المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته المجلد 10

اشارة

عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته/ اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی.

مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی، 1419ق. = -1377.

مشخصات ظاهری : ج.

فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.

شابک : دوره 964-444-179-6 : ؛ دوره 978-964-444-179-0: ؛ 1430000 ریال (دوره، چاپ دوم) ؛ 25000 ریال: ج. 1 964-444-180-X : ؛ 30000 ریال: ج. 2 964-444-256-3 : ؛ 32000 ریال: ج. 3 964-444-371-3 : ؛ 67000 ریال (ج. 10) ؛ ج.12 978-964-971-136-2 : ؛ ج.19 978-600-06-0028-0 : ؛ ج.21 978-964-971-484-4 : ؛ ج.28 978-964-971-991-7 : ؛ ج.30 978-600-06-0059-4 : ؛ 1280000 ریال: ج.36 978-600-06-0267-3 : ؛ 950000 ریال: ج.37 978-600-06-0309-0 : ؛ 1050000 ریال: ج.39 978-600-06-0444-8 : ؛ 1000000 ریال: ج.40 978-600-06-0479-0 : ؛ ج.41 978-600-06-0496-7 : ؛ ج.43 978-600-06-0562-9 :

يادداشت : عربی.

يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.

يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.

يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.

يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...

يادداشت : ج. 2 (چاپ اول: 1420ق. = 1378).

يادداشت : ج. 3 (چاپ اول: 1421ق. = 1379).

يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).

يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).

يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).

يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).

يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).

يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).

يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.

يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).

يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).

يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).

مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س

موضوع : قرآن -- واژه نامه ها

Qur'an -- Dictionaries

موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها

Qur'an -- Encyclopedias

شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی، محمدِ، 1385-1304.

شناسه افزوده : سبحانی تبریزی، جعفر، 1308 -

شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar

شناسه افزوده : نجفی، ناصر، 1322 -

شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا

شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن

شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی

رده بندی کنگره : BP66/4/م57 1377

رده بندی دیویی : 297/13

شماره کتابشناسی ملی : 582410

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

المؤلّفون

الأستاذ محمّد واعظ زاده الخراسانيّ

ناصر النّجفيّ

قاسم النّوريّ

محمّد حسن مؤمن زاده

حسين خاك شور

السيّد عبد الحميد عظيمي

السيّد جواد سيّدي

السيّد حسين رضويان

علي رضا غفراني

محمّد رضا نوري

السيّد علي صبّاغ دارابي

أبو القاسم حسن پور

و قد فوّض عرض الآيات و ضبطها إلى أبي الحسن الملكيّ و مقابلة النّصوص

إلى خضر فيض اللّه و عبد الكريم الرّحيميّ و تنضيد الحروف إلى المؤلّفين

ص: 5

ص: 6

المحتويات

المقدّمة 9

ج م م 11

ج ن ب 25

ج ن ح 69

ج ن د 101

ج ن ف 115

ج ن ن 125

ج ن ي 195

ج ه د 203

ج ه ر 253

ج ه ز 285

ج ه ل 293

ج ه ن م 347

ج و ب 363

ج و د 395

ج و ر 413

ج و ز 445

ج و س 461

ج و ع 467

ج و ف 483

ج و و 491

ج ي أ 497

ج ي ب 515

ج ي د 525

حرف الحاء 529

ح ب ب 531

ح ب ر 625

ح ب س 645

ح ب ط 657

ح ب ك 703

ح ب ل 713

ح ت م 751

ح ث ث 759

ح ج ب 767

ح ج ج 803

الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و أسماء كتبهم 873

الأعلام المنقول عنهم بالواسطة 880

ص: 7

ص: 8

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

المقدّمة

نحمد اللّه تعالى على نعمائه كلّها،و نصلّي و نسلّم على نبيّنا محمّد المصطفى و على آله الأطهار أعلام الهدى،و صحبه المنتجبين ذوي الكرامة و النّهى.

ثمّ نشكره تعالى على أن وفّقنا لإتمام المجلّد العاشر من الموسوعة القرآنيّة الكبيرة«المعجم في فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته»،و تقديمه إلى روّاد العلوم القرآنيّة،و لا سيّما الّذين وقفوا على المجلّدات السّابقة و يتعطّشون إلى اقتناء المجلّدات اللاّحقة،شاكرين لهم شكرا جميلا.

و قد حوى هذا الجزء على(33)مفردة قرآنيّة:23 من حرف الجيم و 10 من حرف الحاء،ابتداء من(ج م م)،و انتهاء ب(ح ج ج)،و أوسع الموادّ فيه بحثا و تنقيبا هي(ح ب ب)و قد أدخل في هذا المجلّد و ما يليه تعديلان:

الأوّل:كان دأبنا في نقل النّصوص اللّغويّة حذف الأشعار الّتي استشهد بها رعاية للاختصار و اكتفاء بالإشارة إليها في موضع الشّعر بقولنا:[ثمّ استشهد بشعر]ليرجع من يهتمّ بالشّعر في معرفة اللّغة إلى المصدر،ثمّ لاحظنا تكرار هذه الجملة في نصّ واحد مرّات عديدة فبدّلناها بقولنا في آخر النّصّ:[و استشهد بالشّعر 10 مرّات]مثلا،علما بأنّ الطّالب للشّعر سوف يراجع المصدر،و يقف على النّصّ بكامله.

ص: 9

الثّاني:ممّن اهتمّ بأمر هذا المعجم و بملاحظة مزاياه و متابعة خفاياه هو قائد الثّورة الإسلاميّة الإمام الخامنئيّ-حفظه اللّه تعالى-بماله من يد طولى و خبرة قصوى بالقرآن و تفسيره و أسرار بلاغته،فأطراه إطراء بما يأتي نصّه،و قد نبّه خلال ما تفضّل به على أنّ اسم«المعجم في...»لا يعكس عظم الكتاب و ضخامته تنويها بأنّ الكتاب أعظم من هذا الاسم.

و بعد ذلك اتّفقنا مع الإخوة أعضاء قسم القرآن على إضافة عنوان قبل هذا الاسم، و هو«الموسوعة القرآنيّة الكبرى»مع الإبقاء على اسم«المعجم»،علما بأنّ هذا العنوان يرمز في الحقيقة إلى أنّ الكتاب ليس معجما لغويّا للقرآن فحسب،بل هو في نفس الوقت تفسير موضوعيّ جمع بين شتاته أقوال اللّغويّين و المفسّرين في تفسير المفردات و الآيات.إضافة إلى ما أفادوه أو ما وصلنا إليه بما بذلناه من سعي بالغ، و جهد حثيث في فقه اللّغة و سرّ البلاغة،و ما لا يحصى من اللّطائف و الأسرار القرآنيّة، عند ملاحظة الآيات في مادّة واحدة،أو في موضوع واحد و مقارنة بعضها ببعض، و ما فيها من اختلاف في الصّيغة و تفاوت في التّعبير بتعريف و تنكير،و تقديم و تأخير، و إجمال و تفصيل،و تعميم و تخصيص،و إبهام و تبيين،و غيرها من الأحوال.

و في الختام نبتهل إلى اللّه تعالى بأن يتمّ علينا نعمته و يديم علينا رحمته،و يأخذ بأيدينا،و يسدّد خطانا و يحقّق أمانينا في هذا العمل إلى أن يتمّ ما تعلّق به الأمل إنّه خبير بصير،و بالإجابة جدير.

محمّد واعظ زاده الخراسانيّ مدير قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلاميّة

ص: 10

ص: 11

ص: 12

إدامة حرف الجيم

ج م م

اشارة

جمّا

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :جمّ الشّيء و استجمّ،أي كثر.

و الجموم:مصدر الجامّ من الدّوابّ و كلّ شيء، و جمّ يجمّ.

و الجمام:الكيل إلى رأس المكيال،و تقول:جممت المكيال جمّا.

و الجمّة:بئر واسعة كثيرة الماء.

قال زائدة:جمّمته تجميما لا غير.

و قال أبو سعيد:الجمّة:البئر الّتي قد جمّ ماؤها بعد تنكيز،أي قلّة.

و جمّمت المكيال،أي لم أوف،تجميما.

و الجمّة:الشّعر،و الجميع:الجمم.

و الجميم:النّبات إذا تخطّى الأرض.

و الجمم:مصدر الشّاة الجمّاء،و هي الّتي لا قرن لها.

و الجمّاء الغفير:الجماعة من النّاس.

قال أبو سعيد:الجمّاء:استواء النّاس حتّى لا ترى لبعضهم على بعض فضلا،ليس فيهم متقدّم لصاحبه، كأنّهم حزمة؛و الغفير:الّذي غفر:غطّى بعضهم بعضا، فلست ترى من تعرفه من التفاف بعضهم ببعض، و تقول:جاء القوم جمّاء الغفير و جمّا غفيرا.

و الجمجمة:ألاّ تبين كلامك من غير عيّ.[ثمّ استشهد بشعر]

قال زائدة:الجمام بكسر الجيم،أي الموضع الّذي عليه اللّحام،و هي الحديدة الّتي يلحم بها المكيال.

و الجمجمة:القحف،و ما تعلّق به من العظام.

و الجمام:كثرة الماء.و الجمام:الرّاحة.

و الجمّة:الجماعة من النّاس،لا واحد لها.

و الأجمّ:الّذي لا رمح له.و الأجمّ:الذّكر من الشّاة الجمّاء.و الأجمّ:البناء الّذي لا شرف له.

و أجمّت الحاجة،أي دنت و حاجت.(6:27)

ص: 13

نحوه الصّاحب.(6:419)

سيبويه: رجل جمّانيّ:عظيم الجمّة،و هو من نادر النّسب.فإن سمّيت بجمّة ثمّ أضفت إليها،لم تقل إلاّ:

جمّيّ.(ابن سيده 7:231)

الجمّاء الغفير:من الأسماء الّتي وضعت موضع الحال،و دخلتها الألف و اللاّم،كما دخلت في«العراك» من قولهم:أرسلها العراك.(ابن سيده 7:232)

الكسائيّ: إناء جمّان:إذا بلغ الكيل جمامه،و قد أجممت الإناء بالألف.(الأزهريّ 10:518)

الجمّاء الغفير:البيضة،يعني بيضة الحديد الّتي تجمع الشّعر.

مثله ابن الأعرابيّ.(الهرويّ 1:400)

ابن شميّل: جمّمت الأرض تجميما،إذا وفى جميمها.

(الأزهريّ 10:519)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الجميم:السّخبر،و الغرز إذا جلح،تأكله الماشية،فإذا جمّم و نبت فهو الجميم.

(1:133)

أبو زيد :و أجمّ بالجيم معجمة:حان.(29)

في الإناء جمامه و جممه.(الأزهريّ 10:518)

و يقال للرّجل الّذي لا رمح له:أجمّ.

(الأزهريّ 10:519)

الفرّاء: عندي جمام القدح ماء بالكسر،أي ملؤه، و جمام المكّوك دقيقا بالضّمّ،و جمام الفرس بالفتح لا غير.

و لا تقل:جمام بالضّمّ إلاّ في الدّقيق و أشباهه،و هو ما على رأسه بعد الامتلاء،يقال:أعطني جمام المكّوك، إذا حطّ ما يحمله رأسه فأعطاه.(الجوهريّ 5:1891)

الأصمعيّ: جمّت البئر،فهي تجمّ جموما،إذا كثر ماؤها و اجتمع..(الأزهريّ 10:517)

[أجمّ الأمر]:ما كان معناه قد حان وقوعه:فقد أجمّ،بالجيم،و لم يعرف أحمّ.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن سيده 7:232)

ابن الأعرابيّ: هم الجمّة و البركة.[ثمّ استشهد بشعر]

و جمّ،إذا ملئ.

و جمّ،إذا علا.

و الجمّ:الشّياطين.و الجمّ:الغوغاء و السّفل.

جمام الإناء و جمامه و طفافه.(الأزهريّ 10:518)

فلان واسع المجمّ،إذا كان واسع الصّدر رحب الذّراع.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 10:519)

الجمّاء الغفير:الجماعة الجمّاء:بيضة الرّأس، سمّيت بذلك،لأنّها جمّاء،أي ملساء،و وصفت بالغفير، لأنّها تغفر،أى تغطّي الرّأس.(ابن سيده 7:232)

أبو عبيد: فرس جموم،و هو الّذي كلّما ذهب منه إحضار جاءه إحضار.[أي وثب في عدوه]

(الأزهريّ 10:518)

ابن السّكّيت: و الجمّة:الجماعة يسألون في الحمالة، أي الدّية.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:جاءوا جمّاء غفيرا،أي بجماعتهم.(40)

و الجمّ:الكثير،يقال:عدد جمّ،و مال جمّ.و يقال:

اسقني من جمّ بئرك و من جمّة بئرك.

و الجمم:مصدر.

كبش أجمّ،إذا لم يكن له قرنان.(إصلاح المنطق:61)

ص: 14

و يقال:قد أجمّ الأمر،إذا دنا و حضر.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:قد جمّ الماء يجمّ جموما،إذا كثر في البئر و اجتمع،بعد ما استقي ما فيها.

و قد جمّ الفرس يجمّ جماما،إذا ترك من الرّكوب أيّاما.(إصلاح المنطق:264)

يقال:جمام في الدّقيق و أشباهه،يقال:أعطاني جمام القدح دقيقا.(الفيّوميّ:110)

شمر: قال أنس:«توفّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و الوحي أجمّ ما كان،لم يفتر عنه».أجمّ ما كان:أكثر ما كان.

جمّ الشّيء يجمّ جموما،يقال ذلك في الماء و السّير.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 10:520)

و في الحديث:«كان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم جمّة جعدة».

الجمّة:اكثر من الوفرة،و هي الجمّة إذا سقطت على المنكبين،و الوفرة إلى شحمة الأذنين،و اللّمّة:الّتي ألمّت بالمنكبين.(الهرويّ 1:401)

الدّينوريّ: الجميم:هو أن ينهض[النّبت] و ينتشر.(ابن سيده 7:230)

و الجمّى،مقصور:الباقلاّء.(ابن سيده 7:223)

ثعلب :و الجمّة بالضّمّ من الشّعر،و هو الكثير المجتمع منه على الرّأس.و الجمّة أيضا:القوم يسألون في الدّية.

و جمّة الماء بالفتح:اجتماعه في العين أو البئر، و كثرته فيهما.(64)

عنده جمام القدح ماء،و جمام المكّوك بالرّفع،دقيقا.

(الأزهريّ 10:518)

الزّجّاج:جمّت الحاجة،إذا حضرت،و جمّ الفرس و أجمّ،و المعنى واحد.(فعلت و أفعلت:8)

ابن دريد :جمام الماء،واحدها:جمّة،و هي مجتمع الماء و معظمه.(1:24)

جمّ الفرس يجمّ جماما و يجمّ،إذا عفي من التّعب،و لم يركب،و كذلك جمامه،إذا ترك الضّراب.و يقال:

أعطني جمام فرسك.

و جمّت البئر تجمّ جمّا و جموما،إذا تراجع ماؤها، و ضمّ الجيم في البئر أكثر من كسرها.

و جمة الرّكيّ:معظم مائها إذا ثاب،و الجمع:جمام.

و كذلك جمّة المركب البحريّ،عربيّة صحيحة محضة،و هو الموضع الّذي يجتمع فيه الماء الرّاشح من خروزه.

و الجمّة:الشّعر الكثير،و هي أكثر من اللّمّة، و الجمع:جمم و جمام.

و الجمّة:القوم يسألون في الدّيات.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمّ:الكثير من كلّ شيء.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمّ:زعموا صدف من صدف البحر،لا أعرف حقيقته.

و أجمّت الحاجة:حانت.[ثمّ استشهد بشعر](1:54)

و الجميم:ما تجمّم من البقل إذا أراد أن يثمر،و قد استقصي هذا في الثّنائيّ.

و أعطيته جمام المكّوك و جمامه،إذا قارب أن يمتلئ.

و رجل رحب المجمّ،أي رحب الصّدر.و جمّاء الشّيء:شخصه.و جاء القوم الجمّاء الغفير،إذا جاءوا

ص: 15

عن آخرهم.(2:115)

الأزهريّ: يقال:جئتها و قد اجتمعت جمّتها و جمّها،أي ما جمّ و ارتفع.

و جمّ الفرس يجمّ جماما،إذا ذهب إعياؤه.

و شاة جمّاء،إذا لم تكن ذات قرن.

و يقال:أعطه جمام المكّوك،أي مكّوكا بغير رأس، و اشتقّ ذلك من الشّاة الجمّاء.

و يقال:جاءوا جمّا غفيرا،و جمّاء،أي بجماعتهم.

و قيل:جاءوا بجمّاء الغفير أيضا.

و يقال:في الأرض جميم حسن،لنبت قد غطّى الأرض و لم يتمّ بعد.

و يقال:أجمّت الحاجة،إذا دنت و حانت تجمّ إجماما.

و يقال:أجمم نفسك يوما أو يومين،أي أرحها.

و يقال:جاء فلان في جمّة عظيمة،أي في جماعة يسألون في حمالة.

و مال جمّ،أي كثير.

و في حديث ابن عبّاس:«أمرنا أن نبني المدائن شرفا،و المساجد جمّا»فالشّرف:الّتي لها شرفات، و الجمّ:الّتي لا شرف لها.

و جمّم النّصيّ و الصّلّيان،إذا صار لهما جمّة.

و الأجمّ:الكعثب.[ثمّ استشهد بشعر،و ذكر الجماجم]

جمّ الشّيء يجمّ جموما،يقال ذلك في الماء و السّير.

[ثمّ استشهد بشعر]

و مجمّ البئر:حيث يبلغ الماء و ينتهي إليه.

و رجل رحب المجمّ:واسع الصّدر.(10:517)

الخطّابيّ: [في الحديث]«جمّا غفيرا»:كلمة معناها الوفور و الكثرة،و فيها ثلاث لغات؛يقال:جاء القوم جمّا غفيرا،و جمّاء الغفير،و الجمّاء الغفير.

و قال البصريّون:و من يقول بالاشتقاق:الجمّاء، مشتقّة من قولهم:بئر جمّة،أي كثيرة الماء.و الغفير:

مأخوذ من«الغفر»و هو السّتر...(2:159)

الجوهريّ: جمّ المال و غيره،إذا كثر،و الجمّ:

الكثير،قال تعالى: وَ تُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا الفجر:

20.

و جمّ:ملك من الملوك الأوّلين.

و الجمّ:ما اجتمع من ماء البئر.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمّة:المكان الّذي يجتمع فيه ماؤه،و الجمع:

الجمام.

و الجموم:البئر الكثيرة الماء.و الجموم بالضّمّ:

المصدر،يقال:جمّ الماء يجمّ جموما،إذا كثر في البئر و اجتمع بعد ما استقي ما فيها.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجموم بالفتح من الأفراس:الّذي كلّما ذهب منه جري جاءه جري آخر.

و يقال:جاء في جمّة عظيمة و جمّة عظيمة،أي في جماعة يسألون الدّية.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمّة بالضّمّ:مجتمع شعر الرّأس،و هي أكثر من الوفرة.

و يقال للرّجل الطّويل الجمّة:جمّانيّ بالنّون،على غير قياس.و لو سمّيت بها رجلا ثمّ نسبت إليه،قلت:

جمّيّ.

و جمام المكّوك،و جمامه،و جمامه،و جممه

ص: 16

بالتّحريك،و هو ما على رأسه فوق طفافه.

و جممت المكيال و أجممته،فهو جمّان،إذا بلغ الكيل جمامه.

و الجمام بالفتح:الرّاحة،يقال:جمّ الفرس جمّا و جماما،إذا ذهب إعياؤه،و كذلك إذا ترك الضّراب، يجمّ و يجمّ.

و أجمّ الفرس،إذا ترك أن يركب،على ما لم يسمّ فاعله،و جمّ.و يقال:أجمم نفسك يوما أو يومين.

و أجمّ الأمر،إذا دنا و حضر،و يقال:أجمّ الفراق، إذا حان.[ثمّ استشهد بشعر]

و جمّ قدوم فلان جموما،أي دنا و حان.

و بنيان أجمّ:لا شرف له.

و امرأة جمّاء المرافق.

و رجل أجمّ:لا رمح معه في الحرب.[ثمّ استشهد بشعر]

و شاة جمّاء:لا قرن لها،بيّنة الجمم.

و استجمّ الفرس و البئر،أي جمّ؛و يقال:إنّي لأستجمّ قلبي بشيء من اللّهو،لأقوى به على الحقّ.

[ثمّ ذكر جمجم و معانيها]

و الجميم:النّبت الّذي طال بعض الطّول،و لم يتمّ.

[ثمّ استشهد بشعر](5:1889)

ابن فارس: الجيم و الميم في المضاعف له أصلان:

الأوّل:كثرة الشّيء و اجتماعه،و الثّاني:عدم السّلاح.

فالأوّل:الجمّ،و هو الكثير،قال اللّه جلّ ثناؤه:

وَ تُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا الفجر:20.

و الجمام:الملء،يقال:إناء جمّان،إذا بلغ جمامه.

[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:الفرس في جمامه،و الجمام:الرّاحة،لأنّه يكون مجتمعا غير مضطرب الأعضاء،فهو قياس الباب.

و الجميم:مجتمع من البهمى.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمّة من الإنسان:مجتمع شعر ناصيته.و الجمّة من البئر:المكان الّذي يجتمع فيه ماؤها.و الجموم:البئر الكثيرة الماء،و قد جمّت جموما.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجموم من الأفراس:الّذي كلّما ذهب منه إحضار جاءه إحضار آخر،فهذا يدلّ على الكثرة و الاجتماع.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمّاء الغفير:الجماعة من النّاس،قال بعضهم:

هي البيضة بيضة الحديد،لأنّها تجمع شعر الرّأس.

و من هذا الباب أجمّ الشّيء:دنا.

و الأصل الثّاني:الأجمّ،و هو الّذي لا رمح معه في الحرب.و الشّاة الجمّاء:الّتي لا قرن لها.و جاء في الحديث:«أمرنا أن نبني المساجد جمّا»يعني أن لا يكون لجدرانها شرف.(1:419)

الهرويّ: و الجمّاء:من الجمام،و الجمّة،و هو اجتماع الشّيء.

و في الحديث: «لعن اللّه المجمّمات من النّساء».قال الأزهريّ:أراد:المترجّلات يتّخذن شعورهنّ جمّة.

فعل الرّجال،لا يرسلنها إرسال النّساء شعورهنّ.

و يحتمل أن يكون مأخوذا من«الأجمّ»و هو الّذي لا رمح معه،و قد جمّ يجمّ فهو أجمّ.

و في حديث طلحة:«رمى إليّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بسفرجلة،و قال:دونكها فإنّها تجمّ الفؤاد»قال ابن

ص: 17

عائشة:معناه تريحه.

و قال غيره:تجمعه و تكمل صلاحه و نشاطه،يقال:

جمّ الماء يجمّ،إذا زاد.و جمّ الفرس:زاد جريه.

(1:401)

ابن سيده: الجمّ،و الجمم:الكثير من كلّ شيء، و في التّنزيل: وَ تُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا الفجر:20، أي كثيرا.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:الجمّ:الكثير المجتمع.

جمّ يجمّ و يجمّ-و الضّمّ أعلى-جموما،و استجمّ، كلاهما:كثر.

جمّ الظّهيرة:معظمها،[ثمّ استشهد بشعر]

و جمّ الماء:معظمه إذا ثاب.[ثمّ استشهد بشعر]

و كذلك:جمّته.

و جمعها:جمام،و جموم.[ثمّ استشهد بشعر]

و جمّة المركب البحريّ:الموضع الّذي يجتمع فيه الماء الرّاشح من خروزه،عربيّة صحيحة.

و ماء جمّ:كثير،و جمعه:جمام.

و جمّت تجمّ و تجمّ،و الضّمّ أكثر:تراجع ماؤها.

و أجمّ الماء و جمّه:تركه يجتمع.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمّة:الماء نفسه.

و استجمّت جمّة الماء:شربت و استقاها النّاس.

و المجمّ:مستقرّ الماء.

و أجمّه:أعطاه جمّة الرّكيّة.

قال ثعلب:و العرب تقول:منّا من يحير و يجمّ،فلم يفسّر«يجمّ»إلاّ أن يكون من قولك:أجمّه:أعطاه جمّة الماء.

و جمّ الفرس يجمّ و يجمّ جمّا،و جماما و أجمّ:ترك فلم يركب،فعفا من تعبه.و أجمّه هو.

و جمّ الفرس يجمّ و يجمّ جماما:ترك الضّراب، فتجمّع ماؤه.و جمام الفرس،و جمامه:ما اجتمع من مائه.

و فرس جموم،إذا ذهب منه إحضار جاءه إحضار، و كذلك:الأنثى.[ثمّ استشهد بشعر]

و المجمّ:الصّدر،لأنّه مجتمع لما وعاه من علم و غيره.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمام.و الجمام و الجمام،و الجمم:الكيل إلى رأس المكيال.

و قيل:جمامه:طفافه.

و إناء جمّان:بلغ الكيل جمامه.

و جمجمة جمّى.

و قد جمّ الإناء،و أجمّه.

و الجميم:النّبت الكثير.

و قيل:إذا ارتفعت البهمى عن البارض قليلا فهو حميم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمع من كلّ ذلك:أجمّاء.

و الجميمة:النّصيّة إذا بلغت نصف شهر،فملأت الفم.

و استجمّت الأرض:خرج نبتها.

و الجمّة من الشّعر:أكثر من اللّمّة،و الجمع:جمم، و جمام.

و غلام مجمّم:ذو جمّة.

و الجمّة:القوم يسألون في الحمالة و الدّيات.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 18

و كبش أجمّ:لا قرني له.

و قد جمّ جمما،و مثله في البقر:الجلح.

و رجل أجمّ:لا رمح له.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمم:أن تسكّن اللاّم من«مفاعلتن»فيصير «مفاعيلن»ثمّ تسقط،فيبقى«مفاعلن»ثمّ تخرمه،فيبقى «فاعلن».[ثمّ استشهد بشعر]

و الأجمّ:متاع المرأة،أعني قبلها.[ثمّ استشهد بشعر]

و جمّ العظم،فهو أجمّ:كثر لحمه.

و مرأة جمّاء العظام:كثيرة اللّحم عليها.[ثمّ استشهد بشعر]

و جاءوا جمّاء غفيرا؛و الجمّاء الغفير،أي بجماعتهم.

[و نقل قول ابن الأعرابيّ في الجمّاء الغفير...

و أضاف:]و لا أعرف الجمّاء في بيضة السّلاح عن غيره.

و أجمّ الأمر:دنا،لغة في أحمّ.

و الجمّ:ضرب من صدف البحر.(7:228)

الجمّ:أن يقطع الكرم من وجه الأرض ثمّ ينبت، يقطعونه عامين ثمّ يتركونه في الثّالثة،حتّى يكبر شجره فيحمل.

و الإجمام:قطع جميع ما على الأرض منه،و قد أجممت العنب.

و جمّم النّبت و تجمّم و استجمّ:تجمّع و كثر.

(الإفصاح 2:1127)

الرّاغب: و أصل الكلمة:من الجمام،أي الرّاحة للإقامة،و ترك تحمّل التّعب.

و جمام المكّوك دقيقا،إذا امتلأ حتّى عجز عن تحمّل الزّيادة.

و لاعتبار معنى الكثرة قيل:الجمّة،لقوم يجتمعون في تحمّل مكروه،و لما اجتمع من شعر النّاصية.

و جمّة البئر:مكان يجتمع فيه الماء،كأنّه أجمّ أيّاما.

و قيل للفرس:جموم الشّدّ،تشبيها به.

و الجمّاء الغفير و الجمّ الغفير:الجماعة من النّاس.

و شاة جمّاء:لا قرن لها،اعتبارا بجمّة النّاصية.

(96)

الزّمخشريّ: عدد جمّ،و أحبّك حبّا جمّا،و جاءوا جمّا غفيرا،و الجمّاء الغفير.

و جمّ المال و ماء البئر جموما،و جمّت الرّكيّة:

اجتمع ماؤها.

و استق من جمّة البئر و مجمّها،و مستجمّها،و هي مجتمع مائها،و هذه بئر واسعة المجمّ.

و أعطاه جمام المكّوك و جمام القدح،بالثّلاث.و قال يعقوب:لا يكون الضّمّ إلاّ في المكيال وحده.

و وردت الماء زرقا جمامه،جمع:جمّة.

و الفرس في جمامه بالفتح لا غير،و جمّ الفرس و أجمّه صاحبه.

و أجمّ لسانه من الكلام.و إناء جمّان.و حلق جمّته.

و جمّمت الجارية و لمّمت:صارت لها جمّة و لمّة، و جارية مجمّمة و ملمّمة.

و جمّمت المكيال:ملأته.و بئر جموم:كثيرة الماء.

و رعت الماشية الجميم،و هو ما غطّى الأرض،من النّبات.

ص: 19

و ثور أجمّ:لا قرن له،و شاة جمّاء.

و جمجم في صدره شيئا:أخفاه.

و التقوا يضربون الجماجم.

و من المجاز:فرس جموم الشّدّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان واسع المجمّ و ضيّق المجمّ،كما يقال:واسع العطن و ضيّقه،و أصله:مجمّ البئر.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل أجمّ:لا رمح معه.و بيت أجمّ:لا رمح فيه.[ثمّ استشهد بشعر]

و سطح أجمّ:لا سترة له.و حصن أجمّ:لا شرف له،و قرية جمّاء.(أساس البلاغة:64)

المدينيّ: في حديث الحديبيّة:«و إلاّ فقد جمّوا» من الجمام،أي استراحوا و كثروا.

في حديث عائشة: «حين بنى بها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قالت:و قد وفت لي جميمة»و هي تصغير:جمّة من الشّعر،و هي الشّعر المجتمع.

و في حديث سلمان: «إنّ اللّه تعالى ليدينّ الجمّاء من ذات القرن».الجمّاء:الّتي لا قرن لها،يمكن أن يكون مأخوذا من الجمام،أي لا تنطح و تنطح،و يدينّ، أي يجزي.

في الحديث: «من أحبّ أن يستجمّ له بنو آدم قياما، فليتبوّأ مقعده من النّار»أي يجتمعوا له في القيام عنده، و يحبسوا أنفسهم عليه.يقال:جمّ الشّيء،و استجمّ:

كثر.(1:355)

ابن الأثير: في حديث أبي ذرّ:«قلت:يا رسول اللّه كم الرّسل؟قال:ثلاثمائة و خمسة عشر».

و في رواية«ثلاثة عشر،جمّ الغفير»هكذا جاءت الرّواية،قالوا:و الصّواب«جمّاء غفيرا».يقال:جاء القوم جمّا غفيرا،و الجمّاء الغفير،و جمّاء غفيرا،أي مجتمعين كثيرين.

و الّذي أنكر من الرّواية صحيح،فإنّه يقال:جاءوا الجمّ الغفير،ثمّ حذف الألف و اللاّم،و أضاف،من باب صلاة الأولى،و مسجد الجامع.

و أصل الكلمة:من الجموم و الجمّة،و هو الاجتماع و الكثرة،و الغفير:من الغفر،و هو التّغطية و السّتر، فجعلت الكلمتان في موضع الشّمول و الإحاطة.

و لم تقل العرب:الجمّاء إلاّ موصوفا،و هو منصوب على المصدر،كطرّا،و قاطبة،فإنّها أسماء وضعت موضع المصدر.

و منه حديث عمر بن عبد العزيز رضي اللّه عنه:«أمّا أبو بكر بن حزم فلو كتبت إليه:اذبح لأهل المدينة شاة، لراجعني فيها:أ قرناء أم جمّاء؟».و قد تكرّر في الحديث ذكر«الجمّاء»و هي بالفتح و التّشديد و المدّ:موضع على ثلاثة أميال من المدينة.

و حديث خزيمة: «اجتاحت جميم اليبيس»الجميم:

نبت يطول حتّى يصير مثل جمّة الشّعر.

و منه حديث عائشة رضي اللّه عنها في التّلبينة:

«فإنّها تجمّ فؤاد المريض».و حديثها الآخر:«فإنّها مجمّة لها»أي مظنّة للاستراحة.

و حديث أبي قتادة رضي اللّه عنه: «فأتى النّاس الماء جامّين رواء»أي مستريحين قد رووا من الماء.

و حديث ابن عبّاس: «لأصبحنا غدا حين ندخل على القوم و بنا جمامة»أي راحة و شبع و ريّ.

ص: 20

و حديث عائشة رضي اللّه عنها: «بلغها أنّ الأحنف قال شعرا يلومها فيه،فقالت:سبحان اللّه:لقد استفرغ حلم الأحنف هجاؤه إيّاي،أ لي كان يستجمّ مثابة سفهه؟»أرادت أنّه كان حليما عن النّاس،فلمّا صار إليها سفه،فكأنّه كان يجمّ سفهه لها،أي يريحه و يجمعه.

و في حديث أمّ زرع: مال أبي زرع:«على الجمم محبوس»الجمم:جمع جمّة،و هم القوم يسألون في الدّية.يقال:أجمّ يجمّ،إذا أعطى الجمّة.(1:299)

الفيّوميّ: جمّ الشّيء جمّا،من باب«ضرب»:

كثر،فهو جمّ،تسمية بالمصدر.

و مال جمّ،أي كثير.

و جاءوا الجمّاء الغفير،و جمّاء الغفير،أي بجملتهم.

و الجمّة من الإنسان:مجتمع شعر ناصيته،يقال:

هي الّتي تبلغ المنكبين،و الجمع:جمم،مثل غرفة و غرف.

و جممت الشّاة جمما،من باب«تعب»إذا لم يكن لها قرن،فالذّكر أجمّ،و الأنثى جمّاء،و الجمع:جمّ، مثل:أحمر و حمراء و حمر.

و جمام القدح:ملؤه بغير رأس،مثلّث الجيم.

و جمام الفرس،بالفتح لا غير:راحته.(110)

الفيروزآباديّ: الجمّ:الكثير من كلّ شيء كالجميم،و من الظّهيرة و الماء:معظمه كجمّته،الجمع:

جمام و جموم،و الكيل إلى رأس المكيال كالجمام مثلّثة.

و بالكسر.الشّيطان أو الشّياطين،و بالضّمّ:صدف.

و جمّ ماؤه يجمّ و يجمّ جموما:كثر و اجتمع كاستجمّ، و البئر:تراجع ماؤها.

و الفرس جماما:ترك الضّراب فتجمّع ماؤه،و جمّا و جماما:ترك فلم يركب،فعفا من تعبه كأجمّ و أجمّه هو، و العظم:كثر لحمه فهو أجمّ،و الماء:تركه يجتمع كأجمّه، و الأمر:دنا كأجمّ.

و جمّة السّفينة:الموضع الّذي يجتمع فيه الرّشح من حزوزه،و بالضّمّ:مجتمع شعر الرّأس.

و كمعظّم:ذو الجمّة،و الجمّانيّ:طويلها.

و كسحاب:الرّاحة،و كغراب و كتاب:ما اجتمع من ماء الفرس،و بالتّثليث،و كجبل:ما على رأس المكّوك فوق طفافه،و قد جمّمته و جممته و أجممته،فهو جمّان و جمّام.

و جمجمة جمّاء:ملأى،و كصبور،البئر الكثيرة الماء كالجمّة،و فرس كلّما ذهب منه جري جاءه جري آخر.

و جاء في جمّة عظيمة و يضمّ،أي جماعة يسألون الدّية.

و الجميم:النّبت الكثير،أو النّاهض المنتشر،و قد جمّم و تجمّم:الجمع:أجمّاء.

و الجميمة:النّصيّة بلغت نصف شهر فملأت الفم.

و استجمّت الأرض:خرج نبتها.

و المجمّ:الصّدر،و هو واسع المجمّ،أي رحب الذّراع واسع الصّدر.

و الأجمّ:الرّجل بلا رمح،و الكبش بلا قرن،و قبل المرأة،و القدح.

و امرأة جمّاء العظام:كثيرة اللّحم.

و جاءوا جمّا غفيرا و الجمّاء الغفير:بأجمعهم،

ص: 21

و ذكر في«غ ف ر».

و الجمّاء:الملساء،و بيضة الرّأس.

و الجمّى كربّى:الباقلاء.(4:92)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة،هو الكثرة بقيد الملاءة،و الامتلاء يكون محسوسا،و قد يكون معنويّا أو اعتباريّا،يقال:مال جمّ، إذا كثر و ملأ ظرفيّة مالكه،و الجمّة:إذا ملأ الشّعر رأسه و ناصيته،و جمام القدح:ملاءته،و الجمام،هو الرّاحة بعد أن امتلأ من الاضطراب و العمل،و الجمّة،إذا امتلأ البئر ماء إلى حدّه،و جمّ الفرس،هو راحته بعد الحركة الكثيرة.

و أمّا عدم السّلاح:فهو يكشف عن الامتلاء قوّة و قدرة و طمأنينة؛بحيث لا يحتاج إلى حمل الأسلحة،فهو يدفع عن نفسه بقدرته.

و الجمجمة:رباعيّ و لعلّه من الجمّ،و التّناسب محفوظ.(2:119)

النّصوص التّفسيريّة

جمّا

وَ تُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا. الفجر:20

ابن عبّاس: كثيرا.(511)

نحوه مجاهد.(الطّبريّ 30:185)

شديدا.

نحوه ابن زيد.(الطّبريّ 30:184)

فيحبّون كثرة المال.(الطّبريّ 30:185)

الحسن: فاحشا،تجمعون حلاله إلى حرامه.

(الماورديّ 6:271)

أبو عبيدة :كثيرا شديدا.(2:298)

الطّبريّ: و تحبّون جمع المال أيّها النّاس و اقتناءه حبّا كثيرا شديدا،من قولهم:قد جمّ الماء في الحوض،إذا اجتمع.(30:184)

ابن خالويه :و الجمّ:الكثير الشّديد.(82)

السّجستانيّ: مجتمعا كثيرا،و منه جمّة الماء:

اجتماعه.(218)

الماورديّ: أنّه يحبّ المال حبّ إجمام له و استبقاء،فلا ينتفع به في دين و لا دنيا،و هو أسوأ أحوال ذي المال.(6:271)

الميبديّ: أي كثيرا مفرطا فيه.يقال:جمّ الماء في الحوض،إذا اجتمع فيه و كثر.(10:488)

الزّمخشريّ: كثيرا شديدا مع الحرص و الشّره و منع الحقوق.(4:253)

مثله النّسفيّ(4:356)،و الشّربينيّ(4:535)، و نحوه البيضاويّ(2:558)،و أبو السّعود(6:427).

الطّبرسيّ: تحبّون جمع المال و تولعون به، فلا تنفقونه في خير.

و قيل:يحبّون كثرة المال من فرط حرصهم، فيجمعونه من غير وجهه،و يصرفونه في غير وجهه، و لا يتفكّرون في العاقبة.(5:488)

الفخر الرّازيّ: يحبّون المال حبّا كثيرا شديدا، فبيّن أنّ حرصهم على الدّنيا فقط،و أنّهم عادلون عن أمر الآخرة.(31:173)

ص: 22

القرطبيّ: أي كثيرا،حلاله و حرامه.(20:54)

البروسويّ: [نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]

و فيه إشارة إلى أنّ حبّ المال طبيعيّ،فلا يتخلّص منه المرء بالكلّيّة،إلاّ أن يكون من الأقوياء،فكأنّه أشار إلى أنّ حبّه إذا لم يشتدّ لا يكون مذموما.

و قال بعض الكبار:و تحبّون مال الأعمال السّيّئة النّفسانيّة،و الأحوال القبيحة الهوائيّة حبّا كثيرا.

(10:429)

المراغيّ: أي و تميلون إلى جمع المال ميلا شديدا، ميراثا كان أو غيره.(30:150)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجمّة،أي مجتمع شعر الرّأس،و هي أكثر من الوفرة و اللّمّة،و الجمع:جمم و جمام،يقال:غلام مجمّم،أي ذو جمّة،و رجل جمّانيّ:

عظيم الجمّة طويلها،ثمّ استعمل في الكثرة،حملا على كثرة شعر الجمّة،يقال:جمّ العظم،أي كثر لحمه فهو أجمّ.

و الجمّاء:بيضة الرّأس،سمّيت بذلك لمقاربتها الجمّة،أو لأنّها تجمع شعر الرّأس،كما قال ابن فارس.

و الجمّة:القوم يسألون في الحمالة و الدّيات،يقال:

جاء فلان في جمّة عظيمة و جمّة عظيمة،أي في جماعة يسألون الدّية؛و أجمّ يجمّ:أعطى الجمّة.

و الجمّ الغفير،و الجمّاء الغفير:جماعة النّاس؛ يقال:جاءوا جمّا غفيرا،و جمّاء الغفير،و بجمّاء الغفير،و الجمّاء الغفير،أي مجتمعين كثيرين.

و جمّ الماء:معظمه إذا ثاب،و الجمع جمام و جموم، و هو الجمّة أيضا،تشبيها بها،و هو ما اجتمع من ماء البئر؛يقال:جمّ يجمّ و يجمّ جموما،و جئتها و قد اجتمعت جمّتها و جمّها،أي ما جمّ منها و ارتفع.و بئر جمّة و جموم:كثيرة الماء؛يقال:جمّت البئر فهي تجمّ و تجمّ جموما،أي كثر ماؤها و اجتمع.و أجمّ الماء و جمّه:تركه يجتمع،و أجمّه:أعطاه جمّة الرّكيّة.

و الجمّة:المكان الّذي يجتمع فيه ماؤه،و الجمع:

جمام.و جمّة المركب البحريّ:الموضع الّذي يجتمع فيه الماء الرّاشح من حزوزه،أي شقّه.

و المجمّ:مستقرّ الماء،و مجمّ البئر:حيث يبلغ الماء و ينتهي إليه.

و الجميم:النّبت الكثير،تشبيها بالجمّة،و قد جمّم و تجمّم،يقال:في الأرض جميم حسن النّبت قد غطّى الأرض و لم يتمّ بعد،و جمّم النّصيّ و الصّلّيان:صار لهما جمّة،و الجميمة:النّصيّة إذا بلغت نصف شهر فملأت الفم،و جمّمت الأرض تجميما:و في جميمها،و استجمّت الأرض:خرج نبتها.

و الجمام و الجمام و الجمام و الجمم:الكيل إلى رأس المكيال،يقال:جممت المكيال جمّا و أجممته فهو جمّان.

و إناء جمّام:بلغ الكيل جمامه،يقال:أجممت الإناء، و في الإناء جمامه و جمّه.و جمام المكّوك دقيقا:ما علا رأسه بعد الامتلاء،يقال:أعطني جمام المكّوك،أي حطّ ما يحمل رأسه فأعطاه،و عندي جمام القدح ماء:ملؤه.

و جمام الفرس و جمامه و جمامه:ما اجتمع من مائه، يقال:جمّ الفرس يجمّ و يجمّ جماما،أي ترك الضّراب

ص: 23

فتجمّع ماؤه،و استجمّ الفرس جمما،أي تجمّع ماؤه.

و الجمام:الرّاحة؛يقال:جمّ الفرس يجمّ و يجمّ جمّا و جماما،و أجمّه هو،كأنّ الرّاحة تجمع القوى من جديد، أو يكون الفرس مجتمعا غير مضطرب الأعضاء،كما قال ابن فارس.و جمّ و أجمّ الفرس:ترك أن يركب،و أجمّ نفسك و أجممها يوما أو يومين،أي أرحها،و إنّي لأستجمّ قلبي بشيء من اللّهو لأقوى به على الحقّ.و فرس جموم:

إذا ذهب منه إحضار جاءه إحضار،فهو يجمع قواه و يكثر جريه،و كذلك حجر جموم.

و المجمّ:الصّدر،لأنّه مجتمع لما وعاه من علم و غيره،يقال:فلان واسع المجمّ،أي واسع الصّدر، رحب الذّراع،و إنّه لضيّق المجمّ:ضيّق الصّدر بالأمور.

و الجمم:الصّدر أيضا،يقال:رجل رحب الجمم.

أي واسع الصّدر.

2-و يبدو أنّ في هذه المادّة ألفاظا تضادّ معنى الجمّة،أي مجتمع شعر الرّأس و ما يدلّ على الكثرة و الجمع،و جعل منها ابن فارس أصلا آخر إضافة إلى الكثرة و الاجتماع،سمّاه«عدم السّلاح»،و لم يتعرّض لها من تكلّم في الأضداد مطلقا.

و منه:كبش أجمّ:لا قرني له،و قد جمّ جمما،و شاة جمّاء:لا قرني لها،يقال:شاة جمّاء بيّنة الجمم،و قد شبّه به سائر ما اشتقّ منه،مثل:الأجمّ،أي القصر الّذي لا شرف له؛يقال:بنيان أجمّ،و رجل أجمّ:لا رمح معه في الحرب،و الأجمّ:قبل المرأة،و لا يقال ذلك لقبل الرّجل،لوضوح علّته.و قولهم:أجمّ العنب،أي قطع كلّ ما فوق الأرض من أغصانه.و الجمم في الشّعر:أي يسكّن اللاّم من(مفاعلتن)فيصير(مفاعيلن)،ثمّ تسقط الياء فيبقي(مفاعلن)،ثمّ تخرمه فيبقى(فاعلن).

و ربّما الجمّاء:بيضة الرّأس،من هذا الباب أيضا، لأنّها ملساء،كما قال ابن الأعرابيّ،و لعلّ شبّه بها الجمّ، و هو ضرب من صدف البحر.

3-كما أنّ فيها حروفا من مادّة«ح م م»،و هي لا تطّرد و لا تتناسق مع أصل هذه المادّة،و من ذلك قولهم:جمّ قدوم فلان جموما،أي دنا و حان،و أجمّ الأمر و الفراق:دنا و حضر،و أجمّت الحاجة:دنت و حانت،و كذا جمّ الظّهيرة:معظمها،لاحظ«ح م م».

و الجمّى:الباقلّى،و هو معرّب من اللّفظ السّريانيّ «جوما».

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد:(جمّا)في سورة مكّيّة:

وَ تُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا الفجر:20

يلاحظ أوّلا:أنّهم فسّروا(جمّا):كثيرا،شديدا، فاحشا،تجمعون حلاله و حرامه،مجتمعا كثيرا،كثيرا مفرطا فيه،كثيرا شديدا مع الحرص و الشّدّة و منع الحقوق،تحبّون جمع المال و تولعون به فلا تنفقونه في خير، تميلون إلى المال ميلا شديدا-ميراثا كان أو غيره-يحبّون كثرة المال من فرط حرصهم و نحوها.

فجعل أكثرهم(جمّا)وصفا ل«حبّا»أي يحبّون المال حبّا كثيرا،إلاّ أنّه يستشمّ من بعضهم جعله وصفا للمال، كمن قال:«تحبّون جمع المال»أو كثرته،فإن أراد أنّ (جمّا)وصف للمال فقد أخطأ،و إن أراد أنّ حبّه للمال

ص: 24

و جمعه كثير و شديد-كما هو ظاهره-فقد أصاب.و كأنّ الماورديّ جمع بين الأمرين؛حيث قال:«يحبّ المال حبّ إجمام له و استبقاء،فلا ينتفع به في دين و لا دنيا،و هو أسوأ أحوال ذي المال».

ثانيا:سياق الآية و ما قبلها أوّلا ذمّ جمع المال و أكله من أيّ طريق حصل،و عدم إنفاقه في سبيل الخير،ثمّ ذمّ حبّه حبّا كثيرا،لأنّه يمنع من بذله و يدفع إلى جمعه كَلاّ بَلْ لا تُكْرِمُونَ الْيَتِيمَ* وَ لا تَحَاضُّونَ عَلى طَعامِ الْمِسْكِينِ* وَ تَأْكُلُونَ التُّراثَ أَكْلاً لَمًّا* وَ تُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا الفجر 17-20.

قال الآلوسيّ: «فيه إشارة إلى أنّ حبّ المال طبيعيّ، فلا يتخلّص منه المرء بالكلّيّة...فكأنّه أشار إلى أنّ حبّه إذا لم يشتدّ لا يكون مذموما»و يؤيّده: وَ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ العاديات:8،و إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ ص:32،فقد فسّر(الخير)فيهما بالمال.

ثالثا:أوّلها بعضهم-و للتّأويل باب واسع- بالأعمال السّيّئة النّفسانيّة و الأحوال القبيحة الحيوانيّة،لكنّه تأويل للمال لا للحبّ الجمّ،لاحظ:

«م و ل»،«ح ب ب»،«ح ر ص»،«ش ره».

ص: 25

ص: 26

ج ن ب

اشارة

19 لفظا،33 مرّة:19 مكّيّة،14 مدنيّة

في 21 سورة:15 مكّيّة،6 مدنيّة.

جانب 7:/7جنبا 2:-2

بجانبه 2:/2اجنبني 1:1

جنب 1:/1يجنّبها 1:1

الجنب 1:-/1اجتنبوا 1:1

لجنبه 1:/1يجتنبون 2:1-1

جنوبها 1:-/1تجتنبوا 1:-1

جنوبهم 3:-/3اجتنبوا 4:1-3

جنوبكم 1:-/1فاجتنبوه 1:1

جنب 1:/1يتجنّبها 1:1

الجنب 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجنوب:جمع الجنب.

و الجانب و الجوانب معروفة.

و رجل ليّن الجانب و الجنب،أي سهل القرب.

و يجيء«الجنب»في موضع الجانب.[ثمّ استشهد بشعر]

و قوله عزّ و جلّ مخبرا عن دعاء إبراهيم إيّاه:

وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ إبراهيم:35،أي نجّني (1).

و الجنابان:النّاحيتان.

و الجنبتان:ناحيتا كلّ شيء كجنبتي العسكر و النّهر و نحوهما،و الجميع:الجنبات.

و الجنيبة:كلّ دابّة تقاد.

و جنّبته عن كذا فاجتنب،أي تجنّبه.

و جنّبته،أي دفعت عنه مكروها.

و الجنبة:مصدر الاجتناب.

و الجنبة:النّاحية من كلّ شيء،كأنّه شبه الخلوة من النّاس.

و رجل ذو جنبة،أي ذو اعتزال عن النّاس،مجتنب

ص: 27


1- الظّاهر:نحّني...كذا فسّره القاليّ و الجوهريّ،و سيأتي.

لهم.

و المجانب:الّذي قاطعك،و قد اجتنب قربك.

و الجانب:المجتنب الضّعيف المحقور.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجنابى:لعبة لهم،يتجانب الغلامان،فيعتصم كلّ واحد من الآخر.

و رجل أجنبيّ،و قد أجنب،و الذّكر و الأنثى فيه سواء،و قد يجمع في لغة على:الأجناب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجار الجنب:الّذي جاورك من قوم آخرين ذو جنابة،لا قرابة له في الدّار،و لا في النّسب،قال عزّ و جلّ:

وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى وَ الْجارِ الْجُنُبِ النّساء:36.

و الجنوب:ريح تجيء عن يمين القبلة،و الجميع:

الجنائب،و قد جنبت الرّيح تجنب جنوبا.

و الجنب في الدّابّة:شبه ظلع،و ليس بظلع.

و الجنيب:الأسير مشدود إلى جنب الدّابّة.

و جناب الدّار:ساحتها،و جناب القوم:ما قرب من محلّتهم.

و أخصب جناب القوم.

و الجنبة،مجزوم:اسم يقع على عامّة الشّجر يترك في الصّيف.

و يقال:«لا جنب في الإسلام»،و هو أن يجنب خلف الفرس الّذي يسابق عليه فرس آخر عري،فإذا بلغ قريبا من الغاية يركب ذلك ليغلب الآخرين.

و الجنيب:الغريب،و الجانب أيضا.و الجنيب:

المجنوب.و الجنيب:الّذي يشتكي جنبه.و الجنيب:الّذي يجتنبك،فلا يختلط بك.

و أجنبنا منذ ثلاث،أي دخلنا في الجنوب.

و جنبنا منذ أيّام:أصابتنا ريح الجنوب.

و يقال:أجنب فلان،إذا أخذته ذات الجنب،كأنّها قرحة الجنب.

و جنب فلان في حيّ فلان،إذا نزل فيه غريبا،يجنب و يجنب.

و جنّب بنو فلان فهم مجنّبون،إذا لم يكن في إبلهم لبن.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:إنّ عند بني فلان لشرّا مجنبا و خيرا مجنبا، أي كثيرا.

و المجنب:التّرس.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:هذا رجل جنابيّ:منسوب لأهل جناب بأرض نجد.

و يقال:لجّ فلان في جناب قبيح،أي في مجانفة و جنف.

و أجنب الرّجل،إذا أصابته الجنابة.

و يقال:اتّق اللّه في جنب أخيك،و لا تقدح في شأنه.

و ضربه فجنبه،إذا أصاب جنبه.

و يقال:مرّوا يسيرون جنابيه،و جنابتيه،أي ناحيتيه.

و قعد فلان إلى جنب فلان،و إلى جانب فلان.

و الجأنب،بالهمز:الرّجل القصير الجافي الخلقة، و رجل جأنب،إذا كان كزّا قبيحا.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل أجنب،و هو البعيد منك في القرابة.[ثمّ استشهد بشعر](6:147)

ص: 28

ابن شميّل: ذات الجنب،هي الدّبيلة،و هي قرحة قبيحة تثقب البطن،و ربّما كنوا عنها،فقالوا:ذات الجنب.

و جنبت الدّلو تجنب جنبا،إذا انقطعت منها و ذمة أو و ذمتان،فمالت.(الأزهريّ 11:122)

أبو عمرو الشّيبانيّ: المجنب:الكثير.

التّجنيب:الرّوح في الرّجلين من الدّابّة.[ثمّ استشهد بشعر](1:113)

الجانب:الغريب،و هو الجنب.(1:117)

الجنب،من الإبل:الّذي يوجع جنبه،إمّا مكسورا و إمّا غير مكسور،فهو مجنب عنه يده.(1:125)

المجنب:الخير الكثير،يقال:خير مجنب.

المجنّب من الخيل:البعيد ما بين الرّجلين من غير فجج،و هو مدح.(الأزهريّ 11:121)

الجنب:الّذي يمشي في شقّ من نشاطه.

(ابن سيده 7:463)

الفرّاء: الجنب:القرب.و الجنب:معظم الشّيء و أكثره،و منه قولهم:هذا قليل في جنب مودّتك.

(الأزهريّ 11:117)

يقال من الجنابة:أجنب الرّجل و جنب و جنّب و تجنّب.

أجنبت المرأة الرّجل،إذا ألزمها الجنابة،و كذلك كلّ شيء يجنب شيئا.(الأزهريّ 11:118)

الجناب:الجانب،و جمعه:أجنبة.

جنبته الشّرّ،و أجنبته،و جنّبته،بمعنى واحد.

(الأزهريّ 11:122)

الأصمعيّ: جنب البعير يجنب جنبا،هو إذا التصقت رئته بجنبه من العطش.(إصلاح المنطق:206)

يقال:نزل فلان جنبة يا هذا،أي ناحية.

يقال:أعطني جنبة،فيعطيه جلدا،فيتّخذه علبة.

(الأزهريّ 11:119)

سحابة مجنوبة:هبّت بها الجنوب،و أجنبنا منذ أيّام، أي دخلنا في الجنوب،و جنبنا،أي أصابتنا الجنوب.

مجيء الجنوب:ما بين مطلع سهيل إلى مطلع الشّمس في الشّتاء.(الأزهريّ 11:120)

التّجنيب بالجيم:في الرّجلين،و التّحنيب بالحاء:

في الصّلب و اليدين.(الأزهريّ 11:121)

في حديث الحارث بن عوف،أنّه جاء إلى نجبة بن الحارث،فقال:«إنّ الإبل جنّبت قبلنا العام».

جنّب بنو فلان فهم مجنّبون،إذا لم يكن في إبلهم لبن، و هو عام تجنيب.و جنّب النّخل:لم يحمل.

(المدينيّ 1:357)

ابن الأعرابيّ: أجنب:تباعد.(الأزهريّ 11:118)

في حديث أبي هريرة: أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بعث خالد بن الوليد يوم الفتح على المجنّبة اليمنى،و الزّبير على المجنّبة اليسرى.

يقال:أرسلوها مجنّبين-أي كتيبتين-أخذتا ناحيتي الطّريق.(الأزهريّ 11:119)

جنبت إلى لقائك،و غرضت إلى لقائك جنبا، و غرضا،أي قلقت من شدّة الشّوق إليك.

و ذات الجنب:علّة صعبة،تأخذ في الجنب.

(الأزهريّ 11:122)

ص: 29

و رجل جنيب:كأنّه يمشي في جانب متعقّفا (1).

(ابن سيده 7:460)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا جلب و لا جنب و لا شغار في الإسلام».

و أمّا«الجنب»فأن يجنب الرّجل خلف فرسه الّذي سابق عليها فرسا عريا ليس عليه أحد،فإذا بلغ قريبا من الغاية ركب فرسه العري فسبق عليه،لأنّه أقلّ إعياء و كلالا من الّذي عليه الرّاكب.(1:434)

في حديث عمر:«عليكم بالجنبة فإنّها عفاف،إنّما النّساء لحم على و ضم إلاّ ما ذبّ عنه».

قوله:الجنبة،يعني النّاحية،يقول:تنحّوا عنهنّ و كلّموهنّ من خارج الدّار،و لا تدخلوا عليهنّ؛و كذلك كلّ من كان خارجا قيل:جنبه.(2:84)

ابن السّكّيت: يقال:خير مجنب و شرّ مجنب،أي كثير،و يقال:أتونا بطعام مجنب و بطعام طيس،أي كثير.

(7)

و قد جنبت الرّيح تجنب جنوبا.و قد جنب البعير يجنب جنبا.(إصلاح المنطق:206)

الجنيبة:صوف الثّنيّ،و العقيقة:صوف الجذع.

و الجنيبة من الصّوف أفضل من العقيقة و أكثر.

و الجنيبة:النّاقة يعطيها الرّجل القوم يمتارون عليها له،و هي العليقة.(الأزهريّ 11:121)

أبو حاتم: جنوب دبور.

و أمّا الجنوب و الدّبور فمن باب الفاعل على جهته، تقول:جنبت الرّيح و دبرت و صبت.

(ثلاثة كتب في الأضداد:113)

شمر:جنبتا الوادي:ناحيتاه،و كذلك جناباه و ضيفاه.

و يقال:أصابنا مطر نبتت عنه الجنبة.

(الأزهريّ 11:119)

و المجنب،يقال في الشّرّ إذا كثر.[ثمّ استشهد بشعر]

و المجنب:التّرس.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 11:121)

المبرّد: قوله (2):«عن جنابة»يقول:عن غربة و بعد،يقال:هم نعم الحيّ لجارهم جار الجنابة،أي الغربة.يقال:رجل جنب و رجل جانب،أي غريب، قال اللّه جلّ و عزّ: وَ الْجارِ الْجُنُبِ النّساء:36.[ثمّ استشهد بشعرين]

من قال للواحد:جانب،قال للجميع:جنّاب، كقولك:راكب و ركّاب،و ضارب و ضرّاب.[ثمّ استشهد بشعر]

و إن كان من الجنابة الّتي تصيب الرّجل،قلت:رجل جنب و رجلان جنب،و كذلك المرأة و الجميع و قد يجوز و ليس بالوجه:رجلان جنبان،و امرأة جنبة،و قوم أجناب.(2:30)

يقال:جنبت الرّيح جنوبا و شملت شمولا و دبرت دبورا و صبت صبوّا و سمّت سموما و حرّت حرورا، مضمومات الأوائل.فإذا أردت الأسماء فتحت أوائلهاة*

ص: 30


1- ذكره الفيروزآباديّ:متعقّبا.
2- قول الأعشى في الشّعر: *أتيت حريثا زائرا عن جنابة*

فقلت:جنوب و شمول و سموم و دبور و حرور.

(1:58)

الزّجّاج: يقال للواحد:رجل جنب،و رجلان جنب،و قوم جنب و امرأة جنب،كما يقال:رجل رضى و قوم رضى.و إنّما هو على تأويل ذوو أجنب،لأنّه مصدر،و المصدر يقوم مقام ما أضيف إليه.

و من العرب من يثنّي و يجمع،و يجعل المصدر بمنزلة اسم الفاعل،و إذا جمع جنب،قلت:في الرّجال:جنبون، و في النّساء:جنبات،و للاثنين:جنبان.(2:154)

نحوه الطّبرسيّ.(2:163)

جنب الرّجل من الجنابة،و أجنب.

(فعلت و أفعلت:8)

جنبت الرّيح،إذا هبّت جنوبا،و أجنب الرّجل،إذا دخل في الجنوب.(فعلت و أفعلت:10)

ابن دريد :تقول:رجل جنب من قوم أجناب،إذا كان غريبا،و كذلك فسّر في التّنزيل وَ الْجارِ الْجُنُبِ النّساء:36،و رجل جانب،غير مهموز:غريب.

فأمّا الجأنب بالهمز:فالقصير المجتمع الخلق.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:جار أجنب،و جنب،و أجنبيّ،و رجل جنب،و امرأة جنب من قوم جنب-و هذا أعلى اللّغات:

المذكّر و المؤنّث و الجمع و الواحد فيه سواء-إذا أصابته جنابة.و قد أجنب الرّجل،إذا أصابته الجنابة.

و جنبت الدّابّة أجنبها جنبا و جنبا،إذا قدتها إلى جانبك،و كذلك جنبت الأسير.

و جنّب الرّجل،إذا قلّت ألبان إبله،فهو مجنّب و القوم مجنّبون.

و الجناب:مصدر:جانبته مجانبة و جنابا،و هو من المباعدة؛و كذلك تجنّبته تجنّبا.

و الجناب:موضع معروف،فلان من أهل الجناب.

و رجل رحب الجناب،إذا كان واسع الرّحل.

و الجنبة:ضرب من النّبت.

و المجنب:التّرس،و يقال:المجنب.

و المجنب:السّتر أيضا.[ثمّ استشهد بشعر]

يقول الرّجل للرّجل:أعطني جنبة،فيعطيه جلد جنب بعير،فيتّخذ منه علبة.

و جنب:بطن من العرب،و ليس بأب و لا أمّ،و إنّما هو لقب لهم.

و جنب الإنسان و الدّابّة معروف.

و جنب الرّجل،إذا اشتكى جنبه.

و جنّب الخير تجنيبا،إذا حرمه.

و الجنوب:ريح معروفة.

و جنّاب الرّجل:قرينه إذا سار إلى جانبه.

و جنبتا البعير:ما حمل على جنبيه من حمل.

(1:214)

القاليّ: و يقال:جنبت الرّيح تجنب جنوبا،إذا هبّت جنوبا.و جنبنا منذ أيّام،أي أصابتنا الجنوب.و أجنبنا منذ أيّام:دخلنا في الجنوب.و سحابة مجنوبة:جاءت بها الجنوب.

و جنب فلان في بني فلان،إذا نزل فيهم غريبا،و منه قيل:جانب للغريب،و جمعه:جنّاب.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 31

و رجل جنب:غريب،و جمعه:أجناب،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ الْجارِ الْجُنُبِ أي الجار الغريب.و قال:

نعم القوم هم لجار الجنابة،أي الغربة.

و يقال:جنبت فلانا الخير،أي نحّيته عنه و جنّبته أيضا بالتّثقيل.قال أبو نصر:و التّخفيف أجود،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ إبراهيم:

35.

و جلس فلان جنبة،أي ناحية.[ثمّ استشهد بشعر]

و أصابنا مطر تنبت عنه الجنبة،و هو نبت.

و يقال:أعطني جنبة،فيعطيه جلد جنب بعير فيتّخذ منه علبة.و العلبة:قدح من جلود يحلب فيه.و يقال:

فلان من أهل الجناب بكسر الجيم،لموضع بنجد.

و فرس طوع الجناب،إذا كان سهل القياد.

و لجّ فلان في جناب قبيح،إذا لجّ في مجانبة أهله.

فأمّا الجناب بفتح الجيم:فما حول الرّجل و ناحيته و فناء داره.

و جلس فلان بجنب فلان و جانبه.

و يقال:مرّوا يسيرون جنابيه و جنابتيه و جنبتيه، إذا مرّوا يسيرون إلى جانبه.

و جنبت الدّابّة أجنبها،إذا قدتها.

و الجنيبة:الدّابّة تقاد فتسير إلى جنبك.

و الجنب مفتوحة النّون:أن تجنب الدّابّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:جنب البعير يجنب جنبا،إذا طلع من جنبه.

و يقال:الجنب لصوق الرّئة بالجنب من شدّة العطش.[ثمّ استشهد بشعر](1:263)

الأزهريّ: يقال:جنبت الفرس أجنبه جنبا،إذا قدته.[ذكر حديث أبي هريرة و قول ابن الأعرابيّ يقال:

أرسلوها،ثمّ أضاف:] و قال غيره:المجنّبة اليمنى هي ميمنة العسكر، و المجنّبة اليسرى هي الميسرة.

[قال شمر:]و يقال:أصابنا مطر نبتت عنه الجنبة.

قلت:و الجنبة:اسم واحد لنبوت كثيرة،هي كلّها عروة،سمّيت جنبة،لأنّها صغرت عن الشّجر الكبار، و ارتفعت عن الّتي لا أرومة لها في الأرض،فمن الجنبة:

النّصيّ،و الصّلّيان،و العرفج،و الشّيح،و المكر، و الجدر،و ما أشبهها ممّا له أرومة تبقى في المحلّ،و تعصم المال.

و الجنوب من الرّياح:حارّة،و هي تهبّ في كلّ وقت،و مهبّها ما بين مهبّي الصّبا و الدّبور (1)،على صوب مطلع سهيل،و جمع الجنوب:أجنب،و قد جنبت الرّيح تجنب جنوبا.

قال ابن بزرج: و يقال:أجنبت أيضا.

و يقال:جنب فلان؛و ذلك إذا ما جنب إلى دابّة؛ و الجنبية:الدّابّة تقاد،و قد جنبت الدّابّة جنبا.

و فرس طوع الجنب و الجناب،و هو الّذي إذا جنب كان سهلا منقادا.

و جنب فلان في بني فلان،إذا نزل فيهم غريبا، يجنب و يجنب.

و من ثمّ قيل:رجل جانب،أي غريب،و الجميع:

جنّاب،و رجل جنب:غريب،و الجميع:أجناب.ر.

ص: 32


1- ذكره اللّغويّون:الدّبور.

و يقال:نعم القوم هم لجار الجنابة،أي لجار الغربة.

و جنّب بنو فلان،فهم مجنّبون،إذا لم يكن في إبلهم لبن.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجناب:أرض معروفة بنجد.

و يقال:لجّ فلان في جناب قبيح،أي في مجانبة أهله.

و ضربه فجنبه،إذا أصاب جنبه.

و أخصب جناب القوم بفتح الجيم،و هو ما حولهم.

و يقال:مرّوا يسيرون جنابيه،و جنابتيه،و جنبتيه، أي ناحيتيه.و قعد فلان إلى جنب فلان،و إلى جانب فلان.

و الجنابة:ضدّ القرابة.

و في الحديث:«المجنوب في سبيل اللّه شهيد»قيل:

المجنوب:الّذي به ذات الجنب.

يقال:جنب فهو مجنوب،و صدر فهو مصدور.

و يقال:جنب جنبا،إذا اشتكى جنبه،فهو جنب، كما يقال:رجل فقر و ظهر،إذا اشتكى ظهره و فقاره.

(11:118-123)

الصّاحب: الجنب:معروف،و الجميع:الجنوب.

و جانبت الصّيد:سرت بجنبه أختله.

و الجناب:الجنب.و جناب الصّبيّ،أي إلى جنبه؛ و يقال:جناب بالفتح.

و مرّوا يسيرون جنابيه و جنبتيه و جنابتيه،أي ناحيتيه.

و الجوانب:معروفة.

و هو ليّن الجانب،أي سهل القرب.

و الجنب:الجانب،و في الحديث:«ذو الجنب شهيد»و هو الّذي يطول مرضه.

و الجنابان:النّاحيتان،و كذلك الجنبتان،كجنبتي العسكر و النّهر.

و جنّبت فلانا عن هذا الأمر،أي نحّيته؛فاجتنب.

و جنّبته:دفعت عنه مكروها.

و الجنبة:الاجتناب،و النّاحية من كلّ شيء؛شبيه بالخلوة من النّاس.و رجل ذو جنبة،أي ذو اعتزال عن النّاس.

و مجانبك:الّذي قاطعك.

و الجانب:المجتنب الضّعيف المحقور،و القصير أيضا،و كذلك الجنب.

و الجنّابى (1):لعبة لهم يتجانبان فيعتصم كلّ واحد من الآخر.

و الجنّاب:مثل الصّنوان،و هو أن تخرج شجرتان من أصل واحد.

و رجل أجنبيّ و أجنب و جنب و جنيب،و هو البعيد منك في القرابة و الدّار.

و رجل جنب:ذو جنابة،و قد أجنب،الواحد و الجميع:فيه سواء،و يجمع على الأجناب.

و جناب القوم:ما قرب من محلّتهم.

و الجنّاب:الغرباء.و القرباء،و هو من الأضداد.

و اجتنبت القوم:تألّفتهم و اقتديت بهم،و الاسم:

الجنيبة.

و الجار الجنب:الّذي جاورك من قوم آخرين،ذون.

ص: 33


1- و ضبطت بلا تشديد في العين و التّهذيب و اللّسان.

جنابة،أي لا قرابة له في الدّار،و لا في النّسب.

و الجانب:الغريب،من قوم جنّاب و أجناب.

و لجّ في جناب قبيح بالكسر،أي في مجانبة أهله.

و الجنابيّ: المجانب المتنحّي.

و رجل مجنب:يعطي الأجانب و الأباعد.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال للأسير الّذي يجنب إلى جنب الدّابّة:

جنيب.

و في الحديث:«لا جنب في الإسلام»هو أن يجنب خلف الفرس الّذي يسابق عليه فرس عري،فإذا بلغ الغاية يركب ليغلب الآخرين.

و رجل طوع الجناب،و هو الّذي إذا جنب كان سهلا.

و جنب الرّجل:من الجنابة.و جنب و جنب و أجنب و اجتنب و تجنّب،و قوم أجناب.

و الجنب في الدّابّة:شبه ظلع و ليس به،يقال:حمار جنب.

و المجنّب:البعير الّذي يتدافع عن ضاغط بدفّه يتمايل عنه.

و المجنّب من الخيل:البعيد ما بين الرّجلين من غير فحج،و هو مدح.و قيل:هو انحناء و توتير.و هو أيضا:

الفرس الّذي ينحّي اليد و الرّجل في شقّ عن موقعها؛ و الاسم:الجنب.

و الجنوب:ريح تخالف الشّمال،و الجمع:الجنائب؛ و جنبت الرّيح تجنب جنوبا.

و المجنوب و المجنّب:الّذي أصابته ريح الجنوب،من قولهم:جنب القوم و شملوا.

و سحابة مجنوبة:هبّت بها الجنوب.

و الجنبة،مجزومة:اسم يقع على عامّة الشّجر الّتي تتربّل في الصّيف،و لبن حامض يصبّ على حليب، و علبة تتّخذ من جلد جنب البعير،و ما سلخ من جلد البعير فاتّخذ مرودا.

و المجنب:الخير الكثير،إنّ عنده لشرّا مجنبا و خيرا مجنبا.

و الجنيبة:صوف الشّاة الثّنيّة؛و هي بعد العقيقة.

و هي العليقة أيضا للبعير الّذي يعلّقه الرّجل مع إبل أصحاب الميرة،و هي الجنائب و العلائق.و تراب المعدن.و النّظير،يقال:لا نظير له و لا جنيبة.و الدّابّة تجنب.و التّابع،و القرين.

و الجنيب:ضرب من التّمر الكثير المكبوس.

و التّجنيب:صدودك عن الرّجل،أعرض عنّي مجنّبا.و هو أيضا:ذهاب ألبان الإبل،جنّبت الإبل تجنيبا.

و جنّب بنو فلان فهم مجنّبون و جناب،إذا لم يكن في إبلهم لبن،و هو عام تجنيب.

و جنّب النّخل،إذا لم يحمل.

و المجنب:التّرس.

و المجنّب من الشّراب:الّذي يبيت ليلته في الباطية،و قيل:هو الّذي اجتنب فلم يشرب،و قيل:

أبرز للجنوب لتصفّيه.و هو أيضا:الطّعام القفر الّذي لا أدم فيه.

و الجنابان:بناءان يبنيان متحاذيين.

ص: 34

و الجناب:سمة كالكشاح،جمل مجنوب و إبل مجنّبة.

و السّماك الجأنب:هو الأعزل،مهموز.(7:127)

الجوهريّ: الجنب:معروف،تقول:قعدت إلى جنب فلان و إلى جانب فلان،بمعنى.

و جنب:حيّ من اليمن.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجنب:النّاحية.[ثمّ استشهد بشعر]

و الصّاحب بالجنب:صاحبك في السّفر.

و أمّا الجار الجنب،فهو جارك من قوم آخرين.

و الجانب:النّاحية،كذلك الجنبة،تقول:فلان لا يطور بجنبتنا.

و جانبه و تجانبه و تجنّبه و اجتنبه،كلّه بمعنى.

و رجل أجنبيّ،و أجنب و جنب و جانب،كلّه بمعنى.

و ضربه فجنبه،أي كسر جنبه.

و جنبت الدّابّة،إذا قدتها إلى جنبك.و كذلك جنبت الأسير جنبا بالتّحريك،و منه قولهم:خيل مجنّبة،شدّد للكثرة.و جنبته الشّيء و جنّبته بمعنى،أي نحّيته عنه، قال اللّه تعالى: وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ إبراهيم:35.

و الجناب،بالفتح:الفناء،و ما قرب من محلّة القوم، و الجمع:أجنبة.يقال:أخصب جناب القوم،و فلان خصيب الجناب،و جديب الجناب.

و تقول:مرّوا يسيرون جنابيه،أي ناحيتيه.

و فرس طوع الجناب بكسر الجيم،إذا كان سلس القياد.

و يقال أيضا:لجّ فلان في جناب قبيح،إذا لجّ في مجانبة أهله.

و جنّب القوم،إذا قلّت ألبان إبلهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّجنيب أيضا:انحناء و توتير في رجل الفرس، و هو مستحبّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجنيبة:بالدّابّة تقاد.و كلّ طائع منقاد جنيب.

و الأجنب:الّذي لا ينقاد.

و الجنيبة:العليقة،و هي النّاقة تعطيها القوم ليمتاروا لك عليها.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجنيب:الغريب.و جنب فلان في بني فلان يجنب جنابة،إذا نزل فيهم غريبا،فهو جانب،و الجمع:

جنّاب.يقال:نعم القوم هم لجار الجنابة،أي لجار الغربة.

و الجنبة:جلدة من جنب البعير،يقال:أعطني جنبة أتّخذ منها علبة.

و نزل فلان جنبة،أي ناحية و اعتزل النّاس.

و الجنبة:اسم لكلّ نبت يتربّل في الصّيف،يقال:

مطرنا مطرا كثرت منه الجنبة.

و رجل جنب من الجنابة،يستوي فيه الواحد و الجمع و المؤنّث،و ربّما قالوا في جمعه:أجناب و جنبون، تقول منه:أجنب الرّجل و جنب أيضا بالضّمّ.

و الجنوب:الرّيح الّتي تقابل الشّمال،تقول:جنبت الرّيح،إذا تحوّلت جنوبا.

و سحابة مجنوبة،إذا هبّت بها الجنوب.

و المجنوب:الّذي به ذات الجنب،و هي قرحة تصيب الإنسان داخل جنبه.

و قد جنب و أجنب القوم،إذا دخلوا في ريح الجنوب.

و جنبوا أيضا،إذا أصابهم الجنوب فهم مجنوبون.و كذلك

ص: 35

القول في الصّبا و الدّبور و الشّمال.

و المجنب بالكسر:التّرس.[ثمّ استشهد بشعر]

و المجنب أيضا:أقصى أرض العجم إلى أرض العرب،و أدنى أرض العرب إلى أرض العجم.[ثمّ استشهد بشعر]

و المجنب،بالفتح:الشّيء الكثير،يقال:إنّ عندنا لخيرا مجنبا و شرّا مجنبا،أي كثيرا.

و الجنب بالتّحريك الّذي نهي عنه:أن يجنب الرّجل مع فرسه عند الرّهان فرسا آخر،لكي يتحوّل عليه إن خاف أن يسبق على الأوّل.

و الجنب أيضا:مصدر قولك:جنب البعير بالكسر يجنب جنبا،إذا ظلع من جنبه.(1:101)

ابن فارس: الجيم و النّون و الباء أصلان متقاربان؛ أحدهما:النّاحية،و الآخر:البعد.

فأمّا النّاحية فالجناب،يقال:هذا من ذلك الجناب، أي النّاحية.و قعد فلان جنبة،إذا اعتزل النّاس،و في الحديث:«عليكم بالجنبة فإنّه عفاف».

و من الباب«الجنب»للإنسان و غيره.و من هذا «الجنب»الّذي نهي عنه في الحديث:أن يجنب الرّجل مع فرسه عند الرّهان فرسا آخر،مخافة أن يسبق فيتحوّل عليه.

و الجنب:أن يشتدّ عطش البعير حتّى تلتصق رئته بجنبه،و يقال:جنب يجنب.[ثمّ استشهد بشعر]

و المجنب:الخير الكثير،كأنّه إلى جنب الإنسان.

و جنبت الدّابّة،إذا قدتها إلى جنبك،و كذلك جنبت الأسير.

و سمّي التّرس مجنبا،لأنّه إلى جنب الإنسان.

و أمّا البعد فالجنابة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:إنّ«الجنب»الّذي يجامع أهله مشتقّ من هذا،لأنّه يبعد عمّا يقرب منه غيره،من الصّلاة و المسجد و غير ذلك.

و ممّا شذّ عن الباب:ريح الجنوب،يقال جنب القوم:أصابتهم ريح الجنوب؛و أجنبوا،إذا دخلوا في الجنوب.

و قولهم:جنّب القوم،إذا قلّت ألبان إبلهم.و هذا عندي ليس من الباب،و إن قال قائل:إنّه من«البعد» كأنّ ألبانها قلّت فذهبت،كان مذهبا.

و جنب:قبيلة،و النّسبة إليها جنبيّ،و هو مشتقّ من بعض ما ذكرناه.(1:483)

أبو هلال :الفرق بين الجانب و النّاحية و الجهة،قال المتكلّمون:إنّ جانب الشّيء غيره،و جهته ليست غيره،أ لا ترى أنّ اللّه تعالى لو خلق الجزء الّذي لا يتجزّأ منفردا لكانت له جهات ستّ،بدلالة أنّه يجوز أن تجاوره ستّة أجزاء،من كلّ جهة جزء،و لا يجوز أن يقال:إنّ له جوانب،لأنّ جانب الشّيء:ما قرب من بعض جهاته، أ لا ترى أنّك تقول للرّجل:خذ على جانبك اليمين،تريد ما يقرب من هذه الجهة،لو كان جانبك اليمين أو الشّمال منك لم يمكنك الأخذ فيه.

و قال بعضهم:ناحية الشّيء:كلّه،و جهته:بعضه، أو ما هو في حكم البعض.

يقال:ناحية العراق،أي العراق كلّها،و جهة العراق يراد بها بعض أطرافها.

ص: 36

و عند أهل العربيّة:أنّ الوجه مستقبل كلّ شيء، و الجهة:النّحو،يقال:كذا على جهة كذا،قاله الخليل، قال:و يقال:رجل أحمر من جهة الحمرة،و أسود من جهة السّواد.و الوجهة:القبلة،قال تعالى: وَ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ البقرة:148،أي في كلّ وجه استقبلته و أخذت فيه.

و تجاه الشّيء:ما استقبلته،يقال:توجّهوا إليك و وجّهوا إليك،كلّ يقال،غير أنّ قولك:وجّهوا إليك، على معنى ولّوا وجوههم،و التّوجّه الفعل اللاّزم، و النّاحية«فاعلة»بمعنى«مفعولة»و ذلك أنّها منحوّة،أي مقصودة،كما تقول:راحلة،و إنّما هي مرحولة،و عيشة راضية،أي مرضيّة.

الفرق بين الجانب و الكنف:أنّ الكنف هو ما يسدّ الشّيء من أحد جانبيه،و لهذا يستعمل في المعونة، فيقال:أكنف الرّجل،إذا أعانه،و كنفته إذا حطته، و كنفت الإبل،إذا حطتها في حظيرة من الشّجر.

و يجوز أن يقال الفرق بين الجانب و الكنف:أنّ الكنف هو الجانب المعتمد عليه،و ليس كذلك الجانب.

(243)

الثّعالبيّ: فإذا كان[الفرس]بعيد ما بين الرّجلين من غير فحج،فهو مجنّب.(171)

الجنبة:هي تقدّ من جنب البعير.(261)

قد جنب البعير يجنب جنبا،هو إذا التصقت رئته بجنبه من العطش.(إصلاح المنطق:206)

ابن سيده: الجنب،و الجنبة،و الجانب:شقّ الإنسان و غيره،و الجمع:جنوب،و جوانب،و جنائب، الأخير نادرة.

و جنب الرّجل:شكا جانبه.

و جانبه مجانبة،و جنابا:صار إلى جنبه،و قوله:

«اتّق اللّه في جنب أخيك و لا تقدح في ساقه»معناه لا تقتله و لا تفتنه،و هو على المثل،و قد فسّر«الجنب» هنا بالوقيعة و الشّتم.[ثمّ استشهد بشعر]

و قوله تعالى: وَ الصّاحِبِ بِالْجَنْبِ النّساء:36، يعني الّذي يقرب منك و يكون إلى جنبك.

و كذلك:«جار الجنب»أي اللاّزق بك إلى جنبك.

و المجنّبتان من الجيش:الميمنة،و الميسرة.

و المجنّبة بالفتح:المقدّمة.

و جنب الفرس و الأسير يجنبه جنبا،فهو مجنوب، و جنيب:قاده إلى جنبه.

المجنّب:المجنوب،أي المقود.

و جنّاب الرّجل:الّذي يسير معه إلى جنبه.

و جنيبتا البعير:ما حمل على جنبيه.

و جنبته:طائفة من جنبه

و الجنبة:العلبة،تعمل من جنب البعير،و هي فوق المعلق من العلاب و دون الحوأبة.

و الجنب:أن يجنب خلف الفرس فرس فإذا بلغ قرب الغاية ركب.

و جنب الرّجل:دفعه.

و رجل جانب،و جنب:غريب.و الجمع:أجناب.

و قد يفرد في الجمع و لا يؤنّث،و كذلك:الجانب، و الأجنبيّ،و الأجنب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الاسم:الجنبة،و الجنابة.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 37

و جنّب الشّيء،و تجنّبه،و اجتنبه:بعد عنه،و جنّبه إيّاه،و جنبه يجنبه-فسّره[ثعلب]فقال:يعني الأجنبيّ- و أجنبه،و في التّنزيل: وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ إبراهيم:35،و قد قرئ: (و أجنبني و بنىّ) بالقطع.

و رجل جنب:يتجنّب قارعة الطّريق مخافة الأضياف.

و رجل ذو جنبة،أي اعتزال.

و قعد جنبة،أي ناحية.

و الجانب:المجتنب:المحقور.

و جار جنب ذو جنابة:من قوم لا قرابة لهم، و يضاف فيقال:جار الجنب.

و المجانب:المباعد.[ثمّ استشهد بشعر]

و فرس مجنّب:بعبد ما بين الرّجلين.

و الجنابة:المنيّ،و قد أجنب الرّجل،و هو جنب، و كذلك:الاثنان و الجميع و المؤنّث.

و قد قالوا:جنبان و أجناب.

قال سيبويه:كسّر على«أفعال»كما كسّر«بطل» عليه حين قالوا:أبطال،كما اتّفقا في الاسم عليه،يعني نحو جبل و أجبال و طنب و أطناب،و لم يقولوا:جنبة.

و الجناب:النّاحية و الفناء.

و فلان رحب الجناب،أي الرّحل.

و كنّا عنهم جنابين،و جنابا،أي متنحّين.

و الجنيبة:النّاقة يعطيها الرّجل القوم و يعطيهم دراهم ليميروه عليها.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجنيبة:صوف الثّنيّ،عن كراع وحده،و الّذي حكاه يعقوب و غيره من أهل اللّغة:«الخبيبة».ثمّ قال في موضع آخر:الخبيبة:صوف الثّنيّ مثل الجنيبة،فثبت بهذا أنّهما لغتان صحيحتان.

و المجنب:الكثير من الخير و الشّرّ،و خصّ أبو عبيد به الكثير من الخير،قال الفارسيّ:و هو ممّا وصفوا به،فقالوا:خير مجنب،قال الفارسيّ:و هذا يقال بكسر الميم و فتحها.

و طعام مجنب:كثير.

و المجنب:شبحة مثل المشط إلاّ أنّها ليست لها أسنان،و طرفها الأسفل مرهف يرفع بها التّراب على الأعضاد و الفلجان.و قد جنب الأرض بالمجنب.

و الجنب في الدّابّة:شبه الظّلع و ليس بظلع.

و حمار جنب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجنب:الذّئب لتظالعه كيدا أو مكرا،من ذلك.

و الجنب:أن يشتدّ عطش الإبل حتّى تلزق الرّئة بالجنب؛و قد جنب.

