيّبات الدّنيا و لذّاتها،فلمّا مدحهم أوهم ذلك المدح ترغيب المسلمين في مثل تلك الطّريقة،فذكر تعالى عقيب هذه الآية إزالة لذلك الوهم،ليظهر للمسلمين أنّهم ليسوا مأمورين بذلك.

فإن قيل:ما الحكمة في هذا النّهي،فإنّ من المعلوم أنّ حبّ الدّنيا مستول على الطّباع و القلوب،فإذا توسّع الإنسان في اللّذّات و الطّيّبات اشتدّ ميله إليها و عظمت رغبته فيها،و كلّما كانت تلك النّعم أكثر و أدوم كان ذلك الميل أقوى و أعظم،و كلّما ازداد الميل قوّة و رغبة ازداد حرصه في طلب الدّنيا و استغراقه في تحصيلها؛و ذلك يمنعه عن الاستغراق في معرفة اللّه و في طاعته،و يمنعه عن طلب سعادات الآخرة.و أمّا إذا أعرض عن لذّات الدّنيا و طيّباتها،فكلّما كان ذلك الإعراض أتمّ و أدوم كان ذلك الميل أضعف و الرّغبة أقلّ،و حينئذ تتفرّغ النّفس لطلب معرفة اللّه تعالى و الاستغراق في خدمته،و إذا كان الأمر كذلك فما الحكمة في نهي اللّه تعالى عن الرّهبانيّة؟

و الجواب:عنه من وجوه:

الأوّل:أنّ الرّهبانيّة المفرطة و الاحتراز التّامّ عن الطّيّبات و اللّذّات ممّا يوقع الضّعف في الأعضاء الرّئيسة الّتي هي القلب و الدّماغ،و إذا وقع الضّعف فيهما اختلّت الفكرة و تشوّش العقل.و لا شكّ أنّ أكمل السّعادات و أعظم القربات إنّما هو معرفة اللّه تعالى،فإذا كانت الرّهبانيّة الشّديدة ممّا يوقع الخلل في ذلك بالطّريق الّذي بيّنّاه،لا جرم وقع النّهي عنها.

الثّاني:و هو أنّ حاصل ما ذكرتم أنّ اشتغال النّفس بطلب اللّذّات الحسّيّة يمنعها عن الاستكمال بالسّعادات العقليّة،و هذا مسلّم لكن في حقّ النّفوس الضّعيفة،أمّا النّفوس المستعلية الكاملة فإنّها لا يكون استعمالها في الأعمال الحسّيّة مانعا لها من الاستكمال بالسّعادات العقليّة،فإنّا نشاهد النّفوس قد تكون ضعيفة بحيث متى اشتغلت بمهمّ امتنع عليها الاشتغال بمهمّ آخر،و كلّما كانت النّفس أقوى كانت هذه الحالة أكمل،و إذا كان كذلك كانت الرّهبانيّة الخالصة دليلا على نوع من الضّعف و القصور،و إنّما الكمال في الوفاء بالجهتين و الاستكمال في النّاس.

الثّالث:و هو أنّ من استوفى اللّذّات الحسّيّة،كان غرضه منها الاستعانة بها على استيفاء اللّذّات العقليّة، فإنّ رياضته و مجاهدته أتمّ من رياضة من أعرض عن اللّذّات الحسّيّة،لأنّ صرف حصّة النّفس إلى جانب الطّاعة أشقّ و أشدّ من الإعراض عن حصّة النّفس بالكلّيّة،فكان الكمال في هذا أتمّ.

الرّابع:و هو أنّ الرّهبانيّة التّامّة توجب خراب الدّنيا و انقطاع الحرث و النّسل.و أمّا ترك الرّهبانيّة مع المواظبة

ص: 633

على المعرفة و المحبّة و الطّاعات،فإنّه يفيد عمارة الدّنيا و الآخرة،فكانت هذه الحالة أكمل،فهذا جملة الكلام في هذا الوجه.

القول الثّاني في تفسير هذه الآية:ما ذكره القفّال؛ و هو أنّه تعالى قال في أوّل السّورة: أَوْفُوا بِالْعُقُودِ.

فبيّن أنّه كما لا يجوز استحلال المحرّم كذلك لا يجوز تحريم المحلّل،و كانت العرب تحرّم من الطّيّبات ما لم يحرّمه اللّه تعالى،و هي البحيرة و السّائبة و الوصيلة و الحام،و قد حكى اللّه تعالى ذلك في هذه السّورة[المائدة]و في سورة الأنعام،و كانوا يحلّلون الميتة و الدّم و غيرهما،فأمر اللّه تعالى أن لا يحرّموا ما أحلّ اللّه و لا يحلّلوا ما حرّمه اللّه تعالى حتّى يدخلوا تحت قوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ المائدة:1.

المسألة الثّانية:قوله: لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ يحتمل وجوها:

أحدها:لا تعتقدوا تحريم ما أحلّ اللّه تعالى لكم.

و ثانيها:لا تظهروا باللّسان تحريم ما أحلّه اللّه لكم.

و ثالثها:لا تجتنبوا عنها اجتنابا شبيه الاجتناب من المحرّمات،فهذه الوجوه الثّلاثة محمولة على الاعتقاد و القول و العمل.

و رابعها:لا تحرّموا على غيركم بالفتوى.

و خامسها:لا تلتزموا تحريمها بنذر أو يمين،و نظير هذه الآية قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ.

و سادسها:أن يخلط المغصوب بالمملوك خلطا لا يمكنه التّمييز،و حينئذ يحرّم الكلّ،فذلك الخلط سبب لتحريم ما كان حلالا له،و كذلك القول فيما إذا خلط النّجس بالطّاهر.

و الآية محتملة لكلّ هذه الوجوه،و لا يبعد حملها على الكلّ،و اللّه أعلم.(11:70)

القرطبيّ: فيه خمس مسائل:

الأولى:أسند الطّبريّ إلى ابن عبّاس أنّ الآية نزلت بسبب رجل أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال:يا رسول اللّه إنّي إذا أصبت من اللّحم انتشرت و أخذتني شهوتي،فحرّمت اللّحم؛فأنزل اللّه هذه الآية.

و قيل:إنّها نزلت بسبب جماعة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم منهم أبو بكر و عليّ و ابن مسعود و عبد اللّه ابن عمر و أبو ذرّ الغفاريّ و سالم مولى أبي حذيفة و المقداد ابن الأسود و سلمان الفارسيّ و معقل بن مقرّن رضي اللّه عنهم،اجتمعوا في دار عثمان بن مظعون،و اتّفقوا على أن يصوموا النّهار و يقوموا اللّيل و لا يناموا على الفرش،و لا يأكلوا اللّحم و لا الودك[الدّسم]و لا يقربوا النّساء و الطّيب،و يلبسوا المسوح،و يرفضوا الدّنيا،و يسيحوا في الأرض،و يترهّبوا،و يجبّوا المذاكير؛فأنزل اللّه تعالى هذه الآية.و الأخبار بهذا المعنى كثيرة و إن لم يكن فيها ذكر النّزول.

الثّانية:[و ذكر الرّوايات]

الثّالثة:قال علماؤنا رحمة اللّه عليهم في هذه الآية و ما شابهها و الأحاديث الواردة في معناها ردّ على غلاة المتزهّدين،و على أهل البطالة من المتصوّفين؛إذ كلّ فريق منهم قد عدل عن طريقه،و حاد عن تحقيقه.

قال الطّبريّ: لا يجوز لأحد من المسلمين تحريم

ص: 634

شيء ممّا أحلّ اللّه لعباده المؤمنين على نفسه،من طيّبات المطاعم و الملابس و المناكح إذا خاف على نفسه بإحلال ذلك بها بعض العنت و المشقّة،و لذلك ردّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم التّبتّل على ابن مظعون؛فثبت أنّه لا فضل في ترك شيء ممّا أحلّه اللّه لعباده،و أنّ الفضل و البرّ إنّما هو في فعل ما ندب عباده إليه،و عمل به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و سنّه لأمّته، و اتّبعه على منهاجه الأئمّة الرّاشدون؛إذا كان خير الهدي هدي نبيّنا محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،فإذا كان كذلك تبيّن خطأ من آثر لباس الشّعر و الصّوف على لباس القطن و الكتّان إذا قدر على لباس ذلك من حلّه،و آثر أكل الخشن من الطّعام و ترك اللّحم و غيره حذرا من عارض الحاجة إلى النّساء.

قال الطّبريّ: فإن ظنّ ظانّ أنّ الخير في غير الّذي قلنا،لما في لباس الخشن و أكله من المشقّة على النّفس، و صرف ما فضل بينهما من القيمة إلى أهل الحاجة،فقد ظنّ خطأ؛و ذلك أنّ الأولى بالإنسان صلاح نفسه و عونه لها على طاعة ربّها،و لا شيء أضرّ للجسم من المطاعم الرّديئة،لأنّها مفسدة لعقله و مضعفة لأدواته الّتي جعلها اللّه سببا إلى طاعته.

و قد جاء رجل إلى الحسن البصريّ،فقال:إنّ لي جارا لا يأكل الفالوذج،فقال:و لم؟قال:يقول لا يؤدّي شكره،فقال الحسن:أ فيشرب الماء البارد؟فقال:نعم.

فقال:إنّ جارك جاهل،فإنّ نعمة اللّه عليه في الماء البارد أكثر من نعمته عليه في الفالوذج.

قال ابن العربيّ: قال علماؤنا:هذا إذا كان الدّين قواما،و لم يكن المال حراما،فأمّا إذا فسد الدّين عند النّاس و عمّ الحرام فالتّبتّل أفضل،و ترك اللّذّات أولى، و إذا وجد الحلال فحال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أفضل و أعلى.قال المهلّب:إنّما نهى صلّى اللّه عليه و سلّم عن التّبتّل و التّرهّب من أجل أنّه مكاثر بأمّته الأمم يوم القيامة،و أنّه في الدّنيا مقاتل بهم طوائف الكفّار،و في آخر الزّمان يقاتلون الدّجّال؛فأراد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أن يكثر النّسل.(6:260)

أبو حيّان :[نقل شأن نزول الآية ثمّ قال:]

و معنى لا تحرّموها:لا تمنعوا أنفسكم منها لمنع التّحريم،و لا تقولوا:حرّمناها على أنفسنا مبالغة منكم في العزم على تركها،تزهّدا منكم و تقشّفا،و هذا هو المناسب لسبب النّزول.

و قيل:المعنى لا تحرّموا ما تريدون تحصيله لأنفسكم من الحلال بطريق غير مشروع،كالغصب و الرّبا و السّرقة،بل توصّلوا بطريق مشروع من ابتياع و اتّهاب و غيرهما.

و قيل:معناه لا تعتقدوا تحريم ما أحلّه اللّه لكم، و قيل:لا تحرّموا على أنفسكم بالفتوى،و قيل:لا تلتزموا تحريمها بنذر أو يمين،لقوله لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ.

و قيل:خلط المغصوب بالمملوك خلطا لا يتميّز منه فيحرّم الجميع،و يكون ذلك سببا لتحريم ما كان حلالا.

(4:9)

نحوه الشّربينيّ.(1:392)

الكاشانيّ: أقول:ليس في مثل هذا الخطاب و العتاب منقصة على المخاطب و المعاتب إن لم يكن محمدة،نظيره قوله تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ تَبْتَغِي مَرْضاتَ أَزْواجِكَ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

ص: 635

التّحريم:1.

قد ورد«القرآن كلّه تقريع و باطنه تقريب».(2:80)

البروسويّ: أي لا تمنعوا ما طاب و لذّ منه أنفسكم كمنع التّحريم.(2:430)

الآلوسيّ: أي لذائذ ذلك،و ما تميل إليه القلوب منه،كأنّه لمّا تضمّن ما سلف من مدح النّصارى على الرّهبانيّة-ترغيب المؤمنين في كسر النّفس و رفض الشّهوات-عقّب سبحانه ذلك بالنّهي عن الإفراط في هذا الباب،أي لا تمنعوها أنفسكم كمنع التّحريم.

و قيل:لا تلتزموا تحريمها بنحو يمين،و قيل:لا تقولوا:

حرّمناها على أنفسنا،مبالغة منكم في العزم على تركها تزهّدا منكم.و كون المعنى:لا تحرّموها على غيركم بالفتوى و الحكم،ممّا لا يلتفت إليه.[ثمّ ذكر بعض الرّوايات المذكورة](7:8)

ابن عاشور :استئناف ابتدائيّ خطاب للمؤمنين بأحكام تشريعيّة،و تكملة على صورة التّفريع،جاءت لمناسبة ما تقدّم من الثّناء على القسّيسين و الرّهبان.و إذ قد كان من سنّتهم المبالغة في الزّهد،و أحدثوا رهبانيّة من الانقطاع عن التّزوّج و عن أكل اللّحوم،و كثير من الطّيّبات كالتّدهّن و ترفية الحالة و حسن اللّباس،نبّه اللّه المؤمنين على أنّ الثّناء على الرّهبان و القسّيسين بما لهم من الفضائل لا يقتضي اطّراد الثّناء على جميع أحوالهم الرّهبانيّة.[ثمّ ذكر الرّوايات إلى أن قال:]

و النّهي إنّما هو عن تحريم ذلك على النّفس،أمّا ترك تناول بعض ذلك في بعض الأوقات من غير التزام، و لقصد التّربية للنّفس على التّصبّر على الحرمان عند عدم الوجدان،فلا بأس به بمقدار الحاجة إليه في رياضة النّفس.و كذلك الإعراض عن كثير من الطّيّبات للتّطلّع على ما هو أعلى من عبادة،أو شغل بعمل نافع و هو أعلى الزّهد،و قد كان ذلك سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و خاصّة من أصحابه،و هي حالة تناسب مرتبته و لا تتناسب مع بعض مراتب النّاس،فالتّطلّع إليها تعسير،و هو مع ذلك كان يتناول الطّيّبات دون تشوّف و لا تطلّع.و في تناولها شكر للّه تعالى،كما ورد في قصّة أبي الدّحداح حين حلّ رسول اللّه و أبو بكر و عمر في حائطه و أطعمهم و سقاهم.

و عن الحسن البصريّ: أنّه دعي إلى طعام و معه فرقد السبخيّ و أصحابه،فجلسوا على مائدة فيها ألوان من الطّعام دجاج مسمّن و فالوذ،فاعتزل فرقد ناحية.

فسأله الحسن:أ صائم أنت؟قال:لا،و لكنّي أكره الألوان،لأنّي لا أؤدّي شكره،فقال له الحسن:أ فتشرب الماء البارد؟قال:نعم،قال:إنّ نعمة اللّه في الماء البارد أكثر من نعمته في الفالوذ.

و ليس المراد من النّهي أن يلفظ بلفظ التّحريم خاصّة بل أن يتركه تشديدا على نفسه،سواء لفظ بالتّحريم أم لم يلفظ به.و من أجل هذا النّهي اعتبر هذا التّحريم لغوا في الإسلام،فليس يلزم صاحبه في جميع الأشياء الّتي لم يجعل الإسلام للتّحريم سبيلا إليها،و هي كلّ حال عدا تحريم الزّوجة.و لذلك قال مالك فيمن حرّم على نفسه شيئا من الحلال أو عمّم،فقال:الحلال عليّ حرام،إنّه لا شيء عليه في شيء من الحلال إلاّ الزّوجة فإنّها تحرم عليه كالبنات (1)،ما لم ينو إخراجت.

ص: 636


1- كذا و الظّاهر البنات.

الزّوجة قبل النّطق بصيغة التّحريم،أو يخرجها بلفظ الاستثناء بعد النّطق بصيغة التّحريم،على حكم الاستثناء في اليمين.

و وجهه أنّ عقد العصمة يتطرّق إليه التّحريم شرعا في بعض الأحوال،فكان التزام التّحريم لازما فيها خاصّة،فإنّه لو حرّم الزّوجة وحدها حرمت،فكذلك إذا شملها لفظ عامّ.و وافقه الشّافعيّ.

و قال أبو حنيفة:من حرّم على نفسه شيئا من الحلال حرم عليه تناوله ما لم يكفّر كفّارة يمين،فإن كفّر حلّ له إلاّ الزّوجة.و ذهب مسروق و أبو سلمة إلى عدم لزوم التّحريم في الزّوجة و غيرها.

و في قوله تعالى: لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ تنبيه لفقهاء الأمّة على الاحتراز في القول بتحريم شيء لم يقم الدّليل على تحريمه،أو كان دليله غير بالغ قوّة دليل النّهي الوارد في هذه الآية.

ثمّ إنّ أهل الجاهليّة كانوا قد حرّموا أشياء على أنفسهم،كما تضمّنته سورة الأنعام،و قد أبطلها اللّه بقوله: قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ الأعراف:32،و قوله: قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ حَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِراءً عَلَى اللّهِ الأنعام:140،و قوله: قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ إلى قوله فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ الأنعام:

143،144،و غير ذلك من الآيات.

و قد كان كثير من العرب قد دخلوا في الإسلام بعد فتح مكّة دفعة واحدة،كما وصفهم اللّه بقوله: يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أَفْواجاً النّصر:2،و كان قصر الزّمان و اتّساع المكان حائلين دون رسوخ شرائع الإسلام فيما بينهم،فكانوا في حاجة إلى الانتهاء عن أمور كثيرة فاشية فيهم في مدّة نزول هذه السّورة،و هي أيّام حجّة الوداع و ما تقدّمها و ما تأخّر عنها.(5:189)

الطّباطبائيّ: الآية...تنهى المؤمنين عن تحريم ما أحلّ اللّه لهم،و تحريم ما أحلّ اللّه هو جعله حراما كما جعله اللّه تعالى حلالا؛و ذلك إمّا بتشريع قبال تشريع، و إمّا بالمنع أو الامتناع،بأن يترك شيئا من المحلّلات بالامتناع عن إتيانه،أو منع نفسه أو غيره من ذلك،فإنّ ذلك كلّه تحريم و منع و منازعة للّه سبحانه في سلطانه، و اعتداء عليه ينافي الإيمان باللّه و آياته،و لذلك صدّر النّهي بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا.

فإنّ المعنى:لا تحرّموا ما أحلّ اللّه لكم و قد آمنتم به و سلّمتم لأمره.و يؤيّده أيضا قوله في ذيل الآية التّالية:

وَ اتَّقُوا اللّهَ الَّذِي أَنْتُمْ بِهِ مُؤْمِنُونَ. (6:107)

مكارم الشّيرازيّ: في الآية الأولى إشارة إلى قيام بعض المسلمين بتحريم بعض النّعم الإلهيّة،فنهاهم اللّه عن ذلك قائلا: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ .

إنّ ذكر هذا الحكم،مع أخذ سبب النّزول بنظر الاعتبار،قد يكون إشارة إلى أنّه إذا كان في الآيات السّابقة شيء من الثّناء على فريق من علماء المسيحيّة و رهبانها،لتعاطفهم مع الحقّ و التّسليم له؛و ذلك لم يكن لسلوكهم في ترك الدّنيا و تحريم الطّيّبات،و ليس للمسلمين أن يقتبسوا منهم ذلك،فبذكر هذا الحكم

ص: 637

يعلن الإسلام صراحة استنكار الرّهبنة و هجر الدّنيا،كما يفعل المسيحيّون و المرتاضون.

ثمّة شرح أوفى لهذا الموضوع في تفسير الآية (27)من سورة الحديد ...وَ رَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها.

(4:126)

محرّم

...وَ إِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ... البقرة:85

راجع خ ر ج-«اخراجهم»و أ س ر«اسارى».

محرّما

قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً... الأنعام:145

طاوس:كان أهل الجاهليّة يحرّمون أشياء، و يحلّون أشياء،فقال:قل:لا أجد ممّا كنتم تحرّمون و تستحلّون إلاّ هذا...الطّبريّ 8:69)

الطّبريّ: قل يا محمّد لهؤلاء الّذين جعلوا للّه ممّا ذرأ من الحرث و الأنعام نصيبا،و لشركائهم من الآلهة و الأنداد مثله،و القائلين هذِهِ أَنْعامٌ وَ حَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاّ مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ الأنعام:138، و المحرّمين من أنعام أخر ظهورها،و التّاركين ذكر اسم اللّه على أخر منها،و المحرّمين بعض ما في بطون بعض أنعامهم على إناثهم و أزواجهم،و محلّيه لذكورهم،المحرّمين ما رزقهم اللّه افتراء على اللّه،و إضافة منهم ما يحرّمون من ذلك إلى أنّ اللّه هو الّذي حرّمه عليهم:أ جاءكم من اللّه رسول بتحريمه ذلك عليكم،فأنبئونا به،أم وصّاكم اللّه بتحريمه مشاهدة منكم له،فسمعتم منه تحريمه ذلك عليكم،فحرّمتموه؟فإنّكم كذبة إن ادّعيتم ذلك، و لا يمكنكم دعواه،لأنّكم إذا ادّعيتموه علم النّاس كذبكم،فإنّي لا أجد فيما أوحي إليّ من كتابه،و آي تنزيله،شيئا محرّما على آكل يأكله،ممّا تذكرون أنّه حرّمه من هذه الأنعام،الّتي تصفون تحريم ما حرّم عليكم منها بزعمكم،إلاّ أن يكون ميتة.

و هذا إعلام من اللّه جلّ ثناؤه للمشركين الّذين جادلوا نبيّ اللّه و أصحابه في تحريم الميتة؛بما جادلوهم به، أنّ الّذي جادلوهم فيه من ذلك هو الحرام الّذي حرّمه اللّه،و أنّ الّذي زعموا أنّ اللّه حرّمه حلال قد أحلّه اللّه، و أنّهم كذبة في إضافتهم تحريمه إلى اللّه.(8:69)

الزّجّاج: أعلمهم صلّى اللّه عليه و سلّم أنّ التّحريم و التّحليل إنّما يقبله بالوحي أو التّنزيل،فقال: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً. (2:300)

الزّمخشريّ: تنبيه على أنّ التّحريم إنّما يثبت بوحي اللّه تعالى و شرعه لا بهوى الأنفس.(محرّما)طعاما محرّما من المطاعم الّتي حرّمتموها.(2:57)

ابن عطيّة: هذا أمر من اللّه عزّ و جلّ بأن يشرع للنّاس جميعا،و يبيّن عن اللّه ما أوحي إليه.و هذه الآية نزلت بمكّة و لم يكن في الشّريعة في ذلك الوقت شيء محرّم غير هذه الأشياء،ثمّ نزلت سورة المائدة بالمدينة و زيد في المحرّمات،كالمنخنقة و الموقوذة و المتردّية و النّطيحة.فإنّ هذه و إن كانت في حكم الميتة،فكان في

ص: 638

النّظر في احتمال أن تلحق بالمذكّيات،لأنّها بأسباب و ليست حتف الأنف،فلمّا بيّن النّصّ إلحاقها بالميتة كانت زيادة في المحرّمات،ثمّ نزل النّصّ على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في تحريم الخمر بوحي غير منجز،و بتحريم كلّ ذي ناب من السّباع،فهذه كلّها زيادات في التّحريم.

و لفظة التّحريم إذا وردت على لسان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، فإنّها صالحة أن تنتهي بالشّيء المذكور إلى غاية المنع و الحظر،و صالحة بحسب اللّغة أن تقف دون الغاية في حيّز الكراهية و نحوها.فما اقترنت به قرينة التّسليم من الصّحابة المتأوّلين،و أجمع عليه الكلّ منهم و لم يضطرب فيه ألفاظ الأحاديث،و أمضاه النّاس على إذلاله؛وجب بالشّرع أن يكون تحريمه قد وصل الغاية من الحظر و المنع،و لحق بالخنزير و الميتة.و هذه صفة تحريم الخمر و ما اقترنت به قرينة ألفاظ الحديث،و اختلفت الأمّة فيه مع علمهم بالأحاديث،كقوله عليه السّلام:«كلّ ذي ناب من السّباع حرام».(2:355)

الفخر الرّازيّ: لمّا بيّن اللّه تعالى أنّ التّحريم و التّحليل لا يثبت إلاّ بالوحي قال: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ أي على آكل يأكله،و ذكر هذا ليظهر أنّ المراد منه هو بيان ما يحلّ و يحرم من المأكولات.

ثمّ ذكر أمورا أربعة...فقوله تعالى: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً إلاّ هذه الأربعة مبالغة في بيان أنّه لا يحرّم إلاّ هذه الأربعة،و ذلك لأنّه لمّا ثبت أنّه لا طريق إلى معرفة المحرّمات و المحلّلات إلاّ بالوحي، و ثبت أنّه لا وحي من اللّه إلاّ إلى محمّد عليه الصّلاة و السّلام،و ثبت أنّه تعالى يأمره أن يقول:إنّي لا أجد فيما أوحي إليّ محرّما من المحرّمات إلاّ هذه الأربعة،كان هذا في بيان أنّه لا يحرّم إلاّ هذه الأربعة.[و له بحث مستوفى في حصر التّحريم في هذه الأربعة،فلاحظ](13:219)

أبو حيّان :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و(محرّما)صفة لمحذوف،تقديره:مطعوما،و دلّ عليه قوله: عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ. [إلى أن قال:]

و اختلفوا في هذه الآية أ هي محكمة؟و هو قول الشّعبيّ و ابن جبير؛فعلى هذا لا شيء محرّم من الحيوان إلاّ فيها،و ليس هذا مذهب الجمهور.

و قيل:هي منسوخة بآية المائدة،و ينبغي أن يفهم هذا النّسخ بأنّه نسخ للحصر فقط.

و قيل:جميع ما حرّم داخل في الاستثناء،سواء كان بنصّ قرآن أو حديث عن الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،بالاشتراك في العلّة الّتي هي الرّجسيّة.

و الّذي نقوله:إنّ الآية مكّيّة و جاءت عقيب قوله:

ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ و كان أهل الجاهليّة يحرّمون ما يحرّمون من البحائر و السّوائب و الوصائل و الحوامي من هذه الثّمانية،فالآية محكمة،و أخبر فيها أنّه لم يجد فيما أوحي إليه إذ ذاك من القرآن سوى ما ذكر،و لذلك أتت صلة(ما)جملة مصدّرة بالفعل الماضي،فجميع ما حرّم بالمدينة لم يكن إذ ذاك سبق منه وحي فيه بمكّة، فلا تعارض بين ما حرّم بالمدينة و بين ما أخبر أنّه أوحي إليه بمكّة تحريمه.(4:241)

الشّربينيّ: أي طعاما محرّما ممّا حرّمتموه.

(1:455)

ص: 639

أبو السّعود:إيذان بأنّ مناط الحلّ و الحرمة هو الوحي،و أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم قد تتبّع جميع ما أوحي إليه و تفحّص عن المحرّمات فلم يجد غير ما فصّل،و فيه مبالغة في بيان انحصارها في ذلك.

و(محرّما)صفة لمحذوف،أي لا أجد ريثما تصفّحت ما أوحي إليّ طعاما محرّما من المطاعم الّتي حرّموها.

(2:454)

الآلوسيّ: كناية عن عدم الوجود،و فيه إيذان بأنّ طريق التّحريم ليس إلاّ التّنصيص من اللّه تعالى دون التّشهّي و الهوى،و تنبيه-كما قيل-على أنّ الأصل في الأشياء الحلّ.

و(محرّما)صفة لمحذوف دلّ عليه ما بعد،و قد قام مقامه بعد حذفه،فهو مفعول أوّل ل(اجد)،و مفعوله الثّاني(في ما اوحى)قدّم للاهتمام،لا لأنّ المفعول الأوّل نكرة،لأنّه نكرة عامّة بالنّفي،فلا يجب تقديم المسند الظّرف،و ليس المفعول الأوّل محذوفا،أي لا أجد ريثما تصفّحت ما أوحي إليّ قرآنا و غيره،على ما يشعر به العدول عن«أنزل»إلى(اوحى)،أو ما أوحي إليّ من القرآن طعاما محرّما من المطاعم الّتي حرّمتموها.

(8:43)

مكارم الشّيرازيّ: ثمّ إنّه تعالى-بهدف تمييز المحرّمات الإلهيّة عن البدع الّتي أحدثها المشركون و أدخلوها في الدّين الحقّ-أمر نبيّه صلّى اللّه عليه و آله في هذه الآية بأن يقول لهم بكلّ صراحة،و من دون إجمال أو إبهام:

قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ من الشّريعة أيّ شيء من الأطعمة يكون مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ من ذكر أو أنثى،و صغير و كبير.

جواب على سؤال

و هنا يطرح سؤال هو:كيف حصرت جميع المحرّمات الإلهيّة-في مجال الأطعمة-في أربعة أشياء،مع أنّنا نعلم بأنّ الأطعمة المحرّمة لا تنحصر في هذه الأشياء، مثل لحوم الحيوانات المفترسة،و لحوم الحيوانات البحريّة -إلاّ ما كان له فلس من الأسماك-و ما شابه،فهذه كلّها حرام،في حين لم يجئ في الآية أيّ ذكر عن تلك اللّحوم، بل حصرت المحرّمات في هذه الأشياء الأربعة؟

قال البعض في مقام الإجابة على هذا السّؤال:بأنّ هذه الآيات نزلت في مكّة،و حكم الأطعمة المحرّمة الأخرى لم ينزل حينذاك في ذلك الزّمان.

غير أنّ هذه الإجابة تبدو غير صحيحة،و يدلّ على ذلك أنّ نفس هذا التّعبير أو نظيره قد ورد في السّور المدنيّة مثل الآية:173،من سورة البقرة.

و الظّاهر أنّ هذه الآية ناظرة-فقط-إلى نفي الأحكام الخرافيّة الّتي كانت شائعة و سائدة في أوساط المشركين،فالحصر«حصر إضافيّ»لا حقيقيّ.

و بعبارة أخرى:كأنّ الآية تقول:المحرّمات الإلهيّة هذه،و ليس ما نسجته أوهامكم.

و لكي تتّضح هذه الحقيقة لا بأس بأن نضرب لذلك مثلا:

يسألنا أحد:هل جاء الحسن و الحسين كلاهما، فنجيب:كلاّ بل جاء الحسن فقط،لا شكّ أنّنا هنا نريد نفي مجيء الشّخص الثّاني،أي الحسين.و لكن لا مانع من أن يكون آخرون-ممّن لم يكونوا محور حوارنا أصلا-قد

ص: 640

جاءوا أيضا،و هذا هو ما يسمّى بالحصر الإضافيّ أو النّسبيّ.

نعم لا بدّ من الانتباه إلى نقطة مهمّة،و هي أنّ ظاهر الحصر هو-عادة-الحصر الحقيقيّ إلاّ في الموارد الّتي يوجد فيها قرائن صارفة عن مدلول الظّاهر،مثل ما نحن فيه الآن.(4:457-460)

المحرّم

رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ... إبراهيم:37

ابن عبّاس: يعني مكّة.(214)

قتادة :إنّه بيت طهّره اللّه من السّوء و جعله قبلة، و جعله حرمه،اختاره نبيّ اللّه إبراهيم لولده.

(الطّبريّ 13:232)

الطّبريّ: المحرّم-على ما قاله قتادة-:من استحلال حرمات اللّه فيه،و الاستخفاف بحقّه.(13:233)

الثّعلبيّ: إن قيل:ما وجه قول إبراهيم: عِنْدَ بَيْتِكَ و إنّما بنى إبراهيم البيت بعد ذلك بمدّة.و قيل:

معناه عند بيتك المحرّم الّذي كان قبل أن يرفعه من الأرض حتّى رفعته في أيّام الطّوفان.

و قيل:عند بيتك المحرّم الّذي قد مضى في علمك أنّه يحدث في هذا البلد.(5:322)

الماورديّ: و وصفه بأنّه«محرّم»لأنّه يحرم فيه ما يستباح في غيره من جماع و استحلال.(3:138)

نحوه الخازن.(4:40)

الطّوسيّ: معناه حرّم فيه ما أحلّ في غيره من البيوت،من الجماع،و الملابسة بشيء من الدّم و النّجاسة.(6:300)

الميبديّ: و هو بيت اللّه لم يملكه أحد سوى اللّه.

[ثمّ قال نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و قيل:(المحرّم)أي عظيم الحرمة(5:270)

الزّمخشريّ: قيل للبيت:(المحرّم)لأنّ اللّه حرّم التّعرّض له و التّهاون به،و جعل ما حوله حرما لمكانه،أو لأنّه لم يزل ممنّعا عزيزا يهابه كلّ جبّار،كالشّيء المحرّم الّذي حقّه أن يجتنب،أو لأنّه محترم عظيم الحرمة لا يحلّ انتهاكها،أو لأنّه حرّم على الطّوفان،أي منع منه،كما سمّي عتيقا،لأنّه أعتق منه،فلم يستول عليه.(2:380)

نحوه البيضاويّ(1:533)،و النّسفيّ(2:263)، و أبو حيّان(5:432)،و أبو السّعود(3:493).

الطّبرسيّ: و إنّما سمّاه(المحرّم)لأنّه لا يستطيع أحد الوصول إليه إلاّ بالإحرام.[ثمّ ذكر نحو الطّوسيّ](3:318)

الفخر الرّازيّ: ذكروا في تسميته المحرّم وجوها:

[ذكر أربعة نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

الخامس:أمر الصّائرين إليه أن يحرّموا على أنفسهم أشياء كانت تحلّ من قبل.

السّادس:حرّم موضع البيت حين خلق السّماوات و الأرض و حفّه بسبعة من الملائكة،و هو مثل البيت المعمور الّذي بناه آدم فرفع إلى السّماء السّابعة.

السّابع:حرّم على عباده أن يقربوه بالدّماء و الأقذار و غيرها.(19:136)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ.(13:135)،و الشّربينيّ (2:185).

ص: 641

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و في«التّأويلات النّجميّة»:(عند بيتك المحرّم) و هو القلب المحرّم أن يكون بيتا لغير اللّه،كما قال:

«لا يسعني أرضي و لا سمائي و إنّما يسعني قلب عبدي المؤمن».(4:426)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و أبعد من قال:إنّه سمّي محرّما لأنّ الزّائرين يحرّمون على أنفسهم عند زيارته أشياء كانت حلالا عليهم.

و سمّاه عليه السّلام بيتا باعتبار ما كان،فإنّه كان مبنيّا قبل، و قيل:باعتبار ما سيكون بعد،و هو ينزع إلى اعتبار عنوان الحرمة كذلك.(13:237)

الطّباطبائيّ: كونه محرّما هو ما جعل اللّه له من الحرمة تشريعا.(12:76)

محرّمة

قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفاسِقِينَ. المائدة:26

ابن عبّاس: الدّخول فيها بعد ما سمّيتهم فاسقين.

(92)

الطّبريّ: و إنّما حرّم اللّه عزّ و جلّ على القوم الّذين عصوه و خالفوا أمره من قوم موسى،و أبوا حرب الجبّارين،دخول مدينتهم أربعين سنة،ثمّ فتحها عليهم، و أسكنوها و أهلك الجبّارين،بعد حرب منهم لهم،بعد أن قضيت الأربعون سنة،و خرجوا من التّيه.(6:181)

الزّجّاج: يعني الأرض المقدّسة محرّم عليهم دخولها،أي هم ممنوعون من ذلك.(2:165)

البلخيّ: يجوز أن يكونوا أمروا بأن يطوفوا فيه أربعين سنة يتيهون في الأرض،يعني في المسافة الّتي بينهم و بينها.(الطّوسيّ 3:490)

الماورديّ: لأنّها كانت هبة من اللّه تعالى لهم،ثمّ حرّمها عليهم بعد معصيتهم.(2:25)

الطّوسيّ: هذه الآية إخبار من اللّه،و خطاب لموسى عليه السّلام أنّ قومه قد حرّم عليهم دخول بلد الجبّارين أربعين سنة،و في كيفيّة التّحريم قولان:

أحدهما-قول أكثر المفسّرين-:أنّه تحريم منع.

و قال أبو عليّ: يجوز أن يكون المراد به تحريم تعبّد؛ و الأوّل هو الأظهر.(3:490)

مثله الطّبرسيّ(2:181)،و نحوه القرطبيّ(6:

129)،و الآلوسيّ(6:109).

البغويّ: قيل:هاهنا تمّ الكلام،و معناه تلك البلدة محرّمة عليهم أبدا.لم يرد به تحريم تعبّد،و إنّما أراد تحريم منع،فأوحى اللّه تعالى إلى موسى:بي حلفت لأحرّمنّ عليهم دخول الأرض المقدّسة غير عبدي يوشع و كالب.

(2:35)

الزّمخشريّ: لا يدخلونها و لا يملكونها.

فإن قلت:كيف يوفّق بين هذا و بين قوله: اَلَّتِي كَتَبَ اللّهُ لَكُمْ المائدة:21؟

قلت:فيه وجهان:

أحدهما:أن يراد كتبها لكم بشرط أن تجاهدوا أهلها،فلمّا أبوا الجهاد قيل:إنّها محرّمة عليهم.

و الثّاني:أن يراد فإنّها محرّمة عليهم أربعين سنة، فإذا مضت الأربعون كان ما كتب.(1:605)

ص: 642

الفخر الرّازيّ: الأكثرون على أنّه تحريم منع لا تحريم تعبّد.و قيل:يجوز أيضا أن يكون تحريم تعبّد، فأمرهم بأن يمكثوا في تلك المفازة في الشّدّة و البليّة عقابا لهم على سوء صنيعهم.(11:201)

البروسويّ: تحريم منع لا تحريم تعبّد،و تكليف لا يدخلونها و لا يملكونها،لأنّ كتابتها لهم كانت مشروطة بالإيمان و الجهاد؛و حيث نكصوا على أدبارهم حرّموا ذلك و انقلبوا خاسرين.(2:377)

الطّباطبائيّ: و المراد بالتّحريم:التّحريم التّكوينيّ،و هو القضاء.

و المعنى:أنّ الأرض المقدّسة-أي دخولها و تملّكها- محرّمة عليهم،أي قضينا أن لا يوفّقوا لدخولها أربعين سنة،يسيرون فيها في الأرض متحيّرين،لا هم مدنيّون يستريحون إلى بلد من البلاد،و لا هم بدويّون يعيشون عيشة القبائل و البدويّين.(5:294)

مكارم الشّيرازيّ: و كانت نتيجة صلف و عناد بني اسرائيل أنّهم لاقوا عقابهم؛إذ استجاب اللّه دعاء نبيّه موسى عليه السّلام فحرّم عليهم دخول الأرض المقدّسة، المليئة بالخيرات مدّة أربعين عاما،و في هذا المجال تقول الآية القرآنيّة الكريمة: قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً. (3:597)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: الحرام على أربعة أوجه:

أحدها:ضدّ التّحليل،كقوله: إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ... البقرة:173،و نظيرها في النّساء:

160،و المائدة:3،و الأنعام:146،و النّحل:115.

و الثّاني:الحبس،كقوله: وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ القصص:12.

و الثّالث:الوجوب،كقوله: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ الأنعام:151،و قوله: وَ حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها الأنبياء:95،و من قال:إنّ معنى الحرام:الوجوب،فلم يجعل لأصله.

و الرّابع:المنع،كقوله: بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ الواقعة:67.(204)

الدّامغانيّ: الحرام على ثلاثة أوجه:المنع، التّحريم بعينه،و الحرام فيه.

فوجه منها:الحرام:المنع،قوله: وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ القصص:12،أي منعناه من المراضع،و ليس من التّحريم،كقوله: وَ حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها الأنبياء:95،أي منعوا من أن يرجعوا.

و الوجه الثّاني:الحرام هو التّحريم،قوله: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ... المائدة:3،مثلها قوله: لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ المائدة:87،و نحوه كثير.

و الوجه الثّالث:الحرام فيه و ليس بحرام جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ. المائدة:97،و حرمة الإحرام، قوله: اَلشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ البقرة:194، معناه أنّ الحرام فيه القتال،كقوله: مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ التّوبة:36،و نحوه كثير.

الحرمات على وجهين:المناسك،و جمع الحرام.

فوجه منها:الحرمات يعني المناسك،قوله في الحجّ:

30، ذلِكَ وَ مَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللّهِ يعني المناسك.

ص: 643

و الوجه الثّاني:الحرمات:جمع الحرام،قوله في سورة البقرة:94 وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ، يعني حرمة الشّهر و حرمة البيت و حرمة الإحرام.(285)

الفيروزآباديّ: قيل:ورد الحرام في القرآن على عشرة أوجه:

الأوّل:حرام الصّحبة و المناكحة حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ النّساء:23.

الثّاني:حرام الفسق و المعصية إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ الأعراف:33، أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ الأنعام:151.

الثّالث:حرام العجائب و المعجزة وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ القصص:12.

الرّابع:حرام العذاب و العقوبة إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ الأعراف:50، فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ المائدة:72.

الخامس:حرام فسخ الشّريعة حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ إلى قوله: ذلِكُمْ فِسْقٌ المائدة:3.

السّادس:حرام الحرمان و الهلكة وَ حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها الأنبياء:95.

السّابع:حرام الهوى و الشّهوة وَ أَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها الأنعام:138 وَ مُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا الأنعام:139.

الثّامن:حرام النّذر و المصلحة يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ التّحريم:1،أي لم تحكم بتحريم ذلك. إِلاّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ آل عمران:93.

التّاسع:حرام الحظر و الإباحة وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ المائدة:96.

العاشر:حرام التّوقير و الحرمة رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها النّمل:91.

و هذا النّوع يأتي على وجوه:

الأوّل:وصف المسجد بالحرام لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ الفتح:27.

الثّاني:نعت الأشهر بالحرام اَلشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ البقرة:194.

الثّالث:دعاء البيت بالحرام جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ المائدة:97.(2:454)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحرام،أي المنع؛يقال:

حرم عليه الشّيء حرما و حراما،و حرم الشّيء حرمة، و حرمه الشّيء يحرمه حرما و حرمة و حريمة و حرمانا، و أحرمه:منعه إيّاه،و حرمه يحرمه حرمانا و حرما و حريما و حرمة و حرمة و حريمة:منعه العطيّة،فهو محروم،و الشّيء محرّم و حرام؛و جمع الحرام:حرم، و الحريم:ما حرّم فلم يمسّ.

و محارم اللّيل:مخاوفه الّتي يحرم على الجبان أن يسلكها،و المحارم:ما لا يحلّ استحلاله.

و الحرمة و المحرمة و المحرمة:ما لا يحلّ لك انتهاكه،يقال:إنّ لي محرمات فلا تهتكها،و حرم الرّجل و حرمته و حرمه و حريمه:عياله و نساؤه و ما يحمي، و هي المحارم؛و جمع الحرم:أحرام،و جمع الحريم:حرم.

و الحرمة:الذّمّة.يقال:أحرم الرّجل،إذا كانت له

ص: 644

ذمّة،فهو محرم،و أحرم أيضا:صار في حرمة،من عهد أو ميثاق هو له حرمة من أن يغار عليه،و تحرّم منه بحرمة:

تحمّى و تمنّع،و فلان له حرمة:تحرّم بنا بصحبة أو بحقّ و ذمّة.

و المحرم:ذات الرّحم في القرابة،أي لا يحلّ تزويجها.يقال:هو ذو رحم محرم،و هي ذات رحم محرم،و هو ذو رحم منها:لم يحلّ له نكاحها.

و المحرّم:أوّل الشّهور،لأنّه من الأشهر الحرم، و كانوا يحرّمون القتال فيها،و الأشهر الحرم أربعة:

ذو القعدة،و ذو الحجّة،و المحرّم،و رجب؛و الجمع:محارم و محاريم و محرّمات.يقال:حرم و أحرم،أي دخل في الشّهر الحرام.

و المحرّم من الإبل:الذّلول الوسط،الصّعب التّصرّف حين تصرّفه،كأنّه حرّم ظهره من أن يركب.

يقال:ناقة محرّمة الظّهر،أي صعبة لم ترضّ و لم تذلّل، و بعير محرّم:صعب.

و المحرّم من الجلود:ما لم يدبغ،أو دبغ فلم يتمرّن و لم يبالغ.يقال:سوط محرّم،أي جديد لم يليّن بعد.

و الحرمة:الغلمة،لأنّها محرّمة.يقال:حرمت المعزى و غيرها من ذوات الظّلف حراما و استحرمت، أي أرادت الفحل،فهي شاة حرمى،و شياه حرام و حرامى،و ما أبين حرمتها!

و حريم الدّار:ما أضيف إليها و كان من حقوقها و مرافقها،لأنّه محرّم على غير صاحبه التّصرّف فيه، و حريم البئر:ملقى النّبيثة و الممشى على جانبيها و نحو ذلك،لأنّه يحرّم على غير صاحبه أن يحفر فيه،و حريم النّهر:ملقى طينه و الممشى على حافتيه.

و أحرم الرّجل:قمره،و حرم في اللّعبة يحرم حرما:

قمر و لم يقمر هو،كأنّه حرمه ممّا طمع فيه،و منع ما طمع فيه.

2-ثمّ استعمل الحرام في الإسلام نقيضا للحلال، فالحرام:ما حرّم اللّه.يقال:حرمت الصّلاة على المرأة تحرم حرما و حرما،و حرمت الصّلاة عليها حرما و حراما،و حرمت المرأة على زوجها تحرم حرما و حراما،و حرم عليه السّحور حرما،و أحرم الشّيء:

جعله حراما.و تكبيرة الإحرام:الإحرام بالصّلاة،أي المنع من الكلام و الأفعال الخارجة عن كلام الصّلاة و أفعالها.

و الحرم:حرم مكّة،سمّي بذلك لحرمته،و هو حرم اللّه و رسوله؛و الجمع:أحرام،و الحرمان:مكّة و المدينة.

يقال:أحرم القوم،أي دخلوا في الحرم،و رجل حرام:

داخل في الحرم،و كذا رجلان حرام،و رجال حرام، و امرأة حرام،و نساء حرام.و يقال أيضا:بلد حرام و مسجد حرام و شهر حرام؛و يجمع على حرم.

و الحريم:ثوب المحرم،و ما كان المحرمون يلقونه من الثّياب فلا يلبسونه.

و الحرم:الرّجل المحرم،يقال:أنت حلّ،و أنت حرم.

و الحرم:الإحرام بالحجّ.يقال:أحرم الرّجل يحرم إحراما،أي أهلّ بالحجّ أو العمرة،فهو محرم و حرام،لأنّ المحرم ممتنع من أشياء كالطّيب و النّكاح و الصّيد و غير ذلك.

3-و يطلق في(إيران)لفظ«الحرم»على مثوى

ص: 645

الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام في مشهد المقدّسة من محافظة خراسان،تشبيها بحرم المدينة المنوّرة،و يؤمّ هذا القبر سنويّا عشرة ملايين زائر تقريبا من جميع أنحاء العالم،و منهم الإيرانيّون شيعة و سنّة على السّواء.و كذا يطلقونه على غيره من المشاهد المشرّفة في العراق و غيره.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاءت بمعنى حرمة الطّعام و غيره،و احترام شيء من المكان و الزّمان،و المنع،و الحرمان بصيغ مختلفة في 74 آية:

أ-ما حرّم من الطّعام و ما لم يحرّم في القرآن

1 و 2- إِنَّما حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَ الدَّمَ وَ لَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ

البقرة:173،النّحل:115

3- قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَسْفُوحاً أَوْ لَحْمَ خِنزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقاً أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ فَإِنَّ رَبَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ الأنعام:145

4- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ وَ لَحْمُ الْخِنْزِيرِ وَ ما أُهِلَّ لِغَيْرِ اللّهِ بِهِ وَ الْمُنْخَنِقَةُ وَ الْمَوْقُوذَةُ وَ الْمُتَرَدِّيَةُ وَ النَّطِيحَةُ وَ ما أَكَلَ السَّبُعُ إِلاّ ما ذَكَّيْتُمْ وَ ما ذُبِحَ عَلَى النُّصُبِ وَ أَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلامِ ذلِكُمْ فِسْقٌ...

المائدة:3

5- وَ ما لَكُمْ أَلاّ تَأْكُلُوا مِمّا ذُكِرَ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَ قَدْ فَصَّلَ لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلاّ مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ...

الأنعام:119)

6- قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ... التّوبة:29

7- ...وَ يُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّباتِ وَ يُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبائِثَ... الأعراف:157

8- قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبادِهِ وَ الطَّيِّباتِ مِنَ الرِّزْقِ... الأعراف:32

9- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ... المائدة:87

ب-ما حرّمه المشركون من الطّعام

10- ...وَ أَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَ أَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا... الأنعام:138

11- وَ قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَ مُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا... الأنعام:139

12- قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ حَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِراءً عَلَى اللّهِ...

الأنعام:140

13 و 14- ...قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ...

الأنعام:143،144

15- ...لَوْ شاءَ اللّهُ ما أَشْرَكْنا وَ لا آباؤُنا وَ لا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ... الأنعام:148

16- قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هذا... الأنعام:150

17- وَ لا تَقُولُوا لِما تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هذا حَلالٌ وَ هذا حَرامٌ... النّحل:116

ص: 646

18- ...لَوْ شاءَ اللّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَ لا آباؤُنا وَ لا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ... النّحل:35

19- قُلْ أَ رَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَ حَلالاً... يونس:59

ج-ما حرّم من الطّعام على بني اسرائيل

20- كُلُّ الطَّعامِ كانَ حِلاًّ لِبَنِي إِسْرائِيلَ إِلاّ ما حَرَّمَ إِسْرائِيلُ عَلى نَفْسِهِ... آل عمران:93

21- فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَ بِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ كَثِيراً (النّساء:160

22- وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما...

الأنعام:146

23- وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا ما قَصَصْنا عَلَيْكَ مِنْ قَبْلُ... النّحل:118

24- ...وَ لِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ... آل عمران:50

د-تحريم قتل النّفس

25- قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ لا تَقْتُلُوا أَوْلادَكُمْ مِنْ إِمْلاقٍ نَحْنُ نَرْزُقُكُمْ وَ إِيّاهُمْ وَ لا تَقْرَبُوا الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ ذلِكُمْ وَصّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ* وَ لا تَقْرَبُوا مالَ الْيَتِيمِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ حَتّى يَبْلُغَ أَشُدَّهُ...

الأنعام:151،152

26- وَ الَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ وَ لا يَقْتُلُونَ اَلنَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ... الفرقان:68

27- وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً الإسراء:33

ه-تحريم الرّبا

28- ...وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا...

البقرة:275

و-تحريم إخراج النّاس من ديارهم

29- ...وَ إِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ... البقرة:85

ز-تحريم الصّيد على المحرم

30- أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ... المائدة:1

31- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ... المائدة:95

32- ...وَ حُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ ما دُمْتُمْ حُرُماً... المائدة:96

ح-تحريم النّساء

33- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ وَ عَمّاتُكُمْ وَ خالاتُكُمْ وَ بَناتُ الْأَخِ وَ بَناتُ الْأُخْتِ وَ أُمَّهاتُكُمُ اللاّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَ أَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ وَ أُمَّهاتُ نِسائِكُمْ وَ رَبائِبُكُمُ اللاّتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللاّتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَ حَلائِلُ أَبْنائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلابِكُمْ وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً النّساء:23

ص: 647

34- ...وَ الزّانِيَةُ لا يَنْكِحُها إِلاّ زانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَ حُرِّمَ ذلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ النّور:3

35- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ... التّحريم:1

ط-تحريم الفواحش

36- قُلْ إِنَّما حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَواحِشَ ما ظَهَرَ مِنْها وَ ما بَطَنَ... الأعراف:33

ي-التّحريم:المنع

37- ...إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَ مَأْواهُ النّارُ... المائدة:72

38- وَ حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ الأنبياء:95

39- قالَ فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ... المائدة:26

40- وَ حَرَّمْنا عَلَيْهِ الْمَراضِعَ مِنْ قَبْلُ... القصص:12

41- ...قالُوا إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ الأعراف:50

ك-الشّهر الحرام

42- إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ... مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ... التّوبة:36

43- ...يُحِلُّونَهُ عاماً وَ يُحَرِّمُونَهُ عاماً لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللّهُ فَيُحِلُّوا ما حَرَّمَ اللّهُ... التّوبة:37

44- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ قُلْ قِتالٌ فِيهِ كَبِيرٌ... البقرة:217

45- فَإِذَا انْسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ... التّوبة:5

46- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحِلُّوا شَعائِرَ اللّهِ وَ لاَ الشَّهْرَ الْحَرامَ... المائدة:2

47- ...وَ الشَّهْرَ الْحَرامَ وَ الْهَدْيَ وَ الْقَلائِدَ...

المائدة:97

48- اَلشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ... البقرة:194

ل-المسجد الحرام

49- ...فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ...

البقرة:144

50- وَ مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ... البقرة:149 و 150

51- ...ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ البقرة:196

52- ...وَ صَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ كُفْرٌ بِهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ إِخْراجُ أَهْلِهِ مِنْهُ أَكْبَرُ عِنْدَ اللّهِ... البقرة:217

53- ...وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا... المائدة:2

54- وَ ما لَهُمْ أَلاّ يُعَذِّبَهُمُ اللّهُ وَ هُمْ يَصُدُّونَ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ وَ ما كانُوا أَوْلِياءَهُ... الأنفال:34

55- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ... الحجّ:25

56- هُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ... الفتح:25

57- ...وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ... البقرة:191

ص: 648

58- ...إِلاَّ الَّذِينَ عاهَدْتُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ... التّوبة:7

59- ...إِنَّمَا الْمُشْرِكُونَ نَجَسٌ فَلا يَقْرَبُوا الْمَسْجِدَ الْحَرامَ بَعْدَ عامِهِمْ هذا... التّوبة:28

60- أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ... التّوبة:19

61- ...لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ... الفتح:27

62- سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى... الإسراء:1

ن-المشعر الحرام

63- ...فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ... البقرة:198

س-البيت الحرام

64- جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنّاسِ... المائدة:97

65- ...وَ لاَ آمِّينَ الْبَيْتَ الْحَرامَ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنْ رَبِّهِمْ وَ رِضْواناً... المائدة:2

ع-البيت المحرّم

66- رَبَّنا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ... ابراهيم:37

ف-الحرم:مكّة

67- إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ رَبَّ هذِهِ الْبَلْدَةِ الَّذِي حَرَّمَها وَ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ... النّمل:91

68- ...أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ... القصص:57

69- أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا جَعَلْنا حَرَماً آمِناً وَ يُتَخَطَّفُ النّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ... العنكبوت:67

ص-الحرمات

70- (ذلِكَ وَ مَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ... الحجّ:30

ق-الحرمان

71- وَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ

الذّاريات:19

72- وَ الَّذِينَ فِي أَمْوالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ* لِلسّائِلِ وَ الْمَحْرُومِ المعارج:24 و 25

73- إِنّا لَمُغْرَمُونَ* بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ

الواقعة:66 و 67

74- فَلَمّا رَأَوْها قالُوا إِنّا لَضَالُّونَ* بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ القلم:26 و 27

يلاحظ:أنّ أصل هذه المادّة-كما سبق-المنع،و لها في القرآن أربعة محاور:

المحور الأوّل:الحرمة الشّرعيّة،و تنقسم إلى حرمة الطّعام في الإسلام،و في الجاهليّة،و عند اليهود، و حرمة قتل النّفس،و الرّبا،و الإخراج عن الدّيار، و الفواحش،و حرمة النّساء،و ما حرّم على المحرم، و نتداولها بالبحث بهذا التّرتيب:

أوّلا:حرمة الطّعام في الإسلام:9 آيات(1-9)، و فيها بحوث:

1-كرّرت أربعة من المحرّمات معا في أربع آيات (1-4)مكّيّة و مدنيّة،و هي:الميتة و الدّم،و لحم الخنزير، و ما أهلّ به لغير اللّه،و أحيل إليها في(5): وَ قَدْ فَصَّلَ

ص: 649

لَكُمْ ما حَرَّمَ عَلَيْكُمْ، و أشير إليها في: أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعامِ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ المائدة:1،و في(6) وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ.

و سبب تكرارها و تأكيدها في المكّيّات و المدنيّات:

أنّ المشركين العرب،و لا سيّما في مكّة كانوا يحرّمون أشياء و هي من الطّيّبات غير محرّمات،و يحلّون هذه الأربع،فأدانهم اللّه على الأمرين،أي تحريم الحلال، و تحليل الحرام.

و من أجل ذلك جاء قبلها أو بعدها ذكر ما حرّموا من الطّيّبات،كما جاء تحريم هذه الأربع حصرا في (1 و 2)بقوله: إِنَّما حَرَّمَ، و في(3)بقوله: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلى طاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاّ...، و في إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ المائدة:1.

و الحصر فيها إضافيّ بالنّسبة إلى ما حرّموها،أي لا يحرم منها شيء سوى هذه الأربع،فلا ينافي تحريم غيرها من المحرّمات.

2-و قد أضيفت إلى هذه الأربع في(4)ستّة كلّها ملحق بالميتة فلا تضادّ الحصر،و هي:المنخنقة، و الموقوذة،و المتردّية،و النّطيحة،و ما أكل السّبع،و ما ذبح على النّصب،لاحظ موادّها.

3-و قد استثنى اللّه من الأربعة صورة الاضطرار إليها مكرّرة في هذه الآيات،سوى(4 و 6)تسهيلا على العباد،لاحظ«الاضطرار».

4-و قد رفض تحريم الطّيّبات،و نصّ على حلّيّتها، و على تحريم الخبائث في(7-9)ردّا لما حرّمه المشركون، لاحظ«الطّيّبات و الخبائث».

ثانيا:و قد حكى اللّه في 10 آيات مكّيّة(10-19) ما حرّمه المشركون من الأنعام،و فيها بحوث أيضا:

1-جاء في(10-16)-و كلّها من سورة الأنعام- ذكر ما حرّموها و ما أدانهم اللّه عليها،و لنذكر الآيات كاملة: وَ جَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَ هذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَ ما كانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ* وَ كَذلِكَ زَيَّنَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْمُشْرِكِينَ قَتْلَ أَوْلادِهِمْ شُرَكاؤُهُمْ لِيُرْدُوهُمْ وَ لِيَلْبِسُوا عَلَيْهِمْ دِينَهُمْ وَ لَوْ شاءَ اللّهُ ما فَعَلُوهُ فَذَرْهُمْ وَ ما يَفْتَرُونَ * وَ قالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَ حَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاّ مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَ أَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها وَ أَنْعامٌ لا يَذْكُرُونَ اسْمَ اللّهِ عَلَيْهَا افْتِراءً عَلَيْهِ سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ* وَ قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَ مُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَ إِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ* قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ قَتَلُوا أَوْلادَهُمْ سَفَهاً بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ حَرَّمُوا ما رَزَقَهُمُ اللّهُ افْتِراءً عَلَى اللّهِ قَدْ ضَلُّوا وَ ما كانُوا مُهْتَدِينَ*...* وَ مِنَ الْأَنْعامِ حَمُولَةً وَ فَرْشاً كُلُوا مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ وَ لا تَتَّبِعُوا خُطُواتِ الشَّيْطانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ* ثَمانِيَةَ أَزْواجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* وَ مِنَ الْإِبِلِ اثْنَيْنِ وَ مِنَ الْبَقَرِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحامُ الْأُنْثَيَيْنِ أَمْ كُنْتُمْ شُهَداءَ إِذْ وَصّاكُمُ اللّهُ بِهذا فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً لِيُضِلَّ النّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ

ص: 650

اَلظّالِمِينَ... سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللّهُ ما أَشْرَكْنا وَ لا آباؤُنا وَ لا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ تَخْرُصُونَ* قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ * قُلْ هَلُمَّ شُهَداءَكُمُ الَّذِينَ يَشْهَدُونَ أَنَّ اللّهَ حَرَّمَ هذا فَإِنْ شَهِدُوا فَلا تَشْهَدْ مَعَهُمْ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ وَ هُمْ بِرَبِّهِمْ يَعْدِلُونَ الأنعام(136-150).

2-جملة ما في هذه الآيات ممّا حرّموها أقسام:

الأوّل:جعلوا من الأنعام و الحرث نصيبا للّه و لشركائهم،أي الأصنام،فما كان لشركائهم لا يصل إلى اللّه،و ما كان للّه يصل إلى شركائهم.

الثّاني:أنعام و حرث لا يطعمها إلاّ من شاءوا.

الثّالث:أنعام حرّمت ظهورها،أي ركوبها.

الرّابع:أنعام لا يذكرون اسم اللّه عليها،أي لا يحجّون عليها،كما قيل:الطّبرسيّ(2:372).

الخامس:ما في بطون هذه الأنعام كانت محرّما على أزواجهم و حلالا على ذكورهم إلاّ ما كان في بطونها ميتة،فهم فيه شركاء،أي هي حلال على الذّكور و الأزواج جميعا.

3-و جملة ما وبّخهم بها أقسام أيضا،و هي ضعف ما أبدعوه:

الأوّل:ساء ما يحكمون من التّفريق بين ما للّه و ما لشركائهم،و تفضيلهم جانب شركائهم على جانب الثّاني:أنّ ما شرّعوه زعم منهم،و افتراء على اللّه، و أنّه سيجزيهم بما كانوا يفترون،و بما وصفوا به اللّه من أنّه دون آلهتهم،و أنّه عليم بما شرّعوه و حكيم فيما سيجزيهم بها.

الثّالث:أنّهم بتحريمهم ما رزقهم اللّه قد ضلّوا و ما كانوا مهتدين.

الرّابع:أنّهم بتحريمهم ما جعله اللّه حمولة و فرشا و رزقا لهم،كانوا يتّبعون خطوات الشّيطان الّذي هو عدوّ مبين لهم.

الخامس:أنّهم حرّموا الأزواج الثّمانية،أي الذّكر و الأنثى من الأنعام الأربعة:«الإبل،و البقر،و الضّأن، و المعز،و ما في بطونها»-مع أنّ اللّه لم يحرّم شيئا منها- جهلا و من غير علم،و لا شاهد،و لا وصيّة من اللّه، و أنّهم أظلم من كلّ ظالم بافترائهم على اللّه كذبا، و إضلالا للنّاس،و أنّ اللّه لا يهدي القوم الظّالمين.

السّادس:أنّهم استندوا تحريمهم إلى مشيئة اللّه جبرا بقولهم: لَوْ شاءَ اللّهُ ما أَشْرَكْنا وَ لا آباؤُنا وَ لا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كذبا كما كذّب الّذين من قبلهم الّذين ذاقوا بأس اللّه.

السّابع:أنّهم لا يتّبعون في تحريمها إلاّ الظّنّ و الخرص.

الثّامن:أنّهم إن كان لهم شهداء فليأتوا بهم،فإن شهدوا لهم،فهم كاذبون،ليس للنّبيّ أن يشهد معهم، و لا يتّبع أهواءهم،لأنّهم يكذّبون بآيات اللّه،و لا يؤمنون بالآخرة،و يعدلون بربّهم عن مقامه الرّفيع.

التّاسع:أنّ اللّه بعد إبطال كلّ ذلك بدأ بذكر ما حرّمه هو بقوله: قُلْ تَعالَوْا أَتْلُ ما حَرَّمَ رَبُّكُمْ عَلَيْكُمْ أَلاّ

ص: 651

تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً... الأنعام:151-153،و هي أحكام معقولة فيها خير للنّاس جميعا،بخلاف ما حرّموه،فهي أوهام لا خير فيها.

العاشر:نصّ فيها على أنّه الصّراط المستقيم و أنّ ما شرّعوه و ما اتّبعوه من السّبل كلّها تفرّق عن سبيل اللّه.

الحادي عشر:قد نصّ بعدها بقوله: قُلْ لا أَجِدُ فِي ما أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً... على أنّ المحرّمات محصورة في الأربع المذكورة،ثمّ ذكر ما حرّمه اللّه على بني إسرائيل تأكيدا بطلان ما حرّمه المشركون.

4-و قد جاءت آيات بمعناها(7 و 17-19) في الأعراف و يونس،و النّحل،و كلّها مكّيّة أيضا.

ثالثا:جاء ما حرّم من الطّعام على بني إسرائيل في 5 آيات(20-24)و فيها بحوث:

1-ذكر في(20)أنّ كلّ الطّعام كان حلاّ لبني إسرائيل على نفسه،من قبل نزول التّوراة.

2-و جاء في(21)و آيات بعدها من سورة النّساء أنّ اللّه حرّم عليهم طيّبات أحلّت لهم بظلمهم،و صدّهم عن سبيل اللّه،و أخذهم الرّبا،و أكلهم أموال النّاس بالباطل،و أعدّ للكافرين منهم عذابا أليما.

3-و قد عدّ في(22)ما حرّم عليهم،و هي:كلّ ذي ظفر،و من البقر و الغنم شحومهما إلاّ ما حملت ظهورهما،أو الحوايا،أو ما اختلط بعظم،حرّمها عليهم جزاء لبغيهم.

4-و أحال في(23)-و هي من سورة النّحل-ما حرّم عليهم إلى ما فصّله في(22)و هي من سورة «الأنعام»النّازلة قبل«النّحل»تأكيدا أنّ ذلك كان بسبب ظلمهم.

5-و حكى في(24)عن عيسى عليه السّلام أنّه أحلّ بعض ما حرّم على بني إسرائيل:مثل الشّحوم و الثّروب و اللّحوم،و الإبل،و السّماك و غيرها ممّا جاء في النّصوص،و لا سيّما نصّ الزّمخشريّ،و فيها خلاف، لاحظ نصّ الفخر الرّازيّ.

6-و قد شاهدنا أنّ أكثر ما حرّم على بني إسرائيل جاءت في السّور المدنيّة،لأنّ الإسلام التقى بهم في المدينة،و عكسها أكثر ما حرّمه المشركون جاء في السّور المكّيّة،لأنّ مكّة كانت قاعدة للشّرك و المشركين.

رابعا:جاء تحريم قتل النّفس في(25-27)في ثلاث سور مكّيّة:الأنعام،و الفرقان،و الإسراء،بلفظ واحد لا تَقْتُلُوا -لا يقتلون - اَلنَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ و جاء النّهي عنه بغير هذا اللّفظ مرّات،لاحظ «ق ت ل».

خامسا:جاء تحريم الرّبا في(28)خطابا لبني إسرائيل: وَ أَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ وَ حَرَّمَ الرِّبا و جاء بغير لفظ(حرّم)في آيات،لاحظ«الرّبا».

سادسا:جاء في(29)خطابا لبني إسرائيل أنّ إخراج قومهم من ديارهم حرام عليهم،كما جاء بغير لفظ«التّحريم»في غيرها،لاحظ«خ ر ج:إخراج».

سابعا:جاء تحريم الصّيد على المحرم في (30-32)،لاحظ«الصّيد».

ثامنا:جاء تحريم نكاح أصناف من النّساء بلفظ التّحريم في(33-35)و فيها بحوث:

ص: 652

1-جاء في(33)تحريم ثلاثة عشر صنفا من النّساء و الأقرباء،و غيرهنّ،و أضيفت إليهنّ في آية بعدها المحصنات من النّساء،أي ذوات الأزواج،ثمّ قال:

وَ أُحِلَّ لَكُمْ ما وَراءَ ذلِكُمْ...، و البحث فيهنّ موكول إلى«النّساء»و«الأزواج».لاحظ:الرّبائب،و الأبناء و البنات و الأخوات.

2-جاء في(34)تحريم نكاح الزّانيات على غير الزّاني،و هي منسوخة،لاحظ«ز ن ي».

3-و جاء في(35)منع تحريم النّبيّ ما أحلّ اللّه له من نسائه،لاحظ«نساء النّبيّ».

تاسعا:جاء في(36)تحريم الفواحش،لاحظ «ف ح ش:الفواحش».

المحور الثّاني-جاء في(37-41)التّحريم بمعنى المنع من شيء تكوينا،بإزاء الحرمة الشّرعيّة فيما قبلها من الآيات،و فيها بحوث:

1-جاء في(37)أنّ اللّه حرّم الجنّة على من يشرك باللّه،أي أنّهم ممنوعون من دخولها،و أنّ مأواهم النّار.

2-و جاء في(38)بشأن الّذين أهلكهم اللّه تعذيبا أنّهم ممنوعون من الرّجوع إلى الدّنيا-على خلاف فيها، لاحظ مجمع البيان(4:62)فقد عبّر عن ذلك بلفظ «حرام»و هذا موافق لأصل اللّغة.

3-و جاء في(39)بشأن بني إسرائيل الّذين خرجوا من مصر ذاهبين إلى الأرض المقدّسة الّتي وعدهم اللّه إيّاها،فخالفوا ما أمرهم موسى عليه السّلام من الدّخول إليها جهادا،فجازاهم اللّه بذلك،فحرّمها عليهم أربعين سنة، أي لم يمكّنهم من الدّخول إليها،و تاهوا في التّيه أربعين سنة،فعبّر عن هذا المنع ب فَإِنَّها مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ، لاحظ«ق د س:الارض المقدّسة».

4-و جاء في(40)بشأن موسى عليه السّلام،و هو طفل أخذه فرعون من اليمّ،فكان لا يرتضع بثدي النّساء، حتّى أرشدتهم أخته إلى أمّها.و هذا التّحريم-كما قال الطّبرسيّ(4:242)-«تحريم منع لا أنّ هناك نهيا عن الفعل».

5-و جاء في(41)بشأن أهل النّار لمّا نادوا أصحاب الجنّة أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ، فقال لهم أهل الجنّة: إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ أي أنّهم ممنوعون من الوصول إليهما غير متمكّنين منهما.

المحور الثّالث:جاءت الحرمة بألفاظ مثل «حرام و حرم و حرم و محرّم و حرمات»بمعنى احترام شيء و تعظيمه،و التّعامل معه بكمال الأدب،وصفا للشّهر،و المسجد،و المشعر،و البيت،و مكّة،و المناسك، في آيات كثيرة نبحثها بعناوينها:

الأوّل:الشّهر الحرام،جاء في 7 آيات (42-48)و فيها بحوث:

1-جاء في(42) مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ و تمام الآية إِنَّ عِدَّةَ الشُّهُورِ عِنْدَ اللّهِ اثْنا عَشَرَ شَهْراً فِي كِتابِ اللّهِ يَوْمَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ مِنْها أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ وَ قاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَما يُقاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ.

فذكر عدد الشّهور القمريّة،و استثنى منها أربعة، فهي حرم-جمع حرام-ثلاثة منها سرد،و هي

ص: 653

ذو القعدة،و ذو الحجّة،و المحرّم،و واحدة فرد،و هي رجب.

قال الطّبرسيّ(3:72):«و معنى حرمتها أنّه يعظم انتهاك المحارم فيها أكثر ممّا يعظم في غيرها،و كانت العرب تعظّمها،حتّى لو أنّ رجلا لقى قاتل أبيه فيها لم يهجه لحرمتها.و إنّما جعل اللّه تعالى بعض هذه الشّهور أعظم حرمة من بعض لما علم من المصلحة في الكفّ عن الظّلم فيها،يعظم منزلتها،و لأنّه ربّما أدّى ذلك إلى ترك الظّلم أصلا،لانطفاء النّائرة و انكسار الحميّة في تلك المدّة...».

2-و جاء في(43)حكم النّسيء،و هو:كما قال الطّبرسيّ(3:28):«تأخير حرمة الشّهر إلى شهر آخر ليست له تلك الحرمة»فكان معمولا به في الجاهليّة لاحظ«ن س ء-النّسيء».

3-و جاءت في باقي الآيات أحكام الشّهر الحرام، و هي أنّه يحرم القتال فيه،بل يبدأ بالقتال بعد انسلاخ الأشهر الحرم،و أنّه لا يجوز إحلالها،و تجري فيها القصاص و سنبحثها.

الثّاني:المسجد الحرام،و جاءت فيه 14 آية (49-62):آيتان بشأن القبلة(49 و 50)،و آية بشأن التّمتّع في الحجّ(51)،و خمس آيات بشأن صدّ المشركين المسلمين عن المسجد الحرام(52-56)، و آيتان بشأن القتال في المسجد الحرام(57 و 58)،و آية في أنّ المشركين نجس فلا يقربوا المسجد الحرام(59)، و آية في أنّ سقاية الحاجّ و عمارة المسجد الحرام ليسا كالإيمان باللّه(60)،و آية في البشارة بدخول المسلمين المسجد الحرام(61)،و آية في إسراء النّبيّ(62)،لاحظ المسجد و سائر المواضيع المذكورة في هذه الآيات.

الثّالث:المشعر الحرام،آية واحدة(63)، لاحظ المشعر.

الرّابع:البيت الحرام،آيتان(64 و 65)جاءتا في أنّ الكعبة هي البيت الحرام،و أنّه يحرم إحلال الآمّين البيت الحرام،لاحظ«الكعبة».

الخامس:البيت المحرّم،آية(66)و هو الكعبة،لاحظ«الكعبة».

السّادس:البلدة الّتي حرّمها اللّه،آية(67) و هي مكّة.

السّابع:حرما آمنا،آيتان(68 و 69)و المراد بها مكّة و ما حولها،ممّا يعدّ من الحرم،لاحظ:«حجّ، و مكّة».

الثّامن:الحرمات،آيتان(48 و 70)،و هي جمع حرمة كالظّلمات جمع ظلمة،و تشمل كلّ ما جعل اللّه له حرمة،فأوجب تعظيمها كتعظيم الشّعائر،و فيها بحثان:

أ:إنّ لهم في تفسير الحرمات أقوالا:

1-هي مناسك الحجّ،أو كلّ ما يتعلّق بالحجّ و العمرة و الحرم و الكعبة،و تعظيمها:رعاية أحكامها.

2-معاصي اللّه و ما نهى عنه،و تعظيمها:تركها.

3-مردّد بين مناسك الحجّ خاصّة و بين عمومه لكلّ التّكاليف،قاله الزّمخشريّ.

4-هي الدّوائر التّشريعيّة الّتي أحاطها اللّه بنواهيه،أو المواقع الّتي أراد اللّه من النّاس احترامها،فلا يتجاوزون الحدود الّتي كلّفهم بالوقوف عندها،تعبيرا

ص: 654

عن العبوديّة لأنّها تمثّل تعظيما للّه.قاله فضل اللّه،فقد عمّمها جميع التّكاليف،و لم يخصّها بالمحرّمات.

5-جعلها الطّباطبائيّ توطئة لما بعدها في نفس الآية وَ أُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فتدلّ على أنّ الأنعام فيها حرمة أيضا تجب رعايتها،و هي ما يفيده الاستثناء.

6-و هناك رواية عن الإمام الصّادق عليه السّلام تفيد التّعميم،و أنّها ثلاث حرمات:حرمة بيت اللّه،و حرمة كتاب اللّه،و حرمة ما أوجب اللّه من فرض طاعة أهل البيت عليهم السّلام.

و الّذي نختاره أنّ الآيات(25-37)من هذه السّورة تتحدّث عن البيت الحرام و ما يتعلّق به من أحكام الحجّ،و سياقها يقتضي اختصاص حرمات اللّه و شعائر اللّه بها،و تعميمها لغيرها من قبيل التّأويل،و هو باب واسع.

ب:في تفسير اَلْحُرُماتُ قِصاصٌ و فيها بحوث:

1-أريد ب(الحرمات):الشّهر الحرام،و البلد الحرام،و حرمة الإحرام،و كلّ ما فيه حرمة في الحجّ،

2-أريد ب(الحرمات قصاص)أي ما صدّكم عنها المشركون منها،فما غلبكم اللّه عليه و أدخلكم الحرم و وصلتم إلى تلك الحرمات،فهي مجازاة و قصاص عمّا صدّوكم عنها،و هذا معنى اَلشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ.

و هناك قول آخر:و هو أنّ امتناعكم عن القتال في الشّهر الحرام،و استباحتكم القتال فيه،كلاهما قصاص من المشركين،فإن قاتلوكم فيه فقاتلوهم فيه قصاصا، و إن امسكوا فامسكوا،فأيّا سلكوا فاسلكوا.

و الوجه الأوّل تسكين و تطييب لقلوب المؤمنين بأنّ اللّه جازاكم ممّا صدّوكم عنها،بأن غلبكم على الحرمات و نلتم إلى ما حرمتم منه.

و الوجه الثّاني تشريع،و استثناء عن حكم حرمة القتال في الشّهر الحرام،و في البلد الحرام،بأنّ القصاص و المقاتلة فيه حلال.

و هذا الوجه أقرب إلى سياق الآيات قبلها و بعدها في البقرة(191-194): ...وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ* فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ* وَ قاتِلُوهُمْ حَتّى لا تَكُونَ فِتْنَةٌ وَ يَكُونَ الدِّينُ لِلّهِ فَإِنِ انْتَهَوْا فَلا عُدْوانَ إِلاّ عَلَى الظّالِمِينَ* اَلشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ وَ الْحُرُماتُ قِصاصٌ فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ بِمِثْلِ مَا اعْتَدى عَلَيْكُمْ وَ اتَّقُوا اللّهَ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ بل قوله:

وَ لا تُقاتِلُوهُمْ عِنْدَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ حَتّى يُقاتِلُوكُمْ فِيهِ صريح فيه.

3-و تفسير اَلشَّهْرُ الْحَرامُ بِالشَّهْرِ الْحَرامِ تبع لتفسير اَلْحُرُماتُ قِصاصٌ من المعنيين،لاحظ «الشّهر و القصاص».

المحور الرّابع:الحرمان،و فيه أربع آيات (71-74)اثنتان منها تشريع،و اثنتان خبر عمّن أصابه خسران في ماله من اللّه.ففيها بحثان:

الأوّل:جاء في(71 و 72)و هما مكّيّتان بسياق واحد أنّ في أموال النّاس حقّا للسّائل و المحروم،و لهم فيهما أقوال بعضها يرجع إلى بعض:

ص: 655

1-السّائل:الفقير الّذي يسأل النّاس،أو الطّوّاف على الأبواب،و المحروم:الّذي لا يسأل،و هو فقير.

2-السّائل يسأل و يعرف،و المحروم لا يسأل و لا يعرف.أو هو العفيف،أو من يحرمه النّاس بترك العطاء، أو يحرم هو نفسه بترك السّؤال.

3-السّائل يسأل،و المحروم الّذي ليس له في الغنائم سهم،و لا يجري عليه من الفيء سهم،أو الّذي يجيء بعد الغنيمة فليس له سهم فيها.

4-السّائل يسأل.و المحروم هو المحارف الّذي ليس له أحد يعطف عليه أو يعطيه شيئا،أو الّذي ذهب ماله أو لا ينمو له مال.أو الّذي حرم كدّ يده في الشّراء و البيع.

5-السّائل يسأل و يرزق،و المحروم الّذي يطلب فلا يرزق.

6-السّائل يسأل،و المحروم الّذي أصابته الجائحة، أي المصيبة.

7-السّائل يسأل،و المحروم الّذي يصاب زرعه،أو ثمره أو نسل ماشيته،فيكون له حقّ على من لم يصبه ذلك من المسلمين،أو هو المملوك.

8-السّائل هو المتكفّف،و المحروم هو المتعفّف.

9-اختار الطّبريّ بعد نقله جملة من الأقوال:أنّ المحروم هو الّذي حرم الرّزق بسبب من الأسباب المذكورة،فهو أولى بالإنفاق عليه.

و الّذي نختاره هو أنّ الآيتين لمّا كانتا مكّيّتين فلا بدّ أن يلاحظ حال الفقير،حين ذاك،و لم تكن في مكّة غنيمة،و كان الفقراء صنفين:صنف يسأل النّاس و يطوف على الأبواب،و صنف لا يسأل لعفّته و حرم الرّزق لجهة من الجهات المذكورة.و لمّا لم يكن في مكّة زكاة بالمعنى المعروف،فأعلن اللّه أنّ في أموال النّاس حقّا للصّنفين،و كان هذا بمنزلة الزّكاة،بل الزّكاة في الآيات المكّيّة لم تكن سوى هذا الحقّ و نحوه من الصّدقات.

ثمّ لمّا شرّعت الزّكاة و غيرها من الحقوق الماليّة، تعيّنت حقوق المستحقّين للزّكاة و غيرها،و لا ندّعي انتهاء حكم السّائل و المحروم بتشريع الزّكاة،بل لهما حقّ من الزّكاة أو من غير الزّكاة من باب مطلق الصّدقات، و إليه يرجع ما جاء في بعض الرّوايات:أنّ هذا الحقّ شيء وراء الزّكاة،لاحظ«الزّكاة».

الثّاني:جاء(محرومون)في آيتين(73 و 74)و هما مكّيّتان أيضا:

أولاهما:في أصحاب الجنّة الّتي أصبحت جنّتهم ليلا كالصّريم،فانطلقوا إليها مصبحين مصرّين على أن لا يدخلنّها مسكين فَلَمّا رَأَوْها قالُوا إِنّا لَضَالُّونَ* بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ لاحظ«الجنّة».

و ثانيتهما:ما ذكره اللّه في أَ فَرَأَيْتُمْ ما تَحْرُثُونَ* أَ أَنْتُمْ تَزْرَعُونَهُ أَمْ نَحْنُ الزّارِعُونَ* لَوْ نَشاءُ لَجَعَلْناهُ حُطاماً فَظَلْتُمْ تَفَكَّهُونَ* إِنّا لَمُغْرَمُونَ* بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ الواقعة:63-67.

فالمحروم فيهما هو الّذي ذهب ماله بقضاء من اللّه، و لا حيلة له في ردّه،كالمحروم في الأوليين ممّن لا حيلة له في الرّزق.و«المحرومون»في الآيتين قريب من المحور الثّاني،و هو المنع.

ص: 656

ح ر ي

اشارة

تحرّوا

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحري:النّقصان بعد الزّيادة.و القمر يحري الأوّل فالأوّل حتّى ينقص،حريا.

و الحرى مقصور:موضع البيض،و هو الأفحوص و الأدحيّ.

و الحرى أيضا:كلّ موضع للظّباء تأوي إليه.

و الحرى:الجدارة.تقول:هو حريّ،أي خليق.

و هو حر،و بالحرى و حرى أن يكون كذاك،و ما أحراه، و أحر به أن يكون كذا.

و فلان يتحرّى مسرّتي،و يتحرّى بكلامه و أمره الصّواب.

و حراء ممدود:جبل بمكّة معروف.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:286)

اللّيث:الحرى:بيض النّعام،أو مأوى الظّبي.

(الأزهريّ 5:213)

أبو عمرو الشّيبانيّ: و الحرى،تقول:حرت النّاقة:صغرت،و حرى الحمل يحرى:صغر إذا هزل.

(1:185)

إنّه لحريّ الأثر،أي عظيم الأثر.(1:183)

أبو زيد :الحراة و الوحاة و الخوات:الصّوت.

و يقال:إنّه لمحراة أن يفعل ذاك،كقولك:مخلقة و مقمنة.

(الأزهريّ 5:214)

الأصمعيّ: حرى الشّيء يحري حريا،إذا نقص.

و أحراه الزّمان.

و يقال للأفعى:حارية،للّتي قد كبرت و نقص جسمها،و هي أخبث ما تكون.(الأزهريّ 5:213)

الحرى:جناب الرّجل و ما حوله.يقال:لا تقربنّ حرانا،و يقال:نزل فلان بحراه و عراه،إذا نزل بساحته.

و حرى مبيض النّعام:ما حوله،و كذلك حرى كناس الظّبي:ما حوله.(الأزهريّ 5:213)

ص: 657

في الحديث:«إنّ هذا لحريّ إن خطب أن ينكح».

يقال:فلان حريّ بكذا،و حرى من كذا،و بالحريّ أن يكون كذا،أي جدير و خليق.(المدينيّ 1:437)

اللّحيانيّ: و إنّه لمحرى أن يفعل ذلك،و إنّه لمحراة أن يفعل؛و لا يثنّى و لا يجمع و لا يؤنّث.

و هذا الأمر محراة لذلك،و أحربه.[ثمّ استشهد بشعر]

و ما أحراه به.

ما رأيت من حراته،و حراه لم يزد على ذلك شيئا.

و حرى أن يكون ذلك،في معنى عسى.

(ابن سيده 3:434)

ابن السّكّيت: و إنّه لحريّ أن يفعل ذاك،و إنّهما لحريّان و إنّهم لحريّون و إنّها لحريّة و إنّهما لحريّتان و إنّهنّ لحريّات.

و يقال:إنّه لحرى أن يفعل كذا و كذا،و إنّهما لحرى و إنّهم لحرى،موحّد في التّثنية و الجمع و المؤنّث.

و ما أحراه أن يفعل كذا و كذا،و إنّه لحر و حريان و حرون و حرية و حريتان و حريات،بالتّخفيف كلّه.

(511)

و هو حرى بكذا و حر،أي خليق له.[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:100)

شمر:يقال:أفعى حارية.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:213)

المبرّد: أصل التّحرّي من قولهم:ذلك أحرى،أي أحقّ و أقرب،و بالحرى أن تفعل كذا،أي يجب عليك.(الفخر الرّازيّ 30:160)

ثعلب:أنت حرى من ذلك و قمن بفتح الرّاء و الميم،لا يثنّى و لا يجمع،لأنّهما مصدران وصف بهما، و معناهما واحد،أي حقيق و خليق.

فإن قلت:حر بالكسر أو حريّ أو قمن أو قمين، ثنّيت و جمعت،لأنّها صفات خالصة،و هي أسماء الفاعلين.(41)

و قولهم في الرّجل إذا بلغ الخمسين:حرى،معناه هو حرى أن ينال الخير كلّه.(ابن سيده 3:434)

ابن دريد :رجل حريّ بكذا و كذا و حر به،مثل جدير.(2:147)

القاليّ: و إنّه لحريّ و حرى و حر لذلك.(1:96)

يقال:نزل حراه و عراه،أي قريبا منه.(2:70)

يحري:ينقص،و منه يقال:رماه اللّه بأفعى حارية، و هي الّتي قد نقص جسمها من الكبر.(2:172)

و القرا:الظّهر،و إنّما جعله[الشّاعر]حاري القرا، لأنّه قد حرى جسمه،أي نقص،و إذا كان كذلك كان أخبث له.و منه قولهم:«رماه اللّه بأفعى حارية».(2:

245)

الأزهريّ: قول اللّيث:«الحرى:بيض النّعام،أو مأوى الظّبي»باطل.

و قيل:هو حريّ بذاك،على«فعيل»و هما حريّان، و هم أحرياء بذاك.

و يقال:أحربه،و ما أحراه بذلك،كقولك:ما أخلقه.

و قيل:هو يتحرّى الصّواب،أي يتوخّاه.

و التّحرّي:قصد الأولى و الأحقّ،مأخوذ من الحرى و هو الخليق،و المتوخّي،مثله.(5:213)

ص: 658

الصّاحب:الحري:النّقصان بعد الزّيادة،كما يحري القمر.

و الإحراء:مجاوزة فعل حرى.و أحراه الزّمان:

نقصه.

و الحرى مقصور؛و جمعه أحراء:موضع البيض، و موضع الظّبي يأوي إليه.

و يقولون:اذهب فلا أرينّك بحراتي و حراي.

و الحرى:الخليق،بالحرى أن يكون كذا،و هو حريّ به،و أحر به.

و حروت الرّجل بكذا و حجوته به:يعني حسبته و ظننته،أحروه حروا.

و المحري:المخلق،و يحريه لكذا،أي يجعله حريّا له، و هو محر بذاك.

و هو يتحرّى مسرّتي،أي يتعمّدها.

و تحرّى تحرّيا:تحبّس.

و تحرّيت له،بمعنى تعرّضت.

و التّحرّي:الإقبال،و الإدبار.

و حراء ممدود:جبل بمكّة.

و رماه اللّه بأفعى حارية،و هي الّتي قد كبرت فنقص جسمها.

و حر:أصله حرح؛و يجمع على الأحراح.و حرة:

بمعنى حر.(3:194)

الخطّابيّ: و ممّا يمدّ و هم يقصرونه،قوله عليه السّلام:

«اثبت حراء»

سمعت أبا عمر يقول:أصحاب الحديث يخطئون في هذا الاسم،و هو ثلاثة أحرف في ثلاثة مواضع:يفتحون الحاء،و هي مكسورة،و يكسرون الرّاء و هي مفتوحة، و يقصرون الألف و هي ممدودة.و إنّما هي حراء.[ثمّ استشهد بشعر]

و كذلك«قباء»لمسجد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ممدود.

(3:240)

الجوهريّ: يقال:إنّي لأجد لهذا الطّعام حروة و حراوة،أي حرارة؛و ذلك من حرافة كلّ شيء يؤكل.

و الحراة:السّاحة،و العقوة،و النّاحية.و كذلك «الحرا»مقصور.يقال:اذهب فلا أرينّك بحراي و حراتي.

و يقال:لا تطر حرانا،أي لا تقرب ما حولنا.يقال:

نزلت بحراه و عراه.

و الحراة أيضا:الصّوت و الجلبة،و صوت التهاب النّار و حفيف الشّجر.

و الحرى أيضا:موضع بيض النّعامة.

و يحدّث الرّجل الرّجل فيقول:بالحرى أن يكون كذا.

و هذا الأمر محراة لذلك،أي مقمنة،مثل محجاة.

و ما أحراه،مثل ما أحجاه.و أحر به،مثل:أحج به.

و يقال:هو حرى أن يفعل بالفتح،أي خليق و جدير؛و لا يثنّى و لا يجمع.

و إذا قلت:هو حر بكسر الرّاء،و حريّ على «فعيل»ثنّيت و جمعت،فقلت:هما حريّان و هم حريّون و أحرياء،و هي حريّة و هنّ حريّات و حرايا، و أنتم أحراء جمع حر.

و منه اشتقّ التّحرّي في الأشياء و نحوها،و هو طلب ما هو أحرى بالاستعمال في غالب الظّنّ،كما اشتقّ

ص: 659

التّقمّن من القمن.

و فلان يتحرّى الأمر،أي يتوخّاه و يقصده.

و تحرّى فلان بالمكان،أي تمكّث.

و حرى الشّيء،حريا،إذا نقص.يقال:يحري كما يحري القمر.و أحراه الزّمان.

و الحارية:الأفعى الّتي نقص جسمها من الكبر؛ و ذلك أخبث ما يكون منها.يقال:رماه اللّه بأفعى حارية.

و حراء بالكسر و المدّ:جبل بمكّة،يذكّر و يؤنّث.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](6:2311)

ابن فارس: الحاء و الرّاء و ما بعدها معتلّ،أصول ثلاثة:فالأوّل:جنس من الحرارة،و الثّاني:القرب و القصد،و الثّالث:الرّجوع.

فالأوّل:الحرو،من قولك:وجدت في فمي حروة و حراوة،و هي حرارة من شيء يؤكل كالخردل و نحوه.

و من هذا القياس:حرارة النّار،و هو التهابها.و منه الحرة:الصّوت و الجلبة.

و أمّا القرب و القصد،فقولهم:أنت حرى أن تفعل كذا؛و لا يثنّى على هذا اللّفظ و لا يجمع.فإذا قلت:

حريّ،قلت:حريّان و حريّون و أحرياء للجماعة.

و تقول:هذا الأمر محراة لكذا.و منه قولهم:هو يتحرّى الأمر،أي يقصده.

و يقال:إنّ«الحرا»مقصور:موضع البيض،و هو الأفحوص.و منه:تحرّى بالمكان:تلبّث.و منه قولهم:

نزلت بحراه و بعراه،أي بعقوته.

و الثّالث:قولهم:حرى الشّيء يحري حريا،إذا رجع و نقص.و أحراه الزّمان.

و يقال للأفعى الّتي كبرت و نقص جسمها:حارية.

و في الدّعاء عليه يقولون:«رماه اللّه بأفعى حارية»، لأنّها تنقص من مرور الزّمان عليها و تحري،فذلك أخبث.(2:47)

أبو هلال :الفرق بين الإرادة و التّحرّي:أنّ التّحرّي هو طلب مكان الشّيء،مأخوذ من«الحرا»و هو المأوى.و قيل لمأوى الطّير:حراها،و لموضع بيضها:

حرا أيضا.

و منه تحرّي القبلة،و لا يكون مع الشّكّ في الإصابة، و لهذا لا يوصف اللّه تعالى به،فليس هو من الإرادة في شيء.(102)

الفرق بين قولك:هو قمين به و قولك:هو حريّ به و خليق به و جدير به:أنّ القمين يقتضي مقاربة الشّيء و الدّنوّ منه حتّى يرجى منه تحقّقه،و لذلك قيل:خبز قمين،إذا بدا ينكرح كأنّه دنا من الفساد،و يقال للقودح الّذي تتّخذ منه الكوامخ:القمن.

و قولك:حريّ به يقتضي أنّه مأواه،فهو أبلغ من القمين.و من ثمّ قيل لمأوى الطّير:حراها،و لموضع بيضها:الحرى.

و إذا رجا الإنسان أمرا و طلبه قيل:تحرّاه،كأنّه طلب مستقرّه و مأواه.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا خليق به بيّن الخلاقة،فمعناه أنّ ذلك مقدّر فيه.

و أصل الخلق:التّقدير.

و أمّا قولهم:جدير به،فمعناه أنّ ذلك يرتفع من جهته،و يظهر من قولك:جدر الجدار،إذا بني و ارتفع.

ص: 660

و منه سمّي الحائط:جدارا.(249)

ابن سيده: حرى الشّيء حريا:نقص.و أحراه الزّمان.

و الحارية:الأفعى الّتي قد كبرت و نقص جسمها، و لم يبق إلاّ رأسها و نفسها و سمّها؛و الذّكر:حار.

و الحرا و الحراة:ناحية الشّيء.

و الحرا:موضع البيض.

و الجمع:أحراء.

و الحرا:الكناس.

و الحرا و الحراة:الصّوت.و خصّ ابن الأعرابيّ به مرّة صوت الطّير.

و حراة النّار مقصور:التهابها.

و الحرى:الخليق،كقولك:بالحرى أن يكون ذلك، و إنّه لحرى بكذا و حر و حريّ.

فمن قال:حرى،لم يغيّره عن لفظه فيما زاد على الواحد و سوّى بين الجنسين،أعني المذكّر و المؤنّث،لأنّه مصدر.

و من قال:حر و حريّ،ثنّى و جمع و أنّث،فقال:

حريان و حرون و حرية و حريتا و حريات،و حريّان و حريّون،و حريّة و حريّتان.

قال اللّحيانيّ: و قد يجوز أن تثنّي ما لا تجمع،لأنّ الكسائيّ حكى عن بعض العرب أنّهم يثنّون ما لا يجمعون،فيقول:إنّهما لحريّان أن يفعلا.

و تحرّى ذلك:تعمّده.

و حراء:جبل بمكّة،يذكّر و يؤنّث.قال سيبويه:

منهم من يصرفه،و منهم من لا يصرفه،يجعله اسما للبقعة.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](3:433)

الرّاغب: حرى الشّيء يحري،أي قصد حراه،أي جانبه.و تحرّاه كذلك،قال تعالى: فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً الجنّ:14،و حرى الشّيء يحري:نقص،كأنّه لزم الحرى و لم يمتدّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و رماه اللّه بأفعى حارية.(115)

الحريريّ: [نحو الخطّابيّ و أضاف:]

و حراء:ممّا صرفته العرب و لم تصرفه.(140)

الزّمخشريّ: فيه حرافة و حراوة،أي حدّة.

و أنت حرى أن تفعل،و كذلك الاثنان و الجمع و الأنثى.

و بالحرى أن يفعل،و إن فعلت كذا فبالحرى،و هو حر به و حريّ،و ما أحراه به،و هو أحرى به من غيره، و هم أحرياء،و هو محراة لكذا.

و لا تطر حرانا،و نزلت بحراه و بعراه،أي بعقوته.

و تحرّاه:قصد حراه.

و أفعى حارية:مسنّة قد صغر جسمها من كبرها، من حرى الشّيء،إذا نقص.

و تقول:بليت بأفعال جارية،كأفعى حارية.

و من المجاز:تحرّيت في ذلك مسرّتك،و هو يتحرّى الصّواب،و أصله:قصد الحرى.[و استشهد بالشّعر مرّتين](أساس البلاغة:82)

الحارية من الأفاعي،و هي الّتي قيل فيها:*حارية قد صغرت من الكبر*(الفائق 1:275)

ابن الشّجريّ: تحرّى،من قولهم:تحرّى فلان بالمكان:تمكّث به.(1:41)

ص: 661

المدينيّ: في حديث بعض الصّحابة رضي اللّه عنهم قال:«إذا كان الرّجل يدعو في شبيبته ثمّ أصابه أمر بعد ما كبر فبالحريّ أن يستجاب له»،أي جدير، و يقال:هو حر أيضا.

و لفظ حر للواحد و الاثنين و الجمع،و المذكّر و المؤنّث على حالة واحدة.

في حديث رجل من جهينة،قال:«لم يكن زيد بن خالد يقرّبه بحراه سخطا للّه عزّ و جلّ»الحرا مقصور:

جناب الرّجل و موضعه و حيث يكون.و أصله يكون موضع البيض،و هو الأفحوص،يقال:«لا أرينّك بعراه و حراه».

في الحديث:«كان يأتي حراء»،و هو بالكسر و المدّ:

جبل من جبال مكّة معروف،و منهم من يؤنّثه و لا يصرفه.[ثمّ ذكر قول الخطّابيّ فيه و أضاف:]

و لا تسوغ فيه الإمالة،لأنّ الرّاء سبقت الألف مفتوحة،و هي حرف مكرّر،فقامت مقام الحرف المستعلي،كما لا يمال راشد و رافع.(1:437)

ابن الأثير: و منه حديث عمرو بن عبسة:«فإذا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم مستخفيا حراء عليه قومه»أي غضاب ذوو غمّ و همّ،قد انتقصهم أمره و عيل صبرهم به،حتّى أثّر في أجسامهم و انتقصهم.(1:375)

و فيه:«تحرّوا ليلة القدر في العشر الأواخر»أي تعمّدوا طلبها فيها.و التّحرّي:القصد و الاجتهاد في الطّلب،و العزم على تخصيص الشّيء بالفعل و القول.

(1:376)

الفيّوميّ: تحرّيت الشّيء:قصدته،و تحرّيت في الأمر:طلبت أحرى الأمرين،و هو أولاهما.

و زيد حرى أن يفعل كذا،بفتح الرّاء مقصور،فلا يثنّى و لا يجمع.و يجوز حريّ على«فعيل»فيثنّى و يجمع، فيقال:حريّان و أحرياء...(1:133)

الفيروزآباديّ: الحارية:الأفعى الّتي كبرت و نقص جسمها،و لم يبق إلاّ رأسها و نفسها و سمّها.

و الحرا و الحراة:النّاحية،و صوت الطّير أو عامّ، و الكناس،و موضع البيض؛جمعها:أحراء.

و حراة النّار:التهابها.

و الحرا:الخليق،و منه:بالحرى أن يكون ذاك،و إنّه لحرى بكذا و حريّ كغنيّ و حر.و الأولى لا تثنّى و لا تجمع.

و إنّه لمحرى أن يفعل و لمحراة،و أحربه،و ما أحراه به:

ما أجدره.

و تحرّاه:تعمّده و طلب ما هو أحرى بالاستعمال، و بالمكان:تمكّث.

و حرى كرمى:نقص.و أحراه الزّمان.

و حراء ككتاب و يؤنّث و يمنع:جبل بمكّة فيه غار، تحنّث فيه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.(4:318)

الطّريحيّ: و التّحرّي و التّوخّي:القصد و الاجتهاد في الطّلب،و العزم على تخصيص الشّيء بالفعل و القول.

و منه الحديث:«لا تتحرّوا بالصّلاة طلوع الشّمس و غروبها»أي لا تقصدوا بها ذلك.

و في الخبر:«تحرّوا ليلة القدر في العشر الآخر»أي تعمّدوا طلبها فيها.

ص: 662

و في الحديث:«من تحرّى القصد خفّت عليه المؤن» أي من طلب القصد في الأمور كان كذلك.

و فيه:«التّحرّي يجزئ عند الضّرورة»أعني طلب ما هو الأحرى في الاستعمال في غالب الظّنّ.و منه:

«التّحرّي في الإنائين».

و فيه:«إنّك حريّ أن تقضي حاجتك»أي جدير و خليق بذلك.

و قد تكرّر فيه ذكر الحروريّ و الحروريّة-بضمّ الحاء و فتحها-و هم طائفة من الخوارج،نسبوا إلى حروراء-بالمدّ و القصر-موضع بقرب من الكوفة،كان أوّل مجتمعهم و تحكيمهم فيه،و هم أحد الخوارج الّذين قاتلهم عليّ عليه السّلام،و كان عندهم من التّشدّد في الدّين ما هو معروف.

و في الحديث:«الحروريّ هو الّذي يبرأ من عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و يشهد عليه بالكفر».(1:98)

مجمع اللّغة :التّحرّي هو الاجتهاد في تعرّف ما هو أولى و أحقّ؛تحرّى الشّيء تحرّيا.(1:252)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حرى الشّيء يحريه:

قصده،و تحرّى:اجتهد في طلب ما هو أحقّ و أولى، و تحرّى الأمر:توخّاه و قصد أفضله.(1:130)

المصطفويّ: و التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة،هو حالة الاعتدال الحاصلة بعد إفراط أو زيادة أو بعد أو تجاوز.و هذا المعنى يتفاوت باختلاف موارده و خصوصيّات مصاديقه.

فتستعمل تارة بمناسبة في مفهوم الرّجوع،و تارة بمعنى النّقصان،و تارة بمعنى القرب باعتبار الخروج عن الإفراط و البعد و الزّيادة و قربه من الاعتدال،و تارة بمعنى القصد فإنّ القصد في الأمر هو التّوسّط و الاعتدال و الاختيار بالخروج عن الإفراط.

و يقال:الحارية للأفعى الّتي قد نقص جسمها بعد الكبر،و أحراه،أي أنقصه.و حرى الرّجل:ما حوله؛ و ذلك باعتبار ما يناسبه و ما يقرب منه.و الحريّ هو الأحقّ و الخليق و المناسب؛و ذلك باعتبار مفهوم الاعتدال.

و أمّا الحروة بمعنى الحرارة و الحدّة في طعم ما يؤكل، فالظّاهر أنّ استعمال اللّفظ في هذا المفهوم في مورد كان المطعوم في طرف الإفراط من الحدّة و الحرقة كالفلفل و أمثاله،ثمّ يوجد في المذاق منه طعم معتدل.

و أمّا التّحرّي فهو«تفعّل»للقبول،أي التّوسّط و التّقرّب من الاعتدال و صيرورته في حالة معتدلة، و هذه الحالة تقتضي طلب ما هو حريّ و خليق.و يقال:

تحرّى فيه،أي طلب و قصد شيئا،و تحرّى عنه،أي فتّش عن أمر.

و يدلّ على ما فسّرناه من معنى المادّة:مفهوم مادّة «رحي»و هو الحومة و الدّائرة و الجماعة،و مفهوم الرّيح و الرّاحة،و مفهوم الحور،أي الرّجوع.(2:220)

النّصوص التّفسيريّة

تحرّوا

وَ أَنّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَ مِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً. الجنّ:14

ص: 663

ابن عبّاس: نووا صوابا و خيرا.(489)

الفرّاء: يقول:أمّوا الهدى و اتّبعوه.(3:193)

أبو عبيدة :توخّوا و عمدوا.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:272)

نحوه أبو السّعود.(6:316)

الطّبريّ: يقول:فمن أسلم و خضع للّه بالطّاعة، فأولئك تعمّدوا و ترجّوا رشدا في دينهم.(29:114)

الزّجّاج: يعني قصدوا طريق الحقّ و الرّشد.

(5:235)

مثله الواحديّ(4:366)،و الفخر الرّازيّ(30:

160).

الطّوسيّ: أي طلبوا الهدى إلى الحقّ.(10:153)

البغويّ: أي قصدوا طريق الحقّ و توخّوه.

(5:161)

مثله القرطبيّ(19:16)،و الخازن(7:134)

الزّمخشريّ: ذكر سبب الثّواب و موجبه،و اللّه أعدل من أن يعاقب القاسط و لا يثيب الرّاشد.

(4:169)

ابن عطيّة: معناه طلبوا باجتهادهم،و منه قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:

«لا تتحرّوا بصلاتكم طلوع الشّمس و لا غروبها».

(5:382)

الطّبرسيّ: أي توجّهوا الرّشد و التمسوا الثّواب و الهدى،و تعمّدوا إصابة الحقّ،و ليسوا كالمشركين الّذين ألفوا ما يدعوهم إليه الهوى،و زاغوا عن طريق الهدى.(5:371)

ابن الجوزيّ: أي توخّوه و أمّوه.(8:381)

البيضاويّ: توخّوا رشدا عظيما يبلغهم دار الثّواب.(2:510)

النّسفيّ: طلبوا هدى.و التّحرّي:طلب الأحرى، أي الأولى.(4:300)

الشّربينيّ: أي توخّوا و قصدوا مجتهدين.

(4:404)

مثله الآلوسيّ(29:89)،و فضل اللّه(23:153).

البروسويّ: التّحرّي في الأصل:طلب الأحرى و الأليق قولا أو فعلا،أي طلبوا و قصدوا.(10:195)

نحوه عبد المنعم الجمّال.(4:3194)

الطّباطبائيّ: تحرّى الشّيء:توخّاه و قصده، و المعنى فالّذين أسلموا فأولئك قصدوا إصابة الواقع و الظّفر بالحقّ.(20:45)

المصطفويّ: أي وقعوا في حالة معتدلة من جهة الرّشد،فالرّشد تمييز لا مفعول به،و الفعل لازم.و يؤيّد هذا المعنى وقوع هذه الكلمة في مقابل القاسطين،أي المتجاوزين عن التّوسّط و العدالة.

و أيضا أنّ من أسلم فهو واقع في مقام الاعتدال و الرّشد،لا أنّه يطلب الرّشد و الهداية.فظهر لطف التّعبير بها في المقام.(2:221)

مكارم الشّيرازيّ: و التّعبير ب تَحَرَّوْا رَشَداً يشير إلى أنّ المؤمنين إنّما يتوجّهون إلى الهدى بالتّحقيق و التّوجّه الصّادق،و ليس بالغفلة و الإغماض، و جزاؤهم الأوفى هو نيلهم الحقائق الّتي بظلّها ينالون النّعم الإلهيّة،و الظّالمون هم في أسوإ حال،حيث إنّهم حطب لجهنّم أي أنّ النّار تلتهب في أعماق وجودهم.(19:85)

ص: 664

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحرى،أي الجانب و النّاحية؛و الجمع:أحراء،و هو الحراة أيضا.يقال:

اذهب فلا أرينّك بحراي و حراتي،و نزل بحراه و عراه:

نزل بساحته،و لا تطر حرانا:لا تقرب ما حولنا.

و الحرى:الخليق،لأنّه ممّا يلزم الحرى.يقال:

بالحرى أن يكون ذلك،و إنّه لحرى بكذا و حر و حريّ، و إنّه لحريّ الأثر:عظيم الأثر.و يقال في التّعجّب:

ما أحراه!و أحربه.

و المحراة:المقمنة،أي المخلقة و المجدرة،يقال:

إنّه لمحراة أن يفعل،و هذا الأمر محراة لذلك.

و حرى أن يكون ذلك:عسى،و هو رجاء الجانب، و منه:التّحرّي:القصد و الاجتهاد في الطّلب،لأنّه يتحرّى الحرى،أي الجانب.يقال:فلان يتحرّى الأمر، أي يتوخّاه و يقصده،و تحرّى بالمكان:تمكّث،و فلان يتحرّى مسرّتي،و يتحرّى بكلامه و أمره الصّواب،أي يتعمّده.

و الحري:النّقص،كأنّه لزوم الحرى و القصور عليه.

يقال:حرى الشّيء يحرى حريا،أي نقص،و حرى الحمل يحري:صغر و هزل،و حرت النّاقة:صغرت.

و أحراه الزّمان:نقصه.

و منه:الحارية:الأفعى الّتي قد كبرت و نقص جسمها من الكبر،و لم يبق إلاّ رأسها و نفسها و سمّها، و الحاري:الذّكر.

2-و الحروة و الحراوة:حرافة تكون في طعم،نحو الخردل و ما أشبهه.يقال:إنّي لأجد لهذا الطّعام حروة و حراوة،أي حرارة؛و ذلك من حرافة شيء يؤكل، و لهذا الكحل حراوة و مضاضة في العين.و الحروة:

الرّائحة الكريهة في الخياشيم.

و كلّ ذلك من«ح ر و»و ليس من«ح ر ي»،لظهور الواو في مشتقّاتها،و جاءت الحروة في العبريّة بلفظ «حاراه».

الاستعمال القرآنيّ

وَ أَنّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَ مِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً الجنّ:14

يلاحظ:أنّ الآية من جملة قول الجنّ بشأن القرآن، ابتداء من أوّل السّورة قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً إلى 13 و 15، وَ أَنّا لَمّا سَمِعْنَا الْهُدى آمَنّا بِهِ فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَ لا رَهَقاً* وَ أَنّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَ مِنَّا الْقاسِطُونَ فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً* وَ أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً و فيها بحوث:

1-قالوا في معنى(تحرّوا):نووا،أمّوا،تعمّدوا و ترجّوا،قصدوا،طلبوا،طلبوا باجتهادهم،توجّهوا، توخّوا،توخّوا و قصدوا مجتهدين،توجّهوا بالتّحقيق و التّوجّه الصّادق.

و معلوم أنّها متقاربة إلاّ أنّ في بعضها الطّلب بجدّ و اجتهاد و تعمّد و تحقيق،و هذا قريب ممّا قاله النّسفيّ و غيره:«التّحرّي:طلب الأحرى،أي الأولى و الأليق».

و يناسبه صيغة«التّفعّل»المفيدة للجدّ و الصّعوبة،مثل «التّكسّب»أي الكسب بجدّ و تكلّف و صعوبة.و عليه

ص: 665

فالجدّ مستفاد من الصّيغة دون المادّة،أو منهما جميعا.

2-ذكر المصطفويّ أنّ الأصل في هذه المادّة:

الاعتدال،و أنّ سائر المعاني من مصاديقه،و لم يأت بشاهد عليه إلاّ أنّه جاء مقابلا للقاسطين،أي المتجاوزين عن العدالة،مع أنّ القسط هنا جاء مقابلا للسّلم: وَ أَنّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَ مِنَّا الْقاسِطُونَ أي منّا من ليس مسلما بل ظالما و منحرفا عن الحقّ.

3-جاء تَحَرَّوْا رَشَداً و فَلا يَخافُ بَخْساً وَ لا رَهَقاً كلاهما وصفا للمؤمنين المسلمين،أي إنّهم لا يخافون ضررا و لا فزعا.و تعمّدوا بجدّ رشدا،و اختاروا ما هو أحرى،فكلّ من«بخسا و رهقا و رشدا»جاء مفعولا به،و لكنّ المصطفويّ أخذ(رشدا)تمييزا!

4-قال في جزاء المؤمنين: فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً وَ لا رَهَقاً، و في جزاء القاسطين:

فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً فنفى عن المؤمنين خوف الضّرر و الفزع،فكيف بإصابتهما،و قرّر للقاسطين إصابة جهنّم و كونهم حطبا لها،و بينهما بون بعيد.

ص: 666

ح ز ب

اشارة

4 ألفاظ،20 مرّة:10 مكّيّة،10 مدنيّة

في 13 سورة:9 مكّيّة،4 مدنيّة

حزب 7:2-5 الحزبين 1:1

حزبه 1:1 الأحزاب 11:6-5

النّصوص اللّغويّة

الخليل :حزب الأمر يحزب حزبا،إذا نابك،قال:

*فنعم أخا فيما ينوب و يحزب*

و تحزّب القوم:تجمّعوا،و حزّبت أحزابا:جمّعتهم.

و الحزب:أصحاب الرّجل على رأيه و أمره.

و المؤمنون:حزب اللّه،و الكافرون:حزب الشّيطان.

و كلّ طائفة تكون أهواؤهم واحدة فهم حزب.

و الحيزبون:العجوز،النّون زائدة كنون الزّيتون.

و الحزباءة،ممدودة:أرض حزنة غليظة،و تجمع حزابيّ.

و عير حزابية في استدارة خلقه.

و ركب حزابية.

و يقال:أرادت:حزابي،أي رفع بي عن الأرض.

[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](3:164)

ابن شميّل: الحزباءة:من أغلظ القفّ،مرتفع ارتفاعا هيّنا في قفّ أيرّ (1)شديد.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 4:374)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الحزباء من الأرض:الدّكدكة الغليظة الّتي ترتفع لها متون،و الحزباء من الأرض:

الأكمة.(1:144)

امرأة حيزبون،إذا كانت شديدة الخلق و الشّذاة.

(1:149)

و الحيزبون:الشّديدة.(1:208)

و الحزابية:الملزّز الخلق.[و استشهد بالشّعر 3

ص: 667


1- الأيرّ من اليرر،أي الشّدّة.يقال:صخر أيرّ و صخرة يرّاء،و الفعل منه:يرّ ييرّ.و القفّ جمعها:قفاف و أقفاف: حجارة غاصّ بعضها ببعض،لا تخالطها سهولة.

مرّات](1:211)

الحزباءة:مكان غليظ مرتفع.(الأزهريّ 4:374)

الفرّاء: الحزب:النّوبة في ورود الماء،و الحزب:ما يجعله الرّجل على نفسه من قراءة و صلاة،و الحزب:

الصّنف من النّاس.(الأزهريّ 4:375)

أبو زيد :و حزباء و حزابيّ،و هي الأماكن الصّلبة المشرفة.(217)

الأصمعيّ: يقال:رجل زواز،و زوازية،و حزاب و حزابية،إذا كان غليظا إلى القصر.(الحربيّ 3:987)

الحزابيّ: أماكن منقادة غلاظ مستدقّة.

و بعير حزابية،إذا كان غليظا،و رجل حزاب و حزابية،أي غليظ،و حمار حزابية:غليظ.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:374)

ابن الأعرابيّ: الحزب:الجماعة من النّاس، و الجزب،بالجيم:النّصيب.

حمار حزابية،و هو الحمار الجلد.(الأزهريّ 4:375)

ابن السّكّيت: رجل حزاب و حزابية و زواز و زوازية،إذا كان غليظا إلى القصر ما هو.

(الأزهريّ 4:375)

ابن دريد :حزب الرّجل:الّذين يميلون إليه؛ و الجمع:الأحزاب.

و تحازب القوم،إذا مالأ بعضهم بعضا.

و حزبني الأمر،إذا اشتدّ عليّ،و الاسم:الحزابة.

و أمر حازب و حزيب،إذا كان شديدا.(1:220)

باب ما جاء على«فعّول».

فألحق بالخماسيّ للزّوائد و التّضعيف الّذي فيه،و هو مفتوح كلّه-إلاّ السّبّوح و القدّوس و الذّرّوح،و هو الطّائر السّمّ-.

...و حزّوب:اسم.(3:397)

و قيد حور:سيّئ الخلق.و حيزبون:العجوز الّتي فيها بقيّة شباب.و هذا يدخل في باب«فيعلون»و هو قليل لا أحسب في الكلام غيرهما.

و حمار حزابية:غليظ.(3:404)

الأزهريّ: [نقل قول اللّيث ثمّ قال:]

و قال غيره:ورد الرّجل من القرآن و الصّلاة:حزبه.

و الحزب:النّصيب.يقال:أعطني حزبي من المال، أي حظّي و نصيبي.(4:374)

و الحازب من الشّغل:ما نابك.(4:375)

الصّاحب: حزبني الأمر يحزبني حزبا،إذا نابك.

و أمر حازب و حزيب،أي شديد.

و الحزب:أصحاب الرّجل معه على رأيه و أمره؛ و الجميع:الأحزاب.

و تحزّب القوم:اجتمعوا فصاروا أحزابا.

و حزّبهم فلان و حازبته:كنت من حزبه.

و فلان يحازب لفلان،أي يعصب به و ينصره.

و هذيل تسمّي السّلاح:الحزب،تشبيها وسعة.

و الحزب:الورد من القرآن.

و الحيزبون:العجوز،و النّون زائدة،و هي من النّوق:الشّديدة.

و الحزباءة:أرض حزنة؛و الجميع:الحزابي.

و الحزابية في وصف الحمار:استدارة خلقه.

و ركب حزابية:ضخمة.(3:15)

ص: 668

الجوهريّ: حزب الرّجل:أصحابه.

و الحزب:الورد،و قد حزّبت القرآن.

و الحزب:الطّائفة.

و تحزّبوا:تجمّعوا.

و الأحزاب:الطّوائف الّتي تجتمع على محاربة الأنبياء عليهم السّلام.

و الحزابي:الغليظ القصير.يقال:رجل حزاب و حزابية أيضا،إذا كان غليظا إلى القصر.و الياء للإلحاق،كالفهامية و العلانية من الفهم و العلن.

و الحزباء:الأرض الغليظة،و الحزباءة أخصّ منه؛ و الجمع:الحزابي.و أصله مشدّد،كما قلنا في:الصّحاري.

و الحنزاب:جزر البرّ،و القسط:جزر البحر.

و الحنزاب أيضا مثل الحزابي؛و هو الغليظ القصير.

و حزبه أمر،أي أصابه.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(1:109)

ابن فارس: الحاء و الزّاء و الباء أصل واحد،و هو تجمّع الشّيء،فمن ذلك الحزب:الجماعة من النّاس.قال اللّه تعالى: كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ الرّوم:32.

و الطّائفة من كلّ شيء:حزب،يقال:قرأ حزبه من القرآن.

و الحزباء:الأرض الغليظة.

و الحزابية:الحمار المجموع الخلق.

و من هذا الباب الحيزبون:العجوز،و زادوا فيه الياء و الواو و النّون،كما يفعلونه في مثل هذا،ليكون أبلغ في الوصف الّذي يريدونه.(2:55)

ابن سيده: الحزب:جماعة النّاس؛و الجمع:

أحزاب.

و الأحزاب:جنود الكفّار،تألّبوا و تظاهروا على حزب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و هم:قريش و غطفان و بنو قريظة.

و حزب الرّجل:أصحابه و جنده الّذين على رأيه، و الجمع كالجمع.

و حازب القوم و تحزّبوا:صاروا أحزابا.

و حزّبهم:جعلهم كذلك.

و تحازبوا:مالأ بعضهم بعضا فصاروا أحزابا.

و مسجد الأحزاب معروف من ذلك.

أنشد ثعلب لعبد اللّه بن مسلم الهذليّ:

إذ لا يزالا غزال فيه يفتنني

يأوى إلى مسجد الأحزاب منتقبا

و حزبه الأمر يحزبه حزبا:نابه و اشتدّ عليه،و قيل:

ضغطه.و الاسم:الحزابة.

و أمر حازب و حزيب:شديد.

و الحزابي و الحزابية من الرّجال و الحمير:الغليظ إلى القصر ما هو؛و ركب حزابية:غليظ.

و الحزب و الحزباءة:الأرض الغليظة الشّديدة؛ و الجمع:حزباء.و حزابيّ.و حزّوب:اسم.(3:231)

الطّوسيّ: و تحزّب القوم،إذا اجتمعوا كالاجتماع على النّائبة.

و أرض حزبة:غليظة،و حمار حزابية:مجتمع الخلق غليظ.(3:566)

الرّاغب: الحزب:جماعة فيها غلظ،قال عزّ و جلّ:

أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً الكهف:12،

أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ المجادلة:19،و قوله

ص: 669

تعالى: وَ لَمّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ الأحزاب:

22،و عبارة عن المجتمعين لمحاربة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ المائدة:56،يعني أنصار اللّه،و قال تعالى: يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَ إِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ الأحزاب:

20،و بعيده: وَ لَمّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ.

(115)

الزّمخشريّ: هؤلاء حزبي،و هم أحزابي، و دخلت عليه و عنده الأحزاب.

و حزّب قومه فتحزّبوا،أي صاروا طوائف.

و فلان يحازب فلانا:ينصره و يعاضده.[ثمّ استشهد بشعر]

و حزبه أمر،و أصابته الحوازب.

و من المجاز:قرأ حزبه من القرآن،و كم حزبك؟و هو الطّائفة الّتي وظّفها على نفسه يقرؤها،و حزّب القرآن:

جعله أحزابا.(أساس البلاغة:82)

المدينيّ: في الحديث:«أنّه كان إذا حزبه أمر صلّى»أي أصابه.(1:439)

ابن الأثير: في الحديث:«طرأ عليّ حزبي من القرآن فأحببت أن لا أخرج حتّى أقضيه».الحزب:ما يجعله الرّجل على نفسه من قراءة أو صلاة كالورد.

و الحزب:النّوبة في ورود الماء.

و منه حديث أوس بن حذيفة:«سألت أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:كيف تحزّبون القرآن؟».

و فيه:«اللّهمّ اهزم الأحزاب و زلزلهم».الأحزاب:

الطّوائف من النّاس،جمع:حزب بالكسر.

و منه حديث ذكر يوم الأحزاب،و هو غزوة الخندق،و قد تكرّر ذكرها في الحديث.

و فيه:«...إذا حزبه أمر صلّى»أي نزل به مهمّ،أو أصابه غمّ.

و منه حديث عليّ: «نزلت كرائه الأمور و حوازب الخطوب»جمع حازب،و هو الأمر الشّديد.

و منه حديث ابن الزّبير:«يريد أن يحزّبهم»أي يقوّيهم و يشدّ منهم،أو يجعلهم من حزبه،أو يجعلهم أحزابا.و الرّواية بالجيم و الرّاء،و قد تقدّم.

و منه حديث الإفك:«و طفقت حمنة تحازب لها» أي تتعصّب و تسعى سعي جماعتها الّذين يتحزّبون لها.

و المشهور بالحاء و الرّاء،من الحرب.

و منه حديث الدّعاء:«اللّهمّ أنت عدّتي إن حزبت».

و يروى بالرّاء بمعنى سلبت،من الحرب.(1:376)

الفيّوميّ: الحزب:الطّائفة من النّاس؛و الجمع:

أحزاب.

و تحزّب القوم:صاروا أحزابا.

و يوم الأحزاب:هو يوم الخندق.

و الحزب:الورد يعتاده الشّخص من صلاة و قراءة و غير ذلك.

و الحزب:النّصيب.و حزبهم أمر يحزبهم،من باب قتل:أصابهم.(133)

الفيروزآباديّ: الحزب،بالكسر:الورد، و الطّائفة،و السّلاح.و جماعة النّاس؛و الأحزاب:جمعه، و جمع كانوا تألّبوا و تظاهروا على حرب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و جند الرّجل و أصحابه الّذين على رأيه. إِنِّي

ص: 670

أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ المؤمن:30،هم قوم نوح و عاد و ثمود و من أهلكه اللّه من بعدهم.

و حازبوا و تحزّبوا:صاروا أحزابا،و قد حزّبتهم تحزيبا.

و حزبه الأمر:نابه و اشتدّ عليه،أو ضغطه.

و الاسم:الحزابة بالضّمّ.و الحزب أيضا:كالمصدر.

و أمر حازب و حزيب:شديد،الجمع:حزب.

و الحزابي،و الحزابية مخفّفتين:الغليظ إلى القصر كالحنزاب بالكسر.

و الحزب و الحزباءة،بكسرهما:الأرض الغليظة؛ الجمع:حزباء و حزابيّ.

و أبو حزابة بالضّمّ:الوليد بن نهيك...

و كتنّور:اسم.

و حازبته:كنت من حزبه.

و الحنزاب،بالكسر:الدّيك،و جزر البرّ،و ضرب من القطا.

و ذات الحنزاب:موضع.

و الحنزوب،بالضّمّ:نبات.(1:56)

الطّريحيّ: الحزب،بالكسر فالسّكون:الطّائفة و جماعة النّاس؛و الأحزاب:جمعه.

و حزب الشّيطان:جنوده.

و يوم الأحزاب:يوم اجتماع قبائل العرب على قتال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و هو يوم الخندق.

فالأحزاب:عبارة عن القبائل المجتمعة لحرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و كانت قريش قد أقبلت في عشرة آلاف من الأحابيش و من كنانة و أهل تهامة،و قائدهم أبو سفيان،و غطفان في ألف،و هوازن و بني قريظة و النّضير.[و هو سهو لجلائهم قبل الأحزاب]

«و هزم الأحزاب وحده»و ذلك يوم الخندق،و هو أنّه تعالى أرسل عليهم ريح الصّبا في ليلة شاتية فأحصرتهم،و صفّت التّراب في وجوههم و أطفأت النّيران،و كفّت القدور و قلعت الأوتاد،و بعث ألفا من الملائكة في ذوائب عسكرهم،فماجت الخيل بعضها في بعض،و قذف في قلوبهم الرّعب،فانهزموا من غير قتال.(2:38)

مجمع اللّغة :الحزب:كلّ طائفة جمعهم الاتّجاه إلى غرض واحد؛و جمعه:أحزاب.(1:252)

محمّد إسماعيل إبراهيم:تحزّب القوم:تجمّعوا و صاروا أحزابا.

و الحزب:الجماعة من النّاس،تشاكلت قلوبهم و أعمالهم و إن لم يلق بعضهم بعضا.

و الحزب:القسم من القرآن.(1:131)

المصطفويّ: إنّ الأصل الواحد فيها هو التّجمّع إذا كان على رأي واحد و هدف واحد.

فيقال:هؤلاء حزب اللّه و حزب الدّين و حزب القرآن و حزب الكفر و حزب الشّيطان.و لا يقال:

جماعة اللّه و جماعة الدّين،إذا لم يكن بينهم أمر جامع، يميّزهم و يختصّ بهم؛و كذلك الطّائفة.

و أمّا الورد و النّصيب،فباعتبار كونها مجتمعين على نظر و غرض واحد.

و أمّا الضّغطة و الشّدّة و الغلظة،فهي من لوازم التّحزّب،و لا يبعد أن يكون قولهم:حزب يحزب من

ص: 671

باب الاشتقاق الانتزاعيّ.

و يدلّ على هذا المعنى استعماله في القرآن الكريم في تلك الموارد و على هذه القيود.[ثمّ ذكر الآيات:المجادلة:

19،و الرّوم:32،و الزّخرف:65]

و أمّا القيد في مفهوم الجماعة،فهو الاجتماع في مورد واحد.و في القوم:قيد القيام بأمرهم من جانب من في رأسهم.و في الطّائفة:قيد طوافهم و رجوعهم إليه.فلا بدّ من ملاحظة هذه القيود في مقام الاستعمال.

فظهر لطف التّعبير بهذه الكلمة في موارد استعمالها.

(2:222)

النّصوص التّفسيريّة

حزب

1- وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ. المائدة:56

ابن عبّاس: جند اللّه.(96)

مثله الحسن.(الطّوسيّ 3:566) أبو العالية :شيعة اللّه.(الفخر الرّازيّ 12:32)

الأخفش: حزب اللّه:الّذين يدينون بدينه و يطيعونه،فينصرهم.(الفخر الرّازيّ 12:32)

الطّبريّ: و الحزب:هم الأنصار،و يعني بقوله:

فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ فإنّ أنصار اللّه.[ثمّ استشهد بشعر](6:289)

الواحديّ: [ذكر قول الحسن و أضاف:]

و قال أبو روق:أولياء اللّه.(2:202)

البغويّ: يعني أنصار دين اللّه.(2:64)

مثله الميبديّ.(3:153)

الزّمخشريّ: إقامة الظّاهر مقام المضمر،و معناه:

فإنّهم هم الغالبون،و لكنّهم بذلك جعلوا أعلاما،لكونهم حزب اللّه.و أصل الحزب:القوم يجتمعون لأمر حزبهم.

و يحتمل أن يريد ب حِزْبَ اللّهِ الرّسول و المؤمنين.(1:624)

ابن عطيّة: و الحزب:الصّاغية و المنتمون إلى صاحب الحزب،و المعاونون فيما يحزب.(2:209)

الفخر الرّازيّ: الحزب في اللّغة:أصحاب الرّجل، الّذين يكونون معه على رأيه،و هم القوم الّذين يجتمعون لأمر حزبهم.

و للمفسّرين عبارات:[ثمّ نقل قول الحسن و أبي العالية و الأخفش و أبي روق]

قوله: فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ جملة واقعة موقع خبر المبتدإ،و العائد غير مذكور لكونه معلوما، و التّقدير:فهو غالب لكونه من جند اللّه و أنصاره.

(12:32)

القرطبيّ: و المؤمنون:حزب اللّه،فلا جرم غلبوا اليهود بالسّبي و القتل و الإجلاء و ضرب الجزية.

(6:223)

الشّربينيّ: أي فإنّهم هم الغالبون.و لكن وضع الظّاهر موضع المضمر،إظهارا لما شرّفهم به،ترغيبا لهم في ولايته،و تشريفا لهم بهذا الاسم،فكأنّه قيل:و من يتولّ هؤلاء فإنّهم حزب اللّه و حزب اللّه هم الغالبون، و تعريضا بمن يوالي هؤلاء بأنّه حزب الشّيطان.

ص: 672

(1:382)

أبو السّعود :أوثر الإظهار على أن يقال:و من يتولّهم،رعاية لما مرّ من نكتة بيان أصالته تعالى في الولاية،كما ينبئ عنه قوله تعالى: فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ حيث أضيف«الحزب»إليه تعالى خاصّة، و هو أيضا من باب وضع الظّاهر موضع الضّمير العائد إلى(من)أي فإنّهم الغالبون.

لكنّهم جعلوا حزب اللّه تعالى تعظيما لهم،و إثباتا لغلبتهم بالطّريق البرهانيّ،كأنّه قيل:و من يتولّ هؤلاء فإنّهم حزب اللّه،و حزب اللّه هم الغالبون.(2:289)

الآلوسيّ: [مثل أبي السّعود و أضاف:]

و الجملة دليل الجواب عند كثير من المعربين.

(6:171)

الطّباطبائيّ: و«الحزب»على ما ذكره الرّاغب:

جماعة فيها غلظ،و قد ذكر اللّه سبحانه حزبه في موضع آخر من كلامه،قريب المضمون من هذا الموضع، و وسمهم بالفلاح،فقال: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ إلى أن قال: أُولئِكَ حِزْبُ اللّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ المجادلة:22.(6:15)

مكارم الشّيرازيّ: و تشتمل هذه الآية أيضا على قرينة أخرى،تؤكّد المعنى الّذي ذكرناه-في تفسير الآية السّابقة-لكلمة«الولاية»و هو الإشراف و التّصرّف و الزّعامة،لأنّ عبارة(حزب اللّه)و التّأكيد أنّ الغلبة تكون لهذا الحزب-في الآية-لهما صلة بالحكومة الإسلاميّة،و لا علاقة لهما بقضيّة الصّداقة الّتي هي أمر بسيط و عاديّ.

و هذا يؤكّد بنفسه أنّ الولاية-الواردة في الآية- تعني الإشراف و الحكم و القيادة الخاصّة بالإسلام و المسلمين،لأنّ معنى«الحزب»يتضمّن التّنظيم و التّضامن و الاجتماع،لتحقيق أهداف مشتركة.

و يجب الانتباه إلى نقطة مهمّة،و هي أنّ المراد بعبارة (الّذين آمنوا)الواردة في هذه الآية ليسوا جميع الأفراد المؤمنين،بل ذلك الشّخص الّذي ذكر في الآية السّابقة و أشير إليه بأوصاف معيّنة.

أمّا قضيّة الغلبة أو الانتصار الّذي كفلته الآية لحزب اللّه،فهل هو الانتصار المعنويّ وحده أم يشمل الانتصار على كلّ الأصعدة و في جميع المجالات المادّيّة و المعنويّة؟

لا شكّ أنّ الإطلاق الّذي تتّصف به الآية الكريمة، يدلّ على الانتصار الشّامل في جميع الجبهات،و بديهيّ أنّ أيّ جماعة تنضوي تحت لواء حزب اللّه-أي تتحلّى بالإيمان القويّ و تلتزم التّقوى و تدأب على العمل الصّالح و تسعى إلى الاتّحاد و التّكافل و التّضامن و تتمتّع بالوعي الكافي-فهي لا شكّ ستنال النّصر في كلّ المجالات و على جميع الأصعدة.

و العجز الّذي نشهده اليوم بين المسلمين عن نيل مثل هذا الانتصار،له دليل واضح هو افتقارهم-في الغالب-إلى الصّفات الّتي ذكرناها أعلاه،و الّتي هي صفات الأفراد المنضوين تحت لواء حزب اللّه،و لذلك فهم بدلا من أن يستخدموا قواهم و طاقاتهم في طرد الأعداء،و حلّ مشاكلهم الاجتماعيّة،يصرفون هذه القوى في إضعاف بعضهم البعض.(4:56)

فضل اللّه :و جاءت الآية الثّانية لتؤكّد جانب

ص: 673

الممارسة،بعد أن أكّدت الآية الأولى جانب الخطّ، وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا و يتحرّك في خطّ الولاية الصّحيح فيلتزم به،و يترك الخطّ المزيّف، فسيجد كلّ الخير و الهدى و العدل و الصّلاح و القوّة و الغلبة،في هذا الجانب الّذي يمثّل حزب اللّه في كلّ ما يحتمل من شعارات،و يتّجه إليه من أهداف.

و إذا سار النّاس في هذا الطّريق،و عاشوا الانتماء إلى حزب اللّه،فسيكون لهم النّصر و الغلبة على الآخرين فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ بفكرهم،و إخلاصهم، و ثباتهم،و صمودهم،أمام التّحدّيات الصّعبة في السّاحة.(8:230)

2- اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ.

المجادلة:19

ابن عبّاس: جند الشّيطان.(462)

الطّبريّ: يعني جنده و أتباعه.(28:25)

و جاء بهذا المعنى في أكثر التّفاسير.

3- أُولئِكَ حِزْبُ اللّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ. المجادلة:22

الطّبريّ: أولئك الّذين هذه صفتهم جند اللّه و أولياؤه.(28:27)

نحوه الطّوسيّ(9:557)،و الشّربينيّ(4:236).

الزّجّاج: أي الّذين لا يوادّون من حادّ اللّه و رسوله و من المؤمنين،و حزب اللّه أي الدّاخلون في الجمع الّذي اصطفاه اللّه و ارتضاه.(5:142)

الماورديّ: فيهم وجهان:

أحدهما:أنّهم من عصبة اللّه،فلا تأخذهم لومة لائم.

الثّاني:أنّهم أنصار حقّه و دعاة خلقه،و هو محتمل.(5:496)

الميبديّ: أنصار حقّه و دعاة خلقه...روي أنّ داود عليه السّلام قال:إلهي من حزبك؟فأوحى اللّه إليه:يا داود الغاضّة أبصارهم،النّقيّة قلوبهم،السّليمة أكفّهم، أولئك حزبي و حول عرشي.(10:26)

الطّبرسيّ: أي جند اللّه و أنصار دينه و دعاة خلقه.

(5:255)

الفخر الرّازيّ: لمّا عدّد هذه النّعم ذكر الأمر الرّابع من الأمور الّتي توجب ترك الموادّة مع أعداء اللّه،فقال:

أُولئِكَ حِزْبُ اللّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، و هو في مقابلة قوله فيهم: أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ المجادلة:19.

(29:277)

أبو السّعود :قوله تعالى: أُولئِكَ حِزْبُ اللّهِ تشريف لهم ببيان اختصاصهم به عزّ و جلّ،و قوله تعالى: أَلا إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ بيان لاختصاصهم بالفوز بسعادة الدّارين،و الفوز بسعادة النّشأتين،و الكلام في تحلية الجملة بفنون التّأكيد،كما مرّ في مثلها.(6:221)

نحوه الآلوسيّ.(28:36)

سيّد قطب :فهم جماعته المجتمعة تحت لوائه،

ص: 674

المتحرّكة بقيادته،المهتدية بهديه،المحقّقة لمنهجه، الفاعلة في الأرض ما قدره و قضاه؛فهي قدر من قدر اللّه.

(6:3515)

الطّباطبائيّ: قوله:(حزب اللّه)تشريف لهؤلاء المخلصين في إيمانهم بأنّهم حزبه تعالى،كما أنّ أولئك المنافقين الموالين لأعداء اللّه حزب الشّيطان،و هؤلاء مفلحون،كما أنّ اولئك خاسرون.و في قوله: أَلا إِنَّ حِزْبَ اللّهِ وضع الظّاهر موضع الضّمير،ليجري الكلام مجرى المثل السّائر.(19:197)

المصطفويّ: أُولئِكَ حِزْبُ اللّهِ... فإنّهم منتسبون إلى الحقّ و تجمّعهم على الحقيقة،و لا يمكن للحقّ أن يزول أو يتغيّر.

أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ المجادلة:

19،فإنّهم منحرفون عن صراط الحقّ و سالكون على سبيل الغيّ و على ضلال.

و أمّا خسارة حزب الشّيطان في الدّنيا:فأوّلا:أنّ حياة الإنسان لا تنقطع بالموت بل تمتدّ إلى دوام الآخرة، فلازم لنا أن نحاسب الفلاح و الخسارة في طول مطلق الحياة لا في الدّنيا فقط.

و ثانيا:أنّ الخسارة تلاحظ بالنّسبة إلى مجموع وجود الإنسان بدنه و روحه،ظاهره و باطنه.

و ثالثا:أنّ حزب الشّيطان يرون نتائج أعمالهم و يجزون في هذه الدّنيا أيضا،و هم غافلون.(2:222)

مكارم الشّيرازيّ: العلامة الأساسيّة لحزب اللّه و حزب الشّيطان:

لقد أشير في القرآن الكريم إلى حزب اللّه بآيتين:

هذه الآية،و الآية:56،من سورة المائدة،و قد أشار في آية واحدة إلى حزب الشّيطان،و في كلا الآيتين اللتين تحدّث فيهما عن حزب اللّه،أكّد مسألة الحبّ في اللّه و البغض في اللّه،و موالاة أهل الحقّ.

ففي آية سورة المائدة و بعد بيان مسألة الولاية و الحكم و وجوب طاعة اللّه و طاعة الرّسول،و طاعة الّذين أعطوا الزّكاة في صلاة-الإمام عليّ عليه السّلام-يقول سبحانه: وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ المائدة:56.

و في الآيات هنا أيضا أكّد سبحانه قطع«الودّ»مع أعداء اللّه.و بناء على هذا،فإنّ خطّ حزب اللّه هو نفس خطّ الولاية،و الانفصال عنه انفصال عن خطّ اللّه و رسوله و أوصيائه.

و في المقابل عند ما يصف حزب الشّيطان،الّذي أشير إليه في الآيات في هذه السّورة،فإنّ أهمّ ميزة له هي النّفاق و عداء الحقّ و الكذب و المكر،و نسيان ذكر اللّه.

و النّقطة الجديرة بالذّكر هنا قوله سبحانه: فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ و في مورد آخر يقول: أَلا إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ و بالنّظر إلى أنّ الفلاح يقترن دائما بالنّصر و الغلبة،لذا فإنّ معنى الآيتين واحد مع وجود قيد،هو أنّ للفلاح مفهوما أعمق من مفهوم الغلبة،لأنّه يشخّص مسألة الوصول إلى الهدف أيضا.

على عكس حزب الشّيطان؛حيث وصفهم سبحانه بالانكسار و الخيبة و عدم الموفّقيّة في برامجهم،و التّخلّف عن أهدافهم.(18:145)

فضل اللّه :الّذين يؤكّدون انتماءهم إلى اللّه من خلال التزامهم بمواقع رضاه،و ابتعادهم عن مواقع سخطه،

ص: 675

و انطلاقهم في الحياة كلّها على مستوى الكلمات و الأفعال و العلاقات و الأهداف،من منطلق الإيمان به و الرّفض لغيره.و هذا هو خطّ حزب اللّه الّذي يقابله حزب الشّيطان في ما يعنيه الانتماء إلى نهج الشّيطان و السّير على خطواته،و الارتباط بأهدافه.

و على ضوء ذلك،فلا بدّ في الانتماء إلى حزب اللّه -كعنوان من عناوين الحركة و الانطلاق-من الالتزام الفكريّ و العمليّ بالإسلام،بتأكيد الخطّ الفاصل الّذي يفصل الإنسان عن غير الإسلام؛و ذلك بالتّدقيق في النّهج و الخطّ و الحركة و النّتائج،و الولاية للّه و رسوله و أوليائه،فذلك هو الأساس في صدق الانتماء.

فلا يكفي لتأكيد صدق الانتماء إلى حزب اللّه،الانتماء إلى الإسلام بالمعنى البسيط الرّسميّ الّذي يدخل به الإنسان إلى الإسلام،ذلك أنّ الفارق فيما بينهما تماما كما هو الفارق بين الإسلام و الإيمان،فيما يختلف به المسلم عن المؤمن في ما أشارت به الآية الكريمة في سورة الحجرات:14،في قوله تعالى: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ.

فإذا كان الإنسان مسلما،و ارتبط بخطّ أعداء اللّه في المسألة الثّقافيّة و الاجتماعيّة و الاقتصاديّة و السّياسيّة،ليقتصر دوره الإسلاميّ على المسألة العباديّة بمعناها السّاذج،لتكون النّتائج النّهائيّة لأعداء الإسلام،فهو من حزب الشّيطان لا من حزب اللّه،لأنّ التّحزّب للشّيطان لا يعني الكفر دائما،بل قد يعني الانتساب إلى الإسلام في جانب،و الالتزام بالمواقف الشّيطانيّة في الخطّ العمليّ في جانب آخر،كما استوحيناه في ما حدّثنا اللّه به عن المنافقين الّذين هم حزب الشّيطان الخاسرون.

و على هذا الأساس،فإنّ المؤمنين المتّقين هم حزب اللّه الّذين يشملهم اللّه بعين رعايته و عنايته.(22:89)

4- كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ. المؤمنون:53

مجاهد :كلّ قطعة،و هم أهل الكتاب.

(الطّبريّ 18:30)

الطّبريّ: كلّ فريق من تلك الأمم بما اختاروه لأنفسهم من الدّين و الكتب(فرحون)معجبون به، لا يرون أنّ الحقّ سواه.(18:30)

نحوه ابن عطيّة(4:147)،و الطّبرسيّ(4:109)، و الفخر الرّازيّ(23:104)،و النّيسابوريّ(18:24).

الطّوسيّ: أي كلّ طائفة بما عندها تفرح لاعتقادها،بأنّ الحقّ معها.(7:375)

الزّمخشريّ: أي كلّ فرقة من فرق هؤلاء المختلفين المتقطّعين دينهم،فرح بباطله،مطمئنّ النّفس معتقد أنّه على الحقّ.(3:34)

الشّربينيّ: أي فرقة من المتحزّبين.(2:583)

البروسويّ: أي جماعة من أولئك المتحزّبين.

(6:89)

و بهذا المعنى جاء:

4- وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ* مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَ كانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ.

الرّوم:31،32.

ص: 676

حزبه

إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ. فاطر:6

ابن عبّاس: أهل دينه و طاعته.(364)

الطّبريّ: يعني شيعته و من أطاعه.(22:117)

مثله الزّمخشريّ.(3:301)

الطّوسيّ: أي أصحابه و جنده،و هم الّذين يقبلون منه و يتّبعونه.(8:414)

القشيريّ: و(حزبه)هم المعرضون عن اللّه، المشتغلون بغير اللّه،الغافلون عن اللّه.و دليل هذا الخطاب:إنّ الشّيطان عدوّكم فأبغضوه و اتّخذوه عدوّا، و أنا وليّكم و حبيبكم فأحبّوني و ارضوا بي حبيبا.

(5:193)

البغويّ: أي أشياعه و أولياءه.(3:688)

مثله الميبديّ(8:163)،و نحوه القرطبيّ(14:

324).

ابن عطيّة: و الحزب:الحاشية و الصّاغية.

(4:430)

الطّبرسيّ: أي أتباعه و أولياءه و أصحابه.

(4:401)

نحوه البروسويّ.(7:319)

الشّربينيّ: أي الّذين يوسوس لهم فيعرّضهم لاتّباعه،و الإعراض عن اللّه تعالى.(3:313)

مكارم الشّيرازيّ: «الحزب»في الأصل بمعنى الجماعة و المجموعة الّتي لها فعّاليّة،و لكنّها تطلق عادة على كلّ مجموعة تتّبع برنامجا و هدفا خاصّا.و المقصود بحزب الشّيطان:أتباعه.

طبيعيّ أنّ الشّيطان لا يمكنه إدخال أحد ليكون عضوا رسميّا في حزبه،ثمّ يقودهم إلى جهنّم،فأعضاء حزبه هم أولئك الّذين يتّصفون بالصّفات الّتي عرض القرآن لذكرها في آيات أخرى:

فهم الّذين طوّقوا أنفسهم بطوق العبوديّة للشّيطان إِنَّما سُلْطانُهُ عَلَى الَّذِينَ يَتَوَلَّوْنَهُ النّحل:100.

و هم الّذين اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ المجادلة:19.

و الملفت للنّظر أنّه قد تعرّض القرآن الكريم لذكر (حزب اللّه)في ثلاثة مواضع،و كذلك تعرّض لذكر (حزب الشّيطان)في ثلاثة مواضع أيضا،حتّى يتّضح من هم أولئك الّذين يقيّدون أسماءهم في حزب اللّه،و من هم الأعضاء الرّسميّون لحزب الشّيطان؟.

و لكن من الطّبيعيّ أنّ الشّيطان يدعو حزبه إلى المعاصي و الذّنوب،و لوث الشّهوات إلى الشّرك و الطّغيان و الاضطهاد،و بالنّتيجة إلى جهنّم و بئس المصير.(14:24)

فضل اللّه :من كلّ هذه الجماعات الّتي تطيعه و تخضع له،و تنفّذ كلّ خططه.(19:84)

الحزبين

ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً. الكهف:12

ص: 677

ابن عبّاس: أيّ الفريقين:المؤمنون و الكافرون.

(244)

مجاهد :إنّ الحزبين هما المختلفان في أمرهم من قوم الفتية.(الماورديّ 3:289)

السّدّيّ: من اليهود و النّصارى.الّذي علّموا قريشا السّؤال عن أهل الكهف و عن الخضر و عن الرّوح،و كانوا قد اختلفوا في مدّة إقامة أهل الكهف في الكهف.(أبو حيّان 6:103)

الفرّاء: يقال:إنّ طائفتين من المسلمين في دهر أصحاب الكهف اختلفوا في عددهم،و يقال:اختلف الكفّار و المسلمون.(2:136)

الطّبريّ: أي الطّائفتين اللّتين اختلفتا في قدر مبلغ مكث الفتية في كهفهم رقودا.(15:206)

مثله الطّوسيّ(7:13)،و البغويّ(3:182).

أبو مسلم الأصفهانيّ: الحزبان:اللّه،و الخلق.

(أبو حيّان 6:104)

الماورديّ: و في الحزبين أربعة أقاويل:

أحدها:[قول مجاهد و قد تقدّم]

الثّاني:أنّ أحد الحزبين الفتية،و الثّاني من حضرهم من أهل ذلك الزّمان.

الثّالث:أنّ أحد الحزبين مؤمنون،و الآخر كفّار.

الرّابع:أنّ أحد الحزبين اللّه تعالى،و الآخر الخلق، و تقديره:أنتم أعلم أم اللّه.(3:289)

الميبديّ: يقال:هما معا من أصحاب الكهف تحزّبوا حين انتبهوا،و اختلفوا كم لبثوا.(5:650)

الزّمخشريّ: أَيُّ الْحِزْبَيْنِ المختلفين منهم في مدّة لبثهم،لأنّهم لمّا انتبهوا اختلفوا في ذلك...أو أيّ الحزبين المختلفين من غيرهم.(2:473)

ابن عطيّة: و الحزبان:الفريقان.و الظّاهر من الآية:أنّ الحزب الواحد هم الفتية؛إذ ظنّوا لبثهم قليلا، و الحزب الثّاني هم أهل المدينة الّذين بعث الفتية على عهدهم،حين كان عندهم التّاريخ بأمر الفتية،و هذا قول الجمهور من المفسّرين.

و قالت فرقة:هما حزبان من الكافرين،اختلفا في مدّة أصحاب الكهف.

و قالت فرقة:هما حزبان من المؤمنين،و هذا لا يرتبط من ألفاظ الآية.(3:500)

نحوه القرطبيّ.(10:364)

الطّبرسيّ: و المعنى لننظر أيّ الحزبين من المؤمنين و الكافرين من قوم أصحاب الكهف عدّ أمد لبثهم و علم ذلك...

و قيل:يعني بالحزبين أصحاب الكهف،لمّا استيقظوا اختلفوا في تعداد لبثهم،و ذلك قوله: وَ كَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ الكهف:19.(3:452)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في الحزبين،فقال عطاء عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:المراد بالحزبين:الملوك الّذين تداولوا المدينة ملكا بعد ملك،فالملوك حزب و أصحاب الكهف حزب.

و القول الثّاني:قال مجاهد:الحزبان من هذه الفتية، لأنّ أصحاب الكهف لمّا انتبهوا اختلفوا في أنّهم كم ناموا، و الدّليل عليه قوله تعالى: قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ

ص: 678

الكهف:19،فالحزبان هما هذان،و كان الّذين قالوا:

رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ هم الّذين علموا أنّ لبثهم قد تطاول.

القول الثّالث:[هو قول الفرّاء].(21:84)

النّيسابوريّ: أصحاب الخلوة أم أصحاب السّلوة.

(15:124)

أبو حيّان :[نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

كلّها أقوال مضطربة.(6:104)

الشّربينيّ: أيّ الفريقين المختلفين في مدّة لبثهم أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً. (2:354)

مثله أبو السّعود(4:172)،و البروسويّ(5:220).

الآلوسيّ: أي منهم،و هم القائلون:لبثنا يوما أو بعض يوم،و القائلون: رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ [و نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

و الظّاهر هو الأوّل،لأنّ اللاّم للعهد،و لا عهد لغير من سمعت.(15:212)

الطّباطبائيّ: و المراد بالحزبين:الطّائفتان من أصحاب الكهف،حين سأل بعضهم بعضا بعد البعث قائلا: كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ على ما يفيده قوله تعالى في الآيات التّالية: وَ كَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ إلخ.

و أمّا قول القائل:إنّ المراد بالحزبين:الطّائفتان،من قومهم:المؤمنون و الكافرون،كأنّهم اختلفوا في أمد لبثهم في الكهف،بين مصيب في إحصائه و مخطئ،فبعثهم اللّه تعالى ليبيّن ذلك و يظهر،و المعنى أيقظناهم ليظهر أيّ الطّائفتين المختلفتين من المؤمنين و الكافرين في أمد لبثهم مصيبة في قولها،فبعيد.(13:249)

مكارم الشّيرازيّ: أَيُّ الْحِزْبَيْنِ إشارة لشيء سنتحدّث عنه أثناء تفسير الآيات اللاّحقة؛حيث إنّهم بعد يقظتهم اختلفوا في مقدار نومهم،فالبعض قال:

يوما،و البعض الآخر قال:نصف يوم،في حين أنّهم كانوا نائمين لسنين طويلة.

أمّا قول البعض:بأنّ هذا التّعبير هو شاهد على أنّ أصحاب الكهف هم غير أصحاب الرّقيم،فهذا كلام بعيد للغاية و لا يحتاج لمزيد توضيح.(9:185)

فضل اللّه :أي ليظهر-من خلال ذلك-الفريق الأكثر دقّة في إحصاء السّنين الّتي لبثوها في هذا النّوم الطّويل.و من الممكن أن تكون الإشارة إلى النّاس الّذين اختلفوا في أمرهم،و من القريب أن تكون الإشارة إلى أصحاب الكهف الّذين وقع الخلاف بينهم في تحديد المدّة.

و ربّما كان المراد من نسبة العلم إلى اللّه،كنتيجة لبعثهم من رقدتهم،إظهار ما يعلمه اللّه من ذلك،و قد يكون ذلك من خلال الدّراهم الّتي كانت معهم،كما يذكره بعض المفسّرين.(14:282)

الاحزاب

1- ..وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنّارُ مَوْعِدُهُ...

هود:17

ابن عبّاس: من جميع الكفّار.(183)

ص: 679

سعيد بن جبير:من الملل كلّها.(الطّبريّ 12:19)

نحوه البغويّ.(2:443)

قتادة :الكفّار أحزاب كلّهم على الكفر.

(الطّبريّ 12:19)

اليهود و النّصارى.(الطّبريّ 12:20)

السّدّيّ: قريش.(أبو حيّان 5:211)

مقاتل:يعني ابن أميّة و ابن المغيرة،و ابن عبد اللّه المخزوميّ،و آل أبي طلحة بن عبد العزّى.(2:276)

الفرّاء: يقال:من أصناف الكفّار،و يقال:إنّ كلّ كافر حزب.(2:8)

الطّبريّ: و هم المتحزّبة على مللهم فالنّار موعده، إنّه يصير إليها في الآخرة بتكذيبه.(12:18)

الماورديّ: فيهم قولان:أحدهما:أنّهم أهل الأديان كلّها،لأنّهم يتحزّبون،قاله سعيد بن جبير.

الثّاني:هم المتحزّبون على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،المجتمعون على محاربته.

و في المراد بهم ثلاثة أوجه:[و ذكر أقوال السّدّيّ و قتادة و سعيد بن جبير](2:462)

الطّوسيّ: الّذين اجتمعوا على عداوته.(5:529)

الميبديّ: من الكفّار الّذين تحزّبوا و اجتمعوا على رسول اللّه و عدوانه،من اليهود و النّصارى و المجوس و سائر الملل.(4:376)

نحوه الفخر الرّازيّ.(17:203)

الزّمخشريّ: يعني أهل مكّة و من ضامّهم من المتحزّبين على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(2:263)

نحوه الآلوسيّ(12:29)،و المراغيّ(12:19)، و أبو السّعود(3:297).

ابن عطيّة: (الاحزاب)هاهنا يراد به جميع الأمم.(3:158)

الطّبرسيّ: من مشركي العرب و فرق الكفّار، كاليهود و النّصارى و غيرهم.(3:150)

النّيسابوريّ: يعني أهل مكّة و من انحاز معهم، كاليهود و النّصارى و المجوس.(12:15)

نحوه الشّربينيّ.(2:50)

البروسويّ: أي حزب أهل الكتاب و حزب الكفّار و حزب المنافقين و إن زعموا أنّهم مسلمون،لأنّ الإسلام بدعوى اللّسان فحسب،و إنّما يحتاج مع دعوى اللّسان إلى صدق الجنان و عمل الأركان.(4:111)

القاسميّ: الاحزاب:جمع حزب،و الحزب جماعة النّاس.و يطلق(الاحزاب)على من تألّبوا على حرب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و كذا كلّ نبيّ قبله.و هو إطلاق شرعيّ و عليه حمل الأكثر الآية،لكون السّورة مكّيّة إلاّ أنّ اللّفظ يتناوله،و كلّ من شاكلهم من سائر الطّوائف.

(9:3424)

عزّة دروزة :(الاحزاب)تعني الفئات العديدة الّتي تتجمّع لمقصد مشترك و تتحزّب له،و هي هنا و في الأماكن الأخرى من القرآن عنت الفئات الّتي تحزّبت ضدّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.(4:65)

عبد الكريم الخطيب :و(الاحزاب):جمع حزب،و هم طوائف الضّالّين،من كلّ بيت و من كلّ قبيلة؛إذ ألّف بينهم الضّلال،فجمع أحزابهم الّتي تحزّبت،و اجتمعت على الوقوف في وجه الدّعوة الّتي

ص: 680

يدعو إليها رسول اللّه.(6:1120)

فضل اللّه :(الاحزاب)المتمثّلة في جماعات الكفر و الشّرك و الضّلال.(12:43)

2- وَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ مِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ... الرّعد:36

ابن عبّاس: يعني اليهود.(209)

و(الاحزاب):بقيّة أهل الكتاب و سائر المشركين.

(الطّبرسيّ 3:296)

مجاهد :من أهل الكتاب.(الطّبريّ 13:164)

قتادة :يعني اليهود و النّصارى.

(الطّبريّ 13:164)

ابن زيد :(الاحزاب):الأمم:اليهود و النّصارى و المجوس،منهم من آمن به،و منهم من أنكره.

(الطّبريّ 13:164)

نحوه الحسن و مجاهد و قتادة(الطّبرسيّ 3:296)، و الطّوسيّ(6:260).

الطّبريّ: و من أهل الملل المتحزّبين عليك،و هم أهل أديان شتّى،من ينكر بعض ما أنزل إليك.

(13:164)

الماورديّ: فيهم قولان:

أحدهما:[قول ابن زيد المتقدّم]

الثّاني:أنّهم كفّار قريش.(3:116)

القشيريّ: أي الأحزاب الّذين قالوا:كان محمّد يدعو إلى إله واحد،فالآن هو ذا يدعو إلى إلهين،لمّا نزل:

قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ الإسراء:110.

(3:233)

البغويّ: يعني الكفّار الّذين تحزّبوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و هم اليهود و النّصارى.(3:25)

الميبديّ: و قيل: مِنَ الْأَحْزابِ هم الّذين تحزّبوا على رسول اللّه،أي اجتمعوا على عداوته،و هم المشركون.(5:204)

الزّمخشريّ: يعني و من أحزابهم و هم كفرتهم الّذين تحزّبوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بالعداوة،نحو كعب بن الأشرف و أصحابه،و السّيّد و العاقب أسقفي نجران و أشياعهما.(2:362)

مثله أبو حيّان(5:396)،و أبو السّعود(3:462)، و البروسويّ(4:382)

ابن عطيّة: قالت فرقة:هم أحزاب الجاهليّة من العرب.(3:316)

النّيسابوريّ: [التّأويل]النّفس و الهوى و القوى.

(13:98)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:المراد بالموصول:مطلق المسلمين و ب(الاحزاب):اليهود و النّصارى و المجوس.

(13:165)

الطّباطبائيّ: اللاّم للعهد،أي و من أحزاب أهل الكتاب من ينكر بعض ما أنزل إليك،و هو ما دلّ منه على التّوحيد و نفي التّثليث،و سائر ما يخالف ما عند أهل الكتاب من المعارف و الأحكام المحرّفة.(11:372)

مكارم الشّيرازيّ: المقصود من هذه المجموعة هي نفس جماعة اليهود و النّصارى الّذين غلبهم التّعصّب

ص: 681

الطّائفيّ و أمثاله،و لذلك لم يعبّر القرآن الكريم عنهم بأهل الكتاب،لأنّهم لم يتّبعوا كتبهم السّماويّة،بل كانوا في الحقيقة أحزابا و كتلا تابعين لخطّهم الحزبيّ.و هذه المجموعة كانت تنكر كلّ ما خالف ميلهم،و لم يطابق أهواءهم.

و هذا الاحتمال وارد في أنّ كلمة(الاحزاب)قد تكون إشارة إلى المشركين،لأنّ سورة«الأحزاب» ذكرتهم بهذا التّعبير،و هؤلاء في الحقيقة ليس لهم دين و لا مذهب،بل كانوا على شكل أحزاب و كتل متفرّقة اتّحدوا بسبب مخالفتهم للقرآن و الإسلام.(7:375)

فضل اللّه :ربّما كان المقصود بهم هؤلاء الّذين ينكرون التّوحيد بمعناه القرآنيّ،و يلتزمون التّثليث، و يختلفون مع الإسلام في بعض مفاهيمه و أحكامه، و يمتنعون عن الإيمان بالإسلام،انطلاقا من الحالة الحزبيّة الّتي تغلق عليهم نوافذ التّفكير،و تضع الحواجز الذّاتيّة و العصبيّة بينهم و بين معرفة الحقيقة.(13:64)

3- فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ. مريم:37

ابن عبّاس: الكفّار.(256)

نحوه مجاهد.(الطّبريّ 16:85)

الحسن :الّذين تحزّبوا على الأنبياء لمّا قصّ عليهم قصّة عيسى اختلفوا فيه من بين النّاس.

(الزّمخشريّ 2:506)

قتادة :ذكر لنا أنّه لمّا رفع ابن مريم،انتخبت بنو إسرائيل أربعة من فقهائهم،فقالوا للأوّل:ما تقول في عيسى؟قال:هو اللّه هبط إلى الأرض،فخلق ما خلق، و أحيا ما أحيا،ثمّ صعد إلى السّماء،فتابعه على ذلك ناس من النّاس،فكانت اليعقوبيّة من النّصارى،و قال الثّلاثة الآخرون:نشهد أنّك كاذب.

فقالوا للثّاني:ما تقول في عيسى؟قال:هو ابن اللّه، فتابعه على ذلك ناس من النّاس،فكانت النّسطوريّة من النّصارى،و قال الاثنان الآخران:نشهد أنّك كاذب.

فقالوا للثّالث:ما تقول في عيسى؟قال:هو إله و أمّه إله،و اللّه إله،فتابعه على ذلك ناس من النّاس،فكانت الإسرائيليّة من النّصارى،فقال الرّابع:أشهد أنّك كاذب،و لكنّه عبد اللّه و رسوله،و هو كلمة اللّه و روحه.

فاختصم القوم،فقال المرء المسلم:أنشدكم اللّه ما تعلمون أنّ عيسى كان يطعم الطّعام و أنّ اللّه تبارك و تعالى لا يطعم الطّعام؟قالوا:اللّهمّ نعم،قال:هل تعلمون أنّ عيسى كان ينام؟قالوا:اللّهمّ نعم،قال:

فخصمهم المسلم.(الطّبريّ 16:85)

نحوه الميبديّ(6:38)،و ابن عطيّة(4:16)، و النّيسابوريّ(16:56).

الكلبيّ: اليهود و النّصارى.(الزّمخشريّ 2:509)

الثّعلبيّ: يعني النّصارى و إنّما سمّوا أحزابا لأنّهم تجزّءوا ثلاث فرق في أمر عيسى:النّسطوريّة، و الملكانيّة،و المار يعقوبيّة.(6:216)

نحوه البغويّ(3:233)،و النّسفيّ(3:35).

الفخر الرّازيّ: في الأحزاب أقوال:

الأوّل:المراد فرق النّصارى على ما بيّنّا أقسامهم.

الثّاني:المراد النّصارى و اليهود،فجعله بعضهم ولدا

ص: 682

و بعضهم كذّابا.

الثّالث:المراد الكفّار الدّاخل فيهم اليهود و النّصارى،و الكفّار الّذين كانوا في زمن محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.و إذا قلنا:المراد بقوله: وَ إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ مريم:36،أي قل يا محمّد:إنّ اللّه ربّي و ربّكم،فهذا القول أظهر،لأنّه لا تخصيص فيه،و كذا قوله: فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مؤكّد لهذا الاحتمال.(21:220)

نحوه الشّربينيّ.(2:426)

البروسويّ: و في«التّأويلات النّجميّة»:أي تحزّبوا ثلاث فرق:

فرقة يعبدون اللّه بالسّير على قدمي الشّريعة و الطّريقة،بالعبور على المقامات و الوصول إلى القربات، و هم الأولياء و الصّدّيقون،و هم أهل اللّه خاصّة.

و فرقة يعبدون اللّه على صورة الشّريعة و أعمالها، و هم المؤمنون المسلمون،و هم أهل الجنّة.

و فرقة يعبدون الهواء على وفق الطّبيعة،و يزعمون أنّهم يعبدون اللّه كما أنّ الكفّار يعبدون الأصنام،و يقولون:

ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللّهِ زُلْفى الزّمر:3،فهؤلاء ينكرون على أهل الحقّ،و هم أهل البدع و الأهواء و السّمعة و النّفاق،و هم أهل النّار.(5:334)

2 و 3- يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَ إِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ... وَ لَمّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ ما زادَهُمْ إِلاّ إِيماناً وَ تَسْلِيماً. الأحزاب:20-22

ابن عبّاس: يظنّ عبد اللّه بن أبيّ و أصحابه أنّ كفّار مكّة(لم يذهبوا)بعد ما ذهبوا من الخوف و الجبن، و يقال:ظنّوا أن لا يذهبوا حتّى يقتلوا محمّدا عليه السّلام وَ إِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ: كفّار مكّة.(352)

الطّبريّ: يحسب هؤلاء المنافقون الأحزاب،و هم قريش و غطفان. وَ لَمّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ:

جماعة الكفّار.(21:142)

الماورديّ: يعني أنّ المنافقين يحسبون أبا سفيان و أحزابه من المشركين،حين تفرّقوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم مغلوبين.(4:387)

الثّعلبيّ: يعني قريشا و غطفان و اليهود.(8:22)

نحوه البغويّ(3:623)،و الميبديّ(8:27)، و الشّربينيّ(3:232)،و البروسويّ(7:156).

الطّباطبائيّ: و هم جنود المشركين،المتحزّبون على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.(16:288)

4- جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ. ص:11

ابن عبّاس: من الكفّار؛كفّار مكّة.(381)

مجاهد :قريش من الأحزاب:القرون الماضية.(الطّبريّ 23:130)

الطّبريّ: يعني من أحزاب إبليس و أتباعه الّذين مضوا قبلهم،فأهلكهم اللّه بذنوبهم.

و(من)من قوله: مِنَ الْأَحْزابِ من صلة قوله:

(جند)و معنى الكلام:هم جند من الأحزاب مهزوم هنالك.(23:130)

نحوه الطّوسيّ.(8:547)

ص: 683

الثّعلبيّ: أي من جملة الأجناد.(8:180)

الماورديّ: يعني مشركي قريش أنّهم أحزاب إبليس و أتباعه.و قيل:لأنّهم تحازبوا على الجحود للّه و لرسوله صلّى اللّه عليه و سلّم.(5:80)

الواحديّ: جند المشركين...و(الاحزاب)سائر من تقدّمهم من الكفّار الّذين تحزّبوا على الأنبياء.(3:541)

نحوه البغويّ.(4:54)

الميبديّ: أي من جملة الأحزاب الّذين يتحزّبون عليك يوم بدر و يهزمون.الحزب:الجند المتحزّبون على من عداهم.

و قيل: مِنَ الْأَحْزابِ أي هم من القرون الماضية الّذين تحزّبوا و تجمّعوا على الأنبياء بالتّكذيب،فقهروا و أهلكوا.(8:324)

الزّمخشريّ: يريد ما هم إلاّ جيش من الكفّار المتحزّبين على رسل اللّه.(3:362)

نحوه الطّبرسيّ(4:468)،و الشّربينيّ(3:404).

ابن عطيّة: أي من جملة أحزاب الأمم الّذين تعصّبوا في الباطل و كذّبوا الرّسل،فأخذهم اللّه تعالى.

(4:495)

نحوه أبو حيّان.(7:386)

الفخر الرّازيّ: مِنَ الْأَحْزابِ صفة ل(جند).

(26:180)

البروسويّ: قال ابن الشّيخ:(جند)خبر مبتدإ محذوف،و مِنَ الْأَحْزابِ صفته،أي جملة الأحزاب، و هم القرون الماضية الّذين تحزّبوا و تجمّعوا على الأنبياء بالتّكذيب،فقهروا و هلكوا.و(مهزوم)خبر ثان للمبتدإ المقدّر،أو صفة ل(جند)...(8:8)

الآلوسيّ: مِنَ الْأَحْزابِ صفة(جند)أي هم جند قليلون أذلاّء أو كثيرون عظماء كائنون هنالك،من الكفّار المتحزّبين على الرّسل،مكسورون عن قريب،أو جند من الأحزاب مكسورون عن قريب،في مكانهم الّذي تكلّموا فيه بما تكلّموا فلا تبال بما يقولون،و لا تكترث بما يهذون.

و قال أبو البقاء:(جند)مبتدأ،و(ما)زائدة، و(هنالك)نعت،و كذا مِنَ الْأَحْزابِ و(مهزوم) خبر.(23:169)

مكارم الشّيرازيّ: و استخدام كلمة(الاحزاب) هنا-على الظّاهر-إشارة إلى كلّ المجموعات الّتي وقفت ضدّ رسل اللّه،و الّذين أبادهم البارئ عزّ و جلّ،و إنّ مجتمع مكّة المشرك هو مجموعة صغيرة من تلك المجموعات،و الّذي سيبتلى بما ابتلوا به،الشّاهد على هذا الحديث هو ما سيرد في الآيات القادمة الّتي تتطرّق لهذه المسألة.(14:416)

5- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ الْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَ هَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ... المؤمن:5

ابن عبّاس: الكفّار.(393)

مثله الطّبريّ.(24:42)

الزّجّاج: يعني عادا و ثمود و قوم لوط و الأمم الّتي أهلكت بين ذلك.(4:366)

نحوه الطّبرسيّ(4:514)،و الطّباطبائيّ(17:

306)،و فضل اللّه(20:13).

ص: 684

الميبديّ: و هم الّذين تحزّبوا على الأنبياء بالتّكذيب.(8:451)

الزّمخشريّ: الّذين تحزّبوا على الرّسل و ناصبوهم، و هم عاد و ثمود و فرعون و غيرهم.(3:415)

نحوه الطّبرسيّ(4:514)،و أبو حيّان(7:449)، و أبو السّعود(5:408)،و البروسويّ(8:154)، و الآلوسيّ(24:44).

ابن عطيّة: يريد بهم عادا و ثمود،أو أهل مدين و غيرهم.(4:547)

الفخر الرّازيّ: أي الأمم المستمرّة على الكفر كقوم عاد و ثمود و غيرهم،كما قال في سورة «ص».(27:30)

نحوه القرطبيّ(15:293)،و الشّربينيّ(3:468).

مكارم الشّيرازيّ: إنّ المقصود من(الاحزاب) هم قوم عاد و ثمود و حزب الفراعنة و قوم لوط،و أمثال هؤلاء ممّن أشارت إليهم الآيتان:12،13،من سورة «ص» كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ عادٌ وَ فِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ* وَ ثَمُودُ وَ قَوْمُ لُوطٍ وَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ.

هؤلاء هم الأحزاب الّذين تآزروا و وقفوا ضدّ دعوات الأنبياء الإلهيّين،لتعارض مصالحهم مع روح هذه الدّعوات و مضامينها الرّبّانيّة.

إنّهم لم يقتنعوا بمجرّد الوقوف ضدّ الدّعوات النّبويّة الكريمة،و إنّما تجاوزوا هذا الحدّ،بل خطّطت كلّ أمّة فيهم لأن تمسك بنبيّها فتسجنه و تؤذيه،بل و حتّى تقتله:

وَ هَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ.

ثمّ لم يكتفوا بهذا القدر أيضا،بل لجئوا إلى الكلام الباطل،لأجل القضاء على الحقّ و محوه،و أصرّوا على إضلال النّاس و صرفهم عن شريعة اللّه: وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ .

إلاّ أنّ هذا الوضع لم يستمرّ طويلا،و لم يبق لهم الخيار دوما،إذ حينما حان الوقت المناسب جاء الوعد الإلهيّ: فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ المؤمن:5.

(15:172)

و بهذا المعنى جاءت كلمة الأحزاب في أكثر الآيات.

الوجوه و النّظائر

مقاتل:تفسير الأحزاب على أربعة وجوه:

فوجه منها:الأحزاب:يعني بني أميّة و بني المغيرة و آل أبي طلحة كلّهم من قريش،فذلك قوله في الرّعد:

36، وَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يعني مؤمني أهل التّوراة يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ مِنَ الْأَحْزابِ يعني من بني أميّة و بني المغيرة و آل أبي طلحة،كفّارهم، مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ.

و نظيرها في هود:17،حيث يقول: أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ يعني مؤمني أهل التّوراة وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ، يعني بني أميّة و بني المغيرة و آل أبي طلحة ابن عبد العزّى.و فيهم نزل قوله تعالى: جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ ص:11،يعني هؤلاء الأحياء الثّلاثة.

و الوجه الثّاني:الأحزاب:يعني به النّصارى النّسطوريّة و المار يعقوبيّة،فذلك قوله: فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ مريم:37،في الدّين،يعني النّصارى،فتحزّبوا في عيسى،فقالت النّسطوريّة:

ص: 685

و الوجه الثّاني:الأحزاب:يعني به النّصارى النّسطوريّة و المار يعقوبيّة،فذلك قوله: فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ مريم:37،في الدّين،يعني النّصارى،فتحزّبوا في عيسى،فقالت النّسطوريّة:

عيسى بن اللّه،و قالت الماريعقوبيّة:إنّ اللّه هو المسيح، و قالت الملكانيّة:إنّ اللّه ثالث ثلاثة،قالوا:اللّه إله و عيسى إله و مريم إله،نظيرها في الزّخرف:65.

و الوجه الثّالث:الأحزاب:يعني به كفّار قوم نوح و عاد و ثمود إلى قوم شعيب و فرعون،فذلك قوله:

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ عادٌ وَ فِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ * وَ ثَمُودُ وَ قَوْمُ لُوطٍ وَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ ص:12،13،نظيرها قول رجل مؤمن من آل فرعون حزقيل القبطيّ: إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ المؤمن:30،يعني مثل عذاب الأمم الخالية.

و الوجه الرّابع:الأحزاب:يعني به أبا سفيان،في قبائل من العرب و اليهود،تحازبوا على النّبيّ عليه السّلام يوم الخندق،يقاتلون في ثلاثة أماكن،فذلك قوله في سورة الأحزاب: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ: من فوق الوادي من قبل اليمن،عليهم مالك بن عوف النّضريّ و عيينة بن حصن الفزاريّ،و معهما ألف من غطفان، و معهما أيضا طلحة بن خويلد القعنسيّ من بني أسد[إلى أن قال:]

فحزبوا على النّبيّ يومئذ،فهم الّذين قال عنهم:

يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا الأحزاب:20،يعني هؤلاء الّذين ذكر لم يذهبوا. وَ إِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يعني و إن يرجع الأحزاب إليهم للقتال.(163)

الحيريّ: باب الحزب،على وجهين:

أحدهما:الجند،كقوله: فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ المائدة:56،و قوله: أُولئِكَ حِزْبُ اللّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ المجادلة:22.

و الثّاني:الفرقة،كقوله في«المؤمنون:53،و الرّوم:

32»: كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ (216)

باب الأحزاب،على وجهين:

أحدهما:النّصارى،كقوله: فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ مريم:37.

و الثّاني:الكفّار،كقوله: ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ ص:11،و في الطّول وَ الْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ المؤمن:5،و يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ الأحزاب:20.(130)

الدّامغانيّ: الحزب على وجهين:أهل الدّين، الجند:

فوجه منها:الحزب:أهل الدّين،قوله: كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ المؤمنون:53،يعني كلّ أهل دين.

و الوجه الثّاني:الحزب:يعني الجند،قوله: أَلا إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ المجادلة:22، أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ... المجادلة:19،يعني جند اللّه،و جند الشّيطان.(252)

الفيروزآباديّ: و ورد الحزب في القرآن على وجوه:

الأوّل:بمعنى أصناف الخلائق في اختلاف المذاهب و الملل و الأديان كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ المؤمنون:53.

الثّاني:بمعنى عسكر الشّيطان أُولئِكَ حِزْبُ

ص: 686

اَلشَّيْطانُ المجادلة:19.

الثّالث:بمعنى جند الرّحمن أُولئِكَ حِزْبُ اللّهِ المجادلة:22،و هم في الدّنيا غالبون مصلحون فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ المائدة:56،و في العقبى فائزون مفلحون أَلا إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ المجادلة:

22.(بصائر ذوي التّمييز 2:457)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحزب،أي الأرض الغليظة الشّديدة الحزنة؛و الجمع:أحزاب،و هي الحزباءة،و الجمع:الحزباء و الحزابيّ.

و الحزابي و الحزابية من الرّجال و الحمير:الغليظ إلى القصر ما هو.يقال:رجل حزاب و حزابية،و بعير حزابية:غليظ،و ركب حزابية:غليظ،و حمار حزابية:

جلد.

و حزبه الأمر يحزبه حزبا:نابه و اشتدّ عليه،و أمر حازب و حزيب:شديد،و الحازب من الشّغل:ما نابك.

يقال:حزبه أمر،أي أصابه.

و الحزب:جماعة فيها غلظ،كما قال الرّاغب؛ و الجمع:أحزاب.يقال:حازب القوم و تحزّبوا،أي تجمّعوا و صاروا أحزابا،و تحازبوا:مالأ بعضهم بعضا فصاروا أحزابا،و حزّب فلان أحزابا:جمعهم.

و حزب الرّجل:أصحابه و جنده الّذين على رأيه، و الأحزاب:الطّوائف الّتي تجتمع على محاربة الأنبياء عليهم السّلام،و منهم قريش و غطفان و بنو قريظة؛إذ تألّبوا و تظاهروا على حزب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و الحزب:الورد،لأنّه غليظ على صاحبه و شديد.

يقال:طرأ عليّ حزبي من القرآن،فأحببت أن لا أخرج حتّى أقضيه،و قد حزّبت القرآن.

و الحيزبون:العجوز،بزيادة الياء و الواو و النّون، و لعلّها الغليظة أو الجلدة من العجائز.

2-و اعتبر«نولدكه»لفظ الحزب حبشيّا،و زعم أنّ أسماع المسلمين كانت تمجّه عند استعماله في القرآن للوهلة الأولى،لأنّهم كانوا يجهلونه و لا يأنسون به (1)!

و كان السّبب الّذي حداه على اعتساف هذا القول هو تشابه استعمال هذا اللّفظ في القرآن و العهد الجديد -على حدّ زعمه-رغم الاختلاف الفاحش بين اللّفظين:العربيّ و الحبشيّ،فأهمل اللّبّ و تشبّث بالقشر.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت اسما مفردا 8 مرّات،و مثنّى مرّة،و جمعا 11 مرّة في 17 آية:

حزب اللّه

1- وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ المائدة:56

2- ...رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ المجادلة:22

حزب الشّيطان

3- إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما

ص: 687


1- المفردات الدّخيلة في القرآن الكريم(حزب).

يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ

فاطر:6

4- اِسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللّهِ أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ المجادلة:19

الحزبين

5- ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً الكهف:12

كلّ حزب

6- فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ المؤمنون:53

7- مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَ كانُوا شِيَعاً كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ الرّوم:32

الأحزاب

8- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ الْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ... المؤمن:5

9- وَ ثَمُودُ وَ قَوْمُ لُوطٍ وَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ ص:13

10- وَ قالَ الَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ المؤمن:30

11- فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ مريم:37

12- فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ الزّخرف:65

13- ...وَ مِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ...

الرّعد:36

14- وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنّارُ مَوْعِدُهُ... هود:17

15- جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ

ص:11

16- يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَ إِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا لَوْ أَنَّهُمْ بادُونَ فِي الْأَعْرابِ...

الأحزاب:20

17- وَ لَمّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللّهُ وَ رَسُولُهُ... الأحزاب:22

يلاحظ أوّلا:أنّه قد جاء(حزب اللّه)و(حزب الشّيطان)كحزبين متقابلين،كلّ منهما ثلاث مرّات بنسق واحد،أي جاء مرّتين بلا تكرار في(1 و 4)، و مرّتين مكرّرا في(2 و 3)و فيها بحوث:

1-جاء(حزب اللّه)فردا عقيب أمر الولاية في آيتين: إِنَّما وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَ هُمْ راكِعُونَ* وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ المائدة:55،56.

و المشهور بين الإماميّة-حسب الرّوايات-أنّ المراد بهما ولاية أمر الأمّة بشأن عليّ عليه السّلام خاصّة،و الأئمّة من أولاده عامّة،و يعتبرون وَ هُمْ راكِعُونَ حالا من وَ يُؤْتُونَ الزَّكاةَ أي و يؤتون الزّكاة حال ركوعهم إشارة إلى صدقة عليّ عليه السّلام خاتمه حال الرّكوع،و هي مشهورة.

و أمّا الآخرون فعمّموها-سوى بعضهم-لمطلق التّولّي و المحبّة للّه و رسوله و المؤمنين،و جملة وَ هُمْ

ص: 688

راكِعُونَ عندهم عطف على اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ و ليست حالا من يُؤْتُونَ الزَّكاةَ، و البحث فيها طويل،لاحظ«و ل ي».

و قد جاء ذيل الآيتين فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ، إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ كالصّريح في أنّ الموصوفين بتلك الصّفات هم حزب اللّه و هم الغالبون المفلحون.

2-و جاء حزب الشّيطان فردا،بيانا لعداوة الشّيطان للإنسان في آيتين أيضا:(3 و 4)بشأن الكافرين و المنافقين:

الأولى: إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُمْ عَدُوٌّ فَاتَّخِذُوهُ عَدُوًّا إِنَّما يَدْعُوا حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحابِ السَّعِيرِ* اَلَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ. فاطر:6،7.

و قد وصف حزب الشّيطان بأنّهم الّذين كفروا و بأنّهم من أصحاب السّعير،و أنّ لهم عذاب شديد،ثمّ قابلهم ب اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ تأكيدا أنّ بين حزب الشّيطان و بين المؤمنين الّذين هم حزب اللّه بونا بعيدا،و المقابلة بين الحزبين كاشفة عن ذلك تماما.

و أمّا الآية الأخرى فتأتي في آيات المجادلة.

3-جمع اللّه في(2 و 3)بين(حزب اللّه)و(حزب الشّيطان)في آيات آخر سورة المجادلة بسياق واحد:

أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ، و أُولئِكَ حِزْبُ اللّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، فكرّرهما و جازى حزب الشّيطان بأنّهم الخاسرون،و حزب اللّه بأنّهم المفلحون.و الخسران و الفلاح متقابلان تماما.

و قد وصف الفريق الأوّل-و هم حزب الشّيطان- في آيات قبلها بالتّولّي لأعداء اللّه: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ تَوَلَّوْا قَوْماً غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ما هُمْ مِنْكُمْ وَ لا مِنْهُمْ وَ يَحْلِفُونَ عَلَى الْكَذِبِ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ، و استمرّ في ذكر أيمانهم الكاذبة و أنّهم اتّخذوا أيمانهم جنّة فصدّوا عن سبيل اللّه،و لهم عذاب مبين،و هم من أصحاب النّار.

ثمّ أدان الّذين يحادّون اللّه و رسوله بأنّهم في الأذلّين و أنّ اللّه و رسله هم الغالبون،مقدّمة لبيان أوصاف الفريق الثّاني-و هم حزب اللّه-فوصفهم بأنّهم لا يوادّون من حادّ اللّه و رسوله،و بأوصاف أخرى عالية و بجزاء عظيم: لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ لَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمانَ وَ أَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَ يُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ المجادلة:14-22.

4-بالنّظر إلى الآيات الأربع يعلم أنّ حزب الشّيطان هم الّذين كفروا أو نافقوا و هم أعداء اللّه مثل الشّيطان، و أنّ الشّيطان استحوذ عليهم،و أنّهم يوالون قوما غضب اللّه عليهم،و أنّهم يتّخذون الأيمان الكاذبة جنّة لهم، و أنّهم الخاسرون و من أصحاب النّار،و لهم عذاب مبين.

و يعلم منها أيضا أنّ حزب اللّه يتولّون اللّه و رسوله و المؤمنين،و لا يولّون الّذين يحادّون اللّه و رسوله،و لو

ص: 689

كانوا أقرباءهم و عشيرتهم،و أنّ اللّه كتب في قلوبهم الإيمان،و أيّدهم بروح منه،و يدخلهم الجنّات خالدين فيها،و رضي اللّه عنهم و رضوا عنه،و أنّهم المفلحون.

5-و يستظهر منها أنّ الولاء فيها ليس صرف المحبّة،بل هي مسألة سياسيّة،فيها الغلبة و الفلاح أو الذّلّة و الخسران،و أنّ حزب اللّه هم المفلحون و الغالبون عند اللّه،في الحياة الدّنيا و في الآخرة.

6-قال أصحاب الوجوه و النّظائر:إنّ(حزب)في (1 و 2) فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ و أَلا إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ، بمعنى«الجند»لأنّ الغلبة و الفلاح من خواصّ«الجند».لكنّ الصّفات الّتي وصفوا بها في الآيتين تعمّ الجند و كلّ جماعة مؤمنة.

نعم جاء في(15) جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ و سنبحثها.

ثانيا:جاء في(5)، لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ بشأن أصحاب الكهف،و هذه وحيدة في القرآن بلفظ التّثنية (الحزبين).

و قد اختلفوا في تطبيقهما اختلافا فاحشا يرتقي إلى عشرة أقوال،و هي:

1-المختلفان في أمرهم من قوم الفتية.

2-المختلفان من المسلمين حين ذاك في عددهم.

3-اللّتين اختلفا في قدر مكثهم في الكهف.

4-الحزبان:اللّه و الخلق.

5-اليهود و النّصارى الّذين علّموا قريشا السّؤال عن أصحاب الكهف،فكانوا مختلفين في مدّة إقامتهم.

6-أحد المختلفين الفتية،و الآخر من حضرهم من النّاس.

7-المؤمنون و الكافرون.

8-الملوك الّذين تداولوا تلك المدينة واحد بعد الآخر.

9-أصحاب الخلوة و أصحاب السّلوة!!

10-هما من أصحاب الكهف أنفسهم اختلفوا كم لبثوا،و عليه الأكثر،و هو الأقرب إلى سياق الآيات.

بل عرض هذه الآية ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا أَمَداً على الآية:19،بعدها: وَ كَذلِكَ بَعَثْناهُمْ لِيَتَساءَلُوا بَيْنَهُمْ قالَ قائِلٌ مِنْهُمْ كَمْ لَبِثْتُمْ قالُوا لَبِثْنا يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالُوا رَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِما لَبِثْتُمْ...

سوف يقنعنا بهذا القول.

و أمّا الأقوال الأخرى فلا شاهد لها سوى ما جاء في آية(22)منها،من وجود الاختلاف بين النّاس حين نزول السّورة،في عدد أصحاب الكهف سَيَقُولُونَ ثَلاثَةٌ رابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَ يَقُولُونَ خَمْسَةٌ سادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْماً بِالْغَيْبِ وَ يَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَ ثامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ ما يَعْلَمُهُمْ إِلاّ قَلِيلٌ فَلا تُمارِ فِيهِمْ إِلاّ مِراءً ظاهِراً وَ لا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَداً، و لكنّها ليست اختلافا بين أصحاب الكهف أنفسهم في مدّة مكثهم فيه،بل اختلاف في عددهم بين من وقف على قصّتهم فيما بعد أيّا كانوا.

ثالثا:جاء في(6 و 7) كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ، و كلاهما بشأن الّذين فرّقوا دينهم من الأمم، فقبلها في(6) فَتَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ زُبُراً، و في(7) مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَ كانُوا شِيَعاً و فيهما بحوث:

ص: 690

1-إنّ هذا السّياق كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ ذمّ يعطي طبيعة التّحزّب و تقابل الأحزاب،و هي أنّ كلّ حزب-سواء كان حقّا أو باطلا-في صراعهم و تصافّهم قبال الآخرين مبتهج بما عنده فخور به على الآخرين.

و هذه خاصّيّة أهل الباطل.

و أمّا أهل الحقّ فينظرون في الأمر،و يختارون ما هو الحقّ من بين الآراء بلا مفاخرة و لا غرور،و موقفهم في ذلك قوله تعالى: اَلَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولئِكَ الَّذِينَ هَداهُمُ اللّهُ وَ أُولئِكَ هُمْ أُولُوا الْأَلْبابِ الزّمر:18،لاحظ«ح س ن-احسنه، و أ ل و-اولو الالباب»

2-و مثليّة أخرى للتّحزّب أنّهم مصرّون على التّقاطع و التّفرّق فيما بينهم،و على بقائهم شيعا،كما نراه بين الأحزاب السّياسيّة و الدّينيّة و غيرها،و لا يبالون بالاختلاف،و لا يسعون في رفعه،و في الوصول إلى الوفاق و الوحدة بينهم.

3-و هذه الخاصّيّة للأحزاب جاءت في(6)تلو تأكيد وحدة أمّة التّوحيد،فقبلها: وَ إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ أَنَا رَبُّكُمْ فَاتَّقُونِ المؤمنون:52،و نظيرها:

إِنَّ هذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ أَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُونِ* وَ تَقَطَّعُوا أَمْرَهُمْ بَيْنَهُمْ كُلٌّ إِلَيْنا راجِعُونَ الأنبياء:

92،93،لاحظ«أ م م-امّة».

و جاءت أيضا في(7)تلو التّأكيد:أنّ النّاس مفطورون على فطرة التّوحيد،و المشركون خارجون على هذه الفطرة،لجهلهم بها و تفرّقهم عنها،فقبلها:

فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ* مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَ اتَّقُوهُ وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ وَ لا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ الرّوم:30،31.

رابعا:جاء جمعا(الاحزاب)في 10 آيات(8-17)، و المراد بهم الكفّار و المشركون،و هم أربعة أصناف:

الصّنف الأوّل:الأمم الّذين جاءوا بعد نوح، كقوم لوط و قوم ثمود و غيرهم في 3 آيات(8-10):

فجاء في(8) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ الْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَ هَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ.

و هذه الآية جاءت عبرة و عظة للّذين كانوا يجادلون في آيات اللّه،أي القرآن،فقبلها: حم* تَنْزِيلُ الْكِتابِ مِنَ اللّهِ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ إلى ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ فقوم نوح و الأحزاب من بعدهم و هم الّذين ذكروا في (8 و 9)كانوا يجادلون بالباطل ليدحضوا به الحقّ،كما جادل كفّار قريش في القرآن.

و جاء في(9) كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ عادٌ وَ فِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ* وَ ثَمُودُ وَ قَوْمُ لُوطٍ وَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ أُولئِكَ الْأَحْزابُ* إِنْ كُلٌّ إِلاّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ سورة ص:12-14،و قبلها آيات بشأن كفّار قريش الّذين كفروا بالقرآن،فلاحظ الآيات من أوّل السّورة ص وَ الْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ إلى جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ ص:1-11.

و جاء في(10)نقلا عن مؤمن آل فرعون وَ قالَ

ص: 691

اَلَّذِي آمَنَ يا قَوْمِ إِنِّي أَخافُ عَلَيْكُمْ مِثْلَ يَوْمِ الْأَحْزابِ* مِثْلَ دَأْبِ قَوْمِ نُوحٍ وَ عادٍ وَ ثَمُودَ وَ الَّذِينَ مِنْ بَعْدِهِمْ وَ مَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ... المؤمن:30،31 إلى 44.و في خلالها اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ وَ عِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ المؤمن:35.

و بذلك يعلم أنّ هذه الآيات استمرار لآيات أوّل السّورة،ردّا للّذين كانوا يجادلون في القرآن و آياته،من كفّار قريش.

الصّنف الثّاني:فرق النّصارى الّذين اختلفوا بشأن عيسى عليه السّلام أنّه إله أو ابن اللّه أو ثالث ثلاثة، جاءت في 3 آيات(11-13):

ففي آيتين(11 و 12)بسياق واحد فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ، فجاء قبل(11)في آيات شرح ولادة عيسى عليه السّلام من دون أب إلى أن قال: ذلِكَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ قَوْلَ الْحَقِّ الَّذِي فِيهِ يَمْتَرُونَ* ما كانَ لِلّهِ أَنْ يَتَّخِذَ مِنْ وَلَدٍ سُبْحانَهُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ* وَ إِنَّ اللّهَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ مريم:34-36،ثمّ قال: فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ.

و كذلك جاء قبل(12)في آيات رفض ألوهيّة عيسى ابتداء من وَ لَمّا ضُرِبَ ابْنُ مَرْيَمَ مَثَلاً إِذا قَوْمُكَ مِنْهُ يَصِدُّونَ إلى إِنَّ اللّهَ هُوَ رَبِّي وَ رَبُّكُمْ فَاعْبُدُوهُ هذا صِراطٌ مُسْتَقِيمٌ الزّخرف:58-64،ثمّ قال:

فَاخْتَلَفَ الْأَحْزابُ مِنْ بَيْنِهِمْ، فالفاء في الآيتين تفريع مشعر بالإعجاب عن قولهم،و تقريع لهؤلاء الّذين اختلفوا في عيسى،و قد عبّر عنهم ب(الاحزاب)إشعارا بجهلهم و جدالهم بينهم بالباطل بلا بيّنة و لا برهان، مصداقا لقوله: كُلُّ حِزْبٍ بِما لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ.

و قد أنذرهم اللّه ذيل الآيتين بسياق واحد بقوله في (11): فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ، و في(12): فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْ عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ، مع وصفهم ب«الذين كفروا،»و«الذين ظلموا،» و توصيف يوم العذاب ب مَشْهَدِ يَوْمٍ عَظِيمٍ، و عَذابِ يَوْمٍ أَلِيمٍ تفنّنا و تنويعا في الإنذار.

و جاء في(13)بشأن القرآن أيضا: وَ الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَفْرَحُونَ بِما أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَ مِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ وَ لا أُشْرِكَ بِهِ إِلَيْهِ أَدْعُوا وَ إِلَيْهِ مَآبِ، و الآية مكّيّة و لم يواجه النّبيّ حين ذاك بأهل الكتاب،فكانوا يؤيّدونه و يصدّقون بما أنزل عليه بشأن عيسى عليه السّلام،سوى إنكاره أنّ عيسى ابن اللّه،كما قال: وَ مِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ أي أهل الكتاب الّذين كانوا أحزابا مختلفين في عيسى-كما سبق-فالّذين قالوا منهم:إنّه ابن اللّه،أو هو اللّه أنكروا عليه،و ينبّه عليه ذيل الآية قُلْ إِنَّما أُمِرْتُ أَنْ أَعْبُدَ اللّهَ....

و إنّما بدأ أهل الكتاب بإنكار النّبيّ و القرآن رأسا بعد ما هاجر إليهم،و لا سيّما بعد تحويل القبلة عن بيت المقدس قبلتهم إلى الكعبة،لاحظ«قبلة».

و خصّها الزّمخشريّ بمن تحزّب من أهل الكتاب على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،مثل كعب بن الأشرف و أصحابه،و هو بعيد فإنّهم أنكروه رأسا لا بعضا.

ص: 692

و العجب من الطّبريّ و غيره أنّهم عمّموا وَ مِنَ الْأَحْزابِ مَنْ يُنْكِرُ بَعْضَهُ لجميع أهل الملل و أهل الأديان أو خصّوها بكفّار قريش،أو أحزاب الجاهليّة، أو اليهود و النّصارى و المجوس عامّة.

و هذا بعيد جدّا فأنّ هؤلاء جميعا أنكروا النّبيّ و القرآن رأسا لا بعضا.

و قريب ممّا اخترناه من أنّ أهل الكتاب أنكروا بعض ما أنزل عليه في أوّل الأمر و أيّدوا بعضه،قول الطّباطبائيّ:«إنّ اللاّم في(الاحزاب)للعهد و المراد بهم:

من أنكر التّوحيد من أهل الكتاب،و قال بالتّثليث»، و قول فضل اللّه:«إنّ هؤلاء الّذين ينكرون التّوحيد بمعناه القرآنيّ و يلتزمون بالتّثليث،و يمتنعون عن الإيمان بالإسلام انطلاقا من الحالة الحزبيّة».

و الآيتان(11 و 12)صريحتان في تحزّب أهل الكتاب و اختلافهم في معتقداتهم،و لا سيّما النّصارى فهما شاهدتان لما قلناه في(13).

الصّنف الثّالث:كفّار قريش و سائر الملل الكافرة في أربع آيات:(14-17)فجاء في(14)ردّا على الّذين كذّبوا بالقرآن أَ فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ وَ يَتْلُوهُ شاهِدٌ مِنْهُ وَ مِنْ قَبْلِهِ كِتابُ مُوسى إِماماً وَ رَحْمَةً أُولئِكَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِهِ مِنَ الْأَحْزابِ فَالنّارُ مَوْعِدُهُ فَلا تَكُ فِي مِرْيَةٍ مِنْهُ إِنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يُؤْمِنُونَ و الآية مكّيّة،و الّذين كانوا يكفرون بالقرآن حين ذاك هم كفّار قريش دون أهل الكتاب، و اختاره الزّمخشريّ و غيره.

و لكنّ بعضهم عمّمها لجميع الكفّار من أهل الملل و قال:إنّ كلّ جماعة كافرة حزب،و بعضهم خصّها باليهود و النّصارى.و هذا أبعد الوجوه،لأنّ الإسلام لم يواجههم في مكّة و لم يكن مخالفوه منحصرين بهم فيما بعد،و بعضهم خصّها بأشخاص من قريش:ابن أميّة و ابن المغيرة و غيرهما.

و لو عمّمناها لكلّ من كذّب القرآن و خاصم النّبيّ عليه السّلام حين نزولها،و من بعدهم من أهل الملل -و منهم أهل الكتاب-لم يكن بعيدا،و إليه ذهب الطّبرسيّ و غيره.

و المراد ب فَمَنْ كانَ عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّهِ النّبيّ، و البيّنة هو القرآن- لاحظ البيّنة-و يشهد به أنّه جاء في آية قبلها بشأن القرآن: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللّهِ وَ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ هود:13،14.

و جاء في(15)ردّا على منكر القرآن أيضا: جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ و السّورة مكّيّة أيضا، و قبلها يتحدّث عن الّذين كانوا يكذّبون بالقرآن من أهل مكّة،ابتداء ب ص وَ الْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ إلى أَ أُنْزِلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ مِنْ بَيْنِنا إلى فَلْيَرْتَقُوا فِي الْأَسْبابِ، ثمّ وصفهم ب جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ، ثمّ عقّبها ب كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ إلخ.

و بذلك يتيسّر لنا أن نقول:المراد بالأحزاب فيها كفّار قريش الّذين كانوا يكذّبون بالقرآن،و شبّههم اللّه بمن كان قبلهم من قوم نوح و من بعدهم،و اختاره

ص: 693

أكثرهم.و شذّ الميبديّ حيث قال:«من جملة الأحزاب الّذين يتحزّبون عليك يوم بدر و يهزمون».

و بعضهم خصّ«الجند»بكفّار قريش و عمّ الأحزاب لكلّ الكفّار الّذين تحزّبوا على الرّسل الّذين قال فيهم بعدها: كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فعبّر عن كفّار قريش بأنّهم جند،أي هم في تصلّبهم عداوة و عملا ضدّه،كانوا كجند مجنّدة،قاوم عدوّه بكلّ قدرته و قوّته،و هذا لا يبعد عن السّياق.

الصّنف الرّابع:الأحزاب الّذين سمّيت بهم سورة الأحزاب،و هي مدنيّة،نزلت بشأن غزوة الخندق الّتي تحالف لها على حرب النّبيّ عليه السّلام يهود بني النّضير الّذين أجلاهم النّبيّ،و قبائل قريش و غطفان و غيرهم من العرب،فخرجوا إلى المدينة،و كان بنو قريظة و المنافقون يظاهرونهم من داخلها،فحفر النّبيّ الخندق أمامهم.و قد حكى القصّة تفصيلا الطّبرسيّ(4:340)،فلاحظ.

و احتوت القصّة 19 آية من السّورة(9-27)ابتداء ب: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ كانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً إلى وَ أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَ دِيارَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ وَ أَرْضاً لَمْ تَطَؤُها وَ كانَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيراً.

و قد ذكر اللّه خلالها مجيء الجنود من فوقهم و من أسفلهم،و دفعها بالرّيح و بجنود لم يروها من الملائكة، و كذا مخافة المؤمنين حتّى بلغت القلوب الحناجر،و زلزلوا زلزالا شديدا،ثمّ تحذير المنافقين و المعوّقين للمؤمنين عن المقاومة.

ثمّ ذكّرهم اللّه ما عاهدوا اللّه من قبل أن لا يولّون الأدبار و حذّرهم عن الفرار.

كما قبّح عمل المنافقين بقوله: أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ تَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَالَّذِي يُغْشى عَلَيْهِ مِنَ الْمَوْتِ فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللّهُ أَعْمالَهُمْ وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً، و عقّبها بقوله: يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا... أي يحسب هؤلاء المنافقون أنّ الأحزاب لم يذهبوا.

ثمّ وجّه الخطاب إلى المؤمنين بقوله: لَقَدْ كانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كانَ يَرْجُوا اللّهَ وَ الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ ذَكَرَ اللّهَ كَثِيراً، ترغيبا لهم على المقاومة تأسّيا برسول اللّه.

ثمّ ذكر أنّ موقفهم أمام الأعداء كان عكس المنافقين تماما: وَ لَمّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ قالُوا هذا ما وَعَدَنَا اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ صَدَقَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ ما زادَهُمْ إِلاّ إِيماناً وَ تَسْلِيماً.

ثمّ أتى بآية الصّدق: مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللّهَ عَلَيْهِ... الّتي صارت مثلا لأقصى الفداء و التّضحية في سبيل اللّه.

و بعد ذلك كلّه نبّه على أنّ اللّه ردّ هؤلاء الأحزاب خاسرين من دون قتال: وَ رَدَّ اللّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنالُوا خَيْراً وَ كَفَى اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتالَ وَ كانَ اللّهُ قَوِيًّا عَزِيزاً.

و ختم القصّة بذكر ما أنزل على بني قريظة من العذاب،فقال: وَ أَنْزَلَ الَّذِينَ ظاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ

ص: 694

اَلْكِتابِ مِنْ صَياصِيهِمْ وَ قَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقاً تَقْتُلُونَ وَ تَأْسِرُونَ فَرِيقاً* وَ أَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَ دِيارَهُمْ....

و قد ذكر اللّه فيها«الجنود»مرّتين:مرّة جنود الكفّار و مرّة جنود اللّه من الملائكة،فدفع بهم جنود الكفّار إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها ، لاحظ«ج ن د».

و ذكر فيها«الاحزاب»ثلاث مرّات:مرّتين في جانب المنافقين يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا وَ إِنْ يَأْتِ الْأَحْزابُ يَوَدُّوا... لشدّة تأثّرهم بالأحزاب،و مرّة في جانب المؤمنين وَ لَمّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ...

لقلّة مبالاتهم بهم.

ص: 695

ص: 696

ح ز ن

اشارة

14 لفظا،42 مرّة:25 مكّيّة،17 مدنيّة

في 25 سورة:19 مكّيّة،6 مدنيّة

ليحزن 1:-1 تحزنى 2:2

يحزنهم 1:1 تحزنون 2:2

يحزنك 6:4-2 تحزنوا 3:1-2

ليحزنني 1:1 الحزن 1:1

يحزنون 13:5-8 حزنى 1:1

يحزنّ 1:-1 الحزن 1:1

تحزن 7:5-2 حزنا 2:1-1

النّصوص اللّغويّة

أبو عمرو ابن العلاء: إذا جاء الحزن منصوبا فتحوا،و إذا جاء مرفوعا أو مكسورا ضمّوا الحاء،كقول اللّه عزّ و جلّ: وَ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ يوسف:

84،أي أنّه في موضع خفض.

و قال في موضع آخر: تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً التّوبة:92،أي أنّه في موضع النّصب.

و قال: أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللّهِ يوسف:86، ضمّوا الحاء هاهنا.

و في استعمال الفعل منه لغتان؛تقول:حزنني يحزنني حزنا فأنا محزون،و يقولون:أحزنني فأنا محزن و هو محزن.

و يقولون:صوت محزن،و أمر محزن،و لا يقولون:

صوت حازن.(الأزهريّ 4:364)

الخليل: الحزن و الحزن:لغتان،إذا ثقلوا فتحوا، و إذا ضمّوا خفّفوا.يقال:أصابه حزن شديد،و حزن شديد.و يقال:حزنني الأمر يحزنني فأنا محزون، و أحزنني فأنا محزن،و هو محزن؛لغتان أيضا،و لا يقال:

حازن.[إلى أن قال:]

و إذا أفردوا الصّوت و الأمر قالوا:أمر محزن و صوت محزن،و لا يقال:حازن.

و الحزن من الأرض و الدّوابّ:ما فيه خشونة؛

ص: 697

و الأنثى:حزنة،و قد حزن حزونة.

و حزانة الرّجل:من يتحزّن بأمره.

و تسمّى سفنجقانيّة (1)العرب على العجم في أوّل قدومهم الّذي استحقّوا به ما استحقّوا من الدّور و الضّياع:حزانة.(3:160)

اللّيث: يقول الرّجل لصاحبه:كيف حشمك و حزانتك؟أي كيف من تتحزّن بأمرهم.

(الأزهريّ 4:365)

سيبويه :و تقول:فتن الرّجل و فتنته،و حزن و حزنته،و رجع و رجعته.

و زعم الخليل أنّك حيث قلت:فتنته و حزنته لم ترد أن تقول:جعلته حزينا و جعلته فاتنا،كما أنّك حين قلت:أدخلته،أردت جعلته داخلا.و لكنّك أردت أن تقول:جعلت فيه حزنا و فتنة،فقلت:فتنته،كما قلت:كحلته،أي جعلت فيه كحلا،و دهنته:جعلت فيه دهنا،فجئت ب«فعلته»على حدة،و لم ترد ب«فعلته» هاهنا تغيير قوله:حزن و فتن.و لو أردت ذلك لقلت:

أحزنته و أفتنته.و فتن من فتنته كحزن من حزنته.[إلى أن قال:]

و قال بعض العرب:أفتنت الرّجل،و أحزنته، و أرجعته،و أعورت عينه،أرادوا جعلته حزينا و فاتنا، فغيّروا«فعل»كما فعلوا ذلك في الباب الأوّل.(4:56)

اليزيديّ: حزنه لغة قريش،و أحزنه لغة تميم،و قد قرئ بهما.(الجوهريّ 5:2098)

ابن شميّل: أوّل حزون الأرض:قفافها و جبالها و قواقيها و خشنها و رضمها،و لا تعدّ أرض طيّبة و إن جلدت حزنا؛و جمعها:حزون.

و يقال:حزنة و حزن،و قد أحزن الرّجل،إذا صار في الحزن.

و يقال للحزن:حزن؛لغتان.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:365)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الحزن و الحزم:الغليظ من الأرض.(الأزهريّ 4:365)

أبو زيد :لا يقولون:قد حزنه الأمر،و يقولون:يحزنه، فإذا قالوا:أفعله اللّه،فهو بالألف.(الأزهريّ 4:364)

أبو عبيد: و في بلاد العرب حزنان:أحدهما:حزن بني يربوع،و هو مربع من مرابع العرب فيه رياض و قيعان،و كانت العرب تقول:من تربّع الحزن و تشتّى الصّمّان و تقيّظ الشّرف فقد أخصب.

و الحزن الآخر:ما بين زبالة فما فوق ذلك مصعدا في بلاد نجد،و فيه غلظ و ارتفاع.(الأزهريّ 4:365)

الأصمعيّ: الحزانة:عيال الرّجل الّذين يتحزّن لهم و بأمرهم.(الأزهريّ 4:366)

الحزن:الجبال الغلاظ؛الواحدة:حزنة،مثل صبرة و صبر.(الجوهريّ 5:2098)

ابن الأعرابيّ: الحزن:ما ثبت في القلب فلم يسل، و الحزن بفتحتين:ما سلاه صاحب المصيبة.

مثله محمّد بن حبيب.(الصّاحب 3:10)

و عام الحزن:العام الّذي ماتت فيه خديجة6)

ص: 698


1- السّفنجقانيّة:شرط كان للعرب على العجم بخراسان إذا افتتحوا بلدا صلحا أن يكونوا إذا مرّ بهم الجيوش أفذاذا أو جماعات أن ينزلوهم و يقروهم ثمّ يزوّدوهم إلى ناحية أخرى.(الأزهريّ 4:366)

و أبو طالب،فسمّاه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عام الحزن،و ماتا قبل الهجرة بثلاث سنين.(ابن سيده 3:225)

الدّينوريّ: الحزن:حزن بني يربوع،و هو قفّ غليظ مسير ثلاث ليال في مثلها.و هي بعيدة من المياه، فليس ترعاها الشّاء و لا الحمر،فليس فيها دمن و لا أرواث.(ابن سيده 3:225).

ابن السّكّيت: باب الحزن:

يقال:حزنني الشّيء و أحزنني حزنا و حزنا؛ و حزنني أكثر.و شفّني يشفّني شفّا،إذا حزنك،و شجاني يشجوني شجوا،و أسيت على الشّيء فأنا آسى أسى،إذا حزنت عليه،و هو رجل أسيان و أسوان،و الواجم:

الحزين.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:وجم يجم وجوما،و سمع كلمة فوجم منها،و أتاني خبر فوقمت منه و أنا موقوم،و وكمت منه فأنا موكوم،إذا حزنت و اغتممت.(619)

و الحزن:الغليظ من الأرض؛و الجمع:حزون.

و الحزن:ضدّ الفرح.(إصلاح المنطق:54)

و يقال:جبلان يتناوحان،أي يتقابلان،و كذلك الشّجر.و منه سمّي النّوائح،لأنّهما يتناوحان،و هو الحزن و الحزن.(إصلاح المنطق:87)

و يقال:بعير حزنيّ: يرعى في الحزن من الأرض.(إصلاح المنطق:366)

شمر: و في حديث ابن عمر حين ذكر الغزو و من يغزو و لا نيّة له:«إنّ الشّيطان يحزّنه».

معناه أنّه يوسوس إليه و يقول له:لم تركت أهلك و مالك،و يندّمه حتّى يحزّنه.(الأزهريّ 4:364)

المبرّد:و الحزن:ما خشن من الأرض و غلظ.(1:57)

ثعلب :و حزنني الأمر يحزنني حزنا،بالضّمّ،أي غمّني.(12)

و حزانة الرّجل:من حزنه ما يحزنهم.

الخطّابيّ 2:234)

ابن دريد :الحزن:الغلظ من الأرض،مثل الحزم سواء.و قد فصل قوم بينهما،فزعموا أنّ الحزن أغلظ من الحزم،و ليس بالمعروف؛و الجمع:حزون.

و أحزن الرّجل،إذا ركب الحزن.

و الحزن:معروف،يقال:حزن يحزن حزنا و حزنا.

و قد قرئ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللّهِ و حزني.

و حزنني هذا الأمر،و أحزنني،أجاز ذلك أبو زيد.

و قال الأصمعيّ:لا أعرف إلاّ حزنني يحزنني.

و الرّجل محزون و حزين،و لم يقولوا:محزن.

و جمع الحزن:أحزان.

و حزانة الرّجل:أهله الّذين يحزن بحزنهم و يفرح بفرحهم.(2:150)

الهمدانيّ: و حزنني الأمر،و أحزنني،لغتان.

(149)

القاليّ: و أحزن راكعا،أي إذا علوت الحزن ركعت،أي كبوت لوجهي.(1:116)

و الحزم و الحزن:ما غلظ من الأرض،و هي الحزوم و الحزون.(2:93)

الأزهريّ: [ذكر قول أبي عمرو ابن العلاء و أضاف:] و قال غيره:اللّغة العالية حزنه يحزنه،و أكثر القرّاء

ص: 699

قرءوا: فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ يس:76،و كذلك قوله:

قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ الأنعام:33، و أمّا الفعل اللاّزم فإنّه يقال فيه:حزن يحزن حزنا، لا غير.[و ذكر قول أبي عمرو الشّيبانيّ و أضاف:]

و قال غيره:الحزم من الأرض:ما احتزم من السّيل من نجوات المتون و الظّهور؛و الجميع:الحزوم،و الحزن:

ما غلظ من الأرض في ارتفاع...الحزن:جمع حزن.

(4:364)

الصّاحب: الحزن و الحزن:معروفان،حزنني يحزنني حزنا،فأنا محزون،و هو حازن.

و أحزنني يحزنني،فأنا محزن،و هو محزن.

و حزانة الرّجل:من يتحزّن بأمره.

و في قلبي عليك حزانة:أي حزن.

و المحتزن البكيّ: الحزين.و رجل محزون.

و لا يقال:حزنه الأمر،عند قوم،بل يقال:أحزنه الأمر،في المعنى (1)،و يقولون:يحزنه...

و قال الحسن لابنه:«لقد شغلني الحزن عليك عن الحزن لك».

و الحزن و الحزنة من الأرض و الدّوابّ:ما فيه خشونة،و الفعل:حزن حزونة.

و رجل حزن:شرس،و قوم حزن.

و الحزون:الشّاة السّيّئة الخلق.

و بعير حزنيّ: يرعى الحزن.

و الحزن:الصّخور،و الحزونة.(3:10)

الجوهريّ: الحزن و الحزن:خلاف السّرور.

و حزن الرّجل بالكسر فهو حزن و حزين.

و أحزنه غيره و حزنه أيضا،مثل أسلكه و سلكه.

و محزون بني عليه.

و احتزن و تحزّن بمعنى.

و الحزانة،بالضّمّ و التّخفيف:عيال الرّجل الّذي يتحزّن بأمرهم.

و فلان يقرأ بالتّحزين،إذا أرقّ صوته به.

و الحزن:ما غلظ من الأرض،و فيها حزونة.

و الحزن:بلاد للعرب،و الحزن:حيّ من غسّان.

و الحزون:الشّاة السّيّئة الخلق.[و استشهد بالشّعر مرّتين](5:2098)

نحوه ملخّصا الرّازيّ.(151)

ابن فارس: الحاء و الزّاء و النّون أصل واحد،و هو خشونة الشّيء و شدّة فيه،فمن ذلك:الحزن،و هو ما غلظ من الأرض.

و الحزن:معروف،يقال:حزنني الشّيء يحزنني؛ و قد قالوا:أحزنني.

و حزانتك:أهلك و من تتحزّن له.(2:54)

أبو هلال :الفرق بين الحزن و الكرب:أنّ الحزن تكاثف الغمّ و غلظه،مأخوذ من:الأرض الحزن،و هو الغليظ الصّلب.و الكرب:تكاثف الغمّ مع ضيق الصّدر، و لهذا يقال لليوم الحارّ:يوم كرب،أي كرب من فيه، و قد كرب الرّجل و هو مكروب،و قد كربه،إذا غمّه و ضيّق صدره.

الفرق بين الحزن و الكآبة:أنّ الكآبة أثر الحزن البادي على الوجه،و من ثمّ يقال:عليه كآبة،و لا يقال:ذا

ص: 700


1- كذا

علاه حزن أو كرب،لأنّ الحزن لا يرى،و لكن دلالته على الوجه.و تلك الدّلالات تسمّى كآبة.[ثمّ استشهد بشعر]

الفرق بين الحزن و البثّ:أنّ قولنا:الحزن يفيد غلظ الهمّ،و قولنا:البثّ؛يفيد أنّه ينبثّ و لا ينكتم،من قولك:

أبثثته ما عندي و بثثته،إذا أعلمته إيّاه.و أصل الكلمة:كثرة التّفريق،و منه قوله تعالى: كَالْفَراشِ الْمَبْثُوثِ القارعة:4،و قال تعالى: إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللّهِ يوسف:86،فعطف البثّ على الحزن لما بينهما من الفرق في المعنى،و هو ما ذكرناه.(221)

ابن سيده: الحزن و الحزن:نقيض الفرح.قال الأخفش:و المثالان يعتقبان على هذا الضّرب باطّراد؛ و الجمع:أحزان،لا يكسّر على غير ذلك.و قد حزن حزنا و تحازن و تحزّن.

و رجل حزنان و محزان:شديد الحزن.

و حزنه الأمر يحزنه حزنا و أحزنه،فهو محزون و محزن و حزين و حزن-الأخيرة على النّسب-من قوم حزان و حزناء.

و قوله تعالى: وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ فاطر:34،قالوا فيه:الحزن،همّ الغداء و العشاء.و قيل:هو كلّ ما يحزن من حزن معاش أو حزن عذاب أو حزن موت،فقد أذهب اللّه عن أهل الجنّة كلّ الأحزان.

و الحزانة:عيال الرجل الّذين يتحزّن بأمرهم.و في قلبه عليك حزانة،أي فتنة.

و الحزانة:قدمة العرب على العجم في أوّل قدومهم الّذي استحقّوا به ما استحقّوا من الدّور و الضّياع.

و الحزن:ما غلظ من الأرض؛و الجمع:حزون.

و قد حزن المكان حزونة،جاءوا به على بناء ضدّه، و هو مكان سهل و قد سهل سهولة.

و بعير حزنيّ: يرعى الحزن.

و الحزنة:لغة في الحزن.

و الحزن من الدّوابّ:ما خشن صفة.

و الحزن:قبيلة من غسّان.

و حزن:جبل.

و حزن:رجل.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات]

(3:224)

الحزن:ضد السّرور،حزن يحزن حزنا و حزنا:

اغتمّ،فهو حزن و حزين،و هو حزنان؛و الجمع:حزانى.

و تحزّن له و عليه:توجّع،و تحازن:حزن،و ادّعى الحزن.(الإفصاح 1:658)

الحزن:الأرض الغليظة؛الجمع:حزون.حزن المكان حزونة،فهو حزن.و أحزنوا:صاروا في الحزن.(الإفصاح 2:1026)

الطّوسيّ: الحزن و الهمّ و الغمّ،نظائر،و نقيضه:

السّرور.يقال:حزن حزنا،و حزنه حزنا،و تحزّن تحزّنا،و حزّن تحزينا.

و الحزن و الحزن:لغتان،و حزنني و أحزنني:لغتان.

و أنا محزون و محزن.

و إذا أفردوا الصّوت أو الأمر،قالوا:محزن لا غير.

و الحزن من الأرض و الدّوابّ:ما فيه خشونة؛

ص: 701

و الأنثى:حزنة.و الفعل:حزن حزونة.

و قولهم:كيف حشمك و حزانتك؟أي كيف من تتحزّن بأمره.

و أصل الباب:غلظ الهمّ.(1:175)

الرّاغب: الحزن و الحزن:خشونة في الأرض و خشونة في النّفس لما يحصل فيه من الغمّ،و يضادّه:

الفرح.و لاعتبار الخشونة بالغمّ قيل:خشنت بصدره إذا حزنته.