و الجناب:ذات الجنب،في أيّ الشّقّين كان،عن الهجريّ.و زعم أنّه إذا كان في الشّقّ الأيسر أذهب صاحبه.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد جنب.

و المجنب،و المجنب:التّرس،و ليست واحدة منهما على الفعل.

و الجنبة:عامّة الشّجر الّذي يتربّل في الصّيف.

و قال أبو حنيفة:الجنبة:ما كان في نبتته بين البقل و الشّجر،و هما ممّا يبقى أصله في الشّتاء و يبيد فرعه.

و الجنوب:ريح تخالف الشّمال تأتي عن يمين القبلة.

ص: 38

[إلى أن قال:]

و جنّب القوم،إذا لم يكن في إبلهم لبن.

و جنّب الرّجل،إذا لم يكن في إبله و لا غنمه درّ.

و جنّب النّاس:انقطعت ألبانهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و جنّبها هو،بشدّ النّون أيضا.

و جنّب إبله و غنمه:لم يرسل فيها فحلا.

و الجنب:القصير.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجناباء،و الجنابى:لعبة للصّبيان.

و جنوب:اسم امرأة.[ثمّ استشهد بشعر]

و جنب:بطن من العرب ليس بأب و لا حيّ،و لكنّه لقب.و قيل:هي قبيلة من قبائل اليمن.

و الجناب:موضع.(7:460)

الجناب و ذات الجنب:وجع تحت الأضلاع ناخس،مع سعال و حمّى.و قيل:علّة صعبة،و هي ورم حارّ يعرض للحجاب المستبطن للأضلاع،يقال منها:

جنب الإنسان فهو مجنوب.(الإفصاح 1:503)

الجناب:الفناء.(الإفصاح 1:565)

الجناب:سمة على الجنب(الإفصاح 2:738)

الطّوسيّ: يقال:رجل جنب،إذا أجنب،و رجل جنب،أي غريب،و لا يثنّى و لا يجمع.و يجمع أجنابا،أي غرباء.(3:206)

الرّاغب: أصل الجنب:الجارحة،و جمعه:جنوب.

[ثمّ ذكر الآيات]

ثمّ يستعار في النّاحية الّتي تليها،كعادتهم في استعارة سائر الجوارح لذلك،نحو:اليمين و الشّمال.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:جنب الحائط و جانبه، وَ الصّاحِبِ بِالْجَنْبِ النّساء:36،أي:القريب.

قال تعالى: يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ الزّمر:56،أي في أمره و حدّه الّذي حدّه لنا.

و سار جنيبه و جنيبته،و جنابيه و جنابيته.

و جنبته:أصبت جنبه،نحو:كبدته و فأدته.و جنب:

شكا جنبه،نحو:كبد و فئد.

و بني من«الجنب»الفعل على وجهين:

أحدهما:الذّهاب على ناحيته.

و الثّاني:الذّهاب إليه.

فالأوّل:نحو:جنبته،و أجنبته،و منه: وَ الْجارِ الْجُنُبِ النّساء:36،أي البعيد.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل جنب و جانب.[ثمّ ذكر الآيات الّتي جاء فيها(اجتنبوا)إلى أن قال:]

فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ المائدة:90،و ذلك أبلغ من قولهم:اتركوه.

و جنّب بنو فلان،إذا لم يكن في إبلهم اللّبن،و جنب فلان خيرا،و جنب شرّا،قال تعالى في النّار:

وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى* اَلَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكّى الليل:

17،18،و ذلك إذا أطلق فقيل:جنب فلان،فمعناه:

أبعد عن الخير،و كذلك يقال في الدّعاء في الخير،و قوله عزّ و جلّ: وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ إبراهيم:

35،من:جنبته عن كذا،أي أبعدته،و قيل:هو من جنبت الفرس،كأنّما سأله أن يقوده عن جانب الشّرك بألطاف منه و أسباب خفيّة.و الجنب:الرّوح في الرّجلين، و ذلك إبعاد إحدى الرّجلين عن الأخرى خلقة.

ص: 39

و قوله تعالى: وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا المائدة:6،أي إن أصابتكم الجنابة،و ذلك بإنزال الماء أو بالتقاء الختانين،و قد جنب و أجنب و اجتنب و تجنّب.

و سمّيت«الجنابة»بذلك،لكونها سببا لتجنّب الصّلاة في حكم الشّرع.

و الجنوب يصحّ أن يعتبر فيها معنى المجيء من جانب الكعبة،و أن يعتبر فيها معنى الذّهاب عنه،لأنّ المعنيين فيها موجودان.

و اشتقّ من«الجنوب»جنبت الرّيح:هبّت جنوبا، فأجنبنا:دخلنا فيها،و جنبنا:أصابتنا،و سحابة مجنوبة:

هبّت عليها.(99)

الزّمخشريّ: رجل جنب و قوم جنب وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا المائدة:6،و أجنب و تجنّب و اجتنب.

و جار جنب،و هو الّذي جاورك من قوم آخرين، ليس من أهل الدّار و لا من أهل النّسب،و هؤلاء قوم أجناب.[ثمّ استشهد بشعر]

و لا تحرمني عن جنابة،أي من أجل بعد نسب و غربة،و معناه لا يصدر حرمانك عنها،كقوله تعالى:

وَ ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي الكهف:82.

و أنا في جناب فلان،أي في فنائه و محلّته.و مشوا جانبيه و جنابيه و جنابتيه و جنبتيه.[ثمّ استشهد بشعر]

و نزلوا في جنبات الوادي.و قعد جنبة،إذا اعتزل القوم.و تقول:طانب الكرام،و جانب اللّئام.و لجّ فلان في جناب قبيح،أي في مجانبة أهله.

و جنبت الدّابّة أجنبها جنبا بالتّحريك،و هو أن يجنب المسابق فرسا،فإذا دنا من الغاية انتقل عليه ليسبق.

و أعطاه الجنب:انقاد له.و فلان تقاد الجنائب بين يديه،و هو يركب نجيبه،و يقود جنيبه.

و جانبه:مشى إلى جنبه،و هو جنيبه.

و فرس طوع الجناب:سلس القياد.و أصحب جنيبه،إذا طاوعه.و هو أجنبيّ منّي و أجنب.

و جنبته الشّرّ فاجتنبه،و جنّبته إيّاه فتجنّبه.

و قيل للتّرس:المجنب،لأنّه يجنب صاحبه،أي يقيه ما يكره،كأنّه آلة لذلك.و كان في إحدى المجنّبتين،و هما جناحا العسكر.

و جنبت الرّيح:هبّت جنوبا.و جنب القوم:

أصابتهم،و سحابة مجنوبة.و أجنبوا:دخلوا فيها.

و المجنوب في سبيل اللّه شهيد،و ذات الجنب:داء الصّناديد.

و من المجاز:اتّق اللّه الّذي لا جنيبة له،أي لا عديل له.و أطاعت جنيبته،إذا انقاد.[ثمّ استشهد بشعر]

و فرّطت في جنب اللّه،أي في جانبه و في حقّه.

و رجل ليّن الجانب:سهل المعاملة،سلس.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:المسلمون جانب،و الكفّار جانب.

و هو أجنبيّ من هذا الأمر،أي لا تعلق له به و لا معرفة.

و فلان رحب الجناب و خصيب الجناب:سخيّ.

(أساس البلاغة:65)

[في الحديث]:«لا جلب و لا جنب و لا شغار في

ص: 40

الإسلام»و الجنب:مصدر جنب الفرس،إذا اتّخذه جنيبة.(الفائق 1:224)

الخدريّ رضي اللّه عنه:

«بع الجمع بالدّراهم ثمّ ابتع بالدّراهم جنيبا»الجمع:صنوف من التّمر تجمع.

و الجنيب:نوع منه جيّد،و كانوا يبيعون صاعين من الجمع بصاع من الجنيب.(الفائق 1:234)

[في حديث عمر]:«فأصبحت بجنبتي النّاس» بجنبتي،أي بجانبي.و الجنب و الجنبة و الجنبة و الجنابة واحد،يقولون:أنا بجنبة هذا البيت،و مرّوا يسيرون بجنبتيه و جنابتيه.(الفائق 2:331)

[في حديث]«...و استكفّوا جنابيه»يقال:مرّوا يسيرون جنابيه و جنابتيه،أي ناحيتيه.

(الفائق 3:162)

و الجنب يستوي فيه الواحد و الجمع و المذكّر و المؤنّث،لأنّه اسم جرى مجرى المصدر الّذي هو الإجناب.(الكشّاف 1:528)

نحوه البيضاويّ(1:221)،و النّسفيّ(1:227)، و النّيسابوريّ(5:48).

ابن الشّجريّ: يقال اجتنبت الشّيء،أي اعتزلته جانبا.و إن شئت أخذته من«الجنابة»و هي البعد.[ثمّ استشهد بشعر]

و كلا القولين يرجع إلى أصل واحد.(1:149)

الطّبرسيّ: الاجتناب:المباعدة عن الشّيء و تركه جانبا،و منه الأجنبيّ.و يقال:ما يأتينا فلان إلاّ عن جنابة،أي بعد.[ثمّ استشهد بشعر](2:38)

المدينيّ: في حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه،في الرّجل الّذي أصابته الفاقة:«فخرج إلى البريّة فدعا، فإذا الرّحا تطحن،و التّنّور مملوء جنوب شواء».

الجنوب:جمع جنب،و قد جرت العادة بأن يشوى الجنب،و كان القياس أن يقال:«جنب شواء»لأنّه نصب على التّمييز،و التّمييز يكون موحّد اللّفظ،قلّ ما يجمع.

على أنّه قد جاء بلفظ الجمع،في قوله تعالى:

بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً الكهف:103،و أراد أنّه كان في التّنّور جنوب كثيرة،لا جنب واحد،فلهذا جمعه مع كونه تمييزا.

[في الحديث]:«إنّ الإبل جنّبت قبلنا العام»أي لم تلقح فيكون لها ألبان.

في الحديث:«ذو الجنب شهيد»أي الّذي يطول مرضه و اضطجاعه.

في حديث الشّعبيّ: «أنّ الحجّاج سأل رجلا:هل كان وراءك غيث؟قال:كثر الإعصار،و أكل ما أشرف من الجنبة».

الجنبة:رطب الصّلّيان،فإذا يبس فهو الصّلّيان.

و قيل:الجنبة يقع على عامّة الشّجر المتربّلة في الصّيف، و قيل:هي ما فوق البقل و دون الشّجر.

و في حديث الضّحّاك:«قال لجارية:هل من مغرّبة خبر؟قالت:على الجانب الخبر»أي على الغريب القادم.

يقال:جنب فلان في بني فلان،إذا نزل فيهم غريبا، و رجل جانب،و قوم جنّاب.و قال بعضهم:رجل جنب:غريب،و الجمع:أجناب،و جار الجنابة:جار الغربة.

ص: 41

في حديث جبير رضي اللّه عنه:«أتاه بتمر جنيب» هو نوع من أجود التّمور.و قيل:الجنيب:التّمر المكبوس،و قيل:هو التّين.

في حديث الشّعبيّ: «أجدب بنا الجناب»الجناب:

ما حول القوم،و جناب الشّيء:ناحيته،و جناب الدّار:

فناؤها.

في الحديث:«لا تدخل الملائكة بيتا فيه جنب، و لا كلب و لا صورة»الجنب قيل:هو الّذي يترك الاغتسال من الجنابة عادة،فيكون أكثر أوقاته جنبا.

و قيل:هو للجنب الّذي لم يتوضّأ بعد الجنابة.(1:357)

ابن الأثير: «لا تدخل الملائكة بيتا فيه جنب» الجنب:الّذي يجب عليه الغسل بالجماع و خروج المنيّ.

و يقع على الواحد،و الاثنين،و الجميع،و المؤنّث،بلفظ واحد.و قد يجمع على:أجناب و جنبين.و أجنب يجنب إجنابا؛و الجنابة:الاسم،و هي في الأصل:البعد.

و سمّي الإنسان جنبا،لأنّه نهي أن يقرب مواضع الصّلاة ما لم يتطهّر.و قيل:لمجانبته النّاس حتّى يغتسل.

و أراد ب«الجنب»في هذا الحديث:الّذي يترك الاغتسال من الجنابة عادة،فيكون أكثر أوقاته جنبا، و هذا يدلّ على قلّة دينه و خبث باطنه.

و قيل:أراد ب«الملائكة»هاهنا غير الحفظة،و قيل:

أراد لا تحضره الملائكة بخير.و قد جاء في بعض الرّوايات كذلك.

و في[حديث]آخر:«المجنوب شهيد».

ذات الجنب:هي الدّبيلة و الدّمل الكبيرة الّتي تظهر في باطن الجنب و تنفجر إلى داخل،و قلّما يسلم صاحبها.

و ذو الجنب:الّذي يشتكي جنبه بسبب الدّبيلة إلاّ أنّ«ذو»للمذكّر و«ذات»للمؤنّث،و صارت«ذات الجنب»علما لها و إن كانت في الأصل صفة مضافة.

و المجنوب:الّذي أخذته ذات الجنب.و قيل:أراد بالمجنوب:الّذي يشتكي جنبه مطلقا.

و في حديث الحديبيّة:«كأنّ اللّه قد قطع جنبا من المشركين»أراد بالجنب:الأمر،أو القطعة،يقال:

ما فعلت في جنب حاجتي؟أي في أمرها.و الجنب:

القطعة من الشّيء تكون معظمه أو شيئا كثيرا منه.

[و هناك أحاديث أخرى](1:302)

العكبريّ: الجنب:يفرد مع التّثنية و الجمع في اللّغة الفصحى،يذهب به مذهب الوصف بالمصادر.و من العرب من يثنّيه و يجمعه،فيقول:جنبان و أجناب.

و اشتقاقه من:المجانبة،و هي المباعدة.(1:361)

الفيّوميّ: جنب الإنسان:ما تحت إبطه إلى كشحه، و الجمع:جنوب،مثل فلس و فلوس.

و الجانب:النّاحية،و يكون بمعنى الجنب أيضا،لأنّه ناحية من الشّخص،و الجنوب أيضا،لأنّه ناحية من الشّخص.

و الجنوب هي الرّيح القبليّة.

و ذات الجنب:علّة صعبة،و هي ورم حارّ يعرض للحجاب المستبطن للأضلاع،يقال منها:جنب الإنسان بالبناء للمفعول،فهو مجنوب.

و الجنابة معروفة،يقال منها:أجنب بالألف و جنب وزان«قرب»فهو جنب.و يطلق على الذّكر و الأنثى،

ص: 42

و المفرد و التّثنية و الجمع،و ربّما طابق على قلّة،فيقال:

أجناب و جنبون،و نساء جنبات،و رجل جنب:بعيد.

و الجار الجنب،قيل:رفيقك في السّفر،و قيل:

جارك من قوم آخرين،و لا تكاد العرب تقول:أجنبيّ.

قاله الأزهريّ في(روح)،و قال في بابه:رجل(أجنب):

بعيد منك في القرابة،و(أجنبيّ)مثله.و قال الفارابيّ:

قولهم:رجل(أجنبيّ)و(جنب)و(جانب)بمعنى.و زاد الجوهريّ و(أجنب)،و الجمع(الأجانب).

و جنبت الرّجل الشّرّ جنوبا،من باب«قعد»:

أبعدته عنه؛و جنّبته بالتّثقيل مبالغة.

و الجنيب:من أجود التّمر.

و الجنيبة:الفرس تقاد و لا تركب«فعيلة»بمعنى «مفعولة»يقال:جنبته أجنبه من باب«قتل»إذا قدته إلى جنبك.

و الجناب بالفتح:الفناء،و الجانب أيضا.(1:110)

الفيروزآباديّ: الجنب و الجانب و الجنبة محرّكة:شقّ الإنسان و غيره،الجمع:جنوب و جوانب و جنائب.

و جنب كعني:شكا جنبه،و رجل جنيب:كأنّه يمشي في جانب متعقّبا.

و جانبه مجانبة و جنابا:صار إلى جنبه و باعده،ضدّ.

و اتّق اللّه في جنبه و لا تقدح في ساقه:لا تقتله و لا تفتنه،و قد فسّر«الجنب»بالوقيعة و الشّتم.

و جار الجنب:اللاّزق بك إلى جنبك،و الصّاحب بالجنب:صاحبك في السّفر،و الجار الجنب بضمّتين:

جارك من غير قومك.

و جنابتا الأنف و جنبتاه و يحرّك:جنباه.

و المجنّبة بفتح النّون:المقدّمة.و المجنّبتان بالكسر:الميمنة و الميسرة.

و جنبه جنبا محرّكة و مجنبا:قاده إلى جنبه،فهو جنيب و مجنوب و مجنّب،و خيل جنائب و جنب محرّكة، و دفعه،و كسر جنبه،و أبعده،و اشتقاق،و نزل غريبا.

و جنّابك كرمّان:مسايرك إلى جنبك.

و جنيبتا البعير:ما حمل على جنبيه.

و الجانب و الجنب بضمّتين و الأجنبيّ و الأجنب:

الّذي لا ينقاد،و الغريب؛و الاسم:الجنبة و الجنابة.

و جنّبه و تجنّبه و اجتنبه و جانبه و تجانبه:بعد عنه، و جنّبه إيّاه،و جنبه كنصره،و أجنبه.

و رجل جنب ككتف:يتجنّب قارعة الطّريق مخافة الأضياف.

و الجنبة:الاعتزال و النّاحية،و جلد للبعير، و عامّة الشّجر الّتي تتربّل في الصّيف،أو ما كان بين الشّجر و البقل.

و الجانب:المجتنب المحقور،و فرس بعيد ما بين الرّجلين.

و الجنابة:المنيّ،و قد أجنب و جنب و جنب و أجنب و استجنب و هو جنب،يستوي للواحد و الجميع،أو يقال:جنبان و أجناب،لا جنبة.

و الجناب:الفناء،و الرّحل،و النّاحية،و جبل، و علم،و موضع،و بالضّمّ:ذات الجنب،و بالكسر:

فرس طوع الجناب:سلس القياد.

و لجّ في جناب قبيح بالكسر،أي مجانبة أهله.

ص: 43

و الجنابة كسحابة:النّاقة تعطيها القوم مع دراهم ليميروك عليها.

و الجنيبة:صوف الثّنيّ.

و المجنب كمنبر و مقعد:الكثير من الخير و الشّرّ، و كمنبر:السّتر،و مثل الباب يقوم عليه مشتار العسل، و أقصى أرض العجم إلى أرض العرب،و التّرس و تضمّ ميمه،و شبح كالمشط بلا أسنان يرفع به التّراب على الأعضاد و الفلجان.

و الجنب محرّكة:شبه الظّلع،و أن يشتدّ عطش الإبل حتّى تلزق الرّئة بالجنب،و القصير،و أن يجنب فرسا إلى فرسه في السّباق فإذا فتر المركوب تحوّل إلى المجنوب، و في الزّكاة أن ينزل العامل بأقصى مواضع الصّدقة ثمّ يأمر بالأموال أن تجنب إليه،أو أن يجنب ربّ المال بماله، أي يبعده عن موضعه حتّى يحتاج العامل إلى الإبعاد في طلبه.

و الجنوب:ريح تخالف الشّمال،مهبّها من مطلع سهيل إلى مطلع الثّريّا،الجمع:جنائب،جنبت جنوبا، أو جنبوا بالضّمّ:أصابتهم،و أجنبوا:دخلوا فيها.

و جنب إليه كنصر و سمع:قلق.

و الجنب:معظم الشّيء و أكثره،و حيّ باليمن أو لقب لهم لا أب،و محدّث كوفيّ.

و جنّب تجنيبا:لم يرسل الفحل في إبله و غنمه، و القوم:انقطعت ألبانهم.

و جنوب:امرأة.

و الجناباء و كسمانى:لعبة للصّبيان.

و الجوانب:بلاد،و كقبّر:ناحية بالبصرة،و كهمزة:

ما يجتنب،و جنّابة مشدّدة:بلدة تحاذي خارك منه القرامطة.

و سحابة مجنوبة:هبّت بها الجنوب.

و التّجنيب:انحناء و توتير في رجل الفرس مستحبّ.

و الجنيب:تمر جيّد.

و جنباء:موضع ببلاد تميم.(1:50)

الطّريحيّ: و في الدّعاء:«و جنّبني الحرام»أي بعّدني عنه و نحّني.

و«جنّبوا مساجدكم النّجاسة»أي نحّوا عن مساجدكم و أبعدوها عنها،و كأنّه من باب القلب.

و في الحديث:«توضّئوا من سؤر الجنب إذا كانت مأمونة»يريد:المرأة الجنب،و هذا اللّفظ ممّا يستوي فيه الواحد و الاثنان و الجماعة،و المذكّر و المؤنّث.

و فيه:«لا يجنب الثّوب الرّجل و لا يجنب الرّجل الثّوب»يريد أنّ هذين و نحوهما لا يضرّ ملامسة شيء منهما؛بحيث يوجب الغسل أو الغسل.[إلى أن قال:]

و قوله:«أوذي في جنبك»جنب اللّه:طاعته عن الصّدوق،و أمره عن ابن عرفة،و قربه و جواره عن الفرّاء.

و قول عليّ عليه السّلام:«أنا جنب اللّه»يأتي على المعاني كلّها،و مثله قول أهل البيت عليهم السّلام:«نحن جنب اللّه»، «نحن يد اللّه».

و«في جنب اللّه»أي ذات اللّه.[إلى أن قال:]

و الجنب:النّاحية،و كذا الجانب،و هو أحد نواحي الشّيء.

و فلان ليّن الجانب،أي سهل القرب.

ص: 44

و المجانبة:ضدّ المخالطة.

و أجنبيّ: غريب ليس بقريب.

و«عاصفة جنابيّة»في حديث الاستسقاء،كأنّه يريد الرّياح الجنوبيّة،فإنّها تكسر السّحاب و تلحقه روادفه،بخلاف الشّماليّة فإنّها تمزّقه.

و الجنيبة:الدّابّة تقاد،و منه جنّبت الدّابّة،إذا قدتها إلى جنبك،و الجمع:الجنائب.

و كلّ طائع منقاد:جنيب،و منه حديث الأذان:

«يقودون جنائب من نور».

و الجناب بالفتح:الفناء،و ما قرب من محلّة القوم، و الجمع:أجنبة.

و فرس طوع الجناب بالكسر،إذا كان سلس القياد.

(2:26)

العدنانيّ: الجنوب،الجنوب.

و يقولون:تقع صيدا جنوب بيروت،و الصّواب:

جنوب بيروت،أي الجهة المقابلة لشمال بيروت.

أمّا الجنوب فهي جمع جنب،الّذي من معانيه:

1-الجنب من كلّ شيء:أ-ناحيته.ب-شقّه.ج- معادله.

2-هذا قليل في جنب مودّتك:بالنّسبة إليها.

3-ما ذا فعلت في جنب حاجتي؟في أمرها،قال تعالى في الآية 56 من سورة الزّمر: يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ: في جانبه و في حقّه.

4-جار الجنب:اللاّزق إلى جنبك.

5-الصّاحب بالجنب:القريب منك،و صاحبك في السّفر.

6-أعطاه الجنب:انقاد له.

7-ذو الجنب:الّذي يشتكي جنبه.

8-ذات الجنب:التهاب في الغشاء المحيط بالرّئة.

أمّا كلمة الجنوب فقد تعني الرّيح الّتي تهبّ من الجنوب.

و يقال:ريحهما جنوب،إذا كانا متصافيين.

و تجمع الجنوب على:جنائب.

و الجنب على:جنوب و أجناب.(129)

محمود شيت:[ذكر نحو السّابقين و أضاف:]

المجنب:الكثير.و آلة كالمسحاة ليس لها أسنان، و طرفها الأسفل مرهف تسوّى بها الأرض،و يرفع بها التّراب لتقوية ما حول مجاري المياه و غيرها.و التّرس.

و السّتر.و الحدّ بين مملكتين.الجمع:مجانب.

المجنّبة من الجيش:المقدّمة.

المجنّبة من الجيش:جناحه،و هما مجنّبتان:ميمنة و ميسرة.

تجنّب الألغام:اجتنبها.

جنبك سلاح:أخذ السّلاح إلى الجنب،و هو إيعاز عسكريّ.

المجنّبة:الميمنة أو الميسرة.(1:155)

المصطفويّ: و التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة،هو الميل و التّنحية،بمعنى جعل الشّيء في جنبه و انصرافه عنه،و الجنب:هو ما يلي الشّيء من غير انفصال،أي الخارج الملاصق،كما أنّ الطّرف،هو منتهى الشّيء داخلا فيه.

و هذا المعنى غير البعد و الإزالة.و قريب من مفهوم:

ص: 45

النّحى و الصّرف و الميل.فالجانب هو المستقرّ في جنب شيء أو ما وقع في الجنب،و الجنب:صفة و كذلك الجنب،و الجنب و الجنيب بمعنى المتّصف بوقوعه في جنب شيء.و الأجنب:صيغة تفضيل.

و تفسيرها بالنّاحية،و من أصابته الجنابة،و الفناء، و من بعدت صحبته و غيرها:كلّها معان مجازيّة،إلاّ إذا كان قيد القرار في الجنب ملحوظا فيها.

و هكذا سائر مشتقّاتها الاسميّة و الفعليّة؛فمعنى جنبه و جانبه و تجنّبه و تجانبه و اجتنبه:جعله في جنبه و صرفه عن نفسه و نحّاه،مضافا إلى ما لوحظ في الصّيغ من الخصوصيّات المختصّة بكلّ منها.

و الفرق بين التّجنيب و التّنحية:أنّ التّنحية مطلق إمالة شيء و صرفه عن شيء،و أمّا التّجنيب فهو التّنحية،و الجعل في الجنب،أي جانبه.[ثمّ ذكر الآيات و تفسيرها،لاحظ النّصوص التّفسيريّة](2:121)

النّصوص التّفسيريّة

جانب

1- أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ...

الإسراء:68

الطّبريّ: يعنى ناحية البرّ.(15:123)

الماورديّ: يحتمل وجهين:

أحدهما:يريد بعض البرّ،و هو موضع حلولهم منه، فسمّاه جانبه لأنّه يصير بعد الخسف جانبا.

الثّاني:أنّهم كانوا على ساحل البحر،و ساحله جانب البرّ،و كانوا فيه آمنين من أهوال البحر،فحذّرهم ما أمنوه من البرّ كما حذّرهم ما خافوه من البحر.

(3:257)

البغويّ: ناحية البرّ،و هي الأرض.(3:144)

الميبديّ: ناحيته من الأرض.و قيل:(جانب البرّ):ساحل البحر.(5:580)

الزّمخشريّ: فإن قلت:بم انتصب(جانب البرّ)؟

قلت:ب(يخسف)مفعولا به ك(الأرض)في قوله:

فَخَسَفْنا بِهِ وَ بِدارِهِ الْأَرْضَ القصص:81،و(بكم) حال.

و المعنى أن يخسف جانب البرّ،أي يقلبه و أنتم عليه.

فإن قلت:فما معنى ذكر الجانب؟

قلت:معناه أنّ الجوانب و الجهات كلّها في قدرته سواء،و له في كلّ جانب-برّا كان أو بحرا-سبب مرصد من أسباب الهلكة،ليس جانب البحر وحده مختصّا بذلك،بل إن كان الغرق في جانب البحر ففي جانب البرّ ما هو مثله و هو الخسف،لأنّه تغييب تحت التّراب،كما أنّ الغرق تغييب تحت الماء،فالبرّ و البحر عنده سيّان يقدر في البرّ على نحو ما يقدر عليه في البحر،فعلى العاقل أن يستوي خوفه من اللّه في جميع الجوانب،و حيث كان.

(2:457)

نحوه الفخر الرّازيّ(21:11)،و النّسفيّ(2:321)، و النّيسابوريّ(15:57).

الطّبرسيّ: معناه أنّ فعلكم هذا فعل من يتوهّم أنّه إذا صار إلى البرّ أمن المكاره حتّى أعرضتم عن شكر اللّه و طاعته،فهل أمنتم أن يخسف بكم؟!أي يغيبكم

ص: 46

و يذهبكم في جانب البرّ و هو الأرض،يقال:خسف اللّه به الأرض،أي غاب به فيها.و أراد به بعض البرّ،و هو موضع حلولهم فيه فسمّاه جانبا،لأنّه يصير بعد الخسف جانبا.

[ثمّ نقل الوجه الثّاني للماورديّ](3:427)

نحوه شبّر.(4:37)

القرطبيّ: و(جانب البرّ):ناحية الأرض،و سمّاه جانبا لأنّه يصير بعد الخسف جانبا،و أيضا فإنّ البحر جانب و البرّ جانب.

[و نقل الوجه الثّاني عند الماورديّ](10:292)

البيضاويّ: في ذكر الجانب تنبيه على أنّهم كما وصلوا السّاحل كفروا و أعرضوا،و أنّ الجوانب و الجهات في قدرته سواء،لا معقل يؤمن فيه من أسباب الهلاك.

(1:592)

نحوه أبو السّعود(4:145)،و الكاشانيّ(3:205).

البروسويّ: إنّ جميع الجوانب و الجهات متساوية بالنّسبة إلى قدرته تعالى و قهره و سلطانه،لا ملجأ و لا منجى منه إلاّ إليه،فعلى العبد أن يستوي خوفه من اللّه في جميع الجوانب حيث كان،فإنّ اللّه كان متحلّيا بجماله و جلاله في جميع الأينيّات،و لذا كان أهل اليقظة و الحضور لا يفرّقون بين أين و أين،و بين حال و حال، لمشاهدتهم إحاطة اللّه تعالى،فإنّ اللّه تعالى لو شاء لأهلك من حيث لا يخطر بالبال.

أ لا ترى أنّه أهلك نمرود بالبعوض،فكان البعوض بالنّسبة إلى قدرته كالأسد و نحوه في الإهلاك،و ربّما رأيت من غصّ بلقمة فمات.فانظر في أنّ تلك اللّقمة مع أنّها من أسباب الحياة كانت من مبادئ الممات،فأماته اللّه من حيث يدري حياته فيه.و لو أمعنت النّظر لوجدت شئون اللّه تعالى في هذا العالم عجيبة.

(5:184)

الآلوسيّ: الّذي هو مأمنكم،أي أن يغيّبه اللّه تعالى و يذهب به في أعماق الأرض مصاحبا بكم،أي و أنتم عليه،على أنّ«الباء»للمصاحبة،و الجارّ و المجرور في موضع الحال.و جوّز أن تكون«الباء»للسّببيّة و الجارّ و المجرور متعلّق بما عنده،أي أن يغيّبه سبحانه بسببكم.

و تعقّب بأنّه لا يلزم من قلبه بسببهم أن يكونوا مهلكين مخسوفا بهم.

و أجيب بأنّه حيث كان المراد من جانب البرّ جانبه الّذي هم فيه،استلزم خسفه هلاكهم،و لو لا هذا لم يكن في التّوعّد به فائدة.

و نصب(جانب)في الوجهين على أنّه مفعول به ل(يخسف).و في«الدّرّ المصون»أنّه منصوب على الظّرفيّة،و حينئذ يجوز كون الباء للتّعدية،على معنى أ فأنتم أن يغيّبكم في ذلك.

و في«القاموس»خسف اللّه تعالى بفلان الأرض:

غيّبه فيها،و الظّاهر أنّه بيان للمعنى اللّغويّ للّفظ.

و في ذكر«الجانب»تنبيه على أنّهم عند ما وصلوا السّاحل أعرضوا.

أو ليكون المعنى أنّ الجوانب و الجهات متساوية بالنّسبة إلى قدرته سبحانه و قهره و سلطانه،فله في كلّ جانب-برّا كان أو بحرا-سبب مرصد من أسباب الهلكة،فليس جانب البحر وحده مختصّا بذلك،بل إن

ص: 47

كان الغرق في جانب البحر ففي جانب البرّ ما هو مثله و هو الخسف،لأنّه تغييب تحت التّراب،كما أنّ الغرق تغييب تحت الماء،فعلى العاقل أن يخاف من اللّه تعالى في جميع الجوانب و حيث كان.

و الأوّل على تقدير أن يراد بجانب البرّ:طرفه ممّا يلي البحر،و هو السّاحل.و هذا على احتمال أن يراد به:

ما يشتمل جميع جوانبه.(15:116)

عبد الكريم الخطيب :و لكن أين تذهبون،إذا أنتم أمنتم جانب البرّ،أو تخرجون من ملك اللّه؟ثمّ أ تدفعون بأس اللّه عنكم إذا جاءكم؟فهل تأمنون و أنتم في البرّ أن يرسل اللّه عليكم ريحا عاصفة،محمّلة بالهلاك و الدّمار،فتغرقكم في الأرض،و تدفنكم في بطنها؟فإذا كنتم قد سلمتم من الغرق في البحر،فهل تعجز قدرة اللّه من أن تنالكم بالبلاء و أنتم على ظهر اليابسة؟و هل إذا وقع بكم هذا البلاء،هل هناك من يتولّى دفعه عنكم؟

و في قوله تعالى:(جانب البرّ)إشارة إلى هذا الحمى، و ذلك الجناب الّذي يجد فيه الإنسان طمأنينة و أمنا حين يضع قدمه على اليابسة،بعد أن يترك البحر و مخاطره.

فهذا الجانب لا يعصم من أمر اللّه،و لا يردّ بأسه.

(8:523)

2- لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَ يُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ. الصّافات:8

مجاهد :من كلّ مكان.(الطّبريّ 23:39)

قتادة :من جوانب السّماء.(الطّبريّ 23:39)

الواحديّ: و يرمون من كلّ ناحية بالشّهب.

(3:522)

البغويّ: من كلّ آفاق السّماء بالشّهب.(4:27)

الزّمخشريّ: من جميع جوانب السّماء،من أيّ جهة صعدوا للاستراق.(3:336)

نحوه الطّبرسيّ(4:438)،و البيضاويّ(2:289)، و النّسفيّ(4:17)،و أبو السّعود(5:321).

النّيسابوريّ: أي مرّة من هذا الجانب و مرّة من هذا الجانب.و قيل:من كلّ الجوانب.(23:43)

الشّربينيّ: أي من آفاق السّماء.(3:371)

الآلوسيّ: من جوانب السّماء إذا قصدوا الصّعود إليها،و ليس المراد أنّ كلّ واحد يرمى من كلّ جانب بل هو على التّوزيع،أي كلّ من صعد من جانب رمي منه.

(23:70)

الطّباطبائيّ: الجانب:الجهة.(17:123)

فضل اللّه :فيتعرّضون لما ترميهم به الشّهب.

(19:178)

جانبه

وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَ نَأى بِجانِبِهِ وَ إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً. الإسراء:83

راجع«ن أي»

جنب

أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ وَ إِنْ كُنْتُ لَمِنَ السّاخِرِينَ. الزّمر:56

ص: 48

ابن عبّاس: ضيّعت في ثواب اللّه.

(الواحديّ 3:589)

مجاهد :في أمر اللّه.(الطّبريّ 24:19)

في مجانبة أمر اللّه.

مثله السّدّيّ.(الماورديّ 5:132)

الحسن :في ذات اللّه.(الماورديّ 5:132)

السّدّيّ: ما تركت من أمر اللّه.(419)

في ذكر اللّه.(الماورديّ 5:133)

الفرّاء: أي في قرب اللّه و جواره.

(الأزهريّ 11:117)

أبو عبيدة : فِي جَنْبِ اللّهِ و في ذات اللّه واحد.

(2:190)

الطّبريّ: على ما ضيّعت من العمل بما أمرني اللّه به، و قصّرت في الدّنيا في طاعة اللّه.(24:19)

الزّجّاج: في أمر اللّه،أي فرّطت في الطّريق الّذي هو طريق اللّه الّذي دعاني إليه،و هو توحيده و الإقرار بنبوّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(4:359)

السّجستانيّ: ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ و في ذات اللّه:واحد،و يقال:ما فعلت في جنب حاجتي،أي في حاجتي.[ثمّ استشهد بشعر](163)

النّقّاش:في ثواب اللّه من الجنّة.

(الماورديّ 5:133)

الشّريف الرّضيّ: و هذه استعارة.و قد اختلف في المراد بالجنب هاهنا،فقال قوم:معناه في ذات اللّه.و قال قوم:معناه في طاعة اللّه و في أمر اللّه،إلاّ أنّه ذكر «الجنب»على مجرى العادة في قولهم:هذا الأمر صغار في جنب ذلك الأمر،أي في جهته،لأنّه إذا عبّر عنه بهذه العبارة و دلّ على اختصاصه به من وجه قريب من معنى صفته.

و قال بعضهم:معنى(فى جنب اللّه)أي في سبيل اللّه، أو في الجانب الأقرب إلى مرضاته بالأوصل إلى طاعاته.

فلمّا كان الأمر كلّه يتشعّب إلى طريقين:أحدهما هدى و رشاد،و الأخرى غيّ و ضلال،و كلّ واحد منهما مجانب لصاحبه،أي هو في جانب و الآخر في جانب،و كان الجنب و الجانب بمعنى واحد،حسنت العبارة هاهنا عن سبيل اللّه بجنب اللّه،على النّحو الّذي ذكرناه.(165)

الماورديّ: فيه ستّة تأويلات:[مضت أربعة منها]

الخامس:في الجانب المؤدّي إلى رضا اللّه،و الجنب و الجانب سواء.

السّادس:في طلب القرب من اللّه،و منه قوله تعالى:

وَ الصّاحِبِ بِالْجَنْبِ أي بالقرب.(5:133)

الطّوسيّ: معناه فرّطت في طاعة اللّه أو في أمر اللّه، إلاّ أنّه ذكر الجنب،كما يقال:هذا صغير في جنب ذلك الماضي في أمره،و في جهته،فإذا ذكر هذا دلّ على الاختصاص به من وجه قريب من معنى جنبه.(9:39)

الواحديّ: و الجنب بمعنى القرب كثير في الكلام، يقال:فلان يعيش في جنب فلان،أي في قربه و جواره، و منه قوله تعالى: وَ الصّاحِبِ بِالْجَنْبِ النّساء:36، و المعنى على هذا القول:على ما فرّطت في طلب جنب اللّه،أي في طلب جواره و قربه و هو الجنّة.(3:589)

البغويّ: و قيل:معناه قصّرت في الجانب الّذي يؤدّي إلى رضاء اللّه.و العرب تسمّي«الجنب»

ص: 49

جانبا.(4:98)

الميبديّ: أي قصّرت في طاعة اللّه و إقامة حقّه.

(8:433)

الزّمخشريّ: و الجنب:الجانب،يقال:أنا فى جنب فلان و جانبه و ناحيته،و فلان ليّن الجنب و الجانب،ثمّ قالوا:فرّط في جنبه و في جانبه:يريدون في حقّه.[إلى أن قال:]

قيل: ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ على معنى فرّطت في ذات اللّه.

فإن قلت:فمرجع كلامك إلى أنّ ذكر الجنب كلا ذكر،سوى ما يعطي من حسن الكناية و بلاغتها،فكأنّه قيل:فرّطت في اللّه،فما معنى فرّطت في اللّه؟

قلت:لا بدّ من تقدير مضاف محذوف سواء ذكر الجنب أو لم يذكر،و المعنى فرّطت في طاعة اللّه و ما أشبه ذلك.و في حرف عبد اللّه و حفصة:في ذكر اللّه.

(3:404)

ابن عطيّة: معناه:في مقاصدي إلى اللّه و في جهة طاعته،أي في تضييع شريعته و الإيمان به.و الجنب:

يعبّر به عن هذا و نحوه.[ثمّ استشهد بشعر](4:538)

الفخر الرّازيّ: القائلون بإثبات الأعضاء للّه تعالى استدلّوا على إثبات الجنب بهذه الآية،و اعلم أنّ دلائلنا على نفي الأعضاء قد كثرت،فلا فائدة في الإعادة.

و نقول:بتقدير أن يكون المراد من هذا الجنب عضوا مخصوصا للّه تعالى،فإنّه يمتنع وقوع التّفريط فيه، فثبت أنّه لا بدّ من المصير إلى التّأويل،و للمفسّرين فيه عبارات.[و نقل قول المفسّرين ثمّ قال:]

و اعلم أنّ الإكثار من هذه العبارات لا يفيد شرح الصّدور و شفاء الغليل،فنقول:الجنب سمّي جنبا لأنّه جانب من جوانب ذلك الشّيء،و الشّيء الّذي يكون من لوازم الشّيء و توابعه يكون كأنّه جند من جنوده و جانب من جوانبه،فلمّا حصلت هذه المشابهة بين الجنب الّذي هو العضو و بين ما يكون لازما للشّيء و تابعا له،لا جرم حسن إطلاق لفظ الجنب على الحقّ و الأمر و الطّاعة.[ثمّ استشهد بشعر](27:6)

نحوه النّيسابوريّ.(24:13)

البيضاويّ: في جانبه،أي في حقّه،و هو طاعته.

[ثمّ استشهد بشعر](2:326)

النّسفيّ: في أمر اللّه أو في طاعة اللّه أو في ذاته،و في حرف عبد اللّه:في ذكر اللّه.و الجنب:الجانب،يقال:أنا في جنب فلان و جانبه و ناحيته،و فلان ليّن الجانب و الجنب،ثمّ قالوا:فرّط في جنبه و في جانبه،يريدون في حقّه.و هذا من باب الكناية،لأنّك إذا أثبتّ الأمر في مكان الرّجل و حيّزه فقد أثبتّه فيه.(4:62)

الخازن :يعني على ما قصّرت في طاعة اللّه.

(6:69)

أبو حيّان :و الجنب:الجانب،و مستحيل على اللّه الجارحة،فإضافة«الجنب»إليه مجاز.و قيل:في جهة طاعته،و الجنب:الجهة.[ثمّ استشهد بشعر]

(7:435)

أبو السّعود :أي جانبه و في حقّه و طاعته.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:في ذات اللّه،على تقدير المضاف

ص: 50

كالطّاعة.(5:400)

البروسويّ: في جانبه و هو طاعته و إقامة حقّه و سلوك طريقه.(8:129)

نحوه شبّر.(5:323)

الآلوسيّ: [نقل قول بعض المفسّرين ثمّ قال:] قيل:الجنب مجاز عن الذّات كالجانب أو المجلس، يستعمل مجازا لربّه،فيكون المعنى:على ما فرّطت في ذات اللّه.و ضعّف بأنّ الجنب لا يليق إطلاقه عليه تعالى و لو مجازا،و ركاكته ظاهرة أيضا.

و قيل:هو مجاز عن القرب،أي على ما فرّطت في قرب اللّه.و ضعّف بأنّه محتاج إلى تجوّز آخر،و يرجع الأمر في الآخرة إلى:طاعة اللّه تعالى و نحوها.و بالجملة لا يمكن إبقاء الكلام على حقيقته لتنزّهه عزّ و جلّ من الجنب بالمعنى الحقيقيّ.(24:17)

الطّباطبائيّ: [ذكر قول الرّاغب ثمّ قال:]

فجنب اللّه:جانبه و ناحيته،و هي ما يرجع إليه تعالى ممّا يجب على العبد أن يعامله،و مصداق ذلك أن يعبده وحده و لا يعصيه،و التّفريط في جنب اللّه:التّقصير في ذلك.(17:282)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ(جنب اللّه)الّتي وردت في آيات بحثنا لها معان واسعة،تشمل كلّ ما يرتبط باللّه سبحانه و تعالى،و بهذا الشّكل فإنّ التّفريط في جنب اللّه يشمل كلّ أنواع التّفريط في طاعة أوامر اللّه،و اتّباع ما جاء في الكتب السّماويّة،و التّأسّي بالأنبياء و الأولياء.

(15:123)

الجنب

وَ اعْبُدُوا اللّهَ وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ بِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى وَ الْجارِ الْجُنُبِ وَ الصّاحِبِ بِالْجَنْبِ... النّساء:36

ابن مسعود:الرّفيق الصّالح.

مثله سعيد بن جبير.(الطّبريّ 5:81)

هي المرأة.

مثله عبد الرّحمن بن أبي ليلى.(الطّبريّ 5:81)

ابن عبّاس: الرّفيق.(الطّبري 5:80)

نحوه الفرّاء.(1:267)

يعني الّذي معك في منزلك.(الطّبريّ 5:81)

الملازم.(الطّبريّ 5:82)

سعيد بن جبير: الرّفيق في السّفر.(الطّبريّ 5:80)

مثله قتادة،و عكرمة،و مجاهد،و الضّحّاك.

(الطّبريّ 5:80،81)

مجاهد :صاحبك في السّفر.(الطّبريّ 5:80)

الرّفيق في السّفر،منزله منزلك،و طعامه طعامك و مسيره مسيرك.(الطّبريّ 5:81)

السّدّيّ: الصّاحب في السّفر.(203)

نحوه السّجستانيّ.(43)

ابن زيد :الّذي يلصق بك،و هو إلى جنبك، و يكون معك إلى جنبك،رجاء خيرك و نفعك.

(الطّبريّ 5:82)

أبو عبيدة :أي يصاحبك في سفرك و يلزمك فينزل إلى جنبك.(1:126)

ص: 51

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في المعنيّ بذلك، فقال بعضهم:هو رفيق الرّجل في سفره.

و قال آخرون:بل هو امرأة الرّجل،الّتي تكون معه إلى جنبه.

و قال آخرون:هو الّذي يلزمك و يصحبك،رجاء نفعك.

و الصّواب من القول في تأويل ذلك عندي:أنّ معنى اَلصّاحِبِ بِالْجَنْبِ الصّاحب إلى الجنب،كما يقال:

فلان بجنب فلان،و إلى جنبه،و هو من قولهم:جنب فلان فلانا،فهو يجنبه جنبا،إذا كان لجنبه،و من ذلك جنب الخيل،إذا قاد بعضها إلى جنب بعض.و قد يدخل في هذا الرّفيق في السّفر،و المرأة،و المنقطع إلى الرّجل، الّذي يلازمه رجاء نفعه،لأنّ كلّهم بجنب الّذي هو معه، و قريب منه،و قد أوصى اللّه تعالى بجميعهم،لوجوب حقّ الصّاحب على المصحوب.(5:80)

الطّوسيّ: [نقل قول ابن مسعود و ابن عبّاس و ابن زيد ثمّ قال:] و قيل:إنّه في جميع هؤلاء،و هو أعمّ فائدة.

(3:194)

الزّمخشريّ: هو الّذي صحبك بأن حصل بجنبك، إمّا رفيقا في سفر،و إمّا جارا ملاصقا،و إمّا شريكا في تعلّم علم أو حرفة،و إمّا قاعدا إلى جنبك في مجلس أو مسجد أو غير ذلك،من أدنى صحبة التأمت بينك و بينه، فعليك أن ترعى ذلك الحقّ و لا تنساه،و تجعله ذريعة إلى الإحسان.(1:526)

نحوه الفخر الرّازيّ(10:97)،و النّسفيّ(1:225)، و النّيسابوريّ(5:39)،و الطّبرسيّ(2:46)، و البيضاويّ(1:219)،و أبو السّعود(2:135)، و الكاشانيّ(1:416)،و البروسويّ(2:206)، و الطّباطبائيّ(4:354)،و عبد الكريم الخطيب(3:788).

مكارم الشّيرازيّ: ثمّ أوصت[الآية]بالرّفيق و الصّاحب،غير أنّه لا بدّ من الانتباه إلى أنّ ل اَلصّاحِبِ بِالْجَنْبِ معنى أوسع من الرّفيق و الصّديق المتعارف.

و في الحقيقة تشمل كلّ من رافق أو صاحب الإنسان مرافقة ما،سواء كان صديقا دائميّا أو صديقا موقّتا، كالّذي يرافق الإنسان في السّفر بعض الوقت.

و تفسير لفظة اَلصّاحِبِ بِالْجَنْبِ في بعض الرّوايات:بالرّفيق-مثل رفيقك في السّفر،أو الّذي يقصد الإنسان رجاء نفعه،مثل المنقطع إليك يرجو نفعك- ليس المراد هو اختصاص هذا العنوان بهم،بل هو نوع من التّوسعة في مفهوم هذه اللّفظة؛بحيث تشمل هذه الموارد أيضا،و بهذا الطّريق تكون هذه الآية أمرا كلّيّا و جامعا بحسن معاشرة كلّ من يرتبط بالمرء،سواء كان صديقا واقعيّا،أو زميلا،أو رفيق سفر،أو مراجعا،أو تلميذا،أو مشاورا،أو خادما.(3:205)

المصطفويّ: وَ الْجارِ الْجُنُبِ وَ الصّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ، أي إحسانا بالجار ذي القربى ظاهرا؛و باطنا من جهة الحسب أو النّسب أو الإيمان، و بالجار الواقع بجنبك و له جوار ظاهريّ فقط،و بمن يصاحبك و هو في جنبك.

و ذكر(الجنب)في مقابل(ذى القربى)إشارة إلى أنّ حقّ الجوار كاف في الإحسان،سواء أضيف إليه حقّ

ص: 52

القرابة أم لا.و المراد من(الجنب):من كان متّصفا بكونه خارجا عن برنامج المحسن معنى.

فحقّ الجوار المطلق يقتضي الإحسان سواء كان له قربى معنويّا أو لم يكن،و سواء كان مسكينا أم لا،كما أنّ حقّ المصاحبة المطلقة كذلك.

و اختلاف التّعبير في جملتي(الجار الجنب) (الصّاحب بالجنب):يدلّ على اختلاف المعنى المراد، فإنّ(الجنب)صفة للجار.أي الجار الّذي نحّى و ليس بذي قرب،و أمّا الجنب فهو اسم مكان،أي مصاحب هو في محلّ قريب منك.

و قد يطلق(الجنب)على الطّرف اليمين أو اليسار من البدن:و هذا الإطلاق إمّا مجاز بعلاقة المجاورة،أو بلحاظ فرض البدن عبارة عن الرّوح و النّفس،أو قسمة ممتازة مركزيّة منه،حتّى يطلق على طرفيها الجنب، و هذا كإطلاق اليمين و التّحت،يقال:جنّة تجري من تحتها الأنهار،و كتبت بيميني،و كذلك الفوق،يقال:

كشجرة اجتثّت من فوق الأرض.

فيراد من الجنّة:محيط الأشجار الملتفّة،و من الأرض:الجهة الدّاخليّة المركزيّة منها،و من الإنسان:

نفسه القائم بمركز البدن.

فقد استعمل بهذا المعنى في الآيات الكريمة قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِكُمْ النّساء:103، تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ السّجدة:16،(دعانا لجنبه) يونس:12،(وجبت جنوبها)الحجّ:36.

و لا يخفى ما في التّعبير و التّبيين بهذه الكلمة في هذه الموارد من اللّطف؛حيث أشير بها إلى حالة تنحّيهم و ميلهم إلى الطّبيعة و الاستراحة البدنيّة.و أمّا ثبوت «الجنوب»فإنّ الجنوب آخر ما يزول عنها الحركة و الجريان.(2:122)

لجنبه

وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً... يونس:12

راجع«د ع و».

جنب

1- وَ قالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ. القصص:11

ابن عبّاس: عن بعد.(324)

مثله مجاهد(الطّبريّ 20:39)،و أبو عبيدة(2:

98)،و الزّجّاج(4:124).

و الجنب:أن يسمو بصر الإنسان إلى الشّيء البعيد،و هو إلى جنبه لا يشعر به.(الطّبريّ 20:39)

قتادة :تنظر إليه كأنّها لا تريده.(الطّبريّ 20:40)

نحوه البغويّ.(3:525)

يقول:بصرت به،و هي محاذيته لم تأته.

(الطّبريّ 20:39)

ابن جريج: هي على الحدّ في الأرض،و موسى يجري به النّيل،و هما متحاذيان،كذلك تنظر إليه نظرة، و إلى النّاس نظرة،و قد جعل في تابوت مقيّر ظهره و بطنه،و أقفلته عليه.(الطّبريّ 20:39)

ص: 53

أبو عمرو ابن العلاء: قال بعض المفسّرين:أي عن شوق،و هي لغة لجذام،يقولون:جنبت إلى لقائك، أي اشتقت.(النّحّاس 5:163)

ابن قتيبة :أي بعد منها عنه و إعراض،لئلاّ يفطنوا لها.(329)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:فقصّت أخت موسى أثره،فبصرت به عن جنب.يقول:فبصرت بموسى عن بعد.لم تدن منه و لم تقرب،لئلاّ يعلم أنّها منه بسبيل، يقال منه:بصرت به و أبصرته،لغتان مشهورتان، و أبصرت عن جنب،و عن جنابة.[ثمّ استشهد بشعر]

(20:39)

الزّجّاج: معناه فأتبعته،فبصرت به عن جنب،أي عن بعد تبصر و لا توهم أنّها تراه،يقال:بصرت به عن جنب و عن جنابة،إذا نظرت إليه عن بعد.[ثمّ استشهد بشعر](4:134)

الطّوسيّ: قيل:معنى(عن جنب)عن مكان جنب،و هو الجانب لأنّ الجنب صفة وقعت موقع الموصوف لظهور معناه،و كان ذلك أحسن و أوجز.

(8:134)

نحوه الكرمانيّ.(أبو حيّان 7:107)

الزّمخشريّ: [نحو الزّجّاج و قال:]

و قرئ (عن جانب) و (عن جنب) و الجنب:

الجانب،يقال:قعد إلى جنبه و إلى جانبه،أي إليه نظرت مزورّة متجانفة مخاتلة.(3:167)

نحوه الفخر الرّازيّ(24:230)،و البيضاويّ(2:

188)،و أبو السّعود(5:115).

ابن عطيّة: أي عن ناحية من غير قصد و لا قرب يشعر لها به،يقال:فيه جنب و جناب و جنابة.[ثمّ استشهد بشعر]

و كأنّ معنى هذه الألفاظ:عن مكان جنب،أي عن بعد،و معنى الآية عن بعد لم تدن منه فيشعر لها.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ قتادة (عن جنب) بفتح الجيم و سكون النّون، و هي قراءة الحسن و الأعرج،و قرأ (عن جانب) النّعمان ابن سالم،و قرأ الجمهور (عَنْ جُنُبٍ) بضمّ الجيم و النّون.

(4:278)

أبو حيّان :و قيل:عن جانب،لأنّها كانت تمشي على الشّطّ.(7:107)

أبو السّعود :عن بعد.و قرئ بسكون النّون،و (عن جانب) و الكلّ بمعنى.(5:115)

البروسويّ: عن بعد تبصره،و لا توهم أنّها تراه.(6:386)

الجنب

...وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ بِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى وَ الْجارِ الْجُنُبِ...

النّساء:36

راجع:«ج و ر».

اجنبنى

وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ. إبراهيم:35

ص: 54

وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ. إبراهيم:35

الفرّاء: أهل الحجاز يقولون:جنبني،هي خفيفة.

و أهل نجد يقولون:أجنبني شرّه و جنّبني شرّه.فلو قرأ قارئ(و اجنبني و بنىّ)لأصاب،و لم أسمعه من قارئ.

(2:78)

أبو عبيدة :جنبت الرّجل الأمر،و هو يجنب أخاه الشّرّ و جنّبته واحد.[ثمّ استشهد بشعر](1:342)

الطّبريّ: يقال منه:جنبته الشّرّ فأنا أجنبه جنبا، و جنّبته الشّرّ،فأنا أجنّبه تجنيبا،و أجنبته ذلك،فأنا أجنبه إجنابا.[ثمّ استشهد بشعر]

و معنى ذلك أبعدني و بنيّ من عبادة الأصنام.

(13:228)

الزّجّاج: و تقرأ (و أجنبنى و بنىّ) على أجنبته كذا و كذا،إذا جعلته ناحية منه،و كذلك جنبته كذا و كذا.

و معنى الدّعاء من إبراهيم عليه السّلام أن يجنّب عبادة الأصنام،و هو غير عابد لها،على معنى:ثبّتني على اجتناب عبادتها.(3:164)

السّجستانيّ: (اجنبنى)و جنّبني بمعنى واحد،أي أبعدني.(99)

نحوه البغويّ(3:42)

النّحّاس: قرأ الجحدريّ،و عيسى (و اجنبنى) بقطع الألف و معناه اجعلني جانبا.

و كذلك معنى«اجنبنى»و«جنّبني»معناه:ثبّتني على توحيدك،كما قال تعالى: وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ البقرة:128،و هما مسلمان.(3:535)

عبد الجبّار: قالوا:ثمّ ذكر تعالى ما يدلّ على أنّه يفعل في العبد مجانبة عبادة الأصنام،فقال: وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ فدعا اللّه تعالى أن يجعله بهذه الصّفة.

و الجواب عن ذلك:أنّ ظاهر الدّعاء إنّما يقتضي أنّ الدّاعي أراد منه تعالى ذلك الأمر الّذي سأل،و هل ذلك ممّا يفعله أم لا،و هل يفعله مع بقاء التّكليف أم لا، و كيف الحال فيه إذا فعله؟لا يعلم بهذا الظّاهر،فمن أين أنّ الأمر على ما قالوه؟

و يجب أن يكون المراد بذلك:أنّه سأل اللّه تعالى أن يلطف له بما عنده يجتنب عبادة الأصنام،و دعا مثل ذلك لبعض ولده.(2:419)

الطّوسيّ: أي اصرفني عنه،جنبته أو جنبه،جنبا، و جنّبته الشّرّ تجنيبا،و أجنبته إجنابا.[ثمّ استشهد بشعر]

(و اجنبني)أي و اصرفني وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ أي جنّبنا عبادة الأصنام بلطف من ألطافك الّذي نختار عنده الامتناع من عبادتها.

و دعاء الأنبياء لا يكون إلاّ مستجابا،فعلى هذا يكون سؤاله أن يجنب بنيه عبادة الأصنام،مخصوصا بمن علم اللّه من حاله أن يكون مؤمنا،لا يعبد إلاّ اللّه،و يكون اللّه تعالى أذن له في الدّعاء لهم،فيجيب اللّه تعالى ذلك لهم.(6:298)

نحوه الطّبرسيّ.(3:317)

الواحديّ: يقال:جنبته كذا،و أجنبته و جنّبته،أي باعدته عنه و جعلته ناحية منه،و المعنى:ثبّتني على اجتناب عبادتها،لأنّه غير عابد لها،و هذه الدّعوة

ص: 55

مخصوصة بأبنائه من صلبه،فقد كان من نسله من عبد الصّنم.(3:33)

الميبديّ: أي جنّبني و ولدي عبادة الأصنام، يقال:جنبه اللّه السّوء و أجنبه و جنّبه بمعنى واحد (و اجنبنى)أي ثبّتني على اجتناب عبادتها.(5:267)

الزّمخشريّ: [نحو الفرّاء و أضاف:] و المعنى ثبّتنا و أدمنا على اجتناب عبادتها.

(2:379)

نحوه النّسفيّ.(2:263)

ابن عطيّة: معناه و امنعني،يقال:جنبه كذا و جنّبه و أجنبه،إذا منعه من الأمر،و حماه منه.

و قرأ الجحدريّ و الثّقفيّ (و اجنبنى) بقطع الألف و كسر النّون.(3:341)

نحوه القرطبيّ.(9:368)

الفخر الرّازيّ: و فيه مسائل:

المسألة الأولى:قرئ (و اجنبنى) و فيه ثلاث لغات:

جنّبه و أجنبه و جنبه،قال الفرّاء:أهل الحجاز يقولون:

جنبني يجنبني بالتّخفيف،و أهل نجد يقولون:جنّبني شرّه و أجنبني شرّه،و أصله:جعل الشّيء عن غيره على جانب و ناحية.

المسألة الثّانية:لقائل أن يقول:الإشكال على هذه الآية من وجوه:

أحدها:[أنّه لم يقبل دعائه في جعل مكّة بلدا آمنا و أجاب عنها بوجهين لاحظ«أ م ن»(هذا البلد آمنا)]

و ثانيها:أنّ الأنبياء عليهم السّلام لا يعبدون الوثن البتّة،و إذا كان كذلك فما الفائدة في قوله:(اجنبنى)عن عبادة الأصنام.

و ثالثها:أنّه طلب من اللّه تعالى أن لا يجعل أبناءه من عبدة الأصنام،و اللّه تعالى لم يقبل دعاءه،لأنّ كفّار قريش كانوا من أولاده،مع أنّهم كانوا يعبدون الأصنام.

فإن قالوا:إنّهم ما كانوا أبناء إبراهيم و إنّما كانوا أبناء أبنائه،و الدّعاء مخصوص بالأبناء.

فنقول:فإذا كان المراد من أولئك الأبناء أبناءه من صلبه و هم ما كانوا إلاّ إسماعيل و إسحاق،و هما كانا من أكابر الأنبياء،و قد علم أنّ الأنبياء لا يعبدون الصّنم،فقد عاد السّؤال في أنّه ما الفائدة في ذلك الدّعاء؟

و الجواب عن السّؤال الأوّل...لاحظ«أ م ن».

و الجواب عن السّؤال الثّاني قال الزّجّاج:معناه ثبّتني على اجتناب عبادتها،كما قال: وَ اجْعَلْنا مُسْلِمَيْنِ لَكَ البقرة:128،أي ثبّتنا على الإسلام.و لقائل أن يقول:السّؤال باق،لأنّه لمّا كان من المعلوم أنّه تعالى يثبّت الأنبياء عليهم السّلام على الاجتناب من عبادة الأصنام، فما الفائدة في هذا السّؤال؟

و الصّحيح عندي في الجواب وجهان:

الأوّل:أنّه عليه السّلام و إن كان يعلم أنّه تعالى يعصمه من عبادة الأصنام،إلاّ أنّه ذكر ذلك هضما للنّفس،و إظهارا للحاجة و الفاقة إلى فضل اللّه في كلّ المطالب.

و الثّاني:أنّ الصّوفيّة يقولون:إنّ الشّرك نوعان:

شرك جليّ و هو الّذي يقول به المشركون،و شرك خفيّ و هو تعليق القلب بالوسائط و بالأسباب الظّاهرة.

و التّوحيد المحض هو أن ينقطع نظره عن الوسائط، و لا يرى متصرّفا سوى الحقّ سبحانه و تعالى.فيحتمل

ص: 56

أن يكون قوله: وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ المراد منه أن يعصمه عن هذا الشّرك الخفيّ،و اللّه أعلم بمراده.

و الجواب عن السّؤال الثّالث من وجوه:

الأوّل:قال صاحب«الكشّاف»:قوله:(و بنىّ)أراد بنيه من صلبه،و الفائدة في هذا الدّعاء عين الفائدة الّتي ذكرناها في قوله:(و اجنبنى).

الثّاني:قال بعضهم:أراد من أولاده و أولاد أولاده:

كلّ من كانوا موجودين حال الدّعاء،و لا شبهة أنّ دعوته مجابة فيهم.

الثّالث:قال مجاهد:لم يعبد أحد من ولد إبراهيم عليه السّلام صنما،و الصّنم هو التّمثال المصوّر،و ما ليس بمصوّر فهو وثن.و كفّار قريش ما عبدوا التّمثال و إنّما كانوا يعبدون أحجارا مخصوصة و أشجارا مخصوصة.و هذا الجواب ليس بقويّ،لأنّه عليه السّلام لا يجوز أن يريد بهذا الدّعاء إلاّ عبادة غير اللّه تعالى،و الحجر كالصّنم في ذلك.

الرّابع:أنّ هذا الدّعاء مختصّ بالمؤمنين من أولاده، و الدّليل عليه أنّه قال في آخر الآية: فَمَنْ تَبِعَنِي فَإِنَّهُ مِنِّي إبراهيم:36،و ذلك يفيد أنّ من لم يتبعه على دينه فإنّه ليس منه،و نظيره قوله تعالى لنوح: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ هود:46.

الخامس:لعلّه و إن كان عمّم في الدّعاء إلاّ أنّ اللّه تعالى أجاب دعاءه في حقّ البعض دون البعض؛و ذلك لا يوجب تحقير الأنبياء عليهم السّلام،و نظيره قوله تعالى في حقّ إبراهيم عليه السّلام: قالَ إِنِّي جاعِلُكَ لِلنّاسِ إِماماً قالَ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِي قالَ لا يَنالُ عَهْدِي الظّالِمِينَ البقرة:124.

(19:131)

نحوه النّيسابوريّ.(13:134)

البيضاويّ: بعّدني و إيّاهم.[إلى أن قال:]

و فيه دليل على أنّ عصمة الأنبياء بتوفيق اللّه و حفظه إيّاهم-و هو بظاهره-لا يتناول أحفاده و جميع ذرّيّته.(1:532)

نحوه البروسويّ.(4:424)

أبو حيّان :جنب مخفّفا و أجنب رباعيّا لغة نجد، و جنّب مشدّدا لغة الحجاز،و المعنى منع،و أصله:من الجانب.(5:429)

أبو السّعود :[نحو البيضاويّ و أضاف:]

و ليت شعري كيف ذهب عليه ما في القرآن العظيم من قوارع تنعي على قريش عبادة الأصنام،على أنّ فيما ذكره كرّا على ما فرّ منه.(3:492)

الآلوسيّ: [نحو الزّجّاج إلى أن ذكر قول الفخر الرّازيّ ثمّ قال:]

و يرد على الأخير أنّه يعود السّؤال عليه فيما أظنّ، لأنّ النّظر إلى السّويّ يحاكي الشّرك الّذي يقول به المشركون عند الصّوفيّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و لا أظنّ أنّهم يجوّزون ذلك للأنبياء عليهم السّلام،و حيث بني الكلام على ما قرّروه،يقال:ما فائدة سؤال العصمة عن ذلك و الأنبياء عليهم السّلام معصومون عنه؟

و الجواب الصّحيح عندي ما قيل:إنّ عصمة الأنبياء عليهم السّلام ليست لأمر طبيعيّ فيهم بل بمحض توفيق اللّه تعالى إيّاهم و تفضّله عليهم،و لذلك صحّ طلبها.و في بعض الآثار أنّ اللّه سبحانه قال لموسى عليه السّلام:يا موسى لا تأمن مكري حتّى تجوز الصّراط.

ص: 57

و أنت تعلم أنّ المبشّرين بالجنّة على لسان الصّادق المصدوق،عليه الصّلاة و السّلام،كانوا كثيرا ما يسألون اللّه تعالى الجنّة مع أنّهم مقطوع لهم بها،و لعلّ منشأ ذلك ما قيل لموسى عليه السّلام،فتدبّر.

و المتبادر من(بنيه)عليه السّلام من كان من صلبه، فلا يتوهّم أنّ اللّه تعالى لم يستجب دعاءه لعبادة قريش الأصنام،و هم من ذرّيّته عليه السّلام،حتّى يجاب بما قاله بعضهم:من أنّ المراد كلّ من كان موجودا حال الدّعاء من أبنائه،و لا شكّ أنّ دعوته عليه السّلام مجابة فيهم،أو بأنّ دعاءه استجيب في بعض دون بعض،و لا نقص فيه كما قال الإمام.[إلى أن قال:]

و استدلّ بعض أصحابنا بالآية على أنّ التّبعيد من الكفر و التّقريب من الإيمان ليس إلاّ من اللّه تعالى، لأنّه عليه السّلام إنّما طلب التّبعيد عن عبادة الأصنام منه تعالى، و حمل ذلك على الألطاف،و فيه ما فيه.(13:234)

المراغيّ: [نحو الزّجّاج و قال:]

و قد استجيب دعاؤه في بعض بنيه دون بعض، و لا ضير في ذلك.(13:159)

الطّباطبائيّ: يقال:جنبه و أجنبه،أي أبعده، و سؤاله عليه السّلام أن يجنبه اللّه و يبعده و بنيه من عبادة الأصنام لواذ،و التجاء إليه تعالى من الإضلال الّذي نسبه إليهنّ في قوله: رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ إبراهيم:36.

و من المعلوم أنّ هذا الإبعاد و الإجناب منه تعالى -كيفما كان و أيّا ما كان-تصرّف ما،و تأثير منه تعالى في عبده بنحو،غير أنّه ليس بنحو يؤدّي إلى الإلجاء و الاضطرار،و لا ينجرّ إلى القهر و الإجبار،بسلب صفة الاختيار منه؛إذ لا مزيّة لمثل هذا الابتعاد حتّى يسأل ذلك مثل إبراهيم خليل اللّه.

فرجع بالحقيقة إلى ما تقدّم في قوله تعالى: يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ إبراهيم:27 الآية،أنّ كلّ خير من فعل أو ترك فإنّه منسوب إليه تعالى أوّلا،ثمّ إلى العبد ثانيا،بخلاف الشّرّ من فعل أو ترك فإنّه منسوب إلى العبد ابتداء،و لو نسب إليه تعالى فإنّما ينسب إذا كان على سبيل المجازاة،و قد أوضحنا ذلك.

فالاجتناب من عبادة الأصنام إنّما يتحقّق عن إجناب من اللّه،رحمة منه لعبده و عناية،و ليس في الحقيقة إلاّ أمرا تلبّس،و اتّصف به العبد،غير أنّه إنّما يملكه بتمليك اللّه سبحانه،فهو المالك له بذاته،و العبد يملكه بأمر منه و إذن،كما أنّ العبد إنّما يهتدي عن هداية من اللّه،و ليس هناك إلاّ هدى واحد،لكنّه مملوك للّه سبحانه لذاته،و العبد إنّما يملكه بتمليك منه سبحانه.

و أبسط كلمة في هذا المعنى ما وقع في أخبار آل العصمة:

أنّ اللّه يوفّق عبده لفعل الخير و ترك الشّرّ هذا.

فتلخّص أنّ المراد بقوله عليه السّلام:(و اجنبنى)سؤال ما للّه سبحانه من الصّنع في ترك العبد عبادة الأصنام،و بعبارة أخرى هو يسأل ربّه أن يحفظه و بنيه من عبادة الأصنام و يهديهم إلى الحقّ،إن هم عرضوا أنفسهم لذلك،و أن يفيض عليهم إن استفاضوا لا أن يحفظهم منها،سواء عرضوا لذلك أنفسهم أو لم يعرضوا،و أن يفيض عليهم سواء استفاضوا أو امتنعوا،فهذا معنى دعائه عليه السّلام.

و منه يعلم أنّ نتيجة الدّعاء لبعض المدعوّين لهم و إن كان بلفظ يستوعب الجميع،و هذا البعض هم

ص: 58

المستعدّون لذلك دون المعاندين و المستكبرين منهم، و سنزيده بيانا.

ثمّ هو عليه السّلام يدعو بهذا الدّعاء لنفسه و بنيه وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ و بنوه جميع من جاء من نسله بعده،و هم بنو إسماعيل و بنو إسحاق.فإنّ الابن كما يطلق على الولد من غير واسطة،كذلك يطلق على غيره،و يصدّق ذلك القرآن الكريم،قال تعالى: مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ الحجّ:78،و قد تكرّر إطلاق بني إسرائيل على اليهود في نيّف و أربعين موضعا،من كلامه تعالى.

فهو عليه السّلام يسأل البعد عن عبادة الأصنام لنفسه و لجميع من بعده من بنيه،بالمعنى الّذي تقدّم،اللّهمّ إلاّ أن يقال:إنّ قرائن الحال و المقال تدلّ على اختصاص الدّعاء بآل إسماعيل القاطنين بالحجاز،فلا يعمّ بني إسحاق.(12:69)

المصطفويّ: أي اجعلنا خارجين عن مسير عبادة الأصنام.(2:121)

تجتنبوا

إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً. النّساء:31

الطّبرسيّ: أي تتركوا جانبا.(2:38)

مثله الآلوسيّ.(5:17)

البروسويّ: الاجتناب:التّباعد،و منه الأجنبيّ.

(2:196)

رشيد رضا :الاجتناب:ترك الشّيء جانبا.(5:47)

مثله المراغيّ.(5:20)

الطّباطبائيّ: الاجتناب أصله:من الجنب و هو الجارحة،بني منها الفعل على الاستعارة،فإنّ الإنسان إذا أراد شيئا استقبله بوجهه و مقاديم بدنه،و إذا أعرض عنه و تركه وليه بجنبه فاجتنبه؛فالاجتناب هو التّرك.

قال الرّاغب:و هو أبلغ من التّرك،انتهى.و ليس إلاّ لأنّه مبنيّ على الاستعارة،و من هذا الباب:الجانب، و الجنيبة،و الأجنبيّ.(4:323)

فاجتنبوه

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. المائدة:90

الطّبريّ: فاتركوه و ارفضوه،و لا تعملوه.(7:32)

النّحّاس: أي كونوا في جانب غير جانبه.

(2:356)

نحوه الواحديّ.(2:226)

الطّوسيّ: و في الآية دلالة على تحريم الخمر،و هذه الأشياء الأربعة من أربعة أوجه:

أحدها:أنّه وصفها بأنّها رجس و هي النّجس، و النّجس محرّم بلا خلاف.

الثّاني:نسبها إلى عمل الشّيطان،و ذلك لا يكون إلاّ محرّما.

الثّالث:أنّه أمرنا باجتنابه،و الأمر يقتضي الإيجاب.

الرّابع:أنّه جعل الفوز و الفلاح باجتنابه.

و«الهاء»في قوله: فَاجْتَنِبُوهُ راجعة إلى عمل

ص: 59

الشّيطان،و تقديره:اجتنبوا عمل الشّيطان.(4:19)

نحوه الطّبرسيّ.(2:239)

ابن عطيّة: و أمر اللّه تعالى باجتناب هذه الأمور، و اقترنت بصيغة الأمر في قوله: فَاجْتَنِبُوهُ نصوص الأحاديث و إجماع الأمّة،فحصل الاجتناب في رتبة التّحريم،فبهذا حرّمت الخمر بظاهر القرآن و نصّ الحديث و إجماع الأمّة.(2:233)

القرطبيّ: يريد أبعدوه و اجعلوه ناحية.فأمر اللّه تعالى باجتناب هذه الأمور.[إلى أن قال:]

فَاجْتَنِبُوهُ يقتضي الاجتناب المطلق الّذي لا ينتفع معه شيء بوجه من الوجوه،لا بشرب و لا بيع و لا تخليل و لا مداواة،و لا غير ذلك.[ثمّ استدلّ بأحاديث،فراجع](6:289)

الصّابونيّ: [نحو القرطبيّ و قال:]

التّعبير بقوله تعالى: فَاجْتَنِبُوهُ أبلغ في النّهي و التّحريم من لفظ«حرّم»لأنّ معناه البعد عنه بالكلّيّة، فهو مثل قوله تعالى: وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى الإسراء:32، لأنّ القرب منه إذا كان حراما،فيكون الفعل محرّما من باب أولى،فقوله: فَاجْتَنِبُوهُ معناه كونوا في جانب آخر منه.و كلّما كانت الحرمة شديدة،جاء التّعبير بلفظ الاجتناب.(1:562)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ لتعبير فَاجْتَنِبُوهُ مفهوما أبعد؛إذ أنّ الاجتناب يعني الابتعاد و الانفصال و عدم الاقتراب،ممّا يكون أشدّ و أقطع من مجرّد النّهي عن شرب الخمر.(4:134)

يتجنّبها

وَ يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى. الأعلى:11

قتادة :فلا و اللّه لا يتنكّب عبد هذا الذّكر زهدا فيه و بغضا لأهله،إلاّ شقيّ بيّن الشّقاء.(الطّبريّ 30:155)

الطّوسيّ: فالتّجنّب:المصير في جانب عن الشّيء بما ينافي كونه،فهذا الشّقيّ تجنّب الذّكرى بأن صار بمعزل عنها،بما ينافي كونها.(10:332)

الزّمخشريّ: و يتجنّب الذّكرى و يتحاماها.

(4:244)

نحوه القرطبيّ(20:20)،و النّسفيّ(4:350)، و الخازن(7:196)،و الشّربينيّ(4:522)، و البروسويّ(10:408)،و الآلوسيّ(30:108).

الطّباطبائيّ: و تجنّب الشّيء:التّباعد عنه، و المعنى و سيتباعد عن الذّكرى من لا يخشى اللّه.

(20:269)

المصطفويّ: أي يجعل الأشقى الذّكرى المواجهة له في جنب مسيره و خارجا عن محيط فكره و عمله، يقال:جنّبته فتجنّب.(2:122)

يجنّبها

وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى. الليل:17

الطّبريّ: و سيوقّى صليّ النّار الّتي تلظّى التّقيّ.

(30:227)

الطّوسيّ: معناه سيبعّد من هذه النّار من كان اتّقى

ص: 60

اللّه باجتناب معاصيه.فالتّجنّب:تصيير الشّيء في جانب عن غيره،فالأتقى يصير في جانب الجنّة عن جانب النّار.[ثمّ ذكر المعنى اللّغويّ و قد سبق](10:366)

الواحديّ: سنبعّدها،و يجعل منها على جانب.

(4:505)

نحوه الطّبرسيّ(5:503)،و الفخر الرّازيّ(31:

205)

القرطبيّ: أي يكون بعيدا منها.(20:88)

البروسويّ: أي سيبعّد عنها؛بحيث لا يسمع حسيسها.و الفاعل المجنّب المبعّد هو اللّه.(10:450)

الآلوسيّ: أي سيبعّد عنها...

«جنّب»يتعدّى إلى مفعولين،فالضّمير هاهنا المفعول الثّاني،و(الاتقى)المفعول الأوّل،و هو النّائب عن الفاعل.و يقال:جنّب فلان خيرا و جنّب شرّا،و إذا أطلق فقيل:جنّب فلان،فمعناه-على ما قال الرّاغب- أبعد عن الخير.و أصل جنّبته-كما قيل-:جعلته على جانب منه،و كثيرا ما يراد منه التّبعيد،و منه ما هنا،و لذا قلنا:أي سيبعّد عنها الأتقى.(30:151)

المصطفويّ: أي يجعل الأتقى خارجا عن النّار و ينحّى عنها،عوضا عن وقايته لنفسه في الدّنيا.

(2:122)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: «الجنب»على وجهين:

أحدهما:الّذي أصابته الجنابة،كقوله: وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ النّساء:43،و قوله: وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا المائدة:6.

و الثّاني:الغريب،كقوله: وَ الْجارِ الْجُنُبِ النّساء:36.

«الجنب»على ثلاثة أوجه:

أحدها:الرّفيق في السّفر،كقوله: وَ الصّاحِبِ بِالْجَنْبِ النّساء:36.

و الثّاني:الجنب بعينه،كقوله: فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها الحجّ:36.

و الثّالث:الطّاعة،كقوله: عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ الزّمر:56.

الدّامغانيّ: الجنب على ستّة أوجه:الطّاعة، السّفر،القلب،البعد،الجنب بعينه،الجانب:الجهة.

فوجه منها،الجنب:الطّاعة،قوله: يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ الزّمر:56،أي في طاعة اللّه.

و الوجه الثّاني:الجنب:السّفر،قوله: وَ الصّاحِبِ بِالْجَنْبِ النّساء:36،يعني الرّفيق في السّفر،و قيل:

المرأة في البيت.

و الوجه الثّالث:الجانب:القلب،قوله: وَ نَأى بِجانِبِهِ الإسراء:83،أي تباعد بقلبه عن الإيمان.

و الوجه الرّابع:الجنب:[البعد]،قوله: فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ القصص:11،يعني عن بعد،قوله:

وَ الْجارِ الْجُنُبِ النّساء:36،و منه الجنابة.

و الوجه الخامس:الجنب:هو الجنب بعينه،قوله:

تَتَجافى جُنُوبُهُمْ السّجدة:16،يعني الجنوب بعينها، و يقال:إنّها الخدود.

ص: 61

و الوجه السّادس:الجانب:الجهة،قوله:

وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ القصص:44، بِجانِبِ الطُّورِ القصص:46،أي جهته.(225)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجنب،أي شقّ الإنسان و غيره،و الجمع:جنوب،و هو الجانب،و جمعه:

جوانب،و الجنبة أيضا،يقال:قعدت إلى جنب فلان و إلى جانبه.و جانبه مجانبة و جنابا:صار إلى جنبه.

و جنب الفرس و الأسير يجنبه جنبا فهو مجنوب و جنيب،أي قاده إلى جنبه،و خيل جنائب و جنب و مجنّبة.و جنّاب الرّجل:الّذي يسير معه إلى جنبه.

و جنبة البعير:طائفة من جنبه،و جلدة من جنبة يعمل منها علبة،يقال:أعطني جنبة أتّخذ منها علبة.

و جنيبتاه:ما حمل على جنبيه.

و جنبة الوادي:جانبه و ناحيته،و جنبتاه:ناحيتاه، و كذلك جانباه.

و المجنب و المجنب:التّرس،سمّي بذلك لأنّه إلى جنب الإنسان.

و المجنّبة:المقدّمة؛و المجنّبتان من الجيش:الميمنة و الميسرة،و هما المجنّبة اليمنى،و المجنّبة اليسرى.

و الجنب:الّذي نهي عنه،و هو أن يجنب خلف الفرس فرس،فإذا بلغ قرب الغاية ركب.

و فرس طوع الجناب و طوع الجنب:سلس القياد، أي إذا جنب كان سهلا منقادا،و المجنّب:المجنوب،أي المقود؛يقال:جنب فلان،و ذلك إذا ما جنب إلى دابّة، و الجنيبة:الدّابّة تقاد،و الجمع:جنائب،و كلّ طائع منقاد:جنيب،و الأجنب:الّذي لا ينقاد.

و جنب البعير يجنب جنبا:عطش عطشا شديدا حتّى لصقت رئته بجنبه من شدّة العطش.

و جنب الرّجل يجنب جنبا:اشتكى جنبه فهو جنب،و جنب الرّجل:شكا جانبه،و ضربه فجنبه،أي كسر جنبه أو أصاب جنبه،و رجل جنيب:كأنّه يمشي في جانب متعقّفا.

و جنب البعير يجنب جنبا:ظلع من جنبه،و الجنب:

الذّئب،لتظالعه كيدا و مكرا.

و الجناب:ذات الجنب،و هي قرحة تصيب الإنسان داخل جنبه،يقال:جنب الرّجل،أي أصابه ذات الجنب فهو مجنوب.

و الجنوب:ريح تخالف الشّمال،تأتي عن يمين القبلة، يقال:جنبت الرّيح،أي تحوّلت جنوبا،و سحابة مجنوبة:

هبّت بها الجنوب،و الجمع:جنائب،و قد جنبت الرّيح تجنب جنوبا و أجنبت،و جنب القوم:أصابتهم الجنوب، أي أصابتهم في أموالهم.و أجنبوا:دخلوا في الجنوب، و جنبوا:أصابهم الجنوب فهم مجنوبون.

و الجنب و الجناب و الجانب:النّاحية و الفناء و ما قرب من محلّة القوم،و الجمع:أجنبة،يقال:أخصب جناب القوم،و هو ما حولهم،و فلان خصيب الجناب و جديب الجناب،و فلان رحب الجناب:الرّحل.

و الجنب:معظم الشّيء و أكثره،من ذلك،إذ كأنّه إلى جنب الإنسان،يقال:هذا قليل في جنب مودّتك.

و المجنب:الكثير من الخير و الشّرّ،يقال:إنّ عندنا

ص: 62

لخيرا مجنبا،أي كثيرا.و طعام مجنب:كثير.

و الجنبة:عامّة الشّجر الّذي يتربّل في الصّيف، يقال:مطرنا مطرا كثرت منه الجنبة،سمّيت جنبة لأنّها صغرت عن الشّجر الكبار و ارتفعت عن الّتي لا أرومة لها في الأرض.

2-و وردت بعض ألفاظ هذه المادّة ضدّا و نقيضا لما تقدّم ذكره من القرب و الكثرة،و منه قولهم:جانبه مجانبة و جنابا،أي صار إلى جنبه،و جانبه:باعده،أي صار في جانب غير جانبه.

و جنّب القوم:قلّت ألبان إبلهم فهم مجنّبون،و جنّب الرّجل،إذا لم يكن في إبله و لا غنمه درّ،و جنّب النّاس:

انقطعت ألبانهم،و هو عام تجنيب،و كلّ ذلك من البعد، كأنّ ألبانها قلّت فذهبت.

و الجنبة و الجنابة:ضدّ القرابة،يقال:نعم القوم هم لجار الجنابة،أي لجار الغربة.و جار جنب و جار الجنب:

ذو جنابة من قوم آخرين لا قرابة لهم.و رجل جانب و جنب:غريب،و الجمع:أجناب،و رجل أجنب و أجنبيّ:البعيد منك في القرابة.و الجنيب:الغريب، و رجل جنب:يتجنّب قارعة الطّريق مخافة الأضياف.

و رجل ذو جنبة:ذو اعتزال عن النّاس متجنّب لهم، يقال:قعد جنبة،أي ناحية و اعتزل النّاس،و نزل فلان جنبة:ناحية.و المجانب:المباعد،يقال:أجنب الرّجل، أي تباعد،و لجّ فلان في جناب قبيح:لجّ في مجانبة أهله.و جنبه الشّيء يجنبه و أجنبه و جنّبه إيّاه:نحّاه عنه،و جنب الرّجل:دفعه.و جنّب إبله و غنمه:لم يرسل فيها فحلا.

و منه أيضا:الجنابة:المنيّ،لأنّ أصله البعد،قال علقمة بن عبدة:

فلا تحرمنّي نائلا عن جنابة

فإنّي امرؤ وسط القباب غريب

3-و لا وجه لقول من قال في وجه تسمية الجنب بأنّه يبعد عمّا يقرب منه غيره من الصّلاة و غيرها؛إذ أنّه كان متداولا بين العرب قبل الإسلام،و لا صلاة-بما اصطلح عليه الشّرع-حينذاك.و قد ورد في الأخبار أنّ أبا سفيان آلى على نفسه أن لا يغتسل من جنابة حتّى يستأصل محمّدا و أتباعه.

و قال السّهيليّ: «في الحديث:أنّ الغسل من الجنابة كان معمولا به في الجاهليّة،بقيّة من دين إبراهيم و إسماعيل،كما بقي فيهم الحجّ و النّكاح،و كذلك سمّوها جنابة،و قالوا:رجل جنب و قوم جنب،لمجانبتهم في تلك الحال البيت الحرام و مواضع قرباتهم (1)».

4-و قيل:الجنيبة:العليقة،و هي النّاقة يعطيها الرّجل القوم يمتارون عليها له،و لا نحسبها من هذا الباب،بل هي مقلوبة النّجيبة،أي العتيقة،و هي النّاقة الخفيفة السّريعة.

و قيل أيضا:الجنيبة:صوف الثّنيّ،و هي الخبيبة بالخاء.

و كذلك التّجنيب:انحناء و توتير في رجل الفرس، أو أنّه ينحّي يديه في الرّفع و الوضع،و قيل:فرس مجنّب،أي بعيد ما بين الرّجلين من غير فحج،و هو من التّحنيب بالحاء.ف.

ص: 63


1- الرّوض الأنف.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الفعل المجرّد أمرا مرّة،و المزيد من أبواب مختلفة:ماضيا و مضارعا و أمرا(11)مرّة،و الاسم بصيغ و معان مختلفة(22)مرّة،في(31)آية مكّيّة و مدنيّة:

الأفعال:

1- وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِناً وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ إبراهيم:35

2- وَ الَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوها وَ أَنابُوا إِلَى اللّهِ لَهُمُ الْبُشْرى فَبَشِّرْ عِبادِ الزّمر:17

3- وَ لَقَدْ بَعَثْنا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللّهَ وَ اجْتَنِبُوا الطّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللّهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ... النّحل:36

4- ذلِكَ وَ مَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَ أُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ الحجّ:30

5- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ... إِنَّ اللّهَ تَوّابٌ رَحِيمٌ الحجرات:12

6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَ الْمَيْسِرُ وَ الْأَنْصابُ وَ الْأَزْلامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ المائدة:90

7- إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً النّساء:31

8- وَ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ وَ إِذا ما غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ الشّورى:37

9- اَلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ... النّجم:32

10- اَلَّذِي كَذَّبَ وَ تَوَلّى* وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى

الليل:16،17

11- سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى* وَ يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى

الأعلى:10،11

الجنب:

12- وَ اعْبُدُوا اللّهَ وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ بِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى وَ الْجارِ الْجُنُبِ وَ الصّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ وَ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً النّساء:36

13- أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يا حَسْرَتى عَلى ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ وَ إِنْ كُنْتُ لَمِنَ السّاخِرِينَ الزّمر:56

14- وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ الضُّرُّ دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً فَلَمّا كَشَفْنا عَنْهُ ضُرَّهُ مَرَّ كَأَنْ لَمْ يَدْعُنا إِلى ضُرٍّ مَسَّهُ كَذلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ يونس:12

الجنوب:

15- فَإِذا قَضَيْتُمُ الصَّلاةَ فَاذْكُرُوا اللّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِكُمْ فَإِذَا اطْمَأْنَنْتُمْ فَأَقِيمُوا الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ كانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتاباً مَوْقُوتاً النّساء:

103

16- اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النّارِ

آل عمران:191

ص: 64

17- تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ السّجدة:16

18- يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ التّوبة:35

19- وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْها صَوافَّ فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْقانِعَ وَ الْمُعْتَرَّ كَذلِكَ سَخَّرْناها لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ الحجّ:36

جنب:

20- وَ قالَتْ لِأُخْتِهِ قُصِّيهِ فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ القصص:11

21- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَ أَنْتُمْ سُكارى حَتّى تَعْلَمُوا ما تَقُولُونَ وَ لا جُنُباً إِلاّ عابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا... النّساء:43

22- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَ أَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرافِقِ وَ امْسَحُوا بِرُؤُسِكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ وَ إِنْ كُنْتُمْ جُنُباً فَاطَّهَّرُوا... المائدة:6

جانب:

23- وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الْغَرْبِيِّ إِذْ قَضَيْنا إِلى مُوسَى الْأَمْرَ وَ ما كُنْتَ مِنَ الشّاهِدِينَ القصص:44

24- وَ ما كُنْتَ بِجانِبِ الطُّورِ إِذْ نادَيْنا وَ لكِنْ رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ لِتُنْذِرَ قَوْماً ما أَتاهُمْ مِنْ نَذِيرٍ مِنْ قَبْلِكَ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ القصص:46

25- وَ نادَيْناهُ مِنْ جانِبِ الطُّورِ الْأَيْمَنِ وَ قَرَّبْناهُ نَجِيًّا مريم:52

26- يا بَنِي إِسْرائِيلَ قَدْ أَنْجَيْناكُمْ مِنْ عَدُوِّكُمْ وَ واعَدْناكُمْ جانِبَ الطُّورِ الْأَيْمَنَ وَ نَزَّلْنا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَ السَّلْوى طه:80

27- فَلَمّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَ سارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ القصص:29

28- لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَ يُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ الصّافّات:8

29- أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أَوْ يُرْسِلَ عَلَيْكُمْ حاصِباً ثُمَّ لا تَجِدُوا لَكُمْ وَكِيلاً الإسراء:68

30- وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَ نَأى بِجانِبِهِ وَ إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً الإسراء:83

31- وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَ نَأى بِجانِبِهِ وَ إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ فَذُو دُعاءٍ عَرِيضٍ فصّلت:51

يلاحظ أوّلا:أنّ في(1)بحوثا:

1-أنّها وحيدة في اشتمالها على فعل مجرّد،و عند الفرّاء أنّها لغة أهل الحجاز،و أهل نجد يقولون:أجنبني و جنّبني،من بابي:الإفعال و التّفعيل،ثمّ قال:«و لو قرأ قارئ(و اجنبنى و بنىّ)لأصاب،و لم أسمعه من قارئ»، لكنّ الزّجّاج قال:«و تقرأ(و اجنبني)».و حكاها النّحّاس عن الجحدريّ و عيسى،و كأنّها قراءة شاذّة قرأ بها بعض أهل نجد،و لم يذكرها الطّبريّ.

2-نصّ الطّبريّ و غيره من أهل اللّغة و التّفسير أنّ «جنب و أجنب و جنّب»بمعنى،و أنّ كلّها متعدّ بمفعولين،

ص: 65

كما جاء في الآية أي:اصرفني و باعدني عن عبادة الأوثان.قال الفخر الرّازيّ: «و أصله:جعل الشّيء عن غيره على جانب و ناحية»فيبدو أنّه أرجع الفعل إلى معنى«جانب»فيكون مفهوم الصّرف و البعد و نحوهما لازم المعنى لا عينه،و سنبحثه.

-أشكل أمر هذا الدّعاء على المعتزلة و الشّيعة؛ حيث إنّ إبراهيم عليه السّلام سأل اللّه أن يصرفه عن عبادة الأوثان،فدلّت على أنّ أفعال العباد هي فعل اللّه،كما قالت الأشاعرة،و قد احتجّ بها بعضهم،قال الآلوسيّ:

«و استدلّ بعض أصحابنا بالآية على أنّ التّبعيد من الكفر و التّقريب من الإيمان ليس إلاّ من اللّه تعالى...».

لكن مخالفيهم حملوها تارة على أنّه لطف من اللّه يقرّبهم إلى التّوحيد،و هو فعلهم و ليس فعل اللّه، و أخرى على أنّ معناه:ثبّتني و أدمني على اجتناب عبادتها.لكن الوجه الأخير لا يرفع الإشكال.و أجاب عنها الطّباطبائيّ بأنّ العبد يملك الاجتناب من عبادة الأوثان بتمليك اللّه إيّاه،و أنّ معناه التّوفيق دون إيجاد الفعل.و للبحث مجال واسع،فلاحظ النّصوص هنا و في نظائرها من الآيات،و هي كثيرة.

4-قال البيضاويّ: «فيه دليل على أنّ عصمة الأنبياء بتوفيق اللّه و حفظه إيّاهم»و كأنّه أراد أنّ العصمة ليست في ذواتهم بكونهم طورا وراء غيرهم من البشر، و هذا معنى ما روي عن بعض الأئمّة من أهل البيت عليهم السّلام:«المعصوم من عصمه اللّه».

5-و أورد الفخر الرّازيّ بأنّ دعاءه تخلّف من جهات،و أجاب عنها بوجه أو وجوه،فلاحظ.

ثانيا:جاء منها فعل الاجتناب«9»مرّات في(2-9) و فيها بحوث:

1-الاجتناب«افتعال»من«جنب»،و المناسب من معاني باب الافتعال هنا المبالغة في المعنى نحو اكتسب،أي بالغ في الكسب،أو المطاوعة إيماء إلى نهاية طاعة اللّه في تجنيبه العبد عن عبادة الأوثان.و على الوجهين فهو متعدّ إلى مفعولين،فمعنى اجتنب عملا:بعد عنه و تركه بجدّ،أو تبعا لمن جنّبه،و جاء دائما في ترك المحرّمات العظام كالشّرك في(2-4)،و قول الزّور في(4)،و ظنّ السّوء في(5)،و الخمر و الميسر و الأنصاب و الأزلام في(6)، و الرّجس و الإثم و عمل الشّيطان في(4-6)،و الكبائر في(7-9).

و هناك وجه آخر للمبالغة فيه،و هو أنّه-كما سبق- مأخوذ من«جانب»:اجتنب عملا:تركه جانبا،و صار أجنبيّا عنه،و هو عند الطّباطبائيّ مأخوذ من«الجنب» بني منه الفعل على الاستعارة،فإنّ الإنسان يستقبل الشّيء بوجهه و يعرض عنه بجنبه،و لكونه استعارة،فهو -كما قال الرّاغب-أبلغ من التّرك،لأنّ ترك شيء لا يستلزم البعد عنه.

و عند القرطبيّ و الصّابونيّ: معناه البعد عن الشّيء بالكلّيّة،مثل وَ لا تَقْرَبُوا الزِّنى الإسراء:32،لأنّه إذا حرّم قرب الشّيء فقد حرّم كلاّ و رأسا،فالاجتناب عن الخمر مثلا يقتضي تركه مطلقا،فلا ينتفع به بوجه من الوجوه:لا بشرب،و لا بيع،و لا تخليل،و لا مداواة، و لا غير ذلك.و بالجملة كلّما كانت الحرمة فيه شديدة

ص: 66

بالغة نهايتها جاء فيه«الاجتناب».

2-دلّت الآية(6)كما قال الطّوسيّ على تحريم ما ذكر فيها بوجوه:اجتنبوه،و رجس،و من عمل الشّيطان،و أنّ الفلاح في تركه.

3-و يضاف إليها أنّ ضمير المفعول في(اجتنبوه) راجع إلى:عمل،أو الشّيطان،أو الرّجس،أو كلّ واحد منها.و في إبهام المرجع تعظيم و إكبار لحرمتها كما لا يخفى على من مسّ رمز البلاغة القرآنيّة.

4-و أيضا إرجاء الفلاح ب(لعلّ)دون الوعد به جزما ينبئ عن صعوبة الموقف،و شدّة العذاب فيها.

5-و أيضا لقد قورن الأمر بالاجتناب في الآيات جميعا بشيء من الخير و الرّحمة و التّبشير،و هذا يؤكّد الاجتناب عمّا ذكر فيها.

6-في إرداف ما ذكر فيها من المحرّمات الكبار للشّرك و عبادة الطّاغوت،و الأمر بالاجتناب عنها جميعا دلالة أيضا على كبرها و شدّة العذاب عليها كالشّرك،و إيماء إلى أنّ اللّه لا يغفرها كما لا يغفر الشّرك، و لا سيّما في(4)حيث قال: فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ فكرّر الفعل و عطفه على الأوّل،فكأنّ قول الزّور يساوي و يعادل الشّرك،أو أنّ الشّرك في الحقيقة هو قول الزّور.

ثالثا:جاء في(10)(يجنّبها)و في(11)يتجنّبها) من:التّفعيل و التّفعّل،في سياقين،فالسّياق في(10) الذّمّ أوّلا،و المدح أخيرا؛حيث قال: فَأَنْذَرْتُكُمْ ناراً تَلَظّى* لا يَصْلاها إِلاَّ الْأَشْقَى* اَلَّذِي كَذَّبَ وَ تَوَلّى* وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى و ضمير المفعول فيها راجع إلى(النّار).

أمّا السّياق في(11)فعكسها:قدّم المدح فيها و أخّر الذّمّ؛حيث قال: فَذَكِّرْ إِنْ نَفَعَتِ الذِّكْرى* سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى* وَ يَتَجَنَّبُهَا الْأَشْقَى* اَلَّذِي يَصْلَى النّارَ الْكُبْرى و ضمير المفعول فيها راجع إلى(الذّكرى).

و كما اختلف السّياقان بتقديم الذّمّ و المدح و تأخيرهما متعاكسين،كذلك قورنا بالوعيد ب(النّار الكبرى)الّتي يصلاها الكافر،و يبعّد عنها المؤمن متعاكسين،فقدّمت النّار و صلاها في(10)،و أخّرت في (11).

و هناك افتراق بينهما من جهات أخرى:

1-اختصاص الوعيد الصّارم بالكافر الّذي يصلى النّار،و الوعد القريب المرجأ بالمؤمن: وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى و سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى كلاهما جاء بالسّين الّتي فيها الرّجاء و التّبشير و التّيسير.

2-جاء(الاتقى)بإزاء(الاشقى)كلاهما بصيغة التّفضيل الدّالّ على بلوغهما الغاية،كابتعاد التّقوى عن الشّقاء تماما،فإنّ(الاتقى)يحاكي كمال الإيمان و(الاشقى)نهاية الكفر،و معلوم أنّهما أصل الفلاح و الخسران.

3-جاء الفعل في ناحية الفلاح من باب«التّفعيل» و في طرف الشّقاء من باب«التّفعّل»؛و ذلك أنّ(يجنّبها) فعل مجهول،فاعله(اللّه)حذف تعظيما و تفخيما له، و لفعله،كما في نظائره،و(الاتقى)نائب الفاعل،أي إنّ اللّه يجنّبه النّار،فهو مجنّب عنها تماما بعناية اللّه الخاصّة بالمقرّبين،فلا يتخلّف و لا ينحرف عنها.

و(يتجنّبها)من التّجنّب،و من معاني باب«التّفعّل»

ص: 67

المطاوعة،و التّكلّف،و التّكرار،و الدّوام،و الطّلب، و كلّها مناسب هنا،أي إنّ الأشقى يطاوع الشّيطان و جنده،أو يتأثّر بأيّ عامل شرّ و يتبع كلّ ضالّ مضلّ في الاجتناب عن(الذّكرى)أو يتكلّفه و يتحمّل المشقّة فيه على خلاف فطرته،أو يرتكبه مرّة بعد أخرى دوما،أو يطلبه و يبتغيه بحرص و ولع،و كلّها تحكي نهاية الشّقاء.

و الإبهام في معناه بتردّده بين هذه المعاني يضاعف و يشدّد معناه،فهو الأشقى تماما.

4-كرّر(الاشقى)فيهما تكثيرا و مزيدا في فضاحته، و لم يكرّر(الاتقى)و جاء بدله في(11) سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى مع أنّه ساغ أن يقول:(سيذّكّر الأتقى)إشعارا بقلّته و نفاسته،و أنّه قلّ ما يتكرّر،و إعلاما بأنّ(الاتقى) هو الّذي يخشى،و هذا كتفسير له.

5-وصف(الاشقى)في(1)بوصفين: اَلَّذِي كَذَّبَ وَ تَوَلّى و في(16)بوصفين أيضا اَلَّذِي يَصْلَى النّارَ الْكُبْرى* ثُمَّ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى و هذان يعتبران كجزاء للأوّلين بصورة أو فى،و وصف(الاتقى) بأوصاف تعريفا به،ثمّ تبشيرا له بالجزاء الّذي يرضاه؛ حيث قال: وَ سَيُجَنَّبُهَا الْأَتْقَى* اَلَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكّى* وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى* إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى* وَ لَسَوْفَ يَرْضى.

6-أطلق الفعل في كلّ من سَيَذَّكَّرُ مَنْ يَخْشى و كَذَّبَ وَ تَوَلّى من الجانبين،فلم يذكر له متعلّق تعظيما و تعميما و تعمية،ليذهب ذهن السّامع و القارئ إلى كلّ مذهب ممكن،مع ذكر متعلّق الفعلين في (يجنّبها)و(سيجنّبها)من الطّرفين أيضا؛حيث يرجع ضمير المفعول في الأولى إلى(النّار)،و في الثّانية إلى (الذّكرى)،و هما طرفي الضّدّ كالأوصاف المذكورة فيهما.

7-و لرعاية الرّويّ دخل فيما ذكر من النّكات، و لا سيّما في:(الاتقى و الاشقى)بدل التّقيّ و الشّقيّ،و لذا قيل:إنّهما بمعنى النّقيّ و الشّقيّ-الطّبرسيّ(5:502).

رابعا:جاء(الجنب)3 مرّات في(12-14)و فيها بحوث:

1-أنّه بمعناه اللّغويّ،و هو العضو الخاصّ في(14) دَعانا لِجَنْبِهِ أَوْ قاعِداً أَوْ قائِماً أي دعانا و هو مستريح متبطّح على جنبه أو قاعد أو قائم،و اللاّم بمعنى (على).قال الطّبرسيّ:«و يجوز أن يكون تقديره:إذا مسّ الإنسان الضّرّ لجنبه...»و عليه فهو متعلّق ب(مسّ)،و كيف كان فهما بمعنى(15 و 16)حيث جاء فيهما(الجنوب)بإزاء القائم و القاعد.

2-جاء الجنب في(12)(و الجار الجنب و الصّاحب بالجنب)بمعنى القريب-دون العضو-بإزاء (الجنب)أي البعيد مجازا،لأنّ الجنب عضو قريب من الإنسان.

3-و جاء في(13) ما فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللّهِ و هو أيضا بمعنى القريب و الجانب و ليس بمعنى العضو حتّى يتّسع المجال لما جاء في ذيلها من التّأويل،باعتبار نسبة العضو إلى اللّه.و معلوم أنّ القريب هنا ليس مكانيّا أيضا، بل أطلق هنا مجازا بشأن من فرّط و أساء عملا أمام اللّه، على علم منه به.

خامسا:جاء(جنوب)-جمع جنب-«5»مرّات في (15-19)و كلّها بمعنى العضو بقرينة مجيئه مع(القيام

ص: 68

و القعود)في(15-16)و مع(المضاجع)في(17)و مع (الظّهور)في(18)و مع(وجبت)أي سقطت في(19).

قال الطّبرسيّ(4:86)في فَإِذا وَجَبَتْ جُنُوبُها: «أي سقطت إلى الأرض،و عبّر بذلك عن تمام خروج الرّوح منها»فالجنوب هنا بمعناها اللّغويّ.لكنّ الجملة كناية عن موتها و خروج الرّوح منها تماما،إذ اسقطت جنوبها إلى الأرض.

سادسا:جاء(جنب)«4»مرّات بمعنيين:

الأوّل:البعيد في(12) وَ الْجارِ الْجُنُبِ وَ الصّاحِبِ بِالْجَنْبِ و(20) فَبَصُرَتْ بِهِ عَنْ جُنُبٍ أي عن مكان بعيد،و في هذه الآية بحوث:

1-جاء عن ابن عبّاس و غيره(عن بعد)و المراد به (البعيد)لا المصدر.قال الطّوسيّ:«عن مكان جنب، و هو الجانب،لأنّ الجنب صفة وقعت موقع الموصوف لظهور معناه،و كان ذلك أحسن و أوجز».

2-حكى أبو عمرو عن بعضهم:«عن شوق»و هي لغة جذام يقولون:جنبت إلى لقائك،أي اشتقت.و لو صحّ فهو كناية لطيفة،فإنّ البعد عن الصّديق يستتبع الشّوق و المحبّة،كما قال الشّاعر:

سأطلب بعد الدّار عنكم لتقربوا

و تسكب عيناي الدّموع لتجمدا (1)

و لكن سياق الآية يأباه،فإنّ أخت موسى بصرت به عن مكان بعيد و هم لا يشعرون بها و إن كانت نفسها تشتاق إليه،إلاّ أنّ ثقل التّعبير هنا على البعد دون الشّوق.

3-قالوا في تفسيرها:«أن يسمو بصر الإنسان إلى الشّيء البعيد و هو إلى جنبه لا يشعر به»أو«تنظر إليه كأنّها لا تريده»أو«تنظر إلى موسى نظرة و إلى النّاس نظرة»أو«عن بعد عنه،و إعراض لئلاّ يفطنون لها»أو «عن بعد تبصر و توهم أنّها لا تراه»أو«عن ناحية من غير قصد و لا قرب يشعر لها به»أو«عن بعد لم تدن منه فيشعر لها»أو«عن بعد تبصره و لا توهم أنّها تراه»أو «نظرت إليه مزورّة متجانفة مخاتلة»و نحوها ممّا يستفاد من السّياق بلطف،لا من لفظ(جنب)و مرجعها جميعا إلى أنّها كانت تسرق نظرها إليه كي لا يشعر بها.

4-قال بعضهم:معناه عن جانب،لأنّها كانت تمشي على الشّطّ إلى جانب التّابوت،و هو محتمل.

5-قرئ (على جانب) و (على جنب) و هو بمعنى جانب.و هما قراءتان شاذّتان أشبه بالتّفسير من القراءة،و لم يذكرهما الطّبريّ.

الثّاني:من أصابته«الجنابة»جاء مرّتين أيضا في (21 و 22)قالوا:أصل الجنابة:هي البعد،كأنّ العرب كانوا يجتنبون الجنب،أو أنّ الإسلام سمّاه جنبا،لأنّه مبعّد عن الصّلاة،و عليه فهو في هذا المعنى حقيقة شرعيّة لا لغويّة،و لكن سياق الآيتين يشعر بأنّ الجنب بهذا المعنى كان معروفا عند النّاس،و يؤيّده ما تقدّم في النّصوص،و في الأصول اللّغويّة،و تمام البحث في «و ض ء:الوضوء».

سابعا:جاء(جانب)«9»مرّات في(23-31) بمعنيين أيضا:

الأوّل:الجنب في(30 و 31)بسياق واحد: وَ إِذا5.

ص: 69


1- جواهر البلاغة:35.

أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَ نَأى بِجانِبِهِ. قال الطّبرسيّ (5:19):«أي بعد بجانبه تكبّرا و تجبّرا...».و في الموسوعة القرآنيّة(8:41)«و نأى بجانبه تصوير لحاله، و هو يتنكّر و يزوّر فيبتعد لجنبه إشارة إلى رفضه».

و جاء في كثير من النّصوص أنّ معناه«العطف و الجنب»،و جاء في بعضها:«الجانب:المكان و الجهة» أي ابتعد عن مكانه و تولّى.و هو بعيد عن السّياق،لأنّه بصدد تصوير تكبّره و تجبّره و هو بتحويل العطف و الجنب،و معلوم أنّ السّياق تمثيل و كناية عن تكبّره، لكنّه لا يمنع كون(الجانب)بمعنى(الجنب)دون الجهة، و الباء في(بجانبه)قرينة عليه.قال الزّمخشريّ (2:464):«النّائي بالجانب أن يلوي عنه عطفه و يولّي ظهره».لاحظ«ن و ي».

الثّاني:النّاحية و الجهة في(7)آيات:

خمس منها(23-27)فجاء بشأن موسى عليه السّلام بلفظ «جانب الغربيّ»في(24)و المراد به:جانب الطّور،كما في غيرها.فقد خصّ اللّه(جانب)و شرّفه بذلك و كلّها مدح.

و اثنتان منها(28 و 29)ذمّ:إحداهما وعيد للكفّار أَ فَأَمِنْتُمْ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمْ جانِبَ الْبَرِّ أي طرفه، و الأخرى إخبار عن طرد الشّياطين عن الملأ الأعلى:

لا يَسَّمَّعُونَ إِلَى الْمَلَإِ الْأَعْلى وَ يُقْذَفُونَ مِنْ كُلِّ جانِبٍ.

ص: 70

ج ن ح

اشارة

7 ألفاظ،34 مرّة:7 مكّيّة،27 مدنيّة

في 14 سورة:7 مكّيّة،7 مدنيّة

جنحوا 1:-/1جناحك 4:4

فاجنح 1:-/1بجناحيه 1:-1

جناح 1:/1أجنحة 1:1

جناح 25:-25

النّصوص اللّغويّة

الخليل :جنح الطّائر جنوحا،أي كسر من جناحيه ثمّ أقبل كالواقع اللاّجئ إلى موضع.و الرّجل يجنح،إذا أقبل على الشّيء يعمله بيديه،و قد حنى إليه صدره.[ثمّ استشهد بشعر]

و السّفينة تجنح جنوحا،إذا انتهت إلى الماء القليل فلزقت بالأرض فلم تمض.

و اجتنح الرّجل على رجله (1)في مقعده،إذا انكبّ على يديه كالمتّكئ على يد واحدة.

و جنح الظّلام جنوحا،إذا أقبل اللّيل؛و الاسم:

الجنح و الجنح،لغتان،يقال:كأنّه جنح اللّيل،يشبّه به العسكر الجرّار.

و جناحا الطّائر:يداه.و يدا الإنسان:جناحاه.

و جناحا العسكر:جانباه.و جناحا الوادي:أن يكون له مجرى عن يمينه و عن شماله.

و جنحت النّاقة،إذا كانت باركة فمالت عن أحد شقّيها.

و جنحت الإبل في السّير:أسرعت.[ثمّ استشهد بشعر]

و ناقة مجنّحة الجنبين،أي واسعتهما.و جنحته عن وجهه جنحا فاجتنح،أي أملته فمال.و أجنحته فجنح:

أملته فمال.[ثمّ استشهد بشعر]

و جوانح الصّدر:الأضلاع المتّصلة رءوسها في وسط

ص: 71


1- على رحله عند أكثر اللّغويّين.

الزّور؛الواحدة:جانحة.(3:83)

ابن شميّل: جنح الرّجل إلى الحروريّة،و جنح لهم،إذا تابعهم و خضع لهم.جنح الرّجل على مرفقيه، إذا اعتمد عليهما،و قد وضعهما بالأرض أو على الوسادة،يجنح جنوحا و جنحا.

الاجتناح في النّاقة:كأنّ مؤخّرها يسند إلى مقدّمها من شدّة اندفاعها،يحفزها رجلاها إلى صدرها.

(الأزهريّ 4:155)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قال مدرك:إنّي لعلى جناح سفر أو رحيل،إذا أفد،و أزمع به.(الجيم 1:124)

كلّ شيء جعلته في نظام فهو جناح.و للعرب في الجناح أمثال،منها قولهم للرّجل إذا جدّ في الأمر و احتفل:«ركب فلان جناحي نعامة».[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:157)

أبو عبيدة :المجتنح من الخيل:الّذي يكون حضره واحدا لأحد شقّيه يجتنح عليه،أي يعتمده في حضره.(الأزهريّ 4:155)

الجناحان:النّاحيتان.(الطّوسيّ 7:168)

أبو زيد :جنح يجنح جنوحا،إذا أعطى بيده أو عدل إلى ما يحبّ القوم،و جنح العدوّ و الخيل،و جنحت الإبل،إذا أخفضت في السّير.(الطّوسيّ 5:175)

الفرّاء: جنح يجنح بالكسر،لغة في:يجنح،و يجنح.

(الصّغانيّ 2:19)

الأصمعيّ: جنّاح:دانية من الأرض.

(الأزهريّ 4:158)

ابن الأعرابيّ: العرب تقول:أنا إليك بجناح،أي متشوّق.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:157)

شمر: [في حديث]:«أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أمر بالتّجنّح في الصّلاة».

التّجنّح و الاجتناح كأنّه الاعتماد في السّجود على الكفّين،و الادّعام على الرّاحتين،و ترك الافتراش للذّراعين.[و بعد كلام ابن شميّل قال:]

و ممّا يصدّق ذلك حديث النّعمان بن أبي عيّاش، قال:شكا أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إليه الاعتماد في السّجود،فرخّص لهم أن يستعينوا بمرافقهم على ركبهم.

اجتنحت النّاقة في سيرها،إذا أسرعت.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:155)

الطّبريّ: يقال منه:جنح الرّجل إلى كذا يجنح إليه جنوحا،و هي لتميم.و قيس فيما ذكر عنها،تقول:يجنح، بضمّ النّون.(10:33)

الزّجّاج: جنح اللّيل و أجنح،إذا مال.

(فعلت و أفعلت:8)

ابن دريد :و جنح الرّجل،إذا مال،و جنحت السّفينة،إذا مالت في أحد شقّيها،و كلّ مائل إلى الشّيء فقد جنح إليه،و في التّنزيل: وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها الأنفال:61،و جناح الطّائر من هذا اشتقاقه،لأنّه في أحد شقيّه،و كلّ ناحية جناح.

و الجناح من قوله جلّ ثناؤه: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ البقرة:198،أي ميل إلى مأثم،و اللّه أعلم.

و قد سمّت العرب جنّاحا و جناحا.

و مرّ جنح من اللّيل بكسر الجيم و ضمّها،و هي القطعة منه،نحو نصفه،كأنّ اللّيل مال بها.

ص: 72

و المجنحة:قطعة من أدم تطرح على مقدّم الرّحل يجتنح عليها الرّاكب،أي يميل عليها.(2:60)

الأزهريّ: و جناح الشّيء:نفسه.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:جناح الدّرّ:نظم منه يعرّض.

و يقال:ركب القوم جناحي الطّائر،إذا فارقوا أوطانهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:فلان في جناحي طائر،إذا كان قلقا دهشا، كما يقال:كأنّه على قرن أعفر.

و يقال:نحن على جناح سفر،أي نريد السّفر.

و فلان في جناح فلان،أي في ذراه (1)و كنفه.

(4:157)

الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]

و أجنحته فاجتنح:أملته فمال،و منه قوله عزّ و جلّ:

وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها الأنفال:61،و الجناح:

الإثم،و التّضييق،و الميل عن الحقّ.

و جناحا الطّائر و الإنسان:يداه.

و الأجنح:جمع الجناح.

و جناحا الوادي:يمينه و شماله.

و الجناح:الجوار،و هو الإبط في قوله تعالى:

وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ القصص:32.

و أجنحت فلانا في مالي:أشركته.

و أجنحت الشّيء:وثّقته.

و النّعجة إذا أشليت للحلب يقال لها:جناح جناح.

و الجناح:هي السّوداء.(2:410)

الجوهريّ: جنح،أي مال،يجنح و يجنح جنوحا؛ و اجتنح مثله.و أجنحه غيره.

و جنوح اللّيل:إقباله.

و الجوانح:الأضلاع الّتي تحت التّرائب،و هي ممّا يلي الصّدر كالضّلوع ممّا يلي الظّهر؛الواحدة:جانحة.

و جنح البعير:انكسرت جوانحه من الحمل الثّقيل.

و جناح الطّائر:يده،و الجمع:أجنحة.

و جنحته:أصبت جناحه.

و الجناح،بالضّمّ:الإثم.

و جنح اللّيل و جنحه:طائفة منه.

و جنح الطّريق:جانبه.[ثمّ استشهد بشعر]

و جنح القوم:ناحيتهم و كنفهم.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:360)

ابن فارس: الجيم و النّون و الحاء أصل واحد،يدلّ على الميل و العدوان،و يقال:جنح إلى كذا،أي مال إليه.

و سمّي الجناحان جناحين لميلهما في الشّقّين.و الجناح:

الإثم،سمّي بذلك لميله عن طريق الحقّ.

و هذا هو الأصل ثمّ يشتقّ منه،فيقال للطّائفة من اللّيل:جنح و جنح،كأنّه شبّه بالجناح،و هو طائفة من جسم الطّائر.

و الجوانح:الأضلاع لأنّها مائلة.و جنح البعير،إذا انكسرت جوانحه من حمل ثقيل.و جنحت الإبل في السّير:أسرعت.فهذا من الجناح،كأنّها أعملت الأجنحة.(1:484)

الهرويّ: و قال أبو بكر:و العرب تستعير«الجناح» فتسمّي به ما بين الإبط و العضد من الإنسان.و تسمّي عصا الإنسان:جناحا،لأنّه ينتفع بها كما ينتفع بالجناح.ه.

ص: 73


1- في اللّسان:في داره و كنفه.

[إلى أن قال:]

و العرب تكني بالجناح عن القوّة و المنّة،يقولون:

قصّ جناح فلان،إذا أخذ ماله،أو أوقعت به جائحة تمنعه عن التّصرّف.(1:408)

ابن سيده: جنح إليه يجنح و يجنح جنوحا، و اجتنح:مال.و أجنحه هو.[ثمّ استشهد بشعر]

و جنح الرّجل و اجتنح:مال على أحد شقّيه و انحنى في قوسه.

و جنح اللّيل يجنح جنوحا:أقبل.

و جنح اللّيل و جنحه:جانبه،و قيل:قطعة منه نحو النّصف.

و جناح الطّائر:ما يخفق به في الطّيران،و الجمع:

أجنحة و أجنح.

و جنح الطّائر يجنح جنوحا،إذا كسر من جناحيه و وقع إلى الأرض،كاللاّجئ إلى شيء.

و جناح الطّائر:يده،و جناح الإنسان:عضده و يده،و في التّنزيل: وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ القصص:32،و جمعه:أجنحة و أجنح.حكى الأخيرة ابن جنّيّ و قال:كسّروا الجناح،و هو مذكّر، على«أفعل»و هو من تكسير المؤنّث،لأنّهم ذهبوا بالتّأنيث إلى الرّيشة.و كلّه راجع إلى الميل،لأنّ جناح الإنسان و الطّائر في أحد شقيّه.

و جنحه يجنحه جنحا:أصاب جناحه.

و جناحا العسكر:جانباه.

و جناحا الوادي:مجريان عن يمينه و شماله.

و جناح الرّحى:ناعورها.

و جناحا النّصل:شفرتاه.

و الجوانح:أوائل الضّلوع ممّا يلي الصّدر،سمّيت بذلك لجنوحها على القلب.و قيل:الجوانح:الضّلوع القصار الّتي في مقدّم الصّدر؛الواحدة:جانحة.

و قيل:الجوانح من البعير و الدّابّة:ما وقعت عليه الكتف،و هي من الإنسان الدّأي،و هنّ ما كان من قبل الظّهر،و هنّ ستّ:ثلاث عن يمينك و ثلاث عن شمالك.

و جنح البعير:انكسرت جوانحه من الحمل الثّقيل.

و جنح البعير يجنح جنوحا:انكسر أوّل ضلوعه ممّا يلي الصّدر.

و ناقة مجنّحة الجنبين:واسعتهما.

و جنحت الإبل:خفضت سوالفها في السّير،و قيل:

أسرعت.

و جنحت السّفينة تجنح جنوحا:انتهت إلى الماء القليل فلزقت بالأرض فلم تمض.

و اجتنح الرّجل في مقعده على رحله،إذا انكبّ على يديه كالمتّكئ على يد واحدة.

و المجنحة:قطعة أدم تطرح على مقدّم الرّحل يجتنح عليها الرّاكب.

و الجناح:الميل إلى الإثم،و قيل:هو الإثم عامّة.

و الجناح:ما تحمل من الهمّ و الأذى.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أنا إليك بجناح،أي متشوّق.[ثمّ استشهد بشعر]

و جنح الرّجل يجنح جنوحا:أعطى بيده.

و جناح:اسم رجل،و اسم ذئب.[ثمّ استشهد

ص: 74

بشعر](3:86)

جنح اللّيل:ظلامه و اختلاطه؛و ذلك حين تغيب الشّمس و تذهب معارف الأرض.

جنح اللّيل يجنح جنوحا:مال و أقبل بظلمته،يقال:

أتيته جنح اللّيل.(الإفصاح 2:920)

الطّوسيّ: تقول:جنح يجنح جنوحا و جنحت السّفينة،إذا مالت إلى الوقوف،و منه جناح الطّائر،لأنّه يميل به في أحد شقيّه.

و لا جناح عليه في كذا،أي لا ميل إلى مأثم.

(5:175)

نحوه الطّبرسيّ.(2:554)

أصل الجنوح:الميل،و منه:جناح الطّائر،لأنّه يميل به في طيرانه حيث شاء،و الجنب فيه جنوح الأضلاع، و أصل العضد من جهته تميل اليد حيث شاء صاحبها.

(7:168)

نحوه الطّبرسيّ.(4:7)

الرّاغب: الجناح:جناح الطّائر،يقال:جنح الطّائر،أي كسر جناحه،قال تعالى: وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ الأنعام:38.

و سمّي جانبا الشّيء جناحيه،فقيل:جناحا السّفينة،و جناحا العسكر،و جناحا الوادي،و جناحا الإنسان لجانبيه،قال عزّ و جلّ: وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ طه:22،أي جانبك، وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ القصص:32،عبارة عن اليد،لكون الجناح كاليد،و لذلك قيل لجناحي الطّائر:يداه.و قوله عزّ و جلّ: وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ الإسراء:24،فاستعارة؛و ذلك أنّه لمّا كان الذّلّ ضربين:ضرب يضع الإنسان،و ضرب يرفعه-و قصد في هذا المكان إلى ما يرفعه لا إلى ما يضعه-فاستعار لفظ الجناح له،فكأنّه قيل:استعمل الذّلّ الّذي يرفعك عند اللّه من أجل اكتسابك الرّحمة،أو من أجل رحمتك لهما وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ القصص:32.

و جنحت العير في سيرها:أسرعت،كأنّها استعانت بجناح.

و جنح اللّيل:أظلّ بظلامه،و الجنح:قطعة من اللّيل مظلمة،قال تعالى: وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها الأنفال:61،أي مالوا،من قولهم:جنحت السّفينة،أي مالت إلى أحد جانبيها.

و سمّي الإثم المائل بالإنسان عن الحقّ جناحا،ثمّ سمّي كلّ إثم جناحا،نحو قوله تعالى: فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ في غير موضع.

و جوانح الصّدر:الأضلاع المتّصلة رءوسها في وسط الزّور؛الواحدة:جانحة،و ذلك لما فيها من الميل.

(100)

الزّمخشريّ: جنحوا للسّلم،و جنحوا إليه، و جنحت الشّمس للغروب،و جنح اللّيل:مال للذّهاب أو المجيء.و يقال:جنح الأصيل.[ثمّ استشهد بشعر]

و جنحت السّفينة:بلغت ماء رقيقا فلصقت بالأرض لا تمضي.

و جنح الطّائر:كسر جناحيه للوقوع.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجبال جنوح على الأرض.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 75

و هذا أمر تنقضّ منه الجوانح،و هي أضلاع الصّدر.

و اجتنح على الشّيء:انكبّ عليه و مال.[ثمّ استشهد بشعر]

و أتيته عند مجتنح الأصيل.و ما عليك جناح.

و من المجاز:خفض له جناحيه،و هو مقصوص الجناح:للعاجز.و سال جناحا الوادي،أي جانباه.

و كسروا جناحي العسكر.و ركب جناحي نعامة،إذا جدّ في الأمر و عجّل.و أنا في جناح فلان،أي في ذراه و ظلّه.

و هو في جناح طائر،إذا وصف بالقلق و الدّهش.و قدّم إلينا ثريدة لها جناحان من عراق،و مجنّحة بالعراق.(أساس البلاغة:65)

المدينيّ: في الحديث:«إذا استجنح،أو كان جنح اللّيل فكفّوا صبيانكم».

جنح اللّيل،بكسر الجيم و ضمّها:قطعة منه نحو النّصف،كأنّ اللّيل مال بها،يعني إذا أقبلت الظّلمة، و قيل:جنح اللّيل:أوّل ما يظلم.و هذا المعنى أليق بالحديث،لما ورد فيه من ألفاظ أخر تدلّ عليه.

في حديث ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:«إنّي لأجنح أن آكل منه»،أي أرى أكله جناحا و إثما،و الجناح أيضا كأنّه ميل إلى المآثم.

في الحديث:«إنّ الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم»،قيل:إنّما وضعتها لتكون وطاء له إذا مشى.

و قيل:إنّه بمعنى التّواضع تعظيما لحقّه،فتضمّ أجنحتها له،كما قال سبحانه و تعالى: وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ الإسراء:24.

و قيل:وضع الجناح،يراد به النّزول عند مجالس العلم و ترك الطّيران،كما روي:«ما من قوم يذكرون اللّه تعالى إلاّ حفّت بهم الملائكة».

و يحتمل أن يكون المراد به:وضع الأجنحة بعضها بجنب بعض إظلالا لهم،كما يحكى عن فعل الطّير بداود النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.و كما روي في حديث آخر:«تظلّهم الطّير بأجنحتها».

و في رواية أخرى:«فرشت له الملائكة أكنافها» فيكون دليلا للقول الأوّل.

و في رواية أخرى:«يركب بعضهم بعضا حتّى يبلغوا السّماء»،و هو دليل القول الآخر.

و في رواية:«تخفض أجنحتها»و هو دليل القول الآخر.

[و قال مالك:]معنى قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«تضع» -يعني الملائكة أجنحتها-تبسطها بالدّعاء لطالب العلم بدلا من الأيدي،و يؤيّد هذا القول ما في الحديث الآخر:

من«أنّه تصلّي عليه الملائكة»،أي تدعو له و تستغفر.

و الجناحان،قيل سمّيا به،لأنّه يميل على إحداهما مرّة، و على الأخرى[مرّة]أخرى.

في حديث مرض رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«فوجد خفّة فاجتنح على أسامة حتّى دخل المسجد»أي مال.

(1:362)

الفخر الرّازيّ: أصل الجناح في اللّغة هو الثّقل، يقال:أجنحت السّفينة،إذا مالت لثقلها؛و الذّنب يسمّى جناحا لما فيه من الثّقل..(6:146)

ابن الأثير: في حديث عائشة رضي اللّه عنها:

«و كان و قيذ الجوانح»الجوانح:الأضلاع ممّا يلي الصّدر؛

ص: 76

الواحدة:جانحة.(1:305)

الفيّوميّ: جنح إلى الشّيء يجنح بفتحتين،و جنح جنوحا من باب«قعد»لغة:مال.

و جنح اللّيل،بضمّ الجيم و كسرها:ظلامه و اختلاطه.و جنح اللّيل يجنح،بفتحتين:أقبل.

و جنح الطّريق،بالكسر:جانبه.

و جناح الطّائر:بمنزلة اليد من الإنسان،و الجمع:

أجنحة.

و الجناح،بالضّمّ:الإثم.(1:111)

الجرجانيّ: «الجناحيّة»هم أصحاب عبد اللّه بن معاوية بن عبد اللّه بن جعفر ذي الجناحين.قالوا:

الأرواح تتناسخ،فكان روح اللّه في آدم،ثمّ في شيث،ثمّ في الأنبياء و الأئمّة،حتّى انتهت إلى عليّ و أولاده الثّلاثة،ثمّ إلى عبد اللّه هذا.(35)

الفيروزآباديّ: جنح يجنح و يجنح و يجنح جنوحا:مال كاجتنح و أجنح،و فلانا:أصاب جناحه.

و أجنحه:أماله.

و جنوح اللّيل:إقباله.

و الجوانح:الضّلوع تحت التّرائب ممّا يلي الصّدر؛ واحدته:جانحة.

و جنح البعير كعني:انكسرت جوانحه لثقل حمله.

و الجناح:اليد؛جمعه:أجنحة و أجنح،و العضد، و الإبط،و الجانب،و نفس الشّيء،و من الدّرّ:نظم يعرّض،أو كلّ ما جعلته في نظام،و الكنف،و النّاحية، و الطّائفة من الشّيء و يضمّ،و الرّوشن (1)،و المنظر، و اسم.

و جناح:جناح إشلاء العنز للحلب.

و الجناح هي السّوداء.

و ذو الجناحين:جعفر بن أبي طالب،قاتل يوم مؤتة حتّى قطعت يداه فقتل،فقال النّبي صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ اللّه قد أبدله بيديه جناحين يطير بهما في الجنّة حيث يشاء».

و ركبوا جناحي الطّائر:فارقوا أوطانهم.

و ركب جناحي النّعامة:جدّ في الأمر و احتفل.

و نحن على جناح السّفر،أي نريده،و بالضّمّ:الإثم.

و الجنح بالكسر:الجانب،و الكنف،و النّاحية، و من اللّيل:الطّائفة،و يضمّ،و اسم.

و الاجتناح في السّجود:أن يعتمد على راحتيه مجافيا لذراعيه غير مفترشهما كالتّجنّح،و في النّاقة:

الإسراع،أو أن يكون مؤخّرها يسند إلى مقدّمها لشدّة اندفاعها،و في الخيل:أن يكون حضره واحدا لأحد شقّيه يجتنح عليه،أي يعتمده في حضره.

(1:226)

العدنانيّ: و يجيزون تذكير الجناح و تأنيثه، فيقولون:كسر جناح العصفور و كسرت جناحه،اعتمادا على محمّد بن الطّيب الفاسيّ،الّذي نقل عنه مدّ القاموس ذلك.و لم أعثر على معجم آخر يؤيّد تذكير الجناح و تأنيثه معا،و المصادر الآتية تكتفي بتذكيره:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و ابن جنّيّ،و معجم مقاييس اللّغة،و المختار،و اللّسان،و التّاج،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و يجمع الجناح على:أجنحة و أجنح،قال تعالى:ة.

ص: 77


1- الكوّة.

اَلْحَمْدُ لِلّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ فاطر:1.

و من معاني الجناح:

1-العضد.

2-الإبط.

3-الجانب،و منه جناح القصر و نحوه.

4-الطّائفة من الشّيء.

5-كلّ ما ينظم عريضا كالجناح من درّ و غيره.

6-جناحا الرّحى:شقّاها.

7-جناحا النّصل:شفرتاه.

8-جناحا العسكر:جانباه«مجاز».

9-جناحا الوادي:مجريان عن يمينه و عن شماله «مجاز».

10-فلان في جناح الحاكم:في كنفه و رعايته «مجاز».

11-هو على جناح سفر:يريد السّفر«مجاز».

12-ركب جناحي طائر:فارق وطنه.

13-ركب جناحي نعامة:جدّ في الأمر و احتفل به «مجاز».

14-هو في جناحي طائر،إذا كان قلقا دهشا «مجاز».

15-خفض له جناحه:خضع و ذلّ«مجاز».قال تعالى: وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً الإسراء:24.

16-فلان مقصوص الجناح،إذا كان عاجزا«مجاز».

17-وصلت جناحه:ساعدته«الحريريّ في المقامة الكوفيّة».(129)

محمود شيت: الجناح:شارة الجناح:شارة يحملها الطّيّارون على القسم الأيسر من صدرهم، للدّلالة على تخرّجهم من كلّيّة الطّيران.

جناح مدرسة التّعبئة الصّغرى:مدرسة التّعبئة الصّغرى من مدرسة المشاة.

جناح الأسلحة:قسم الأسلحة من مدرسة الأسلحة.

الجناح:الإثم الّذي يقترفه العسكريّ.(1:157)

المصطفويّ: ظهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الميل و الرّغبة إلى شيء أو عمل أو جانب، و خصوصيّاته تختلف باختلاف الموارد و الموضوعات، يقال:جنح إلى الشّيء:مال إليه.جنح اللّيل:مال إلى الانقضاء و وصل إلى قوس نزوله.و جنح الرّجل:انحنى و مال بدنه عن الاستقامة.و جنح اللّيل:ميله و مقدار من قوسه و انحنائه.و الجانحة:الضّلع المنحني المائل.

و الجوانح:الأضلاع.و الجناح:مصدر في الأصل كالسّؤال أو اسم مصدر،بمعنى الانحراف و الميل عن العدل و الاستقامة،أو ما يحصل منه.

و أمّا الجناح:فالظّاهر أنّه كان في الأصل صفة كالجبان،و غلب استعماله في ما به يميل الطّائر،و هو بمنزلة اليد للإنسان؛حيث إنّ الإنسان يميل إلى شيء أو عن شيء عملا باليد،و الجناح في الطّائر مظهر إرادته و ميله و رغبته و حركته إلى ما يريد،و هو مصداق الميل و الرّغبة في الظّاهر.

و على هذا:فإطلاق«الجناح»على يد الإنسان ليس

ص: 78

بمجاز،بل هو من الحقيقة،إذا استعمل في مورد يلاحظ فيه مفهوم الجناحيّة،حتّى يكون من مصاديق الجناح، أي ما به يميل و يرغب إلى شيء أو عنه.

و لا يبعد أن يكون إطلاق الجناح فيما به يحصل الميل و الحركة في عالم الملائكة و أمثالها أيضا حقيقة،فإنّ خصوصيّات المصاديق غير ملحوظة في وضع الألفاظ و تصوّر المفهوم الّذي يوضع له اللّفظ.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

فظهر أنّ تفسير هذه الكلمات بمعان مختلفة تجاوز و جناح عن الحقّ.

و أمّا الفرق بين الميل و الجنح و الرّغبة:أنّ الرّغبة عبارة عن الميل مع العلاقة الباطنيّة و المحبّة.و الجنوح هو الميل مع العمل.و الميل مطلق.(2:124)

النّصوص التّفسيريّة

اشارة

جنحوا-فاجنح

وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. الأنفال:61

ابن عبّاس: إن مال بنو قريظة إلى الصّلح فأرادوا الصّلح فَاجْنَحْ لَها مل إليها أو ردّها.(151)

نحوه الواحديّ(2:469)،و البغويّ(2:307).

عكرمة :نسختها الآية الّتي في براءة قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ إلى قوله:

وَ هُمْ صاغِرُونَ التّوبة:29.

مثله الحسن،و نحوه قتادة.(الطّبريّ 10:34)

السّدّيّ: و إن أرادوا الصّلح فأرده.(284)

مثله السّجستانيّ(75)و نحوه ابن قتيبة(180)، و الزّجّاج(2:422)،و النّحّاس(3:167)،و الطّبرسيّ (2:555).

ابن إسحاق :أي إن دعوك إلى السّلم،إلى الإسلام،فصالحهم عليه.(الطّبريّ 10:34)

ابن زيد :فصالحهم.(الطّبريّ 10:34)

أبو عبيدة :أي رجعوا إلى المسالمة و طلبوا الصّلح.

(1:250)

الطّبريّ: و إن مالوا إلى مسالمتك و متاركتك الحرب،إمّا بالدّخول في الإسلام،و إمّا بإعطاء الجزية، و إمّا بموادعة،و نحو ذلك من أسباب السّلم و الصّلح فَاجْنَحْ لَها، يقول:فمل إليها،و ابذل لهم ما مالوا إليه من ذلك و سألوكه.[إلى أن قال:]

فأمّا ما قاله قتادة و من قال مثل قوله:من أنّ هذه الآية منسوخة،فقول لا دلالة عليه من كتاب و لا سنّة، و لا فطرة عقل.(10:33)

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:

أحدها:و إن مالوا إلى الموادعة فمل إليها.

و الثّاني:و إن توقّفوا عن الحرب مسالمة لك فتوقّف عنهم مسالمة لهم.

و الثّالث:و إن أظهروا الإسلام فاقبل منهم ظاهر إسلامهم،و إن تخلّف باطن اعتقادهم.(2:330)

الطّوسيّ: و ليس في الآية ما يدلّ على أنّ الكفّار إذا مالوا إلى الهدنة،وجب إجابتهم إليها على كلّ حال،لأنّ الأحوال تختلف في ذلك،فتارة تقتضي الإجابة،و تارة

ص: 79

لا تقتضي؛و ذلك إذا وتروا المسلمين بأمر يقتضي الغلظة مع حصول العدّة و القوّة.

فإن قيل:إذا جازت الهدنة مع الكفّار فهلاّ جاز المكافة في أمر الإمامة حتّى يجوز تسليمها إلى من لا يستحقّها؟

قلنا:تسليم الإمامة إلى من لا يستحقّها فساد في الدّين كفساد تسليم النّبوّة إلى مثله.(5:175)

الزّمخشريّ: [حكى القول بالنّسخ ثمّ قال:]

و الصّحيح أنّ الأمر موقوف على ما يرى فيه الإمام صلاح الإسلام و أهله،من حرب أو سلم،و ليس بحتم أن يقاتلوا أبدا أو يجابوا إلى الهدنة أبدا.و قرأ الأشهب العقيليّ (فاجنح) بضمّ النّون.(2:166)

نحوه الآلوسيّ.(10:27)

الطّبرسيّ: أي مل إليها و أقبلها منهم...[إلى أن قال:]و قيل:إنّها ليست بمنسوخة،لأنّها في الموادعة لأهل الكتاب،و الأخرى[التّوبة:29]لعبّاد الأوثان، و هذا هو الصّحيح،لأنّ قوله: فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ، و الآية الأخرى نزلتا في سنة تسع في سورة براءة، و صالح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله وفد نجران بعدها.(2:555)

ابن الجوزيّ: [نحو ابن عبّاس ثمّ قال:]

فإن قيل:لم قال:(لها)و لم يقل:«إليها»؟

فالجواب:أنّ«اللاّم»و«إلى»تنوب كلّ واحدة منهما عن الأخرى.

و فيمن أريد بهذه الآية قولان:

أحدهما:المشركون،و أنّها نسخت بآية السّيف، و الثّاني:أهل الكتاب.

فإن قيل:إنّها نزلت في ترك حربهم إذا بذلوا الجزية و قاموا بشرط الذّمّة،فهي محكمة.و إن قيل:نزلت في موادعتهم على غير جزية،توجّه النّسخ بآية الجزية.

(3:376)

الفخر الرّازيّ: أي مالوا إلى الصّلح،فالحكم قبول الصّلح.[ثمّ نقل الأقوال في النّسخ و عدمه فراجع]

(15:187)

جناح

وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً. الإسراء:24

ابن عبّاس: ليّن جانبك لهما.(235)

نحوه البغويّ(3:127)،و ابن الجوزيّ(5:25).

كن مع الوالدين كالعبد المذنب الذّليل الضّعيف للسّيّد الفظّ الغليظ،أي في التّواضع و التّملّق.

(البروسويّ 5:147)

نحوه ابن المسيّب.(الطّبريّ 15:66)

عروة بن الزّبير:هو أن تلين لهما،حتّى لا تمنع من شيء أحبّاه.(الطّبريّ 15:66)

نحوه الخازن.(4:126)

عطاء:لا ترفع يدك عليهما.(النّحّاس 4:141)

الإمام الصّادق عليه السّلام: لا تملأ عينيك من النّظر إليهما إلاّ برحمة و رقّة،و لا ترفع صوتك فوق أصواتهما، و لا يديك فوق أيديهما،و لا تتقدّم قدّامهما.

(العيّاشيّ 3:43)

الطّبريّ: و كن لهما ذليلا رحمة منك بهما،تطيعهما

ص: 80

فيما أمراك به ممّا لم يكن للّه معصية،و لا تخالفهما فيما أحبّا.(15:66)

الزّجّاج: أي ألن لهما جانبك متذلّلا لهما،من مبالغتك في الرّحمة لهما.(3:235)

القمّيّ: تذلّل لهما و لا تتجبّر عليهما.(2:18)

القفّال: في تقريره وجهان:

الأوّل:أنّ الطّائر إذا أراد ضمّ فرخه إليه للتّربية خفض له جناح،و لهذا السّبب صار خفض الجناح كناية عن حسن التّربية،فكأنّه قال للولد:اكفل والديك بأن تضمّهما إلى نفسك،كما فعلا ذلك بك حال صغرك.

و الثّاني:أنّ الطّائر إذا أراد الطّيران و الارتفاع نشر جناحه،و إذا أراد ترك الطّيران و ترك الارتفاع خفض جناحه،فصار خفض الجناح كناية عن فعل التّواضع من هذا الوجه.(الفخر الرّازيّ 20:191)

الطّوسيّ: أي تواضع لهما و اخضع لهما.

(6:467)

نحوه ابن كثير.(4:298)

القشيريّ: اخفض لهما جناح الذّلّ بحسن المداراة و لين المنطق،و البدار إلى الخدمة،و سرعة الإجابة، و ترك البرم بمطالبهما،و الصّبر على أمرهما،و ألاّ تدّخر عنهما ميسورا.(4:16)

الواحديّ: [نحو الزّجّاج و أضاف:]

و خفض الجناح من السّكون و ترك التّعصّب و الإباء عليهما.(3:104)

الزّمخشريّ: فإن قلت:ما معنى قوله: جَناحَ الذُّلِّ؟

قلت:فيه وجهان:

أحدهما:أن يكون المعنى و اخفض لهما جناحك،كما قال: وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ الحجر:88، فأضافه إلى(الذّلّ)أو(الذّلّ)كما أضيف«حاتم»إلى الجود،على معنى و اخفض لهما جناحك الذّليل أو الذّلول.

و الثّاني:أن تجعل لذلّه أو لذلّه لهما جناحا خفيضا، كما جعل لبيد (1)للشّمال يدا و للقرّة (2)زماما،مبالغة في التّذلّل و التّواضع لهما.(2:445)

نحوه البيضاويّ(1:582)،و المشهديّ(5:495)، و القاسميّ(10:3919)،و المراغيّ(15:35).

ابن عطيّة: استعارة،أي اقطعهما جانب الذّلّ منك،و دمّث لهما نفسك و خلقك.و بولغ بذكر اَلذُّلِّ هنا و لم يذكر في قوله: وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الشّعراء:215،و ذلك بحسب عظم الحقّ هنا.(3:449)

الطّبرسيّ: أي و بالغ في التّواضع و الخضوع لهما قولا و فعلا،برّا بهما و شفقة عليهما.و المراد ب(الذّلّ) هاهنا:اللّين و التّواضع دون الهوان،من خفض الطّائر جناحه إذا ضمّ فرخه إليه،فكأنّه سبحانه قال:ضمّ أبويك إلى نفسك كما كانا يفعلان بك و أنت صغير.و إذا وصفت العرب إنسانا بالسّهولة و ترك الإباء قالوا:هو خافض الجناح.(3:409)

الفخر الرّازيّ: المقصود منه المبالغة في التّواضع.ع.

ص: 81


1- و غداة ريح قد كشفت و قرّة إذا أصبحت بيد الشّمال زمامها.
2- الضّفدع.

[و أدام نحو الزّمخشريّ](20:190)

نحوه الشّربينيّ.(2:297)

القرطبيّ: هذه استعارة في الشّفقة و الرّحمة بهما و التّذلّل لهما تذلّل الرّعيّة للأمير و العبيد للسّادة،كما أشار إليه سعيد بن المسيّب،و ضرب خفض الجناح و نصبه مثلا لجناح الطّائر حين ينتصب بجناحه لولده.

(10:243)

أبو السّعود :عبارة عن إلانة الجانب و التّواضع و التّذلّل لهما،فإنّ إعزازهما لا يكون إلاّ بذلك.[ثمّ أدام نحو الزّمخشريّ ملخّصا و أضاف:]

و أمّا جعل خفض الجناح عبارة عن ترك الطّيران -كما فعله القفّال-فلا يناسب المقام.(4:123)

البروسويّ: (جناح الذّلّ)استعارة بالكناية.[ثمّ ذكر نحو الوجه الثّاني للزّمخشريّ](5:147)

شبّر:الإضافة بيانيّة،أي جناحك الذّليل.[ثمّ ذكر نحو الوجه الأوّل للقفّال](4:17)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:المراد بخفضهما:ما يفعله[الطّائر]إذا ضمّ فراخه للتّربية،و أنّه أنسب بالمقام.

و في«الكشف»أنّ في الكلام استعارة بالكناية ناشئة من جعل الجناح الذّلّ ثمّ المجموع،كما هو مثل في غاية التّواضع.و لمّا أثبت لذلّه جناحا أمره بخفضه تكميلا.

و ما عسى يختلج في بعض الخواطر من أنّه لمّا أثبت لذلّه جناحا،فالأمر برفع ذلك الجناح أبلغ في تقوية الذّلّ من خفضه،لأنّ كمال الطّائر عند رفعه،فهو ظاهر السّقوط إذا جعل المجموع تمثيلا،لأنّ الغرض تصوير الذّلّ،كأنّه مشاهد محسوس.

و أمّا على التّرشيح فهو وهم،لأنّ جعل الجناح المخفوض للذّلّ يدلّ على التّواضع.و أمّا جعل الجناح وحده فليس بشيء،و لهذا جعل تمثيلا فيما سلف.

(15:56)

الطّباطبائيّ: خفض الجناح كناية عن المبالغة في التّواضع و الخضوع قولا و فعلا،مأخوذ من خفض فرخ الطّائر جناحه ليستعطف أمّه لتغذيته،و لذا قيّده ب(الذّلّ) فهو دأب أفراخ الطّيور إذا أرادت الغذاء من أمّهاتها، فالمعنى واجههما في معاشرتك و محاورتك مواجهة يلوح منها تواضعك و خضوعك لهما،و تذلّلك قبالهما رحمة بهما.

هذا إن كان الذّلّ بمعنى المسكنة،و إن كان بمعنى المطاوعة فهو مأخوذ من خفض الطّائر جناحه ليجمع تحته أفراخه،رحمة بها و حفظا لها.(13:80)

عبد الكريم الخطيب :و خفض الجناح كناية عن لين الجانب،و لطف المعاشرة،و رقّة الحديث.و الإنسان فيه جانبان من كلّ شيء:جانب الخير،و جانب الشّرّ؛ جانب القوّة،و جانب الضّعف؛جانب الشّدّة،و جانب اللّين،و هكذا.

و بين جانبي الإنسان إرادة،هي الّتي تنزع به إلى أيّ الجانبين،فهو في هذا أشبه بالطّائر،حين يريد الاتّجاه إلى أيّة جهة،يخفض جناحه لها،على حين يفرد الجناح الآخر.

فكأنّ الإنسان حين دعي إلى أن يلين لأبويه،و أن يرقّ لهما،قد مثّل بطائر أراد أن يأخذ هذا الجانب من جانبيه،و هو جانب الرّحمة و العطف،فخفض جناحه و مال إليه.(8:473)

ص: 82

المصطفويّ: الجناح هو عامل الميل و الحركة، و مظهر القدرة و العمل،و مصداق للقوّة الفعّالة،و خفضه يكون إشارة إلى كسر تلك القوّة و وضعها،حتّى لا يتراءى منه قدرة و تفوّق في مقابل المؤمنين،بل يتواضع لهم و يؤانس معهم و يرفق بهم.و يؤكّد ذلك بالنّسبة إلى الوالدين،فينتهي التّواضع معهما إلى حدّ يكون الجناح عامل التّذلّل،فيتذلّل و يتحقّر لهما، و يعامل معهما معاملة المتذلّل،فكأنّ جناحه قوّة فعّالة للتّذلّل.

و في هذه الآية الكريمة لطائف:

1-الخفض للجناح و كسر صولة القدرة العمّالة.

2-تقديم كلمة(لهما)إشارة إلى اختصاص في ذلك الحكم للوالدين.

3-إضافة الجناح إلى الذّلّ و توصيفه به،إشارة إلى تبديل جناح القدرة و العظمة و العزّة إلى جناح الذّلّ،ثمّ خفض ذلك الجناح ثانيا،ففيه مبالغة في مبالغة.

4-أن يكون ذلك العمل من جهة الرّحمة و العطوفة لا بعناوين أخر.

5-ثمّ بعد إظهار تلك الرّحمة أن يسترحم اللّه في حقّهما و يدعو اللّه لهما.(2:125)

راجع«ذ ل ل».

جناحك

1- لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ. الحجر:88

ابن عبّاس: ليّن جانبك للمؤمنين،يقول:كن رحيما عليهم.(220)

نحوه الزّجّاج(3:186)،و الماورديّ(3:171)، و القشيريّ(3:281)،و البغويّ(3:66)،و أبو السّعود (4:33)،و الشّربينيّ(2:212)،و المراغيّ(14:46).

أرفق بهم،و لا تغلظ عليهم.(الواحديّ 3:52)

سعيد بن جبير: اخضع لهم.(الماورديّ 3:171)

الطّبريّ: و ألن لمن آمن بك،و اتّبعك و اتّبع كلامك و قرّبهم منك،و لا تجف بهم،و لا تغلظ عليهم.

(14:61)

الطّوسيّ: هو أن يلين لهم جانبه و يتواضع لهم، و يحسن خلقه معهم.(6:353)

الواحديّ: [نقل قول ابن عبّاس و قال:]

و العرب تقول:فلان خافض الجناح،إذا كان وقورا ساكنا.(3:52)

نحوه ابن الجوزيّ.(4:416)

الزّمخشريّ: و تواضع لمن معك من فقراء المؤمنين و ضعفائهم،و طب نفسا عن إيمان الأغنياء و الأقوياء.

(2:398)

مثله القاسميّ(10:3770)،و نحوه البيضاويّ (1:546)،و النّسفيّ(2:278)،و أبو السّعود(4:33)، و الكاشانيّ(3:121).

ابن عطيّة: و هذه استعارة بمعنى ليّن جناحك و وطّئ أكنافك.

و الجناح:الجانب و الجنب،و منه وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ طه:22،فهو أمر بالميل إليهم،و الجنوح:

الميل.(3:374)

ص: 83

الطّبرسيّ: [نحو الواحديّ و أضاف:]

و أصله:أنّ الطّائر إذا ضمّ فرخه إلى نفسه بسط جناحه ثمّ خفضه،فالمعنى تواضع للمؤمنين لكي يتّبعك النّاس في دينك.(3:345)

نحوه القرطبيّ(10:57)،و أبو حيّان(5:466)، و الآلوسيّ(14:80).

الفخر الرّازيّ: جناح الإنسان:يده،و خفض الجناح كناية عن اللّين و الرّفق و التّواضع،و المقصود أنّه تعالى لمّا نهاه عن الالتفات إلى أولئك الأغنياء من الكفّار أمره بالتّواضع لفقراء المسلمين،و نظيره قوله تعالى: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ المائدة:54،و قال في صفة أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم: أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ الفتح:29.(19:211)

النّيسابوريّ: وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ بهذا المقام ليصلوا بجناح همّتك إليه.(14:39)

مغنيّة:تواضع للطّيّبين المخلصين،لأنّ التّواضع لهؤلاء تواضع للّه،و التّكبّر على الخونة المفسدين جهاد في سبيل اللّه.(4:490)

الطّباطبائيّ: هو كناية عن التّواضع و لين الجانب،و الأصل فيه:أنّ الطّائر إذا أراد أن يضمّ إليه أفراخه بسط جناحه عليها ثمّ خفضه لها،هذا و الّذي ذكروه و إن أمكن أن يتأيّد بآيات أخر،كقوله: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ آل عمران:159،و قوله في صفة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ التّوبة:

128،لكنّ الّذي وقع في نظير الآية ممّا يمكن أن يفسّر به«خفض الجناح»هو صبر النّفس مع المؤمنين،و هو يناسب أن يكون كناية عن ضمّ المؤمنين إليه و قصر الهمّ على معاشرتهم و تربيتهم و تأديبهم بأدب اللّه،أو كناية عن ملازمتهم و الاحتباس فيهم من غير مفارقة،كما أنّ الطّائر إذا خفض الجناح لم يطر و لم يفارق،قال تعالى:

وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا الكهف:28.(12:192)

عبد الكريم الخطيب :احتفاء بشأن المؤمنين و رفع لمنزلتهم،و أنّ على النّبيّ أن يلقاهم حفيّا بهم، مكرما لهم،متجاوزا عن هناتهم.(7:262)

طه الدّرّة:أي ألن جانبك لمن آمن بك،و تواضع لهم،و في هذه الجملة استعارة مكنيّة،و هي ما حذف فيها المشبّه به،و رمز إليه بشيء من لوازمه،فقد استعير الطّائر للذّلّ ثمّ حذفه،و دلّ عليه بشيء من لوازمه،و هو الجناح،و إثبات الجناح للذّلّ يسمّونه استعارة تخييليّة.

(7:352)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ هذا التّعبير كناية جميلة عن التّواضع و المحبّة و الملاطفة،فالطّيور حينما تريد إظهار حنانها لفراخها تجعلها تحت أجنحتها بعد خفضها، فتجسّم بذلك أعلى صور العاطفة و الحنان،و تحفظهم من الحوادث و الأعداء،و تحميهم من التّشتّت.

و التّعبير المذكور عبارة عن كناية مختصرة بليغة ذات مغزى و معان كثيرة جدّا.و يمكن أن يحمل ذكر هذه الجملة بعد الأوامر الثّلاثة المتقدّمة إشارة تحذير بعدم إظهار التّواضع و الانكسار أمام الكفّار المتنعّمين بزهو الحياة الدّنيا،بل لا بدّ للتّواضع و الحبّ و العاطفة الفيّاضة

ص: 84

لمن آمن،و إن كان محروما من مال الدّنيا.(8:101)

2-و بهذا المعنى جاءت: وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ الشّعراء:215.

3- وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى. طه:22

ابن عبّاس: أدخل يدك في إبطك.(261)

مجاهد :كفّه تحت عضده.(الطّبريّ 16:157)

نحوه الكلبيّ.(الطّبرسيّ 4:8)

مقاتل: (إلى)بمعنى«مع»أي مع جناحك.

(القرطبيّ 11:191)

قطرب: إلى جيبك.[ثمّ استشهد بشعر]

(القرطبيّ 11:191)

مثله ابن قتيبة.(378)

الفرّاء: «الجناح»في هذا الموضع من أسفل العضد إلى الإبط.(2:178)

أبو عبيدة :مجازه:إلى ناحية جنبك،و الجناحان هنا النّاحيتان.(2:18)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و اضمم يا موسى يدك،فضعها تحت عضدك،و الجناحان هنا اليدان،كذلك روي الخبر عن أبي هريرة و كعب الأحبار.و أمّا أهل العربيّة فإنّهم يقولون:هما الجنبان.(16:157)

الزّجّاج: جناح الإنسان:عضده إلى أصل إبطه.

(3:355)

نحوه البغويّ.(3:260)

السّجستانيّ: اجمع يدك إلى جيبك،و الجناح:

ما بين أسفل العضد إلى الإبط.(120)

الشّريف الرّضيّ: هذه استعارة،و المراد بها-و اللّه أعلم-:و أدخل يدك في قميصك ممّا يلي إحدى جهتي يديك.و سمّيت تلك الجهتان جناحين لأنّهما في موضع الجناحين من الطّائر،و يوضّح عمّا ذكرنا قوله سبحانه في مكان آخر: وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ النّمل:12،و الجيب في جهة إحدى اليدين.

(109)

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:[ذكر قول مجاهد و قطرب،ثمّ قال:]

الثّالث:إلى جنبك،فعبّر عن الجنب بالجناح،لأنّه مائل في محلّ الجناح.(3:400)

الزّمخشريّ: قيل:لكلّ ناحيتين:جناحان، كجناحي العسكر لمجنّبتيه.و جناحا الإنسان:جنباه، و الأصل المستعار منه:جناحا الطّائر،سمّيا جناحين، لأنّه يجنحهما (1)عند الطّيران،و المراد:إلى جنبك تحت العضد،دلّ على ذلك قوله:(تخرج).(2:534)

نحوه البيضاويّ(2:48)،و أبو السّعود(4:275)، و المشهديّ(6:266)،و البروسويّ(5:376).

ابن عطيّة: أمره اللّه عزّ و جلّ أن يضمّ يده إلى جنبه و هو الجناح،استعارة و مجازا.[ثمّ استشهد بشعر]

و بعض النّاس يقولون:الجناح:اليد،و هذا كلّه صحيح على طريق الاستعارة،أ لا ترى أنّ جعفر بن أبي طالب يسمّى ذا الجناحين بسبب يديه،حين أقيمت له الجناحان مقام اليدين،شبّه بجناح الطّائر،و كلّ مرعوبا.

ص: 85


1- أي يميلهما.

من ظلمة أو نحوها فإنّه إذا ضمّ يده إلى جناحه فتر رعبه و ربط جأشه،فجمع اللّه لموسى عليه السّلام تفتير الرّعب مع الآية في اليد.(4:42)

القرطبيّ: [ذكر أقوالا و أضاف:]و قيل:إلى عندك.(11:191)

النّيسابوريّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و عن ابن عبّاس معناه إلى صدرك،و ضعّف بأنّه لا يطابقه قوله:(تخرج).

قلت:لا شكّ أنّ الصّدر مستور بالقميص،فيظهر عند ذلك معنى الخروج،و يفسّره قوله في موضع آخر:

وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ النّمل:12.(16:105)

أبو حيّان :الجناح حقيقة في الطّائر و الملك،ثمّ توسّع فيه فأطلق على اليد و على العضد و على جنب الرّجل.و قيل لمجنّبتي العسكر:جناحان،على سبيل الاستعارة،و سمّي جناح الطّائر،لأنّه يجنح به عند الطّيران.و لمّا كان المرعوب من ظلمة أو غيرها إذا ضمّ يده إلى جناحه فتر رعبه و ربط جأشه،أمره تعالى أن يضمّ يده إلى جناحه ليقوّي جأشه و لتظهر له هذه الآية العظيمة في اليد.

و المراد:إلى جنبك تحت العضد،و لهذا قال:(تخرج) فلو لم يكن دخول،لم يكن خروج،كما قال في الآية الأخرى: وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ النّمل:12.

و في الكلام حذف إذ لا يترتّب الخروج على الضّمّ و إنّما يترتّب على الإخراج،و التّقدير:و اضمم يدك إلى جناحك تنضمّ و أخرجها تخرج،فحذف من الأوّل و أبقى مقابله و من الثّاني و أبقى مقابله و هو اضمم،لأنّه بمعنى «أدخل»كما يبين في الآية الأخرى.(6:236)

الشّربينيّ: أي يدك اليمين إِلى جَناحِكَ أي جنبك الأيسر تحت العضد في الإبط.(2:457)

الآلوسيّ: [نحو أبي حيّان ثمّ قال:]

و المراد:أدخل يدك اليمنى من طوق مدرعتك و اجعلها تحت إبط اليسرى أو تحت عضدها عند الإبط أو تحتها عنده،فلا منافاة بين ما هنا و قوله تعالى: أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ. (16:179)

مغنيّة: في هذه الآية قال سبحانه: وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ و في الآية(12)من سورة النّمل قال:

وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ، فالمراد-إذن-من الجناح:

الجيب،و هو القميص أو طوقه،كما في كتب اللّغة.

(5:211)

نحوه الطّباطبائيّ(14:144)،و مكارم الشّيرازيّ (9:479).

المصطفويّ: أي أسلك يدك إلى جناحك وضع تحتها،و هذا هو المنصرف إليه عند إطلاق ضمّ اليد إلى الجناح،و في هذا العمل لطف و إشارة إلى جمع اليد و الجناح،و ضمّ إحداهما إلى الأخرى و كسر صولتهما، و خفض قدرتهما حتّى تخرج بيضاء.(2:126)

4- ..وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ...

القصص:32

ابن عبّاس: أدخل يدك في إبطك.(326)

نحوه أبو عبيدة(2:104)،و الطّبريّ(20:72).

اضمم يدك إلى صدرك.(الواحديّ 3:398)

ص: 86

مثله مجاهد.(الطّبرسيّ 4:252)

مجاهد :جناحاه:الذّراع،و العضد:هو الجناح، و الكفّ:اليد،اضمم يدك إلى جناحك.(الطّبريّ 20:72)

نحوه ابن زيد.(ابن الجوزيّ 6:219)

الفرّاء: يريد عصاه في هذا الموضع،و الجناح في الموضع الآخر:ما بين أسفل العضد إلى الرّفغ،و هو الإبط.

(2:306)

ابن قتيبة :الجناح:الإبط،و الجناح:اليد أيضا.

(333)

الزّجّاج: و المعنى في(جناحك)هاهنا هو العضد، و يقال:اليد كلّها جناح.(4:143)

نحوه الواحديّ(3:398)،و ابن جزيّ(3:106).

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:أنّ الجناح:الجيب:جيب القميص،و كان عليه مدرعة صوف.

الثّاني:أنّ الجيب:جنب البدن.(4:252)

البغويّ: معنى الآية:إذا هالك أمر يدك و ما ترى من شعاعها،فأدخلها في جيبك تعد إلى حالتها الأولى، و الجناح:اليد كلّها،و قيل:هو العضد.[إلى أن قال:]

و قيل:المراد من ضمّ الجناح السّكون،أي سكّن روعك و اخفض عليك جأشك،لأنّ من شأن الخائف أن يضطرب قلبه و يرتعد بدنه.(3:534)

نحوه الخازن.(5:143)

الزّمخشريّ: فإن قلت:ما معنى قوله: وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ؟

قلت:فيه معنيان:

أحدهما:أنّ موسى عليه السّلام لمّا قلب اللّه العصا حيّة فزع و اضطرب فاتّقاها بيده،كما يفعل الخائف من الشّيء، فقيل له:إنّ اتّقاءك بيدك فيه غضاضة عند الأعداء،فإذا ألقيتها فكما تنقلب حيّة فأدخل يدك تحت عضدك مكان اتّقائك بها ثمّ أخرجها بيضاء،ليحصل الأمران:

اجتناب ما هو غضاضة عليك،و إظهار معجزة أخرى.

و المراد بالجناح:اليد،لأنّ يدي الإنسان بمنزلة جناحي الطّائر،و إذا أدخل يده اليمنى تحت عضد يده اليسرى فقد ضمّ جناحه إليه.

و الثّاني:أن يراد بضمّ جناحه إليه تجلّده و ضبطه نفسه،و تشدّده عند انقلاب العصا حيّة حتّى لا يضطرب و لا يرهب،استعارة من فعل الطّائر،لأنّه إذا خوّف نشر جناحيه و أرخاهما،و إلاّ فجناحاه مضمومان إليه مشمّران.[إلى أن قال:]

و معنى وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ و قوله: اُسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ على أحد التّفسيرين واحد،و لكن خولف بين العبارتين،و إنّما كرّر المعنى الواحد لاختلاف الغرضين؛و ذلك أنّ الغرض في أحدهما:خروج اليد بيضاء،و في الثّاني:إخفاء الرّهب.

فإن قلت:قد جعل الجناح و هو اليد في أحد الموضعين مضموما و في الآخر مضموما إليه،و ذلك قوله:

وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ و قوله: وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ فما التوفيق بينهما؟

قلت:المراد بالجناح المضموم:هو اليد اليمنى، و بالمضموم إليه:اليد اليسرى،و كلّ واحدة من يمنى اليدين و يسراهما جناح.(3:175)

ص: 87

نحوه البيضاويّ(2:193)،و الشّربينيّ(3:97)، و أبو السّعود(5:122)،و طه الدّرّة(10:492).

الطّبرسيّ: قال أبو عبيدة:جناحا الرّجل:يداه، و قال غيره:الجناح هنا العضد،و يدلّ على قوله أنّ العضد قد تقام مقام الجملة،في مثل قوله: سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ القصص:35،و قد جاء المفرد و يراد به التّثنية.[ثمّ استشهد بشعر]

فعلى هذا يجوز أن يراد بالإفراد في قوله: وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ التّثنية،و قيل:إنّه لمّا ألقى العصا و صارت حيّة بسط يديه كالمتّقي و هما جناحاه،فقيل له:اضمم إليك جناحك،أي ما بسطته من يديك،و المعنى لا تبسط يديك خوف الحيّة فإنّك آمن من ضررها.

و يجوز أن يكون معناه اسكن و لا تخف.فإنّ من هاله أمر أزعجه حتّى كأنّه يطيّره،و آلة الطّيران:الجناح، فكأنّه عليه السّلام قد بلغ نهاية الخوف،فقيل له:ضمّ منشور جناحك من الخوف و اسكن.و قيل:معناه إذا هالك أمر يدك لما تبصر من شعاعها فاضممها إليك لتسكن.

(4:252)

ابن الأنباريّ: الجناح للإنسان مشبّه بالجناح للطّائر،ففي حال تشبّه العرب رجلي الإنسان بجناحي الطّائر،فيقولون:قد مضى فلان طائرا في جناحيه، يعنون ساعيا على قدميه،و في حال يجعلون العضد منه بمنزلة جناحي الطّائر،كقوله: وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ، و في حال يجعلون العصا بمنزلة الجناح،لأنّ الإنسان يدفع بها عن نفسه كدفع الطّائر عن نفسه بجناحه،كقوله: وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ و إنّما يوقع الجناح على هذه الأشياء تشبيها و استعارة، كما يقال:قد قصّ جناح الإنسان،و قد قطعت يده و رجله،إذا وقعت به جائحة أبطلت تصرّفه،و يقول الرّجل للرّجل:أنت يدي و رجلي،أي أنت من به أصل إلى محابّي.(ابن الجوزيّ 6:219)

الرّازيّ: [نحو ما تقدّم في ذيل كلام الزّمخشريّ]

(262)

القرطبيّ: و ما فسّروه من ضمّ اليد إلى الصّدر يدلّ على أنّ الجيب موضعه الصّدر.(13:285)

الطّباطبائيّ: قيل:المراد بضمّ الجناح إليه من الرّهب:أن يجمع يديه على صدره إذا عرضه الخوف عند مشاهدة انقلاب العصا حيّة،ليذهب ما في قلبه من الخوف.

و قيل:إنّه لمّا ألقى العصا و صارت حيّة بسط يديه كالمتّقي و هما جناحاه،فقيل له: وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ أي لا تبسط يديك خوف الحيّة،فإنّك آمن من ضررها.

و الوجهان-كما ترى-مبنيّان على كون الجملة،أعني قوله:(و اضمم)إلخ،من تتمّة قوله: أَقْبِلْ وَ لا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ القصص:31،و هذا لا يلائم تخلّل قوله: اُسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ إلخ،بين الجملتين بالفصل من غير عطف.

و قيل:الجملة كناية عن الأمر بالعزم على ما أراده اللّه سبحانه منه،و الحثّ على الجدّ في أمر الرّسالة،لئلاّ يمنعه ما يغشاه من الخوف في بعض الأحوال.

و لا يبعد أن يكون المراد بالجملة:الأمر بأن يأخذ

ص: 88

لنفسه سيماء الخاشع المتواضع،فإنّ من دأب المتكبّر المعجب بنفسه أن يفرّج بين عضديه و جنبيه كالمتمطّي في مشيته،فيكون في معنى ما أمر اللّه به النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من التّواضع للمؤمنين بقوله: وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ على بعض المعاني.(16:33)

عبد الكريم الخطيب :الجناح:اليد كلّها،بالكفّ و السّاعد،و العضد و المراد بضمّ الجناح:إلصاقه بالجنب،كما يفعل الخائف فيشدّ من عزمه،و يمسك نفسه،و المراد بهذا أن يأخذ موسى هذا الوضع حين يخرج يده من جيبه في موقفه مع فرعون،و في هذا ما يدفع الخوف عن موسى،و هو يواجه فرعون في هذا الموقف الرّهيب.(10:343)

المصطفويّ: أي ليتوقّف عن الحركة و العمل.

(2:126)

مكارم الشّيرازيّ: و التّعبير بالجناح،الّذي هو للطّائر مكان اليد للإنسان،هذا التّعبير هنا بدلا عن اليد في غاية الجمال و الرّوعة؛إذ لعلّ المراد منه تشبيه هذه الحالة بحالة الطّائر حين يدافع عن نفسه و هو أمام عدوّه المهاجم،و لكنّه يعود إلى حالته الأولى و يضمّ جناحه إليه عند ما يزول عنه العدوّ،و لا يجد ما يرهبه.(12:208)

اجنحة

اَلْحَمْدُ لِلّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ... فاطر:1

الزّمخشريّ: المعنى أنّ الملائكة خلقا أجنحتهم اثنان اثنان،أي لكلّ واحد منهم جناحان،و خلقا أجنحتهم ثلاثة ثلاثة،و خلقا أجنحتهم أربعة أربعة.

(3:298)

الفخر الرّازيّ: أقلّ ما يكون لذي الجناح أن يكون له جناحان،و ما بعدهما زيادة.

و قال قوم فيه:إنّ الجناح إشارة إلى الجهة،و بيانه هو أنّ اللّه تعالى ليس فوقه شيء،و كلّ شيء فهو تحت قدرته و نعمته،و الملائكة لهم وجه إلى اللّه يأخذون منه نعمه و يعطون من دونهم ممّا أخذوه بإذن اللّه،كما قال: نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ الشّعراء:193،194، و عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوى النّجم:5، فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً النّازعات:5،فهما جناحان،و فيهم من يفعل ما يفعل من الخير بواسطة،و فيهم من يفعله لا بواسطة، فالفاعل بواسطة فيه ثلاثة جهات،و منهم من له أربع جهات و أكثر،و الظّاهر ما ذكرناه أوّلا،و هو الّذي عليه إطباق المفسّرين.(26:3)

أبو حيّان :أجنحة:جمع جناح،صيغة جمع القلّة، و قياس جمع الكثرة فيه«جنح»على وزن«فعل»فإن كان لم يسمع كان أجنحة،مستعملا في القليل و الكثير.

(7:298)

أبو السّعود : أُولِي أَجْنِحَةٍ صفة ل(رسلا) و أولو:اسم جمع لذو،كما أنّ أولاء اسم جمع لذا.