يقال:حزن يحزن،و حزنته و أحزنته.[ثمّ ذكر آيات و قال:]

و قوله تعالى: وَ لا تَحْزَنُوا - وَ لا تَحْزَنْ فليس ذلك بنهي عن تحصيل الحزن،فالحزن ليس يحصل بالاختيار، و لكن النّهي في الحقيقة إنّما هو عن تعاطي ما يورث الحزن و اكتسابه.

و أيضا يجب للإنسان أن يتصوّر ما عليه جبلت الدّنيا حتّى إذا ما بغتته نائبة لم يكترث بها لمعرفته إيّاها، و يجب عليه أن يروّض نفسه على تحمّل صغار النّوب حتّى يتوصّل بها إلى تحمّل كبارها.(115)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:458)

الزّمخشريّ: أحزنه فراقك،و هو ممّا يحزنه.

و له قلب حزين و محزون و حزن،و قد حزن و احتزن.

و ما أشدّ حزنه و حزنه!

و أرض حزنة،و قد حزنت و استحزنت.

و أحسن من روضة الحزن،و الرّوض في الحزونة أحسن منه في السّهولة.

و هذه أرض فيها حزونة و خشونة،و كم أسهلنا و أحزنّا.

و هؤلاء حزانتك،أي أهلك الّذين تتحزّن لهم، و تهتمّ بأمورهم.و فلان لا يبالي إذا شبعت خزانته،أن تجوع حزانته.

و من المجاز:صوت حزين:رخيم.

و قولهم للدّابّة إذا لم يكن وطيئا:إنّه لحزن المشي، و فيه حزونة.

و رجل حزن،إذا لم يكن سهل الخلق.[و استشهد بالشّعر مرّتين](أساس البلاغة:82)

حديث ابن عمر رضي اللّه عنهما في من يغزو و لا نيّة له:«إنّ الشّيطان يحزّنه»أي يجعله بوسوسته حزينا نادما على مفارقة أهله،حتّى يفسد عليه نيّته.يقال:أحزنه الأمر و حزّنه.

[ثمّ ذكر حديث الشّعبيّ و فيه«أحزن بنا المنزل» فقال:]أحزن المنزل:صار ذا حزونة،كأخصب و أجدب.و يجوز أن يكون من قولهم:أحزن الرّجل و أسهل،إذا ركب الحزن و السّهل،و الباء للتّعدية، يعني:و ركب بنا المنزل الحزن،لأنّهم إذا نزلوه و هو حزن فكأنّه قد أوطأهم الحزن.(الفائق 1:279)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ إلاّ أنّه قال:]

و قال قوم:لا يقولون:حزنه الأمر،و يقولون:

يحزنه،فإذا صاروا إلى الماضي قالوا:أحزنه،و هذا شاذّ نادر،لأنّه استعمل أحزن،و أهمل يحزن،و استعمل يحزن و أهمل حزن.

و أصل الباب:غلظ الهمّ،مأخوذ من«الحزن»و هو

ص: 702

ما غلظ من الأرض.(1:90)

المدينيّ: في حديث الشّعبيّ:«أحزن بنا المنزل» هو من الحزونة:و هي غلظ المكان و خشونته.يقال:

أحزن،إذا حلّ بالحزن.و يقال:الحزن من النّاس و الدّوابّ:الّذي فيه الحزونة و الخشونة و الشّراسة.

و منه حديث سعيد بن المسيّب بن حزن:«أنّ النّبيّ أراد أن يغيّر اسم حزن،فأبى و قال:لا أغيّر اسما سمّاني به أبي.قال سعيد:فما زالت فينا تلك الحزونة بعد».

في حديث المغيرة:«محزون اللّهزمة أو الهزمة»أي خشنها،أو أنّ لهازمه تدلّت من الكآبة.و يجوز أن يكون بمعنى ركب الحزن.(1:442)

ابن الأثير: «كان إذا حزنه أمر صلّى»أي أوقعه في الحزن.يقال:حزنني الأمر و أحزنني،فأنا محزون.و لا يقال:محزن (1)،و قد تكرّر في الحديث،و يروى بالباء، و قد تقدّم.[ثمّ ذكر حديث ابن المسيّب إلى أن قال:]

الحزن:المكان الغليظ الخشن،و الحزونة:

الخشونة.(1:380)

الفيّوميّ: حزن حزنا من باب«تعب»و الاسم:

الحزن بالضّمّ فهو حزين،و يتعدّى في لغة قريش بالحركة،يقال:حزنني الأمر يحزنني،من باب«قتل» قاله ثعلب و الأزهريّ.

و في لغة تميم بالألف،و مثّل الأزهريّ باسم الفاعل و المفعول في اللّغتين على بابهما.و منع أبو زيد استعمال الماضي من الثّلاثيّ،فقال:لا يقال:حزنه،و إنّما يستعمل المضارع من الثّلاثيّ،فيقال:يحزنه.

و الحزن:ما غلظ من الأرض،و هو خلاف السّهل:

و الجمع:حزون،مثل فلس و فلوس.(1:134)

الجرجانيّ: الحزن:عبارة عمّا يحصل لوقوع مكروه،أو فوات محبوب في الماضي.(38)

الفيروزآباديّ: الحزن بالضّمّ و يحرّك:الهمّ؛جمعه:

أحزان،حزن كفرح و تحزّن و تحازن و احتزن فهو حزنان و محزان.

و حزنه الأمر حزنا بالضّمّ،و أحزنه:جعله حزينا، و حزنه:جعل فيه حزنا،فهو محزون و محزن و حزين و حزن بكسر الزّاي و ضمّها؛جمعه:حزان و حزناء.

و عام الحزن:ماتت فيه خديجة رضي اللّه عنها و أبو طالب.

و الحزانة بالضّمّ:قدمة العرب على العجم في أوّل قدومهم الّذي استحقّوا به ما استحقّوا من الدّور و الضّياع.

و حزانتك:عيالك الّذين تتحزّن لأمرهم.

و الحزون:الشّاة السّيّئة الخلق.

و الحزن:ما غلظ من الأرض كالحزنة،و أحزن:

صار فيها،و حيّ معروف من غسّان،و بلاد العرب،أو هما حزنان ما بين زبالة و نجد،و موضع لبني يربوع و فيه رياض و قيعان.

و منه:من تربّع الحزن و تشتّى الصّمّان و تقيّظ الشّرف فقد أخصب.

و حزن بن أبي وهب:صحابيّ.

و كصرد:الجبال الغلاظ؛الواحد:حزنة بالضّمّ، و جبل.ن.

ص: 703


1- في الأصل:محزون.

و كأمير:ماء بنجد و اسم.

و كسحاب و ثمامة و زبير:أسماء.

و تحزّن عليه:توجّع.

و هو يقرأ بالتّحزين:يرقّق صوته.(4:215)

الطّريحيّ: الحزن:بضمّ الحاء و سكون الزّاء:أشدّ الهمّ.و قد حزن حزنا،من باب«تعب»فهو حزن و حزين.[ثمّ نقل قولي الفيّوميّ و الجوهريّ]

و الحزن بفتحتين كالحزن:ضدّ السّرور.

و الحزانة بالضّمّ و التّخفيف:عيال الرّجل الّذي يتحزّن لهم،و منه الدّعاء:«و أهل حزانتي».(6:231)

مجمع اللّغة :1-الحزن و الحزن:الهمّ و الغمّ.

حزن يحزن حزنا:اغتمّ.

2-حزنه غيره يحزنه حزنا و أحزنه:أوقعه في الحزن و الغمّ.(1:252)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حزن:ضدّ فرح، و الحزن و الحزن:كدر النّفس ممّا يسوؤها من الهموم و الآلام.(1:131)

العدنانيّ: و يقولون:السّهل و الحزن،و الصّواب:

السّهل و الحزن.

و الحزن:هو ما غلظ و ارتفع من الأرض؛و جمعه:

حزون.و أضاف«اللّسان»جمعا آخر هو:حزن.

أمّا الحزن فهو مثل الحزن:نقيض الفرح و السّرور.

[ثمّ ذكر آيات](معجم الأخطاء الشّائعة:65)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ما يقابل السّرور،و هو حالة انقباض مخصوص في القلب، كما أنّ السّرور حالة انبساط.

و بمناسبة مفهوم الانقباض،يطلق على ما غلظ من الأرض و انقبض.

ثمّ إنّ الحزن من باب«تعب»لازم.[ثمّ ذكر الآيات]

و أمّا الحزن من باب«قتل»متعدّ.[ثمّ ذكر الآيات]

ثمّ إنّ«الحزن»بالتّحريك مصدر يدلّ بهيئة على الحركة و الاستمرار. ...اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ فاطر:34،أي الحزن المستمرّ.(2:224)

النّصوص التّفسيريّة

ليحزن

إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا... المجادلة:10

راجع«ن ج و-النّجوى».

يحزنهم

لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ... الأنبياء:103

راجع«ف ز ع-الفزع».

يحزنك

1- وَ لا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً...

يونس:65

الزّجّاج: أي لا يحزنك إيعادهم و تكذيبهم و تظاهرهم عليك.(3:27)

مثله النّحّاس(3:304)،و الواحديّ(2:554)،

ص: 704

و نحوه القرطبيّ(8:359)،و البيضاويّ(1:452)، و النّسفيّ(2:169)،و الخازن(3:162)، و الكاشانيّ(2:410)،و رشيد رضا(11:452).

الطّوسيّ: ظاهره النّهي،و المراد به التّسلية للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عن قولهم الّذي يؤذونه به،و النّهي في اللّفظ و القول.و إنّما هو عن السّبيل المؤدّي إلى التّأذّي بالقول.

و مثله:لا أراك هاهنا،و المعنى لا تكن هاهنا،فمن كان هاهنا رأيته،فكذلك المراد بالآية لا تعبأ بالأذى،فيمن عنى به أذاه.(5:463)

مثله الطّبرسيّ.(3:120)

الزّمخشريّ: و قرئ (و لا يحزنك) من أحزنه.

(2:243)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ القوم لمّا أوردوا أنواع الشّبهات الّتي حكاها اللّه تعالى عنهم فيما تقدّم من هذه السّورة،و أجاب اللّه عنها بالأجوبة الّتي فسّرناها و قرّرناها،عدلوا إلى طريق آخر،و هو أنّهم هدّدوه و خوّفوه،و زعموا أنّا أصحاب التّبع (1)و المال،فنسعى في قهرك و في إبطال أمرك،و اللّه سبحانه أجاب عن هذا الطّريق بقوله: وَ لا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً

و اعلم أنّ الإنسان إنّما يحزن من وعيد الغير و تهديده و مكره و كيده،لو جوّز كونه مؤثّرا في حاله،فإذا علم من جهة علاّم الغيوب أنّ ذلك لا يؤثّر،خرج من أن يكون سببا لحزنه.ثمّ إنّه تعالى كما أزال عن الرّسول حزن الآخرة بسبب قوله: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ يونس:62،فكذلك أزال حزن الدّنيا بقوله: وَ لا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً، فإذا كان اللّه تعالى هو الّذي أرسله إلى الخلق و هو الّذي أمره بدعوتهم إلى هذا الدّين،كان لا محالة ناصرا له و معينا، و لمّا ثبت أنّ العزّة و القهر و الغلبة ليست إلاّ له،فقد حصل الأمن و زال الخوف.

فإن قيل:فكيف آمنه من ذلك و لم يزل خائفا حتّى احتاج إلى الهجرة و الهرب،ثمّ من بعد ذلك يخاف حالا بعد حال؟

قلنا:إنّ اللّه تعالى وعده الظّفر و النّصرة مطلقا و الوقت ما كان معيّنا،فهو في كلّ وقت كان يخاف من أن لا يكون هذا الوقت المعيّن ذلك الوقت،فحينئذ يحصل الانكسار و الالتزام في هذا الوقت.(17:129)

نحوه باختصار النّيسابوريّ.(11:100)

ابن عربيّ: أي،لا تتأثّر به،فإنّه مراء و شاهد عزّة اللّه و قهره،لتنظر إليهم بنظر الفناء،و ترى أعمالهم و أقوالهم،و ما يهدّدونك به كالهباء،فمن شاهد قوّة اللّه و عزّته،يرى كلّ القوّة و العزّة له،لا قوّة لأحد و لا حول.

(1:547)

نحوه ابن كثير.(3:515)

أبو السّعود :تسلية للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم عمّا كان يلقاه من جهتهم من الأذيّة النّاشئة عن مقالاتهم الموحشة، و تبشير له عليه الصّلاة و السّلام بأنّه عزّ و جلّ ينصره و يعزّه عليهم،إثر بيان أنّ له و لأتباعه أمنا من كلّ محذور و فوزا بكلّ مطلوب.و قرئ (و لا يحزنك) من أحزنه.

و هو في الحقيقة نهى له عليه السّلام عن الحزن،كأنّه قيل:

لا تحزن بقولهم و لا تبال بتكذيبهم،و تشاورهم في تدبير1.

ص: 705


1- التّبع و التّبع:التّابع،جمع أتباع.الوسيط:81.

هلاكك و إبطال أمرك،و سائر ما يتفوّهون به في شأنك، ممّا لا خير فيه.

و إنّما وجّه النّهي إلى قولهم للمبالغة في نهيه عليه السّلام عن الحزن،لما أنّ النّهي عن التّأثير نهي عن التّأثّر بأصله و نفي له بالمرّة،و قد يوجّه النّهي إلى اللاّزم و المراد هو النّهي عن الملزوم،كما في قولك:«لا أرينّك هاهنا» و تخصيص النّهي عن الحزن بالإيراد مع شمول النّفي السّابق للحزن أيضا،لما أنّه لم يكن فيه عليه السّلام شائبة خوف حتّى ينهى عنه،و ربّما كان يعنى به عليه السّلام في بعض الأوقات نوع حزن فسلّي عن ذلك.(3:257)

نحوه البروسويّ.(4:63)

الآلوسيّ: من جعل قوله: وَ لا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ معطوفا على الجملة قبل،أي أنّ أولياء اللّه لا خوف عليهم و لا هم يحزنون،فلا يحزنك قول أعداء اللّه تعالى، فالاعتراض عنده بين متّصلين لا في آخر الكلام،لكنّه ليس بشيء.[ثمّ قال نحو أبي السّعود و أضاف:]

و لا يخفى أنّه إذا قلنا:إنّ الخوف و الحزن متقاربان، فإذا اجتمعا افترقا و إذا افترقا اجتمعا كما علمت آنفا، كان النّهي عن الحزن نهيا عن الخوف أيضا،إلاّ أنّ الأولى عدم اعتبار ما فيه توهّم نسبة الخوف إلى ساحته عليه الصّلاة و السّلام،و إن لم يكن في ذلك نقص.فقد جاء نهي الأنبياء عليهم السّلام عن الخوف كنهيهم عن الحزن، بل قد ثبت صريحا نسبة ذلك إليهم،و هو ممّا لا يخلّ بمرتبة النّبوّة؛إذ ليس كلّ خوف نقصا لينزّهوا عنه كيف كان.(11:152)

القاسميّ: تسلية للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عمّا كان يسمعه من تآمرهم في إيصال مكروه له،و مجاهرتهم بتكذيبه، و رميه بالسّحر و نحوه.[ثمّ أضاف مثل ابن عربيّ]

(9:3376)

الطّباطبائيّ: تأديب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بتعزيته و تسليته فيما كانوا يؤذونه به،بالوقوع في ربّه و الطّعن في دينه، و الاعتزاز بشركائهم و آلهتهم،كما يشعر به القول في الآية التّالية،فكاد يحزن للّه فسلاّه اللّه و طيّب نفسه بتذكيره ما يسكن وجده،و هو أنّ العزّة للّه و أنّه سميع لمقالهم،عليم بحاله و حالهم.و إذ كان له تعالى كلّ العزّة، فلا يعبأ بما اعتزّوا به من العزّة الوهميّة فهذوا ما هذوا، و إذ كان سميعا عليما،فلو شاء لأخذهم بالنّكال،و إذ كان لا يأخذهم،فإنّما في ذلك مصلحة الدّعوة و خير العاقبة.

و من هنا يظهر أنّ كلاّ من قوله: إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ و قوله: هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ علّة مستقلّة للنّهي و لذا جيء بالفصل من غير عطف.(10:93)

عبد الكريم الخطيب :هو عزاء للنّبيّ الكريم،ممّا يلقى من قومه من ضرّ و أذى.و إنّ أشدّ ما كان يؤذي النّبيّ و يسوؤه،هو خلاف قومه عليه،و تنكّبهم عن طريق الحقّ الّذي يدعوهم إليه،و تخبّطهم في ظلمات الضّلال و الشّرك،فهو رءوف بهم،رحيم عليهم، حريص على هدايتهم،كما يقول اللّه سبحانه و تعالى فيه:

لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ ما عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ التّوبة:128.

و لهذا،فقد كانت آيات القرآن الكريم تتنزّل عليه من ربّه،تواسيه و تخفّف ما به من حزن و ألم،كقوله

ص: 706

تعالى: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ فاطر:8، و قوله سبحانه: إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ القصص:56،و قوله: لَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ أَلاّ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ الشّعراء:3.

فقوله تعالى: وَ لا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ هو ممّا كان ينزل على النّبيّ من آيات ربّه،من عزاء و مواساة،لما كان يلقى من قومه من عنت و عناد،و لما كان يقع في نفسه من حزن عليهم أن يحرموا هذا الخير الّذي ساقه اللّه سبحانه و تعالى على يديه إليهم.(6:1043)

طه الدّرّة:أي لا يهمّك و لا يغمّك و لا يخوّفك كفرهم و تهديدهم و وعيدهم،و الخطاب للنّبيّ.

(6:168)

فضل اللّه :كان المشركون يثيرون الكلام الجارح القاسي للعقيدة،و الاتّهامات غر المسئولة للنّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله،بالإضافة إلى ألفاظ السّباب و الشّتائم.و ربّما أثار هذا الجوّ الحزن في نفس النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،ممّا قد يوحي بضعف الموقف الّذي لا يملك الكثير من أدوات المواجهة، و قد ينعكس على صورة الرّسالة في السّاحة و حركتها في الصّراع.و لكن اللّه أراد لنبيّه أن لا يستسلم لكلّ نوازع الضّعف و مشاعر الحزن،لأنّ كلمات الكفر لن تهزم الإيمان،ما دام الإيمان يمثّل الحقيقة الّتي تضرب جذورها بأعمق أعماق الحياة،بينما يعيش الكفر الاهتزاز على السّطح،بعيدا عن أيّ عمق.

و لذلك يقف الإيمان المنطلق من رحاب اللّه في خطّ المواجهة،ليؤكّد موقفه الصّامد الّذي يتحمّل الآلام و الجراح و المشاكل بقوّة،من موقع الوثوق بنصر اللّه، و الاطمئنان إلى رعايته و عنايته،ممّا يجعل النّتائج الإيجابيّة الحاسمة للمؤمنين في نهاية المطاف.

و لذلك كانت التّربية الإلهيّة للرّسول صلّى اللّه عليه و آله تؤكّد أنّ عليه أن يتطلّع إلى نهايات الأمور في حركة الصّراع،لا أن يتطلّع إلى بداياتها،و أن يفكّر بالآلام و المشاكل الّتي تواجهه كخطوة متقدّمة في طريق النّصر،لأنّ عمليّة التّغيير تفرض المعاناة كشرط موضوعيّ للنّجاح.

و إذا كانت المعاناة حركة روحيّة داخليّة في سبيل اللّه،فإنّها توحي للإنسان المؤمن بالفرح الرّوحيّ الّذي تبتسم فيه الجراح،و تصفّق فيه الآلام،و تتعمّق فيه مشاعر القوّة الّتي تتّصل آفاقها باللّه القويّ العزيز، لتواجه التّحدّيات الّتي يثيرها دعاة الشّرك و الكفر و الضّلال بالحقيقة القرآنيّة.(11:337)

2- وَ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللّهَ شَيْئاً يُرِيدُ اللّهُ أَلاّ يَجْعَلَ لَهُمْ حَظًّا فِي الْآخِرَةِ... آل عمران:176

ابن عبّاس: يا محمّد و لا يغمّك.(61)

الفارسيّ: اختلفوا في فتح الياء و ضمّ الزّاي، و ضمّ الياء و كسر الزّاي،من قوله تعالى:(و لا يحزنك).

فقرأ نافع وحده (يحزنك) و (ليحزن) المجادلة:10،و إِنِّي لَيَحْزُنُنِي يوسف:13،بضمّ الياء،و كسر الزّاي في كلّ القرآن إلاّ في سورة الأنبياء:103 لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ، فإنّه فتحها،يعني الياء،و ضمّ الزّاي.

و قرأ الباقون في جميع ذلك (يحزن) بفتح الياء و ضمّ الزّاي في كلّ القرآن.[ثمّ ذكر قول سيبويه و قد تقدّم في

ص: 707

النّصوص اللّغويّة](3:99)

نحوه أبو زرعة(181)،و الثّعلبيّ(3:215)، و الطّوسيّ(3:55)،و البغويّ(1:542).

القشيريّ: زاد في قوّة قلبه بما جدّد له من تأكيد العهد،بأنّه لا يشمت به عدوّا،و لا يوصل إليه من قبلهم سوء.(1:310)

الزّمخشريّ: فإن قلت:فما معنى قوله:

(و لا يحزنك)و من حقّ الرّسول أن يحزن لنفاق من نافق و ارتداد من ارتدّ؟

قلت:معناه لا يحزنوك لخوف أن يضرّوك و يعينوا عليك،أ لا ترى إلى قوله: إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللّهَ شَيْئاً ، يعني أنّهم لا يضرّون بمسارعتهم في الكفر غير أنفسهم، و ما وبال ذلك عائدا على غيرهم.

(1:482)

نحوه البيضاويّ(1:194)،و أبو حيّان(3:121)، و خليل ياسين(1:151).

الفخر الرّازيّ: [نحو الفارسيّ إلى أن قال:]

في الآية سؤال:و هو أنّ الحزن على كفر الكافر و معصية العاصي طاعة،فكيف نهى اللّه عن الطّاعة؟

و الجواب من وجهين:

الأوّل:أنّه كان يفرط و يسرف في الحزن على كفر قومه،حتّى كاد يؤدّي ذلك إلى لحوق الضّرر به،فنهاه اللّه تعالى عن الإسراف فيه،أ لا ترى إلى قوله تعالى:

فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ فاطر:8.

الثّاني:[نحو الزّمخشريّ].(9:104)

الشّربينيّ: لا تهتمّ لكفرهم.(1:267)

نحوه طه الدّرّة.(2:272)

أبو السّعود :تلوين للخطاب و توجيه له إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لتشريفه بتخصيصه بالتّسلية،و الإيذان بأصالته في تدبير أمور الدّين و الاهتمام بشئونه...

(2:66)

الآلوسيّ: الموصول[الّذين]فاعل(يحزنك) و ليست الصّلة علّة لعدم الحزن،كما هو المعهود في مثله، لأنّ الحزن من الوقوع في الكفر هو الأمر اللاّئق،لأنّه قبيح عند اللّه تعالى يجب أن يحزن من مشاهدته،فلا يصحّ النّهي عن الحزن من ذلك،بل العلّة هنا ما يترتّب على تلك المسارعة من مراغمة المؤمنين و إيصال المضرّة إليهم،إلاّ أنّه عبّر بذلك مبالغة في النّهي.

و المراد لا يحزنك خوف أن يضرّوك و يعينوا عليك، و يدلّ على ذلك إيلاء قوله تعالى: إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللّهَ شَيْئاً ردّا و إنكارا لظنّ الخوف.(4:132)

القاسميّ: أي لا تهتمّ و لا تبال بما يلوح منهم من آثار الكيد للإسلام و مضرّة أهله.و قرئ في السّبع (يحزنك) بضمّ الياء و كسر الزّاي.(4:1041)

رشيد رضا :كما كان يسلّيه عمّا يحزنه من إعراض الكافرين عن الإيمان أو طعنهم في القرآن،أو في شخصه صلّى اللّه عليه و سلّم،كقوله تعالى: وَ لا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً يونس:65،و قوله: فَلَعَلَّكَ باخِعٌ نَفْسَكَ...

الكهف:6،و قوله: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ فاطر:8،أو المراد من السّياق تسليته صلّى اللّه عليه و سلّم عمّا ساءه و حزنه من اهتمام المشركين بنصرة شركهم و معاودتهم للقتال بعد أحد،في حمراء الأسد أو بدر

ص: 708

الصّغرى،لو لا خذلان اللّه لهم.(4:247)

الطّباطبائيّ: تسلية و رفع للحزن ببيان حقيقة الأمر.[إلى أن قال:]

فمعنى الآية:لا يحزنك الّذين يسرعون و لا يزال يشتدّ سرعتهم في الكفر،فإنّك إن تحزن فإنّما تحزن لما تظنّ أنّهم يضرّون اللّه بذلك،و ليس كذلك فهم لا يضرّون اللّه شيئا،لأنّهم مسخّرون للّه يسلك بهم في سير حياتهم إلى حيث لا يبقى لهم حظّ في الآخرة-و هو آخر حدّهم في الكفر-و لهم عذاب أليم،فقوله:

(لا يحزنك)أمر إرشاديّ،و قوله:(انّهم...)تعليل للنّهي، و قوله:(يريد اللّه...)تعليل و بيان لعدم ضررهم.

(4:78)

عبد الكريم الخطيب :عزاء و مواساة للنّبيّ الكريم،لما كان يجد في نفسه من الحزن و الألم،حين يرى بعض من دخلوا في الإيمان،و حسبوا في المؤمنين،و ظنّ بهم أن خرجوا من ظلام الكفر و ضلال الجاهليّة إلى نور الإيمان و هدى الإسلام،فإذا بهم و قد عادوا إلى المنحدر، و أزلّهم الشّيطان عن هذا المقام الكريم.(2:146)

مكارم الشّيرازيّ: فاللّه تعالى يسلّي نبيّه في أعقاب أحداث«أحد»المؤلمة،قائلا له:أيّها الرّسول:

لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ و كأنّهم يتسابقون إليه إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللّهَ شَيْئاً بل يضرّون بذلك أنفسهم،و أساسا فالمتضرّر و المنتفع بشيء إنّما هي الموجودات الّتي لا تملك من عند أنفسها شيئا حتّى وجودها،أمّا اللّه الأزليّ الأبديّ سبحانه فهو الغنيّ المطلق،فما الّذي يعود به كفر النّاس أو إيمانهم عليه سبحانه،و أيّ أثر يمكن أن يكون لجهودهم و محاولاتهم بالنّسبة إليه تعالى؟(3:13)

فضل اللّه :لا يكدّرك و لا يؤلمك.[إلى أن قال:]

لا تحزن على الكافرين:لقد كان الرّسول صلّى اللّه عليه و آله يعيش في داخل نفسه الحزن العميق،من خلال ما يواجهه من كفر الكفّار الّذين لا يتوقّفون أمام دعوة الإيمان،ليتأمّلوا و يفكّروا ليؤمنوا من خلال ما تحمله الدّعوة من براهين الحقّ.بل يسارعون في الكفر و الإنكار تحت تأثير رواسبهم و تقاليدهم و شهواتهم، و علاقاتهم الحميمة بآبائهم.فقد كان يعيش الإخلاص كلّه للّه،و يريد للنّاس أن يلتقوا باللّه في عمليّة إيمان و طاعة،ليتعرّفوا عظمته من خلال خلقه،و يتحرّكوا في طاعته شكرا لنعمته.

و لكنّ اللّه سبحانه لا يريد للرّسول أن يحزن،بل يدعوه إلى أن يقابل الموقف بشكل طبيعيّ،فقد أقام عليهم الحجّة من خلال ما طرحه عليهم من أساليب الدّعوة و أفكارها،ممّا لا يدع لهم مجالا فكريّا للإنكار، فليس هناك تقصير من جهته إذا كان حزنه خوفا من التّقصير،و إذا كان ذلك خوفا عليهم من الهلاك،فهم قد اختاروا لأنفسهم ذلك.أمّا إذا كان انفعالا روحيّا لمعصيتهم للّه و كفرهم به،فإنّهم لن يضرّوا اللّه شيئا، لا بلحاظ ذاته،لأنّه الغنيّ المطلق الّذي لا تنفعه طاعة من أطاعه،و لا تضرّه معصية من عصاه،و كفر من كفر به، بل هو الّذي يملك أمر عقابهم.(6:394)

[ لاحظ«س ر ع.«يسارعون»]

و بهذا المعنى جاء في المائدة:41،و يونس:65،

ص: 709

و لقمان:23،و يس:76.

يحزنون

1- فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ.

البقرة:38

ابن عبّاس: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فيما يستقبلهم من العذاب. وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما خلّفوا من خلفهم.(7)

سعيد بن جبير: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ يعني في الآخرة. وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ يعني لا يحزنون للموت.

(الشّوكانيّ 1:93)

ابن زيد :لا خوف عليكم أمامكم.و ليس شيء أعظم في صدر الّذي يموت ممّا بعد الموت.فأمّنهم منه و سلاّهم عن الدّنيا فقال: وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ.

(الطّبريّ 1:248)

الطّبريّ: يعني فهم آمنون في أهوال القيامة من عقاب اللّه،غير خائفين عذابه،بما أطاعوا اللّه في الدّنيا و اتّبعوا أمره و هداه و سبيله،و لا هم يحزنون يومئذ على ما خلّفوا بعد وفاتهم في الدّنيا.(الطّبريّ 1:248)

الثّعلبيّ: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ: فيما يستقبلهم.

وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ: على ما خلّفوا.(1:185)

مثله البغويّ(1:108)،و النّسفيّ(1:44)، و الخازن(1:44).

الطّوسيّ: عمومه يقضي أنّه لا يلحقهم خوف أهوال القيامة،و هو قول الجبّائيّ.و قال ابن إخشيد:

لا يدلّ على ذلك،لأنّ اللّه تعالى وصف القيامة بعظم الخوف.قال اللّه تعالى: إِنَّ زَلْزَلَةَ السّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ إلى قوله:(شديد)الحجّ:1.و لأنّه روي أنّه يلجم النّاس العرق،و غير ذلك من الشّدائد.و هذا ليس بمعتمد، لأنّه لا يمتنع أن يكون هؤلاء خارجين من ذلك الغمّ.و أمّا الحزن،فلا خلاف أنّه لا يلحقهم.و من أجاز الخوف،فرّق بينه و بين الحزن،لأنّ الحزن إنّما يقع على ما يغلظ و يعظم من الغمّ و الهمّ،فلذلك لم يوصفوا بذلك.و لذلك قال تعالى: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ الأنبياء:103.لأنّ ما يلحقهم لا يثبت،و يزول وشيكا.قالوا:و يدلّك على أنّ الحزن ما ذكرنا،أنّه مأخوذ من الحزن،و هو ما غلظ من الأرض.فكان ما غلظ من الهمّ.فأمّا لحوق الحزن و الخوف في دار الدّنيا،فلا خلاف أنّه يجوز أن يلحقهم، لأنّ من المعلوم أنّ المؤمنين لا ينفكّون منه.(1:176)

الواحديّ: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ في الآخرة. وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ و لا حزن.و الخطاب لآدم و حوّاء و ذرّيّتهما،أعلمهم اللّه تعالى أنّه يبتليهم بالطّاعة، و يجازيهم بالجنّة عليها،و أنّ هذا الابتلاء وقع عند الهبوط إلى الأرض.(1:126)

ابن عطيّة: و قرأ الزّهريّ و يعقوب و عيسى الثّقفيّ:

(فلا خوف عليهم) نصب بالتّبرئة،و وجهه أنّه أعمّ و أبلغ في رفع الخوف،و وجه الرّفع أنّه أعدل في اللّفظ لينعطف المرفوع من قولهم:(يحزنون)على مرفوع، «و لا»في قراءة الرّفع عاملة عمل ليس.

و قرأ ابن محيصن باختلاف عنه (فلا خوف) بالرّفع و ترك التّنوين،و هي على أن تعمل«لا»عمل ليس، لكنّه حذف التّنوين تخفيفا لكثرة الاستعمال،و يحتمل قوله تعالى: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ أي فيما بين أيديهم من

ص: 710

الدّنيا، وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما فاتهم منها،و يحتمل أنّ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ يوم القيامة، وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ فيه،و يحتمل أن يريد أنّه يدخلهم الجنّة حيث لا خوف و لا حزن.(1:132)

نحوه الثّعالبيّ(1:68)

الطّبرسيّ: فلا يلحقهم خوف من أهوال يوم القيامة من العقاب و لا هم يحزنون على فوات الثّواب، فأمّا الخوف و الحزن في الدّنيا فإنّه يجوز أن يلحقهم،لأنّ من المعلوم أنّ المؤمنين لا ينفكّون منه.(1:91)

ابن الجوزيّ: و المعنى:فلا خوف عليهم فيما يستقبلون من العذاب،و لا هم يحزنون عند الموت.

و الخوف لأمر مستقبل،و الحزن لأمر ماض.(1:71)

الفخر الرّازيّ: و جمع قوله: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ جميع ما أعدّ اللّه تعالى لأوليائه،لأنّ زوال الخوف يتضمّن السّلامة من جميع الآفات،و زوال الحزن يقتضي الوصول إلى كلّ اللّذّات و المرادات،و قدّم عدم الخوف على عدم الحزن لأنّ زوال ما لا ينبغي مقدّم على طلب ما ينبغي،و هذا يدلّ على أنّ المكلّف الّذي أطاع اللّه تعالى لا يلحقه خوف في القبر،و لا عند البعث، و لا عند حضور الموقف،و لا عند تطاير الكتب،و لا عند نصب الموازين،و لا عند الصّراط،كما قال اللّه تعالى:

لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَ تَتَلَقّاهُمُ الْمَلائِكَةُ هذا يَوْمُكُمُ الَّذِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ الأنبياء:103،و قال قوم من المتكلّمين:إنّ أهوال القيامة كما تصل إلى الكفّار و الفسّاق تصل أيضا إلى المؤمنين لقوله تعالى: يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ الحجّ:2، و أيضا فإذا انكشفت تلك الأهوال و صاروا إلى الجنّة و رضوان اللّه صار ما تقدّم كأن لم يكن،بل ربّما كان زائدا في الالتذاذ بما يجده من النّعيم.

و هذا ضعيف،لأنّ قوله: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ أخصّ من قوله: يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ و الخاصّ مقدّم على العامّ.[ثمّ نقل كلام ابن زيد و قال:]

فإن قيل:قوله: فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ يقتضي نفي الخوف و الحزن مطلقا في الدّنيا و الآخرة،و ليس الأمر كذلك،لأنّهما حصلا في الدّنيا للمؤمنين أكثر من حصولهما لغير المؤمنين.قال عليه الصّلاة و السّلام:«خصّ البلاء بالأنبياء ثمّ الأولياء ثمّ الأمثل فالأمثل».و أيضا فالمؤمن لا يمكنه القطع أنّه أتى بالعبادات كما ينبغي،فخوف التّقصير حاصل، و أيضا فخوف سوء العاقبة حاصل.

قلنا:قرائن الكلام تدلّ على أنّ المراد نفيهما في الآخرة لا في الدّنيا،و لذلك حكى اللّه عنهم أنّهم قالوا حين دخلوا الجنّة: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ فاطر:34،أي أذهب عنّا ما كنّا فيه من الخوف و الإشفاق في الدّنيا من أن تفوتنا كرامة اللّه تعالى الّتي نلناها الآن.(3:27)

ابن عربيّ: و الهدى:هو الشّرع،فمن تبعه أمن سوء العاقبة فلم يخف ممّا يأتي من العقاب و الفناء، و تسلّى عن الشّهوات و اللّذّات،فلم يحزن على ما فاته من حطام الدّنيا و نعيمها،لاكتحال بصيرته بنور المتابعة، و اهتدائه إلى ما لا يقاس بلذّات الدّنيا من الأذواق

ص: 711

الرّوحانيّة،و الفتوحات السّرّيّة،و المشاهدات القلبيّة،و العلوم العقليّة،و المواجيد النّفسيّة.(1:42)

القرطبيّ: [نحو ابن عطيّة في نقل القراءة ثمّ قال:] و المعنى في الآية:فلا خوف عليهم فيما بين أيديهم من الآخرة،و لا هم يحزنون على ما فاتهم من الدّنيا.

و قيل:ليس فيه دليل على نفي أهوال يوم القيامة و خوفها على المطيعين لما وصفه اللّه تعالى و رسوله من شدائد القيامة،إلاّ أنّه يخفّفه عن المطيعين،و إذا صاروا إلى رحمته فكأنّهم لم يخافوا،و اللّه أعلم.(1:329)

البيضاويّ: فلا خوف عليهم فضلا عن أن يحلّ بهم مكروه،و لا هم ممّن يفوت عنهم محبوب فيحزنوا عليه،فالخوف على المتوقّع و الحزن على الواقع،نفى عنهم العقاب و أثبت لهم الثّواب على آكد وجه و أبلغه.

(1:51)

النّيسابوريّ: و جمع قوله: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ جميع ما أعدّ اللّه تعالى لأوليائه،لأنّ الخوف لم يحصل للنّفس من توقّع مكروه أو انتظار محذور،و زواله يتضمّن السّلامة من جميع الآفات.

و الحزن أ لم يعرض للنّفس لفقد محبوب أو فوات مطلوب،و نفيه يقتضي الوصول إلى كلّ اللّذّات و المرادات؛و إنّما قدّم عدم الخوف على عدم الحزن لأنّ زوال ما لا ينبغي مقدّم على حصول ما ينبغي.و هذا يدلّ على أنّ المكلّف الّذي أطاع اللّه تعالى،لا يلحقه خوف عند الموت،و لا في القبر،و لا عند البعث،و لا عند حضور الموقف،و لا عند تطاير الكتب،و لا عند نصب الميزان،و لا عند الصّراط: إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ فصّلت:30، و قال قوم من المتكلّمين:إنّ أهوال يوم القيامة تعمّ الكفّار و الفسّاق و المؤمنين بدليل قوله تعالى: يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ وَ تَضَعُ كُلُّ ذاتِ حَمْلٍ حَمْلَها وَ تَرَى النّاسَ سُكارى وَ ما هُمْ بِسُكارى الحجّ:1، فَكَيْفَ تَتَّقُونَ إِنْ كَفَرْتُمْ يَوْماً يَجْعَلُ الْوِلْدانَ شِيباً المزّمّل:17، يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ المائدة:109، فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَ لَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ الأعراف:6.

و في الحديث:«تدنو الشّمس يوم القيامة من الخلق حتّى تكون منهم كمقدار ميل،فيكون النّاس على قدر أعمالهم في العرق،فمنهم من يكون إلى كعبه،و منهم من يكون إلى ركبتيه،و منهم من يكون إلى حقويه،و منهم من يلجمه العرق إلجاما،و أشار رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بيده إلى فيه»و حديث الشّفاعة و قول كلّ نبيّ:«نفسي نفسي»إلاّ نبيّنا صلّى اللّه عليه و سلّم فإنّه يقول:«أمّتي أمّتي»مشهور.

لا ريب أنّ وعد اللّه حقّ،فمن وعده الأمن يكون آمنا لا محالة إلاّ أنّ الإنسان خلق ضعيفا لا يستيقن الأمن الكلّيّ ما لم يصل إلى الجنّة،لأنّه لا يطمئنّ قلبه ما لم ينضمّ له إلى علم اليقين عين اليقين.

و أيضا إنّ جلال اللّه و عظمته يدهش الإنسان برّا كان أو فاجرا.

و أيضا ظاهر العمل الصّالح لا يفيد اليقين بالجنّة،فلا عمل إلاّ بالإخلاص و لا حكم بالإخلاص إلاّ للّه تعالى، لأنّه من عمل القلب،و«قلب المؤمن بين إصبعين من

ص: 712

أصابع الرّحمن يقلّبه كيف يشاء»و لهذا جاء:

«و المخلصون على خطر عظيم»و كان دأب الصّدّيقين أن يخلطوا الطّمع بالخوف و الرّغبة بالرّهبة. يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً السّجدة:16، وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً الأنبياء:90،و قيل:لا خوف عليهم أمامهم، فليس شيء أعظم في صدر الّذي يموت ممّا بعد الموت، فآمنهم اللّه تعالى،ثمّ سلاّهم فقال لهم: وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما خلّفوه بعد وفاتهم في الدّنيا،ثمّ إنّ الأئمّة خصّصوا نفي الخوف و الحزن بالآخرة،لأنّ مجاري الأمور في الدّنيا لا تخلو من مواجب الخوف و الحزن.

و قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«خصّ البلاء بالأنبياء،ثمّ بالأولياء،ثمّ الأمثل فالأمثل»قلنا:المؤمن الرّاضي بقضاء اللّه و قدره لا يرى شيئا من المكاره مكروها،و إنّما مراده مراد حبيبه: فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً النّساء:65.

فبترك الإرادة يصحّ نسبة العبوديّة،و بالرّضوان يحصل مفاتيح الجنان،و تنكشف الهموم و الأحزان، و يتساوى الفقر و الوجدان،و تثبت حقيقة الإيمان وَ الَّذِينَ كَفَرُوا لجحدهم مولاهم وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا لإثباتهم حكما لهم بحسب مشتهاهم و هواهم أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ البقرة:39،ملازموها دائما سرمدا.

سواء كانوا من الإنس أو من الجنّ،أعاذنا اللّه منها بعميم فضله و جسيم طوله.(1:289)

أبو حيّان : فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ قرأ الجمهور بالرّفع و التّنوين،و قرأ الزّهريّ و عيسى الثّقفيّ و يعقوب بالفتح في جميع القرآن،و قرأ ابن محيصن باختلاف عنه بالرّفع من غير تنوين.وجه قراءة الجمهور مراعاة الرّفع في وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ فرفعوا للتّعادل،قال ابن عطيّة:

و الرّفع على إعمالها إعمال ليس،و لا يتعيّن ما قاله بل الأولى أن يكون مرفوعا بالابتداء لوجهين:

أحدهما:إنّ إعمال(لا)عمل ليس قليل جدّا، و يمكن النّزاع في صحّته،و إن صحّ فيمكن النّزاع في اقتباسه.

و الثّاني:حصول التّعادل بينهما إذ تكون(لا)قد دخلت في كلتا الجملتين على مبتدإ و لم تعمل فيهما.

و وجه قراءة الزّهريّ و من وافقه أنّ ذلك نصّ في العموم فينفي كلّ فرد فرد من مدلول الخوف،و أمّا الرّفع فيجوزه و ليس نصّا،فراعوا ما دلّ على العموم بالنّصّ دون ما يدلّ عليه بالظّاهر.

و أمّا قراءة ابن محيصن،فخرّجها ابن عطيّة على أنّه من إعمال(لا)عمل(ليس)،و أنّه حذف التّنوين تخفيفا لكثرة الاستعمال،و قد ذكرنا ما في إعمال(لا)عمل (ليس)،فالأولى أن يكون مبتدأ كما ذكرناه إذا كان مرفوعا منوّنا و حذف تنوينه كما قال:لكثرة الاستعمال، و يجوز أن يكون عرى من التّنوين لأنّه على نيّة الألف و اللاّم،فيكون التّقدير فلا الخوف عليهم،و يكون مثل ما حكى الأخفش عن العرب:سلام عليكم،بغير تنوين.قالوا:يريدون السّلام عليكم،و يكون هذا التّخريج أولى؛إذ يحصل التّعادل في كون(لا)دخلت على المعرفة في كلتا الجملتين،و إذا دخلت على المعارف لم تجر مجرى(ليس)،و قد سمع من ذلك بيت للنّابغة

ص: 713

الجعديّ و تأوّله النّحاة و هو:

و حلّت سواد القلب لا أنا باغيا

سواها و لا في حبّها متراخيا

و قد لحّنوا أبا الطّيّب في قوله:

*فلا الحمد مكسوبا و لا المال باقيا*

و كنّى بقوله:(عليهم)عن الاستيلاء و الإحاطة و نزل المعنى منزلة الجرم و نفى كونه معتليا مستوليا عليهم.

و في ذلك إشارة لطيفة إلى أنّ الخوف لا ينتفي بالكلّيّة أ لا ترى إلى انصباب النّفي على كينونة الخوف عليهم،و لا يلزم من كينونة استعلاء الخوف انتفاء الخوف في كلّ حال.

و لذلك قال بعض المفسّرين:ليس في قوله: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ دليل على نفي أهوال يوم القيامة و خوفها عن المطيعين لما وصفه اللّه تعالى و رسوله من شدائد القيامة إلاّ أنّها مخفّفة عن المطيعين،فإذا صاروا إلى رحمته فكأنّهم لم يخافوا.

و قدّم عدم الخوف على عدم الحزن لأنّ انتفاء الخوف فيما هو آت آكد من انتفاء الحزن على ما فات، و لذلك أبرزت جملته مصدّرة بالنّكرة،الّتي هي أوغل في باب النّفي،و أبرزت الثّانية مصدّرة بالمعرفة في قوله وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ.

و في قوله: وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ إشارة إلى اختصاصهم بانتفاء الحزن و أنّ غيرهم يحزن،و لو لم يشر إلى هذا المعنى لكان(و لا يحزنون)كافيا،و لذلك أورد نفي الحزن عنهم،و إذهابه في قوله: إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ -إلى قوله- لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ وَ تَتَلَقّاهُمُ الْمَلائِكَةُ الأنبياء:103،و معلوم أنّ هذين الخبرين و ما قبلهما من الخبر مختصّ بالّذين سبقت لهم من اللّه الحسنى،و في قوله: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ فاطر:34.

فدلّ هذا كلّه على أنّ غيرهم يحزنه الفزع و لا يذهب عنهم الحزن.

و حكي عن المفسّرين في تفسير هذه الجملة أقوال:

أحدها:لا خوف عليهم فيما يستقبلون من العذاب و لا يحزنون عند الموت.

الثّاني:لا يتوقّعون مكروها في المستقبل و لا هم يحزنون لفوات المرغوب في الماضي و الحال.

الثّالث:لا خوف عليهم فيما يستقبلهم و لا هم يحزنون فيما خلفه.

الرّابع:لا خوف عليهم فيما بين أيديهم من الآخرة و لا هم يحزنون على ما فاتهم من الدّنيا.

الخامس:لا خوف عليهم من عقاب و لا هم يحزنون على فوات ثواب.

السّادس:إنّ الخوف استشعار غمّ لفقد مطلوب، و الحزن استشعار غمّ لفوات محبوب.

السّابع:لا خوف عليهم فيما بين أيديهم من الدّنيا و لا هم يحزنون على ما فاتهم منها.

الثّامن:لا خوف عليهم يوم القيامة و لا هم يحزنون فيها.

التّاسع:أنّه أشار إلى أنّه يدخلهم الجنّة الّتي هي دار السّرور و الأمن لا خوف عليهم فيها و لا حزن.

العاشر:[قول ابن زيد]

ص: 714

الحادي عشر:لا خوف حين أطبقت النّار و لا حزن حين ذبح الموت في صورة كبش على الصّراط فقيل:

لأهل الجنّة و النّار خلود لا موت.

الثّاني عشر:لا خوف و لا حزن على الدّوام.

و هذه الأقوال كلّها متقاربة.و ظاهر الآية عموم نفي الخوف و الحزن عنهم،لكن يخصّ بما بعد الدّنيا،لأنّه في دار الدّنيا قد يلحق المؤمن الخوف و الحزن فلا يمكن حمل الآية على ظاهرها من العموم لذلك.(1:169)

ابن كثير : فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ أي فيما يستقبلونه من أمر الآخرة. وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما فاتهم من أمور الدّنيا.(1:142)

الشّربينيّ: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ فضلا من أن يحلّ بهم مكروه. وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ بفوات محبوب عنهم، و هو النّظر إلى وجهه تعالى فيحزنوا عليه،بل يتنعّمون بالنّظر إلى وجهه تعالى فإنّه المقصود الأعظم.فالخوف على الواقع نفى عنهم العقاب فأثبت لهم الثّواب على آكد وجه و أبلغه.

و قيل:لا خوف عليهم في الدّنيا و لا هم يحزنون في الآخرة.(1:52)

أبو السّعود :و المعنى أنّ من تبع هداي منكم فلا خوف عليهم في الدّارين من لحوق مكروه و لا هم يحزنون من فوات مطلوب،أي لا يعتريهم ما يوجب ذلك،لا أنّه يعتريهم ذلك لكنّهم لا يخافون و لا يحزنون، و لا أنّه لا يعتريهم نفس الخوف و الحزن أصلا،بل يستمرّون على السّرور و النّشاط.كيف لا و استشعار الخوف و الخشية استعظاما لجلال اللّه سبحانه و هيبته، و استقصارا للجدّ و السّعي في إقامة حقوق العبوديّة من خصائص الخواصّ و المقرّبين.

و المراد بيان دوام انتفائهما لا بيان انتفاء دوامهما كما يتوهّم من كون الخبر في الجملة الثّانية مضارعا،لما تقرّر في موضعه أنّ النّفي و إن دخل على نفس المضارع يفيد الدّوام و الاستمرار بحسب المقام.(1:124)

نحوه البروسويّ(1:115)

الآلوسيّ: الخوف:الفزع في المستقبل،و الحزن:

ضدّ السّرور مأخوذ من الحزن و هو ما غلظ من الأرض فكأنّه ما غلظ من الهمّ،و لا يكون إلاّ في الأمر الماضي على المشهور.و يؤول حينئذ نحو: إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ يوسف:13،بعلم ذلك الواقع.

و قيل:إنّه و الخوف كلاهما في المستقبل،لكنّ الخوف استشعار همّ لفقد مطلوب،و الحزن استشعار غمّ لفوت محبوب.

و جعل هنا نفي الخوف كناية عن نفي العقاب،و نفي الحزن كناية عن نفي الثّواب،و هي أبلغ من الصّريح و آكد لأنّها كدعوى الشّيء ببيّنة،و المعنى-لا خوف عليهم- فضلا عن أن يحلّ بهم مكروه،و لا هم يفوت عنهم محبوب فيحزنوا عليه؛

فالمنفيّ عن الأولياء خوف حلول المكروه و الحزن في الآخرة،و فيه إشارة إلى أنّه يدخلهم الجنّة الّتي هي دار السّرور و الأمن لا خوف فيها و لا حزن؛و حينئذ يظهر التّقابل بين الصّنفين في الآيتين.

و قال بعض الكبراء:خوف المكروه منفيّ عنهم مطلقا.و أمّا خوف الجلال ففي غاية الكمال،و المخلصون

ص: 715

على خطر عظيم.[و فيه أقوال أخرى](1:239)

القاسميّ: في الآخرة بأن يدخلوا الجنّة.(2:110)

رشيد رضا : فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من وسوسة الشّيطان،و لا ممّا يعقبها من الشّقاء و الخسران. وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ على فوت مطلوب،أو فقد محبوب،لأنّهم يعلمون بهذه الهداية أنّ الصّبر و التّسليم ممّا يرضي اللّه تعالى و يوجب مثوبته،و يفتح للإنسان باب الاعتبار بالحوادث،و يقوّيه على مصارعة الكوارث،فيكون له من ذلك خير عوض عمّا فاته،و أفضل تعزية عمّا فقده.

قال الأستاذ الإمام ما مثاله:الخوف عبارة عن تألّم الإنسان من توقّع مكروه يصيبه،أو توقّع حرمان من محبوب يتمتّع به أو يطلبه.و الحزن أ لم يلمّ بالإنسان إذا فقد ما يحبّ.

و قد أعطانا اللّه جلّ ثناؤه الطّمأنينة التّامّة في مقابلة ما تحدثه كلمة(اهبطوا)من الخوف من سوء المنقلب.و ما تثيره من كوامن الرّعب.

فالمهتدون بهداية اللّه تعالى لا يخافون ممّا هو آت، و لا يحزنون على ما فات،لأنّ اتّباع الهدى يسهّل عليهم طريق اكتساب الخيرات،و يعدّهم لسعادة الدّنيا و الآخرة،و من كانت هذه وجهته،يسهل عليه كلّ ما يستقبله،و يهون عليه كلّ ما أصابه أو فقده،لأنّه موقن بأنّ اللّه يخلفه،فيكون كالتّعب في الكسب،لا يلبث أن يزول بلذّة الرّبح الّذي يقع أو يتوقّع.

و إذا قال قائل:إنّ الدّين يقيّد حرّيّة الإنسان، و يمنعه بعض اللّذّات الّتي يقدر على التّمتّع بها،و يحزنه الحرمان منها،فكيف يكون هو المأمن من الأحزان، و يكون باتّباعه الفوز و بتركه الخسران؟

فجوابه:أنّ الدّين لا يمنع من لذّة إلاّ إذا كان في إصابتها ضرر على مصيبها،أو على أحد إخوانه من أبناء جنسه الّذين يفوته من منافع تعاونهم إذا آذاهم أكثر ممّا يناله بالتّلذّذ بإيذائهم،و لو تمثّلت لمستحلّ اللّذّة المحرّمة مضارّها الّتي تعقبها في نفسه و في النّاس،و تصوّر ما لها من التّأثير في فساد العمران لو كانت عامّة،و كان صحيح العقل معتدل الفطرة،لرجع عنها متمثّلا بقول الشّاعر:

*لا خير في لذّة من بعدها كدر*

فكيف إذا كان مع ذلك يؤمن باليوم الآخر،و يعلم أنّ هذه المحرّمات تدنّس الرّوح فلا تكون أهلا لدار الكرامة في يوم القيامة؟

قال الأستاذ:«و ليست سعادة الإنسان في حرّيّة البهائم بل في الحرّيّة الّتي تكون في دائرة الشّرع و محيطه.فمن اتّبع هداية اللّه فلا شكّ أنّه يتمتّع تمتّعا حسنا و يتلقّى بالصّبر كلّ ما أصابه،و بالطّمأنينة ما يتوقّع أن يصيبه،فلا يخاف و لا يحزن».

يريد أنّ رجاء الإنسان فيما وراء الطّبيعة هو الّذي يقيه من تحكّم عوادي الطّبيعة فيه،و بدون ذلك الرّجاء تتحكّم فيه أشدّ ممّا تتحكّم في البهائم الّتي هي أقوى منه طبيعة وَ خُلِقَ الْإِنْسانُ ضَعِيفاً النّساء:28،فالتماس السّعادة بحرّيّة البهائم،هو الشّقاء اللاّزم.

و قد صرّح بلفظ التّمتّع الحسن أخذا من قوله تعالى: وَ أَنِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُمَتِّعْكُمْ مَتاعاً

ص: 716

حَسَناً إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَ يُؤْتِ كُلَّ ذِي فَضْلٍ فَضْلَهُ هود:3.

فالآيات الدّالّة على أنّ سعادة الدّنيا معلولة للاهتداء بالدّين كثيرة جدّا،و قد حجبها عن كثير من المسلمين قولهم في الكافرين:«لهم الدّنيا و لنا الآخرة»، يغالطون أنفسهم بحجّة القرآن عليهم.و آيات سورة طه في قصّة آدم أوضح في المراد من آيات البقرة،و هي قوله عزّ و جلّ: قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى* وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى طه:123،124.

(1:285)

المراغيّ: أي إنّ المهتدين بهدى اللّه لا يخافون ممّا هو آت،و لا يحزنون على ما فات،فإنّ من سلك سبيل الهدى سهل عليه كلّ ما أصابه أو فقده،لأنّه موقن بأنّ الصّبر و التّسليم ممّا يرضي ربّه،و يوجب مثوبته، فيكون له من ذلك خير عوض عمّا فاته،و أحسن عزاء عمّا فقده،فمثله التّاجر الّذي يكدّ و يسعى و تنسيه لذّة الرّبح آلام التّعب.

و الأديان قد حرّمت بعض اللّذّات الّتي كان في استطاعة الإنسان أن يتمتّع بها،لضررها إمّا بالشّخص أو بالمجتمع،فمن تمثّلت له المضارّ الّتي تعقب اللّذّة المحرّمة و تصوّر ما لها من تأثير في نفسه أو في الأمّة،فرّ منها فرار السّليم من الأجرب،إلى أنّ المؤمن باللّه و اليوم الآخر يرى في انتهاك حرمات الدّين ما يدنّس النّفس، و يبعّدها عن الكرامة يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ آل عمران:106.

و الخلاصة:إنّ من جاءه الهدى على لسان رسول بلّغه إيّاه و اتّبعه،فقد فاز بالنّجاة و بعد عنه الحزن و الخوف يوم الحساب و الجزاء و العرض على الملك الدّيّان يَوْمَ يَقُومُ النّاسُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ المطفّفين:6.

(1:97)

فضل اللّه :إذ من يعش في أمان اللّه،فممّن يخاف؟ و ممّ يخاف؟و من ينفتح على فرح رضوانه،فكيف يحزن،و على ما ذا يحزن؟.(1:259)

[و في 13 آية أخرى جاء فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ أو لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ و نصوصها متشابهة فلا نكرّرها]

2- ...مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ. المائدة:69

الطّبريّ: فلا خوف عليهم فيما قدموا عليه من أهوال القيامة،و لا هم يحزنون على ما خلّفوا وراءهم من الدّنيا و عيشها بعد معاينتهم ما أكرمهم اللّه به من جزيل ثوابه.(6:311)

الطّوسيّ: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ مع ما يمرّ بهم من أجل يوم القيامة لأمرين:أحدهما:أنّ ذلك لا يعتدّ به لأنّه عارض،ثمّ يصيرون إلى النّعيم الدّائم.

و منه قوله: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ الأنبياء:103، و هو عذاب النّار.كما يقال للمريض:لا بأس عليك.

الثّاني:أنّ أهوال يوم القيامة إنّما تنال الضّالّين دون المؤمنين.و الأوّل أقوى لعموم قوله: يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ

ص: 717

كُلُّ مُرْضِعَةٍ... الحجّ:2.و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّ النّاس يلجمهم العرق.و أنّهم يحشرون حفاة عراة غرلا،فقالت عائشة لا يحتشمون من ذلك،فقال صلّى اللّه عليه و آله:

لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ عبس:37.

(3:593)

الفخر الرّازيّ: ثمّ بيّن تعالى أنّ كلّ من أتى بهذا الإيمان و بهذا العمل فإنّه يرد القيامة من غير خوف و لا حزن.و الفائدة في ذكرهما أنّ الخوف يتعلّق بالمستقبل، و الحزن بالماضي،فقال: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ بسبب ما يشاهدون من أهوال القيامة. وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ بسبب ما فاتهم من طيّبات الدّنيا لأنّهم وجدوا أمورا أعظم و أشرف و أطيب ممّا كانت لهم حاصلة في الدّنيا،و من كان كذلك فإنّه لا يحزن بسبب طيّبات الدّنيا.

فإن قيل:كيف يمكن خلوّ المكلّف الّذي لا يكون معصوما عن أهوال القيامة؟و الجواب من وجهين:

الأوّل:أنّه تعالى شرط ذلك بالعمل الصّالح،و لا يكون آتيا بالعمل الصّالح إلاّ إذا كان تاركا لجميع المعاصي.

و الثّاني:أنّه إن حصل خوف فذلك عارض قليل لا يعتدّ به.

قالت المعتزلة:إنّه تعالى شرط عدم الخوف و عدم الحزن بالإيمان و العمل الصّالح،و المشروط بشيء عدم عند عدم الشّرط،فلزم أنّ من لم يأت مع الإيمان بالعمل الصّالح فإنّه يحصل له الخوف و الحزن،و ذلك يمنع من العفو عن صاحب الكبيرة.

و الجواب:أنّ صاحب الكبيرة لا يقطع بأنّ اللّه يعفو عنه لا محالة،فكان الخوف و الحزن حاصلا قبل إظهار العفو.(12:54)

أبو السّعود :فالمعنى على تقديم كون المراد ب(الّذين آمنوا)المنافقين و هو الأظهر،أي من أحدث من هذه الطّوائف إيمانا خالصا بالمبدإ و المعاد على الوجه اللاّئق لا كما يزعمه أهل الكتاب فإنّ ذلك بمعزل من أن يكون إيمانا بهما،و عمل عملا صالحا حسبما يقتضيه الإيمان بهما،فلا خوف عليهم حين يخاف الكفّار العقاب، و لا هم يحزنون حيث يحزن المقصّرون على تضييع العمر و تفويت الثّواب،و المراد بيان دوام انتفائهما لا بيان انتفاء دوامهما،كما يوهمه كون الخبر في الجملة الثّانية مضارعا لما مرّ مرارا،لأنّ النّفي و إن دخل على نفس المضارع يفيد الدّوام و الاستمرار بحسب المقام.

و أمّا على تقدير كون المراد ب(الذين آمنوا)مطلق المتديّنين بدين الإسلام المخلصين منهم و المنافقين، فالمراد ب(من آمن)من اتّصف منهم بالإيمان الخالص بالمبدإ و المعاد على الإطلاق سواء كان ذلك بطريق الثّبات و الدّوام عليه كما هو شأن المخلصين أو بطريق إحداثه و إنشائه كما هو حال من عداهم من المنافقين و سائر الطّوائف،و فائدة التّعميم للمخلصين المبالغة في ترغيب الباقين في الإيمان ببيان أنّ تأخّرهم في الاتّصاف به غير مخلّ بكونهم أسوة لأولئك الأقدمين الأعلام.

و أمّا ما قيل:المعنى من كان منهم في دينه قبل أن ينسخ مصدّقا بقلبه بالمبدإ أو المعاد عاملا بمقتضى شرعه فممّا لا سبيل إليه أصلا كما مرّ تفصيله في سورة البقرة.

(2:301)

ص: 718

نحوه الآلوسيّ.(6:203)

البروسويّ: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ حين يخاف الكفّار العقاب. وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ حين يحزن المقصّرون على تضييع العمر و تفويت الثّواب،و المراد بيان دوام انتفائهما لا بيان انتفاء دوامهما.

قال الحدّاديّ في تفسيره:أمّا نفي الحزن عن المؤمنين هاهنا فقد ذهب بعض المفسّرين إلى أنّه لا يكون عليهم حزن في الآخرة و لا خوف،و نظيره قوله تعالى: تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا فصّلت:30، و قال بعضهم:إنّ المؤمنين يخافون و يحزنون لقوله تعالى:

يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ الحجّ:

2.و قوله: يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَ أُمِّهِ وَ أَبِيهِ عبس:34،35،و قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«يحشر النّاس يوم القيامة حفاة عراة».فقالت عائشة:وا سوءتاه فقال صلّى اللّه عليه و سلم:«أ ما سمعت قول اللّه تعالى: لِكُلِّ امْرِئٍ مِنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ» قالوا:و إنّما نفى اللّه تعالى في هذه الآية الحزن عن المؤمنين لأنّ حزنهم لمّا كان في معرض الزّوال و لم يكن له بقاء معهم لم يعتدّ بذلك،انتهى.

و اعلم أنّ أولياء اللّه لا خوف عليهم فيما لا يكون على شيء لأنّهم يقيمون القرآن عملا بالظّاهر و الباطن،و لا هم يحزنون على ما يقاسون من شدائد الرّياضات و المجاهدات و مخالفات النّفس في ترك الدّنيا و قمع الهوى، و لا على ما أصابهم من البلاء و المحن و المصيبات و الآفات لأنّهم تخلّصوا من التّقليد و فازوا بالتّحقيق و ارتفع عنهم تعب التّكاليف،فهم مع اللّه في جميع أحوالهم،فعلى المؤمن معالجة مرضه القلبيّ من الأوصاف الرّذيلة و التّخلّص من النّفاق و اللّحاق بأهل الاتّفاق.(2:420)

3- ...فَمَنِ اتَّقى وَ أَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ. الأعراف:35

الطّبريّ: فلا خوف عليهم يوم القيامة من عقاب اللّه إذا وردوا عليه. وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما فاتهم من دنياهم الّتي تركوها،و شهواتهم الّتي تجنّبوها،اتّباعا منهم لنهي اللّه عنها،إذا عاينوا من كرامة اللّه ما عاينوا هنالك.(8:167)

الطّوسيّ: و ظاهر الآية يدلّ على أنّ من اتّقى معاصي اللّه و اجتنبها،و أصلح بأن فعل الصّالحات، لا خوف عليهم في الآخرة،و هو قول الجبّائيّ.و قال أبو بكر بن الأخشيد:لا يدلّ على ذلك،لأنّ اللّه تعالى قال في وصفه يوم القيامة: يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ... الحجّ:2.و إنّما هو كقول الطّبيب للمريض:

لا بأس عليك،و لا خوف عليك.و معناه أنّ أمره يؤول إلى السّلامة و العافية.

و الأوّل أقوى،لأنّه الظّاهر غير أنّ ذلك يكون لمن اتّقى جميع معاصي اللّه،فأمّا من جمع بين الطّاعات و المعاصي فإنّ خوفه من عقاب اللّه على معاصيه،لا بدّ منه،لأنّا لا نقطع على أن اللّه تعالى يغفر له لا محالة،و لا نقول بالإحباط فنقول:ثواب إيمانه أحبط عقاب معاصيه،فإذا اجتمعا فلا بدّ من أن يخاف من وصول العقاب إليه.(4:422)

ابن عطيّة: (لا)في قوله:(لا خوف)بمعنى(ليس)، و قرأ ابن محيصن (لا خوف) دون تنوين،و وجهه إمّا أن

ص: 719

يحذف التّنوين لكثرة الاستعمال و إمّا حملا على حذفه مع (لا).و هي تبرية ناصبة تشبه حالة الرّفع في البناء بحالة النّصب،و قيل:إنّ المراد فلا الخوف،ثمّ حذفت الألف و اللاّم و بقيت الفاء على حالها لتدلّ على المحذوف،و نفي الخوف و الحزن يعمّ جميع أنواع مكاره النّفس و أنكادها، و يشبه أن يكون الخوف:لما يستقبل من الامور، و الحزن:لما مضى منها.(2:397)

الفخر الرّازيّ: ثمّ قال تعالى في صفته فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ أي بسبب الأحوال المستقبلة. وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ أي بسبب الأحوال الماضية،لأنّ الإنسان إذا جوّز وصول المضرّة إليه في الزّمان المستقبل خاف،و إذا تفكّر فعلم أنّه وصل إليه بعض ما لا ينبغي في الزّمان الماضي،حصل الحزن في قلبه،لهذا السّبب.

و الأولى في نفي الحزن أن يكون المراد أن لا يحزن على ما فاته في الدّنيا،لأنّ حزنه على عقاب الآخرة يجب أن يرتفع بما حصل له من زوال الخوف.فيكون كالمعاد و حمله على الفائدة الزّائدة أولى،فبيّن تعالى أنّ حاله في الآخرة تفارق حاله في الدّنيا،فإنّه في الآخرة لا يحصل في قلبه خوف و لا حزن البتّة.

و اختلف العلماء في أنّ المؤمنين من أهل الطّاعات هل يلحقهم خوف،و حزن عند أهوال يوم القيامة:

فذهب بعضهم إلى أنّه لا يلحقهم ذلك،و الدّليل عليه هذه الآية،و أيضا قوله تعالى: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ و ذهب بعضهم إلى أنّه يلحقهم ذلك الفزع لقوله تعالى: يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ.... أي من شدّة الخوف.

و أجاب هؤلاء عن هذه الآية:بأنّ معناه أنّ أمرهم يؤول إلى الأمن و السّرور،كقول الطّبيب للمريض:

لا بأس عليك،أي أمرك يؤول إلى العافية و السّلامة، و إن كان في الوقت في بأس من علّته.

ثمّ بيّن تعالى أنّ الّذين كذّبوا بهذه الآيات الّتي يجيء بها الرّسل،(و استكبروا)أي أنفوا من قبولها و تمرّدوا عن التزامها أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ و قد تمسّك أصحابنا بهذه الآية على أنّ الفاسق من أهل الصّلاة،لا يبقى مخلّدا في النّار،لأنّه تعالى بيّن أنّ المكذّبين بآيات اللّه و المستكبرين عن قبولها،هم الّذين يبقون مخلّدين في النّار،و كلمة(هم)تفيد الحصر،فذلك يقتضي أنّ من لا يكون موصوفا بذلك التّكذيب و الاستكبار،لا يبقى مخلّدا في النّار.و اللّه أعلم.

(14:69)

القرطبيّ: دليل على أنّ المؤمنين يوم القيامة لا يخافون و لا يحزنون،و لا يلحقهم رعب و لا فزع.

و قيل:قد يلحقهم أهوال يوم القيامة،و لكنّ مآلهم الأمن.(7:202)

الشّربينيّ: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ حين يخاف غيرهم يوم القيامة من العذاب.

وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ أي[لا]يتجدّد لهم في وقت ما حزن على شيء فاتهم لأنّ اللّه يعطيهم ما تقرّبه أعينهم.(1:473)

البروسويّ: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ أي لا يخافون ما يلحق العصاة في المستقبل. وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ على ما فاتهم في الدّنيا لاستغراقهم في الاستلذاذ بما أعدّ للمتّقين

ص: 720

في دار الكرامة و الرّضوان.(3:158)

ابن عاشور :أي لا خوف عليهم من عقوبة اللّه في الدّنيا و الآخرة،و لا هم يحزنون من شيء من ذلك، فالخوف و الحزن المنفيّان هما ما يوجبه العقاب،و قد ينتفي عنهم الخوف و الحزن مطلقا بمقدار قوّة التّقوى و الصّلاح،و هذا من الأسرار الّتي بين اللّه و عباده الصّالحين،و مثله قوله تعالى: أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ... يونس:62.

و قد نفي الخوف نفي الجنس بلا النّافية له،و جيء باسمها مرفوعا لأنّ الرّفع يساوي البناء على الفتح في مثل هذا،لأنّ الخوف من الأجناس المعنويّة الّتي لا يتوهّم في نفيها أن يكون المراد نفي الفرد الواحد،و لو فتح مثله لصحّ،و منه قول الرّابعة من نساء حديث أمّ زرع:

«زوجي كليل تهامه،لا حرّ و لا قرّ و لا مخافة و لا سئامة» فقد روي بالرّفع و بالفتح.

و(على)في قوله: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ للاستعلاء المجازيّ،و هو المقارنة و الملازمة،أي لا خوف ينالهم.

و قوله: وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ جملة عطفت على جملة فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ، و عدل عن عطف المفرد،بأن يقال:و لا حزن،إلى الجملة:ليتأتّى بذلك بناء المسند الفعليّ على ضميرهم،فيدلّ على أنّ الحزن واقع بغيرهم،و هم الّذين كفروا.فإنّ بناء الخبر الفعليّ على المسند عليه المتقدّم عليه يفيد تخصيص المسند إليه بذلك الخبر،نحو:ما أنا قلت هذا،فإنّه نفي صدور القول من المتكلّم مع كون القول واقعا من غيره.

و عليه بيت«دلائل الإعجاز»،(و هو للمتنبّي):

و ما أنا أسقمت جسمي به

و لا أنا أضرمت في القلب نارا

فيفيد أنّ الّذين كفروا يحزنون إفادة بطريق المفهوم، ليكون كالمتقدّمة للخبر عنهم بعد ذلك بأنّهم أصحاب النّار هم فيها خالدون.(8:84)

فضل اللّه : فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ من عذاب اللّه في جهنّم،لأنّ اللّه قد أعطى المؤمنين الصّالحين الأمن من كلّ خوف. وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ في ما يواجه النّاس من أهوال يوم القيامة،فإنّ اللّه قد منحهم الفرح الكبير في ما يستقبلهم من لطفه و مغفرته و رضوانه في جنّات النّعيم.

(10:110)

و جاءت بهذا المعنى آيات:البقرة:112،و 262، و 274،و 277،آل عمران:170،الأنعام:48،يونس:

62،الأحقاف:13،العنكبوت:33،فصّلت:30، الزّخرف:68.

لا تحزن

...إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنا...

التّوبة:40

ابن عبّاس: لا تَحْزَنْ يا أبا بكر إِنَّ اللّهَ مَعَنا معيننا.(158)

الحسين بن الفضل:لم يكن حزن أبي بكر جبنا منه و إنّما كان إشفاقا على رسول اللّه.و قال:إن أقتل فأنا رجل واحد،و إن قتلت هلكت الأمّة.(البغويّ 2:349)

الطّبريّ: إذ يقول رسول اللّه لصاحبه أبي بكر:

(لا تحزن)و ذلك أنّه خاف من الطّلّب أن يعلموا

ص: 721

بمكانهما،فجزع من ذلك،فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:

«لا تحزن لأنّ اللّه معنا،و اللّه ناصرنا،فلم يعلم المشركون بنا،و لن يصلوا إلينا».

يقول جلّ ثناؤه:فقد نصره اللّه على عدوّه،و هو بهذه الحال من الخوف،و قلّة العدد،فكيف يخذله، و يحوجه إليكم،و قد كثّر اللّه أنصاره،و عدد جنوده.(10:136)

نحوه الخازن(3:77)

الماورديّ: احتمل قوله ذلك له وجهين:

أحدهما:أن يكون تبشيرا لأبي بكر بالنّصر من غير أن يظهر منه حزن.

و الثّاني:أن يكون قد ظهر منه حزن فقال له ذلك تخفيفا و تسلية.و ليس الحزن خوفا و إنّما هو تألّم القلب بما تخيّله من ضعف الدّين بعد الرّسول،فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنا أي ناصرنا على أعدائنا.

(2:364)

الطّوسيّ: أي لا تخف،و لا تجزع إنّ اللّه معنا،أي ينصرنا.و النّصرة على ضربين:

أحدهما:يكون نعمة على من ينصره.و الآخر:

لا يكون كذلك،فنصرة المؤمنين تكون إحسانا من النّاصر إلى نفسه،لأنّ ذلك طاعة للّه،و لم تكن نعمة على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

الثّاني:من ينصر غيره لينفعه بما تدعو إليه الحكمة، كان ذلك نعمة عليه،مثل نصرة اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله.[إلى أن قال:]

و قوله:(لا تحزن)إن لم يكن ذمّا فليس بمدح،بل هو نهي محض عن الخوف.(5:257)

القشيريّ: و إنّما كان حزن الصّدّيق ذلك اليوم لأجل الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم إشفاقا عليه لا لأجل نفسه،ثمّ إنّه عليه السّلام نفي حزنه و سلاّه بأن قال: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنا و حزن لا يذهب إلاّ لمعيّة الحقّ لا يكون إلاّ(لحقّ الحقّ).

(3:28)

ابن العربيّ: قالت الإماميّة:حزن أبي بكر في الغار مع كونه مع النّبيّ دليل على جهله و نقصه،و ضعف قلبه و حيرته.

أجاب على ذلك علماؤنا بثلاثة أجوبة:

الأوّل:أنّ قوله:(لا تحزن)ليس بموجب بظاهره وجود الحزن،إنّما يقتضي منعه منه في المستقبل،فلعلّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال له ذلك زيادة في طمأنينة قلبه،فإنّ الصّدّيق قال للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:لو أنّ أحدهم نظر تحت قدميه لأبصرنا،فقال له: لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنا لتطمئنّ نفسه.

الثّاني:أنّ الصّدّيق لا ينقصه إضافة الحزن إليه،كما لم تنقص إبراهيم حين قيل عنه: نَكِرَهُمْ وَ أَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً هود:70،و لم ينقص موسى قوله عنه:

فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى طه:17،و هذان العظيمان قد وجدت عندهم التّقيّة نصّا،و إنّما هي عند الصّدّيق هاهنا باحتمال.

الثّالث:أنّ حزن الصّدّيق رضى اللّه عنه لم يكن لشكّ و حيرة،و إنّما كان خوفا على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أن يصل إليه ضرر،و لم يكن النّبيّ في ذلك الوقت معصوما من الضّرر، فكيف يكون الصّدّيق رضى اللّه عنه ضعيف القلب،و هو لم

ص: 722

يستخف حين مات النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،بل ظهر و قام المقام المحمود الّذي تقدّم ذكرنا له بقوّة يقين،و وفور علم،و ثبوت جأش،و فصل للخطبة الّتي تعيي المحتالين.(2:953)

الطّبرسيّ: أي لا تخف إِنَّ اللّهَ مَعَنا يريد أنّه مطّلع علينا عالم بحالنا،فهو يحفظنا و ينصرنا.(3:31)

مثله شبّر.(3:75)

الفخر الرّازيّ: إنّ قوله:(لا تحزن)نهي عن الحزن مطلقا،و النّهي يوجب الدّوام و التّكرار؛و ذلك يقتضي أن لا يحزن أبو بكر بعد ذلك البتّة،قبل الموت و عند الموت و بعد الموت.(16:65)

نحوه النّيسابوريّ(10:90)،و الشّربينيّ(1:614).

البروسويّ: و لم يقل:«لا تخف»لأنّ حزنه على رسول اللّه يغفله عن حزنه على نفسه.و هذا النّهي تأنيس و تبشير له،كما في قوله تعالى له عليه السّلام: وَ لا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ. (3:434)

الآلوسيّ: [استدلّ بالآية على فضل أبي بكر ثمّ قال:]

«و أنكر الرّافضة دلالة الآية على شيء من الفضل...قالوا:إنّ الدّالّ على الفضل إن كان(ثانى اثنين)...»

و إن كان(لا تحزن)فيقال:لا يخلو إمّا أن يكون الحزن طاعة أو معصية،لا جائز أن يكون طاعة و إلاّ لما نهى عنه صلّى اللّه عليه و سلّم،فتعيّن أن يكون معصية لمكان النّهي؛ و ذلك مثبت خلاف مقصودكم على أنّ فيه من الدّلالة على الجبن ما فيه.[إلى أن قال في جوابه:]

و أنّ(لا تحزن)ليس المقصود منه حقيقة النّهي عن الحزن،فإنّه من الأمور الّتي لا تدخل تحت التّكليف،بل المقصود منه التّسلية للصّدّيق رضى اللّه عنه أو نحوها،و ما ذكروه من التّرديد يجري مثله في قوله تعالى خطابا لموسى و هارون عليهما السّلام: لا تَخافا إِنَّنِي مَعَكُما و كذا في قوله سبحانه للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: وَ لا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً إلى غير ذلك.

أ فترى أنّ اللّه سبحانه نهى عن طاعته؟أو أنّ أحدا من أولئك المعصومين عليهم السّلام ارتكب معصية،سبحانك، هذا بهتان عظيم،و لا ينافي كون الحزن من الأمور الّتي لا تدخل تحت التّكليف بالنّظر إلى نفسه أنّه قد يكون موردا للمدح و الذّمّ،كالحزن على فوات طاعة فإنّه ممدوح،و الحزن على فوات معصية فإنّه مذموم،لأنّ ذلك باعتبار آخر،كما لا يخفى.

و ما ذكر في حيّز العلاوة،من أنّ فيه من الدّلالة على الجبن ما فيه،فيه من ارتكاب الباطل ما فيه،فإنّا لا نسلّم أنّ الخوف يدلّ على الجبن و إلاّ لزم جبن موسى و أخيه عليهما السّلام،فما ظنّك بالحزن؟!و ليس حزن الصّدّيق رضى اللّه عنه بأعظم من الاختفاء بالغار،و لا يظنّ مسلم أنّه كان عن جبن أو يتّصف بالجبن أشجع الخلق على الإطلاق صلّى اللّه عليه و سلّم.

و من أنصف رأي أنّ تسليته عليه السّلام لأبي بكر بقوله:

(لا تحزن)كما سلاّه ربّه سبحانه بقوله:(لا يحزنك قولهم) مشيرة إلى أنّ الصّدّيق رضى اللّه عنه عنده عليه السّلام بمنزلته عند ربّه جلّ شأنه.فهو حبيب حبيب اللّه تعالى.بل لو قطع النّظر عن وقوع مثل هذه التّسلية من اللّه تعالى لنبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان نفس الخطاب ب(لا تحزن)كافيا في الدّلالة على

ص: 723

أنّه رضى اللّه عنه حبيب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و إلاّ فكيف تكون محاورة الأحبّاء؟و هذا ظاهر إلاّ عند الأعداء...(10:100)

القاسميّ: و ذلك أنّ أبا بكر أشفق من المشركين أن يعلموا بمكانهما،فيخلص إلى الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم أذى،و طفق يجزع لذلك،فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:(لا تحزن انّ اللّه معنا) أي بالنّصرة و الحفظ.(8:6157)

نحوه المراغيّ.(10:121)

رشيد رضا :أي إذ كان يقول لصاحبه الّذي هو ثانيه،و هو أبو بكر الصّدّيق حين رأى منه أمارة الحزن و الجزع،أو كلّما سمع منه كلمة تدلّ على الخوف و الفزع:

(لا تحزن).الحزن:انفعال نفسيّ اضطراريّ يراد بالنّهي عنه:مجاهدته و عدم توطين النّفس عليه،و النّهي عن الحزن-و هو تألّم النّفس ممّا وقع-يستلزم النّهي عن الخوف ممّا يتوقّع.

و قد عبّر عن الماضي بصيغة الاستقبال(يقول) للدّلالة على التّكرار المستفاد من بعض الرّوايات، و لاستحضار صورة ما كان في ذلك الزّمان و المكان، ليتمثّل المخاطبون ما كان لها من عظمة الشّأن.و علّل هذا النّهي بقوله: (إِنَّ اللّهَ مَعَنا) أي لا تحزن لأنّ اللّه معنا بالنّصر و المعونة،و الحفظ و العصمة،و التّأييد و الرّحمة و من كان اللّه تعالى معه بعزّته الّتي لا تغلب،و قدرته الّتي لا تقهر،و رحمته الّتي قام و يقوم بها كلّ شيء،فهو حقيق بأن لا يستسلم لحزن و لا خوف.[إلى أن قال:]

و إنّما نهاه صلّى اللّه عليه و سلّم عن الحزن لا عن الخوف،و نهى اللّه موسى و هارون عن الخوف لا عن الحزن،لأنّ الحزن تألّم النّفس من أمر واقع،و قد كان نهيه صلّى اللّه عليه و سلّم إيّاه عنه في الوقت الّذي أدرك المشركون فيه الغار بالفعل.[إلى أن قال:]

و النّهي عن الحزن يستلزم النّهي عن الخوف-كما تقدّم-و قد كان الصّدّيق خائفا و حزنا،كما تدلّ عليه الرّوايات،و هو مقتضى طبع الإنسان.(10:426)

الطّباطبائيّ: أي لا تحزن خوفا ممّا تشاهده من الوحدة و الغربة و فقد النّاصر و تظاهر الأعداء و تعقّبهم إيّاي،فإنّ اللّه سبحانه معنا ينصرني عليهم.(9:279)

تحزنى

1- فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاّ تَحْزَنِي... مريم:24

الآلوسيّ: أي لا تحزني على أنّ(أن)مفسّرة،أو بأن لا تحزني،على أنّها مصدريّة قد حذف عنها الجارّ.(16:83)

[راجع:ن د ي:فناديها].

2- ..وَ لا تَخافِي وَ لا تَحْزَنِي إِنّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ...

القصص:7

ابن عبّاس: (و لا تحزنى)من الضّيعة أن لا يردّ إليك.

(323)

نحوه أكثر المفسّرين

يحيى بن سلام: (لا تحزنى)أن يقتل.

(الماورديّ 4:236)

[راجع:خ و ف:لا تخافى].

ص: 724

تحزنوا

1- وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ. آل عمران:139

[راجع:و ه ن:لا تهنوا].

2- فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ... آل عمران:153

[راجع:غ م م:غمّا].

الحزن

...وَ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ. يوسف:84

ابن عبّاس: من البكاء.(202)

النّحّاس: إن سأل قوم عن معنى شدّة حزن يعقوب على نبيّنا و عليه السّلام،فللعلماء في هذا ثلاثة أجوبة:

منها:أنّ يعقوب عليه السّلام لمّا علم أنّ يوسف عليه السّلام حيّ خاف على دينه،فاشتدّ حزنه لذلك.

و قيل:إنّما حزن لأنّه سلّمه إليهم صغيرا،فندم على ذلك.

و الجواب الثّالث-و هو أبينها-:هو أنّ الحزن ليس بمحظور،و إنّما المحظور الولولة و شقّ الثّياب،و الكلام بما لا ينبغي.(القرطبيّ 9:248)

الواحديّ: [نقل كلام ابن عبّاس ثمّ قال:]

يريد أنّ عينيه ابيضّتا لكثرة بكائه،و الحزن لمّا كان سببا للبكاء سمّي البكاء حزنا.(2:627)

الفخر الرّازيّ: و إنّما عظم حزنه على مفارقة يوسف عند هذه الواقعة لوجوه:

الوجه الأوّل:أنّ الحزن الجديد يقوّي الحزن القديم الكامن،و القدح إذا وقع على القدح كان أوجع.[ثمّ استشهد بشعر]

الوجه الثّاني:أنّ بنيامين و يوسف كانا من أمّ واحدة،و كانت المشابهة بينهما في الصّورة و الصّفة أكمل، فكان يعقوب عليه السّلام يتسلّى برؤيته عن رؤية يوسف عليه السّلام، فلمّا وقع ما وقع زال ما يوجب السّلوة،فعظم الألم و الوجد.

الوجه الثّالث:أنّ المصيبة في يوسف كانت أصل مصائبه الّتي عليها ترتّب سائر المصائب و الرّزايا،و كان الأسف عليه أسفا على الكلّ.

[الوجه]الرّابع:أنّ هذه المصائب الجديدة كانت أسبابها جارية مجرى الأمور الّتي يمكن معرفتها و البحث عنها.و أمّا واقعة يوسف فهو عليه السّلام كان يعلم كذبهم في السّبب الّذي ذكروه،و أمّا السّبب الحقيقيّ فما كان معلوما له،و أيضا إنّه عليه السّلام كان يعلم أنّ هؤلاء في الحياة.و أمّا يوسف فما كان يعلم أنّه حيّ أو ميّت،فلهذه الأسباب عظم وجده على مفارقته و قويت مصيبته على الجهل بحاله.(18:193)

الآلوسيّ: (من الحزن)بفتح الحاء و الزّاي.و قرأ قتادة بضمّهما،و استدلّ بالآية على جواز التّأسّف و البكاء عند النّوائب،و لعلّ الكفّ عن أمثال ذلك لا يدخل تحت التّكليف،فإنّه قلّ من يملك نفسه عند الشّدائد.(13:40)

[راجع:ب ي ض:ابيضّت].

ص: 725

حزنى

قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللّهِ...

يوسف:86

[راجع:ب ث ث:بثّى].

الحزن

وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ...

فاطر:34

رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: أمّا الظّالم لنفسه،فيصيبه في ذلك المكان من الغمّ و الحزن،فذلك قوله:(الحمد للّه...).

(الطّبريّ 22:139)

ليس على أهل لا إله إلاّ اللّه وحشة في قبورهم و لا في محشرهم و لا في مسيرهم،و كأنّي بأهل لا إله إلاّ اللّه يخرجون من قبورهم و هم ينفضون التّراب عن رءوسهم و يقولون: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ. (الزّمخشريّ 3:310)

سمرة: حزن المنّة.(الماورديّ 4:475)

ابن عبّاس: حزن الموت و الزّوال و أهوال يوم القيامة.(367)

حزن النّار.(الطّبريّ 22:138)

حزن الأعراض و الآفات.(الزّمخشريّ 3:310)

سعيد بن جبير: همّ الخبز في الدّنيا.

(الواحديّ 3:506)

مثله شمر.(الطّبريّ 22:138)

شهر بن حوشب: حزن معيشة الدّنيا:الخبز و نحوه.

(ابن عطيّة 4:440)

عكرمة :حزن الذّنوب و السّيّئات،و خوف ردّ الطّاعات.(الثّعلبيّ 8:112)

الضّحّاك: حزن إبليس و وسوسته.

(الثّعلبيّ 8:112)

القاسم بن محمّد: حزن زوال النّعم و تقليب القلب و خوف العاقبة.(الثّعلبيّ 8:112)

الحسن :و اللّه ما حزنهم حزن الدّنيا،و لا تعاظم في أنفسهم ما طلبوا به الجنّة،أبكاهم الخوف من النّار،و إنّه من لا يتعزّ بعزاء اللّه يقطع نفسه على الدّنيا حسرات، و من لم ير للّه عليه نعمة إلاّ في مطعم أو مشرب،فقد قلّ علمه،و حضر عذابه.(الطّبريّ 22:138)

العوفيّ: الموت.(الطّبريّ 22:138)

قتادة :كانوا في الدّنيا يعملون و ينصبون،و هم في خوف،أو يحزنون.(الطّبريّ 22:139)

الكلبيّ: يعني الحزن الّذي يحزننا في الدّنيا من يوم القيامة،و قيل:حزن العذاب و الحساب،و قيل:حزن أهوال الدّنيا و أوجالها.(الثّعلبيّ 8:112)

خوف السّلطان.(الماورديّ 4:475)

الثّماليّ: حزن الدّنيا.(الثّعلبيّ 8:112)

مقاتل: لأنّهم كانوا لا يدرون ما يصنع اللّه بهم.

الواحديّ 3:506)

ابن زيد :حزن الظّالم لما يشاهد من سوء حاله.

(الماورديّ 4:475)

ذو النّون: حزن القطيعة.(الثّعلبيّ 8:112)

الفرّاء: الحزن للمعاش و هموم الدّنيا.و يقال:

ص: 726

الحزن:حزن الموت،و يقال:الحزن بالجنّة و النّار، لا ندري إلى أيّهما نصير.(2:370)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في الحزن الّذي حمد اللّه على إذهابه عنهم هؤلاء القوم.[ثمّ ذكر الأقوال و قال:]

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب،أن يقال:إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء القوم الّذين أكرمهم بما أكرمهم به،أنّهم قالوا حين دخلوا الجنّة: اَلْحَمْدُ لِلّهِ... و خوف دخول النّار من الحزن،و الجزع من الموت من الحزن،و الجزع من الحاجة إلى المطعم من الحزن.و لم يخصّص اللّه إذ أخبر عنهم أنّهم حمدوه على إذهابه الحزن عنهم،نوعا دون نوع،بل أخبر عنهم أنّهم عمّوا جميع أنواع الحزن بقولهم ذلك،و كذلك ذلك،لأنّ من دخل الجنّة فلا حزن عليه بعد ذلك،فحمدهم على إذهابه عنهم جميع معاني الحزن.(22:138)

الزّجّاج: و معنى أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ: أذهب عنّا كلّ ما يحزن،من حزن في مقاس أو حزن لعذاب،أو حزن للموت،و قد أذهب اللّه عن أهل الجنّة كلّ حزن.

(4:270)

نحوه النّسفيّ.(3:342)

النّقّاش: الجوع.(الماورديّ 4:475)

الثّعلبيّ: [ذكر الأقوال و أضاف:]

و قيل:حزن الجنّة و النّار،لا يدرى إلى أيّهما يصير.

(8:112)

الماورديّ: فيه تسعة تأويلات.[نقل الأقوال السّابقة و أضاف:]

التّاسع:حزن الطّعام،و هو مأثور.

و يحتمل عاشرا:أنّه حزن التّباغض و التّحاسد، لأنّ أهل الجنّة متواصلون لا يتباغضون و لا يتحاسدون.

(4:475)

الطّوسيّ: و معناه أذهب الغمّ عنّا بخلاف ما كنّا عليه في دار الدّنيا.

و قيل:الحزن الّذي أصابهم قبل دخول الجنّة،فإنّهم يخافون من دخول النّار إذا كانوا مستحقّين لها،فإذا تفضّل اللّه عليهم بأن يسقط عقابهم و يدخلهم الجنّة حمدوا اللّه على ذلك.

و قيل:ما كان ينالهم في دار الدّنيا من أنواع الأحزان و الاهتمام بأمر المعاش و الخوف من الموت،و غير ذلك.

(8:431)

نحوه الطّبرسيّ.(4:409)

القشيريّ: تحقّقوا بحقائق الرّضا،و الحزن سمّي حزنا لحزونة الوقت على صاحبه،و ليس في الجنّة حزونة و إنّما هو رضا و استبشار.

و يقال:ذلك(الحزن)حزن خوف العاقبة،و يقال:

هو دوام المراعاة خشية أن يحصل سوء الأدب،و يقال:

هو سياسة النّفس.(5:207)

الزّمخشريّ: و قرئ(الحزن)،و المراد:حزن المتّقين،و هو ما أهمّهم من خوف سوء العاقبة،كقوله تعالى: إِنّا كُنّا قَبْلُ فِي أَهْلِنا مُشْفِقِينَ* فَمَنَّ اللّهُ عَلَيْنا وَ وَقانا عَذابَ السَّمُومِ الطّور:26،27.[ثمّ نقل عدّة أقوال و قال:]

حتّى قال بعضهم:كراء الدّار،و معناه:أنّه يعمّ كلّ

ص: 727

حزن من أحزان الدّين و الدّنيا حتّى هذا.(3:310)

ابن عطيّة: (الحزن)في هذه الآية عامّ في جميع أنواع الأحزان.[ثمّ نقل الأقوال السّابقة و قال:]

و لا معنى لتخصيص شىء من هذه الأحزان،لأنّ الحزن أجمع قد ذهب عنهم.(4:440)

نحوه النّيسابوريّ.(22:82)

ابن الجوزيّ: [نحو ابن عطيّة و أضاف:]

و من القبيح تخصيص هذا(الحزن)بالخبز و ما يشبهه،و إنّما حزنوا على ذنوبهم و ما يوجبه الخوف.

(6:492)

الفخر الرّازيّ: في(الحزن)أقوال كثيرة،و الأولى أن يقال:المراد إذهاب كلّ حزن،و الألف و اللاّم للجنس و استغراقه،و إذهاب(الحزن)بحصول كلّ ما ينبغي و بقائه دائما،فإنّ شيئا منه لو لم يحصل لكان الحزن موجودا بسببه،و إن حصل و لم يدم لكان الحزن غير ذاهب بعد بسبب زواله و خوف فواته.(26:27)

البيضاويّ: همّهم من خوف العاقبة أو همّهم من أجل المعاش و آفاته أو من وسوسة إبليس و غيرها، و قرئ(الحزن).(2:273)

أبو حيّان :[نحو ابن عطيّة ثمّ قال:]

و ينبغي أن يحمل ذلك على التّمثيل لا على التّعيين.

[ثمّ نقل عدّة أقوال،و قد سبقت](7:314)

ابن كثير :و هو الخوف من المحذور،أزاحه عنّا و أراحنا ممّا كنّا نتخوّفه و نحذره من هموم الدّنيا و الآخرة.

(5:587)

الشّربينيّ: [نقل الأقوال و قال بعد قول الزّجّاج:] و هذا أولى الكلّ.(3:329)

أبو السّعود :و هو ما أهمّهم من خوف سوء العاقبة [ثمّ نقل أقوالا و قال:]

و الظّاهر أنّه الجنس المنتظم لجميع أحزان الدّين و الدّنيا.و قرئ(الحزن).(5:283)

نحوه ملخّصا شبّر(5:210)،و الآلوسيّ(22:

199)،و المراغيّ(22:131).

البروسويّ: و في«التّأويلات النّجميّة»:سمّي الحزن حزنا لحزونة الوقت على صاحبه،و ليس في الجنّة و هي جوار الحضرة حزونة و إنّما هي رضى و استبشار، انتهى.[ثمّ أضاف نحو أبي السّعود](7:352)

سيّد قطب :و الدّنيا بما فيها من قلق على المصير، و معاناة للأمور تعدّ حزنا بالقياس إلى هذا النّعيم المقيم، و القلق يوم الحشر على المصير مصدر حزن كبير.

(5:2944)

عزّة دروزة :خوف العاقبة و شرّ المصير.(3:17)

الطّباطبائيّ: قيل:المراد بالحزن الّذي يحمدون اللّه على إذهابه بإدخالهم الجنّة:الحزن الّذي كان يتوجّه إليهم في الحياة الدّنيا،و ما يحفّ بها من الشّدائد و النّوائب.

و قيل:المراد به الحزن الّذي كان قد أحاط بهم بعد الارتحال من الدّنيا.و قبل الدّخول في جنّة الآخرة إشفاقا ممّا اكتسبوه من السّيّئات.

و على هذا فالقول قول الظّالم لنفسه منهم،أو قوله و قول المقتصد.و أمّا السّابق بالخيرات منهم،فلا سيّئة في صحيفة أعماله حتّى يعذّب بها.و هذا الوجه أنسب،

ص: 728

لقولهم في آخر حمدهم: إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ .

فاطر:34.(17:47)

مكارم الشّيرازيّ: فهؤلاء يحمدون اللّه،بعد أن أصبحت تلك النّعمة العظيمة من نصيبهم،و تلاشت عن حياتهم جميع عوامل الغمّ و الحسرة ببركة اللّطف الإلهيّ، و تبدّدت سحب الهمّ المظلمة عن سماء أرواحهم،فلا خوف من عذاب إلهيّ،و لا وحشة من موت و فناء،و لا قلق،و لا أذى الماكرين،و لا اضطهاد الجبابرة القساة الغاصبين.

اعتبر بعض المفسّرين ذلك الغمّ و الحسرة إشارة إلى نظير ما يتعرّض له في الدّنيا،و اعتبره البعض الآخر إشارة إلى الحسرة في المحشر على نتائج أعمالهم،و لا تضادّ بين هذين التّفسيرين،و يمكن جمعهما في إطار العامّ بمعنى الآية.(14:88)

حزنا

1- ..تَوَلَّوْا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ. التّوبة:92

العكبريّ: (حزنا)مفعول له،أو مصدر في موضع الحال،أو منصوب على المصدر بفعل دلّ عليه ما قبله.(2:655)

أبو حيّان :و انتصب(حزنا)على المفعول له، و العامل فيه(تفيض).و قال أبو البقاء:أو مصدر في موضع الحال،و (أَلاّ يَجِدُوا) مفعول له أيضا،و النّاصب له (حزنا)،و يجوز أن يتعلّق ب(تفيض)انتهى.

و لا يجوز ذلك على إعرابه(حزنا)مفعولا له و العامل فيه(تفيض)لأنّ العامل لا يقتضي اثنين من المفعول له إلاّ بالعطف أو البدل.(5:86)

السّمين:(حزنا)في نصبه ثلاثة أوجه:

أحدها:أنّه مفعول من أجله،و العامل فيه (تفيض)،قاله الشّيخ.لا يقال:إنّ الفاعل هنا قد اختلف،فإنّ الفيض مسند للأعين و الحزن صادر من أصحاب الأعين،و إذا اختلف الفاعل وجب جرّه بالحرف،لأنّا نقول:إنّ الحزن يسند للأعين أيضا مجازا، يقال:عين حزينة و سخينة،و عين مسرورة و قريرة،في ضدّ ذلك.و يجوز أن يكون النّاصب له(تولّوا)و حينئذ يتّحد فاعلا العلّة و المعلول حقيقة.

الثّاني:أنّه في محلّ نصب على الحال،أي تولّوا حزينين،أو تفيض أعينهم حزينة،على ما تقدّم من المجاز.

الثّالث:أنّه مصدر ناصبه مقدّر من لفظه،أي:

يحزنون حزنا،قاله أبو البقاء.

و هذه الجملة الّتي قدّرها ناصبة لهذا المصدر،هي أيضا في محلّ نصب على الحال:إمّا من فاعل(تولّوا)و إمّا من فاعل(تفيض).(3:493)

الآلوسيّ: نصب على العلّيّة،و الحزن يستند إلى العين كالفيض،فلا يقال:كيف ذاك،و فاعل الفيض مغاير لفاعل الحزن،و مع مغايرة الفاعل لا نصب.

و قيل:جاز ذلك نظرا إلى المعنى؛إذ حاصله:تولّوا و هم يبكون حزنا.

و جوّز نصبه على الحال من ضمير(تفيض)أي حزينة،و على المصدريّة لفعل دالّ عليه ما قبله،أي

ص: 729

لا تحزن حزنا،و الجملة حال أيضا من الضّمير المشار إليه.

و قد يكون تعلّق ذلك على احتمالات ب(تولّوا)أي تولّوا للحزن،أو حزنين أو يحزنون حزنا.(10:160)

[راجع:ف ي ض:«تفيض»]

3- فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً...

القصص:8

[راجع:ع د و:«عدوّا»].

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الحزن،و هو ما غلظ من الأرض و خشن،و الجمع:حزون؛يقال:في الأرض حزونة،و قد حزن المكان حزونة،و أحزن الرّجل:صار في الحزن،و بعير حزنيّ:يرعى الحزن من الأرض.

و الحزنة:الجبل الغليظ،و الجمع:حزن.

و الحزن من الدّوابّ:ما خشن،و الأنثى:حزنة، و الحزون:الشّاة السّيّئة الخلق.

و منه:الحزن و الحزن:خلاف السّرور و الفرح،لأنّ النّفس تخشن بذلك و تغلظ،و الجمع:أحزان،و قد حزن يحزن حزنا،و تحازن و تحزّن و احتزن،و رجل حزنان و محزان:شديد الحزن.و حزنه الأمر يحزنه حزنا،فهو محزون و حزين و حزن،من قوم حزان و حزناء،و أحزنه الأمر،فهو محزن،و الأمر محزن.

و الحزانة:عيال الرّجل الّذين يتحزّن بأمرهم و لهم؛ يقال:كيف حشمك و حزانتك؟أي كيف من تتحزّن بأمرهم؟

2-و قال ابن السّكّيت:«الحزن و الحزم:ما غلظ من الأرض،و هي الحزون و الحزوم»،و كذا قال أبو عمرو.

و قيل:الحزم:المرتفع من الأرض،و هو أغلظ و أرفع من الحزن.

و إن كان الحزن و الحزم بمعنى ما غلظ من الأرض، فإنّ«ميم»حزم بدل من«نون»حزن،كما ذهب إليه ابن السّكّيت،و إن كان الحزم بمعنى المرتفع من الأرض، فهما لغتان،و ليسا من باب البدل.

3-و جعل أغلب اللّغويّين الحزن و الحزن بمعنى،و هو الغمّ،نحو:الحفر و الحفر،أي صفرة الأسنان،و فرّق بينهما آخرون،فقالوا:الحزن:مصدر،و الحزن:اسم له، و هو الأشبه.

و يبدو أنّ الحزن ثابت و الحزن عارض؛قال ابن الأعرابيّ:«الحزن:ما ثبت في القلب فلم يسل، و الحزن(بفتحتين):ما سلاه صاحب المصيبة».و قال الخليل :هما لغتان إذا ثقّلوا فتحوا و إذا ضمّوا خفّفوا، و ظاهره الفرق بينهما لفظا لا معنى.

و قد جاءت أغلب الأعراض و الأمراض على وزان الحزن،مثل:المرض و السّقم و الدّنف و العرض و الوصب و الوجع و الألم و العجف و النّحف و الضّوى و الضّنى و القذى و الدّوى.

و فسّر ابن عبّاس قوله تعالى: وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ فاطر:34،بالأعراض و الآفات أيضا،و فسّره المصطفويّ بالحركة و الاستمرار، و هو خلاف هذا المعنى.

ص: 730

الاستعمال القرآنيّ

جاءت فعلا مثبتا 3 مرّات،و منفيّا 34 مرّة،و اسم مصدر بلفظين 5 مرّات في 42 آية.

أ-الحزن و الخوف عند الأنبياء عليهم السّلام و الأولياء:

1- ...وَ قالُوا لا تَخَفْ وَ لا تَحْزَنْ إِنّا مُنَجُّوكَ وَ أَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ... العنكبوت:33

2- ...فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَ لا تَخافِي وَ لا تَحْزَنِي... القصص:7

3- إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ... فصّلت:30

4- إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ الأحقاف:13

5- أَ هؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ

الأعراف:49

6- يا عِبادِ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ الزّخرف:68

7- ...فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ البقرة:38

8- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هادُوا وَ النَّصارى وَ الصّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ

البقرة:62

9- بَلى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلّهِ وَ هُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ البقرة:112

10- اَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لا يُتْبِعُونَ ما أَنْفَقُوا مَنًّا وَ لا أَذىً لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ البقرة:262

11- اَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ بِاللَّيْلِ وَ النَّهارِ سِرًّا وَ عَلانِيَةً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ البقرة:274

12- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ آتَوُا الزَّكاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ البقرة:277

13- وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ* فَرِحِينَ بِما آتاهُمُ اللّهُ... أَلاّ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ (آل عمران:169،170)

14- ...مَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ المائدة:69

15- ...فَمَنْ آمَنَ وَ أَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ الأنعام:48

16- ...فَمَنِ اتَّقى وَ أَصْلَحَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ الأعراف:35

17- أَلا إِنَّ أَوْلِياءَ اللّهِ لا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ يونس:62

ب-الحزن مع السّوء و الفزع و الوهن و البثّ و قرّة العين و غيرها:

18- وَ يُنَجِّي اللّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ الزّمر:61

19- إِنَّ الَّذِينَ سَبَقَتْ لَهُمْ مِنَّا الْحُسْنى...* لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ... الأنبياء:101-103

ص: 731

20- وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ آل عمران:139

21- ...فَأَثابَكُمْ غَمًّا بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا ما أَصابَكُمْ... آل عمران:153

22- إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا... المجادلة:10

23- ...فَرَجَعْناكَ إِلى أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ... طه:40

24- فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ...

القصص:13

25- قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ...

يوسف:13

26- ...وَ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ

يوسف:84

27- قالَ إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللّهِ...

يوسف:86

28- فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا مريم:24

ج-حزن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله

29- لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ... الحجر:88

30- ...وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ لا تَكُ فِي ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ النّحل:127

31- وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ لا تَكُنْ فِي ضَيْقٍ مِمّا يَمْكُرُونَ النّمل:70

32- وَ مَنْ كَفَرَ فَلا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ إِلَيْنا مَرْجِعُهُمْ فَنُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا... لقمان:23

33- وَ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ...

آل عمران:176

34- يا أَيُّهَا الرَّسُولُ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ... المائدة:41

35- وَ لا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ يونس:65

36- فَلا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنّا نَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ يس:76

37- قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ... الأنعام:33

د-حزن نسائه

38- ...ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَ لا يَحْزَنَّ وَ يَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ... الأحزاب:51

ه-حزن صاحبه

39- ...إِذْ يَقُولُ لِصاحِبِهِ لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنا...

التّوبة:40

و-الحزن

40- فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً... القصص:8

41- ...تَوَلَّوْا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ التّوبة:92

42- وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ...

فاطر:34

و يلاحظ أوّلا:أنّ الحزن و الخوف جاءا معا 17 مرّة (1-17)و فيها بحوث:

ص: 732

1-الفرق بين الخوف و الحزن-و هما من العوارض النّفسانيّة-في هذه الآيات عند الفخر الرّازيّ(3:27) -و قد خصّها بالآخرة-أنّ زوال الخوف يتضمّن السّلامة من جميع الآفات،و زوال الحزن يقتضي الوصول إلى كلّ اللّذّات و المرادات،و قدّم الخوف فيها على الحزن.لأنّ زوال ما لا ينبغي مقدّم على طلب ما ينبغي.

و قال الآلوسيّ: (17:152)«إنّ الخوف و الحزن متقاربان،فإذا اجتمعا افترقا و إذا افترقا اجتمعا»و فرّع عليه أنّه إذا جاء أحدهما منفردا مثل(لا تحزن)كان النّهي عن الحزن نهيا عن الخوف أيضا.و ما قاله لا يجري في آيات نهى اللّه النّبيّ فيها عن الحزن على ضلال الكفّار، كما يأتي.

و الحقّ أنّ الخوف ممّا يأتي،و الحزن على ما مضى، و لهذا اختلفا غالبا في أداة التّعدّي ب«من»و«على».

و هذه الآيات جميعها أو أغلبها في أهل الآخرة خائفون ممّا سينزل بهم من العقوبات،و محزونون على ما فاتهم من أسباب النّجاح في الدّنيا،فالخوف قبل النّازلة و الحزن بعدها،و لهذا قدّم الخوف و أخّر الحزن وفقا للأمر الواقع.و عليه فلو قيل:إنّ حزنهم على ما فاتهم في الدّنيا،و خوفهم ممّا ينزل بهم في الآخرة لكان صوابا.

و قد أنهى أبو حيّان الوجوه في هذه الآيات نقلا عن المفسّرين إلى 12 وجها،فلاحظ.

2-في ثلاث منها(1-3)جاء كلاهما فعلا مضارعا نهيا من اللّه أو من الملائكة.

و في الباقي(4-17)جاءا خبرا عمّا يأتي مع تفاوت:

فجاء«خوف»مصدرا منكّرا،و«الحزن)فعلا مضارعا كلاهما في جملة اسميّة دالّة على الثّبات،و هنا سؤالان:

الأوّل:لم جاء فيها الخوف مصدرا،أو اسم مصدر و الحزن فعلا بسياق واحد: لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ أو فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ؟

و الجواب:أنّ خوفهم ممّا يأتي أشدّ من حزنهم على ما مضى،و هو كذلك في الاعتبار،لأنّ ما مضى مضى و لا يرجع،و أنّ ما يأتي هو عمدة مشكلتهم.فجاء (لا خوف)نكرة بعد النّفي تعميما و تأكيدا للاستمرار و التّأبيد،أمّا«الحزن»فجاء فعلا منفيّا و كفى.