و نظيرهما في الأسماء المتمكّنة المخاض و الخلفة.و قوله تعالى: مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ صفات لأجنحة،أي ذوي أجنحة متعدّدة متفاوتة في العدد،حسب تفاوت ما لهم من المراتب،ينزلون بها و يعرجون أو يسرعون بها.

[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

ص: 89

و يروى أن صنفا من الملائكة لهم ستّة أجنحة:

بجناحين منها يلقون أجسادهم،و بآخرين منها يطيرون فيما أمروا به من جهته تعالى،و جناحان منها مرخيّان على وجوههم حياء من اللّه عزّ و جلّ.

و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه رأى جبريل عليه السّلام ليلة المعراج و له ستّمائة جناح.

و روي أنّه سأله عليهما السّلام أن يتراءى له في صورته، فقال:إنّك لن تطيق ذلك،قال:إنّي أحبّ أن تفعل، فخرج عليه الصّلاة و السّلام في ليلة مقمرة،فأتاه جبريل عليهما السّلام في صورته،فغشي عليه عليه الصّلاة و السّلام ثمّ أفاق،و جبريل مسنده و إحدى يديه على صدره و الأخرى بين كتفيه،فقال:سبحان اللّه ما كنت أرى أنّ شيئا من الخلق هكذا،فقال جبريل عليه السّلام:فكيف لو رأيت إسرافيل له اثنا عشر جناحا:جناح منها بالمشرق،و جناح منها بالمغرب،و إنّ العرش على كاهله،و إنّه ليتضاءل الأحايين لعظمة اللّه عزّ و جلّ حتّى يعود مثل الوصع،و هو العصفور الصّغير.(5:270)

الآلوسيّ: أجنحة:جمع جناح،صيغة جمع القلّة.

و مقتضي المقام أنّ المراد به الكثرة.[ثمّ نقل كلام أبي حيّان و أضاف]

و الظّاهر أنّ الجناح بالمعنى المعروف عند العرب بيد أنّا لا نعرف حقيقته و كيفيّته،و لا نقول:إنّه من ريش كريش الطّائر.[إلى أن قال:]

قوله تعالى: مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ الظّاهر أنّه صفة لأجنحة،و المنع من الصّرف على المشهور للصّفة و العدل عن اثنين و ثلاثة ثلاثة و أربعة أربعة.[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ و قال:]

و البحث عن كيفيّة وضع الأجنحة شفعا كان أو وترا فيما أرى،ممّا لا طائل تحته،و لم يصحّ عندي في ذلك شيء،و لقياس الغائب على الشّاهد،قال بعضهم:إنّ المعنى إنّ في كلّ جانب لبعض الملائكة عليهم السّلام جناحين و لبعضهم ثلاثة و لبعضهم أربعة،و إلاّ فلو كانت ثلاثة لواحد لما اعتدلت،و هو كما ترى.

[ثمّ نقل ما جاء به الفخر الرّازيّ في قوله الثّاني-و قال قوم فيه-و أضاف:]

و هذا خلاف الظّاهر جدّا،و لا يحتاج إليه السّنيّ القائل:بأنّ الملائكة عليهم السّلام أجسام لطيفة نوريّة يقدرون على التّشكّل بالصّور المختلفة و على الأفعال الشّاقّة،و إنّما يحتاج إليه أو إلى نحوه الفلاسفة و أتباعهم،فإنّ الملائكة عندهم هي العقول المجرّدة،و يسمّيها أهل الإشراق:

بالأنوار الظّاهرة،و بعض المتصوّفة:بالسّرادقات النّوريّة،و قد ذكر بعض متأخّريهم أنّ لها ذوات حقيقيّة و ذوات إضافيّة،مضافة إلى ما دونها إضافة النّفس إلى البدن.فأمّا ذواتها الحقيقيّة فإنّما هي أمريّة قضائيّة قوليّة،و أمّا ذواتها الإضافيّة فإنّما هي خلقيّة قدريّة تنشأ منها الملائكة اللّوحيّة،و أعظمهم إسرافيل عليه السّلام، و تطلق الملائكة عندهم على غير العقول كالمدبّرات العلويّة و السّفليّة من النّفوس و الطّبائع،و أطالوا الكلام في ذلك،و ظواهر الآيات و الأخبار تكذّبهم،و اللّه تعالى الموفّق للصّواب.(22:162-164)

ص: 90

جناح

1- إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما...

البقرة:158

عائشة:إنّ ذلك في الأنصار،و ذلك أنّهم كانوا يهلّون لمناة الّتي كانت بالمشلل حذو قديد،و يعظّمونهما فكانوا لا يطوفون بين إساف و نائلة إجلالا لتلك،فلمّا جاء الإسلام تحرّجوا،فنزلت هذه الآية.

(ابن عطيّة 1:230)

ابن عبّاس: لا مأثم عليه.(22)

نحوه ابن قتيبة(66)،و الزّجّاج(1:234)، و البغويّ(1:191).

إنّه كان في الجاهليّة شياطين تعزف اللّيل أجمع بين الصّفا و المروة،و كانت بينهما آلهة،فلمّا جاء الإسلام و ظهر،قال المسلمون:يا رسول اللّه لا نطوف بين الصّفا و المروة،فإنّه شرك كنّا نفعله في الجاهليّة،فأنزل اللّه فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما. (الطّبريّ 2:47)

نحوه أنس بن مالك(الواحديّ 1:242)،و الشّعبيّ (الطّبريّ 2:46).

السّدّيّ: ليس عليه إثم بل له أجر.(136)

الإمام الصّادق عليه السّلام:كان المسلمون يرون أنّ الصّفا و المروة ممّا ابتدع أهل الجاهليّة،فأنزل اللّه هذه الآية.

إنّه كان في عمرة القضاء؛و ذلك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله شرط عليهم أن يرفعوا الأصنام،فتشاغل رجل من أصحابه حتّى أعيدت الأصنام،فجاءوا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله فقيل له:إنّ فلانا لم يطف و قد أعيدت الأصنام، فنزلت هذه الآية فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما، أي و الأصنام عليهما،فكان النّاس يسعون و الأصنام على حالها،فلمّا حجّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله رمى بها.

(الطّبرسيّ 1:240)

الأخفش: و إنّما قال: فَلا جُناحَ عَلَيْهِ لأنّ ذلك كان مكروها في الجاهليّة،فأخبر أنّه ليس بمكروه عنده.

(1:345)

الطّبريّ: فلا حرج عليه،و لا مأثم في طوافه بهما.

[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن ابن عبّاس](2:45)

الطّوسيّ: [نقل كلام الشّعبيّ ثمّ قال:]

و روي ذلك عن أبي جعفر و أبي عبد اللّه عليهما السّلام و كان ذلك في عمرة القضاء و لم يكن فتح مكّة بعد،و كانت الأصنام على حالها حول الكعبة.

و قال قوم:سبب ذلك أنّ أهل الجاهليّة كانوا يطوفون بينهما،فكره المسلمون ذلك خوفا أن يكون من أفعال الجاهليّة،فأنزل اللّه تعالى الآية.

و قال قوم عكس ذلك:أنّ أهل الجاهليّة كانوا يكرهون السّعي بينهما،فظنّ قوم أنّ في الإسلام مثل ذلك،فأنزل اللّه تعالى الآية.

و جملته أنّ في الآية ردّا على جميع من كرهه، لاختلاف أسبابه.(2:44)

نحوه الطّبرسيّ.(1:240)

الواحديّ: أي لا إثم عليه و لا حرج و لا ذنب.[إلى

ص: 91

أن قال:]

و الآية بظاهرها تدلّ على إباحة ما كرهوه،و لكنّ السّنّة أوجبت الطّواف بينهما و السّعي.(1:242)

ابن عطيّة: الجناح:الإثم و الميل عن الحقّ و الطّاعة،و من اللّفظة الجناح،لأنّه في شقّ،و منه قيل للخبا:جناح لتمايله و كونه كذي أجنحة.[إلى أن قال:]

و قوله:(فلا جناح)ليس المقصد منه إباحة الطّواف لمن شاء،لأنّ ذلك بعد الأمر لا يستقيم،و إنّما المقصد منه رفع ما وقع في نفوس قوم من العرب،من أنّ الطّواف بينهما فيه حرج،و إعلامهم أنّ ما وقع في نفوسهم غير صواب.(1:229)

الآلوسيّ: أي لا إثم عليه في أن يطوف.و أصل الجناح:الميل،و منه وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ الأنفال:61، و سمّي الإثم به،لأنّه ميل من الحقّ إلى الباطل.[ثمّ نقل كلام ابن عبّاس و أضاف:]

و منه يعلم دفع ما يتراءى إنّه لا يتصوّر فائدة في نفي الجناح بعد إثبات أنّهما من الشّعائر،بل ربّما لا يتلازمان؛ إذ أدنى مراتب الأوّل النّدب و غاية الثّاني الإباحة،و قد وقع الإجماع على مشروعيّة الطّواف بينهما في الحجّ و العمرة،لدلالة نفي الجناح عليه قطعا،لكنّهم اختلفوا في الوجوب.[ثمّ ذكر أدلّة الوجوب و عدمه فراجع]

(2:25)

الطّباطبائيّ: و تفريع قوله: فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ... إنّما هو للإيذان بأصل تشريع السّعي بين الصّفا و المروة،لا لإفادة النّدب.و لو كان المراد إفادة النّدب كان الأنسب بسياق الكلام أن يمدح التّطوّف،لا أن ينفي ذمّه،فإنّ حاصل المعنى أنّه لو كان الصّفا و المروة معبدين و منسكين من معابد اللّه فلا يضرّكم أن تعبدوه فيهما،و هذا لسان التّشريع.

و لو كان المراد إفادة النّدب كان الأنسب أن يفاد أنّ الصّفا و المروة لمّا كانا من شعائر اللّه،فإنّ اللّه يحبّ السّعي بينهما-و هو ظاهر-و التّعبير بأمثال هذا القول الّذي لا يفيد وحده الإلزام في مقام التّشريع،شائع في القرآن، كقوله تعالى في الجهاد: ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ الصّف:11، و في الصّوم: وَ أَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ البقرة:184، و في القصر: فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ النّساء:101.(1:386)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(1:399)

2- ..إِلاّ أَنْ تَكُونَ تِجارَةً حاضِرَةً تُدِيرُونَها بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاّ تَكْتُبُوها... البقرة:282

ابن عبّاس: حرج.(41)

مثله الطّبريّ.(3:132)

الزّمخشريّ: لا بأس أن لا تكتبوه،لأنّه لا يتوهّم فيه ما يتوهّم في التّداين.(1:404)

نحوه ابن كثير.(1:597)

الطّبرسيّ: أي حرج و ضيق،و معناه:فليس عليكم إثم في ترك كتابتها،لأنّ الكتابة للوثيقة،و لا يحتاج إلى الوثيقة إلاّ في النّسيئة دون النّقد.(1:399)

الآلوسيّ: أي فلا مضرّة عليكم أو لا إثم في عدم كتابتكم لها،لبعد ذلك عن التّنازع و النّسيان،أو لأنّ في تكليفكم الكتابة حينئذ مشقّة جدّا.و إدخال الفاء للإيذان بتعلّق ما بعدها بما قبلها.(3:61)

ص: 92

ابن عاشور: تصريح بمفهوم الاستثناء،مع ما في زيادة قوله: جُناحٌ من الإشارة إلى أنّ هذا الحكم رخصة،لأنّ رفع الجناح مؤذن بأنّ الكتابة أولى و أحسن.(2:580)

مكارم الشّيرازيّ: يعني ليس هناك ما يمنع من كتابة العقود النّقديّة أيضا،و هو خير،لأنّه يزيل كلّ خطإ أو اعتراض محتملين فيما بعد.(2:256)

الوجوه و النّظائر

الفيروزآباديّ: [نحو الرّاغب و أضاف:]

و أمّا الجناح بالضّمّ فورد بمعنيين:

بمعنى الحرج وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ البقرة:235، لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ البقرة:236.

و بمعنى الإثم في العقبى لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ الأحزاب:55،و لكلّ نظائر...

(بصائر ذوي التّمييز 2:400)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجناح،أي ما يخفق به الطّائر في الطّيران،و الجمع:أجنحة و أجنح؛يقال:جنح الطّائر يجنح جنوحا،أي كسر من جناحيه ثمّ أقبل كالواقع اللاّجئ إلى موضع،و جنحه يجنحه جنحا:

أصاب جناحه.

و جناح الشّيء:نفسه،و جناح الإنسان:يده، و جناح الرّحى:ناعورها،و جناحا النّصل:شفرتاه، و جناحا الوادي:مجريان عن يمينه و شماله،و جناحا العسكر:جانباه،على التّوسّع.

و في المثل:«ركب فلان جناحي نعامة»،أي جدّ في الأمر و احتفل به،و يقال:ركب القوم جناحي الطّائر، أي فارقوا أوطانهم،و نحن على جناح سفر:نريد السّفر، و فلان في جناحي طائر،إذا كان قلقا دهشا،و فلان في جناح فلان:في داره و كنفه.

و الجوانح:أوائل الضّلوع تحت التّرائب ممّا يلي الصّدر،كالضّلوع ممّا يلي الظّهر،و مفردها:جانحة،على التّشبيه بالأجنحة؛يقال:جنح البعير،أي انكسرت جوانحه من الحمل الثّقيل،و جنح يجنح جنوحا:انكسر أوّل ضلوعه ممّا يلي الصّدر.

و جنح الرّجل و اجتنح:مال على أحد شقيّه و انحنى على قوسه،كما يجنح الطّائر،و جنح إليه يجنح و يجنح و اجتنح:مال،و أجنحه هو،و اجتنح الشّيء فجنح:

أماله فمال.و جنحت النّاقة:مالت على أحد شقّيها و هي باركة،و جنحت السّفينة تجنح جنوحا:انتهت إلى الماء القليل فلزقت بالأرض فلم تمض.و اجتنح الرّجل في مقعده على رحله:انكبّ على يديه كالمتّكئ على يد واحدة،و جنح الرّجل على مرفقيه يجنح جنوحا و جنحا:اعتمد عليهما و قد وضعهما بالأرض أو على الوسادة،و جنح الرّجل يجنح:أقبل على الشّيء يعمله بيديه و قد حنى عليه صدره.و المجنحة:قطعة أدم تطرح على مقدّم الرّحل يجتنح الرّاكب عليها.

و جنحت الإبل:خفضت سوالفها في السّير،

ص: 93

و اجتنحت النّاقة في سيرها:كأنّها تسند مؤخّرها إلى مقدّمها من شدّة اندفاعها،فتحفز رجليها إلى صدرها.

و المجتنح من الخيل:الّذي يكون حضرا واحدا لأحد شقيّه يجنح عليه،أي يعتمده في حضره،و كلّ ذلك يحكي سرعتها،تشبيها بطيران الطّائر حين يطير بجناحيه.

و جنح الطّريق:جانبه،و جنح القوم:ناحيتهم و كنفهم،و جنح اللّيل و جنحه:جانبه،يقال:جنح اللّيل يجنح جنوحا،أي أقبل،و يشبّه به العسكر الجرّار؛يقال:

كأنّه جنح ليل،و جنح الظّلام جنوحا:أقبل اللّيل.

و الجناح:الميل إلى الإثم،أو هو الإثم عامّة،لميله عن طريق الحقّ،يقال:جنح الرّجل إلى الحروريّة،أي تابعهم و خضع لهم،و جنح الرّجل يجنح جنوحا:أعطى بيده.

2-و زعم بعض المستشرقين أنّ لفظ«الجناح» معرّب من اللّفظ الفارسيّ«گناه»،و اشتقّ هذا الأخير من اللّفظ الفهلويّ«ويناس»!

و لكنّ هذا اللّفظ يردّ بوجوه:

أ-أغلب ألفاظ اللّغة الفارسيّة في الحقبة الإسلاميّة إمّا فهلويّة أو عربيّة،و من المستيقن أنّ لفظ«گناه» ليس فهلويّا.

ب-انتقلت الألفاظ الفارسيّة إلى العربيّة قديما بواسطة اللّغة السّريانيّة و لم يعرف لفظ«گناه»في هذه اللّغة قطّ.

ج-ليس هناك توافق لفظيّ بين«گناه»و«ويناس»، خلافا لما نراه في أغلب المعرّبات.

و ما دام لفظ«گناه»ليس فهلويّا،فهو«مفرّس»من اللّفظ العربيّ«جناح»؛إذ ليس في الفارسيّة القديمة آنذاك«جيم»،فكان الفرس يفخّمون هذا الحرف،كما يفعل المصريّون حاليّا،نحو:«گزيت»أي جزية،لاحظ «ج ز ي».

كما لم يكن فيها«حاء»،فكانوا و لا زالوا يقلبونه «هاء»في التّلفّظ،نحو:زهمت،أي زحمة.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها فعلان بمعنى واحد مرّة،و اسمان 32 مرّة بأربعة معان في 32 آية:

جنحوا و اجنح:

1- وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها وَ تَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ الأنفال:61

جناحين و أجنحة:

2- وَ ما مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ الأنعام:38

3- اَلْحَمْدُ لِلّهِ فاطِرِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنى وَ ثُلاثَ وَ رُباعَ يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ ما يَشاءُ إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ فاطر:1

خفض الجناح:

4- وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً الإسراء:24

ص: 94

5- لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ وَ لا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ

الحجر:88

6- وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ

الشّعراء:215

ضمّ الجناح:

7- اُسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ القصص:32

8- وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى طه:22

لا جناح و ليس جناح:

9 و 10- وَ إِذا ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ أَنْ يَفْتِنَكُمُ... وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ كانَ بِكُمْ أَذىً مِنْ مَطَرٍ... النّساء:101،102

11- إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ البقرة:158

12- لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَبْتَغُوا فَضْلاً مِنْ رَبِّكُمْ فَإِذا أَفَضْتُمْ مِنْ عَرَفاتٍ فَاذْكُرُوا اللّهَ عِنْدَ الْمَشْعَرِ الْحَرامِ... البقرة:198

13- لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيها مَتاعٌ لَكُمْ وَ اللّهُ يَعْلَمُ ما تُبْدُونَ وَ ما تَكْتُمُونَ النّور:29

14- لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ وَ لا أَبْنائِهِنَّ وَ لا إِخْوانِهِنَّ وَ لا أَبْناءِ إِخْوانِهِنَّ وَ لا أَبْناءِ أَخَواتِهِنَّ وَ لا نِسائِهِنَّ وَ لا ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُنَّ وَ اتَّقِينَ اللّهَ إِنَّ اللّهَ كانَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيداً الأحزاب:55

15- ...لَيْسَ عَلَيْكُمْ وَ لا عَلَيْهِمْ جُناحٌ بَعْدَهُنَّ طَوّافُونَ عَلَيْكُمْ بَعْضُكُمْ عَلى بَعْضٍ كَذلِكَ يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الْآياتِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ النّور:58

16 و 17- وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً فَلَيْسَ عَلَيْهِنَّ جُناحٌ أَنْ يَضَعْنَ ثِيابَهُنَّ غَيْرَ مُتَبَرِّجاتٍ بِزِينَةٍ وَ... لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً... النّور:60،61

18- اُدْعُوهُمْ لِآبائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِنْدَ اللّهِ فَإِنْ لَمْ تَعْلَمُوا آباءَهُمْ فَإِخْوانُكُمْ فِي الدِّينِ وَ مَوالِيكُمْ وَ لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ فِيما أَخْطَأْتُمْ بِهِ وَ لكِنْ ما تَعَمَّدَتْ قُلُوبُكُمْ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً الأحزاب:5

19 و 20- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ بَناتُكُمْ وَ... فَإِنْ لَمْ تَكُونُوا دَخَلْتُمْ بِهِنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ وَ... وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ النِّساءِ... وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما تَراضَيْتُمْ بِهِ مِنْ بَعْدِ الْفَرِيضَةِ... النّساء:23،24

21- تُرْجِي مَنْ تَشاءُ مِنْهُنَّ وَ تُؤْوِي إِلَيْكَ مَنْ تَشاءُ وَ مَنِ ابْتَغَيْتَ مِمَّنْ عَزَلْتَ فَلا جُناحَ عَلَيْكَ...

الأحزاب:51

22- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا جاءَكُمُ الْمُؤْمِناتُ مُهاجِراتٍ... وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ أَنْ تَنْكِحُوهُنَّ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ... الممتحنة:10

23- وَ إِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ مِنْ بَعْلِها نُشُوزاً أَوْ إِعْراضاً

ص: 95

فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَ الصُّلْحُ خَيْرٌ وَ... النّساء:128

24 و 25- اَلطَّلاقُ مَرَّتانِ... فَإِنْ خِفْتُمْ أَلاّ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما فِيمَا افْتَدَتْ بِهِ... فَإِنْ طَلَّقَها فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يَتَراجَعا إِنْ ظَنّا أَنْ يُقِيما حُدُودَ اللّهِ... البقرة:229،230

26-29- فَإِنْ أَرادا فِصالاً عَنْ تَراضٍ مِنْهُما وَ تَشاوُرٍ فَلا جُناحَ عَلَيْهِما وَ إِنْ أَرَدْتُمْ أَنْ تَسْتَرْضِعُوا أَوْلادَكُمْ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِذا سَلَّمْتُمْ ما آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ... فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ... وَ لا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِيما عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّساءِ... لا جُناحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّساءَ ما لَمْ تَمَسُّوهُنَّ... البقرة:233-236

30- ...فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَلاّ تَكْتُبُوها وَ أَشْهِدُوا إِذا تَبايَعْتُمْ... البقرة:282

31- وَ الَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَ يَذَرُونَ أَزْواجاً وَصِيَّةً لِأَزْواجِهِمْ مَتاعاً إِلَى الْحَوْلِ غَيْرَ إِخْراجٍ فَإِنْ خَرَجْنَ فَلا جُناحَ عَلَيْكُمْ فِي ما فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ مِنْ مَعْرُوفٍ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ البقرة:240

32- لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ جُناحٌ فِيما طَعِمُوا إِذا مَا اتَّقَوْا وَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ... المائدة:93

يلاحظ أوّلا:أنّه جاء في(1) وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها و فيها بحوث:

1-اختلفوا في نزولها في يهود بني قريظة-عن ابن عبّاس-أو في أهل الكتاب عامّة،أو المشركين- حكاهما ابن الجوزيّ-و الصّواب نزولها في المشركين، لأنّها من سورة الأنفال النّازلة في بدء الهجرة بعد البقرة بشأن«غزوة بدر»و لمّا يبدأ يومئذ حرب بين المسلمين و اليهود القاطنين بالمدينة،و لا مع أهل الكتاب من غير أهل المدينة،لكن لا بأس بإجرائها فيهم.

2-قال بعضهم:إنّها نسخت ب قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ... التّوبة:29، و فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ... التّوبة:5، و فيه أنّ الآية الأولى في أهل الكتاب دون المشركين، مع أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم صالح نصارى نجران،و الثّانية لا تمنع من الصّلح إن جنحوا للسّلم مع أنّه يختلف أمر الصّلح و الحرب حسب ما يراه الإمام-كما قال الزّمخشريّ-.

3-قالوا:معنى(جنحوا،و اجنح):إن مالوا إلى الصّلح فمل إليه،و إنّ منه جناح الطّائر لأنّه يميل به في أحد شقّيه.

و يخطر بالبال أنّ التّعبير ب(الجنوح)هنا فيه نوع خفض للجناح من الطّرفين عند المصالحة و المسالمة.فهناك علاقة ماسّة بين هذه الآية و ما بعدها من الآيات(4-6).

4-أريد ب(السّلم)الصّلح و المسالمة و ترك الحرب، و قيل:إن أسلموا و أظهروا الإسلام،و هو بعيد لاحظ «س ل م:السّلم»و لا يساوق(فاجنح لها)إذ ليس معناه فاجنح إلى الإسلام قطعا مع أنّ سياقهما واحد.

5-في(فاجنح لها)سؤالان:لم قال:(لها)دون (اليها)و هذا يجري في جَنَحُوا لِلسَّلْمِ أيضا؟

و لم قال:(لها)دون(له)لأنّ الضّمير راجع إلى السّلم؟

و الجواب عن الأوّل،كما قال ابن الجوزيّ: أنّ«اللاّم»

ص: 96

و«إلى»قريبان يأتي كلّ منهما بدلا من الأخرى، و يضاف إليه أنّه من أجل إشراب(الجنوح)هنا معنى خفض الجناح-كما سبق-و هذا يتعدّى ب«اللاّم»مثل وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ.

و عن الثّاني:أنّ(السّلم)هنا-كما قال الطّوسيّ و الطّبرسيّ.و يقتضيه السّياق أيضا-بمعنى المسالمة الملازمة للصّلح،فإنّ الصّلح يكون دائما بين الطّرفين أو الأطراف،و قد ذكر الطّرفان في الآية وَ إِنْ جَنَحُوا لِلسَّلْمِ فَاجْنَحْ لَها، و الثّانية كالإجابة للأولى،و هذا معنى المسالمة.

6-أثار الطّوسيّ هنا سؤالا:إذا جازت الهدنة مع الكفّار فهلاّ جازت المكافّة في أمر الإمامة حتّى يجوز تسليمها إلى من لا يستحقّها؟و أجاب بأنّ تسليم الإمامة إلى غير أهلها فساد في الدّين كفساد تسليم النّبوّة إلى غير أهلها.

قلنا:تسليم منصب الإمامة مثل النّبوّة إلى غير أهلهما مستحيل،لأنّ الإمامة لطف وهبة من اللّه كالنّبوّة، لا تنتقلان إلى غير من اختاره اللّه لهما.

أمّا لو سئل هل يجوز للإمام أن يوكل إدارة أمور النّاس في دنياهم إلى غيره لضرورة تقتضيه،كما جاز إيكالها في كلّ ناحية إلى حاكم ينوب عنه،فلا يرد عليه ما ذكر،و له أمثلة في سيرة عليّ و ابنه الحسن عليهما السّلام من وجهة نظر بعض فرق المعتزلة،و هذا بحث جديد في الحكومة الإسلاميّة من وجهة نظر الشّيعة.و لنا فيه مقال باللّغة الفارسيّة بعنوان«إمام عليّ و وحدت إسلاميّ»و الظّاهر أنّها جائزة إذا حكم غيره نيابة عنه بإذنه،لا غصبا و جبرا أو سيطر عليها و رأى الإمام المصلحة في إبقائه و تأييده كما جاء في بعض الآثار.

لاحظ كتاب عليّ عليه السّلام إلى أهل الكوفة قبل حرب صفّين في كتاب«الغارات»لأبي إسحاق إبراهيم بن محمّد الثّقفيّ ج 1:307،و كتابه إلى معاوية في كتاب«الصّفّين» لنصر بن مزاحم،و يوجد مثلهما في مصادر أخرى و نظريّة«الولاية العامّة للفقيه»في عصر غيبة الإمام عليه السّلام الّتي آثارها الإمام الخمينيّ و حقّقها بالفعل باسم الجمهوريّة الإسلاميّة تعدّ كنموذج ممّا ذكر أوّلا.

ثانيا:جاء(جناح)تثنية و جمعا مرّتين بمعناه اللّغويّ الّذي هو الأصل لسائر المعاني،ففي(2) وَ لا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ نسبة إلى الطّائر،و في(3) جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً أُولِي أَجْنِحَةٍ نسبة إلى الملائكة.

و البحث فى كيفيّة أجنحتهم-كما جاء في النّصوص- موكول إلى البحث في حقيقة الملك،لاحظ«م ل ك:

ملائكة»

ثالثا:أمر اللّه النّاس في(4-6)بخفض الجناح للوالدين،و أمر النّبيّ عليه السّلام بخفض جناحه للمؤمنين، و فيها بحوث:

1-معظمهم قالوا:إنّه مبالغة في التّواضع و لين الجانب و ترك التّجبّر،و إنّه كناية لطيفة ممّا يقع بين الطّائر و فرخه من الملاطفة و التّرحّم بوجهين:

الأوّل:أنّ الطّائر إذا أراد ضمّ فرخه إليه للتّربية خفض له جناحه و أخذ فرخه تحت جناحه،و أنّه كناية عن حسن التّربية،فالولد يكفل والديه حال كبرهما، كما كفلاه حال صغره.و كذا يكفل النّبيّ المؤمنين.

ص: 97

الثّاني:أنّ فرخ الطّائر يخفض جناحه لأمّه ليستعطفها لتغذيته،فخفض الجناح يكون بين الطّرفين.

و المناسب هنا الأوّل،لأنّ الولد لا يقصد استعطاف والديه عليه و لا النّبيّ استعطاف المؤمنين.بل العطف من جانب الولد و النّبيّ ابتداء لتكفّل الوالدين و المؤمنين،إلاّ أن يراد مطلق التّواضع لهم،جلبا لعواطفهم دون التّربية أو التّكفّل،و هذا لا يبعد.و المعنى تواضعوا للوالدين و للمؤمنين جدّا كما بين الطّائر و فرخه من الطّرفين.

و القفّال بعد أن ذكر الوجه الأوّل للتّشبيه بالطّائر و فرخه ثنّاه بوجه آخر،و هو أنّ الطّائر إذا أراد الطّيران و الارتفاع نشر جناحه،و إذا ترك الطّيران خفض جناحه،فصار خفض الجناح كناية عن فعل التّواضع من هذا الوجه.

و فيه أوّلا:أنّه-كما قال البروسويّ-لا يناسب المقام فإنّ خفض الجناح صار كناية عن التّواضع دون ترك الطّيران،و ثانيا:أنّ ترك الطّيران ليس فيه تواضع، و ثالثا:لا علاقة بينه و بين الذّلّ الّذي جاء في(2) و سنتدارسه.

2-جاء في(4) وَ اخْفِضْ لَهُما جَناحَ الذُّلِّ و في (5،6) وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ -أو لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ -فما هو الفارق بينهما؟

و الجواب،كما يخطر بالبال:أنّ(جناح الذّلّ)جاء بشأن النّاس للوالدين،و لا مانع من تذلّل الإنسان لوالديه عند تواضعه لهما،فإن حقّهما عليه تالي حقّ اللّه تعالى،فقد جاء الأمر بالإحسان إليهما عقيب النّهي عن الشّرك في آيات،مثل: أَلاّ تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً الأنعام:151،أمّا اِخْفِضْ جَناحَكَ فهي خطاب للنّبيّ بشأن المؤمنين،و المناسب فيه التّواضع دون الذّلّ،فإنّ التّواضع منه عليه السّلام للمؤمنين خصلة حسنة تجلب النّاس إليه،أمّا الذّلّ فلا يحسن لأحد إلاّ للّه و للوالدين.

و نحن لا نوافق الطّبرسيّ في قوله:«و المراد بالذّلّ هاهنا اللّين و التّواضع دون الهوان...»أخذه من قول العرب لمن وصفه بالسّهولة و ترك الإباء:«هو خافض الجناح»و على قوله لا يبقى بين التّعبيرين فرق إلاّ شدّة المبالغة في«جناح الذّلّ»دون«خفض الجناح»؛بل الصّواب قول القرطبيّ:«التّذلّل لهما تذلّل الرّعيّة للأمير و العبيد للسّادة،كما أشار إليه سعيد بن المسيّب، و ضرب:خفض الجناح و نصبه،مثلا لجناح الطّائر حين ينتصب بجناحه لولده».

3-قدّم(لهما)في(4)و أخّر(للمؤمنين)و(لمن تبعك)في(5 و 6)تخصيصا للوالدين،و مبالغة في خفض الجناح لهما.

4-إضافة(جناح)إلى(الذّلّ)فيها مبالغة في مبالغة؛ إذ خفض الجناح-و الجناح رمز القوّة-كسر للقدرة و العزّة،و إضافته إلى الذّلّ كسر له ثانيا،فهنا اختصاص آخر للوالدين،ذكرهما المصطفويّ.

5-هذه الإضافة بيانيّة على قول شبّر،أي جناحك الذّليل،و بيانه ما جاء في كلام الآلوسيّ نقلا عن الكشف:«أنّ في الكلام استعارة بالكناية ناشئة من جعل الجناح الذّلّ ثمّ المجموع-كما هو مثل-غاية التّواضع،و لمّا أثبت لذلّه جناحا أمره بخفضه تكميلا...».

ص: 98

و عند الزّمخشريّ فيه وجهان:

الأوّل:أنّ إضافة الجناح إلى الذّلّ أو الذّلّ كإضافة حاتم إلى الجود،أي اخفض لهما جناحك الذّليل أو الذّلول.

و الثّاني:أن تجعل لذلّه أو لذلّه جناحا خفيفا،كما جعل لبيد للشّمال يدا و للقرّة زماما،مبالغة في التّذلّل و التّواضع لهما.

و ذهب الطّباطبائيّ إلى أنّ الذّلّ لو كان بمعنى المسكنة فخفض الجناح كناية عن المبالغة في الخضوع قولا و فعلا، كما يخفض فرخ الطّائر جناحه ليستعطف أمّه لتغذيته، و إن كان بمعنى المطاوعة فهو مأخوذ من خفض الطّائر جناحه ليجمع تحته أفراخه رحمة بها و حفظا لها.

و عندنا أنّ الذّلّ بمعناه اللّغويّ و إضافة الجناح إليه كالإضافة في«يد الإحسان»و بهذا الوجه فرّقنا بين هذه و بين(3 و 4).و عليه فليست الإضافة بيانيّة بل وصفيّة، أي جناحك الذّليل.

6-و في ذيل الآية وَ قُلْ رَبِّ ارْحَمْهُما كَما رَبَّيانِي صَغِيراً إشعار أيضا بأنّ الذّلّ بمعنى المسكنة، فإنّ الطّفل ذليل لأبويه و هو تحت تربيتهما،و فيه علاقة بصدر الآية جَناحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ فالابن خاضع لهما و ذليل بين أيديهما-و هو كبير-رحمة لهما كما كانا يرحمانه و هو صغير ذليل عندهما.و فيه تذكير له بحالة الطّفولة ترغيبا له في الذّلّ و الرّحمة،و هو كبير..

7-قالوا في(5)نظرا إلى صدرها: لا تَمُدَّنَّ عَيْنَيْكَ إِلى ما مَتَّعْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْهُمْ اخفض جناحك لفقراء المؤمنين و ضعافهم و لا تلتفت إلى الأغنياء من الكفّار و المتنعّمين.قال مغنيّة:«تواضع للطّيّبين المخلصين،لأنّ التّواضع لهؤلاء تواضع للّه،و التّكبّر على الخونة المفسدين جهاد في سبيل اللّه»و على هذا فالآية ترغّب النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالتّواضع للمؤمنين الفقراء المخلصين و عدم التّكبّر عليهم فهي نظير: فَبِما رَحْمَةٍ مِنَ اللّهِ لِنْتَ لَهُمْ آل عمران:159،و قال في صفته:

بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ التّوبة:128،و في صفة المؤمنين: أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ المائدة:54،و في وصف الأصحاب: أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ الفتح:29.

لكن الطّباطبائيّ لم يخصّها بالفقراء،و رجّح أنّها نظير: وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَ لا تَعْدُ عَيْناكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَياةِ الدُّنْيا الكهف:28،تأمره بالصّبر مع المؤمنين و ضمّهم إليه و معاشرتهم،أو الاحتباس فيهم من غير مفارقة.و لا ريب أنّ قوله أوفق لسياق الآية.

8-ما تقدّم في(5)يأتي في(6)تماما إلاّ أنّها خصّت خفض جناحه عليه السّلام بمن اتّبعه من المؤمنين،و هو مراد في(5)أيضا فهذه تفسير لذاك،إذ من لم يتبعه فهو ليس بمؤمن حقّا.

رابعا:جاء في(7 و 8)(جناحك)بشأن موسى عليه السّلام بمعنى واحد في سياقين:

الأوّل:جاء في(8):ضمّ يده إلى جناحه،و المراد به جنبه و شقّه الأيمن لتخرج بيضاء.و فسّروا الجناح بأسفل العضد إلى الإبط،و الجناحان هما الجهتان و سمّيتا جناحين لأنّهما في موضع الجناحين من الطّائر فهذا-على

ص: 99

قول الرّضيّ و غيره-استعارة،و الأصل المستعار منه جناحا الطّائر.

و قيل:الجناح هنا هو الجيب،و المراد إدخال يده في جيبه،كما جاء في صدر(7) اُسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ.

و قيل:الجناحان:اليدان،لأنّ اليدين في الإنسان بمنزلة الجناحين للطّائر.كما قيل:(إلى)بمعنى«مع»أي مع جناحك كما جاء في ذيل(7) وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ.

و نحن قد بيّنّا الفرق اللّطيف البليغ بين الآيات الثّلاث: وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ و اُسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ و أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ النّمل:12،في «ب ي ض:البيضاء»فلاحظ.و على كلّ حال فالمراد إدخال يده اليمنى إلى جناحه الأيسر كما جاء في النّصوص.فليس المراد بالجناح هنا اليد و لا(إلى)بمعنى «مع».

الثّاني:و جاء في(7)ضمّ جناحه إليه من الرّهب، و قد اختلفوا في تفسيرها على وجوه:

1-اضمم يدك إلى جناحك أو أدخل يدك إلى إبطك.

2-اضمم يدك إلى صدرك.

3-أدخل يدك في جيبك،فهو بمعنى أسلك يدك في جيبك.

4-المراد بالجناح:العصا،لأنّه بمنزلة الجناح يدفع بها عن نفسه،كدفع الطّائر عن نفسه بجناحيه.

5-المراد بالجناح-و هو مفرد-جناحاه و هما يداه، كما أريد ب(عضدك)في سَنَشُدُّ عَضُدَكَ بِأَخِيكَ القصص:35،عضداه،لأنّ موسى لمّا ألقى عصاه و صارت حيّة بسط يديه كالمتّقي،و هما جناحاه فقيل له:اضمم إليك ما بسطته من يديك،و المعنى لا تبسط يديك خوف الحيّة فإنّك آمن من ضررها.

6-اسكن و لا تخف،فإنّ من هاله أمر أزعجه كأنّه يطير و آلة الطّيران الجناح،فكأنّه بلغ نهاية الخوف، فقيل له:ضمّ منشور جناحك من الخوف و اسكن و ضمّهما إلى نفسك،قاله الطّبرسيّ.و هذا موافق لما قيل:

المراد أن يجمع يديه على صدره إذا عرضه الخوف عند مشاهدة انقلاب العصا حيّة ليزول خوفه.

و ردّ الطّباطبائيّ هذين الوجهين«بأنّهما مبنيّان على جعل وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ من تتمّة يا مُوسى أَقْبِلْ وَ لا تَخَفْ القصص:31،و هذا لا يلائم تخلّل اُسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ بين الجملتين بالفصل من غير عطف،ثمّ احتمل وجهين للآيتين».

7-هذه الجملة كناية عن الأمر بالعزم على ما أراده اللّه منه،و الجدّ في أمر الرّسالة،لئلاّ يمنعه ما يغشاه من الخوف.

8-المراد بها أن يأخذ لنفسه سيماء الخاشع للتّواضع، فإنّ من دأب المتكبّر المعجب بنفسه أن يفرّج بين عضديه و جنبيه كالمتمطّي في مشيته،فيكون في معنى(5) وَ اخْفِضْ جَناحَكَ لِلْمُؤْمِنِينَ.

و نقول:تفسير هذه الجملة موقوف على عرض الآيات تماما يا مُوسى إِنِّي أَنَا اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ* وَ أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلّى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَ لا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ* اُسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ

ص: 100

جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ... القصص:30-32.

فإنّ موسى لمّا رأى عصاه انقلبت حيّة خاف و ولّى، فقال له:أقبل و لا تخف فإنّك آمن،هذه إحدى الآيتين ثمّ بدأ بالآية الثّانية وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ...

كبرهان آخر منفصل عن الآية الأولى،كما صرّح به في (8) تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى و في وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَ قَوْمِهِ النّمل:12.

و ذكر الزّمخشريّ في أحد وجهين ذكرهما ما يربط بين البرهانين«بأنّه لمّا رأى عصاه حيّة خاف و اضطرب،فاتّقاها بيده كما يفعل الخائف من الشّيء، فقيل له:إنّ اتّقاءك بيدك فيه غضاضة عند الأعداء،فإذا ألقيتها حينا تنقلب حيّة،فأدخل يدك تحت عضدك مكان اتّقائك بها،ثمّ أخرجها بيضاء ليحصل الأمران:

اجتناب ما هو غضاضة عليك.و إظهار معجزة أخرى» فإذا كانت آية اليد البيضاء من تتمّة آية العصا لإزالة الخوف فلتكن وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ من تتمّة الآية الثّانية لإزالة الخوف الحاصل منها،كما قال البغويّ:«إذا هالك أمر يدك و ما تراه من شعاعها فأدخلها في جيبك تعد إلى حالتها الأولى.و الجناح:

اليد...».

و على ما ذكرنا فلا يرد ما قاله الطّباطبائيّ من أنّ وساطة اُسْلُكْ يَدَكَ يمنع من اتّصال وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ إلى ما قبلها بكونها استمرارا للخوف الحاصل من انقلاب العصا حيّة،لعدم وساطتها في الآيتين الأخريين،فإنّه لا ينافي استقلال آية اليد البيضاء،اتّصالها بالآية الأولى،فلاحظ و تأمّل.

خامسا:جاء(جناح)«25»مرّة منفيّا دائما ب(لا) أو(ليس)و فيها بحوث:

1-إنّه اسم من(جنح)جاء بمعنى«الإثم»و المراد به في جميع الآيات نفي الإثم،قالوا:و إنّما سمّي(الاثم) جناحا لأنّ فيه ميل عن الحقّ إلى الباطل،فهو نظير (لا باس)و فائدته الإباحة دائما.

2-جاء(لا جناح)«17»مرّة لنفي الجنس،فتفيد الاستغراق،مؤكّدا أو مؤبّدا،و جاء(ليس جناح)«8» مرّات،و هي لنفي شيء من الإثم بلا تأكيد،دون نفي الجنس،فتفيد نفيا محدّدا دون الاستغراق المؤكّد،فجاء في(9)لإباحة قصر الصّلاة للمسافر إذا خاف الفتنة، و في(11)لإباحة التّجارة خلال أيّام الحجّ،و في(12) لإباحة دخول بيوت غير مسكونة فيها متاع لهم،و في (14)لإباحة دخول الأطفال و المماليك على أهل البيت في غير الأوقات المذكورة فيها،و في(15)لإباحة وضع الثّياب للقواعد من النّساء و لإباحة الأكل جميعا أو أشتاتا من البيوت المذكورة فيها،و في(16)لإباحة دعاء الأدعياء خطأ،و في(23)لإباحة أن لا يكتبوا الشّهادة للدّين إذا كانت تجارة حاضرة يديرونها بينهم،و في (25)لإباحة الطّعام إذا اتّقوا و آمنوا.و هذه كلّها أمور بسيطة غير مهمّة في بعض العبادات و التّجارات و الحياة العادية،فلا حاجة إلى نفي الإثم فيها نفيا مؤكّدا و مؤبّدا.

أمّا(لا جناح)فجاءت أيضا بشأن الطّواف بالصّفا و المروة-و كانت العرب ترفضها رفضا باتّا-كما

ص: 101

سنتداوله بالبحث-فاحتاج إلى نفي الجناح عنه نفيا باتّا، و هكذا الأمر في بقيّة آيات(لا جناح)فلاحظ.

3-كلّ منهما جاء مع(على)الدّالّة على الاستعلاء المعنويّ بتفاوت،و هو أنّ(لا جناح)حرف نفي و(جناح) اسمها،و(على)و مدخولها خبرها متأخّر عنه بلا فصل، فالتّركيز فيها لنفي«الجناح»و هذا ما يجهّزها للنّفي الأكيد الشّامل مثل فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما و لا جُناحَ عَلَيْهِنَّ فِي آبائِهِنَّ.

أمّا«ليس عليك جناح»و نحوها،ففعل ناقص مع خبر مقدّم و اسم مؤخّر فالتّركيز فيها ل(عليك)و نحوها، و هذا ما يسلب عنها الاستغراق و التّأكيد.

4-قالوا في(9):إنّها تدلّ على إباحة قصر الصّلاة في السّفر مع خوف الفتنة،دون وجوب القصر،كما التزمت به الشّيعة الإماميّة حتّى مع عدم الخوف.

و الجواب:أنّها تدلّ على إباحة القصر رفضا لمزاعم النّاس،و الوجوب ثبت بالسّنّة من طريق العترة«لاحظ ق ص ر:اقتصروا».

5-هذه الشّبهة بعينها توجد في(10)لظهورها في إباحة الطّواف بالصّفا و المروة فحسب مع أنّه واجب، و دفعها بأنّ الآية نزلت في عمرة القضاء ردّا للأنصار الّذين كانوا لا يطوفون في الجاهليّة بينها،لوجود صنمين:إساف و نائلة عليهما،فكرهوا الطّواف بهما بعد الإسلام،و الصّنمان على الجبلين.أو هي ردّ على مزاعم الّذين كانوا يطوفون بهما في الجاهليّة،و كانت بينهما آلهة،فكرهوا الطّواف بينهما بعد الإسلام.و في رواية:

كان المسلمون يرون أنّ الصّفا و المروة ممّا ابتدع أهل الجاهليّة،فأنزل اللّه هذه الآية ردّا عليهم.

و كيف كان فوجوب الطّواف بهما ثبت بالسّنّة لا بهذه الآية،بل هي تمهيد للحكم بالوجوب،و لهذا بدأت ب إِنَّ الصَّفا وَ الْمَرْوَةَ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ البقرة:158.

6-و البحث في سائر الآيات موكول إلى مواضعها من النّكاح و الطّلاق و النّظر و الطّعام،فراجع.

ص: 102

ج ن د

اشارة

8 ألفاظ،29 مرّة:20 مكّيّة،9 مدنيّة

في 18 سورة:14 مكّيّة،4 مدنيّة

جند 5:5 الجنود 2:1-1

جندا 1:1 جنودا 2:-2

جندنا 1:1 جنوده 9:7-2

جنود 7:3-4 جنودهما 2:2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :كلّ صنف من الخلق يقال لهم:جند على حدة.

و في الحديث:«الأرواح جنود مجنّدة فما تعارف منها ائتلف و ما تناكر منها اختلف».

و يقال:هذا جند قد أقبل،و هؤلاء جند قد أقبلوا، يخرّج على الواحد و الجميع،و كذلك العسكر و الجيش.

و جند:موضع باليمن.و الجند:حجارة شبه الطّين.

و جنادة:حيّ من اليمن.(6:86)

اللّيث:الجند:معروف.

و فلان الجنديّ.(الأزهريّ 10:659)

ابن دريد :و الجند:موضع باليمن،و الجند:الأرض الغليظة.

و الجند:معروف،جند و أجناد و جنود.

و أجنادين (1):موضع بالشّام.

و قد سمّت العرب جنّادا و جنادة و جنيدا.

و قالوا:جند مجنّد،أي مجموع.(2:69)

الأزهريّ: «الأرواح جنود مجنّدة...»و المجنّدة:

المجموعة،و هذا كما يقال:ألف مؤلّفة،و قناطير مقنطرة، أي مضعّفة.

و يقال:هذا جند قد أقبل،و هؤلاء جند قد أقبلوا، قال اللّه: جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ ص:

11،فوحّد النّعت لأن لفظ الجند واحد،و كذلك الجيش

ص: 103


1- كذا في الأصل،و الظّاهر:أجنادين،بفتح الدّال.كما في كتب المعاجم.

و الحزب.

و فلان الجنديّ.

و يوم أجنادين:يوم معروف كان بالشّام أيّام عمر.

و أجناد الشّام:خمس كور،و منها:دمشق، و فلسطين،و حمص،و الأردنّ،و قنّسرين.(10:660)

الصّاحب: الجند:معروف.و كلّ صنف من الخلق:جند.و أجناد الشّام:خمس مدائن[و ذكرها]

و تجنّد الرّجل:اتّخذ جندا.

و الجند:موضع.و هي حجارة تشبه الطّين.و قيل:

أرض غليظة.

و جنادة:حيّ من اليمن.(7:50)

الجوهريّ: الجند:الأعوان و الأنصار.و فلان جنّد الجنود،و في الحديث:«الأرواح جنود مجنّدة».

(2:460)

ابن فارس: الجيم و النّون و الدّال يدلّ على التّجمّع و النّصرة،يقال:هم جنده،أي أعوانه و نصّاره.[إلى أن قال:]

و الجند:الأرض الغليظة فيها حجارة بيض.فهذا محتمل أن يكون من الباب،و يجوز أن يكون من الإبدال، و الأصل:الجلد.(1:485)

ابن سيده: و جند مجنّدة:مجموع.

و كلّ صنف من الخلق على حدة:جند،و الجمع كالجمع،و في الحديث:«الأرواح جنود مجنّدة».

و الجند:المدينة؛و جمعها:أجناد.

و خصّ أبو عبيد به:مدن الشّأم،فقال:الشّأم خمسة أجناد.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجند:الأرض الغليظة،و قيل:هي حجارة تشبه الطّين.

و الجند:موضع باليمن،و هو أجود كورها.

و جنيد،و جنّاد،و جنادة:أسماء.

و جنادة،أيضا:حيّ.

و جنديسابور:موضع،و لفظه في الرّفع و النّصب سواء لعجمته.

و أجنادان،و أجنادين:موضع:النّون معربة بالرّفع، و أرى البناء قد حكي فيها.(7:333)

الرّاغب: يقال للعسكر:الجند،اعتبارا بالغلظة من الجند (1)،أي الأرض الغليظة الّتي فيها حجارة،ثمّ يقال لكلّ مجتمع:جند،نحو«الأرواح جنود مجنّدة».[ثمّ ذكر الآيات](100)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:401)

الزّمخشريّ: جنّد الجنود:جمعها،و«الأرواح جنود مجنّدة»،و الرّيح من جنود اللّه تعالى.و هو من أجناد الشّام،و هي خمس كور[و ذكرها]كانت الأجناد تحشد منها فسمّيت بذلك.و النّسبة تردّ إلى الواحد،فيقال:

جنديّ.و أمّا«الجنديّ»فمنسوب إلى«الجند»باليمن.

[ثمّ استشهد بشعر]

و تجنّد فلان:اتّخذ جندا.(أساس البلاغة:66)

المدينيّ: في حديث سالم بن عبد اللّه بن عمر أنّه حين بنى بأهله قال:«سترنا البيت بجناديّ أخضر، فدخل أبو أيّوب،رضي اللّه عنه،فلمّا رآه خرج إنكارا له».م.

ص: 104


1- الظّاهر:الجند،كما جاء في جميع كتب اللّغة و المعاجم.

و هذا أظنّه جنسا من النّمط أو الثّياب يستر بها الجدران،و لا أعرف حقيقته.(1:364)

ابن الأثير: [ذكر حديث الأرواح...و أضاف:]

و معناه الإخبار عن مبدإ كون الأرواح و تقدّمها الأجساد،أي أنّها خلقت أوّل خلقها على قسمين:من ائتلاف و اختلاف،كالجنود المجموعة إذا تقابلت و تواجهت.و معنى تقابل الأرواح:ما جعلها اللّه عليه من السّعادة،و الشّقاوة،و الأخلاق في مبدإ الخلق.يقول:إنّ الأجساد الّتي فيها الأرواح تلتقي في الدّنيا فتأتلف و تختلف على حسب ما خلقت عليه،و لهذا ترى الخيّر يحبّ الأخيار و يميل إليهم،و الشّرّير يحبّ الأشرار و يميل إليهم.[ثمّ ذكر حديث عمر،و حديث سالم،و أضاف:]

و فيه:«كان ذلك يوم أجنادين»بفتح الدّال:موضع بالشّام،و كانت به وقعة عظيمة بين المسلمين و الرّوم في خلافة عمر و هو يوم مشهور.

و فيه ذكر:«الجند»هو بفتح الجيم و النّون:أحد مخاليف اليمن،و قيل:هي مدينة معروفة بها.

(1:305)

الصّغانيّ: ...و جند،بالفتح:بلد كبير على شطّ سيحون.(2:215)

الفيّوميّ: الجند:الأنصار و الأعوان؛و الجمع:

أجناد و جنود.الواحد:جنديّ،فالياء للوحدة،مثل روم و روميّ.

و جند بفتحتين:بلد باليمن.(1:111)

الفيروزآباديّ: الجند بالضّمّ:العسكر، و الأعوان،و المدينة،و صنف من الخلق على حدة.و في المثل:«إنّ للّه جنودا منها العسل».

و بالتّحريك:الأرض الغليظة،و حجارة تشبه الطّين،و بلد باليمن،و ابن شهران:بطن من المعافر.

و كنجم:بلد على سيحون...

و أجنادين:موضع.و جنديسابور آخر.(1:295)

الطّريحيّ: [ذكر حديث الأرواح و معناه نحو ابن الأثير و أضاف:]

و عن الشّيخ المفيد: المعنى أنّ الأرواح الّتي هي البسائط تتناظر بالجنس،و تتجادل بالعوارض،فما تعارف منها باتّفاق الرّأي و الهوى ائتلف،و ما تناكر منها بمباينة في الرّأي و الهوى اختلف.و هذا موجود حسّا و مشاهدة،و ليس يعني بذلك ما تعارف منها في الذّرّ ائتلف،كما يذهب إليه الحشويّة،لما بيّنّاه من أنّه لا علم للإنسان بحال كان يعلمها قبل ظهوره في هذا العالم،انتهى كلامه،و فيه نظر.(3:28)

محمود شيت: 1-أ-جنّد الجنود:جمعها.و فلانا:

صيّره جنديّا.

ب-تجنّد:اتّخذ جندا.

ج-الجند:العسكر،و الأنصار و الأعوان؛جمعه:

أجناد و جنود.

د-الجنديّ: واحد الجنود.

ه-الجنديّة:مؤنّث الجنديّ،و عمل الجند.

2-أ-جنّد الجنود:أدخلهم مسلك الجنديّة.

ب-تجنّد:أصبحت الجنديّة له حرفة،دخل مسلك الجنديّة.

ج-الجند:العسكريّون من مختلف المناصب

ص: 105

و الرّتب،يقال:استعرض الجند:استعرض الجيش.و-:الجيش.

د-الجنديّ: الجنديّ المكلّف:الّذي يخدم فترة معيّنة خدمة العلم،ثمّ يتسرّح.و الجنديّ المتطوّع:

الّذي اتّخذ الجنديّة له مهنة.و الجنديّ:الّذي لا رتبة له.

ه-الجنديّة:مسلك الجيش.و:الجيش.

(1:157)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ حقيقة مفهوم الجند:

هي الجمعيّة المتشكّلة بعنوان الدّفاع عن مرام أو شخص،و النّصرة و المظاهرة و التّقوية،و ذلك التّشكّل و التّحزّب إمّا بالتّدبير و التّجنيد أو بالتّشكّل القهريّ، كالجمعيّة المتابعة الموافقة.

و هذا المفهوم كلّيّ و ليس مخصوصا بمعنى العسكر المحارب أو غيره.

و أمّا الأرض الغليظة:فباعتبار كونها قطعة مخصوصة معيّنة صلبة،فيها أحجار متصلّبة مختلفة، فكأنّها متشكّلة تحت برنامج مخصوص.[ثمّ ذكر الآيات استشهادا لهذا المفهوم الكلّيّ](2:127)

النّصوص التّفسيريّة

جند

1- وَ ما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَ ما كُنّا مُنْزِلِينَ. يس:28

ابن مسعود: ما كاثرناهم بالجموع.

(الطّبريّ 23:2)

ابن عبّاس: بملائكة من السّماء.(370)

نحوه أكثر المفسّرين.

مجاهد :رسالة.(الطّبريّ 23:1)

نحوه قتادة و الحسن.(القرطبيّ 15:20)

الحسن :الجند:الملائكة الّذين ينزّلون الوحي على الأنبياء.(الماورديّ 5:15)

قتادة :و اللّه ما عاتب اللّه تعالى قومه بعد قتله حتّى أهلكهم.(ابن عطيّة 4:452)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في معنى«الجند» الّذي أخبر اللّه أنّه لم ينزّل إلى قوم هذا المؤمن بعد قتلهموه،فقال بعضهم:عني بذلك أنّه لم ينزّل اللّه بعد ذلك إليهم رسالة،و لا بعث إليهم نبيّا.

و قال آخرون:بل عني بذلك أنّ اللّه تعالى ذكره لم يبعث لهم جنودا يقاتلهم بها،و لكنّه أهلكهم بصيحة واحدة.

و هذا القول الثّاني أولى القولين بتأويل الآية؛و ذلك أنّ الرّسالة لا يقال لها:جند،إلاّ أن يكون أراد«مجاهد» بذلك:الرّسل،فيكون وجها،و إن كان أيضا من المفهوم بظاهر الآية بعيدا؛و ذلك أنّ الرّسل من بني آدم لا ينزّلون من السّماء.و الخبر في ظاهر هذه الآية عن أنّه لم ينزّل من السّماء بعد مهلك هذا المؤمن على قومه جندا؛ و ذلك بالملائكة أشبه منه ببني آدم.(23:1)

الزّجّاج: المعنى لم ننزل عليهم جندا،لم ننتصر للرّسول الّذي كذّبوه بجند.(4:283)

الماورديّ: فيه قولان:أحدهما:معنى جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ أي رسالة،قاله مجاهد؛لأنّ اللّه تعالى قطع

ص: 106

عنهم الرّسل حين قتلوا رسله.

الثّاني:[و هو قول الحسن](5:15)

الزّمخشريّ: و لم ينزّل لإهلاكهم جندا من جنود السّماء،كما فعل يوم بدر و الخندق.(3:320)

نحوه البيضاويّ(2:279)،و الشّربينيّ(3:347)، و أبو السّعود(5:296)،و الكاشانيّ(4:251).

ابن عطيّة: ...قال ابن مسعود:أراد لم يحتج في تعذيبهم إلى جند من جنود اللّه تعالى كالحجارة و الغرق و الرّيح و غير ذلك،بل كانت صيحة واحدة،لأنّهم كانوا أيسر و أهون من ذلك.(4:452)

نحوه القرطبيّ(15:20)،و أبو حيّان(7:331).

شبّر: ملائكة لإهلاكهم كما أنزلناهم لنصرك،و فيه تعظيم للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.(5:225)

الآلوسيّ: أي جندا ف(من)مزيدة لتأكيد النّفي، و قيل:يجوز أن تكون للتّبعيض،و هو خلاف الظّاهر.

و الجند:العسكر؛لما فيه من الغلظة،كأنّه من«الجند»أي الأرض الغليظة الّتي فيها حجارة،و الظّاهر أنّ المراد بهذا الجند:جند الملائكة،أي ما أنزلنا لإهلاكهم ملائكة.

(23:2)

راجع«ن ز ل».

2- لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَ هُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ.

يس:75

ابن عبّاس: (و هم)يعني كفّار مكّة(لهم)بالباطل الأصنام جُنْدٌ مُحْضَرُونَ كالعبيد قيام بين أيديهم.(373)

الحسن:(جند)في الدّنيا(محضرون)في النّار.

(ابن الجوزيّ 7:39)

قتادة :المشركون جند للأصنام،يغضبون لها في الدّنيا،و هي لا تسوق إليهم خيرا و لا تدفع عنهم شرّا.

نحوه مقاتل و الزّجّاج.(ابن الجوزيّ 7:39)

ابن جريج:شيعة.(الماورديّ 5:32)

الماورديّ: يعني أنّ المشركين لأوثانهم جند.و في (الجند)هاهنا وجهان:أحدهما:شيعة،قاله ابن جريج، الثّاني:أعوان.(5:32)

ابن عطيّة: يحتمل أن يكون الضّمير الأوّل للكفّار و الثّاني للأصنام،على معنى:و هؤلاء الكفّار،متجنّدون متحزّبون لهذه الأصنام في الدّنيا،لكنّهم لا يستطيعون التّناصر مع ذلك.

و يحتمل أن يكون الضّمير الأوّل للأصنام و الثّاني للكفّار،أي يحضرون لهم في الآخرة عند الحساب،على معنى التّوبيخ و النّقمة.و سمّاهم«جندا»في هذا التّأويل؛ إذ هم عدة للنّقمة منهم و توبيخهم،و جرت ضمائر الأصنام في هذه الآية مجرى من يعقل؛إذ نزّلت في عبادتها منزل ذي عقل،فعملت في العبارة بذلك.

(4:463)

الفخر الرّازيّ: و قوله تعالى: لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَ هُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ إشارة إلى الحشر بعد تقرير التّوحيد،و هذا كقوله تعالى: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ الأنبياء:98،و قوله: اُحْشُرُوا الَّذِينَ ظَلَمُوا وَ أَزْواجَهُمْ وَ ما كانُوا يَعْبُدُونَ* مِنْ دُونِ اللّهِ فَاهْدُوهُمْ

ص: 107

إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ الصّافّات:22،23،و قوله:

أُولئِكَ فِي الْعَذابِ مُحْضَرُونَ سبأ:38،و هو يحتمل معنيين:

أحدهما:أن يكون العابدون جندا لما اتّخذوه آلهة، كما ذكرنا.

الثّاني:أن يكون الأصنام جندا للعابدين،و على هذا ففيه معنى لطيف،و هو أنّه تعالى لمّا قال: لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ أكّدها بأنّهم لا يستطيعون نصرهم حال ما يكونون جندا لهم و محضرون لنصرتهم،فإنّ ذلك دالّ على عدم الاستطاعة،فإنّ من حضر و اجتمع ثمّ عجز عن النّصرة يكون في غاية الضّعف،بخلاف من لم يكن متأهّبا و لم يجمع أنصاره.(26:107)

أبو حيّان :و الظّاهر أنّ الضّمير في(وهم)عائد على ما هو الظّاهر في(لا يستطيعون)،أي و الآلهة للكفّار جُنْدٌ مُحْضَرُونَ في الآخرة عند الحساب،على جهة التّوبيخ و النّقمة.و سمّاهم جندا؛إذ هم معدّون للنّقمة من عابديهم و للتّوبيخ،أو محضرون لعذابهم لأنّهم يجعلون وقودا للنّار.(7:347)

الآلوسيّ: (و هم)أي أولئك المتّخذون المشركون (لهم)أي لآلهتهم جُنْدٌ مُحْضَرُونَ أي معدّون لحفظهم و الذّبّ عنهم في الدّنيا،عن الحسن و قتادة...

و اختار بعض الأجلّة أنّ المعنى و المشركون لآلهتهم جند محضرون يوم القيامة إثرهم في النّار،و جعلهم جندا من باب التّهكّم و الاستهزاء.

و كذلك لام(لهم)الدّالّة على النّفع،و قيل:(هم) للآلهة و ضمير(لهم)للمشركين،أي و إنّ الآلهة محضرون لعذاب أولئك المشركين يوم القيامة،لأنّهم يجعلون وقود النّار،أو محضرون عند حساب الكفرة إظهارا لعجزهم و إقناطا للمشركين عن شفاعتهم و جعلهم جندا.

و التّعبير باللاّم في الوجهين على ما مرّ آنفا، و اختلاف مراجع الضّمائر في الآية ليس من التّفكيك المحظور،و الواو في قوله سبحانه:(و هم)إلخ على جميع ما مرّ إمّا عاطفة أو حاليّة،إلاّ أنّ الحال مقدّرة في بعض الأوجه كما لا يخفى.(23:51)

الطّباطبائيّ: الظّاهر أنّ أوّل الضّميرين[و هم] للمشركين و ثانيهما[لهم]للآلهة من دون اللّه.و المراد أنّ المشركين جند للآلهة؛و ذلك أنّ من لوازم معنى الجنديّة التّبعيّة و الملازمة،و المشركون هم المعدودون أتباعا لآلهتهم،مطيعين لهم دون العكس.[ثمّ ذكر خلاصة الوجوه الّتي جاءت في الآلوسيّ و قال:]

و هي معان رديئة.(17:110)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(14:217)

3- جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ. ص:11

راجع«ه ز م».

4- ...إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ... الدّخان:24

راجع«غ ر ق».

5- أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ... الملك:20

ابن عبّاس: حزب و منعة لكم.(القرطبيّ 18:218)

القرطبيّ: و لفظ الجند يوحّد،و لهذا قال: هذَا

ص: 108

اَلَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ و هو استفهام إنكار،أي لا جند لكم يدفع عنكم عذاب اللّه.(28:218)

الطّباطبائيّ: أَمَّنْ هذَا... توبيخ و تقريع لهم في اتّخاذهم آلهة من دون اللّه لينصرونهم،و لذا التفت عن الغيبة إلى الخطاب،فخاطبهم ليشتدّ عليهم التّقريع.

(19:360)

مكارم الشّيرازيّ: (جند)في الأصل بمعنى الأرض غير المستوية و القويّة،و الّتي تتجمّع فيها الصّخور الكثيرة،و لهذا السّبب فإنّ هذه الكلمة تطلق أيضا على العدد الكثير من الجيش.

و قد اعتبر بعض المفسّرين أنّ كلمة(جند)في الآية إشارة إلى الأصنام،الّتي لا تستطيع مطلقا تقديم العون للمشركين في يوم القيامة،إلاّ أنّ للآية في الظّاهر مفهوما واسعا،و الأصنام أحد مصاديقها.(18:454)

6- ..فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَ أَضْعَفُ جُنْداً.

مريم:75

راجع«ض ع ف».

جندنا

وَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ. الصّافّات:173

ابن عبّاس: الرّسل و المؤمنين.(380)

الطّبريّ: و إنّ حزبنا و أهل ولايتنا لهم الغالبون.

(23:114)

نحوه الزّجّاج(4:316)،و ابن الجوزيّ(7:93)، و الشّربينيّ(3:397).

الطّبرسيّ: أضاف«المؤمنين»إلى نفسه،و وصفهم بأنّهم جنده،تشريفا و تنويها بذكرهم حيث قاموا بنصرة دينه.

و قيل:معناه إنّ رسلنا هم المنصورون،لأنّهم جندنا،و إنّ جندنا هم الغالبون،يقهرون الكفّار بالحجّة تارة و بالفعل أخرى.(4:462)

البروسويّ: أي من المرسلين و أتباعهم المؤمنين، و الجند:العسكر.(7:497)

الآلوسيّ: و المراد بالجند:أتباع المرسلين، و أضافهم إليه تعالى تشريفا لهم و تنويها بهم.و قال بعض الأجلّة:هو تعميم بعد تخصيص،و فيه من التّأكيد ما فيه.(23:155)

الطّباطبائيّ: الجند هو المجتمع الغليظ،و لذا يقال للعسكر:جند،فهو قريب المعنى من الحزب.و قد قال تعالى في موضع آخر من كلامه: وَ مَنْ يَتَوَلَّ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ المائدة:56.

و المراد بقوله: جُنْدَنا هو المجتمع المؤتمر بأمره المجاهد في سبيله،و هم المؤمنون خاصّة أو الأنبياء و من تبعهم من المؤمنين.

و في الكلام على التّقدير الثّاني تعميم بعد التّخصيص.(17:177)

الجنود-جنوده

فَلَمّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ... قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ

ص: 109

وَ جُنُودِهِ... وَ لَمّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً...

البقرة:249،250

راجع«داود».

جنود

1- ..فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها... التّوبة:40

ابن عبّاس: بالملائكة.(الواحديّ 2:499)

و هكذا أكثر المفسّرين.

2- فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَ الْغاوُونَ* وَ جُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ. الشّعراء:94،95

ابن عبّاس: ذرّيّة إبليس.(310)

نحوه الواحديّ(3:356)،و القرطبيّ(13:116).

الإمام الباقر عليه السّلام: ذرّيّته من الشّياطين.

(العروسيّ 4:58)

الطّبريّ: و«جنوده»كلّ من كان من تباعه،من ذرّيّته كان،أو من ذرّيّة آدم.(19:88)

نحوه الطّوسيّ(8:36)،و ابن الجوزيّ(6:132).

الماورديّ: فيهم قولان:أحدهما:أنّهم أعوانه من الجنّ،الثّاني:أتباعه من الإنس.(4:178)

الزّمخشريّ: شياطينه أو متّبعوه من عصاة الجنّ و الإنس.(3:119)

نحوه النّسفيّ.(3:189)

ابن عطيّة: نسله و كلّ من يتّبعه،لأنّهم جند له و أعوان.(4:236)

نحوه أبو حيّان.(7:27)

أبو السّعود :أي شياطينه الّذين كانوا يغوونهم و يوسوسون إليهم،و يسوّلون لهم ما هم عليه من عبادة الأصنام و سائر فنون الكفر و المعاصي،ليجتمعوا في العذاب حسبما كانوا مجتمعين فيما يوجبه.

و قيل:متّبعوه من عصاة الثّقلين،و الأوّل هو الوجه.

(5:49)

نحوه البروسويّ.(6:289)

الآلوسيّ: الظّاهر أنّ المراد منه الشّياطين،و أنّه عطف على ما قبله،و العطف يقتضي المغايرة بالذّات في الأغلب،و لا حاجة إلى تخريجه على الأقلّ[أي على المشركين]و جعله من باب:

*إلى الملك النّدب و ابن الهمام*

و قيل:المراد ب(جنود ابليس)متّبعوه من عصاة الثّقلين،و اختار بعض الأجلّة الأوّل و ادّعى أنّه الوجه، لأنّ السّياق و السّباق في بيان سوء حال المشركين في الجحيم،و قد قال ذلك إبراهيم عليه السّلام لقومه المشركين، فلا وجاهة لذكر حال قوم آخرين في هذه الحال بل لا وجود لهم في القصّة،و ذكر الشّياطين مع المشركين لكونهم المسوّلين لهم عبادة الأصنام،و لا يخفى أنّ للتّعميم وجها أيضا؛من حيث أنّ فيه مزيد تهويل لذلك اليوم.

(19:103)

الطّباطبائيّ: هم قرناء الشّياطين الّذين يذكر القرآن أنّهم لا يفارقون أهل الغواية حتّى يدخلوا النّار، قال تعالى: وَ مَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمنِ نُقَيِّضْ لَهُ

ص: 110

شَيْطاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ إلى أن قال: وَ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذابِ مُشْتَرِكُونَ الزّخرف:36-39.(15:290)

3- اِرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها... النّمل:37

راجع«ق ب ل».

4- اُذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها... الأحزاب:9

الزّجّاج: هؤلاء الجنود هم الأحزاب.و الجنود الّذين كانوا:هم قريش مع أبي سفيان،و غطفان و بنو قريظة...

و الجنود الّتي لم يروها:الملائكة.(4:217)

5،6- وَ لِلّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً وَ لِلّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ كانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً الفتح:4،7

راجع«أ ر ض (1)».

7- ..وَ ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّ هُوَ... المدّثّر:31

ابن عبّاس: جُنُودَ رَبِّكَ من الملائكة.(492)

عطاء:يعني من الملائكة الّذين خلقهم لتعذيب أهل النّار.(الواحديّ 4:385)

الطّريحيّ: أي خلق ربّك الّذي خلقهم.[ثمّ نقل عن الفخر الرّازيّ عن كتاب جواهر القرآن في تعداد الخلق شيئا،فراجع](3:27)

راجع«ع ل م».

8- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ. البروج:17

ابن عبّاس: خبر جموع (فِرْعَوْنَ وَ ثَمُودَ) .

(507)

الطّبريّ: الّذين تجنّدوا على اللّه و رسوله بأذاهم و مكروهم.ثمّ بيّن من هم؟فقال:(فرعون و ثمود).

(30:139)

نحوه أكثر التّفاسير.

جنودا

1- ..وَ أَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها... التّوبة:26

2- ..فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها.

الأحزاب:9

قال أكثر المفسّرين:يعني بالجنود:الملائكة.

ابن سيده: الجند:العسكر؛و الجمع:أجناد، و جنود،و قوله تعالى: إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها

الجنود الّتي جاءتهم:هم الأحزاب،و كانوا قريشا و غطفان و بني قريظة،تحزّبوا و تظاهروا على حرب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فأرسل اللّه تعالى عليهم ريحا كفأت قدورهم و قلعت فساطيطهم و أظعنتهم من مكانهم،و الجنود الّتي لم يروها:الملائكة.(7:333)

ص: 111


1- المعجم 2:81.
جنوده

1- ..فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ. طه:78

ابن الأنباريّ: الجارّ و المجرور في موضع نصب على الحال،و المفعول الثّاني محذوف،و تقديره:فأتبعهم فرعون عقوبته بجنوده،أي معه جنوده.(2:151)

2- وَ حُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ الطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ. النّمل:17

الميبديّ: الجند لا يجمع و إنّما قال:(جنوده)، لاختلاف أجناس عساكره.(7:191)

3- ..لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ.

النّمل:18

الزّمخشريّ: أراد لا يحطمنّكم جنود سليمان،فجاء بما هو أبلغ،و نحوه:عجبت من نفسي و من إشفاقها.

(3:142)

جنودهما

1،2- ..وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ*... إِنَّ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ. القصص:6،8

أبو حيّان :و أضيف«الجند»هنا و فيما قبل إلى (فرعون و هامان)و إن كان(هامان)لا جنود له،لأنّ أمر الجنود لا يستقيم إلاّ بالملك و الوزير؛إذ بالوزير تحصل الأموال و بالملك و قهره يتوصّل إلى تحصيلها،و لا يكون قوام الجند إلاّ بالأموال.(7:106)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجند،أي الأرض الغليظة،أو حجارة تشبه الطّين،و من ثمّ قيل للعسكر:

جند،تشبيها بها،لغلظة قلوبهم،و فظاظة طباعهم.

و الجند:الأعوان و الأنصار،و كلّ صنف و حزب من الخلق أيضا،و الجمع:أجناد و جنود،يقال:فلان جنّد الجنود،أي جمعهم،و هذا جند قد أقبل،و هؤلاء جنود قد أقبلوا،و جند مجنّد:مجموع،و كذا جند مجنّدة، و في الحديث:«الأرواح جنود مجنّدة،فما تعارف منها ائتلف،و ما تناكر منها اختلف».

و الجند:المدينة،و الجمع:أجناد،سمّيت بذلك لإقامة المسلمين المقاتلين بها.

2-و ذهب بعض المحقّقين المتأخّرين إلى أنّ لفظ «الجند»-أي الجيش-فارسيّ المنشأ،إذ ورد في اللّغة الفهلويّة بلفظ«گند».

و لا يبعد ذلك،فلعلّه دخل العربيّة بواسطة اللّغة السّريانيّة أو الآراميّة أو كليهما،لأنّه جاء بلفظ «جندا»فيهما.و منه(جندي شابور)للمدينة الّتي كانت معسكر(شابور)أحد الملوك السّاسانيّين.

3-و ممّا ولّد في عصرنا قولهم:جنّد فلانا،أي صيّره جنديّا،و من ذلك:دائرة التّجنيد.

و الجنديّة:نظام الجند و مسلكهم،و تطلق على خدمة العلم-أي الخدمة العسكريّة-أحيانا،يقال:

ذهب فلان إلى الجنديّة.

ص: 112

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها(جند)«7»مرّات و كلّها مكّيّة،و(جنود) «22»مرّة،منها«9»مرّات مدنيّة،في 27 آية:

جند:

1- وَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ الصّافّات:173

2- وَ ما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ وَ ما كُنّا مُنْزِلِينَ يس:28

3- لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ وَ هُمْ لَهُمْ جُنْدٌ مُحْضَرُونَ يس:75

4- جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ ص:11

5- وَ اتْرُكِ الْبَحْرَ رَهْواً إِنَّهُمْ جُنْدٌ مُغْرَقُونَ

الدّخان:24

6- أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ مِنْ دُونِ الرَّحْمنِ إِنِ الْكافِرُونَ إِلاّ فِي غُرُورٍ الملك:20

7- قُلْ مَنْ كانَ فِي الضَّلالَةِ فَلْيَمْدُدْ لَهُ الرَّحْمنُ مَدًّا حَتّى إِذا رَأَوْا ما يُوعَدُونَ إِمَّا الْعَذابَ وَ إِمَّا السّاعَةَ فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ هُوَ شَرٌّ مَكاناً وَ أَضْعَفُ جُنْداً مريم:75

جنود:

8- ...لا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنا فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَ أَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَمْ تَرَوْها... التّوبة:40

9- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ كانَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ بَصِيراً الأحزاب:9

10- ثُمَّ أَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ أَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ عَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ التّوبة:26

11- ...وَ ما يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلاّ هُوَ وَ ما هِيَ إِلاّ ذِكْرى لِلْبَشَرِ المدّثّر:31

12- ...وَ لِلّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً الفتح:4

13- وَ لِلّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ كانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً الفتح:7

14- وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ...

يونس:90

15- فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ طه:78

16 و 17- وَ اسْتَكْبَرَ هُوَ وَ جُنُودُهُ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ إِلَيْنا لا يُرْجَعُونَ* فَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الظّالِمِينَ

القصص:39،40

18- فَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ فَنَبَذْناهُمْ فِي الْيَمِّ وَ هُوَ مُلِيمٌ الذّاريات:40

19- وَ نُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ نُرِيَ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما مِنْهُمْ ما كانُوا يَحْذَرُونَ القصص:6

20- فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً إِنَّ فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما كانُوا خاطِئِينَ

القصص:8

21- هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ الْجُنُودِ* فِرْعَوْنَ وَ ثَمُودَ

البروج:17،18

22- فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَ الْغاوُونَ* وَ جُنُودُ إِبْلِيسَ

ص: 113

أَجْمَعُونَ الشّعراء:94،95

23 و 24- فَلَمّا فَصَلَ طالُوتُ بِالْجُنُودِ قالَ إِنَّ اللّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ... قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ... وَ لَمّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ قالُوا رَبَّنا أَفْرِغْ عَلَيْنا صَبْراً... البقرة:249،250

25 و 26- وَ حُشِرَ لِسُلَيْمانَ جُنُودُهُ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ وَ الطَّيْرِ فَهُمْ يُوزَعُونَ* حَتّى إِذا أَتَوْا عَلى وادِ النَّمْلِ قالَتْ نَمْلَةٌ يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ النّمل:

17،18

27- اِرْجِعْ إِلَيْهِمْ فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها... النّمل:37

يلاحظ أوّلا:أنّ في آيات«جند»بحوثا:

1-كلّها مكّيّة-كما سبق-و ليس فيها مدنيّ،و معنى هذا أنّ القرآن فيها مدنيّ اهتمّ في مكّة بجندين متقابلين:

جند اللّه،و هو جند التّوحيد،و جند إبليس و هو جند الشّرك،و الجند الأوّل متّحد دائما و يعدّ واحدا.

أمّا المعنى الثّاني و إن اختلفوا مسلكا إلاّ أنّه يجمعهم الشّرك،و باقي الآيات المكّيّة و المدنيّة الّتي جاءت فيها (جنود)فهي بمثابة تفصيل لهذين الجندين كما يأتي.

فالإفراد و الجمع فيها باعتبارين:وحدة العقيدة و اختلاف المسلك،أو تنوّع العقيدة و وحدتها حقّا و باطلا.

2-و يأتي نظير هذا البحث في«حزب و أحزاب» إفرادا و جمعا،و حقّا و باطلا،إلاّ أنّ الحزب الحقّ جاء دائما مفردا،و الباطل جاء مفردا و جمعا باعتبارين.

و هناك فرق آخر بين(جند و حزب)و هو أنّه لم يأت (جند اللّه)بل(جندنا)مرّة واحدة،و جاء(حزب اللّه) مرّتين: أَلا إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ المجادلة:

22، فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغالِبُونَ المائدة:56.

و هناك فرق ثالث بينهما:فقد جاء مرّة(22)(جنود إبليس)مع أنّه جاء حزب الشّيطان مرّتين: أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ المجادلة:19.

و فرق رابع بين(الجند)و(الحزب):أنّ الجند يقال للعسكر و إطلاقه على غير العسكر من الملائكة و الأسباب في مثل(12 و 13) وَ لِلّهِ جُنُودُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ مجاز باعتبار أنّ الملائكة الأسباب بمثابة جند اللّه لتمشية الأمور،و في مثل(7)(و اضعف جندا)و(22) (جنود ابليس)باعتبار أنّ أصحاب الحقّ و الباطل و المؤمنين و الكافرين كأنّهم في اختلافهم بمثابة جنود متقاتلة،و بهذا الاعتبار يقال:لهم«جنود».

و أمّا(الحزب)فيقال لجماعة ملتزمة بمسلك و طريقة خاصّة عقيدة و عملا،في قبال جماعة أخرى ملتزمة بطريقة أخرى،و قد ينتهى اختلافهم إلى التّقاتل فينقلبون جنودا،و إليه يؤول ما اشتهر«إنّ الحياة عقيدة و جهاد»في حقوق الإنسان.

و قد جمع اللّه بين اللّفظين في(4) جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ مِنَ الْأَحْزابِ. [ لاحظ:ح ز ب]

3-في«آيتين(1 و 2)أضيف«جند»إلى اللّه أو السّماء وَ إِنَّ جُنْدَنا و مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ، و في (7)-كما سبق-مقابلة بين جند اللّه و جند المشركين،

ص: 114

و الغلبة فيهما لجند اللّه كما صرّح به في(1) وَ إِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ و هو مفهوم من(7).و أمّا«جند»في باقي الآيات(3-6)فهو جند أعداء اللّه و كلّهم مغلوبون أمام جند اللّه،فجاء في(3) لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ، و في (4) جُنْدٌ ما هُنالِكَ مَهْزُومٌ، و في(5) جُنْدٌ مُغْرَقُونَ، و في(6)بلسان الإنكار أَمَّنْ هذَا الَّذِي هُوَ جُنْدٌ لَكُمْ يَنْصُرُكُمْ.

4-لا ريب أنّ جند اللّه حقّ في نضاله ضدّ أعداء اللّه، فهو ممدوح،و جنود أعدائه يحاربون الرّسل و المؤمنين فهم مذمومون،ففي هذه الآيات تقابل بين جند اللّه و جند أعدائه،كما جاء التّقابل بين المؤمنين و الكافرين في آيات من سورة محمّد:3 و 11 مثل ذلِكَ بِأَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا اتَّبَعُوا الْباطِلَ وَ أَنَّ الَّذِينَ آمَنُوا اتَّبَعُوا الْحَقَّ مِنْ رَبِّهِمْ و ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ أَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ، و نظيرها: اَلَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطّاغُوتِ النّساء:76.

و نظيرها أيضا:المقابلة بين حزب اللّه و حزب الشّيطان أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ و أَلا إِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ المجادلة:19 و 22.

و نظيرها:المقابلة بين الحقّ و الباطل في آيات،مثل وَ يَمْحُ اللّهُ الْباطِلَ وَ يُحِقُّ الْحَقَّ بِكَلِماتِهِ الشّورى:24، وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً الإسراء:81،و هذه سنّة قرآنيّة في مقابلة المؤمنين بالكافرين،و أهل الفلاح بأهل الخسران،و العالمين بالجاهلين،مثل: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ الزّمر:9.

5-جاء في(2)بشأن مؤمن آل فرعون وَ ما أَنْزَلْنا عَلى قَوْمِهِ مِنْ بَعْدِهِ مِنْ جُنْدٍ مِنَ السَّماءِ و اختلفوا في كلمتين منها:

الأولى:(من)في(من جند)هل هي زائدة لتأكيد النّفي،أو للتّبعيض،و الأوّل يفيد استغراق النّفي،أي ما أنزلنا عليهم أيّ جند،فلا معنى لزيادة(من)و هو الموافق للسّياق،و التّبعيض إنّما ينفي جندا ما.

الثّانية:ما المراد ب(جند)أهم رسل اللّه و الأنبياء، و هذا باطل،لأنّ الأنبياء لا ينزلون من السّماء بل يرسلون في الأرض من بين النّاس،أو هم الملائكة رسلا إلى الأنبياء،أي لم ينزل ملك إلى أيّ نبيّ أرسل إليهم،أو هم الملائكة الّذين ينزّلهم اللّه من السّماء نصرة للأنبياء و خذلانا لأعدائهم،أو مطلق جنود اللّه ضدّ الأمم كالحجارة و الغرق و الرّيح و نحوها؟و معناها-حينئذ-أنّنا لم ننزّل عليهم شيئا من ذلك،بل اكتفينا بصيحة واحدة، كما جاء بعدها إِنْ كانَتْ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ خامِدُونَ يس:29،لأنّهم كانوا أيسر و أهون من ذلك.

ثانيا:في آيات«الجنود»-و هي(20)آية-بحوث أيضا:

1-جاء في الآيات(8-10)تأييدا للنّبيّ عليه السّلام جُنُوداً لَمْ تَرَوْها و هم الملائكة الّذين لا يراهم النّاس، و رآهم النّبيّ عليه السّلام،إشعارا بأنّهم جنود غيبيّة جاءوا لنصرته على أعدائه،كما أنّ الوحي نزل عليه دعما لنبوّته برسل الوحي و هم ملائكة أيضا.أمّا الجنود في(11-

ص: 115

13)فهم جنود اللّه أيضا،و هم كثيرون لا يعلمهم إلاّ اللّه، و ليسوا ملائكة،بل هم جنود السّماوات و الأرض من الأسباب و الآفات و لا حصر لها،أو هذه تشمل الملائكة و غيرهم.

2-قيل في الثّلاث الأولى:أنّها تعظيم للنّبيّ عليه السّلام؛ حيث أنزل عليه جنودا لم يروها مرّات.