و الثّاني:لم قال: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ فنفى حزنهم دون خوفهم،بل نفى الخوف عليهم؟

و الجواب:أنّ نفي الخوف عليهم آكد و أبلغ،أي ليس هناك خوف محيط بهم و مطبق عليهم،لا منهم و لا من غيرهم،أي هم في أمن تماما،و الخوف فيها كأنّه اسم مصدر.لاحظ نصّ أبي حيّان.

3-جاءت اثنتان منها(1 و 2)بشأن الدّنيا،و الباقي بشأن الآخرة صريحا أو إطلاقا،فتشمل الدّنيا و الآخرة.

4-و جملة من أذهب اللّه عنهم الخوف و الحزن نفيا أو نهيا 14 صنفا:

1-الّذين قالوا:ربّنا اللّه ثمّ استقاموا(3 و 4).

2-أصحاب الجنّة المذكورون في حديث الأعراف من الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات(5).

3-عباد اللّه(6).

4-من تبع هدى اللّه(7).

5-من آمن باللّه و اليوم الآخر و عمل صالحا من

ص: 733

المؤمنين و اليهود و النّصارى و الصّابئين(8).

6-من أسلم وجهه للّه و هو محسن(9).

7-الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه ثمّ لا يتبعوا إنفاقهم منّا و لا أذى(10).

8-الّذين ينفقون أموالهم باللّيل و النّهار سرّا و علانية(11).

9-الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات و أقاموا الصّلاة و آتوا الزّكاة(12).

10-الّذين قتلوا في سبيل اللّه(13).

11-من آمن باللّه و اليوم الآخر و عمل صالحا(14).

12-من آمن و أصلح(15).

13-من اتّقى و أصلح(16).

14-أولياء اللّه(17).

و بالمقابلة و الجمع بينها يعلم أنّ أركان السّعادة هي:

الإيمان باللّه و الرّسول و باليوم الآخر،و العمل الصّالح، و التّقوى و الإصلاح،و الاستقامة و الاستشهاد و الإنفاق في سبيل اللّه بلا منّ و لا أذى في الإنفاق خاصّة،و إسلام الوجه للّه مع الإحسان،و اتّباع هدى اللّه،و أنّ هؤلاء هم عباد اللّه و أوليائه.

و هذه الصّفات عمدة ما يذبّ أيضا الخوف و الحزن و الفزع و البثّ و نحوها،ممّا جاء مع الحزن في الآيات عن الأنبياء و الأولياء،فلاحظ.

5-كلّ ما جاء: فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ أو لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ يبدو أنّه سياق واحد في كلّ القرآن،جرى مجرى المثل السّائر،فينبغي الاحتفاظ به و لا يسمع إلى قراءات أخرى مثل (لا خوف)بالنّصب،أو بالرّفع من دون تنوين،كما حكاهما ابن عطيّة و أبو حيّان و غيرهما في(7) فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ.

6-حكى الفخر الرّازيّ عن قوم من المتكلّمين سؤالا:و هو أنّ أهوال القيامة كما تصل إلى الكفّار و الفسّاق،تصل إلى المؤمنين أيضا،لقوله: يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ الحجّ:2.

و أجاب بأنّ قوله: لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ أخصّ من(يوم ترونها)،و الخاصّ مقدّم على العامّ.

و نقول:نفي الخوف خاصّ بهم بعد دخولهم الجنّة، كما قال: اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ أمّا قبله فيصلهم شيء منه،كما دلّت عليه الرّوايات بل الآيات.

ثانيا:جاء الحزن مع السّوء أو الفزع أو الوهن أو الغمّ في أربعة:(18-21)فنفى السّوء و الحزن عن المتّقين في(18)و الفزع و الحزن عن الّذين سبقت لهم من اللّه الحسنى في(19)و الوهن و الحزن عن المؤمنين في(20) و الحزن عن الّذين أثابهم غمّا بغمّ في(21).

ثالثا:جاء الحزن في قصص الأنبياء 8 مرّات:مرّتين نهيا في(1 و 2)و 6 مرّات خبرا(23-28).

أمّا النّهي فأحدهما(1)جاء بشأن لوط عليه السّلام؛حيث قالت له الملائكة: لا تَخَفْ وَ لا تَحْزَنْ إِنّا مُنَجُّوكَ وَ أَهْلَكَ... و ثانيهما(2)جاء بشأن أمّ موسى؛حيث أوحى اللّه إليها في طفلها موسى فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَ لا تَخافِي وَ لا تَحْزَنِي إِنّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ و في هاتين جاء الخوف مع الحزن.

و أمّا الخبر:فاثنتان منها(23 و 24)بشأن أمّ موسى

ص: 734

أيضا نفيا لحزنها بسياق واحد كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ جمعا بين نفي الحزن و إثبات قرّة العين تأكيدا و تشديدا في رفع الحزن عنها.

و ثلاث منها(25-27)بشأن يعقوب في فراق يوسف عليهما السّلام بأسلوب مؤكّد أيضا: إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ و إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللّهِ و وَ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ، فأخبر يعقوب في الأوليين بحزنه على يوسف قبل أن يذهبوا به و بعده، و أخبر اللّه عنه في الأخيرة بابتضاض عينيه حزنا على يوسف.

و كلّها مثبت للحزن،خلافا لأكثر الآيات النّافية له، أو النّاهية عنه،واحدة منها فعل،و اثنتان اسم.

و من علائم التّأكيد فيها(انّى ليحزننى)في(25) و اقتران«الحزن»بالبثّ«و هو شدّة الحزن»في(27) و ابتضاض العين من كثرة البكاء في(26).

لاحظ«ب ث ث و ب ي ض».

و واحدة منها(28)في أمّ عيسى بأسلوب مؤكّد أيضا عند المخاض فَناداها -أي ابنها أو جبرائيل - مِنْ تَحْتِها أَلاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا بتكرار «تحت»و الجمع بين رفع الحزن عنها،و إخبارها بأنّ ربّها قد جعل تحتها سريّا،أي نهرا صغيرا لتشرب منه،و في هذا الأسلوب تأكيد لرفع الحزن عنها.

رابعا:جاء الحزن نهيا للنّبيّ 8 مرّات(29-36) و خبرا عنه مرّة(37)فنهاه عن الحزن على الكفّار أو على كفرهم أربع مرّات:(29-32)،و على الّذين يسارعون في الكفر مرّتين(33 و 34)،و على قولهم الكفر مرّتين أيضا(35 و 36)،و أخبر عن حزنه من قولهم هذا مرّة(37).

خامسا:جاء نفي الحزن عن نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مرّة (38) ذلِكَ أَدْنى أَنْ تَقَرَّ أَعْيُنُهُنَّ وَ لا يَحْزَنَّ وَ يَرْضَيْنَ بِما آتَيْتَهُنَّ كُلُّهُنَّ و قد سبقها في سياق اختيار النّبيّ إيوائهنّ،و إرجاءهنّ،و عزلهنّ تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَ مَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ.

و اختلفوا في المشار إليه ب(ذلك)و أحسن الوجوه أنّه إشارة إلى أنّ علمهنّ بأنّ ما اختار الرّسول منهنّ كان حسب ما وهبه اللّه من الخيار و ما وهبهنّ من الثّواب، فإنّ ذلك سوف يرضيهنّ فيذهب الحزن عن قلوبهنّ،بل تقرّ أعينهنّ بها.

و قد جمع اللّه فيها لهنّ بين نفي الحزن و إثبات الرّضى و قرّة العين تأكيدا لإيمانهنّ في هذا الموضع الحرج عليهنّ المثير للغيرة و العاطفة السّيّئة.

سادسا:جاء الحزن مرّة(39)نهيا عنه عليه السّلام صاحبه أبا بكر و هما في الغار،على خلاف بين السّنّة و الشّيعة في أنّها مدح لأبي بكر أو ذمّ؛حيث ترجموا الحزن بالخوف، و ردّ عليهم أهل السّنّة بالفرق بينهما،و هو كذلك.و نحن قد بحثنا فيها في«ثاني اثنين»فراجع هناك،و لاحظ النّصوص هنا.

سابعا:جاء الحزن فيها سلبا إلاّ 7 مرّات إيجابا،و هذا شاهد على قبح الحزن و حسن السّرور،و لا سيّما في الطّاعات و المباحات.و في كلّ من الإيجاب و السّلب بحث.

ص: 735

أمّا الإيجاب فجاء ثلاث مرّات:

إحداها(25)حكاية عن يعقوب قالَ إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ.

ثانيتها(22)ذمّا للنّجوى حيث يحزن المؤمنون به إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا.

ثالثتها(37)ترحّما على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لحزنه ممّا يقوله الكفّار و يكذّبونه قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ.

و جاء مصدرا بلفظ«حزن»مرّتين كلاهما حكاية عن يعقوب أيضا(26) وَ ابْيَضَّتْ عَيْناهُ مِنَ الْحُزْنِ، و(27) إِنَّما أَشْكُوا بَثِّي وَ حُزْنِي إِلَى اللّهِ، و بلفظ «حزن»مرّتين أيضا(40 و 41)و سنبحثه.

و أمّا السّلب ففي باقي الآيات،و هي تختلف نفيا و نهيا:

أمّا النّفي فجاء 28 مرّة:منها 14 مرّة فعلا مع الخوف (4-17)بسياق واحد فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ أو لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ، و 14 مرّة مع غير الخوف و قد سبق البحث فيها.

و أمّا النّهي فجاء 13 مرّة:(1-3 و 20 و 28-36) منها 8 مرّات(29-36)نهي من اللّه للنّبيّ عن حزنه على الكفّار،لاتّخاذهم طريق الضّلالة أو التّكذيب، و مثلها(37)إثباتا قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ.

و هذا التّكرار إن دلّ على شيء يدلّ على فرط حبّه و شدّة تعلّقه بهداية النّاس،فكان يحزنه إنكارهم،فنهاه اللّه عنه تسلّيا له،و تطييبا لقلبه الطّيّب،و نظيرها آيات أخرى مثل طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى

طه:1،2.

و قد طرحوا هنا سؤالا،و هو أنّ الحزن عارض للنّفس قهرا من دون اختيار صاحبه،فلا يتعلّق به تكليف،فكيف جاء النّهي عن الحزن في هذه الآيات؟

و أجابوا عنه بأنّ النّهي عن التّأثير نهي عن التّأثّر، كما يقال:«لا أرينّك هاهنا،و لا يأكلك السّبع»و قد وجّه فيهما النّهي إلى اللاّزم،و المراد هو النّهي عن الملزوم.

و بأنّها تسلية و رفع للحزن ببيان حقيقة الأمر،أو عزاء و مواساة للنّبيّ عليه السّلام و غيره،أو مبالغة في رفض الحزن، و نحوها.

و طرح الفخر الرّازيّ في(33) وَ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ فِي الْكُفْرِ سؤالا آخر،و هو«أنّ الحزن على كفر الكافر و معصية العاصي طاعة فكيف نهى اللّه عن الطّاعة»؟

و أجاب عنه بوجهين:

أحدهما:أنّه كان يفرط و يسرف في الحزن على كفرهم،حتّى كاد يؤدّي إلى لحوق الضّرر به عليه السّلام،فنهاه عن الإسراف فيه،كما قال: فَلا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَراتٍ فاطر:8.

و ثانيهما:أنّ معناها لا يحزنوك لخوف أن يضرّوك و يعينوا عليك،و لهذا قال بعده: إِنَّهُمْ لَنْ يَضُرُّوا اللّهَ شَيْئاً آل عمران:176.و لكلّ من الوجهين شواهد في القرآن.

ثامنا:جاء الحزن في الجميع لازما إلاّ 7 آيات فجاء فيها متعدّيا:(19) لا يَحْزُنُهُمُ الْفَزَعُ الْأَكْبَرُ، (25)

ص: 736

إِنِّي لَيَحْزُنُنِي أَنْ تَذْهَبُوا بِهِ، و(33 و 34) وَ لا يَحْزُنْكَ الَّذِينَ يُسارِعُونَ، و نحوها ما بعدها إلى (37).و لا خلاف فيها.و ربّما تلحق بها(22) إِنَّمَا النَّجْوى مِنَ الشَّيْطانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا أي ليحزن الشّيطان أو النّجوى الّذين آمنوا،و قد قرأت بعض هذه الآيات(يحزن)من باب الإفعال،فلاحظ النّصوص.

تاسعا:جاء(حزن)ثلاث مرّات(40-42):مرّتين بشأن أهل الدّنيا،و مرّة بشأن أهل الآخرة،و فيها بحوث:

1-فرّق الخليل بين الحزن و الحزن،بأنّ الحزن خاصّ بالتّثقيل و الحزن بالتّخفيف،و لا يعلم أنّ مراده التّثقيل و التّخفيف لفظا أو معنى.و قد خصّ المصطفويّ التّحريك بالاستمرار تتابعا بين اللّفظ و المعنى.و لا شاهد لقولهما.

و أمّا الآخرون فقد نصّوا على أنّهما مصدران سواء، قال الطّبرسيّ:«الحزن و الحزن لغتان مثل البخل و البخل،و العرب و العرب،و العجم و العجم».و يبدو أنّ الحزن يأتي اسم مصدر دون الحزن كما سبق.و على الرّغم من ذلك ف«الحزن»في الآيات الثّلاث أقرب إلى اسم المصدر من المصدر،كما سترى.

2-جاء«الحزن»في(40 و 41)بشأن جماعتين إحداهما مؤمنة و الأخرى كافرة،في سياق يماشي التّشديد و الاستمرار معا.

أمّا الكافرة(40)-و هي مقدّمة زمانا-فهي آل فرعون،أي أسرته خاصّة،أو قومه عامّة؛و ذلك حين التقطوا موسى من اليمّ،و هو طفل رضيع،ألقته أمّه في اليمّ بوحي من اللّه عزّ و جلّ،خوفا من فرعون أن يقتله،كما قال: وَ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّ مُوسى أَنْ أَرْضِعِيهِ فَإِذا خِفْتِ عَلَيْهِ فَأَلْقِيهِ فِي الْيَمِّ وَ لا تَخافِي وَ لا تَحْزَنِي إِنّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ* فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ* وَ قالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَ لَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ *إلى* فَرَدَدْناهُ إِلى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَ لا تَحْزَنَ وَ لِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ القصص:7-13.

و اللاّم في(ليكون)للعاقبة لا للغاية،أي ليكون لهم في عاقبة أمره كذلك،لا أنّهم أخذوه لهذا الغرض.و نحن نعلم أنّ موسى بعد أن أوتي الرّسالة و رجع إلى مصر ما ذا فعل بفرعون و آله بل بقومه؟فكان لهم عدوّا كبيرا و حزنا شديدا حتّى أتى على آخرهم،و جعلهم أحاديث.

و عطف(حزنا)على(عدوّا)يعطي نهاية الحزن و و أقصاه شدّة و مدّة.و يمدّه استيعابا لقومه بشدّة ما بعدها:

إِنَّ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ، و أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ، و لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ.

و أمّا المؤمنة فهي جماعة من هذه الأمّة الكريمة من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،جاءوه ليحملهم معه إلى غزوة تبوك،فاعتذر منهم قائلا: لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً و لنتلو الآيات عليك كاملة لتلمس الجوّ الّذي جاء فيه«حزنا»بشأن هؤلاء المؤمنين المخلصين لَيْسَ عَلَى الضُّعَفاءِ وَ لا عَلَى الْمَرْضى وَ لا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ ما يُنْفِقُونَ حَرَجٌ إِذا نَصَحُوا لِلّهِ

ص: 737

وَ رَسُولِهِ ما عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ * وَ لا عَلَى الَّذِينَ إِذا ما أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لا أَجِدُ ما أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَناً أَلاّ يَجِدُوا ما يُنْفِقُونَ التّوبة:91،92،أي ليس على الضّعفاء و المرضى و الّذين لا يجدون ما ينفقون حرج في قعودهم عن القتال،فهم محسنون،و ليس على المحسنين من سبيل،و يشملهم عفو اللّه و رحمته.

و قد أدان اللّه قبلها و بعدها القاعدين و المعتذرين الّذين رضوا بأن يكونوا مع الخوالف،فلاحظ.

و كما قارن(حزنا)في الجماعة الكافرة ب(عدوّا) تشديدا و إنهاء بالحزن،قارنه في الجماعة المؤمنة ب وَ أَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ، إعلاما بأنّ فيضان دمعهم يحكي عن فيضان قلوبهم بالمشاركة مع النّبيّ سماحة منهم في القتال،لكنّهم-مع الأسف-حرموا، فكانت قلوبهم مليئة بالحزن،و عيونهم فائضة بالدّمع، و الدّمع ينبع عن حزن القلب أو شوقه،يجري على ظاهر الخدّ،ليكون شاهد صدق على ما جرى في باطن القلب.

و نحن نغتنم الفرصة هنا للتّنبيه على نكات:

الأولى:ينبغي مقارنة نفسيّة في الآيتين بين أعداء اللّه الكفرة،الطّغاة على خلقه،كفرعون و هامان و جنودهما،و بين أولياء اللّه و أحبّائه المؤمنين المخلصين.

فتلك جماعة أشقياء،تقتل النّفوس المحرّمة حتّى الأطفال،إبقاء على حياتهم الخبيثة الظّالمة،حتّى كاد فرعون و أعوانه الأشقياء أن يقتلوا الطّفل الرّضيع- لو لا شفاعة امرأته المؤمنة بعاطفتها الطّيّبة: وَ قالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَ لَكَ لا تَقْتُلُوهُ... -من غير أن ينعطفوا إلى ما جرى على فؤاد أمّه من الحزن وَ أَصْبَحَ فُؤادُ أُمِّ مُوسى فارِغاً إِنْ كادَتْ لَتُبْدِي بِهِ لَوْ لا أَنْ رَبَطْنا عَلى قَلْبِها لِتَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ* وَ قالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ القصص:10،11.

و هذه جماعة سعداء تضحّي نفوسها الطّيّبة و تستقبل الموت في سبيل نجاة خلق اللّه عن ورطة الضّلالة إلى الصّراط المستقيم صراط اللّه،حبّا للخلق و الخالق إلى حدّ تتلاشى قلوبهم حزنا،و تتفجّر عيونهم دمعا،حين لم يتمكّنوا من الفداء و التّضحية.

فجازى اللّه الفريقين بما يوافق نفوسهم،و وصفهم بما ينطوي عليه قلوبهم،فقال فيهما ما تلوناه عليك من المدح و الذّمّ و الإدانة و الإطراء.

الثّانية:قارن نفوس هؤلاء المؤمنين الفقراء و تلك المنافقين الألدّاء حول النّبيّ في غزوة تبوك،و قد وصف اللّه الفريقين معا في سورة التّوبة النّازلة قبيل رحيل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،تاركا هذه الحياة إلى الملكوت الأعلى.و كلا الفريقين كان باقيا بعده بين المسلمين بكثرة هائله، و كان لهما دور في كثير من الأحداث،فلا تظنّنّ أنّ المؤمنين المخلصين انحرفوا و ارتدّوا إلاّ القليل القليل.

فأين الّذين رفعوا راية الإسلام على أكتافهم جهادا و تضحية و فداء في سبيل اللّه في شرق العالم و غربه؟و أين الّذين نشروا الأكاذيب بشأن القرآن و تحريفه،و بشأن النّبيّ و أنصاره،و بشأن أهل بيته من هذين الفريقين؟ و التّفصيل في(المهاجرين و الأنصار)فانتظر.

الثّالثة:التّدبّر في الآيات بما تحتوي من النّكات،أهمّ

ص: 738

من الاختلاف المفرط في الإعراب و القراءة عن الشّواذّ، لكنّهم مع الأسف أفرطوا في الآيتين حتّى تجاوزوا الحدّ اللاّزم.

أمّا في الأولى فقد حكى الطّبرسيّ(4:240)في (عدوّا و حزنا)قراءة أهل الكوفة غير عاصم (حزنا) و الباقين بفتحها-و هو المساعد للسّياق كما قلنا-و في الشّواذّ قراءة الحسن و فضالة (فزعا) ،و قراءة ابن عبّاس (قرعا) ،و عن بعضهم (فرغا) .

و أمّا في الثّانية فقالوا في إعراب(حزنا):مفعول لأجله،و العامل فيه(تفيض).و قد ناقشوا فيه باختلاف الفاعل،لأنّ فاعل(تفيض)(اعينهم)و فاعل(حزنا) «القلوب».و أجابوا عنه بأنّ«الحزن»أسند إلى «الأعين»مجازا،يقال:عين حزينة و سخينة...و يجوز أن يكون العامل فيه(تولّوا)فيتّحد فاعلا العلّة و المعلول حقيقة،أو لرجوع المعنى إلى تولّوا و هم يبكون حزنا.

وجه آخر:أنّه حال من(تولّوا)أي تولّوا حزينين، أو من(تفيض)أي تفيض أعينهم حزينة على ما تقدّم من المجاز.

و وجه ثالث:أنّه مصدر ناصبه فعل مقدّر من لفظه، أي يحزنون حزنا،أو لا تحزن حزنا،و هذه الجملة المقدّرة في محلّ نصب على الحال إمّا من(تولّوا)،أو(تفيض) و هلمّ جرّا.

3-و جاء(الحزن)في(42)قولا لأهل الجنّة و هم فيها: جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ* وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ إِنَّ رَبَّنا لَغَفُورٌ شَكُورٌ* اَلَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ لا يَمَسُّنا فِيها نَصَبٌ وَ لا يَمَسُّنا فِيها لُغُوبٌ فاطر:33-35.

و قد اختلفوا في(الحزن)أ هو أحزانهم في الدّنيا من أجل المعيشة.مثل همّ الخبز و الجوع و كراء الدّار و نحوها،أو من أجل الآفات و الأعراض و الأمراض و البلايا و ظلم السّلطان أو غيره،و زوال النّعم،أو خوف الموت.

أو من أجل السّيّئات و المعاصي،و ردّ الطّاعات،أو وسوسة الشّيطان،و خوف من الآخرة،و أهوال يوم القيامة،و من سوء العاقبة،لأنّهم لا يعلمون ما يفعل بهم،و أنّهم من أهل النّار أو من أهل الجنّة.

أو حزنهم في الآخرة بما حاق بهم بعد الموت و استمرّ إلى أن دخلوا الجنّة،أو كلّ حزن دنيويّ و أخرويّ -و اختاره الطّبريّ و الزّجّاج و الفخر الرّازيّ و غيرهم- و لا بأس به.

و أنهاها الماورديّ إلى عشرة؛عاشرها حزن التّباغض و التّحاسد،لأنّ أهل الجنّة متواصلون لا يتباغضون و لا يتحاسدون.

و قال القشيريّ: «تحقّقوا بحقائق الرّضا،سمّي الحزن حزنا لحزونة-صعوبة-الوقت على صاحبه،و ليس في الجنّة-و هي جوار الحضرة-حزونة،و إنّما هو رضى و استبشار»و هذا معنى رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ المائدة:119.

و اعلم أنّ الحزن من وجهة نظر العرفاء الواصلين، هو الفراق و الغربة عن الحضور و هو أكبر همّهم،و قد تبدّل لهم في الجنّة بالوصول و الحضور،و هو أقصى أمانيّهم و أكبر آمالهم و أعظم مواهبهم الرّبّانيّة.و هذه حاصلة للكمّلين منهم في الحياة الدّنيا،فكيف في الجنّة!

ص: 739

ص: 740

ح س ب

اشارة

40 لفظا،109 مرّة:55 مكّيّة،54 مدنيّة

في 42 سورة:24 مكّيّة،18 مدنيّة

حسب 5:2-3 حسيبا 4:1-3

حسبوا 1:-1 حساب 25:12-13

حسبته 1:1 حسابا 4:3-1

حسبت 1:1 حسابه 2:1-1

حسبتهم 1:-1 حسابهم 5:5

حسبتم 4:1-3 حسابك 1:1

يحسب 5:5 حسابيه 2:2

يحسبنّ 3:-3 حسبان 1:-1

يحسبه 1:-1 حسبانا 2:2

يحسبهم 1:-1 حسبه 2:-2

يحسبون 8:5-3 حسبهم 2:-2

تحسب 1:1 حسبك 2:-2

تحسبنّ 5:2-3 حسبي 2:1-1

تحسبنّهم 1:-1 حسبنا 3:3

تحسبها 1:1 حاسبنا 1:-1

تحسبهم 2:1-1 يحاسبكم 1:-1

تحسبونه 1:-1 يحاسب 1:1

تحسبوه 2:-2 يحتسب 1:-1

حاسبين 1:1 يحتسبوا 1:-1

الحاسبين 1:1 يحتسبون 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحسب:الشّرف الثّابت في الآباء.رجل كريم الحسب:حسيب،و قوم حسباء.

و في الحديث:الحسب:المال،و الكرم:التّقوى.

و تقول:الأجر على حسب ذلك،أي على قدره.

قال خالد بن جعفر للحارث بن ظالم:أ ما تشكر لي إذ جعلتك سيّد قومك؟قال:حسب ذلك أشكرك.

و أمّا حسب مجزوما،فمعناه كما تقول:حسبك هذا، أي كفاك.و أحسبني ما أعطاني،أي كفاني.

ص: 741

و الحساب:عدّك الأشياء.

و الحسابة:مصدر قولك:حسبت حسابة و أنا أحسبه حسابا؛و حسبة أيضا.

و قوله عزّ و جلّ: يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ البقرة:212،اختلف فيه،يقال:بغير تقدير على أجر بالنّقصان،و يقال:بغير محاسبة،ما إن يخاف أحدا يحاسبه،و يقال:بغير أن حسب المعطى أنّه يعطيه:أعطاه من حيث لم يحتسب.

و احتسبت أيضا من الحساب،و الحسبة مصدر احتسابك الأجر عند اللّه،و رجل حاسب،و قوم حسّاب.

و الحسبان من الظّنّ،حسب يحسب لغتان،حسبانا، و قوله عزّ و جلّ: اَلشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبانٍ الرّحمن:5، أي قدّر لهما حساب معلوم في مواقيتهما،لا يعدوانه و لا يجاوزانه.

و قوله تعالى: وَ يُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ الكهف:40،أي نارا تحرقها.

و الحسبان:سهام قصار يرمى بها عن القسيّ الفارسيّة؛الواحدة بالهاء.

و الأحسب:الّذي ابيضّت جلدته من داء،ففسدت شعرته،فصار أحمر و أبيض،من النّاس و الإبل،و هو الأبرص.

و الحسب و التّحسيب:دفن الميّت في الحجارة.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](3:148)

سيبويه :و أمّا حسب،فمعناه كمعنى قطّ.(4:231)

الكسائيّ: ما أدري ما حسب حديثك،أي ما قدره.(الجوهريّ 1:110)

ابن شميّل: الحسبان:سهام يرمي بها الرّجل في جوف قصبة،ينزع في القوس ثمّ يرمي بعشرين منها، فلا تمرّ بشيء إلاّ عقرته،من صاحب سلاح و غيره.فإذا نزع في القصبة خرجت الحسبان كأنّها غبية مطر، فتفرّقت في النّاس؛واحدها:حسبانة.(الأزهريّ 4:332)

أبو عمرو الشّيبانيّ: إنّهم لبأمر ما يدرى ما حسبه،أي ما قدره.

حسبك من هذا،إذا نهاه،فنصب.(1:148)

قد أسرع الحسبة،أي الحساب.(1:151)

قد حسّبته،إذا أثنيت عليه بحسبه،خيرا أو شرّا، و قد حسّبه غير حسبه،أي أثنيت عليه خلاف ما هو عليه من الحسب.(1:164)

إنّك لتحسب الأرض عليّ حيصا بيصا،و حيص بيص،ينوّنون،يقول:تحسبها عليّ ضيّقة لا أقدر فيها على مخرج.(1:208)

و الاحتساب:الاشتهاء.

و الأحسب ليس بأصهب و لا أحمر.[ثمّ استشهد بشعر](1:21)

الفرّاء: حسبت الشّيء:ظننته،أحسبه و أحسبه؛ و الكسر أجود اللّغتين.(الأزهريّ 4:331)

أبو عبيدة :الحسبانة:الوسادة الصّغيرة،و قد حسّبت الرّجل،إذا أجلسته عليها.(الأزهريّ 4:334)

أبو زيد :حسبت الشّيء أحسبه حسابا،و حسبت الشّيء أحسبه حسابا و حسبانا.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:331)

ص: 742

أحسبت الرّجل،أي أعطيته ما يرضى.

(الأزهريّ 4:334)

الأصمعيّ: إنّه لحسن الحسبة في الأمر،إذا كان حسن التّدبير في الأمر و النّظر فيه.و ليس هو من احتساب الأجر.(الأزهريّ 4:333)

أبو عبيد: الأحسب:الّذي في شعره حمرة و بياض.(الأزهريّ 4:334)

ذهب فلان يتحسّب الأخبار،أي يتحسّسها و يطلبها تحسّبا.

و عن أبي زياد الكلابيّ: الأحسب من الإبل:الّذي فيه سواد و حمرة و بياض،و الأكلف نحوه.

(الأزهريّ 4:335)

ابن الأعرابيّ: الحسبانة:الصّاعقة،و الحسبانة:

السّحابة،و الحسبانة:الوسادة.(الأزهريّ 4:332)

يقال لبساط البيت:الحلس،و لمخادّه:المنابذ، و لمساوره:الحسبانات،و لحصره:الفحول.

الحسبة:سواد يضرب إلى الحمرة.

(الأزهريّ 4:334)

المحسبة بمعنيين:من الحسب و هو الشّرف،و من الإحساب و هي الكفاية،أي أنّها تحسب بلبنها أهلها و الضّيف.(الأزهريّ 4:335)

ابن السّكّيت: يقال:احتسبت ما في نفس فلان، أي اختبرته.[ثمّ استشهد بشعر](542)

يقال:أحسبه،إذا أكثر له.

و منه قوله: عَطاءً حِساباً النّبأ:36،أي كثيرا.

و قد حسبت الشّيء أحسبه حسابا و حسبانا و حسبة.

قال اللّه عزّ و جلّ: اَلشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبانٍ أي بحساب.[و استشهد بالشّعر مرّتين]

(إصلاح المنطق:236)

و تقول:قد احتسب فلان ابنا له أو بنتا له،إذا ماتا و هما كبيران.(إصلاح المنطق:306)

الشّرف و المجد لا يكونان إلاّ بالآباء،يقال:رجل شريف،و رجل ماجد:له آباء متقدّمون في الشّرف.

و الحسب و الكرم يكونان في الرّجل و إن لم يكن له آباء لهم شرف.

و يقال:رجل حسيب،و رجل كريم بنفسه.(الأزهريّ 4:329)

حسب بمعنى شكّ،و بمعنى أيقن.(الأضداد:227)

شمر: الحسب:الفعال الحسن له و لآبائه،مأخوذ من«الحساب»إذا حسبوا مناقبهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحسب:الفعال مثل:الشّجاعة و الجود و حسن الخلق و الوفاء.(الأزهريّ 4:329)

الأحسب من الإبل هو الّذي لا لون له،الّذي يقال:

أحسب كذا و أحسب كذا.(الأزهريّ 4:335)

أبو الهيثم: الحسبان:جمع حساب،و كذلك أحسبة، مثل شهاب و أشهبة و شهبان.(الأزهريّ 4:332)

المبرّد: حسبانا:مصدر،كما تقول:حسبته أحسبه حسبانا و حسابا.(الأزهريّ 4:332)

ثعلب :تقول:حسبت الحساب أحسبه حسبا و حسبانا بالضّمّ،إذا عددته و أحصيته؛و الحساب:

الاسم.

و حسبت الشّيء بالكسر،أي ظننته،و هو ضدّ

ص: 743

علمته،أحسبه و أحسبه محسبة و محسبة،و حسبانا بالكسر.(30)

تقول:اعمل على حسب ما أمرتك،أي مثقّل،أي على قدره و مثاله.و حسبك ما أعطيتك بالتّخفيف،أي كفاك.

و المثقّل في هذا الباب هو أن يكون الحرف الثّاني من فصوله كلّها مفتوحا،و المخفّف هو أن يكون ذلك الحرف منها ساكنا.(68)

و الحسب:الفعال الصّالح.(ابن سيده 3:205)

أحسبه من كلّ شيء:أعطاه حسبه و ما كفاه.

و إبل محسبة:لها لحم و شحم كثير.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 3:206)

الحسبان:المرامي.واحدتها:حسبانه.

(ابن منظور 1:315)

كراع:و الحسب:الدّين،و الحسب:البال.

(ابن سيده 3:205)

ابن دريد :حسبت الحساب أحسبه حسبا من الحساب.

و حسبت الشّيء أحسبه حسبانا،من قولهم:

حسبت كذا،في معنى ظننت،و كذلك حسبته محسبة و محسبة،و الكسر أجود.

و الحسبة:غبرة في كدرة.جمل أحسب و ناقة حسباء،و هو دون الورقة.و شعر أحسب:فيه سواد و غبرة.

و المحسبة:وسادة من أدم.تحسّب الرّجل،إذا توسّد المحسبة.

و حسب الرّجل:مآثر آبائه و أجداده،و كذا هو عند أهل اللّغة.

و قال قوم:حسبه:دينه،و حسبي كذا و كذا،أي يكفيني.

و أحسبني الشّيء:كفاني.و أحسبت الرّجل،إذا أعطيته ما يكفيه.

و تقول:أفعل ذلك بحسب ما أوليتني،مفتوح السّين.

و سكّنها قوم.

و الحساب:معروف،و هو مصدر المحاسبة،حاسبته محاسبة و حسابا.

و قد سمّت العرب:حسيبا و حسيبا.

و احتسب فلان على فلان:أنكر عليه قبيحا عمله.

و احتسب فلان عند اللّه خيرا،إذا قدّمه.

و على اللّه حسباني،أي حسابي.

فأمّا الحسبان الّذي يرمى به هذه السّهام الصّغار فمولّد،و قد جاء في التّنزيل حُسْباناً مِنَ السَّماءِ الكهف:40،قال أبو عبيدة:عذابا،و لا أدري ما أقول في هذا.[و استشهد بالشّعر مرّتين](1:221)

حسبان،و هو من الحساب تقول:على اللّه حسبانك، أي حسابك.

و الحسبان في التّنزيل:العذاب،و اللّه أعلم.

(3:415)

الأزهريّ: [ذكر قول شمر في الحسب ثمّ قال:]

و هذا الّذي قاله صحيح،و إنّما سمّيت مساعي الرّجل و مآثر آبائه حسبا،لأنّهم كانوا إذا تفاخروا عدّ المفاخر منهم مناقبه و مآثر آبائه و حسبها.فالحسب:العدّ

ص: 744

و الإحصاء،و الحسب:ما عدّ،و كذلك العدّ مصدر عدّ يعدّ،و المعدود عدد.

عن مسروق عن عمر أنّه قال:«حسب المرء:

دينه،و مروءته:خلقه،و أصله:عقله».

و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«كرم المرء:دينه، و مروءته:عقله،و حسبه:خلقه».[ثمّ ذكر كلام ابن السّكّيت و قال:]

قلت:أراد أنّ الحسب يحصل للرّجل بكرم أخلاقه و إن لم يكن له نسب،و إذا كان حسيب الآباء،فهو أكرم له.(4:329)

قال ابن بزرج:الحسيب عندنا من الرّجال:السّخيّ الجواد فذلك الحسيب،و لا يقال لذي الأصل و الصّليبة البخيل:حسيب.

قلت:يقال للسّخيّ الجواد:حسيب،و للّذي يكثر أهل بيته من البنين و الأهل:حسيب،و إنّما سمّي حسيبا لكثرة عدده.و سمّي الجواد:حسيبا،لعدد مآثره و منابته و كريم أخلاقه.و بكلّ ذلك نطقت السّنن و جاءت به الأخبار.[إلى أن ذكر قصّة هوازن حينما أتوا النّبيّ]

قالوا:أمّا إذ خيّرتنا بين المال و بين الحسب،فإنّا نختار الحسب،فاختاروا أبناءهم و نساءهم.فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّا خيّرناهم بين المال و الأحساب فلم يعدلوا بالأحساب شيئا»فأطلق لهم السّبي.

قلت:و بيّن هذا الحديث أنّ عدد أهل البيت يسمّى حسبا.(4:329)

[و ذكر قول اللّيث:الحسب و التّحسيب:دفن الميّت، ثمّ قال:]

لا أعرف التّحسيب بمعنى الدّفن في الحجارة،و لا بمعنى التّكفين.

يقال:أتاني حساب من النّاس،أي جماعة كثيرة، و هي لغة هذيل.(4:334)

أحسبني الشّيء،أي كفاني،و أعطيته فأحسبته، أي أعطيته الكفاية حتّى قال:حسبي.(4:336)

الصّاحب:الحسب:الشّرف في الآباء،رجل حسيب،و قوم حسباء.

و حسّبت فلانا حسبه:رددته إلى أصله.

و المحسّب:الحسيب ذو الكرم.

و الحسب:قدر الشّيء،كقولك:الأجر على حسب ما عملت.

و أمّا حسب مجزوم فمعناه:كفى،و قد أحسبك ذلك:

كفاك.

و أحسبت الرّجل،إذا أطعمته و سقيته حتّى يشبع، و تعطيه حتّى يرضى.

و الحساب:معروف.و الحسابة:مصدر حسبت الشّيء أحسبه حسابا،و احتسبت أيضا حسبة.و قوم حسّاب.

و الحسبة:احتسابك الأجر عند اللّه.

و قوله: اَلشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبانٍ الرّحمن:5، أي بحساب.

و إنّه لحسن الحسبة في الأمر،إذا كان حسن التّدبير.

و استحسبت الغنم من البقل ما شاءت،أي أكلت.

و فلان لا يحاسب،أي لا يعتدّ به.

و الحسبان:النّار نفسها.

ص: 745

و الحسباء:اسم امرأة.

و يقولون:حسبانك على اللّه.

و الحسبان:من الظّنّ،حسب يحسب و يحسب حسبانا.

و الحسبان:سهام صغار يرمى بها عن القسيّ الفارسيّة.

و الأحسب:الّذي ابيضّت جلدته من داء،ففسدت شعرته فصار أحمر و أبيض،و كذلك من الإبل.

و التّحسيب:دفن الميّت،و أنشد:

*غداة ثوى في الرّمل غير محسّب*

و يقال:غير مكفّن.

و الحسبانة و المحسبة:الوسادة الصّغيرة.و حسّبت الرّجل:أقعدته عليها،و تحسّب هو.

و تحسّبت الخبر:بمعنى تحسّسته.

و احتسبت ما في نفسي،أي اختبرته.(2:493)

الخطّابيّ: يقال:خرج القوم يتحسّسون الأخبار و يتحسّبون،و يتنحّسون،أي يطلبونها و يسألون عنها.(1:84)

[في حديث طلحة]«...اشترى منه فتاه:دينارا بخمسمائة درهم،بالحسب و الطّيب...».قوله:بالحسب و الطّيب،معناه أنّه بيع رغبة و طيب نفس،لا بيع ضغط و إكراه.

و الحسب:الكرامة،يقال:حسّبت الرّجل،أي أكرمته.

[قيل:]ما حسّبوا ضيفهم،يريد:ما أكرموه.و من هذا قولهم:رجل حسيب،أي كريم.

و الحسب و الكرم:من قبل النّفس،و المجد و الشّرف:

من قبل الآباء.

و قال بعض أهل اللّغة:الحسيب:من يحسب لنفسه أفعالا و مآثر جميلة.

و قال غيره:الحسب:أصله الكثرة،و منه اشتقّ الحساب.

و يقال للجمع الكثير من النّاس:حساب.

و يقال:أحسبت الرّجل،إذا أكثرت له من العطاء، حتّى يقول:حسبي.

و قد يجوز أن يكون أراد بقوله:«بالحسب و الطّيب»:إيفاء الثّمن،و إعطاءه الكافي من القيمة من غير غبن أو بخس،من قولك:أحسبت الرّجل،إذا أتيته بما يكفيه من طعام أو نحوه.

و يروى مكان قوله:«بالحسب»بالنّقد الجيّد.

[و استشهد بالشّعر مرّتين](2:214)

الجوهريّ: حسبته أحسبه-بالضّمّ-حسبا و حسابا و حسبانا و حسابة،إذا عددته.

و المعدود محسوب و حسب أيضا،و هو«فعل»بمعنى «مفعول»مثل نفض بمعنى منفوض.و منه قولهم:ليكن عملك بحسب ذلك،أي على قدره و عدده.

و الحسب أيضا:ما يعدّه الإنسان من مفاخر آبائه.

و يقال:حسبه:دينه،و يقال:ماله.و الرّجل حسيب، و قد حسب-بالضّمّ-حسابة،مثل خطب خطابة.

و احتسبت بكذا أجرا عند اللّه.و الاسم:الحسبة بالكسر،و هي الأجر؛و الجمع:الحسب.

و فلان محتسب البلد،و لا تقل:محسب.

ص: 746

و احتسب فلان ابنا له أو بنتا،إذا مات و هو كبير.

فإن مات صغيرا قيل:افترطه.

أحسبته و حسّبته بالتّشديد بمعنى،أي أعطيته ما يرضيه.

و حسبك درهم،أي كفاك،و هو اسم.

و شيء حساب،أي كاف.و منه قوله تعالى:

عَطاءً حِساباً أي كافيا.

و تقول:أعطى فأحسب،أي أكثر.

و هذا رجل حسبك من رجل،و هو مدح للنّكرة، لأنّ فيه تأويل«فعل»كأنّه قال:محسب لك،أي كاف لك من غيره.يستوي فيه الواحد و الجمع و التّثنية،لأنّه مصدر.

و تقول في المعرفة:هذا عبد اللّه حسبك من رجل، فتنصب حسبك على الحال.

و إن أردت الفعل في«حسبك»قلت:مررت برجل أحسبك من رجل،و برجلين أحسباك،و برجال أحسبوك.

و لك أن تتكلّم«بحسب»مفردة،تقول:رأيت زيدا حسب يا فتى،كأنّك قلت:حسبي أو حسبك، فأضمرت هذا،فلذلك لم تنوّن،لأنّك أردت الإضافة، كما تقول:جاءني زيد ليس غير،تريد ليس غيره عندي.

و قولهم:حسيبك اللّه،أي انتقم اللّه منك.

و الحسبان،بالضّمّ.العذاب.

و قال أبو زياد الكلابيّ: أصاب الأرض حسبان،أي جراد...

و الأحسب من النّاس؛الّذي شعر رأسه شقرة.

و تحسّبت الخبر،أي استخبرت.

و حسبته صالحا أحسبه بالفتح،محسبة و محسبة و حسبانا بالكسر،أي ظننته.و يقال:أحسبه،بالكسر، و هو شاذّ،لأنّ كلّ فعل كان ماضيه مكسورا فإنّ مستقبله يأتي مفتوح العين،نحو علم يعلم.

إلاّ أربعة أحرف جاءت نوادر،قالوا:حسب يحسب و يحسب،و بئس يبأس و يبئس،و يئس ييأس و ييئس،و نعم ينعم و ينعم،فإنّها جاءت من السّالم بالكسر و الفتح.

و من المعتلّ ما جاء ماضيه و مستقبله جميعا بالكسر نحو:ومق يمق،و وفق يفق،و وثق يثق،و ورع يرع، و ورم يرم،و ورث يرث،و وري الزّند يري،و ولي يلي...[و استشهد بشعر مرّتين](1:109)

ابن فارس: الحاء و السّين و الباء أصول أربعة:

فالأوّل:العدّ.تقول:حسبت الشّيء أحسبه حسبا و حسبانا.

و من قياس الباب الحسبان:الظّنّ،ذلك أنّه فرّق بينه و بين العدّ بتغيير الحركة و التّصريف،و المعنى واحد، لأنّه إذا قال:حسبته كذا،فكأنّه قال:هو في الّذي أعدّه من الأمور الكائنة.

و من الباب«الحسب»الّذي يعدّ من الإنسان.

قال أهل اللّغة:معناه أن يعدّ آباء أشرافا.

و من هذا الباب قولهم:احتسب فلان ابنه،إذا مات كبيرا؛و ذلك أن يعدّه في الأشياء المذخورة له عند اللّه تعالى.

ص: 747

و الحسبة:احتسابك الأجر.و فلان حسن الحسبة بالأمر،إذا كان حسن التّدبير،و ليس من احتساب الأجر.و هذا أيضا من الباب،لأنّه إذا كان حسن التّدبير للأمر كان عالما بعداد كلّ شيء و موضعه من الرّأي و الصّواب،و القياس كلّه واحد.

و الأصل الثّاني:الكفاية.تقول:شيء حساب،أي كاف.و يقال:أحسبت فلانا،إذا أعطيته ما يرضيه، و كذلك حسّبته.

و الأصل الثّالث:الحسبان،و هي جمع حسبانة، و هي الوسادة الصّغيرة.و قد حسّبت الرّجل أحسّبه،إذا أجلسته عليها،و وسّدته إيّاها.

و من هذا الأصل الحسبان:سهام صغار يرمى بها عن القسيّ الفارسيّة؛الواحدة:حسبانة.و إنّما فرّق بينهما لصغر هذه و كبر تلك.

و منه قولهم:أصاب الأرض حسبان،أي جراد.

و فسّر قوله تعالى: وَ يُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ بالبرد.

و الأصل الرّابع:الأحسب،الّذي ابيضّت جلدته من داء،ففسدت شعرته،كأنّه أبرص.

و قد يتّفق في أصول الأبواب هذا التّفاوت الّذي تراه في هذه الأصول الأربعة.[و استشهد بالشّعر 3 مرّات]

(2:59)

أبو هلال :الفرق بين الظّنّ و الحسبان:أنّ بعضهم قال:الظّنّ ضرب من الاعتقاد،و قد يكون حسبان ليس باعتقاد،أ لا ترى أنّك تقول:أحسب أنّ زيدا قد مات،و لا يجوز أن تعتقد أنّه مات،مع علمك بأنّه حيّ.

أصل الحسبان:من الحساب،تقول:أحسبه بالظّنّ قد مات،كما تقول:أعدّه قد مات،ثمّ كثر حتّى سمّي الظّنّ:حسبانا على جهة التّوسّع،و صار كالحقيقة بعد كثرة الاستعمال.

و فرّق بين الفعل منهما،فيقال في الظّنّ:حسب،و في الحساب:حسب،و لذلك فرّق بين المصدرين فقيل:

حسب،و حسبان،و الصّحيح في الظّنّ ما ذكرناه.(79)

ابن سيده: الحسب:الكرم،و الحسب:الشّرف الثّابت في الآباء،و قيل:هو الشّرف في الفعل.و الحسب:

الفعال الصّالح،و النّسب:الأصل.و الفعل من كلّ ذلك:

حسب حسبا و حسابة،فهو حسيب.

و الجمع:حسباء.

و في الحديث:«الحسب:المال».

يقول:الّذي يقوم مقام الشّرف و السّراوة إنّما هو المال.

و الحسب:الدّين،و الحسب:البال عن كراع،و لا فعل لهما.

و الحسب و الحسب،قدر الشّيء،كقولك:الأجر بحسب ما عملت و حسبه،أي قدره.

و حسب بمعنى كفى،قال سيبويه:و أمّا حسب فمعناها الاكتفاء.

و مررت برجل حسبك من رجل،أي كافيك.لا يثنّى و لا يجمع،لأنّه موضع المصدر.

و قالوا:هذا عربيّ حسبة،انتصب لأنّه حال وقع فيه الأمر،كما انتصب«دنيا»في قولك:هو ابن عمّي دنيا،كأنّك قلت:هذا عربيّ اكتفاء و إن لم يتكلّم بذلك.

ص: 748

و أحسبني الشّيء:كفاني.

و قال بعضهم:لأحسبنّكم من الأسودين،يعني التّمر و الماء،أي لأوسّعنّ عليكم.

و أحسب الرّجل و حسّبه،إذا أطعمه و سقاه حتّى يشبع و يروى-من هذا.و في التّنزيل: عَطاءً حِساباً النّبأ:36،أي كثيرا كافيا.و كلّ من أرضي فقد أحسب.

و حسب الشّيء يحسبه حسابا و حسابة و حسبة و حسبانا:عدّه.و حسبانك على اللّه،أي حسابك.[ثمّ فسّر آيات و قال:]

و رجل حاسب،من قوم حسّب و حسّاب.

و الاحتساب:طلب الأجر؛و الاسم:الحسبة.

و احتسب بنين،مات له بنون كبار.

و حسب الشّيء كائنا يحسبه و يحسبه حسبانا و محسبة:ظنّه.و هذا المصدر الأخير نادر،و إنّما هو نادر عندي على من قال:يحسب ففتح،و أمّا على من قال:

يحسب،فكسر،فليس بنادر.

و الحسبان:العذاب و البلاء.و قوله تعالى: وَ يُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ الكهف:40،يعني نارا.

و الحسبان أيضا:الجراد و العجاج.قال أبو زياد:

الحسبان:شرّ و بلاء.

و الحسبان:سهام صغار يرمى بها عن القسيّ الفارسيّة؛واحدتها:حسبانة.قال ابن دريد:هو مولّد، و قال ثعلب:الحسبان:المرامي،و به فسّر قوله:

وَ يُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ.

و الحسبانة:الوسادة الصّغيرة،و المحسبة:الوسادة الصّغيرة من الأدم.و حسّبه:أجلسه على الحسبانة و المحسبة.

و الأحسب:الّذي ابيضّت جلدته من داء،ففسدت شعرته،فصار أحمر و أبيض،يكون ذلك في النّاس و الإبل.و قيل:هو من الإبل:الّذي فيه سواد و حمرة أو بياض؛و الاسم،الحسبة.

و الأحسب:الأبرص.

و الحسب و التّحسيب:دفن الميّت،و قيل:تكفينه.

و إنّه لحسن الحسبة في الأمر،أي حسن التّدبير و النّظر.

و تحسّب الخبر:استخبر عنه-حجازيّة.

و احتسب فلان على فلان:أنكر عليه قبيح عمله.

و قد سمّت:حسيبا و حسيبا.[و استشهد بالشّعر 5 مرّات](3:205)

الرّاغب: الحساب:استعمال العدد.يقال:حسبت أحسب حسابا و حسبانا،قال تعالى: لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ يونس:5.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

و الحسيب و المحاسب:من يحاسبك،ثمّ يعبّر به عن المكافي بالحساب.

و حسب يستعمل في معنى الكفاية حَسْبُنَا اللّهُ آل عمران:173،أي كافينا هو.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و نحوه وَ ما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ* إِنْ حِسابُهُمْ إِلاّ عَلى رَبِّي الشّعراء:112،113.

و قيل:معناه:ما من كفايتهم عليك،بل اللّه يكفيهم و إيّاك،من قوله: عَطاءً حِساباً النّبأ:36،أي كافيا، من قولهم:حسبي كذا.

ص: 749

و قيل:أراد منه عملهم فسمّاه بالحساب الّذي هو منتهى الأعمال.

و قيل:احتسب ابنا له،أي اعتدّ به عند اللّه.

و الحسبة:فعل ما يحتسب به عند اللّه تعالى: الم* أَ حَسِبَ النّاسُ العنكبوت:1،2.[ثمّ ذكر الآيات]

فكلّ ذلك مصدره الحسبان.

و الحسبان:أن يحكم لأحد النّقيضين من غير أن يخطر الآخر بباله،فيحسبه و يعقد عليه الأصبع،و يكون بعرض أن يعتريه فيه شكّ،و يقارب ذلك الظّنّ،لكن الظّنّ أن يخطر النّقيضين بباله،فيغلّب أحدهما على الآخر.(116)

الحريريّ: و يقولون:اعمل بحسب ذلك بإسكان السّين،و الصّواب فتحها ليطابق معنى الكلام،لأنّ «الحسب»بفتح السّين هو الشّيء المحسوب المماثل معنى المثل و القدر،و هو المقصود في هذا الكلام.

فأمّا الحسب بإسكان السّين فهو الكفاية،و منه قوله تعالى: عَطاءً حِساباً و ليس المقصود به هذا المعنى، و إنّما المراد به اعمل على قدر ذلك.(157)

و يقولون:ما كان ذلك في حسابي،أي في ظنّي، و وجه الكلام:أن يقال:ما كان ذلك في حسباني،لأنّ المصدر من حسبت بمعنى ظننت محسبة و حسبان بكسر الحاء.

و أمّا الحساب فهو اسم الشّيء المحسوب،و اسم المصدر من حسبت الشّيء بمعنى عددته:الحسبان بضمّ الحاء،و منه قوله تعالى: اَلشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبانٍ الرّحمن:5.

و قد جاء الحسبان بمعنى العذاب،كقوله تعالى:

وَ يُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ الكهف:40، و أصله:السّهام الصّغار؛الواحدة:حسبانة.(182)

الزّمخشريّ: حسب المال.و رفع العامل حسابه و حسبانه.و من يقدر على عدّ الرّمل و حسب الحصى.

و هو من الكتبة الحسبة.و الأجر على حسب المصيبة،أي على قدرها.

و فلان لا حسب له و لا نسب،و هو ما يحسبه و يعدّه من مفاخر آبائه.و ألق هذا في الحسب،أي فيما حسبت.

و هو حسيب نسيب،و هم حسباء.

و فلان لا يحتسب به،أي لا يعتدّ به.و احتسبت عليه بالمال.و احتسب عند اللّه خيرا،إذا قدّمه،و معناه اعتدّه فيما يدّخر.

و احتسب ولده،إذا مات كبيرا،و افترطه،إذا مات صغيرا قبل البلوغ.

و احتسبت بكذا:اكتفيت به.

و أحسبني:كفاني.و حسبي كذا و بحسبي.و فلان حسن الحسبة في الأمور،أي الكفاية و التّدبير.و فعل كذا حسبة،أي احتسابا،و له فيه حسبة و حسب.

و من المجاز:خرجا يتحسّبان الأخبار:يتعرّفانها،كما يوضع الظّنّ موضع العلم.و احتسبت ما عند فلان:

اختبرته و سبرته.

و في بعض الحديث:«عند اللّه أحتسب عناني».

و أتاني حساب من النّاس أي كثير،كما تقول:

جاءني عدد منهم و عديد.

و استعطاني فلان فأحسبته،أي أكثرت له.

ص: 750

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](أساس البلاغة:83)

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«الحسب:المال،و الكرم:

التّقوى».هو ما يعدّه من مآثره و مآثر آبائه.

و منه قولهم:من فاته حسب نفسه لم ينتفع بحسب أبيه.و قال ذو الرّمة:

له قدم لا ينكر النّاس أنّها

مع الحسب العادي طمّت على البحر

و قال المتلمّس

و من كان ذا بيت كريم و لم يكن

له حسب كان اللئيم المذمّما

و في حديث عمر رضي اللّه عنه:«من حسب الرّجل:نقاء ثوبيه».

و المعنى إنّ ذا الحسب الفقير لا يوقّر و لا يحتفل به، و من لا حسب له إذا رزق الثّروة وقر و جلّ في العيون.

«يا أيّها النّاس احتسبوا أعمالكم،فإنّ من احتسب عمله كتب له أجر عمله و أجر حسبته».

الاحتساب:من الحسب كالاعتداد من العدّ.و إنّما قيل:احتسب العمل،لمن ينوي به وجه اللّه،لأنّ له حينئذ أن يعتدّ عمله،فجعل في حال مباشرة الفعل، كأنّه معتدّ.

و الحسبة:اسم من الاحتساب كالعدّة من الاعتداد.

و قولهم:«ماتت والدتي فاحتسبتها»معناه:اعتددت مصيبتها في جملة بلايا اللّه الّتي أثاب على التّصبّر عليها.

سماك رحمه اللّه قال شعبة:سمعته يقول:«ما حسّبوا ضيفهم»،أي ما أكرموه.و أصله من الحسبانة،و هي الوسادة الصّغيرة،و يقال لها:المحسبة أيضا،لأنّ من أكرم أجلس عليها.(الفائق 1:281-283)

ابن الشّجريّ: الحسب:ما يعدّ من مآثر الرّجل، أي ما يؤثر عنه من الأفعال الحسنة.(2:185)

ابن الأثير: في أسماء اللّه تعالى«الحسيب هو الكافي»«فعيل»بمعنى«مفعل»،من أحسبني الشّيء،إذا كفاني.و أحسبته و حسّبته بالتّشديد:أعطيته ما يرضيه حتّى يقول:حسبي.

و منه حديث عبد اللّه بن عمرو:«قال له النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

يحسبك أن تصوم من كلّ شهر ثلاثة أيّام»أي يكفيك.

و لو روي«بحسبك أن تصوم»أي كفايتك،أو كافيك، كقولهم:بحسبك قول السّوء-و الباء زائدة-لكان وجها.

و فيه:«الحسب:المال،و الكرم:التّقوى».الحسب في الأصل:الشّرف بالآباء و ما يعدّه النّاس من مفاخرهم.

و قيل:الحسب و الكرم يكونان في الرّجل و إن لم يكن آباء لهم شرف،و الشّرف و المجد لا يكونان إلاّ بالآباء،فجعل المال بمنزلة شرف النّفس أو الآباء.

و المعنى أنّ الفقير ذا الحسب لا يوقّر و لا يحتفل به، و الغنيّ الّذي لا حسب له يوقّر و يجلّ في العيون.

و حديثه الآخر:«حسب الرّجل:نقاء ثوبيه»أي أنّه يوقّر لذلك؛حيث هو دليل الثّروة و الجدة.

و منه الحديث:«تنكح المرأة لميسمها و حسبها» قيل:الحسب هاهنا الفعال الحسن.

و فيه:«من صام رمضان إيمانا و احتسابا»أي طلبا لوجه اللّه و ثوابه.

فالاحتساب من«الحسب»كالاعتداد من العدّ.

و إنّما قيل لمن ينوي بعمله وجه اللّه:احتسبه،لأنّ له

ص: 751

حينئذ أن يعتدّ عمله،فجعل في حال مباشرة الفعل كأنّه معتدّ به.

و الحسبة:اسم من الاحتساب،كالعدّة من الاعتداد،و الاحتساب في الأعمال الصّالحة،و عند المكروهات هو البدار إلى طلب الأجر و تحصيله بالتّسليم و الصّبر،أو باستعمال أنواع البرّ و القيام بها على الوجه المرسوم فيها،طلبا للثّواب المرجوّ منها.

و في حديث الأذان:«إنّهم يجتمعون فيتحسّبون الصّلاة،فيجيئون بلا داع»أي يتعرّفون و يتطلّبون وقتها و يتوقّعونه،فيأتون المسجد قبل أن يسمعوا الأذان.و المشهور في الرّواية«يتحيّنون»من الحين:

الوقت،أي يطلبون حينها.

و في حديث يحيى بن يعمر:«كان إذا هبّت الرّيح يقول:لا تجعلها حسبانا»أي عذابا.

و فيه:«أفضل العمل منح الرّغاب لا يعلم حسبان أجرها إلاّ اللّه عزّ و جلّ»الحسبان بالضّمّ:الحساب.

يقال:حسب يحسب حسبانا و حسبانا.[و ذكر بعض الأحاديث السّابقة](1:381)

الفيّوميّ: حسبت المال حسبا،من باب«قتل»:

أحصيته عددا،و في المصدر أيضا حسبة بالكسر و حسبانا بالضّمّ.

و حسبت زيدا قائما أحسبه-من باب«تعب»في لغة جميع العرب إلاّ بني كنانة،فإنّهم يكسرون المضارع مع كسر الماضي أيضا على غير قياس-حسبانا بالكسر،بمعنى ظننت.

و يقال:حسبك درهم،أي كافيك؛و أحسبني الشّيء بالألف،أي كفاني.

و الحسب بفتحتين:ما يعدّ من المآثر،و هو مصدر «حسب»و زان شرف شرفا و كرم كرما.[إلى أن قال:]

و قولهم:«يجزى المرء على حسب عمله»أي على مقداره.

و الحسبان بالضّمّ:سهام صغار يرمى بها عن القسيّ الفارسيّة؛الواحدة:حسبانة.(1:134)

الفيروزآباديّ: حسبه حسبا و حسبانا بالضّمّ و حسبانا و حسابا و حسبة و حسابة بكسرهنّ:عدّه، و المعدود محسوب و حسب محرّكة.و منه هذا بحسب ذا، أي بعدده و قدره،و قد يسكّن.

و الحسب:ما تعدّه من مفاخر آبائك،أو المال،أو الدّين،أو الكرم،أو الشّرف في الفعل،أو الفعال الصّالح، أو الشّرف الثّابت في الآباء،أو البال.

أو الحسب و الكرم قد يكونان لمن لا آباء له شرفاء، و الشّرف و المجد لا يكونان إلاّ بهم،و قد حسب حسابة كخطب خطابة و حسبا محرّكة،فهو حسيب من حسباء.

و حسبك درهم:كفاك.

و شيء حساب:كاف،و منه عَطاءً حِساباً النّبأ:

36.

و هذا رجل حسبك من رجل،أي كاف لك من غيره للواحد و التّثنية و الجمع.

و حسيبك اللّه،أي انتقم اللّه منك.

وَ كَفى بِاللّهِ حَسِيباً النّساء:6،أي محاسبا أو كافيا.

و ككتاب:الجمع الكثير من النّاس.

ص: 752

و الحسبان بالضّمّ:جمع الحساب،و العذاب،و البلاء، و الشّرّ،و العجاج،و الجراد،و السّهام الصّغار؛ و الحسبانة:واحدها،و الوسادة الصّغيرة كالمحسبة، و النّملة الصّغيرة،و الصّاعقة،و السّحابة و البردة.

و الحسبة بالكسر:الأجر،و اسم من الاحتساب، الجمع كعنب.

و هو حسن الحسبة:حسن التّدبير.

و الأحسب:بعير فيه بياض و حمرة،و رجل في شعر رأسه شقرة،و من ابيضّت جلدته من داء ففسدت شعرته،فصار أبيض و أحمر،و الأبرص؛و الاسم من الكلّ:الحسبة بالضّمّ.

و حسبه كذا كنعم في لغتيه محسبة و محسبة و حسبانا بالكسر:ظنّه،و ما كان في حسباني كذا،و لا تقل:في حسابي.

و الحسب و الحسبة بالكسر و التّحسيب:دفن الميّت في الحجارة أو مكفّنا.

و حسّبه تحسيبا:وسّده و أطعمه و سقاه حتّى شبع و روي كأحسبه.

و تحسّب:توسّد و تعرّف و توخّى و استخبر.

و احتسب عليه:أنكر،و منه المحتسب،و فلان ابنا أو بنتا إذا مات كبيرا،فإن مات صغيرا قيل:افترطه.

و احتسب بكذا أجرا عند اللّه:اعتدّه ينوي به وجه اللّه،و فلانا:اختبر ما عنده.[إلى أن قال:]

و أحسبه:أرضاه،و احتسب:انتهى.(1:56)

الجزائريّ: الحسبان و الزّعم الفرق بينهما:أنّ الحسبان لا يكون إلاّ باطلا،قال تعالى: أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً المؤمنون:115،و الزّعم قد يكون حقّا و قد يكون باطلا.[ثمّ استشهد بشعر](86)

مجمع اللّغة :1-حسب الشّيء كائنا يحسبه و يحسبه:ظنّه كائنا،يتعدّى إلى مفعولين.

2-حسب الشّيء يحسبه حسبانا و حسبانا:عدّه و أحصاه،فهو حاسب و هم حاسبون.

3-حاسبه محاسبة و حسابا:أحصى عليه أعماله للجزاء عليها.

4-و الحساب:جاء في القرآن لما يأتي:

أ-بمعنى العدّ،و الإحصاء.

ب-مصدر حاسب يحاسب حسابا.

ج-و سمّي يوم القيامة يوم الحساب،لأنّه يوم المحاسبة و المناقشة و السّؤال.

د-و الإنفاق بغير حساب:كناية عن سعة الفضل، أو كناية عن أنّه لا يحاسبه أحد،أو بغير حساب،و لا تقدير من المرزوق.

5-الحسيب:المحاسب،أو الحسيب:الكافي،مأخوذ من قولك:أحسبني الشّيء،أي كفاني.

6-و الحسبان:أ-العدّ،و الإحصاء.

ب-العذاب و البلاء،لأنّه عن حساب من اللّه و تقدير.

7-احتسب الشّيء:مأخوذ من حسبه بمعنى ظنّه، أو مأخوذ من حسبه بمعنى عدّه.

8-و يقال:حسبه اللّه،أي كافيه و كفيل به.و حسبه فلان أو الشّيء،أي كافيه و كفيل به.(1:255)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:132)

ص: 753

العدنانيّ: قبضت عشرة فحسب،قبضت عشرة و حسب،قبضت عشرة حسب.

و يقولون:قبضت عشرة دنانير و حسب،بمعنى لا غير،أو:عشرة دنانير حسب،بمعنى لا غير أيضا.

و الصّواب:قبضت عشرة دنانير فحسب.

و في المعاجم بحوث طويلة عن حسب،فالصّحاح، و اللّسان،و التّاج قالوا:«لك أن تتكلّم بحسب مفردة، تقول:رأيت زيدا حسب،كأنّك قلت:حسبي أو حسبك».

و زاد الصّحاح و اللّسان قولهما:«فأضمرت هذا، فلذلك لم تنوّن؛لأنّك أردت الإضافة،كما تقول:جاءني زيد ليس غير،تريد ليس غيره عندي».

و قال المدّ:زيد حسب،أي أكتفي به.

و قال الوسيط:حسب:اسم بمعنى كاف.يقال:

مررت برجل حسبك من رجل:كافيك.

ثمّ قالت لجنة الألفاظ و الأساليب في مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة،في الدّورة الحادية و الأربعين،المنتهية في 10 آذار 1975:إنّ الجمل:«قبضت عشرة فحسب، و قبضت عشرة و حسب،و قبضت عشرة حسب»، كلّها صحيحة،و إنّ معنى(حسب)مع الفاء هو لا غير، أمّا معناه مع الواو فلا يكون إلاّ بمعنى كاف،و كذلك يكون معناه إذا كان بغير فاء أو واو.و وافق مجمع القاهرة على رأي اللّجنة بالأكثريّة.

أمّا الآية 64 من سورة الأنفال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فقد فسّرها عبد اللّه بن عبّاس و الفرّاء بقولهما:أي يكفيك اللّه،و يكفي من اتّبعك من المؤمنين.

و الحسب أحد مصادر:حسب الشّيء:أحصاه عددا.

و يقولون:حسبك من شرّ سماعه:يكفيك أن تسمعه لتشمئزّ منه.

و أحسبني الشّيء:كفاني.

و قد تكون حسب اسم فعل.يقال:حسبك هذا:

اكتف به.

حسب:ظنّ،شكّ

يقول ابن الأنباريّ: «حسبت حرف من الأضداد.

يكون بمعنى الشّكّ،و يكون بمعنى اليقين،قال اللّه عزّ و جلّ في الآية:71،من سورة المائدة: وَ حَسِبُوا أَلاّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَ صَمُّوا، ف(حسبوا)هاهنا من باب الشّكّ.

و قال لبيد في معنى اليقين:

حسبت التّقى و البرّ خير تجارة

رباحا إذا ما أصبح المرء قافلا

معناه:تيقّنت ذاك.

و قال الفرّاء:«حسبت أصله من:حسبت الشّيء، أي وقع في حسابي،ثمّ كسرت سينه،و نقل إلى معنى الشّكّ».

و كان ابن الأنباريّ قد نقل رأيه هذا في أضداده عن أضداد السّجستانيّ،و حذا أبو الطّيّب اللّغويّ في أضداده حذوهما،و نقل عنهم رأيهم(ربحي كمال)في كتابه «التّضادّ»،الّذي جاء فيه أنّ الفعل«حسب»نفسه في العبرانيّة و السّريانيّة يفيد الاعتقاد الرّاجح و اليقين.

ص: 754

و الصّواب:هو أنّ«حسب»لا يعني إلاّ ظنّ أو شكّ.

و خطأ السّجستانيّ في فهم بيت لبيد،جعل الثّلاثة الّذين جاءوا بعده ينقلون عنه رأيه،ممّا جعل المخطئين أربعة.

و قد أحسن الفرّاء حين فسّر بيت لبيد قائلا:إنّ معنى حسب فيه هو:وقع في حسابي،و هو تفسير معقول:أؤيّده لكي لا ندع الغموض يكتنف معنى هذه الكلمة،و لأنّ اثني عشر معجما ذكرت أنّ معنى «حسب»هو:ظنّ أو شكّ،و لم يقل واحد منها:إنّ معناه أيقن.

و هذه المعاجم هي:معجم ألفاظ القرآن الكريم، و الصّحاح،و المغرب،و المختار،و اللّسان،و المصباح، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و المتن، و الوسيط.

أضف إلى ذلك أنّ الفعل«حسب»و مشتقّاته جاء بمعنى ظنّ خمسا و أربعين مرّة في القرآن الكريم،منها قوله تعالى في الآية الخامسة من سورة البلد: أَ يَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ، أي أ يظنّ.

و نحن،و إن كنّا لا نتوقّع أن يستعمل القرآن الكريم كلّ كلمة في اللّغة العربيّة بمعانيها المختلفة،نتوقّع أن تذكر معاجمنا كلّ كلمة بجميع معانيها.و ما دامت هذه المعجمات،و منها التّاج و مستدركه،لم تورد الفعل «حسب»بمعنى:أيقن،فإنّنا لا نستطيع أن نوصي باستعماله بهذا المعنى،و إن كان مؤلّفو كتب الأضداد الأربعة ممّن عرفوا بطول الباع في اللّغة العربيّة.

أمّا فعله فهو:حسب يحسب و يحسب«شذوذا»؛ لأنّ قبيلة بني كنانة انفردت بكسر السّين في المضارع.

و روى الأزهريّ عن جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قرأ الآية الثّالثة من سورة الهمزة: (يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ)، بكسر السّين في (يحسب) و روى اللّسان أنّ الفعل (تحسبنّ) ،الّذي ذكر في القرآن الكريم خمس مرّات،قرئ بفتح السّين و كسرها.و روى بعض المعاجم أنّ كسر السّين أجود اللّغتين.

أمّا مصدره فهو:حساب و محسبة و محسبة و حسبان.

لذا:

استعمل الفعل«حسب»بمعنى:ظنّ أو شكّ،و لا تستعمله بمعنى:أيقن.

«راجع مادّة«الأضداد»في هذا المعجم».

بحسب عملك و بحسبه

و يخطّئون من يقول:ستكون مكافأتك بحسب عملك،أي بقدره.و يقولون:إنّ الصّواب هو:ستكون بحسب عملك.و كلتا الجملتين صحيحة،و إن كانت الثّانية أعلى.

فممّن قال:«بحسب»:الصّحاح،و الأساس، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط أكثر استعمالا،و أقرب الموارد، و المتن،و لغويّات النّجّار،و الوسيط.

و ممّن قال:«بحسب»:اللّسان،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد تسكّن السّين للضّرورة،و المتن،و لغويّات النّجّار للضّرورة.

و قال الكسائيّ: «ما أدري ما حسب حديثك،أي ما قدره.و ربّما سكّن في ضرورة الشّعر».

و جاء في اللّسان:«الأجر بحسب ما عملت و حسبه،

ص: 755

أي قدره.و ربّما سكّن«حسب»لضرورة الشّعر».

و ذكر الصّبّان،في مبحث الإبدال،أنّ الأشمونيّ قال:

«أدرج النّاظم هنا الهمزة في حروف العلّة،حسبما حمل الشّارح كلامه على ذلك».ثمّ كتب الصّبّان:«قوله:

حسبما،بفتح السّين».

و الأعلى أن نقول:على حسب ما أمر به الرّئيس،أو بحسب ما أمر الرّئيس.و جلّ الأدباء اليوم يجرّدون «حسب»من حرفي الجرّ«على»و«الباء».و كأنّ تخريجه أن يقال:إنّ حسبا بمعنى«قدر»ضمّنت معنى«مثل»، فاستعملت استعماله.فإذا قلنا:فعلت ذلك حسب ما أمر الرّئيس،فالمعنى:مثل ما أمر الرّئيس.

أمّا«ما»هنا فهي إمّا مصدريّة،أو موصول اسميّ.

و قاعدة الرّسم تقضي بفصل«حسب»عن«ما»في الكتابة.[و استشهد بالشّعر مرّتين](152)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة،هو الإشراف و الاطّلاع بقصد الاختبار،و النّظر و الدّقّة بقصد السّبر و التّطلّب،و يعبّر عنه بالفارسيّة بكلمة«رسيدگى».

و أمّا العدّ:فقد يكون مقدّمة و وسيلة للتّعرّف و الاختبار،كما أنّ الكفاية من لوازم الاختبار و التّطلّب و تعرّف الحال.

و أمّا الحسب:فباعتبار كون الآباء و أعمالهم و جريان أمورهم و سابقة حياتهم مختبرة و ممتحنة،ليست فيها نقطة ضعيفة مبهمة.

و الحسيب:من أسماء اللّه تعالى،و هو الّذي يتعرّف و يختبر،مشرفا على النّاس و محيطا و مطّلعا عليهم.

و المحاسبة:صيغتها تدلّ على الاستمرار و الاستدامة.

و الحساب و الحسبان:مصدران،و الثّاني أقوى دلالة بالزّيادة في لفظه،أي حساب دقيق شديد.و بمناسبة هذه الشّدّة و الدّقّة في مفهومه،قد يستعمل في مورد الحساب المنتهى إلى الأخذ و العذاب.

و هذا المعنى مأخوذ في جميع مشتقّات هذه المادّة، و بهذا يظهر ما في التّعبير بها دون مادّة العدّ أو الكفاية أو غيرهما.

أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا العنكبوت:2،أي أ كان هذا القول منهم بتطلّب و تعرّف و اختبار،أو من غير إشراف و تحقيق.

فَلَمّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً النّمل:44،أي اختبره و أشرف عليه،و غلب عليه اعتقاد كونه لجّة، فإنّ الاعتقاد الحاصل بعد التّعرّف،و الاختبار يكون قريبا من اليقين.و بمناسبة هذا المعنى قد يراد منها الظّنّ، فيقال:حسبت،أي ظننت،و ليس كذلك بل الظّنّ و الاعتقاد من نتائج الاختبار و التّطلّب.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

فالمعنى في جميع هذه الموارد واحد،و فيه معنى التّعرّف و الإشراف.

فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ الأنفال:62، حَسْبُنَا اللّهُ آل عمران:173،أي هو المشرف المتوجّه إلينا، و يتعرّف من أحوالنا و جريان أمورنا،فهو يكفينا.

و لا يبعد أن يكون الحسب كالصّعب صفة مشبّهة، من«حسب».

و الفرق بين الحسيب و الحسب:أنّ الثّاني أدلّ على

ص: 756

الثّبوت و اللّزوم؛و ذلك بلحاظ عدم الزّيادة فيه،كما في «الحسيب»،و هذا لطف التّعبير بالحسب في مورد يشار إلى التّخصيص و الكفاية.(2:226)

النّصوص التّفسيريّة

حسب

1- أَ فَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ... الكهف:102

ابن عبّاس: أ فيظنّ؟(252)

نحوه البغويّ.(3:220)

الفرّاء: أَ فَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا قراءة أصحاب عبد اللّه و مجاهد...عن عليّ عليه السّلام أنّه قرأ (أَ فَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا).

فإذا قلت: (أَ فَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ،ف(ان)رفع، و إذا قلت:(أ فحسب)كانت(ان)نصبا.(2:160)

الطّبريّ: أ فظنّ الّذين كفروا باللّه من عبدة الملائكة و المسيح أن يتّخذوا عبادي الّذين عبدوهم من دون اللّه أولياء...

و بهذه القراءة،أعني بكسر السّين من(أ فحسب) بمعنى الظّنّ قرأت هذا الحرف قرّاء الأمصار.

و روي عن عليّ بن أبي طالب رضي اللّه عنه و عكرمة و مجاهد،أنّهم قرءوا ذلك (أَ فَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) بتسكين السّين،و رفع الحرف بعدها،بمعنى أ فحسبهم ذلك،أي أ فكفاهم أن يتّخذوا عبادي من دوني أولياء من عباداتي و موالاتي.

و القراءة الّتي نقرؤها هي القراءة الّتي عليها قرّاء الأمصار أَ فَحَسِبَ الَّذِينَ بكسر السّين،بمعنى أ فظنّ، لإجماع الحجّة من القرّاء عليها.(16:31)

نحوه أبو زرعة.(436)

الزّجّاج: تأويله:أ فحسبوا أن ينفعهم اتّخاذهم عبادي أولياء.و قرئت-و هي جيّدة- (أَ فَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا) ،تأويله:أ فيكفيهم أن يتّخذوا العباد أولياء من دون اللّه.(3:314)

القشيريّ: أي توهّموا أنّه ينفعهم ما فعلوه حسب ظنّهم.(4:86)

الميبديّ: استفهام بمعنى الإنكار،يقول:أ يظنّ الكفّار اتّخاذهم(عبادى)يعني الملائكة و عيسى و عزيرا أولياء نافعهم،بئس ما ظنّوا.و المفعول الثّاني محذوف و هو«نافعهم».(5:747)

نحوه أبو حيّان.(6:164)

الزّمخشريّ: و قرأ ابن مسعود (أ فظنّ الّذين كفروا) ،و قراءة عليّ رضي اللّه عنه (أ فحسب الّذين كفروا) أي أ فكافيهم و محسبهم أن يتّخذوهم أولياء، على الابتداء و الخبر،أو على الفعل و الفاعل.لأنّ اسم الفاعل إذا اعتمد على الهمزة ساوى الفعل في العمل، كقولك:أ قائم الزّيدان.

و المعنى:أنّ ذلك لا يكفيهم و لا ينفعهم عند اللّه كما حسبوا،و هي قراءة محكمة جيّدة.(2:500)

نحوه ابن عطيّة(3:545)،و الفخر الرّازيّ (21:173)،و القرطبيّ(11:65).

النّسفيّ: [نحو الميبديّ و أضاف:]

و قيل:(ان)بصلتها سدّ مسد مفعولي(أ فحسب)،

ص: 757

و(عبادى اولياء)مفعولا(ان يتّخذوا).و هذا أوجه، يعني أنّهم لا يكونون لهم أولياء.(3:26)

ابن كثير :أي اعتقدوا أنّهم يصحّ لهم ذلك، و ينتفعون به.(4:429)

أبو السّعود :و الحسبان بمعنى الظّنّ،و قد قرئ (أ فظنّ) و الهمزة للإنكار و التّوبيخ على معنى إنكار الواقع و استقباحه،كما في قولك:أضربت أباك؟لإنكار الوقوع،كما في قوله:أ أضرب أبي؟و الفاء للعطف على مقدّر يفصح عنه الصّلة على توجيه الإنكار و التّوبيخ إلى المعطوفين جميعا،كما إذا قدّر المعطوف عليه في قوله تعالى: أَ فَلا تَعْقِلُونَ منفيّا،أي لا تسمعون فلا تعقلون،لا إلى المعطوف فقط،كما إذا قدّر مثبتا،أي أ تسمعون فلا تعقلون.

و المعنى أكفروا بي مع جلالة شأني فحسبوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي من الملائكة و عيسى و عزير عليهم السّلام و هم تحت سلطاني و ملكوتي أولياء معبودين ينصرونهم من بأسي.

و ما قيل:إنّها للعطف على ما قبلها،من قوله تعالى:

(كانت)إلخ(و كانوا)إلخ،دلالة على أنّ«الحسبان» ناشئ من التّعامي و التّصامّ،و أدخل عليها همزة الإنكار ذمّا على ذمّ،و قطعا له عن المعطوف عليهما لفظا لا معنى، للإيذان بالاستقلال المؤكّد للذّمّ،يأباه ترك الإضمار و التّعرّض لوصف آخر غير التّعامي و التّصامّ،على أنّهما أخرجا مخرج الأحوال الجبلّيّة لهم،و لم يذكروا من حيث إنّهما من أفعالهم الاختياريّة الحادثة كحسبانهم، ليحسن تفريعه عليهما.

و أيضا فإنّه دين قديم لا يمكن جعله ناشئا عن تصامّهم عن كلام اللّه عزّ و جلّ،و تخصيص الإنكار بحسبانهم المتأخّر عن ذلك تعسّف لا يخفى،و ما في حيّز صلة(ان)سادّ مسدّ مفعولي(حسب)كما في قوله تعالى:

وَ حَسِبُوا أَلاّ تَكُونَ فِتْنَةٌ المائدة:71،أي أ فحسبوا أنّهم يتّخذونهم أولياء،على معنى أنّ ذلك ليس من الاتّخاذ في شيء،لما أنّه إنّما يكون من الجانبين،و هم عليهم الصّلاة و السّلام منزّهون عن ولايتهم بالمرّة، لقولهم: سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ سبأ:41.

و قيل:مفعوله الثّاني محذوف،أي أ فحسبوا اتّخاذهم نافعا لهم.و الوجه هو الأوّل،لأنّ في هذا تسليما لنفس الاتّخاذ،و اعتدادا به في الجملة.

و قرئ(أ فحسب الّذين كفروا)أي أ فحسبهم و كافيهم أن يتّخذوهم أولياء،على الابتداء و الخبر،أو الفعل و الفاعل.فإنّ النّعت إذا اعتمد الهمزة ساوى الفعل في العمل،فالهمزة حينئذ بمعنى إنكار الوقوع.

(4:220)

نحوه البروسويّ(5:303)،و الآلوسيّ(16:45).

الطّباطبائيّ: الاستفهام للإنكار.قال في «المجمع»:معناه أ فحسب الّذين جحدوا توحيد اللّه أن يتّخذوا من دوني أربابا ينصرونهم و يدفعون عقابي عنهم،قال:و يدلّ على هذا المحذوف قوله: إِنّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً انتهى.

و هناك وجه ثان منقول عن ابن عبّاس،و هو أنّ المعنى:أ فحسب الّذين كفروا أن يتّخذوا من دوني آلهة و أنا لا أغضب لنفسي عليهم،و لا أعاقبهم؟!

ص: 758

و وجه ثالث:و هو أنّ(ان يتّخذوا)إلخ مفعول أوّل ل(حسب)بمعنى ظنّ،و مفعوله الثّاني محذوف،و التّقدير:

أ فحسب الّذين كفروا اتّخاذهم عبادي من دوني أولياء نافعا لهم،أو دافعا للعقاب عنهم؟!و الفرق بين هذا الوجه و الوجهين السّابقين أنّ(ان)وصلته قائمة مقام المفعولين فيهما و المحذوف بعض الصّلة فيهما،بخلاف الوجه الثّالث ف(ان)وصلته فيه مفعول أوّل ل(حسب) و المفعول الثّاني محذوف.

و وجه رابع:و هو أن يكون(ان)وصلته سادّة مسدّ المفعولين،و عناية الكلام متوجّهة إلى إنكار كون الاتّخاذ اتّخاذا حقيقة،على معنى أنّ ذلك ليس من الاتّخاذ في شيء؛إذ الاتّخاذ إنّما يكون من الجانبين،و المتّخذون متبرّءون منهم،لقولهم: سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ.

و الوجوه الأربعة مترتّبة في الوجاهة،و أوجهها أوّلها،و سياق هذه الآيات يساعد عليه.فإنّ هذه الآيات بل عامّة آيات السّورة مسوقة لبيان أنّهم فتنوا بزينة الحياة الدّنيا،و اشتبه عليهم الأمر فاطمأنّوا إلى ظاهر الأسباب،فاتّخذوا غيره تعالى أولياء من دونه، فهم يظنّون أنّ ولايتهم تكفيهم و تنفعهم و تدفع عنهم الضّرّ،و الحال أنّ ما سيلقونه بعد النّفخ و الجمع يناقض ذلك،فالآية تنكر عليهم هذا الظّنّ،و الحسبان بعد ما كان مآل أمرهم ذلك.

ثمّ إنّ إمكان قيام(ان)وصلته مقام مفعولي(حسب) -و قد ورد في كلامه تعالى كثيرا،كقوله: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا الجاثية:21،و غيره-يغني عن تقدير مفعول ثان محذوف،و قد منع عنه بعض النّحاة،و تؤيّده الآيات التّالية: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الكهف:103،و كذا القراءة المنسوبة إلى عليّ عليه السّلام و عدّة منهم (أ فحسب) بسكون السّين و ضمّ الباء،و المعنى أ فاتّخاذ عبادي من دوني أولياء كاف لهم؟

(13:367)

2- أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ. العنكبوت:2

جاء في التّفاسير بمعنى ظنّ،راجع«فتن».

3- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ...

العنكبوت:4

راجع«عمل».

4- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَ مَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ .الجاثية:21

أبو حيّان :(ام)منقطعة تقدّر ب«بل»و الهمزة و هو استفهام إنكار.(8:46)

أبو السّعود :استئناف مسوق لبيان تباين حالي المسيئين و المحسنين،إثر تباين حالي الظّالمين و المتّقين.

و(ام)منقطعة،و ما فيها من معنى«بل»للانتقال من البيان الأوّل إلى الثّاني.

و الهمزة لإنكار الحسبان،لكن لا بطريق إنكار

ص: 759

الوقوع و نفيه،كما في قوله تعالى: أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجّارِ ص:28،بل بطريق إنكار الواقع و استقباحه و التّوبيخ عليه.(6:60)

نحوه البروسويّ.(8:445)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و الهمزة لإنكار الحسبان،على معنى أنّه لا يليق و لا ينبغي لظهور خلافه.(25:149)

حسبوا

وَ حَسِبُوا أَلاّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَ صَمُّوا ثُمَّ تابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ ثُمَّ عَمُوا وَ صَمُّوا كَثِيرٌ مِنْهُمْ وَ اللّهُ بَصِيرٌ بِما يَعْمَلُونَ. المائدة:71

ابن عبّاس: ظنّوا أنّ اللّه لا يعذّبهم،و لا يبتلوا بقتل الأنبياء و تكذيب الرّسل.(الواحديّ 2:211)

الفارسيّ: الأفعال على ثلاثة أضرب:فعل يدلّ على ثبات الشّيء و استقراره؛و ذلك نحو:العلم و التّيقّن و التّبيّن و التّثبّت،و فعل يدلّ على خلاف الاستقرار و الثّبات،و فعل يجذب مرّة إلى هذا القبيل،و أخرى إلى هذا القبيل.

فما كان معناه العلم وقعت بعده«أنّ»الثّقيلة،و لم تقع بعده الخفيفة النّاصبة للفعل؛و ذلك أنّ«أنّ»الثّقيلة معناها ثبات الشّيء و استقراره،و العلم و بابه كذلك أيضا.فإذا أوقع عليه و استعمل معه،كان وفقه و ملائما له.و لو استعملت النّاصبة للفعل بعد ما معناه العلم و استقرار الشّيء،لم تكن وفقه فتباينا و تدافعا.

أ لا ترى أنّ«أن»النّاصبة لا تقع على ما كان ثابتا مستقرّا.

فمن استعمال الثّقيلة بعد العلم و وقوعه عليها قوله:

وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ النّور:25،و أَ لَمْ يَعْلَمْ بِأَنَّ اللّهَ يَرى العلق:14،لأنّ الباء زائدة.و كذلك التّبيّن و التّيقّن،و ما كان معناه العلم،كقوله تعالى: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ يوسف:35،ف(بدا) ضرب من العلم.أ لا ترى أنّه تبيّن لأمر لم يكن قد تبيّن،فلذلك كان قسما.

كما كان علمت قسما في نحو قوله:

*و لقد علمت لتأتينّ منيّتي*

قال: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ فهذا بمنزلة:علموا ليسجننّه.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا ما كان معناه ما لم يثبت و لم يستقرّ،فنحو:

أطمع و أخاف و أخشى و أشفق و أرجو،فهذه و نحوها تستعمل بعد الخفيفة النّاصبة للفعل،قال: وَ الَّذِي أَطْمَعُ أَنْ يَغْفِرَ لِي خَطِيئَتِي الشّعراء:82،و تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النّاسُ الأنفال:26،و إِلاّ أَنْ يَخافا أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما البقرة:229، فَخَشِينا أَنْ يُرْهِقَهُما الكهف:80، أَ أَشْفَقْتُمْ أَنْ تُقَدِّمُوا المجادلة:13،و كذلك أرجو و عسى و لعلّ.

و أمّا ما يجذب مرّة إلى هذا الباب و مرّة إلى الباب الأوّل،فنحو:حسبت و ظننت و زعمت،فهذا النّحو يجعل مرّة بمنزلة أرجو و أطمع،من حيث كان أمرا غير مستقرّ،و مرّة يجعل بمنزلة العلم،من حيث استعمل استعماله و من حيث كان خلافه،و الشّيء قد يجري

ص: 760

خلافه في كلامهم نحو:عطشان و ريّان.

فأمّا استعمالهم إيّاه استعمال العلم،فهو أنّهم قد أجابوه بجواب القسم،حكى سيبويه:ظننت ليسبقنّني.

و قيل في قوله: وَ ظَنُّوا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ فصّلت:

48:إنّ النّفي جواب للظّنّ،كما كان جوابا ل(علمت)في قوله: لَقَدْ عَلِمْتَ ما أَنْزَلَ هؤُلاءِ إِلاّ رَبُّ السَّماواتِ الإسراء 102،فكلتا القراءتين في قوله: وَ حَسِبُوا أَلاّ تَكُونَ فِتْنَةٌ، و كلا الأمرين قد جاء به التّنزيل.

فمثل قول من نصب فقال:(ان لا تكون)قوله: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا العنكبوت:4، أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ الجاثية:21، أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا العنكبوت:2.

و مثل قراءة من رفع: أَمْ يَحْسَبُونَ أَنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ الزّخرف:80، أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِينَ المؤمنون:55، أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ القيمة:3،فهذه مخفّفة من الشّديدة.

و مثل ذلك في الظّنّ قوله: تَظُنُّ أَنْ يُفْعَلَ بِها فاقِرَةٌ القيمة:25،و قوله: إِنْ ظَنّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ البقرة:230.و في الرّفع قوله: وَ أَنّا ظَنَنّا أَنْ لَنْ تَقُولَ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلَى اللّهِ كَذِباً الجنّ:5،و قوله:

وَ أَنَّهُمْ ظَنُّوا كَما ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَبْعَثَ اللّهُ أَحَداً الجنّ:7.

ف«ان»هاهنا المخفّفة من الشّديدة،لأنّ النّاصبة للفعل لا يقع بعدها«لن»لاجتماع الحرفين في الدّلالة على الاستقبال،كما لم تجتمع النّاصبة مع السّين،و لم يجتمعا كما لا يجتمع الحرفان لمعنى واحد،فمن ثمّ كانت(ان)في قوله تعالى: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى المزّمّل:

20،المخفّفة من الشّديدة،و من ذلك قوله: وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ أُحِيطَ بِهِمْ يونس:22.

فأمّا قوله: اَلَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلاقُوا رَبِّهِمْ البقرة:46،فالظّنّ هاهنا علم،و كذلك قوله: إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ الحاقّة:20.

و قال سيبويه:لو قلت على جهة المشورة:«ما أعلم إلاّ أن تدعه»لنصبت،و هذا لأنّ المشورة أمر غير مستقرّ،و لا متيقّن من المشير،فصار بمنزلة الأفعال الدّالّة على خلاف الثّبات و الاستقرار.و حسن وقوع المخفّفة من الشّديدة في قول من رفع،و إن كان بعدها فعل لدخول«لا»و كونها عوضا من حذف الضّمير معه، و إيلائه ما لم يكن يليه.و لو قلت:علمت أن تقول،لم يحسن حتّى تأتي بما يكون عوضا،نحو:قد،و لا، و السّين،و سوف،كما قال: عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضى المزّمّل:20،فإن قلت:فقد جاء: وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى النّجم:39،فلم يدخل بين(أن و ليس)شيء.فإنّما جاء هذا لأنّ(ليس)ليس بفعل على الحقيقة.(3:247)

نحوه ابن الجوزيّ(2:400)،و النّيسابوريّ(7:5).

الميبديّ: ظنّوا أن لا يبتلوا و لا يعذّبهم اللّه.

(3:185)

الزّمخشريّ: فإن قلت:كيف دخل فعل الحسبان على(ان)الّتي للتّحقيق؟قلت:نزّل حسابهم لقوّته في صدورهم منزلة العلم.

ص: 761

فإن قلت:فأين مفعولا«حسب»؟قلت:سدّ ما يشتمل عليه صلة(ان)من المسند و المسند إليه مسدّ المفعولين.

و المعنى:و حسب بنو إسرائيل أنّه لا يصيبهم من اللّه فتنة.(1:633)

نحوه النّسفيّ(1:294)،و أبو السّعود(2:302).

الفخر الرّازيّ: [نحو الفارسيّ و أضاف:]

إذا عرفت هذا فنقول:يمكن إجراء«الحسبان» هاهنا بحيث يفيد الثّبات و الاستقرار،لأنّ القوم كانوا جازمين بأنّهم لا يقعون بسبب ذلك التّكذيب و القتل في الفتنة و العذاب.و يمكن إجراؤه بحيث لا يفيد هذا الثّبات؛ من حيث إنّهم كانوا يكذبون و يقتلون بسبب حفظ الجاه و التّبع،فكانوا بقلوبهم عارفين بأنّ ذلك خطأ و معصية.

و إذا كان اللّفظ محتملا لكلّ واحد من هذين المعنيين،لا جرم ظهر الوجه في صحّة كلّ واحدة من هاتين القراءتين.فمن رفع قوله:(ان لا تكون)كان المعنى:أنّه لا تكون،ثمّ خفّفت المشدّدة و جعلت«لا» عوضا من حذف الضّمير.فلو قلت:علمت أن يقول، بالرّفع لم يحسن حتّى تأتي بما يكون عوضا من حذف الضّمير:نحو السّين و سوف و قد،كقوله:(علم ان سيكون)و وجه النّصب ظاهر.(12:56)

البروسويّ: أي حسب بنو إسرائيل و ظنّوا أن لا يصيبهم من اللّه تعالى بلاء و عذاب.بقتل الأنبياء و تكذيبهم.وجه حسبانهم أنّهم و إن اعتقدوا في أنفسهم أنّهم مخطئون في ذلك التّكذيب و القتل إلاّ أنّهم كانوا يقولون:نحن أبناؤه و أحبّاؤه،و كانوا يعتقدون أنّ نبوّة أسلافهم و آبائهم تدفع عنهم العذاب الّذي يستحقّونه، بسبب ذلك القتل و التّكذيب.(2:421)

الآلوسيّ: أي ظنّ بنو إسرائيل أن لا يصيبهم من اللّه تعالى بما فعلوا بلاء و عذاب،لزعمهم-كما قال الزّجّاج-أنّهم أبناء اللّه تعالى و أحبّاؤه،أو لإمهال اللّه تعالى لهم أو لنحو ذلك،...و الأولى حملها على العموم، و على التّقديرين،ليس المراد منها معناها المعروف.

(6:205)

مغنيّة:أي ظنّ اليهود أنّهم لا يغلبون أبدا،لأنّهم شعب اللّه المختار بزعمهم.و قد اعتمدوا على هذا الزّعم فيما مضى،أمّا اليوم فإنّهم يعتمدون على القوى الاستعماريّة،و العناصر الرّجعيّة،و الشّركات الاحتكاريّة،و على إثارة الفتن و الخلافات،و نشر الفساد و الانحلال.(3:101)

الطّباطبائيّ: و الظّاهر أنّ حسبانهم ذلك معلول ما قدّروا لأنفسهم من الكرامة،بكونهم من شعب إسرائيل،و أنّهم أبناء اللّه و أحبّاؤه،فلا يمسّهم السّوء و إن فعلوا ما فعلوا،و ارتكبوا ما ارتكبوا.

فمعنى الآية:-و اللّه أعلم-أنّهم لمكان ما اعتقدوا لأنفسهم من كرامة التّهوّد،ظنّوا أن لا يصيبهم سوء أو لا يفتنون بما فعلوا،فأعمى ذلك الظّنّ و الحسبان أبصارهم عن إبصار الحقّ،و أصمّ ذلك آذانهم عن سماع ما ينفعهم من دعوة أنبيائهم.(6:68)

مكارم الشّيرازيّ: أي ظنّوا مع ذلك أنّ البلاء و الجزاء لن ينزل بهم،و اعتقدوا-كما صرّحت الآيات الأخرى-أنّهم من جنس أرقى،و أنّهم أبناء اللّه.

(4:99)

ص: 762

حسبتم

1- أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ... البقرة:214

الطّبريّ: كأنّه استفهم ب(ام)في ابتداء لم يتقدّمه حرف استفهام لمسبوق كلام هو به متّصل.و لو لم يكن قبله كلام يكون به متّصلا،و كان ابتداء لم يكن إلاّ بحرف من حروف الاستفهام،لأنّ قائلا لو كان قال مبتدئا كلاما لآخر:أم عندك أخوك؟لكان قائلا ما لا معنى له،و لكن لو قال:أنت رجل مدلّ بقوّتك أم عندك أخوك ينصرك؟ كان مصيبا.و قد بيّنّا بعض هذا المعنى فيما مضى من كتابنا هذا،بما فيه الكفاية عن إعادته.

فمعنى الكلام:أم حسبتم أنّكم أيّها المؤمنون باللّه و رسله تدخلون الجنّة و لم يصبكم مثل ما أصاب من قبلكم من أتباع الأنبياء و الرّسل من الشّدائد و المحن و الاختبار.(2:341)

الزّجّاج: معناه:بل أحسبتم أن تدخلوا الجنّة.

(1:285)

مثله الواحديّ.(1:317)

النّحّاس: (ام)هاهنا للخروج من حديث إلى حديث.(1:163)

الطّوسيّ: قال الزّجّاج:معنى(ام)هاهنا بمعنى «بل».و قال غيره:هي بمعنى الواو،و إنّما حسن الابتداء ب(ام)لاتّصال الكلام بما تقدّم،و لو لم يكن قبله كلام،لما حسن.

و الفرق بين(ام حسبتم)و بين«أ حسبتم»:أنّ(ام) لا تكون إلاّ متّصلة لكلام،معادلة للألف،أو منقطعة، فالمعادلة نحو:أزيد في الدّار أم عمرو،فالمراد أيّهما في الدّار.

و المنقطعة نحو قولهم:إنّها لإبل أم شاء يا فتى،و أمّا الألف فتكون مستأنفة.و إنّما لم يجز في«أم»الاستئناف، لأنّ فيها معنى«بل»كأنّه قيل:(بل حسبتم).و حسبت و ظننت و خلت نظائر.(2:198)

نحوه الطّبرسيّ.(1:308)

الزّمخشريّ: (ام)منقطعة،و معنى الهمزة فيها للتّقرير و إنكار الحسبان و استبعاده.(1:355)

ابن عطيّة: (ام)قد تجيء لابتداء كلام بعد كلام و إن لم يكن تقسيم و لا معادلة ألف استفهام.و حكى بعض اللّغويّين:أنّها قد تجيء بمثابة ألف الاستفهام يبتدأ بها،و(حسبتم)تطلب مفعولين،فقال النّحاة:(ان تدخلوا)تسدّ مسدّ المفعولين،لأنّ الجملة الّتي بعد(ان) مستوفاة المعنى،و يصحّ أن يكون المفعول الثّاني محذوفا، تقديره:أحسبتم دخولكم الجنّة واقعا.(1:287)

نحوه القرطبيّ.(3:34)

الفخر الرّازيّ: (ام)استفهام متوسّط،كما أنّ«هل» استفهام سابق،فيجوز أن يقول:«هل عندك رجل، أ عندك رجل»؟ابتداء،و لا يجوز أن يقال:أم عندك رجل،فأمّا إذا كان متوسّطا جاز،سواء كان مسبوقا باستفهام آخر أو لا يكون.

أمّا إذا كان مسبوقا باستفهام آخر،فهو كقولك:

«أنت رجل لا تنصف،أ فعن جهل تفعل هذا أم لك سلطان؟»و أمّا الّذي لا يكون مسبوقا بالاستفهام،فهو كقوله: الم* تَنْزِيلُ الْكِتابِ لا رَيْبَ فِيهِ مِنْ رَبِّ

ص: 763

اَلْعالَمِينَ* أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ السّجدة:1-3.

و هذا القسم يكون في تقدير القسم الأوّل، و التّقدير:أ فيؤمنون بهذا أم يقولون افتراه؟فكذا تقدير هذه الآية:فهدى اللّه الّذين آمنوا لما اختلفوا فيه من الحقّ بإذنه،فصبروا على استهزاء قومهم بهم، أ فتسلكون سبيلهم،أم تحسبون أن تدخلوا الجنّة من غير سلوك سبيلهم؟(6:19)

النّسفيّ: (ام)منقطعة لا متّصلة،لأنّ شرطها أن يكون قبلها همزة الاستفهام،كقولك:أ عندك زيد أم عمر؟أي أيّهما عندك،و جوابه:زيد إن كان عنده زيد، أو عمرو إن كان عنده عمرو.و أمّا(ام)المنقطعة فتقع بعد الاستفهام و بعد الخبر و تكون بمعنى«بل»و«الهمزة»، و التّقدير:بل أحسبتم،و معنى الهمزة فيها للتّقرير و إنكار الحسبان و استبعاده.(1:106)

أبو حيّان :[نقل الأقوال ثمّ قال:]

فتلخّص في«أم»هنا أربعة أقوال:الانقطاع على أنّها بمعنى«بل»و«الهمزة»،و الاتّصال على إضمار جملة قبلها،و الاستفهام بمعنى الهمزة،و الإضراب بمعنى«بل».

و الصّحيح هو القول الأوّل،و مفعولا(حسبتم)سدّت (ان)مسدّهما،على مذهب سيبويه.و أمّا أبو الحسن فسدّت عنده مسدّ المفعول الأوّل،و المفعول الثّاني محذوف.(2:139)

أبو السّعود :خوطب به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و من معه من المؤمنين،حثّا لهم على الثّبات على المصابرة على مخالفة الكفرة،و تحمّل المشاقّ من جهتهم إثر بيان اختلاف الأمم على الأنبياء عليهم السّلام.و قد بيّن فيه مآل اختلافهم و ما لقي الأنبياء و من معهم من قبلهم من مكابدة الشّدائد و مقاساة الهموم،و أنّ عاقبة أمرهم النّصر.[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ](1:258)

البروسويّ: (ام)منقطعة الإخبار المتقدّم إلى الإنكار،المدلول عليه بهمزة الاستفهام،أي ما كان ينبغي أن تحسبوا ذلك،فتقدّر ب«بل».و الهمزة قيل:

إضراب عن و تظنّوا،أو لم حسبتموه.(1:330)

الطّباطبائيّ: و كلمة(ام)منقطعة تفيد الإضراب، و المعنى على ما قيل:بل أحسبتم أن تدخلوا الجنّة؟ و الخلاف في(ام)المنقطعة معروف،و الحقّ أنّ(ام)لإفادة التّرديد،و أنّ الدّلالة على معنى الإضراب من حيث انطباق معنى الإضراب على المورد،لا أنّها دلالة وضعيّة،فالمعنى في المورد مثلا:هل انقطعتم بما أمرناكم من التّسليم بعد الإيمان و الثّبات على نعمة الدّين، و الاتّفاق و الاتّحاد فيه أم لا،بل حسبتم أن تدخلوا الجنّة؟(2:158)

2- أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصّابِرِينَ. آل عمران:142

الطّوسيّ: معناه:أحسبتم أن تدخلوا الجنّة،و قيل:

معنى(ام)معنى«بل»على جهة الإنكار،لأن يحسبوا ذلك الحسبان،كما يقال:قد صمّمت على الخلاف أم تتوهّم الإهمال.(3:4)

الزّمخشريّ: (ام)منقطعة،و معنى الهمزة فيها الإنكار.(1:466)

نحوه الطّبرسيّ(1:511)،و البيضاويّ(1:184).

ص: 764

ابن عطيّة:(ام)هي بمعنى الإضراب عن الكلام الأوّل و التّرك له،و فيها لازم معنى الاستفهام،فلذلك قدّرها سيبويه ب«بل»و ألف الاستفهام،و(حسبتم) معناه ظننتم.و هذه الآية و ما بعدها تقريع و عتب لطوائف المؤمنين الّذين وقعت منهم الهفوات المشهورة في يوم واحد.(1:515)

الفخر الرّازيّ: (ام)منقطعة،و تفسير كونها منقطعة تقدّم في سورة البقرة.

قال أبو مسلم في(ام حسبتم):إنّه نهي وقع بحرف الاستفهام الّذي يأتي للتّبكيت،و تلخيصه:لا تحسبوا أن تدخلوا الجنّة و لم يقع منكم الجهاد،و هو كقوله: الم* أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ العنكبوت:1،2،و افتتح الكلام بذكر(ام) الّتي هي أكثر ما تأتي في كلامهم واقعة بين ضربين، يشكّ في أحدهما لا بعينه،يقولون:أ زيدا ضربت أم عمروا،مع تيقّن وقوع الضّرب بأحدهما.

قال:و عادة العرب يأتون بهذا الجنس من الاستفهام توكيدا،فلمّا قال: وَ لا تَهِنُوا وَ لا تَحْزَنُوا آل عمران:139،كأنّه قال:أ فتعلمون أنّ ذلك كما تؤمرون به،أم تحسبون أن تدخلوا الجنّة من غير مجاهدة و صبر؟و إنّما استبعد هذا لأنّ اللّه تعالى أوجب الجهاد قبل هذه الواقعة،و أوجب الصّبر على تحمّل متاعبها،و بيّن وجوه المصالح فيها في الدّين و في الدّنيا،فلمّا كان كذلك، فمن البعيد أن يصل الإنسان إلى السّعادة و الجنّة مع إهمال هذه الطّاعة.(9:19)

نحوه النّيسابوريّ.(4:78)

العكبريّ: (ام)هنا منقطعة،أي بل أحسبتم.

(1:295)

نحوه الشّربينيّ.(1:250)

القرطبيّ: (ام)بمعنى بل.و قيل:الميم زائدة، و المعنى أحسبتم يا من انهزم يوم أحد أن تدخلوا الجنّة كما دخل الّذين قتلوا و صبروا على ألم الجراح و القتل،من غير أن تسلكوا طريقهم و تصبروا صبرهم.(4:220)

النّسفيّ: (ام)منقطعة،و معنى الهمزة فيها الإنكار، أي لا تحسبوا.(1:184)

نحوه الخازن.(1:357)

أبو حيّان :(ام)هنا منقطعة في قول الأكثرين تتقدّر ب«بل»و«الهمزة»،على ما قرّر في النّحو.و قيل:هي بمعنى الهمزة.

و قيل:(ام)متّصلة،قال ابن بحر:هي عديلة همزة تتقدّر من معنى ما تتقدّم،و ذلك أنّ قوله: إِنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ وَ تِلْكَ الْأَيّامُ نُداوِلُها آل عمران:140 إلى آخر القصّة،يقتضي أن يتّبع ذلك أ تعلمون أنّ التّكليف يوجب ذلك أم حسبتم أن تدخلوا الجنّة من غير اختبار و تحمّل مشقّة و أن تجاهدوا،فيعلم اللّه ذلك منكم واقعا،انتهى كلامه.

و تقدّم لنا إبطال مثل هذا القول،و هذا الاستفهام الّذي تضمّنته معناه الإنكار،و الإضراب الّذي تضمّنته أيضا هو ترك لما قبله،من غير إبطال و أخذ فيما بعده.

[و نقل قول أبي مسلم الأصفهانيّ ثمّ قال:]

و ظاهره أنّ(ام)متّصلة،و(حسبتم)هنا بمعنى ظننتم التّرجيحيّة،و سدّ مسدّ مفعوليها(ان)و ما بعدها،على

ص: 765

مذهب سيبويه،و سدّ مسدّ مفعول واحد و الثّاني محذوف، على مذهب أبي الحسن.(3:65)

أبو السّعود :كلام مستأنف سيق لبيان ما هي الغاية القصوى من المداولة و النّتيجة،لما ذكر من تمييز المخلصين و تمحيصهم،و اتّخاذ الشّهداء،و إظهار عزّة منالها، و الخطاب للّذين انهزموا يوم أحد.

و(ام)منقطعة،و ما فيها من كلمة«بل»للإضراب عن التّسلية ببيان السّبب،فيما لقوا من الشّدّة إلى تحقيق أنّها مبادئ الفوز بالمطلب الأسنى،و الهمزة للإنكار و الاستبعاد،أي بل أحسبتم.(2:40)

نحوه الآلوسيّ.(4:70)

البروسويّ: (ام)منقطعة،و الهمزة للإنكار و الاستبعاد،و الحسبان:الظّنّ،و الخطاب للّذين انهزموا يوم أحد،أي بل أ ظننتم.(2:101)

3- أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَ لَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ... التّوبة:16

4- أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً... المؤمنون:

115

[جاءتا بنفس ما ذكر من المعنى في(2)راجع «خلق»]

يحسب

1- أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ. القيمة:3

راجع ج م ع:«نجمع».

2- أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً. القيمة:36

راجع«س د ي-سدى».

لا يحسبنّ

1- وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ إِنَّما نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدادُوا إِثْماً...

آل عمران:178

ابن عبّاس: لا يظنّنّ اليهود.(61)

الفرّاء: و من قرأ (و لا تحسبنّ) قال:(انّما).و قد قرأها بعضهم (و لا تحسبنّ الّذين كفروا انّما) بالتّاء و الفتح على التّكرير:لا تحسبنّهم لا تحسبنّ أنّما نملي لهم، و هو كقوله: فَهَلْ يَنْظُرُونَ إِلاَّ السّاعَةَ أَنْ تَأْتِيَهُمْ محمّد:18،على التّكرير:هل ينظرون إلاّ أن تأتيهم.

(1:248)

الطّبريّ: و لا يظنّنّ الّذين كفروا باللّه و رسوله و ما جاء به من عند اللّه،أنّ إملاءنا لهم خير لأنفسهم.

[إلى أن قال:]

و قد اختلفت القرّاء في قراءة قوله: (و لا تحسبنّ الّذين...) فقرأ ذلك جماعة منهم (و لا يحسبنّ) بالياء، و بفتح الألف،من قوله:(انّما)على المعنى الّذي وصفت من تأويله،و قرأه آخرون (و لا تحسبنّ) بالتّاء،و(انّما) أيضا بفتح الألف،من«أنّما»بمعنى:«و لا تحسبنّ يا محمّد الّذين كفروا أنّما نملي لهم لأنفسهم.

فإن قال قائل:فما الّذي من أجله فتحت الألف من قوله:(انّما)في قراءة من قرأ بالتّاء،و قد علمت أنّ ذلك إذا قرئ بالتّاء فقد أعملت (تحسبنّ) في(الّذين كفروا) و إذا أعملتها في ذلك لم يجز لها أن تقع على(انّما)،لأنّ (انّما)إنّما يعمل فيها عامل يعمل في شيئين نصبا؟

ص: 766

قيل:أمّا الصّواب في العربيّة،و وجه الكلام المعروف من كلام العرب،كسر«إنّ»إذا قرئت(تحسبنّ)بالتّاء، لأنّ(تحسبنّ)إذا قرئت بالتّاء،فإنّها قد نصبت(الّذين كفروا)،فلا يجوز أن تعمل-و قد نصبت اسما-في«أنّ».

[و ذكر نحو الفرّاء ثمّ قال:]

و ذلك و إن كان وجها جائزا في العربيّة،فوجه كلام العرب ما وصفنا قبل.

و الصّواب من القراءة في ذلك عندنا قراءة من قرأ وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بالياء من(يحسبنّ)و يفتح الألف من(انّما)على معنى الحسبان للّذين كفروا دون غيرهم،ثمّ يعمل في(انّما)نصبا،لأنّ(يحسبنّ)حينئذ لم يشغل بشيء عمل فيه،و هي تطلب منصوبين.

و إنّما اخترنا ذلك لإجماع القرّاء على فتح الألف من (انّما)الأولى،فدلّ ذلك على أنّ القراءة الصّحيحة في (يحسبنّ)بالياء لما وصفنا.و أمّا الألف(إنّما)الثّانية، فالكسر على الابتداء،بإجماع من القرّاء عليه.

(4:186)

نحوه الزّجّاج.(1:491)

الفارسيّ: [نقل القراءات ثمّ قال:]

(الّذين)في هذه الآي في قراءتهما:رفع بأنّه فاعل يحسب،و إذا كان الّذي في الآي فاعلا اقتضى«حسب» مفعولين؛لأنّها تتعدّى إلى مفعولين،أو إلى مفعول يسدّ مسدّ المفعولين؛و ذلك إذا جرى في صلة ما يتعدّى إليه ذكر الحديث و المحدّث عنه،نحو:حسبت أنّ زيدا منطلق،و حسبت أن تقوم،فقوله: أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ، قد سدّ مسدّ المفعولين اللّذين يقتضيهما (يحسبنّ)،و كسر(إنّ)في قول من قرأ: (يحسبنّ) بالياء لا ينبغي،و قد قرئ فيما حكاه غير أحمد (1)بن موسى.

و وجه ذلك أنّ«إنّ»يتلقّى بها القسم كما يتلقّى بلام الابتداء،و يدخل كلّ واحد منهما على الابتداء و الخبر، فكسر(إنّ)بعد(يحسبنّ)و علّق عليها الحسبان،كما يعلّق باللاّم،فقال:(لا يحسبنّ الّذين كفروا انّما نملى).

(3:102)

الطّوسيّ: قرأ حمزة (و لا تحسبنّ) بالتّاء و فتح السّين،الباقون بالياء،و هو الأقوى،لأنّ حسبت يتعدّى إلى مفعولين(و انّ)على تقدير مفعولين،لأنّ قوله: أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ سدّ مسدّ المفعولين،لأنّه لا يعمل في(انّما)إلاّ ما يتعدّى إلى مفعولين،نحو حسبت و ظننت و أخواتهما.و حسبت يتعدّى إلى مفعولين أو مفعول يسدّ مسدّ المفعولين،نحو حسبت أنّ زيدا منطلق و حسبت أن يقوم عمرو.فقوله:

أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ سدّ مسدّ المفعولين اللّذين يقتضيهما(يحسبنّ)،و كسر(انّ)مع القراءة بالياء ضعيف،و قرئ به.[ثمّ نقل كلام الفارسيّ و الفرّاء]

(3:58)

2- وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ... آل عمران:180

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأه جماعة من أهل الحجاز و العراق وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بالياء من (يحسبنّ) ،و قرأته جماعة أخر (و لاد.

ص: 767


1- أبو المجاهد.

تحسبنّ) بالتّاء.

ثمّ اختلف أهل العربيّة في تأويل ذلك،فقال بعض نحويّي الكوفة:معنى ذلك:لا يحسبنّ الباخلون البخل هو خيرا لهم.فاكتفى بذكر(يبخلون)من البخل،كما تقول:

قدم فلان فسررت به،و أنت تريد فسررت بقدومه، و هو عماد.

و قال بعض نحويّي أهل البصرة:إنّما أراد بقوله:

وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ لا تحسبنّ البخل هو خيرا لهم، فألقى الاسم الّذي أوقع عليه الحسبان به و هو البخل، لأنّه قد ذكر الحسبان،و ذكر ما آتاهم اللّه من فضله، فأضمرهما إذ ذكرهما.

قال:و قد جاء من الحذف ما هو أشدّ من هذا،قال:

لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ وَ قاتَلَ الحديد:10،و لم يقل:و من أنفق من بعد الفتح،لأنّه لمّا قال: أُولئِكَ أَعْظَمُ دَرَجَةً مِنَ الَّذِينَ أَنْفَقُوا مِنْ بَعْدُ كان فيه دليل على أنّه قد عناهم.

و قال بعض من أنكر قول من ذكرنا قوله من أهل البصرة:إنّ(من)في قوله: لا يَسْتَوِي مِنْكُمْ مَنْ أَنْفَقَ مِنْ قَبْلِ الْفَتْحِ في معنى جمع،و معنى الكلام:لا يستوي منكم من أنفق من قبل الفتح في منازلهم و حالاتهم، فكيف من أنفق من بعد الفتح،فالأوّل مكتف.و قال في قوله: لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ محذوف،غير أنّه لم يحذف إلاّ و في الكلام ما قام مقام المحذوف،لأنّ(هو)عائد البخل، و(خيرا لهم)عائد الأسماء،فقد دلّ هذان العائدان على أنّ قبلهما اسمين،و اكتفى بقوله:(يبخلون)من البخل.

قال:و هذا إذا قرئ بالتّاء،فالبخل قبل(الّذين)،و إذا قرئ بالياء،فالبخل بعد(الّذين)،و قد اكتفى ب(الّذين يبخلون)من البخل.[ثمّ استشهد بشعر]

و أولى القراءتين بالصّواب في ذلك عندي،قراءة من قرأ (و لا تحسبنّ الّذين يبخلون) بالتّاء،بتأويل:و لا تحسبنّ أنت يا محمّد بخل الّذين يبخلون بما أتاهم اللّه من فضله،هو خيرا لهم،ثمّ ترك ذكر البخل؛إذ كان في قوله:

(هُوَ خَيْراً لَهُمْ) دلالة على أنّه مراد في الكلام؛إذ كان قد تقدّمه قوله: اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ.

و إنّما قلنا قراءة ذلك بالتّاء أولى بالصّواب من قراءته بالياء،لأنّ المحسبة من شأنها طلب اسم و خبر،فإذا قرئ قوله: وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بالياء لم يكن للمحسبة اسم،يكون قوله: هُوَ خَيْراً لَهُمْ خبرا عنه، و إذا قرئ ذلك بالتّاء كان قوله: اَلَّذِينَ يَبْخَلُونَ اسما له،قد أدّى عن معنى البخل الّذي هو اسم المحسبة المتروك،و كان قوله: هُوَ خَيْراً لَهُمْ خبرا لها،فكان جاريا مجرى المعروف من كلام العرب الفصيح.فلذلك اخترنا القراءة بالتّاء في ذلك على ما بيّنّاه،و إن كانت القراءة بالياء غير خطإ،و لكنّه ليس بالأفصح و لا الأشهر من كلام العرب.(4:188)

أبو زرعة:قرأ حمزة (و لا تحسبنّ الّذين يبخلون) بالتّاء،خطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،ف(الّذين)في موضع نصب على المفعول الأوّل،و خَيْراً لَهُمْ المفعول الثّاني.قال أحمد بن يحيى (1):الوجه عندنا بالتّاء،ليكون للمحسبةلب

ص: 768


1- ثعلب

اسم و خبر،فيكون(الّذين)نصبا باسم المحسبة، و(هو خيرا لهم)خبرا.و المعنى:لا تحسبنّ بخل الباخلين خيرا لهم،فأقام«الباخلين»مقام«بخلهم».و إذا قرأت بالياء لم تأت للمحسبة باسم،فلذلك اخترنا التّاء.

و قرأ الباقون: (و لا يحسبنّ) بالياء،موضع(الّذين) رفع،و(يبخلون)صلة(الّذين)،و المفعول الأوّل مصدر محذوف و هو«البخل»دلّ(يبخلون)عليه.المعنى:و لا يحسبنّ الّذين يبخلون البخل هو خيرا لهم،فحذف المفعول الأوّل،و اجتزئ ب(يبخلون)عن«البخل»،كما يقال:من صدق كان خيرا له،و من كذب كان شرّا، تريد:كان الصّدق خيرا،و كان الكذب شرّا.

قال الفرّاء:إنّما(هو)عماد،يقال:فأين اسم هذا العماد؟قيل:مضمر معناه:لا يحسبنّ الباخلون البخل هو خيرا لهم،فاكتفى بذكر(يبخلون)من البخل.(183)

الزّمخشريّ: من قرأ بالتّاء قدّر مضافا محذوفا،أي و لا تحسبنّ بخل الّذين يبخلون هو خيرا لهم،و كذلك من قرأ بالياء و جعل فاعل(يحسبنّ)ضمير رسول اللّه أو ضمير أحد.

و من جعل فاعله(الّذين يبخلون)كان المفعول الأوّل عنده محذوفا،تقديره:و لا يحسبنّ الّذين يبخلون بخلهم هو خيرا لهم،و الّذي سوّغ حذفه دلالة(يبخلون) عليه،و هو فصل.

و قرأ الأعمش بغير(هو).(1:483)

العكبريّ: و يقرأ (تحسبنّ) بالتّاء على الخطاب، و التّقدير:و لا تحسبنّ يا محمّد بخل الّذين يبخلون،فحذف المضاف،و هو ضعيف،لأنّ فيه إضمار البخل قبل ذكر ما يدلّ عليه،و(هو)على هذا فصل أو توكيد.(1:315)

3- وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ.

الأنفال:59

الفرّاء: بالتّاء لا اختلاف فيها.و قد قرأها حمزة بالياء.و نرى أنّه اعتبرها بقراءة عبد اللّه.و هي في قراءة عبد اللّه وَ لا يَحْسَبَنَّ... فإذا لم تكن فيها(انّهم)لم يستقم للظّنّ ألاّ يقع على شيء.و لو أراد:و لا يحسب الّذين كفروا أنّهم لا يعجزون لاستقام،و يجعل(لا)صلة كقوله: وَ حَرامٌ عَلى قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها أَنَّهُمْ لا يَرْجِعُونَ الأنبياء:95،يريد:أنّهم يرجعون.و لو كان مع(سبقوا) (ان)استقام ذلك فنقول:(و لا يحسب الذين كفروا ان سبقوا).(1:415)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأ ذلك عامّة قرّاء الحجاز و العراق (و لا تحسبنّ الّذين كفروا سبقوا انّهم) بكسر الألف من(إنّهم)،و بالتّاء في (تحسبنّ)،بمعنى:و لا تحسبنّ يا محمّد الّذين كفروا سبقونا ففاتونا بأنفسهم.ثمّ ابتدئ الخبر عن قدرة اللّه عليهم، فقيل:إنّ هؤلاء الكفرة لا يعجزون ربّهم إذا طلبهم و أراد تعذيبهم و إهلاكهم بأنفسهم فيفوتوه بها.

و قرأ ذلك بعض قرّاء المدينة و الكوفة وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بالياء في(يحسبنّ)،و كسر الألف من (انّهم)،و هي قراءة غير حميدة لمعنيين:أحدهما:

خروجهما من قراءة القرّاء و شذوذها عنها،و الآخر:

بعدها من فصيح كلام العرب؛و ذلك أنّ(يحسب)يطلب في كلام العرب منصوبا و خبره،كقوله:عبد اللّه يحسب

ص: 769

أخاك قائما و يقوم و قام،فقارئ هذه القراءة أصحب «يحسب»خبرا لغير مخبر عنه مذكور،و إنّما كان مراده:

ظنّي و لا يحسبنّ الّذين كفروا سبقوا أنّهم لا يعجزوننا، فلم يفكّر في صواب مخرج الكلام و سقمه،و استعمل في قراءته ذلك كذلك ما ظهر له من مفهوم الكلام.

و أحسب أنّ الّذي دعاه إلى ذلك الاعتبار بقراءة عبد اللّه،و ذلك أنّه فيما ذكر في مصحف عبد اللّه:(و لا يحسبنّ الّذين كفروا انّهم سبقوا انّهم لا يعجزون)و هذا فصيح صحيح إذا أدخلت(أنّهم)في الكلام،لأنّ (يحسبنّ)عاملة في(أنّهم)،و إذا لم يكن في الكلام(أنّهم) كانت خالية من اسم تعمل فيه.

و للّذي قرأ من ذلك من القرّاء وجهان في كلام العرب و إن كانا بعيدين من فصيح كلامهم:أحدهما:أن يكون أريد به:و لا يحسبنّ الّذين كفروا أن سبقوا،أو أنّهم سبقوا،ثمّ حذف«أن»و«أنّهم»،كما قال جلّ ثناؤه:

وَ مِنْ آياتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفاً وَ طَمَعاً الرّوم:24، بمعنى:أن يريكم.[ثمّ استشهد بشعر]

و كذلك قراءة من قرأ ذلك بالياء،يوجّه(سبقوا)إلى «سابقين»على هذا المعنى.

و الوجه الثّاني:على أنّه أراد إضمار منصوب ب«يحسب»،كأنّه قال:و لا يحسب الّذين كفروا أنّهم سبقوا،ثمّ حذف الهمز و أضمر.و قد وجّه بعضهم معنى قوله: إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ آل عمران:175،إنّما ذلكم الشّيطان يخوّف المؤمن من أوليائه،و أنّ ذكر المؤمن مضمر في قوله:(يخوّف)،إذ كان الشّيطان عنده لا يخوّف أولياءه.

و قرأ ذلك بعض أهل الشّام: (و لا تحسبنّ الّذين كفروا) بالتّاء من«تحسبن» (سبقوا انّهم لا يعجزون) بفتح الألف من(انّهم)،بمعنى:و لا تحسبنّ الّذين كفروا أنّهم لا يعجزون،و لا وجه لهذه القراءة يعقل إلاّ أن يكون أراد القارئ ب«لا»الّتي في يعجزون«لا»الّتي تدخل في الكلام حشوا وصلة.فيكون معنى الكلام حينئذ:و لا تحسبنّ الّذين كفروا سبقوا أنّهم يعجزون.

و لا وجه لتوجيه حرف في كتاب اللّه إلى التّطويل بغير حجّة يجب التّسليم لها،و له في الصّحّة مخرج.

قال أبو جعفر:و الصّواب من القراءة في ذلك عندي قراءة من قرأ:(لا تحسبن)بالتّاء(الّذين كفروا سبقوا انّهم)بكسر الألف من(انّهم لا يعجزون)بمعنى:و لا تحسبنّ أنت يا محمّد الّذين جحدوا حجج اللّه و كذّبوا بها سبقونا بأنفسهم،ففاتونا،إنّهم لا يعجزوننا:أي يفوتوننا بأنفسهم،و لا يقدرون على الهرب منّا.(10:28)

الزّجّاج: معناها:لا يحسبنّ من أفلت من هذه الحرب قد سبق إلى الحياة.و القراءة الجيّدة(لا تحسبنّ) بالتّاء على مخاطبة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و تكون(تحسبنّ)عاملة في (الّذين)و يكون(سبقوا)الخبر.و يجوز فتح السّين و كسرها.

و قد قرأ بعض القرّاء وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بالياء،و وجهها ضعيف عند أهل العربيّة إلاّ أنّها جائزة، على أن يكون المعنى:و لا يحسبنّ الّذين كفروا أن سبقوا.

لأنّها في حرف ابن مسعود (أنّهم سبقوا) .فإذا كانت كذلك فهو بمنزلة قولك:حسبت أن أقوم،و حسبت أقوم، على حذف«أن»،و تكون أقوم و قام تنوب عن الاسم

ص: 770

و الخبر،كما أنّك إذا قلت:ظننت لزيد خير منك،فقد نابت الجملة عن اسم الظّنّ و خبره.و فيها وجه آخر:

و لا يحسبنّ قبيل المؤمنين الّذين كفروا سبقوا.

و يجوز فيها أوجه لم يقرأ بها،يجوز(و لا يحسبنّ الّذين كفروا سبقوا)و(لا يحسبنّ الّذين كفروا)أي لا يحسب المؤمنون الّذين كفروا سبقوا.

و لكنّ القراءة سنّة،لا يقرأ إلاّ بما قرأت به القرّاء.

و يجوز(انّهم)بكسر(إنّ)و يجوز(انّهم)،فيكون المعنى:و لا يحسبنّ الّذين كفروا أنّهم يعجزون،و يكون «أنّ»بدلا من(سبقوا).

و هذا الوجه ضعيف،لأنّ(لا)لا تكون لغوا في موضع يجوز أن تقع فيه غير لغو.(2:421)

الفارسيّ: اختلفوا في الياء و التّاء من قوله جلّ و عزّ: وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا، فقرأ ابن كثير و نافع و أبو عمرو و عاصم،و في رواية أبي بكر، و الكسائيّ (و لا تحسبن الذين كفروا) بالتّاء و كسر السّين،غير عاصم فإنّه فتح السّين،و في النّور:57 أيضا بالتّاء.

و روى حفص عن عاصم،و ابن عامر و حمزة:

(و لا يحسبنّ)بالياء و فتح السّين.

و قرأ عاصم في رواية حفص بالياء هنا،و في النّور بالتّاء.و الباقون غير حمزة و ابن عامر في السّورتين بالتّاء،و قرأهما حمزة بالياء.

من قرأ (و لا تحسبنّ الّذين كفروا سبقوا) بالتّاء، ف اَلَّذِينَ كَفَرُوا المفعول الأوّل و سَبَقُوا المفعول الثّاني،و موضعه نصب،و وجهه بيّن.

و من قرأ: (يحسبنّ الّذين كفروا) بالياء،فلا يخلو القول فيه من أن يكون أسند(يحسبنّ)إلى الّذين كفروا، فجعل اَلَّذِينَ كَفَرُوا الفاعل،فإن جعل اَلَّذِينَ كَفَرُوا رفعا لإسناد الفعل إليهم،لم يحسن،لأنّه لم يعمل يَحْسَبَنَّ في المفعولين،فلا يحمله على هذا،و لكن يحمله على أحد ثلاثة أشياء:

إمّا أن تجعل فاعله النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،كأنّه:و لا يحسبنّ النّبيّ الّذين كفروا،و هو قول أبي الحسن.

و يجوز أن يكون أضمر المفعول الأوّل،التّقدير:

و لا يحسبنّ الّذين كفروا نفسهم سبقوا،أو إيّاهم سبقوا.

و يجوز أيضا أن تقدّره على حذف«أن»كأنّه و لا يحسبنّ الّذين كفروا أن سبقوا،فحذفت(أن)كما حذفتها في تأويل سيبويه،في قوله: أَ فَغَيْرَ اللّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ الزّمر:64،كأنّه:أ فغير عبادة اللّه تأمرونّي،و حذف«أن»قد جاء في شيء من كلامهم.

[ثمّ استشهد بشعر]

فإذا وجّهته على هذا،سدّ:«أن سبقوا»مسدّ المفعولين،كما أنّ قوله عزّ و جلّ: أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا العنكبوت:2،كذلك.

(2:305)

الطّوسيّ: قرأ ابن عامر و حمزة و حفص و أبو جعفر (و لا يحسبنّ) بالياء،و الباقون بالتّاء.و قرأ ابن عامر (انّهم)بفتح الهمزة.الباقون بكسرها.[ثمّ نقل قول الفارسيّ فيمن قرأ بالتّاء و الياء و أضاف:]

الثّالث:أن يقدّر على حذف«أن»كأنّه قال:

«و لا يحسبنّ الّذين كفروا أن سبقوا»قال الزّجّاج:يقوّي

ص: 771

ذلك أنّ في قراءة ابن مسعود (انّهم لا يعجزون) فعلى هذا يكون«أن سبقوا»سدّ مسدّ المفعولين،كما أنّ قوله:

أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا العنكبوت:2، كذلك.

و من فتح الهمزة جعل الجملة متعلّقة بالجملة الأولى،و التّقدير:و لا تحسبنّهم سبقوا،لأنّهم لا يفوتون،فهم يجازون على كفرهم.

و من كسر استأنف الكلام،و مثله أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا ثمّ استأنف فقال:

ساءَ ما يَحْكُمُونَ العنكبوت:4،فكذلك هاهنا استأنف الكلام.و إنّما امتنع الاقتصار على أحد المفعولين في(حسب)لأنّ المفعول الثّاني خبر عن الأوّل،و الفعل متعلّق بما دلّت عليه الجملة،فهو بخلاف«أعطيت»في هذا.(5:171)

نحوه الطّبرسيّ.(2:554)

[و قد جاءت الإشارة إلى القراءة و الإعراب في تفاسير أخرى]

يحسبه

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً... النّور:39

الطّبريّ: يظنّ العطشان من النّاس السّراب ماء حَتّى إِذا جاءَهُ و الهاء من ذكر السّراب،و المعنى:حتّى إذا جاء الظّمآن السّراب ملتمسا ماء يستغيث به من عطشه،لم يجده شيئا،يقول:لم يجد السّراب شيئا.

فكذلك الكافرون باللّه من أعمالهم الّتي عملوها في غرور،يحسبون أنّها منجيتهم عند اللّه من عذابه،كما حسب الظّمآن الّذي رأى السّراب،فظنّه ماء يرويه من ظمئه،حتّى إذا هلك و صار إلى الحاجة إلى عمله الّذي كان يرى أنّه نافعه عند اللّه،لم يجده ينفعه شيئا،لأنّه كان عمله على كفر باللّه،و وجد اللّه هذا الكافر عند هلاكه بالمرصاد،فوفّاه يوم القيامة حساب أعماله الّتي عملها في الدّنيا،و جازاه بها جزاءه الّذي يستحقّه عليها منه.

(18:148)

الزّمخشريّ: شبّه ما يعمله من لا يعتقد الإيمان و لا يتّبع الحقّ من الأعمال الصّالحة الّتي يحسبها،تنفعه عند اللّه و تنجيه من عذابه،ثمّ تخيب في العاقبة أمله و يلقى خلاف ما قدّر بسراب يراه الكافر بالسّاهرة،و قد غلبه عطش يوم القيامة،فيحسبه ماء،فيأتيه فلا يجد ما رجاه،و يجد زبانية اللّه عنده يأخذونه فيعتلّونه إلى جهنّم،فيسقونه الحميم و الغسّاق،و هم الّذين قال اللّه فيهم عامِلَةٌ ناصِبَةٌ الغاشية:3، وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً الكهف:104، وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً الفرقان:23.

(3:69)

الطّبرسيّ: أي يظنّه العطشان ماء حَتّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً أي حتّى إذا انتهى إليه رأى أرضا لا ماء فيها،و هو قوله: لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً أي شيئا ممّا حسب و قدّر،فكذلك الكافر يحسب ما قدّم من عمله نافعا و إنّ له عليه ثوابا،و ليس له ثواب.(4:146)

نحوه ابن الجوزيّ.(6:49)

البيضاويّ: و تخصيصه لتشبيه الكافر به في شدّة

ص: 772

الخيبة عند مسيس الحاجة.(2:129)

أبو حيّان :شبّه أوّلا أعمالهم في اضمحلالها و فقدان ثمرتها بسراب،في مكان منخفض ظنّه العطشان ماء، فقصده و أتعب نفسه في الوصول إليه حَتّى إِذا جاءَهُ أي جاء موضعه الّذي تخيّله فيه،لم يجده شيئا،أي فقده،لأنّه مع الدّنوّ لا يرى شيئا،كذلك الكافر يظنّ أنّ عمله في الدّنيا نافعة،حتّى إذا أفضى إلى الآخرة لم ينفعه عمله بل صار وبالا عليه.(6:460)

أبو السّعود : يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً صفة أخرى ل(سراب)و تخصيص الحسبان بالظّمآن مع شموله لكلّ من يراه-كائنا من كان العطشان و الرّيّان-لتكميل التّشبيه،بتحقيق شركة طرفيه في وجه الشّبه الّذي هو المطلع المطمع و المقطع المؤنس.(4:468)

نحوه البروسويّ.(6:162)

الآلوسيّ: صفة أخرى ل(سراب).و جوّز أن يكون هو الصّفة و(بقيعة)ظرفا لما يتعلّق به الكاف و هو الخبر.و الحسبان:الظّنّ على المشهور.و فرّق بينهما الرّاغب:بأنّ الظّنّ أن يخطر النّقيضين بباله و يغلّب أحدهما على الآخر،و الحسبان أن بحكم بأحدهما من غير أن يخطر الآخر بباله،فيعقد عليه الأصبع،و يكون بعرض أن يعتريه فيه شكّ.[ثمّ أدام الكلام نحو أبي السّعود](18:181)

الطّباطبائيّ: شبّه أعمالهم-و هي الّتي يأتون بها من قرابين و أذكار و غيرهما من عباداتهم يتقرّبون بها إلى آلهتهم-بسراب بقيعة يحسبه الإنسان ماء،و لا حقيقة له يترتّب عليها ما يترتّب على الماء من رفع العطش و غير ذلك.

و إنّما قيل: يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً مع أنّ السّراب يتراءى ماء لكلّ راء،لأنّ المطلوب بيان سيره إليه،و لا يسير إليه إلاّ الظّمآن يدفعه إليه ما به من ظماء،و لذلك رتّب عليه قوله: حَتّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً كأنّه قيل:كسراب بقيعة يتخيّله الظّمآن ماء،فيسير إليه و يقبل نحوه،ليرتوي و يرفع عطشه به،و لا يزال يسير حتّى إذا جاءه لم يجده شيئا.

و التّعبير بقوله:(جاءه)دون أن يقال:بلغه أو وصل إليه أو انتهى إليه و نحوها،للإيماء إلى أنّ هناك من يريد مجيئه و ينتظره انتظارا و هو اللّه سبحانه،و لذلك أردفه بقوله: وَ وَجَدَ اللّهَ عِنْدَهُ فَوَفّاهُ حِسابَهُ فأفاد أنّ هؤلاء يريدون بأعمالهم الظّفر بأمر تبعثهم نحوه فطرتهم و جبلّتهم،و هو السّعادة الّتي يريدها كلّ إنسان بفطرته و جبلّته،لكن أعمالهم لا توصلهم إليه،و لا أنّ الآلهة الّتي يبتغون بأعمالهم جزاء حسنا منهم لهم حقيقة،بل الّذي ينتهي إليه أعمالهم و يحيط هو بها و يجزيهم هو اللّه سبحانه،فيوفّيهم حسابهم،و توفية الحساب كناية عن الجزاء بما يستوجبه حساب الأعمال،و إيصال ما يستحقّه صاحب الأعمال.

ففي الآية تشبيه أعمالهم بالسّراب،و تشبيههم بالظّمآن الّذي يريد الماء و عنده عذب الماء،لكنّه يعرض عنه و لا يصغي إلى مولاه الّذي ينصحه و يدعوه إلى شربه،بل يحسب السّراب ماء فيسير إليه و يقبل نحوه،و تشبيه مصيرهم إلى اللّه سبحانه بحلول الآجال، و عند ذلك تمام الأعمال بالظّمآن السّائر إلى السّراب إذا

ص: 773

جاءه،و عنده مولاه الّذي كان ينصحه و يدعوه إلى شرب الماء.

فهؤلاء قوم ألهوا عن ذكر ربّهم و الأعمال الصّالحة الهادية إلى نوره و فيه سعادتهم،و حسبوا أنّ سعادتهم عند غيره من الآلهة الّذين يدعونهم،و الأعمال المقرّبة إليهم و فيها سعادتهم،فأكبّوا على تلك الأعمال السّرابيّة،و استوفوا ما يمكنهم أن يأتوا بها مدّة أعمارهم، حتّى حلّت آجالهم و شارفوا الدّار الآخرة،فلم يجدوا شيئا ممّا يؤمّلونه من أعمالهم،و لا أثرا من ألوهيّة آلهتهم،فوفّاهم اللّه حسابهم،و اللّه سريع الحساب.

(15:130)

يحسبهم

لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ.

البقرة:273

ابن عبّاس: لا يعرفهم.(39)

الفارسيّ: اختلفوا في كسر السّين و فتحها من قوله عزّ و جلّ:(يحسبهم)و(تحسبنّ)آل عمران:169، فقرأ ابن كثير و نافع و أبو عمرو و الكسائيّ (يحسبهم) (تحسبنّ) بكسر السّين في كلّ القرآن،و قرأ ابن عامر و عاصم و حمزة (يحسبهم) و (تحسبنّ) بفتح السّين في كلّ القرآن.

و قال هبيرة عن حفص أنّه كان يفتح ثمّ رجع إلى الكسر[إلى أن قال:]

القراءة ب(تحسب)بفتح السّين أقيس،لأنّ الماضي إذا كان على«فعل»نحو حسب،كان المضارع على «يفعل»مثل:فرق يفرق،و شرب يشرب،و شذّ «يحسب»فجاء على«يفعل»في حروف أخر.و الكسر حسن لمجيء السّمع به،و إن كان شاذّا عن القياس.

(2:402)

الطّوسيّ: (يحسبهم)بفتح السّين و كسرها لغتان، و معناه يظنّهم و لا يعرف حالهم.(2:356)

نحوه الطّبرسيّ.(1:387)

أبو حيّان :[نحو الفارسيّ و أضاف:]

و المعنى أنّهم لفرط انقباضهم و ترك المسألة،و اعتماد التّوكّل على اللّه تعالى يحسبهم من جهل أحوالهم أغنياء.

و(من)سببيّة،أي الحامل على حسبانهم أغنياء هو تعفّفهم،لأنّ عادة من كان غنيّ مال أن يتعفّف و لا يسأل و يتعلّق ب(يحسبهم).(2:328)

يحسبون

1- فَرِيقاً هَدى وَ فَرِيقاً حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلالَةُ إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللّهِ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ. الأعراف:30

الطّبريّ: إنّ الفريق الّذي حقّ عليهم الضّلالة،إنّما ضلّوا عن سبيل اللّه،و جاروا عن قصد المحجّة،باتّخاذهم الشّياطين نصراء من دون اللّه و ظهراء،جهلا منهم بخطإ ما هم عليه من ذلك،بل فعلوا ذلك و هم يظنّون أنّهم على هدى و حقّ،و أنّ الصّواب ما أتوه و ركبوا.

و هذا من أبين الدّلالة على خطإ قول من زعم أنّ اللّه لا يعذّب أحدا على معصية ركبها،أو ضلالة اعتقدها،إلاّ

ص: 774

أن يأتيها بعد علم منه بصواب وجهها،فيركبها عنادا منه لربّه فيها،لأنّ ذلك لو كان كذلك،لم يكن بين فريق الضّلالة الّذي ضلّ،و هو يحسب أنّه هاد،و فريق الهدى فرق،و قد فرّق اللّه بين أسمائهما و أحكامهما في هذه الآية.

(8:159)

الطّوسيّ: يعني هؤلاء الكفّار يظنّون أنّهم مهتدون.

و الحسبان و الظّنّ واحد،و هو ما قوي عند الظّانّ كون المظنون على ما ظنّه مع تجويزه أن يكون على غيره، فبالقوّة يتميّز من اعتقاد التّقليد و التّخمين،و بالتّجويز يتميّز من العلم،لأنّ مع العلم القطع.(4:415)

البغويّ: فيه دليل على أنّ الكافر الّذي يظنّ أنّه في دينه على الحقّ و الجاحد و المعاند سواء،و لا نفع له بظنّه.

(2:188)

نحوه الميبديّ(3:596)،و الخازن(2:184).

الفخر الرّازيّ: كلّ من شرع في باطل،فهو يستحقّ الذّمّ و العذاب،سواء حسب كونه حقّا،أو لم يحسب ذلك.و هذه الآية تدلّ على أنّ مجرّد الظّنّ و الحسبان لا يكفي في صحّة الدّين،بل لا بدّ فيه من الجزم و القطع و اليقين،لأنّه تعالى عاب الكفّار بأنّهم يحسبون كونهم مهتدين،و لو لا أنّ هذا الحسبان مذموم،و إلاّ لما ذمّهم بذلك و اللّه أعلم.(14:60)

نحوه البروسويّ.(3:153)

البيضاويّ: يدلّ على أنّ الكافر المخطئ و المعاند سواء في استحقاق الذّمّ،و للفارق أن يحمله على المقصّر في النّظر.(1:346)

مثله أبو السّعود.(2:489)

المراغيّ: أي إنّهم حين أطاعوا الشّياطين فيما زيّنوا لهم من الفواحش و المنكرات،فكأنّهم ولّوهم أمورهم من دون اللّه الّذي يأمر بالعدل و الإحسان، و ينهى عن الفحشاء و المنكر،و هم مع عملهم هذا يحسبون أنّهم مهتدون فيما تلقّنهم الشّياطين من الشّبهات،كجعل التّوجّه إلى غير اللّه و التّوسّل إليه في الدّعاء ممّا يقرّبهم إلى اللّه زلفى،قياسا على الملوك الجاهلين الّذين لا يقبلون الصّفح عن مذنب إلاّ بوساطة بعض المقرّبين عنده.

و الكثير من أهل الضّلال يحسبون أنّهم مهتدون، و هم ما بين كافر جحود للحقّ كبرا و عنادا كأعداء الرّسل في عصورهم و حاسديهم على ما آتاهم اللّه من فضله،كما حكى سبحانه عن فرعون و ملئه وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا النّمل:14، و كالكبراء من قريش أمثال أبي جهل و الوليد بن المغيرة و النّضر بن الحارث في جميع كثير منهم و هم الّذين قال اللّه فيهم: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ الأنعام:33،و هؤلاء هم الأقلّون عددا و كافر بالتّقليد و اتّباع نزغات الشّيطان،أو باتّباع الآراء الخاطئة و النّظريّات الفاسدة،و هم الّذين قال اللّه فيهم: قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً* اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً الكهف:103،104،و هؤلاء هم جمهرة النّاس في جميع الأمم.

و ذهب كثير من العلماء إلى أنّ من بذل جهده في البحث و النّظر في الحقّ،ثمّ اتّبع ما ظهر له أنّه الحقّ بحسب

ص: 775

ما وصلت إليه طاقته،و كان مخالفا في شيء منه لما جاءت به الرّسل-لا يدخل في مدلول هذه الآية و نحوها،بل يكون معذورا عند اللّه،لقوله تعالى:

لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها البقرة:286.

(8:131)

2- اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً. الكهف:104

راجع«ض ل ل-ضلّ»

3- أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِينَ

المؤمنون:55

لاحظ«م د د-نمدّهم»

4- وَ إِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ. الزّخرف:37

الطّبريّ: و يظنّ المشركون باللّه بتحسين الشّياطين لهم ما هم عليه من الضّلالة،أنّهم على الحقّ و الصّواب، يخبر تعالى ذكره عنهم،أنّهم من الّذي هم عليه من الشّرك على شكّ،و على غير بصيرة.(25:73)

الزّجّاج: أي الشّياطين تصدّهم عن السّبيل، و يحسب الكفّار أنّهم مهتدون.(4:412)

الطّباطبائيّ: و هذا أعني حسبانهم أنّهم مهتدون عند انصدادهم عن سبيل الحقّ أمارة تقييض القرين، و دخولهم تحت ولاية الشّيطان،فإنّ الإنسان بطبعه الأوّليّ مفطور على الميل إلى الحقّ و معرفته إذا عرض عليه،ثمّ إذا عرض عليه فأعرض عنه اتّباعا للهوى و دام عليه،طبع اللّه على قلبه و أعمى بصره و قيّض له القرين،فلم ير الحقّ الّذي تراءى له،و طبّق الحقّ الّذي يميل إليه بالفطرة على الباطل الّذي يدعوه إليه الشّيطان، فيحسب أنّه مهتد و هو ضالّ،و يخيّل إليه أنّه على الحقّ، و هو على الباطل.

و هذا هو الغطاء الّذي يذكر تعالى أنّه مضروب عليهم في الدّنيا،و أنّه سينكشف عنهم يوم القيامة،قال تعالى: اَلَّذِينَ كانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطاءٍ عَنْ ذِكْرِي - إلى أن قال- وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً الكهف:101-104.و قال فيما يخاطبه يوم القيامة و معه قرينه: لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هذا فَكَشَفْنا عَنْكَ غِطاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ -إلى أن قال:- قالَ قَرِينُهُ رَبَّنا ما أَطْغَيْتُهُ وَ لكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ ق:22 -27.

(18:102)

5- يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ.... المجادلة:18

ابن زيد :ظنّوا أنّهم ينفعهم في الآخرة.

(القرطبيّ 17:305)

الطّبريّ: و يظنّون أنّهم في أيمانهم و حلفهم باللّه كاذبين،على شيء من الحقّ(28:25)

الزّمخشريّ: وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ من النّفع،يعني ليس العجب من حلفهم لكم فإنّكم بشر تخفى عليكم السّرائر،و أنّ لهم نفعا في ذلك دفعا عن أرواحهم و استجرار فوائد دنيويّة،و أنّهم يفعلونه في دار لا يضطرّون فيها إلى علم ما يوعدون.و لكنّ العجب

ص: 776

من حلفهم للّه عالم الغيب و الشّهادة مع عدم النّفع و الاضطرار إلى علم ما أنذرتهم الرّسل،و المراد:وصفهم بالتّوغّل في نفاقهم و مرونهم عليه،و أنّ ذلك بعد موتهم و بعثهم باق فيهم لا يضمحلّ.(4:78)

القرطبيّ: بإنكارهم و حلفهم.و قيل:(و يحسبون) في الدّنيا أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ لأنّهم في الآخرة يعلمون الحقّ باضطرار،و الأوّل أظهر.(17:305)

الطّباطبائيّ: أي مستقرّون على شيء و يصلح أن يستقرّ عليه و يتمكّن فيه،فيمكنهم السّتر على الحقّ و المنع عن ظهور كذبهم،بمثل الإنكار و الحلف الكاذب.

فيمكن أن يكون قيدا لقوله: كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ، فيكون إشارة إلى وصفهم في الدّنيا،و أنّهم يحسبون أنّ حلفهم لكم ينفعهم و يرضيكم،و يكون قوله: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ قضاء منه تعالى في حقّهم،بأنّهم كاذبون،فلا يصغى إلى ما يهذون به و لا يعتنى بما يحلفون به.

و يمكن أن يكون قيدا لقوله: فَيَحْلِفُونَ لَهُ فيكون من قبيل ظهور الملكات يومئذ،كما تقدّم في معنى حلفهم آنفا،و يكون قوله: أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ حكما منه تعالى بكذبهم يوم القيامة أو مطلقا.(19:194)

6- ...وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ... المنافقون:4

السّدّيّ: إذا نادى مناد في العسكر:أن انفلتت دابّة،أو أنشدت ضالّة،ظنّوا أنّهم هم المرادون،لما في قلوبهم من الرّعب.(454)

عبد الرّحمن بن أبي حاتم:يحسبون كلّ صيحة يسمعونها في المسجد أنّها عليهم،و أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قد أمر بقتلهم،فهم أبدا و جلون.(الماورديّ 6:15)

الماورديّ: كلام ضميره فيه،و لا يفتقر إلى ما بعده،و تقديره:يحسبون كلّ صيحة عليهم أنّهم قد فطن بهم و علم،فقال: هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ. (6:15)

الطّوسيّ: أي يظنّون أنّها مهلكتهم،و أنّهم المقصودون بها جبنا و خورا.(10:12)

الواحديّ: لا يسمعون صوتا إلاّ ظنّوا أنّهم قد أوتوا.[ثمّ أدام الكلام نحو السّدّيّ](4:303)

أبو السّعود :أيّ واقعة عليهم ضارّة لهم،لجبنهم و استقرار الرّعب في قلوبهم.و قيل:كانوا على وجل من أن ينزل اللّه فيهم ما يهتك أستارهم و يبيح دماءهم و أموالهم.(6:252)

نحوه الآلوسيّ.(28:111)

الطّباطبائيّ: ذمّ آخر لهم،أي إنّهم لإبطانهم الكفر و كتمانهم ذلك من المؤمنين،يعيشون على خوف و وجل و وحشة،يخافون ظهور أمرهم و اطّلاع النّاس على باطنهم،و يظنّون أنّ كلّ صيحة سمعوها فهي كائنة عليهم.و أنّهم المقصودون بها.(19:281)

لا تحسبنّ

1- وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ... آل عمران:169

لاحظ«ق ت ل-قتلوا»

2- لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا...

آل عمران:188

ص: 777

لاحظ«ف ر ح-يفرحون»

3- وَ لا تَحْسَبَنَّ اللّهَ غافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ....

إبراهيم:42

الطّبريّ: و لا تحسبنّ اللّه يا محمّد غافلا،ساهيا عمّا يعمل هؤلاء المشركون من قومك،بل هو عالم بهم و بأعمالهم،محصيها عليهم،ليجزيهم جزاءهم في الحين الّذي قد سبق في علمه،أنّه يجزيهم فيه.(13:236)

الأزهريّ: و قرئ قول اللّه تعالى: (و لا تحسبنّ) ، و ليس في باب السّالم حرف على فعل يفعل بكسر العين في الماضي و الغابر غير حسب يحسب،و نعم ينعم.

(4:331)

الطّوسيّ: هذا خطاب للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله نهاه اللّه تعالى، و المراد به الأمّة أن يظنّ أنّ اللّه غافل عن أعمال الظّالمين، و مهمل لأمورهم.(6:303)

الزّمخشريّ: فإن قلت:يتعالى اللّه عن السّهو و الغفلة،فكيف يحسبه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و هو أعلم النّاس به غافلا حتّى قيل: وَ لا تَحْسَبَنَّ اللّهَ غافِلاً؟

قلت:إن كان خطابا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ففيه وجهان:

أحدهما:التّثبيت على ما كان عليه من أنّه لا يحسب اللّه غافلا،كقوله: وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الأنعام:14، وَ لا تَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ القصص:88، كما جاء في الأمر يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا آمِنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ النّساء:136.

و الثّاني:أنّ المراد بالنّهي عن حسبانه غافلا:

الإيذان بأنّه عالم بما يفعل الظّالمون،لا يخفى عليه منه شيء،و أنّه معاقبهم على قليله و كثيره،على سبيل الوعيد و التّهديد،كقوله: وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ النّور:28،يريد الوعيد.

و يجوز أن يراد:و لا تحسبنّه يعاملهم معاملة الغافل عمّا يعملون.و لكن معاملة الرّقيب عليهم المحاسب على النّقير و القطمير.و إن كان خطابا لغيره،ممّن يجوز أن يحسبه غافلا لجهله بصفاته،فلا سؤال فيه.(2:382)

نحوه الفخر الرّازيّ(19:140)،و البيضاويّ (1:534)،و النّسفيّ(3:265)،و الشّربينيّ(2:188).

ابن عطيّة: هذه الآية بجملتها فيها وعيد للظّالمين، و تسلية للمظلومين،و الخطاب بقوله:(تحسبنّ) لمحمّد عليه السّلام،و المراد بالنّهي غيره ممّن يليق به أن يحسب مثل هذا.

و قرأ طلحة بن مصرّف (و لا تحسب اللّه غافلا) بإسقاط النّون،و كذلك (و لا تحسب اللّه مخلف وعده) إبراهيم:47.(3:343)

القرطبيّ: و هذا تسلية للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،بعد أن أعجبه من أفعال المشركين و مخالفتهم دين إبراهيم،أي اصبر كما صبر إبراهيم،و أعلم المشركين أنّ تأخير العذاب ليس للرّضا بأفعالهم،بل سنّة اللّه إمهال العصاة مدّة.

(9:376)

أبو حيّان :الخطاب بقوله:(و لا تحسبنّ)للسّامع الّذي يمكن منه حسبان مثل هذا،لجهله بصفات اللّه، لا للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،فإنّه مستحيل ذلك في حقّه،و في هذه الآية وعيد عظيم للظّالمين،و تسلية للمظلومين.[ثمّ أدام نحو الزّمخشريّ](5:435)

ص: 778

أبو السّعود:خطاب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلم،و المراد تثبيته على ما كان عليه من عدم حسبانه عزّ و جلّ كذلك،نحو قوله: وَ لا تَكُونَنَّ مِنَ الْمُشْرِكِينَ الأنعام:14، و نظائره،مع ما فيه من الإيذان بكونه واجب الاحتراز عنه في الغاية،حتّى نهى عنه من لا يمكن تعاطيه،أو نهيه عليه السّلام عن حسبانه تعالى،تاركا لعقابهم على طريقة العفو.

و التّعبير عنه بذلك للمبالغة في النّهي،و الايذان بأنّ ذلك الحسبان بمنزلة حسبانه تعالى غافلا عن أعمالهم؛إذ العلم بذلك مستوجب لعقابهم لا محالة،فتركه لو كان، لكان للغفلة عمّا يوجبه من أعمالهم الخبيثة.

و فيه تسلية لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و وعد له أكيد،و وعيد للكفرة و سائر الظّالمين شديد،أو لكلّ أحد ممّن يستعجل عذابهم،أو يتوهّم إهمالهم للجهل بصفاته تعالى و الاغترار بإمهاله.

و قيل:معناه لا تحسبنّه تعالى يعاملهم معاملة الغافل عمّا عملوا،بل معاملة من يحافظ على أعمالهم و يجازيهم بذلك نقيرا و قطميرا.(3:496)

نحوه البروسويّ(4:431)،و الآلوسيّ(13:244).

4- فَلا تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ....

إبراهيم:47

راجع«خ ل ف-مخلف»و«و ع د-وعده»

5- لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ... النّور:57

راجع«ع ج ز-معجزين».

لا تحسبنّهم

لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ. آل عمران:188

الزّجّاج: هؤلاء قوم من أهل الكتاب دخلوا على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و خرجوا من عنده،فذكروا لمن كان رآهم في ذلك الوقت:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قد أتاهم بأشياء قد عرفوها، فحمدهم من شاهدهم من المسلمين على ذلك،و أبطنوا خلاف ما أظهروا،و أقاموا بعد ذلك على الكفر،فأعلم اللّه عزّ و جلّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أمرهم،و أعلمه أنّهم ليسوا بمفازة من العذاب،أي ليسوا ببعد من العذاب.

و وقعت فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ مكرّرة لطول القصّة، و العرب تعيد إذا طالت القصّة في«حسبت»و ما أشبهها، إعلاما أنّ الّذي جرى متّصل بالأوّل،و توكيدا للأوّل، فنقول:لا تظنّنّ زيدا إذا جاءك و كلّمك بكذا و كذا فلا تظنّنه صادقا،تعيد:فلا تظنّنّ توكيدا.و لو قلت:لا تظنّ زيدا إذا جاءك و حدّثك بكذا و كذا صادقا جاز،و لكنّ التّكرير أوكد و أوضح للقصّة.(1:497)

الطّوسيّ: قرأ أهل الكوفة و يعقوب (لا تحسبنّ) بالتّاء و فتح الباء،و قرأ ابن كثير و أبو عمرو بالياء،و ضمّ الباء،الباقون بالياء و فتح الباء.

و(تحسبنّهم)الأخير بالتّاء بلا خلاف.

قال أبو عليّ: من قرأ بالياء:لم يوقع(يحسبنّ)على شيء،(و الّذين)رفع بأنّه فاعل(لا تحسبنّ).قال:

و وجه قراءة ابن كثير و أبي عمرو في أن لم يعدّيا(حسبت) إلى مفعوليه أنّ(يحسب)في قوله: فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ

ص: 779

بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ لمّا جعل بدلا من الأوّل و عدّي إلى مفعوليه،استغني بها في تعدية الأوّل إليهما،كما استغني في قول الشّاعر:

بأيّ كتاب أم بأيّة سنّة

ترى حبّهم عارا عليّ و تحسب

فاكتفى بتعدية أحد الفعلين إلى المفعولين عن تعدية الآخر إليهما.

فإن قال قائل:كيف يستقيم تقدير البدل،و قد دخل الفاء بينهما،و لا يدخل بين البدل و المبدل منه الفاء؟

و الجواب:أنّ الفاء زائدة،يدلّك على ذلك أنّها لا يجوز أن تكون الّتي تدخل على الخبر،لأنّ ما قبل الفاء ليس بمبتدإ،فتكون الفاء خبره،و لا تكون العاطفة،لأنّ المعنى:لا تحسبنّ الّذين يفرحون بما أتوا و يحبّون أنفسهم بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ فإذا كان ذلك لم يجز تقدير العطف،لأنّ الكلام لم يستقلّ بعد،فيستقيم فيه تقدير العطف.

و أمّا قوله: فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ فإنّ فعل الفاعل الّذي هو يحسبون تعدّى إلى ضميره،و حذفت واو الضّمير لدخول النّون الثّقيلة.و قوله: بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ في موضع المفعول الثّاني،و فيه ذكر المفعول الأوّل.و فعل الفاعل في هذا الباب يتعدّى إلى ضمير نفسه نحو ظننتني أخاه،لأنّ هذه الأفعال لمّا كانت تدخل على الابتداء و الخبر أشبهت«إنّ»و أخواتها في دخولهنّ على الابتداء و الخبر،كدخول هذه الأفعال عليهما،و ذلك نحو قولك:

ظننتني ذاهبا،كما تقول:إنّي ذاهب،و لو قلت:أظنّ نفسي تفعل،لم يجز،كما يجوز:أظننتني فاعلا.

و قال أبو سعيد الخدريّ،و أبو وهب،و الزّجّاج:

المعنيّ بهذه الآية قوم من أهل الكتاب دخلوا على النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.[و ذكر نحو الزّجّاج ثمّ قال:]

و قوله: وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا قال البلخيّ:إنّهم قالوا: نَحْنُ أَبْناءُ اللّهِ وَ أَحِبّاؤُهُ المائدة:

18،و أهل الصّوم و الصّلاة،و ليسوا بأولياء اللّه،و لا أحبّاؤه،و لا أهل الصّلاة و الصّيام،و لكنّهم أهل شرك و نفاق.و هو المرويّ عن أبي جعفر عليه السّلام.

و قال قوم: يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا على أنّهم أبطلوا أمر محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و كذّبوا ما أبطلوه،و لا لهم قدرة على ذلك.

و روي عن ابن عبّاس،و سعيد:أنّ الآية نزلت في اليهود؛حيث كانوا يفرحون بإجلال النّاس لهم و نسبهم إيّاهم إلى العلم.و قال الضّحّاك،و السّدّيّ:نزلت في اليهود حيث فرحوا بما أثبتوا من تكذيب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.

و قال سعيد بن جبير:فرحوا بما أتى اللّه آل إبراهيم.و قال ابن عبّاس:إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله سألهم عن شيء،فكتموه ففرحوا بكتمانهم.

و أقوى هذه الأقوال أن يكون قوله: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ يعني بها من أخبر اللّه عنهم أنّه أخذ ميثاقهم،ليبيّننّ للنّاس أمر محمّد صلّى اللّه عليه و آله،و لا يكتمونه، لأنّ قوله: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ في سياق الخبر عنهم،و شبيه بقصّتهم مع أنّ أكثر أهل التّأويل عليه.

و قال الجبّائيّ: الآية في المنافقين،لأنّهم كانوا يعطون المؤمنين شيئا يستعينون به على الجهاد،لا على

ص: 780

وجه القربة إلى اللّه بل على وجه الرّياء و يفرحون بذلك، و يريدون مع ذلك أن يحمدوا على ذلك،و يعتقد أنّهم فعلوه لوجه القربة،فقال: لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا بمنزلة المؤمنين الّذين يفعلون الأفعال للّه على وجه القربة إليه.

و قال: (فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ) مع ذلك بمنجاة (مِنَ الْعَذابِ) بل (لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ) يعني مؤلم فحسبان الثّاني متعلّق بغير ما تعلّق به الأوّل،فلذلك كرّر.

فإن قيل:أين خبر(لا تحسبنّ)الأولى؟قلنا:عنه جوابان:

أحدهما(بمفازة من العذاب)،لأنّها مكرّرة لطول الكلام.و قيل:الفاء زائدة على هذا،و هو قول الزّجّاج.

و الثّاني:أنّ الخبر محذوف،كأنّه قال:ناجين،و دلّ الخبر الأخير عليه.فإن قيل:كيف يجوز أن يذمّ بالفرح و ليس من فعل الإنسان؟قلنا:ذمّ بالتّعرّض له على جهة الأشر و البطر،كما قال: لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ القصص:77.(3:75)

نحوه ابن عطيّة(1:553)،و الطّبرسيّ(1:553)، و القرطبيّ(4:307)،و أبو حيّان(3:137).

الزّمخشريّ: (لا تحسبنّ)خطاب لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و أحد المفعولين اَلَّذِينَ يَفْرَحُونَ و الثّاني(بمفازة) و قوله:(فلا تحسبنّهم)تأكيد،تقديره:لا تحسبنّهم فلا تحسبنّهم فائزين.

و قرئ (لا تحسبنّ) (فلا تحسبنّهم) بضمّ الباء على خطاب المؤمنين، (و لا يحسبنّ) (فلا يحسبنّهم) بالياء و فتح الباء فيهما،على أنّ الفعل للرّسول.

و قرأ أبو عمرو بالياء و فتح الباء في الأوّل و ضمّها في الثّاني،على أنّ الفعل ل (الَّذِينَ يَفْرَحُونَ) و المفعول الأوّل محذوف على(فلا تحسبنّهم الّذين يفرحون بمفازة)بمعنى:

لا يحسبنّ أنفسهم الّذين يفرحون فائزين،و (فلا يحسبنّهم) تأكيد.(1:486)

نحوه أبو السّعود.(2:78)

تحسبها

وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ. النّمل:88

لاحظ«ج ب ل-الجبال»

تحسبهم

1- وَ تَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَ هُمْ رُقُودٌ... الكهف:18

لاحظ«ي ق ظ-ايقاظا».

2- ...تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَ قُلُوبُهُمْ شَتّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ. الحشر:14

راجع«ش ت ت -شتّى»

تحسبونه

إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَ تَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اللّهِ عَظِيمٌ.

النّور:15

الطّبريّ: و تظنّون أنّ قولكم ذلك و روايتكموه بألسنتكم،و تلقّيكموه بعضكم عن بعض،هيّن سهل، لا إثم عليكم فيه و لا حرج.(18:99)

ص: 781

الطّوسيّ: أي تظنّونه حقيرا هو عند اللّه عظيم، لأنّه كذب و افتراء.(7:417)

نحوه الزّمخشريّ.(3:54)

الواحديّ: تظنّون أنّ ذلك القذف سهل لا إثم فيه.

(3:311)

مثله البغويّ(3:394)،و نحوه الطّبرسيّ(4:132).

الفخر الرّازيّ: نبّه بقوله: وَ تَحْسَبُونَهُ هَيِّناً على أنّ عظم المعصية لا يختلف بظنّ فاعلها و حسبانه،بل ربّما كان ذلك مؤكّدا لعظمها من حيث جهل كونها عظيما.(23:179)

تحسبوه

وَ إِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَ ما هُوَ مِنَ الْكِتابِ...

آل عمران:78

ابن عبّاس: لكي تظنّه السّفلة أنّه(من الكتاب...).(50)

الطّبريّ: يعني لتظنّوا أنّ الّذي يحرّفونه لكلامهم من كتاب اللّه و تنزيله.(3:323)

نحوه الواحديّ(1:455)،و البغويّ(1:462).

الزّجّاج: و(لتحسبوه)بكسر السّين و فتحها، يقال:حسب يحسب و يحسب،جميعا.(1:435)

الطّوسيّ: معناه لتظنّوه.و الفرق بين حسبت و زعمت:أنّ«زعمت»يحتمل أن يكون يقينا أو ظنّا، و«حسبت»لا يحتمل اليقين أصلا.(2:509)

نحوه الطّبرسيّ.(1:465)

الزّمخشريّ: فإن قلت:إلام يرجع الضّمير في (لتحسبوه)؟

قلت:إلى ما دلّ عليه يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ و هو المحرّف.و يجوز أن يراد يعطفون ألسنتهم بشبه الكتاب،لتحسبوا ذلك الشّبه من الكتاب.

و قرئ (ليحسبوه) بالياء،بمعنى يفعلون ذلك ليحسبه المسلمون من الكتاب.(1:439)

نحوه البيضاويّ(1:168)،و النّسفيّ(1:165)، و النّيسابوريّ(3:232)،و أبو حيّان(2:503)

حاسبين

...وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ. الأنبياء:47

ابن عبّاس: حافظين و عالمين.(272)

السّدّيّ: أي محصين.(352)

الطّبريّ: و حسب من شهد ذلك الموقف بنا حاسبين،لأنّه لا أحد أعلم بأعمالهم،و ما سلف في الدّنيا من صالح أو سيّئ،منّا.(17:34)

مثله القاسميّ(11:4277)،و المراغيّ(17:40).

الزّجّاج: منصوب على وجهين،على التّمييز، و على الحال.(3:394)

الطّوسيّ: أي و كفى المطيع أو العاصي بمجازاة اللّه و حسبه ذلك،و في ذلك غاية التّهديد،لأنّه إذا كان الّذي يتولّى الحساب لا يخفى عليه قليل و لا كثير،كان أعظم.

(7:254)

الواحديّ: و الحسب معناه:العدّ.و قال ابن عبّاس:

عالمين حافظين؛و ذلك أنّ من حسب شيئا:علمه و حفظه.(3:240)

ص: 782

نحوه البغويّ(3:291)،و النّسفيّ(3:80)، و الطّبرسيّ(4:51).

الميبديّ: أي محصلين (1).و قيل:عالمين حافظين،لأنّ من حسب شيئا:علمه و حفظه.

(6:253)

الفخر الرّازيّ: فالغرض منه التّحذير،فإنّ المحاسب إذا كان في العلم بحيث لا يمكن أن يشتبه عليه شيء،و في القدرة بحيث لا يعجز عن شيء،حقيق بالعاقل أن يكون في أشدّ الخوف منه.(22:177)

نحوه الخازن.(4:240)

البيضاويّ: إذ لا مزيد على علمنا و عدلنا.

(2:74)

مثله أبو السّعود(4:341)،و البروسويّ(5:486).

أبو حيّان :فيه توعّد،و هو إشارة إلى ضبط أعمالهم من الحساب،و هو العدّ و الإحصاء،و المعنى أنّه لا يغيب عنّا شيء من أعمالهم.

و قيل:هو كناية عن المجازاة.و الظّاهر أنّ(حاسبين) تمييز،لقبوله«من»و يجوز أن يكون حالا.(6:316)

الشّربينيّ: أي محصين في كلّ شيء،فلا يكون في الحساب أحد مثلنا.ففيه توعّد من جهة أنّ معناه أن لا يروّج عليه شيء من خداع،و لا يقبل غلطا و لا يضلّ و لا ينسى،إلى غير ذلك من كلّ ما يلزم منه نوع لبس و شوب منقص،و وعد من جهة أنّه مطّلع على حسن قصد و إن دقّ و خفى.(2:507)

مغنيّة:لا نشتبه بشيء و لا يفوتنا شيء مهما بلغ العدد،قال الملاّ صدرا في كتاب«الأسفار»:«في قدرة اللّه أن يكشف للخلائق جميع أعمالهم،و ميزان حسناتهم و سيّئاتهم،و ثوابها و عقابها في لحظة واحدة،و هو أسرع الحاسبين».و لو تنبّه لهذه الآية من يحاول تطبيق القرآن على العلم الحديث،لقال:إنّ المصدر الأوّل لفكرة العقل الإلكترونيّ هو القرآن.انظر القرآن و العلم الحديث في أوّل سورة البقرة.(5:281)

عبد الكريم الخطيب :إشارة إلى عدل اللّه سبحانه و تعالى و إلى ضبطه لأعمال النّاس،و محاسبتهم عليها،دون أن يفلت أحد من هذا الحساب،أو يقع في حسابه خطأ،و لو كان مثقال حبّة من خردل،فسبحان من وسع كلّ شيء علما.(9:907)

الحاسبين

ثُمَّ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ. الأنعام:62

ابن عبّاس: إذا حاسب فحسابه سريع.(111)

مثله الواحديّ.(2:282)

الطّبريّ: هو أسرع من حسب عددكم و أعمالكم و آجالكم،و غير ذلك من أموركم أيّها النّاس،و أحصاها و عرف مقاديرها و مبالغها،لأنّه لا يحسب بعقد يد، و لكنّه يعلم ذلك،و لا يخفى عليه منه خافية،و لا يعزب عنه مثقال ذرّة في السّماوات و لا في الأرض،و لا أصغر من ذلك و لا أكبر،إلاّ في كتاب مبين.(7:218)

الماورديّ: يحتمل وجهين:

ص: 783


1- كذا،و الظّاهر«محصين»من الإحصاء،كما حاء عن السّدّيّ و الشّربينيّ.

أحدهما:يعني سرعة الحكم بين العباد لتعجيل الفصل،و عبّر عن الحكم بالحساب من تحقيق المستوفي بهما من قليل و كثير.

و الثّاني:و هو الظّاهر أنّه أراد سرعة محاسبة العباد على أعمالهم.

و يحتمل مراده بسرعة حسابه وجهين:

أحدهما:إظهار قدرته بتعجيل ما يعجز عنه غيره.

و الثّاني:أنّه يبيّن به تعجيل ما يستحقّ عليه من ثواب،و تعجيل ما يستحقّ على غيره من عقاب،جمعا بين إنصافه و انتصافه.(2:125)

الطّوسيّ: روي أنّه تعالى يحاسب عباده على مقدار حلب شاة؛و ذلك يدلّ على أنّه لا يحتاج أن يكلّفهم مشقّة و آلة على ما يقوله المشبّهة،لأنّه لو كان كذلك لاحتاج أن يتطاول زمان محاسبته،أو أنّه يشغله محاسبته عن محاسبة غيره.و روي عن أمير المؤمنين عليه السّلام أنّه قيل له:كيف يحاسب اللّه الخلق و هم لا يرونه؟قال:

كما يرزقهم و لا يرونه.

و المعنى في الآية أنّه تعالى أحصى الحاسبين لما أحصى الملائكة و توفّوا من الأنفس،لا يخفى عليه من ذلك خافية،و لا يحتاج في عدّه إلى فكر و نظر.

(4:172)

نحوه الطّبرسيّ.(2:313)

البغويّ: أي إذا حاسب فحسابه سريع،لأنّه لا يحتاج إلى فكرة و رويّة و عقد يد.(2:130)

نحوه القرطبيّ(7:7)،و الخازن(2:118)، و الشّربينيّ(1:426).

الميبديّ: [نحو البغويّ و أضاف:]

و حسابه أسرع من لمح البصر.(3:382)

الزّمخشريّ: لا يشغله حساب عن حساب.

(2:25)

ابن عطيّة: متوجّه على أنّ اللّه عزّ و جلّ حسابه لعبيده صادر عن علمه بهم،فلا يحتاج في ذلك إلى إعداد،و لا تكلّف سبحانه لا ربّ غيره.(2:301)

الفخر الرّازيّ: احتجّ الجبّائيّ بهذه الآية على حدوث كلام اللّه تعالى،قال:لو كان كلامه قديما لوجب أن يكون متكلّما بالمحاسبة الآن،و قبل خلقه.و ذلك محال،لأنّ المحاسبة تقتضي حكاية عمل تقدّم،و أصحابنا عارضوه بالعلم،فإنّه تعالى كان قبل الخلق عالما بأنّه سيوجد،و بعد وجوده صار عالما بأنّه قبل ذلك وجد، فلم يلزم منه تغيّر العلم،فلم لا يجوز مثله في الكلام؟ و اللّه أعلم.

اختلفوا في كيفيّة هذا الحساب،فمنهم من قال:إنّه تعالى يحاسب الخلق بنفسه دفعة واحدة،لا يشغله كلام عن كلام،و منهم من قال:بل يأمر الملائكة حتّى أن كلّ واحد من الملائكة يحاسب واحدا من العباد،لأنّه تعالى لو حاسب الكفّار بنفسه لتكلّم معهم،و ذلك باطل،لقوله تعالى في صفة الكفّار:(و لا يكلّمهم)و أمّا الحكماء فلهم كلام في تفسير هذا الحساب،و هو أنّه إنّما يتخلّص بتقديم مقدّمتين:

فالمقدّمة الأولى:أنّ كثرة الأفعال و تكرّرها توجب حدوث الملكات الرّاسخة القويّة الثّابتة،و الاستقراء التّامّ يكشف عن صحّة ما ذكرناه.أ لا ترى أنّ كلّ من

ص: 784

كانت مواظبته على عمل من الأعمال أكثر،كان رسوخ الملكة التّامّة على ذلك العمل منه فيه أقوى!

المقدّمة الثّانية:أنّه لمّا كان تكرّر العمل يوجب حصول الملكة الرّاسخة،وجب أن يكون لكلّ واحد من تلك الأعمال أثر في حصول تلك الملكة،بل كان يجب أن يكون لكلّ جزء من أجزاء العمل الواحد أثر بوجه ما في حصول تلك الملكة،و العقلاء ضربوا لهذا الباب أمثلة:

المثال الأوّل:أنّا لو فرضنا سفينة عظيمة بحيث لو ألقي فيها مائة ألف منّ،فإنّها تغوص في الماء بقدر شبر واحد.فلو لم يلق فيها إلاّ حبّة واحدة من الحنطة،فهذا القدر من إلقاء الجسم الثّقيل في تلك السّفينة يوجب غوصها في الماء بمقدار قليل،و إن قلّت و بلغت في القلّة إلى حيث لا يدركها الحسّ و لا يضبطها الخيال.

المثال الثّاني:أنّه ثبت عند الحكماء أنّ البسائط أشكالها الطّبيعيّة كرات،فسطح الماء يجب أن يكون كرة،و القسيّ المشابهة من الدّوائر المحيطة بالمركز الواحد متفاوتة،فإنّ تحدّب القوس الحاصل من الدّائرة العظمى،يكون أقلّ من تحدّب القوس المشابهة للأولى من الدّائرة الصّغرى.و إذا كان الأمر كذلك فالكوز إذا ملئ من الماء.و وضع تحت الجبل،كانت حدبة سطح ذلك الماء أعظم من حدبته عند ما يوضع الكوز فوق الجبل،و متى كانت الحدبة أعظم و أكثر كان احتمال الماء بالكوز أكثر.فهذا يوجب أنّ احتمال الكوز للماء حال كونه تحت الجبل أكثر من احتماله للماء حال كونه فوق الجبل،إلاّ أنّ هذا القدر من التّفاوت بحيث لا يفي بإدراكه الحسّ و الخيال،لكونه في غاية القلّة.

و المثال الثّالث:أنّ الإنسانين اللّذين يقف أحدهما بالقرب من الآخر،فإنّ رجليهما يكونان أقرب إلى مركز العالم من رأسيهما،لأنّ الأجرام الثّقيلة تنزل من فضاء المحيط إلى ضيق المركز،إلاّ أنّ ذلك القدر من التّفاوت لا يفي بإدراكه الحسّ و الخيال.

فإذا عرفت هذه الأمثلة،و عرفت أنّ كثرة الأفعال توجب حصول الملكات،فنقول:لا فعل من أفعال الخير و الشّرّ بقليل و لا كثير،إلاّ و يفيد حصول أثر في النّفس:

إمّا في السّعادة،و إمّا في الشّقاوة،و عند هذا ينكشف بهذا البرهان القاطع صحّة قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزّلزال:

7،8،و لمّا ثبت أنّ الأفعال توجب حصول الملكات و الأفعال الصّادرة من اليد،فهي المؤثّرة في حصول الملكة المخصوصة،و كذلك الأفعال الصّادرة من الرّجل، فلا جرم تكون الأيدي و الأرجل شاهدة يوم القيامة على الإنسان،بمعنى أنّ تلك الآثار النّفسانيّة،إنّما حصلت في جواهر النّفوس،بواسطة هذه الأفعال الصّادرة عن هذه الجوارح،فكان صدور تلك الأفعال من تلك الجارحة المخصوصة جاريا مجرى الشّهادة،لحصول تلك الآثار المخصوصة في جوهر النّفس.

و أمّا الحساب:فالمقصود منه معرفة ما بقي من الدّخل و الخرج.و لمّا بيّنّا أنّ لكلّ ذرّة من أعمال الخير و الشّرّ أثرا في حصول هيئة من هذه الهيئات في جوهر النّفس:إمّا من الهيئات الزّاكية الطّاهرة أو من الهيئات المذمومة الخسيسة،و لا شكّ أنّ تلك الأعمال كانت مختلفة.فلا جرم كان بعضها يتعارض بالبعض،و بعد

ص: 785

حصول تلك المعارضات بقي في النّفس قدر مخصوص من الخلق الحميد،و قدر آخر من الخلق الذّميم،فإذا مات الجسد ظهر مقدار ذلك الخلق الحميد،و مقدار ذلك الخلق الذّميم،و ذلك الظّهور إنّما يحصل في الآن الّذي لا ينقسم، و هو الآن الّذي فيه ينقطع تعلّق النّفس من البدن،فعبّر عن هذه الحالة بسرعة الحساب.فهذه أقوال ذكرت في تطبيق الحكمة النّبويّة على الحكمة الفلسفيّة،و اللّه العالم بحقائق الأمور.(13:18)

نحوه النّيسابوريّ.(7:28)

النّسفيّ: لا يشغله حساب عن حساب،يحاسب جميع الخلق في مقدار حلب شاة.(2:16)

البروسويّ: يحاسب جميع الخلائق في أسرع زمان و أقصره،لا يشغله حساب عن حساب و لا شأن عن شأن،لا يتكلّم بآلة،و لا يحتاج إلى فكرة و رويّة و عقد يد.و معنى المحاسبة:تعريف كلّ واحد ما يستحقّه من ثواب و عقاب.

قال بعض العلماء:المحاسبة لتقدير الأعمال،و الوزن لإظهار مقاديرها،فيقدّم الحساب على الميزان،و لهذا لا ميزان لمن يدخل الجنّة بلا حساب.

و اعلم أنّ الحشر و الحساب لا يكون على وجه الأرض،و إنّما يكون في الأرض المبدّلة،و هي أرض بيضاء كالفضّة لم يسفك فيها دم،و لم يظلم عليها أحد.

فإذا ثبت الحشر و الحساب،و أنّ اللّه تعالى هو المحاسب، وجب على العاقل أن يحاسب نفسه قبل أن يناقش في الحساب،لأنّه هو التّاجر في طريق الآخرة و بضاعته عمره،و ربحه صرف عمره في الطّاعات و العبادات، و خسرانه صرفه في المعاصي و السّيّئات،و نفسه شريكه في هذه التّجارة،و هي و إن كانت تصلح للخير و الشّرّ لكنّها أميل و أقبل إلى المعاصي و الشّهوات،فلا بدّ له من مراقبتها و محاسبتها.(3:46)

الآلوسيّ: يحاسب جميع الخلائق بنفسه في أسرع زمان و أقصره،و يلزم هذا أن لا يشغله حساب عن حساب و لا شأن عن شأن.و في الحديث:أنّه تعالى يحاسب الكلّ في مقدار حلب شاة،و في بعض الأخبار:

في مقدار نصف يوم.

و ذهب بعضهم إلى أنّه تعالى لا يحاسب الخلق بنفسه بل يأمر سبحانه الملائكة عليهم السّلام فيحاسب كلّ واحد منهم واحدا من العباد.

و ذهب آخرون إلى أنّه عزّ و جلّ إنّما يحاسب المؤمنين بنفسه،و أمّا الكفّار فتحاسبهم الملائكة،لأنّه تعالى لو حاسبهم لتكلّم معهم،و ذلك باطل،لقوله تعالى في صفتهم:(و لا يكلّمهم).

و أجاب الأوّلون عن هذا بأنّ المراد:أنّه تعالى لا يكلّمهم بما ينفعهم،فإنّ ظواهر الآيات و منها ما تقدّم في هذه السّورة من قوله تعالى: وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ الأنعام:22،و قوله سبحانه: وَ لَوْ تَرى إِذْ وُقِفُوا عَلى رَبِّهِمْ قالَ أَ لَيْسَ هذا بِالْحَقِّ قالُوا بَلى وَ رَبِّنا قالَ فَذُوقُوا الْعَذابَ بِما كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ الأنعام:30، تدلّ على تكليمه تعالى لهم في ذلك اليوم.

ثمّ إنّ كيفيّة ذلك الحساب ممّا لا تحيط بتفصيلها عقول البشر من طريق الفكر أصلا،و ليس لنا إلاّ الإيمان

ص: 786

به،مع تفويض الكيفيّة و تفصيلها إلى عالم الغيب و الشّهادة.(7:178)

رشيد رضا :فسّر كونه تعالى أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ بأنّه يحاسب العباد كلّهم في أسرع زمن و أقصره، لا يشغله حساب أحد عن حساب غيره،لأنّه لا يشغله شأن عن شأن،فاسم التّفضيل فيه على غير بابه؛إذ لا محاسب هنا لك غيره،أو هو بالنّسبة إلى المحاسبين أو الحاسبين في غير الآخرة.

و لفظ(الحاسبين)اسم الفاعل من«حسب» الثّلاثيّ لا من«حاسب»،و الحساب:مصدر لكلّ منهما.

يقال:حسبه حسبا و حسابا و حاسبه محاسبة و حسابا.

و المحاسبة أو الحساب في المعاملة مبنيّ على الحسب و الحساب الّذي هو العدّ و الإحصاء،لأنّ المحاسب يحصي على من يحاسبه العدد في المال،أو ما نيط به من الأفعال.

و المراد هنا:أنّه أسرع الحاسبين إحصاء للأعمال، و محاسبة عليها.(7:487)

سيّد قطب :إنّ الحساب و الجزاء و الحكم في الآخرة،إنّما يقوم على عمل النّاس في الدّنيا،و لا يحاسب النّاس على ما اجترحوا في الدّنيا إلاّ أن تكون هناك شريعة من اللّه تعيّن لهم ما يحلّ و ما يحرم،ممّا يحاسبون يوم القيامة على أساسه،و توحّد الحاكميّة في الدّنيا و الآخرة على هذا الأساس.

فأمّا حين يحكم النّاس في الأرض بشريعة غير شريعة اللّه،فعلام يحاسبون في الآخرة؟أ يحاسبون وفق شريعة الأرض البشريّة الّتي كانوا يحكمون بها، و يتحاكمون إليها؟أم يحاسبون وفق شريعة اللّه السّماويّة الّتي لم يكونوا يحكمون بها،و لا يتحاكمون إليها؟

إنّه لا بدّ أن يستيقن النّاس أنّ اللّه محاسبهم على أساس شريعته هو،لا شريعة العباد.و أنّهم إن لم ينظّموا حياتهم،و يقيموا معاملاتهم-كما يقيمون شعائرهم و عباداتهم-وفق شريعة اللّه في الدّنيا،فإنّ هذا سيكون أوّل ما يحاسبون عليه بين يدي اللّه.و أنّهم يومئذ سيحاسبون على أنّهم لم يتّخذوا اللّه سبحانه إلها في الأرض،و لكنّهم اتّخذوا من دونه أربابا متفرّقة.

و أنّهم محاسبون إذن على الكفر بألوهيّة اللّه أو الشّرك به،باتّباعهم شريعته في جانب العبادات و الشّعائر،و اتّباعهم شريعة غيره في النّظام الاجتماعيّ و السّياسيّ و الاقتصاديّ،و في المعاملات و الارتباطات، و اللّه لا يغفر أن يشرك به،و يغفر ما دون ذلك لمن يشاء.

(2:1123)

مغنيّة:يحاسب و يحكم،و ينفذ في أقصر أمد،لأنّ الحقّ جليّ،و الحكم مبرم،و الجزاء معدّ،و كلّ شيء يتمّ بمجرّد الإرادة.(3:202)

مكارم الشّيرازيّ: لقد جاء في بعض الرّوايات «أنّه سبحانه يحاسب جميع عباده في مقدار حلب شاة» أي أنّ ذلك لا يتجاوز فترة حلب شاة.

و كما قلنا في تفسير الآية:202 من سورة البقرة:إنّ إجراء الحساب من السّرعة بحيث إنّه يمكن أن يتمّ في لحظة واحدة بالنّسبة للجميع،بل إنّ ذكر فترة حلب شاة في الرّواية المذكورة يقصد منه بيان قصر الزّمن اللاّزم لذلك،و على هذا نقرأ في رواية أخرى:«إنّ اللّه تعالى يحاسب الخلائق كلّهم في مقدار لمح البصر».

ص: 787

و الدّليل على ذلك هو ما ذكرناه في تفسير هذه الآية،و هو أنّ أعمال الإنسان تؤثّر في وجوده و في وجود الكائنات المحيطة به تماما،مثل الماكنة الّتي تسجّل مقدار حركتها في عدّاد متّصل بها.

و بتعبير أوضح،لو كانت هناك أجهزة دقيقة جدّا لاستطاعت أن تقرأ في عين الإنسان عدد النّظرات الآثمة الّتي نظرتها،و تقرأ على الألسنة عدد الأكاذيب و الافتراءات و التّهم و الطّعون الّتي اقترفتها،أي أنّ كلّ عضو من أعضاء الجسم فيه-بالإضافة إلى روحه- جهاز حاسب يكشف الحساب في لحظة واحدة.

و إذا جاء في بعض الرّوايات أنّ محاسبة المسئولين و الأغنياء تطول يوم القيامة،فإنّ هذا لا يعني في الواقع طول زمن الحساب،بل هو طول زمن المحاسبة عليهم؛إذ إنّهم لا بدّ لهم من الإجابة على الأسئلة الكثيرة الّتي تلقى عليهم بشأن الأعمال الّتي ارتكبوها،أي أنّ ثقل مسئوليّاتهم و لزوم إجابتهم على الأسئلة لإتمام الحجّة عليهم،هي الّتي تطيل زمن محاكمتهم.

يؤلّف مجموع هذه الآيات درسا تربويّا كاملا لعباد اللّه،في إحاطة علمه تعالى بأصغر ذرّات هذا العالم و بأكبرها و قدرته و قهره لعباده،و معرفته بجميع أعمال البشر،و قيام كتبة أمناء بحفظ أعمال النّاس و قبض أرواحهم في لحظات معيّنة بالنّسبة لكلّ منهم،و بعثهم يوم القيامة،و من ثمّ محاسبتهم محاسبة دقيقة و سريعة.

أ هناك من يؤمن بمجموع هذه المسائل،ثمّ لا يراقب أعماله،و يظلم دون وازع،و يكذب،و يفتري،و يعتدي على الآخرين؟

هل يجتمع كلّ هذا مع الإيمان و الاعتقاد على صعيد واحد؟(4:298)

سريع الحساب

1- أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمّا كَسَبُوا وَ اللّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ. البقرة:202

الإمام عليّ عليه السّلام: معناه أنّه يحاسب الخلق دفعة كما يرزقهم دفعة.(الطّوسيّ 2:174)

سئل كيف يحاسب اللّه سبحانه الخلق و لا يرونه؟ قال:كما يرزقهم اللّه و لا يرونه.(الكاشانيّ 1:218)

الحسن :أسرع من لمح البصر.(الثّعلبيّ 2:117)

الإمام العسكريّ عليه السّلام: لأنّه لا يشغله شأن عن شأن،و لا محاسبة أحد من محاسبة آخر،فإذا حاسب واحدا فهو في تلك الحال محاسب للكلّ،يتمّ حساب الكلّ بتمام حساب واحد،و هو كقوله: ما خَلْقُكُمْ وَ لا بَعْثُكُمْ إِلاّ كَنَفْسٍ واحِدَةٍ لقمان:28،لا يشغله خلق واحد عن خلق آخر،و لا بعث واحد عن بعث آخر.

(606)

الطّبريّ: إنّه محيط بعمل الفريقين كليهما،اللّذين من مسألة أحدهما: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا و من مسألة الآخر: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النّارِ فمحص له بأسرع الحساب،ثمّ إنّه مجاز كلا الفريقين على عمله.

و إنّما وصف جلّ ثناؤه نفسه بسرعة الحساب،لأنّه جلّ ذكره يحصي ما يحصى من أعمال عباده بغير عقد أصابع،و لا فكر،و لا رويّة فعل العجزة الضّعفة من

ص: 788

الخلق،و لكنّه لا يخفى عليه شيء في الأرض و لا في السّماء،و لا يعزب عنه مثقال ذرّة فيهما،ثمّ هو مجاز عباده على كلّ ذلك،فلذلك جلّ ذكره امتدح بسرعة الحساب،و أخبر خلقه أنّه ليس لهم بمثل،فيحتاج في حسابه إلى عقد كفّ أو وعي صدر.(2:302)

الزّجّاج: المعنى أنّه قد علم ما للمحاسب و ما عليه قبل توقيفه على حسابه،فالفائدة في الحساب:علم حقيقته.و قد قيل في بعض التّفسير:إنّ حساب العبد أسرع من لمح البصر،و اللّه أعلم.(1:275)

نحوه النّحّاس.(1:144)

الشّريف المرتضى:إن سأل سائل عن قوله تعالى: وَ اللّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ فقال:أيّ تمدّح في سرعة الحساب،و ليس بظاهر وجه المدحة فيه؟

الجواب:قلنا:في ذلك وجوه:

أوّلها:أن يكون المعنى أنّه سريع المجازاة للعباد على أعمالهم،و أنّ وقت الجزاء قريب و إن تأخّر،و يجري مجرى قوله تعالى: وَ ما أَمْرُ السّاعَةِ إِلاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ النّحل:77.

و إنّما جاز أن يعبّر عن المجازاة أو الجزاء بالحساب، لأنّ ما يجازى به العبد هو كفء لفعله و لمقداره،فهو حساب له إذا كان مماثلا مكافئا.

و ممّا يشهد بأنّ في الحساب معنى الكفاية و المكافأة قوله تعالى: جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً النّبأ:36، أي عطاء كافيا،و يقال:أحسبني الطّعام يحسبني إحسابا، إذا كفاني.[ثمّ استشهد بشعر]

و ثانيها:أن يكون المراد أنّه عزّ و جلّ يحاسب الخلق جميعا في أوقات يسيرة،و يقال:إنّ مقدار ذلك مقدار حلب شاة،لأنّه تعالى لا يشغله محاسبة بعضهم عن محاسبة غيره،بل يكلّمهم جميعا و يحاسبهم كلّهم على أعمالهم في وقت واحد.و هذا أحد ما يدلّ على أنّه تعالى ليس بجسم،و أنّه لا يحتاج في فعل الكلام إلى آلة،لأنّه لو كان بهذه الصّفات-تعالى عنها-لما جاز أن يخاطب اثنين في وقت واحد بمخاطبتين مختلفتين،و لكان خطاب بعض النّاس يشغله عن خطاب غيره،و لكانت مدّة محاسبته للخلق على أعمالهم طويلة غير قصيرة،كما أنّ جميع ذلك واجب في المحدثين الّذين يفتقرون في الكلام إلى الآلات.

و ثالثها:ما ذكره بعضهم من أنّ المراد بالآية أنّه سريع العلم بكلّ محسوب،و أنّه لمّا كانت عادة بني الدّنيا أن يستعملوا الحساب و الإحصاء في أكثر أمورهم، أعلمهم اللّه تعالى أنّه يعلم ما يحسبون بغير حساب،و إنّما سمّي العلم حسابا،لأنّ الحساب إنّما يراد به العلم.

و هذا جواب ضعيف؛لأنّ العلم بالحساب أو المحسوب لا يسمّى حسابا،و لو سمّي بذلك لما جاز أيضا أن يقال:إنّه سريع العلم بكذا،لأنّ علمه بالأشياء ممّا لا يتجدّد فيوصف بالسّرعة.

و رابعها:أنّ اللّه تعالى سريع القبول لدعاء عباده و الإجابة لهم؛و ذلك أنّه يسأل في وقت واحد سؤالات مختلفة،من أمور الدّنيا و الآخرة،فيجزي كلّ عبد بمقدار استحقاقه و مصلحته،فيوصل إليه عند دعائه و مسألته ما يستوجبه بحدّ و مقدار.فلو كان الأمر على ما يتعارفه النّاس لطال العدد و اتّصل الحساب،فأعلمنا تعالى أنّه

ص: 789

سريع الحساب،أي سريع القبول للدّعاء بغير إحساس و بحث عن المقدار الّذي يستحقّه الدّاعي،كما يبحث المخلوقون للحساب و الإحصاء.

و هذا الجواب مبنيّ أيضا على دعوى أنّ قبول الدّعاء لا يسمّى حسابا في لغة و لا عرف و لا شرع،و قد كان يجب على من أجاب بهذا الجواب أن يستشهد على ذلك بما يكون حجّة فيه،و إلاّ فلا طائل فيما ذكره.

و يمكن في الآية وجه آخر،و هو أن يكون المراد ب(الحساب):محاسبة الخلق على أعمالهم يوم القيامة و موافقتهم عليها،و تكون الفائدة في الإخبار بسرعته الإخبار عن قرب السّاعة،كما قال تعالى: سَرِيعُ الْعِقابِ.

و ليس لأحد أن يقول:فهذا هو الجواب الأوّل الّذي حكيتموه؛و ذلك أنّ بينهما فرقا،لأنّ الأوّل مبنيّ على أنّ (الحساب)في الآية هو الجزاء و المكافأة على الأعمال، و في هذا الجواب لم يخرج الحساب عن بابه و عن معنى المحاسبة،و المقابلة بالأعمال و ترجيحها؛و ذلك غير الجزاء الّذي يفضي الحساب إليه.

و قد طعن بعضهم في الجواب الثّاني معترضا على أبي عليّ الجبّائيّ في اعتماده إيّاه،بأن قال:مخرج الكلام في الآية على وجه الوعيد،و ليس في خفّة الحساب و سرعة زمانه ما يقتضي زجرا،و لا هو ممّا يتوعّد بمثله؛ فيجب أن يكون المراد الإخبار عن قرب أمر الآخرة، و المجازاة على الأعمال.

و هذا الجواب ليس أبو عليّ هو المبتدئ به،بل قد حكي عن الحسن البصريّ،و اعتمده أيضا قطرب بن المستنير النّحويّ،و ذكره المفضّل بن سلمة،و ليس الطّعن الّذي حكيناه عن هذا الطّاعن بمبطل له،لأنّه اعتمد على أنّ مخرج الآية مخرج الوعيد،و ليس كذلك،لأنّه تعالى قال: فَمِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا وَ ما لَهُ فِي الْآخِرَةِ مِنْ خَلاقٍ* وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النّارِ* أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمّا كَسَبُوا وَ اللّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ البقرة:200- 202.

فالأشبه بالظّاهر أن يكون الكلام وعدا بالثّواب، و راجعا إلى الّذين يقولون: رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النّارِ، أو يكون راجعا إلى الجميع،فيكون المعنى:أنّ للجميع نصيبا ممّا كسبوا، فلا يكون وعيدا خالصا،بل إمّا أن يكون وعدا خالصا أو وعدا و وعيدا.

على أنّه لو كان وعيدا خالصا على ما ذكر الطّاعن، لكان لقوله تعالى: وَ اللّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ، على تأويل من أراد قصر الزّمان،و سرعة الموافقة وجه و تعلّق بالوعد و الوعيد؛لأنّ الكلام على كلّ حال متضمّن لوقوع المحاسبة على أعمال العباد،و الإحاطة بخيرها و شرّها؛و إن وصف(الحساب)مع ذلك بالسّرعة.و في هذا ترغيب و ترهيب لا محالة،لأنّ من علم أنّه يحاسب بأعماله،و يواقف على جميلها و قبيحها،انزجر عن القبيح و رغب في فعل الواجب.

فبهذا ينصر الجواب،و إن كنّا لا ندفع أنّ في حمل الحساب على قرب المجازاة،أو قرب المحاسبة على الأعمال ترغيبا في الطّاعات و زجرا عن المقبّحات:

ص: 790

فالتّأويل الأوّل أشبه بالظّاهر و نسق الآية،إلاّ أنّ التّأويل الآخر غير مدفوع أيضا و لا مرذول.(1:389)

الثّعلبيّ: يعني إذا حاسب فحسابه سريع،لأنّه لا يحتاج إلى تمديد و لا وعي منه،و لا رويّة و لا فكرة.(2:117)

الطّوسيّ: يعني في العدل من غير حاجة إلى خطّ و لا عقد،لأنّه عزّ و جلّ عالم به.و إنّما يحاسب العبد مظاهرة في العدل،و إحالة على ما يوجبه الفعل من خير أو شرّ،و السّرعة هو العمل القصير المدّة.[إلى أن قال:] و أحسبني من العطاء إحسابا،أي كفاني(عطاء حسابا) النّبأ:36،أي كافيا.

و الحسبان:سهام صغار،و قيل:منه وَ يُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ الكهف:41،و قيل:عذابا.

و المحسبة:وسادة من أدم،و المحسبة:غبرة مثل كدرة.

و حسب الرّجل:مآثر آبائه،و أفعل ذلك بحسب ما أوليتني،و حسبي،أي يكفيني، يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ البقرة:112،أي بغير تضييق، اَلشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبانٍ الرّحمن:5،أي قدّر لهما مواقيت معلومة لا يعدونها.

و التّحسيب:دفن الميّت في الحجارة،و أصل الباب:

الحساب.

و الحسبان:الظّنّ،لأنّه كالحساب في الاعتداد به، و العمل به على بعض الوجوه.(2:174)

البغويّ: [نحو الثّعلبي و أضاف:]

و قيل:معناه إتيان القيامة قريب،لأنّ ما هو كائن لا محالة فهو قريب.(1:260)

نحوه الشّربينيّ.(1:134)

الزّمخشريّ: يوشك أن يقيم القيامة و يحاسب العباد،فبادروا إكثار الذّكر و طلب الآخرة.أو وصف نفسه بسرعة حساب الخلائق على كثرة عددهم و كثرة أعمالهم،ليدلّ على كمال قدرته و وجوب الحذر منه.

و روي أنّه يحاسب الخلق في قدر حلب الشّاة،و روي في مقدار فواق ناقة،و روي في مقدار لمحة.(1:351)

نحوه البيضاويّ(1:110)،و النّسفيّ(1:103)، و أبو السّعود(1:253)،و طه الدّرّة(1:316).

ابن عطيّة: [نحو الثّعلبيّ و أضاف:]

و قيل:(الحساب)هنا المجازاة،كأنّ المجازي يعدّ أجزاء العمل ثمّ يجازي بمثلها،و قيل:معنى الآية:سريع مجيء يوم الحساب،فالمقصد بالآية:الإنذار بيوم القيامة.

(1:277)

الطّبرسيّ: [قال نحو الشّريف المرتضى في الوجهين الأوليين و أضاف:]

و ثالثها:أنّ معناه أنّه تعالى سريع القبول لدعاء هؤلاء،و الإجابة لهم من غير احتباس فيه،و بحث عن المقدار الّذي يستحقّه كلّ داع،كما يحتبس المخلوقون للإحصاء و الاحتساب.

و يقرب فيه ما روي عن ابن عبّاس أنّه قال:يريد أنّه لا حساب على هؤلاء،و إنّما يعطون كتبهم بأيمانهم، فيقال لهم:هذه سيّئاتكم قد تجاوزت بها عنكم،و هذه حسناتكم قد ضعّفتها لكم.(1:298)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: وَ اللّهُ سَرِيعُ اَلْحِسابِ ففيه مسائل:المسألة الأولى:[ذكر معنى «الحساب»في اللّغة]

ص: 791

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: وَ اللّهُ سَرِيعُ اَلْحِسابِ ففيه مسائل:المسألة الأولى:[ذكر معنى «الحساب»في اللّغة]

المسألة الثّانية:اختلف النّاس في معنى كون اللّه تعالى محاسبا لخلقه على وجوه:أحدها:أنّ معنى(الحساب)أنّه تعالى يعلمهم ما لهم و عليهم،بمعنى أنّه تعالى يخلق العلوم الضّروريّة في قلوبهم بمقادير أعمالهم و كمّيّاتها و كيفيّاتها،و بمقادير ما لهم من الثّواب و العقاب.قالوا:

و وجه هذا المجاز أنّ الحساب سبب لحصول علم الإنسان بماله و عليه،فإطلاق اسم الحساب على هذا الإعلام يكون إطلاقا لاسم السّبب على المسبّب،و هذا مجاز مشهور.

و القول الثّاني:أنّ المحاسبة عبارة عن المجازاة،قال تعالى: وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَ رُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً الطّلاق:8،و وجه المجاز فيه أنّ الحساب سبب للأخذ و الإعطاء،و إطلاق اسم السّبب على المسبّب جائز،فحسن إطلاق لفظ الحساب عن المجازاة.

و القول الثّالث:أنّه تعالى يكلّم العباد في أحوال أعمالهم و كيفيّة ما لها من الثّواب و العقاب،فمن قال:إنّ كلامه ليس بحرف و لا بصوت،قال:إنّه تعالى يخلق في أذن المكلّف سمعا يسمع به كلامه القديم،كما أنّه يخلق في عينه رؤية يرى بها ذاته القديمة.و من قال:إنّه صوت، قال:إنّه تعالى يخلق كلاما يسمعه كلّ مكلّف:إمّا بأن يخلق ذلك الكلام في أذن كلّ واحد منهم،أو في جسم يقرب من أذنه بحيث لا تبلغ قوّة ذلك الصّوت أن تمنع الغير من فهم ما كلّف به.فهذا هو المراد من كونه تعالى محاسبا لخلقه.

المسألة الثّالثة:ذكروا في معنى كونه تعالى سريع الحساب وجوها:

أحدها:أنّ محاسبته ترجع:إمّا إلى أنّه يخلق علوما ضروريّة في قلب كلّ مكلّف بمقادير أعماله و مقادير ثوابه و عقابه،أو إلى أنّه يوصل إلى كلّ مكلّف ما هو حقّه من الثّواب،أو إلى أنّه يخلق سمعا في أذن كلّ مكلّف،يسمع به الكلام القديم،أو إلى أنّه يخلق في أذن كلّ مكلّف صوتا دالاّ على مقادير الثّواب و العقاب.

و على الوجوه الأربعة فيرجع حاصل كونه تعالى محاسبا إلى أنّه تعالى يخلق شيئا،و لمّا كانت قدرة اللّه تعالى متعلّقة بجميع الممكنات،و لا يتوقّف تخليقه و إحداثه على سبق مادّة و لا مدّة و لا آلة،و لا يشغله شأن عن شأن،لا جرم كان قادرا على أن يخلق جميع الخلق في أقلّ من لمحة البصر.و هذا كلام ظاهر،و لذلك ورد في الخبر:

أنّ اللّه تعالى يحاسب الخلق في قدر حلب ناقة.

و ثانيها:أنّ معنى كونه تعالى(سريع الحساب)أنّه سريع القبول لدعاء عباده و الإجابة لهم؛و ذلك لأنّه تعالى في الوقت الواحد يسأله السّائلون،كلّ واحد منهم أشياء مختلفة من أمور الدّنيا و الآخرة فيعطي كلّ واحد مطلوبه من غير أن يشتبه عليه شيء من ذلك.و لو كان الأمر مع واحد من المخلوقين لطال العدّ،و اتّصل الحساب،فأعلم اللّه تعالى أنّه(سريع الحساب)أي هو عالم بجملة سؤالات السّائلين،لأنّه تعالى لا يحتاج إلى عقد يد،و لا إلى فكرة و رويّة.و هذا معنى الدّعاء المأثور:«يا من لا يشغله شأن عن شأن».

ص: 792

و حاصل الكلام في هذا القول:أن معنى كونه تعالى (سريع الحساب):كونه تعالى عالما بجميع أحوال الخلق و أعمالهم.و وجه المجاز فيه أنّ المحاسب إنّما يحاسب ليحصل له العلم بذلك الشّيء،فالحساب سبب لحصول العلم،فأطلق اسم السّبب على المسبّب.

و ثالثها:أنّ محاسبة اللّه سريعة،بمعنى آتية لا محالة، كما قال عزّ و جلّ: إِنَّما تُوعَدُونَ لَصادِقٌ* وَ إِنَّ الدِّينَ لَواقِعٌ الذّاريات:5،6.

و كلّ ما هو آت آت،فكأنّه قيل:إنّ السّاعة الّتي فيها الجزاء و الحساب قريبة.(5:208)

نحوه القرطبيّ(2:434)،و الخازن(1:159).

أبو حيّان :ظاهره الإخبار عنه تعالى بسرعة حسابه و سرعته بانقضائه عجلا كقصد مدّته.[و نقل الأقوال ثمّ قال:]

و قيل:سرعة الحساب تعالى رحمته و كثرتها فهي لا تغب و لا تنقطع،و روي ما يقاربه عن ابن عبّاس.

و ظاهر سياق هذا الكلام عموم الحساب للكافر و المؤمن؛إذ جاء بعد ما ظاهره أنّه للطّائعين،و يكون حساب الكفّار تقريعا و توبيخا،لأنّه ليس له حسنة في الآخرة يجزى بها،و هو ظاهر قوله: وَ لَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ الحاقّة:26.

و قال الجمهور:الكفّار لا يحاسبون،قال تعالى: فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً الكهف:105، وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً الفرقان:23، و ظاهر ثقل الموازين و خفّتها و ما ترتّب عليها في الآيات الواردة في القرآن،شمول الحسنات للبرّ و الفاجر و المؤمن و الكافر.(2:106)

الكاشانيّ: يحاسب الخلائق كلّهم على كثرتهم و كثرة أعمالهم في مقدار لمح البصر،كما ورد في الخبر.

[ثمّ ذكر الأخبار و قال:]

و لسرعة الحساب معنى آخر يجتمع مع هذا المعنى و يؤيّده،و هو أنّ اللّه يحاسب العبد في الدّنيا في كلّ آن و لحظة،فيجزيه على عمله في كلّ حركة و سكون، و يكافئ طاعاته بالتّوفيقات و معاصيه بالخذلانات، فالخير يجرّ الخير و الشّرّ يدعو إلى الشّرّ.و من حاسب نفسه في الدّنيا عرف هذا المعنى،و لهذا ورد«حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا»و هذا من الأسرار الّتي لا يمسّها إلاّ المطهّرون.(1:218)

البروسويّ: و(الحساب)يراد به نفس الجزاء على الأعمال،فإنّ الحساب سبب للأخذ و العطاء.و إطلاق اسم السّبب على المسبّب جائز شائع،أي يحاسب العباد على كثرتهم و كثرة أعمالهم في مقدار لمحة،لعدم احتياجه إلى عقد يد،أو وعي صدر أو نظر و فكر.فاحذروا من الإخلال بطاعة من هذا شأن قدرته،أو يوشك أن يقيم القيامة و يحاسب النّاس.(1:320)

الآلوسيّ: [نحو البروسويّ و أضاف:]

و المحاسبة إمّا على حقيقتها،كما هو قول أهل الحقّ:

من أنّ النّصوص على ظاهرها ما لم يصرف عنها صارف،أو مجاز عن خلق علم ضروريّ فيهم بأعمالهم و جزائها كمّا و كيفا،أو مجازاتهم عليها هذا.(2:91)

القاسميّ: إمّا بمعنى سريع في الحساب كسريع في السّير،فالجملة تذييل لقوله:(اولئك...)يعني أنّه

ص: 793

يجازيهم على قدر أعمالهم و كسبهم و لا يشغله شأن، لأنّه سريع في المحاسبة،أو بمعنى سريع حسابه،كحسن الوجه.فالجملة تذييل لقوله: فَاذْكُرُوا اللّهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ... البقرة:200،يعني يوشك أن يقيم القيامة و يحاسب العباد.فبادروا إكثار الذّكر و طلب الآخرة باكتساب الطّاعات و الحسنات.(3:503)

رشيد رضا :يوفّي كلّ كاسب أجره عقب عمله بحسبه،لأنّ سنّته مضت بأن تكون الرّغائب آثار الأعمال،فهو يوفّي كلّ عامل عمله بلا إبطاء.

و كما يكون الجزاء سريعا في الدّنيا كذلك يكون في الآخرة،فإنّ أثر الأعمال الصّالحة يظهر للمرء عقب الموت،و هو أوّل قدم يضعها في باب عالم الآخرة.

و هذا أحسن بيان لما قالوه في تفسير(سريع الحساب)من أنّه:إجابة الدّعاء.

و الأكثرون على أنّ المراد حساب الآخرة،و اختلفوا في كيفيّة ذلك على أقوال،أقربها إلى التّصوّر:أنّ سرعة الحساب عبارة عن اطلاع كلّ عامل على عمله أو إعلامه بما له ممّا كسب،و ما عليه ممّا اكتسب،و ذلك يتمّ في لحظة.[ثمّ أشار إلى بعض الأقوال](2:240)

نحوه المراغيّ.(2:106)

الطّباطبائيّ: اسم من أسماء اللّه الحسنى،و إطلاقه يدلّ على شموله للدّنيا و الآخرة معا،فالحساب جار،كلّما عمل عبد شيئا من الحسنات أو غيرها آتاه اللّه الجزاء جزاء وفاقا.(2:81)

مكارم الشّيرازيّ: و الفقرة الأخيرة من الآية تشير إلى سرعة حساب اللّه،و في رواية:«إنّ اللّه تعالى يحاسب الخلائق كلّهم في مقدار لمح البصر».

هذا لأنّ اللّه ليس كالخلائق،و هم الّذين يشغلهم أمر عن أمر لمحدوديّة وجودهم،و ليس اللّه كذلك.

إضافة إلى ذلك،محاسبة اللّه لا ينبغي أن تستلزم زمانا،لأنّ أعمالنا ذات آثار باقية في جسم و روح الموجودات المحيطة بنا،و في الأرض و أمواج الهواء، و تشبه في الحقيقة أجهزة ذات عدادات حاسبة تقرأ فيها كلّ لحظة مقدار أعمالها.(2:41)

المصطفويّ: أي سريع إشرافه و تطلّبه و تعرّفه.(2:228)

2- ..وَ اللّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَ هُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ. الرّعد:41

ابن عبّاس: شديد العقاب.(210)

سريع الانتقام.(الفخر الرّازيّ 19:68)

الطّبريّ: يحصي أعمال هؤلاء المشركين،لا يخفى عليه شيء،و هو من وراء جزائهم عليها.(13:175)

الطّوسيّ: إنّه سريع المجازاة على أفعال العباد،على الطّاعات بالثّواب،و على المعاصي بالعقاب.(6:265)

مثله الطّبرسيّ.(3:301)

القشيريّ: لأنّ ما هو آت فقريب.و يقال:(سريع الحساب)في الدّنيا،لأنّ الأولياء إذا ألمّوا بشيء أو همّوا لمزجور،عوتبوا في الوقت،و طولبوا بحسن الرّجعى.

(3:237)

الواحديّ: أي المجازاة بالخير و الشّرّ.(3:20)

الزّمخشريّ: فعمّا قليل يحاسبهم في الآخرة بعد عذاب الدّنيا.(2:364)

ص: 794

مثله النّسفيّ(2:253)،و نحوه البيضاويّ(1:

523)،و أبو السّعود(3:465).

الفخر الرّازيّ: يعني أنّ حسابه للمجازاة بالخير و الشّرّ يكون سريعا قريبا،لا يدفعه دافع.(19:68)

القرطبيّ: أي الانتقام من الكافرين،سريع الثّواب للمؤمن.و قيل:لا يحتاج في حسابه إلى رويّة قلب،و لا عقد بنان.(9:334)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و كأنّه قيل:لا تستبطئ عقابهم فإنّه آت لا محالة، و كلّ آت قريب.(13:174)

الطّباطبائيّ: و هو سبحانه يحاسب كلّ عمل بمجرّد وقوعه بلا مهلة،حتّى يتصرّف فيه غيره بالإخلال.(11:379)

3- لِيَجْزِيَ اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ. إبراهيم:51

الجبّائيّ: إنّ ذلك يدلّ على بطلان قول المجسّمة، لأنّه لو كان جسما لوجب كونه متكلّما بآلة،و لو كان كذلك لوجب ألاّ يصحّ منه الإسراع في المحاسبة،و الجمع بين الكلّ فيه،و في وقت واحد،خصوصا على قول من يثبته (1)بصورة آدم،على ما ذهب إليه بعضهم،تعالى اللّه عن ذلك.(متشابه القرآن 2:422)

الطّبريّ: إنّ اللّه عالم بعمل كلّ عامل،فلا يحتاج في إحصاء أعمالهم إلى عقد كفّ و لا معاناة،و هو سريع حسابه لأعمالهم،قد أحاط بها علما،لا يعزب عنه منها شيء،و هو مجازيهم على جميع ذلك:صغيره و كبيره.

(13:258)

الطّوسيّ: أي سريع المجازاة.و قيل:معنى سَرِيعُ الْحِسابِ لا يشغله محاسبة بعضهم عن محاسبة آخرين.(6:311)

النّسفيّ: يحاسب جميع العباد في أسرع من لمح البصر.(2:267)

أبو السّعود :إذ لا يشغله شأن عن شأن،فيتمّه في أعجل ما يكون من الزّمان،فيوفّي الجزاء بحسبه،أو سريع المجيء يأتي عن قريب.(3:505)

نحوه البروسويّ(4:437)،و القاسميّ(10:3743).

الآلوسيّ: لأنّه لا يشغله سبحانه فيه تأمّل و تتبّع، و لا يمنعه حساب عن حساب حتّى يستريح بعضهم عند الاشتغال بمحاسبة الآخرين،فيتأخّر عنهم العذاب.(13:258)

عبد الكريم الخطيب :إشارة إلى أنّ كثرة المحاسبين بين يدي اللّه تعالى من محسنين و مسيئين، لا يكون منها إبطاء أو إسهال في أن ينال كلّ عامل جزاء عمله،فالمحسنون يعجّل لهم جزاؤهم الحسن،حتّى يسعدوا به،و يهنئوا بالعيش فيه،و حتّى لا يستولي عليهم القلق،و تهجم عليهم الوساوس،و هم في انتظار كلمة الفصل فيهم.و كذلك المسيئون لن يمهلوا في لقاء العقاب الرّاصد لهم،و ذلك حتّى تنقطع آمالهم في النّجاة، فإنّ المحكوم عليه بالموت،لا ينقطع رجاؤه حتّى يلقى مصيره،و يشهد الموت عيانا.(7:206)ه.

ص: 795


1- كذا و الظّاهر:يشبّهه.

4- وَ اللّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ. النّور:39

جاءت بنفس المعنى.

5- اَلْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ. المؤمن:17

مكارم الشّيرازيّ: سرعة الحساب بالنّسبة للّه تعالى تجري كلمح البصر،و هي بدرجة بحيث نقرأ عنها في حديث:«إنّ اللّه تعالى يحاسب الخلائق كلّهم في مقدار لمح البصر».