3-أمّا الجنود في(9) إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ و في (14-24)فهم جنود الطّواغيت و إبليس،و كلّهم مغلوبون كما جاء فيها،و لا سيّما في(16)حيث كرّر (الجنود)فيها وَ اسْتَكْبَرَ هُوَ وَ جُنُودُهُ و فَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ مرّة لاستكبارهم و مرّة لأخذهم.

4-و جاء في(23)«جنود طالوت»مدحا و في 25 و 26 جنود سليمان من الإنس و الجنّ و الطّير مرّتين:

مرّة بلسان اللّه مدحا و تعظيما،و مرّة بلسان نملة تخويفا:

لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ و جاء في(27)بلسان سليمان مرّة واحدة، فَلَنَأْتِيَنَّهُمْ بِجُنُودٍ لا قِبَلَ لَهُمْ بِها تهديدا للحكم القائم في اليمن.

5-جاء فيها(جنود)منسوبة إلى اللّه في سبع منها:

(8-14)و وصف ثلاث منها(8-10)ب(لم تروها)و قد فسّروها-كما سبق-بالملائكة لأنّها غير مرئيّة،أمّا سائر آيات العذاب-كما فسّر بعضها خطأ-فهي مرئيّة،فالملائكة كأنّها جنود و آيات غيبيّة لا ترى و تدرك آثارها،و هذه الجنود كلّها غالبة على أعداء اللّه، فهم ممدوحون.

و جاء(جنود)في خمس آيات منسوبة إلى طالوت و سليمان(23-27)-و هي جنود حقّ غالبة-بإزاء جنود جالوت و ملكة اليمن،و هي جنود مغلوبة،ففيها تقابل أيضا بين جنود الحقّ و جنود الباطل.

و جاء(جنود)منسوبة إلى فرعون،أو فرعون و هامان،أو فرعون و ثمود،أو إبليس في(9)آيات:

(14-22)مشعرة بأنّها كلّها خاطئة ظالمة و مغلوبة أمام جنود اللّه.

6-قد ذكر هؤلاء الطّغاة بأسمائهم أوّلا،ثمّ أضيف إليهم جنودهم،مثل(23) لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ وَ لَمّا بَرَزُوا لِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ و(18) و(19) فِرْعَوْنَ وَ هامانَ وَ جُنُودَهُما و(14 و 15) فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ بِجُنُودِهِ و(16 و 17) وَ اسْتَكْبَرَ هُوَ وَ جُنُودُهُ فَأَخَذْناهُ وَ جُنُودَهُ إشعارا بأنّ جنودهم تبع لهم في الإفساد و الطّغيان،و أنّهم أصل لكلّ ما صدر عن جنودهم من الفساد.كما نشاهد اليوم في جنود أمريكا في العراق و غيرها.

ص: 116

ج ن ف

اشارة

لفظان،مرّتان،في سورتين مدنيّتين

جنفا 1:-1 متجانف 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجنف:الميل في الكلام،و في الأمور كلّها، تقول:جنف فلان علينا،و أجنف في حكمه،و هو شبيه ب«الجيف»إلاّ أنّ الحيف من الحاكم خاصّة،و الجنف عامّ،و منه: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً البقرة:182، و غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ المائدة:3،أي متمايل متعمّد.

(6:143)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قال السّعديّ:أتاهم فلان فأجنف أموالهم:ذهب بها.(1:125)

الأصمعيّ: لجّ في جناف قبيح،و جناب قبيح،إذا لجّ في مجانبة أهله.(الأزهريّ 11:112)

أبو عبيد: في حديث عمر رضي اللّه عنه أنّه أفطر في رمضان،و هو يرى أنّ الشّمس قد غربت،ثمّ نظر فإذا الشّمس طالعة،فقال عمر:«لا نقضيه ما تجانفنا فيه لإثم».

قوله:ما تجانفنا فيه لإثم،يقول:ما ملنا إليه و لا تعمّدناه و نحن نعلمه.و كلّ مائل فهو«متجانف و جنف»،و منه: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً قال:ميلا.[ثمّ استشهد بشعر](2:61)

نحوه القرطبيّ.(6:64)

ابن السّكّيت: و امرأة جنفاء بيّنة الجنف،و هو أن يكون فيها ميل في أحد الشّقّين؛رجل أجنف و امرأة جنفاء.(375)

يقال:لأقيمنّ ميلك و جنفك و درأك و صغاك و صدغك و قذلك و ضلعك،كلّ هذا بمعنى واحد.

(515)

يقال:درؤك مع فلان،أي ميلك،و يقال:ماط عليه يميط ميطا،و جنف يجنف جنفا،قال اللّه عزّ و جلّ:

فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً و قد زاخ يزيخ زيخا،إذا مال و جار.(569)

ص: 117

جنفى على«فعلى»بضمّ الفاء و فتح العين:اسم موضع.(الجوهريّ 4:1339)

شمر:يقال:رجل جنافيّ،بضمّ الجيم،مختال فيه ميل،و لم أسمع جنافيّ إلاّ في بيت الأغلب (1).

(الأزهريّ 11:111)

ابن دريد :و الجنف:الميل،جنف يجنف جنفا، و هو الصّدود عن الحقّ،و في التّنزيل: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً.

و رجل أجنف،إذا كان في خلقه ميل.

و قال آخرون:الأجنف:الّذي ينخفض أحد جانبي صدره و يرتفع الآخر.

و جنفاء:موضع،يمدّ و يقصر.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:108)

الأزهريّ: رجل أجنف:في أحد شقّيه ميل على الآخر.[ثمّ نقل كلام الخليل في الفرق بين الجنف و الحيف و أضاف:]

قلت:أمّا قوله:«الحيف من الحاكم خاصّة»فهو خطأ،و الحيف يكون من كلّ من حاف،أي جار.و منه قول بعض الفقهاء:«يردّ من حيف النّاحل ما يردّ من جنف الموصي».و النّاحل إذا فضّل بعض أولاده على بعض بنحل فقد حاف،و ليس بحاكم.[ثمّ استشهد بشعر]

(11:111)

الصّاحب: الجنف:الميل في الكلام و غيره،جنف علينا و أجنف في حكمه،أي حاف،و غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ أي متمايل متعمّد.

و رجل أجنف:في أحد شقّيه ميل في الآخر،و امرأة جنفاء.

و لجّ في جناف،أي مجانفة و ميل.

و الجنافيّ: الصّعب المجانفة.(7:123)

الخطّابيّ: في حديث عروة أنّه قال:«يردّ من صدقة الجانف في مرضه ما يردّ من وصيّة المجنف عند موته».

الجنف:العدول عن الحقّ فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً.

و يقال:أجنف القاضي في حكمه و جنف أيضا.

و الأولى أفصح،و قد جاء في هذا الحديث باللّغتين معا.

(3:45)

الجوهريّ: الجنف:الميل،و قد جنف بالكسر يجنف جنفا،و منه: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً.

[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أجنف الرّجل،أي جاء بالجنف،كما يقال:

ألام،أي أتى بما يلام عليه،و أخسّ،أي أتى بخسيس.

[ثمّ استشهد بشعر]

و تجانف لإثم،أي مال.

و رجل أجنف،أي منحني الظّهر.(4:1339)

الهرويّ: يقال للمائل:أجنف،و قد جنف عليّ يجنف،إذا مال بالظّلم.

و في بعض الحديث:«إنّا نردّ من جنف الظّالم مثل ما نردّ من جنف الموصي».(1:411)

نحوه المدينيّ.(1:364)

ابن سيده: الجنف في الزّور:دخول أحد شقّيهّ*

ص: 118


1- و قد ذكره ابن منظور،9:33*غرّ جنافيّ جميل الزّيّ*

و انهضامه مع اعتدال الآخر؛جنف جنفا،فهو جنف، و أجنف،و الأنثى:جنفاء.

و جنف عليه جنفا،و أجنف:مال عليه في الحكم و الخصومة و القول و غيرها،و هو من ذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و جنف عن طريقه،و جنف،و تجانف:عدل.

و تجانف إلى الشّيء:كذلك،و في التّنزيل: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ. [ثمّ استشهد بشعر]

و ذكر أجنف،و هو كالسّدل.

و قدح أجنف:ضخم.[ثمّ استشهد بشعر]

و جنفى،مقصور:موضع،حكاه يعقوب.

و جنفاء:موضع أيضا،حكاه سيبويه.(7:455)

الجنف:عوج في أحد الشّقّين،رجل أجنف و امرأة جنفاء،و قد جنف يجنف جنفا.(الإفصاح 1:83)

الجنف:الميل و الجور،جنف عن الطّريق-كفرح و ضرب-جنفا و جنوفا.و جنف في وصيّته يجنف جنفا فهو جنيف،و أجنف:جار.

و قيل:جنف مختصّ بالوصيّة،و جنف في مطلق الميل عن الحقّ.

و تجانف:تمايل،و تجانف عنه:عدل،و له و إليه:

مال.

و أجنف فلانا:صادفه جنيفا في حكمه.

(الإفصاح 1:174)

الجنف:الظّلم و الجور،و الميل في الكلام و الأمور كلّها؛جنف يجنف جنفا و جنف يجنف جنوفا و أجنف.

و قيل:أجنف مختصّ بالوصيّة،و جنف في مطلق الميل عن الحقّ.(الإفصاح 1:252)

الطّوسيّ: [نقل كلام الخليل و ابن دريد ثمّ قال:]

و أصل الباب:الميل عن الاستواء.[ثمّ استشهد بشعر](2:112)

الرّاغب: أصل الجنف:ميل في الحكم،فقوله:

فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أي ميلا ظاهرا،و على هذا غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ أي مائل إليه.(101)

الزّمخشريّ: جنف في الوصيّة،و جنف علينا في الحكم،و هو من أهل الحيف و الجنف.

و رجل أجنف:متزاور مائل في أحد شقّيه،و في خلقه جنف.

و تجانف لكذا و تجانف عنه،قال اللّه تعالى: غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ. [ثمّ استشهد بشعر]

(أساس البلاغة:66)

الفخر الرّازيّ: الجنف:الميل في الأمور،و أصله:

العدول عن الاستواء،يقال:جنف يجنف-بكسر النّون في الماضي.و فتحها في المستقبل-جنفا،و كذلك تجانف، و منه قوله تعالى: غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ.

و الفرق بين الجنف و الإثم:أنّ الجنف هو الخطأ من حيث لا يعلم به،و الإثم هو العمد.(5:72)

ابن الأثير: [ذكر حديث عروة المتقدّم و أضاف:]

يقال:جنف و أجنف،إذا مال و جار،فجمع فيه بين اللّغتين.

و قيل:الجانف:يختصّ بالوصيّة،و المجنف:المائل عن الحقّ.[ثمّ ذكر حديث عمر]

ص: 119

و في غزوة خيبر ذكر«جنفاء»هي بفتح الجيم و سكون النّون و المدّ:ماء من مياه بني فزارة.(1:307)

الفيّوميّ: جنف جنفا من باب«تعب»:ظلم، و أجنف بالألف مثله،و قوله: غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ أي غير متمايل متعمّد.(1:111)

الفيروزآباديّ: الجنف محرّكة،و الجنوف بالضّمّ:

الميل و الجور.

و قد جنف في وصيّته كفرح و أجنف فهو أجنف.

أو أجنف مختصّ بالوصيّة،و جنف في مطلق الميل عن الحقّ.و جنف عن طريقه كفرح و ضرب جنفا و جنوفا.

أو الجنف في الزّور:دخول أحد شقّيه و انهضامه مع اعتدال الآخر.

و خصم مجنف كمنبر:مائل.

و الأجنف:المنحني الظّهر.

و الجنافيّ بالضّمّ:المختال فيه ميل.

و لجّ في جناف قبيح ككتاب،أي في مجانبة أهله، و كحمزى و أربى و يمدّان و كحمراء:ماء لفزارة لا موضع، و وهم الجوهريّ.

و أجنف:عدل عن الحقّ،و فلانا:صادفه جنفا في حكمه.

و تجانف:تمايل.(3:128)

مجمع اللّغة :جنف يجنف جنفا:مال و جار،و هو شبيه بالحيف.يقال:جنف عليه جنفا،و حاف عليه حيفا.

تجانف لإثم:تمايل إليه،فهو متجانف.(1:213)

محمّد إسماعيل إبراهيم: جنف عن الحقّ:مال عنه،و الجنف:الجور و الميل عن الحقّ و العدل، و المتجانف:مائل لعمل ذنب.(1:113)

المصطفويّ: يظهر من موارد استعمال هذه المادّة أنّ الأصل الواحد فيها:هو الميل إذا كان عن حقّ.كما أنّ الجمح كان الخروج و الميل عن سلطة من بيده أمره، و الجنح كان عبارة عن الميل إذا كان مع حركة و عمل.

(2:128)

النّصوص التّفسيريّة

جنفا

فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ البقرة:182

ابن عبّاس: الجنف:الخطأ.

مثله الضّحّاك،و السّدّيّ،و الرّبيع،و النّخعيّ، و العوفيّ.(الطّبريّ 2:127)

و مثله مجاهد(الدّرّ المنثور 1:175)،و رشيد رضا (2:142)،و المراغيّ(2:65).

الجنف:الجور و الميل في الوصيّة.

(الدّرّ المنثور 1:175) أبو العالية :الجنف:الجهالة بموضع الوصيّة، و الإثم:العدول عن موضعها.(أبو حيّان 2:24)

مجاهد :إثما.(الطّبريّ 2:127)

طاوس:جنفه و إثمه:أن يوصي الرّجل لبني ابنه، ليكون المال لأبيهم،و توصي المرأة لزوج ابنتها،ليكون

ص: 120

المال لابنتها،و ذو الوارث الكثير و المال قليل فيوصي بثلث ماله كلّه،فيصلح بينهم الموصى إليه أو الأمير.

(الطّبريّ 2:125)

ميلا.(الطّبريّ 2:128)

مثله عطاء(الطّبريّ 2:127)،و الزّجّاج(1:251).

الحسن :هو أن يوصي من غير القرابة،فمن أوصى لغير قرابته ردّ إلى أن يجعل للقرابة«الثّلثان»و لمن أوصى له الثّلث.(الطّوسيّ 2:112)

عطاء: الرّجل يحيف أو يأثم عند موته،فيعطي ورثته بعضهم دون بعض.(الطّبريّ 2:124)

الجنف:الميل،و الإثم:أن يكون قد أثم في أثرة بعضهم على بعض.

مثله ابن زيد.(الماورديّ 1:234)

قتادة :الرّجل يوصي فيحيف في وصيّته،فيردّها الوالي إلى الحقّ و العدل.(الطّبريّ 2:124)

ابن زيد :حيفا.و الإثم:ميله لبعض على بعض، و كلّه يصير إلى واحد،كما يكون عفوّا غفورا و غفورا رحيما.(الطّبريّ 2:128)

الفرّاء: الجنف:الجور.(1:111)

نحوه أبو عبيدة.(1:66)

تحيّف:مال،أي نقصه من حافاته.و روي:«من حاف في وصيّته ألقي في ألوى»و ألوى:واد في جهنّم.

(أبو حيّان 2:24)

أبو سليمان الدّمشقيّ: الخروج عن الحقّ.

(ابن الجوزيّ 1:183)

ابن قتيبة :الميل عن الحقّ،يقال:جنف يجنف جنفا.يقول:إن خاف،أي علم من الرّجل في وصيّته ميلا عن الحقّ،فأصلح بينه و بين الورثة و كفّه عن الجنف،فلا إثم عليه،أي على الموصي.(73)

الطّبريّ: أمّا الجنف فهو الجور،و العدول عن الحقّ في كلام العرب.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال منه:جنف الرّجل على صاحبه يجنف،إذا مال عليه و جار جنفا.

فمعنى الكلام:من خاف من موص جنفا له بموضع الوصيّة،و ميلا عن الصّواب فيها،و جورا عن القصد، أو إثما بتعمّده ذلك،على علم منه بخطإ ما يأتي من ذلك، فأصلح بينهم،فلا إثم عليه.(2:127)

نحوه الماورديّ(1:234)،و البغويّ(1:213).

النّحّاس: (جنفا)من جنف يجنف،إذا جار، و الاسم منه:جنف و جانف.(القرطبيّ 2:269)

الطّوسيّ: و إنّما يريد بالجنف:الميل عن الحقّ عن جهة الخطإ،لأنّه لا يدري أنّه لا يجوز،و الإثم:أن يتعمّد ذلك.[إلى أن قال:]

و الجنف في الوصيّة:أن يوصي الرّجل لابن ابنته و له أولاد،أو يوصي لزوج بنته و له أولاد،فلا يجوز ردّه على وجه عندنا،و خالف فيه ابن طاوس.و كذلك إن وصّى للبعيد دون القريب لا تردّ وصيّته،و خالف فيه الحسن.(2:114)

نحوه الرّاونديّ(فقه القرآن 2:304)،و الطّبرسيّ (1:269).

الزّمخشريّ: ميلا عن الحقّ بالخطإ في الوصيّة.

(1:334)

ص: 121

مثله البيضاويّ(1:100)،و النّسفيّ(1:93)، و الشّربينيّ(1:118)،و البروسويّ(1:287)، و أبو السّعود(1:240)،و حسنين مخلوف(1:60).

ابن عطيّة: الجنف:الميل.[ثمّ استشهد بشعر]

و معنى الآية على ما قال مجاهد:من خشي أن يحيف الموصي و يقطع ميراث طائفة،و يتعمّد الإذاية أو يأتيها دون تعمّد،و ذلك هو الجنف دون إثم،و إذا تعمّد فهو الجنف في إثم.(1:249)

ابن الجوزيّ: [ذكر بعض أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

و قد يسمّى به المخطئ و العامد،إلاّ أنّ المفسّرين علّقوا الجنف على المخطئ،و الإثم على العامد.

(1:183)

الفخر الرّازيّ: الجنف هو الخطأ،و الإثم هو العمد.

و معلوم أنّ الخطأ في حقّ الغير في أنّه يجب إبطاله بمنزلة العمد،فلا فصل بين الخطإ و العمد في ذلك،فمن هذا الوجه سوّى عزّ و جلّ بين الأمرين.(5:73)

القرطبيّ: الجنف:الميل.[إلى أن قال:]

و روي عن عليّ[عليه السّلام]أنّه قرأ (حيفا) بالحاء و الياء،أي ظلما.(2:269)

الطّريحيّ: أي ميلا و ظلما.و الجنف هو الميل و العدول عن الحقّ.(5:33)

الآلوسيّ: الجنف:مصدر جنف،كفرح،مطلق الميل و الجور،و المراد به:الميل في الوصيّة من غير قصد، بقرينة مقابلته بالإثم،فإنّه إنّما يكون بالقصد.(2:55)

الطّباطبائيّ: الجنف هو الميل و الانحراف،و قيل:

هو ميل القدمين إلى الخارج،كما أنّ الحنف-بالحاء المهملة-انحرافهما إلى الدّاخل،و المراد على أيّ حال:

الميل إلى الإثم بقرينة الإثم،و الآية تفريع على الآية السّابقة عليها.(1:439)

بنت الشّاطئ: الكلمة في آية البقرة:182،في الوصيّة[و ذكرت الآية ثمّ قالت:]

وحيدة الصّيغة،و ليس معها من مادّتها في القرآن إلاّ اسم الفاعل،من التّجانف في آية المائدة:3،فيما حرّم من طعام فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

و تفسير«الجنف»بالميل و الجور في الوصيّة،واضح القرب.و قال الرّاغب:أصل الجنف:ميل في الحكم، و ذكر الكلمتين من آيتي البقرة و المائدة«المفردات».

و في حديث:«إنّا نردّ من جنف الظّالم مثل ما نردّ من جنف الموصي».

قال ابن الأثير:الجنف:الميل و الجور،و منه حديث عروة:«يردّ من صدقة الجانف في مرضه ما يردّ في وصيّة المجنف عند موته»يقال:جنف و أجنف،إذا مال و جار.

و قيل:الجانف يختصّ بالوصيّة،و المجنف:المائل عن الحقّ،و منه حديث عمر.«النّهاية».

و قول ابن الأثير: الجانف يختصّ بالوصيّة،أقرب من قول الفيروزآباديّ:أجنف مختصّ بالوصيّة،و جنف كفرح،في مطلق الميل عن الحقّ.

إذ يردّ عليه،أنّ القرآن استعمل الجنف،لا الإجناف في الوصيّة.و في«الأساس»أنّ العرب تقول:جنف في الوصيّة،و جنف علينا في الحكم.

ص: 122

و يبدو أنّ الميل أصل في الدّلالة،نقلا من قولهم:

رجل أجنف:مائل في أحد شقّيه.ثمّ تخالف العربيّة بين الألفاظ المشتركة في معنى الميل،لفروق في الدّلالات، فتجعل الازورار للإعراض،و الصّدّ نقيض الإقبال، و الزّور للباطل و الميل عن الهدى،و الجور للميل عن العدل على وجه القهر و الغلبة،و الجنف للميل عن الحقّ الواجب؛فيكون منه الجور في الوصيّة،و الميل عن الإنصاف في الحكم.

و الجنف في آية البقرة،متعلّق بالوصيّة بصريح اللّفظ.و عطف(اثما)عليه بحرف«أو» فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً من حيث يميل الموصي عمّا ينبغي له من إنصاف لأهله،أو يأثم بالميل عن حدود اللّه في الوصيّة.(الإعجاز البيانيّ للقرآن:337)

المصطفويّ: أي خاف الميل و العدول عن الحقّ، و خوفه ناشئ عن الموصي من جهة إيصائه و خصوصيّات الوصيّة،في أيّ زمان خيف منه،فلا جناح في التّبديل.

فتبديل موادّ الوصيّة جائز في صورة الخوف المتآخم بالعلم إذا خاف وقوع جنف أو إثم،فأصلح بينهم حتّى يرتفع الخوف،أي بذلك المقدار.(2:129)

و قد سبق بعض نصوص الآية في«أ ث م»:إثما فلاحظ

متجانف

...فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ. المائدة:3

ابن عبّاس: غير متعمّد لإثم.(الطّبريّ 6:86)

مثله مجاهد و قتادة و الحسن(الماورديّ 2:13)، و هو المرويّ عن الإمام الباقر عليه السّلام(القمّيّ 1:162)، و السّدّيّ(الجصّاص 2:312).

غير مائل و منحرف إليه و مختار له،بأن يأكل منها زائدا على ما يمسك رمقه،فإنّ ذلك حرام.

مثله مجاهد و قتادة.(الآلوسيّ 6:61)

نحوه ابن قتيبة(141)،و البيضاويّ(1:262).

قتادة :غير متعرّض لمعصية.

مثله السّدّيّ.(الطّبريّ 6:86)

غير عاص بأن يكون باغيا أو محاربا أو خارجا في معصية.(الطّوسيّ 3:437)

ابن زيد :لا يأكل ذلك ابتغاء الإثم،و لا جراءة عليه.(الطّبريّ 6:86)

أبو عبيدة :أي غير متعوّج مائل إليه،و كلّ منحرف،و كلّ أعوج فهو أجنف.(1:153)

الطّبريّ: يقول:إلاّ متجانفا لإثم،فلذلك نصب (غير)لخروجها من الاسم الّذي في قوله: فَمَنِ اضْطُرَّ و هي بمعنى«إلاّ»فنصب بالمعنى الّذي كان به منصوبا المتجانف لو جاء الكلام:إلاّ متجانفا.

و أمّا المتجانف للإثم فإنّه المتمايل له،المنحرف إليه، و هو في هذا الموضع مراد به:المتعمّد له،القاصد إليه، من:جنف القوم عليّ،إذا مالوا،و كلّ أعوج فهو أجنف عند العرب.

و أمّا تجانف آكل الميتة في أكلها،و في غيرها،ممّا حرّم اللّه أكله على المؤمنين بهذه الآية للإثم في حال أكله،

ص: 123

فهو تعمّده الأكل لغير دفع الضّرورة النّازلة به،و لكن لمعصية اللّه،و خلاف أمره فيما أمره به من ترك أكل ذلك.

(6:85)

نحوه الطّوسيّ.(3:437)

القمّيّ: غير مائل في الإثم،فلا يأكل الميتة إلاّ إذا اضطرّ إليها.(1:162)

نحوه الهرويّ(1:411)،و البغويّ(2:13).

الماورديّ: غير مائل إلى إثم،و أصله من:جنف القوم،إذا مالوا،و كلّ أعوج عند العرب أجنف.(2:13)

الزّمخشريّ: غير منحرف إليه،كقوله: غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ البقرة:173.(1:594)

ابن عطيّة: هو بمعنى غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ و الجنف:الميل،و قرأ أبو عبد الرّحمن و يحيى بن وثّاب و إبراهيم النّخعيّ (غير متجنّف) دون ألف،و هي أبلغ في المعنى من(متجانف)لأنّ شدّ العين يقتضي مبالغة و توغّلا في المعنى و ثبوتا لحكمه،و«تفاعل»إنّما هي محاكاة الشّيء و التّقرّب منه.أ لا ترى إذا قلت:تمايل الغصن، فإنّ ذلك يقتضي تأوّدا،و مقاربة ميل،و إذا قلت:تميّل، فقد ثبت حكم الميل،و كذلك تصاون و تصوّن و تغافل و تغفّل.(2:155)

نحوه القرطبيّ(6:64)،و أبو حيّان(3:427).

الفخر الرّازيّ: أي غير متعمّد،و أصله في اللّغة من «الجنف»الّذي هو الميل،قال تعالى: فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً أي ميلا،فقوله: غَيْرَ مُتَجانِفٍ أي غير مائل و غير منحرف.

و يجوز أن ينتصب(غير)بمحذوف مقدّر على معنى فتناول غير متجانف،و يجوز أن ينصب بقوله:(اضطرّ) و يكون المقدّر متأخّرا،على معنى فمن اضطرّ غير متجانف لإثم فتناول...(11:140)

أبو السّعود :غير مائل و منحرف إليه،بأن يأكلها تلذّذا أو مجاوز حدّ الرّخصة،أو ينتزعها من مضطرّ آخر،كقوله تعالى: غَيْرَ باغٍ وَ لا عادٍ (2:238)

مثله البروسويّ.(2:343)

الطّباطبائيّ: و التّجانف هو التّمايل من«الجنف» بالجيم،و هو ميل القدمين إلى الخارج مقابل«الحنف» بالحاء الّذي هو ميلهما إلى الدّاخل.(5:182)

المصطفويّ: أي غير متمايل عن الحقّ و الحكم حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ وَ الدَّمُ المائدة:3،بمنظور ارتكاب عصيان و العمل بإثم،و الصّيغة تدلّ على قبول جانف،و هو للمداومة،أي أن لا يكون ذلك سببا للمداومة في العمل بالإثم.(2:129)

و قد سبق بعض نصوص الآية في«أ ث م»:لإثم.

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجنف،و هو الميل في أحد شقيّ الإنسان،يقال:جنف يجنف جنفا،فهو جنف و أجنف،و هي جنفاء.و رجل أجنف:منحني الظّهر، و ذكر أجنف:و هو كالسّدل،أي الميل،و رجل جنافيّ:

مختال فيه ميل.

و الجنف أيضا:الميل و الجور،يقال:جنف عليه جنفا،أي مال عليه في الحكم و الخصومة و القول و غيرها،و رجل أجنف:في حلقه ميل،و أجنف الرّجل:

ص: 124

جاء بالجنف فهو مجنف.و جنف عن طريقه و جنف و تجانف:عدل،و تجانف إلى الشّيء:عدل،و تجانف لإثم:مال.و لجّ فلان في جناف قبيح و جناب قبيح:

لجّ في مجانبة أهله.

2-و بين«الجنف»و«الحنف»و«الخنف»اشتقاق أكبر،و هو الميل،إلاّ أنّ الجنف-كما تقدّم-ميل في الجانب و الظّهر،و الحنف-كما سيأتي في«ح ن ف»-ميل في الرّجل،مثل:الخنف و الصّدف و السّقف و الفجج و الفحج و الفدع و الوكع و الرّوح و القفد و غيرها.و يبدو أنّ الحنف رأسها و رئيسها،لأنّه معروف في سائر اللّغات السّاميّة دونها.

كما أنّ كلّ هذه الألفاظ جاءت على وزن«فعل»، و هذا ما اختصّ بعيوب الرّجل،و منها:العرج و الخفج و الزّكك و الحرد و الظّلع.

الاستعمال القرآنيّ

جنفا-متجانف

1- فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ البقرة:182

2- اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَ رَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ فَإِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ المائدة:3

و يلاحظ أوّلا:أنّ الجنف و المتجانف كلاهما جاء مع الإثم،فيبدو أنّ بين اللّفظين علاقة مع فارق بين الجنف و المتجانف،و هو أنّ(اثما)في(1)معطوف على(جنفا) فيبدو أنّه شيء يغايره و يقابله.أمّا(المتجانف)في(2) فقد تعلّق ب(اثم)فيبدو أنّهما متّصلان غير متقابلين،فهل اختلف معنى الجنف و المتجانف؟

و الجواب:يظهر من ملاحظ تفسير الآيتين،فالقدر المشترك بين اللّفظين من مادّة«ج ن ف»هو الانحراف و الميل عن الحقّ إلى غيره عمدا أو خطأ-كما قال الطّوسيّ:«أصل الباب الميل عن الاستواء»-إلاّ أنّ عطف(اثما)على(جنفا)في(1)ألزم كبار المفسّرين -كالطّبريّ و الطّوسيّ و الفخر الرّازيّ و غيرهم-أن يخصّوا(جنفا)بالميل خطأ و(اثما)بالميل عمدا.أمّا (المتجانف)حيث تعلّق ب(اثم)فخصّوه بالمتعهّد.قال الطّبريّ:«و هو في هذا الموضع مراد به المتعهّد له القاصد إليه».

ثانيا:فقد ظهر بذلك أنّ اللّفظين كلاهما بمعنى الانحراف و الميل،و أنّ من فسّر الجنف بالميل خطأ و المتجانف بالمتعهّد فقد أخطأ.قال الفخر الرّازيّ:

«و الفرق بين الجنف و الإثم:أنّ الجنف هو الخطأ من حيث لا يعلم به،و الإثم هو العمد»إذ لا دخل للخطإ و العمد في معنى اللّفظين،و إنّما حملا على ذلك بقرينة ما ضمّ إليهما ممّا ذكر.و لعلّه أراد تفسيرهما بملاحظة تلك القرائن،و بذلك ظهر أيضا أنّ ذكر الجور في معنى«جنف»هو بمعنى الميل و العدول،دون الظّلم و التّجاوز،و إن لازمه أحيانا.

و أيضا لا وجه لاختصاص الجنف بالوصيّة و المتجانف بأكل الطّعام الحرام،فإنّ ذلك كلّه مستفاد من سياق الآيتين.

ثالثا:قال الطّباطبائيّ في(1):«المراد الميل إلى الإثم

ص: 125

بقرينة الإثم،و الآية تفريع على الآية السّابقة عليها».

و نقول:لا ريب في أنّ الآية فرع على ما قبلها فرع استثناء،و ما قبلها فرع أيضا على سابقتها فرع نتيجة؛ حيث قال-بعد التّوصية بالوصيّة للوالدين و الأقربين بالمعروف-: فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ ما سَمِعَهُ فَإِنَّما إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* فَمَنْ خافَ مِنْ مُوصٍ جَنَفاً أَوْ إِثْماً فَأَصْلَحَ بَيْنَهُمْ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ... لكن لا نسلّم أنّ المراد بالجنف:الميل إلى الإثم بقرينة الإثم،بل هو قرينة على خلافه،و هو الخطأ،كما سبق.

رابعا:عن ابن عطيّة:قرأ من ذكرهم (غير متجنّف) دون ألف،ثمّ قال:«و هي أبلغ في المعنى من(متجانف) لأنّ شدّ العين يقتضي مبالغة و توغّلا في المعنى،و ثبوتا لحكمه،و«تفاعل»إنّما هي محاكاة الشّيء و التّقريب منه، إلى آخره»و هذا مردود بوجوه:

1-أنّها قراءة شاذّة لم يذكرها الطّبريّ،فلا وجه لرجحانها على القراءة المشهورة بالاجتهاد.

2-مجرّد شدّ عين الفعل لا يقتضي المبالغة دائما،فإنّ باب التّفعيل له معان أخرى غير التّكثير و المبالغة، كالتّعدية و التّدرّج و السّلب و النّسبة و غيرها،مع أنّ المبالغة هنا في نفي أدنى الجنف و أخفّه،دون أشدّه،فإنّ نفي الأشدّ يسمح ارتكاب الأخفّ،و نفي الأخفّ نفي للأشدّ بالأولى مثل فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ الإسراء:

23،و سياق الآية يقتضي الخفّة أيضا،حيث قال: فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجانِفٍ لِإِثْمٍ أي من اضطرّ إلى حالة حرجة غير متمايل أدنى ميل إلى إثم أيّ إثم،و لو كان قليلا تافها.و هذا يناسب المتجانف بمعنى المحاكاة و التّقريب-كما قال-دون التّشديد و المبالغة.

3-باب«التّفاعل»له معان،أشهرها:المشاركة، و لا تناسب السّياق؛و منها المطاوعة،و التّدرّج،و إظهار ما ليس في الباطن مثل تمارض،و كلّها-و لا سيّما التّدرّج-مناسب لسياق الآية،أي غير متمايل تمايلا شيئا فشيئا،أو غير متطوّع لغيره،أو غير ظاهر بمظهر المائل، و إن لم يكن مائلا واقعا.

و كلّ هذه المعاني يناسب نفي الأخفّ الّذي يتماشى مع السّياق،و لهذا جاء كلّ من(مخمصة)و(متجانف) و(اثم)نكرة،و(من اضطرّ)مبهمة؛و بذلك تبيّن أيضا بطلان قول المصطفويّ:«إنّ صيغة«التّفاعل»هنا للمداومة،أي أن لا يكون ذلك سببا للمداومة في العمل» فإنّه لا يناسب السّياق،مع أنّه لم يأت«التّفاعل» للمداومة.

خامسا:ما جاء في بعض التّفاسير في معنى«الجنف» أن يوصي الرّجل لبني ابنه،أو المرأة لزوج ابنتها،أو يوصي لغير القرابة و نحوها،بيان لمصاديق«الجنف» دون معناه،لكنّها مناسبة للأمر بالوصيّة للوالدين و الأقربين قبلها،و لما كان شائعا بين النّاس يوم ذاك.

سادسا:جملة فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ... تفريع على ما قبل هذه الآية: حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ...

دون صدرها: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ... كما هو ظاهر،و يبدو أنّ صدرها جملة معترضة ممهّدة لذيلها.[لاحظ«ك م ل» (اكملت)]

ص: 126

ج ن ن

اشارة

19 لفظا،201 مرّة:133 مكّيّة،68 مدنيّة

في 69 سورة:49 مكّيّة،20 مدنيّة

جنّ 1:1 جنّتك 2:2

مجنون 11:11 جنّتي 1:1

الجنّ 22:21-1 جنّتان 3:1-2

اجنّة 1:-1 جنّتين 4:3-1

جنّة 5:5 بجنّتيهم 1:1

الجنّة 5:5 جنّات 68:33-35

جنّة 2:-2 الجنّات 1:1

جنّة 14:9-5 جانّ 5:2-3

الجنّة 52:35-17 الجانّ 2:1-1

جنّته 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجنّ:جماعة ولد الجانّ،و جمعهم:الجنّة و الجنّان،سمّوا به لاستجنانهم من النّاس فلا يرون.

و الجانّ:أبو الجنّ،خلق من نار ثمّ خلق نسله.

و الجانّ:حيّة بيضاء،قال اللّه عزّ و جلّ: تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلّى مُدْبِراً النّمل:10.

و المجنّة:الجنون،و جنّ الرّجل،و أجنّه اللّه فهو مجنون و هم مجانين.

و يقال:به جنّة و جنون و مجنّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و أرض مجنّة:كثيرة الجنّ.

و الجنان:روع القلب،يقال:ما يستقرّ جنانه من الفزع.

و أجنّت الحامل الجنين،أي الولد في بطنها،و جمعه:

أجنّة.و قد جنّ الولد يجنّ فيه جنّا.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أجنّه اللّيل و جنّ عليه اللّيل،إذا أظلم حتّى يستره بظلمته.و استجنّ فلان،إذا استتر بشيء.

و المجنّ:التّرس.

و الجنّة:الحديقة،و هي بستان ذات شجر و نزهة، و جمعه:جنّات.

ص: 127

و الجنّة:الدّرع،و كلّ ما وقاك فهو جنّتك.

و الجنن:القبر،و قيل للكفن أيضا،لأنّه يجنّ فيه الميّت،أي يكفّن.(6:20)

سيبويه :باب ما جاء فعل منه على غير فعلته و ذلك نحو:جنّ و سلّ و زكم و ورد،و على ذلك قالوا:

مجنون و مسلول و مزكوم و محموم و مورود.

و إنّما جاءت هذه الحروف على جننته و سللته و إن لم يستعمل في الكلام،كما أنّ يدع على ودعت،و يذر على و ذرت و إن لم يستعملا،استغني عنهما ب«تركت» و استغني عن قطع ل«قطع».و كذلك استغني عن جننت و نحوها ب«أفعلت».

فإذا قالوا:جنّ و سلّ فإنّما يقولون:جعل فيه الجنون و السّلّ.كما قالوا:حزن و فسل و رذل.و إذا قالوا:

جننت،فكأنّهم قالوا:جعل فيك جنون،كما أنّه إذا قال:أقبرته فإنّما يقول:وهبت له قبرا،و جعلت له قبرا.

(4:67)

الكسائيّ: و قالت امرأة عبد اللّه بن مسعود له:

«أجنّك من أصحاب رسول اللّه»معنى قولها له:أجنّك:

من أجل أنّك،فتركت«من»كما يقال:فعلت ذاك أجلك،بمعنى من أجلك،و قولها:«أجنّك»فحذفت الألف و اللاّم.(الأزهريّ 10:502)

أبو خيرة:الأرض المجنونة:المعشبة الّتي لم يرعها أحد.و أتيت على أرض هادرة متجنّنة،و هي الّتي تهال من عشبها،و قد ذهب عشبها كلّ مذهب.

(الأزهريّ 10:499)

أبو عمرو الشّيبانيّ: أتيتهم بجنّ أمرهم،أي بحدثان أمرهم،ما كان من خير أو شرّ.[ثمّ استشهد بشعر](1:130)

يقال:أجنّك أن تفعل كذا و كذا.كما تقول:

أ جدّك.(1:135)

الجانّ:الحيّة،و جمعها:جوانّ.

(الأزهري 10:496)

الجانّ:من الجنّ،و جمعه:جنّان.

(الأزهريّ 10:497)

الجنن:الكفن.(الأزهري 10:502)

الفرّاء: الجنّة:ما فيه النّخيل،و الفردوس:ما فيه الكرم.(البغويّ 1:94)

الجنن:الجنون.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهري 10:497)

جنّت الأرض،إذا قاءت بشيء معجب من النّبت.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 10:499)

أبو عبيدة :السّلاح:ما قوتل به،و الجنّة:ما اتّقي به.[ثمّ استشهد بشعر](ابن فارس 1:422)

جننته في القبر و أجننته.(الأزهريّ 10:501)

و[الجنّة]لا تسمّى جنّة حتّى يجنّها الشّجر،أي يسترها.(ابن دريد 1:56)

أبو زيد :يقال:ما عليّ جنن إلاّ ما ترى،أي ما عليّ شيء يواريني.(الأزهريّ 10:499)

ابن الأعرابيّ: يقال للنّخل المرتفع طولا:مجنون، و للنّبت الملتفّ الكثيف الّذي قد تأزّر بعضه في بعض:

مجنون.(الأزهريّ 10:499)

بات فلان ضيف جنّ،أي بمكان خال لا أنيس به.

ص: 128

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 10:503)

في حديث:«اللّهمّ إنّي أعوذ بك من صناديد القدر و جنون العمل»جنون العمل:الإعجاب به حتّى يبطل عمله.[ثمّ استشهد بشعر](الخطّابيّ 3:210)

ابن السّكّيت: الجنّة و الخبّة أيضا:خرقة تلبسها المرأة فتغطّي بها رأسها ما قبل منه و ما دبر،غير وسط رأسها،و تغطّي الوجه و حلي الصّدر،و فيها عينان مجوبتان مثل عيني البرقع.(664)

شمر: المجنّ:التّرس،و المجنّ:الوشاح.

و سمّي القلب جنانا،لأنّ الصّدر أجنّه.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 10:499)

الجنان:الأمر الخفيّ.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 10:500)

الدّينوريّ: نخلة مجنونة،إذا طالت.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 7:217)

ثعلب :الجنّة بالكسر:الجنّ و الجنون أيضا،و الجنّة بالفتح.(57)

الجنان:اللّيل.(ابن سيده 7:212)

جنّ الرّجل و ما أجنّه!فجاء بالتّعجّب من صيغة فعل المفعول،و إنّما التّعجّب من صيغة فعل الفاعل.

(ابن سيده 7:215)

الزّجّاج: جنّة اللّيل،و الاختيار:جنّ عليه اللّيل، و أجنّه اللّيل.(الأزهريّ 10:501)

ابن دريد :جنّ الرّجل جنونا و جنّ النّبت،إذا غلظ و اكتهل.

و الجنّ:خلاف الإنس.

و جنّ الشّباب:حدّته و نشاطه،و يقال:فلان في جنّ شبابه.[ثمّ استشهد بشعر]

و جنّ اللّيل:اختلاط ظلامه.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:جنون اللّيل و جنانه.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:جنّه اللّيل و أجنّه و جنّ عليه،إذا ستره و غطّاه،في معنى واحد،و كلّ شيء استتر عنك فقد جنّ عنك.

و يقال:جنان الرّجل،و به سمّيت الجنّ.

و كان أهل الجاهليّة يسمّون الملائكة:جنّة لاستتارهم عن العيون،و الجنّ و الجنّة واحد.

و الجنّة:ما واراك من السّلاح.

و الجنّة:الأرض ذات الشّجر و النّخل.

و سمّي التّرس:مجنّا،لستره صاحبه.و سمّي القبر:

جننا من هذا.

و ما دام في بطن أمّه فهو جنين.و الجنين:المدفون.

[ثمّ استشهد بشعر]

و منه كلام ابن الحنفيّة:«رحمك اللّه من مجنّ في جنن و مدرج في كفن»يقوله للحسن رحمة اللّه عليه.

و جنان النّاس:معظمهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و ربّما سمّيت الرّوح جنانا،لأنّ الجسم يجنّها،هكذا قال بعضهم.(1:55)

القاليّ: يقال:«جنّ قدح ليس منها»يضرب مثلا للرّجل يدخل نفسه في القوم ليس منهم.(1:203)

الأزهريّ: و يقال لكلّ ما ستر:قد جنّ،و قد أجنّ.

(10:501)

و يقال:كان ذلك في جنّ صباه،أي في حداثته،

ص: 129

و كذلك جنّ كلّ شيء:أوّل ابتدائه.

و يقال:خذ الأمر بجنّه.و اتّق النّاقة فإنّها بجنّ ضراسها،أي بحدثان نتاجها.

و يقال:جنّت الرّياض جنونا،إذا اعتمّ نبتها.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجنّيّة:ثياب معروفة.(10:502)

أبو عليّ الفارسيّ: لا تكون الجنّة في كلام العرب إلاّ و فيها نخيل و عنب.فإن لم يكن فيها ذلك و كانت ذات شجر،فهي حديقة و ليست بجنّة.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 7:218)

الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]يقال للجنون:

جنن.و الأجانين:جمع الجنّ.

و الجنان:روع القلب،و هو الحريم أيضا،و جماعة النّاس،و الجناب،و السّاحة.

و جنّ اللّيل يجنّ جنونا،و أجنّ يجنّ إجنانا،و جنّ الرّجل يجنّ جنّا و مجنّة.و أجنّه اللّيل،و جنّ عليه اللّيل جنونا و جنانا.

و جنّ اللّيل:ما وارى من ظلمته.

و يقال:جننته في القبر و أجننته،و الجنين:الدّفين.

و نخلة مجنونة،أي سحوق في غاية الطّول،و نخل مجانين.

و جنّت الأرض و تجنّنت:بلغت المدى في النّبات.

و جنّ النّبت جنونا:خرج زهره.[ثمّ استشهد بشعر]

و هذه النّاقة بجنّ ضراسها،أي بحدثان نتاجها،و هو بجنّ نشاطه.

و لا جنّ بكذا،أي لا خفاء به.

و جنّ العين:كلّ ما استجنّ عن بصرك،أو ستر عنك شيئا.و قيل:هي المنيّة،أي منيّته مستورة عنه.و ما يرى فلان لي جنانا و لا حنانا،أي ما يجنّني منه.

و لا يجنّ عنّي كلمة،أي ما يصرف.

و يقولون:أجنّي من أصحاب فلان،أي من أجل أنّي.و في الحديث:«أجنّك من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم».

(6:409)

الخطّابيّ: في حديث عبد اللّه:«الشّباب شعبة من الجنون...»إنّما جعل الشّباب شعبة من الجنون...لأنّ الجنون آفة تنال العقل فتزيله،و كذلك الشّباب قد يسرع إلى غلبة العقل بماله من قوّة الميل إلى الشّهوات، و شدّة النّزاع إليها،و هذا كقولهم:«الغضب جنون ساعة».و إنّما سمّي المجنون مجنونا،لأنّه قد أطبق على عقله،و أصله من الجنّ،و هو السّتر،و لذلك سمّي التّرس مجنّا،و القبر جننا.[ثمّ استشهد بشعر](2:266)

في حديث القاسم:«أنّه سئل عن قتل الجانّ،فقال:

أمر بقتل الأيم منهنّ»الجانّ:حيّة بيضاء كبيرة.

(3:47)

ابن جنّيّ: تحتمل«مجنّة»وزنين:أحدهما:أن تكون«مفعلة»من الجنون،كأنّها سمّيت بذلك لشيء يتّصل بالجنّ أو بالجنّة،أعني البستان أو ما هذه سبيله.

و الآخر:أن تكون«فعلّة»من مجن يمجن،كأنّها سمّيت بذلك لأنّ ضربا من المجون كان بها،هذا ما توجبه صنعة علم العرب.فأمّا لأيّ الأمرين وقعت التّسمية، فذاك أمر طريقه الخبر.و كذلك:الجنينة.[ثمّ استشهد

ص: 130

بشعر](ابن سيده 7:219)

الجوهريّ: جنّ عليه اللّيل يجنّ بالضّمّ جنونا، و يقال أيضا:جنّة اللّيل و أجنّه اللّيل،بمعنى.

و الجنّ:خلاف الإنس،و الواحد:جنّيّ.يقال:

سمّيت بذلك لأنّها تتّقى و لا ترى.

و جنّ الرجل جنونا،و أجنّه اللّه فهو مجنون.و لا تقل:

مجنّ.

و قولهم في المجنون:ما أجنّه!شاذّ لا يقاس عليه، لأنّه لا يقال في المضروب:ما أضربه،و لا في المسلول:

ما أسلّه![ثمّ استشهد بشعر]

و نخلة مجنونة،أي طويلة.[ثمّ استشهد بشعر]

و جنّ النّبت جنونا،أي طال و التفّ،و خرج زهره.

و جنّ الذّباب،أي كثر صوته.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:كان ذلك في جنّ شبابه،أي في أوّل شبابه.

و تقول:افعل ذلك الأمر بجنّ ذلك و بحدثانه (1).[ثمّ استشهد بشعر]

و جننت الميّت و أجننته،أي واريته.و أجننت الشّيء في صدري:أكننته.و أجنّت المرأة ولدا.

و الجنين:الولد ما دام في البطن،و الجمع:الأجنّة.

و الجنين:المقبور.

و الجنّة بالضّمّ:ما استترت به من سلاح.

و الجنّة:السّترة،و الجمع:الجنن.يقال:استجنّ بجنّة،أي استتر بسترة.

و المجنّ:التّرس،و الجمع:المجانّ بالفتح.

و الجنّة:البستان،و منه الجنّات.و العرب تسمّي النّخيل:جنّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجنان بالفتح:القلب.

و يقال أيضا:ما عليّ جنان إلاّ ما ترى،أي ثوب يواريني.

و جنان اللّيل أيضا:سواده و ادلهمامه.[ثمّ استشهد بشعر]

و جنان النّاس:دهماؤهم.

الجنّة:الجنّ،و منه قوله تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ، السّجدة:13.

و الجنّة:الجنون،و منه قوله تعالى: أَمْ بِهِ جِنَّةٌ، سبأ:8،و الاسم و المصدر على صورة واحدة.

و الجنن بالفتح:القبر.

و الجنن بالضّمّ:الجنون،محذوف منه الواو.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجانّ:أبو الجنّ،و الجمع:جنّان،مثل حائط و حيطان.

و الجانّ أيضا:حيّة بيضاء.

و تجنّن عليه و تجانن و تجانّ:أرى من نفسه أنّه مجنون.

و أرض مجنّة:ذات جنّ.

و المجنّة أيضا:الجنون.

و المجنّة أيضا:اسم موضع على أميال من مكّة.

[ثمّ استشهد بشعر]

و المجنّة أيضا:الموضع الّذي يستتر فيه.

و الاجتنان:الاستتار.و الاستجنان:الاستطراب.ة.

ص: 131


1- الظّاهر:بحدثانه:بأوّله و ابتدائه..كما ذكره أبو عمرو الشّيبانيّ و غيره من أصحاب اللّغة.

و قولهم:أجنّك كذا،أي من أجل أنّك،فحذفوا اللاّم و الألف اختصارا،و نقلوا كسرة اللاّم إلى الجيم.

(5:2093)

ابن فارس: الجيم و النّون أصل واحد،و هو السّتر و التّستّر.فالجنّة:ما يصير إليه المسلمون في الآخرة،و هو ثواب مستور عنهم اليوم.و الجنّة:البستان،و هو ذاك لأنّ الشّجر بورقه يستر.و ناس يقولون:الجنّة عند العرب:النّخل الطّوال.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجنين:الولد في بطن أمّه،و الجنين:المقبور.

و الجنان:القلب.و المجنّ:التّرس.و كلّ ما استتر به من السّلاح فهو جنّة.

و الجنّة:الجنون؛و ذلك أنّه يغطّي العقل.و جنان اللّيل:سواده و ستره الأشياء.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:جنون اللّيل،و المعنى واحد.

و يقال:جنّ النّبت جنونا،إذا اشتدّ و خرج زهره.

فهذا يمكن أن يكون من الجنون استعارة،كما يجنّ الإنسان فيهيج،ثمّ يكون أصل الجنون ما ذكرناه من السّتر،و القياس صحيح.

و جنان النّاس:معظمهم،و يسمّى السّواد.و المجنّة:

الجنون.

فأمّا الحيّة الّذي يسمّى الجانّ فهو تشبيه له بالواحد من الجانّ.

و الجنّ سمّوا بذلك لأنّهم متستّرون عن أعين الخلق، قال اللّه تعالى: إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَ قَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ. الأعراف:27.(1:421)

الهرويّ: و في حديث عليّ:«أنّه كتب إلى ابن عبّاس:قلبت لابن عمّك ظهر المجنّ»هذه كلمة تضرب مثلا لمن كان لصاحبه على مودّة أو رعاية ثم حال عن ذلك.

و سمّي القلب جنانا لأنّ الصّدر يواريه.

و سمّي المجنون مجنونا،لأنّه مستور الفهم،مغلوب العقل.

و الجنّة بالضّمّ:التّرس،و السّترة.و منه الحديث:

«الإمام جنّة»لأنّه يقي المأموم الزّلل و السّهو،أو النّار، كما يقي التّرس صاحبه من وقع السّلاح.

و في الحديث في كسح زمزم:«قال العبّاس:يا رسول اللّه إنّ فيها جنّانا كثيرة»يعني حيّات،و هي جمع الجانّ.

و في حديث آخر:«أنّه نهى عن قتل الجنّان الّتي تكون في البيوت».(1:412)

ابن سيده: جنّ الشّيء يجنّه جنّا:ستره.

و كلّ شيء ستر عنك:فقد جنّ عنك.

و جنّه اللّيل يجنّه جنّا،و جنونا،و جنّ عليه و أجنّه:

ستره.

و جنّ اللّيل،و جنونه،و جنانه:شدّة ظلمته.و قيل:

اختلاط ظلامه،لأنّ ذلك كلّه ساتر.[ثمّ استشهد بشعر]

و جنن الميّت جنّا،و أجنّه:ستره.

و الجنن:القبر لستره الميّت.

و الجنن أيضا:الكفن لذلك.

و أجنّه:كفّنه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجنان:القلب،لاستتاره في الصّدر،و قيل:لوعيه الأشياء و ضمّه لها.و قيل:الجنان:روع القلب،و ذلك أذهب في الخفاء.

ص: 132

و ربّما سمّي الرّوح جنانا؛لأنّ الجسم يجنّه.

و أجنّ عنه،و استجنّ:استتر.

و الجنين:الولد ما دام في بطن امّه،لاستتاره فيه.و جمعه:أجنّة،و أجنن؛بإظهار التّضعيف.و قد جنّ الجنين في الرّحم يجنّ جنّا،و أجنّته الحامل.[ثمّ استشهد بشعر]

و المجنّ:التّرس،و أرى اللّحيانيّ قد حكى فيه «المجنّة»،و جعله سيبويه«فعلا»و سيأتي ذكره.

و قلب فلان مجنّه،أي أسقط الحياء و فعل ما شاء.

و قلب أيضا مجنّه:ملك أمره و استبدّ به.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجنّة:ما واراك من السّلاح.

و قيل:كلّ مستور:جنين،حتّى إنّهم ليقولون:حقد جنين،و ضغن جنين.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجنين:المستور في نفوسهم.يقول:فهم يجتهدون في ستره و ليس ينستر،و قوله:الضّغن أسود،يقول:هو بين ظاهر في وجوههم.

و الجنّة:الدّرع،و كلّ ما وقاك:جنّة.

و جنّ النّاس،و جنانهم:معظمهم،لأنّ الدّاخل فيهم يستتر بهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجنّ:نوع من العالم،سمّوا بذلك لاجتنانهم عن الأبصار.و الجمع:جنّان،و هم الجنّة،و في التّنزيل:

وَ لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ الصّافّات:158.

و الجنّيّ: منسوب إلى الجنّ أو الجنّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجنّة:طائفة الجنّ.

و قد جنّ جنّا،و جنونا،و استجنّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و تجنّن،و تجانّ،و أجنّه اللّه فهو مجنون،على غير قياس؛و ذلك لأنّهم يقولون:جنّ،فبني المفعول من أجنّه اللّه على هذا،و قالوا:ما أجنّه!

قال سيبويه: وقع التّعجّب منه ب«ما أفعله»و إن كان كالخلق،لأنّه ليس بلون في الجسد و لا بخلقة فيه، و إنّما هو من نقصان العقل.

[ثمّ حكى قول ثعلب قد جنّ الرّجل...و أضاف:]

و قد قدّمت أنّ هذا و نحوه شاذّ.

و المجنّة:الجنّ.

و أرض مجنّة:كثيرة الجنّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجانّ:أبو الجنّ،و الجانّ:الجنّ،و هو اسم جمع كالجامل و الباقر.

و الجانّ:ضرب من الحيّات أكحل العينين يضرب إلى الصّفرة لا يؤذي،و هو كثير في بيوت النّاس.

و كان أهل الجاهليّة يسمّون الملائكة عليهم السّلام جنّا، لاستتارهم عن العيون.[ثمّ استشهد بشعر]

و لا جنّ بهذا الأمر:أي لا خفاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و جنّ الشّباب:أوّله،و قيل:جدّته و نشاطه.و جنّ المرح:كذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و خذه بجنّه،أي بحدثانه.

و جنّ النّبت:زهره و نوره،و قد تجنّنت الأرض، و جنّت جنونا.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:جنّ النّبت جنونا:غلظ و اكتهل.

و الجنّة:الحديقة ذات الشّجر و النّخل.و جمعها:

ص: 133

جنان،و فيها تخصيص،و قد أبنته في الكتاب «المخصّص».

و الجنّيّة:مطرف مدوّر على خلقة الطّيلسان يلبسها النّساء.

و مجنّة:موضع.[ثمّ استشهد بشعر]

و كذلك مجنّة،و هي على أميال من مكّة.[ثمّ استشهد بشعر](7:212)

الرّاغب: أصل الجنّ:ستر الشّيء عن الحاسّة، يقال:جنّه اللّيل و أجنّه و جنّ عليه فجنّه:ستره.

و أجنّه:جعل له ما يجنّه،كقولك:قبرته و أقبرته، و سقيته و أسقيته.

و جنّ عليه كذا:ستر عليه،قال عزّ و جلّ: فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً الأنعام:76.

و الجنان:القلب،لكونه مستورا عن الحاسّة.

و المجنّ و المجنّة:التّرس الّذي يجنّ صاحبه،قال عزّ و جلّ: اِتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً المجادلة:16،و في الحديث:«الصوم جنّة».

و الجنّة:كلّ بستان ذي شجر يستر بأشجاره الأرض.[ثمّ ذكر بعض الآيات و قال:]

قيل:و قد تسمّى الأشجار السّاترة جنّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و سمّيت الجنّة:إمّا تشبيها بالجنّة في الأرض و إن كان بينهما بون،و إمّا لستره نعمها عنّا،المشار إليها بقوله تعالى: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ السّجدة:17.

و الجنين:الولد ما دام في بطن أمّه،و جمعه:أجنّة، قال تعالى: وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ النّجم:

32،و ذلك«فعيل»في معنى«مفعول».

و الجنين:القبر،و ذلك«فعيل»في معنى«فاعل».

و الجنّ يقال على وجهين:أحدهما للرّوحانيّين المستترة عن الحواسّ كلّها بإزاء الإنس،فعلى هذا تدخل فيه الملائكة و الشّياطين.فكلّ ملائكة جنّ و ليس كلّ جنّ ملائكة،و على هذا قال أبو صالح:الملائكة كلّها جنّ.

و قيل:بل الجنّ بعض الرّوحانيّين؛و ذلك أنّ الرّوحانيّين ثلاثة:أخيار و هم الملائكة،و أشرار و هم الشّياطين،و أوساط،فيهم أخيار و أشرار،و هم الجنّ، و يدلّ على ذلك قوله تعالى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ -إلى قوله - وَ أَنّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ وَ مِنَّا الْقاسِطُونَ الجنّ:1-14.

و الجنّة:جماعة الجنّ،قال تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ النّاس:6،و قال تعالى: وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً الصّافّات:158.

و الجنّة:الجنون،و قال تعالى: ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ الأعراف:184،أي جنون،و الجنون:حائل بين النّفس و العقل.

و جنّ فلان قيل:أصابه الجنّ،و بني فعله على«فعل» كبناء الأدواء،نحو:زكم و لقي و حمّ،و قيل:أصيب جنانه،و قيل:حيل بين نفسه و عقله فجنّ عقله بذلك.

و قوله تعالى: مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ الدّخان:14،أي ضامّه من يعلّمه من الجنّ،و كذلك قوله تعالى: أَ إِنّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ الصّافّات:36.

و قيل:جنّ التّلاع و الآفاق،أي كثر عشبها حتّى

ص: 134

صارت كأنّها مجنونة.

و قوله تعالى: وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ الحجر:27،فنوع من الجنّ،و قوله تعالى:

كَأَنَّها جَانٌّ النّمل:10،قيل:ضرب من الحيّات.

(98)

الزّمخشريّ: جنّه:ستره فاجتنّ.و استجنّ بجنّة:

استتر بها،و اجتنّ الولد في البطن،و أجنّته الحامل.

و تقول:كأنّهم الجانّ،و كأنّ وجوههم المجانّ،و جنّ عليه اللّيل،و واراه جنان اللّيل،أي ظلمته.

و فلان ضعيف الجنان و هو القلب،و أعوذ باللّه من خور الجبان،و من ضعف الجنان.

و هو يتجنّن عليّ و يتجانّ.

و من المجاز:جنّت الأرض بالنّبات،و جنّ الذّباب بالرّوض:ترنّم سرورا به.[ثمّ استشهد بشعر]

و نخلة مجنونة:شديدة الطّول،و نخل مجانين.[ثمّ استشهد بشعر]و بقل مجنون.[ثمّ استشهد بشعر]

و كان ذلك في جنّ صباه و جنّ شبابه،و لقيته بجنّ نشاطه،كأنّ ثمّ جنّا تسوّل له النّزغات.

و اتّق النّاقة في جنّ ضراسها،و هو سوء خلقها عند النّتاج.[ثمّ استشهد بشعر]

و لا جنّ بكذا،أي لا خفاء به.[ثمّ استشهد بشعر]

و جنّ جنونه.[ثمّ استشهد بشعر]

(أساس البلاغة:66)

عن ابن عبّاس رضي اللّه عنه:«الجانّ مسيخ الجنّ،كما مسخت القردة من بني إسرائيل»هو العظيم من الحيّات.

و منه حديث القاسم رحمه اللّه:«إنّه سئل عن قتل الجانّ،فقال:أمر بقتل الأيم منهنّ».و يجمع على جنّان، و نظيره غائط و غيطان،و حائط و حيطان.

(الفائق 1:239)

المدينيّ: منه الحديث:«ولي دفن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و إجنانه عليّ و العبّاس»أي دفنه و ستره.

في الحديث:«نهى عن ذبائح الجنّ»و هو أن يبني الرّجل الدّار،فإذا فرغ من بنائها ذبح ذبيحة،كان يقال:

إذا فعل ذلك لا يضرّ أهلها الجنّ.[ثمّ استشهد بشعر]

في حديث الحسن:«لو أصاب ابن آدم في كلّ شيء جنّ»أي أعجب بنفسه حتّى يصير كالمجنون من شدّة إعجابه.

و منه الحديث:«اللّهمّ إنّي أعوذ بك من جنون العمل»أي من الإعجاب به.

و يؤكّد هذا ما روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«رأى قوما مجتمعين على إنسان،فقال:ما هذا؟قالوا:مجنون،قال:

هذا مصاب،إنّما المجنون،الّذي يضرب بمنكبيه،و ينظر في عطفيه،و يتمطّى في مشيته».

في حديث زيد بن نفيل:«جنّان الجبال»أي الّذين يأمرون بالفساد من الجنّ،يقال:جانّ و جنّان،كحائط و حيطان،و غائط و غيطان.(1:365)

ابن الأثير: فيه ذكر«الجنّة»في غير موضع.

الجنّة هي دار النّعيم في الدّار الآخرة،من الاجتنان و هو السّتر،لتكاثف أشجارها و تظليلها بالتفاف أغصانها.

و سمّيت بالجنّة و هي المرّة الواحدة من مصدر جنّه جنّا، إذا ستره،فكأنّها سترة واحدة،لشدّة التفافها و إظلالها.

و في حديث زيد بن نفيل:«جنّان الجبال»أي الّذين

ص: 135

يأمرون بالفساد من شياطين الإنس أو من الجنّ.و الجنّة بالكسر:اسم للجنّ.

و في حديث السّرقة:«القطع في ثمن المجنّ»هو التّرس،لأنّه يواري حامله،أي يستره،و الميم زائدة.

و منه حديث أشراط السّاعة:«وجوههم كالمجانّ المطرقة»يعني التّرك.

و فيه«الصّوم جنّة»أي يقي صاحبه ما يؤذيه من الشّهوات.و الجنّة:الوقاية.

و منه حديث الصّدقة:«كمثل رجلين عليهما جنّتان من حديد»أي وقايتان.و يروى بالباء الموحّدة،تثنية جبّة اللّباس.

و فيه أيضا:«تجنّ بنانه»أي تغطّيه و تستره.

و في حديث فضالة:«كان يخرّ رجال من قامتهم في الصّلاة من الخصاصة،حتّى يقول الأعراب:مجانين أو مجانون».المجانين:جمع تكسير لمجنون،و أمّا مجانون فشاذّ،كما شذّ شياطون في شياطين.و قرئ (و اتّبعوا ما تتلوا الشّياطون) .(1:307)

الفيّوميّ: الجنين:وصف له ما دام في بطن أمّه، و الجمع:أجنّة،مثل دليل و أدلّة.قيل:سمّي بذلك لاستتاره،فإذا ولد فهو منفوس.

و الجنّ و الجنّة:خلاف الإنسان،و الجانّ:الواحد من الجنّ،و هو الحيّة البيضاء أيضا.

و الجنّة:الجنون،و أجنّه اللّه بالألف فجنّ،هو للبناء للمفعول،فهو مجنون.

و الجنّة بالفتح:الحديقة ذات الشّجر،و قيل:ذات النّخل،و الجمع:جنّات على لفظها،و جنان أيضا.

و الجنان:القلب.

و أجنّه اللّيل بالألف و جنّ عليه،من باب«قتل»:

ستره.

و قيل للتّرس:مجنّ بكسر الميم،لأنّ صاحبه يتستّر به،و الجمع:المجانّ،وزان دوابّ.(1:111)

الجرجانيّ: الجنون هو اختلال العقل بحيث يمنع جريان الأقوال و الأفعال على نهج العقل إلاّ نادرا،و هو عند أبي يوسف إن كان حاصلا في أكثر السّنة فمطبق، و ما دونها فغير مطبق.(35)

الفيروزآباديّ: جنّه اللّيل و عليه جنّا و جنونا و أجنّه:ستره،و كلّ ما ستر عنك فقد جنّ عنك.

و جنّ اللّيل بالكسر و جنونه و جنانه:ظلمته و اختلاط ظلامه.

و الجنن محرّكة:القبر،و الميّت،و الكفن.و أجنّه:

كفّنه.

و الجنان:الثّوب،و اللّيل أو ادلهمامه،و جوف ما لم تر، و جبل،و الحريم،و القلب أو روعه،و الرّوح،جمعه:

أجنان.

و أجنّ عنه و استجنّ:استتر.

و الجنين:الولد في البطن،جمعه:أجنّة و أجنن،و كلّ مستور.

و جنّ في الرّحم يجنّ جنّا:استتر،و أجنّته الحامل.

و المجنّ و المجنّة بكسرهما و الجنان و الجنانة بضمّهما:التّرس.

و قلب مجنّة:أسقط الحياء و فعل ما شاء،أو ملك أمره و استبدّ به.

ص: 136

و الجنّة بالضّمّ:كلّ ما وقى،و خرقة تلبسها المرأة تغطّي من رأسها ما قبل و دبر غير وسطه و تغطّي الوجه و جنبي الصّدر،و فيه عينان مجوبتان كالبرقع.

و جنّ النّاس بالكسر و جنانهم بالفتح:معظمهم.

و الجنّيّ بالكسر نسبة إلى الجنّ أو إلى الجنّة.

و الجنّة بالكسر:طائفة من الجنّ.

و جنّ بالضّمّ جنّا و جنونا و استجنّ مبنيّان للمفعول، و تجنّن و تجانّ و أجنّه اللّه فهو مجنون.

و المجنّة:الأرض الكثيرة الجنّ،و موضع قرب مكّة،و قد تكسر ميمها.

و الجنون و الجانّ:اسم جمع للجنّ،و حيّة أكحل العين لا تؤذي،كثيرة في الدّور.

و الجنّ بالكسر:الملائكة كالجنّة،و من الشّباب و غيره:أوّله و حدثانه،و من النّبت:زهره و نوره،و قد جنّت الأرض بالضّمّ و تجنّنت جنونا،و نخلة مجنونة:

طويلة،و الجنّة:الحديقة ذات النّخل و الشّجر،جمعها:

ككتاب.

و الجنينة:مطرف كالطّيلسان.

و الجنن بضمّتين:الجنون،حذف منه الواو.

و تجنّن عليه و تجانن:أرى من نفسه الجنون.

و الاستجنان:الاستطراب.

و أجنّك كذا،أي من أجل أنّك.(4:212)

العدنانيّ: جنّ عليه اللّيل،أجنّه،جنّه.

و يخطّئون من يقول:أجنّه اللّيل،بمعنى ستره، و يقولون:إنّ الصّواب هو:جنّ عليه اللّيل،اعتمادا على قوله تعالى في الآية(76)من سورة الأنعام: فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي

و جاء في«النّهاية»و في الحديث:«جنّ عليه اللّيل» أي ستره.و روى«اللّسان»أيضا هذا الحديث.

و لكن:

أجاز استعمال جملتي:جنّ عليه اللّيل،و أجنّه اللّيل كلتيهما:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و أدب الكاتب، و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و الأساس،و المختار، و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و تحمل جملة:جنّه اللّيل معنى الجملتين:جنّ عليه اللّيل،و أجنّه اللّيل،أي ستره.و فعله:جنّه يجنّه جنّا و جنونا،و جنّ عليه يجنّ جنونا.

أجنّ اللّه فلانا و جنّنه.

و يخطّئون من يقول:أجنّ اللّه فلانا،أي أذهب عقله،و يقولون:إنّ الصّواب هو:جنّنه،كلا الفعلين المتعدّيين صواب.

و الفعل«أجنّ»يأتي لازما و متعدّيا،و من معانيه:

أجنّ فلان:فقد عقله.

أجنّ الشّيء عنه:استتر.

أجنّت المرأة جنينا:حملته.

أجنّ الشّيء:ستره.

أجنّ الميّت:كفّنه.و في الحديث:«ولي دفن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و إجنانه عليّ و العبّاس».

أجنّ الشّيء صدره:أكنّه.

و نقول عمّن أصيب بالجنون:جنّ يجنّ جنّا،و جنّة و مجنّة و جنونا.

ص: 137

أمّا جنّ فلان بمعنى فقد عقله،فهي من أقوال العامّة.

(131)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو التّغطية و المواراة،و بمناسبة هذا المعنى استعملت في موارد:فالجنين«فعيل»و هو ما يغطّى و يوارى في بطن أو قبر أو غيرهما.

و الجنّة«فعلة»كاللّقمة بمعنى ما يجنّ به،أي ما يغطّى به من ترس أو سلاح آخر.

و الجنّة«فعلة»مصدر للنّوع كالجلسة،و هو يدلّ على نوع من المواراة و التّغطية،و يستعمل في ضعف و اختلال يغطّي العقل و هو الجنون.

و الجنّة«فعلة»مصدر للمرّة،يطلق على حديقة مغطّاة بالأشجار الملتفّة،فكأنّها قد غطّيت مرتبة واحدة،و دامت تغطيتها.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و ليعلم أنّ ما في هذه الدّنيا المادّيّة من الأكل و النّعم و الثّمرات و اللّذائذ و المشتهيات،كلّها في مراتب نازلة عن النّعم الأخرويّة المتقدّمة مرتبة و المتأخّرة زمانا، و هي متشابهة بهذه النّعم الدّنيويّة في الصّور،المتفاوتة المختلفة معها في الموادّ خشونة و لطافة،و شيئيّة الشّيء بصورته لا بمادّته.

و الألفاظ موضوعة في مقابلة المعاني الموجودة في هذا العالم لأنّها،هي المتصوّرة المعقولة في الأذهان.و أمّا الموضوعات و مفاهيم عالم الآخرة فلم توضع لها ألفاظ و كلمات،لأنّها غير مدركة لنا،نعم تطلق عليها هذه الألفاظ و الكلمات بلحاظ التّشابه و التّماثل صورة.

و من هذه الكلمات:الجنّة،النّهر،اللّبن،العسل، الماء،النّار،و غيرها.

فجنّة الآخرة:هي جنّة عالية،و جنّة الخلد،و خير مستقرّ،و عرضها كعرض السّماوات و الأرض،و جنّة النّعيم،تجري من تحتها الأنهار،جنّة عدن،جنّة فردوس، الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات فلهم جنّات المأوى.

و أمّا«الجنان»فباعتبار كون القلب متواريا و مغطّى في بدن الإنسان.

و أمّا«الجنّ»فهو مخلوق في مقابل الإنس،أي من كان غير مأنوس مع أفراد الإنسان،و متواريا عن أنظارهم و مغطّى عنهم،و هم مكلّفون و ذوو عقول، موحّدون و كافرون.

و مبدأ تكوّن الجنّ من النّار،كما أنّ مبدأ تكوّن الإنس من التّراب،فإنّ التّراب يكون طينا و صلصالا و حمأ،كما أنّ النّار يتفرّع منها التّوقّد و الحرارة و النّور و الإضاءة.

فإنّ النّار هي جهة الحرارة الحاصلة من شدّة التّحرّك في الأجزاء،و النّور،هو جهة الإضاءة الحاصلة من الحرارة؛ففي النّار نور و إضاءة و لطافة و جريان و نفوذ و قوّة.و إذا سكنت تلك الحرارة و القوّة:فهو التّراب و ما يتفرّع منه.

فمادّة النّار هي المناسبة و المقتضية،لأن تكون مغطّاة و متوارية،بخلاف مادّة التّراب المقتضية للسّكون و الممدوديّة و المحجوبيّة و الغلظة و الكثافة.

وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ الحجر:27، وَ خَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ الرّحمن:15،و الجانّ:فاعل من الجنون،و هو من كان

ص: 138

متواريا و مغطّى،و يطلق على الواحد النّوعيّ من الجنّ، كالنّاطق و العاقل،و الجنّ يطلق على عموم الجانّ و نوعه؛ فالجانّ يستعمل في مقابل الإنسان و الإنس،و الجنّ يستعمل في مقابل الإنس فقط.(2:130)

النّصوص التّفسيريّة

جنّ

فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ الأنعام:76

الفرّاء: يقال:جنّ عليه اللّيل و أجنّ،و أجنّه اللّيل و جنّه اللّيل،و بالألف أجود إذا ألقيت«على»و هي أكثر من جنّه اللّيل.(1:341)

نحوه الطّبريّ(7:247)،و الزّجّاج(2:266)، و الواحديّ(2:290).

أبو عبيدة :أي غطّى عليه و أظلم عليه.

(1:198)

نحوه ابن قتيبة(156)،و الطّوسيّ(4:195)، و البغويّ(2:138)،و ابن عطيّة(2:312)،و الخازن(2:

123).

الطّبرسيّ: أي أظلم عليه و ستر بظلامه كلّ ضياء.(2:323)

نحوه القرطبيّ(7:25)،و البيضاويّ(1:317)، و أبو حيّان(4:162)،و أبو السّعود(2:405)،و البروسويّ(3:56)،و المراغيّ(7:169).

الفخر الرّازي: جنّ:ستر،و منه الجنّة و الجنّ و الجنون و الجانّ و الجنين و المجنّ و الجنن،و المجنّن و هو المقبور،و المجنّة،كلّ هذا يعود أصله إلى السّتر و الاستتار.

و قال بعض النّحويّين: جنّ عليه اللّيل،إذا أظلم عليه اللّيل،و لهذا أدخلت«على»عليه،كما تقول في أظلم.فأمّا جنّة:فستره،من غير تضمين معنى«أظلم».

(13:47)

نحوه النّيسابوريّ.(7:141)

الآلوسيّ: أي أظلم عليه ليل عالم الطّبيعة الجسمانيّة-و ذلك عند الصّوفيّة-في صباه و أوّل شبابه.

(7:210)

الطّباطبائيّ: [نقل قول الرّاغب قال:]

فجنّ اللّيل:إسداله الظّلام،لا مجرّد ما يحصل بغروب الشّمس.(7:173)

مخلوف:ستره اللّيل و تغشّاه بظلمته.(1:229)

مجنون

1- وَ قالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ. الحجر:6

ابن عبّاس: تختلق.(216)

الطّبريّ: إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ في دعائك إيّانا إلى أن نتّبعك و نذر آلهتنا.(14:6)

نحوه الطّوسيّ(6:318)،و الطّبرسيّ(3:330).

الزّمخشريّ: كأنّ هذا النّداء منهم على وجه الاستهزاء،كما قال فرعون: إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ الشّعراء:27،و كيف يقرّون بنزول

ص: 139

الذّكر عليه و ينسبونه إلى الجنون،و التّعكيس في كلامهم للاستهزاء و التّهكّم مذهب واسع،و قد جاء في كتاب اللّه في مواضع منها: فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ الانشقاق:

24 إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ هود:87،و قد يوجد كثير في كلام العجم.

و المعنى:إنّك لتقول قول المجانين حين تدّعي أنّ اللّه نزّل عليك الذّكر.(2:378)

نحوه النّسفيّ(2:269)،و الخازن(4:47)،و أبو حيّان(5:446)،و الشّربينيّ(2:194)،و أبو السّعود (4:8)،و القاسميّ(10:3747)،و المراغيّ(14:8).

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى لمّا بالغ في تهديد الكفّار،ذكر بعده شبههم في إنكار نبوّته:فالشّبهة الأولى:

أنّهم كانوا يحكمون عليه بالجنون،و فيه احتمالات:

الأوّل:أنّه عليه السّلام كان يظهر عليه عند نزول الوحي حالة شبيهة بالغشي فظنّوا أنّها جنون،و الدّليل عليه قوله: وَ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ* وَ ما هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ القلم:51،52،و أيضا قوله: أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ الأعراف:184.

و الثّاني:أنّهم كانوا يستبعدون كونه رسولا حقّا من عند اللّه تعالى،فالرّجل إذا سمع كلاما مستبعدا من غيره، فربّما قال له:هذا جنون و أنت مجنون،لبعد ما يذكره من طريقة العقل،و قوله: إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ في هذه الآية يحتمل الوجهين.

أمّا قوله: يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ الحجر:6،ففيه وجهان:

الأوّل:أنّهم ذكروه على سبيل الاستهزاء،كما قال فرعون: إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ الشّعراء:27،و كما قال قوم شعيب: إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ هود:87،و كما قال تعالى:

فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ آل عمران:21،لأنّ البشارة بالعذاب ممتنعة.

و الثّاني: يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ في زعمه و اعتقاده،و عند أصحابه و أتباعه.(19:158)

البروسويّ: نادوا به النّبيّ عليه السّلام على وجه التّهكّم،و لذا جنّنوه بقولهم: إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ إذ لا يجتمع اعتقاد نزول الذّكر عليه و نسبة الجنون إليه،و المعنى:إنّك لتقول قول المجانين،حين تدّعي أنّ اللّه نزّل عليك الذّكر، أي القرآن.و جواب هذه الآية قوله تعالى في سورة القلم:2 ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ أي ما أنت بمجنون حال كونك منعما عليك بالنّبوّة و كمال العقل.

يقول الفقير: الجنون من أوصاف النّقصان،يجب تبرئة ساحة الأنبياء و كمّل الأولياء منه،و عدّ نسبته إليهم من الجنون؛إذ لا سفه أشدّ من نسبة النّقصان و سخافة العقل،و الإذعان إلى المراجيح الرّزان،و لا عقل من العقول إلاّ و هو مستفيض من العقل الأوّل الّذي هو الرّوح المحمّديّ،و العاقل بالعقل المعادي مجنون عند العاقل بالعقل المعاشي،و بالعكس.و لا يكون مجنونا بالجنون المقبول إلاّ بعد دخول دائرة العشق.(4:442)

الآلوسيّ: يعنون يا من يدّعي مثل هذا الأمر العظيم الخارق للعادة،إنّك بسبب تلك الدّعوى متحقّق جنونك على أتمّ وجه،و هذا كما يقول الرّجل لمن يسمع منه كلاما يستبعده:أنت مجنون.و قيل:حكمهم هذا لما

ص: 140

يظهر عليه-عليه الصّلاة و السّلام-من شبه الغشي حين ينزل عليه الوحي بالقرآن،و الأوّل-على ما قيل-هو الأنسب بالمقام.

و ذهب بعضهم إلى أنّ المقول الجملة المؤكّدة دون النّداء،أمّا هو فمن كلام اللّه تعالى تبرئة له عليه الصّلاة و السّلام عمّا نسبوه إليه من أوّل الأمر.و تعقّب بأنّه لا يناسب قوله تعالى: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ إلخ،الحجر:

9،فإنّه كما سيأتي إن شاء اللّه تعالى ردّ لإنكارهم و استهزائهم.

و قد يجاب بأنّ ذلك على هذا ردّ لما عنوه في ضمن قولهم المذكور،لكن الظّاهر كون الكلّ كلامهم،و قد سبقهم إلى نظيره فرعون عليه اللّعنة بقوله في حقّ موسى عليه السّلام: إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ الشّعراء:27،تقديم الجارّ و المجرور على نائب الفاعل- كما قيل-لأنّ إنكارهم متوجّه إلى كون النّازل ذكرا من اللّه تعالى،لا إلى كون المنزل عليه رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،بعد تسليم كون النّازل منه تعالى،كما في قوله سبحانه: لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ الزّخرف:31،فإنّ الإنكار هناك متوجّه إلى كون المنزل عليه رسول اللّه عليه الصّلاة و السّلام.(14:12)

مغنيّة: ضمير(قالوا)يعود إلى مشركي قريش، و قد خاطبوا محمّدا بالّذي نزّل عليه الذّكر تهكّما و استخفافا،لأنّه في منطقهم و مقاييسهم مجنون يهذي بغير المعقول،و إن كان رحمة للعالمين،و تقدّمت به الإنسانيّة مئات السّنين.و القرآن أيضا من وحي الجنون،و إن كان معجزة المعاجز بعلومه و تعاليمه.

و هذا المنطق لا يختصّ بعبدة الأصنام،و لا بالزّنادقة و الملاحدة،فإنّه يشمل كلّ من اتّخذ من ذاته و منفعته مقياسا للحقّ و ميزانا للعدل،حتّى و لو قال:لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه..أبدا لا فرق بين هذا المسلم النّفعيّ الّذي اعترف لمحمّد بالنّبوّة،و بين المشرك الّذي أنكر نبوّة محمّد.لا فرق إلاّ أنّ هذا المسلم آمن بمحمّد نظريّا،و كفر به عمليّا.و المشرك أنكره قولا و عملا،فالنّتيجة من حيث العمل واحدة.(4:468)

2- قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ.

الشّعراء:27

الطّبريّ: يقول:إنّ رسولكم هذا الّذي يزعم أنّه أرسل إليكم،لمغلوب على عقله،لأنّه يقول قولا لا نعرفه و لا نفهمه.و إنّما قال ذلك،و نسب موسى -عدوّ اللّه-إلى الجنّة،لأنّه كان عنده و عند قومه أنّه لا ربّ غيره يعبد،و أنّ الّذي يدعوه إليه موسى باطل، ليست له حقيقة.فقال موسى عند ذلك محتجّا عليهم، و معرّفهم ربّهم بصفته و أدلّته.

إذ كان عند قوم فرعون أنّ الّذي يعرفونه ربّا لهم في ذلك الوقت،هو فرعون،و أنّ الّذي يعرفونه لآبائهم أربابا ملوك أخر،كانوا قبل فرعون قد مضوا،فلم يكن عندهم أنّ موسى أخبرهم بشيء له معنى يفهمونه و لا يعقلونه،و لذلك قال لهم فرعون:إنّه مجنون،لأنّ كلامه كان عندهم كلاما لا يعقلون معناه:الّذي أدعوكم و فرعون إلى عبادته ربّ المشرق و المغرب و ما بينهما،

ص: 141

يعني ملك مشرق الشّمس و مغربها،و ما بينهما من شيء،لا إلى عبادة ملوك مصر الّذين كانوا ملوكها قبل فرعون لآبائكم فمضوا،و لا إلى عبادة فرعون الّذي هو ملكها.(19:70)

الطّوسيّ: يموّه عليهم،إنّي أسأله عن ماهيّة ربّ العالمين فيجيبني عن غير ذلك،كما يفعل المجنون.

و الجنون:داء يعتري النّفس،يغطّي على العقل...

(8:15)

نحوه الطّبرسيّ.(4:187)

الواحديّ: أي ما هذا بكلام صحيح؛إذ يزعم أنّ له إلها غيري،فلم يشتغل موسى بالجواب عمّا نسبه إليه من الجنون،و لكنّه اشتغل بتأكيد الحجّة و الزّيادة في الإبانة.(3:352)

البغويّ: يتكلّم بكلام لا نعقله و لا نعرف صحّته، و كان عندهم أنّ من لا يعتقد ما يعتقدون ليس بعاقل.

(3:465)

الفخر الرّازيّ: يعني المقصود من سؤال ما طلب الماهيّة و خصوصيّة الحقيقة،و التّعريف بهذه الآثار الخارجيّة لا يفيد البتّة تلك الخصوصيّة،فهذا الّذي يدّعي الرّسالة مجنون لا يفهم السّؤال،فضلا عن أن يجيب عنه.(24:129)

نحوه الشّربينيّ.(3:8)

البيضاويّ: أسأله عن شيء و يجيبني عن آخر، و سمّاه رسولا على السّخريّة.(2:156)

الخازن :يعني المقصود من السّؤال طلب الماهيّة، و هو يجيب بالآثار الخارجة،و هذا لا يفيد البتّة.

فهذا الّذي يدّعي الرّسالة مجنون لا يفهم السّؤال، فضلا عن أن يجيب عنه،و يتكلّم بكلام لا نقبله و لا نعرف صحّته،و كان عندهم أنّ من لا يعتقد ما يعتقدون ليس بعاقل.(5:96).

نحوه ابن كثير(5:179)،و القاسميّ(13:4610)، و المراغيّ(19:54).