و هذه المسألة-سرعة الحساب-يمكن تقريبها في مثال من عالم اليوم،و الأمثال تضرب و لا يقاس عليها من خلال عمل الحاسبات المتطوّرة الضّخمة الّتي تختزل آلاف العمليّات و مئات المشاريع الكبرى في لحظات، لتعكس النّتائج سريعا في فلم،أو على قطعة من الورق.

و لكن قد يكون الغرض من تكرار سَرِيعُ الْحِسابِ في مواضع مختلفة من القرآن الكريم،إنّما يستهدف عدم انخداع النّاس العاديّين بوساوس الشّيطان و إغواءاته،و من يتبعه من الّذين يثيرون الشّكوك بإمكانيّة محاسبة الخلائق،على أعمالهم الّتي قاموا بها خلال آلاف سحيقة من السّنين،و عصور التّأريخ.

إضافة إلى أنّ هذا التّعبير يطوي بداخله معنى التّحذير لجميع النّاس،بأنّ ذلك اليوم لا يوجد فيه مجال للمجرمين و الظّالمين و القتلة،و لا تعطى لهم الفرصة كما يحصل في هذه الدّنيا؛حيث يترك ملفّ الظّلمة و القتلة لشهور و سنين.(15:208)

و نحوه غيره من المفسّرين

حسيبا

1- ..وَ كَفى بِاللّهِ حَسِيباً. النّساء:6

ابن عبّاس: شهيدا.(65)

مثله السّدّيّ(الطّبريّ 4:262)

مجازيا للمحسن و المسيء.(الواحديّ 2:14)

الطّبريّ: [نقل قول السّدّيّ ثمّ قال:]

يقال منه:قد أحسبني الّذي عندي،يراد به:كفاني.

و سمع من العرب:«لأحسبنّكم من الأسودين»يعني به:

من الماء و التّمر،و المحسب من الرّجال:المرتفع الحسب،و المحسب:المكفي.(4:262)

الزّجّاج: يكون بمعنى محاسبا،و يكون بمعنى كافيا، أي يعطي كلّ شيء من العلم و الحفظ و الجزاء مقدار ما يحسبه،أي يكفيه.تقول:حسبك هذا،أي اكتف بهذا.(الأزهريّ 4:331)

الماورديّ: فيه قولان:أحدهما:يعنى شهيدا، و الثّاني:كافيا من الشّهود.(1:455)

الواحديّ: و الحسيب بمعنى المحاسب،و الباء في (باللّه)زيادة،و(حسيبا)منصوب على الحال.و المعنى:

و كفى باللّه في حال الحساب.(2:14)

البغويّ: محاسبا و مجازيا و شاهدا.(1:571)

مثله الخازن(1:403)،و نحوه البيضاويّ(1:205).

الزّمخشريّ: أي كافيا في الشّهادة عليكم بالدّفع و القبض أو محاسبا،فعليكم بالتّصادق و إيّاكم و التّكاذب.(1:503)

ابن عطيّة: معناه:حاسبا أعمالكم و مجازيا بها،ففي هذا وعيد لكلّ جاحد حقّ.(2:12)

ص: 796

نحوه القرطبيّ.(5:45)

الطّبرسيّ: أي شاهدا على دفع المال إليهم،و كفى بعمله وثيقة.و قيل:محاسبا فاحذروا محاسبته في الآخرة، كما تحذرون محاسبة اليتيم بعد البلوغ.(2:10)

الفخر الرّازيّ: قال ابن الأنباريّ و الأزهريّ:

يحتمل أن يكون الحسيب بمعنى المحاسب،و أن يكون بمعنى الكافي؛فمن الأوّل قولهم للرّجل للتّهديد:حسبه اللّه،و معناه يحاسبه اللّه على ما يفعل من الظّلم،و نظير قولنا:الحسيب بمعنى المحاسب،قولنا:الشّريب،بمعنى المشارب.و من الثّاني قولهم:حسيبك اللّه،أي كافيك اللّه.

و اعلم أنّ هذا وعيد لوليّ اليتيم،و إعلام له أنّه تعالى يعلم باطنه كما يعلم ظاهره،لئلاّ ينوي أو يعمل في ماله ما لا يحلّ،و يقوم بالأمانة التّامّة في ذلك،إلى أن يصل إليه ماله.و هذا المقصود حاصل سواء فسّرنا الحسيب بالمحاسب أو بالكافي.(9:193)

نحوه النّيسابوريّ(4:181)،و القاسميّ(5:1130).

النّسفيّ: محاسبا،فعليكم بالتّصادق،و إيّاكم و التّكاذب.أو هو راجع إلى قوله: فَلْيَأْكُلْ بِالْمَعْرُوفِ أي و لا يسرف،فإنّ اللّه يحاسبه عليه و يجازيه به.و فاعل(كفى)لفظة(اللّه)و الباء زائدة، و«كفى»يتعدّى إلى مفعولين دليله فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللّهُ البقرة:137.(1:208)

أبو حيّان :أي كافيا في الشّهادة عليكم،و معناه:

محسبا،من أحسبني كذا،أي كفاني،قاله الأعمش و الطّبريّ،فيكون«فعيلا»بمعنى«مفعل».أو محاسبا أو حاسبا لأعمالكم يجازيكم بها،فعليكم بالصّدق و إيّاكم و الكذب،فيكون في ذلك وعيد لجاحد الحقّ،و حسيب «فعيل»بمعنى«مفاعل»كجليس و خليط.أو بمعنى «فاعل»حوّل للمبالغة في الحسبان.[إلى أن قال:]

و انتصب(حسيبا)على التّمييز لصلاحيّة دخول (من)عليه،و قيل:على الحال.و(كفى)متعدّية إلى واحد و هو محذوف،التّقدير:و كفاكم اللّه حسيبا.(3:174)

ابن كثير :أي و كفى باللّه محاسبا و شاهدا و رقيبا على الأولياء،في حال نظرهم للأيتام،و حال تسليمهم لأموالهم.(2:206)

الشّربينيّ: أي حافظا لأعمال خلقه و محاسبتهم.(1:283)

نحوه البروسويّ.(2:167)

رشيد رضا :أي و كفى باللّه رقيبا عليكم و شهيدا يحاسبكم على ما أظهرتم و ما أسررتم،أو كفى باللّه كافيا في الشّهادة عليكم يوم الحساب.

الحسب بسكون السّين في الأصل:الكفاية،و فسّر الرّاغب الحسيب:بالرّقيب،و فسّره السّدّيّ:بالشّهيد، فهل هذان معنيان مستقلاّن أم من لوازم المعنى الأصليّ؟

قال الأستاذ الإمام:الحسيب هو المراقب المطّلع على ما يعمل العامل،و إنّما جاء بهذا بعد الأمر بالأشهاد القاطع لعرق النّزاع،ليدلّنا على أنّ الأشهاد و إن حصل و كان يسقط الدّعوى عند القاضي بالمال،لا يسقط الحقّ عند اللّه إذا كان الوليّ خائنا؛إذ لا تخفى عليه تعالى ما يخفى على الشّهود و الحكّام.(4:391)

نحوه المراغيّ.(4:190)

ص: 797

مكارم الشّيرازيّ: و اعلموا أنّ الحسيب الواقعيّ هو اللّه تعالى،و الأهمّ من ذلك هو أنّ حسابكم جميعا عنده لا يخفى عليه شيء أبدا،و لا يفوته صغير و لا كبير.

فإذا بدرت منكم خيانة خفيت على الشّهود،فإنّه سبحانه سيحصيها عليكم،و سوف يحاسبكم عليها و يؤاخذكم بها.(3:103)

2- وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً. النّساء:86

ابن عبّاس: مجازيا و شهيدا.(76)

نحوه مقاتل.(1:394)

مجاهد :حفيظا.(الطّبريّ 5:191)

أبو عبيدة :أي كافيا مقتدرا.يقال:أحسبني هذا، أي كفاني.(1:135)

نحوه البلخيّ.(الماورديّ 1:514)

الطّبريّ: إنّ اللّه كان على كلّ شيء ممّا تعملون أيّها النّاس-من الأعمال من طاعة و معصية-حفيظا عليكم،حتّى يجازيكم بها جزاءه.

و أصل الحسيب في هذا الموضع عندي«فعيل»من الحساب،الّذي هو في معنى الإحصاء،يقال منه:

حاسبت فلانا على كذا و كذا،و فلان حاسبه على كذا، و هو حسيبه؛و ذلك إذا كان صاحب حسابه.

و قد زعم بعض أهل البصرة من أهل اللّغة:أنّ معنى الحسيب في هذا الموضع:الكافي،يقال منه:أحسبني الشّيء يحسبني إحسابا،بمعنى كفاني،من قولهم:حسبي كذا و كذا.و هذا غلط من القول و خطأ؛و ذلك أنّه لا يقال في أحسبت الشّيء:أحسبت على الشّيء فهو حسيب عليه،و إنّما يقال:هو حسبه و حسيبه.(5:191)

نحوه النّحّاس.(2:150)

الزّجّاج: أي يعطي كلّ شيء من العلم و الحفظ و الجزاء مقدار ما يحسبه،أي يكفيه.تقول:حسبك بهذا،أي اكتف بهذا،و قوله تعالى: عَطاءً حِساباً النّبأ:36،أي كافيا.و إنّما سمّي الحساب في المعاملات حسابا،لأنّه يعلم ما فيه كفاية ليس فيها زيادة على المقدار،و لا نقصان.(2:87)

السّجستانيّ: فيه أربعة أقوال:كافيا و عالما و مقتدرا و محاسبا.(45)

الماورديّ: محاسبا على العمل للجزاء عليه،و هو قول بعض المتكلّمين.(1:514)

نحوه البغويّ(1:671)،و الشّربينيّ(1:320).

الزّمخشريّ: أي يحاسبكم على كلّ شيء من التّحيّة و غيرها.(1:550)

مثله النّسفيّ(1:241)،و نحوه البيضاويّ(1:

234).

ابن عطيّة: معناه حفيظا،هو«فعيل»من الحساب، و حسنت هاهنا هذه الصّفة؛إذ معنى الآية:في أن يزيد الإنسان أو ينقص أو يوفي قدر ما يجيء به.(2:87)

نحوه القرطبيّ.(5:305)

الفخر الرّازيّ: [فيه مسألتان:]

المسألة الأولى:في الحسيب قولان:الأوّل:أنّه بمعنى المحاسب على العمل كالأكيل و الشّريب و الجليس،بمعنى المؤاكل و المشارب و المجالس.

الثّاني:أنّه بمعنى الكافي،في قولهم:حسبي كذا،أي

ص: 798

كافي،و منه قوله تعالى: حَسْبِيَ اللّهُ.

المسألة الثّانية:المقصود منه الوعيد،فإنّا بيّنّا أنّ الواحد منهم قد كان يسلّم على الرّجل المسلم ثمّ إنّ ذلك المسلم ما كان يتفحّص عن حاله،بل ربّما قتله طمعا منه في سلبه،فاللّه تعالى زجر عن ذلك،فقال: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها و إيّاكم أن تتعرّضوا له بالقتل.ثمّ قال: إِنَّ اللّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً أي هو محاسبكم على أعمالكم،و كاف في إيصال جزاء أعمالكم إليكم،فكونوا على حذر من مخالفة هذا التّكليف.و هذا يدلّ على شدّة العناية بحفظ الدّماء، و المنع من إهدارها.(10:215)

النّيسابوريّ: فيحاسبكم على محافظة حقوق التّحيّة و غيرها،فكونوا على حذر من مخالفته.

(5:104)

أبو حيّان :أي حاسبا من الحساب،أو محسبا من الإحساب و هو الكفاية،فإمّا«فعيل»للمبالغة و إمّا بمعنى «مفعل».(3:310)

أبو السّعود :فيحاسبكم على كلّ شيء من أعمالكم الّتي من جملتها ما أمرتم به من التّحيّة،فحافظوا على مراعاتها حسبما أمرتم به.(2:174)

نحوه البروسويّ(2:252)،و الآلوسيّ(5:103)، و القاسميّ(5:1424).

3- اِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً.

الإسراء:14

ابن عبّاس: شهيدا بما عملت.(234)

مثله القاسميّ.(10:3911)

الطّبريّ: حسبك اليوم نفسك عليك حاسبا يحسب عليك أعمالك،فيحصيها عليك،لا نبتغي عليك شاهدا غيرها،و لا نطلب عليك محصيا سواها.(15:53)

الزّجّاج: و المعنى:كفت نفسك حسيبة،أي إذا كنت تشهد على نفسك فكفاك بهذا.و(حسيبا)منصوب على التّمييز.(3:231)

نحوه ابن عطيّة.(3:443)

ابن الأنباريّ: إنّما قال:(حسيبا)و النّفس مؤنّثة، لأنّه يعني بالنّفس الشّخص أو لأنّه لا علامة للتّأنيث في لفظ النّفس،فشبّهت بالسّماء و الأرض.

(ابن الجوزيّ 5:16)

الماورديّ: فيه قولان:

أحدهما:يعني شاهدا.

و الثّاني:يعني حاكما بعملك من خير أو شرّ،و لقد أنصفك من جعلك حسيبا على نفسك بعملك.(3:233)

الطّوسيّ: أي حسبك نفسك اليوم حاكما عليك في عملك و ما تستحقّه من ثواب على الطّاعة و من عقاب على المعصية،لأنّه أنصفك من جعلك حسيبا على نفسك بعملك.

و قيل:معنى(حسيبا)شاهدا و شهيدا.(6:457)

القشيريّ: من ساعدته العناية الأزليّة حفظ عند معاملاته ممّا يكون وبالا عليه يوم حسابه،و من أبلاه بحكمه ردّه و أمهله،ثمّ تركه و عمله.فإذا استوفى أجله عرف ما ضيّعه و أهمله،و يومئذ يحكّمه في حال نفسه و هو لا محالة،يحكم بنفسه باستحقاقه لعذابه عند ما

ص: 799

يتحقّق من قبيح أعماله فكم من حسرة يتجرّعها،و كم من خيبة يتلقّاها!

و يقال:من حاسبه بكتابه،فكتابه ملازمه في حسابه،فيقول:ربّ لا تحاسبني بكتابي،و لكن حاسبني بما قلت:إنّك غافر الذّنب و قابل التّوب،لا تعاملني بمقتضى كتابي،ففيه بواري و هلاكي.(4:12)

الواحديّ: الحسيب:المحاسب،كالشّريك و الجليس.

و المعنى أنّ الإنسان يفوّض إليه حسابه،ليعلم عدل اللّه بين العباد،و يرى وجوب حجّة اللّه عليه،و استحقاقه العقوبة،ثمّ إن كان مؤمنا دخل الجنّة بفضل اللّه لا بعمله، و إن كان كافرا استوجب النّار بكفره.(3:100)

الميبديّ: أي محاسبا،و قيل:حاكما،و قيل شاهدا،و هو منصوب على التّمييز.(5:529)

الزّمخشريّ: (حسيبا)تمييز،و هو بمعنى حاسب، كضريب القداح بمعنى ضاربها،و صريم بمعنى صارم، ذكرهما سيبويه.و(على)متعلّق به من قولك:حسب عليه كذا.و يجوز أن يكون بمعنى الكافي وضع موضع الشّهيد فعدّي ب(على)لأنّ الشّاهد يكفي المدّعي ما أهمّه.

فإن قلت:لم ذكر حسيبا؟

قلت:لأنّه بمنزلة الشّهيد و القاضي و الأمير،لأنّ الغالب أنّ هذه الأمور يتولاّها الرّجال،فكأنّه قيل:كفى بنفسك رجلا حسيبا.[ثمّ ذكر نحو ابن الأنباريّ]

(2:441)

نحوه البيضاويّ(1:580)،و النّسفيّ(2:309)، و النّيسابوريّ(15:15)،و أبو السّعود(4:117)، و البروسويّ(5:141).

ابن عطيّة:و الحسيب:الحاسب،و نصبه على التّمييز.(3:443)

الطّبرسيّ: أي محاسبا.و إنّما جعله محاسبا لنفسه، لأنّه إذا رأى أعماله يوم القيامة كلّها مكتوبة،و رأى جزاء أعماله مكتوبا بالعدل،لم ينقص عن ثوابه شيء و لم يزد على عقابه شيء،أذعن عند ذلك و خضع و تضرّع و اعترف،و لم يتهيّأ له حجّة و لا إنكار،و ظهر لأهل المحشر أنّه لا يظلم.(3:404)

نحوه مغنيّة.(5:28)

ابن الجوزيّ: و في معنى(حسيبا)ثلاثة أقوال:

أحدها:محاسبا،و الثّاني:شاهدا،و الثّالث:كافيا.[ثمّ قال مثل الواحديّ](5:16)

الشّربينيّ: أي حاسبا بليغا،فإنّك تعطى القدرة على قراءته أمّيّا كنت أو قارئا،و لا ترى فيه زيادة و لا نقصانا،و لا تقدر أن تنكر منه حرفا،و إن أنكره لسانك، شهدت عليك أركانك،فيا لها من قدرة باهرة،و قوّة قاهرة،و نصفة ظاهرة.[ثمّ نقل الأقوال و أضاف:]

فإن قيل:قد قال تعالى: وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ فكيف الجمع في ذلك؟

أجيب:بأنّ المراد بالحسيب هنا:الشّهيد،أي كفى بشخصك اليوم شاهدا عليك،أو أنّ القيامة مواقف مختلفة،ففي موقف يكل اللّه تعالى حسابهم إلى أنفسهم و علمه محيط بهم،و في آخر يحاسبهم هو.(2:288)

الآلوسيّ: و(حسيبا)تمييز،كقوله تعالى:

وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً النّساء:69،و قولهم:«للّه تعالى درّه فارسا».و قيل:حال،و(عليك)متعلّق به،

ص: 800

قدّم لرعاية الفواصل،و عدّي ب(على)لأنّه بمعنى الحاسب و العادّ،و هو يتعدّى ب(على)كما تقول:عدّد عليه قبائحه،و جاء«فعيل»الصّفة من فعل يفعل بكسر العين في المضارع،كالصّريم بمعنى الصّارم،و ضريب القداح بمعنى ضاربها إلاّ أنّه قليل.

أو بمعنى«الكافي»فتجوّز به عن معنى الشّهيد،لأنّه يكفي المدّعي ما أهمّه،فعدّي ب(على)كما يعدّى الشّهيد.

و قيل:هو بمعنى«الكافي»من غير تجوّز،لكنّه عدّي تعدية الشّهيد للزوم معناه له،كما في«أسد عليّ»و هو تكلّف بارد.

و تذكيره و هو«فعيل»بمعنى«فاعل»وصف للنّفس المؤنّثة معنى،لأنّ الحساب و الشّهادة ممّا يغلب في الرّجال،فأجري ذلك على أغلب أحواله،فكأنّه قيل:

كفى بنفسك رجلا حسيبا.أو لأنّ النّفس مؤوّلة بالشّخص،كما يقال:ثلاثة أنفس.أو لأنّ«فعيل» المذكور محمول على«فعيل»بمعنى«فاعل».

و الظّاهر أنّ المراد بالنّفس:الذّات،فكأنّه قيل:كفى بك حسيبا عليك.

و جعل بعضهم في ذلك تجريدا،فقيل:إنّه غلط فاحش.و تعقّب بأنّ فيه بحثا،فإنّ الشّاهد يغاير المشهود عليه.فإن اعتبر كون الشّخص في تلك الحال كأنّه شخص آخر،كان تجريدا لكنّه لا يتعلّق به غرض هنا.

و عن مقاتل:أنّ المراد بالنّفس:الجوارح،فإنّها تشهد على العبد إذا أنكر،و هو خلاف الظّاهر.(15:33)

المراغيّ: اقرأ كتاب عملك الّذي عملته في الدّنيا، و كان الملكان يكتبانه و يحصيانه عليك،و حسبك اليوم نفسك عليك حاسبا،تحسب عليك أعمالك فنحصيها، لا نبتغي عليك شاهدا غيرها،و لا نطلب محصيا سواها.(15:23)

مكارم الشّيرازيّ: يعني أنّ المسألة-مسألة المصير-بدرجة من الوضوح و العلنيّة و الانكشاف؛ بحيث لا يمكن للإنسان النّكران مع وجود كلّ الشّواهد و الأدلّة الحيّة،و أنّ من ينظر إلى صحيفة أعماله يستطيع -مهما كان مجرما-أن يقضي و يحكم عليها...لما ذا؟لأنّ صحيفة الأعمال هذه-كما سيأتي-هي مجموعة من آثار الأعمال،أو هي نفس الأعمال.

و بالتّالي فلا مجال لشيء يمكن نكرانه،فإذا سمعت- أنا-صوتي من شريط مسجّل،أو رأيت صورتي و هي تضبط قيامي ببعض الأعمال الحسنة أو السّيّئة،فهل أستطيع أن أنكر ذلك؟كذلك صحيفة الأعمال في يوم القيامة،بل هي أكثر حيويّة و دقّة من الصّورة و الصّوت!(8:377)

4- اَلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللّهِ وَ يَخْشَوْنَهُ وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ وَ كَفى بِاللّهِ حَسِيباً. الأحزاب:39

ابن عبّاس: شهيدا.(354)

الطّبريّ: و كفاك يا محمّد باللّه حافظا لأعمال خلقه، و محاسبا لهم عليها.(22:15)

نحوه البغويّ(3:645)،و الميبديّ(8:52)، و الطّبرسيّ(4:361)،و الشّربينيّ(3:252)، و القاسميّ(13:4866).

الطّوسيّ: أي كافيا و مجازيا.(8:346)

ص: 801

الواحديّ: مجازيا لمن يخشاه.(3:474)

الزّمخشريّ: كافيا للمخاوف،أو محاسبا على الصّغيرة و الكبيرة،فيجب أن يكون حقّ الخشية من مثل.(3:264)

نحوه البيضاويّ(2:247)،و النّسفيّ(3:305)، و النّيسابوريّ(22:14)،و أبو حيّان(7:236)، و أبو السّعود(5:229)،و البروسويّ(7:183)، و الآلوسيّ(22:28)،و الطّباطبائيّ(16:324)، و فضل اللّه(18:322).

ابن عطيّة: بمعنى محسب،أي كافيا.(4:388)

الفخر الرّازيّ: أي محاسبا فلا تخش غيره أو محسوبا فلا تلتفت إلى غيره،و لا تجعله في حسابك.

(25:213)

بغير حساب

1- وَ اللّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ. البقرة:212

ابن عبّاس: بغير حزم و تكلّف.(29)

يعني كثيرا بغير مقدار،لأنّ كلّ ما دخل عليه الحساب فهو قليل.(البغويّ 1:271)

ليس على اللّه رقيب،و لا من يحاسبه.

(الدّرّ المنثور 1:242)

سعيد بن جبير: لا يحاسب الرّبّ.

(الدّرّ المنثور 1:242)

الضّحّاك: يعني من غير تبعة يرزقه في الدّنيا،و لا يحاسبه في الآخرة.(البغويّ 1:271)

الحسن :دائم لا يتناهى فيصير محسوبا.

(الماورديّ 1:270)

الرّبيع:لا يخرجه بحساب يخاف أن ينقص ما عنده،إنّ اللّه لا ينقص ما عنده.(الدّرّ المنثور 1:242)

الخليل: اختلف فيه،فيقال:بغير تقدير على أجر بالنّقصان،و يقال:بغير محاسبة،ما إن يخاف أحدا يحاسبه،و يقال:بغير أن حسب المعطى أنّه يعطيه:أعطاه من حيث لم يحتسب.(3:149)

قطرب: معناه أنّه يعطي العدد من الشّيء لا ممّا يضبط بالحساب،و لا يأتي عليه العدد،لأنّ ما يقدر عليه غير متناه و لا محصور،فهو يعطي الشّيء لا من عدد أكثر منه،و لا ينقص منه كالمعطي من الآدميّين الألف من الألفين و العشرة من المائة.(الطّوسيّ 2:193)

أبو عبيدة :بغير محاسبة.(1:72)

الطّبريّ: و اللّه يعطي الّذين اتّقوا يوم القيامة من نعمه و كراماته و جزيل عطاياه،بغير محاسبة منه لهم، على ما منّ به عليهم من كرامته.

فإن قال لنا قائل:و ما في قوله: يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ من المدح؟

قيل:المعنى الّذي فيه من المدح الخبر عن أنّه غير خائف نفاد خزائنه،فيحتاج إلى حساب ما يخرج منها؛ إذ كان الحساب من المعطي إنّما يكون ليعلم قدر العطاء الّذي يخرج من ملكه إلى غيره،لئلاّ يتجاوز في عطاياه إلى ما يجحف به.فربّنا تبارك و تعالى غير خائف نفاد خزائنه،و لا انتقاص شيء من ملكه،بعطائه ما يعطي عباده،فيحتاج إلى حساب ما يعطي،و إحصاء ما يبقي، فذلك المعنى الّذي في قوله: وَ اللّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ. (2:334)

ص: 802

قيل:المعنى الّذي فيه من المدح الخبر عن أنّه غير خائف نفاد خزائنه،فيحتاج إلى حساب ما يخرج منها؛ إذ كان الحساب من المعطي إنّما يكون ليعلم قدر العطاء الّذي يخرج من ملكه إلى غيره،لئلاّ يتجاوز في عطاياه إلى ما يجحف به.فربّنا تبارك و تعالى غير خائف نفاد خزائنه،و لا انتقاص شيء من ملكه،بعطائه ما يعطي عباده،فيحتاج إلى حساب ما يعطي،و إحصاء ما يبقي، فذلك المعنى الّذي في قوله: وَ اللّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ. (2:334)

الزّجّاج: أي ليس يرزق المؤمن على قدر إيمانه و لا يرزق الكافر على قدر كفره،فهذا معنى بِغَيْرِ حِسابٍ، أي ليس يحاسبه بالرّزق في الدّنيا على قدر العمل،و لكن الرّزق في الآخرة على قدر العمل و ما يتفضّل اللّه به عزّ و جلّ.(1:282)

نحوه النّحّاس.(1:158)

الثّعلبيّ: [نقل قول ابن عبّاس الأوّل و الضّحّاك و أضاف:]و قيل:إنّ هذا راجع إلى اللّه،ثمّ هو يحتمل على هذا القول معنيين:أحدهما:أنّه لا يفترض عليه، و لا يحاسب فيما يرزق،و لا يقال له:لما أعطيت هذا، و حرمت هذا؟و لم أعطيت هذا أكثر ممّا أعطيت ذاك؟ لأنّه لا شريك له بما عنده،و لا قسيم ينازعه.

و المعنى الآخر:أنّه لا يخاف نفاذ خزائنه،فيحتاج إلى حساب ما يخرج منها إذا كان الحساب من المعطي،إنّما يكون ليعمّ أقدر العطاء لئلاّ يتجاوز في عطائه إلى ما يجحف به،فهو لا يحتاج إلى الحساب،لأنّه عالم غنيّ لا يخاف نفاد خزائنه،لأنّها بين الكاف و النّون.

(2:132)

الماورديّ: فإن قيل:كيف يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ و قد قال تعالى: عَطاءً حِساباً النّبأ:

36 ففي هذا ستّة أجوبة:

أحدها:أنّ النّقصان بغير حساب،و الجزاء بالحساب.

و الثّاني:بغير حساب لسعة ملكه الّذي لا يفنى بالعطاء،لا يقدّر بالحساب

و الثّالث:أنّ كفايتهم بغير حساب و لا تضييق.

و الرّابع:[قول الحسن]

و الخامس:أنّ الرّزق في الدّنيا بغير حساب،لأنّه يعمّ به المؤمن و الكافر،فلا يرزق المؤمن على قدر إيمانه و لا الكافر على قدر كفره.

و السّادس:أنّه يرزق المؤمنين في الآخرة،و أنّه لا يحاسبهم عليه،و لا يمنّ عليهم به.(1:270)

الطّوسيّ: قيل:فيه خمسة أقوال:

أحدها:أنّ معناه أنّه يعطيهم الكثير الواسع الّذي لا يدخله الحساب من كثرته.

الثّاني:أنّه ليس يرزق المؤمن على قدر إيمانه،و لا الكافر على قدر كفره في الدّنيا،و لكنّ الرّزق في الآخرة على قدر العمل،و ما يتفضّل اللّه به و يضاعف به على المؤمنين ما يشاء من فضله زيادة على كفايته.

الثّالث:أنّه يعطي عطاء لا يؤاخذه بذلك أحد،و لا يسأله عنه سائل،و لا يطالب عليه بجزاء،و لا مكافأة، و لا يثبت ذكره مخافة الإعدام و الإقلال،لأنّ عطيّته ليست من أصل ينقص،بل خزائنه لا تفنى و لا تنفد جلّ اللّه تعالى.

و الرّابع:[قول قطرب المتقدّم]

و الخامس:قال بعضهم:إنّما عنى بذلك إعطاء أهل الجنّة،لأنّ اللّه تعالى يعطيهم ما لا يتناهى،و لا يأتي عليه الحساب.فكلّ ذلك حسن جائز.(2:192)

الرّاغب: فيه أوجه:

الأوّل:يعطيه أكثر ممّا يستحقّه.

و الثّاني:يعطيه و لا يأخذه منه.

ص: 803

و الثّالث:يعطيه عطاء لا يمكن للبشر إحصاؤه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الرّابع:يعطيه بلا مضايقة،من قولهم:حاسسته إذا ضايقته.

و الخامس:يعطيه أكثر ممّا يحسبه.

و السّادس:أن يعطيه بحسب ما يعرفه من مصلحته، لا على حسب حسابهم؛و ذلك نحو ما نبّه عليه بقوله تعالى: وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ... الزّخرف:33.

و السّابع:يعطي المؤمن و لا يحاسبه عليه،و وجه ذلك أنّ المؤمن لا يأخذ من الدّنيا إلاّ قدر ما يجب و كما يجب و في وقت ما يجب،و لا ينفق إلاّ كذلك،و يحاسب نفسه،فلا يحاسبه اللّه حسابا يضرّه كما روي:«من حاسب نفسه في الدّنيا لم يحاسبه اللّه يوم القيامة».

و الثّامن:يقابل اللّه المؤمنين في القيامة لا بقدر استحقاقهم بل بأكثر منه،كما قال عزّ و جلّ: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ أَضْعافاً كَثِيرَةً البقرة:245.

و على نحو هذه الأوجه قوله تعالى: فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ المؤمن:

40،و قوله تعالى: هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ص:39.(117)

نحوه القاسميّ.(3:526)

البغويّ: [نقل قولي ابن عبّاس و الضّحّاك ثمّ قال:]

و قيل:هذا يرجع إلى اللّه،معناه:يقترّ على من يشاء و يبسط لمن يشاء،و لا يعطي كلّ أحد بقدر حاجته بل يعطي الكثير لمن لا يحتاج إليه و لا يعطي القليل من يحتاج إليه،فلا يعترض عليه و لا يحاسب فيما يرزق،و لا يقال:لم أعطيت هذا و حرمت هذا،و لم أعطيت هذا أكثر ممّا أعطيت ذاك؟و لا يسأل عمّا يفعل.

و قيل:معناه لا يخاف نفاد خزائنه،فيحتاج إلى حساب ما يخرج منها،لأنّ الحساب من المعطي إنّما يكون لما يخاف من نفاد خزائنه،و اللّه تعالى خزائنه لا تنقص بكثرة الإنفاق.(1:271)

الواحديّ: يعني ليس فوقه من يحاسبه،فهو الملك يعطي من يشاء بغير حساب.(1:315)

الزّمخشريّ: بغير تقدير،يعني أنّه يوسّع على من توجب الحكمة التّوسعة عليه كما وسّع على قارون و غيره،فهذه التّوسعة عليكم من جهة اللّه لما فيه من الحكمة،و هي استدراجكم بالنّعمة،و لو كانت كرامة لكان أولياؤه المؤمنون أحقّ بها منكم.(1:355)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ إلاّ أنّه قال:]

ثانيها:أنّه لا يرزق النّاس في الدّنيا على مقابلة أعمالهم و إيمانهم و كفرهم،فلا يدلّ بسط الرّزق للكافر على منزلته عند اللّه.و إن قلنا إنّ المراد به في الآخرة فمعناه أنّ اللّه لا يثيب المؤمنين في الآخرة على قدر أعمالهم الّتي سلفت منهم،بل يزيدهم تفضّلا.(1:305)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: وَ اللّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ فيحتمل أن يكون المراد منه:ما يعطي اللّه المتّقين في الآخرة من الثّواب،و يحتمل أن يكون المراد:ما يعطي في الدّنيا أصناف عبيده من المؤمنين و الكافرين.

ص: 804

فإذا حملناه على رزق الآخرة احتمل وجوها:

أحدها:أنّه يرزق من يشاء في الآخرة،و هم المؤمنون بغير حساب،أي رزقا واسعا رغدا لا فناء له، و لا انقطاع،و هو كقوله: فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يرزقون فيها بغير حساب.فإنّ كلّ ما دخل تحت الحساب و الحصر و التّقدير فهو متناه،فما لا يكون متناهيا كان لا محالة خارجا عن الحساب.

و ثانيها:أنّ المنافع الواصلة إليهم في الجنّة بعضها ثواب،و بعضها تفضّل،كما قال: فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ النّساء:173،فالفضل منه بلا حساب.

و ثالثها:أنّه لا يخاف نفادها عنده،فيحتاج إلى حساب ما يخرج منه،لأنّ المعطي إنّما يحاسب ليعلم مقدار ما يعطي و ما يبقي،فلا يتجاوز في عطاياه إلى ما يجحف به.و اللّه لا يحتاج إلى الحساب،لأنّه عالم غنيّ لا نهاية لمقدوراته.

و رابعها:أنّه أراد بهذا رزق أهل الجنّة؛و ذلك لأنّ الحساب إنّما يحتاج إليه إذا كان بحيث إذا أعطى شيئا انتقص قدر الواجب عمّا كان.و الثّواب ليس كذلك،فإنّه بعد انقضاء الأدوار و الأعصار يكون الثّواب المستحقّ بحكم الوعد و الفضل باقيا؛فعلى هذا لا يتطرّق الحساب البتّة إلى الثّواب.

و خامسها:أراد أنّ الّذي يعطي لا نسبة له إلى ما في الخزانة،لأنّ الّذي يعطي في كلّ وقت يكون متناهيا لا محالة،و الّذي في خزانة قدرة اللّه غير متناه،و المتناهي لا نسبة له إلى غير المتناهي،فهذا هو المراد من قوله:

(بغير حساب)و هو إشارة إلى أنّه لا نهاية لمقدورات اللّه تعالى.

و سادسها: بِغَيْرِ حِسابٍ أي بغير استحقاق، يقال:لفلان على فلان حساب،إذا كان له عليه حقّ.

و هذا يدلّ على أنّه لا يستحقّ عليه أحد شيئا،و ليس لأحد معه حساب بل كلّ ما أعطاه فقد أعطاه بمجرّد الفضل و الإحسان،لا بسبب الاستحقاق.

و سابعها: بِغَيْرِ حِسابٍ أي يزيد على قدر الكفاية.يقال:فلان ينفق بالحساب،إذا كان لا يزيد على قدر الكفاية،فأمّا إذا زاد عليه فإنّه يقال:ينفق بغير حساب.

و ثامنها: بِغَيْرِ حِسابٍ أي يعطي كثيرا،لأنّ ما دخله الحساب فهو قليل.

و اعلم أنّ هذه الوجوه كلّها محتملة،و عطايا اللّه لها منتظمة،فيجوز أن يكون المراد كلّها،و اللّه أعلم.

أمّا إذا حملنا الآية على ما يعطي في الدّنيا أصناف عباده من المؤمنين و الكافرين،ففيه وجوه:

أحدها،و هو أليق بنظم الآية:أنّ الكفّار إنّما كانوا يسخرون من فقراء المسلمين،لأنّهم كانوا يستدلّون بحصول السّعادات الدّنيويّة على أنّهم على الحقّ، و يحرمون فقراء المسلمين من تلك السّعادات على أنّهم على الباطل،فاللّه تعالى أبطل هذه المقدّمة بقوله: وَ اللّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ يعني أنّه يعطي في الدّنيا من يشاء من غير أن يكون ذلك منبئا عن كون المعطى محقّا أو مبطلا أو محسنا أو مسيئا؛و ذلك متعلّق بمحض المشيئة.فقد وسّع الدّنيا على قارون،و ضيّقها على

ص: 805

أيّوب عليه السّلام.فلا يجوز لكم أيّها الكفّار أن تستدلّوا بحصول متاع الدّنيا لكم،و عدم حصولها لفقراء المسلمين على كونكم محقّين،و كونهم مبطلين.بل الكافر قد يوسّع عليه زيادة في الاستدراج،و المؤمن قد يضيّق عليه زيادة في الابتلاء و الامتحان،و لهذا قال تعالى: وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ لِبُيُوتِهِمْ سُقُفاً مِنْ فِضَّةٍ الزّخرف:33.

و ثانيها:أنّ المعنى:أنّ اللّه يرزق من يشاء في الدّنيا من كافر و مؤمن بغير حساب،يكون لأحد عليه،و لا مطالبة،و لا تبعة،و لا سؤال سائل.و المقصود منه أن لا يقول الكافر:لو كان المؤمن على الحقّ فلم لم يوسّع عليه في الدّنيا؟و أن لا يقول المؤمن:إن كان الكافر مبطلا فلم وسّع عليه في الدّنيا؟بل الاعتراض ساقط،و الأمر أمره،و الحكم حكمه لا يُسْئَلُ عَمّا يَفْعَلُ وَ هُمْ يُسْئَلُونَ الأنبياء:23.

و ثالثها:قوله: بِغَيْرِ حِسابٍ أي من حيث لا يحتسب،كما يقول الرّجل إذا جاءه ما لم يكن في تقديره:لم يكن هذا في حسابي.فعلى هذا الوجه يكون معنى الآية:أنّ هؤلاء الكفّار و إن كانوا يسخرون من الّذين آمنوا لفقرهم،فاللّه تعالى قد يرزق من يشاء من حيث لا يحتسب،و لعلّه يفعل ذلك بالمؤمنين.قال القفّال رحمه اللّه:و قد فعل ذلك بهم فأغناهم بما أفاء عليهم من أموال صناديد قريش و رؤساء اليهود،و بما فتح على رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم بعد وفاته على أيدي أصحابه،حتّى ملكوا كنوز كسرى و قيصر.

فإن قيل:قد قال تعالى في صفة المتّقين و ما يصل إليهم: عَطاءً حِساباً أ ليس ذلك كالمناقض لما في هذه الآية؟

قلنا:أمّا من حمل قوله: بِغَيْرِ حِسابٍ على التّفضّل،و حمل قوله: عَطاءً حِساباً على المستحقّ بحسب الوعد،على ما هو قولنا؛أو بحسب الاستحقاق على ما هو قول المعتزلة،فالسّؤال ساقط.

و أمّا من حمل قوله: بِغَيْرِ حِسابٍ على سائر الوجوه،فله أن يقول:إنّ ذلك العطاء إذا كان يتشابه في الأوقات و يتماثل،صحّ من هذا الوجه أن يوصف بكونه عَطاءً حِساباً و لا ينقضه ما ذكرناه في معنى قوله:

بِغَيْرِ حِسابٍ. (6:9)

القرطبيّ: قيل:هو إشارة إلى هؤلاء المستضعفين، أي يرزقهم علوّ المنزلة،فالآية تنبيه على عظيم النّعمة عليهم.و جعل رزقهم بغير حساب من حيث هو دائم لا يتناهى،فهو لا ينعدّ.

و قيل:إنّ قوله: بِغَيْرِ حِسابٍ صفة لرزق اللّه تعالى كيف يصرف؛إذ هو جلّت قدرته لا ينفق بعدّ، ففضله كلّه بغير حساب،و الّذي بحساب ما كان على عمل قدّمه العبد،قال اللّه تعالى: جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً النّبأ:36،و اللّه أعلم.

و يحتمل أن يكون المعنى بغير احتساب من المرزوقين،كما قال: وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ الطّلاق:3.(3:30)

البيضاويّ: بغير تقدير،فيوسّع في الدّنيا استدراجا تارة و ابتلاء أخرى.(1:113)

أبو حيّان :أي بغير نهاية،لأنّ ما لا يتناهى خارج

ص: 806

عن الحساب.أو يكون المعنى:أنّ بعضها ثواب،و بعضها تفضيل محض،فهو بغير حساب.[إلى أن قال:]

و بغير حساب تقدّمه ثلاثة أشياء،يصلح تعلّقه بها الفعل و الفاعل و المفعول الأوّل و هو(من)فإن كان للفعل فهو من صفات المصدر،و إن كان للفاعل فهو من صفاته، أو للمفعول فهو من صفاته.

فإذا كان للفعل كان المعنى:يرزق من يشاء رزقا غير حساب،أي غير ذي حساب.و يعني بالحساب:

العدّ،فهو لا يحصى و لا يحصر من كثرته.أو يعني به المحاسبة في الآخرة،أي رزقا لا يقع عليه حساب في الآخرة،و تكون على هذا(الباء)زائدة.

و إذا كان للفاعل كان في موضع الحال،المعنى:يرزق اللّه غير محاسب عليه،أي متفضّلا في إعطائه لا يحاسب عليه،أو غير عادّ عليه ما يعطيه،و يكون ذلك مجازا عن التّقتير و التّضييق،فيكون(حساب)مصدرا عبّر به عن اسم الفاعل من«حاسب»أو عن اسم الفاعل من «حسب»،و تكون الباء زائدة في الحال.و قد قيل:إنّ الباء زيدت في الحال المنفيّة،و هذه الحال لم يتقدّمها نفي.

[ثمّ استشهد بشعر]

و يحتمل في هذا الوجه أن يكون(حساب)مصدرا عبّر به عن اسم المفعول،أي غير محاسب على ما يعطي تعالى،أي لا أحد يحاسب اللّه تعالى على ما منح،فعطاؤه غمرا لا نهاية له.

و إذا كان ل(من)و هو المفعول الأوّل ل(يرزق) فالمعنى أنّ المرزوق غير محاسب على ما يرزقه اللّه تعالى، فيكون أيضا حالا منه،و يقع(الحساب)الّذي هو المصدر على المفعول الّذي هو محاسب من«حاسب»،أو المفعول من«حسب»أي غير معدود عليه ما رزق،أو على حذف مضاف،أي غير ذي حساب،و يعني بالحساب المحاسبة أو العدّ،و الباء زائدة في هذه الحال أيضا.

و يحتمل في هذا الوجه أن يكون المعنى أنّه يرزق من حيث لا يحتسب،أي من حيث لا يظنّ و لا يقدّر أن يأتيه الرّزق،كما قال: وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ الطّلاق:3،فيكون حالا أيضا،أي غير محتسب،و هذه الأوجه كلّها متكلّفة،و فيها زيادة الباء.

و الأولى أن تكون الباء للمصاحبة،و هي الّتي يعبّر عنها بباء الحال،و على هذا يصلح أن تكون للمصدر و للفاعل و للمفعول،و يكون الحساب مرادا به المحاسبة أو العدّ،أي يرزق من يشاء و لا حساب على الرّزق،أو و لا حساب للرّازق،أو و لا حساب على المرزوق.

و كون الباء لها معنى أولى من كونها زائدة،و كون المصدر باقيا على المصدريّة أولى من كونه مجازا عن اسم فاعل أو اسم مفعول،و كونه مضافا ل(غير)أولى من جعله مضافا ل(ذي)محذوفة.

و لا تعارض بين قوله: جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً أي محسبا،أي كافيا،من أحسبني كذا،إذا كفاك و(بغير حساب)معناه العدّ أو المحاسبة،أو لاختلاف متعلّقيهما إن كانا بمعنى واحد.

فالاختلاف بالنّسبة إلى صفتي الرّزق و العطاء في الآخرة ف(بغير حساب)في التّفضّل المحض و(عطاء حسابا)في الجزاء المقابل للعمل،أو بالنّسبة إلى اختلاف طرفيهما،ف(بغير حساب)في الدّنيا إذ يرزق الكافر

ص: 807

و المؤمن و لا يحاسب المرزوقين عليه،و في الآخرة يحاسب.أو بالنّسبة إلى اختلاف من قاما به فبغير حساب اللّه تعالى،و هو حال منه،أي يرزق و لا يحاسب عليه أو و لا يعدّ عليه،و(حسابا)صفة للعطاء،فقد اختلف من جهة من قاما به،و زال بذلك التّعارض.

(2:131)

البروسويّ: بغير نهاية إلى أبد الآباد،فإنّ ما لا نهاية له لا مدخل له تحت الحساب.

و فيه معنى آخر بِغَيْرِ حِسابٍ يعني ما يرزق العبد في الدّنيا من الدّنيا فلحرامها عذاب و لحلالها حساب،و ما يرزق العبد في الآخرة من النّعيم المقيم فبغير حساب،كذا في«التّأويلات النّجميّة».(1:329)

2- هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ.

ص:39

ابن عبّاس: من غير أن تحاسب و تأثم بذلك.

(383)

سعيد بن جبير: بغير حساب تحاسب عليه يوم القيامة.(الماورديّ 5:100)

مجاهد :أي بغير حرج.(النّحّاس 6:118)

الضّحّاك: معناه لا تحاسب على ما تعطي و تمنع منه يوم القيامة،ليكون أهنأ لك،و معناه ليس عليك تبعة.

مثله قتادة.(الطّوسيّ 8:565)

الحسن :ما أنعم اللّه على أحد نعمة إلاّ عليه تبعة، إلاّ سليمان فإنّه إن أعطى أجر،و إن لم يعط لم يكن عليه تبعة.(البغويّ 4:73)

أبو عبيدة :سبيلها سبيلان:فأحدهما:بغير جزاء، و الآخر:بغير ثواب و بغير منّة و لا قلّة.(2:184)

الزّجّاج: بغير منّة عليك،و إن شئت بِغَيْرِ حِسابٍ: بغير جزاء.(4:334)

الرّمّانيّ: بغير تقدير فيما تعطي و تمنع.

(الماورديّ 5:100)

الطّوسيّ: و قيل:معناه بغير مقدار يجب عليك إخراجه من يدك،و يكون بغير حساب.(8:566)

القشيريّ: أي فأعط أو أمسك،و احفظ و ليس عليك حساب.(5:257)

الواحديّ: لا حرج عليك فيما أعطيت و فيما أمسكت.[إلى أن قال:]

أي بغير جزاء،يعني أعطيناك تفضّلا لا مجازاة.

(3:556)

الزّمخشريّ: أي لا حساب عليك في ذلك.

(3:376)

البيضاويّ: حال من المستكنّ في الأمر،أي غير محاسب على منّه،و إمساكه:لتفويض التّصرّف فيه إليك،أو من العطاء،أو صلة له،و ما بينهما اعتراض.(2:311)

نحوه أبو السّعود(5:364)،و البروسويّ(8:39).

النّسفيّ: بِغَيْرِ حِسابٍ متعلّق ب(عطاؤنا).

و قيل:هو حال،أي هذا عطاؤنا جمّا كثيرا لا يكاد يقدر على حصره.أو هذا التّسخير عطاؤنا،فامنن على من شئت من الشّياطين بالإطلاق،أو أمسك من شئت منهم في الوثاق بغير حساب،أي لا حساب عليك في ذلك.(4:42)

ص: 808

نحوه النّيسابوريّ(23:94)،و أبو حيّان(7:399)، و الشّربينيّ(3:418)،و القاسميّ(14:5104).

الآلوسيّ: إمّا حكاية لما خوطب به سليمان عليه السّلام، مبيّنة لعظم شأن ما أوتي من الملك،و أنّه مفوّض إليه تفويضا كلّيّا.و إمّا مقول لقول مقدّر هو معطوف على (سخّرنا).أو حال من فاعله،أي و قلنا أو قائلين له هذا إلخ.

و الإشارة إلى ما أعطاه ممّا تقدّم،أي هذا الّذي أعطيناكه من الملك العظيم و البسطة و التّسليط-على ما لم يسلّط عليه غيرك-عطاؤنا الخاصّ بك،فأعط من شئت و امنع من شئت،غير محاسب على شيء من الأمرين،و لا مسئول عنه في الآخرة،لتفويض التّصرّف فيه إليك على الإطلاق.

ف بِغَيْرِ حِسابٍ حال من المستكنّ في الأمر، و الفاء جزائيّة،و هذا عَطاؤُنا مبتدأ و خبر، و الإخبار مفيد لما أشرنا إليه من اعتبار الخصوص،أي عطاؤنا الخاصّ بك.أو يقال:إنّ ذكره ليس للإخبار به بل ليترتّب عليه ما بعده.

و جوّز أن يكون بِغَيْرِ حِسابٍ حالا من العطاء، نحو هذا بَعْلِي شَيْخاً هود:72،أي هذا عطاؤنا متلبّسا بغير حساب عليه في الآخرة.أو هذا عطاؤنا كثيرا جدّا لا يعدّ و لا يحسب لغاية كثرته،و أن يكون صلة العطاء.و اعتبره بعضهم قيدا له لتتمّ الفائدة،و لا يحتاج لاعتبار ما تقدّم.و على التّقديرين:ما في البين اعتراض،فلا يضرّ الفصل به،و الفاء اعتراضيّة،و جاء اقتران الاعتراض بها.

و الأولى في قوله تعالى: بِغَيْرِ حِسابٍ حينئذ كونه حالا من المستكنّ في الأمر.[و استشهد بالشّعر مرّتين](23:204)

الطّباطبائيّ: أي هذا الّذي ذكر من الملك عطاؤنا لك بغير حساب.و الظّاهر أنّ المراد بكونه بِغَيْرِ حِسابٍ أنّه لا ينفد بالعطاء و المنّ،و لذا قيل: فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ أي أنّهما يستويان في عدم التّأثير فيه.(17:205)

مغنيّة:عطاء اللّه لا يثلمه الإنفاق و لا ينقصه البذل،و لذا أمر اللّه سليمان أن ينفق بالجملة و من غير وزن وكيل إن شاء.

و في نهج البلاغة:«من أيقن بالخلف جاد بالعطيّة».

و مع هذا فإنّ سليمان ضعيف كأيّ إنسان:تؤلمه البقّة، و تقتله الشّرقة،و تنتنه العرقة.(6:379)

مكارم الشّيرازيّ: بِغَيْرِ حِسابٍ إمّا أن تكون إشارة إلى أنّ البارئ عزّ و جلّ قد أعطى لسليمان صلاحيّات واسعة لن تكون مورد حساب أو مؤاخذة؛ و ذلك لصفة العدالة الّتي كان يتمتّع بها سليمان في مجال استخدام تلك الصّلاحيّات،أو بهذا المعنى و هو أنّ العطاء الإلهيّ لسليمان كان عظيما؛بحيث إنّه مهما منح منه فإنّه يبقى عظيما و كثيرا.(14:466)

3- ..إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ.

الزّمر:10

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:تنصب الموازين يوم القيامة،فيؤتى بأهل الصّلاة فيؤتون أجورهم بالموازين،و يؤتى بأهل

ص: 809

الصّيام فيؤتون أجورهم بالموازين،و يؤتى بأهل الصّدقة فيؤتون أجورهم بالموازين،و يؤتى بأهل الحجّ فيؤتون أجورهم بالموازين،و يؤتى بأهل البلاء فلا ينصب لهم ميزان و لا ينشر لهم ديوان،و يصبّ عليهم الأجر صبّا بغير حساب،قال اللّه تعالى: إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ حتّى يتمنّى أهل العافية في الدّنيا أنّ أجسادهم تقرض بالمقاريض ممّا يذهب به أهل البلاء من الفضل.(الثّعلبيّ 8:225)

الإمام عليّ عليه السّلام: كلّ أجر يكال كيلا و يوزن وزنا إلاّ أجر الصّابرين،فإنّه يحثى حثوا.(الماورديّ 5:119)

ابن عبّاس: بلا كيل و لا ميزان و لا منّة.(386)

لا يهتدي إليه حساب الحسّاب و لا يعرف.

(الزّمخشريّ 3:391)

قتادة :لا و اللّه ما هناكم مكيال و لا ميزان.(الطّبريّ 23:204)

السّدّيّ: يعني بغير منّ عليهم و لا متابعة.(الماورديّ 5:119)

ابن جريج:لا يحسب لهم ثواب عملهم فقط و لكن يزدادون على ذلك.(الماورديّ 5:119)

الزّجّاج: أي من صبر على البلاء في طاعة اللّه أعطي أجره بغير حساب.جاء في التّفسير:بغير مكيال و غير ميزان،يغرف له غرفا.

و هذا و إن كان الثّواب لا يقع على بعضه كيل و لا وزن ممّا يتنعّم به الإنسان من اللّذّة و السّرور و الرّاحة، فإنّه يمثّل ما يعلم بحاسّة القلب بما يدرك بالنّظر،فيعرف مقدار القلّة من الكثرة.(4:348)

الماورديّ: فيه أربعة أوجه:[نقل قول السّدّيّ و ابن جريج و قال:]

الثّالث:لا يعطونه مقدارا لكن جزافا.

الرّابع:واسعا بغير تضييق.[ثمّ استشهد بشعر]

(5:119)

الطّوسيّ: إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ و ثوابهم على طاعتهم و صبرهم على شدائد الدّنيا، بِغَيْرِ حِسابٍ أي لكثرته لا يمكن عدّه و حسابه.

و قيل:إنّ معناه أنّهم يعطون من المنافع زيادة على ما يستحقونه على وجه التّفضّل،فكان ذلك بغير حساب، أي بغير مجازاة بل تفضّل من اللّه تعالى.(9:13)

نحوه الطّبرسيّ.(4:492)

الزّمخشريّ: لا يحاسبون عليه.و قيل:بغير مكيال و غير ميزان،يغرف لهم غرفا،و هو تمثيل للتّكثير.[ثمّ ذكر حديث النّبيّ المتقدّم](3:391)

نحوه أبو حيّان(7:419)،و أبو السّعود(5:384)، و البروسويّ(8:85).

ابن عطيّة: هذا يحتمل معنيين:

أحدهما:أنّ الصّابر يوفّى أجره ثمّ لا يحاسب عن نعيم و لا يتابع بذنوب،فيقع(الصّابرون)في هذه الآية على الجماعة الّتي ذكرها النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّها تدخل الجنّة دون حساب،في قوله:«يدخل الجنّة من أمّتي سبعون ألفا بغير حساب،هم الّذين لا يتطيّرون و لا يكتوون و لا يسترقّون و على ربّهم يتوكّلون.وجوههم على صورة القمر ليلة البدر»الحديث،على اختلاف ترتيباته.

و المعنى الثّاني:أنّ أجور الصّابرين توفّى بغير حصر

ص: 810

و لا عدّ بل جزافا،و هذه استعارة للكثرة الّتي لا تحصى.

[ثمّ استشهد بشعر]

و إلى هذا التّأويل ذهب جمهور المفسّرين،حتّى قال قتادة:ليس ثمّ و اللّه مكيال و لا ميزان.(4:524)

ابن الجوزيّ: أي يعطون عطاء كثيرا أوسع من أن يحسب،و أعظم من أن يحاط به،لا على قدر أعمالهم.

(7:168)

الفخر الرّازيّ: إنّه تعالى وصف ذلك الأجر بأنّه بِغَيْرِ حِسابٍ و فيه وجوه:

الأوّل:قال الجبّائيّ: المعنى أنّهم يعطون ما يستحقّون و يزدادون تفضّلا،فهو بغير حساب،و لو لم يعطوا إلاّ المستحقّ لكان ذلك حسابا.قال القاضي:هذا ليس بصحيح،لأنّ اللّه تعالى وصف الأجر بأنّه بِغَيْرِ حِسابٍ و لو لم يعطوا إلاّ الأجر المستحقّ،و الأجر غير التّفضّل.

الثّاني:أنّ الثّواب له صفات ثلاثة:

أحدها:أنّها تكون دائمة الأجر لهم،و قوله: بِغَيْرِ حِسابٍ معناه بغير نهاية،لأنّ كلّ شيء دخل تحت الحساب فهو متناه،فما لا نهاية له كان خارجا عن الحساب.

و ثانيها:أنّها تكون منافع كاملة في أنفسها،و عقل المطيع ما كان يصل إلى كنه ذلك الثّواب،قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ في الجنّة ما لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر».و كلّ ما يشاهدونه من أنواع الثّواب وجدوه أزيد ممّا تصوّروه و توقّعوه،و ما لا يتوقّعه الإنسان،فقد يقال:إنّه ليس في حسابه،فقوله: بِغَيْرِ حِسابٍ محمول على هذا المعنى (1).

و الوجه الثّالث:في التّأويل:أنّ ثواب أهل البلاء لا يقدّر بالميزان و المكيال.[ثمّ ذكر رواية النّبيّ المتقدّمة]

26:254)

نحوه الشّربينيّ.(3:437)

القرطبيّ: أي بغير تقدير.[ثمّ أدام الكلام في نقل الأقوال](15:241)

الآلوسيّ: الجارّ و المجرور في موضع الحال،إمّا من الأجر،أي إنّما يوفّون أجرهم كائنا بغير حساب،و ذلك بأن يغرف لهم غرفا و يصبّ عليهم صبّا،و إمّا من الصّابرين،أي إنّما يوفّون ذلك كائنين بغير حساب عليه.و المراد على الوجهين:المبالغة في الكثرة،و هو المراد بقول ابن عبّاس:«لا يهتدي إليه حساب الحسّاب و لا يعرف».

و جوّز جعل الحال من الصّابرين على معنى لا يحاسبون أصلا،و المتبادر ما يفيد المبالغة في كثرة الأجر.و معنى القصر ما يوفّى الصّابرون أجرهم إلاّ بغير حساب،جعل الجارّ و المجرور حالا من المنصوب أو المرفوع،لأنّ القصر في الجزء الأخير،و فيه من الاعتناء بأمر الأجر ما فيه.(23:248)

عبد الكريم الخطيب : بِغَيْرِ حِسابٍ إشارة إلى أنّ جزاء الصّبر جزاء عظيم،و أنّ ميزان العمل الّذي يجيء في أعقاب الصّبر يرجّح جميع الأعمال كلّها؛حيث ينال الصّابر جزاء صبره،ما يشاء من فضل و إحسان، بلا حساب.(12:1131)ب.

ص: 811


1- لم يذكر الصّفة الثّالثة للثّواب.
الحساب

1- ..وَ الَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ.... الرّعد:18

ابن عبّاس: شدّة العذاب.(207)

المناقشة بالأعمال.(النّحّاس:3:491)

مثله أبو الجوزاء.(الماورديّ 3:107)

أن لا تقبل حسناتهم و لا تغفر سيّئاتهم.

(أبو حيّان 5:383)

نحوه القرطبيّ.(9:307)

النّخعيّ: هو أن يحاسب الرّجل بذنبه كلّه،لا يغفر له منه شيء.(الطّبريّ 13:138)

شهر بن حوشب:أن لا يتجاوز لهم عن شيء.

(الطّبريّ 13:138)

الجبّائيّ: معناه:و أخذه به على وجه التّوبيخ و التّقريع.(الطّوسيّ 6:242)

مثله الرّمّانيّ.(الماورديّ 3:108)

الطّبريّ: هؤلاء الّذين لم يستجيبوا للّه لهم سوء الحساب،يقول:لهم عند اللّه أن يأخذهم بذنوبهم كلّها، فلا يغفر لهم منها شيئا،و لكن يعذّبهم على جميعها.

(13:138)

الزّجّاج: و سُوءُ الْحِسابِ: ألاّ تقبل منهم حسنة،و لا يتجاوز لهم عن سيّئة،و أنّ كفرهم أحبط أعمالهم،كما قال: اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ محمّد:1.

و قيل: سُوءُ الْحِسابِ: أن يستقصى عليه حسابه و لا يتجاوز له عن شيء من سيّئاته.و كلاهما فيه عطب،و دليل هذا القول الثّاني:من نوقش الحساب عذّب و تكون سُوءُ الْحِسابِ: المناقشة.(3:146)

الماورديّ: أن يكون سوء الحساب:ما أفضى إليه حسابهم من السّوء،و هو العقاب.(3:108)

ابن عطيّة: هو أن يتقصّى،و لا تقع فيه مسامحة و لا تغمّد.(3:309)

الطّبرسيّ: إنّ سُوءُ الْحِسابِ هو سوء الجزاء، فسمّي الجزاء:حسابا،لأنّ فيه إعطاء المستحقّ حقّه.(3:288)

الفخر الرّازيّ: قال الزّجّاج:ذاك لأنّ كفرهم أحبط أعمالهم.و أقول:هاهنا حالتان:فكلّ ما شغلك باللّه و عبوديّته و محبّته،فهي الحالة السّعيدة الشّريفة العلويّة القدسيّة،و كلّ ما شغلك بغير اللّه،فهي الحالة الضّارّة المؤذية الخسيسة.

و لا شكّ أنّ هاتين الحالتين يقبلان الأشدّ و الأضعف و الأقلّ و الأزيد،و لا شكّ أنّ المواظبة على الأعمال لمناسبة لهذه الأحوال،توجب قوّتها و رسوخها،لما ثبت في المعقولات:أنّ كثرة الأفعال توجب حصول تلك الملكات الرّاسخة.

و لا شكّ أنّه لمّا كانت كثرة الأفعال توجب حصول تلك الملكات الرّاسخة،و كلّ واحدة من تلك الأفعال حتّى اللّمحة و اللّحظة و الخطور بالبال و الالتفات الضّعيف،فإنّه يوجب أثرا ما في حصول تلك الحالة في النّفس،فهذا هو الحساب.و عند التّأمّل في هذه الفصول يتبيّن للإنسان صدق قوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزّلزال:7،8.

ص: 812

و لا شكّ أنّه لمّا كانت كثرة الأفعال توجب حصول تلك الملكات الرّاسخة،و كلّ واحدة من تلك الأفعال حتّى اللّمحة و اللّحظة و الخطور بالبال و الالتفات الضّعيف،فإنّه يوجب أثرا ما في حصول تلك الحالة في النّفس،فهذا هو الحساب.و عند التّأمّل في هذه الفصول يتبيّن للإنسان صدق قوله: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزّلزال:7،8.

إذا ثبت هذا فالسّعداء هم الّذين استجابوا لربّهم في الإعراض عمّا سوى اللّه،و في الإقبال بالكلّيّة على عبوديّة اللّه تعالى،و لا جرم حصل لهم الحسنى.

و أمّا الأشقياء فهم الّذين لم يستجيبوا لربّهم،فلهذا السّبب وجب أن يحصل لهم سوء الحساب.و المراد ب سُوءُ الْحِسابِ: أنّهم أحبّوا الدّنيا و أعرضوا عن المولى،فلمّا ماتوا بقوا محرومين عن معشوقهم الّذي هو الدّنيا،و بقوا محرومين عن الفوز بخدمة حضرة المولى.(19:38)

نحوه الشّربينيّ.(2:155)

البيضاويّ: هو المناقشة فيه بأن يحاسب الرّجل بذنبه لا يغفر منه شيء.(1:518)

النّيسابوريّ: قال الحكماء:هو ظهور آثار الملكات الرّديئة و الهيئات الذّميمة على النّفس،و لم يكن قبل ذلك له شعور بها،لاشتغاله بعالم الحسّ.(13:80)

البروسويّ: [مثل البيضاويّ و أضاف:]

و المناقشة:الاستقصاء في الحساب؛بحيث لا يترك منه شيء.يقال:ناقشه الحساب،إذا عاسره فيه و استقصى،فلم يترك قليلا و لا كثيرا.(4:361)

الطّباطبائيّ: سُوءُ الْحِسابِ: الحساب الّذي يسوؤهم و لا يسرّهم،فهو من إضافة الصّفة إلى الموصوف.(11:341)

مكارم الشّيرازيّ: للمفسّرين آراء مختلفة؛ حيث يعتقد البعض:أنّه الحساب الدّقيق بدون أيّ عفو أو مسامحة،ف سُوءُ الْحِسابِ ليس بمفهوم الظّلم،لأنّ اللّه سبحانه و تعالى هو العدل المطلق،و يؤيّد هذا المعنى الحديث الوارد عن الإمام الصّادق عليه السّلام أنّه قال لرجل:

«يا فلان ما لك و لأخيك»،قال:جعلت فداك كان لي عليه حقّ فاستقصيت منه حقّي إلى آخره.

و عند سماع الإمام لهذا الجواب غضب و جلس،ثمّ قال:«كأنّك إذا استقصيت حقّك لم تسئ إليه!أ رأيت ما حكى اللّه عزّ و جلّ: وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ الرّعد:

21،أ تراهم يخافون اللّه أن يجور عليهم؟!لا و اللّه ما خافوا إلاّ الاستقصاء،فسمّاه اللّه عزّ و جلّ(سوء الحساب).فمن استقصى فقد أساءه».

و قال البعض:المقصود من سُوءُ الْحِسابِ أنّه يلازم حسابهم التّوبيخ و الملامة و غيرها،فبالإضافة إلى خوفهم من العذاب يؤلمهم التّوبيخ.

و يقول البعض الآخر:المقصود هو الجزاء الّذي يسوؤهم،كما نقول لشخص:حسابه طاهر،أو لآخر:

حسابه مظلم،و هذا يعني نتيجة حسابهم جيّدة أو سيّئة، أو تقول:«دع حسابه في يده»يعني حاسبه طبقا لعمله.

هذه التّفاسير الثّلاثة غير متضادّة فيما بينها،و يمكن أن يستفاد منها في تفسير الآية،و هذا يعني أنّ هؤلاء الأفراد يحاسبون حسابا دقيقا،و أثناء حسابهم يوبّخون و يلامون،و من ثمّ يستقصى منهم.(7:339)

و جاء بهذا المعنى وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ الرّعد:

21.

2- ..وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ. يونس:5

ص: 813

2- ..وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ. يونس:5

ابن عبّاس: حساب الشّهور و الأيّام.(170)

الطّبريّ: و قدّر ذلك منازل لتعلموا أنتم أيّها النّاس عدد السّنين؛دخول ما يدخل منها،و انقضاء ما يستقبل منها و حسابها.و حساب أوقات السّنين و عدد أيّامها، و حساب ساعات أيّامها.(11:86)

نحوه الخازن(3:143)،و أبو حيّان(5:126).

الثّعلبيّ: يعني و حساب الشّهور و الأيّام و السّاعات.(5:120)

نحوه الواحديّ(2:539)،و البغويّ(2:411).

الزّمخشريّ: و حساب الأوقات من الشّهور و الأيّام و اللّيالي.(2:225)

نحوه البيضاويّ(1:440)،و أبو السّعود(3:

212)،و الآلوسيّ(11:70).

ابن عطيّة: قدّر هذين النّيّرين(منازل)لكي (تعلموا)بها عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ رفقا بكم و رفعا للالتباس في معاشكم و تجركم و إجاراتكم و غير ذلك، ممّا يضطرّ فيه إلى معرفة التّواريخ.(3:106)

نحوه البروسويّ.(4:16)

النّسفيّ: أي عدد الحساب و الشّهور،فاكتفى ب(السّنين)لاشتمالها على الشّهور،(و الحساب) و حساب الآجال و المواقيت المقدّرة بالسّنين و الشّهور.(2:154)

ابن عاشور :و(الحساب):مصدر«حسب»بمعنى عدّ،و هو معطوف على(عدد)أي و لتعلموا الحساب.

و تعريفه للعهد،أي و الحساب المعروف،و المراد به:

حساب الأيّام و الأشهر،لأنّ حساب السّنين قد ذكر بخصوصه،و لمّا اقتصر في هذه الآية على معرفة عدد السّنين،تعيّن أنّ المراد ب(الحساب):حساب القمر،لأنّ السّنة الشّرعيّة قمريّة،و لأنّ ضمير(قدّره)عائد على (القمر)و إن كان للشّمس حساب آخر،و هو حساب الفصول،و قد تقدّم في قوله تعالى: وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ حُسْباناً الأنعام:96.

فمن معرفة اللّيالي تعرف الأشهر،و من معرفة الأشهر تعرف السّنة،و في ذلك رفق بالنّاس في ضبط أمورهم و أسفارهم و معاملات أموالهم،و هو أصل الحضارة.و في هذه الآية إشارة إلى أنّ معرفة ضبط التّاريخ نعمة أنعم اللّه بها على البشر.(11:20)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(6:281)

3-و بهذا المعنى جاء قوله: ...لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ الإسراء:12

حسابا

1- وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَ رُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَ عَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً.

الطّلاق:8

ابن عبّاس: لم ترحم.(الطّبريّ 28:150)

مقاتل: فحاسبها اللّه بعملها في الدّنيا فجزاها العذاب.(4:366)

نحوه القرطبيّ.(18:173)

ابن زيد :لم نعف عنها الحساب الشّديد الّذي ليس فيه من العفو شيء.(الطّبريّ 28:150)

ص: 814

الطّبريّ: فحاسبناها على نعمتنا عندها و شكرها، حسابا شديدا.يقول:حسابا استقصينا فيه عليهم،لم نعف لهم فيه عن شيء،و لم نتجاوز فيه عنهم.

(18:150)

الطّوسيّ: فالحساب:الأعمال مقابلة ما يستحقّ على الطّاعة و بما يستحقّ على المعصية،و الحساب الشّديد:مقابلة ذلك من غير تجاوز عن صغيرة و لا عفو عن ذنب؛و ذلك أنّ الكافر يعاقب على كلّ صغيرة و كبيرة،من حيث إنّه لا طاعة معه تكفّر معاصيه.

(10:38)

البغويّ: بالمناقشة و الاستقصاء.(5:114)

نحوه الخازن(7:95)،و الشّربينيّ(4:319).

الزّمخشريّ: [نحو البغويّ و أضاف:]

و المراد:حساب الآخرة و عذابها،و ما يذوقون فيها من الوبال،و يلقون من الخسر.و جيء به على لفظ الماضي،كقوله تعالى: وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ الأعراف:44، وَ نادى أَصْحابُ النّارِ الأعراف:50، و نحو ذلك،لأنّ المنتظر من وعد اللّه و وعيده ملقى في الحقيقة و ما هو كائن،فكأن قد.(4:123)

نحوه البيضاويّ.(2:484)

ابن عطيّة: قال بعض المتأوّلين:الآية في الآخرة، أي ثمّ هو الحساب و التّعذيب و الذّوق و خسار العاقبة.

و قال آخرون:ذلك في الدّنيا،و معنى فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً أي لم نغتفر لها زلّة بل أخذت بالدّقائق من الذّنوب.(5:327)

ابن الجوزيّ: [فسّر أوّل الآية ثمّ قال:]في باقي الآية قولان:

أحدهما:أنّ فيها تقديما و تأخيرا،و المعنى:عذّبناها عذابا نكرا في الدّنيا بالجوع،و السّيف،و البلايا، و حاسبناها حسابا شديدا في الآخرة،قاله ابن عبّاس، و الفرّاء في آخرين.

و الثّاني:أنّها على نظمها،و المعنى:حاسبناها بعملها في الدّنيا،فجازيناها بالعذاب على مقدار عملها،فذلك قوله تعالى: وَ عَذَّبْناها فجعل المجازاة بالعذاب:

محاسبة،و الحساب الشّديد:الّذي لا عفو فيه.

(8:298)

أبو حيّان :و الظّاهر في فَحاسَبْناها الجمل الأربعة إنّ ذلك في الدّنيا،لقوله بعدها أَعَدَّ اللّهُ لَهُمْ عَذاباً شَدِيداً و ظاهره أنّ المعدّ عذاب الآخرة و الحساب الشّديد هو الاستقصاء و المناقشة،فلم تغتفر لهم زلّة بل أخذوا بالدّقائق من الذّنوب.

و قيل:الجمل الأربعة من الحساب و العذاب و الذّوق و الخسر (1)في الآخرة،و جيء به على لفظ الماضي، كقوله وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ. (8:286)

أبو السّعود :بالاستقصاء و التّنفير و المناقشة في كلّ نقير و قطمير.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الزّمخشريّ]

(6:263)

نحوه الآلوسيّ(28:140)،و المراغيّ(28:149).

البروسويّ: أي ناقشناها في الحساب و ضيّقنا و شدّدنا عليها في الدّنيا،و أخذناها بدقائق ذنوبهاا.

ص: 815


1- «الحساب و العذاب»موجودان في الآية،أمّا«الذّوق و الخسر»ففي الآية الّتي بعدها.

و جرائمها من غير عفو،بنحو القحط و الجوع و الأمراض و الأوجاع و السّيف و تسليط الأعداء عليها،و غير ذلك من البلايا مقدّما معجّلا على استئصالها،و ذوقها العذاب الأكبر،لترجع إلى اللّه تعالى،لأنّ البلاء كالسّوط للسّوق،فلم تفعل و لم ترفع رأسا،فابتلاها اللّه بما فوق ذلك،كما قال: وَ عَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً. [إلى أن قال:]

أضاف اللّه المحاسبة و التّعذيب إلى نفسه،مع أنّ سببهما كان العتوّ عن أمره و أمر رسله،لأنّ الرّسل كانوا فانين في اللّه فاتّخذوا اللّه وكيلا في جميع أمورهم،و تركوا التّصرّف و التّعرّض للقهر و نحوه؛و ذلك أنّهم قد بعثوا بعد رسوخهم،و لهذا صبروا على تكذيب أممهم لهم.و لو بعثوا قبل الرّسوخ ربّما بطشوا بمن كذّبهم و أهلكوه،و قس عليهم أحوال الكمّل من الأولياء.(10:39)

مغنيّة: أخذهم اللّه بسوء العذاب بعد أن أعذر إليهم بحجج ظاهرة،و بيّنات واضحة.(7:357)

مكارم الشّيرازيّ: أي الحساب الدّقيق المقرون بالشّدّة و الصّرامة،و يعني العقاب الشّديد الّذي هو نتيجة الحساب الدّقيق.و هو على كلّ حال إشارة إلى عاقبة الأقوام السّابقة المتمرّدة العاصية في هذه الدّنيا، الّتي ذهب بعضها بالطّوفان،و بعضها بالزّلازل،و آخرون بالصّواعق و العواصف،و أمثالهم،حلّ بهم الفناء و بقت ديارهم و آثارهم عبرة للأجيال بعدهم.

لذلك يضيف تعالى في الآية اللاّحقة فَذاقَتْ وَبالَ أَمْرِها وَ كانَ عاقِبَةُ أَمْرِها خُسْراً الطّلاق:9.

و أيّ خسارة أفدح من خسران رأس المال الّذي وهبه اللّه،و الخروج من هذه الدّنيا-ليس فقط بعدم شراء المتاع-و إنّما بالانتهاء إلى العذاب الإلهيّ و الدّمار.

و اعتقد البعض أنّ حِساباً شَدِيداً و عَذاباً نُكْراً هما إشارة إلى يوم القيامة،و اعتبروا الفعل الماضي من باب الماضي المراد به المستقبل.و لكن لا داعي لهذا التّكلّف،خاصّة أنّ السّورة تحدّثت عن يوم القيامة في الآيات اللاّحقة،فذلك يدلّ على أنّ المراد بالعذاب هنا هو عذاب الدّنيا.(18:393)

2- جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً. النّبأ:36

مجاهد :عطاء منه حسابا لما عملوا.(الطّبريّ 30:21)

الحسن :معناه إنّه أعطاهم ذلك محاسبة.

(الطّوسيّ 10:248)

قتادة :أي عطاء كثيرا،فجزاهم بالعمل اليسير الخير الجسيم الّذي لا انقطاع له.(الطّبريّ 30:21)

الكلبيّ: كافيا.(الماورديّ 6:189)

ابن وهب:سمعت ابن زيد يقول في قول اللّه:

جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً فقرأ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً... عَطاءً حِساباً النّبأ:31-36،قال:فهذه جزاء بأعمالهم عطاء الّذي أعطاهم،عملوا له واحدة فجزاهم عشرا،و قرأ قول اللّه: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها الأنعام:160،و قرأ قول اللّه: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ البقرة:261

قال:يزيد من يشاء،كان هذا كلّه عطاء،و لم يكن

ص: 816

أعمالا يحسبه لهم فجزاهم به حتّى كأنّهم عملوا له.قال:

و لم يعملوا إنّما عملوا عشرا،فأعطاهم مائة،و عملوا مائة فأعطاهم ألفا،هذا كلّه عطاء،و العمل الأوّل،ثمّ حسب ذلك حتّى كأنّهم عملوا،فجزاهم كما جزاهم بالّذي عملوا.(الطّبريّ 30:21)

أبو عبيدة :أي جزاء،و يجيء:حسابا كافيا، يقال:أعطاني ما أحسبني،أي كفاني.(2:283)

ابن قتيبة :أي كثيرا،يقال:أعطيت فلانا عطاء حسابا،و أحسبت فلانا،أي أكثرت له.[ثمّ استشهد بشعر].

و نرى أصل هذا:أن يعطيه حتّى يقول:

حسبي.(510)

نحوه الثّعلبيّ.(10:118)

الطّبريّ: يقول:محاسبة لهم بأعمالهم للّه في الدّنيا.(30:21)

الزّجّاج: معناه ما يكفيهم،أي فيه ما يشتهون، يقال:أحسبني كذا و كذا،بمعنى كفاني.(5:275)

نحوه ابن الجوزيّ.(9:11)

السّجستانيّ: أي كافيا،يقال:أعطاني ما أحسبني،أي كفاني.(208)

نحوه الشّربينيّ.(4:473)

الماورديّ: حسابا لما عملوا،فالحساب بمعنى العدّ.

(6:189)

الطّوسيّ: أي بحساب العمل،كلّ إنسان على قدر عمله من النّبيّين و الصّدّيقين و الشّهداء و الصّالحين،ثمّ سائر أخيار المؤمنين،و عند اللّه المزيد.(10:248)

البغويّ: أي جازاهم جزاء و أعطاهم حسابا،أي كافيا وافيا.يقال:أحسبت فلانا،أي أعطيته ما يكفيه حتّى قال:حسبي.(5:202)

الزّمخشريّ: (حسابا)صفة بمعنى كافيا،من:

أحسبه الشّيء،إذا كفاه حتّى قال:حسبي،و قيل:على حسب أعمالهم.

و قرأ ابن قطب (حسّابا) بالتّشديد،على أنّ الحساب بمعنى المحسب،كالدّرّاك بمعنى المدرك.(4:210)

ابن عطيّة: و اختلف المتأوّلون في قوله: (حسابا) فقال جمهور المفسّرين و اللّغويّين:معناه:محسبا،كافيا، في قولهم:أحسبني هذا الأمر،أي كفاني،و منه حسبي اللّه.

و قال مجاهد: معناه:أنّ(حسابا)معناه:بتقسّط على الأعمال،لأنّ نفس دخول الجنّة برحمة اللّه و تفضّله لا بعمل،و الدّرجات فيها و النّعيم على قدر الأعمال.فإذا ضاعف اللّه لقوم حسناتهم بسبعمائة مثلا و منهم المكثر من الأعمال و المقلّ،أخذ كلّ واحد سبعمائة بحسب عمله،و كذلك في كلّ تضعيف،فالحساب هاهنا هو موازنة أعمال القوم.

و قرأ الجمهور (حسابا) بكسر الحاء و تخفيف السّين المفتوحة،و قرأ ابن قطب (حسّابا) بفتح الحاء و شدّ السّين.قال أبو الفتح:جاء بالاسم من«أفعل»على «فعال»،كما قالوا:أدرك فهو:دراك،فقرأ ابن عبّاس و سراج: (عطاء حسنا) بالنّون من«الحسن»و حكى عنه المهدويّ أنّه قرأ (حسبا) بفتح الحاء و سكون السّين و بالباء،و قرأ شريح بن يزيد الحمصيّ: (حسّابا) بكسر

ص: 817

الحاء و شدّ السّين المفتوحة.(5:428)

الفخر الرّازيّ: قوله:(حسابا)فيه وجوه:

الأوّل:[نحو السّجستانيّ]

الوجه الثّاني:أنّ قوله:(حسابا)مأخوذ من:

حسبت الشّيء،إذا أعددته و قدّرته،فقوله: عَطاءً حِساباً أي بقدر ما وجب له فيما وعده من الأضعاف، لأنّه تعالى قدّر الجزاء على ثلاثة أوجه:وجه منها:على عشرة أضعاف،و وجه على سبعمائة ضعف،و وجه على ما لا نهاية له،كما قال: إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ الزّمر:10.

الوجه الثّالث:و هو قول ابن قتيبة[و قد تقدّم]

الوجه الرّابع:أنّه سبحانه يوصل الثّواب الّذي هو الجزاء إليهم،و يوصل التّفضّل الّذي يكون زائدا على الجزء إليهم،ثمّ قال:(حسابا)،ثمّ يتميّز الجزاء عن العطاء حال الحساب.

الوجه الخامس:أنّه تعالى لمّا ذكر في وعيد أهل النّار جَزاءً وِفاقاً النّبأ:26،ذكر في وعد أهل الجنّة(جزاء عطاء حسابا)أي راعيت في ثواب أعمالكم الحساب، لئلاّ يقع في ثواب أعمالكم بخس و نقصان و تقصير،و اللّه أعلم بمراده.(31:21)

أبو السّعود :(حسابا)صفة ل(عطاء)،بمعنى كافيا، على أنّه مصدر أقيم مقام الوصف،أو بولغ فيه،من أحسبه الشّيء،إذا كفاه حتّى قال:حسبي.(6:361)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود،ثمّ ذكر نحو ما تقدّم في الوجه الثّاني من كلام الفخر،و أضاف:]

قال بعض أهل المعرفة:إذا كان الجزاء من اللّه لا يكون له نهاية،لأنّه لا يكون على حدّ الأعواض بل يكون فوق الحدّ،لأنّه ممّن لا حدّ له و لا نهاية،فعطاؤه لا حدّ له و لا نهاية.

و قال بعضهم:العطاء من اللّه موضع الفضل لا موضع الجزاء،فالجزاء على الأعمال،و الفضل موهبة من اللّه يختصّ به الخواصّ من أهل و داده.(10:309)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و قيل:على حسب أعمالهم،أي مقسطا على قدرها، و روي ذلك عن مجاهد،و كان المراد:مقسطا بعد التّضعيف على ذلك.فيندفع ما قيل:إنّه غير مناسب لتضعيف الحسنات،و لذا لم يقل:وفاقا،كما في السّابق.

و دفع أيضا بأنّ هذا بيان لما هو الأصل،لا للجزاء مطلقا.

و قيل:المعنى عطاء مفروغا عن حسابه،لا كنعم الدّنيا.و تعقّب بأنّه بعيد عن اللّفظ،مع ما فيه من الإيهام.(30:19)

القاسميّ: أي كافيا،أو على حسب أعمالهم.(17:6039)

الطّباطبائيّ: فقوله:(جزاء)حال،و كذا(عطاء) و(حسابا)بمعنى اسم المفعول صفة ل(عطاء).و يحتمل أن يكون(عطاء)تمييزا أو مفعولا مطلقا.

و وقوع لفظ الحساب في ذيل جزاء الطّاغين و المتّقين معا،لتثبيت ما يلوح إليه يوم الفصل الواقع في أوّل الكلام.(20:170)

3- فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً. الانشقاق:8

عائشة:سمعت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يقول:«اللّهمّ حاسبني

ص: 818

حسابا يسيرا».قلت:يا رسول اللّه ما الحساب اليسير؟ قال:«أن ينظر في سيّئاته فيتجاوز عنه،إنّه من نوقش الحساب يومئذ هلك».(الطّبريّ 30:115)

الحسن :يجازى على الحسنات،و يتجاوز له عن السّيّئات.(الماورديّ 6:235)

مقاتل:لأنّه يغفر له ذنوبه،و لا يحاسب بها.(الواحديّ 4:452)

ابن زيد :الحساب اليسير:الّذي يغفر ذنوبه، و يتقبّل حسناته.و يسير الحساب:الّذي يعفى عنه.(الطّبريّ 30:116)

الطّبريّ: بأن ينظر في أعماله،فيغفر له سيّئها، و يجازى على حسنها،و بنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل،و جاء الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(30:115)

إن قال قائل:و كيف قيل: فَسَوْفَ يُحاسَبُ و المحاسبة لا تكون إلاّ من اثنين،و اللّه القائم بأعمالهم،و لا أحد له قبل ربّه طلبة فيحاسبه؟

قيل:إنّ ذلك تقرير من اللّه للعبد بذنوبه،و إقرار من العبد بها،و بما أحصاه كتاب عمله،فذلك المحاسبة على ما وصفنا،و لذلك قيل:(يحاسب).(30:116)

الطّوسيّ: أي يواقف على ما عمل من الحسنات و ما له عليها من الثّواب،و ما حطّ عنه من الأوزار:إمّا بالتّوبة أو المغفرة.فالحساب اليسير:التّجاوز عن السّيّئات،و الاحتساب بالحسنات،«و من نوقش بالحساب هلك».(10:310)

القشيريّ: أي حسابا لا مشقّة فيه.

و يقال:(حسابا يسيرا)أي يسمعه كلامه سبحانه بلا واسطة،فيخفّف سماع خطابه ما في الحساب من عناء.

و يقال:(حسابا يسيرا):لا يذكّره ذنوبه.و يقال:أ لم أفعل كذا و أ لم أفعل كذا؟يعدّ عليه إحسانه.و لا يقول:أ لم تفعل كذا؟لا يذكّره عصيانه.(6:274)

الواحديّ: قال المفسّرون:هو أن يعرض عليه سيّئاته ثمّ يغفرها اللّه له،فهو الحساب اليسير.[ثمّ ذكر حديث عائشة](4:452)

نحوه ابن عطيّة.(5:457)

الزّمخشريّ: سهلا هيّنا لا يناقش فيه،و لا يعترض بما يسوءه و يشقّ عليه،كما يناقش أصحاب الشّمال.[ثمّ نقل حديث عائشة](4:235)

نحوه النّسفيّ(4:343)،و البروسويّ(10:377)، و الآلوسيّ(30:80).

الفخر الرّازيّ: و الحساب اليسير،هو أن تعرض عليه أعماله،و يعرف أنّ الطّاعة منها هذه،و المعصية هذه،ثمّ يثاب على الطّاعة و يتجاوز عن المعصية.فهذا هو الحساب اليسير،لأنّه لا شدّة على صاحبه و لا مناقشة،و لا يقال له:لم فعلت هذا،و لا يطالب بالعذر فيه و لا بالحجّة عليه،فإنّه متى طولب بذلك لم يجد عذرا و لا حجّة فيفتضح.(31:106)

نحوه الخازن(7:187)،و المراغيّ(30:90).

السّيوطيّ: هو عرض عمله عليه،كما فسّر في حديث الصّحيحين،و فيه«من نوقش الحساب هلك» و بعد العرض يتجاوز عنه.(2:548)

نحوه الشّربينيّ.(4:507)

ص: 819

حسابه

1- وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْكافِرُونَ.

المؤمنون:117

ابن عبّاس: عذابه.(291)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:يعني أنّ محاسبته عند ربّه يوم القيامة.

الثّاني:أنّ مكافأته على ربّه.و الحساب:المكافأة، و منه قولهم:حسبي اللّه،أي كفاني اللّه تعالى،و اللّه أعلم و أحكم.(4:69)

الطّوسيّ: يعني اللّه الّذي يبيّن له مقدار ما يستحقّه من ثواب أو عقاب.(7:402)

الواحديّ: أي أنّ حساب عمله عند اللّه فهو يجازيه بما يستحقّ،كما قال: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ الغاشية:26.(3:301)

الطّبرسيّ: معناه فإنّما معرفة مقدار ما يستحقّه من الجزاء عند ربّه،فيجازيه على قدر ما يستحقّه.[ثمّ أشار إلى الوجه الثّاني في كلام الماورديّ](4:122)

نحوه البيضاويّ(2:116)،و البروسويّ(6:113).

القرطبيّ: أي هو يعاقبه و يحاسبه.(12:157)

الآلوسيّ: و الحساب:كناية عن المجازاة،كأنّه قيل:من يعبد إلها مع اللّه تعالى فاللّه سبحانه مجاز له على قدر ما يستحقّه.(18:72)

المراغيّ: فجزاؤه عند ربّه و هو موفّيه ما يستحقّه من جزاء و عقاب.(18:63)

الطّباطبائيّ: قوله: فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ كلمة تهديد،و فيه قصر حسابه بكونه عِنْدَ رَبِّهِ لا يداخله أحد فيما اقتضاه حسابه من جزاء-و هو النّار كما صرّحت به الآيات السّابقة-فإنّه يصيبه لا محالة،و مرجعه إلى نفي الشّفعاء و الإيآس من أسباب النّجاة.

(15:74)

2- وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً حَتّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَ وَجَدَ اللّهَ عِنْدَهُ فَوَفّاهُ حِسابَهُ وَ اللّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ. النّور:39

ابن عبّاس: فوفّره عذابه.(296)

الماورديّ: يحتمل وجهين:

أحدهما:و وجد اللّه عند عمله،فجازاه على كفره.

و الثّاني:وجد اللّه عند وعيده فوفّى بعذابه.و يكون الحساب على الوجهين معا محمولا على العمل.[ثمّ استشهد بشعر](4:109)

الطّوسيّ: و المعنى أنّ الّذي قدّره من جزاء أعماله لا يجده،و يعلمه اللّه عند عمله،فيوفّيه جزاءه على سوء أفعاله.(7:443)

الواحديّ: جازاه بعمله.و هذا في الظّاهر خبر عن الظّمآن،و المراد به الخبر عن الكفّار.و لكن لمّا ضرب مثلا للكفّار،جعل الخبر عنه كالخبر عنهم.(3:322)

مثله الطّبرسيّ(4:146)،و نحوه ابن الجوزيّ(6:49)

البيضاويّ: استعراضا أو مجازاة.(2:129)

القرطبيّ: أي جزاء عمله.(12:283)

النّسفيّ: أي أعطاه جزاء عمله وافيا كاملا.وحّد

ص: 820

بعد تقدّم الجمع حملا على كلّ واحد من الكفّار.

(3:147)

البروسويّ: أي أعطاه وافيا كاملا حساب عمله، يعني ظهر له بعد ذلك من سوء الحال ما لا قدر عنده للخيبة و القنوط أصلا،كمن يجيء إلى باب السّلطان للصّلة،فيضرب ضربا وجيعا.(6:162)

الآلوسيّ: [نحو البروسويّ و أضاف:]

أو أتمّ حسابه بعرض الكتبة ما قدّمه.(18:180)

حسابهم-حسابك

...ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمِينَ.

الأنعام:52

ابن عبّاس: من مئونتهم.(110)

الحسن :الحساب هنا:حساب الأعمال.

(أبو حيّان 4:136)

ابن زيد :أنّ المعنى:ما عليك شيء من حساب رزقهم،أي من فقرهم.(الآلوسيّ 7:160)

الجبّائيّ: ما عليك من أعمالهم،و لا عليهم من أعمالك،بل كلّ واحد يؤاخذ بعمله،و يجازى على فعله، لا على فعل غيره.(الطّوسيّ 4:156)

الطّبريّ: ما عليك من حساب ما رزقتهم من الرّزق من شيء،و ما عليهم من حساب ما رزقتك من الرّزق من شيء،فتطردهم حذار محاسبتي إيّاك بما خوّلتهم في الدّنيا من الرّزق.(7:206)

أبو مسلم:ما عليك كفايتهم و لا عليهم كفايتك.

و الحساب:الكفاية،كقوله تعالى: عَطاءً حِساباً النّبأ:36،أي تامّا كافيا.(الماورديّ 2:118)

الماورديّ: فيه ثلاثة أقوال:

أحدها:يعني ما عليك من حساب عملهم من شيء من ثواب أو عقاب، وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ يعني و ما من حساب عملك عليهم من شيء، لأنّ كلّ أحد مؤاخذ بحساب عمله دون غيره،قاله الحسن.

و الثّاني:معناه ما عليك من حساب رزقهم و فقرهم من شيء.

و الثّالث:[قول أبي مسلم و قد تقدّم](2:118)

نحوه ابن الجوزيّ.(3:47)

الطّوسيّ: قال قوم:يعني من حساب رزقهم في الدّنيا ليس رزقهم في يدك و لا رزقك في أيديهم،بل اللّه رازق في الجميع.[ثمّ ذكر قول الجبّائيّ و قال:]و هو الأظهر.(4:156)

الواحديّ: أي من حساب رزقهم من شيء فتملّهم و تطردهم، وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ أي ليس رزقك عليهم و لا رزقهم عليك،و إنّما يرزقك و إيّاهم اللّه،فدعهم يدنوا منك و لا تطردهم.(2:276)

الزّمخشريّ: كقوله: إِنْ حِسابُهُمْ إِلاّ عَلى رَبِّي الشّعراء:113،ذلك أنّهم طعنوا في دينهم و إخلاصهم، فقال:ما عليك من حسابهم من شيء بعد شهادته لهم بالإخلاص و بإرادة وجه اللّه في أعمالهم،على معنى:و إن كان الأمر على ما يقولون عند اللّه،فما يلزمك إلاّ اعتبار الظّاهر و الاتّسام بسيمة المتّقين.و إن كان لهم باطن غير

ص: 821

مرضيّ،فحسابهم عليهم لازم لهم لا يتعدّاهم إليك،كما أنّ حسابك عليك لا يتعدّاك إليهم،كقوله: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى فاطر:18.

فإن قلت:أ ما كفى قوله: ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ حتّى ضمّ إليه وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ؟

قلت:قد جعلت الجملتان بمنزلة جملة واحدة و قصد بهما مؤدّى واحد،و هو المعنى في قوله: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى، و لا يستقلّ بهذا المعنى إلاّ الجملتان جميعا،كأنّه قيل:لا تؤاخذ أنت و لا هم بحساب صاحبه.

و قيل:الضّمير للمشركين،و المعنى:لا يؤاخذون بحسابك و لا أنت بحسابهم حتّى يهمّك إيمانهم،و يحرّك الحرص عليه إلى أن تطرد المؤمنين.(2:22)

نحوه النّسفيّ.(2:14)

ابن عطيّة: معناه لم تكلّف شيئا غير دعائهم،فتقدّم أنت و تؤخّر.و يظهر يكون (1)الضّمير في(حسابهم) و(عليهم)للكفّار الّذين أرادوا طرد المؤمنين،أي ما عليك منهم آمنوا و لا كفروا فتطرد هؤلاء رعيا لذلك.

و الضّمير في(تطردهم)عائد على الضّعفة من المؤمنين، و يؤيّد هذا التّأويل أنّ ما بعد الفاء أبدا سبب ما قبلها، و ذلك لا يبين إذا كانت الضّمائر كلّها للمؤمنين.

(2:295)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في أنّ الضّمير في قوله:

(حسابهم)و في قوله:(عليهم)إلى ما ذا يعود؟

القول الأوّل:إنّه عائد إلى المشركين،و المعنى ما عليك من حساب المشركين من شيء،و لا حسابك على المشركين،و إنّما اللّه هو الّذي يدبّر عبيده كما شاء و أراد.و الغرض من هذا الكلام أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يتحمّل هذا الاقتراح من هؤلاء الكفّار،فلعلّهم يدخلون في الإسلام و يتخلّصون من عقاب الكفر،فقال تعالى:لا تكن في قيد أنّهم يتّقون الكفر أم لا،فإنّ اللّه تعالى هو الهادي و المدبّر.

القول الثّاني:إنّ الضّمير عائد إلى اَلَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ و هم الفقراء،و ذلك أشبه بالظّاهر.و الدّليل عليه أنّ الكناية في قوله: فَتَطْرُدَهُمْ فَتَكُونَ مِنَ الظّالِمِينَ عائدة لا محالة إلى هؤلاء الفقراء، فوجب أن يكون سائر الكنايات عائدة إليهم.و على هذا التّقدير فذكروا في قوله: ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ قولين:

أحدهما:أنّ الكفّار طعنوا في إيمان أولئك الفقراء، و قالوا:يا محمّد إنّهم إنّما اجتمعوا عندك و قبلوا دينك، لأنّهم يجدون بهذا السّبب مأكولا و ملبوسا عندك،و إلاّ فهم فارغون عن دينك،فقال اللّه تعالى:إن كان الأمر كما يقولون،فما يلزمك إلاّ اعتبار الظّاهر.و إن كان لهم باطن غير مرضيّ عند اللّه،فحسابهم عليه لازم لهم،لا يتعدّى إليك،كما أنّ حسابك عليك لا يتعدّى إليهم،كقوله:

وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى الأنعام:164.

[ثمّ ذكر بعض كلام الزّمخشريّ و الواحديّ]

(12:236)

القرطبيّ: أي من جزائهم و لا كفاية أرزاقهم،أي جزاؤهم و رزقهم على اللّه،و جزاؤك و رزقك على اللّه لا على غيره.(من)الأولى للتّبعيض و الثّانية زائدة للتّوكيد،ب.

ص: 822


1- كذا،و الظّاهر:كون الضّمير و فيه اضطراب.

و كذا ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ. (6:433)

أبو حيّان :[نقل كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

و لا يمكن ما ذكره من التّرديد في قوله:«و إن كان الأمر»إلى آخره،لأنّه تعالى قد أخبر بأنّهم يدعون ربّهم بالغداة و العشيّ يريدون وجهه،و إخبار اللّه تعالى هو الصّدق الّذي لا شكّ فيه،فلا يقال فيهم:و إن كان الأمر كما يقولون،و إن كان لهم باطن غير مرضيّ،لأنّه فرض مخالف لما أخبر اللّه تعالى به،من خلوص بواطنهم و نيّاتهم له تعالى.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ:فإن قلت و قال:]

و قوله:كأنّه قيل:«لا تؤاخذ أنت و لا هم بحساب صاحبه»تركيب غير عربيّ،لا يجوز عود الضّمير هنا غائبا و لا مخاطبا،لأنّه إن أعيد غائبا فلم يتقدّم له اسم مفرد غائب يعود عليه،إنّما يتقدّم قوله:و لا هم،و لا يمكن العود إليه على اعتقاد الاستغناء بالمفرد عن الجمع، لأنّه يصير التّركيب:بحساب صاحبهم.و إن أعيد مخاطبا فلم يتقدّم له مخاطب يعود عليه إنّما تقدّم قوله:لا تؤاخذ أنت،و لا يمكن العود إليه لأنّه مخاطب فلا يعود عليه غائبا،و لو أبرزته مخاطبا لم يصحّ التّركيب أيضا.

و إصلاح هذا التّركيب أن يقال:لا يؤاخذ كلّ واحد منك و لا منهم بحساب صاحبه،أو لا تؤاخذ أنت بحسابهم و لا هم بحسابك،أو لا تؤاخذ أنت و لا هم بحسابكم،فتغلب الخطاب على الغيبة،كما تقول:أنت و زيد تضربان.

و الظّاهر أنّ الضّمائر كلّها عائدة على اَلَّذِينَ يَدْعُونَ.

و قيل:الضّمير في(من حسابهم)و في(عليهم)عائد على المشركين،و تكون الجملتان اعتراضا بين النّهي و جوابه.[ثمّ ذكر بعض أقوال المتقدّمين و قال:]

(من)في(من حسابهم)و في(من حسابك)مبعّضة في موضع نصب على الحال في(من حسابهم)و ذو الحال هو (من شىء)،لأنّه لو تأخّر(من حسابهم)لكان في موضع النّعت ل(شىء)فلمّا تقدّم انتصب على الحال و(عليك) في موضع الخبر ل(ما)إن كانت حجازيّة،و أجزنا توسّط خبرها إذا كانت ظرفا أو مجرورا،و في موضع خبر المبتدإ إن لم نجز ذلك،أو اعتقدنا أنّ(ما)تميميّة.

و أمّا في(من حسابك)فقيل:هو في موضع نصب على الحال.و يضعّف ذلك بأنّ الحال إذا كان العامل فيها معنى الفعل لم يجز تقديمها عليه،خصوصا إذا تقدّمت على العامل و على ذي الحال.

و قيل:يجوز أن يكون الخبر(من حسابك) و(عليهم)صفة ل(شىء)تقدّمت عليه فانتصب على الحال.و هذا ضعيف،لأنّ(عليهم)هو محطّ الفائدة فترجّح أن يكون هو الخبر،و يكون(من حسابك)على هذا تبيينا لا حالا و لا خبرا.

و انظر إلى حسن اعتنائه تعالى بنبيّه و تشريفه بخطابه،حيث بدأ به في الجملتين معا،فقال: ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ ثمّ قال: وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ فقدّم خطابه في الجملتين،و كان مقتضى التّركيب الأوّل لو لوحظ أن يكون التّركيب الثّاني:و ما عليهم من حسابك من شيء،لكنّه قدّم خطاب الرّسول و أمره تشريفا له عليهم و اعتناء

ص: 823

بمخاطبته،و في هاتين الجملتين ردّ العجز على الصّدر.

(4:136)

أبو السّعود :و قوله تعالى: ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ اعتراض وسط بين النّهي و جوابه تقريرا له، و دفعا لما عسى يتوهّم كونه مسوّغا لطردهم،من أقاويل الطّاعنين في دينهم،كدأب قوم نوح،حيث قالوا: ما نَراكَ اتَّبَعَكَ إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ هود:

27،أي ما عليك شيء ما من حساب إيمانهم و أعمالهم الباطنة حتّى تتصدّى له،و تبني على ذلك ما تراه من الأحكام،و إنّما وظيفتك-حسبما هو شأن منصب النّبوّة- اعتبار ظواهر الأعمال و إجراء الأحكام على موجبها، و أمّا بواطن الأمور فحسابها على العليم بذات الصّدور، كقوله تعالى: إِنْ حِسابُهُمْ إِلاّ عَلى رَبِّي الشّعراء:

113،و ذكر قوله تعالى: وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ مع أنّ الجواب قد تمّ بما قبله للمبالغة في بيان انتفاء كون حسابهم عليه صلّى اللّه عليه و سلّم بنظمه في سلك ما لا شبهة فيه أصلا،و هو انتفاء كون حسابه عليه السّلام عليهم على طريقة قوله تعالى: لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ الأعراف:34.

و أمّا ما قيل:من أنّ ذلك لتنزيل الجملتين منزلة جملة واحدة،لتأدية معنى واحد على نهج قوله تعالى:

وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى فاطر:18،فغير حقيق بجلالة شأن التّنزيل،و تقديم(عليك)في الجملة الأولى للقصد إلى إيراد النّفي على اختصاص حسابهم به صلّى اللّه عليه و سلّم؛إذ هو الدّاعي إلى تصدّيه عليه الصّلاة و السّلام لحسابهم.

و قيل:الضّمير للمشركين،و المعنى:أنّك لا تؤاخذ بحسابهم حتّى يهمّك إيمانهم و يدعوك الحرص عليه إلى أن تطرد المؤمنين.(2:389)

نحوه البروسويّ.(3:36)

الآلوسيّ: ضمير الجمع للموصول السّابق،كما روي عن عطاء و غالب المفسّرين.و جوّز في(ما)أن تكون تميميّة و حجازيّة،و في(شىء)أن يكون فاعل الظّرف المعتمد على النّفي،و مِنْ حِسابِهِمْ وصف له قدّم فصار حالا،و أن يكون في موضع رفع بالابتداء، و الظّرف المتقدّم متعلّق بمحذوف وقع خبرا مقدّما له، و(من)زائدة للاستغراق،و كلام الزّمخشريّ يشير إلى اختياره.[ثمّ أدام نحو أبي السّعود](7:160)

مغنيّة: و معنى ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ أنّ حسابهم و حساب غيرهم لا يدخل في موضع النّبوّة،و لا هو من شئونها،و إنّما حسابهم على اللّه وحده تماما، كحسابك أنت يا محمد،لا فرق بينك و بينهم من هذه الحيثيّة.

إنّ المسلم يؤمن إيمانا قاطعا بأنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و آله أشرف الخلق على الإطلاق،و في الوقت نفسه يؤمن بأنّ عظمة محمّد لا تخوّل له أن يحاسب أحدا،أو يعاقبه أو يثيبه،إنّ الحساب و الجزاء للّه و من اللّه وحده لا شريك له.

و بهذه الفضيلة امتاز الإسلام عن جميع الأديان، نفي السّبيل للإنسان على إنسان كائنا من كان،و بها نعتزّ نحن المسلمين و نفاخر الاشتراكيّين و الشّيوعيّين و القوميّين و الدّيمقراطيّين،و جميع أهل الأديان و المذاهب.(3:194)

الطّباطبائيّ: هو استعمال العدد بالجمع و الطّرح

ص: 824

و نحو ذلك،و لمّا كان تمحيص الأعمال و تقديرها لتوفية الأجر أو أخذ النّتيجة و نحوهما،لا يخلو بحسب العادة من استعمال العدد بجمع أو طرح،سمّي ذلك حسابا للأعمال.

و إذ كان حساب الأعمال لتوفية الجزاء،و الجزاء إنّما هو من اللّه سبحانه،فالحساب على اللّه تعالى،أي في عهدته و كفايته،كما قال: إِنْ حِسابُهُمْ إِلاّ عَلى رَبِّي الشّعراء:113،و قال: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ الغاشية:26،و عكس في قوله: إِنَّ اللّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً النّساء:86،للدّلالة على سلطانه تعالى، و هيمنته على كلّ شيء.

و على هذا فالمراد من نفي كون حسابهم عليه أو حسابه عليهم،نفي أن يكون هو الّذي يحاسب أعمالهم ليجازيهم،حتّى إذا لم يرتض أمرهم و كره مجاورتهم طردهم عن نفسه.أو يكونوا هم الّذين يحاسبون أعماله حتّى إذا خاف مناقشتهم أو سوء مجازاتهم،أو كرههم استكبارا و استعلاء عليهم طردهم.و على هذا فكلّ من الجملتين: ما عَلَيْكَ... وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ... مقصودة في الكلام مستقلّة.

و ربّما أمكن أن يستفاد من قوله: ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ نفي أن يحمل عليه حسابهم،أي أعمالهم المحاسبة حتّى يستثقله؛و ذلك بإيهام أنّ للعمل ثقلا على عامله،أو من يحمل عليه،فالمعنى ليس شيء من ثقل أعمالهم عليك،و على هذا فاستتباعه بقوله:

وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ -و لا حاجة إليه لتمام الكلام بدونه-إنّما هو لتتميم أطراف الاحتمال و تأكيد مطابقة الكلام.

و من الممكن أيضا أن يقال:إنّ مجموع الجملتين، أعني قوله: ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ كناية عن نفي الارتباط بين النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و بينهم من حيث الحساب.

و ربّما قيل:إنّ المراد ب«الحساب»:حساب الرّزق دون حساب الأعمال،و المراد:ليس عليك حساب رزقهم،و إنّما اللّه يرزقهم و عليه حساب رزقهم،و قوله:

وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ إلخ،جيء به تأكيدا لمطابقة الكلام على ما تقدّم في الوجه السّابق.و الوجهان و إن أمكن توجيههما بوجه،لكنّ الوجه هو الأوّل.(7:102)

عبد الكريم الخطيب :في هذا بيان كاشف لحساب النّاس عند اللّه،و أنّهم عنده بأعمالهم، لا بأحسابهم و أموالهم.

و هذا هو النّبيّ الكريم،حامل رسالة السّماء، و مبعوث ربّ العالمين،هو و النّاس عند اللّه في ميزان العمل على سواء،كلّ مجزيّ بعمله،من إحسان أو إساءة.(4:192)

مكارم الشّيرازيّ: يختلف المفسّرون في توضيح المقصود من«الحساب»هنا:

منهم من يقول:إنّ المقصود هو حساب رزقهم،أي إنّهم و إن كانوا فقراء فإنّهم لا يثقلون عليك بشيء،لأنّ حساب رزقهم على اللّه،كما أنّك أنت أيضا لا تحمّلهم ثقل معيشتك؛إذ ليس من حساب رزقك عليهم من شيء.

غير أنّ هذا الاحتمال يبدو بعيدا،لأنّ الظّاهر أنّ القصد من الحساب:هو حساب الأعمال،كما يقول كثير

ص: 825

من المفسّرين.أمّا لما ذا يقول اللّه:إنّ حساب أعمالهم ليس عليك،مع أنّهم لم يبدر منهم أيّ عمل سيّئ يستوجب هذا القول.

فالجواب:أنّ المشركين كانوا يتّهمون أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله الفقراء بالابتعاد عن اللّه بسبب فقرهم، زاعمين أنّهم لو كانت أعمالهم مقبولة عند اللّه لزمه عليهم في معيشتهم،بل كانوا يتّهمونهم بأنّهم لم يؤمنوا إلاّ لضمان معيشتهم و الوصول إلى لقمة العيش.

فيردّ القرآن على ذلك مبيّنا أنّنا حتّى لو فرضنا أنّهم كذلك،فإنّ حسابهم على اللّه،ما دام هؤلاء قد آمنوا و أصبحوا في صفوف المسلمين،فلا يجوز طردهم بأيّ ثمن،و بهذا يقف في وجه احتجاج أشراف قريش.