البروسويّ: لا يصدر ما قاله عن العقلاء،و سمّاه رسولا على السّخريّة،و أضافه إلى مخاطبيه ترفّعا من أن يكون مرسلا إلى نفسه.و الجنون حائل بين النّفس و العقل،كما في«المفردات».(6:269)

نحوه الآلوسيّ.(19:72)

مغنيّة: موسى مجنون في منطق فرعون و لما ذا؟ لأنّه يقول:فرعون مربوب و ليس بربّ،و مخلوق لا خالق،و على هذا المنطق الفرعونيّ:كلّ من ادّعى شيئا ليس فيه-فمن يدّعي العلم و هو جاهل،أو الإخلاص و هو خائن،أو الصّدق و هو كاذب-فإنّه على ملّة فرعون و سنّته.و لو وجد هذا الدّعيّ من يصدّقه لقال:

أنا ربّكم الأعلى ما علمت لكم من إله غيري،تماما كما قال فرعون.(5:493)

الطّباطبائيّ: و قوله: قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ قول فرعون ثانيا،و قد سمّى موسى رسولا تهكّما و استهزاء،و أضافه إلى من حوله ترفّعا من أن يكون رسولا إليه،و قد رماه بالجنون مستندا إلى قوله عليه السّلام: رَبُّكُمْ وَ رَبُّ آبائِكُمُ الشّعراء:26،إلخ.

كأنّه يقول:إنّه لمجنون لما في كلامه من الاختلال

ص: 142

الكاشف عن الاختلال في تعقّله،يدّعي رسالة ربّ العالمين،فأسأله ما ربّ العالمين؟فيكرّر اللّفظ تقريبا أوّلا،ثمّ يفسّره بأنّه ربّكم و ربّ آبائكم الأوّلين.

(15:271)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ فرعون تمادى في حماقته، و تجاوز مرحلة الاستهزاء إلى اتّهام موسى بالجنون، ف قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ و ذلك ما اعتاده الجبابرة و المستكبرون على مدى التّاريخ،من نسبة الجنون إلى المصلحين الرّبّانيّين.

و ممّا يستجلب النّظر أنّ هذا الضّالّ المغرور لم يكن مستعدّا حتّى لأن يقول:إنّ رسولنا الّذي أرسل إلينا،بل قال: إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لأنّ التّعبير ب (رسولكم)أيضا كان ذا جانب استهزائيّ،استهزاء و سخريّة مقرونان بالنّظرة الاستعلائيّة،أي إنّ فرعون يقول:إنّني أكبر من أن يدعوني رسول.و كان الهدف من اتّهامه موسى بالجنون هو الإحباط،و إفشال منطقه القويّ المتين،لئلاّ يترك أثرا في أفكار الحاضرين.

(11:319)

3- وَ فِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ إِلى فِرْعَوْنَ بِسُلْطانٍ مُبِينٍ * فَتَوَلّى بِرُكْنِهِ وَ قالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ.

الذّاريات:38،39

مؤرّج السّدوسيّ: (او)بمعنى الواو،لأنّهم قالوهما جميعا.(القرطبيّ 17:50)

مثله الفرّاء(القرطبيّ 17:50)،و أبو عبيدة(2:

227)،و الزّجّاج(الطّوسي 9:392).

الطّبريّ: يقول:و قال لموسى:هو ساحر يسحر عيون النّاس،أو مجنون به جنّة.(27:3)

الزّجّاج: المعنى:و قال:هذا ساحر أو مجنون.

(5:56)

الطّوسيّ: المجنون:الّذي أصابته جنّة،فذهب عقله.و قال الزّجّاج:(او)هاهنا بمعنى الواو،و التّقدير:

ساحر و مجنون.

و قال غيره: في ذلك دلالة على عظم جهل فرعون، لأنّ السّاحر هو اللّطيف الحيلة؛و ذلك ينافي صفة المجنون المختلط العقل،فكيف يوصف شخص واحد بهاتين الصّفتين!(9:392)

نحوه الطّبرسيّ.(5:159)

ابن عطيّة: ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ هو تقسيم ظنّ أنّ موسى لا بدّ أن يكون أحد هذين.(5:180)

الفخر الرّازيّ: أي هذا ساحر أو مجنون.و قوله:

(ساحر)أي يأتي الجنّ بسحره أو يقرب منهم،و الجنّ يقربون منه و يقصدونه إن كان هو لا يقصدهم.فالسّاحر و المجنون كلاهما أمره مع الجنّ.غير أنّ السّاحر يأتيهم باختياره،و المجنون يأتونه من غير اختياره،فكأنّه أراد صيانة كلامه عن الكذب،فقال:هو يسحر الجنّ أو يسحر،فإن كان ليس عنده منه خبر،و لا يقصد ذلك فالجنّ يأتونه.(28:220)

البيضاويّ: (او مجنون)كأنّه جعل ما ظهر عليه من الخوارق منسوبا إلى الجنّ،و تردّد في أنّه حصل ذلك باختياره و سعيه أو بغيرهما.(2:422)

نحوه أبو السّعود(6:139)،و البروسويّ(9:166).

ص: 143

الشّربينيّ: (او مجنون)أي لاجترائه عليّ مع ما لي من عظيم الملك،بمثل هذا الّذي يدعو إليه.(او)هنا على بابها من الإبهام على السّامع أو للشّكّ،نزّل نفسه-مع أنّه يعرفه نبيّا حقّا-منزلة الشّاكّ في أمره،تمويها على قومه.و قال أبو عبيدة:(او)بمعنى«الواو»قال:لأنّه قد قالهما،قال تعالى: إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ الشّعراء:34، و قال في موضع آخر: قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ الشّعراء:27.

و ردّ النّاس عليه هذا،و قالوا:لا ضرورة تدعو إلى ذلك،و أمّا الآيتان فلا تدلاّن على أنّه قالهما معا في آن واحد،و إنّما يفيدان أنّه قالهما أعمّ من أن يكونا معا،أو هذه في وقت و هذه في آخر.(4:104)

الآلوسيّ: (او مجنون)كأنّ اللّعين جعل ما ظهر على يديه عليه السّلام من الخوارق العجيبة منسوبة إلى الجنّ، و تردّد في أنّه حصل باختياره فيكون سحرا،أو بغير اختياره فيكون جنونا.و هذا مبنيّ على زعمه الفاسد و إلاّ فالسّحر ليس من الجنّ كما بيّن في محلّه.ف(او)للشّكّ، و قيل:للإبهام.(27:15)

مغنيّة: و لما ذا موسى ساحر أو مجنون في منطق فرعون؟لأنّه قال له:لست إلها يعبد،و حذّره مغبّة البغي و الطّغيان.(7:154)

الطّباطبائيّ: أي قال تارة:هو مجنون،كقوله:

إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ الشّعراء:

27،و قال أخرى:هو ساحر،كقوله: إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ الشّعراء:34.(18:379)

مكارم الشّيرازيّ: و الطّريف أنّ الجبابرة أولي الزّور حين كانوا يتّهمون الأنبياء بالكذب و الافتراء كانوا يتناقضون تناقضا عجيبا،فتارة يتّهمونهم بأنّهم سحرة و أخرى بأنّهم مجانين،مع أنّ السّاحر ينبغي أن يكون ذكيّا و أن يعوّل على مسائل دقيقة و يعرف نفوس النّاس،حتّى يسحرهم و يخدعهم بها،و المجنون بخلافه تماما.(17:109)

4- فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَ لا مَجْنُونٍ. الطّور:29

ابن عبّاس: (و لا مجنون)لا تختنق.(444)

الطّبريّ: (و لا مجنون)له رئيّ يخبر عنه قومه ما أخبره به.(27:31)

نحوه القاسميّ.(15:5546)

الزّجّاج: أي لست تقول ما تقوله كهانة،و لا تنطق إلاّ بوحي من اللّه عزّ و جلّ.(5:64)

الحوفيّ: (بنعمت ربّك)متعلّق بما دلّ عليه الكلام، و هو اعتراض بين اسم(ما)و خبرها،و التّقدير:ما أنت في حال إذكارك بنعمة ربّك بكاهن و لا مجنون.

(أبو حيّان 8:151)

الماورديّ: (و لا مجنون)تكذيبا لعقبة بن معيط؛ حيث قال:إنّه مجنون.(5:384)

الطّوسيّ: المجنون:المئوف بما يغطّى على عقله حتّى لا يدرك به في حال يقظة.(9:412)

نحوه الزّمخشريّ(4:25)،و الطّبرسيّ(5:167).

العكبريّ: بِنِعْمَةِ رَبِّكَ الباء في موضع الحال، و العامل فيه(بكاهن)،أو(مجنون).و التّقدير:ما أنت

ص: 144

كاهنا و لا مجنونا متلبّسا بنعمة ربّك.(2:1184)

نحوه النّسفيّ.(4:192)

أبو حيّان :[نقل قول الحوفيّ و العكبريّ ثمّ قال:]

و تكون حالا لازمة لا منتقلة،لأنّه عليه الصّلاة و السّلام ما زال ملتبسا بنعمة ربّه.و قيل:«بنعمت ربك»مقسم بها،كأنّه قيل:و نعمة ربّك ما أنت كاهن و لا مجنون،فتوسّط المقسم به بين الاسم و الخبر،كما تقول:ما زيد و اللّه بقائم.(8:151)

الشّربينيّ: (و لا مجنون)أي تقول كلاما لا نظام له مع الإخبار ببعض المغيبات،فلا يفترك قولهم هذا عن التّذكير،فإنّه قول باطل لا تلحقك به معرّة أصلا،و عمّا قليل يكون عيبا لهم،لا يغسله عنهم إلاّ اتّباعهم لك، فمن اتّبعك منهم غسل عاره،و من استمرّ على عناده استمرّ تبابه و خساره.

نزلت هذه الآية في الّذين اقتسموا عقاب مكّة، يرمون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بالكهانة و السّحر و الجنون و الشّعر.(4:116)

البروسويّ: (و لا مجنون)و هو من به جنون،و هو زوال العقل أو فساده.[إلى أن قال:]

و في«التّأويلات النّجميّة»يشير إلى أنّ طبيعة الإنسان متنفّرة من حقيقة الدّين،مجبولة على حبّ الدّنيا و زينتها و شهواتها و زخارفها.و الجوهر الرّوحانيّ الّذي جبل على فطرة الإسلام في الإنسان مودع بالقوّة كالجوهر في المعدن،فلا يستخرج إلى الفعل إلاّ بجهد جهيد و سعي تامّ على قانون الشّريعة،و متابعة النّبيّ عليه السّلام و إرشاده،و بعده بإرشاد ورثة علمه و هم العلماء الرّبّانيّون الرّاسخون في العلم من المشايخ المسلكين،و في زمان كلّ واحد منهم و الخلق-مع دعوى إسلامهم-ينكرون على سيرهم في الأغلب، و يستبعدون ترك الدّنيا و العزلة و الانقطاع عن الخلق، و التّبتّل إلى اللّه و طلب الحقّ،إلاّ من كتب اللّه في قلوبهم الإيمان،و أيّدهم بروح منه و هو الصّدق في الطّلب، و حسن الإرادة المنتجة من بذر«يحبّهم و يحبّونه»و ذلك فضل اللّه يؤتيه من يشاء.

و إلاّ فمن خصوصيّة طبيعة الإنسان أن يمرق من الدّين كما يمرق السّهم من الرّمية و إن كانوا يصلّون و يصومون و يزعمون أنّهم مسلمون،و لكن بالتّقليد لا بالتّحقيق،اللّهمّ إلاّ من شرح اللّه صدره للإسلام،فهو على نور من ربّه،انتهى.(9:199)

الآلوسيّ: و اختلف في باء(بنعمت)فقال أبو البقاء:

للملابسة،و الجارّ و المجرور في موضع الحال،و العامل فيه (كاهن او مجنون)و التّقدير:ما أنت كاهن و لا مجنون ملتبسا بنعمة ربّك.و هي حال لازمة،لأنّه عليه الصّلاة و السّلام ما زال ملتبسا بنعمة ربّه عزّ و جلّ.

و قيل:للقسم،فنعمة ربّك مقسم به،و جواب القسم ما علم من الكلام،و هو:ما أنت بكاهن و لا مجنون،و هذا كما تقول:ما زيد و اللّه بقائم.

و هو بعيد،و الأقرب عندي أنّ الباء للسّببيّة و هو متعلّق بمضمون الكلام،و المعنى انتفى عنك الكهانة و الجنون بسبب نعمة اللّه تعالى عليك،و هذا كما تقول:ما أنا معسر بحمد اللّه تعالى و إغنائه.و المراد الرّدّ على قائل ذلك،و إبطال مقالتهم فيه عليه الصّلاة و السّلام،و إلاّ فلا

ص: 145

امتنان عليه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم بانتفاء ما ذكر مع انتفائه عن أكثر النّاس.

و قيل:الامتنان بانتفاء ذلك بسبب النّعمة المراد بها ما أوتيه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،من صدق النّبوّة و رجاحة العقل الّتي لم يؤتها أحد قبله،و القائلون بذلك هم الكفرة قاتلهم اللّه تعالى أنّى يؤفكون.

و ممّن قال:كاهن:شيبة بن ربيعة،و ممّن قال:

مجنون:عقبة بن أبي معيط.(27:35)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ قريشا و من أجل أن تشتّت النّاس و تصرفهم من حول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و سلّم،كانت تتّهمه ببعض التّهم،فتارة تتّهمه بأنّه كاهن،و تارة تتّهمه بأنّه مجنون.و العجب أنّها لم تقف على تضادّ الوصفين،لأنّ الكهنة أناس أذكياء و المجانين على خلافهم!و لعلّ الجمع بين الافتراءين في الآية إشارة إلى هذا التّناقض في الكلام من قبل القائلين.

(17:166)

الجنّ

1- وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَ خَلَقَهُمْ وَ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَ بَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمّا يَصِفُونَ.

الأنعام:100

ابن عبّاس: قالوا:إنّ اللّه تعالى و إبليس أخوان شريكان،اللّه خالق النّاس و الدّوابّ و الأنعام،و إبليس خالق الحيّات و العقارب و السّباع،و هي مقالة المجوس.

(116)

الحسن :إنّهم أطاعوا الشّيطان في عبادة الأوثان، حتّى جعلوها شركاء للّه في العبادة.

(الماورديّ 2:150)

قتادة :إنّ مشركي العرب جعلوا الملائكة بنات اللّه و شركاء له،كقوله تعالى: وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَ لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ الصّافّات:

158،فسمّي الملائكة لاختفائهم عن العيون:جنّة.

(الماوردي 2:150)

مثله السّدّيّ.(الطّبرسيّ 2:342)

الفرّاء: إن شئت جعلت(الجنّ)تفسيرا للشّركاء،و إن شئت جعلت نصبه على:جعلوا الجنّ شركاء للّه تبارك و تعالى.(1:348)

الطّبريّ: يعني بذلك جلّ ثناؤه:و جعل هؤلاء العادلون بربّهم الآلهة و الأنداد للّه شركاء الجنّ،كما قال جلّ ثناؤه: وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً الصّافّات:

158.

و في(الجنّ)وجهان من النّصب:أحدهما:أن يكون تفسيرا للشّركاء.و الآخر:أن يكون معنى الكلام:

و جعلوا للّه الجنّ شركاء،و هو خالقهم.(7:296)

نحوه العكبريّ.(1:526)

الزّجّاج: المعنى أنّهم أطاعوا الجنّ فيما سوّلت لهم من شركهم،فجعلوهم شركاء للّه عزّ و جلّ.و كان بعضهم ينسب إلى الجنّ الأفعال الّتي لا تكون إلاّ للّه عزّ و جلّ، فقال: وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَ خَلَقَهُمْ.

فالهاء و الميم إن شئت كانت عائدة عليهم،أي فجعلوا للّه الّذي خلقهم شركاء لا يخلقون.و جائز أن تكون الهاء و الميم تعودان على(الجنّ)فيكون المعنى:

ص: 146

و جعلوا للّه شركاء الجنّ،و اللّه خلق الجنّ،و كيف يكون الشّريك للّه المحدث الّذي لم يكن ثمّ كان.

فأمّا نصب(الجنّ فمن وجهين:

أحدهما أن يكون(الجنّ)مفعولا،فيكون المعنى:

و جعلوا للّه الجنّ شركاء،و يكون«الشّركاء»مفعولا ثانيا،كما قال: وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً الزّخرف:19.

و جائز أن يكون(الجنّ)بدلا من(شركاء)و مفسّرا للشّركاء.(2:277)

الماورديّ: إنّ المجوس نسبت الشّرّ إلى إبليس، و تجعله بذلك شريكا للّه.(2:150)

الطّوسيّ: أخبر اللّه تعالى أنّ هؤلاء الكفّار العادلين عن الحقّ المتّخذين معه آلهة،جعلوا له أندادا و شركاء الجنّ،كما قال: وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً الصّافّات:158،و قال: وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً الزّخرف:19، وَ يَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَناتِ النّحل:57،و وصفهم بالجنّ لخفائهم عن الأبصار.

و قوله: وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ أراد به الكفّار الّذين جعلوا الملائكة بنات اللّه،و النّصارى الّذين جعلوا المسيح ابن اللّه،و اليهود الّذين جعلوا عزيرا ابن اللّه و لذلك قال: وَ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَ بَناتٍ ففصل أقوالهم.

و قيل:إنّ معنى(شركاء الجنّ)في استعاذتهم بهم.

و قيل:إنّ المعنى أنّ المجوس تنسب الشّرّ إلى إبليس، و تجعله بذلك شريكا.(4:236)

الزّمخشريّ: و قرئ (الجنّ) بالرّفع،كأنّه قيل:

من هم؟فقيل:الجنّ،و بالجرّ على الإضافة الّتي للتّبيين، و المعنى أشركوهم في عبادته،لأنّهم أطاعوهم كما يطاع اللّه.

و قيل:هم الّذين زعموا أنّ اللّه خالق الخير و كلّ نافع،و إبليس خالق الشّرّ و كلّ ضارّ.(2:40)

نحوه الشّربينيّ.(1:44)

ابن عطية: (جعلوا)بمعنى صيّروا،و(الجنّ) مفعول،و(شركاء)مفعولا ثان مقدّم،و يصحّ أن يكون قوله:(شركاء)مفعول أوّلا،و(للّه)في موضع المفعول الثّاني،و(الجنّ)بدل من قوله:(شركاء).و هذه الآية مشيرة إلى العادلين باللّه و القائلين:إنّ الجنّ تعلّم الغيب العابدين للجنّ.و كانت طوائف من العرب تفعل ذلك و تستجير بجنّ الأودية في أسفارها و نحو هذا.

أمّا الّذين خرقوا البنين فاليهود في ذكر عزير و النّصارى في ذكر المسيح،و أمّا ذاكر و البنات فالعرب الّذين قالوا للملائكة:بنات اللّه،فكان الضّمير في (جعلوا)و(خرقوا)لجميع الكفّار؛إذ فعل بعضهم هذا، و بنحو هذا فسّر السّدّيّ و ابن زيد.

و قرأ شعيب بن أبي حمزة (شركاء الجنّ) بخفض النّون،و قرأ يزيد بن قطيب و أبو حيوة(الجنّ و الجنّ) بالخفض و الرّفع على تقديرهم الجنّ.(2:329)

الطّبرسيّ: أخبر اللّه سبحانه أنّهم اتّخذوا معه آلهة جعلوهم له أندادا،كما قال:و جعلوا بينه و بين الجنّة نسبا،و أراد بالجنّ:الملائكة،و إنّما سمّاهم جنّا لاستتارهم عن الأعين و...

ص: 147

و قيل:إنّ قريشا كانوا يقولون:إنّ اللّه تعالى قد صاهر الجنّ فحدث بينهما الملائكة،فيكون على هذا القول المراد به الجنّ المعروف.(2:342)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ هذا القول الّذي ذكره ابن عبّاس أحسن الوجوه المذكورة في هذه الآية؛و ذلك لأنّ بهذا الوجه يحصل لهذه الآية مزيد فائدة،مغايرة لما سبق ذكره في الآيات المتقدّمة.

قال ابن عبّاس: و الّذي يقوّي هذا الوجه قوله تعالى: وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً الصّافّات:

158،و إنّما وصف بكونه من الجنّ،لأنّ لفظ الجنّ مشتقّ من الاستتار،و الملائكة و الرّوحانيّون لا يرون بالعيون، فصارت كأنّها مستترة من العيون،فبهذا التّأويل أطلق لفظ الجنّ عليها.

و أقول:هذا مذهب المجوس،و إنّما قال ابن عبّاس:

هذا قول الزّنادقة،لأنّ المجوس يلقّبون بالزّنادقة،لأنّ الكتاب الّذي زعم زرادشت أنّه نزل عليه من عند اللّه مسمّى ب«الزّند»و المنسوب إليه يسمّى زنديّ.ثمّ عرّب فقيل:«زنديق»،ثمّ جمع فقيل:زنادقة.

و اعلم أنّ المجوس قالوا:كلّ ما في هذا العالم من الخيرات فهو من«يزدان»و جميع ما فيه من الشّرور فهو من«أهرمن»،و هو المسمّى بإبليس في شرعنا.ثمّ اختلفوا،فالأكثرون منهم على أنّ«أهرمن»محدث، و لهم في كيفيّة حدوثه أقوال عجيبة،و الأقلّون منهم قالوا:إنّه قديم أزليّ،و على القولين فقد اتّفقوا على أنّه شريك للّه في تدبير هذا العالم،فخيرات هذا العالم من اللّه تعالى و شروره من إبليس،فهذا شرح ما قاله ابن عبّاس رضي اللّه عنهما.

فإنّ قيل:فعلى هذا التّقدير:القوم أثبتوا للّه شريكا واحدا و هو إبليس،فكيف حكى اللّه عنهم أنّهم أثبتوا للّه شركاء؟

و الجواب:أنّهم يقولون:عسكر اللّه هم الملائكة، و عسكر إبليس هم الشّياطين،و الملائكة فيهم كثرة عظيمة،و هم أرواح طاهرة مقدّسة،و هم يلهمون تلك الأرواح البشريّة بالخيرات و الطّاعات.و الشّياطين أيضا فيهم كثرة عظيمة،و هي تلقي الوساوس الخبيثة إلى الأرواح البشريّة،و اللّه مع عسكره من الملائكة يحاربون إبليس مع عسكره من الشّياطين،فلهذا السّبب حكى اللّه تعالى عنهم أنّهم أثبتوا للّه شركاء من الجنّ، فهذا تفصيل هذا القول.[إلى أن قال:]

المسألة الثّانية: وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ معناه:

و جعلوا الجنّ شركاء للّه.

فإن قيل:فما الفائدة في التّقديم؟

قلنا:قال سيبويه:إنّهم يقدّمون الأهمّ الّذي هم بشأنه أعنى،فالفائدة في هذا التّقديم استعظام أن يتّخذ للّه شريك،سواء كان ملكا أو جنّيّا أو إنسيّا أو غير ذلك، فهذا هو السّبب في تقديم اسم اللّه على الشّركاء.[ثمّ ذكر القراءات](13:113)

البيضاويّ: أي الملائكة بأن عبدوهم،و قالوا:

الملائكة بنات اللّه.و سمّاهم جنّا لاجتنانهم تحقيرا لشأنهم،أو الشّياطين لأنّهم أطاعوهم كما يطاع اللّه تعالى،أو عبدوا الأوثان بتسويلهم و تحريضهم،أو قالوا:

اللّه خالق الخير و كلّ نافع،و الشّيطان خالق الشّرّ و كلّ

ص: 148

ضارّ،كما هو رأي الثّنويّة،و مفعولا(جعلوا)(للّه شركاء)،و(الجنّ)بدل من(شركاء)أو(شركاء الجنّ)،و(للّه)متعلّق ب(شركاء)أو حال منه.

و قرئ (الجنّ) بالرّفع،كأنّه قيل:من هم؟فقيل:

الجنّ،و بالجرّ على الإضافة للتّبيين.(1:324)

النّسفيّ: إن جعلت(للّه شركاء)مفعولي(جعلوا) كان(الجنّ)بدلا من(شركاء)،و إلاّ كان شُرَكاءَ الْجِنَّ مفعولين قدّم ثانيهما على الأوّل.و فائدة التّقديم استعظام أن يتّخذ للّه شريك من كان ملكا أو جنّيّا أو غير ذلك.و المعنى:أنّهم أطاعوا الجنّ فيما سوّلت لهم من شركهم،فجعلوهم شركاء للّه.(2:26)

أبو حيّان :و الضّمير في(و جعلوا)عائد على الكفّار،لأنّهم مشركون و أهل كتاب.

و قيل:هو عائد على عبدة الأوثان،و النّصارى قالت:المسيح ابن اللّه،و اليهود قالوا:عزير ابن اللّه، و طوائف من العرب جعلوا للّه تعالى بنات الملائكة،و بنو مدلج زعموا أنّ اللّه تعالى صاهر الجنّ فولدت له الملائكة، و قد قيل:إنّ من الملائكة طائفة يسمّون الجنّ و إبليس منهم و هم خدم الجنّة.

و قال الحسن: هذه الطّوائف كلّها أطاعوا الشّيطان في عبادة الأوثان و اعتقدوا الإلهيّة فيمن ليست له، فجعلوهم شركاء للّه في العبادة.

و ظاهر الكلام أنّهم جعلوا للّه شركاء الجنّ أنفسهم، و ما قاله الحسن مخالف لهذا الظّاهر؛إذ ظاهر كلامه أنّ الشّركاء هي الأوثان و أنّه جعلت طاعة الشّيطان، تشريكا له مع اللّه تعالى،إذا كان التّشريك ناشئا عن أمره و إغوائه،و كذا قال إسماعيل الضّرير:أراد ب(الجنّ) إبليس أمرهم فأطاعوه.

و ظاهر لفظ(الجنّ)أنّهم الّذين يتبادر إليهم الذّهن من أنّهم قسيم الإنس،في قوله تعالى: يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ الرّحمن:34،و أنّهم ليسوا الملائكة،لقوله:

ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَ هؤُلاءِ إِيّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ* قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ سبأ:40،41،فالآية مشيرة إلى الّذين جعلوا(الجنّ) شركاء للّه في عبادتهم إيّاهم،و أنّهم يعلمون الغيب، و كانت طوائف من العرب تفعل ذلك و تستجير بجنّ الأودية في أسفارها.[إلى أن ذكر قول الحوفيّ و العكبريّ و أضاف:]

و ما أجازاه لا يجوز،لأنه يصحّ للبدل أن يحلّ محلّ المبدل منه،فيكون الكلام منتظما لو قلت:و جعلوا للّه الجنّ،لم يصحّ،و شرط البدل أن يكون على نيّة تكرار العامل على أشهر القولين،أو معمولا للعامل في المبدل منه على قول،و هذا لا يصحّ هنا البتّة،كما ذكرنا.

و أجاز الحوفيّ أن يكون(شركاء)المفعول الأوّل و (الجنّ)المفعول الثّاني،كما هو ترتيب النّظم،و أجاز أبو البقاء أن يكون(للّه شركاء)حالا،و كان لو تأخّر للشّركاء.

و أحسن ممّا أعربوه ما سمعت من أستاذنا العلاّمة أبي جعفر أحمد بن إبراهيم بن الزّبير الثّقفيّ يقول فيه،قال:

انتصب(الجنّ)على إضمار فعل جواب سؤال مقدّر، كأنّه قيل:من جعلوا للّه شركاء؟قيل:الجنّ،أي جعلوا الجنّ،و يؤيّد هذا المعنى قراءة أبي حيوة و يزيد بن قطيب(الجنّ)بالرّفع،على تقدير:هم الجنّ،جوابا لمن

ص: 149

قال:من الّذي جعلوه شريكا؟فقيل له:هم الجنّ، و يكون ذلك على سبيل الاستعظام لما فعلوه،و الانتقاص لمن جعلوه شريكا للّه.

و قرأ شعيب بن أبي حمزة (الجنّ) بخفض النّون، و رويت هذه عن أبي حيوة و ابن قطيب أيضا.

قال الزّمخشريّ: و قرئ على الإضافة الّتي للتّبيين، و المعنى أشركوهم في عبادته،لأنّهم أطاعوهم كما يطاع اللّه،انتهى.

و لا يتّضح معنى هذه القراءة،إذ التّقدير:و جعلوا شركاء الجنّ للّه،و هذا معنى لا يظهر،و الضّمير في (و خلقهم)عائد على الجاعلين؛إذ هم المحدّث عنهم، و هي جملة حاليّة،أي و قد خلقهم و انفرد بإيجادهم دون من اتّخذه شريكا له و هم الجنّ.فجعلوا من لم يخلقهم شريكا لخالقهم،و هذه غاية الجهالة.

و قيل:الضّمير يعود على(الجنّ)أي و اللّه خلق من اتّخذوه شريكا له،فهم متساوون في أنّ الجاعل و المجعول مخلوقون للّه،فكيف يناسب أن يجعل بعض المخلوق شريكا للّه تعالى.

و قرأ يحيى بن يعمر (و خلقهم) بإسكان اللاّم،و كذا في مصحف عبد اللّه،و الظّاهر أنّه عطف على(الجنّ)أي و جعلوا خلقهم الّذي ينحتونه أصناما شركاء للّه،كما قال تعالى: أَ تَعْبُدُونَ ما تَنْحِتُونَ* وَ اللّهُ خَلَقَكُمْ وَ ما تَعْمَلُونَ الصّافّات:95،96،فالخلق هنا واقع على المعمول المصنوع بمعنى المخلوق.(4:193)

نحوه أبو السّعود(2:422)،و الآلوسيّ(7:241)

رشيد رضا : وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ أي و جعل هؤلاء المشركون للّه سبحانه شركاء-و فسّر هؤلاء الشّركاء بالجنّ على طريق البدل النّحويّ-و لم يقل:و جعلوا الجنّ شركاء للّه،بل قدّم و أخّر في النّظم، لإفادة أنّ محلّ الغرابة و النّكارة أن يكون للّه شركاء لا مطلق وجود الشّركاء،ثمّ كون الشّركاء من الجنّ،فقدّم الأهمّ فالأهمّ.و لو قال:«و جعلوا الجنّ شركاء للّه»لأفاد أنّ موضع الإنكار أن يكون الجنّ شركاء للّه لكونهم جنّا، و ليس الأمر كذلك،بل المنكر أن يكون للّه شريك من أيّ جنس كان.

و في المراد ب«الجنّ»هنا أقوال:

أحدها:أنّهم الملائكة فقد عبدوهم،روي هذا عن قتادة و السّدّيّ.

و الثّاني:أنّهم الشّياطين،فقد أطاعوهم في أمور الشّرك و المعاصي،روي عن الحسن،و سنشير إلى شاهد يأتي له بعد عشرين آية.

و الثّالث:أنّ المراد ب«الجنّ»إبليس،فقد عبده أقوام و سمّوه ربّا،و منهم من سمّاه إله الشّرّ و الظّلمة، و خصّ الباري بألوهيّة الخير و النّور.

و روي عن ابن عبّاس أنّه قال: إنّها نزلت في الزّنادقة الّذين يقولون:[و ذكر ما تقدّم عنه]

و رجّحه الرّازيّ و ضعّف ما سواه،و قال:إنّ المراد بالزّنادقة:المجوس الّذين قالوا:إنّ كلّ خير في العالم فهو من«يزدان»و كلّ شرّ فهو من«أهرمن»أي إبليس.

فأمّا كون إبليس و الشّياطين من الجنّ فقطعيّ،و أمّا كون الملائكة منهم فقيل:إنّه حقيقيّ،لأنّهم من العوالم الخفيّة،فتصدق عليهم كلمة الجنّ،و قيل:إنّه مجازيّ،

ص: 150

و فسّروا الجنّة في قوله تعالى: وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً الصّافّات:158،بالملائكة.

و قال بعض العرب:إنّه تعالى صاهر الجنّ فولدت سرواتهم له الملائكة.

و قد يقابل الجنّ بالملائكة،كقوله تعالى في موضوع عبادة المشركين لهم وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَ هؤُلاءِ إِيّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ* قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ سبأ:40،41،فهذا مع آية الأنعام:121، وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَ إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ ممّا يردّ إنكار الرّازيّ لتسمية طاعة الشّياطين عبادة.(7:645)

نحوه المراغيّ(7:204)،و مغنيّة(3:237).

الطّباطبائيّ: و المراد ب(الجنّ)الشّياطين،كما ينسب إلى المجوس القول:ب«أهرمن»و«يزدان».

و نظيره ما عليه اليزيديّة الّذين يقولون بألوهيّة إبليس(الملك طاوس-شاه بريان)أو الجنّ المعروف، بناء على ما نسب إلى قريش أنّهم كانوا يقولون:إنّ اللّه قد صاهر الجنّ فحدث بينهما الملائكة،و هذا أنسب بسياق قوله: وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَ خَلَقَهُمْ وَ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَ بَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ الأنعام:100،و على هذا فالبنون و البنات هم جميعا من الملائكة خرقوهم، أي اختلقوهم و نسبوهم إليه افتراء عليه،سبحانه و تعالى عمّا يشركون.

و لو كان المراد من هو أعمّ من الملائكة،لم يبعد أن يكون المراد بهم ما يوجد في سائر الملل غير الإسلام، فالبرهمنيّة و البوذيّة يقولون بنظير ما قالته النّصارى من بنوّة المسيح-كما تقدّم في الجزء الثّالث من الكتاب- و سائر الوثنيّين القدماء كانوا يثبتون للّه سبحانه بنين و بنات من الآلهة-على ما تدلّ عليه الآثار المكتشفة-و مشركو العرب كانوا يقولون:إنّ الملائكة بنات اللّه.

(7:290)

2- وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ يُوحِي بَعْضُهُمْ إِلى بَعْضٍ زُخْرُفَ الْقَوْلِ غُرُوراً...

الأنعام:112

راجع«ش طن».

3- وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ...

الأنعام:128

4- يا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آياتِي وَ... الأنعام:130

راجع فيهما«ع ش ر».

5- وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ أَ فَتَتَّخِذُونَهُ وَ ذُرِّيَّتَهُ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِي وَ هُمْ لَكُمْ عَدُوٌّ بِئْسَ لِلظّالِمِينَ بَدَلاً. الكهف:50

ابن عبّاس: كانَ مِنَ الْجِنِّ من قبيلة الجنّ.

(248)

كان اسمه قبل أن يركب المعصية عزازيل،و كان من

ص: 151

سكّان الأرض،و كان من أشدّ الملائكة اجتهادا و أكثرهم علما،فلذلك هو الّذي دعاه إلى الكبر،و كان من حيّ يسمّى جنّا.(الطّبريّ 15:259)

كان إبليس من حيّ من أحياء الملائكة يقال لهم:

الجنّ،خلقوا من نار السّموم من بين الملائكة،و كان اسمه الحارث،و كان خازنا من خزّان الجنّة.و خلقت الملائكة من نور غير هذا الحيّ،و خلقت الجنّ الّذين ذكروا في القرآن من مارج من نار،و هو لسان النّار الّذي يكون في طرفها إذا التهبت.

كان إبليس من خزّان الجنّة،و كان يدبّر أمر سماء الدّنيا.(الطّبريّ 15:259)

كان إبليس من أشراف الملائكة و أكرمهم قبيلة، و كان خازنا على الجنان،و كان له سلطان السّماء الدّنيا، و كان له سلطان الأرض،و كان فيما قضى اللّه،أنّه رأى أنّ له بذلك شرفا و عظمة على أهل السّماء،فوقع من ذلك في قلبه كبر لا يعلمه إلاّ هو،فلمّا كان عند السّجود،حين أمره أن يسجد لآدم،استخرج اللّه كبره عند السّجود، فلعنه و أخّره إلى يوم الدّين.و قوله: كانَ مِنَ الْجِنِّ إنّما سمّي بالجنان أنّه كان خازنا عليها...

إنّ من الملائكة قبيلة من الجنّ،و كان إبليس منها، و كان يسوس ما بين السّماء و الأرض فعصى،فسخط اللّه عليه،فمسخه شيطانا رجيما،لعنه اللّه ممسوخا.و إذا كانت خطيئة الرّجل في كبر فلا ترجه،و إذا كان خطيئته في معصية فارجه،و كانت خطيئة آدم في معصية، و خطيئة إبليس في كبر.

لو لم يكن من الملائكة لم يؤمر بالسّجود،و كان على خزانة السّماء الدّنيا.(الطّبريّ 15:260)

سعيد بن جبير: إنّ الجنّ سبط من الملائكة، خلقوا من نار و إبليس منهم،و خلق سائر الملائكة من نور.(الماورديّ 3:314)

من الجنّانين الّذين يعملون في الجنان.

كان إبليس من خزنة الجنّة.(الطّبريّ 15:261)

شهر بن حوشب: كان إبليس من الجنّ الّذين طردتهم الملائكة،فأسره بعض الملائكة،فذهب به إلى السّماء.(الطّبري 15:261)

الضّحّاك: كان إبليس على السّماء الدّنيا،و على الأرض،و خازن الجنان.(الطّبريّ 15:260)

الحسن :ما كان إبليس من الملائكة طرفة عين قطّ،و إنّه لأصل الجنّ،كما أنّ آدم عليه السّلام أصل الإنس.(الطّبريّ 15:260)

هو[إبليس]أوّل الجنّ و بداءتهم،كآدم في الإنس.(أبو حيّان 6:136)

خلق إبليس من نار و إلى النّار يعود.

(الماورديّ 3:314)

سعيد بن المسيّب: كان إبليس رئيس ملائكة سماء الدّنيا.(الطّبريّ 15:260)

قتادة :كان من قبيل من الملائكة يقال لهم:

الجنّ.(الطّبريّ 15:260)

إنّه كان من أفضل صنف من الملائكة،يقال لهم:

الجنّ.(الماورديّ 3:314)

الجنّ حيّ من الملائكة،خلقوا من نار السّموم.

(أبو حيّان 6:136)

ص: 152

الإمام الصّادق عليه السّلام:إنّ الملائكة كانوا يحسبون أنّ إبليس منهم،و كان في علم اللّه أنّه ليس منهم، فاستخرج ما في نفسه بالحميّة و الغضب،فقال: خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ الأعراف:12.

(العروسيّ 3:267)

[عن جميل بن درّاج عن أبي عبد اللّه عليه السّلام قال:]

سألته عن إبليس كان من الملائكة،و هل كان يلي من أمر السّماء شيئا؟

قال:لم يكن من الملائكة،و لم يكن يلي من السّماء شيئا،كان من الجنّ و كان مع الملائكة،و كانت الملائكة تراه أنّه منها،و كان اللّه يعلم أنّه ليس منها،فلمّا أمر بالسّجود كان منه الّذي كان.(العروسيّ 3:267)

الزّجّاج: قوله: فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ الكهف:

50،دليل على أنّه أمر بالسّجود مع الملائكة،و أكثر ما في التّفسير أنّ إبليس من غير الملائكة،و قد ذكره اللّه عزّ و جلّ أنّه كان من الجنّ بمنزلة آدم من الإنس.و قد قيل:إنّ الجنّ ضرب من الملائكة،كانوا خزّان الأرض، و قيل:خزّان الجنان.

فإن قال قائل:فكيف استثني مع ذكر الملائكة، فقال: فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ طه:116،فكيف وقع الاستثناء،و ليس هو من الأوّل؟

فالجواب في هذا أنّه أمر معهم بالسجود،فاستثني من أنّه لم يسجد،و الدّليل على ذلك أنّك تقول:أمرت عبدي و إخوتي فأطاعوني إلاّ عبدي،و كذلك قوله عزّ و جلّ:

فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاّ رَبَّ الْعالَمِينَ الشّعراء:77،و ربّ العالمين ليس كمثله شيء،و قد جرى ذكره في الاستثناء،و هو استثناء ليس من الأوّل،و لا يقدر أحد أن يعرف معنى الكلام غير هذا.(3:293)

الماورديّ: إنّ إبليس لم يكن من الإنس و لا من الجنّ،و لكن كان من الجانّ،و قد مضى من ذكره و اشتقاق اسمه ما أغنى.(3:293)

الطّوسيّ: قيل:معناه صار من الجنّ المخالفين لأمر اللّه.و قال قوم:ذلك يدلّ على أنّه لم يكن من الملائكة، لأنّ الجنّ جنس غير الملائكة،كما أنّ الإنس غير جنس الملائكة و الجنّ.

و من زعم أنّه كان من الملائكة يقول:معنى كانَ مِنَ الْجِنِّ يعني من الّذين يستترون عن الأبصار، لأنّه مأخوذ من الجنّ و هو السّتر،و منه الجنّ لأنّه يستر الإنسان.(7:56)

نحوه الطّبرسيّ.(3:475)

الزّمخشريّ: كانَ مِنَ الْجِنِّ كلام مستأنف جار مجرى التّعليل،بعد استثناء إبليس من السّاجدين،كأنّ قائلا قال:ما له لم يسجد؟فقيل: كانَ مِنَ الْجِنِّ

(2:487)

نحوه أبو السّعود.(4:196)

ابن عطيّة: قول: إِلاّ إِبْلِيسَ قالت فرقة:هو استثناء منقطع،لأنّ إبليس ليس من الملائكة،بل هو من الجنّ،و هم الشّياطين المخلوقون من مارج من نار،و جميع الملائكة إنّما خلقوا من نور.

و اختلفت هذه الفرقة،فقال بعضها:إبليس من الجنّ،و هو أوّلهم و بدأتهم كآدم من الإنس.

و قالت فرقة:بل كان إبليس و قبيله جنّا،لكن جميع

ص: 153

الشّياطين اليوم من ذرّيّته،فهو كنوح في الإنس،احتجّوا بهذه الآية،و تعنيف إبليس على عصيانه يقتضي أنّه أمر مع الملائكة.

و قالت فرقة:إنّ الاستثناء متّصل،و إبليس من قبيل الملائكة خلقوا من نار،فإبليس من الملائكة،و عبّر عن الملائكة بالجنّ من حيث هم مستترون،فهي صفة تعمّ الملائكة و الشّياطين.

و قال بعض هذه الفرقة:كان في الملائكة صنف يسمّى الجنّ،و كانوا في السّماء الدّنيا و في الأرض،و كان إبليس مدبّر أمرهم.و لا خلاف أنّ إبليس كان من الملائكة في المعنى؛إذ كان متصرّفا بالأمر و النّهي، مرسلا.(3:521)

العكبريّ: (كان من الجنّ)في موضع الحال،و «قد»معه مرادة.(2:851)

البيضاويّ: كانَ مِنَ الْجِنِّ حال بإضمار«قد» أو استئناف للتّعليل،كأنّه قيل:ما له لم يسجد؟فقيل:

كانَ مِنَ الْجِنِّ. (2:16)

أبو حيّان :قالت فرقة:كان إبليس و قبيله جنّا، لكن الشّياطين اليوم من ذرّيّته،فهو كنوح في الإنس.(6:136)

الشّربينيّ: قيل:هم نوع من الملائكة،فالاستثناء متّصل.و قيل:هو منقطع و إبليس أبو الجنّ،فله ذرّيّة ذكرت معه بعد،و الملائكة لا ذرّيّة لهم.(2:384)

الآلوسيّ: [نقل الأقوال الماضية و أضاف:]

قيل:هو من الملائكة،و معنى(كان من الجنّ)صار منهم بالمسخ.و قيل:معنى ذلك أنّه عدّ منهم لموافقته إيّاهم في المعصية؛حيث إنّهم كانوا من قبل عاصين، فبعثت طائفة من الملائكة عليهم السّلام لقتالهم.

و أنت تعلم أنّه يشقّ الجواب على من ادّعى أنّ إبليس من الملائكة مع دعواه عصمتهم،و لا بدّ أن يرتكب خلاف الظّاهر في هذه الآية،نعم مسألة عصمتهم عليهم السّلام خلافيّة و لا قاطع في العصمة، كما قال العلاّمة التّفتازانيّ.

و قد ذكر القاضي عياض أن طائفة ذهبوا الى عصمة الرّسل منهم و المقرّبين عليهم السّلام،و لم يقولوا بعصمة غيرهم.و إذا ذهب مدّعي كون إبليس من الملائكة إلى هذا لم يتخلّص من الاعتراض إلاّ بزعم أنه لم يكن من المقرّبين،و لا تساعده الآثار على ذلك.و يبقى عليه أيضا أنّ الآية تأبى مدّعاه،و كذا لو ذهب إلى ما نقل عن بعض الصّوفيّة:من أنّ ملائكة الأرض لم يكونوا معصومين، و كان إبليس عليه اللّعنة منهم.(15:293)

المراغيّ: أي إنّ الّذي منعه من السّجود أنّه كان جنّيّا واحدا بين أظهر الألوف من الملائكة،مغمورا بينهم،متّصفا بصفاتهم،بدليل أنّه قال: أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ الأعراف:12، و لأنّه تعالى أثبت له في هذه الآية ذرّيّة و نسلا، و الملائكة لا ينسلون،و لأنّ الملائكة لا يستكبرون، و هو قد استكبر.

و يرى قوم أنّه كان من الملائكة،بدليل أنّ خطاب السّجود كان معهم،و لأنّ وصف الملائكة بأنّهم لا يعصون اللّه ما أمرهم،دليل على أنّه يتصوّر منهم العصيان،و لو لا ذلك ما مدحوا به،لكن طاعتهم طبع،

ص: 154

و عصيانهم تكلّف،و طاعة البشر تكلّف،و متابعة الهوى منهم طبع،و لأنّه تعالى ذكر من هاروت و ماروت ما ذكر،و هما ملكان.

على أنّه لا دليل على أنّ هناك فروقا جوهريّة بين الملائكة و الجنّ،بها يمتاز أحدهما من الآخر،بل هي فروق في الصّفات فحسب،و الجميع من عالم الغيب،لا نعلم حقيقتهم و لا نضيف إليها شيئا،إلاّ إذا ورد به نصّ عن المعصوم.(15:162)

مكارم الشّيرازيّ: كما نعلم أنّ الملائكة أطهار و معصومون،كما صرّح بذلك القرآن الكريم بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ* لا يَسْبِقُونَهُ بِالْقَوْلِ وَ هُمْ بِأَمْرِهِ يَعْمَلُونَ الأنبياء:26،27.

و يعود سبب عدم وجود التّكبّر و الغرور و دوافع ارتكاب الذّنوب لدى الملائكة،إلى أنّ العقل لا الشّهوة يتحكّم في أعماقهم.

من ناحية ثانية،يتداعى إلى الذّهن من خلال استثناء إبليس في الآيات المذكورة أعلاه-و آيات أخرى في القرآن الكريم-أنّه من صنف الملائكة،بأنّه كان منهم.و هنا يرد على عصيانه و تمرّده الإشكال التّالي:كيف تصدر ذنوب كبيرة عن ملك من الملائكة؟ و قد جاء في نهج البلاغة«ما كان اللّه سبحانه ليدخل الجنّة بشرا بأمر أخرج به منها ملكا».

الآيات المذكورة تحلّ لنا رموز هذه المشكلة،حينما تقول:(كان من الجنّ)،و الجنّ كائنات خفيّة عن أنظارنا،لها عقل و إحساس و غضب و شهوة،و متى ما وردت في القرآن كلمة«الجنّ»فإنّها تعني هذه الكائنات.لكن من يعتقد من المفسّرين بأنّ إبليس كان من الملائكة،فإنّما يفسّر الآية المذكورة آنفا بمفهومها اللّغويّ،و يقول:إنّه يفهم من عبارة كانَ مِنَ الْجِنِّ أنّه كان خفيّا عن الأنظار كسائر الملائكة،و هذا المعنى خلاف الظّاهر تماما.

و من الدّلائل الواضحة الّتي تؤكّد ما ذهبنا إليه من المعنى،أنّ القرآن الكريم يقول في الآية(15)من سورة الرّحمن: وَ خَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ و من جانب آخر كان منطق إبليس عند ما امتنع عن السّجود لآدم خَلَقْتَنِي مِنْ نارٍ وَ خَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ الأعراف:12.

هذا بالإضافة إلى أنّ الآيات الشّريفة أعلاه قد أشارت إلى أنّ لإبليس ذرّيّة في حين أنّ الملائكة لا ذرّيّة لهم.

إنّ ما ذكرناه آنفا،مضافا إليه التّركيبة الجوهريّة للملائكة تثبت أنّ إبليس لم يكن ملكا،لكن آية السّجود لآدم شملته-أيضا-لانضمامه إلى صفوف الملائكة،و كثرة عبادته للّه،و طموحه للوصول إلى منزلة الملائكة المقرّبين.

و إنّما بيّن القرآن امتناع إبليس عن السّجود بشكل استثنائيّ،و أطلق عليه عليّ عليه السّلام في الخطبة القاصعة في«نهج البلاغة»كلمة«الملك»كتعبير مجازيّ.

جاء في كتاب«عيون الأخبار»عن الإمام عليّ بن موسى الرّضا عليه السّلام ما معناه:«إنّ الملائكة معصومون و محفوظون من الكفر بلطف اللّه».يقول الرّاوي:قلت للإمام:أ لم يكن إبليس ملكا؟،فقال:

«كلاّ،إنّه كان من الجنّ».(9:266)

ص: 155

[لاحظ«إبليس»في تفسير هذه الآية]

6- قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَ إِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ. النّمل:39

راجع«عفريت».

7- وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا رَبَّنا أَرِنَا الَّذَيْنِ أَضَلاّنا مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ نَجْعَلْهُما تَحْتَ أَقْدامِنا لِيَكُونا مِنَ الْأَسْفَلِينَ. فصّلت:29

راجع«أ ن س»(انس).

8- وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ. الأحقاف:29

راجع«ن ف ر»(نفرا).

الجنّة:(الجنّ)

مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ. النّاس:6

ابن عبّاس: يقول:يوسوس في صدور الجنّ كما يوسوس في صدور النّاس.نزلت هاتان السّورتان (1)في شأن لبيد بن الأعصم اليهوديّ الّذي سحر النّبيّ،فقرأ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم على سحره ففرّج اللّه عنه،فكأنّما نشط من عقال.(522)

الفرّاء: (النّاس)هاهنا قد وقعت على الجنّة و على النّاس،كقولك:يوسوس في صدور النّاس:جنّتهم و ناسهم،و قد قال بعض العرب و هو يحدّث:جاء قوم من الجنّ فوقفوا،فقيل:من أنتم؟فقالوا:أناس من الجنّ، و قد قال اللّه جلّ و عزّ: أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ الجنّ:1،فجعل النّفر من الجنّ كما جعلهم من النّاس، فقال جلّ و عزّ: وَ أَنَّهُ كانَ رِجالٌ مِنَ الْإِنْسِ يَعُوذُونَ بِرِجالٍ مِنَ الْجِنِّ الجنّ:6،فسمّى الرّجال من الجنّ و الإنس،و اللّه أعلم.(3:302)

الطّبريّ: يعني بذلك الشّيطان الوسواس،الّذي يوسوس في صدور النّاس:جنّهم و إنسهم.

فإن قال قائل:فالجنّ ناس،فيقال:الّذي يوسوس في صدور النّاس:من الجنّة و النّاس.

قيل:سمّاهم اللّه في هذا الموضع ناسا،كما سمّاهم في موضع آخر رجالا،فقال: وَ أَنَّهُ كانَ رِجالٌ، فجعل الجنّ رجالا،و كذلك جعل منهم ناسا.

و قد ذكر عن بعض العرب أنّه قال و هو يحدّث:إذ جاء قوم من الجنّ فوقفوا،فقيل:من أنتم؟فقالوا:ناس من الجنّ،فجعل منهم ناسا،فكذلك ما في التّنزيل من ذلك.(30:356)

الزّجّاج: و ذكر(الجنّة و النّاس)للاستعاذة بكلّ ما يوسوس بسوء،سواء كان من الشّياطين أو الأناسيّ.

(5:381)

الزّمخشريّ: مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ بيان للّذي يوسوس،على أنّ الشّيطان ضربان:جنّيّ و إنسيّ،كما قال: شَياطِينَ الْإِنْسِ وَ الْجِنِّ الأنعام:112،و عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه أنّه قال لرجل:هل تعوّذت باللّه من شيطان الإنس؟

ص: 156


1- النّاس،الفلق.

و يجوز أن يكون(من)متعلّقا ب(يوسوس)و معناه ابتداء الغاية،أي يوسوس في صدورهم من جهة الجنّ و من جهة النّاس.

و قيل: مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ بيان للنّاس،و أنّ اسم النّاس ينطلق على الجنّة،و استدلّوا ب(نفر)و(رجال)في سورة الجنّ،و ما أحقّه،لأنّ الجنّ سمّوا جنّا لاجتنانهم، و النّاس ناسا لظهورهم من الإيناس و هو الإبصار،كما سمّوا بشرا.و لو كان يقع(النّاس)على القبيلين و صحّ ذلك و ثبت لم يكن مناسبا،لفصاحة القرآن و بعده من التّصنّع.

و أجود منه أن يراد ب(النّاس)النّاسي،كقوله:

يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ القمر:6،و كما قرئ: مِنْ حَيْثُ أَفاضَ النّاسُ البقرة:199،ثمّ يبين بالجنّة و النّاس، لأنّ الثّقلين هما النّوعان الموصوفان بنسيان حقّ اللّه عزّ و جلّ.(4:303)

نحوه القرطبيّ(20:263)،و البيضاويّ(2:584)، و النّسفيّ(4:387)،و النّيسابوريّ(30:232)، و الخازن(7:270)و أبو حيّان(8:232)،و أبو السّعود (6:493).

الطّبرسيّ: قيل:إنّ قوله:(من الجنّة)بدل من قوله: مِنْ شَرِّ الْوَسْواسِ فكأنّه قال:أعوذ باللّه من شرّ الجنّة و النّاس.

و قيل:إنّ(من)تبيين للوسواس،و التّقدير:من شرّ ذي الوسواس الخنّاس من الجنّة و النّاس،أي صاحب الوسواس الّذي من الجنّة و النّاس،فيكون(النّاس) معطوفا على(الوسواس)الّذي هو في معنى ذي الوسواس.

و إن شئت لم تحذف المضاف،فيكون التّقدير:من شرّ الوسواس الواقع من الجنّة الّتي توسوسه في صدور النّاس،فيكون فاعل(يوسوس)ضمير(الجنّة).

و إنّما ذكر لأنّ الجنّة و الجنّ واحد،و جازت الكناية عنه و إن كان متأخّرا،لأنّه في نيّة التّقديم،فجرى مجرى قوله: فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى طه:67، و حذف العائد من الصّلة إلى الموصوف،كما في قوله:

أَ هذَا الَّذِي بَعَثَ اللّهُ رَسُولاً الفرقان:41،أي بعثه اللّه رسولا.(5:570)

نحوه ابن الجوزيّ.(9:279)

العكبريّ: قوله تعالى: (مِنَ الْجِنَّةِ) هو بدل(من شرّ)بإعادة العامل،أي من شرّ الجنّة.

و قيل:هو بدل من ذي الوسواس،لأنّ الموسوس من الجنّ.

و قيل:هو حال من الضّمير في(يوسوس)أي يوسوس و هو من الجنّ.

و قيل:هو بدل من(النّاس)أي في صدور الجنّة.

و جعل(من)تبيينا،و أطلق على الجنّ اسم النّاس، لأنّهم يتحرّكون في مراداتهم.و الجنّ و الجنّة بمعنى.

و قيل:(من الجنّة)حال من(النّاس)أي كائنين من القبيلين.(2:1311)

البروسويّ: في(الجنّة)إشارة إلى القوّة الباطنة المستجنّة المستورة؛إذ سمّي الجنّ بالجنّ لاستجنانه.

(10:550)

عزّة دروزة :الجنّة:مرادفة لكلمة الجنّ،و معناها

ص: 157

في الأصل:الخفيّ المستتر غير الظّاهر.(1:201)

جنّة:(الجنون)

أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ. الأعراف:184

ابن عبّاس: ما مسّه من جنون،أيّ جنون.

(142)

مثله البيضاويّ(1:379)،و النّسفيّ(2:88).

قتادة :ذكر لنا أن نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان على الصّفا،فدعا قريشا،فجعل يفخّذهم فخذا فخذا:يا بني فلان يا بني فلان،فحذّرهم بأس اللّه،و وقائع اللّه،فقال قائلهم:إنّ صاحبكم هذا لمجنون بات يصوّت إلى الصّباح،أو حتّى صبح،فأنزل اللّه تبارك و تعالى[الآية].

(الطّبريّ 9:136)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:أو لم يتفكّر هؤلاء الّذين كذّبوا بآياتنا،فيتدبّروا بعقولهم،و يعلموا أنّ رسولنا الّذي أرسلناه إليهم لا جنّة به و لا خبل،و أنّ الّذي دعاهم إليه هو الدّين الصّحيح القويم،و الحقّ المبين،و لذا نزلت هذه الآية فيما قيل.(9:136)

الطّوسيّ: هذا خطاب من اللّه تعالى للكفّار الّذين كانوا ينسبون النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلى الجنون،على وجه التّوبيخ لهم و التّقريع أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ أي و ليس بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله جنّة و هي الجنون،فإنّه لا يأتي بمثل ما يأتي به المجنون،و هم يرون الأصحّاء منقطعين دونه، و يرون صحّة تدبيره و استقامة أعماله،و ذلك ينافي أعمال المجانين.(5:51)

نحوه الطّبرسيّ.(2:504)

الزّمخشريّ: من جنون،و كانوا يقولون:شاعر مجنون.(2:133)

الفخر الرّازيّ: و الجنّة:حالة من الجنون،كالجلسة و الرّكبة.و دخول(من)في قوله:(من جنّة)يوجب أن لا يكون به نوع من أنواع الجنون.

و اعلم أنّ بعض الجهّال من أهل مكّة كانوا ينسبونه إلى الجنون لوجهين:

الأوّل:أنّ فعله عليه السّلام كان مخالفا لفعلهم؛و ذلك لأنّه عليه السّلام كان معرضا عن الدّنيا مقبلا على الآخرة، مشتغلا بالدّعوة إلى اللّه،فكان العمل مخالفا لطريقتهم، فاعتقدوا فيه أنّه مجنون.[ثمّ ذكر قول قتادة]

الثّاني:أنّه عليه السّلام كان يغشاه حالة عجيبة عند نزول الوحي،فيتغيّر وجهه و يصفرّ لونه،و تعرض له حالة شبيهة بالغشيّ،فالجهّال كانوا يقولون:إنّه جنون،فاللّه تعالى بيّن في هذه الآية أنّه ليس به نوع من أنواع الجنون؛ و ذلك لأنّه عليه السّلام كان يدعوهم الى اللّه،و يقيم الدّلائل القاطعة و البيّنات الباهرة بألفاظ فصيحة،بلغت في الفصاحة إلى حيث عجز الأوّلون و الآخرون عن معارضتها،و كان حسن الخلق،طيّب العشرة،مرضيّ الطّريقة،نقيّ السّيرة،مواظبا على أعمال حسنة،صار بسببها قدوة للعقلاء العالمين.و من المعلوم بالضّرورة أنّ مثل هذا الإنسان لا يمكن وصفه بالجنون،و إذا ثبت هذا ظهر أنّ اجتهاده على الدّعوة إلى الدّين إنّما كان لأنّه نذير مبين،أرسله ربّ العالمين لترهيب الكافرين،و ترغيب المؤمنين،و لمّا كان النّظر في أمر النّبوّة مفرّعا على تقرير

ص: 158

دلائل التّوحيد،لا جرم ذكر عقيبه ما يدلّ على التّوحيد.

(15:75)

نحوه الخازن(2:264)،و الشّربينيّ(1:541).

البروسويّ: الجنّة بناء:نوع من الجنون،و دخول (من)يدلّ على أنّه ليس به نوع من أنواع الجنون.

و المعنى أكذبوا بالآيات،و لم يتفكّروا في أيّ شيء من جنون ما كائن بصاحبهم،أو في أنّه ليس بصاحبهم شيء من جنّة،حتّى يؤدّيهم التّفكّر في ذلك إلى الوقوف على صدقه و صحّة نبوّته،فيؤمنوا به و بما أنزل عليه من الآيات.

فالتّصريح بنفي الجنون للرّدّ على عظيمتهم الشّنعاء، و التّعبير عنه عليه الصّلاة و السّلام«بصاحبهم»وارد على شاكلة كلامهم،مع ما فيه من الإيذان بأنّ طول مصاحبتهم له عليه السّلام ممّا يطلعهم على نزاهته عليه السّلام عن شائبة الجنّة،و قد كانوا يسمّونه قبل إظهار النّبوّة محمّدا الأمين صلّى اللّه عليه و آله.(3:289)

الآلوسيّ: الجنّة:مصدر كالجلسة بمعنى الجنون، و ليس المراد به الجنّ،كما في قوله تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ النّاس:6،لأنّه يحتاج إلى تقدير مضاف،أي مسّ جنّة أو تخبّطها.[ثمّ ذكر مثل ما تقدّم](9:127) نحوه القاسميّ.(7:2915)

رشيد رضا :الجنّة بالكسر:النّوع الخاصّ من الجنون،فهو اسم هيئة،و اسم للجنّ أيضا،و لا يصحّ هنا إلاّ بتقدير مضاف،أي من مسّ جنّة.و قد حكى اللّه تعالى عن قوم نوح أوّل رسله إلى قوم مشركين أنّهم اتّهموه بالجنون،فقالوا بعد قولهم:إنّه بشر مثلهم،يريد أن يتفضّل عليهم،المؤمنون:25 إِنْ هُوَ إِلاّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتّى حِينٍ و في سورة القمر:9 كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَ قالُوا مَجْنُونٌ وَ ازْدُجِرَ و في سورة الشّعراء:27،حكاية عن فرعون لعنه اللّه في موسى صلّى اللّه على نبيّنا و عليه و سلّم قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ، و قال تعالى عنه في سورة الذّاريات:39 فَتَوَلّى بِرُكْنِهِ وَ قالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ. ثمّ بيّن تعالى في هذه السّورة أنّ جميع الكفّار كانوا يقولون هذا القول في رسلهم،فقال:

كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ* أَ تَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ الذّاريات:52،53.

و في معنى آية الأعراف في خاتم النّبيّين و المرسلين عدّة آيات[و ذكرها ثمّ قال:]

روى أبناء حميد و جرير و المنذر و أبي حاتم و أبو الشّيخ عن قتادة قال:ذكر لنا أنّ نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قام على الصّفا فدعا قريشا فخذا فخذا...[إلى آخر ما سبق عن قتادة]

قد علمنا بما سبق أنّ جميع الكفّار كانوا يرمون رسلهم بالجنون،لأنّهم ادّعوا أنّ اللّه تعالى خصّهم برسالته و وحيه،على كونهم بشرا كغيرهم لا يمتازون على سائر النّاس بما يفوق أفق الإنسانيّة،كما علم من نشأتهم و معيشتهم،و لأنّهم ادّعوا مالا يعهد له عندهم نظير،و ليس ممّا تصل إليه عقولهم بالتّفكير،و هو أنّ النّاس يبعثون بعد الموت و البلى خلقا جديدا،و لأنّ كلاّ منهم كان يدّعي أنّ النّاس مخطئون و هو المصيب،

ص: 159

و ضالّون و هو المهتدي،و خاسرون و هو المفلح،إلاّ من اتّبعه منهم.

و لأنّهم نهوا عن عبادة الآلهة،و أنكروا أنّها بالدّعاء و التّعظيم و النّذور لها تقرّب المتوسّلين بها إلى اللّه زلفى و تشفع لهم عنده،و أثبتوا أنّ الشّفاعة للّه وحده لا يشفع أحد عنده إلاّ بإذنه،من رضي له لمن رضي عنه،فلا استقلال لهؤلاء الآلهة بالشّفاعة عنده لمن توسّل بهم.

و شرعوا أنّه لا يدّعي مع اللّه أحد من ملك كريم، و لا صالح عظيم،فضلا عن صورهم و تماثيلهم المذكّرة بهم،و قبورهم المشرفة برفاتهم،مع أنّ المذنب العاصي لا يليق به في رأي المشركين أن يدعو اللّه تعالى بغير واسطة و لا وسيلة لتدنّسه بالذّنوب،فيحتاج إلى من يقرّبه إليه من أولئك الطّاهرين.

و شبهتهم أنّ الملوك العظام في الدّنيا لا يدخل أحد عليهم إلاّ بإذن وزرائهم و حجّابهم،و من الغريب أنّ هذه الشّبهة الشّركيّة لا يزال متسلسلة في جميع المشركين،حتّى من أشرك من أهل الكتاب و المسلمين، الّذين خالفوا نصوص الكتب الإلهيّة و سنّة الرّسل إلى أعمال الوثنيّين!و لا يرون بأسا في تشبيه ربّ العالمين و أرحم الرّاحمين،بالملوك الظّالمين المستبدّين.

و أمّا معنى الآية:فالاستفهام فيه للإنكار و التّوبيخ، و هو داخل على فعل حذف للعلم به من سياق القول،كما تقدّم في أمثاله،و التّقدير:أكذبوا الرّسول و لم يتفكّروا في حاله من أوّل نشأته،و في حقيقة دعوته،و دلائل رسالته،و آيات وحدانيّة ربّه،و قدرته على إعادة الخلق كما بدأهم و حكمته في ذلك.فإنّ حذف معمول التّفكّر يؤذن بعموم ما يدلّ عليه المقام ممّا تقتضيه الحال، كما هي القاعدة المعروفة في علم المعاني.

ألا فليتفكّروا فالمقام مقام تفكّر و تأمّل،أنّهم إن تفكّروا أوشك أن يعرفوا الحقّ،و ما الحقّ؟ ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ الأعراف:184،جملة مستأنفة لبيان الحقّ في أمر الرّسول نفيا و إثباتا،فهي نافية لما رموه به من الجنون،كقوله تعالى: ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ القلم:2،و قوله: وَ ما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ التّكوير:

22،و مثلها آية سبأ:46، ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ، و لذلك ختمتا بنفي كلّ صفة عنه في موضوع رسالته،إلاّ كونه منذرا مبلّغا عن ربّه.(9:453)

الجنّة

1- وَ قُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَ كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ. البقرة:35

الإمام الصّادق عليه السّلام:عن الحسين بن ميسر قال:

سألت أبا عبد اللّه عن جنّة آدم،فقال:جنّة من جنّات الدّنيا يطلع فيها الشّمس و القمر،و لو كانت من جنان الآخرة ما خرج منها أبدا.(العروسيّ 1:62)

أبو هاشم المعتزليّ: هي جنّة من جنان السّماء غير جنّة الخلد،لأنّ جنّة الخلد أكلها دائم و لا تكليف فيها.(الطّبرسيّ 1:85)

أبو مسلم الأصفهانيّ: هي جنّة من جنان الدّنيا في الأرض،و إنّ قوله: اِهْبِطُوا مِنْها البقرة:38،لا يقتضي كونها في السّماء،لأنّه مثل قوله: اِهْبِطُوا

ص: 160

مِصْراً البقرة:61.(الطّبرسيّ 1:85)

الماورديّ: و اختلف في الجنّة الّتي أسكناها على قولين:أحدهما:أنّها جنّة الخلد،و الثّاني:أنّها جنّة أعدّها اللّه لهما،و اللّه أعلم.(1:104)

الطّوسيّ: و الجنّة الّتي أسكن فيها آدم،قال قوم:

هي بستان من بساتين الدّنيا،لانّ جنّة الخلد لا يصل إليها إبليس و وسوسته.و استدلّ البلخيّ على أنّها لم تكن جنّة الخلد بقوله تعالى حكاية عن إبليس لمّا أغوى آدم،قال له: هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ طه:

120،فلو كانت جنّة الخلد لكان عالما بها،فلم يحتج إلى دلالة.

و قال الحسن البصريّ و عمرو بن عبيد و واصل بن عطاء،و أكثر المعتزلة كأبي عليّ و الرّمّانيّ و أبي بكر ابن الأخشيد،و عليه أكثر المفسّرين:إنّها كانت جنّة الخلد،لأنّ الألف و اللاّم للتّعريف و صار كالعلم عليها.

قالوا:و يجوز أن يكون وسوسة إبليس من خارج الجنّة، فيسمعان خطابه و يفهمان كلامه،قالوا:و قول من يقول:

إنّ جنّة الخلد من يدخلها لا يخرج منها لا يصحّ،لأنّ معنى ذلك إذا استقرّ أهل الجنّة في الجنّة للثّواب،و أهل النّار فيها للعقاب لا يخرجون منها،و أمّا قبل ذلك فإنّها تفنى لقوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ القصص:88.(1:156)

نحوه الطّبرسيّ.(1:85)

ابن عطيّة: (الجنّة)البستان عليه حظيرة، و اختلف في الجنّة الّتي أسكنها آدم،هل هي جنّة الخلد أو جنّة أعدّت لهما؟و ذهب من لم يجعلها جنّة الخلد إلى أنّ من دخل جنّة الخلد لا يخرج منها،و هذا لا يمتنع،إلاّ أنّ السّمع ورد أنّ من دخلها مثابا لا يخرج منها،و أمّا من دخلها ابتداء كآدم فغير مستحيل،و لا ورد سمع بأنّه لا يخرج منها.(1:126)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في الجنّة المذكورة في هذه الآية،هل كانت في الأرض أو في السّماء؟و بتقدير أنّها كانت في السّماء فهل هي الجنّة الّتي هي دار الثّواب أو جنّة الخلد أو جنّة أخرى؟[على أقوال:]

فقال أبو القاسم البلخيّ و أبو مسلم الأصفهانيّ:

هذه الجنّة كانت في الأرض،و حملا الإهباط على الانتقال من بقعة إلى بقعة،كما في قوله تعالى: اِهْبِطُوا مِصْراً البقرة:61،و احتجّا عليه بوجوه:

أحدها:أنّ هذه الجنّة لو كانت هي دار الثّواب لكانت جنّة الخلد،و لو كان آدم في جنّة الخلد لما لحقه الغرور من إبليس بقوله: هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَ مُلْكٍ لا يَبْلى طه:120،و لما صحّ قوله: ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ الأعراف:20.

و ثانيها:أنّ من دخل هذه الجنّة لا يخرج منها،لقوله تعالى: وَ ما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ الحجر:48.

و ثالثها:أنّ إبليس لمّا امتنع من السّجود لعن،فما كان يقدر مع غضب اللّه على أن يصل إلى جنّة الخلد.

و رابعها:أنّ الجنّة الّتي هي دار الثّواب لا يفنى نعيمها،لقوله تعالى: أُكُلُها دائِمٌ وَ ظِلُّها الرّعد:35، و لقوله تعالى: وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها هود:108،إلى أن قال: عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ

ص: 161

أي غير مقطوع،فهذه الجنّة لو كانت هي الّتي دخلها آدم عليه السّلام لما فنيت،لكنّها تفنى لقوله تعالى: كُلُّ شَيْءٍ هالِكٌ إِلاّ وَجْهَهُ القصص:88،و لما خرج منها آدم عليه السّلام،لكنّه خرج منها و انقطعت تلك الرّاحات.

و خامسها:أنّه لا يجوز في حكمته تعالى أن يبتدئ الخلق في جنّة يخلدهم فيها و لا تكليف،لأنّه تعالى لا يعطي جزاء العاملين من ليس بعامل،و لأنّه لا يهمل عباده بل لا بدّ من ترغيب و ترهيب و وعد و وعيد.

و سادسها:لا نزاع في أنّ اللّه تعالى خلق آدم عليه السّلام في الأرض و لم يذكر في هذه القصّة أنّه نقله إلى السّماء،و لو كان تعالى قد نقله إلى السّماء لكان ذلك أولى بالذّكر،لأنّ نقله من الأرض إلى السّماء من أعظم النّعم،فدلّ ذلك على أنّه لم يحصل؛و ذلك يوجب أنّ المراد من الجنّة الّتي قال اللّه تعالى له: اُسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ، جنّة أخرى غير جنّة الخلد.

القول الثّاني:و هو قول الجبّائيّ:أنّ تلك الجنّة كانت في السّماء السّابعة،و الدّليل عليه قوله تعالى: اِهْبِطُوا مِنْها، ثمّ إنّ الإهباط الأوّل كان من السّماء السّابعة إلى السّماء الأولى،و الإهباط الثّاني كان من السّماء إلى الأرض.

القول الثّالث،و هو قول جمهور أصحابنا:إنّ هذه الجنّة هي دار الثّواب،و الدّليل عليه أنّ الألف و اللاّم في لفظ(الجنّة)لا يفيدان العموم،لأنّ سكنى جميع الجنان محال،فلا بدّ من صرفها إلى المعهود السّابق،و الجنّة الّتي هي المعهودة المعلومة بين المسلمين هي دار الثّواب، فوجب صرف اللّفظ إليها.

و القول الرّابع:أنّ الكلّ ممكن،و الأدلّة النّقليّة ضعيفة و متعارضة،فوجب التّوقّف و ترك القطع،و اللّه أعلم.(3:3)

القرطبيّ: (الجنّة):البستان،و قد تقدّم القول فيها.و لا التفات لما ذهبت إليه المعتزلة و القدريّة؛من أنّه لم يكن في جنّة الخلد،و إنّما كان في جنّة بأرض عدن.و استدلّوا على بدعتهم بأنّها لو كانت جنّة الخلد لما وصل إليه إبليس،فإنّ اللّه يقول: لا لَغْوٌ فِيها وَ لا تَأْثِيمٌ الطّور:23،و قال: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا كِذّاباً النّبأ:35،و قال: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا تَأْثِيماً* إِلاّ قِيلاً سَلاماً الواقعة:25،26،و أنّه لا يخرج منها أهلها لقوله: وَ ما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ الحجر:48.

و أيضا فإنّ جنّة الخلد هي دار القدس،قدّست عن الخطايا و المعاصي تطهيرا لها.و قد لغا فيها إبليس و كذب،و أخرج منها آدم و حوّاء بمعصيتهما.

قالوا:و كيف يجوز على آدم مع مكانه من اللّه و كمال عقله أن يطلب شجرة الخلد،و هو في دار الخلد و الملك الّذي لا يبلى؟

فالجواب:أن اللّه تعالى عرّف(الجنّة)بالألف و اللاّم، و من قال:أسأل اللّه الجنّة،لم يفهم منه في تعارف الخلق إلاّ طلب جنّة الخلد.و لا يستحيل في العقل دخول إبليس الجنّة لتغرير آدم،و قد لقى موسى آدم عليهما السّلام، فقال له موسى:أنت أشقيت ذرّيّتك و أخرجتهم من الجنّة،فأدخل الألف و اللاّم ليدلّ على أنّها«جنّة الخلد» المعروفة،فلم ينكر ذلك آدم،و لو كانت غيرها لردّ على موسى؛فلمّا سكت آدم على ما قرّره موسى،صحّ أنّ

ص: 162

الدّار الّتي أخرجهم اللّه عزّ و جلّ منها بخلاف الدّار الّتي أخرجوا إليها.

و أمّا ما احتجّوا به من الآي فذلك إنّما جعله اللّه فيها بعد دخول أهلها فيها يوم القيامة،و لا يمتنع أن تكون دار الخلد لمن أراد اللّه تخليده فيها،و قد يخرج منها من قضي عليه بالفناء.

و قد أجمع أهل التّأويل على أنّ الملائكة يدخلون الجنّة على أهل الجنّة و يخرجون منها،و قد كان مفاتيحها بيد إبليس ثم انتزعت منه بعد المعصية،و قد دخلها النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ليلة الإسراء ثمّ خرج منها،و أخبر بما فيها و أنّها هي جنّة الخلد حقّا.

و أما قولهم:إنّ الجنّة دار القدس و قد طهّرها اللّه تعالى من الخطايا فجهل منهم؛و ذلك أنّ اللّه تعالى أمر بني إسرائيل أن يدخلوا الأرض المقدّسة و هي الشّام.

و أجمع أهل الشّرائع على أنّ اللّه تعالى قدّسها،و قد شوهد فيها المعاصي و الكفر و الكذب،و لم يكن تقديسها ممّا يمنع فيها المعاصي،و كذلك دار القدس.قال أبو الحسن ابن بطّال:و قد حكى بعض المشايخ أنّ أهل السّنّة مجمعون على أنّ«جنّة الخلد»هي الّتي أهبط منها آدم عليه السّلام،فلا معنى لقول من خالفهم.

و قولهم:كيف يجوز على آدم في كمال عقله أن يطلب شجرة الخلد و هو في دار الخلد؟!فيعكس عليهم و يقال:

كيف يجوز على آدم و هو في كمال عقله أن يطلب شجرة الخلد في دار الفناء؟!هذا ما لا يجوز على من له أدنى مسكة من عقل،فكيف بآدم الّذي هو أرجح الخلق عقلا،على ما قال أبو أمامة.(1:302)

نحوه أبو حيّان.(1:157)

الشّربينيّ: (الجنّة)دار الثّواب،لأنّ اللاّم للعهد و لا معهود غيرها.و من زعم أنّها لم تخلق بعد قال:إنّ (الجنّة)بستان كان بأرض فلسطين أو بين فارس و كرمان،خلقه اللّه تعالى امتحانا لآدم،و حمل الإهباط على الانتقال منه إلى أرض الهند،كما في قوله تعالى:

اِهْبِطُوا مِصْراً البقرة:61.(1:49)

صدر المتألهين :و اختلفوا في أنّ الجنّة الّتي خرج منها آدم و زوجته هي بعينها الجنّة الموعودة و دار الثّواب و جنّة الخلد؟أم هي جنّة أخرى غيرها؟

قال بعض العرفاء:الجنّة الّتي تكون الأرواح فيها بعد المفارقة من النّشأة الدّنياويّة غير الّتي بين الأرواح المجرّدة و بين الأجسام،لأنّ تنزّلات الوجود و معارجه دوريّة.و المرتبة الّتي قبل النّشأة الدّنياويّة هي من مراتب التّنزّلات و لها الأولويّة،و الّتي بعدها من مراتب المعارج و لها الأقربيّة.

و أيضا الصّور الّتي تلحق الأرواح في البرزخ الأخير إنّما هي صور الأعمال و نتيجة الأفعال السّابقة في النّشأة الدّنياويّة،بخلاف صور الجنّة الأولى،فلا يكون كلّ منهما عين الآخر.لكنّهما تشتركان في كونهما عالما حيوانيّا و جوهرا نورانيّا،غير متعلّق الوجود بالمادّة الظّلمانيّة، مشتملا على أمثلة ما في العالم.

و قد صرّح صاحب«الفتوحات المكّيّة»في الباب الحادي و العشرين و ثلاثمائة من كتابه،بأنّ هذا البرزخ غير الأوّل؛و يسمّى الأوّل بالغيب الإمكانيّ،و الثّاني بالغيب المحاليّ،لإمكان ظهور ما في الأوّل في الشّهادة،

ص: 163

و امتناع رجوع ما في الثّاني إليها إلاّ في الآخرة و قليل من يكاشفه بخلاف الأوّل،و لذلك يشاهد كبراؤنا و يكاشف البرزخ الأوّل،فيعلم ما يريد أن يقع في العالم الدّنياويّ من الحوادث،و لا يقدر على مكاشفة أحوال الموتى،انتهى.

و احتجّوا على المغايرة بينهما أيضا بوجوه:

أحدها:إنّ هذه الجنّة لو كانت هي دار الثّواب لكانت جنّة الخلد،و كان من دخلها لم يخرج منها،لقوله تعالى: وَ ما هُمْ مِنْها بِمُخْرَجِينَ الحجر:48،و قد خرج آدم و زوجته منها،فليست هي بجنّة الخلد.

أقول:هذا ضعيف،لأنّ ذلك إنّما يكون إذا استقرّ أهل الجنّة فيها للجزاء و الثّواب،و الوصول إلى الغاية و النّهاية،فأمّا قبل ذلك فإنّ كلّ شيء هالك إلاّ وجهه.

الثّاني:إنّ آدم لو كان في جنّة الخلد لما لحقه الغرور من إبليس بقوله: هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَ مُلْكٍ لا يَبْلى طه:120،و لما سمع قوله: ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ الأعراف:20.

أقول:استحالة ذلك في بداية الأمر و قبل خروج النّفس من القوّة إلى الفعل ممنوع،فإنّ الإنسان ما لم يقع في دار التّكليف و الابتلاء،فهو بعد سريع القبول للوقائع.

الثّالث:إنّ إبليس لمّا امتنع من السّجود لعن،فما كان يقدر مع غضب اللّه عليه على أن يصل إلى جنّة الخلد.

أقول:كما استحال عقلا أن يدخل إبليس-بعد طرده و لعنه-الجنّة الآخرة،كذلك استحال دخوله في الجنّة السّابقة،إلاّ أنّ العلماء ذكروا كيفيّة دخوله:أنّه على سبيل الاختلاس و الاجتياز في أوقات قليلة نادرة، كسارق يريد أن يدخل دار السّلاطين و يختطف منها شيئا،و لذا قالوا:و يجوز أن يكون وسوسة إبليس من خارج الجنّة،من حيث يستمعان كلامه.

الرّابع:إنّ الجنّة الّتي هي دار الثّواب لا يفنى نعيمها، لقوله تعالى: أُكُلُها دائِمٌ الرّعد:35،و قوله: عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ هود:108،أي غير مقطوع.فهذه الجنّة لو كانت هي الّتي دخلها آدم فلم يخرج منها آدم و زوجته،لكنّهما قد خرجا منها.

أقول:هذا كالوجه الأوّل و يرد عليه شبه ما مرّ، و التّحقيق الّذي عليه التّعويل أنّ الدّارين واحدة بالذّات،متغايرة بالاعتبار،و كذا جميع بدايات المقامات،بالقياس إلى نظائرها من النّهايات،فعليه يحمل أقوال أهل المعرفة و اختلافهم.

و أمّا أهل النّكرة و الحجاب،فمنهم من قال:إنّ هذه الجنّة الّتي خرج منها آدم كانت في الأرض لا في السّماء، و هو قول أبي القاسم البلخيّ،و أبي مسلم الأصفهانيّ، و به قال بعض أصحابنا،فحملوا الإهباط على الانتقال من بقعة إلى بقعة،كما في قوله: اِهْبِطُوا مِصْراً.

و ربّما عيّن و قيل:«إنّه بستان كان بأرض فلسطين، أو بين فارس و كرمان،خلقها اللّه امتحانا لآدم»و حمل الإهباط على الانتقال منه الى أرض الهند.

و استدلّ على ذلك بأنّه لا نزاع في أنّ اللّه خلق آدم عليه السّلام في الأرض،و لم يذكر في هذه القصّة أنّه نقله إلى السّماء،و لو كان تعالى قد نقله إلى السّماء،لكان ذلك

ص: 164

أولى بالذّكر،لأنّ نقله من الأرض إلى السّماء من أعظم النّعم،فدلّ على أنّ ذلك لم يحصل؛و ذلك يوجب أنّ المراد من(الجنّة)الّتي قال اللّه: اُسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ ليست في غير الدّنيا.

و منهم من قال:إنّ تلك الجنّة كانت في السّماء السّابعة،و الدّليل عليه قوله: اِهْبِطُوا و هو قول الجبّائيّ.قالوا:«إنّ الإهباط الأوّل كان من السّماء السّابعة إلى السّماء الأولى،و الإهباط الثّاني كان من السّماء إلى الأرض».

و منهم من قال:إنّ هذه الجنّة هي دار الثّواب،بدليل أنّ الألف و اللاّم في لفظ(الجنّة)لا يفيدان العموم،لأنّ سكون جميع الجنان محال،فلا بدّ من صرفهما إلى المعهود السّابق إلى الفهم.و الجنّة الّتي هي المعهود المعلوم بين المسلمين هي دار الثّواب،فوجب صرف اللّفظ إليها و هو قول المفسّرين،و الحسن البصريّ،و عمرو بن عبيدة،و واصل بن عطاء و كثير من المعتزلة،و أصحاب أبي الحسن الأشعريّ.و هو المختار عند الإمام الرّازيّ في تفسيره«الكبير».

و منهم من قال:إنّ الكلّ ممكن،و الأدلّة النّقليّة ضعيفة،و مع ضعفها متعارضة،فوجب التّوقّف و ترك القطع.(3:81)

البروسويّ: [نحو الشّربينيّ و أضاف:]

و فيه نظر،لأنّ الهبوط قد يستعار للانتقال إذا ظهر امتناع حقيقته و استبعادها،و هناك ليس كذلك.

(1:106)

رشيد رضا :قد اختلف علماء المسلمين من أهل السّنّة و غيرهم في(الجنّة)هل هي البستان أو المكان الّذي تظلّله الأشجار بحيث يستتر الدّاخل فيه،كما يفهمه أهل اللّغة؟أم هي الدّار الموعود بها في الآخرة؟ و المحقّقون من أهل السّنّة على الأوّل.قال الإمام أبو منصور الماتريديّ في تفسيره المسمّى ب«التّأويلات»:

نعتقد أن هذه(الجنّة)بستان من البساتين أو غيضة من الغياض،كان آدم و زوجه منعّمين فيها،و ليس علينا تعيينها و لا البحث عن مكانها،و هذا هو مذهب السّلف، و لا دليل لمن خاض في تعيين مكانها من أهل السّنّة و غيرهم.(1:276)

مكارم الشّيرازيّ: يبدو أنّ الجنّة الّتي مكث فيها آدم قبل هبوطه إلى الأرض،لم تكن الجنّة الّتي وعد بها المتّقون،بل كانت من جنان الدّنيا،و صقعا منعّما خلاّبا من أصقاع الأرض،و دليلنا على ذلك:

أوّلا:الجنّة الموعودة في القيامة نعمة خالدة، و القرآن ذكر مرارا خلودها،فلا يمكن إذن الخروج منها.

ثانيا:إبليس الملعون ليس له طريق للجنّة،و ليس لوسوسته مكان هناك.

ثالثا:وردت عن أهل البيت عليهم السّلام روايات تصرّح بذلك،منها:ما روي عن الإمام جعفر بن محمّد الصّادق عليهما السّلام أنّه سئل عن جنّة آدم،فقال:«جنّة من جنّات الدّنيا،يطلع فيها الشّمس و القمر،و لو كان من جنان الآخرة ما خرج منها أبدا».

من هذا يتّضح أنّ هبوط آدم و نزوله إلى الأرض لم يكن مكانيّا بل مقاميّا،أي أنّه هبط من مكانته السّامية، و من تلك الجنّة المزدانة.

ص: 165

من المحتمل أيضا أن تكون هذه الجنّة غير الخالدة في إحدى الكواكب السّماويّة،و في بعض الرّوايات الإسلاميّة إشارة إلى أنّ هذه الجنّة في السّماء.غير أنّ من الممكن أن يكون المقصود بالسّماء في هذه الرّوايات «المقام الرّفيع»لا«المكان المرتفع».

على كلّ حال،توجد شواهد كثيرة على أنّ هذه الجنّة هي غير جنّة الخلد الموعودة،لأنّ جنّة آدم بداية مسير الإنسان و جنّة الخلد نهايتها.و هذه مقدّمة لأعمال الإنسان و مراحل حياته،و تلك نتيجة أعمال الإنسان و مسيرته.(1:146)

2- عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى. النّجم:15

راجع«أوي»(المأوى)

جنّته

وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً. الكهف:35

ابن عبّاس: بستانه.(247)

و بهذا المعنى آيتا(39 و 40)من هذه السّورة.

جنّتي

فَادْخُلِي فِي عِبادِي* وَ ادْخُلِي جَنَّتِي الفجر 29،30

ابن عبّاس: (جنّتى)الّتي أعدّت لك.(511)

الضّحّاك: في رحمتي.(الطّبريّ 30:192)

الكلبيّ: يعني الرّوح ترجع في الجسد.

(الطّبريّ 30:192)

الزّجّاج: ادخلي إلى صاحبك الّذي خرجت منه فادخلي فيه.(5:325)

الماورديّ: الجنّة الّتي هي دار الخلود و مسكن الأبرار.(6:272)

الطّوسيّ: (جنّتى)الّتي وعدتكم بها و أعددت نعيمكم فيها.(10:348)

مثله الطّبرسيّ.(5:490)

الطّباطبائيّ: تعيين لمستقرّها،و في إضافة «الجنّة»إلى ضمير التّكلّم تشريف خاصّ،و لا يوجد في كلامه تعالى إضافة الجنّة إلى نفسه تعالى و تقدّس إلاّ في هذه الآية.(20:286)

في هذه الآية مسائل أخرى راجع«د خ ل».

جنّتان

لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَ اشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَ رَبٌّ غَفُورٌ. سبأ:15

ابن عبّاس: بستانان.(360)

مثله البغويّ(3:676)،و الخازن(5:236).

ابن زيد :و لم يكن يرى في قريتهم بعوضة قطّ، و لا ذباب،و لا برغوث،و لا عقرب،و لا حيّة،و إن كان الرّكب ليأتون و في ثيابهم القمل و الدّوابّ،فما هم إلاّ أن ينظروا إلى بيوتهم،فتموت الدّوابّ،و إن كان الإنسان ليدخل الجنّتين،فيمسك القفّة على رأسه،فيخرج حين يخرج،و قد امتلأت تلك مقفّة من أنواع الفاكهة،و لم يتناول منها شيئا بيده،و السّدّ يسقيها.

(الطّبريّ 22:77)

ص: 166

ابن عيينة: وجد فيهما قصران،مكتوب على أحدهما:نحن بنينا سالمين،في سبعين خريفا دائبين، و على الآخر:نحن بنينا صرواح:مقيل و مراح.و كانت إحدى الجنّتين عن يمين الوادي،و الأخرى عن شماله.

(الماورديّ 4:443)

الفرّاء: الجنّتان مرفوعتان،لأنّهما تفسير للآية، و لو كان أحد الحرفين (1)منصوبا ب(كان)لكان صوابا.

(2:358)

الطّبريّ: يعني:بستانان كانا بين جبلين،عن يمين من أتاهما و شماله.[ثمّ قال نحو الفرّاء](22:77)

الزّجّاج: (آية)رفع اسم(كان)،و(جنّتان)رفع على نوعين:على أنّه بدل من آية،و على إضمار،كأنّه لمّا قيل:(آية)قيل:الآية جنّتان،و الجنّتان:البستانان، فكان لهم بستانان:بستان يمنة،و بستان يسرة.

(4:248)

نحوه النّسفيّ.(3:321)

الزّمخشريّ: إن قلت:كيف عظّم اللّه جنّتي أهل سبإ و جعلهما آية،و ربّ قرية من قريات العراق يتحف بها من الجنان ما شئت؟

قلت:لم يرد بساتين اثنين فحسب،و إنّما أراد جماعتين من البساتين:جماعة عن يمين بلدهم،و أخرى عن شمالها.و كلّ واحدة من الجماعتين في تقاربها و تضامنها كأنّها جنّة واحدة،كما تكون بلاد الرّيف العامرة و بساتينها،أو أراد بستاني كلّ رجل منهم عن يمين مسكنه و شماله،كما قال: جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ الكهف:32.(3:284)

ابن عطيّة: (جنّتان)ابتداء،و خبره في قوله:

عَنْ يَمِينٍ وَ شِمالٍ أو خبر ابتداء،تقديره:هي جنّتان،و هي جملة بمعنى هذه حالهم،و البدل من(آية) ضعيف،و قد قاله مكّيّ و غيره.و قرأ ابن أبي عبلة (آية جنّتين) بالنّصب.

و روي أنّه كان في ناحية اليمن واد عظيم بين جبلين، و كانت جنّتا الوادي منبت فواكه و زروع،و كان قد بني في رأس الوادي عند أوّل الجبلين جسر عظيم من حجارة،من الجبل إلى الجبل،فارتدع الماء فيه و صار بحيرة عظيمة،و أخذ الماء من جنبتيها،فمشى مرتفعا يسقي جنّات جنّتي الوادي-قيل:بنته بلقيس،و قيل:

بناه حمير أبو القبائل اليمنيّة كلّها-و كانوا بهذه الحال في أرغد نعم،و كانت لهم بعد ذلك قرى ظاهرة متّصلة من اليمن إلى الشّام،و كانوا أرباب تلك البلاد في ذلك الزّمان.

(4:413)

الطّبرسيّ: أي بستانان عن يمين من أتاهما و شماله،و قيل:عن يمين البلد و شماله.

و قيل:إنّه لم يرد جنّتين اثنتين،و المراد كانت ديارهم على وتيرة واحدة؛إذ كانت البساتين عن يمينهم و شمالهم،متّصلة بعضها ببعض،و كان من كثرة النّعم أنّ المرأة كانت تمشي و المكتل على رأسها فيمتلئ بالفواكه، من غير أن تمسّ بيدها شيئا.(4:386)

البيضاويّ: بدل من(آية)أو خبر محذوف، تقديره:الآية جنّتان.و قرئ بالنّصب على المدح،و المراد جماعتان من البساتين.[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ]

(2:258)ن.

ص: 167


1- يريد آية و جنّتان.

نحوه أبو السّعود.(5:253)

البروسويّ: (جنّتان)بدل من(آية)و المراد بهما جماعتان من البساتين لا بستانان اثنان فقط.(7:281)

الآلوسيّ: المراد بالجنتين على ما روي عن قتادة:

جماعتان من البساتين:جماعة عن يمين بلدهم و جماعة عن شماله.و إطلاق الجنّة على كلّ جماعة،لأنّها لتقارب أفرادها و تضامّها كأنّها جنّة واحدة،كما تكون بلاد الرّيف العامرة و بساتينها.

و قيل:أريد بستانا كلّ رجل منهم عن يمين مسكنه و شماله،كما قال سبحانه: جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ الكهف:32.

قيل:و لم تجمع لئلاّ يلزم أنّ لكلّ مسكن رجل جنّة واحدة،لمقابلة الجمع بالجمع.و ردّ بأنّ قوله تعالى:

عَنْ يَمِينٍ وَ شِمالٍ يدفع ذلك،لأنّه بالنّظر إلى كلّ مسكن،إلاّ أنّه لو جمعت أوهم أنّ لكلّ مسكن جنّات عن يمين و جنّات عن شمال،و هذا لا محذور فيه إلاّ أن يدّعى أنّه مخالف للواقع.

ثمّ إنّه قيل:إنّ(في)فيما سبق بمعنى«عند»فإنّ المساكن محفوفة بالجنّتين لا ظرف لهما.و قيل:لا حاجة إلى هذا،فإنّ القريب من الشّيء قد يجعل فيه مبالغة في شدّة القرب و لكلّ جهة،لكن أنت تعلم أنّه إذا أريد بالمساكن أو المسكن ما يصلح أن يكون ظرفا لبلدهم المحفوفة بالجنّتين أو لمحلّ كلّ منهم المحفوفة بهما،لم يحتج إلى التّأويل أصلا،فلا تغفل.(22:125)

فضل اللّه :و الجنّة هي البستان المشتمل على الخضرة و الفاكهة و الورود المتنوّعة،بأشكالها و ألوانها و خصائصها و عناصرها الذّاتيّة،في طعمها و ريحها و منظرها،بما يملأ العين و القلب و الحياة.و هكذا كان على اليمين بستان ممتدّ يشمل المنطقة كلّها،و بستان ممتدّ على الشّمال بالمستوى نفسه،و قد تنوّعت كلمات المفسّرين...

(19:31)

جنّات

1- وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ كُلَّما رُزِقُوا مِنْها مِنْ ثَمَرَةٍ رِزْقاً قالُوا هذَا الَّذِي رُزِقْنا مِنْ قَبْلُ وَ أُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً وَ لَهُمْ فِيها أَزْواجٌ مُطَهَّرَةٌ وَ هُمْ فِيها خالِدُونَ.

البقرة:25

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:لم سمّيت الجنّة جنّة؟لأنّها جنينة خيّرة نقيّة،و عند اللّه تعالى ذكره مرضيّة.(العروسيّ 1:44)

مسروق:نخل الجنّة نضيد من أصلها إلى فرعها، و ثمرها أمثال القلال،كلّما نزعت ثمرة عادت مكانها أخرى،و ماؤها يجري في غير أخدود.

(الطّبريّ 1:170)

ابن عبّاس: إنّ الجنان سبع:جنّة الفردوس، و جنّة عدن،و جنّة النّعيم،و دار الخلد،و جنّة المأوى، و دار السّلام،و علّيّون.و في كلّ واحدة من هذه السّبع مراتب و درجات متفاوتة،على حسب تفاوت الأعمال و العمّال.(الشّربينيّ 1:37)

المفضّل الضّبّيّ: الجنّة:كلّ بستان فيه نخل،و إن لم يكن فيه شجر غيره،فإن كان فيه كرم فهو فردوس، كان فيه شجر غير الكرم أو لم يكن.(الماورديّ 1:85)

ص: 168

نحوه الخازن.(1:34)

أبو عبيدة :إذا كان الأمر كذلك في أنّ أنهارها جارية في غير أخاديد،فلا شكّ أنّ الّذي أريد بالجنّات:

أشجار الجنّات و غروسها و ثمارها دون أرضها؛إذ كانت أنهارها تجري فوق أرضها و تحت غروسها و أشجارها، على ما ذكره مسروق؛و ذلك أولى بصفة«الجنّة»من أن تكون أنهارها جارية تحت أرضها.

و إنّما رغّب اللّه جلّ ثناؤه بهذه الآية عباده في الإيمان،و حضّهم على عبادته بما أخبرهم أنّه أعدّه لأهل طاعته،و الإيمان به عنده،كما حذّرهم في الآية الّتي قبلها بما أخبر من إعداده ما أعدّ لأهل الكفر به،الجاعلين معه الآلهة و الأنداد من عقابه،عن إشراك غيره معه، و التّعرّض لعقوبته بركوب معصيته،و ترك طاعته.

(الطّبريّ 1:170)

الطّبريّ: إنّما عنى جلّ ذكره بذكر الجنّة ما في الجنّة من أشجارها و ثمارها و غروسها،دون أرضها،فلذلك قال عزّ ذكره: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لأنّه معلوم أنّه إنّما أراد جلّ ثناؤه الخبر عن ماء أنهارها،أنّه جار تحت أشجارها و غروسها و ثمارها،لا أنّه جار تحت أرضها،لأنّ الماء إذا كان جاريا تحت الأرض،فلا حظّ فيها لعيون من فوقها إلاّ بكشف السّاتر بينها و بينه،على أنّ الّذي توصف به أنهار الجنّة أنّها جارية في غير أخاديد.(1:170)

الزّجّاج: (جنّات)في موضع نصب ب(انّ)،إلاّ أنّ التّاء تاء جماعة المؤنّث،هي في الخفض و النّصب على صورة واحدة،كما أنّ ياء الجمع في النّصب و الخفض على صورة واحدة،تقول:رأيت الزّيدين و مررت بالزّيدين،و رأيت الهندات،و رغبت في الهندات.

و الجنّة في لغة العرب:البستان،و الجنّات:البساتين، و هي الّتي وعد اللّه بها المتّقين،و فيها ما تشتهي الأنفس و تلذّ الأعين.(1:101)

نحوه القرطبيّ.(1:239)

الزّمخشريّ: الجنّة:البستان من النّخل و الشّجر المتكاثف المظلّل بالتفاف أغصانه.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّركيب دائر على معنى السّتر،و كأنّها لتكاثفها و تظليلها سمّيت بالجنّة الّتي هي المرّة من مصدر:جنّه،إذا ستره،كأنّها سترة واحدة لفرط التفافها،و سمّيت دار الثّواب جنّة لما فيها من الجنان.

فإن قلت:الجنّة مخلوقة أم لا؟

قلت:قد اختلف في ذلك،و الّذي يقول:إنّها مخلوقة،يستدلّ بسكنى آدم و حوّاء الجنّة،و بمجيئها في القرآن على نهج الأسماء الغالبة اللاّحقة بالأعلام،كالنّبيّ و الرّسول و الكتاب و نحوها.

فإن قلت:ما معنى جمع الجنّة و تنكيرها؟

قلت:الجنّة اسم لدار الثّواب كلّها،و هي مشتملة على جنان كثيرة،مرتّبة مراتب على حسب استحقاقات العاملين،لكلّ طبقة منهم جنّات من تلك الجنان.[إلى أن قال:]

فإن قلت:كيف صورة جري الأنهار من تحتها؟

قلت:كما ترى الأشجار النّابتة على شواطئ الأنهار الجارية.(1:257)

نحوه الفخر الرّازيّ(2:128)،و البيضاويّ(1:

ص: 169

37)،و القاسميّ(2:83).

النّسفيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و الجنّة مخلوقة لقوله تعالى: اُسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ البقرة:35،خلافا لبعض المعتزلة.[ثمّ ذكر معنى جمع الجنّة و تنكيرها كالزّمخشريّ](1:33)

أبو حيّان :روي عن ابن عبّاس:أنّها سبع جنّات، و قال قوم:هي ثمان جنّات.

و زعم بعض المفسّرين: أنّ في تضاعيف الكتاب و السّنّة ما يدلّ على أنّها أكثر من العدد الّذي أشار إليه ابن عبّاس و غيره.قال:فإنّه قال: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَ نَهَرٍ، وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ، وَ مِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ، عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى، جَنّاتِ عَدْنٍ.

و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال: جنّتان من فضّة آنيتهما و ما فيهما،و جنّتان من ذهب آنيتهما و ما فيهما،و ما بين القوم و بين أن ينظروا إلى ربّهم إلاّ رداء الكبرياء،على وجهه في جنّة عدن.و هذا الّذي أورده هذا المفسّر لا يدلّ على أنّها أكثر ممّا روي عن ابن عبّاس.[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ في معنى الجنّة و أضاف:]

و قد جاء في القرآن ذكر«الجنّة»مفردة و مجموعة، فإذا كانت مفردة فالمراد الجنس،و اللاّم في«لهم» للاختصاص،و تقديم الخبر هنا آكد من تقديم المخبر عنه،لقرب عود الضّمير على(الّذين آمنوا)،فهو أسرّ للسّامع،و الشّائع أنّه إذا كان الاسم نكرة تعيّن تقديمه أَ إِنَّ لَنا لَأَجْراً الشّعراء:41.(1:112)

البروسويّ: [ذكر معنى الجنّة و تنكيرها كالزّمخشريّ و أضاف:]

ثمّ الجنان ثمان:دار الجلال كلّها من نور مدائنها و قصورها و بيوتها و أوانيها و شرفها و أبوابها و درجها و غرفها و أعاليها و أسافلها و خيامها و حليّها و كلّ ما فيها.

و دار القرار كلّها من المرجان.

و دار السّلام كلّها من الياقوت الأحمر.

و جنّة عدن من الزّبرجد كلّها،و هي قصبة الجنّة، و هي مشرفة على الجنان كلّها،و باب جنّة عدن مصراعان من زمرّد و ياقوت ما بين المصراعين،كما بين المشرق و المغرب.

و جنّة المأوى من الذّهب الأحمر كلّها.

و جنّة الخلد من الفضّة كلّها.

و جنّة الفردوس من اللّؤلؤ كلّها،و حيطانها لبنة من ذهب و لبنة من فضّة و لبنة من ياقوت و لبنة من زبرجد، و ملاطها و ما يجعل بين اللّبنتين مكان الطّين،المسك، و قصورها الياقوت،و غرفها اللّؤلؤ،و مصاريعها الذّهب، و أرضها الفضّة،و حصباؤها المرجان،و ترابها المسك، و نباتها الزّعفران و العنبر.

و جنّة النّعيم من الزّمرّد كلّها.

و في الخبر:«إنّ المؤمن إذا دخل الجنّة رأى سبعين ألف حديقة،في كلّ حديقة سبعون ألف شجرة،على كلّ شجرة سبعون ألف ورقة،و على كلّ ورقة:لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه أمّة مذنبة و ربّ غفور،كلّ ورقة عرضها من مشرق الشّمس إلى مغربها».(1:82)

رشيد رضا :ورد لفظ الجنّة و الجنّات كثيرا في

ص: 170

مقابلة النّار،و الجنّة في اللّغة:البستان،و الجنّات جمعها، و ليس المراد بهما مفهومهما اللّغويّ فقط،و إنّما هما دار الخلود في النّشأة الآخرة؛فالجنّة:دار الأبرار و المتّقين، و النّار:دار الفجّار و الفاسقين،فنؤمن بهما بالغيب و لا نبحث في حقيقة أمرهما،و لا نزيد على النّصوص القطعيّة فيهما شيئا،لأنّ عالم الغيب لا يجري فيه القياس.

(1:231)

نحو المراغيّ.(1:68)

مكارم الشّيرازيّ: ذكر القرآن الكريم أنواع النّعم المادّيّة في الجنّة،مثل:جنّات تجري من تحتها الأنهار،و مساكن طيّبة،و أزواج مطهّرة،و ثمار متنوّعة، و خلاّن متحابّين.و لكنّه ذكر إلى جانب هذه النّعم المادّيّة نعما أهمّ منها هي النّعم المعنويّة الّتي لا نستطيع أن نفهم عظمتها بمقاييسنا،كقوله: وَعَدَ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ مَساكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنّاتِ عَدْنٍ وَ رِضْوانٌ مِنَ اللّهِ أَكْبَرُ ذلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ التّوبة:72.

و في آية أخرى يقول سبحانه بعد ذكر النّعم المادّيّة:

رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ البيّنة:8.

لو بلغ الإنسان هذه المرتبة حيث يرضى اللّه عنه و يرضى عن اللّه،لأحسّ بلذّة لا ترقى إليها لذّة،و لهانت في نظر هذا الإنسان سائر اللّذّات،عندها يرتبط هذا الإنسان باللّه و لا يفكّر بما سواه،و هي مرتبة يعجز القلم و اللّسان عن وصف سموّها و أبعادها.

بعبارة موجزة:كما أنّ للمعاد جانبا روحيّا و جانبا جسميّا،كذلك نعم الجنّة ذات جانبين أيضا،كي تكون جامعة و قابلة لاستفادة أهل الجنّة جميعا،كلّ على قدر كفاءته و لياقته.(1:118)

2- وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَ مِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَ جَنّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَ الزَّيْتُونَ وَ الرُّمّانَ مُشْتَبِهاً وَ غَيْرَ مُتَشابِهٍ...

الأنعام:99

ابن عبّاس: بساتين.(116)

مثله الماورديّ.(2:149)

الفرّاء: قوله: وَ جَنّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ نصب،إلاّ أنّ جمع المؤنّث بالتّاء يخفض في موضع النّصب،و لو رفعت«الجنّات»تتبع«القنوان»كان صوابا.(1:347)

الطّبريّ: بساتين من أعناب.

و اختلف القرّاء في قراءة ذلك،فقرأه عامّة القرّاء (و جنّات) نصبا،غير أنّ التّاء كسرت لأنّها تاء جمع المؤنّث،و هي تخفض موضع النّصب.

و عن الأعمش أنّه قرأ (و جنّات من اعناب) بالرّفع،فرفع(جنّات)على اتباعها«القنوان»في الإعراب،و إن لم تكن من جنسها.[ثمّ استشهد بشعر]

و القراءة الّتي لا أستجيز أن يقرأ ذلك إلاّ بها:

النّصب وَ جَنّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ لإجماع الحجّة من القرّاء على تصويبها و القراءة بها،و رفضهم ما عداها،و بعد معنى ذلك من الصّواب إذا قرئ رفعا.(7:294)

نحوه الطّوسيّ(4:233)،و البغويّ(2:147)

أبو زرعة:[نقل قول الفرّاء«لو رفعت الجنّات...»ثمّ قال:]

ص: 171

و قرأ الباقون (جنّات) نصبا،نسق على قوله:

(خضرا)أي فأخرجنا من الماء خضرا و جنّات من أعناب.(264)

الزّمخشريّ: قوله: وَ جَنّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ فيه وجهان:

أحدهما أن يراد:و ثمّ جنّات من أعناب،أي مع النّخل.

و الثّاني:أن يعطف على(قنوان)على معنى:و حاصلة أو و مخرجة من النّخل قنوان(و جنّات من اعناب)أي من نبات أعناب.

و قرئ (و جنّات) بالنّصب عطفا على نبات كلّ شيء،أي و أخرجنا به جنّات من أعناب.(2:39)

نحوه الفخر الرّازيّ.(3:109)

ابن عطيّة: [نقل قراءة النّصب كما تقدّم عن الزّمخشريّ و أضاف:]

(و جنّات)بالرّفع على تقدير:و لكم جنّات،أو نحو هذا.(2:328)

الطّبرسيّ: يعني و أخرجنا به أيضا جنّات من أعناب،أي بساتين من أعناب.و من رفعه فتقديره:و نخرج به جنّات من أعناب.(2:341)

العكبريّ: [نحو ابن عطيّة ثمّ قال:]

و لا يجوز أن يكون معطوفا على(قنوان)،لأنّ العنب لا يخرج من النّخل،و(من اعناب)صفة ل (جنّات).(11:525)

الطّيّبيّ: الأظهر أن يكون عطفا على(حبّا)لأنّ قوله:(نبات كلّ شىء)مفصّل لاشتماله على كلّ صنف من أصناف النّامي،كأنّه قال:فأخرجنا بالنّامي نبات كلّ شيء ينبت كلّ صنف من أصناف النّامي.و النّامي:الحبّ و النّوى و شبههما.(القاسميّ 6:2438)

أبو حيّان :قراءة الجمهور بكسر التّاء،عطفا على قوله:(نبات)و هو من عطف الخاصّ على العامّ لشرفه، و لمّا جرّد النّخل جرّدت:جنّات الأعناب،لشرفهما،كما قال: أَ يَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنابٍ البقرة:266.

و قرأ محمّد بن أبي ليلى و الأعمش و أبو بكر،في رواية عنه عن عاصم: (و جنّات) بالرّفع.و أنكر أبو عبيد و أبو حاتم هذه القراءة حتّى قال أبو حاتم:هي محال،لأنّ الجنّات من الأعناب لا تكون من النّخل.

و لا يسوغ إنكار هذه القراءة،و لها التّوجيه الجيّد في العربيّة،وجّهت على أنّه مبتدأ محذوف الخبر،فقدّره النّحّاس،(و لهم جنّات)،و قدّره ابن عطيّة(و لكم جنّات)،و قدّره أبو البقاء(و من الكرم جنّات)،و قدّره (و من الكرم)لقوله:(و من النّخل)،و قدّره الزّمخشريّ (و ثمّ جنّات)أي مع النّخل.و نظيره قراءة من قرأ:

(و حور عين)بالرّفع بعد قوله: يُطافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ الصّافّات:45،و تقديره:(و لهم حور)، و أجاز مثل هذا سيبويه و الكسائيّ و الفرّاء،و مثله كثير.

و قدّر الخبر أيضا مؤخّرا تقديره:و جنّات من أعناب أخرجناها،و دلّ على تقديره قوله قبل:

(فاخرجنا)كما تقول:أكرمت عبد اللّه و أخوه،التّقدير:

و أخوه أكرمته،فحذف أكرمته لدلالة أكرمت عليه.

و وجّهها الطّبريّ على أنّ(و جنّات)عطف على

ص: 172

(قنوان).[إلى أن قال:]

و هذا العطف هو على أن لا يلاحظ فيه قيد من النّخل،فكأنّه قال:من النّخل قنوان دانية و جنّات من أعناب حاصلة،كما تقول:من بني تميم رجل عاقل و رجل من قريش منطلقان.(4:190)

3- جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ وَ الْمَلائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بابٍ. الرّعد:23

راجع«ع د ن»(عدن).

4- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً. الكهف:107

راجع«الفردوس».

جنّة

اِتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. المنافقون:2

ابن عبّاس: (جنّة)من القتل.(472)

قتادة :من السّبي و القتل ليعصموا بها دماءهم و أموالهم.(الماورديّ 6:14)

السّدّيّ: من الموت ألاّ يصلّى عليهم،فيظهر على جميع المسلمين نفاقهم.(الماورديّ 6:14)

الطّبريّ: سترة يستترون بها،كما يستتر المستجنّ بجنّته في حرب و قتال،فيمنعون بها أنفسهم و ذراريهم و أموالهم،و يدفعون بها عنها.(28:106)

نحوه الزّجّاج(5:175)،و الطّبرسيّ(5:291)، و الفخر الرّازيّ(30:13)،و القرطبيّ(18:123).

الماورديّ: الغطاء المانع من الأذى.[إلى أن قال:]

جنّة تدفع عنهم فضيحة النّفاق.(6:14)

ابن عطيّة: ما يستتر به في الأجرام و المعاني.

(5:311)

البيضاويّ: وقاية من القتل و السّبي.(2:478)

مثله النّسفيّ.(4:257)

أبو السّعود :أي وقاية عمّا يتوجّه إليهم من المؤاخذة بالقتل و السّبي أو غير ذلك.و اتّخاذها جنّة:

عبارة عن إعدادهم و تهيئتهم لها إلى وقت الحاجة، ليحلفوا بها و يتخلّصوا عن المؤاخذة،لا عن استعمالها بالفعل،فإنّ ذلك متأخّر عن المؤاخذة المسبوقة بوقوع الجناية.و اتّخاذ الجنّة لا بدّ أن يكون قبل المؤاخذة و عن سببها أيضا،كما يفصح عنه«الفاء»في قوله تعالى:

فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ (6:251)

نحوه البروسويّ(9:531)،و الآلوسيّ(28:109)، و القاسميّ(16:5807)،و المراغيّ(28:105)، و مغنيّة(7:331).

الطّباطبائيّ: الجنّة:التّرس و المراد بها ما يتّقى به،من باب الاستعارة.(19:279)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: باب«الجنّة»على ستّة أوجه:

أحدها:موعد المؤمنين في الآخرة،كقوله: اُسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ البقرة:35،و فيها: جَنّاتٍ

ص: 173

تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ البقرة:25،و قوله: وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ آل عمران:133، و قوله: مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ الرّعد:

35.

و الثّاني:الممثّل بها كقوله: كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ البقرة:265،و فيها: أَ يَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنابٍ البقرة:266.

و الثّالث:جنّة الأخوين يهوذا و قطروس،كقوله:و جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ الكهف:32،و فيها: وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ الكهف:35، وَ لَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ الكهف:

39.

و الرّابع:جنّة سبأ،كقوله: آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمالٍ سبأ:15،و قوله: بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ سبأ:16.

و الخامس:جنّة صاحب الصّدقة بصنعاء اليمن، كقوله: إِنّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ القلم:17.

و السّادس:جنّة الدّنيا،كقوله: لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَ نَباتاً* وَ جَنّاتٍ أَلْفافاً النّبأ:15 و 16.(171)

باب«جنّ»على وجهين:

أحدهما:الدّخول،كقوله: فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً الأنعام:76.

و الثّاني:الصّغير،كقوله: وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ النّجم:32.(176)

باب«الجانّ»على وجهين:

أحدهما:أبو الجنّ،كقوله: وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ الحجر:27،و قوله: وَ خَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ الرّحمن:15.

و الثّاني:الحيّة الصّغيرة،كقوله: كَأَنَّها جَانٌّ وَلّى مُدْبِراً النّمل:10،و يقال:لمّا ألقى موسى عصاه صار جانّا في الابتداء،ثمّ صار ثعبانا في الانتهاء،و يقال:

وصف اللّه تعالى العصا في ثلاثة أوصاف:الحيّة، و الجانّ،و الثّعبان،لأنّه كالحيّة بعدوه،و كالجانّ لتحرّكه،و كالثّعبان لابتلاعه،و يقال:كان حيّة لموسى، و ثعبانا لفرعون،و جانّا للسّحرة.

باب«الجنّة»على ثلاثة أوجه

أحدها:الجنون،كقوله: إِنْ هُوَ إِلاّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ المؤمنون:25،و قوله: أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ المؤمنون:

70،و قوله: أَفْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ سبأ:8.

و الثّاني:الملائكة،كقوله: بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ سبأ:41،و قوله: وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَ لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ الصّافّات 158.

و الثّالث:الجنّ،كقوله: مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ النّاس:6.(179)

الدّامغانيّ: الجنّة على تسعة أوجه:التّوحيد، البستان في الدّنيا،دار الثّواب،الجنّ بكسر الجيم، الجنون،الجنين،السّتر،الجانّ:الحيّة،جنى.

فوجه منها؛الجنّة يعني التّوحيد،قوله تعالى: وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ البقرة:221،يعني إلى التّوحيد.

و الوجه الثّاني:الجنّة:البستان في الدّنيا،قوله: إِنّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ القلم:17،يعني

ص: 174

أصحاب البستان،كقوله: جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ الكهف:32،يعني بستانين.

و الوجه الثّالث:الجنّة:دار الثّواب،قوله: وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ ق:31،و كقوله: وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ آل عمران:133،و نظائرها كثير.

و الوجه الرّابع:الجنّة بكسر الجيم،يعني الجنّ،قوله:

لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ السّجدة:13،يعني من الجنّ، نظيرها في هود:119،و نحوه كثير.

و الوجه الخامس:الجنّة:الجنون،قوله تعالى: أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ المؤمنون:70،يعني الجنون.

و الوجه السّادس:الجنين،قوله: وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ النّجم:32.

و الوجه السّابع:جنّ أي ستر،قوله: فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ أي ستر عليه اللّيل رَأى كَوْكَباً الأنعام:

76.

و الوجه الثّامن:الجانّ:الحيّة،قوله: كَأَنَّها جَانٌّ القصص:31،يعني حيّة.

و الوجه التّاسع:جنى،أي قطف،قوله: وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ الرّحمن:54،و قوله: رُطَباً جَنِيًّا مريم:25.(210)

الفيروزآباديّ: و هي[الجنّة]و ما يشتقّ من مادّتها،ترد على اثني عشر وجها.

الأوّل:بمعنى التّوحيد وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ البقرة:221،قال المفسّرون:أي إلى الإيمان.

الثّاني:بمعنى بستان كان باليمن إِنّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ القلم:17.

الثّالث:بمعنى أخوين من بني إسرائيل وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ الكهف:32.

الرّابع:بمعنى البساتين المحفوفة بالأشجار و المياه الجاريات وَ يَجْعَلْ لَكُمْ جَنّاتٍ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً نوح 12.

الخامس:بمعنى رياض الرّوح و الرّضوان،و بساتين الأحباب و الإخوان وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ آل عمران:133،و هي أربع جنان:ثنتان للخواصّ وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ الرّحمن:46، و ثنتان لعامّة المؤمنين وَ مِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ الرّحمن:62،و إحدى هذه الأربع:جنّة النّعيم إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتِ النَّعِيمِ القلم:34، أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ المعارج:38.و الأخرى جنّة المأوى عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى النّجم:15.

و الثّالثة:جنّة عدن فِي جَنّاتِ عَدْنٍ التّوبة:72، جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتُ عَدْنٍ البيّنة:8.و الرّابعة:

جنّة الفردوس كانَتْ لَهُمْ جَنّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً الكهف:107.

و من جملة الجنان:دار السّلام،و دار الخلد، و علّيّون،تكملة السّبع.

السّادس:الجنّة-بكسر الجيم-بمعنى الجنّ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ النّاس:6، لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ هود:119.

السّابع:الجنّة بمعنى الجنون أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ المؤمنون:70، ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ سبأ:46.

ص: 175

الثّامن:الجنّ بمعنى السّتر عن الحاسّة،يقال:جنّه اللّيل و أجنّه،و جنّ عليه فجنّ:ستره،و أجنّه:جعل له ما يجنّه، و جنّ عليه كذا:ستره.و الجنان:القلب لكونه مستورا عن الحاسّة،و الجنّ و الجنّة:التّرس الّذي يجنّ صاحبه.

التّاسع:الجنين،بمعنى الطّفل في بطن أمّه وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ النّجم:32،و الجنين أيضا:

القبر«فعيل»بمعنى«فاعل»،و الأوّل بمعنى مفعول.

العاشر:الجنّ،و يقال:على وجهين:

أحدهما:للرّوحانيّين المستترة عن الحواسّ كلّها بإزاء الإنس،فيدخل فيه الملائكة و الشّياطين.و كلّ ملائكة جنّ،و ليس كلّ جنّ ملائكة.

و قيل:بل الجنّ بعض الرّوحانيّين،و ذلك أنّ الرّوحانيّين ثلاثة:أخيار و هم الملائكة،و أشرار و هم الشّياطين،و أوساط فيهم خيار و شرار،و هم الجنّ،و يدلّ على ذلك قوله تعالى: قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ إلى قوله: وَ مِنَّا الْقاسِطُونَ الجنّ:1-14.

«و الجنون (1)أمر حائل بين النّفس و العقل».

الحادي عشر:الجانّ بمعنى الحيّة الصّغيرة كَأَنَّها جَانٌّ وَلّى مُدْبِراً النّمل:10.

الثّاني عشر:الجانّ بمعنى أب الجنّ وَ خَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ الرّحمن:15،و قيل:هو نوع من الجنّ.

الثّالث عشر (2):الجنّة:الترس العريض الوسيع الّذي يختفي الرّاجل وراءه اِتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً المجادلة:16.البصائر(2:352)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجنّ،خلاف الإنس، و الواحد:جنّيّ،و الجمع:جنان،و الاسم:الجنّة.و الجانّ:

الجنّ،و يطلق على الشّيطان و الملك،و على ضرب من الحيّات،و الجمع:جنّان.و أرض مجنّة:كثيرة الجنّ؛ يقال:أجنّ،أي وقع في مجنّة،و بات فلان ضيف جنّ:

بات بمكان خال لا أنيس به.و لمّا كان السّتر صفة لازمة للجنّ اشتقّ منه سائر المعاني-كما سترى-و أكثرهم جعله أصلا لها.

و جنّ فلان جنّا و جنونا و استجنّ،أي مسّه طائف من الجنّ،و أجنّه اللّه:رماه بالجنون،فهو مجنون، و الجمع:مجانين.و يقال في التّعجّب:ما أجنّه!و الجنّة:

الجنون،يقال:به جنّة و جنون و مجنّة،و تجنّن عليه و تجانّ و تجانن:أرى من نفسه أنّه مجنون.

و الجنّة:الحديقة ذات الشّجر و النّخل،و دار النّعيم في الآخرة،و الجمع:جنان و جنّات،و سمّيت بذلك لاتّصافها بصفة الجنّ،أي السّتر و التّواري،فهي متكاثفة الأشجار،متشابكة الأغصان.أو أنّ سبب التّسمية يرجع إلى تعجّبهم من روعتها و جمالها،فسمّوها باسم الجنّ،كما نسبوا إلى«عبقر»كلّ ما كان فائقا،يقال:

رجل عبقريّ،و ثوب عبقريّ.و عبقر:موضع تزعم العرب أنّه موطن للجنّ.

ص: 176


1- هذه الجملة مقحمة هنا و مكانها-كما يؤخذ من الرّاغب -في الكلام على السّابع.
2- المذكور فيما سبق اثنا عشر..و الظّاهر أنّه يعود إلى الوجه الثّامن.

و جنّ النّبت:زهره و نوره،و جنونه:التفافه،و هو كالجنون،يقال:جنّ النّبت جنونا،أي طال و التفّ و خرج زهره.و يقال للنّخل المرتفع طولا:مجنون،و للنّبت الملتفّ الكثيف الّذي قد تأزّر بعضه في بعض:مجنون،و جنّت الأرض جنونا:اعتمّ نبتها،و قد تجنّنت الأرض و جنّت جنونا.

و الجنين:الولد ما دام في بطن أمّه لاستتاره فيه،و قد جنّ الجنين في الرّحم يجنّ جنا،و أجنّته الحامل،و الجمع:

أجنّة و أجنن.و الجنين:كلّ مستور،يقال:حقد جنين، و ضغن جنين.

و الجنّة:ما واراك من السّلاح و استترت به منه، و خرقة تلبسها المرأة،فتغطّي رأسها ما قبل منه و ما دبر غير وسطه،يقال:استجنّ بجنّة،أي استتر بسترة، و الجمع:جنن.

و الجنن:القبر،لستره الميّت؛يقال:جننته في القبر و أجننته،أي واريته.و هو الكفن أيضا،يقال:جنّ الميّت جنّا و أجنّه،أي كفّنه و ستره،و ما عليّ جنن و جنان إلاّ ما ترى،أي ما عليّ شيء يواريني.و الجنن:الميّت، و الجمع:أجنان،و هو الجنين أيضا.

و الجنان:القلب،لاستتاره في الصّدر،أو لأنّ الصّدر أجنّه،و الجمع:أجنان،يقال:ما يستقرّ جنانه من الفزع.

و المجنّ:الوشاح و التّرس،لأنّه يواري حامله، أي يستره،و الجمع:مجانّ،يقال:قلب فلان مجنّه،أي أسقط الحياء و فعل ما شاء.

و المجنّة:الموضع الّذي يستتر فيه،يقال:أجنّ عنه و اجتنن و استجنّ،أي استتر.و جنّ النّاس و جنانهم:

معظمهم،لأنّ الدّاخل فيهم يستتر بهم.

و جنّ الشّيء يجنّه جنّا و أجنّه:ستره،يقال:

أجننت الشّيء في صدري،أي أكننته.

و جنّ اللّيل و جنونه و جنانه:شدّة ظلمته و ادلهمامه،لأنّ ذلك كلّه ساتر،يقال:جنّه اللّيل يجنّه جنّا و جنونا و أجنّه،أي ستره.

2-و احتمل بعض المستشرقين أن يكون لفظ «الجنّ»مأخوذا من اللّفظ اللاّتينيّ«جينييس»،و استبعد أن يكون مشتقا من«الاجتنان»أي الاستتار (1).

و احتمل آخرون بقوّة أن يكون لفظ«الجنّة» سريانيّ المنشأ،و جزموا بأنّ العرب أخذوه من اللّفظ الآراميّ.و زعموا أنّ معناه في الشّعر العربيّ القديم:

الحديقة و البستان،و في شعر ما بعد ظهور الإسلام:دار النّعيم في الآخرة،و هذا المعنى قد أخذ من اليهود أو النّصارى (2)!

و لا تخلو هذه الأقوال من أن تكون ضربا من الاحتمال أو الاعتساف،فهي لا ترتكز على ركن شديد، فلفظ«الجنّة»مثلا ورد في أغلب اللّغات السّاميّة بمعنى الحديقة،قال آرثر جفري:يحتمل أن يكون تراثا عربيّا أصيلا،من بقايا اللّغة السّاميّة البدائيّة،لأنّه كان متداولا تماما في مناطق اللّغة السّاميّة،فجاء في اللّغة الأكديّة بلفظ«جنّتو»،و في العبريّة«جناه»،و في الآراميّة«جنا»و«جنتا»،و في السّريانيّة).

ص: 177


1- دائرة المعارف الإسلاميّة(7:111).
2- المفردات الدّخيلة في القرآن الكريم(الجنّة).

«جنتا»... (1).

3-و جنّيّ:اسم والد أبي الفتح عثمان،اللّغويّ المعروف،و صاحب كتاب«الخصائص»،و كان أبوه مملوكا روميّا لسليمان بن فهد الأزديّ الموصليّ.

و ضبطه السّيوطيّ في«البغية»بسكون الياء،و عدّه «معرّب كني (2)»،و لعلّه نسبة إلى اللّفظ التّركيّ«كن»، أي الوراء،لأنّ العرب يطلقون لفظ الرّوم على الأتراك غالبا.و شدّدوا«النّون»كما شدّدوا«الميم»في«قمّ»، و ألحقوا به«الياء»كما في«الجودي»بتخفيف«الياء»على قراءة الأعمش،و يجوز أيضا تشديد«الياء»إلحاقا بالجوديّ بتشديد«الياء».و على كلا الفرضين فياؤه زائدة،و إذا قال قائل بأصالتها فيلحق بالرّباعيّ، و يكون وزنه حينئذ على«فعلل»مثل:درهم.

و ما كان الرّجل-كما ترى-يعتزي إلى الجنّ،و ليس بينه و بينهم أيّ آصرة أو وشيجة،فهو بريء ممّا نسب إليه و ألصق به.و يبدو أنّه لم يكن يأنس باسم أبيه،فقد ذكر في باب«تدافع الظّاهر»من الخصائص:«الحرف المشدّد إذا وقع رويّا في الشّعر المقيّد خفّف،كما يسكّن المتحرّك إذا وقع رويّا فيه،فالمشدّد نحو قوله:

أ صحوت اليوم أم شاقتك هرّ

و من الحبّ جنون مستعر (3)

و كان الأحرى به أن يستشهد بقول الأعشى لشهرته:

و هالك أهل يجنّونه كآخر في أهله لم يجنّ

بيد أنّه غضّ طرفه عنه فرارا من الجنّ،كأنّه يمتعض من هذا اللّفظ و لا يروقه سماعه.

4-و شاع في عصرنا هذا مرض فاتك يصيب البقر خاصّة،يسمّى«جنون البقر»،و هو في الحقيقة اصطلاح طبّيّ،لأنّ الجنون عند الأطبّاء مرض يصيب القسم السّنجابيّ للمراكز الدّماغيّة الرّئيسة لدى الإنسان و الحيوان على السّواء.

و هذا الاصطلاح غير سديد،فهو ترجمة لاصطلاح أعجميّ،و فصيحه«داء البقر»،مثل:داء الكلب،و هو في الأصل جنون الكلاب،و يطلق عليه الأطبّاء«الجنون السّبعيّ».و بذلك يختصّ لفظ الجنون بالإنسان دون سائر الحيوان،لأنّه اختلال في العقل،و لا عقل لدى الحيوان.

الاستعمال القرآنيّ

و قد جاء منها(جنّ)فعلا مرّة واحدة،و(جانّ) اسما بمعنيين 7 مرّات،و(جنّ)اسم جنس بإزاء(إنس) 22 مرّة،و(جنّة)بمعنيين 10 مرّات،و(مجنون)وصفا 11 مرّة،و(جنّة)و هي أكثرها عددا:اسما مفردا 70 مرّة،و مثنّى 8 مرّات،و جمعا 69 مرّة،و(أجنّة)جمع جنين مرّة واحدة،و(جنّة)مرّتين في(196)آية:

جنّ

1- فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ الأنعام:76

ص: 178


1- المصدر السّابق.
2- بغية الوعاة(322).
3- الخصائص(2:228)

جانّ

2- وَ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلّى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ النّمل:10

3- وَ أَنْ أَلْقِ عَصاكَ فَلَمّا رَآها تَهْتَزُّ كَأَنَّها جَانٌّ وَلّى مُدْبِراً وَ لَمْ يُعَقِّبْ يا مُوسى أَقْبِلْ وَ لا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ القصص:31

4- وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ الحجر:27

5- وَ خَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ الرّحمن:15

6- فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَ لا جَانٌّ

الرّحمن:39

7- فِيهِنَّ قاصِراتُ الطَّرْفِ لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَ لا جَانٌّ الرّحمن:56

8- لَمْ يَطْمِثْهُنَّ إِنْسٌ قَبْلَهُمْ وَ لا جَانٌّ الرّحمن:74 جنّ

9- وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ كانَ مِنَ الْجِنِّ فَفَسَقَ عَنْ أَمْرِ رَبِّهِ... الكهف:50

10- قالَ عِفْرِيتٌ مِنَ الْجِنِّ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ تَقُومَ مِنْ مَقامِكَ وَ إِنِّي عَلَيْهِ لَقَوِيٌّ أَمِينٌ النّمل:39

11- وَ لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ غُدُوُّها شَهْرٌ وَ رَواحُها شَهْرٌ وَ أَسَلْنا لَهُ عَيْنَ الْقِطْرِ وَ مِنَ الْجِنِّ مَنْ يَعْمَلُ بَيْنَ يَدَيْهِ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَ مَنْ يَزِغْ مِنْهُمْ عَنْ أَمْرِنا نُذِقْهُ مِنْ عَذابِ السَّعِيرِ سبأ:12

12- فَلَمّا قَضَيْنا عَلَيْهِ الْمَوْتَ ما دَلَّهُمْ عَلى مَوْتِهِ إِلاّ دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنْسَأَتَهُ فَلَمّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَنْ لَوْ كانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ ما لَبِثُوا فِي الْعَذابِ الْمُهِينِ

سبأ:14

13- قالُوا سُبْحانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ سبأ:41

14- وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَ خَلَقَهُمْ وَ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَ بَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمّا يَصِفُونَ

الأنعام:100

15- وَ إِذْ صَرَفْنا إِلَيْكَ نَفَراً مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمّا حَضَرُوهُ قالُوا أَنْصِتُوا فَلَمّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ الأحقاف:29

16- قُلْ أُوحِيَ إِلَيَّ أَنَّهُ اسْتَمَعَ نَفَرٌ مِنَ الْجِنِّ فَقالُوا إِنّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً الجنّ:1

الجنّ و الإنس

17-29-الجنّ و الإنس قد مضى بحثهما في«أ ن س (ج 3):إنس».

جنّة

30- ...وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ هود:119

31- وَ لَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ

السّجدة:13

32- اَلَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ* مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ النّاس:5،6

33- وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَ لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ الصّافّات:158

ص: 179

34- أَفْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ بَلِ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ فِي الْعَذابِ وَ الضَّلالِ الْبَعِيدِ سبأ:8

35- إِنْ هُوَ إِلاّ رَجُلٌ بِهِ جِنَّةٌ فَتَرَبَّصُوا بِهِ حَتّى حِينٍ المؤمنون:25

36- أَمْ يَقُولُونَ بِهِ جِنَّةٌ بَلْ جاءَهُمْ بِالْحَقِّ وَ أَكْثَرُهُمْ لِلْحَقِّ كارِهُونَ المؤمنون:70

37- قُلْ إِنَّما أَعِظُكُمْ بِواحِدَةٍ أَنْ تَقُومُوا لِلّهِ مَثْنى وَ فُرادى ثُمَّ تَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِكُمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِيرٌ لَكُمْ بَيْنَ يَدَيْ عَذابٍ شَدِيدٍ سبأ:46

38- أَ وَ لَمْ يَتَفَكَّرُوا ما بِصاحِبِهِمْ مِنْ جِنَّةٍ إِنْ هُوَ إِلاّ نَذِيرٌ مُبِينٌ الأعراف:184

مجنون

39- ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ* ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ القلم:1،2

40- وَ إِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ القلم:51

41- مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ* وَ ما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ

التّكوير:21،22

42- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَ قالُوا مَجْنُونٌ وَ ازْدُجِرَ القمر:9

43- قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ الشّعراء:27

44- وَ قالُوا يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ الحجر:6

45- وَ يَقُولُونَ أَ إِنّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ الصّافّات:36

46- ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ قالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ الدّخان:14

47- فَتَوَلّى بِرُكْنِهِ وَ قالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ

الذّاريات:39

48- كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ الذّاريات:52

49- فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَ لا مَجْنُونٍ* أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ الطّور:29،30

جنّة:جنّة آدم

50- وَ قُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَ كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ البقرة:35

51- وَ يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ الأعراف:19

52- فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَ لِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى طه:117

53- فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى طه:121

54- فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ فَلَمّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَ أَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ

الأعراف:22

55- يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ

ص: 180

أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَ قَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ... الأعراف:27

جنّة الخلد

56- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:82

57- ...وَ لَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَ لَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النّارِ وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلَى الْجَنَّةِ وَ الْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَ يُبَيِّنُ آياتِهِ لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ

البقرة:221

58- وَ قالُوا لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلاّ مَنْ كانَ هُوداً أَوْ نَصارى تِلْكَ أَمانِيُّهُمْ قُلْ هاتُوا بُرْهانَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ البقرة:111

59- أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْساءُ وَ الضَّرّاءُ وَ زُلْزِلُوا حَتّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتى نَصْرُ اللّهِ أَلا إِنَّ نَصْرَ اللّهِ قَرِيبٌ البقرة:214

60- أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصّابِرِينَ آل عمران:142

61- كُلُّ نَفْسٍ ذائِقَةُ الْمَوْتِ وَ إِنَّما تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَمَنْ زُحْزِحَ عَنِ النّارِ وَ أُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فازَ وَ مَا الْحَياةُ الدُّنْيا إِلاّ مَتاعُ الْغُرُورِ

آل عمران:185

62- إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ... التّوبة:111

63- لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ وَ لا يَرْهَقُ وُجُوهَهُمْ قَتَرٌ وَ لا ذِلَّةٌ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ يونس:26

64- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ أَخْبَتُوا إِلى رَبِّهِمْ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ

هود:23

65- وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ هود:108

66- مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ أُكُلُها دائِمٌ وَ ظِلُّها تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ عُقْبَى الْكافِرِينَ النّارُ الرّعد:35

67- اَلَّذِينَ تَتَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ طَيِّبِينَ يَقُولُونَ سَلامٌ عَلَيْكُمْ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ

النّحل:32

68- فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضاعُوا الصَّلاةَ وَ اتَّبَعُوا الشَّهَواتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا* إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا يُظْلَمُونَ شَيْئاً مريم:59،60

69- تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبادِنا مَنْ كانَ تَقِيًّا مريم:63

70- قُلْ أَ ذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَ مَصِيراً الفرقان:15

71- أَصْحابُ الْجَنَّةِ يَوْمَئِذٍ خَيْرٌ مُسْتَقَرًّا وَ أَحْسَنُ مَقِيلاً الفرقان:24

72- وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ* وَ اجْعَلْنِي مِنْ وَرَثَةِ جَنَّةِ النَّعِيمِ الشّعراء:84،85

ص: 181

73- يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ* إِلاّ مَنْ أَتَى اللّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ* وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ

الشّعراء:88-90

74- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِنَ الْجَنَّةِ غُرَفاً تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ العنكبوت:58

75- قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قالَ يا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ يس:26

76- إِنَّ أَصْحابَ الْجَنَّةِ الْيَوْمَ فِي شُغُلٍ فاكِهُونَ

يس:55

77 و 78- وَ سِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَراً حَتّى إِذا جاؤُها وَ فُتِحَتْ أَبْوابُها وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوها خالِدِينَ* وَ قالُوا الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ وَ أَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ الزّمر:73،74

79- مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ المؤمن:40

80- إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخافُوا وَ لا تَحْزَنُوا وَ أَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ فصّلت:30

81- وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَ مَنْ حَوْلَها وَ تُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَ فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ الشّورى:7

82- اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَ أَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ

الزّخرف:70

83- وَ تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ الزّخرف:72

84- أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ الأحقاف:14

85- أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَ نَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ وَعْدَ الصِّدْقِ الَّذِي كانُوا يُوعَدُونَ الأحقاف:16

86- وَ يُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ عَرَّفَها لَهُمْ محمّد:6

87- مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيها أَنْهارٌ مِنْ ماءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَ أَنْهارٌ مِنْ لَبَنٍ... محمّد:15

88- وَ أُزْلِفَتِ الْجَنَّةُ لِلْمُتَّقِينَ غَيْرَ بَعِيدٍ ق:31

89- فَرَوْحٌ وَ رَيْحانٌ وَ جَنَّةُ نَعِيمٍ الواقعة:89

90- سابِقُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُها كَعَرْضِ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ... الحديد:21

91- لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النّارِ وَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ الحشر:20

92- فَهُوَ فِي عِيشَةٍ راضِيَةٍ* فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ

الحاقّة:21،22

93- أَ يَطْمَعُ كُلُّ امْرِئٍ مِنْهُمْ أَنْ يُدْخَلَ جَنَّةَ نَعِيمٍ المعارج:38

94- وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً

الدّهر:12

95- وَ أَمّا مَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى النّازعات:40،41

96- وَ إِذَا الْجَنَّةُ أُزْلِفَتْ التّكوير:13

ص: 182

97- لِسَعْيِها راضِيَةٌ* فِي جَنَّةٍ عالِيَةٍ

الغاشية:9،10

98- فَادْخُلِي فِي عِبادِي* وَ ادْخُلِي جَنَّتِي

الفجر:29،30

99- وَ لَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى* عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى* عِنْدَها جَنَّةُ الْمَأْوى النّجم:13-15

100- وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ آمَنُوا امْرَأَتَ فِرْعَوْنَ إِذْ قالَتْ رَبِّ ابْنِ لِي عِنْدَكَ بَيْتاً فِي الْجَنَّةِ...

التّحريم:11

101- وَ سارِعُوا إِلى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَ جَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ

آل عمران:133

102- ...وَ قالَ الْمَسِيحُ يا بَنِي إِسْرائِيلَ اعْبُدُوا اللّهَ رَبِّي وَ رَبَّكُمْ إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَ مَأْواهُ النّارُ وَ ما لِلظّالِمِينَ مِنْ أَنْصارٍ

المائدة:72

103- وَ بَيْنَهُما حِجابٌ وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ وَ نادَوْا أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لَمْ يَدْخُلُوها وَ هُمْ يَطْمَعُونَ الأعراف:46

104 و 105- أَ هؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمْتُمْ لا يَنالُهُمُ اللّهُ بِرَحْمَةٍ ادْخُلُوا الْجَنَّةَ لا خَوْفٌ عَلَيْكُمْ وَ لا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ* وَ نادى أَصْحابُ النّارِ أَصْحابَ الْجَنَّةِ أَنْ أَفِيضُوا عَلَيْنا مِنَ الْماءِ أَوْ مِمّا رَزَقَكُمُ اللّهُ قالُوا إِنَّ اللّهَ حَرَّمَهُما عَلَى الْكافِرِينَ الأعراف:49،50

106- وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ وَ لا يُظْلَمُونَ نَقِيراً

النّساء:124

107- إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ

الأعراف:40

108 و 109 و 110- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لا نُكَلِّفُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيها خالِدُونَ*... لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ وَ نُودُوا أَنْ تِلْكُمُ الْجَنَّةُ أُورِثْتُمُوها بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ* وَ نادى أَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابَ النّارِ أَنْ قَدْ وَجَدْنا ما وَعَدَنا رَبُّنا حَقًّا... الأعراف:42-44

جنّة الأرض

111 و 112- وَ مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمُ ابْتِغاءَ مَرْضاتِ اللّهِ وَ تَثْبِيتاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصابَها وابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَها ضِعْفَيْنِ... أَ يَوَدُّ أَحَدُكُمْ أَنْ تَكُونَ لَهُ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنابٍ... البقرة:265،266

113- أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها وَ قالَ الظّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ رَجُلاً مَسْحُوراً الفرقان:8

114- وَ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى تَفْجُرَ لَنا مِنَ الْأَرْضِ يَنْبُوعاً* أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِنْ نَخِيلٍ وَ عِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الْأَنْهارَ خِلالَها تَفْجِيراً الإسراء:90،91

115 و 116- وَ لَوْ لا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ قُلْتَ ما شاءَ اللّهُ لا قُوَّةَ إِلاّ بِاللّهِ إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مالاً وَ وَلَداً* فَعَسى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْراً مِنْ جَنَّتِكَ وَ يُرْسِلَ عَلَيْها

ص: 183

حُسْباناً مِنَ السَّماءِ فَتُصْبِحَ صَعِيداً زَلَقاً

الكهف:39،40

117- وَ دَخَلَ جَنَّتَهُ وَ هُوَ ظالِمٌ لِنَفْسِهِ قالَ ما أَظُنُّ أَنْ تَبِيدَ هذِهِ أَبَداً الكهف:35

118- إِنّا بَلَوْناهُمْ كَما بَلَوْنا أَصْحابَ الْجَنَّةِ إِذْ أَقْسَمُوا لَيَصْرِمُنَّها مُصْبِحِينَ القلم:17

جنّتان و جنّتين:في الدّنيا

119 و 120- لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ جَنَّتانِ عَنْ يَمِينٍ وَ شِمالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَ اشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَ رَبٌّ غَفُورٌ* فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَ بَدَّلْناهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَواتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَ أَثْلٍ وَ شَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ سبأ:15،16

121 و 122- وَ اضْرِبْ لَهُمْ مَثَلاً رَجُلَيْنِ جَعَلْنا لِأَحَدِهِما جَنَّتَيْنِ مِنْ أَعْنابٍ وَ حَفَفْناهُما بِنَخْلٍ وَ جَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً* كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها وَ لَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئاً وَ فَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً الكهف:32،33

في الآخرة:

123- وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ الرّحمن:

46

124- مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ الرّحمن:54

125- وَ مِنْ دُونِهِما جَنَّتانِ الرّحمن:62

جنّات:جنّات الآخرة:

126- وَ لَوْ أَنَّ أَهْلَ الْكِتابِ آمَنُوا وَ اتَّقَوْا لَكَفَّرْنا عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَأَدْخَلْناهُمْ جَنّاتِ النَّعِيمِ المائدة:65

127- اَلْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ الحجّ:56

128- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَهُمْ جَنّاتُ النَّعِيمِ لقمان:8

129- إِلاّ عِبادَ اللّهِ الْمُخْلَصِينَ* أُولئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ* فَواكِهُ وَ هُمْ مُكْرَمُونَ* فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ

الصّافّات:40-43

130- وَ السّابِقُونَ السّابِقُونَ* أُولئِكَ الْمُقَرَّبُونَ* فِي جَنّاتِ النَّعِيمِ الواقعة:10-12

131- إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتِ النَّعِيمِ

القلم:34

132- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَ نَعِيمٍ

الطّور:17

133- اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا...

يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَ رِضْوانٍ وَ جَنّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ التّوبة:20،21

134 و 135- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ

الذّاريات:51 و الحجر:45

136- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي مَقامٍ أَمِينٍ* فِي جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ الدّخان:51،52

137- إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً... جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدَ الرَّحْمنُ عِبادَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّهُ كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا مريم:60،61

138- جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها يُحَلَّوْنَ فِيها مِنْ أَساوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَ لُؤْلُؤاً وَ لِباسُهُمْ فِيها حَرِيرٌ

فاطر:33

139- هذا ذِكْرٌ وَ إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ لَحُسْنَ مَآبٍ

ص: 184

جَنّاتِ عَدْنٍ مُفَتَّحَةً لَهُمُ الْأَبْوابُ ص:49،50

140- ...فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَ قِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ* رَبَّنا وَ أَدْخِلْهُمْ جَنّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَ مَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَ أَزْواجِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ المؤمن:7-8

141- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ كانَتْ لَهُمْ جَنّاتُ الْفِرْدَوْسِ نُزُلاً الكهف:107

142- أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ فَلَهُمْ جَنّاتُ الْمَأْوى نُزُلاً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ السّجدة:19

143- ...وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ فِي رَوْضاتِ الْجَنّاتِ لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ الشّورى:22

144- إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَ نَهَرٍ القمر:54

145- كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ* إِلاّ أَصْحابَ الْيَمِينِ* فِي جَنّاتٍ يَتَساءَلُونَ المدّثّر:38-40

146- وَ الَّذِينَ هُمْ عَلى صَلاتِهِمْ يُحافِظُونَ* أُولئِكَ فِي جَنّاتٍ مُكْرَمُونَ المعارج:34،35

جنّات الدّنيا

147- أَمَدَّكُمْ بِأَنْعامٍ وَ بَنِينَ* وَ جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ

الشّعراء:133-134

148- فَاتَّقُوا اللّهَ وَ أَطِيعُونِ... أَ تُتْرَكُونَ فِي ما هاهُنا آمِنِينَ* فِي جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ الشّعراء:144-147

149- فَأَخْرَجْناهُمْ مِنْ جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ

الشّعراء:57

150- كَمْ تَرَكُوا مِنْ جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ

الدّخان:25

151- ...نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَ مِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ وَ جَنّاتٍ مِنْ أَعْنابٍ وَ الزَّيْتُونَ وَ الرُّمّانَ مُشْتَبِهاً وَ غَيْرَ مُتَشابِهٍ... الأنعام:99

152- وَ فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَ جَنّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَ زَرْعٌ وَ نَخِيلٌ صِنْوانٌ وَ غَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ... الرّعد:4

153- فَأَنْشَأْنا لَكُمْ بِهِ جَنّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنابٍ لَكُمْ فِيها فَواكِهُ كَثِيرَةٌ وَ مِنْها تَأْكُلُونَ المؤمنون:19

154- وَ جَعَلْنا فِيها جَنّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنابٍ وَ فَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ يس:34

155- وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنّاتٍ وَ حَبَّ الْحَصِيدِ ق:9

156- وَ يُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وَ بَنِينَ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ جَنّاتٍ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً نوح:12

157- وَ هُوَ الَّذِي أَنْشَأَ جَنّاتٍ مَعْرُوشاتٍ وَ غَيْرَ مَعْرُوشاتٍ وَ النَّخْلَ وَ الزَّرْعَ... الأنعام:141

158- لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَ نَباتاً* وَ جَنّاتٍ أَلْفافاً

النّبأ:15،16

159-193-قد مضت جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ في(ت ح ت).

جنّة

194- اِتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ المنافقون:2

195- اِتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ المجادلة:16

ص: 185

اجنّة

196- اَلَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبائِرَ الْإِثْمِ وَ الْفَواحِشَ إِلاَّ اللَّمَمَ إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى النّجم:32

و يلاحظ أوّلا:(1) فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً فيها بحوث:

1-هناك فرق بين(جنّه اللّيل و أجنّه)و بين جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ كما في الآية،فإنّ هذا يفيد الإحاطة كالمظلّة، خلافا لابن دريد حيث قال:«جنّه اللّيل و أجنّه و جنّ عليه،إذا ستره و غطّاه في معنى واحد»فالآية تمثّل و ترسم لنا حالة إحاطة الظّلمة على الجوّ،و كأنّ الطّبرسيّ أشار إليه؛حيث قال:«أي أظلم عليه و ستر بظلامه كلّ ضياء».

2-و يترتّب على هذه الحالة تنوير و إضاءة الكوكب بكماله و جلاءه أزيد من غيره،فهذا أيضا تمثيل آخر متمّم لتلك الحالة.

3-جاء بدل(نجم)(كوكب)و هو اسم للكبير من النّجوم.و كوكب كلّ شيء:معظمه،و لهذا جاء في قصّة يوسف:4 إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً، و في آية النّور:35 كَأَنَّها كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ.

4-و كأنّ تنكير(كوكب)للتّعظيم و التّشخيص، تتميما لرسم تلك الحالة.

5-أهل التّأويل أوّلوا الآية بما يناسب مسلكهم، فقال الآلوسيّ:«أي أظلم عليه ليل عالم الطّبيعة الجسمانيّة في صباه و أوّل شبابه».و نظيره عن الغزاليّ في قصّة يوسف:«أنّه حمل الكوكب على النّفس الحيوانيّة، و القمر على النّفس النّاطقة الفلكيّة،و الشّمس على العقل المجرّد لكلّ فلك.و عن بعضهم أنّه حمل الكوكب على الحسّ،و القمر على الخيال و الوهم،و الشّمس على العقل المجرّد».هذه تأويلات لو صحّت لما ناقضت التّنزيل،لاحظ«كوكب».

6-و في الآية بحث طويل في وجه اعتراف إبراهيم عليه السّلام بأنّ الكوكب و القمر و الشّمس ربّا له.و في احتجاجه بأفولها على نفي ربوبيّتها تسجيل للتّوحيد، لاحظ«إبراهيم»و«ر ب ب»و«ح ج ج».

ثانيا:جاء(جانّ)في(2 و 3)و كلاهما في عصا موسى عليه السّلام بمعنى الحيّة،تشبيها بالجنّ في هيئته السّرّيّة المخيفة،و في(4-8)بمعنى الجنّ عدلا للإنس،و فيها بحوث:

1-جاء بالمعنى الأوّل نكرة تهويلا و تخويفا بسياق واحد،تمهيدا لبيان خوف موسى؛بحيث ولّى مدبرا و لم يعقّب حتّى آمن اللّه خيفته و طمأنه بقوله: يا مُوسى أَقْبِلْ وَ لا تَخَفْ إِنَّكَ مِنَ الْآمِنِينَ القصص:31، و يا مُوسى لا تَخَفْ إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ النّمل:10.

2-قد جاء في القرآن ذكر عصا موسى بعد انقلابها حيّة بثلاثة ألفاظ:

أحدها:(جانّ)في الآيتين.

ثانيها:(ثعبان)في آيتين أيضا: فَأَلْقى عَصاهُ فَإِذا هِيَ ثُعْبانٌ مُبِينٌ الأعراف:107،و الشّعراء:32.

ثالثها:(حيّة)مرّة في فَأَلْقاها فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ

ص: 186

تَسْعى طه:20،قيل:(جانّ)حيّة صغيرة و(ثعبان) حيّة كبيرة،و(حيّة)تعمّهما،لاحظ«ثعبان».

3-و جاء بالمعنى الثّاني معرفة و نكرة:ففي(4 و 5) معرفة للجنس،لأنّهما بصدد بيان مادّة خلق الإنسان و الجنّ؛حيث قال(4): وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ* وَ الْجَانَّ خَلَقْناهُ مِنْ قَبْلُ مِنْ نارِ السَّمُومِ و(5): خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ صَلْصالٍ كَالْفَخّارِ* وَ خَلَقَ الْجَانَّ مِنْ مارِجٍ مِنْ نارٍ و قد روعي فيهما توازن(الجانّ)و(الانسان)إلى حدّ،و في غيرهما توازن(الإنس)و(الجنّ)تماما.

و في(6-8)نكرة في سياق النّفي تعميما لنفي السّؤال و الطّمث عنهما تماما،و جاء فيهما(الجانّ)دون (الجنّ)مع(الإنس)رعاية للرّويّ،و كلّها في سورة الرّحمن.

ثالثا:جاء الجنّ منفردا عن الإنس 8 مرّات:(9-16) خلال قصص سليمان و نبيّنا محمّد عليهما السّلام،معرّفا بلام الجنس أو العهد،و مقارنا بالإنس معرّفا بلام الجنس أيضا في 14 آية مضت في«أ ن س(ج 3)-إنس»مع بحوثها فلاحظ.

رابعا:جاءت(الجنّة)في(30-38)بمعنيين أيضا:

الجنّ و الجنون،و فيها بحوث:

1-جاء في(30-33)(الجنّة)أي الجنّ مع(النّاس) (من الجنّة و النّاس).رعاية للرّويّ،دون الإنس أو الإنسان،كما جاء في غيرها،و يبدو أنّهما اسم جمع و ليسا اسم جنس،و لم نقف على من ذكره،فأريد بهما جماعة الجنّ و الإنس دون فرد أو جنس منهما،لاحظ «ن و س:النّاس».

2-اختلفوا في(32) اَلَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ* مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ هل المراد ب مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ شياطين الإنس و الجنّ،كما جاء في الأنعام:

112،فهي بيان ل اَلَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النّاسِ و عليه:ف(الجنّة و النّاس)بمعناها.

و جوّز الزّمخشريّ أن يكون(من)متعلّقا ب(يوسوس)و معناه ابتداء الغاية،أي يوسوس في صدورهم من جهة الجنّ و من جهة الإنس.

أو أنّ(من)بيان ل(النّاس)في صُدُورِ النّاسِ و أنّ اسم(النّاس)يطلق على(الجنّة)كما أطلق عليها (نفر)و(رجال)في سورة الجنّ،و كرّر(النّاس)رعاية للرّويّ.و عليه فهما شيء واحد،و الوجه الأوّل أولى، استنادا إلى(30)و(31).

3-«الجنّة»في خمس آيات(34-38)مصدر بمعنى الجنون،جاءت بسياق واحد حكاية عن المشركين و قوم نوح(35)بشأن النّبيّ و نوح عليهما السّلام في ثلاث سور مكّيّة،تفنيدا لزعمهم الباطل في الرّسولين في الثّلاث الأولى،و ترغيبا في التّفكّر في شأنه عليه السّلام حتّى يعلموا أنّه ليست به جنّة في الأخيرتين.

و قد عبّر فيهما عنه عليه السّلام ب(صاحبكم)و(صاحبهم) تنبيها على أنّه عاش بينهم عمرا طويلا عاقلا أمينا، فكيف تتّهمونه بالجنون!ثمّ ذيّلهما تخويفا بأنّه نذير لهم بالعذاب.فصدرهما حجاج و ذيلهما عتاب،و مثلهما:

(41) وَ ما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ لاحظ«ص ح ب:

صاحب».

ص: 187

و يبدو أنّ في التّعبير ب(جنّة)دون(جنون)نوعا من التّحقير،أو التّعمية و التّحذير،أي إنّ به جنونا ما مجهولا و خطيرا،لم يكن له سابقة عندنا،فإنّ الجنون فنون، و إليه أشار الفخر الرّازيّ ب«الجنّة:حالة من الجنون كالجلسة و الرّكبة و(من)في(من جنّة)أي ليس به نوع من أنواع الجنون»و مثله البروسويّ و الآلوسيّ و رشيد رضا،فلاحظ.

و أيضا(الجنّة)مشتركة بين الجنّ و الجنون،ففيه إشعار بإصابة الجنّ إيّاه أو تلقّيه القرآن من الجنّ، و لا أقلّ من تداعيه ذهنا،و هذا مزيد في التّحقير و التّوهين به عليه السّلام.

4-جاءت(جنّة)بمعنى(الجنّ)معرفة تعريفا للجنس،و بمعنى(الجنون)نكرة توهينا للشّخص، و بمعناها(مجنون)كما يأتي.

خامسا:جاء(مجنون)في 11 آية(39-49)من 7 سور مكّيّات تحمل أسوء و أقبح مواجهة من قبل الكفّار لدعوة الأنبياء و الرّسل عليهم السّلام عامّة،و النّبيّ عليه السّلام خاصّة، و لم يأت هذا اللّفظ في غيرهم في القرآن،و فيها بحوث:

1-سبع منها جاءت بشأن النّبيّ ممّا دلّت على تأكيد المشركين في نسبة الجنون إليه دوما:ابتداء بسورة «القلم»ثانية السّور نزولا بعد سورة«العلق»-و هي أوّلها إطلاقا على القول المشهور-فواجهوه فيها بالتّكذيب و التّولّي عنه أَ رَأَيْتَ إِنْ كَذَّبَ وَ تَوَلّى -لو نزلت مع الآيات الخمس الأولى،و هو بعيد لأنّ النّبيّ لم يبلّغها حينذاك-ثمّ باتّهامه بالجنون في«القلم»ثمّ «التّكوير»و غيرها ممّا رتّبناها حسب النّزول ليعلم سير هذه الدّعوى في القرآن.فتلهمنا الآيات:

أوّلا:أنّ هذه التّهمة قديمة بدأت من قوم نوح،ثمّ عمّت سائر الأقوام الكافرة حيال رسلهم؛حيث قال (48): كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ.

ثانيا:أنّ ذكر تلك الأمم جاء تفنيدا للمشركين؛ حيث استنّوا بسنّة الأمم السّالفة،و أنّ هذه التّهمة ليست جديدة،إشعارا بأنّها ناشئة عن جهل و تعصّب،و شاهدة على التّأخّر و الأمّيّة،فكلّها يرتبط بدعوة النّبيّ مآلا، و أنّها هي المقصودة بالذّات،كما أنّ مغزى القصص القرآنيّة للأقوام و الرّسل جميعا تدعيم لدعوة النّبيّ عليه السّلام و تفنيد لمنكريه.

2-إذا كانت سورة«القلم»أوّل ما نفى الجنون عنه عليه السّلام،فقد جاءت فيها صدرا و ذيلا آيتان بسياقين:

أولاهما:خطاب من اللّه إلى النّبيّ تأمينا له من تهمة الجنون،مؤكّدا بيمينين،و مقارنا بنعمتين و مبشّرا بالمستقبل القريب مرّتين،فقال: ن وَ الْقَلَمِ وَ ما يَسْطُرُونَ* ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ* وَ إِنَّ لَكَ لَأَجْراً غَيْرَ مَمْنُونٍ* وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ* فَسَتُبْصِرُ وَ يُبْصِرُونَ* بِأَيِّكُمُ الْمَفْتُونُ فأقسم أوّلا بالقلم و بما يسطرون،ثمّ بنعمة ربّه-لو كانت قسما كما احتمله بعضهم-ثمّ أعلن ثانيا بأنّه مأجور عند اللّه بأجر غير منقطع،و بأنّه على خلق عظيم،ثمّ بشّره ثالثا بأنّه سيبصر،و أنّهم يبصرون أيّهم مفتون برذيلة الجنون.

فهذا السّياق المحكم المستدلّ يرفع عنه الجنون بتاتا،تكذيبا لزعمهم،و تثبيتا لقلبه عن التّأثّر به.

ص: 188

و ممّا يلفت النّظر أنّ زوجته خديجة عليهما السّلام بعد عودته عن حراء متأثّرا بحدث الوحي و ثقله-كما تشهد به سورة المدّثّر-قالت تسكينا و تطمينا له حتّى ذهب عنه الرّوع،ما هو مؤدّى هذه الآية.كما جاء في تفسير الطّبريّ ج 30 ص:251:«أبشر فو اللّه لا يخزيك اللّه أبدا،و و اللّه إنّك لتصل الرّحم و تصدق الحديث و تؤدّي الأمانة،و تحمل الكلّ،و تقري الضّيف،و تعين على نوائب الحقّ...»

و من الطّريف أنّ آخر آية منها نزولا جاءت بهذا السّياق أيضا(49): فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَ لا مَجْنُونٍ كلّ ذلك تسلية له عمّا كانوا يرمونه به،لا عن شكّ منه في مصدر الوحي،كما جاء في بعض الرّوايات الدّخيلة،لاحظ«و ح ي،و القرآن».

و ثانيتهما:خطاب منه إليه أيضا مبشّرا بأنّ القرآن ذكر للعالمين و ليس كلام مجنون: وَ إِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ وَ ما هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ.

فيبدو من الآيتين أنّهما دفع شبهة عن القرآن، أثاروها بتهمة الجنون إلى النّبيّ عليه السّلام:

ابتداء بإبطال الشّبهة بتّا بالقسم و البرهان،و ختما بحكاية ما يشعر بابتداء رميهم بها،كما يبدو من توالي هاتين السّورتين أنّه عليه السّلام لم يبدأ بتلاوة القرآن إلاّ و قد واجهوه بالتّكذيب أوّلا،ثمّ برميه إلى الجنون ثانيا.

3-إذا افترقت سورة العلق عن سورة القلم باختصاص الأولى بتكذيبهم النّبيّ و الثّانية برميه بالجنون فهناك اشتراك بينهما بذكر القراءة و العلم و القلم و الكتابة فيهما،ممّا ينبغي أن نعتبرها«براعة الاستهلال»للقرآن -كما في علم البلاغة-و إعلاما بأنّه مثار العلم و مزيل الجهل،و قد صدّقته الثّقافة الإسلاميّة الواسعة العجيبة في شتّى العلوم،لاحظ«القرآن».

4-ثالثة الآيات نزولا لدفع شبهة الجنون عنه عليه السّلام جاءت بشأن القرآن مؤكّدة بعدّة أقسام،و متفائلة بمستقبل هذا الكتاب أيضا: فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ* اَلْجَوارِ الْكُنَّسِ* وَ اللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ* وَ الصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ* إِنَّهُ لَقَوْلُ رَسُولٍ كَرِيمٍ* ذِي قُوَّةٍ عِنْدَ ذِي الْعَرْشِ مَكِينٍ* مُطاعٍ ثَمَّ أَمِينٍ* وَ ما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ* وَ لَقَدْ رَآهُ بِالْأُفُقِ الْمُبِينِ* وَ ما هُوَ عَلَى الْغَيْبِ بِضَنِينٍ* وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ* فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ* إِنْ هُوَ إِلاّ ذِكْرٌ لِلْعالَمِينَ* لِمَنْ شاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ* وَ ما تَشاؤُنَ إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ التّكوير:15-29.

فأكّد بعد أقسام مؤكّدة أنّ القرآن قول رسول كريم مكين عند اللّه،ذي قوّة مطاع أمين عنده-و هو جبرئيل -ثمّ قال: وَ ما صاحِبُكُمْ بِمَجْنُونٍ... وَ ما هُوَ بِقَوْلِ شَيْطانٍ رَجِيمٍ. و فيه إشارة إلى أنّهم أرادوا برميه بالجنون أنّه قول الجنّ،فإنّ الشّيطان كان من الجنّ،و تمام البحث في هذه الآيات موكول إلى«القرآن»و«القسم»و غيرهما.

5-في الآيات رقم(44-46 و 49)جاء اتّهامه بالجنون أيضا،و ليست بعيدة عن علاقتها بالقرآن بل قريبة بها،فقد خاطبه المشركون في(44)ب يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ أي أنّ الذّكر-و هو القرآن-مصدره الجنون،فردّ اللّه عليهم بسياق مؤكّد بعد آيات: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9.

ص: 189

و في(45): وَ يَقُولُونَ أَ إِنّا لَتارِكُوا آلِهَتِنا لِشاعِرٍ مَجْنُونٍ و بعدها بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَ صَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ فقد وصفوه بشاعر مجنون،أي أنّ القرآن شعر،فردّ اللّه عليهم بأنّه جاء بالحقّ،أي القرآن حقّ،بدليل أنّه صدّق الأنبياء قبله،و ليس بشعر.

و مثله(49): فَذَكِّرْ فَما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِكاهِنٍ وَ لا مَجْنُونٍ و بعدها: أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ و هي آخرها نزولا.

و في(46): ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَ قالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ أي إنّه تعلّم القرآن من غيره،كما قال: وَ لَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّما يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَ هذا لِسانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ النّحل:103.

6-و أمّا الآيات رقم(42 و 43 و 47)فجاءت رميا لنوح و موسى عليهما السّلام بالجنون في دعوتهما إلى ربّ العالمين و رفض الآلهة،و نفي ربوبيّة فرعون من دون علاقة لها بالقرآن تصريحا،إلاّ أنّ قصص القرآن عموما-كما سبق- لها علاقة بالنّبيّ عليه السّلام و بالقرآن،و أنّه من عند اللّه.

إضافة إلى أنّ(42): كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا وَ قالُوا مَجْنُونٌ وَ ازْدُجِرَ جاءت قبلها و بعدها آيات بشأن القرآن: وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ* حِكْمَةٌ بالِغَةٌ فَما تُغْنِ النُّذُرُ القمر:4، 5، وَ لَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ القمر:

15،17 و 22 و 32 و 40،إضافة إلى 25 و 26: أَ أُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا بَلْ هُوَ كَذّابٌ أَشِرٌ* سَيَعْلَمُونَ غَداً مَنِ الْكَذّابُ الْأَشِرُ فكأنّ هذه السّورة غلبت عليها صبغة قرآنيّة رفضا لأيّ ريب فيه.

و كذلك(43): قالَ إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ حيث رمى فيها فرعون موسى بأنّه مجنون،إلاّ أنّ قبلها و بعدها آيات بشأن القرآن،فقد بدأت سورة الشّعراء ب طسم* تِلْكَ آياتُ الْكِتابِ الْمُبِينِ*... وَ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنَ الرَّحْمنِ مُحْدَثٍ إِلاّ كانُوا عَنْهُ مُعْرِضِينَ* فَقَدْ كَذَّبُوا فَسَيَأْتِيهِمْ أَنْبؤُا ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ 1-6.و جاءت في أواخرها: وَ إِنَّهُ لَتَنْزِيلُ رَبِّ الْعالَمِينَ* نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ* عَلى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ* بِلِسانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ إلى وَ لَوْ نَزَّلْناهُ عَلى بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ* فَقَرَأَهُ عَلَيْهِمْ ما كانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ* كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ 192-200،و أيضا هَلْ أُنَبِّئُكُمْ عَلى مَنْ تَنَزَّلُ الشَّياطِينُ* تَنَزَّلُ عَلى كُلِّ أَفّاكٍ أَثِيمٍ... وَ الشُّعَراءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغاوُونَ... 221-227، ففيها تأكيد أنّ القرآن وحي من اللّه و ليس قول شيطان و لا شعر شاعر.

إضافة إلى أنّه جاء في خلال هذه السّورة مرارا إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً وَ ما كانَ أَكْثَرُهُمْ مُؤْمِنِينَ (8 و 67 و 103 و 121 و 139 و 159 و 174 و 190)و ذلك بعد كلّ قصّة فيها تسجيلا على أنّها آية لصدق القرآن.

و مثلها(47 و 48)بشأن موسى و الرّسل عليهم السّلام فَتَوَلّى بِرُكْنِهِ وَ قالَ ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ و كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ فلهما علاقة بالقرآن أيضا،فقد جاء قبلهما: فَوَ رَبِّ السَّماءِ وَ الْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ ما أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ و بعدهما: وَ ذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرى تَنْفَعُ الْمُؤْمِنِينَ

ص: 190

الذّاريات:23 و 55.

7-لقد قورنت في هذه الآيات تهمة الجنون بتهم الكهانة و الشّعر و السّحر،فجاء في(47)قول فرعون لموسى عليه السّلام:(ساحر او مجنون)و في(48)قول أعداء الرّسل لهم: قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ و ذلك لأنّهم كانوا ينكرون عبادة الآلهة،و يصرّون على عبادة اللّه، فرموهم بالجنون،و كانت لهم معجزات فرموهم بالسّحر.

أمّا النّبيّ عليه السّلام فأتى بالقرآن مع نظمه المعجز فرموه في(45)بأنّه شاعر مجنون،و في(48)بأنّه كاهن أو مجنون تشبيها للقرآن بأوراد الكهنة،كما اتّهموه في(46) بأنّه مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ أي تعلّم القرآن من غيره.فقد جمعوا له بين الجنون و أربع تهم أخرى يتردّدون بينها شكّا منهم أو جهلا بحقيقة الأمر،أو تنويعا في الافتراء عليه بأنّه نبيّ مرسل،لاحظ«س ح ر»،و«ش ع ر»، و«ك ه ن»،و«ع ل م».

8-لا تخلو تهمة الجنون في بعض هذه الآيات عن استهزاء و سخريّة له أو لموسى عليهما السّلام،مثل(44):

يا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ إِنَّكَ لَمَجْنُونٌ، و(43):

إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ و(40):

وَ إِنْ يَكادُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَيُزْلِقُونَكَ بِأَبْصارِهِمْ لَمّا سَمِعُوا الذِّكْرَ وَ يَقُولُونَ إِنَّهُ لَمَجْنُونٌ، فلاحظ النّصوص التّفسيريّة.

9-احتمل بعضهم أنّ رميه بالجنون نشأ عما كان يظهر عليه من شبه الغشي،حين ينزل عليه الوحي.

و يردّه أنّ هذه الحالة كانت تغلبه أحيانا،و لم يكن المشركون يعلمون بها،مع أنّهم رموه به في بدو نزول الوحي،كما دلّت عليه سورة القلم،و سياق أوّلها(39) يأباه،فلاحظ،مع أنّ فرعون رمى موسى عليه السّلام بالجنون، و لم يكن يرى منه هذه الحالة،بل قال الطّوسيّ:«يموّه عليهم أنّي أسأله عن ماهيّة(ربّ العالمين)فيجيبني عن غير ذلك،كما يفعل المجنون»،و نحوه الفخر الرّازيّ و غيره،فلاحظ.