و شاهد هذا التّفسير ما جاء في حكاية النّبيّ نوح عليه السّلام الّتي تشبه حكاية أشراف قريش،فأولئك كانوا يقولون لنوح: أَ نُؤْمِنُ لَكَ وَ اتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ فيردّ عليهم نوح قائلا: وَ ما عِلْمِي بِما كانُوا يَعْمَلُونَ* إِنْ حِسابُهُمْ إِلاّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ* وَ ما أَنَا بِطارِدِ الْمُؤْمِنِينَ الشّعراء:111-114.

من هنا يجب على الأنبياء أن يتقبّلوا كلّ امرئ يظهر الإيمان بدون أيّ تمييز و من أيّة طبقة كان،بله المؤمنين الأطهار الّذين لا يريدون إلاّ وجه اللّه،و كلّ ذنبهم هو أنّهم فقراء صفر اليدين من الثّروة،و لم يتلوّثوا بالحياة الدّنيئة لطبقة الأشراف.(4:283)

حسابهم

1- اِقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ. الأنبياء:1

ابن عبّاس: يقول:دنا لأهل مكّة ما وعد لهم في الكتاب من العذاب.(268)

الضّحّاك: أي عذابهم،يعني أهل مكّة،لأنّهم استبطئوا ما وعدوا به من العذاب تكذيبا،و كان قتلهم يوم بدر.(القرطبيّ 11:267)

الطّبريّ: دنا حساب النّاس على أعمالهم الّتي عملوها في دنياهم،و نعمهم الّتي أنعمها عليهم فيها في أبدانهم،و أجسامهم،و مطاعمهم،و مشاربهم و ملابسهم،و غير ذلك من نعمه عندهم،و مسألته إيّاهم،ما ذا عملوا فيها؟و هل أطاعوه فيها،فانتهوا إلى أمره و نهيه في جميعها،أم عصوه فخالفوا أمره فيها؟(17:1)

نحوه الطّبرسيّ(4:39)

الزّجّاج: اقترب للنّاس وقت حسابهم.(3:383)

نحوه البغويّ.(3:282)

النّحّاس: و لا يجوز في الكلام:اقترب حسابهم للنّاس،لئلاّ يتقدّم مضمر على مظهر لا يجوز أن ينوى به التّأخير.(القرطبيّ 11:267)

الطّوسيّ: معناه دنا وقت إظهار ما للعبد و ما عليه، ليجازى به و عليه.

و الحساب:إخراج مقدار العدد بعقد يحصل.و يقال:

هو إخراج الكمّيّة من مبلغ العدّة.

و قيل:إنّه دنا،لأنّه بالإضافة إلى ما مضى يسير.

(7:228)

نحوه الواحديّ(3:229)،و ابن الجوزيّ(5:

ص: 826

329)،و النّسفيّ(3:71)،و المراغيّ(17:5).

الفخر الرّازيّ: الفائدة في تسمية يوم القيامة بيوم الحساب:أنّ الحساب هو الكاشف عن حال المرء، فالخوف من ذكره أعظم.(22:140)

البروسويّ: و الحساب بمعنى المحاسبة،و هو إظهار ما للعبد و ما عليه،ليجازى على ذلك.و المراد باقتراب حسابهم:اقترابه في ضمن اقتراب السّاعة.و سمّي يوم القيامة بيوم الحساب:تسمية للزّمان بأعظم ما وقع فيه، و أشدّه وقعا في القلوب،فإنّ الحساب هو الكاشف عن حال المرء.(5:451)

مغنيّة:المراد بالحساب هنا:يوم القيامة،و هو قريب من كلّ إنسان،لأنّه آت لا محالة.(5:262)

الطّباطبائيّ: و المراد بالحساب-و هو محاسبة اللّه سبحانه أعمالهم يوم القيامة-نفس الحساب لا زمانه، بنحو التّجوّز أو بتقدير الزّمان،و إن أصرّ بعضهم عليه و وجّهه بعض آخر:بأنّ الزّمان هو الأصل في القرب و البعد.و إنّما ينسب القرب و البعد إلى الحوادث الواقعة فيه بتوسّطه.

و ذلك لأنّ الغرض في المقام متعلّق بتذكرة نفس الحساب لتعلّقه بأعمال النّاس؛إذ كانوا مسئولين عن أعمالهم،فكان من الواجب في الحكمة أن ينزل عليهم ذكر من ربّهم ينبّههم على ما فيه مسئوليّتهم،و من الواجب عليهم أن يستمعوا له مجدّين غير لاعبين،و لا لاهية قلوبهم.

نعم لو كان الكلام مسوقا لبيان أهوال السّاعة و ما أعدّ من العذاب للمجرمين،كان الأنسب التّعبير بيوم الحساب أو تقدير الزّمان،و نحو ذلك.(14:245)

لاحظ«ق ر ب-اقترب»

2- ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ. الغاشية:26

ابن عبّاس: ثباتهم في الدّنيا،و ثوابهم و عقابهم في الآخرة.(509)

مقاتل:جزاءهم.(ابن الجوزيّ 9:101)

نحوه الواحديّ(4:477)،و البغويّ(5:247)، و الشّربينيّ(4:529)

الطّبريّ: ثمّ إنّ على اللّه حسابه،و هو يجازيه بما سلف منه من معصية ربّه،يعلم بذلك نبيّه محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه المتولّي عقوبته دونه،و هو المجازي و المعاقب،و أنّه الّذي إليه التّذكير و تبليغ الرّسالة.(30:167)

الماورديّ: يعني جزاءهم على أعمالهم،فيكون ذلك جامعا بين الوعد و الوعيد،ثوابا على الطّاعات و عقابا على المعاصي.(6:263)

الطّوسيّ: و المعنى أنّ مرجع الخلق يوم القيامة إلى اللّه فيحاسبهم،و يجازي كلّ واحد منهم على قدر عمله، فحساب الكفّار:مقدار ما لهم و عليهم من استحقاق العقاب،و حساب المؤمن:بيان ما له و عليه حتّى يظهر استحقاق الثّواب.(10:339)

الطّبرسيّ: [نحو الماورديّ و أضاف:]

و معناه لا يهمّنّك أمرهم،فإنّهم و إن عاندوك و آذوك،فمصير جميعهم إلى حكمنا لا يفوتوننا،و مجازاتهم علينا،و عن قريب تقرّ عينك بما تراه في أعدائك.

(5:480)

ص: 827

النّسفيّ: فنحاسبهم على أعمالهم و نجازيهم بها جزاء أمثالهم،و(على)لتأكيد الوعيد لا للوجوب؛إذ لا يجب على اللّه شيء.(4:353)

فضل اللّه :فنحن الّذين نحاسب الخلق على كثرتهم،كما نرزقهم على كثرتهم،و ليس لأحد أن يحاسب أحدا على أيّ شيء من أعماله،فليدرسوا مسألة الحساب من خلال مسألة المصير،قبل أن تفوتهم الفرصة الّتي لا مجال للعودة إليها.(24:234)

حسابيه

1- إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ الحاقّة:20

الزّجّاج: معناه إنّي أيقنت بأنّي أحاسب و أبعث.

فأمّا(كتابيه)و(حسابيه)فالوجه أن يوقف على هذه«الهاءات»و لا توصل،لأنّها أدخلت للوقف،و قد حذفها قوم في الوصل،و لا أحبّ مخالفة المصحف و لا أن أقرأ بإثبات الهاء في الوصل.و هذه رءوس آيات، فالوجه أن يوقف عندها.(5:217)

الماورديّ: و الهاء من(كتابيه)و نظائرها موضوعة للمبالغة.في«الحساب»هاهنا وجهان:

أحدهما:في البعث،الثّاني:في الجزاء.(6:83)

الطّوسيّ: و المعنى:أنّي كنت متيقّنا في دار الدّنيا بأنّي ألقى حسابي يوم القيامة،و أعلم أنّي أجازى على الطّاعة بالثّواب و على المعاصي بالعقاب،و أعمل بما يجب عليّ من الطّاعات و اجتناب المعاصي.(10:101)

نحوه البغويّ(5:147)،و الخازن(7:121).

الطّبرسيّ: و الهاء لنظم رءوس الآي،و هي هاء الاستراحة.[ثمّ أضاف نحو الطّوسيّ](5:346)

أبو حيّان :قرأ الجمهور(كتابيه)و(حسابيه)في موضعيهما،و(ماليه)و(سلطانيه) (1)،و في القارعة:10، (ما هيه)بإثبات هاء السّكت وقفا و وصلا،لمراعاة خطّ المصحف.

و قرأ ابن محيصن بحذفها وصلا و وقفا و إسكان الياء؛ و ذلك:(كتابى)و(حسابى)و(مالى)و(سلطانى)و لم ينقل ذلك فيما وقفت عليه في(ما هيه)في القارعة.

و ابن أبي إسحاق و الأعمش بطرح الهاء فيهما في الوصل لا في الوقف.و طرحها حمزة في(ما لى) و(سلطانى)و(ما هى)في الوصل لا في الوقف،و فتح الياء فيهنّ.

و ما قاله الزّهراويّ: من أنّ إثبات الهاء في الوصل لحن لا يجوز عند أحد علمته.ليس كما قال،بل ذلك منقول نقل التّواتر،فوجب قبوله.(8:325)

ابن كثير :أي قد كنت موقنا في الدّنيا أنّ هذا اليوم كائن لا محالة.(7:105)

الشّربينيّ: يعني أنّه ما نجا إلاّ بخوفه من يوم الحساب،لأنّه تيقّن أنّ اللّه تعالى يحاسبه فعمل للآخرة، فحقّق اللّه تعالى رجاءه و أمن خوفه،فعلم الآن أنّه لا يناقش الحساب،و إنّما حسابه بالعرض و هو الحساب اليسير،فضلا من اللّه و نعمة.(4:375)

البروسويّ: الحساب بمعنى المحاسبة،و هو عدّ أعمال العباد في الآخرة خيرا و شرّا للمجازاة،أي علمت و أيقنت أنّي مصادف حسابي في ديوان الحساب الإلهيّ،

ص: 828


1- الكلمات الأربع كلّها في سورة الحاقّة.

و أنّي أحاسب في الآخرة.(10:141)

القاسميّ: أي جزائي يوم القيامة،أي فأعددت له عدّته من الإيمان و العمل الصّالح.(16:5916)

المراغيّ: أي إنّي فرح مسرور،لأنّي علمت أنّ ربّي سيحاسبني حسابا يسيرا،و قد حاسبني كذلك،فاللّه عند ظنّ عبده به.(29:56)

حسبان

اَلشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبانٍ. الرّحمن:5

ابن عبّاس: منازلهما بالحساب.(451)

نحوه الفرّاء.(3:112)

يجريان بعدد و حساب.(الطّبريّ 27:115)

أي يجريان بحساب في منازل لا يعدوانها.

مثله قتادة(البغويّ 4:331)

و نحوه ابن قتيبة(436)

مجاهد :كحسبان الرّحى.(الطّبريّ 27:116)

يدوران.(الماورديّ 5:523)

الحسبان:الفلك المستدير،شبّه بحسبان الرّحى، و هو العود المستدير الّذي باستدارته تدور المطحنة.

(ابن عطيّة 5:224)

الضّحّاك: بقدر يجريان.(الطّبريّ 27:116)

نحوه زيد بن عليّ(400)،و الماورديّ(5:424).

هو[حسبان]جمع حساب،كشهاب و شهبان.

(ابن عطيّة 5:224)

نحوه أبو عبيدة.(2:343)

قتادة :أي بحساب و أجل.

نحوه القيسيّ.(2:342)

يجريان في حساب.(الطّبريّ 27:115)

هو مصدر كالحساب في المعنى،و كالغفران و الطّغيان في الوزن.(ابن عطيّة 5:224)

السّدّيّ: أي تجري بآجال كآجال النّاس فإذا جاء أجلهما هلكا.(446)

ابن زيد :يحسب بهما الدّهر و الزّمان،لو لا اللّيل و النّهار و الشّمس و القمر،لم يدرك أحد كيف يحسب شيئا؟لو كان الدّهر ليلا كلّه كيف يحسب،أو نهارا كلّه كيف يحسب.(الطّبريّ 27:115)

نحوه ابن كيسان.(القرطبيّ 17:153)

الأخفش: أي بحساب،و أضمر الخبر.أظنّ- و اللّه أعلم-أنّه أراد يجريان بحساب.(2:701)

يكون جماعة الحساب،مثل شهاب و شهبان.

(القرطبيّ 17:153)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك، فقال بعضهم:معناه:الشّمس و القمر بحسبان،و منازل لهما يجريان و لا يعدوانها.

و قال آخرون:بل معنى ذلك،أنّهما يجريان بقدر.

و قال آخرون:بل معنى ذلك أنّهما يدوران في مثل قطب الرّحى.

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب،قول من قال:

معناه:الشّمس و القمر يجريان بحساب و منازل،لأنّ «الحسبان»مصدر من قول القائل:حسبته حسابا و حسبانا،مثل قولهم:كفرته كفرانا،و غفرته غفرانا.

و قد قيل:إنّه جمع حساب،كما الشّهبان:جمع شهاب.

(27:116)

ص: 829

نحوه البغويّ.(4:331)

الزّجّاج: اَلشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ مرفوعان بالابتداء، و قوله:(بحسبان)يدلّ على خبر الابتداء،و يكون المعنى:

الشّمس و القمر يجريان بحساب،و يكون أيضا معنى (بحسبان)أنّهما يدلاّن على عدد الشّهور و السّنين، و جميع الأوقات.(5:95)

نحوه الواحديّ.(4:217)

الطّوسيّ: و قوله:(بحسبان)خبر(الشّمس و القمر) على قول من رفعهما بالابتداء.و حسبان:مصدر حسبته أحسبه حسبانا،نحو السّكران و الكفران.(9:464)

الزّمخشريّ: بحساب معلوم و تقدير سويّ، يجريان في بروجهما و منازلهما،و في ذلك منافع للنّاس عظيمة،منها:علم السّنين و الحساب.(4:43)

نحوه النّسفيّ.(4:207)

الفخر الرّازيّ: في الحسبان وجهان:

الأوّل:المشهور أنّ المراد:الحساب،يقال:حسب حسابا و حسبانا.و على هذا فالباء للمصاحبة،تقول:

قدمت بخير،أي مع خير و مقرونا بخير،فكذلك الشّمس و القمر يجريان و معهما حسابهما،و مثله إِنّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ القمر:49، وَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ الرّعد:8.

و يحتمل أن تكون للاستعانة،كما في قولك:بعون اللّه غلبت و بتوفيق اللّه حججت،فكذلك يجريان(بحسبان) من اللّه.

و الوجه الثّاني:أنّ«الحسبان»هو الفلك تشبيها له بحسبان الرّحى و هو ما يدور فيدير الحجر،و على هذا فهو للاستعانة،كما يقال في الآلات:كتبت بالقلم.فهما يدوران بالفلك،و هو كقوله تعالى: وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ يس:40.

[و]على الوجه المشهور هل كلّ واحد يجري بحسبان أو كلاهما بحسبان واحد ما المراد؟

نقول:كلاهما محتمل،فإن نظرنا إليهما فلكلّ واحد منهما حساب على حدة،فهو كقوله تعالى: كُلٌّ فِي فَلَكٍ لا بمعنى أنّ الكلّ مجموع في فلك واحد،و كقوله:

وَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ.

و إن نظرنا إلى اللّه تعالى فللكلّ حساب واحد قدّر الكلّ بتقدير حسبانهما بحساب،مثاله:من يقسّم ميراث نفسه لكلّ واحد من الورثة نصيبا معلوما بحساب واحد، ثمّ يختلف الأمر عندهم،فيأخذ البعض السّدس و البعض كذا و البعض كذا،فكذلك الحساب الواحد.(29:87)

القرطبيّ: و الحسبان قد يكون مصدر حسبته أحسبه بالضّمّ حسبا و حسبانا،مثل الغفران و الكفران و الرّجحان،و حسابة أيضا،أي عددته.

و الحسبان أيضا بالضّمّ:العذاب و السّهام القصار؛ الواحدة:حسبانة.

و الحسبانة أيضا:الوسادة الصّغيرة،تقول منه:

حسّبته،إذا وسّدته.[ثمّ استشهد بشعر](17:153)

البيضاويّ: يجريان بحساب معلوم مقدّر في بروجهما و منازلهما،و تتّسق بذلك أمور الكائنات السّفليّة،و تختلف الفصول و الأوقات،و تعلم السّنون و الحساب.(2:440)

ص: 830

نحوه أبو السّعود(6:174)،و الكاشانيّ(5:106)، و طنطاوي(24:15).

ابن كثير :أي يجريان متعاقبين بحساب مقنّن لا يختلف و لا يضطرب.(6:485)

الشّربينيّ: فإنّهما على قانون واحد و حساب لا يتغيّران،و بذلك تتمّ منفعتهما للزّراعات و غيرها.

و لو لا الشّمس و القمر لفات كثير من المنافع الظّاهرة، بخلاف غيرهما من الكواكب،فإنّ نعمها لا تظهر لكلّ أحد،مثل ظهور نعمتهما،و أنّهما بحسبان لا يتغيّر أبدا.

و لو كان سيرهما غير معلوم للخلق،لما انتفعوا بالزّراعات في أوقاتها،و معرفة فصول السّنة.

و المعنى يجريان بحسبان معلوم،فأضمر الخبر.

(4:158)

البروسويّ: و الحسبان بالضّمّ:مصدر بمعنى الحساب،كالغفران و الرّجحان.يقال:حسبه:عدّه، و بابه«نصر»حسابا بالكسر،و حسبانا بالضّمّ.

و أمّا الحسبان بالكسر فبمعنى الظّنّ من حسب بالكسر،بمعنى ظنّ[ثمّ قال نحو البيضاويّ و أضاف:]

و فيه إشارة إلى شمس فلك البروج،و قمر كرة القلب،سيرانهما في بروج التّجلّيات الذّاتيّة،و منازل التّجلّيات الأسمائيّة و الصّفاتيّة،و كلّ ذلك السّيران بحسب استعداد كلّ واحد منهما،بحساب معلوم و أمر مقسوم.(9:289)

و جاء بهذا المعنى كلمة(حسبان)في آية:(96)من سورة الأنعام.

حسبانا

...وَ يُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً. الكهف:40

ابن عبّاس: نارا.(247)

نحوه الكلبيّ.(أبو حيّان 6:129)

الحسبان:العذاب.

نحوه الضّحّاك،و قتادة،و ابن زيد

(الطّبريّ 15:249)

و النّسفيّ(3:14)

الضّحّاك: البرد.(أبو حيّان 6:129)

ابن زيد :قضاء من اللّه يقضيه.(الطّبريّ 15:249)

أبو عبيدة :مجازها:مرامي؛و واحدتها:حسبانة، أي نارا تحرقها.(1:403)

الأخفش: أنّه المرامي الكثيرة.(الماورديّ 3:307)

سهام ترمى في مجرى فقلّما تخطئ.

(أبو حيّان 6:129)

الطّبريّ: عذابا من السّماء.ترمى به رميا و تقذف.

و الحسبان:جمع حسبانة،و هي المرامي.(15:248)

الزّجّاج: و هذا موضع لطيف يحتاج أن يشرح، و هو أنّ الحسبان في اللّغة هو الحساب،قال تعالى:

اَلشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبانٍ الرّحمن:1،المعنى بحساب.

فالمعنى في هذه الآية:أن يرسل عليها عذاب حسبان،و ذلك الحسبان هو حساب ما كسبت يداك.(3:290)

الماورديّ: فيه خمسة تأويلات الأوّل و الثّاني:

[قولا ابن عبّاس و قد تقدّما]

ص: 831

الثّالث:جرادا.

الرّابع:[نقل قول الزّجّاج و أضاف:]

لأنّه جزاء الآخرة،و الجزاء من اللّه تعالى بحساب.

الخامس:[نقل قول الأخفش و أضاف:]

و أصله:الحساب،و هي السّهام الّتي يرمى بها في طلق واحد،و كان من رمي الأساورة.(3:307)

الطّوسيّ: و الحسبان:المرامي الكثيرة،مثل كثرة الحساب؛واحده:حسبانة.(7:47)

نحوه الطّبرسيّ.(3:421)

الواحديّ: الحسبان:المرامي يرمى بها،[ثمّ ذكر قول ابن شميّل المتقدّم في اللّغة و قال:]

و المعنى يرسل عليها مرامي من عذابه،إمّا بردا، و إمّا حجارة،أو غيرهما ممّا يشاء من أنواع العذاب.(3:149)

نحوه ابن الجوزيّ.(5:145)

الزّمخشريّ: و الحسبان:مصدر كالغفران و البطلان،بمعنى الحساب:أي مقدارا قدّره اللّه و حسبه، و هو الحكم بتخريبها.(2:485)

نحوه الفخر الرّازيّ(21:127)،و أبو السّعود(4:

191).

ابن عطيّة: و الحسبان:العذاب كالبرد و الصّرّ و نحوه؛واحد الحسبان:حسبانة،و هي المرامي من هذه الأنواع المذكورة،و هي أيضا سهام ترمى دفعة بآلة لذلك.(3:518)

البيضاويّ: جمع حسبانة،و هي الصّواعق.

و قيل:هو مصدر بمعنى الحساب،و المراد به:التّقدير بتخريبها،أو عذاب حساب الأعمال السّيّئة.(2:13)

أبو حيّان :[نقل كلام الزّجّاج ثمّ قال:]

و هذا التّرجّي إن كان ذلك أن يؤتيه في الدّنيا،فهي أنكى للكافر و آلم،إذ يرى حاله من الغنى قد انتقلت إلى صاحبه،و إن كان ذلك أن يؤتيه في الآخرة،فهو أشرف و أذهب مع الخير و الصّلاح.(6:129)

ابن كثير :و الظّاهر أنّه مطر عظيم مزعج يقلع زرعها و أشجارها.و لهذا قال: فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً الكهف:40.(4:388)

نحوه المراغيّ.(15:147)

البروسويّ: عذابا يرميها به من برد أو صاعقة أو نار.(5:247)

الآلوسيّ: [نقل قول الزّمخشريّ و أضاف:]

و الظّاهر أنّ إطلاقه على الحكم المذكور مجاز.

[و أيضا نقل قول الزّجّاج و أضاف:]

و لا يخفى أنّه يجوز أن يراد من الحسبان بهذا المعنى:

العذاب مجازا،فلا يحتاج إلى تقدير مضاف.(15:280)

المصطفويّ: أي ما فيه حساب أعمالهم،و هو الحاسب لهم.و لمّا كان عملهم عصيانا فالحاسب لهم هو العقاب،فأطلق المصدر على الفاعل مبالغة و تأكيدا،كما أنّ التّعبير بالحسبان دون الحساب للإشارة إلى الشّدّة و الحدّة في الحساب.(2:228)

مكارم الشّيرازيّ: حسبان على وزن«لقمان» و هي في الأصل مأخوذة من كلمة:حساب،ثمّ وردت بعد ذلك بمعنى:السّهام الّتي تحسب عند رميها،و تأتي أيضا بمعنى:الجزاء المرتبط بحساب الأشخاص،و هذا هو

ص: 832

ما تشير إليه الآية قبلها.(9:244)

حسبه

وَ إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ. البقرة:206

الطّوسيّ: فكفاه عقوبة من ضلاله أن يصلى نار جهنّم.(2:183)

نحوه الطّبرسيّ.(1:301)

الواحديّ: كافيه الجحيم جزاء له و عذابا.يقال:

حسبك كذا،أي كفاك،و حسبنا اللّه،أي كافينا اللّه.[ثمّ استشهد بشعر](1:311)

ابن عطيّة: أي كافيه معاقبة و جزاء،كما تقول للرّجل:كفاك ما حلّ بك،و أنت تستعظم و تعظّم عليه ما حلّ به.(1:281)

مثله القرطبيّ.(3:19)

أبو حيّان :أي كافيه جزاء و إذلالا جهنّم،و هي جملة مركّبة من مبتدإ و خبر.

و ذهب بعضهم إلى أنّ(جهنّم)فاعل ب(حسبه)لأنّه جعله اسم فعل:إمّا بمعنى الفعل الماضي،أي كفاه جهنّم، أو بمعنى فعل الأمر.و دخول حرف الجرّ عليه و استعماله صفة،و جريان حركات الإعراب عليه،يبطل كونه اسم فعل.و قوبل على اعتزازه:بعذاب جهنّم،و هو الغاية في الذّلّ،و لمّا كان قوله: اِتَّقِ اللّهَ حلّ به ما أمر أن يتّقيه، و هو عذاب اللّه.[ثمّ أدام نحو ابن عطيّة](2:117)

أبو السّعود : فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ مبتدأ و خبر،أي كافيه جهنّم،و قيل:(جهنّم)فاعل ل(حسبه)سادّ مسدّ خبره،و هو مصدر بمعنى الفاعل،و قوي لاعتماده على الفاء الرّابطة للجملة بما قبلها.و قيل:«حسب»اسم فعل ماض،أي كفته جهنّم.(1:255)

الآلوسيّ: [مثل أبي السّعود و أضاف:]

و قيل:«حسب»اسم فعل ماض بمعنى كفى،و فيه نظر.(2:96)

رشيد رضا :أي هي مصيره،و كفاه عذابها جزاء على كبريائه و حميّته الجاهليّة.(2:251)

حسبهم

1- وَعَدَ اللّهُ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْكُفّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ... التّوبة:68

2- ...وَ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللّهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ... المجادلة:8

جاء تا بمعنى(حسبه).

حسبك

1- وَ إِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ...

الأنفال:62

ابن عبّاس: اللّه حسبك و كافيك.(151)

نحوه الحسن و الشّعبيّ و ابن زيد(القرطبيّ 8:43)، و البغويّ(2:308).

الطّبريّ: فإنّ اللّه كافيكهم و كافيك خداعهم إيّاك، لأنّه متكفّل بإظهار دينك على الأديان،و متضمّن أن يجعل كلمته العليا و كلمة أعدائه السّفلى.(10:35)

الزّجّاج: أي فإنّ الّذي يتولّى كفايتك اللّه.

(2:423)

ص: 833

مثله الواحديّ(2:496)،و الطّبرسيّ(2:556).

الطّوسيّ: معناه فإنّ اللّه كافيك.يقال:أعطاني ما أحسبني،أي كفاني.و أصله:الحساب،و إنّما أعطاه بحساب ما يكفيه.(5:176)

الزّمخشريّ: فإنّ اللّه كافيك و عاصمك من مكرهم و خديعتهم.(2:166)

ابن عطيّة: أي كافيك و معطيك نصرة و إظهارا، و هذا وعد محض.(2:548)

نحوه الخازن.(3:39)

البيضاويّ: فإنّ محسبك اللّه و كافيك.[ثمّ استشهد بشعر](1:40)

أبو السّعود :أي فاعلم بأنّ محسبك اللّه من شرورهم،و ناصرك عليهم.(3:110)

نحوه البروسويّ.(3:367)

الآلوسيّ: أي محسبك اللّه و كافيك و ناصرك، عليهم فلا تبال بهم،ف(حسب):صفة مشبّهة،بمعنى اسم الفاعل،و الكاف في محلّ جرّ،كما نصّ عليه غير واحد.[ثمّ استشهد بشعر](10:28)

رشيد رضا :أي كافيك أمرهم من كلّ وجه.

«حسب»تستعمل بمعنى الكفاية التّامّة،و منها قولهم:

أحسب زيد عمرا،أو أعطاه حتّى أحسبه،أي أجزل له و كفاه حتّى قال:حسبي،أي لا حاجة لي في الزّيادة.(10:70)

2- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ اَلْمُؤْمِنِينَ الأنفال:64

حسبى

1- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ...

التّوبة:129

2- قُلْ حَسْبِيَ اللّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ.

الزّمر:38

حسبنا

1- وَ قالُوا حَسْبُنَا اللّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ. آل عمران:173

2- قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا...

المائدة:104

3- وَ قالُوا حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ... التّوبة:59

كلّها بنفس ما ذكر من المعنى في حَسْبَكَ اللّهُ.

يحاسبكم

...وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ... البقرة:284

ابن مسعود:كانت المحاسبة قبل أن تنزل لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ البقرة:286،فلمّا نزلت نسخت الآية الّتي كانت قبلها.

نحوه قتادة و الحسن و مجاهد و عائشة.

(الطّبريّ 3:146)

عائشة: من همّ بسيّئة فلم يعملها أرسل اللّه عليه من الهمّ و الحزن،مثل الّذي همّ به من السّيّئة فلم

ص: 834

يعملها،فكانت كفّارته.(الطّبريّ 3:149)

ابن عبّاس: يجازكم.(41)

نزلت في كتمان الشّهادة و إقامتها.

نحوه داود و عكرمة و الشّعبيّ.(الطّبريّ 3:142)

إنّها لم تنسخ،و لكنّ اللّه عزّ و جلّ إذا جمع الخلائق يوم القيامة،يقول اللّه عزّ و جلّ:إنّي أخبركم بما أخفيتم في أنفسكم،ممّا لم تطّلع عليه ملائكتي.فأمّا المؤمنون فيخبرهم و يغفر لهم ما حدّثوا به أنفسهم،و هو قوله:

يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ يقول:يخبركم.و أمّا أهل الشّكّ و الرّيب،فيخبرهم بما أخفوا من التّكذيب.

(الطّبريّ 3:147)

مجاهد :من الشّكّ و اليقين.(الطّبريّ 3:148)

الحسن :هي محكمة لم تنسخ.(الطّبريّ 3:148)

الرّبيع:هي محكمة لم ينسخها شيء،يقول:يحاسبكم به اللّه،يقول:يعرّفه اللّه يوم القيامة أنّك أخفيت في صدرك كذا و كذا،لا يؤاخذه.(الطّبريّ 3:148)

السّدّيّ: يوم نزلت هذه الآية كانوا يؤاخذون بما وسوست به أنفسهم و ما عملوا،فشكوا ذلك إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فقالوا:إن عمل أحدنا و إن لم يعمل أخذنا به، و اللّه ما نملك الوسوسة.فنسخها اللّه بهذه الآية الّتي بعدها، بقوله: لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها البقرة:286، فكان حديث النّفس ممّا لم تطيقوا.(الطّبريّ 3:147)

الطّبريّ: و إن تظهروا فيما عندكم من الشّهادة على حقّ ربّ المال الجحود و الإنكار،أو تخفوا ذلك فتضمروه في أنفسكم،و غير ذلك من سيّئ أعمالكم، يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ يعني بذلك:يحتسب به عليه من أعماله، فيجازي من شاء منكم من المسيئين بسوء عمله،و غافر منكم لمن شاء من المسيئين.

ثمّ اختلف أهل التّأويل فيما عنى بقوله: وَ إِنْ تُبْدُوا... فقال بعضهم بما قلنا:من أنّه عنى به الشّهود في كتمانهم الشّهادة،و أنّه لاحق بهم كلّ من كان من نظرائهم،ممّن أضمر معصية،أو أبداها.

و قال آخرون:بل نزلت هذه الآية إعلاما من اللّه تبارك و تعالى عباده،أنّه مؤاخذهم بما كسبته أيديهم، و حدّثتهم به أنفسهم ممّا لم يعملوه.

ثمّ اختلف متأوّلو ذلك كذلك،فقال بعضهم:ثمّ نسخ اللّه ذلك بقوله: لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها...

البقرة:286.

و قال آخرون-ممّن قال:معنى ذلك الإعلام من اللّه عزّ و جلّ عباده أنّه مؤاخذهم بما كسبته أيديهم و عملته جوارحهم،و بما حدّثتهم به أنفسهم ممّا لم يعملوه-:هذه الآية محكمة غير منسوخة،و اللّه عزّ و جلّ محاسب خلقه على ما عملوا من عمل،و على ما لم يعملوه،ممّا أسرّوه في أنفسهم و نووه و أرادوه،فيغفره للمؤمنين،و يؤاخذ به أهل الكفر و النّفاق.

و أولى الأقوال الّتي ذكرناها بتأويل الآية،قول من قال:إنّها محكمة و ليست بمنسوخة؛و ذلك أنّ النّسخ لا يكون في حكم إلاّ ينفيه بآخر له ناف من كلّ وجوهه، و ليس في قوله عزّ و جلّ: لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها نفي الحكم الّذي أعلم عباده بقوله: أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ لأنّ المحاسبة ليست بموجبة عقوبة،و لا مؤاخذة بما حوسب عليه العبد من ذنوبه.و قد أخبر اللّه

ص: 835

عزّ و جلّ عن المجرمين أنّهم حين تعرض عليهم كتب أعمالهم يوم القيامة يقولون: يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصاها الكهف:49.

فأخبر أنّ كتبهم محصية عليهم صغائر أعمالهم و كبائرها،فلم تكن الكتب و إن أحصت صغائر الذّنوب و كبائرها-بموجب إحصاؤها على أهل الإيمان باللّه و رسوله و أهل الطّاعة له-أن يكونوا بكلّ ما أحصته الكتب من الذّنوب معاقبين،لأنّ اللّه عزّ و جلّ وعدهم العفو عن الصّغائر باجتنابهم الكبائر،فقال في تنزيله:

إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً النّساء:31.

فدلّ أنّ محاسبة اللّه عباده المؤمنين-بما هو محاسبهم به من الأمور الّتي أخفتها أنفسهم-غير موجبة لهم منه عقوبة،بل محاسبته إيّاهم-إن شاء اللّه عليها-ليعرّفهم تفضّله عليهم بعفوه لهم عنها.(3:142)

نحوه الماورديّ.(1:360)

عبد الجبّار: إنّ أفعال القلوب كأفعال الجوارح في أنّ الوعيد يتناولها،و يعني ما يلزم إظهاره إذا خفي و ما يلزم كتمانه إذا ظهر،ممّا يتعلّق به الحقوق.و لم يرد بذلك:

ما يخطر بالقلب ممّا قد رفع فيه المأثم.

(أبو حيّان 2:360)

الطّوسيّ: قال قوم:هذه الآية منسوخة بقوله:

لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها، و رووا في ذلك خبرا ضعيفا،و هذا لا يجوز لأمرين:

أحدهما:أنّ الأخبار الّتي لا تتضمّن معنى الأمر و النّهي و الإباحة لا يجوز نسخها،و هذا خبر محض خال من ذلك.

الثّاني:لا يجوز تكليف نفس ما ليس في وسعها على وجه،فينسخ.و يجوز أن تكون الآية الثّانية بيّنت الأولى،و أزالت توهّم من صرف ذلك إلى غير وجهه، فلم يضبط الرّواية فيه،و ظنّ أنّ ما يخطر للنّفس أو تحدّث نفسه به ممّا لا يتعلّق بتكليفه،فإنّ اللّه يؤاخذه به.و الأمر بخلاف ذلك،و إنّما المراد بالآية:ما يتناوله الأمر و النّهي من الاعتقادات و الإرادات و غير ذلك ممّا هو مستور عنّا.فأمّا ما لا يدخل في التّكليف فخارج عنه،لدلالة العقل،و لقوله عليه السّلام:«تجوّز لهذه الأمّة عن نسيانها و ما حدّثت به أنفسها».(2:382)

نحوه الطّبرسيّ.(1:401)

البغويّ: اختلف العلماء في هذه الآية،فقال قوم:

هي خاصّة ثمّ اختلفوا في وجه خصوصها:

فقال بعضهم:هي متّصلة بالآية الأولى،نزلت في كتمان الشّهادة،معناه:و إن تبدوا ما في أنفسكم أيّها الشّهود من كتمان الشّهادة أو تخفوا الكتمان يحاسبكم به اللّه،و هو قول الشّعبيّ و عكرمة.

و قال بعضهم:نزلت فيمن يتولّى الكافرين من دون المؤمنين،يعني:و إن تعلنوا ما في أنفسكم من ولاية الكفّار أو تسرّوه يحاسبكم به اللّه،و هو قول مقاتل،كما ذكر في سورة آل عمران:28 لا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ، إلى أن قال:

قُلْ إِنْ تُخْفُوا ما فِي صُدُورِكُمْ أَوْ تُبْدُوهُ يَعْلَمْهُ اللّهُ.

و ذهب الأكثرون إلى أنّ الآية عامّة،ثمّ اختلفوا فيها،فقال قوم:هي منسوخة بالآية الّتي بعدها.[ثمّ

ص: 836

استدلّ بأحاديث]

و قال بعضهم:الآية غير منسوخة،لأنّ النّسخ لا يرد على الأخبار،إنّما يرد على الأمر و النّهي،و قوله:

يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ خبر لا يرد عليه النّسخ.

ثمّ اختلفوا في تأويلها،فقال قوم:قد أثبت اللّه تعالى للقلب كسبا،فقال: بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ البقرة:

225،فليس للّه عبد أسرّ عملا أو أعلنه من حركة في جوارحه أو همّة في قلبه،إلاّ يجزه اللّه به و يحاسبه عليه، ثمّ يغفر بما يشاء و يعذّب بما يشاء.و هذا معنى قول الحسن،يدلّ عليه قوله تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً الإسراء:36.

و قال الآخرون:معنى الآية:إنّ اللّه عزّ و جلّ يحاسب خلقه بجميع ما أبدوا من أعمالهم أو أخفوه و يعاقبهم عليه،غير أنّ معاقبته على ما أخفوه ممّا لم يعملوه بما يحدث لهم في الدّنيا،من النّوائب و المصائب و الأمور الّتي يحزنون عليها.[ثمّ ذكر بعض الرّوايات]

و قال بعضهم: وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ يعني ما في قلوبكم ممّا عزمتم عليه أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ و لا تبدوه و أنتم عازمون عليه يحاسبكم به اللّه.

فأمّا ما حدّثت به أنفسكم ممّا لم تعزموا عليه،فإنّ ذلك ممّا لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها و لا يؤاخذكم به، دليله قوله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ البقرة:225.

و قيل:معنى المحاسبة:الإخبار و التّعريف،و معنى الآية:و إن تبدوا ما في أنفسكم فتعملوا به،أو تخفوه ممّا أضمرتم و نويتم،يحاسبكم به اللّه و يخبركم به و يعرّفكم إيّاه،ثمّ يغفر للمؤمنين إظهارا لفضله،و يعذّب الكافرين إظهارا لعدله.(1:397)

ابن عطيّة: [نقل الأقوال في الآية و قال:]و رجّح الطّبريّ أنّ الآية محكمة غير منسوخة و هذا هو الصّواب؛ و ذلك أنّ قوله تعالى: وَ إِنْ تُبْدُوا... معناه ممّا هو في وسعكم و تحت كسبكم؛و ذلك استصحاب المعتقد و الفكر فيه،فلمّا كان اللّفظ ممّا يمكن أن تدخل فيه الخواطر أشفق الصّحابة و النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فبيّن اللّه تعالى لهم ما أراد بالآية الأولى و خصّصها،و نصّ على حكمه أنّه لا يكلّف نفسا إلاّ وسعها.

و الخواطر ليست هي و لا دفعها في الوسع،بل هو أمر غالب،و ليست ممّا يكسب و لا يكتسب،و كان في هذا البيان فرحهم و كشف كربهم.و باقي الآية محكمة لا نسخ فيها.(1:390)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ محلّ البحث في هذه الآية أنّ قوله: وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ يتناول حديث النّفس،و الخواطر الفاسدة الّتي ترد على القلب،و لا يتمكّن من دفعها،فالمؤاخذة بها تجري مجرى تكليف ما لا يطاق،و العلماء أجابوا عنه من وجوه:

الأوّل:أنّ الخواطر الحاصلة في القلب على قسمين:

فمنها ما يوطن الإنسان نفسه عليه و يعزم على إدخاله في الوجود،و منها ما لا يكون كذلك،بل تكون أمورا خاطرة بالبال،مع أنّ الإنسان يكرهها،و لكنّه لا يمكنه دفعها عن النّفس؛فالقسم الأوّل:يكون مؤاخذا به، و الثّاني:لا يكون مؤاخذا به.أ لا ترى إلى قوله تعالى:

ص: 837

لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ البقرة:225،و قال في آخر هذه السّورة: لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ البقرة:

286 و قال: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا النّور:19،هذا هو الجواب المعتمد.

و الوجه الثّاني:أنّ كلّ ما كان في القلب ممّا لا يدخل في العمل فهو في محلّ العفو،و قوله: وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ فالمراد منه:أن يدخل ذلك العمل في الوجود:إمّا ظاهرا،و إمّا على سبيل الخفية،و أمّا ما يوجد في القلب من العزائم و الإرادات و لم يتّصل بالعمل،فكلّ ذلك في محلّ العفو.

و هذا الجواب ضعيف،لأنّ أكثر المؤاخذات إنّما تكون بأفعال القلوب.أ لا ترى أنّ اعتقاد الكفر و البدع ليس إلاّ من أعمال القلوب،و أعظم أنواع العقاب مرتّب عليه،و أيضا فأفعال الجوارح إذا خلت عن أفعال القلوب لا يترتّب عليها عقاب كأفعال النّائم و السّاهي، فثبت ضعف هذا الجواب.

و الوجه الثّالث في الجواب:أنّ اللّه تعالى يؤاخذ لها لكن مؤاخذتها هي الغموم و الهموم في الدّنيا.روى الضّحّاك عن عائشة رضي اللّه عنها أنّها قالت:ما حدّث العبد به نفسه من شرّ،كانت محاسبة اللّه عليه بغمّ يبتليه به في الدّنيا أو حزن أو أذى،فإذا جاءت الآخرة لم يسأل عنه،و لم يعاقب عليه.و روت أنّها سألت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عن هذه الآية،فأجابها بما هذا معناه.

فإن قيل:المؤاخذة كيف تحصل في الدّنيا مع قوله تعالى: اَلْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ المؤمن:

17؟

قلنا:هذا خاصّ فيكون مقدّما على ذلك العامّ.

الوجه الرّابع في الجواب:أنّه تعالى قال: يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ و لم يقل:يؤاخذكم به اللّه.و قد ذكرنا في معنى كونه حسيبا و محاسبا وجوها كثيرة،و ذكرنا أنّ من جملة تفاسيره كونه تعالى عالما بها،فرجع معنى هذه الآية إلى كونه تعالى عالما بكلّ ما في الضّمائر و السّرائر.روي عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما أنّه قال:إنّ اللّه تعالى إذا جمع الخلائق يخبرهم بما كان في نفوسهم،فالمؤمن يخبره ثمّ يعفو عنه،و أهل الذّنوب يخبرهم بما أخفوا من التّكذيب و الذّنب.

و الوجه الخامس في الجواب:أنّه تعالى ذكر بعد هذه الآية قوله: فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ البقرة:284،فيكون الغفران نصيبا لمن كان كارها لورود تلك الخواطر،و العذاب يكون نصيبا لمن يكون مصرّا على تلك الخواطر مستحسنا لها.

الوجه السّادس:قال بعضهم:المراد بهذه الآية:

كتمان الشّهادة،و هو ضعيف،لأنّ اللّفظ عامّ،و إن كان واراه عقيب تلك القضيّة لا يلزم قصره عليه.

الوجه السّابع في الجواب:ما روينا عن بعض المفسّرين أنّ هذه الآية منسوخة بقوله: لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها و هذا أيضا ضعيف لوجوه:

أحدها:أنّ هذا النّسخ إنّما يصحّ لو قلنا:إنّهم كانوا قبل هذا النّسخ مأمورين بالاحتراز عن تلك الخواطر، الّتي كانوا عاجزين عن دفعها،و ذلك باطل،لأنّ التّكليف قطّ ما ورد إلاّ بما في القدرة،و لذلك قال عليه السّلام:

ص: 838

«بعثت بالحنيفيّة السّهلة السّمحة».

و الثّاني:أنّ النّسخ إنّما يحتاج إليه لو دلّت الآية على حصول العقاب على تلك الخواطر،و قد بيّنّا أنّ الآية لا تدلّ على ذلك.

و الثّالث:أنّ نسخ الخبر لا يجوز،إنّما الجائز هو نسخ الأوامر و النّواهي.

و اعلم أنّ للنّاس اختلافا في أنّ الخبر هل ينسخ أم لا؟و قد ذكرنا في أصول الفقه،و اللّه أعلم.(7:134)

نحوه الخازن(1:260)،و النّيسابوريّ(3:101).

النّسفيّ: يكافئكم و يجازيكم،و لا تدخل الوساوس و حديث النّفس فيما يخفيه الإنسان،لأنّ ذلك ممّا ليس في وسعه الخلوّ منه،و لكن ما اعتقده و عزم عليه.

و الحاصل أنّ عزم الكفر كفر،و خطرة الذّنوب من غير عزم معفوّة،و عزم الذّنوب إذا ندم عليه و رجع عنه و استغفر منه مغفور.

فأمّا إذا همّ بسيّئة و هو ثابت على ذلك إلاّ أنّه منع عنه بمانع ليس باختياره،فإنّه لا يعاقب على ذلك عقوبة فعله،أي بالعزم على الزّنى لا يعاقب عقوبة الزّنى.و هل يعاقب عقوبة عزم الزّنى؟قيل:لا،لقوله عليه السّلام:«إنّ اللّه عفا عن أمّتي ما حدّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلّم به».

و الجمهور على أنّ الحديث في الخطرة دون العزم، و أنّ المؤاخذة في العزم ثابتة.و إليه مال الشّيخ أبو منصور و شمس الأئمّة الحلوانيّ،و الدّليل عليه قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ. النّور:19.(1:142)

أبو حيّان :ظاهر(ما)العموم،و المعنى أنّ الحالتين من الإخفاء و الإبداء بالنّسبة إليه سواء،و إنّما يتّصف بكونه إبداء و إخفاء بالنّسبة إلى المخلوقين لا إليه تعالى، لأنّ علمه ليس ناشئا عن وجود الأشياء بل هو سابق بعلم الأشياء،قبل الإيجاد و بعد الإيجاد و بعد الإعلام، بخلاف علم المخلوق فإنّه لا يعلم الشّيء إلاّ بعد إيجاده، فعلمه محدث و قد خصّص هذا العموم.[إلى أن قال:]

و ممّا يدلّ على أنّ اللّه تعالى يؤاخذ بما تجنّ القلوب قوله: وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ما فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ البقرة:235.

و بعد فإنّ المحبّة و الإرادة و العلم و الجهل أفعال القلب،و هي من أعظم أفعال العباد.[ثمّ نقل الأقوال و قال:]

و الأصحّ أنّها محكمة،و أنّه تعالى يحاسبهم على ما عملوا و ما لم يعملوا،ممّا ثبت في نفوسهم و نووه و أرادوه،فيغفر للمؤمنين و يأخذ به أهل الكفر و النّفاق.

[إلى أن قال:]

و قيل:عبّر عن العلم بالمحاسبة؛إذ من جملة تفاسير الحسيب:العالم،فالمعنى أنّه يعلم ما في السّرائر و الضّمائر.و قيل:الجزاء مشروط بالمشيئة أو بعدم المحاسبة،و يكون التّقدير:يحاسبكم إن شاء أو يحاسبكم إن لم يسمح.(2:360)

الآلوسيّ: أي يجازيكم به يوم القيامة.و أمّا تصوّر المعاصي و الأخلاق الذّميمة،فهو لعدم إيجابه اتّصاف النّفس به لا يعاقب عليه ما لم يوجد في الأعيان،و إلى هذا الإشارة بقوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ اللّه تجاوز عن أمّتي ما حدّثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلّم»أي إنّ اللّه تعالى لا يعاقب

ص: 839

أمّتي على تصوّر المعصية،و إنّما يعاقب على عملها،فلا منافاة بين الحديث و الآية خلافا لمن توهّم ذلك،و وقع في حيص بيص لدفعه.

و لا يشكل على هذا أنّهم قالوا:إذا وصل التّصوّر إلى حدّ التّصميم و العزم يؤاخذ به،لقوله تعالى: وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ البقرة:225،لأنّا نقول:المؤاخذة بالحقيقة على تصميم العزم على إيقاع المعصية في الأعيان،و هو أيضا من الكيفيّات النّفسانيّة الّتي تلحق بالملكات،و لا كذلك سائر ما يحدث في النّفس.[ثمّ نقل الأقوال في النّسخ و قال:]

و جميع هذه الأقوال لا تخلو عن نظر،فتدبّر.

(3:64)

رشيد رضا :و يصحّ أن تكون الآية متّصلة بآية الدّين من أوّلها،لأنّه شرّع لنا أحكاما تتعلّق بالدّين كالكتابة و الشّهادة،فكأنّه يقول:إن تساهلتم في هذه الأحكام و أضعتم الحقوق،فتظاهر تم بالأمانة مع انطواء النّفس على الخيانة،و غالطتم النّاس و أكلتم أموالهم بذلك،أو أضعتموها بكتمان الشّهادة و نحو ذلك،فإنّ اللّه يحاسبكم و يعاقبكم على ذلك،لأنّ له ما في السّماوات و ما في الأرض منها أنتم و أعمالكم النّفسيّة أو البدنيّة.

أقول:و جعلها بعضهم متعلّقة بأحكام السّورة كلّها.

و المراد بقوله: ما فِي أَنْفُسِكُمْ الأشياء الثّابتة في أنفسكم و تصدر عنها أعمالكم،كالحقد و الحسد و ألفة المنكرات الّتي يترتّب عليها ترك النّهي عن المنكر.فإنّ السّكوت عن النّهي أمر كبير،يحلّ اللّه عقوبته في الأمّة بسببه،و ليس هو مجرّد اتّفاق السّكوت،و إنّما هو باعتبار سببه في النّفس و هو ألفة المنكر و الأنس به،و للإنسان عمل اختياريّ في نفسه هو الّذي يحاسب عليه.

نعم إنّ الخواطر و الهواجس قد تأتي بغير إرادة الإنسان و لا يكون له فيها تعمّل،و لكنّه إذا مضى معها و استرسل،تحسب عليه عملا يجازى عليه،لأنّه سايرها مختارا و كان يقدر على مطاردتها و جهادها.

و سواء كانت هذه الخواطر و الهواجس صادرة عن ملكة في النّفس تثيرها،أو عن شيء لا يدخل في حيّز الملكة.

مثال ذلك الحسود تبعث ملكة الحسد في نفسه خواطر الانتقام من المحسود،و السّعي في إزالة نعمته، لتمكّنها في نفسه و امتلاكها لمنازع فكره،و هذه الخواطر ممّا يحاسب عليها أبداها أو أخفاها،إلاّ أن يجاهدها و يدافعها،فذلك ما يكلّفه.

و مثال الثّاني:المظلوم يذكر ظالمه فيشتغل فكره في دفع ظلمه و الهرب من أذاه،و ربّما استرسل مع خواطره إلى أن تجرّه إلى تدبير الحيل للإيقاع به،و مقابلة ظلمه بما هو شرّ منه،فيكون مؤاخذا عليها،أبداها أو أخفاها، و قد قال تعالى: ...لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى لِسانِ داوُدَ وَ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ* كانُوا لا يَتَناهَوْنَ عَنْ مُنكَرٍ فَعَلُوهُ المائدة:

78-79،و ذلك أنّ فظاعة المنكر زالت من نفوسهم بالأنس بها من أوّل الأمر.

و هكذا يقال في كلّ أعمال القلب الّتي أمرنا الشّرع بمجاهدتها،و لا يدخل في هذا ما يمرّ في النّفس من الخواطر و الوساوس،كما قيل.و بنوا عليه أنّ الصّحابة رضي اللّه عنهم شقّ عليهم العمل بالآية و شكوا للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم

ص: 840

الوسوسة،فنزلت الآية الّتي بعدها دفعا للحرج.

و لفظ الآية يدفع هذا لأنّها نصّ فيما هو ثابت في النّفس و متمكّن منها،كالأخلاق و الملكات و العزائم القويّة الّتي يترتّب عليها العمل بأثرها فيها،إذا انتفت الموانع و تركت المجاهدة،و كذلك يدفعه ما كان عليه الصّحابة الكرام من علوّ الهمّة و الأخذ بالعزائم،و هم الّذين كانوا يفهمون القرآن حقّ الفهم و يتأدّبون به، و يقيمونه كما يجب،و ما أبعدهم عن الاسترسال مع الوساوس و الأوهام.

هذا ما قاله الأستاذ الإمام مفصّلا،و هو المتبادر من لفظ الآية.و لا شكّ أنّ ما يجازى عليه ممّا في النّفس يعمّ الملكات الفاضلة و المقاصد الشّريفة،و إنّما مثّل هو و غيره بالحقد و الحسد لمناسبة السّياق،و لهذا السّياق خصّه بعضهم:بكتمان الشّهادة،و هو مرويّ عن ابن عبّاس و عكرمة و الشّعبيّ و مجاهد.و ردّ ذلك الأكثرون بأنّه مخالف لعموم اللّفظ،و خصّه بعضهم بالكفّار و هو تخصيص بلا مخصّص أيضا.و ذهب الجمهور إلى أنّ الآية منسوخة بما بعدها.

أخرج أحمد و مسلم و أبو داود في ناسخه و غيرهم عن أبي هريرة،قال:«لمّا نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ اشتدّ ذلك على أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فأتوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ثمّ جثوا على الرّكب،فقالوا:

يا رسول اللّه كلّفنا من الأعمال ما نطيق:الصّلاة و الصّيام و الجهاد و الصّدقة،و قد أنزل اللّه هذه الآية و لا نطيقها.

فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:أ تريدون أن تقولوا كما قال أهل الكتاب من قبلكم: سَمِعْنا وَ عَصَيْنا؟ البقرة:93،بل قولوا: سَمِعْنا وَ أَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَ إِلَيْكَ الْمَصِيرُ، فلمّا اقترأها القوم و ذلّت بها ألسنتهم أنزل اللّه في أثرها آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَ الْمُؤْمِنُونَ البقرة:285.

فلمّا فعلوا ذلك نسخها اللّه تعالى فأنزل لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها البقرة:286،إلى آخرها.و أخرج أحمد و مسلم و التّرمذيّ و النّسائيّ من حديث ابن عبّاس نحوه.

و أخرج البخاريّ و البيهقيّ عن مروان الأصفر عن رجل من الصّحابة أحسبه ابن عمر وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ الآية،قال:نسخها ما بعدها.

و احتجّوا للنّسخ بحديث أبي هريرة في الصّحيحين و السّنن:«إنّ اللّه تجاوز لي عن أمّتي ما حدّثت به أنفسها ما لم تتكلّم أو تعمل به».

و أقول:ليس في هذه الرّوايات أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم صرّح بأنّ الآية منسوخة،و إنّما قصاراها أنّ بعض الصّحابة فهم أنّها نسخت و الرّوايات عنهم في ذلك مختلفة.و القول بالنّسخ ممنوع من وجوه:

أحدها:أنّ قوله تعالى: يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ خبر و الأخبار لا تنسخ،كما هو معروف في علم الأصول.

ثانيها:أنّ كسب القلب و عمله ممّا دلّ الكتاب و السّنّة و الإجماع و القياس على ثبوته و الجزاء عليه، ظهر أثره على الجوارح أم لم يظهر،و هو ما دلّت عليه الآية.فالقول بنسخها إبطال للشّريعة،و نسخ للدّين كلّه أو إثبات لكونه دينا جثمانيّا مادّيّا،لا حظّ للأرواح

ص: 841

و القلوب منه،قال تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ و قال:

إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً و قال: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ اللّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ النّور:19،و الحبّ من أعمال القلب الثّابتة في النّفس.

فقوله تعالى:(ما فى انفسكم)معناه ما ثبت و استقرّ في أنفسكم-كما تقدّم-و يدخل فيه الكفر و الأخلاق الرّاسخة و الصّفات الثّابتة،من الحبّ و البغض في الجور، و كتمان الشّهادة و قصد السّوء أو سوء القصد،و فساد النّية و خبث السّريرة،و هذه الأعمال و الصّفات هي الأصل في الشّقاوة و عليها مدار الحساب و الجزاء.و لو لا أنّ للأعمال البدنيّة آثارا في النّفس تزكّيها أو تدسّيها،لما آخذ اللّه تعالى في الآخرة أحدا عليها،لأنّه تعالى لا يعاقب النّاس حبّا في الانتقام و لا يظلم نفسا شيئا، و لكنّه جعل سنّته في الإنسان أن يرتقي أو يتسفّل نفسا و عقلا بالعمل.فلهذا كان العمل مجزيا عليه في الآخرة، فإنّ أثره في النّفس هو متعلّق الجزاء.

ثالثها:أنّ الخواطر السّانحة و الوساوس العارضة و حديث النّفس الّذي لا يصل إلى درجة القصد الثّابت و العزم الرّاسخ،لا يدخل في مفهوم الآية-كما قال المحقّقون و اختاره الأستاذ الإمام كما تقدّم-لأنّ ما ذكر غير ثابت و لا مستقرّ،و قوله:(فى انفسكم)يفيد الثّبات و الاستقرار.و إنّما كان هذا وجها لإبطال النّسخ، لأنّه إذا ثبت أنّ ما ذكر داخل في الآية،فلقائل أن يقول:

إنّ الآية خبر يفيد النّهي عن هذه الخواطر و الوساوس في المعنى،فهو من تكليف ما لا يطاق،فيجب أن يكون قوله بعده: لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها ناسخا له.و بهذا تعلم أنّ حديث التّجاوز عن حديث النّفس لا ينافي الآية،و لا يصلح دعامة للقول بنسخها.

رابعها:أنّ تكليف ما ليس في الوسع ينافي الحكمة الإلهيّة البالغة و الرّحمة الرّبّانيّة السّابغة،فهو لم يقع، فيقال:إنّ الآية منه و نسخت بما بعده.

خامسها:المعقول في النّسخ أن يشرّع حكم يوافق مصلحة المكلّفين،ثمّ يأتي زمن أو تطرأ حال يكون ذلك الحكم فيه مخالفا للمصلحة،و كون ما في النّفس يحاسب عليه من الحقائق الّتي لا تختلف باختلاف الأزمنة و الأحوال.

فإن قيل:إذا كان معنى الآية ما ذكرت فلما ذا قال الصّحابة فيها ما قالوا؟

أقول:إنّ الصّحابة عليهم الرّضوان قد دخلوا في الإسلام،و أكثرهم رجال قد تربّوا في حجر الجاهليّة، و انطبعت في نفوسهم قبله أخلاقها و أثّرت في قلوبهم عاداتها،فكانوا يتزكّون منها و يتطهّرون من لوثها تدريجا بزيادة الإيمان،كلّما نزل شيء من القرآن و باتّباع الرّسول،فيما يفعل و يقول.فلمّا نزلت هذه الآية خافوا أن يؤاخذوا على ما كان لا يزال باقيا في أنفسهم من أثر التّربية الجاهليّة الأولى،و ناهيك بما كانوا عليه من الخوف من اللّه عزّ و جلّ و اعتقاد النّقص في أنفسهم،حتّى بعد كمال التّزكية و تمام الطّهارة،حتّى كان مثل عمر بن الخطّاب يسأل حذيفة بن اليمان«هل يجد فيه شيئا من

ص: 842

علامات النّفاق؟»فأخبرهم اللّه تعالى بأنّه:لا يكلّف نفسا إلاّ وسعها و لا يؤاخذها إلاّ على ما كلّفها،فهم مكلّفون بتزكية أنفسهم و مجاهدتها بقدر الاستطاعة و الطّاقة،و طلب العفو عمّا لا طاقة لهم به،كما سيأتي تفصيله.و لا يبعد أن يكون بعضهم قد خاف أن تدخل الوسوسة و الشّبهة قبل التّمكّن من دفعها في عموم الآية،فكان ما بعدها مبيّنا لغلطهم في ذلك.

و أمّا تسمية بعضهم ذلك نسخا فقد أجاب عنه بعض المفسّرين:بأنّه عبّر بالنّسخ عن البيان و الإيضاح تجوّزا،و لك أن تقول:إنّ المراد به النّسخ اللّغويّ،و هو الإزالة و التّحويل لا الاصطلاحيّ،أي إنّ الآية الثّانية كانت مزيلة لما أخافهم من الأولى،أو محوّلة له إلى وجه آخر.و يحتمل أن يكون الصّحابيّ لم ينطق بلفظ النّسخ و إنّما فهمه الرّاوي من القصّة فذكره.و كثيرا ما يروون الأحاديث المرفوعة بالمعنى على أنّه ليس من النّصّ المرفوع،و رأي الصّحابيّ ليس بحجّة عند الجماهير، لا سيّما إذا خالف ظاهر الكتاب.

و إنّني لا أعتقد صحّة سند حديث و لا قول عالم صحابيّ يخالف ظاهر القرآن،و إن وثقوا رجاله فربّ راو يوثق للاغترار بظاهر حاله،و هو سيّئ الباطن،و لو انتقدت الرّوايات من جهة فحوى متنها كما تنتقد من جهة سندها،لقضت المتون على كثير من الأسانيد بالنّقض.

و قد قالوا:إنّ من علامة الحديث الموضوع:مخالفته لظاهر القرآن،أو القواعد المقرّرة في الشّريعة،أو للبرهان العقليّ،أو للحسّ و العيان و سائر اليقينيّات.

أمّا إبداء ما في النّفس،فهو إظهاره بالقول أو بالفعل، و أمّا إخفاؤه فهو ضدّه،و الإبداء و الإخفاء سيّان عند اللّه تعالى،لأنّه يَعْلَمُ خائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَ ما تُخْفِي الصُّدُورُ المؤمن:19،فالمدار في مرضاته على تزكية النّفس و طهارة السّريرة،لا على لوك اللّسان و حركات الأبدان.

و أمّا المحاسبة فهي على ظاهرها و إن فسّرها بعض بالعلم و بعض بالجزاء الّذي هو غبّها و لازمها،ذلك أنّ للنّفوس في اعتقاداتها و ملكاتها و عزائمها و إرادتها موازين يعرف بها يوم الدّين رجحان الحقّ و الخير أو الباطل و الشّرّ،هي أدقّ ممّا وضع البشر من موازين الأعيان و موازين الأعراض كالحرّ و البرد وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ الأنبياء:47.(3:137)

ابن عاشور :عطف قوله: وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ بالواو دون«الفاء»للدّلالة على أنّ الحكم الّذي تضمّنه مقصود بالذّات،و أنّ ما قبله كالتّمهيد له.

و يجوز أن يكون قوله: وَ إِنْ تُبْدُوا... عطفا على قوله: وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ البقرة:283،و يكون قوله: لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ اعتراضا بينهما.

و إبداء ما في النّفس:إظهاره،و هو إعلانه بالقول فيما سبيله القول،و بالعمل فيما يترتّب عليه عمل،و إخفاؤه بخلاف ذلك.و عطف أَوْ تُخْفُوهُ للتّرقّي في الحساب عليه،فقد جاء على مقتضى الظّاهر في عطف الأقوى

ص: 843

على الأضعف،و في الغرض المسوق له الكلام في سياق الإثبات،و ما في النّفي يعمّ الخير و الشّرّ.

و المحاسبة:مشتقّة من الحسبان،و هو العدّ،فمعنى «يحاسبكم»في أصل اللّغة:يعدّه عليكم،إلاّ أنّه شاع إطلاقه على لازم المعنى،و هو المؤاخذة و المجازاة،كما حكى اللّه تعالى: إِنْ حِسابُهُمْ إِلاّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ الشّعراء:113.

و شاع هذا في اصطلاح الشّرع،و يوضّحه هنا قوله:

فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَ يُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ. (2:592)

مغنيّة: قد ترد على قلب الإنسان خواطر سوداء لا يتمكّن من دفعها،كما لو تمنّى أن تهدم دار فلان،أو تدهسه سيّارة،و لا حساب و لا عقاب على هذه ما دامت مجرّد خواطر لا يظهر لها أثر في قول أو فعل،لأنّها خارجة عن القدرة،فالتّكليف بها سلبا أو إيجابا تكليف بما لا يطاق.

و قد يعزم على المعصية عزما أكيدا،و يهمّ بها عن تصميم،حتّى إذا أوشك أن يفعل أحجم و تراجع:إمّا خوفا من اللّه سبحانه،و إمّا خوفا من النّاس.و الأوّل مأجور،لأنّ إحجامه خوفا منه تعالى يعدّ توبة و إنابة يثاب عليها،و الثّاني غير مأجور و لا موزور،لا يثاب و لا يعاقب تفضّلا من اللّه و كرما،فلقد جاء في الحديث:

إذا همّ العبد بحسنة فلم يفعلها كتبت له حسنة،فإن فعلها كتبت له عشرا،و إن همّ بسيّئة فعملها كتبت سيّئة واحدة،فإن لم يعملها لم تكتب شيئا.(1:453)

الطّباطبائيّ: الإبداء هو الإظهار مقابل الإخفاء، و معنى ما فِي أَنْفُسِكُمْ ما استقرّ في أنفسكم،على ما يعرفه أهل العرف و اللّغة من معناه،و لا مستقرّ في النّفس إلاّ الملكات و الصّفات من الفضائل و الرّذائل:كالإيمان و الكفر و الحبّ و البغض و العزم و غيرها،فإنّها هي الّتي تقبل الإظهار و الإخفاء.

أمّا إظهارها فإنّما تتمّ بأفعال مناسبة لها تصدر من طريق الجوارح،يدركها الحسّ،و يحكم العقل بوجود تلك المصادر النّفسيّة المسانخة لها؛إذ لو لا تلك الصّفات و الملكات النّفسانيّة-من إرادة و كراهة و إيمان و كفر و حبّ و بغض و غير ذلك-لم تصدر هذه الأفعال، فبصدور الأفعال يظهر للعقل وجود ما هو منشأها.

و أمّا إخفائها فبالكفّ عن فعل ما يدلّ على وجودها في النّفس.

و بالجملة ظاهر قوله: ما فِي أَنْفُسِكُمْ الثّبوت و الاستقرار في النّفس،و لا يعني بهذا الاستقرار التّمكّن في النّفس؛بحيث يمتنع الزّوال كالملكات الرّاسخة،بل ثبوتا تامّا يعتدّ به في صدور الفعل،كما يشعر به قوله:(ان تبدوا)و قوله:(او تخفوها)فإنّ الوصفين يدلاّن على أنّ ما في النّفس بحيث يمكن أن يكون منشأ للظّهور أو غير منشإ له و هو الخفاء،و هذه الصّفات يمكن أن تكون كذلك سواء كانت أحوالا أو ملكات.و أمّا الخطورات و الهواجس النّفسانيّة الطّارقة على النّفس من غير إرادة من الإنسان،و كذلك التّصوّرات السّاذجة الّتي لا تصديق معها،كتصوّر صور المعاصي من غير نزوع و عزم،فلفظ الآية غير شامل لها البتّة،لأنّها كما عرفت غير مستقرّة في النّفس،و لا منشأ لصدور الأفعال.

فتحصّل:أنّ الآية إنّما تدلّ على الأحوال و الملكات

ص: 844

النّفسانيّة الّتي هي مصادر الأفعال من الطّاعات و المعاصي،و أنّ اللّه سبحانه و تعالى يحاسب الإنسان بها، فتكون الآية في مساق قوله تعالى: لا يُؤاخِذُكُمُ اللّهُ بِاللَّغْوِ فِي أَيْمانِكُمْ وَ لكِنْ يُؤاخِذُكُمْ بِما كَسَبَتْ قُلُوبُكُمْ البقرة:225،و قوله تعالى: فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ البقرة:283، و قوله تعالى: إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً الإسراء:36،فجميع هذه الآيات دالّة على أنّ للقلوب و هي النّفوس أحوالا و أوصافا يحاسب الإنسان بها،و كذا قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ النّور:19،فإنّها ظاهرة في أنّ العذاب إنّما هو على الحبّ الّذي هو أمر قلبيّ،هذا.

فهذا ظاهر الآية و يجب أن يعلم:أنّ الآية إنّما تدلّ على المحاسبة بما في النّفوس سواء أظهر أو أخفي.و أمّا كون الجزاء في صورتي الإخفاء و الإظهار على حدّ سواء، و بعبارة أخرى كون الجزاء دائرا مدار العزم،سواء فعل أو لم يفعل،و سواء صادف الفعل الواقع المقصود أو لم يصادف-كما في صورة التّجرّي مثلا-فالآية غير ناظرة إلى ذلك.

و قد أخذ القوم في معنى الآية مسالك شتّى،لمّا توهّموا أنّها تدلّ على المؤاخذة على كلّ خاطر نفسانيّ مستقرّ في النّفس أو غيره،و ليس إلاّ تكليفا بما لا يطاق، فمن ملتزم بذلك و من مؤوّل يريد به التّخلّص.

فمنهم من قال:إنّ الآية تدلّ على المحاسبة بكلّ ما يرد القلب،و هو تكليف بما لا يطاق،لكنّ الآية منسوخة بما يتلوها من قوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها الآية.

و فيه:أنّ الآية غير ظاهرة في هذا العموم كما مرّ، على أنّ التّكليف بما لا يطاق غير جائز بلا ريب،على أنّه تعالى يخبر بقوله: وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ الحجّ:78،بعدم تشريعه في الدّين ما لا يطاق.

و منهم من قال:إنّ الآية مخصوصة بكتمان الشّهادة و مرتبطة بما تقدّمتها من آية الدّين المذكورة فيها،و هو مدفوع بإطلاق الآية،كقول من قال:إنّها مخصوصة بالكفّار.

و منهم من قال:إنّ المعنى:إن تبدوا بأعمالكم ما في أنفسكم من السّوء،بأن تتجاهروا و تعلنوا بالعمل أو تخفوه،بأن تأتوا الفعل خفية،يحاسبكم به اللّه.

و منهم من قال:إنّ المراد بالآية:مطلق الخواطر إلاّ أنّ المراد بالمحاسبة:الإخبار،أي جميع ما يخطر ببالكم سواء أظهرتموها أو أخفيتموها،فإنّ اللّه يخبركم به يوم القيامة،فهو في مساق قوله تعالى: فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ المائدة:105،و يدفع هذا و ما قبله بمخالفة ظاهر الآية،كما تقدّم.(2:436)

مكارم الشّيرازيّ: الذّنوب الّتي يرتكبها الإنسان بعضها ذات طابع خارجيّ و بعضها باطنيّ قلبيّ،مثل كتمان الشّهادة،و مثل الشّرك.تشير هذه الآية إلى أنّ اللّه لا يحاسب على الذّنوب الظّاهرة فحسب،بل أنّه يحاسب على الذّنوب الباطنيّة أيضا،لأنّه هو الحاكم على العالم بأرضه و سماواته،و لا يخفى عليه شيء.إنّ الّذي لا يحاسب على الذّنوب الباطنيّة هو الّذي لا علم له بأسرار السّماوات و الأرض و ظاهر العالم و باطنه،لا اللّه

ص: 845

العالم بكلّ شيء.

إنّ هذه الآية على هذا التّفسير لا تتعارض مع الأحاديث الكثيرة الّتي تقول:إنّ«نيّة ارتكاب الذّنب ليس ذنبا»،لأنّ تلك الأحاديث تخصّ النيّة الّتي تتقدّم الذّنوب ذات المظاهر الخارجيّة،لا الذّنوب الباطنيّة القلبيّة.

للآية معنى آخر أيضا،و هو أنّ عملا ما يمكن أن يتحقّق بصور مختلفة،فالإنفاق مثلا يمكن أن يكون للّه، و يمكن أن يكون نابعا من حبّ الشّهرة و الجاه.تقول الآية:إذا أعلنت نيّتك أو أخفيتها فاللّه عالم بها و يحاسبك بموجبها.هذه الآية تكرّر في الواقع مقولة:لا عمل إلاّ بنيّة.(2:260)

الوجوه و النّظائر

مقاتل: تفسير الحساب على وجهين:

فوجه منهما:حساب.يعني جزاء،فذلك قوله:

إِنْ حِسابُهُمْ إِلاّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ الشّعراء:113، يقول:ما جزاؤهم إلاّ على ربّي،كقوله: فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ المؤمنون:117،يعني جزاءه عند ربّه، و كقوله: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ الغاشية:26،يعني جزاءهم،و كقوله في«النّساء القصرى»الطّلاق:3.و في «عمّ يتساءلون».النبأ:36.

و الوجه الثّاني:الحساب،فذلك قوله: وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ الإسراء:12،يعني حساب الأيّام و الأشهر و السّنين،و قال: وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ حُسْباناً الأنعام:96،يعني لتعلموا عدد السّنين و الحساب.(179)

نحوه هارون الأعور.(178)

الحيريّ: الحساب على عشرة أوجه:

أحدها:الحساب بعينه،كقوله: وَ اللّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ البقرة:202،و مثله: فَإِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ آل عمران:19،و المائدة:4،و قوله: وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ الأنعام:62،و قوله: فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً الانشقاق:8.

و الثّاني:التّقادير،كقوله: وَ اللّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ البقرة:212،نظيرها في آل عمران:27.

و يقال:(بغير حساب)بغير نقصان،و يقال:بغير حرج، و يقال:بغير تكلّف،و يقال:بغير فوت و لا اهتداء، و يقال:الملك لا يحاسب نفسه بما أعطى عبده.

و الثّالث:المئونة،كقوله: ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ الأنعام:52،و قوله: وَ ما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ الأنعام:69.

و الرّابع:العدد،كقوله: لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ يونس:5.

و الخامس:العقوبة،كقوله: إِنْ حِسابُهُمْ إِلاّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ الشّعراء:113،و قوله: ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ الغاشية:26.

و السّادس:الكفاية،كقوله: عَطاءً حِساباً النّبأ:

36،و قوله: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ الأنفال:64.

و السّابع:الظّنّ،كقوله: أَمْ حَسِبْتُمْ البقرة:214، و آل عمران:142،و التّوبة:16.و قوله: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ الكهف:9،و قوله: الم* أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا العنكبوت:1،2.

ص: 846

و السّابع:الظّنّ،كقوله: أَمْ حَسِبْتُمْ البقرة:214، و آل عمران:142،و التّوبة:16.و قوله: أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ الكهف:9،و قوله: الم* أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا العنكبوت:1،2.

و الثّامن:الشّهيد،كقوله: فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَ كَفى بِاللّهِ حَسِيباً النّساء:6.

و التّاسع:المجازاة،كقوله: وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ... إِنَّ اللّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً النّساء:86.

و العاشر:العالم،كقوله: أَتَيْنا بِها وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ الأنبياء:47.(205)

الدّامغانيّ: الحساب على عشرة أوجه:الكثير، الجزاء،العذاب،الحفيظ،الشّهيد،العرض،العدد، التّقتير،المنازل،الظّنّ.

فوجه منها:الحساب يعني الكثير،قوله: جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً النّبأ:36،أي كثيرا بواحد عشرا.

و الوجه الثّاني:الحساب يعني الأجر و الثّواب، قوله:(ان حسابهم)يعني ما جزاؤهم و ثوابهم إِلاّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ الشّعراء:113.

و الوجه الثّالث:الحساب يعني العذاب،قوله إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً النّبأ:27،أي لا يخافون عذابا، كقوله: وَ يُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً يعني عذابا(من السّماء الكهف:40.

و الوجه الرّابع:حسيبا،أي حافظا و كافيا،قوله:

إِنَّ اللّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً النّساء:86،قال مجاهد:حفيظا.

و الوجه الخامس:الحسيب:الشّهيد،قوله في بني إسرائيل: كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً أي شهيدا بما عملت.

و الوجه السّادس:الحساب يعني العرض على اللّه عزّ و جلّ،كقوله: يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ إبراهيم:41، يعني عرض الحساب على اللّه عزّ و جلّ،كقوله:

فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً الانشقاق:8،و هو عرض الحساب.

و الوجه السّابع:الحساب:العدد،كقوله: لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ الإسراء:12،أي عدد الأيّام و الشّهور[و]كقوله: وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ يونس:5،أي عدد الشّهور و الأيّام.

و الوجه الثّامن:الحساب:التّقتير و المنّة،قوله:

فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ المؤمن:40،يعني بلا فوت و لا تقتير،مثلها في سورة البقرة:212،و آل عمران:37،و نحوه كثير.

و الوجه التّاسع:حسبان يعني المنازل،قال مجاهد:

يدوران في قطب كقطب الرّحى،قوله: اَلشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبانٍ الرّحمن:5،أي بحساب في منازل.

و الوجه العاشر:الحسبان يعني الظّنّ،قوله:

(و لا تحسبنّ)آل عمران:169،أي و لا تظنّ،كقوله:

يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ البقرة:273،مثلها:

يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ المنافقون:4،كقوله: وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً الكهف:104.(243)

الفيروزآباديّ: [نحو الدّامغانيّ و أضاف:]

و ذكر بعضهم في قوله تعالى: يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ البقرة:212،

أوجها:

الأوّل:يعطيه أكثر ممّا يستحقّه.

ص: 847

الثّاني:يعطيه و لا يأخذ منه.

الثّالث:يعطيه عطاء لا يمكن إحصاؤه كثرة.

الرّابع:يعطيه بلا مضايقة،من قولهم:حاسبته،إذا ضايقته.

الخامس:أكثر ممّا يحسبه.

السّادس:أنّه يعطيه بحسب ما يعرفه من مصلحة، لا على حسب حسابهم؛و ذلك نحو ما نبّه عليه بقوله:

وَ لَوْ لا أَنْ يَكُونَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً لَجَعَلْنا لِمَنْ يَكْفُرُ بِالرَّحْمنِ... الزّخرف:33.

السّابع:يعطي المؤمن و لا يحاسبه عليه.و وجه ذلك أنّ المؤمن لا يأخذ من الدّنيا إلاّ قدر ما يجب و كما يجب في وقت ما يجب،و لا ينفق إلاّ كذلك،و يحاسب نفسه فلا يحاسبه اللّه تعالى حسابا يضرّه،كما روي:«من حاسب نفسه لم يحاسبه اللّه يوم القيامة».

الثّامن:يقابل المؤمنين يوم القيامة لا بقدر استحقاقهم بل بأكثر منه،كما قال: مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ الحديد:11،و على هذه الأوجه قوله تعالى: يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ المؤمن:40،و قوله تعالى: فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ ص:39،قيل:تصرّف فيه تصرّف من لا يحاسب،أو تناول كما يجب في وقت ما يجب و على ما يجب،و أنفقه كذلك.(2:460)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحساب،أي العدّ.يقال:

حسب الشّيء يحسبه حسبا و حسابا و حسابة،و حسبه حسبة و حسبانا،و حسبه يحسبه حسابا،أي عدّه،فهو محسوب و حسب،و حاسبه محاسبة و حسابا:ناقشه الحساب.

و الحسب:ما يعدّه الإنسان من مفاخر آبائه،يقال:

حسب يحسب حسبا و حسابة،فهو حسيب،و قوم حسباء.

و الحسب:قدر الشّيء،يقال:الأجر بحسب ما عملت و حسبه،أي قدره.

و الإحساب:الإكفاء،لأنّه معدود،ليس فيه زيادة على المقدار و لا نقصان.يقال:أحسبني ما أعطاني،أي كفاني،و أحسبني الشّيء،و أعطى فأحسب،أي أكثر حتّى قال:حسبي،و أحسب الرّجل و حسّبه:أعطاه ما يرضيه.و منه:الحسيب:المكافي«فعيل»بمعنى«مفعل»، من:أحسبني الشّيء،إذا كفاني.

و حسب:كاف و كفى.يقال:حسبك و بحسبك درهم،أي كفاك،و هذا رجل حسبك من رجل:كاف لك من غيره،و حسبك هذا:اكتف به.

و الحسبة:الاسم من الاحتساب،أي طلب الأجر.

يقال:فعلته حسبة،و احتسب فيه احتسابا،و احتسب فلان ابنا له أو ابنة له،إذا مات و هو كبير،كأنّه عدّ أجره و حسبه.

و الحسبان:الظّنّ،كأنّه يشكّ في عدّه.يقال:حسب الشّيء كائنا يحسبه و يحسبه حسبانا و محسبة و محسبة،أي ظنّه.

و الحسبان:العذاب و البلاء،لأنّه ممّا يعتدّ به و يحسب له حسابا.

ص: 848

و الحسبان:سهام صغار يرمى بها عن القسيّ الفارسيّة؛واحدتها:حسبانة.قال ابن دريد:«هو مولّد».

و الحسبانة و المحسبة:الوسادة من الأدم،لأنّها مقعد الحسيب من النّاس.يقال:حسّبه،أي أجلسه عليها و وسّده،و الحسب و التّحسيب:توسيد الميّت.

و الحسبة:سواد يضرب إلى الحمرة،و شقرة في شعور الآدميّين و الإبل،و ابيضاض في الجلد من داء، و صاحبه أحسب،لأنّه يعدّ و يحسب لتميّزه عن غيره، يقال:أحسب البعير إحسابا،فهو أحسب.

2-و اصطلح النّاس في هذا العصر على لفظ «المحسوبيّة و المنسوبيّة»،و هما مصدران صناعيّان من الحسب و النّسب،أي ما يعدّ و يعزى،بأن يحسب النّاس رجلا من الأشراف و الأعيان،لحسن سيرته،أو بأس قبيلته،أو خطورة منزله،فيجلّ و يحترم،و يؤثر على سائر النّاس،و يحقّ قوله دائما و إن كان باطلا،و ينتصر له و إن كان ظالما،و أورثت هذه الظّاهرة-و لا زالت- الطّبقيّة المقيتة بين النّاس،و تفشّي الفساد الإداريّ و المدنيّ،و بروز شرخ واسع بين أفراده.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاءت بأربعة معان:الحسبان و الاحتساب 46 مرّة، و المحاسبة و الحساب 46 مرّة أيضا،و الكفاية 11 مرّة، و الصّاعقة مرّة في 105 آية:

الحسبان قلبا،إثباتا و نفيا:

1- أَ فَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ... الكهف:102

2- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللّهُ أَضْغانَهُمْ محمّد:29

3- أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ العنكبوت:2

4- أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصّابِرِينَ آل عمران:142

5- أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَ لَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ... التّوبة:16

6- وَ حَسِبُوا أَلاّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَ صَمُّوا ثُمَّ تابَ اللّهُ عَلَيْهِمْ... المائدة:71

7- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا... العنكبوت:4

8- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ سَواءً الجاثية:21

9- أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ... البقرة:214

10- أَ فَحَسِبْتُمْ أَنَّما خَلَقْناكُمْ عَبَثاً وَ أَنَّكُمْ إِلَيْنا لا تُرْجَعُونَ المؤمنون:115

11- أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ... الفرقان:44

12- أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ

القيمة:3

13- أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدىً

القيمة:36

14- أَ يَحْسَبُ أَنْ لَنْ يَقْدِرَ عَلَيْهِ أَحَدٌ البلد:5

15- أَ يَحْسَبُ أَنْ لَمْ يَرَهُ أَحَدٌ البلد:7

16- أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِينَ* نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ... المؤمنون:55 و 56

ص: 849

16- أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِينَ* نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ... المؤمنون:55 و 56

17- أَمْ يَحْسَبُونَ أَنّا لا نَسْمَعُ سِرَّهُمْ وَ نَجْواهُمْ... الزّخرف:80

18- وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ... آل عمران:178

19- وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ... آل عمران:180

20- وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَبَقُوا إِنَّهُمْ لا يُعْجِزُونَ الأنفال:59

21- وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً... آل عمران:169

22- لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ... آل عمران:188

23- وَ لا تَحْسَبَنَّ اللّهَ غافِلاً عَمّا يَعْمَلُ الظّالِمُونَ... إبراهيم:42

24- فَلا تَحْسَبَنَّ اللّهَ مُخْلِفَ وَعْدِهِ رُسُلَهُ إِنَّ اللّهَ عَزِيزٌ ذُو انتِقامٍ إبراهيم:47

25- لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ... النّور:57

26- إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ... النّور:11

27- ...وَ تَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اللّهِ عَظِيمٌ

النّور:15

28- ...بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَ قُلُوبُهُمْ شَتّى... الحشر:14

29- وَ إِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَ ما هُوَ مِنَ الْكِتابِ

آل عمران:78

30- إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللّهِ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ الأعراف:30

31- وَ إِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ الزّخرف:37

32- اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً الكهف:104

33- فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ... المجادلة:18

34- يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ الهمزة:3

الحسبان حسّا

35- فَلَمّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَ كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها... النّمل:44

36- وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً الدّهر:19

37- ...يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ...

البقرة:273

38- وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ النّمل:88

39- وَ تَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَ هُمْ رُقُودٌ...

الكهف:18

40- أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً الكهف:9

41- وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً... النّور:39

ص: 850

41- وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً... النّور:39

42- يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا...

الأحزاب:20

43- يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ... المنافقون:4

الاحتساب

44- ...فَأَتاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا...

الحشر:2

45- ...وَ بَدا لَهُمْ مِنَ اللّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ الزّمر:47

46- ...وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ... الطّلاق:2،3.

حساب الأعمال في الدّنيا و الآخرة

47- ...فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَ عَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً الطّلاق:8

48- ...وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ... البقرة:284

49- فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً الانشقاق:7،8

50- إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً النّبأ:27

51- جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً النّبأ:36

52- ...ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ الأنعام:52

53- وَ ما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ... الأنعام:69

54- اِقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ الأنبياء:1

55- إِنْ حِسابُهُمْ إِلاّ عَلى رَبِّي لَوْ تَشْعُرُونَ

الشّعراء:113

56- ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنا حِسابَهُمْ الغاشية:26

57- وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ فَإِنَّما حِسابُهُ عِنْدَ رَبِّهِ... المؤمنون:117

58- ...حَتّى إِذا جاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئاً وَ وَجَدَ اللّهَ عِنْدَهُ فَوَفّاهُ حِسابَهُ النّور:39

59- ...فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَ عَلَيْنَا الْحِسابُ

الرّعد:40

سريع الحساب

60- أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمّا كَسَبُوا وَ اللّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ البقرة:202

61- ...أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ آل عمران:199

62- ...وَ مَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ آل عمران:19

63- ...وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ المائدة:4

64- ...وَ اللّهُ يَحْكُمُ لا مُعَقِّبَ لِحُكْمِهِ وَ هُوَ سَرِيعُ الْحِسابِ الرّعد:41

65- لِيَجْزِيَ اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ إبراهيم:51

66- ...وَ وَجَدَ اللّهَ عِنْدَهُ فَوَفّاهُ حِسابَهُ وَ اللّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ النّور:39

67- ...لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ المؤمن:17

ص: 851

حاسبين و أسرع الحاسبين

68- ...وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ الأنبياء:47

69- أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ

الأنعام:62

بغير حساب

70- وَ اللّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ

البقرة:212

71- ...وَ تَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ آل عمران:27

72- ...إِنَّ اللّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ آل عمران:37

73- ...وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ النّور:38

74- ...فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ المؤمن:40

75- ...إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ الزّمر:10

76- هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ

ص:39

سوء الحساب

77- ...وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ الرّعد:21

78- ...وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ الرّعد:18

يوم الحساب

79- رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ إبراهيم:41

80- وَ قالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ ص:16

81- ...إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ ص:26

82- وَ قالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ المؤمن:27

83- هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ ص:53

حسابيه

84- إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ الحاقّة:20

85- فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ* وَ لَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ الحاقّة:25،26

اللّه حسيب

86- ...وَ كَفى بِاللّهِ حَسِيباً النّساء:6

87- إِنَّ اللّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً

النّساء:86

88- ...وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ وَ كَفى بِاللّهِ حَسِيباً الأحزاب:39

89- اِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً الإسراء:14

حساب الأيّام و السّنين

90- ...وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ... يونس:5

91- لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ الإسراء:12

ص: 852

حسبان

92- اَلشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبانٍ الرّحمن:5

93- فالِقُ الْإِصْباحِ وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ حُسْباناً... الأنعام:96

94- فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَ يُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ... الكهف:40

حسب
اشارة

95- وَ إِنْ يُرِيدُوا أَنْ يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ الأنفال:62

96- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الأنفال:64

97- فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُلْ حَسْبِيَ اللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ عَلَيْهِ تَوَكَّلْتُ... التّوبة:129

98- ...قُلْ حَسْبِيَ اللّهُ عَلَيْهِ يَتَوَكَّلُ الْمُتَوَكِّلُونَ

الزّمر:38

99- ...فَزادَهُمْ إِيماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ آل عمران:173

100- ...وَ قالُوا حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ رَسُولُهُ... التّوبة:59

101- ...وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ... الطّلاق:3

102- وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللّهُ وَ إِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا...

المائدة:104

103- وَ إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ البقرة:206

104- ...حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ المجادلة:8

105- وَعَدَ اللّهُ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْكُفّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ... التّوبة:68

يلاحظ أوّلا:قد سبق أنّ أصل المعنى لهذه المادّة «العدّ»و منه اشتقّ المعنيان:الحسبان و الكفاية،ثمّ استعمل فيما يناسبهما في القرآن و غيره،و فيها ثلاثة محاور:الحسبان،و الحساب،و الحسب.

المحور الأوّل:«الحسبان»جاء مجرّدا و مزيدا من «الافتعال»في 46 آية،ففيها مقامان:

المقام الأوّل:في المجرّد،و هو نوعان:الحسبان القلبيّ و الحسّيّ،و القلبيّ-و هو أكثرها-جاء 34 مرّة (1-34)،و الحسّيّ 9 مرّات(35-43)،و فيهما بحوث:

1-سياق آيات الحسبان القلبيّ كلّها ذمّ،جاءت في ثلاثة أساليب متقاربة عددا.

أ-أسلوب الاستفهام الإنكاريّ جاء 16 مرّة(1-5)، و(7-17)بأداتين متساويين عددا:

8 مرّات ب«أ»،و 8 مرّات ب«أم».

ب-أسلوب النّهي:9 مرّات(18-26).

ج-أسلوب التّعيير:8 مرّات(27-34).

2-و هذه الآيات من حيث الموضوع أصناف:

أ-الشّرك مرّة(1): أَ فَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ.

ب-النّفاق مرّة أيضا(2): أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ أَنْ لَنْ يُخْرِجَ اللّهُ أَضْغانَهُمْ.

ج-الابتلاء و الافتنان 4 مرّات(3-6):

ص: 853

أَ حَسِبَ النّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنّا وَ هُمْ لا يُفْتَنُونَ

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصّابِرِينَ

أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَ لَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ

وَ حَسِبُوا أَلاّ تَكُونَ فِتْنَةٌ فَعَمُوا وَ صَمُّوا

د-الحسبان حول الأعمال صريحا أو إيماء،و هي أكثرها 19 مرّة:

(7) أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ السَّيِّئاتِ أَنْ يَسْبِقُونا

و كذلك(8)إلى(25).

ه-الحسبان في كارثة الإفك مرّتين:

(26): إِنَّ الَّذِينَ جاؤُ بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لا تَحْسَبُوهُ شَرًّا.

(27): إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَ تَحْسَبُونَهُ هَيِّناً وَ هُوَ عِنْدَ اللّهِ عَظِيمٌ.

و-الحسبان بشأن المنافقين مرّة:

(28): بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَ قُلُوبُهُمْ شَتّى

ز-الحسبان بشأن اليهود فيما يلوون بألسنتهم مرّة (29): وَ إِنَّ مِنْهُمْ لَفَرِيقاً يَلْوُونَ أَلْسِنَتَهُمْ بِالْكِتابِ لِتَحْسَبُوهُ مِنَ الْكِتابِ وَ ما هُوَ مِنَ الْكِتابِ.

ح-حسبان الكفّار أنفسهم مهتدين،مرّتين:

(30): إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ اللّهِ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ

(31) وَ إِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ

ط-حسبان من يرى عمله حسنا أو يحمد بما لم يفعل 3 مرّات:

(22): لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا

(32): اَلَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ هُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعاً

(33): وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ

ي-حسبان ما أعطاهم في الدّنيا و ما أملى لهم خيرا 4 مرّات:

(16): أَ يَحْسَبُونَ أَنَّما نُمِدُّهُمْ بِهِ مِنْ مالٍ وَ بَنِينَ * نُسارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْراتِ

(34): يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ

(18): وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّما نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِأَنْفُسِهِمْ

(19): وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ

ك-حسبان أنّ أكثر النّاس يقبلون الحقّ،مرّة:

(11): أَمْ تَحْسَبُ أَنَّ أَكْثَرَهُمْ يَسْمَعُونَ أَوْ يَعْقِلُونَ

ل-حسبان الشّهداء أمواتا،مرّة:

(21): وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً

3-الحسبان الحسّيّ 9 آيات،(35-43)و كلّها

ص: 854

بالبصر إلاّ واحدة(43)فبالسّمع.

و كلّها في الدّنيا إلاّ واحدة أيضا(36)ففي الجنّة، و كلّها مدح إلاّ ثلاثة:(41-43)،و سياقها توصيف و حكاية.

4-و هي من حيث الموضوع أصناف أيضا:

أ:واحدة بشأن ملكة سبأ حين رأت ساحة قصر سليمان:

(35): فَلَمّا رَأَتْهُ حَسِبَتْهُ لُجَّةً وَ كَشَفَتْ عَنْ ساقَيْها

ب:واحدة بشأن الولدان المخلّدين في الجنّة:

(36): وَ يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ إِذا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً

ج:واحدة بشأن الفقراء الأعفّاء:

(37): يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ

د:واحدة بشأن حالة الجبال لدى البعث:

(38): وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ

ه-اثنتان بشأن أصحاب الكهف:

(39): وَ تَحْسَبُهُمْ أَيْقاظاً وَ هُمْ رُقُودٌ

(40): أَمْ حَسِبْتَ أَنَّ أَصْحابَ الْكَهْفِ وَ الرَّقِيمِ كانُوا مِنْ آياتِنا عَجَباً

و-واحدة بشأن أعمال الكفّار:

(41): وَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمالُهُمْ كَسَرابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ ماءً

ز-اثنتان بشأن المنافقين:

(42): يَحْسَبُونَ الْأَحْزابَ لَمْ يَذْهَبُوا

(43): يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ

المقام الثّاني:في المزيد 3 آيات:اثنتان منها ذمّ:

إحداهما في الدّنيا،و الأخرى في الآخرة،و واحدة مدح تعمّ الدّنيا و الآخرة،و فيها بحوث:

1-إحدى الآيتين من الذّمّ مدنيّة،نزلت في بني النّضير إحدى طوائف اليهود في المدينة،و فيهم نزلت سورة الحشر:

(44): هُوَ الَّذِي أَخْرَجَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ مِنْ دِيارِهِمْ لِأَوَّلِ الْحَشْرِ ما ظَنَنْتُمْ أَنْ يَخْرُجُوا وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ مانِعَتُهُمْ حُصُونُهُمْ مِنَ اللّهِ فَأَتاهُمُ اللّهُ مِنْ حَيْثُ لَمْ يَحْتَسِبُوا

و الأخرى مكّيّة بشأن المشركين في الآخرة:

(45): وَ لَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ بَدا لَهُمْ مِنَ اللّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ

و الثّالثة:نزلت بشأن المتّقين،و موقفهم من اللّه في الرّزق في الدّنيا،أو في الدّنيا و الآخرة معا:

(46): وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ إِنَّ اللّهَ بالِغُ أَمْرِهِ قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً. و فيها جمع «يحتسب و حسبه».

2-«احتسب»من باب«الافتعال»و هو هنا للمبالغة أو التّكلّف،مثل«كسب و اكتسب»أي و لا يحسبون و إن بالغوا أو تكلّفوا في الحسبان،مأخوذ من حسبه،أي ظنّه.قال في مجمع اللّغة:احتسب الشّيء مأخوذ من«حسبه»بمعنى ظنّه،أو مأخوذ من«حسبه»

ص: 855

بمعنى عدّه.

و جاء أيضا من«حسبه»بمعنى احتساب الأجر، يقال:احتسب ولده،إذا مات كبيرا،و بمعنى الاختبار يقال:احتسب فلانا،أي اختبر ما عنده،و منه احتسبت ما في نفسي،أي اختبرته،و بمعنى الإنكار،يقال:

احتسب على فلان،أي أنكر عليه قبيح عمله،و منه محتسب البلد.و قد تفرّقت هذه المعاني في النّصوص اللّغويّة،فلاحظ.

3-جاء الفعل فيها مضارعا منفيّا ب(لم)في الأوليين و هو نفي في الماضي،و ب(لا)في الأخيرة و هو نفي في المستقبل،و سياقها جميعا الاستمرار،و لا سيّما في الثّانية: ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ، و الاستمرار فيها إتمام للمبالغة أو التّكلّف.

و لهذا فالسّياق في الأوليين آكد تهويلا،و في الأخيرة أخفّ تبشيرا و تكريما.

المحور الثّاني:الحساب و هو أكثرها،جاء 48 مرّة(47-94)مع تكرارها في(52 و 66)،و هي صنفان:حساب الأعمال 43 آية،و حساب الأشياء 4 آيات(90-93):

الصّنف الأوّل:حساب الأعمال بصيغ و تعابير مختلفة:

أ-ثلاث مرّات فعلا من«المفاعلة»:مرّة ماضيا و مرّتين مضارعا:

(47): وَ كَأَيِّنْ مِنْ قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّها وَ رُسُلِهِ فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً وَ عَذَّبْناها عَذاباً نُكْراً.

(48): وَ إِنْ تُبْدُوا ما فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللّهُ....

(49): فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً.

و فيها بحوث:

1-المحاسبة هي المناقشة في الحساب،و الصّيغة للمشاركة بين طرفين:طرف منها في الآيات هو اللّه عزّ و جلّ،و الآخر النّاس،و هي عبارة عن الدّقّة في الحساب.

2-واحدة منها(49)رحمة و رجاء،و هي خاصّة بمن أوتي كتابه في الآخرة بيمينه فيحاسب حسابا يسيرا.

و اثنتان منها عذاب و إنذار:إحداهما(47)راجعة إلى الدّنيا،على فساد عمل أهل قرية عتت عن أمر ربّها، فحاسبهم اللّه حسابا شديدا،و عذّبهم عذابا نكرا،و قد جاءت ماضيا.

و الأخرى(48)راجعة إلى الآخرة،على فساد العقيدة في الدّنيا،سواء أبداها أو أخفاها.و هذه و ما بعدها الرّاجعتان إلى الآخرة جاءتا مضارعا.

3-المعادلة بين الآيتين(47 و 49)واضحة من حيث الفعل:الماضي و المضارع،و المعلوم و المجهول:

(حاسبناها،يحاسب)و من حيث اليسر و الشّدّة في الحساب،فجاء في آية الرّحمة فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً و في آية العذاب فَحاسَبْناها حِساباً شَدِيداً.

ب-و جاء بلفظ«حساب»12 مرّة في 11 آية (49-59)و هي مختلفة إعرابا و أسلوبا:أمّا الإعراب فثلاث مرّات منصوبا(49-51) لا يَرْجُونَ حِساباً ،

ص: 856

عَطاءً حِساباً، حِساباً يَسِيراً.

و سبع مرّات(52-58)مضافا إلى الضّمير:

(حسابهم)5 مرّات(52-56)،(حسابه)مرّتين (57 و 58)،(حسابك)مرّة(52)-و فيها كرّر«حساب» مرّتين-: ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ.

و مرّة(59)معرّفا باللاّم(و علينا الحساب).

و أمّا الأسلوب:فاثنتان منها تبشير و رحمة،و أنّه تعالى كما يحاسب المجرمين يحاسب الصّالحين أيضا حسابا يسيرا و عطاء:

(49): فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ* فَسَوْفَ يُحاسَبُ حِساباً يَسِيراً

(51): جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً.

و اثنتان رفع المسئوليّة عن الرّسول أو عن المتّقين من سوء أعمال النّاس.

(52): ما عَلَيْكَ مِنْ حِسابِهِمْ مِنْ شَيْءٍ وَ ما مِنْ حِسابِكَ عَلَيْهِمْ مِنْ شَيْءٍ

(53): وَ ما عَلَى الَّذِينَ يَتَّقُونَ مِنْ حِسابِهِمْ -أي الظالمين - مِنْ شَيْءٍ

و اثنتان،إدانة للنّاس على إنكارهم الحساب،أو غفلتهم منه:

(50): إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً

(54): اِقْتَرَبَ لِلنّاسِ حِسابُهُمْ وَ هُمْ فِي غَفْلَةٍ مُعْرِضُونَ

و خمسة منها:(55-59)تأكيد أنّ حساب النّاس على اللّه عزّ و جلّ دون غيره:مثل(59): فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَ عَلَيْنَا الْحِسابُ.

ج-و جاء بلفظ«حاسبين»أو«أسرع الحاسبين» وصفا للّه عزّ و جلّ مرّتين:

(68): وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ

(69): أَلا لَهُ الْحُكْمُ وَ هُوَ أَسْرَعُ الْحاسِبِينَ

د-و بلفظ«سريع الحساب»وصفا للّه عزّ و جلّ أيضا 8 مرّات،و فيها بحوث:

1-جاءت مرّتين تبشيرا للمؤمنين من هذه الأمّة و من أهل الكتاب:

(60): رَبَّنا آتِنا فِي الدُّنْيا حَسَنَةً وَ فِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَ قِنا عَذابَ النّارِ* أُولئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمّا كَسَبُوا وَ اللّهُ سَرِيعُ الْحِسابِ.

(61): وَ إِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَمَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ ما أُنْزِلَ إِلَيْهِمْ خاشِعِينَ لِلّهِ لا يَشْتَرُونَ بِآياتِ اللّهِ ثَمَناً قَلِيلاً أُولئِكَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ.

2-و جاءت ستّ منها(62-67)إنذارا للنّاس عامّة-و هو أكثرها-أو الكفّار و العصاة خاصّة مثل:

(65): لِيَجْزِيَ اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ

(62): وَ مَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللّهِ فَإِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ.

3-و ربّما يختلج بالبال أنّ وصف(سريع الحساب) تهديد و تخويف:فهو خاصّ بغير الصّالحين؟لكنّ الآيتين الأوليين دلّتا على أنّه كما جاء تهديدا و إنذارا

ص: 857

مرّات جاء تبشيرا مرّتين،و أنّ هذا السّياق ترغيب للفريقين جميعا إلى الصّلاح،ففيه فرح و رغبة إلى مزيد العمل للمؤمنين،و خوف و رجوع عن الانحراف للفاسقين.

4-قالوا في معنى(سريع الحساب):إنّه تعالى يحاسب الخلق دفعة كما يرزقهم دفعة،لا يشغله شأن عن شأن و لا محاسبة أحد عن آخر،إنّه محيط بعمل الفريقين، لا يعزب عنه مثقال ذرّة،لا يحتاج إلى الإحصاء و لا فكر و لا رويّة،عكس العباد المحتاجين عند الحساب إلى عقد كفّ أو وعي صدر أو رسم خطّ و نحوها،إنّ حساب العبد أسرع من لمح البصر،إنّما يحاسب العبد مظاهرة في العدل،و إحالة على ما يوجبه العمل من خير أو شرّ، و السّرعة هو العمل القصير المدّة،سريع مجيء يوم الحساب،و وقت الجزاء قريب،كما يوفّى كلّ كاسب أجره عقيب عمله في الدّنيا،كذلك في الآخرة،فإنّ أثر الأعمال الصّالحة يظهر للمرء عقيب الموت.قال رشيد رضا:هذا أحسن بيان لتفسير(سريع الحساب)، و ذكر هو وجها آخر،و هو اطّلاع كلّ عامل على عمله في لحظة.

5-و قد طرح الشّريف المرتضى سؤالا،و هو أيّ مدح في سرعة الحساب؟و أجاب عنه بوجوه:

أوّلها:أنّ المراد أنّ وقت المجازاة قريب،كما قال:

وَ ما أَمْرُ السّاعَةِ إِلاّ كَلَمْحِ الْبَصَرِ أَوْ هُوَ أَقْرَبُ، و إنّما عبّر عن المجازاة بالحساب،لأنّ فيه معنى المكافأة كما قال في(51): جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً.

و ثانيها:أنّه يحاسب الخلق جميعا في أوقات يسيرة.

و ثالثها:أنّه سريع العلم بكلّ عمل،فعبّر عن العلم بالحساب.

و رابعها:أنّه سريع القبول لدعاء عباده و الإجابة لهم.

و قد أطال الكلام فيه،كما أطاله الفخر الرّازيّ، فلاحظ نصوصهما.

ه-و جاء بلفظ(بغير حساب)7 مرّات،و هي أصناف:

أربعة منها(70-73)عامّ للنّاس بأنّ اللّه يرزق في الدّنيا من يشاء بغير حساب،مثل(71) وَ تَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ.

و واحدة خاصّ بما وهبه اللّه سليمان في ملكه:و هو الّذي يعطي منها أو يمسك بغير حساب:

(76): قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً لا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ بَعْدِي إِنَّكَ أَنْتَ الْوَهّابُ* فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ* وَ الشَّياطِينَ كُلَّ بَنّاءٍ وَ غَوّاصٍ* وَ آخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ* هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ.

و اثنتان في ثواب الصّالحين في الآخرة أو في الدّنيا و الآخرة معا بلفظين:الرّزق و الأجر:

(74): مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ.

(75): قُلْ يا عِبادِ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا رَبَّكُمْ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا فِي هذِهِ الدُّنْيا حَسَنَةٌ وَ أَرْضُ اللّهِ واسِعَةٌ إِنَّما يُوَفَّى الصّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسابٍ.

و فيها بحوث:

ص: 858

1-قالوا في معنى(بغير حساب):بغير حزم و تكلّف،كثيرا بغير مقدار،لا يتناهى،فيصير محسوبا، لا يدخله الحساب من كثرته،و لا يخرجه بحساب يخاف أن ينقص ما عنده،أو يضبط بالعدد،بغير محاسبة العمل، أي لا يرزق المؤمن على قدر إيمانه،و الكافر على قدر كفره،فلا يحاسب الرّزق في الدّنيا على قدر العمل،كما يحاسب الأجر بحسبه في الآخرة،مع ما يتفضّل به فوق العمل،غير خائف نفاد خزائنه،و لا انتقاص شيء من ملكه،بغير أمد محدود بل رزقه جار إلى الأبد،لا يحاسب اللّه فيما يرزق،فلا يقال له:لما أعطيت هذا و حرمت هذا، أو لم أعطيت هذا أكثر ممّا أعطيت ذاك،لأنّه لا شريك له يحاسبه و لا قسيم له ينازعه،أو يؤاخذه.

و قد جمع الطّوسيّ كلّها في خمسة أقوال،و الرّاغب في ثمانية وجوه،فلاحظ.

2-و هنا سؤالان:

أحدهما للطّبريّ: و هو أنّه أيّ شيء فيه من المدح؟

و أجاب بما سبق من أنّه غير خائف نفاد خزائنه، فيحتاج إلى حساب ما يخرج منها؛إذ الحساب منه لئلاّ يتجاوز في عطاياه إلى ما يجحف به.

و ثانيهما للماورديّ: و هو كيف قال:(بغير حساب)، و قد قال(51):(عطاء حسابا)؟و أجاب بما سبق من الوجوه.

و نقول:و قال أيضا: وَ كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ الرّعد:8،و هذا يعمّ الرّزق في الدّنيا و الأجر في الآخرة؟

و الجواب عندنا عن الأولى:بأنّها راجعة إلى أجر الآخرة-كما سبق-لا إلى الرّزق في الدّنيا.و عن الثّانية:

بأنّ كلّ شيء عنده في نفس الأمر بمقدار لا يعزب عن علمه،و هذا لا ينافي ما سبق في معنى(بغير حساب)من الوجوه.

3-إنّ ما سبق من الوجوه في معنى(بغير حساب) قسمان:قسم يرجع الحساب فيه إلى النّاس:مثل أنّه يرزقهم لا بحسب عملهم،و قسم يرجع إلى اللّه مثل أنّه لا يحاسبه أحد،أو لا يخاف من نفاد ما عنده،أو لا يحتاج إلى ضبط أو تفكير أو حزم و تكلّف.فلاحظ.

و-و بلفظ(سوء الحساب)مرّتين متواليتين في سورة واحدة«الرّعد»:

إحداهما:مدح للمؤمنين الّذين يخافون سوء الحساب.

و ثانيتهما:إدانة للّذين لم يستجيبوا لربّهم:

(77): وَ الَّذِينَ يَصِلُونَ ما أَمَرَ اللّهُ بِهِ أَنْ يُوصَلَ وَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَ يَخافُونَ سُوءَ الْحِسابِ.

(78): لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَ الَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ.

و معلوم أنّ(سوء الحساب)لا تعني أنّ اللّه يسيء بهم في الحساب،بل أنّ حسابه ينتهي إلى ما يسيئهم جزاء لعملهم.

ز-و جاء بلفظ(يوم الحساب)5 مرّات،و المراد به يوم القيامة:

اثنتان منها(79 و 80)دعاء:إحداهما حكاية عن خليل اللّه إبراهيم،و الأخرى عن أعداء اللّه:قوم نوح

ص: 859

و عاد و ثمود و لوط و غيرهم:

(79): وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً إلى أن قال بعد عدة أدعية - رَبَّنَا اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ.

(80): كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ عادٌ وَ فِرْعَوْنُ ذُو الْأَوْتادِ -إلى أن قال - إِنْ كُلٌّ إِلاّ كَذَّبَ الرُّسُلَ فَحَقَّ عِقابِ* وَ ما يَنْظُرُ هؤُلاءِ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً ما لَها مِنْ فَواقٍ* وَ قالُوا رَبَّنا عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ.

و ثلاث منها(81-83)وعد أو وعيد بيوم الحساب:

واحدة منها وعيد للّذين نسوا يوم الحساب(81):

لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ.

و واحدة وعيد للّذين لا يؤمنون بيوم الحساب(82):

وَ قالَ مُوسى إِنِّي عُذْتُ بِرَبِّي وَ رَبِّكُمْ مِنْ كُلِّ مُتَكَبِّرٍ لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ.

و واحدة وعد للمتّقين بما وعدهم ليوم الحساب(83):

هذا ذِكْرٌ وَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ* جَنّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ إلى أن قال: هذا ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ* إِنَّ هذا لَرِزْقُنا ما لَهُ مِنْ نَفادٍ.

و فيها بحوث:

1-(يوم الحساب)واحد من عناوين يوم القيامة، و لهذا اليوم عناوين عديدة في القرآن حسب معايير مختلفة:مثل يوم القيامة-و هو أكثرها-و اليوم الموعود و يوم التّناد و غيرها،لاحظ«يوم و القيامة».

2-ربّما يخطر بالبال أنّ(يوم الحساب)-كما سبق في (سريع الحساب)-وعيد و إنذار و تخويف دائما؟لكنّا علمنا أنّ اثنتين منها(79 و 83)جاءتا تبشيرا و وعدا، كما كان كذلك في(سريع الحساب)،و أنّ هذين(يوم الحساب)،و(سريع الحساب)كلاهما يذكّر الصّالحين و الطّالحين جميعا،فيرغّب الصّالحين إلى مزيد من الصّالحات،و الطّالحين إلى التّوبة عن السّيّئات و الإقبال على الصّالحات.و مع ذلك فنعترف أنّ هذين اللّفظين بل كلّ ما جاء فيه لفظ(الحساب)في الآخرة فيه رشحة من التّخويف و الإنذار.

3-جاء في(79) يَوْمَ يَقُومُ الْحِسابُ. و في (80) قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ، و في(81) بِما نَسُوا يَوْمَ الْحِسابِ، و في(82) لا يُؤْمِنُ بِيَوْمِ الْحِسابِ، و في (83) ما تُوعَدُونَ لِيَوْمِ الْحِسابِ فاختلف إعراب (الحساب)رفعا و جرّا،و إعراب(يوم)نصبا و جرّا بأداة الجرّ و بالإضافة،كما اختلف ما نسب إليهما من الأفعال:

(يقوم)،(عجّل)،(نسوا)،(لا يؤمن)،(توعدون)،كلّ ذلك حسب السّياق.

4-قالوا في تفسير(80) عَجِّلْ لَنا قِطَّنا قَبْلَ يَوْمِ الْحِسابِ -كما حكاها الطّبرسيّ ج 4:469-قدّم لنا حظّنا من العذاب قبل يوم الحساب،قالوه على وجه الاستهزاء بخبر اللّه عزّ و جلّ،عن ابن عبّاس و غيره،أو أرنا حظّنا من النّعيم في الجنّة حتّى نؤمن،عن السّدّيّ و غيره،لاحظ«ق ط ط».

ح-و جاء بلفظ(حسابيه)مرّتين في سورة «الحاقّة»:

(84): إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ.

(85): يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ* وَ لَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ.

ص: 860

(85): يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ* وَ لَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ.

و فيهما بحوث:

1-أولى الآيتين قول من أوتي كتابه بيمينه، و الأخرى قول من أوتي كتابه بشماله،و هذه تمام الآيات:

يَوْمَئِذٍ تُعْرَضُونَ لا تَخْفى مِنْكُمْ خافِيَةٌ* فَأَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ* إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ* فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ* فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ* قُطُوفُها دانِيَةٌ* كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيّامِ الْخالِيَةِ* وَ أَمّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِشِمالِهِ فَيَقُولُ يا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتابِيَهْ* وَ لَمْ أَدْرِ ما حِسابِيَهْ* يا لَيْتَها كانَتِ الْقاضِيَةَ.

2-القرآن تحدّث مرّات عن تطاير الكتب و صحائف الأعمال يوم القيامة،و عن تفاوت النّاس فيها،فالمؤمنون يؤتونها بيمينهم،و الكفّار بشمالهم، لاحظ:«الكتاب،و اليمين،و الشّمال».

و قد أخبر هنا بأنّ من أوتي كتابه بيمينه يقول:

هاؤُمُ اقْرَؤُا كِتابِيَهْ* إِنِّي ظَنَنْتُ أَنِّي مُلاقٍ حِسابِيَهْ أي يقول لأهل القيامة سرورا و فخرا (هاؤم):«تعالوا اقرءوا كتابي»لأنّه يعلم أن ليس فيه إلاّ الطّاعات،و أنّه أيقن في الدّنيا أنّه ملاق حسابه في الآخرة-و الظّنّ هنا بمعنى اليقين-و أنّه يكون في عيشة راضية أي مرضيّة.

و أمّا من أوتي كتابه بشماله،فيقول أسفا و حزنا و حسرة:«يا ليتني لم أوت كتابي و لم أدر حسابي و كانت موتتي الأولى قاضية لحياتي فلم أبعث».

3-قالوا:«الحاء»في(حسابيه)في الموردين-و كذا في كتابيه و سلطانيه و ماليه-و تسمّى هاء الاستراحة- جيء بها لنظم رءوس الآي،لاحظ الطّبرسيّ ج 5:

346 و 347.

ط:و جاء بلفظ(حسيبا)4 مرّات:(86-89) وصفا للّه 3 مرّات،و للعباد مرّة:

(86): فَإِذا دَفَعْتُمْ إِلَيْهِمْ -أي إلى اليتامى - أَمْوالَهُمْ فَأَشْهِدُوا عَلَيْهِمْ وَ كَفى بِاللّهِ حَسِيباً.

(87): وَ إِذا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْها أَوْ رُدُّوها إِنَّ اللّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً.

(88): اَلَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسالاتِ اللّهِ وَ يَخْشَوْنَهُ وَ لا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلاَّ اللّهَ وَ كَفى بِاللّهِ حَسِيباً.

(89): وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً* اِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً.

و فيها بحوث:

1-قالوا في معنى(حسيبا):وصفا للّه مجازيا،محاسبا، شاهدا،حافظا،مراقبا،و نحوها ممّا يقرب بعضها من بعض.

و بعضهم أضاف«كافيا»من حسيبك اللّه أي كافيك،و منه«قد أحسبني الّذي عندي»يراد به كفاني، و منه قول العرب:«لأحسبنّكم من الأسودين»:الماء و التّمر،أي أكفيكم.نسبه الطّبريّ إلى بعض أهل البصرة أنّهم قالوه في(87): إِنَّ اللّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً ثمّ قال:«و هذا غلط من القول و خطأ؛و ذلك أنّه لا يقال في أحسبت الشّيء:أحسبت على الشّيء فهو حسيب عليه،و إنّما يقال:«حسبه و حسيبه».

ص: 861

و نحن نقول:لو صحّ هذا في إِنَّ اللّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً فلا يصحّ في كَفى بِاللّهِ حَسِيباً لأنّ مآله حينئذ إلى«كفى باللّه كافيا»و هو تكرار بلا موجب.نعم لو كان«حسبا»لقلنا:إنّه مفعول مطلق ل(كفى)من غير لفظه.

و قالوا في(حسيبا)وصفا للعبد: كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً فهو بمعنى«شاهدا»،و في غيرها محاسبا أو مجازيا،أو مراقبا و نحوها،و لكنّه مرفوض بوحدة السّياق.

2-في ثلاث منها جاء(حسيبا)تلو(كفى):واحدة (89)للعبد كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً، و اثنتان (86 و 88)للّه عزّ و جلّ،و(كفى)فيها تفيد الحصر،أي يكفي اللّه أو يكفي نفسك في ذلك الأمر،لاحظ«ك ف ي».

و جاءت واحدة منها بدون«كفى»للّه أيضا(87):

إِنَّ اللّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ حَسِيباً، و هي تفيد الدّوام و الشّمول بدون الحصر،أو معه.

3-قال بعضهم:إنّ«حسيب»وزان«فعيل»صيغة مبالغة مثل«عليم».و قال آخرون:إنّ«فعيل»هنا بمعنى «فاعل»من دون مبالغة،أي حاسب.لكنّ السّياق يقتضي المبالغة في الجميع،و لذلك فسّره الشّربينيّ ب«حاسبا بليغا».

4-أكثرهم قالوا:(حسيبا)تمييز مثل وَ حَسُنَ أُولئِكَ رَفِيقاً النّساء:69،و قولهم:«للّه فارسا».

و قال الواحديّ: «إنّه حال»،أي كفى باللّه في حال الحساب،و الأوّل أقرب معنى،و الثّاني لفظا،لأنّ التّمييز يأتي غالبا مصدرا،و الحال وصفا.و احتملهما أبو حيّان لصلاحيّة دخول«من»عليه-للتّمييز-و كونه حالا ل«كفى».

5-و في الآية(89): كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً بحوث:

أ-لهم في تذكير(حسيبا)مع أنّه خبر(نفسك) أقوال:

منها:إنّما قال:(حسيبا)و النّفس مؤنّثة،لأنّه يعني بالنّفس:الشّخص.

و منها:ما عن الزّمخشريّ و الآلوسيّ:أي كفى بنفسك رجلا حسيبا.و عن مقاتل:المراد بالنّفس:

الجوارح،و قد طرح الشّربينيّ هنا مسألة«التّجريد» و هو كون الشّخص في تلك الحال شخصا آخر،و قال:

«إنّه غلط فاحش».و نقول:هذه كلّها تكلّف لا يليق بالقرآن،فلاحظ.و نحن نزيد عليها:

أوّلا:أنّ مسانخة هذا الضّمير لثلاثة ضمائر قبله مذكّرا خطابا إليه بفعل مذكّر(اقرأ) اِقْرَأْ كِتابَكَ كَفى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً أولى من رعاية التّأنيث غير الحقيقيّ في لفظة«نفس»مع أنّها مضافة أيضا إلى واحد من تلك الضّمائر:(نفسك).

و ثانيا:أنّ المعنيّ بهذه الضّمائر و بالخطاب و بلفظة «نفس»في هذه الآية هو«الإنسان»المذكور قبلها:

وَ كُلَّ إِنسانٍ أَلْزَمْناهُ طائِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَ نُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ كِتاباً يَلْقاهُ مَنْشُوراً.

و ثالثا،و هو العمدة:روعي في(حسيبا)الرّويّ المرعيّ في هذه السّورة،كما هو الحال في سائر الآيات الّتي جاءت فيها(حسيبا)،فلاحظ.

ص: 862

ب-طرح الشّربينيّ هنا سؤالا،كيف يجمع بينها و بين وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ الأنبياء:47؟

و أجاب تارة بأنّ المراد به هنا(شاهدا)،و هناك (محاسبا)،و أخرى بأنّ للقيامة مواقف مختلفة،ففي موقف وكّل اللّه حسابهم إلى أنفسهم-و علمه محيط بهم-و في آخر يحاسبهم هو.

و نقول:لا اختلاف بين الآيتين،فإنّ المحاسب لجميع الأعمال هو اللّه تعالى،و كفى به حسيبا لعلمه الكامل و عدله الشّامل،إلاّ أنّه قد أنصف عباده بأن جعلهم حاسبا و شاهدا على أعمالهم الّتي يقرءونها في كتب أعمالهم،إتماما للحجّة عليهم،و تكريما لهم،بأن فوّض الحكم فيها إليهم،و لم يستبدّ هو بالحكم عليهم.

ج-و للقشيريّ كلام لطيف في الآية حاصله:أنّ من ساعدته العناية الأزليّة حفظ اللّه عليه ما يكون من أعماله وبالا عليه يوم حسابه،فلا يظهرها له.و غيرهم ممّن أهملهم يحكّمهم في أحوال أنفسهم،فتركهم و أعمالهم،فيطّلعون عليها،فيحكمون على أنفسهم باستحقاقهم للعذاب،و كم لهم من حسرة يتجرّعونها، و خيبة يتلقّونها!!

و زاد:و يقال:من حاسبه بكتابه فكتابه ملازمه في حسابه،فيقول:ربّ لا تحاسبني بكتابي،و لكن حاسبني بما قلت:«إنّك غافر الذّنب و قابل التّوب»لا تعاملني بمقتضى كتابي ففيه بواري و هلاكي.

هذه كلّها في الصّنف الأوّل من«آيات الحساب» و هو حساب الأعمال في الدّنيا أو الآخرة.

الصّنف الثّاني:حساب الأشياء 5 آيات:(90-94) و هي ثلاثة أقسام:اثنتان حساب الأيّام و السّنين، و اثنتان حساب الشّمس و القمر-جاء الأوّل بلفظ حساب و الثّاني بلفظ حسبان-و واحدة حسبان السّماء.

أ-حساب الأيّام و السّنين:

(90): هُوَ الَّذِي جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً وَ قَدَّرَهُ مَنازِلَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ ما خَلَقَ اللّهُ ذلِكَ إِلاّ بِالْحَقِّ يُفَصِّلُ الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* إِنَّ فِي اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ ما خَلَقَ اللّهُ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ.

(91): وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ فَمَحَوْنا آيَةَ اللَّيْلِ وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ...

و فيهما بحوث:

1-قد جمع اللّه بين الشّمس و القمر و اللّيل و النّهار في آيات،للعلاقة الماسّة بينها،فإنّ اللّيل و النّهار تتبعان حركة الشّمس و القمر- لاحظ الموادّ الأربع-و كذلك جاء في الآيتين فقد بدأ اللّه الأولى بجعل الشّمس و القمر ضياء و نورا و تقدير منازلهما،ثمّ تلاه باختلاف اللّيل و النّهار:أي تواليهما،أو اختلافهما ظلمة و نورا- و هو الظّاهر-و عكس الأمر في الثّانية حيث بدأ بجعل اللّيل و النّهار آيتين،ثمّ تلاه بالإيماء إلى الشّمس و القمر، و هما سببان و آيتان للّيل و النّهار.فمحى آية اللّيل- و هي القمر-أي طمس نوره بما جعل فيه من السّواد.

و أبصر،أي أضاء آية النّهار-و هي الشّمس-

هكذا فسّرها الطّبرسيّ(ج 3:402)،ثمّ حكى

ص: 863

وجها آخر،و هو أنّ المراد بآية اللّيل و النّهار:نفس اللّيل و النّهار،لا الشّمس و القمر.و عليه فهي ساكتة عن ذكر الشّمس و القمر.و هذا أنسب لما بعده: لِتَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ لأنّه راجع إلى النّهار،و الأوّل أنسب بآخر الآية: وَ لِتَعْلَمُوا عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ، لأنّ عدد السّنين يعلم بالشّمس و القمر أوّلا ثمّ بسواد اللّيل و ضياء النّهار.و أيضا إنّه موافق للآية الأولى حيث فرّع فيها العلم بالسّنين و الحساب على منازل الشّمس و القمر.

2-جاء في الآيتين عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ دون (عدد السّنين و الأيّام)الّذي فسّروها به،و السّرّ فيه-كما أشار إليه النّسفيّ-:أنّ عدد السّنين يشمل الشّهور و الأيّام،أمّا(الحساب)فيعمّ حساب الآجال و كلّ ما يحتاج إلى العدّ و الحساب-و هو الأقرب-

و حمله ابن عاشور على حساب القمر.لأنّ حساب السّنين خاصّ بالشّمس،و جعل«اللاّم»للعهد أي الحساب المعروف،و هو حساب الأيّام و الأشهر،إذ السّنة الشّرعيّة قمريّة،و لأنّ الضّمير في(قدّره)(90) عائد على«القمر»و للشّمس حساب آخر و هو حساب الفصول،كما جاء في اَلشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبانٍ فمن معرفة اللّيالي تعرف الأشهر،و من معرفة الأشهر تعرف السّنة،كذا أفاد.

و أرجعه بعضهم إلى الشّمس و القمر معا بتقدير«كلّ منهما»و الأمر سهل.

3-و قال ابن عاشور أيضا:«و في هذه الآية إشارة إلى أنّ معرفة ضبط التّاريخ نعمة أنعم اللّه بها على البشر».

ب-حساب الشّمس و القمر

(92): اَلشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ بِحُسْبانٍ* وَ النَّجْمُ وَ الشَّجَرُ يَسْجُدانِ.

(93): فالِقُ الْإِصْباحِ وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ حُسْباناً ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ* وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها فِي ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ قَدْ فَصَّلْنَا الْآياتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ.

و فيهما بحوث أيضا:

1-في لفظ«حسبان»قولان:أحدهما أنّه مصدر كالحساب،مثل السّكران و الغفران و الطّغيان.يقال:

حسبته حسابا و حسبانا،كما يقال:كفرته كفرانا، و غفرته غفرانا.

و ثانيهما:أنّه جمع«حساب»مثل«الشّهاب و الشّهبان»،و الأوّل أقرب معنى في الآيتين،كما يأتي.

2-«حسبان»جاء نكرة فيهما:مجرورا في الأولى:

(بحسبان)خبرا للمبتدإ،و هو الشّمس و القمر-بناء على قراءة الرّفع فيهما-أي الشّمس و القمر-يجريان بحساب معيّن،و منصوبا في الثّانية مفعولا: وَ جَعَلَ اللَّيْلَ سَكَناً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ حُسْباناً أي وسيلة للحساب.

3-و مقتضى ذلك أنّ«حسبان»فيهما مصدر مفرد لا جمعا،إلاّ أنّ ظاهر الأولى أنّ«حسبان»عبارة عن حساب جريان الشّمس و القمر،أي يجريان و يتحرّكان بحساب معيّن و تقدير منظّم.و ظاهر الثّانية أنّهما موجبان لحساب السّنين و الأيّام.فالحساب في الأولى لنفس الشّمس و القمر،و في الثّانية لما يترتّب عليهما من حساب الأوقات،و هذا يستفاد من الأولى أيضا

ص: 864

بالالتزام دون المطابقة.

4-جاء«حسبان»فيهما دون«حساب»أمّا في الأولى فرعاية للرّويّ،فقبلها:القرآن،الإنسان، البيان،و بعدها يسجدان،الميزان،و نحوها.

و أمّا في الثّانية فلما قيل:من أنّ(حسبان)الفلك المستدير شبّه بحسبان الرّحى،و هو العود المستدير الّذي باستدارته تدور المطحنة،أي جعل الشّمس و القمر تدوران كما يدور الرّحى حول الحسبان.و هذا الوجه يجري في الأولى أيضا،أي الشّمس و القمر كالحسبان.

و عليه فالحسبان اسم،و ليس مصدرا و لا جمعا،و لعلّه أقرب الوجوه الثّلاثة:-المصدر و الجمع و الاسم-فهو فيهما استعارة مثل:زيد أسد.

5-قد جمع اللّه فيهما بين الشّمس و القمر و بين النّجوم:مفردا في الأولى-و أريد به الخضروات بإزاء الشّجر،و فيها إيهام التّناسب للشّمس و القمر-و جمعا في الثّانية بمعناها المعروف،رديفا للشّمس و القمر.

6-و الآيات الأربع مكّيّة تدليل على بسط قدرة اللّه و حكمته في السّماوات كما في الأرض،و ترسيخ للعقيدة، كما هو شأن الآيات و السّور المكّيّة.

ج-حسبان السّماء:

(94): فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَ يُرْسِلَ عَلَيْها حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً * أَوْ يُصْبِحَ ماؤُها غَوْراً فَلَنْ تَسْتَطِيعَ لَهُ طَلَباً.

و في«الحسبان»هنا قولان كلاهما ينتهي إلى «الحساب»:

أحدهما:المرامي،فهو جمع حسبانة كالمرامي جمع «مرمى»و هي سهام ترمى في مجرى و طلق واحد فقلّما تخطئ-و كان من رمي الأساورة-و المراد بها هنا:

العذاب من الصّواعق و البرد،أو النّار،أو قضاء اللّه،أو الجزاء حسب اختلافهم في التّعبير.و هو من«الحساب» لأنّها كثيرة مثل كثرة الحساب،أو مقدّرة كالحساب.

ثانيهما:أنّه مصدر-كما سبق في الآيتين(92 و 93)- اختاره الزّمخشريّ و غيره،أي يرسل اللّه عليها حسابا معيّنا من العذاب،و ذلك حساب ما اكتسب من الإثم.

و بعضهم حملوه على المجاز بإرادة العذاب نفسه،أو تشبيها بحسبان الرّحى كما سبق في(93).

المحور الثّالث:«حسب»في 11 آية:سبعة منها تبشير و رحمة(95-101)،و أربعة(102-105)إنذار و عذاب.و فيها بحوث:

1-قيل:إنّ«حسب»اسم فعل ماض بمعنى«كفى» أو فعل أمر بمعنى«اكف».و ردّ بأنّ مجيئه صفة،و دخول حرف الجرّ عليه،و جريان حركات الإعراب عليه شاهد على خلافه،بل هو إمّا صفة مشبّهة،أو مصدر بمعنى الفاعل،أي الكافي،و كذلك فسّروه فقالوا:

«حسبك أي كافيك».

2-قالوا:«إنّه من قولهم-أعطاني ما أحسبني،أي كفاني-و أصله الحساب أي إنّما أعطاه بحساب ما يكفيه»،و لهذا قالوا في«حسبك اللّه»:«إنّه محسبك».

و قال رشيد رضا:«حسب»تستعمل بمعنى الكفاية التّامّة،و منها قولهم:أحسب زيد عمروا.أي أعطاه حتّى أحسبه،أي أجزل له،و كفاه حتّى قال:حسبي،أي لا حاجة لي في الزّيادة.

ص: 865

3-و الظّاهر أنّ(حسبك اللّه)في الآيات مبتدأ و خبر بتقديم و تأخير لإفادة الحصر،أي اللّه كافيك.و لكن نصب(حسبك)في فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ شاهد على أنّ «حسب»فيها مبتدأ،و كذلك قالوا في: فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ، و قيل فيها:(جهنّم)فاعل ل(حسبه)سدّ مسدّ الخبر،لكنّه مردود بوحدة السّياق في الآيات.

4-جاء في جميع آيات التّبشير السّبع:(95-101):

(حسبك اللّه)أو(حسبى اللّه)أو(حسبنا اللّه)أو(فهو حسبه)لفظ(اللّه)،أو ضميره فقط تنجيزا لعقيدة التّوحيد،سوى(96)فجاء فيها حَسْبُكَ اللّهُ وَ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، فضمّ المؤمنون،إلى«اللّه»، لكنّه لا يصادم التّوحيد،كما لا يصادمه التّوسّل بالأسباب في المعيشة،فإنّ الأسباب إنّما تؤثّر بإرادة اللّه تعالى، و ليس لها أثر مع اللّه حتّى يكون الإفادة منها شركا،كما لا ينافي التّوكّل على اللّه،بل نحن مأمورون بذلك و يشهد بذلك قوله ذيل(95): هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ فالمؤمنون من جملة نصر اللّه.

و قد حكى الطّبرسيّ(2:557)عن الحسن:أنّ معناها«حسبك و حسب من اتّبعك من المؤمنين»فجعل (من اتّبعك)عطفا على المفعول دون(اللّه)و لكنّ الوجه الأوّل أقرب.

5-جاء فيها(حسبك)و(حسبى)بشأن النّبيّ ثلاث مرّات،و(حسبنا)،و(حسبه)بشأن المؤمنين ثلاث مرّات أيضا،و هذه المعادلة تضع النّبيّ عليه السّلام في كفّة من الفضل و الإكرام،و جميع المؤمنين في أخرى،فكأنّه صلوات اللّه عليه يعدل أمّته،و هذا حقّ لا ريب فيه.

6-جاء«حسب»في ثلاث منها(97 و 98 و 101) مع«التّوكّل على اللّه»بصورة الحصر تأكيدا لعقيدة التّوحيد،في سياق يشبه أنّ التّوكّل على اللّه شرط لكفايته،و هو كذلك لا سيّما في وَ مَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ.

أمّا غيرها من الآيات فليس فيها عنصر«التّوكّل» صراحة إلاّ أنّ فيها ما يسدّ مسدّ التّوكّل و معناه،فجاء في (95): هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ، و جاء قبلها مباشرة: وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ، و جاء في(96): وَ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، و قلنا:إنّهم من جملة نصر اللّه،فالاعتماد عليهم بمنزلة التّوكّل على اللّه.

و جاء في(99): حَسْبُنَا اللّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ، و الوكيل من يتوكّل عليه،و في(100): حَسْبُنَا اللّهُ سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ رَسُولُهُ إِنّا إِلَى اللّهِ راغِبُونَ، و فضل اللّه،و الرّغبة إليه في معنى التّوكّل عليه.

7-جاء في(102)حكاية عن المشركين ما يضادّ تماما عقيدة التّوحيد،بأنّ اللّه هو الكافي: وَ إِذا قِيلَ لَهُمْ تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللّهُ وَ إِلَى الرَّسُولِ قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا... فالمؤمنون يقولون:حسبنا اللّه توكّلا عليه،و المشركون يقولون:حسبنا سنّة آباؤنا اعتمادا عليهم،و إعراضا عن التّوكّل على اللّه.

8-قورن الرّسول باللّه في الآيات مرّتين:مرّة في ناحية المؤمنين سلما و سرورا و شكورا(100):

سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ رَسُولُهُ، و مرّة في ناحية المشركين إنكارا و غضبا و كفورا(102): تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللّهُ وَ إِلَى الرَّسُولِ.

ص: 866

سَيُؤْتِينَا اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ وَ رَسُولُهُ، و مرّة في ناحية المشركين إنكارا و غضبا و كفورا(102): تَعالَوْا إِلى ما أَنْزَلَ اللّهُ وَ إِلَى الرَّسُولِ.

كما قورن«المؤمنون»به عليه السّلام في آيتي الرّحمة(95):

هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَ بِالْمُؤْمِنِينَ و(96):

حَسْبُكَ اللّهُ وَ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ، ذلك لأنّ الرّسول و المؤمنين من أسباب نصر اللّه و فضله.

9-سوى هاتين الآيتين منها سياقها وصف و إدانة للكفّار أو المنافقين،أو للفريقين جميعا،ففي واحدة منها (حسبنا)قول الكفّار،و في غيرها قول اللّه تبشيرا للمؤمنين و إنذارا لغيرهم،فهي تنقسم إلى آيات رحمة و عذاب،لكنّ الخطاب في أكثرها للكفّار سوى ثلاث:

(102): قالُوا حَسْبُنا ما وَجَدْنا عَلَيْهِ آباءَنا، و اثنتان منها خصّتا بالمنافقين:

إحداهما(103): فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ، لأنّها جاءت تلو: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يُشْهِدُ اللّهَ عَلى ما فِي قَلْبِهِ وَ هُوَ أَلَدُّ الْخِصامِ -إلى أن قال - وَ إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ.

و ثانيتهما(104): حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ في أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَ يَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ وَ إِذا جاؤُكَ حَيَّوْكَ بِما لَمْ يُحَيِّكَ بِهِ اللّهُ وَ يَقُولُونَ فِي أَنْفُسِهِمْ لَوْ لا يُعَذِّبُنَا اللّهُ بِما نَقُولُ حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ.

و واحدة منها تعمّ الكفّار و المنافقين صراحة مع تقديم«المنافقين»و ضمّ«المنافقات»إليهم(105):

وَعَدَ اللّهُ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْكُفّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَ لَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ.

و الوعيد فيها أشدّ و أغلظ ممّا سبقها كفاء بالجمع بين الفريقين بأمرين:

أ:جاءت فيها:(نار جهنّم)و فيما قبلها(جهنّم).

ب:و جاء فيها: خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَ لَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ ،و جاء فيما قبلها: فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ، و حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ.

10-جاء في آيات الرّحمة«حسب اللّه»أو «هو حسبه»7 مرّات،و في آيات العذاب«حسب جهنّم»3 مرّات،دلالة على سبق رحمة اللّه على غضبه بنسبة أكثر من الضّعف.

11-إنّ آيات«حسب»كلّها مدنيّة سوى واحدة (98)(قل حسبى اللّه)جاءت في سورة الزّمر،و هذا إن دلّ على شيء يدلّ على أنّ كلمة«حسب»الدّالّة على الجدّ و إتمام الحجّة و بلوغ الغاية كانت أكثر مجاراة لدار الهجرة-لعظم أحداثها و شدّة بلاياها،لحال النّبيّ عليه السّلام و المؤمنين من ناحية،و لحال الكفّار و المنافقين- لتكاتفهم و تعاونهم-من ناحية أخرى.

12-إنّ هذه الكلمة«حسب»غلبت عليها في التّبشير و الإنذار كليهما،صياغة التّوحيد للّه تعالى و المعاد إليه.

هذه كلّها في المحاور الثّلاثة لهذه المادّة.

و يلاحظ ثانيا:أنّ أكثر آيات هذه المادّة بنسبة 52-44 مكّيّة،كما أنّ أكثرها راجع إلى حساب الأعمال في الآخرة،أو ترسيخ لعقيدة التّوحيد في الدّنيا،

ص: 867

و الاهتمام بهذين الرّكنين من العقيدة-أي المبدأ و المعاد- في مكّة كان أكثر من المدينة الّتي كانت دار التّشريع في الأغلب.

و ثالثا:مرادفات«الحساب»في القرآن أربعة موادّ:

1-العدد(90 و 91): عَدَدَ السِّنِينَ وَ الْحِسابَ، و إِنَّ يَوْماً عِنْدَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِمّا تَعُدُّونَ الحجّ:

47،و آيات أخرى.

2-القدر،و القدر،و المقدار: قَدْ جَعَلَ اللّهُ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدْراً الطّلاق:3،و وَ ما نُنَزِّلُهُ إِلاّ بِقَدَرٍ مَعْلُومٍ الحجر:21،و كُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدارٍ الرّعد:8.

3-الإحصاء: وَ أَحْصُوا الْعِدَّةَ الطّلاق:1، و آيات أخرى.

4-القاب: فَكانَ قابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنى النّجم:9، أي قدر قاب قوسين.

ص: 868

ح س د

اشارة

5 ألفاظ،5 مرّات:في 5 سور:3 مكّيّة،2 مدنيّتان

حسد 1:1 حاسد 1:1

يحسدون 1:-1

تحسدوننا 1:1 حسدا 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحسد:معروف،الفعل:حسد يحسد حسدا،و يقال:فلان يحسد على كذا،فهو محسود.

(3:130)

الأخفش: و بعضهم يقول:يحسده بالكسر؛ و المصدر حسدا بالتّحريك و حسادة.

(الجوهريّ 2:465)

اللّحيانيّ: حسدني اللّه إن كنت أحسدك،و هذا غريب.و هذا كما يقولون:نفسها اللّه عليّ إن كنت أنفسها عليك،و هو كلام شنيع،لأنّ اللّه عزّ و جلّ يجلّ عن ذلك.

(ابن سيده 3:177)

ابن الأعرابيّ: الحسدل:القراد (1)؛و منه أخذ الحسد لأنّه يقشر القلب كما يقشر القراد الجلد فيمتصّ دمه.(الأزهريّ 4:281)

ثعلب :و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«لا حسد إلاّ في اثنتين:رجل آتاه اللّه مالا فهو ينفقه آناء اللّيل و النّهار،و رجل آتاه اللّه قرآنا فهو يتلوه»معناه:

«لا حسد»لا يضرّ إلاّ في اثنتين.

و الحسد أن يرى الإنسان لأخيه نعمة فيتمنّى أن تزوى عنه و تكون له،و الغبط:أن يتمنّى أن يكون له مثلها من غير أن تزوى عنه.(الأزهريّ 4:281)

نحوه ابن الأثير.(1:383)

ابن دريد :الحسد معروف،حسدت الرّجل أحسده حسدا و حسدتك على الشّيء و حسدتك الشّيء،بمعنى واحد.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل حاسد و حسود و حسّاد.(2:122)

الأزهريّ: الغبط:ضرب من الحسد،و هو أخفّ

ص: 869


1- بالفارسيّة:كنه.

منه،أ لا ترى أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لمّا سئل:«هل يضرّ الغبط؟ فقال:نعم،كما يضرّ الخبط»فأخبر أنّه ضارّ و ليس كضرر الحسد الّذي يتمنّى صاحبه زيّ النّعمة عن أخيه، و الخبط:ضرب ورق الشّجر حتّى يتحاتّ عنه،ثمّ يستخلف من غير أن يضرّ ذلك بأصل الشّجرة و أغصانها.و أصل الحسد:القشر،كما قال ابن الأعرابيّ.

(4:281)

الصّاحب:الحسد:معروف،حاسد،و حسدة:جمع، و هو يحسده و يحسده.(2:476)

الجوهريّ: الحسد:أن تتمنّى زوال نعمة المحسود إليك.يقال:حسده يحسده حسودا.

و حسدتك على الشّيء و حسدتك الشّيء،بمعنى.[ثمّ استشهد بشعر]

و تحاسد القوم،و هم قوم حسدة،مثل حامل و حملة.

(2:465)

أبو هلال :الفرق بين الحسد و الغبط:أنّ الغبط هو أن تتمنّى أن يكون مثل حال المغبوط لك،من غير أن تريد زوالها عنه.و الحسد:أن تتمنّى أن تكون حاله لك دونه،فلهذا ذمّ الحسد و لم يذمّ الغبط.

فأمّا ما روي أنّه عليه السّلام سئل فقيل له:«أ يضرّ الغبط؟فقال:نعم،كما يضرّ العصا الخبط»فإنّه أراد أن تترك مالك فيه سعة لئلاّ تدخل في المكروه.و هذا مثل قولهم:ليس الزّهد في الحرام،إنّما الزّهد في الحلال.

و الاغتباط:الفرح بالنّعمة،و الغبطة:الحالة الحسنة الّتي يغبط عليها صاحبها.(104)

ابن فارس: الحاء و السّين و الدّال أصل واحد،و هو الحسد.(2:61)

ابن سيده: حسده يحسده و يحسد حسدا و حسّده:

تمنّى أن تتحوّل إليه نعمته أو فضيلته و يسلبهما هو.

و رجل حاسد،من قوم حسّد و حسّاد و حسدة، و حسود من قوم حسد؛و الأنثى بغير هاء.

و هم يتحاسدون،و حسده على الشّيء،و حسده إيّاه.

[ثمّ حكى قول اللّحيانيّ و أضاف:]

و الّذي يتّجه هذا عليه أنّه أراد:عاقبني اللّه على الحسد أو جازاني عليه،كما قال: وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللّهُ آل عمران:54.[و استشهد بالشّعر مرّتين](3:176)

الطّوسيّ: و رجل حاسد و حسود،و حسّاد.

و الحسد هو الأسف بالخير على من له خير.

و أشدّ الحسد:التّعرّض للاغتمام بكون الخير لأحد.

و قد يكون الحاسد متمنّيا لزوال النّعمة عن المحسود و إن لم يكن يطمع في تحوّل تلك النّعمة.(1:406)

الرّاغب: الحسد:تمنّي زوال نعمة من مستحقّ و ربّما كان مع ذلك سعي في إزالتها.و روي:«المؤمن يغبط و المنافق يحسد».(118)

الزّمخشريّ: حسده على نعمة اللّه،و حسده نعمة اللّه،و كلّ ذي نعمة محسودها.

و تقول:إنّ الحسد يأكل الجسد،و المحسدة مفسدة.

و قوم حسدة و حسّاد و حسّد،و هما يتحاسدان.

و صحبته فأحسدته،أي وجدته حاسدا.و الأكابر محسّدون.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:83)

الطّبرسيّ: و الحسد:تمنّي زوال النّعمة عن صاحبها،

ص: 870

لما يلحق من المشقّة في نيله لها،و هو خلاف الغبطة،لأنّ الغبطة تمنّي مثل تلك النّعمة،لأجل السّرور بها لصاحبها، و لهذا صار الحسد مذموما،و الغبطة غير مذمومة.

و قيل:إنّ الحسد من إفراط البخل،لأنّ البخل منع النّعمة لمشقّة بذلها،و الحسد تمنّي زوالها لمشقّة نيل صاحبها،فالعمل فيها على المشقّة بنيل النّعمة.(2:60)

الفيّوميّ: حسدته على النّعمة و حسدته النّعمة حسدا،بفتح السّين أكثر من سكونها،يتعدّى إلى الثّاني بنفسه،و بالحرف إذا كرهتها عنده و تمنّيت زوالها عنه.

و أمّا الحسد على الشّجاعة و نحو ذلك،فهو الغبطة، و فيه معنى التّعجّب،و ليس فيه تمنّي زوال ذلك عن المحسود.فإن تمنّاه فهو القسم الأوّل،و هو حرام.

و الفاعل:حاسد و حسود؛و الجمع:حسّاد و حسدة.

(1:135)

الفيروزآباديّ: حسده الشّيء و عليه يحسده و يحسده حسدا و حسودا و حسادة،و حسّده:تمنّى أن تتحوّل إليه نعمته و فضيلته أو يسلبهما،و هو حاسد من حسّد و حسّاد و حسدة؛و حسود من حسد.

و حسدني اللّه إن كنت أحسدك،أي عاقبني على الحسد.

و تحاسدوا:حسد بعضهم بعضا.(1:298)

الطّريحيّ: [نحو الفيّوميّ و أضاف:]

و يقال:حسده يحسده و يحسده بالكسر حسودا و حسدا،بالتّحريك أكثر من سكونها.و تحاسد القوم و هم قوم حسدة،كحامل و حملة.(3:37)

مجمع اللّغة :حسده يحسده و يحسده حسدا:كره نعمة اللّه عليه،و تمنّى زوالها،و قد يسعى لإزالتها.

(1:257)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:132)

المصطفويّ: و لا يخفى أنّ الحسد من الصّفات الذّميمة،و يوجب التّعب الشّديد في نفسه دائما،و هو يطلب زوال النّعمة و التّضرّر لصاحب النّعمة،بل ينازع اللّه تعالى في إعطائه و تدبيره،و لا يرضى بفعل اللّه المتعالي.

وَ مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ الفلق:5،فإنّه من أعدى الأعداء، أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ النّساء:54، لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً البقرة:109،فمتعلّق الحسد أعمّ من أن يكون نعمة مادّيّة أو معنويّة كالإيمان.

(2:229)

النّصوص التّفسيريّة

حسد

وَ مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ الفلق:5

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: كاد الفقر أن يكون كفرا و كاد الحسد أن يغلب القدر.كاد الحسد أن يسبق القدر.

[و في حديث]لا حسد إلاّ في اثنين:رجل آتاه اللّه مالا فهو ينفق منه آناء اللّيل و أطراف النّهار،و رجل آتاه اللّه القرآن فهو يقوم آناء اللّيل و آناء النّهار.

[و في حديث]رفع عن أمّتي تسعة أشياء:الخطأ، و النّسيان،و ما أكرهوا عليه،و ما لا يطيقون و ما لا يعلمون،

ص: 871

و ما اضطرّوا إليه،و الحسد،و الطّيرة،و التّفكّر،و الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة.(العروسي 5:723)

الإمام عليّ عليه السّلام: رقى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله حسنا و حسينا، فقال:أعيذ كما بكلمات اللّه التّامّات و أسماؤه الحسنى كلّها عامّة:من شرّ السّامّة و الهامّة،و من شرّ كلّ عين لامّة، و من شرّ حاسد إذا حسد،ثمّ التفت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إلينا، فقال:هكذا كان يعوّذ إبراهيم إسماعيل و إسحاق عليهم السّلام.

(العروسيّ 5:722)

شكوت إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله حسد من يحسدني، فقال:«يا عليّ أ ما ترضى أنّ أوّل أربعة يدخلون الجنّة أنا و أنت و ذرارينا خلف ظهورنا و شيعتنا عن أيماننا و شمائلنا».(العروسيّ 5:724)

ابن عبّاس: لبيد بن الأعصم اليهوديّ؛إذ حسد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فسحره و أخذه،عن عائشة.(522)

نحوه الفرّاء.(3:301)

الإمام السّجّاد عليه السّلام: أخذنا ثلاثة عن ثلاثة:أخذنا الصّبر عن أيّوب،و الشّكر عن نوح،و الحسد عن بني يعقوب.(العروسيّ 5:724)

طاوس بن كيسان:العين حقّ،و لو كان شيء سابق القدر،سبقته العين،و إذا استغسل أحدكم فليغتسل.(الطّبريّ:30:354)

الإمام الباقر عليه السّلام: إنّ الحسد ليأكل الإيمان كما تأكل النّار الحطب.(مكارم الشّيرازيّ 20:517)

قتادة :من شرّ عينه و نفسه.

مثله عطاء.(الطّبريّ 30:354)

الإمام الصّادق عليه السّلام: [أنّه سئل عن الحسد فقال:] لحم و دم يدور في النّار،إذا انتهى إلينا يئس،و هو الشّيطان.(العروسيّ 5:722)

لا يؤمن رجل فيه الشّحّ و الحسد و الجبن،و لا يكون المؤمن جبانا و لا حريصا و لا شحيحا.

(العروسيّ 5:723)

يا سماعة لا ينفكّ المؤمن من خصال أربعة:من جار يؤذيه،و شيطان يغويه،و منافق يقفو أثره،و مؤمن يحسده،ثمّ قال:يا سماعة أما أنّه أشدّهم عليه.قلت:

كيف ذلك؟قال:إنّه يقول فيه القول فيصدق عليه.

(العروسيّ 5:723)

ثلاثة لم ينج منها نبيّ فمن دونه:التّفكّر في الوسوسة في الخلق،و الطّيرة،و الحسد،إلاّ أنّ المؤمن لا يستعمل حسده.(العروسيّ 5:724)

آفة الدّين:الحسد و العجب و الفخر.

(مكارم الشّيرازيّ 20:517)

ابن زيد :يهود لم يمنعهم أن يؤمنوا به إلاّ حسدهم.

(الطّبريّ 30:354)

نحوه البغويّ.(5:335)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في الحاسد الّذي أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أن يستعيذ من شرّ حسده به،فقال بعضهم:

ذلك كلّ حاسد أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أن يستعيذ من شرّ عينه و نفسه.

و قال آخرون:بل أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بهذه الآية أن يستعيذ من شرّ اليهود الّذين حسدوه.

و أولى القولين بالصّواب في ذلك قول من قال:أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أن يستعيذ من شرّ كلّ حاسد إذا حسد،فعابه أو

ص: 872

سحره،أو بغاه سوء.

و إنّما قلنا:ذلك أولى بالصّواب،لأنّ اللّه عزّ و جلّ لم يخصّص من قوله: وَ مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ حاسدا دون حاسد،بل عمّ أمره إيّاه بالاستعاذة من شرّ كلّ حاسد،فذلك على عمومه.(30:353)

الثّعلبيّ: قال الحسين بن الفضل:إنّ اللّه جمع الشّرور في هذه الآية و ختمها بالحسد ليعلم أنّه أخسّ الطّبائع.(10:340)

الماورديّ: أمّا الحسد فهو تمنّي زوال نعمة المحسود و إن لم يصر للحاسد مثلها،و المنافسة هي تمنّي مثلها و إن لم تزل؛فالحسد شرّ مذموم،و المنافسة رغبة مباحة.و قد روي أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«المؤمن يغبط و المنافق يحسد».

و في الاستعاذة من شرّ حاسد إذا حسد وجهان:

أحدهما:من شرّ نفسه و عينه،فإنّه ربّما أصاب بها فعان و ضرّ (1)،و المعيون:المصاب بالعين.[ثمّ استشهد بشعر]

الثّاني:أن يحمله فرط الحسد على إيقاع الشّرّ بالمحسود،فإنّه يتبع المساوئ و يطلب العثرات.و قد قيل:

إنّ الحسد أوّل ذنب عصي اللّه به في السّماء و الأرض، فحسد إبليس آدم حتّى أخرجه من الجنّة،و أمّا في الأرض فحسد قابيل بن آدم لأخيه هابيل حتّى قتله.

نعوذ باللّه من شرّ ما استعاذنا منه.(6:377)

نحوه القرطبيّ.(20:259)

الزّمخشريّ: إِذا حَسَدَ إذا ظهر حسده و عمل بمقتضاه من بغي الغوائل للمحسود،لأنّه إذا لم يظهر أثر ما أضمره،فلا ضرر يعود منه على من حسده.بل هو الضّارّ لنفسه،لاغتمامه بسرور غيره و عن عمر بن عبد العزيز:

لم أر ظالما أشبه بالمظلوم من حاسد.

و يجوز أن يراد بشرّ الحاسد:إثمه و سماجة حاله،في وقت حسده و إظهاره أثره.

فإن قلت:قوله: مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ الفلق:2،تعميم في كلّ ما يستعاذ منه،فما معنى الاستعاذة بعده من الغاسق و النّفّاثات و الحاسد؟

قلت:قد خصّ شرّ هؤلاء من كلّ شرّ لخفاء أمره، و أنّه يلحق الإنسان من حيث لا يعلم،كأنّما يغتال به.

و قالوا:شرّ العداة المداجي الّذي يكيدك من حيث لا تشعر.

فإن قلت:فلم عرّف بعض المستعاذ منه و نكّر بعضه؟

قلت:عرّفت(النّفّاثات)لأنّ كلّ نفّاثة شرّيرة، و نكّر(غاسق)لأنّ كلّ غاسق لا يكون فيه الشّرّ،إنّما يكون في بعض دون بعض،و كذلك كلّ حاسد لا يضرّ.

و ربّ حسد محمود و هو الحسد في الخيرات،و منه قوله عليه الصّلاة و السّلام:«لا حسد إلاّ في اثنتين».و قال أبو تمّام:*و ما حاسد في المكرمات بحاسد*و قال:* إنّ العلى حسن في مثلها الحسد*.(4:301)

نحوه أبو حيان(8:531)،و الشّربينيّ(4:614)، و أبو السّعود(6:491).

الطّبرسيّ: إنّه يحمله الحسد على إيقاع الشّرّ بالمحسود،فأمر بالتّعوّذ من شرّه.و قيل:إنّه أراد من شرّ نفس الحاسد و من شرّ عينه،فإنّه ربّما أصاب بهما فعابّ.

ص: 873


1- لعلّه كما قال الطّبرسيّ:ربما أصاب بهما فعاب و ضرّ.

و ضرّ.و قد جاء في الحديث:«إنّ العين حقّ».(5:569)

الفخر الرّازيّ: من المعلوم أنّ الحاسد هو الّذي تشتدّ محبّته لإزالة نعمة الغير إليه،و لا يكاد يكون كذلك إلاّ و لو تمكّن من ذلك بالحيل لفعل،فلذلك أمر اللّه بالتّعوّذ منه.و قد دخل في هذه السّورة كلّ شرّ يتوقّى و يتحرّز منه دينا و دنيا،فلذلك لمّا نزلت فرح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بنزولها،لكونها مع ما يليها جامعة في التّعوّذ لكلّ أمر.

و يجوز أن يراد بشرّ الحاسد:إثمه و سماجة حاله في وقت حسده،و إظهار أثره.بقي هنا سؤالان:

السّؤال الأوّل:قوله: مِنْ شَرِّ ما خَلَقَ عامّ في كلّ ما يستعاذ منه،فما معنى الاستعاذة بعده من الغاسق و النّفّاثات و الحاسد؟الجواب تنبيها على أنّ هذه الشّرور أعظم أنواع الشّرّ.

السّؤال الثّاني:لم عرّف بعض المستعاذ منه و نكّر بعضه؟الجواب[ذكر نحو الزّمخشريّ](32:196)

البيضاويّ: إذا ظهر حسده و عمل بمقتضاه،فإنّه لا يعود ضرر منه قبل ذلك إلى المحسود،بل يخصّ به لاغتمامه بسروره و تخصيصه،لأنّه العمدة في إضرار الإنسان بل الحيوان غيره.

و يجوز أن يراد بالغاسق:ما يخلو عن النّور و ما يضاهيه كالقوى،و بالنّفّاثات:النّباتات،فإنّ قواها النّباتيّة،من حيث إنّها تزيد في طولها و عرضها و عمقها، كأنّها تنفث في العقد الثّلاث،و بالحاسد:الحيوان،فإنّه إنّما يقصد غيره غالبا طمعا فيما عنده.و لعلّ إفرادها من عالم الخلق،لأنّها الأسباب القريبة المضرّة.(2:583)

نحوه شبّر.(6:468)

النّسفيّ: أي إذا ظهر حسده و عمل بمقتضاه،لأنّه إذا لم يظهر فلا ضرر يعود منه على من حسده،بل هو الضّارّ لنفسه لاغتمامه بسرور غيره،و هو الأسف على الخير عند الغير.

و الاستعاذة من شرّ هذه الأشياء بعد الاستعاذة من شرّ ما خلق إشعار بأنّ شرّ هؤلاء أشدّ.و ختم بالحسد ليعلم أنّه شرّها،و هو أوّل ذنب عصي اللّه به في السّماء من إبليس،و في الأرض من قابيل.

و إنّما عرّف بعض المستعاذ منه و نكّر بعضه[ذكر نحو الزّمخشريّ](4:386)

النّيسابوريّ: [نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و فائدة الظّرف،و هو قوله:(اذا حسد)أنّه لا يستعاذ من الحاسد من جهات أخرى،و لكن من هذه الجهة.و لو جعل الحاسد بمعنى الغابط أو بمعنى أعمّ،و قوله:(حسد) بالمعنى المذموم كان له وجه.(30:229)

الشّربينيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

قال بعض الحكماء:الحاسد بارز ربّه من خمسة أوجه:

أوّلها:أنّه أبغض كلّ نعمة ظهرت على غيره.

ثانيها:أنّه ساخط لقسمة ربّه،كأنّه يقول:لم قسمت هذه القسمة.

ثالثها:أنّه ضادّ فعل اللّه تعالى أن فضّل ببرّه من شاء، و هو يبخل بفضل اللّه تعالى.

رابعها:أنّه خذل أولياء اللّه تعالى،أو يريد خذلانهم و زوال النّعمة عنهم.

ص: 874

خامسها:أنّه أعان عدوّ اللّه إبليس،و الحاسد لا ينال في المجالس إلاّ ندامة،و لا ينال عند الملائكة إلاّ لعنة، و لا ينال في الدّنيا إلاّ جزعا و غمّا؛و لا ينال في الآخرة إلاّ حزنا و احتراقا،و لا ينال من اللّه تعالى إلاّ بعدا و مقتا.

و روي عنه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:ثلاثة لا يستجاب دعاؤهم:

آكل الحرام،و مكثر الغيبة،و من كان في قلبه غلّ أو حسد للمسلمين.

و قيل:المراد بالحاسد في الآية:اليهود،فإنّهم كانوا يحسدون النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.(4:614)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و يجوز أن يراد بالحاسد:قابيل،لأنّه حسد أخاه هابيل.و الحسد:الأسف على الخير عند الغير.

و في«فتح الرّحمن»تمنّي زوال النّعمة عن مستحقّها، سواء كانت نعمة دين أو دنيا.و في الحديث:المؤمن يغبط و المنافق يحسد،و عنه عليه السّلام:الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النّار الحطب.و أوّل ذنب عصي اللّه به في السّماء حسد إبليس لآدم فأخرجه من الجنّة،فطرد و صار شيطانا رجيما،و في الأرض قابيل لأخيه هابيل فقتله.[إلى أن قال:]

و فيه إشارة إلى حسد النّفس الأمّارة إذا حسدت القلب،و أرادت أن تطفئ نوره،و توقعه في التّلوين و كفران النّعمة الّذي هو سبب لزوالها.(10:544)

الآلوسيّ: أي إذا أظهر ما في نفسه من الحسد و عمل بمقتضاه،بترتيب مقدّمات الشّرّ و مبادي الإضرار بالمحسود قولا و فعلا.و من ذلك-على ما قيل- النّظر إلى المحسود،و توجيه نفسه الخبيثة نحوه على وجه الغضب.فإنّ نفس الحاسد حينئذ تتكيّف بكيفيّة خبيثة ربّما تؤثّر في المحسود،بحسب ضعفه و قوّة نفس الحاسد شرّا قد يصل إلى حدّ الإهلاك.و ربّ حاسد يؤذي بنظره بعين حسده نحو ما يؤذي بعض الحيّات بنظرهنّ.

و ذكروا أنّ العائن و الحاسد يشتر كان في أنّ كلاّ منهما تتكيّف نفسه و تتوجّه نحو من تريد أذاه،إلاّ أنّ العائن تتكيّف نفسه عند مقابلة العين و المعاينة،و الحاسد يحصل حسده في الغيبة و الحضور.

و أيضا العائن قد يعين من لا يحسده من حيوان و زرع و إن كان لا ينفكّ من حسد صاحبه.و التّقييد بذلك إذ لا ضرر قبله بل قيل:إنّ ضرر الحسد إنّما يحيق بالحاسد لا غير،كما قال عليّ كرّم اللّه تعالى وجهه:«للّه درّ الحسد،ما أعد له بدأ بصاحبه فقتله».

و ليعلم أنّ الحسد يطلق على تمنّي زوال نعمة الغير، و على تمنّي استصحاب عدم النّعمة،و دوام ما في الغير من نقص أو فقر أو نحوه.و الإطلاق الأوّل هو الشّائع.

و الحاسد بكلا الإطلاقين ممقوت عند اللّه تعالى و عند عباده عزّ و جلّ آت بابا من الكبائر،على ما اشتهر بينهم.

لكنّ التّحقيق:أنّ الحسد الغريزيّ الجبلّي إذا لم يعمل بمقتضاه من الأذى مطلقا بل عامل المتّصف به أخاه بما يحبّ اللّه تعالى مجاهدا نفسه،لا إثم فيه بل يثاب صاحبه على جهاد نفسه،و حسن معاملته أخاه ثوابا عظيما،لما في ذلك من مشقّة مخالفة الطّبع،كما لا يخفى.

و يطلق الحسد على الغبطة مجازا،و كان ذلك شائعا في العرف الأوّل،و هي تمنّي أن يكون له مثل ما لأخيه من النّعمة،من غير تمنّي زوالها،و هذا ممّا لا بأس به.

ص: 875

و من ذلك ما صحّ من قوله صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم:«لا حسد إلاّ في اثنتين:رجل آتاه اللّه تعالى مالا و سلّطه على هلكته في الحقّ،و رجل آتاه اللّه تعالى الحكمة فهو يقضي بها و يعلّمها النّاس».

و عنى بقوله تعالى: وَ مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ النّزاع الحاصل بين البدن و قواه و بين النّفس،فالحاسد هو البدن من حيث له القوّتان،و المحسود هو النّفس فالبدن و بال عليها،فما أحسن حالها عند الإعراض عنه! و ما أعظم لذّتها بالمفارقة إن لم تكن تلوّثت منه!

و قيل:الغاسق:إشارة إلى المعدن،و النّفّاثات:إلى النّباتات،و الحاسد:إلى الحيوان.و لمّا كان الإنسان لا يتضرّر عن الأجسام الفلكيّة،و إنّما يتضرّر عن الأجسام العنصريّة،و هي إمّا معدن أو نبات أو حيوان،أمر بالاستعاذة من شرّ كلّ منها.و كلا القولين كما ترى،و اللّه تعالى أعلم[و استشهد بالشّعر مرّتين].(30:284)

مغنيّة: الحاسد هو الّذي يتمنّى زوال النّعمة عن أهلها،و أن تكون له من دونهم.و في الحديث:«المنافق يحسد،و المؤمن يغبط»أي يتمنّى أن يكون له من النّعمة مثل ما لأخيه،و لا يتمنّى زوالها عنه.

و الحسد من أمّهات الكثير من الرّذائل،كالحقد و اللّؤم و الكذب و الغيبة و النّميمة و المكر و الخداع، و السّعي بكلّ سبيل لإزالة النّعمة عن المحسود.و من هنا أمر اللّه سبحانه نبيّه الكريم أن يتعوّذ من شرّ الحاسد، و بهذا يتّضح أنّ المراد من شرّه:سوء مقاصده و أقواله و أفعاله،لا نظرات عينيه و إضرارها بالمحسود،كما قال أكثر المفسّرين.

و من الطّريف ما ذكره بعضهم في تفسيره:أنّ رجلا كان مشهورا بإصابة العين،حتّى كان النّاس يستأجرونه لهذه الغاية،و في ذات يوم استأجرته امرأة ليحسد عدوّا لها و يقتله بعينيه،و صحبته إلى الرّجل،و قالت له:هذا هو فأحسده،فقال لها الحاسد:ما أجمل عينيك!فما أتمّ كلامه حتّى عميت.(7:626)

الطّباطبائيّ: أي إذا تلبّس بالحسد،و عمل بما في نفسه من الحسد بترتيب الأثر عليه.

و قيل:الآية تشمل العائن،فعين العائن نوع حسد نفسانيّ يتحقّق منه إذا عاين ما يستكثره و يتعجّب منه.

(20:393)

مكارم الشّيرازيّ: الحسد:خصلة سيّئة شيطانيّة تظهر في الإنسان نتيجة عوامل مختلفة،مثل:

ضعف الإيمان،و ضيق النّظر،و البخل،و هو بمعنى طلب و تمنّي زوال النّعمة من شخص آخر.

الحسد:منبع كثير من الذّنوب الكبيرة.[ثمّ حكى حديثي الإمامين الباقر و الصّادق عليهما السّلام المتقدّمين و قال:]

ذلك لأنّ الحسود يعترض في الواقع على حكمة اللّه و على ما آت اللّه من نعمة لهذا الفرد أو ذاك.كما يقول سبحانه: أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ النّساء:54.

و قد يبلغ الحسد بالحاسد إلى أن يوقع نفسه في كلّ تهلكة من أجل زوال النّعمة من الشّخص المحسود،كما هو معروف في حوادث التّاريخ.

و في ذمّ الحسد يكفي أنّ أوّل قتل حدث في العالم كان من قابيل على أثر حسده لأخيه هابيل.

ص: 876

الحسّاد:كانوا دوما عقبة على طريق الأنبياء و الأولياء،و لذلك يأمر اللّه نبيّه أن يستعيذ بربّ الفلق من شرّ حاسد إذا حسد.

المخاطب في هذه السّورة و السّورة التّالية شخص رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و لكنّه خوطب لأنّه القدوة و النّموذج، و كلّ المسلمين يجب أن يستعيذوا باللّه من شرّ الحاسدين.

اللّهمّ إنّا نعوذ بك من شرّ الحاسدين.يا إلهي!احفظنا من شرّ الوقوع في حسد الآخرين.يا ربّ!!استرنا بسترك من شرّ النّفّاثات في العقد،و من كلّ الموسوسين المشكّكين في مسيرتنا إليك.(20:517)

فضل اللّه : وَ مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ و ذلك من خلال الحالة العدوانيّة الّتي تعيش في داخل شخصيّة الحاسد،فتحوّله إلى إنسان عدوانيّ يعمل على إيقاع الشّرّ بالمحسود،و البغي عليه،كما ورد في الحديث النّبويّ الشّريف:«إذا حسدت فلا تبغ».

و قيل:إنّ الشّرّ ينطلق من نفس الحاسد في التّأثيرات الّتي تتفاعل في شخصيّة المحسود،من خلال الإشارات الّتي تنطلق من الحاسد في ما يمكن أن يكون لها من قوّة خفيّة تؤثّر في حياة الإنسان المحسود،بطريقة مثيرة غير مفهومة من ناحية المقاييس المادّيّة المعروفة للنّاس.و قد تكون العين هي الّتي تثير كلّ تلك النّتائج، و قد وردت الرّواية عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بأنّ العين حقّ.

و إنّنا لا نستطيع الجزم بهذه المسألة من ناحية الإثبات أو النّفي،لأنّ معلوماتنا في المنطقة الدّاخليّة للنّفس أو للرّوح ليست دقيقة أو شاملة،فلا يمكن أن ننفي ما لم يثبت لنا نفيه لمجرّد أنّنا لا نملك دليلا على الإثبات،فربّما كانت هناك بعض العوامل الخفيّة الّتي لم يدركها و عينا الظّاهريّ،ممّا قد يترك تأثيرا كبيرا في هذه الدّائرة.

و لكن لنا ملاحظة:و هي أنّ التّأثير السّلبيّ المذكور للحسد في شخصيّة المحسود و في حياته،لو كان-كما يعتقده النّاس البسطاء في العقليّة الجماهيريّة-لما بقي هناك ناجح على الأرض،لأنّ النّاجحين محسودون من قبل النّاس الآخرين الّذين يفقدون ذلك النّجاح في حياتهم،فيؤدّي ذلك-من وجهة نظر هؤلاء-إلى سقوطهم أمام حسد الحاسدين.فإذا كان الأمر صحيحا، فلا بدّ من أن يكون له شروط أخرى في حياة النّاس،أو في طبيعة شخصيّة الحاسد،ليكون تأثيره محدودا في هذه الدّوائر الخاصّة،و اللّه العالم.(24:495)

حسدا

وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ فَاعْفُوا وَ اصْفَحُوا حَتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ البقرة:109

الطّبريّ: يعني أنّ كثيرا من أهل الكتاب يودّون للمؤمنين ما أخبر اللّه جلّ ثناؤه عنهم أنّهم يودّونه لهم من الرّدّة عن إيمانهم إلى الكفر حسدا منهم،و بغيا عليهم.

و الحسد إذا منصوب على غير النّعت للكفّار،و لكن على وجه المصدر الّذي يأتي خارجا من معنى الكلام الّذي يخالف لفظه لفظ المصدر،كقول القائل لغيره:تمنّيت لك ما

ص: 877

تمنّيت من السّوء حسدا منّي لك،فيكون الحسد مصدرا من معنى قوله:تمنّيت من السّوء،لأنّ في قوله:تمنّيت لك ذلك،معنى حسدتك على ذلك،فعلى هذا نصب الحسد...

يعني:حسدكم أهل الكتاب على ما أعطاكم اللّه من التّوفيق،و وهب لكم من الرّشاد لدينه و الإيمان برسوله، و خصّكم به من أن جعل رسوله إليكم رجلا منكم رءوفا بكم رحيما،و لم يجعله منهم،فتكونوا لهم تبعا،فكان قوله:(حسدا)مصدرا من ذلك المعنى.(1:488)

الطّوسيّ: (حسدا)نصب على أحد أمرين:

أحدهما:على الجملة الّتي قبله بدلا من الفعل،كأنّه قال:حسدوكم حسدا،كأنّه قال:نحسدك حسدا.

و الآخر:أن يكون مفعولا،كأنّه قال:يردّونكم لأجل الحسد،كما تقول:جئته خوفا منه.تقول:حسدت أحسد حسدا،و حسدتك على الشّيء،و حسدتك الشّيء،بمعنى واحد.[ثمّ استشهد بشعر](1:405)

الواحديّ: أي يحسدونكم حسدا.(1:191)

مثله البغويّ(1:155)،و الخازن(1:82).

الغزاليّ: [مراتب الحسد]أربعة:

الأولى:أن يحبّ زوال تلك النّعمة عنه و إن كان ذلك لا يحصل له،و هذا غاية الحسد.

الثّانية:أن يحبّ زوال تلك النّعمة عنه إليه،و ذلك مثل رغبته في دار حسنة أو امرأة جميلة أو ولاية نافذة نالها غيره،و هو يحبّ أن تكون له،فالمطلوب بالذّات حصوله له،فأمّا زواله عن غيره فمطلوب بالعرض.

الثّالثة:أن لا يشتهي عنها بل يشتهي لنفسه مثلها فإن عجز عن مثلها أحبّ زوالها،لكي لا يظهر التّفاوت بينهما.

الرّابعة:أن يشتهي لنفسه مثلها،فإن لم يحصل فلا يحبّ زوالها.و هذا الأخير هو المعفوّ عنه إن كان في الدّنيا، و المندوب إليه إن كان في الدّين،و الثّالثة منها مذمومة و غير مذمومة،و الثّانية أخفّ من الثّالثة،و الأوّل:مذموم محض،قال تعالى: وَ لا تَتَمَنَّوْا ما فَضَّلَ اللّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ النّساء:32،فتمنّيه لمثل ذلك غير مذموم، و أمّا تمنّيه عين ذلك فهو مذموم.

للحسد سبعة أسباب:

السّبب الأوّل:العداوة و البغضاء،فإنّ من آذاه إنسان أبغضه قلبه و غضب عليه،و ذلك الغضب يولّد الحقد،و الحقد يقتضي التّشفّي و الانتقام.فإن عجز المبغض عن التّشفّي بنفسه أحبّ أن يتشفّى منه الزّمان، فمهما أصاب عدوّه آفة و بلاء فرح،و مهما أصابته نعمة ساءته؛و ذلك لأنّه ضدّ مراده،فالحسد من لوازم البغض و العداوة و لا يفارقهما.

و أقصى الإمكان في هذا الباب أن لا يظهر تلك العداوة من نفسه و أن يكره تلك الحالة من نفسه،فإمّا أن يبغض إنسانا ثمّ تستوي عنده مسرّته و مساءته فهذا غير ممكن،و هذا النّوع من الحسد هو الّذي وصف اللّه الكفّار به؛إذ قال: وَ إِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنّا وَ إِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللّهَ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ* إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها آل عمران:119،120، و كذا قال: وَدُّوا ما عَنِتُّمْ قَدْ بَدَتِ الْبَغْضاءُ مِنْ أَفْواهِهِمْ آل عمران:118.و اعلم أنّ الحسد ربّما أفضى

ص: 878

إلى التّنازع و التّقاتل.

السّبب الثّاني:التّعزّز،فإنّ واحدا من أمثاله إذا نال منصبا عاليا ترفّع عليه و هو لا يمكنه تحمّل ذلك،فيريد زوال ذلك المنصب عنه و ليس من غرضه أن يتكبّر،بل غرضه أن يدفع كبره،فإنّه قد يرضى بمساواته،و لكنّه لا يرضى بترفّعه عليه.

السّبب الثّالث:أن يكون في طبيعته أن يستخدم غيره،فيريد زوال النّعمة من ذلك الغير،ليقدر على ذلك الغرض.و من هذا الباب كان حسد أكثر الكفّار للرّسول عليه الصّلاة و السّلام إذ قالوا:كيف يتقدّم علينا غلام يتيم،و كيف نطأطئ له رءوسنا؟فقالوا: لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ الزّخرف:31، و قال تعالى يصف قول قريش: أَ هؤُلاءِ مَنَّ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ بَيْنِنا الأنعام:53،كالاستحقار بهم و الأنفة منهم.

السّبب الرّابع:التّعجّب،كما أخبر اللّه عن الأمم الماضية؛إذ قالوا: ما أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا يس:15، و قالوا: أَ نُؤْمِنُ لِبَشَرَيْنِ مِثْلِنا وَ قَوْمُهُما لَنا عابِدُونَ المؤمنون:47، وَ لَئِنْ أَطَعْتُمْ بَشَراً مِثْلَكُمْ إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ المؤمنون:34،و قالوا متعجّبين:

أَ بَعَثَ اللّهُ بَشَراً رَسُولاً الإسراء:94،و قالوا: لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْنَا الْمَلائِكَةُ الفرقان:21،و قال: أَ وَ عَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ لِيُنْذِرَكُمْ الأعراف:63.

السّبب الخامس:الخوف من فوت المقاصد؛و ذلك يخصّ بالمتزاحمين على مقصود واحد،فإنّ كلّ واحد منهما يحسد صاحبه في كلّ نعمة تكون عونا له في الانفراد بمقصوده،و من هذا الباب تحاسد الضّرّات في التّزاحم على مقاصد الزّوجيّة،و تحاسد الأخوة في التّزاحم على نيل المنزلة في قلوب الأبوين للتّوصّل إلى مقاصد المال و الكرامة،و كذلك تحاسد الواعظين المتزاحمين على أهل بلدة واحدة؛إذ كان غرضهما نيل المال و القبول عندهم.

السّبب السّادس:حبّ الرّئاسة و طلب الجاه نفسه من غير توسّل به إلى مقصوده؛و ذلك كالرّجل الّذي يريد أن يكون عديم النّظير في فنّ من الفنون،فإنّه لو سمع بنظير له في أقصى العالم ساءه ذلك و أحبّ موته،و زوال النّعمة الّتي بها يشاركه في المنزلة،من شجاعة أو علم أو زهد أو ثروة،و يفرح بسبب تفرّده.

السّبب السّابع:شحّ النّفس بالخير على عباد اللّه، فإنّك تجد من لا يشتغل برئاسة و لا بكبر و لا بطلب مال إذا وصف عنده حسن حال عبد من عباد اللّه،شقّ عليه ذلك،و إذا وصف اضطراب أمور النّاس و إدبارهم و تنغّص عيشهم،فرح به،فهو أبدا يحبّ الإدبار لغيره، و يبخل بنعمة اللّه على عباده،كأنّهم يأخذون ذلك من ملكه و خزانته.و يقال:البخيل من بخل بمال غيره،فهذا يبخل بنعمة اللّه على عباده الّذين ليس بينهم و بينه لا عداوة و لا رابطة،و هذا ليس له سبب ظاهر إلاّ خبث النّفس و رذالة جبلّته في الطّبع،لأنّ سائر أنواع الحسد يرجى زواله لإزالة سببه،و هذا خبث في الجبلّة لا عن سبب عارض فتعسر إزالته.

فهذه هي أسباب الحسد،و قد يجتمع بعض هذه الأسباب أو أكثرها أو جميعها في شخص واحد فيعظم فيه الحسد و يقوى قوّة لا يقوى صاحبها معها على

ص: 879

الإخفاء و المجاملة،بل يهتك حجاب المجاملة و يظهر العداوة بالمكاشفة.و أكثر المحاسدات تجتمع فيها جملة من هذه الأسباب،و قلّما يتجرّد واحد منها.

(الفخر الرّازيّ 3:239)

ابن عطيّة: (حسدا)مفعول له،و قيل:هو مصدر في موضع الحال.(1:196)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]و قيل:إنّما حسد اليهود المسلمين على وضع النّبوّة فيهم و ذهابها عنهم و زوال الرّئاسة إليهم.(1:185)

الفخر الرّازيّ: المسألة الأولى:في ذمّ الحسد،و يدلّ عليه أخبار كثيرة.[و ذكرها إلى أن قال:]

المسألة الثّانية:في حقيقة الحسد:إذا أنعم اللّه على أخيك بنعمة،فإن أردت زوالها فهذا هو الحسد،و إن اشتهيت لنفسك مثلها فهذا هو الغبطة و المنافسة.أمّا الأوّل فحرام بكلّ حال،إلاّ نعمة أصابها فاجر أو كافر يستعين بها على الشّرّ و الفساد،فلا يضرّك محبّتك لزوالها،فانّك ما تحبّ زوالها من حيث إنّها نعمة بل من حيث إنّها يتوسّل بها إلى الفساد و الشّرّ و الأذى.و الّذي يدلّ على أنّ الحسد ما ذكرنا آيات:

أحدها:هذه الآية،و هي قوله تعالى: لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ البقرة:109،فأخبر أنّ حبّهم زوال نعمة الإيمان حسد.

و ثانيها:قوله تعالى: وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً النّساء:89.

و ثالثها:قوله تعالى: إِنْ تَمْسَسْكُمْ حَسَنَةٌ تَسُؤْهُمْ وَ إِنْ تُصِبْكُمْ سَيِّئَةٌ يَفْرَحُوا بِها آل عمران:120 و هذا الفرح شماتة،و الحسد و الشّماتة متلازمان.

و رابعها:ذكر اللّه تعالى حسد إخوة يوسف و عبّر عمّا في قلوبهم بقوله: إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَ أَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنّا وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ* اُقْتُلُوا يُوسُفَ أَوِ اطْرَحُوهُ أَرْضاً يَخْلُ لَكُمْ وَجْهُ أَبِيكُمْ يوسف:8،9،فبيّن تعالى أنّ حسدهم له عبارة عن كراهتهم حصول تلك النّعمة له.

و خامسها: وَ لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُوتُوا الحشر:9،أي لا تضيق به صدورهم و لا يغتمّون،فأثنى اللّه عليهم بعدم الحسد.

و سادسها:قال تعالى في معرض الإنكار: أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ النّساء:54.

و سابعها:قال اللّه تعالى: كانَ النّاسُ أُمَّةً واحِدَةً فَبَعَثَ اللّهُ النَّبِيِّينَ إلى قوله: إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ البقرة:213،قيل في التّفسير:حسدا.

و ثامنها:قوله تعالى: وَ ما تَفَرَّقُوا إِلاّ مِنْ بَعْدِ ما جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ الشّورى:14،فأنزل اللّه العلم ليؤلّف بينهم على طاعته،فتحاسدوا و اختلفوا؛إذ أراد كلّ واحد أن ينفرد بالرّئاسة و قبول القول.

و تاسعها:قال ابن عبّاس:كانت اليهود قبل مبعث النّبيّ عليه السّلام إذا قاتلوا قوما قالوا:نسألك بالنّبيّ الّذي وعدتنا أن ترسله و بالكتاب الّذي تنزله إلاّ تنصرنا، فكانوا ينصرون،فلمّا جاء النّبيّ عليه السّلام من ولد إسماعيل

ص: 880

عرفوه و كفروا به بعد معرفتهم إيّاه،فقال تعالى:

وَ كانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا* إلى قوله: أَنْ يَكْفُرُوا بِما أَنْزَلَ اللّهُ بَغْياً البقرة:89،90، أي حسدا و قالت صفيّة بنت حييّ للنّبيّ عليه السّلام:جاء أبي و عمّي من عندك،فقال أبي لعمّي:ما تقول فيه؟قال:

أقول:إنّه النّبيّ الّذي بشّر به موسى عليه السّلام.قال:فما ترى؟ قال:أرى معاداته أيّام الحياة.فهذا حكم الحسد.

أمّا المنافسة فليست بحرام،و هي مشتقّة من النّفاسة، و الّذي يدلّ على أنّها ليست بحرام وجوه:

أوّلها:قوله تعالى: وَ فِي ذلِكَ فَلْيَتَنافَسِ الْمُتَنافِسُونَ المطفّفين:26.

و ثانيها:قوله تعالى: سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ الحديد:21،و إنّما المسابقة عند خوف الفوت،و هو كالعبدين يتسابقان إلى خدمة مولاهما؛إذ يجزع كلّ واحد أن يسبقه صاحبه فيحظى عند مولاه بمنزلة لا يحظى هو بها.

و ثالثها:قوله عليه السّلام:«لا حسد إلاّ في اثنتين:

رجل آتاه اللّه مالا فأنفقه في سبيل اللّه،و رجل آتاه اللّه علما فهو يعمل به و يعلّمه النّاس».و هذا الحديث يدلّ على أنّ لفظ«الحسد»قد يطلق على المنافسة.

ثمّ نقول:المنافسة قد تكون واجبة و مندوبة و مباحة:

أمّا الواجبة فكما إذا كانت تلك النّعمة نعمة دينيّة واجبة كالإيمان و الصّلاة و الزّكاة،فهاهنا يجب عليه أن يحبّ أن يكون له مثل ذلك،لأنّه إن لم يحبّ ذلك كان راضيا بالمعصية و ذلك حرام.

و أمّا إن كانت تلك النّعمة من الفضائل المندوبة كالإنفاق في سبيل اللّه و التّشمير لتعليم النّاس،كانت المنافسة فيها مندوبة.

و أمّا إن كانت تلك النّعمة من المباحات،كانت المنافسة فيها من المباحات،و بالجملة فالمذموم أن يحبّ زوالها عن الغير،فأمّا أن يحبّ حصولها له و زوال النّقصان عنه،فهذا غير مذموم.

لكن هاهنا دقيقة و هي:أنّ زوال النّقصان عنه بالنّسبة إلى الغير له طريقان:

أحدهما:أن يحصل له مثل ما حصل للغير.

و الثّاني:أن يزول عن الغير ما لم يحصل له،فإذا حصل اليأس عن أحد الطّريقين فيكاد القلب لا ينفكّ عن شهوة الطّريق الآخر.

فهاهنا إن وجد قلبه بحيث لو قدر على إزالة تلك الفضيلة عن ذلك الشّخص لأزالها،فهو صاحب الحسد المذموم.و إن كان يجد قلبه بحيث تردعه التّقوى عن إزالة تلك النّعمة عن الغير فالمرجوّ من اللّه تعالى أن يعفو عن ذلك.و لعلّ هذا هو المراد من قوله عليه السّلام:«ثلاث لا ينفكّ المؤمن عنهنّ:الحسد و الظّنّ و الطّيرة،ثمّ قال:و له منهنّ مخرج إذا حسدت فلا تبغ»أي إن وجدت في قلبك شيئا فلا تعمل به.فهذا هو الكلام في حقيقة الحسد،و كلّه من كلام الشّيخ الغزاليّ رحمة اللّه عليه.[ثمّ ذكر كلام الغزاليّ المتقدّم ضمن المسألتين الثّالثة و الرّابعة و أضاف:]

المسألة الخامسة:في سبب كثرة الحسد و قلّته و قوّته و ضعفه.اعلم أنّ الحسد إنّما يكثر بين قوم تكثر فيهم الأسباب الّتي ذكرناها؛إذ الشّخص الواحد يجوز أن يحسد لأنّه يمتنع من قول المتكبّر،و لأنّه يتكبّر،و لأنّه

ص: 881

عدوّ و لغير ذلك من الأسباب.

و هذه الأسباب إنّما تكثر بين قوم تجمعهم روابط يجتمعون بسببها في مجالس المخاطبات و يتواردون على الأغراض،و المنازعة مظنّة المنافرة،و المنافرة مؤدّية إلى الحسد،فحيث لا مخالطة فليس هناك محاسدة،و لمّا لم توجد الرّابطة بين شخصين في بلدين لا جرم لم يكن بينهما محاسدة،فلذلك ترى العالم يحسد العالم دون العابد، و العابد يحسد العابد دون العالم،و التّاجر يحسد التّاجر، بل الإسكاف يحسد الإسكاف و لا يحسد البزّاز،و يحسد الرّجل أخاه و ابن عمّه أكثر ممّا يحسد الأجانب،و المرأة تحسد ضرّتها و سريّة زوجها أكثر ممّا تحسد أمّ الزّوج و ابنته،لأنّ مقصد البزّاز غير مقصد الإسكاف،فلا يتزاحمون على المقاصد.ثمّ مزاحمة البزّاز المجاور له أكثر من مزاحمة البعيد عنه إلى طرف السّوق.

و بالجملة فأصل الحسد:العداوة،و أصل العداوة:

التّزاحم على غرض واحد،و الغرض الواحد لا يجمع متباعدين بل لا يجمع إلاّ متناسبين،فلذلك يكثر الحسد بينهم.نعم من اشتدّ حرصه على الجاه العريض و الصّيت في أطراف العالم فإنّه يحسد كلّ من في العالم ممّن يشاركه في الخصلة الّتي يتفاخر بها.

أقول:و السّبب الحقيقيّ فيه:أنّ الكمال محبوب بالذّات و ضدّ المحبوب مكروه،و من جملة أنواع الكمال:

التّفرّد بالكمال،فلا جرم كان الشّريك في الكمال مبغضا لكونه منازعا في الفردانيّة الّتي هي من أعظم أبواب الكمال إلاّ أنّ هذا النّوع من الكمال لمّا امتنع حصوله إلاّ للّه سبحانه و وقع اليأس عنه فاختصّ الحسد بالأمور الدّنيويّة؛و ذلك لأنّ الدّنيا لا تفي بالمتزاحمين،أمّا الآخرة فلا ضيق فيها،و إنّما مثال الآخرة نعمة العلم.

فلا جرم من يحبّ معرفة اللّه تعالى و معرفة صفاته و ملائكته،فلا يحسد غيره إذا عرف ذلك،لأنّ المعرفة لا تضيق عن العارفين بل المعلوم الواحد يعرفه ألف ألف، و يفرح بمعرفته و يلتذّ به،و لا تنقص لذّة أحد بسبب غيره،بل يحصل بكثرة العارفين زيادة الأنس.

فلذلك لا يكون بين علماء الدّين محاسدة،لأنّ مقصدهم معرفة اللّه،و هي بحر واسع لا ضيق فيها، و غرضهم المنزلة عند اللّه و لا ضيق فيها.

نعم إذا قصد العلماء بالعلم المال و الجاه،تحاسدوا، لأنّ المال أعيان إذا وقعت في يد واحد خلت عنها يد الآخر.

و معنى الجاه ملء القلوب،و مهما امتلأ قلب شخص بتعظيم عالم انصرف عن تعظيم الآخر.

أمّا إذا امتلأ قلب بالفرح بمعرفة اللّه لم يمنع ذلك أن يمتلئ قلب غيره و أن يفرح به،فلذلك وصفهم اللّه تعالى بعدم الحسد،فقال: وَ نَزَعْنا ما فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْواناً عَلى سُرُرٍ مُتَقابِلِينَ الحجر:47.

المسألة السّادسة:في الدّواء المزيل للحسد،و هو أمران:العلم و العمل:

أمّا العلم ففيه مقامان:إجماليّ و تفصيليّ:

أمّا الإجماليّ فهو أن يعلم أنّ كلّ ما دخل في الوجود فقد كان ذلك من لوازم قضاء اللّه و قدره،لأنّ الممكن ما لم ينته إلى الواجب لم يقف،و متى كان كذلك فلا فائدة في النّفرة عنه،و إذا حصل الرّضا بالقضاء زال الحسد.

ص: 882

أمّا التّفصيليّ فهو أن تعلم أنّ الحسد ضرر عليك في الدّين و الدّنيا،و أنّه ليس فيه على المحسود ضرر في الدّين و الدّنيا بل ينتفع به في الدّين و الدّنيا.

أمّا أنّه ضرر عليك في الدّين فمن وجوه:

أحدها:أنّك بالحسد كرهت حكم اللّه و نازعته في قسمته الّتي قسّمها لعباده،و عدله الّذي أقامه في خلقه بخفيّ حكمته،و هذه جناية على حدقة التّوحيد و قذى في عين الإيمان.

و ثانيها:أنّك إن غششت رجلا من المؤمنين،فارقت أولياء اللّه في حبّهم الخير لعباد اللّه،و شاركت إبليس و سائر الكفّار في محبّتهم للمؤمنين البلايا.

و ثالثها:العقاب العظيم المرتّب عليه في الآخرة.

و أمّا كونه ضررا عليك في الدّنيا فهو أنّك بسبب الحسد لا تزال تكون في الغمّ و الكمد،و أعداؤك لا يخليهم اللّه من أنواع النّعم.فلا تزال تتعذّب بكلّ نعمة تراها و تتألّم بكلّ بليّة تنصرف عنهم فتبقى أبدا مغموما مهموما، فقد حصل لك ما أردت حصوله لأعدائك،و أراد أعداؤك حصوله لك،فقد كنت تريد المحنة لعدوّك فسعيت في تحصيل المحنة لنفسك.

ثمّ إنّ ذلك الغمّ إذا استولى عليك أمرض بدنك، و أزال الصّحّة عنك،و أوقعك في الوساوس،و نغّص عليك لذّة المطعم و المشرب.

و أمّا أنّه لا ضرر على المحسود في دينه و دنياه فواضح،لأنّ النّعمة لا تزول عنه بحسدك بل ما قدّره اللّه من إقبال و نعمة فلا بدّ و أن يدوم إلى أجل قدّره اللّه،فإنّ كلّ شيء عنده بمقدار و لكلّ أجل كتاب.و مهما لم تزل النّعمة بالحسد لم يكن على المحسود ضرر في الدّنيا و لا عليه إثم في الآخرة.

و لعلّك تقول:ليت النّعمة كانت لي و تزول عن المحسود بحسدي،و هذا غاية الجهل فإنّه بلاء تشتهيه أوّلا لنفسك فإنّك أيضا لا تخلو عن عدوّ يحسدك،فلو زالت النّعمة بالحسد لم يبق للّه عليك نعمة لا في الدّين و لا في الدّنيا.

و إن اشتهيت أن تزول النّعمة عن الخلق بحسدك و لا تزول عنك بحسد غيرك،فهذا أيضا جهل،فإنّ كلّ واحد من حمقى الحسّاد يشتهي أن يختصّ بهذه الخاصّيّة، و لست أولى بذلك من الغير،فنعمة اللّه عليك في أن لم يزل النّعمة بالحسد ممّا يجب شكرها عليك و أنت بجهلك تكرهها.

و أمّا أنّ المحسود ينتفع به في الدّين و الدّنيا فواضح:

أمّا منفعته في الدّين فهو أنّه مظلوم من جهتك لا سيّما إذا أخرجت الحسد إلى القول و الفعل بالغيبة و القدح فيه، و هتك ستره و ذكر مساوئه،فهي هدايا يهديها اللّه إليه، أعني أنّك تهدي إليه حسناتك،فإنّك كلّما ذكرته بسوء نقل إلى ديوانه حسناتك و ازدادت سيّئاتك،فكأنّك اشتهيت زوال نعم اللّه عنه إليك فأزيلت نعم اللّه عنك إليه،و لم تزل في كلّ حين و أوان تزداد شقاوة.

و أمّا منفعته في الدّنيا فمن وجوه:

الأوّل:أنّ أهمّ أغراض الخلق مساءة الأعداء، و كونهم مغمومين معذّبين،و لا عذاب أعظم ممّا أنت فيه من ألم الحسد،بل العاقل لا يشتهي موت عدوّه بل يريد طول حياته ليكون في عذاب الحسد،لينظر في كلّ حين

ص: 883

و أوان إلى نعم اللّه عليه،فيتقطّع قلبه بذلك.

و لذلك قيل:

لا مات أعداؤك بل خلّدوا

حتّى يروا منك الّذي يكمد

لا زلت محسودا على نعمة

فإنّما الكامل من يحسد

الثّاني:أنّ النّاس يعلمون أنّ المحسود لا بدّ و أن يكون ذا نعمة،فيستدلّون بحسد الحاسد على كونه مخصوصا من عند اللّه بأنواع الفضائل و المناقب.و أعظم الفضائل ممّا لا يستطاع دفعه و هو الّذي يورث الحسد،فصار الحسد من أقوى الدّلائل على اتّصاف المحسود بأنواع الفضائل و المناقب.

الثّالث:أنّ الحاسد يصير مذموما بين الخلق ملعونا عند الخالق،و هذا من أعظم المقاصد للمحسود.

الرّابع:و هو أنّه سبب لازدياد مسرّة إبليس؛و ذلك لأنّ الحاسد لمّا خلا عن الفضائل الّتي اختصّ المحسود بها، فإن رضي بذلك استوجب الثّواب العظيم،فخاف إبليس من أن يرضى بذلك فيصير مستوجبا لذلك الثّواب، فلمّا لم يرض به بل أظهر الحسد فاته ذلك الثّواب و استوجب العقاب،فيصير ذلك سببا لفرح إبليس و غضب اللّه تعالى.

الخامس:أنّك عساك تحسد رجلا من أهل العلم و تحبّ أن يخطئ في دين اللّه و تكشف خطأه ليفتضح، و تحبّ أن يخرس لسانه حتّى لا يتكلّم،أو يمرض حتّى لا يعلم و لا يتعلّم.و أيّ إثم يزيد على ذلك،و أيّ مرتبة أخسّ من هذه.

و قد ظهر من هذه الوجوه أيّها الحاسد أنّك بمثابة من يرمي حجرا إلى عدوّه ليصيب به مقتله فلا يصيبه،بل يرجع إلى حدقته اليمنى فيقلعها،فيزداد غضبه،فيعود و يرميه ثانيا أشدّ من الأوّل فيرجع الحجر على عينه الأخرى فيعميه فيزداد غيظه،و يعود ثالثا فيعود على رأسه فيشجّه،و عدوّه سالم في كلّ الأحوال،و الوبال راجع إليه دائما،و أعداؤه حواليه يفرحون به و يضحكون عليه،بل حال الحاسد أقبح من هذا،لأنّ الحجر العائد لم يفوّت إلاّ العين،و لو بقيت لفاتت بالموت.

و أمّا حسده فإنّه يسوق إلى غضب اللّه و إلى النّار، فلأن تذهب عينه في الدّنيا خير له من أن يبقى له عين و يدخل بها النّار.

فانظر كيف انتقم اللّه من الحاسد إذا أراد زوال النّعمة عن المحسود،فما أزالها عنه ثمّ أزال نعمة الحاسد تصديقا لقوله تعالى: وَ لا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلاّ بِأَهْلِهِ فاطر:43.

فهذه الأدوية العلميّة،فمهما تفكّر الإنسان فيها بذهن صاف و قلب حاضر انطفأ من قلبه نار الحسد.

و أمّا العمل النّافع فهو أن يأتي بالأفعال المضادّة لمقتضيات الحسد،فإن بعثه الحسد على القدح فيه كلّف لسانه المدح له،و إن حمله على التّكبّر عليه كلّف نفسه التّواضع له،و إن حمله على قطع أسباب الخير عنه كلّف نفسه السّعي في إيصال الخيرات إليه.فمهما عرف المحسود ذلك طاب قلبه و أحبّ الحاسد،و ذلك يفضي آخر الأمر إلى زوال الحسد من وجهين:

الأوّل:أنّ المحسود إذا أحبّ الحاسد فعل ما يحبّه

ص: 884

الحاسد،فحينئذ يصير الحاسد محبّا للمحسود و يزول الحسد حينئذ.

الثّاني:أنّ الحاسد إذا أتى بضدّ موجبات الحسد على سبيل التّكلّف يصير ذلك بالآخرة طبعا له فيزول الحسد عنه.

المسألة السّابعة:اعلم أنّ النّفرة القائمة بقلب الحاسد من المحسود أمر غير داخل في وسعه،فكيف يعاقب عليه؟و أمّا الّذي في وسعه أمران:أحدهما:كونه راضيا بتلك النّفرة،و الثّاني:إظهار آثار تلك النّفرة من القدح فيه،و القصد إلى إزالة تلك النّعمة عنه و جرّ أسباب المحبّة إليه،فهذا هو الدّاخل تحت التّكليف.(3:236)

النّسفيّ: (حسدا)مفعول له أي لأجل الحسد،و هو الأسف على الخير عند الغير.(1:68)

أبو حيّان :انتصاب(حسدا)على أنّه مفعول من أجله،و العامل فيه(ودّ)أي الحامل لهم على ودادة ردّكم كفّارا هو الحسد.

و جوّزوا فيه أن يكون مصدرا منصوبا على الحال، أي حاسدين،و لم يجمع لأنّه مصدر.و هذا ضعيف،لأنّ جعل المصدر حالا لا ينقاس.و جوّزوا أيضا أن يكون نصبه على المصدر و العامل فيه فعل محذوف يدلّ عليه المعنى،التّقدير حسدوكم حسدا.

و الأظهر القول الأوّل،لأنّه اجتمعت فيه شرائط المفعول من أجله.(1:348)

نحوه الآلوسيّ: (2:357)

رشيد رضا :فهو بيان لما يضمرونه و ما تكنّه صدورهم للمسلمين من الحسد على نعمة الإسلام الّتي عرفوا أنّها الحقّ،و أنّ وراءها السّعادة في الدّارين، و لكنّهم شقّ عليهم أن يتبعوهم فتمنّوا أن يحرموا هذه النّعمة و يرجعوا كفّارا كما كانوا،و ذلك شأن الحاسد يتمنّى أن يسلب محسوده النّعمة و لو لم تكن ضارّة به، فكيف إذا كان يعلم أنّ تلك النّعمة إذا تمّت و ثبتت يكون من أثرها سيادة المحسود عليه و إدخاله تحت سلطانه،كما كان يتوقّع علماء يهود في عصر التّنزيل.

و قد جاء هذا التّنبيه تتمّة لقوله تعالى قبل آيات:

ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ لاَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ البقرة:105،و قد بيّن اللّه لنا ما كان من محاولة أهل الكتاب و تحيّلهم على تشكيك المسلمين في دينهم،كقول بعضهم لبعض:بأن يؤمنوا أوّل النّهار و يكفروا آخره،لعلّ ضعفاء الإيمان يرجعون عن الإسلام اقتداء بهم،كما سيأتي في سورة آل عمران:30.و في هذه الآية و ما بعدها إشارة إلى أنّ لذلك بعض الأثر في نفوس بعض المسلمين.

و فائدة هذا التّنبيه أو التّنبيهات أن يعلم المسلمون أنّ ما يبدو من أهل الكتاب أحيانا من إلقاء الشّبه على الإسلام و تشكيك المسلمين فيه إنّما هو مكر السّوء يبعث عليه الحسد،لا النّصح الّذي يبعث عليه الاعتقاد.

و قال: حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ليبيّن أنّ حسدهم لم يكن عن شبهة دينيّة أو غير على حقّ يعتقدونه،و إنّما هو خبث النّفوس و فساد الأخلاق و الجمود على الباطل،و إن ظهر لصاحبه الحقّ و لذلك قفّاه بقوله: مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ أي بالآيات الّتي جاء بها النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و بانطباق ما يحفظون من بشارات كتبهم

ص: 885

بنبيّ آخر الزّمان عليه.

ثمّ أمر اللّه تعالى المؤمنين بأن يقابلوا هذا الحسد و ما ينبعث عنه بما يليق بهم من محاسن الأخلاق.(1:420)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذا المادّة:الحسد،و هو تمنّي الحاسد تحوّل نعمة المحسود إليه.يقال:حسده يحسده و يحسده حسدا و حسادة و حسودا،و تحاسد القوم:حسد بعضهم بعضا،و هو حاسد من قوم حسّد و حسّاد و حسدة، و رجل حسود من قوم حسد.

2-و زعم الأزهريّ أنّ أصل الحسد:القشر،تبعا لقول ابن الأعرابيّ:«الحسدل:القراد،و منه أخذ الحسد، لأنّه يقشر القلب كما يقشر القراد الجلد،فيمتصّ دمه».

و هذا بعيد،لأنّ«اللاّم»في الحسدل أصليّة و ليست زائدة،بدليل الاشتقاق،فهي كاللاّم في نحو:الحبتل:

القليل الجسم،و الحرمل:حبّ كالسّمسم،و الحنظل:

الشّجر المرّ،و غير ذلك،و هو كثير جدّا في اللّغة.و يؤيّد ما ذهبنا إليه استعماله في سائر اللّغات السّاميّة.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت منها أربع صيغ:الماضي مرّة،و المضارع مرّتين،و المصدر و اسم الفاعل كلّ منهما مرّة،في 4 آيات:

واحدة ذمّ للحاسد إطلاقا،و الباقي حكاية قول المنافقين و حال أهل الكتاب:

1- وَ مِنْ شَرِّ حاسِدٍ إِذا حَسَدَ الفلق:5

2- فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا الفتح:15

3- أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ النّساء:54

4- وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ

البقرة:109

يلاحظ أوّلا:أنّ(1)أية من سورة الفلق،و هي واحدة من أربع سور ابتدأت ب(قل)و الثّلاث الأخرى:

قُلْ يا أَيُّهَا الْكافِرُونَ، قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ، و هما مكّيّتان، قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النّاسِ، و سورتي النّاس و الفلق مدنيّتان،و كلاهما استعاذة من الشّرور.

و تفترقان في المستعاذ به،و المستعاذ منه كليهما:

فالمستعاذ به في(الفلق):(ربّ الفلق)،و في(النّاس):

بِرَبِّ النّاسِ* مَلِكِ النّاسِ* إِلهِ النّاسِ و المراد بها جميعا هو اللّه عزّ و جلّ.

و أمّا المستعاذ منه ففي اَلنّاسِ شيء واحد،و هو شرّ الوسواس،الخنّاس،الّذي يوسوس في صدور النّاس،من الجنّة و النّاس،أربع صفات لشرّير واحد هو الشّيطان،و في(الفلق)شرور أربعة:شرّ ما خلق، و شرّ غاسق إذا وقب،و شرّ النّفّاثات في العقد،و شرّ حاسد إذا حسد.فهو في(النّاس)شرّ واحد موصوفا بأربع صفات،و في(الفلق)شرور أربعة بإزاء كلّ من تلك الصّفات،كما أنّ المستعاذ به في السّورتين هو اللّه عزّ و جلّ موصوفا بأربع صفات:ربّ الفلق،ربّ النّاس، ملك الناس،إله النّاس،(ربّ)مرّتين بإزاء(ملك)و(اله) فهذه مقابلة بينهما.

و بينهما مقابلة أخرى هي تكرار(شرّ)في الأولى،

ص: 886

و(النّاس)في الثّانية،كلّ منهما أربع مرّات.و بذلك تكون العلاقة بين السّورتين ظاهرة،أي شرور النّاس الأربعة تعدّ قبال شرّ واحد للشّيطان بل هي ناشئة منه أيضا، لاحظ:«الشّرّ،و الفلق،و النّاس».

و في هذه الآية بحوث:

1-قالوا:الحسد تمنّي زوال نعمة المحسود و إن لم يصر للحاسد مثلها،و المنافسة أو الغبطة تمنّي مثلها و إن لم تزل عن المحسود،فالحسد شرّ مذموم،و المنافسة رغبة مباحة.

و قد يطلق الحسد على الغبطة مجازا و كان شائعا في العرف الأوّل،و هي تمنّي أن يكون له مثل ما لأخيه من غير تمنّي زوالها عن أخيه.

و الحسد خصلة أو رذيلة شيطانيّة ناشئة عن ضعف الإيمان،و ضيق النّظر،و رسوخ البخل في النّفس،و هو من الكبائر الّتي تطابق الكتاب و السّنّة على ذمّها.لاحظ نصّ الغزاليّ فقد بسط الكلام فيه،و ذكر له سبعة أسباب،و كذا نصّ الفخر الرّازيّ،فقد ذكر الآيات الّتي دلّت على ذمّه، و سبب كثرته في قوم و قلّته في قوم أخر،و بسط الكلام في الدّواء المزيل للحسد،و في العلاقة بين الحاسد و المحسود.

2-قالوا في(اذا حسد):إذا ظهر حسده،و عمل بمقتضاه من بغي الغوائل للمحسود،لأنّه إذا لم يظهر أثر ما أضمره فلا يعود ضرر منه إلى المحسود،بل يعود ضرره إلى الحاسد نفسه،لاغتمامه بسرور غيره،و إظهاره يكون بالقول و الفعل مثل النّظر إلى المحسود غضبا و توجيه نفسه إليه و إيذائه و نحوها.

قال الطّباطبائيّ: «و إذا تلبّس بالحسد و عمل بما في نفسه من الحسد بترتيب الأثر عليه».

و قال مغنيّة: «المراد من شرّه:سوء مقاصده و أقواله و أفعاله،لا نظرات عينيه و إضرارها بالمحسود،كما قال أكثر المفسّرين».

و هذا الشّرط في الآية مستفاد من روايات دلّت على عدم خلوّ أيّ إنسان من رشحة حسد،و لكنّه لا يضرّ ما لم يظهره.

3-لا وجه لما قيل:«إنّ المراد بالحاسد قابيل،لأنّه حسد أخاه هابيل»مع عموم حاسِدٍ إِذا حَسَدَ، نعم هذا أوّل حسد حدث في الأرض بعد حسد إبليس لآدم في السّماء،كما جاء في رواية.

4-أوّلها بعضهم بالنّزاع الحاصل بين قوى البدن و النّفس،و أنّ الحاسد هو البدن و المحسود هو النّفس،و أنّ البدن وبال عليها،فما أحسن حالها عند الإعراض عنه و ما أعظم لذّتها بالمفارقة إيّاه!و هذا تأويل لا تتحمّله الآية.و إن كان للتّأويل باب واسع.

5-لقد طوّلوا الكلام في تفسير آيات سورة الفلق، و سبب تنكير بعض ما أضيف إليه الشّرّ و تعريف بعضه، و في المناسبة بين هذه الشّرور الأربعة،لاحظ«شرّ».

ثانيا:جاءت(2)بشأن الأعراب الّذين لم يشاركوا النّبيّ في غزوة الحديبيّة،لكنّهم طلبوا أن يشاركهم النّبيّ في غزوة خيبر من أجل غنائمها،كما جاء في الآيات 11-16 من سورة الفتح سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَ أَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ -إلى - سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاّ قَلِيلاً* قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ... فأعلمهم اللّه أنّهم لن يشاركوا معه في خيبر،لأنّه قرّر أن لا يشارك فيها إلاّ من شارك في الحديبيّة،فاتّهموا المؤمنين بالحسد فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا.

ص: 887

ثانيا:جاءت(2)بشأن الأعراب الّذين لم يشاركوا النّبيّ في غزوة الحديبيّة،لكنّهم طلبوا أن يشاركهم النّبيّ في غزوة خيبر من أجل غنائمها،كما جاء في الآيات 11-16 من سورة الفتح سَيَقُولُ لَكَ الْمُخَلَّفُونَ مِنَ الْأَعْرابِ شَغَلَتْنا أَمْوالُنا وَ أَهْلُونا فَاسْتَغْفِرْ لَنا يَقُولُونَ بِأَلْسِنَتِهِمْ ما لَيْسَ فِي قُلُوبِهِمْ -إلى - سَيَقُولُ الْمُخَلَّفُونَ إِذَا انْطَلَقْتُمْ إِلى مَغانِمَ لِتَأْخُذُوها ذَرُونا نَتَّبِعْكُمْ يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلامَ اللّهِ قُلْ لَنْ تَتَّبِعُونا كَذلِكُمْ قالَ اللّهُ مِنْ قَبْلُ فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ إِلاّ قَلِيلاً* قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرابِ سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ... فأعلمهم اللّه أنّهم لن يشاركوا معه في خيبر،لأنّه قرّر أن لا يشارك فيها إلاّ من شارك في الحديبيّة،فاتّهموا المؤمنين بالحسد فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنا.

قال الطّبرسيّ(5:115):«أي فسيقول المخلّفون عن الحديبيّة لكم إذا قلتم هذا:لم يأمركم اللّه تعالى به،بل أنتم تحسدوننا أن نشارككم في الغنيمة،فقال تعالى:ليس الأمر على ما قالوه بَلْ كانُوا لا يَفْقَهُونَ الحقّ و ما تدعونهم إليه(الاّ قليلا)أي إلاّ فقها قليلا أو شيئا قليلا و قيل:إلاّ،القليل منهم و هم المعاندون».

ثمّ أخبرهم اللّه مداراة لهم سَتُدْعَوْنَ إِلى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ... و قد حكى الطّبرسيّ ذيلها قصّة فتح الحديبيّة تفصيلا،فلاحظ.

ثالثا:جاءت(3)بشأن كعب بن الأشرف،و جماعة من اليهود الّذين خرجوا بعد غزوة أحد إلى مكّة ليحالفوا قريشا على رسول اللّه و قالوا لهم:أنتم و اللّه أهدى سبيلا ممّا عليه محمّد،و قد حكى القصّة الطّبرسيّ(2:59) فلاحظ،فردّ اللّه عليهم أُولئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَ مَنْ يَلْعَنِ اللّهُ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ نَصِيراً* أَمْ لَهُمْ نَصِيبٌ مِنَ الْمُلْكِ فَإِذاً لا يُؤْتُونَ النّاسَ نَقِيراً* أَمْ يَحْسُدُونَ النّاسَ عَلى ما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ فَقَدْ آتَيْنا آلَ إِبْراهِيمَ الْكِتابَ وَ الْحِكْمَةَ وَ آتَيْناهُمْ مُلْكاً عَظِيماً النّساء:52-54.

فقد وصف اللّه هؤلاء اليهود أوّلا بأنّ اللّه لعنهم،ثمّ بأنّه ليس لهم نصيب من الملك و إلاّ لمنعوا النّاس نقيرا، أي قليلا لبخلهم،ثمّ بأنّهم يحسدون النّاس على ما آتاهم اللّه من فضله.

و قد اختلفوا في المراد ب(النّاس)فيها على أقوال، ذكرها الطّبرسيّ(2:61)أقربها أنّ المراد به:النّبيّ و آله و أصحابه و المؤمنين؛حيث آتاهم النّبوّة،كما آتى آل إبراهيم الكتاب و الحكمة،لاحظ«النّاس».

و فيها لطيفة حيث جمع اللّه لهؤلاء الجماعة اللّعن و البخل و الحسد،و الحسد-كما سبق-منشؤه البخل،فهما متلازمان،و يلازمهما اللّعن.

رابعا:و جاء في(4) وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمانِكُمْ كُفّاراً حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ... و فيها بحوث:

1-المراد ب(اهل الكتاب)فيها:اليهود،لأنّها من جملة ما واجه اللّه اليهود بدو الهجرة في سورة البقرة.

و يؤيّده قول الطّبرسيّ(1:184):«إنّها نزلت في حييّ بن أخطب و أخيه أبي ياسر بن أخطب،و قد دخلا على النّبيّ حين قدم المدينة فلمّا خرجا قيل لحييّ أ هو نبيّ؟قال:هو هو،فقيل:فما له عندك؟قال:العداوة إلى الموت و هو الّذي نقض العهد و أثار الحرب يوم الأحزاب،عن ابن عبّاس.و قيل:نزلت في كعب بن الأشرف،عن الزّهريّ،و قيل:في جماعة اليهود،عن الحسن».و كذا قوله:«إنّما حسد اليهود المسلمين على وضع النّبوّة فيهم و ذهابها عنهم و زوال السّياسة إليهم».

(الطّبرسيّ 1:185)،و يؤيّده أيضا أنّها تتمّة لما قبلها ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ لاَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ، المراد ب(اهل الكتاب)فيها:اليهود.

ص: 888

(الطّبرسيّ 1:185)،و يؤيّده أيضا أنّها تتمّة لما قبلها ما يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ لاَ الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ، المراد ب(اهل الكتاب)فيها:اليهود.

و يؤيّده أيضا ما سبق في(3)من حسد جماعة من اليهود-و منهم كعب بن الأشرف-النّبيّ عليه السّلام،و كذا قوله تعالى: وَ قالَتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ آمِنُوا بِالَّذِي أُنْزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَجْهَ النَّهارِ وَ اكْفُرُوا آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ آل عمران:72،فإنّهم كما حكى الطّبرسيّ(4:460)عن الحسن و السّدّيّ كانوا اثني عشر رجلا من أحبار اليهود تواطئوا بذلك ليردّوا المسلمين عن دينهم.

نعم جاء في البقرة بعد هذه الآية ذكر اليهود و النّصارى معا: وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى... البقرة:111،و وَ قالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصارى عَلى شَيْءٍ وَ قالَتِ النَّصارى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلى شَيْءٍ وَ هُمْ يَتْلُونَ الْكِتابَ... البقرة:113، لكنّ الآيتين تحملان دواعي الفريقين فيما بينهما فحسب.

2-قال رشيد رضا:«هذا بيان لما يضرونه و ما تكنّه صدورهم للمسلمين من الحسد على نعمة الإسلام الّتي عرفوا أنّها الحقّ،و أنّ وراءها السّعادة في الدّارين،و لكنّهم شقّ عليهم أن يتبعوهم،فتمنّوا أن يحرموا هذه النّعمة،و يرجعوا كفّارا كما كانوا.و ذلك شأن الحاسد يتمنّى أن يسلب محسوده النّعمة،و لو لم تكن ضارّة به،فكيف إذا كان يعلم أنّ تلك النّعمة إذا تمّت و ثبتت يكون من أثرها سيادة المحسود عليه،و إدخاله تحت سلطانه،كما كان يتوقّع علماء يهود في عصر التّنزيل-إلى أن قال:-و فائدة هذا التّنبيه أو التّنبيهات أن يعلم المسلمون أنّ ما يبدو من أهل الكتاب أحيانا من إلقاء الشّبهة على الإسلام و تشكيك المسلمين فيه،إنّما هو مكر السّوء يبعث عليه الحسد لا النّصح الّذي يبعث عليه الاعتقاد.و قال: حَسَداً مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ ليبيّن أنّ حسدهم لم يكن عن شبهة دينيّة أو غيره على حقّ يعتقدونه،و إنّما هو خبث النّفوس و فساد الأخلاق و الجمود على الباطل و إن ظهر لصاحبه الحقّ،و لذلك قفّاه بقوله: مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ....

3-قالوا في نصب(حسدا)إنّه مصدر لفعل محذوف، أي يودّون لكم ذلك و يحسدونكم حسدا،أو مفعول لأجله ل(يودّون)أي يودّون ذلك حسدا منهم -و هو الأقرب-أو حال منه،أي يودّون ذلك حاسدين، و هو أبعدها.

ص: 889

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.