10-ثلاث من هذه الآيات،و هي(39 و 41 و 49) نفي للجنون عنه عليه السّلام بلسان عاطفيّ من اللّه: ما أَنْتَ بِنِعْمَةِ رَبِّكَ بِمَجْنُونٍ و الباقي تهمة له أو لغيره من الأنبياء،نقلا عن أعدائهم.

11-قال الطّبرسيّ في(47)قول فرعون لموسى:

ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ: «و في ذلك دلالة على جهل فرعون،لأنّ السّاحر هو اللّطيف الحيلة؛و ذلك ينافي صفة المجنون المختلط العقل،فكيف يوصف شخص واحد بهاتين الصّفتين؟!».

و نقول:وصفه موسى بالسّاحر لما صدرت عنه من الآيات،و لا سيّما آيتي العصا و اليد البيضاء،أمّا وصفه بالجنون لما مرّ من تمويهه على النّاس،و كان ذلك في مواطن مختلفة،فقال في موطن: إِنَّ هذا لَساحِرٌ عَلِيمٌ الأعراف:109،و الشّعراء:34،و قال في موضع آخر:

(43) إِنَّ رَسُولَكُمُ الَّذِي أُرْسِلَ إِلَيْكُمْ لَمَجْنُونٌ، أمّا قوله فيه(47): (ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ) فكلمة(او)للإبهام على السّامع أو تمويه عليه،كأنّه شاكّ في ذلك،لاحظ نصّ البروسويّ.

و قال البيضاويّ فيها:«كأنّه جعل ما ظهر عليه من الخوارق منسوبا إلى الجنّ،و تردّد في أنّه حصل ذلك

ص: 191

باختياره و سعيه أو بغيرهما،و مراده أنّه لا ينافي الجنون السّحر،لأنّ المجنون إذا أصابه الجنّ تظهر منه الخوارق، و هي من أعمال الجنّ دون المجنون».

سادسا:جاءت(جنّة)78 مرّة و(جنّتان و جنّتين) 7 مرّات،و(جنّات)69 مرّة،و لها في الآيات ثلاثة مسمّيات:جنّة آدم،و جنّة الأرض،و جنّة الخلد،ففيها ثلاثة محاور:

المحور الأوّل:جنّة آدم:6 آيات(50-55)خمس مكّيّة في الأعراف و طه،و واحدة مدنيّة في البقرة.

و نحن نورد الآيات كاملة حسب ترتيب النّزول، لتعطينا صورة واضحة عن تلك القصّة في القرآن.

وَ يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ فَكُلا مِنْ حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ* فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطانُ لِيُبْدِيَ لَهُما ما وُورِيَ عَنْهُما مِنْ سَوْآتِهِما وَ قالَ ما نَهاكُما رَبُّكُما عَنْ هذِهِ الشَّجَرَةِ إِلاّ أَنْ تَكُونا مَلَكَيْنِ أَوْ تَكُونا مِنَ الْخالِدِينَ* وَ قاسَمَهُما إِنِّي لَكُما لَمِنَ النّاصِحِينَ* فَدَلاّهُما بِغُرُورٍ فَلَمّا ذاقَا الشَّجَرَةَ بَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَ أَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ* قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ* قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ* قالَ فِيها تَحْيَوْنَ وَ فِيها تَمُوتُونَ وَ مِنْها تُخْرَجُونَ* يا بَنِي آدَمَ قَدْ أَنْزَلْنا عَلَيْكُمْ لِباساً يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَ رِيشاً وَ لِباسُ التَّقْوى ذلِكَ خَيْرٌ ذلِكَ مِنْ آياتِ اللّهِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ* يا بَنِي آدَمَ لا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطانُ كَما أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُما لِباسَهُما لِيُرِيَهُما سَوْآتِهِما إِنَّهُ يَراكُمْ هُوَ وَ قَبِيلُهُ مِنْ حَيْثُ لا تَرَوْنَهُمْ إِنّا جَعَلْنَا الشَّياطِينَ أَوْلِياءَ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ الأعراف:19-27

وَ إِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى* فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَ لِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى* إِنَّ لَكَ أَلاّ تَجُوعَ فِيها وَ لا تَعْرى* وَ أَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَ لا تَضْحى* فَوَسْوَسَ إِلَيْهِ الشَّيْطانُ قالَ يا آدَمُ هَلْ أَدُلُّكَ عَلى شَجَرَةِ الْخُلْدِ وَ مُلْكٍ لا يَبْلى* فَأَكَلا مِنْها فَبَدَتْ لَهُما سَوْآتُهُما وَ طَفِقا يَخْصِفانِ عَلَيْهِما مِنْ وَرَقِ الْجَنَّةِ وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى* ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى طه:

116-122

وَ قُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَ زَوْجُكَ الْجَنَّةَ وَ كُلا مِنْها رَغَداً حَيْثُ شِئْتُما وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ* فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطانُ عَنْها فَأَخْرَجَهُما مِمّا كانا فِيهِ وَ قُلْنَا اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ وَ لَكُمْ فِي الْأَرْضِ مُسْتَقَرٌّ وَ مَتاعٌ إِلى حِينٍ* فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ* قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ* وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:35-39

و فيها بحوث:

1-آيات الأعراف فيها تفصيل القصّة،ابتداء بخطاب اللّه لآدم بأن يسكن هو مع زوجه الجنّة،و أن

ص: 192

يأكلا منها من حيث شاءا،و أن لا يقربا من الشّجرة ليكونا من الظّالمين.و هذا تكرّر في البقرة دون طه،بل فيها خاطب آدم أنّ الشّيطان عدوّ له و لزوجه فلا يخرجنّهما من الجنّة ليشقى،ثمّ وصف الجنّة بما ذكر فيها و ليس فيها ذكر الشّجرة.

ثمّ حكى في«الأعراف»وسوسة الشّيطان لهما ليبدي لهما ما وري عنها بحجّة أنّ ربّهما نهاهما عن الشّجرة، كراهة أن يكونا ملكين أو يكونا من الخالدين،و قاسمهما أنّه لهما من النّاصحين فدلاّهما بغرور.و في«طه» وسوس الشّيطان إلى آدم و قال له:هل أدلّك على شجرة الخلد و ملك لا يبلى،و ليس فيها احتجاج و لا قسم.أمّا في«البقرة»فاكتفى بأنّه أزلّهما عنها و أخرجهما منها من دون ذكر الوسوسة و الاحتجاج و القسم.

و جاء في«الأعراف»أنّهما ذاقا الشّجرة،فبدت لهما سوآتهما و طفقا يخصفان عليهما من ورق الجنّة.و قريب منها ما في«طه»و سكت عنها في«البقرة».

ثمّ في الأعراف وَ ناداهُما رَبُّهُما أَ لَمْ أَنْهَكُما عَنْ تِلْكُمَا الشَّجَرَةِ وَ أَقُلْ لَكُما إِنَّ الشَّيْطانَ لَكُما عَدُوٌّ مُبِينٌ* قالا رَبَّنا ظَلَمْنا أَنْفُسَنا وَ إِنْ لَمْ تَغْفِرْ لَنا وَ تَرْحَمْنا لَنَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ و في طه: وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى* ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى. و في البقرة:

فَتَلَقّى آدَمُ مِنْ رَبِّهِ كَلِماتٍ فَتابَ عَلَيْهِ إِنَّهُ هُوَ التَّوّابُ الرَّحِيمُ ثمّ في الأعراف: قالَ اهْبِطُوا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إلى آخر الآيات،و في«البقرة»قريب منها و ليس في«طه».

2-و مع أنّها تختلف تفصيلا و إجمالا،تشترك في أنّ المخاطب فيها جميعا،هو آدم و تبعته زوجته في الخطاب.

و في العنصر الأصليّ للقصّة:و هو إغواء الشّيطان لهما، و إخراجهما من الجنّة بالعصيان ثمّ غفران اللّه لهما.

3-اختلف المفسّرون قديما و حديثا في«جنّة آدم» أ هي جنّة الخلد،أو جنّة في السّماء،أو جنّة في الأرض، و تمسّكوا بأشياء لا تنتهي إلى القطع و اليقين،فلاحظ النّصوص.و لا يهمّنا العلم بها بقدر ما يهمّنا الاتّعاظ بها، حذرا من إغواء الشّيطان و اعترافا بأنّه عدوّ للإنسان، و لهذا ذيّلها في الأعراف بخطاب يا بني آدم مرّتين كنتيجة للقصّة.

4-كما اختلفوا في الشّجرة أ هي حنطة أو غيرها، لاحظ:«إبليس،شيطان،شجرة،آدم»فقد أحصينا في «آدم»ما جاء في القرآن من شئونه و أعماله.

5-جاءت هذه القصّة في التّوراة بتفاوت عمّا في القرآن،و يظهر منها أنّ الجنّة كانت في«عدن»و أنّ الشّجرة هي شجرة الحياة و معرفة الخير و الشّرّ،لاحظ الفصل الثّاني من«سفر التّكوين».

المحور الثّاني:جنّة الأرض 12 آية(111- 122)و فيها بحوث:

1-ثمان منها جاءت مفردة(111-118)و أربع منها جاءت تثنية:اثنتان لجنّتين كانتا لقوم سبأ (119،120)،كرّرت فيهما ثلاث مرّات و اثنتان في قصّة جنّتين كانتا لرجل اغترّ بهما(121 و 122)و كرّرت فيهما مرّتين و الجميع خمس مرّات لاحظ النّصوص، و لاحظ«أ ث ل:أثل».

2-و اثنتا عشرة(147-158)جاءت جمعا:

ص: 193

جنّات،جعلها اللّه للنّاس في الأرض،و هي أصناف:

أ-في الأربع الأولى(147-150)جاءت (جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ) أولاهما منّة على النّاس بإعطائها،و مثلها (154): وَ فَجَّرْنا فِيها مِنَ الْعُيُونِ و الباقي إنذار بأنّهم سيخرجون منها و يتركوها لغيرهم،و ليسوا بآمنين فيها أبد الدّهر.

ب-و جاء في(156): وَ يَجْعَلْ لَكُمْ جَنّاتٍ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهاراً.

ج-فنرى أنّ اللّه أكّد في هذه الآيات العيون و الأنهار في جنّات الدّنيا،كما أكّدها في جنّات الآخرة مرارا حيث قال: جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لاحظ «ت ح ت».و معلوم أنّ الجنّة إذا خلت من المياه الجارية سواء كانت عيونا أو أنهارا،و سواء كانت الجنّة من جنّات الدّنيا أو الآخرة،لا لطف فيها،لاحظ«عين و نهر».

د-و الآيات الباقية كلّها منّة على النّاس بجنّات فيها أصناف من الثّمار:كالنّخيل و الأعناب و الزّيتون و الرّمّان و الفواكه،فجاءت فيها الأعناب أربعا و النّخيل ثلاثا،و غيرها مرّة واحدة فالتّأكيد للأعناب و النّخيل كان أشدّ لكثرتها يوم ذاك في جزيرة العرب،و دخلها البالغ في معيشة أهلها،لاحظ«عنب و نخل».

ه-ألحق الحبّ و الزّرع و النّبات بالثّمار في عدّة منها،لاحظ هذه الموادّ.

المحور الثّالث:جنّة الخلد،جاءت مفردة و تثنية و جمعا 91 مرّة(56-146)،و مع هذه الكثرة فهي من أحلى و أحبّ و أقوى آمال المؤمنين رجاء،و آكد وعد اللّه لهم صدقا،و فيها بحوث:

1-وصفت الجنّة بصفات:

جنّة عرضها كعرض السّماء و الأرض:(102).

جنّة النّعيم:(72)،(89)،(93)،(132).

جنّة عالية:(92)،(97).

جنّة مزلفة:(73)،(96).

جنّة المأوى:(95)،(99)،(142).

الجنّة الموعودة:(66)،(80)،(85)،(87)،(102).

جنّة الخلود:(56)،(63)،(64)،(65)،(70)، (77)،(84)،(109).

خير مستقرا:(71).

جنّة الفوز:(61)،(91).

جنّة عدن:(137-140).

جنّات النّعيم:(126-133).

جنّتي:(98).

جنّة تجري من تحتها الأنهار:(74).

جنّات الفردوس:(141).

جنّات و عيون:(134-136)،(147-150).

روضات الجنّات:(143).

جنّات يتساءلون:(145).

جنّات مكرمون:(146).

2-الأصناف الّذين يدخلون الجنّة:

أصحاب الجنّة:(71)،(76)،(91)،(103)، (104)،(108)،(110).

أصحاب اليمين:(145).

الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات:(56)،(64)، (74)،(109)،(141-143).

التّائبون:(68).

الّذين آمنوا باللّه و اليوم الآخر:(30).

ص: 194

السّابقون:(130).

الصّالحون:(79)،(107).

السّعداء:(65).

المتّقون:(66)،(69)،(73)،(77)،(78)، (131)،(134،135)،(139)،(144).

المجاهدون:(133).

المخلصون:(129).

المصلّون:(146).

الّذين ينهون النّفس عن الهوى:(95).

الصّابرون:(60).

المستغفرون:(101).

الّذين استقاموا:(80).

الّذين تتوفّاهم الملائكة:(67).

و قد سبق في(أ م ن)و(ت ح ت)شطر من ذلك، فلاحظ.

3-جاء الخلود في الجنّة لأهلها في 23 آية كما جاء لأهل النّار في 10 آيات،لاحظ«خ ل د».

4-جاءت الجنّة و الجنّات مع العيون في 8 آيات و مع الأنهار في 38 آية،اعترافا-كما سبق-بأنّ الجنّة ينبغي أن يكون فيها ماء جار،و في الآيات أوصاف أخرى للجنّة تبشيرا و ترغيبا للنّاس.

سابعا:جاءت(جنّة)مرّتين:(194 و 195)بسياق واحد ذمّا للمنافقين في سورتين مدنيّتين متواليتين نزولا:(المنافقون)و(المجادلة) اِتَّخَذُوا أَيْمانَهُمْ جُنَّةً فَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ لكن يختلف ذيلهما:فالأولى إدانة لهم بسوء أعمالهم: إِنَّهُمْ ساءَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ، و الثّانية إنذار لهم بعذاب الآخرة: فَلَهُمْ عَذابٌ مُهِينٌ، فقد لوحظ فيهما ترتيب العتاب حسب ترتيب الدّنيا و الآخرة،لاحظ(ن ف ق):المنافق.

ثامنا:جاءت(أجنّة)جمع(جنين)مرّة واحدة (196): هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ إِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ و فيها بحوث:

1-فيها تذكار بأوّل مراحل خلق الإنسان من التّراب،و آخر مراحله و هو كمال خلقته في الرّحم قبل خروجه إلى هذا العالم،إعلاما بإحاطة علمه تعالى على جميع مراحل خلق الإنسان.

2-و فيها-إضافة إلى كمال علمه تعالى-تذكار بمنّه على الإنسان،حيث أنشأه من تراب،و هذا إشارة إلى خلق أبيهم«آدم»من تراب،فاستمرّ نسله إلى خلق أيّ إنسان في بطن أمّه،فدلّت على مراحل لا تعدّ و لا تحصى من أصلاب الآباء و بطون الأمّهات،فهو كالمسافر الّذي طوى مسافة بعيدة حتّى وصل إلى منزله الأخير.

3-يتداعى من(الأرض)و بطون الأمّهات أنّ الإنسان خرج من بطن الأرض أوّلا و بطن الأمّهات آخرا فله أمّان أوّلا و آخرا:أمّ الأرض و أمّ الولادة،أو أمّ الإنشاء و أمّ الخلق.

4-و لعلّ(البطون)بصيغة الجمع إشارة إلى بطون الأمّهات من آدم إلى بطن كلّ إنسان،أي أنّ لكلّ إنسان كانت بطون أمّهات.و لكنّ الظّاهر أنّ الجمع بلحاظ كثرة النّاس،و أريد بها بطن أمّ كلّ منهم.[لاحظ بطن]

5-و قد أحاط خلقة الإنسان بدوا و ختما في الآية ذكر مساوئ أعماله وسعة غفران اللّه و أنّه أعلم بمن اتّقى، فلا ينبغي أن يزكّي الإنسان نفسه و ينسى ما منّ به اللّه عليه من رحمته الواسعة.

ص: 195

ص: 196

ج ن ي

اشارة

لفظان مرّتان:1 مكّيّة،1 مدنيّة

في سورتين:1 مكّيّة،1 مدنيّة

جنى 1:-1 جنيّا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :جنى فلان جناية،أي جرّ جريرة على نفسه،أو على قومه،يجني.[ثمّ استشهد بشعر]

و تجنّى فلان عليّ ذنبا،إذا تقوّله عليّ و أنا بريء.

و فلان يجاني على فلان،أي يتجنّى عليه.

و الجنى:الرّطب و العسل،و كلّ ثمرة تجتنى فهو جنى، مقصور.

و الاجتناء:أخذك إيّاه،و هو جنى ما دام طريّا.[ثمّ استشهد بشعر](6:184)

ابن الأعرابيّ: جنأ في عدوه،إذا ألحّ و أكبّ.[ثمّ استشهد بشعر]

الجاني:اللّقاح.(الأزهريّ 11:196)

أبو عبيد: [في حديث عليّ عليه السّلام]

هذا جناي و خياره فيه

إذ كلّ جان يده إلى فيه

يضرب هذا مثلا للرّجل يؤثر صاحبه بخيار ما عنده.

يقال:جنيت فلانا جنى،أي جنيته له.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ:11:195)

قولهم:«جانيك من يجني عليك»يضرب مثلا للرّجل يعاقب بجنايته،و لا يؤخذ غيره بذنبه.

و من أمثالهم:«أجناؤها أبناؤها».الأجناء:جمع الجاني،و الأبناء:جمع الباني،مثل:شاهد و أشهاد، و ناصر و أنصار.

و المعنى أنّ الّذي جنى فهدم هو الّذي بنى بغير تدبير، فاحتاج إلى نقض ما عمل و إفساده.(الأزهريّ 11:196)

ابن السّكّيت: و تقول:قد جنأت،إذا انحنيت على الشّيء.و قد جنيت الثّمرة أجنيها.

(إصلاح المنطق:152)

ص: 197

و يقال:أجنى الشّجر،إذا أدرك ثمره للاجتناء،و قد جنى الثّمرة يجنيها جنيا.(إصلاح المنطق:270)

شمر:جنيتك،جنيت لك و عليك.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 11:196)

أبو الهيثم: في قوله:«جانيك من يجني عليك» يراد به:الجاني لك الخير من يجني عليك الشّرّ.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 11:196)

الزّجّاج: و أجنت الأرض:كثر جناها.

(فعلت و أفعلت:46)

ابن دريد :و الجنى:كلّ ما جنيته من الثّمر،غير مهموز.(3:229)

نحوه مجمع اللّغة.(1:216)

الأزهريّ: يقال للعسل إذا اشتير:جنى...و يقال لكلّ شيء أخذ من شجره:قد جني و اجتني.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال للثّمر إذا صرم:جنيّ.

[بعد بيان معنى قولهم:«جانيك من يجني عليك» قال:]

و قيل:معناه إنّما يجنيك من جنايته راجعة إليك، و ذلك أنّ الإخوة يجنون على الرّجل.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجاني:الكاسب.

و يقال:أجنت الشّجرة،إذا صار لها جنى يجنى فيؤكل.[ثمّ استشهد بشعر](11:195)

الصّاحب:جنى الرّجل جناية.و تجنّى عليّ ذنبا، إذا نسبه إليه و لعلّه بريء.

و جمع الجاني:أجناء،و في المثل:«أجناؤها أبناؤها» معناه هادموها بانوها،و له حديث.

و في المثل أيضا في البعث على تخيّر ذوي الصّلاح:

«ما كفى حربا جانيها».

و الجنى:الرّطب و العسل،و كلّ ثمرة تجتنى.

و الاجتناء:القطف.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجنى الشّجر:أدرك جناه.و أجنت الأرض و أجنى الجنى،أي نبت.

و الجنى:القبل و نحوها

و الأجنى:الّذي في كاهله انحناء على صدره، و الاسم:الجنى،و نعامة جنواء،و قد جنى و هذا يهمز أيضا،و قد ذكر في بابه.

و الجنيّة:رداء مدوّر من خزّ.

و الجواني:الجوانب،كالأراني و الثّعالي.(7:186)

الجوهريّ: يقال:أتانا بجناة طيّبة:لكلّ ما يجتنى.

و ثمر جنيّ،على«فعيل»:حين جني.

و جنى عليه جناية.

و التّجنّي مثل التّجرّم،و هو أن يدّعي عليك ذنبا لم تفعله.

و في المثل:«أجناؤها أبناؤها».و أنا أظنّ أنّ أصل هذا المثل«جناتها بناتها»لأنّ«فاعلا»لا يجمع على «أفعال»و أمّا الأشهاد و الأصحاب فإنّما هما جمع شهد و صحب،إلاّ أن يكون هذا من النّوادر،لأنّه يجيء.في الأمثال ما لا يجيء في غيرها.

و أجنى الشّجر،أي أدرك ثمره.و أجنت الأرض،أي

ص: 198

كثر جناها،و هو الكلأ و الكمأة،و نحو ذلك.

(6:2305)

الهرويّ و يقال لكلّ ما نيل من الثّمر:جنيّ و جنى.

و في حديث عليّ عليه السّلام:

*هذا جناي و خياره فيه*

أراد عليّ عليه السّلام أنّه لم يتلطّخ بشيء من فيء المسلمين، بل وضعها موضعها.[إلى أن قال:]

صارت مثلا لكلّ من آثر صاحبه بخير ما عنده.

و في بعض الرّوايات:«أهدي له أجن زغب»، فالأجناء:جمع الجنى،و سمّى (1)القثّاء الرّطب الغضّ:

جنى،ثمّ جمعه أجنيا،كما يقال:عصا و أعص،و رسن و أرسن،و جبل و أجبل.و الرّواية المشهورة-المحفوظة- «و أجر زغب»بالرّاء،و قد كتبناه في موضعه.(214)

ابن سيده: جنى الذّنب عليه جناية:جرّه.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل جان،من قوم جناة،و جنّاء،الأخيرة عن سيبويه.فأمّا قولهم:أبناؤها أجناؤها،فزعم أبو عبيد أنّ أبناء:جمع بان،و أجناء:جمع جان،كشاهد و أشهاد، و صاحب و أصحاب،و أراهم لم يكسّروا بانيا على أبناء و لا جانيا على أجناء إلاّ في هذا المثل.

و تجنّى عليه،و جانى:ادّعى عليه جناية.

و جنى الثّمرة و نحوها جنيا،فهو جان من قوم جناة،و جنّاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و اجتناها،و تجنّاها،كلّ ذلك:تناولها من شجرتها.

[ثمّ استشهد بشعر]

و جناها له،و جناه إيّاها.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجنيّ: كلّ ما جني حتّى الفطر و الكمأة،واحدته:

جناة.

و قيل:الجناة:كالجنى،فهو على هذا من باب حقّ و حقّة.

و قد يجمع الجنى على أجناء و جناء.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد يجمع:على أجن،كجبل و أجبل،و روي في الحديث:«أهدي إليه أجن زغب».و الأكثر:أجر، حكى ذلك أبو عبيد الهرويّ في«الغريبين».

و الجنى:الكلأ.

و الجنى:الكمأة.

و أجنت الأرض:كثر جناها.

و الجنيّ: الثّمر المجتنى ما دام طريّا،و في التّنزيل:

تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا مريم:25.

و الجنى:الرّطب و العسل.

و اجتنينا ماء مطر،حكاه ابن الأعرابيّ،قال:و هو من جيّد كلام العرب،و لم يفسّره.و عندي:أنّه أراد:

وردناه فشربناه أو سقيناه ركابنا،و وجه استجادة ابن الأعرابيّ له أنّه من فصيح كلام العرب.

و الجنى:الودع،كأنّه جني من البحر.

و الجنى:الذّهب،و قد جناه،قال في صفة ذهب:

*صبيحة ديمة يجنيه جان*

أي يجمعه من معدنه.(7:508)

الرّاغب: جنيت الثّمرة و اجتنيتها،و الجنيّ:ل.

ص: 199


1- كذا جاء في الأصل مضبوطا ببناء الفعل للفاعل و نصب القثّاء على أنّه مفعول للفعل.

المجتنى من الثّمر و العسل،و أكثر ما يستعمل«الجنيّ» فيما كان غضّا،قال تعالى: تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا، و قال تعالى: وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ الرّحمن:54.

و أجنى الشّجر:أدرك ثمره،و الأرض:كثر جناها، و استعير من ذلك:جنى فلان جناية،كما استعير «اجترم».(101)

الزّمخشريّ: هات جناة من جناك،و هذه شجرة طيّبة الجناة.و ثمر جنيّ:جني آنفا.

و أجنى الشّجر:حان أن يجنى ثمره.و أجنيته الثّمر:

مكّنته من اجتنائه.

و أجنت الأرض و أخلت:صار فيها الجنى و الخلى (1).

و أجنى اللّه الماشية:أنبت لها الجنى.

و جنى على أهله:جرّ عليهم.و تجنّى على أخيه ما لم يجن.

و من المجاز:اجتنى العسل.و تقول العرب:جنيت الجراد و صدت ماء المطر.(أساس البلاغة:66)

ابن الأثير: فيه:«لا يجني جان إلاّ على نفسه» الجناية:الذّنب و الجرم،و ما يفعله الإنسان ممّا يوجب عليه العذاب،أو القصاص في الدّنيا و الآخرة.

المعنى:أنّه لا يطالب بجناية غيره من أقاربه و أباعده:فإذا جنى أحدهما جناية لا يعاقب بها الآخر، كقوله تعالى: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى فاطر:18.

[ثمّ ذكر نحو الهرويّ،إلى أن قال:]

و في حديث أبي بكر:«أنّه رأى أبا ذرّ رضي اللّه عنهما،فدعاه،فجنا عليه،فسارّه»جنا على الشّيء يجنو،إذا أكبّ عليه.

و قيل:هو مهموز،و قيل:الأصل فيه الهمز،من:

جنأ يجنأ،إذا مال عليه و عطف،ثمّ خفّف،و هو لغة في «أجنأ».و لو رويت بالحاء المهملة بمعنى أكبّ عليه،لكان أشبه.(1:309)

الفيّوميّ: [نحو السّابقين و أضاف:]

و أجنى النّخل بالألف:حان له أن يجنى.[إلى أن قال:] و غلبت الجناية في ألسنة الفقهاء،على الجرح و القطع.و الجمع:جنايات،و جنايا مثل عطايا قليل فيه.

(1:112)

الفيروزآباديّ: جنى الذّنب عليه يجنيه جناية:

جرّه إليه،و الثّمرة:اجتناها كتجنّاها،و هو جان.

جمعه:جناة و جنّاء،و أجناء نادر،و جناها له،و جنّاه إيّاها.و كلّ ما يجنى،فهو جنى و جناة.

و الجنى:الذّهب و الودع و الرّطب و العسل؛جمعه:

أجناء.

و اجتنينا ماء مطر:وردناه فشربناه.

و أجنى الشّجر:أدرك،و الأرض:كثر جناها.

و ثمر جنيّ: جني من ساعته.

و تجنّى عليه:ادّعى ذنبا لم يفعله.

و الجنيّة كغنيّة:رداء من خزّ.

و تجنى:بلدة.

و الجواني:الجوانب.(4:315)

عبد الكريم الخطيب :الجنى:الثّمر النّاضج، و هو ما يجنى من شجره،و منه الجنين،و هو ثمرة الحيوان، و يسمّى بيض الطّير جنى لهذا المعنى.(14:693)ب.

ص: 200


1- الخلى:العشب.

محمّد إسماعيل إبراهيم: جنى الثّمر:أخذه من شجره،و الجنى:ما يقطف و يجمع من الثّمر،و جنيّا:

ناضجا صالحا للاجتناء،أو ما جني لساعته من كلّ ثمر.

(1:114)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الأخذ لثمر أو غيره،من شجر أو ممّا يكون الأخذ منه.

و أمّا الجناية:فهو اكتساب الإثم و أخذه و اقتطافه، تشبيها باقتطاف الثّمرة،فارتكاب الإثم يستفاد من المادّة،و الإثم المخصوص و هو الجناية يستفاد من كلمة «على»ظاهرة أو مقدّرة.

و أمّا كون الثّمر غضّا؛فيستفاد من مفهوم المادّة، فإنّ أخذ الثّمرة من الشّجرة منصرف إلى حين اقتطافها.

[إلى أن قال:]

و لا يبعد حينئذ أن نقول:إنّ«الجنى»مصدر و بمعنى المصدر،أو كان في الأصل مصدرا،ثمّ يطلق على الثّمر المجنيّ مبالغة،إذا لوحظ فيه هذه الجهة،و على أيّ حال فقيد الاجتناء ملحوظ فيه.

و الفرق بين الجنى و القطف:أنّ النّظر في الجنى إلى جهة الآخذ،و في القطف إلى جانب المأخوذ،و على هذا قد أتى«القطف»بصيغة الجمع في قوله تعالى: قُطُوفُها دانِيَةٌ الحاقّة:23،بخلاف وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ الرّحمن:54.(2:133)

النّصوص التّفسيريّة

جنا

...وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ. الرّحمن:54

ابن عبّاس: اجتناء البساتين.(452)

ثمارها.(الطّبريّ 27:150)

مثله قتادة(الطّبريّ 27:149)،و الماورديّ(5:

439)،و النّسفيّ(4:212)،و النّيسابوريّ(27:69)، و ابن كثير(6:499)،و الشّربينيّ(4:172).

أبو عبيدة :ما يجتنى.(2:245)

مثله السّجستانيّ(184)،و الزّجّاج(5:104)، و القشيريّ(6:80)،و الواحديّ(4:227)،و البغويّ (4:341)،و ابن عطيّة(5:233)،و الطّبرسيّ(5:

208)،و أبو السّعود(6:181)،و البروسويّ(9:

307)،و الطّباطبائيّ(19:110).

الطّبريّ: ثمر الجنّتين الّذي يجتنى.(27:149)

الثّعالبيّ: [ذكر فصلا في التّجنيس و قال:هو أن يجانس اللّفظ اللّفظ و المعنى مختلف،و جاء له بأمثلة من القرآن،منها]

قوله تعالى: وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ الرّحمن:54.

(384)

الطّوسيّ: فالجنى:الثّمرة الّتي قد أدركت في الشّجرة و صلح أن تجنى غضّة.(9:480)

الزّمخشريّ: و قرئ (جنى) بكسر الجيم.(4:49)

البيضاويّ: و(جنى)اسم بمعنى مجنيّ.

(2:444)

مثله المشهديّ.(10:171)

الآلوسيّ: أي ما يجنى و يؤخذ من أشجارهما من الثّمار،(فجنى)اسم أو صفة مشبّهة بمعنى المجنيّ.[إلى أن قال:]

ص: 201

و قرأ عيسى (و جنى) بفتح الجيم و كسر النّون،كأنّه أمال النّون و إن كانت الألف قد حذفت في اللّفظ،كما أمال أبو عمرو حَتّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً البقرة:55، و قرئ و (جنى) بكسر الجيم،و هو لغة فيه.

(27:118)

المصطفويّ: أي ما يجنى منهما قريب يناله الأيدي.و التّعبير بهذه الكلمة دون الثّمر،أو الجنيّ إشارة إلى جهة سهولة الاجتناء و قرب التّناول،فإنّ قرب الثّمر يمكن أن يكون بعد مدّة من الاجتناء، و لا يكون حينئذ طريّا.(2:133)

جنيّا

وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا.

مريم:25

ابن عبّاس: غضّا طريّا.(255)

نحوه السّجستانيّ(117)،و النّسفيّ(3:33)، و الشّربينيّ(2:421).

مقاتل: المترطّب البسر.(الماورديّ 3:367)

أبو عمرو ابن العلاء:البلح لم يتغيّر.

(الماورديّ 3:367)

مالك: الجنيّ من التّمر:ما طاب من غير نقش و لا إفساد.(القرطبيّ 11:96)

الفرّاء: الجنيّ و المجنيّ واحد،و هو مفعول به.

(2:166)

الطّبريّ: يعني مجنيّا،و إنّما كان أصله مفعولا، فصرف إلى«فعيل»و المجنيّ المأخوذ طريّا،و كلّ ما أخذ من ثمرة،أو نقل من موضعه بطراوته،فقد أجتني، و لذلك قيل:يجتني الكمأة.[ثمّ استشهد بشعر]

(16:73)

نحوه الطّوسيّ(7:119)،و الواحديّ(3:181).

القمّيّ: أي طيّبا.(2:49)

الماورديّ: فيه ثلاثة أقاويل:[فذكر قول مقاتل، و أبي عمرو و قال:]

الثّالث:أنّه الطّريّ بغباره.(3:367)

البغويّ: مجنيّا،و قيل:الجنيّ هو الّذي بلغ الغاية، و جاء أوان اجتنائه.(3:230)

الزّمخشريّ: عن طلحة بن سليمان(جنيّا)بكسر الجيم للإتباع.(2:507)

ابن عطيّة: معناه:قد طابت و صلحت للاجتناء، و هو من:جنيت الثّمرة.(4:12)

أبو السّعود : جَنِيًّا صفة له[رطبا]و هو ما قطع قبل يبسه،«فعل»بمعنى«مفعول»،أي رطبا مجنيّا،أي صالحا للاجتناء،و قيل:بمعنى«فاعل»أي طريّا طيّبا.

(4:237)

نحوه البروسويّ(5:327)،و الآلوسيّ(16:85).

المصطفويّ: أي قد جني من حينه.(2:133)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجنى،و هو ما يجنى من الشّجر،واحدته:جناة،و جمعه:أجن و أجناء،يقال:

اجتنى الجنى،أي أخذه رطبا،و قد جني و اجتني، و جنيت فلانا جنى:جنيت له.و أجنت الشّجرة:صار لها

ص: 202

جنى يجنى فيؤكل،و أجنت الأرض:كثر جناها.و جنيت الثّمرة أجنيها جنى و اجتنيتها و تجنّيتها:تناولتها من شجرتها،و أجنى الثّمر:أدرك.

و الجنى:الرّطب،و الكمأة،و الكلأ،و العسل،لأنّها تجنى كما تجنى الثّمرة من الشّجرة،و هو الودع أيضا، و هي خرز تستخرج من البحر للزّينة،و كأنّه جني من البحر.

و الجنيّ:الثّمر المجتنى ما دام طريّا،و التّمر المصروم،يقال:تمر جنيّ.

و قولهم:اجتنينا ماء المطر،أي وردناه فشربناه،أو سقيناه ركابنا،مجازيّ.

و الجناية:الذّنب و الجرم،و هو محمول على ذلك، و كأنّ صاحب الذّنب يجني سوء فعله،فيكون وبالا عليه،و لذا عدّي بحرف الجرّ«على»،و هو يفيد الفوقيّة المعنويّة،يقال:جنى فلان على نفسه يجني جناية،أي جرّ جريرة،و جنى الذّنب عليه جناية:جرّه،فهو جان و هم جناة و جنّاء،و جنيت لك و عليك و تجنّى عليه و جانى:ادّعى عليه جناية،و تجنّى فلان على فلان ذنبا:

تقوّله عليه و هو بريء.

قال الرّاغب:«و أجنى الشّجر:أدرك ثمره،و الأرض:

كثر جناها،و استعير من ذلك:جنى فلان جناية،كما استعير اجترم».

2-و رجل أجنى بيّن الجنى:أحدب،و هي جنوى:

حدباء،و المشهور:أجنأ و جنواء،فلمّا سهّلت الهمزة في «أجنأ»أصبح«أجنا»،ثمّ قصرت الألف فحسبه بعض من(ج ن ي).و كذلك«جنواء»،حذفت الهمزة منه و قصرت ألفه،فصار«جنوى».كما قالوا:رجل أحنى و امرأة حنياء و حنواء،أي في ظهرهما احد يداب،و هو على أصله من«الحني»،فبينه و بين لغة الهمز اشتقاق أكبر.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها اسمان في سورتين مكّيّة و مدنيّة،بالمعنى الأصليّ لها:و هو أخذ الثّمرة من الشّجرة.

1- مُتَّكِئِينَ عَلى فُرُشٍ بَطائِنُها مِنْ إِسْتَبْرَقٍ وَ جَنَى الْجَنَّتَيْنِ دانٍ الرّحمن:54

2- وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا مريم:25

يلاحظ أوّلا:أنّ المعنى المستعار من هذه المادّة،أي الجناية-و هي قبيحة معرض عنها-لم يأت في القرآن، بل اكتفى بالمعنى الأصليّ أي أخذ الثّمرة من الشّجر-و هو حسن مرغوب فيه-بلفظين:جنى و جنيّ.

ثانيا:«الجنى»و هو ما يجنى من الشّجر،جاء وصفا لما يتمتّع به أهل الجنّة؛حيث يتّكئون على فرش بطائنها من استبرق في جنّتين لهم،ثمرتها دانية منهم،يجنونها مهما يحبّون،و في كلّ الأحوال قاعدين أو قائمين أو مسترخين.

أمّا«الجنيّ»-و هو ما يجنى من الشّجر أيضا-كأنّه أبلغ و آكد في معناه من«جنى»فجاء وصفا لرطب تساقطه جذع النّخلة على مريم،كأنّها لا تحتاج إلى جنيه و أخذه،بل الرّطب مجنيّ بجذع النّخل،فتساقطه عليها بمجرّد هزّها النّخلة.و كأنّ هذا التّعبير يوهم أنّه من ثمار

ص: 203

الجنّة و من قبيلها،و فيه ما لا يخفى من اللّطف.

و لكن فرق بين الرّطب و بين حملها:حيث لم يسقط اللّه عليها الرّطب دون هزّ الجذع،و قد حملت بقدرته دون زوج.فنفى هنا الواسطة،و أمر هناك بها،فرقا بين عملها و بين عمل اللّه تعالى.

ص: 204

ج ه د

اشارة

17 لفظا،41 مرّة:8 مكّيّة،33 مدنيّة

في 19 سورة:6 مكّيّة،13 مدنيّة

جهد 5:3-2 تجاهدون 1:-1

جهدهم 1:-1 جاهد 2:-2

جاهد 2:-2 جاهدهم 1:1

جاهداك 2:1-1 جاهدوا 4:-4

جاهدوا 11:2-9 المجاهدون 1:-1

يجاهد 1:-1 المجاهدين 3:-3

يجاهدون 1:-1 جهاد 1:-1

يجاهدوا 2:-2 جهادا 2:1-1

جهاده 1:-1

النّصوص اللّغويّة

اشارة

الشّعبيّ: الجهد:الطّاقة،تقول:هذا جهدي،أي طاقتي.

الجهد في القيتة (1)و الجهد في العمل.

(الأزهريّ 6:38)

أبو عمرو ابن العلاء: حلف باللّه فأجهد و سار فأجهد،و لا يكون فجهد.(الأزهريّ 6:39)

الخليل: الجهد:ما جهد الإنسان من مرض،أو أمر شاقّ،فهو مجهود.و الجهد لغة بهذا المعنى.

و الجهد:شيء قليل يعيش به المقلّ على جهد العيش.

و الجهد:بلوغك غاية الأمر الّذي لا تألو عن الجهد فيه،تقول:جهدت جهدي،و اجتهدت رأيي و نفسي حتّى بلغت مجهودي.

و جهدت فلانا:بلغت مشقّته،و أجهدته على أن يفعل كذا،و أجهد القوم علينا في العداوة.

و جاهدت العدوّ مجاهدة،و هو قتالك إيّاه.

(3:386)

سيبويه :قالوا:«طلبته جهدك»أضافوا المصدر

ص: 205


1- القيتة:القوت،ذكره الهرويّ ص:426.

و إن كان في موضع الحال،كما أدخلوا فيه الألف و اللاّم حين قالوا:أرسلها العراك.و ليس كلّ مصدر يضاف،كما أنّه ليس كلّ مصدر تدخله الألف و اللاّم.

و تقول:جهد رأيي أنّك ذاهب،تجعل«جهد»ظرفا و ترفع«أنّ»به،على ما ذهبوا إليه في قولهم:حقّا أنّك ذاهب.(ابن سيده 4:153)

ابن شميّل: الجهاد:أظهر الأرض و أسواها،أي أشدّها استواء،أنبتت أو لم تنبت،ليس قربه جبل و لا أكمة،و الصّحراء:جهاد.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 6:38)

أبو عمرو الشّيبانيّ: أجهد في حاجتي،و جهد لي سواء.(1:117)

يقال:هذه بقلة لا يجهدها المال،أي لا يكثر منها، و هذا كلأ يجهده المال،إذا كان يلجّ عليه و يرعاه.

(الأزهريّ 6:37)

الجماد و الجهاد:الأرض الجدبة الّتي لا شيء فيها، و الجماعة:جمد و جهد.(الأزهريّ 6:38)

أجهد القوم لي،أي أشرفوا.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 6:39)

الفرّاء: بلغت به الجهد،أي الغاية،و اجهد جهدك في هذا الأمر،أي ابلغ فيه غايتك.

و أمّا الجهد فالطّاقة،يقال:أجهد جهدك.

و جهدت فلانا:بلغت مشقّته،و أجهدته على أن يفعل كذا و كذا،و أجهد القوم علينا في العداوة، و جاهدت العدوّ مجاهدة.(الأزهريّ 6:37)

أرض فضاء و جهاد و براز،بمعنى واحد.

(الأزهريّ 6:39)

أبو زيد :يقال:إنّ فلانا لمجهد لك،و قد أجهد،إذا اختلط.(الأزهريّ 6:39)

أبو عبيد: جهدته و أجهدته بمعنى واحد.

(الأزهريّ 6:37)

ابن الأعرابيّ: الجهاض و الجهاد:ثمر الأراك،و نحو ذلك.(الأزهريّ 6:39)

ابن السّكّيت: الجهد:الغاية.(الأزهريّ 6:37)

أبو سعيد البغداديّ: أجهد لك هذا الأمر فاركبه، أي أمكنك و أعرض لك.(الأزهريّ 6:39)

الزّجّاج: و جهدت الفرس و أجهدته،إذا استخرجت جهده،و كذلك جهدت في الأمر،و أجهدت، إذا بلغت جهدي فيه.(فعلت و أفعلت:192)

ابن دريد :و الجهد و الجهد:لغتان فصيحتان بمعنى واحد،بلغ الرّجل جهده و جهده و مجهوده،إذا بلغ أقصى قوّته و طوقه.و جهدت الرّجل،إذا حملته على أن يبلغ مجهوده.

و بنو جهادة:حيّ من العرب.

و الرّجل جاهد في أمره:جادّ فيه،و رجل مجهود،إذا جهد،و جهده غيره.(2:71)

و جهد فلان في كذا و كذا و أجهد.(3:435)

نفطويه: الجهد بضمّ الجيم:الوسع و الطّاقة، و الجهد:المبالغة و الغاية،و منه قوله: جَهْدَ أَيْمانِهِمْ المائدة:53،أي بالغوا في اليمين و اجتهدوا فيها.

(الهرويّ 1:426)

الأزهريّ: [قيل:]أجهد فيه الشّيب إجهادا،إذا بدا

ص: 206

فيه و كثر.(6:39)

الصّاحب: الجهد:ما جهد الإنسان من مرض أو أمر شاقّ،و هو مجهود؛و الجهد لغة.جهدت نفسي و أجهدتها.و يقولون:لأبلغنّ جهداي في الأمر و جهيداي.

و جهاداك أن تفعل ذاك،أي قصاراك.

و الجهد:شيء قليل يعيش به الرّجل المقلّ.

و كلّ من بالغ في شيء فقد جهد و اجتهد.و أجهدته:

حملته على ذاك.

و جاهدت العدوّ مجاهدة و جهادا:قاتلتهم.

و الإجهاد:الإشراف،و الظّهور.أجهدنا:أصحرنا و برزنا.

و المجهود:المشتهى من الطّعام و اللّبن.و الجاهد:

الشّهوان،و جمعه:أجهاد.

و المجهد:الغضبان.

و أجهد الشّيء:تكشّف.

و الجهاد:الأرض الصّلبة،و قيل:المستوية الملساء ليس بها أكمة.و أجهد القوم:أخذوا في الأرض الجهاد.

و كلأ جهيد و أرض جهيدة،إذا كانت تجهدهما الماشية بالرّعي.

و أتاني بجهد له،أي لبن ممزوج،و كلّ شيء مزجته فقد جهدته.

و إنّه لمجهد بك،أي مختلط.(3:369)

الجوهريّ: الجهد و الجهد:الطّاقة.

و الجهد:المشقّة،يقال:جهد دابّته و أجهدها،إذا حمل عليها في السّير فوق طاقتها.

و جهد الرّجل في كذا،أي جدّ فيه و بالغ.

و جهدت اللّبن فهو مجهود،أي أخرجت زبده كلّه.

و جهدت الطّعام:اشتهيته.و الجاهد:الشّهوان.

و جهد الطّعام و أجهد،أي اشتهي.و جهدت الطّعام، إذا أكثرت من أكله.

و مرعى جهيد:جهده المال.

و جهد الرّجل فهو مجهود:من المشقّة،يقال:أصابهم قحوط من المطر فجهدوا جهدا شديدا.

و جهد عيشهم بالكسر،أي نكد و اشتدّ.

و الجهاد بالفتح:الأرض الصّلبة.

و جاهد في سبيل اللّه مجاهدة و جهادا.

و الاجتهاد و التّجاهد:بذل الوسع و المجهود.

(2:460)

ابن فارس: الجيم و الهاء و الدّال أصله:المشقّة،ثمّ يحمل عليها ما يقاربه،يقال:جهدت نفسي و أجهدت.

و الجهد:الطّاقة.قال اللّه تعالى: وَ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاّ جُهْدَهُمْ التّوبة:79.

و يقال:إنّ المجهود:اللّبن الّذي أخرج زبده، و لا يكاد ذلك يكون إلاّ بمشقّة و نصب.[ثمّ استشهد بشعر]

و ممّا يقارب الباب«الجهاد»و هي الأرض الصّلبة.

و فلان يجهد الطّعام،إذا حمل عليه بالأكل الكثير الشّديد.و الجاهد:الشّهوان.

و مرعى جهيد:جهده المال لطيبه فأكله.(1:486)

أبو هلال :الفرق بين القياس و بين الاجتهاد:أنّ «القياس»حمل الشّيء على الشّيء في بعض أحكامه

ص: 207

لوجه من الشّبه،و قيل:حمل الشّيء على الشّيء و إجراء حكمه عليه لشبه بينهما عند الحامل.

و قال أبو هاشم رحمه اللّه:«حمل شيء على شيء و إجراء حكمه عليه»،و لذلك سمّي المكيال مقياسا،من حيث كان يحمل عليه ما يراد كيله،و كذلك يسمّون ما يقدر به النّعّال مقياسا أيضا،و لذلك لا يستعمل «القياس»في شيء من غير اعتبار له بغيره،و إنّما يقال:

قست الشّيء بالشّيء،فلا يقال لمن شبّه شيئا بشيء من غير أن يحمل أحدهما على الآخر و يجري حكمه عليه:

قايس،و لو جاز ذلك لجاز أن يسمّى اللّه تعالى قايسا، لتشبيهه الكافر بالميّت،و المؤمن بالحيّ،و الكفر بالظّلمة، و الإيمان بالنّور.

و من قال:«القياس»:استخراج الحقّ من الباطل، فقد أبعد،لأنّ النّصوص قد يستخرج بها ذلك و لا يسمّى قياسا،و مثال القياس قولك:إذا كان ظلم المحسن لا يجوز من حكيم فعقوبة المحسن لا تجوز منه،و الفقهاء يقولون:

هو حمل الفرع على الأصل لعلّة الحكم.

و«الاجتهاد»موضوع في أصل اللّغة لبذل المجهود، و لهذا يقال:اجتهد في حمل الحجر،إذا بذل مجهوده فيه، و لا يقال:اجتهدت في حمل النّواة.و هو عند المتكلّمين:

ما يقتضي غلبة الظّنّ في الأحكام الّتي كلّ مجتهد فيها مصيب،و لهذا يقولون:قال أهل الاجتهاد:كذا،و قال أهل القياس:كذا،فيفرّقون بينهما.فعلى هذا الاجتهاد أعمّ من القياس،لأنّه يحتوي على القياس و غيره.

و قال الفقهاء:الاجتهاد:بذل المجهود في تعرّف حكم الحادثة من النّصّ،لا بظاهره و لا فحواه،و لذلك قال معاذ:«أجتهد رأيي فيما لا أجد فيه كتابا و لا سنّة».و قال الشّافعيّ:«الاجتهاد و القياس واحد»و ذلك أنّ الاجتهاد عنده هو أن يعلّل أصلا و يردّ غيره إليه بها، فأمّا الرّأي:فما أوصل إليه الحكم الشّرعيّ من الاستدلال و القياس،و لذلك قال معاذ:«أجتهد رأيي».

و كتب عمر:«هذا ما رأى عمر»،و قال عليّ عليه السّلام:

«رأيي و رأي عمر أن لا يبعن،ثمّ رأيت بيعهنّ»يعني أمّهات الأولاد،و فيه دلالة على بطلان قول من يردّ الرّأي و يذمّه.

و التّرجيح:ما أيّد به العلّة،و الخبر،إذا قابله ما يعارضه.

و الاستدلال:أن يدلّ على أنّ الحكم في الشّيء ثابت من غير ردّه إلى أصل.

و«الاجتهاد»لا يكون إلاّ في الشّرعيّات،و هو مأخوذ من بذل المجهود و استفراغ الوسع في النّظر في الحادث،ليردّه إلى المنصوص،على حسب ما يغلب في الظّنّ،و إنّما يوسع ذلك مع عدم الدّلالة و النّصّ.أ لا ترى أنّه لا يجوز لأحد أن يقول:إنّ العلم بحدوث الأجسام اجتهاد،كما أنّ سهم الجدّ اجتهاد،و لا يجوز أن يقال:

وجوب خمسة دراهم في مائتي درهم مسألة اجتهاد، لكون ذلك مجمعا عليه.و قد يكون القياس في العقليّات، فالفرق بينه و بين الاجتهاد ظاهر.(60)

الهرويّ: الجهاد:المبالغة و استفراغ ما في الوسع بحرب أو لسان.أو ما أطاق من شيء.و في حديث أمّ معبد:«شاة خلّفها الجهد عن الغنم»أي الهزال،يقال:

جهد الرّجل فهو مجهود،إذا هزل.

ص: 208

و في الحديث:«أنّه نزل بأرض جهاد»الجهاد:

الأرض الّتي لا نبات بها،و مثله الجرز.

و في دعائه:«أعوذ بك من جهد البلاء»قيل:إنّها الحالة الّتي يمتحن بها الإنسان حتّى يختار عليها الموت و يتمنّاه.(1:426)

أبو سهل الهرويّ: و قد جهد دابّته يجهدها،إذا حمل عليها في السّير أو في الحمل فوق طاقتها.(13)

ابن سيده: الجهد و الجهد:الطّاقة،و قيل:الجهد:

المشقّة،و الجهد:الطّاقة.

و جهد يجهد جهدا،و اجتهد،كلاهما:جدّ.

و جهد دابّته جهدا و أجهدها:بلغ جهدها.[ثمّ استشهد بشعر]

و جهد جاهد،يريدون المبالغة،كما قالوا:شعر شاعر،و ليل لائل.

و جهد الرّجل:بلغ جهده،و قيل:غمّ،في خبر قيس ابن ذريح أنّه لمّا طلّق لبنى اشتدّ عليه،و جهد و ضمن.

و جهد بالرّجل:امتحنه عن الخير و غيره.

و الجهاد:الأرض المستوية،و قيل:الغليظة، و يوصف به فيقال:أرض جهاد.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجهدت لك الأرض:برزت.

و فلان مجهد لك:محتاط.[ثمّ استشهد بشعر]

و جهده المرض و التّعب و الحبّ يجهده جهدا:هزله.

و أجهد الشّيب:كثر و أسرع.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجهد:الشّيء القليل يعيش به المقلّ.

و المجهود:المشتهى من الطّعام و اللّبن.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجهدوا علينا في العداوة:جدّوا.

و جاهد العدوّ مجاهدة و جهادا:قاتله.

و بنو جهادة:حيّ.(4:153)

الطّوسيّ: تقول:جهدت الرّجل جهدا،إذا حملته على مشقّة.

و جاهدت العدوّ مجاهدة،إذا حملت نفسك على المشقّة في قتاله.

و اجتهدت رأيي،إذا حملت نفسك على المشقّة في بلوغ صواب الرّأي.

و الجهاد:الأرض الصّلبة.

و أصل الباب:الجهد:الحمل على المشقّة.

(2:209)

و«الجهد»هو الحمل على النّفس بما يشقّ،تقول:

جهده يجهده جهدا و جهدا بالضّمّ و الفتح،كالوجد و الوجد و الضّعف و الضّعف.(5:309)

الرّاغب: الجهد و الجهد:الطّاقة و المشقّة،و قيل:

الجهد بالفتح:المشقّة،و الجهد:الوسع.

و قيل:الجهد للإنسان،و قال تعالى: وَ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاّ جُهْدَهُمْ التّوبة:79،و قال تعالى:

وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ النّور:53،أي حلفوا و اجتهدوا في الحلف أن يأتوا به على أبلغ ما في وسعهم.

و الاجتهاد:أخذ النّفس ببذل الطّاقة و تحمّل المشقّة، يقال:جهدت رأيي و أجهدته:أتعبته بالفكر.

و الجهاد و المجاهدة:استفراغ الوسع في مدافعة العدوّ.

و الجهاد ثلاثة أضرب:مجاهدة العدوّ الظّاهر، و مجاهدة الشّيطان،و مجاهدة النّفس.

ص: 209

و تدخل ثلاثتها في قوله تعالى: وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ الحجّ:78،و التّوبة:41،و الأنفال:72، و قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم».

و المجاهدة:تكون باليد و اللّسان،قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«جاهدوا الكفّار بأيديكم و ألسنتكم.(101)

الزّمخشريّ: جهد نفسه،و رجل مجهود،و جاء مجهودا قد لفظ لجامه،و أصابه جهد:مشقّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و أقسم باللّه جهد القسم،و حلف جهد اليمين، و اجتهد في الأمر،و جاهد العدوّ،و جهد الرّجل:ألحّ عليه في السّؤال،و بلغ جهده و مجهوده،أي طاقته،و لأبلغنّ جهيداي في هذا الأمر،تصغير«جهاد»على التّرخيم، و جهاداك أن تفعل كذا،أي جهدك و غايتك.

و من المجاز:سقاه لبنا مجهودا،و هو الّذي أخرج زبده،و قيل:هو الّذي أكثر ماؤه،يقال:لا يجهد ماؤك لبنك و مرقتك،و مرقة مجهودة،و مرعى جهيد:جهده المال،و أرض جهيدة الكلإ،و جهد جهده،و اجتهد رأيه، و أجهد فيه الشّيب:كثر و انتشر.[ثمّ استشهد بشعر]

و غرثان جاهد:شهوان يجهد الطّعام،لا يترك منه شيئا.(أساس البلاغة:67)

المدينيّ: في الحديث:«إذا جلس بين شعبها الأربع،ثمّ جهدها،وجب الغسل»قال صاحب التّتمّة، أي حفزها و دفعها،و قيل:أراد التقاء الختانين.

و قال ابن الأعرابيّ: الجهد:من أسماء النّكاح.

(1:380)

ابن الأثير: «لا هجرة بعد الفتح،و لكن جهاد و نيّة»الجهاد:محاربة الكفّار،و هو المبالغة و استفراغ ما في الوسع و الطّاقة،من قول أو فعل.يقال:جهد الرّجل في الشّيء،أي جدّ فيه و بالغ،و جاهد في الحرب مجاهدة و جهادا.

و المراد ب«النّيّة»إخلاص العمل للّه تعالى،أي إنّه لم يبق بعد فتح مكّة هجرة،لأنّها قد صارت دار إسلام، و إنّما هو الإخلاص في الجهاد و قتال الكفّار.

و في حديث معاذ رضي اللّه عنه:«أجتهد رأيي» الاجتهاد:بذل الوسع في طلب الأمر،و هو«افتعال»من الجهد:الطّاقة.و المراد به:ردّ القضيّة الّتي تعرض للحاكم من طريق القياس إلى الكتاب و السّنّة.و لم يرد الرّأي الّذي يراه من قبل نفسه،من غير حمل على كتاب أو سنّة.[ثمّ ذكر حديث أمّ معبد و قال:]

قد تكرّر لفظ:الجهد و الجهد في الحديث كثيرا،و هو بالضّمّ:الوسع و الطّاقة،و بالفتح:المشقّة.و قيل:المبالغة و الغاية،و قيل:هما لغتان في الوسع و الطّاقة،فأمّا في المشقّة و الغاية فالفتح لا غير.

و من المضموم حديث الصّدقة:«أيّ الصّدقة أفضل؟ قال:جهد المقلّ»أي قدر ما يحتمله حال القليل المال.

و من المفتوح حديث الدّعاء:«أعوذ بك من جهد البلاء»أي الحالة الشّاقّة.

و حديث عثمان رضي اللّه عنه:«و النّاس في جيش العسرة مجهدون معسرون»يقال:جهد الرّجل فهو مجهود،إذا وجد مشقّة.و جهد النّاس فهم مجهودون،إذا أجدبوا.

فأمّا أجهد فهو مجهد بالكسر:فمعناه ذو جهد

ص: 210

و مشقّة،و هو من أجهد دابّته،إذا حمل عليها في السّير فوق طاقتها.و رجل مجهد،إذا كان ذا دابّة ضعيفة من التّعب،فاستعاره للحال في قلّة المال.

و أجهد فهو مجهد بالفتح،أي إنّه أوقع في الجهد:

المشقّة.

و في حديث الأقرع و الأبرص:فو اللّه لا أجهدك اليوم بشيء أخذته للّه»أي لا أشقّ عليك و أردّك في شيء تأخذه من مالي للّه تعالى.(1:319)

الصّغانيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«تعوّذوا باللّه من جهد البلاء...»قيل:إنّ«جهد البلاء»:الحالة الّتي تأتي على الرّجل يختار عليها الموت،و يقال:جهد البلاء:

كثرة العيال و قلّة الشّيء.

و أجهدته،بمعنى جهدته.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجهدته على أن يفعل كذا و كذا.

و أجهد القوم علينا في العداوة.

و أجهد فيه الشّيب إجهادا،إذا بدا فيه و كثر.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أجهد لك الطّريق،و أجهد لك الحقّ،أي برز و ظهر و وضح.

يقال:أجهد لك هذا الأمر فاركبه،أي أمكنك و أعرض لك.

و أجهد لي القوم،أي أشرفوا.

و أجهد:اختلط.(2:216)

الفيّوميّ: الجهد-بالضّمّ في الحجاز،و بالفتح في غيرهم-:الوسع و الطّاقة.و قيل:المضموم:الطّاقة، و المفتوح:المشقّة.

و الجهد بالفتح لا غير:النّهاية و الغاية،و هو مصدر من:جهد في الأمر جهدا،من باب«نفع»إذا طلب حتّى بلغ غايته في الطّلب.و جهده الأمر و المرض جهدا أيضا، إذا بلغ منه المشقّة،و منه:«جهد البلاء».

و جهدت اللّبن جهدا:مزجته بالماء و مخضته حتّى استخرجت زبده فصار حلوا لذيذا.[ثمّ استشهد بشعر، إلى أن قال:]

و اجتهد في الأمر:بذل وسعه و طاقته في طلبه،ليبلغ مجهوده،و يصل إلى نهايته.(112)

الفيروزآباديّ: الجهد:الطّاقة و يضمّ،و المشقّة.

و اجهد جهدك:ابلغ غايتك.

و جهد كمنع:حدّ كاجتهد،و دابّته:بلغ جهدها كأجهدها،و بزيد:امتحنه،و المرض فلانا:هزله، و اللّبن:أخرج زبده كلّه،و الطّعام:اشتهاه كأجهده، و أكثر من أكله.

و جهد عيشه كفرح:نكد و اشتدّ.

و جهد البلاء:الحالة الّتي يختار عليها الموت،أو كثرة العيال و الفقر.

و جهد جاهد:مبالغة.

و كسحاب:الأرض الصّلبة لا نبات بها،و ثمر الأراك؛و بالكسر:القتال مع العدوّ كالمجاهد.

و أجهد الشّيب:كثر و أسرع،و الأرض:برزت، و الحقّ:ظهر و وضح،و في الأمر:احتاط،و الشّيء:

اختلط،و ماله:أفناه و فرّقه،و العدوّ:جدّ في العداوة، ولي القوم:أشرفوا،و لك الأمر:أمكنك.

و جهاداك أن تفعل:قصاراك.

ص: 211

و بنو جهادة:بطن منهم.

و الجهيدى مخفّفة:الجهد.

و مرعى جهيد:جهده المال.

و قوله تعالى: جَهْدَ أَيْمانِهِمْ أي بالغوا في اليمين و اجتهدوا.

و التّجاهد:بذل الوسع كالاجتهاد.(1:296)

الجزائريّ: الجهاد و الغزو:«الغزو»إنّما يكون في بلاد العدوّ،و«الجهاد»مطلق،فكلّ غاز مجاهد دون العكس،كذا قيل.

و الأظهر في الفرق أن يقال:إنّ«الغزو»:ما كان الغرض الأصليّ فيه الغنيمة و تحصيل المال و إن استلزم ذلك الحرب و المقاتلة،و«الجهاد»:ما كان الغرض فيه المحاربة و قهر العدوّ و إن استلزم ذلك تحصيل الغنائم و الفوائد.(83)

مجمع اللّغة :جهد الرّجل في كذا يجهد:جدّ فيه و بالغ.و جهد دابّته:حمل عليها في السّير فوق طاقتها.

و المصدر:«الجهد»بفتح الجيم،و الضّمّ لغة فيه.

و جمهور العلماء على التّفريق بين لغتي الفتح و الضّمّ:

فالجهد بفتح الجيم:الغاية،يقال:اجهد في هذا الأمر جهدك بفتح الجيم،أي ابلغ غايتك.و لا يقال:اجهد جهدك بضمّ الجيم.و قد جاء هذا اللّفظ بالفتح في آيات من كتاب اللّه الكريم،و كلّها في القسم.

الجهد بضمّ الجيم:الوسع و الطّاقة،تقول:هذا جهدي،أي وسعي و طاقتي.

و جاهد مجاهدة و جهادا:بذل وسعه في المدافعة و المغالبة،فهو مجاهد،و هم مجاهدون.

و أكثر ما ورد«الجهاد»في القرآن ورد مرادا به:بذل الوسع في نشر الدّعوة الإسلاميّة،و الدّفاع عنها.

(1:216)

العدنانيّ: جهده،أجهده:

و يخطّئون من يقول:أجهده:أرهقه،و يقولون إنّ الصّواب هو:جهده،يؤيّدهم ما جاء في:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الأساس الّذي اكتفى بقوله:جهد نفسه.

و لكن:

يجيز جهده و أجهده كليهما كلّ من:أدب الكاتب- باب أبنية الأفعال-و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة، و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و المغرب:أجهد لغة قليلة،و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

و فعله:جهده يجهده جهدا.

و من معاني جهد:

1-جدّ.

2-طلب حتّى وصل إلى الغاية.

3-بلغ المشقّة.

4-جهد بفلان:امتحنه.

5-جهد فلانا:ألحّ عليه في السّؤال.

6-جهده المرض،أو التّعب،أو الحبّ:هزله.

7-جهد اللّبن:مزجه بالماء.

8-جهد المال:فرّقه جميعا هنا و هناك.

و من معاني أجهد:

1-أجهد له الطّريق أو الحقّ:ظهر و وضح.

ص: 212

2-أجهد الشّيء:اختلط.

3-أجهد الشّيب فيه:أسرع.

4-أجهد في الأمر:احتاط.

5-أجهده على أن يفعل كذا:أجبره.

6-أجهد ماله:أفناه و فرّقه.

7-أجهد الطّعام:اشتهاه.

الجهد،الجهد:

هنالك اختلاف في معنى:الجهد و الجهد،فبعضهم قال:إنّ معنى«الجهد»هو المشقّة،و يقال في غير الحجاز، بينما كلمة«الجهد»حجازيّة،و قيل:معناهما المبالغة و الغاية.

و يقولون:إنّ الجهد و الجهد كليهما يعنيان الطّاقة و الوسع،جاء في الآية(79)من سورة التّوبة: وَ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاّ جُهْدَهُمْ و قرئت الجيم بالفتح أيضا (جهدهم).

و ذكر الجهد و الجهد كليهما أيضا،كلّ من معجم ألفاظ القرآن الكريم،و في الحديث:«أيّ الصّدقة أفضل؟قال:جهد المقلّ».و جاء في«النّهاية»،و في حديث أمّ معبد:[ذكر الحديث و كلام ابن الأثير فيه و أضاف:]

و يريد به في الحديث أمّ معبد:الهزال.

و ممّن ذكروا كلمتي الجهد و الجهد كلتيهما أيضا:

معجم ألفاظ القرآن الكريم،و أدب الكاتب في صدر كتاب تقويم اللّسان،و الألفاظ الكتابيّة في باب الجدّ و السّعي،و الصّحاح،و المرزوقيّ في شرح الحماسة، و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و الحريريّ في المقامة البكريّة،و الأساس،و المختار،و اللّسان،و المصباح، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و اكتفى معجم مقاييس اللّغة بذكر الجهد،و قال:إنّ معناه هو الطّاقة.

الجهود:

و يخطّئون من يجمع الجهد و الجهد على:جهود، معتمدين على إهمال المعجمات وضع جمع لهاتين الكلمتين التّوأمين.و لكنّ المعجمات أيضا لا يذكر واحد منها أنّ الجهد و الجهد لا يجمعان.

و ليس هنالك ما يمنع جمعهما على:جهود،لأنّ كلّ اسم ثلاثيّ،ساكن العين،مضموم الفاء يجمع على «فعول»دائما،بشرط ألاّ يكون معتلّ العين مثل حوت، و لا معتلّ اللاّم مثل مدي-نوع من المكاييل-و لا مضعّف اللاّم مثل مدّ.

و لمّا كان الجهد أو الجهد لا يبذلهما دائما شخص واحد،بل يأتيان من مصادر مختلفة القوّة و النّوع و الحماسة.

و لمّا كان مصدر الطّاقة المبذولة الجهد واحدا،أو لو فرضنا أنّه كذلك،فإنّ هذا الواحد لا بدّ له من أن يختلف،من حيث قوّته،و تأثيره،في كلّ مرّة عن المرّات الّتي سبقتها،و الّتي ستليها،ممّا يشكّل مجموعات متباينة من الطّاقات،يتيح لنا المنطق أن نجمعها لأنّها قويّة،و ذات تأثير فعّال.

لذا أقترح على مجامعنا الأربعة في مصر و دمشق و بغداد و عمّان،أن تقرّر إبراز هذا الجمع«الجهود»في

ص: 213

جميع الطّبعات المقبلة من معجماتنا الرّائدة،مع موافقة مجمعيّة،يستند إليها الأدباء و النّقّاد قاطبة.(132)

المصطفويّ: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو بذل الطّاقة و السّعي البليغ،إلى أن ينتهي النّهاية الممكنة، و يبلغ غاية وسعه.

ثمّ إنّ الاجتهاد إمّا بالمال أو بالبدن و الأعضاء أو بالفكر،و كلّ منها إمّا في سبيل اللّه تعالى أو في طرق دنيويّة،و أغراض شخصيّة.

فالمجاهدة هو إدامة الجهد،و الاجتهاد هو الجهد بالطّوع و الرّغبة.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

و الظّاهر أنّ«الجهد»بالضّمّ اسم مصدر من«الجهد» كالغسل من الغسل،أي لا يبقى عندهم و لا ينفع من أعمالهم و عيشهم إلاّ ما حصل من اجتهادهم في اللّه تعالى.

فظهر أنّ تفسير هذه المادّة:بالوسع أو الطّاقة أو المشقّة أو النّهاية أو الغاية أو الاشتهاء أو غيرها،تفسير باللّوازم و خروج عن الحقيقة.(2:136)

النّصوص التّفسيريّة

جهد ايمانهم

وَ يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَ هؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ. المائدة:53

عطاء:أي حلفوا بأغلظ الأيمان و أوكدها.

(الطّبرسيّ 2:207)

نحوه الواحديّ(2:198)،و البغويّ(2:60)، و الزّمخشريّ(1:620).

الزّجّاج: أي يقول الّذين باطنهم و ظاهرهم واحد:

هؤلاء الّذين حلفوا و أكّدوا أيمانهم إنّهم مؤمنون،و إنّهم معكم أعوانكم على من خالفكم.(2:181)

ابن عطيّة: نصب(جهد)على المصدر المؤكّد، و المعنى أ هؤلاء هم المقسمون باجتهاد منهم في الأيمان.

(2:207)

نحوه الطّبرسيّ(2:207)،و القرطبيّ(6:218).

العكبريّ: جَهْدَ أَيْمانِهِمْ فيه وجهان:

أحدهما:أنّه حال،و هو هنا معرفة،و التّقدير:

و أقسموا باللّه يجهدون جهد أيمانهم،فالحال في الحقيقة مجتهدين،ثمّ أقيم الفعل المضارع مقامه،ثمّ أقيم المصدر مقام الفعل لدلالته عليه.

و الثّاني:أنّه مصدر يعمل فيه(اقسموا)و هو من معناه لا من لفظه.(1:445)

نحوه البيضاويّ(1:279)،و النّيسابوريّ(6:112).

النّسفيّ: أي أقسموا لكم بإغلاظ الأيمان،أنّهم أولياؤكم و معاضدوكم على الكفّار.و جَهْدَ أَيْمانِهِمْ مصدر في تقدير الحال،أي مجتهدين في توكيد أيمانهم.(1:288)

الشّربينيّ: أي غاية اجتهادهم فيها.(1:380)

أبو السّعود :و جهد الأيمان:أغلظها،و هو في الأصل مصدر،و نصبه على الحال على تقدير:و أقسموا باللّه يجهدون جهد أيمانهم،فحذف الفعل و أقيم المصدر مقامه،و لا يبالى بتعريفه لفظا،لأنّه مؤوّل بنكرة،أي مجتهدين في أيمانهم،أو على المصدر،أي أقسموا إقسام

ص: 214

اجتهاد في اليمين.(2:286)

الآلوسيّ: جَهْدَ أَيْمانِهِمْ منصوب على أنّه مصدر ل(اقسموا)من معناه،و المعنى أقسموا إقساما مجتهدا فيه،أو هو حال بتأويل مجتهدين،و أصله:

يجتهدون جهد أيمانهم،فالحال في الحقيقة الجملة،و لذا ساغ كونه حالا،كقولهم:افعل ذلك جهدك،مع أنّ الحال حقّها التّنكير،لأنّه ليس حالا بحسب الأصل.

و قال غير واحد:لا يبالى بتعريف الحال هنا،لأنّها في التّأويل نكرة،و هو مستعار من جهد نفسه إذا بلغ وسعها.فحاصل المعنى أ هؤلاء الّذين أكّدوا الأيمان و شدّدوها.(6:160)

جهدهم

...وَ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ...

التّوبة:79

الشّعبيّ: الجهد في العمل،و الجهد في المعيشة.

(الطّبريّ 10:198)

الفرّاء: و الجهد:لغة أهل الحجاز و الوجد،و لغة غيرهم الجهد و الوجد.(1:447)

أبو عبيدة :مضموم و مفتوح سواء،و مجازه:

طاقتهم،و يقال:جهد المقلّ و جهده.(1:264)

ابن قتيبة :أي طاقتهم.و الجهد:الطّاقة،و الجهد:

المشقّة،يقال:فعلت ذاك بجهد،أي بمشقّة.(190)

الطّبريّ: و أمّا«الجهد»فإنّ للعرب فيه لغتين؛ يقال:أعطاني من جهده بضمّ الجيم؛و ذلك فيما ذكر لغة أهل الحجاز،و من جهده بفتح الجيم؛و ذلك لغة نجد، و على الضّمّ قراءة الأمصار؛و ذلك هو الاختيار عندها، لإجماع الحجّة من القرّاء عليه.

و أمّا أهل العلم بكلام العرب من رواة الشّعر و أهل اللّغة،فإنّهم يزعمون أنّها مفتوحة و مضمومة بمعنى واحد،و إنّما اختلاف ذلك لاختلاف اللّغة فيه،كما اختلفت لغاتهم في:الوجد و الوجد،بالضّمّ و الفتح،من:

وجدت.(10:198)

الماورديّ: قرئ بضمّ الجيم و فتحها،و فيه وجهان:

أحدهما:أنّهما يختلف لفظهما و يتّفق معناهما،قاله البصريّون.

و الثّاني:أنّ معناهما مختلف،فالجهد بالضّمّ:الطّاقة، و بالفتح:المشقّة،قاله بعض الكوفيّين.(2:384)

الطّوسيّ: و الجهد هو الحمل على النّفس بما يشقّ، تقول:جهده يجهده جهدا و جهدا بالضّمّ و الفتح،كالوجد و الوجد و الضّعف و الضّعف.(5:309)

الزّمخشريّ: إلاّ طاقتهم.قرئ بالفتح و الضّمّ.

(2:204)

نحوه الطّبرسيّ.(3:54)

القرطبيّ: و الجهد:شيء قليل يعيش به المقلّ، و الجهد و الجهد بمعنى واحد.(8:215)

البيضاويّ: إلاّ طاقتهم.و قرئ بالفتح،و هو مصدر جهد في الأمر،إذا بالغ فيه.(1:425)

مثله أبو السّعود(3:173)،و نحوه النّسفيّ(2:138).

الآلوسيّ: إلاّ طاقتهم،و ما تبلغه قوّتهم و هم الفقراء.[ثمّ نقل الأقوال و أضاف:]

و قيل:المضموم شيء قليل يعاش به،و المفتوح

ص: 215

العمل.(10:147)

القاسميّ: [نقل الأقوال في الجهد و الجهد ثمّ قال:]

و المختار أنّهما بمعنى،و هو الطّاقة،و ما تبلغه القوّة.

(8:3213)

رشيد رضا :و الجهد بالضّمّ و الفتح:الطّاقة، و هي أقصى ما يستطيعه الإنسان،مأخوذ من طاقة الحبل،و هي الفتلة الواحدة،و الفتيل من الفتل الّتي يتألّف منها،و تسمّى قوّة،و جمعها:قوى و المراد بهم:

الفقراء الّذين تصدّقوا بقليل،هو مبلغ جهدهم و آخر طاقتهم.(10:564)

الطّباطبائيّ: أي مبلغ جهدهم و طاقتهم،أو ما يشقّ عليهم القنوع بذلك.(9:351)

فضل اللّه :من هؤلاء الفقراء المعسرين الّذين لا يجدون سعة في المال،بل كلّ ما عندهم هو جهدهم الّذي يقدّمونه،ليدفعوا عوضه للعمل في سبيل اللّه.

(11:173)

جاهد

1- أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ...

التّوبة:19

راجع(س ق ي).

2- وَ مَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ... العنكبوت:6

مقاتل:من يعمل الخير فإنّما يعمل لنفسه.

(الواحديّ 3:413)

الطّبريّ: و من يجاهد عدوّه من المشركين،فإنّما يجاهد لنفسه،لأنّه يفعل ذلك ابتغاء الثّواب من اللّه على جهاده،و الهرب من العقاب،فليس باللّه إلى فعله ذلك حاجة.(20:130)

نحوه المراغيّ.(20:115)

الطّوسيّ: أي من جاهد نفسه بأن يصبر على ما أمره اللّه به،و يعمل بسننه،و منه:الجهاد،و هو الصّبر في الحرب على ما جاء به الشّرع فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ لأنّ ثواب صبره عائد عليه و واصل إليه دون اللّه تعالى.

(8:188)

البغويّ: له ثوابه،و الجهاد هو الصّبر على الشّدّة، و يكون ذلك في الحرب،و قد يكون على مخالفة النّفس.

(3:550)

الزّمخشريّ: وَ مَنْ جاهَدَ نفسه في منعها ما تأمر به،و حملها على ما تأباه فَإِنَّما يُجاهِدُ لها لأنّ منفعة ذلك راجعة إليها.(3:197)

ابن عطيّة: إعلام بأنّ كلّ واحد مجازى بفعله فهو إذا له،و هو حظّه الّذي ينبغي أن لا يفرط فيه،فإنّ اللّه غنيّ عن جهاده.[إلى أن قال:]

من جاهد فثمرة جهاده له فلا يمنّ بذلك على أحد، و هذا كما يقول المناظر عند سوق حجّته:من أراد أن يرى الحقّ فإنّ الأمر كذا و كذا و نحو هذا،فتأمّله.

و قيل:معنى الآية و من جاهد المؤمنين و دفع في صدر الدّين،فإنّما جهاده لنفسه لا للّه،فاللّه غنيّ.

(4:307)

الطّبرسيّ: أي و من جاهد الشّيطان بدفع

ص: 216

وسوسته و إغوائه،و جاهد أعداء الدّين لإحيائه، و جاهد نفسه الّتي هي أعدى أعدائه،فإنّما يجاهد لنفسه، لأنّ ثواب ذلك عائد عليه و واصل إليه دون اللّه تعالى.

(4:274)

نحوه القرطبيّ(13:327)،و النّسفيّ(3:250)، و أبو حيّان(7:141)،و البروسويّ(6:448).

الفخر الرّازيّ: و في الآية مسائل:

المسألة الأولى:الآية السّابقة مع هذه الآية يوجبان إكثار العبد من العمل الصّالح و إتقانه له؛و ذلك لأنّ من يفعل فعلا لأجل ملك،و يعلم أنّ الملك يراه و يبصره، يحسن العمل و يتقنه،و إذا علم أنّ نفعه له و مقدّر بقدر عمله،يكثر منه،فإذا قال اللّه:إنّه سميع عليم،فالعبد يتقن عمله و يخلصه له،و إذا قال:بأنّ جهاده لنفسه، يكثر منه.

المسألة الثّانية:لقائل أن يقول:هذا يدلّ على أنّ الجزاء على العمل،لأنّ اللّه تعالى لمّا قال: مَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ فهم منه أنّ من جاهد ربح بجهاده ما لولاه لما ربح.

فنقول:هو كذلك،و لكن بحكم الوعد لا بالاستحقاق، و بيانه هو أنّ اللّه تعالى لمّا بيّن أنّ المكلّف إذا جاهد يثيبه، فإذا أتى به هو يكون جهادا نافعا له و لا نزاع فيه.و إنّما النّزاع في أنّ اللّه يجب عليه أن يثيب على العمل لو لا الوعد،و لا يجوز أن يحسن إلى أحد إلاّ بالعمل،و لا دلالة للآية عليه.

المسألة الثّالثة:قوله:(فانّما)يقتضي الحصر، فينبغي أن يكون جهاد المرء لنفسه فحسب،و لا ينتفع به غيره،و ليس كذلك فإنّ من جاهد ينتفع به و من يريد هو نفعه،حتّى أنّ الوالد و الولد ببركة المجاهد و جهاده ينتفعان.

فنقول:ذلك نفع له،فإنّ انتفاع الولد انتفاع للأب، و الحصر هاهنا معناه أنّ جهاده لا يصل إلى اللّه منه نفع، و يدلّ عليه قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ.

(25:32)

البيضاويّ: وَ مَنْ جاهَدَ نفسه بالصّبر على مضض الطّاعة و الكفّ عن الشّهوات فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ لأنّ منفعته لها.(2:204)

الشّربينيّ: أي بذل جهده في جهاد حرب أو نفس،حتّى كأنّه يسابق آخر في الأعمال الصّالحة.

(3:125)

القاسميّ: أي في الصّبر على البلاء و الثّبات على الحقّ مع ضروب الإيذاء فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ أي لأنّه يمهّد لنفسه،ما يجني به ثمرة غرسه.

(13:4738)

الطّباطبائيّ: المجاهدة و الجهاد مبالغة من«الجهد» بمعنى بذل الطّاقة،و فيه تنبيه لهم أنّ مجاهدتهم في اللّه بلزوم الإيمان و الصّبر على المكاره دونه،ليست ممّا يعود نفعه إلى اللّه سبحانه حتّى لا يهمّهم و يلغو بالنّسبة إليهم أنفسهم،بل إنّما يعود نفعه إليهم أنفسهم،لغناه تعالى عن العالمين،فعليهم أن يلزموا الإيمان و يصبروا على المكاره دونه.

فقوله: وَ مَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ تأكيد لحجّة الآية السّابقة،و قوله: إِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ

ص: 217

اَلْعالَمِينَ تعليل لما قبله.(16:103)

عبد الكريم الخطيب :و هذا البلاء الّذي يحتمله المؤمنون،و هذا الجهاد الّذي يجاهدونه في سبيل اللّه،إنّما هو تزكية لأنفسهم،و تطهير لقلوبهم،و إعلاء لذواتهم.

(10:404)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ خطّة الامتحان الإلهيّ هي الجهاد،جهاد النّفس و هواها،و جهاد الأعداء الألدّاء، لحفظ الإيمان و التّقوى و الطّهارة،فهي خطّة الإنسان نفسه.[إلى أن قال:]

يتّضح هنا من هذا البيان أنّ الجهاد لا يعني بالضّرورة جهاد العدوّ المسلّح،بل يحمل معناه اللّغويّ الّذي يشمل كلّ أنواع السّعي و الجدّ لحفظ الإيمان و التّقوى،و تحمّل أنواع الشّدائد و المواجهات الموضعيّة للأعداء الألدّاء و الحاقدين.

و الخلاصة أنّ جميع منافع هذا الجهاد ترجع للشّخص المجاهد نفسه،و هو الّذي يفوز بخير الدّنيا و الآخرة في جهاده،و حتّى إذا كان المجتمع يستفيد من بركات هذا الجهاد،فهو في مرحلة أخرى بعده.

فعلى هذا،متى ما وفّق أيّ إنسان إلى الجهاد فنال نصيبا منه،فعليه أن يشكر اللّه على هذه النّعمة.

(12:310)

فضل اللّه : وَ مَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ لأنّ الجهاد يمثّل حركة الإرادة في مواجهة النّوازع المضادّة في الدّاخل،في ما تشتمل عليه شخصيّة الإنسان من شهوات و رغبات،و في مواجهة القوى المنحرفة في الخارج،في ما تحتويه السّاحة من أعداء و معتدين؛و ذلك من أجل خلق التّوازن الدّاخليّ في شخصيّة الإنسان المسلم،بين خصائصه المادّيّة و تطلّعاته الرّوحيّة،في ما يتطلّبه الجسد من تلبية نداء الرّغبة و إرواء ظمإ الشّهوة،و في ما يتطلّبه العقل و الرّوح من تنظيم الحاجات،و تحديد النّزوات؛و ذلك هو السّبيل للحصول على طمأنينة النّفس،و سلامة الجسد،و استقرار الحياة، و سعادة المصير في رحاب اللّه،ممّا يعود بالخير على نفسه.

و إذا أردنا أن ننظر إلى الجهاد الّذي يعيشه المؤمن ضدّ كلّ عوامل الفتنة و الإغراء و التّهويل،الّتي تريد إبعاده عن دينه،و تحويله إلى مواقع الكفر،فإنّنا سنجد في ذلك الخير كلّ الخير له،لأنّ الثّبات على الإيمان يمثّل الثّبات على قاعدة الخير في الحياة،من خلال الخطّ المستقيم الواحد الّذي يضمّ الحياة كلّها،في تصوّر واحد في كلّ مجالاتها العامّة،لتلتقي في بداياتها باللّه،و تنتهي في نهاياتها الخيّرة السّعيدة إليه.

أمّا جهاد القوى المضادّة الّتي تعمل على تأكيد سيطرة الظّلم و الشّرّ و الفساد،و تتحرّك للعدوان على البلاد و العباد،و تحمّل الكفر كعقيدة،و البغي كمنهج حياة،فإنّه يحقّق للحياة سلامها و استقرارها و توازنها، لينعكس ذلك على الإنسان خيرا و بركة و محبّة و سلاما.

و على ضوء هذا كان الجهاد الإنسانيّ في مواجهة عوامل الانحراف في نفسه و قوى الشّرّ في حياته حاجة إنسانيّة للاستقرار و الطّمأنينة،يجلب فيها الإنسان الخير لنفسه،و ليس حاجة إلهيّة في ما قد يتخيّله البعض من حاجة اللّه إلى عباده،في ما يكلّفهم به من شئون الإيمان

ص: 218

و العمل الصّالح،ليكون الأمر بالجهاد من بعض ذلك،لأنّ اللّه لا يحتاج إلى أحد في أيّ شيء،لقدرته على كلّ شيء.

(18:16)

جاهداك

وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَ إِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما...

العنكبوت:8

الماورديّ: أي ألزماك.(4:276)

الطّبرسيّ: أي و إن جاهداك أبواك أيّها الإنسان و ألزماك و استفرغا مجهودهما في دعائك.(4:274)

مكارم الشّيرازيّ: مفهومه بذل قصارى جهدهما،و إصرارهما،و منتهى سعيهما للحيلولة بين الولد و بين الإيمان باللّه.(12:313)

جاهدوا

1- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.

البقرة:218

الطّبريّ: يعني و قاتلوا و حاربوا،و أصل المجاهدة «المفاعلة»من قول الرّجل:قد جهد فلان فلانا على كذا، إذا كربه و شقّ عليه،يجهده جهدا،فإذا كان الفعل من اثنين،كلّ واحد منهما يكابد من صاحبه شدّة و مشقّة قيل:فلان يجاهد فلانا،يعني أنّ كلّ واحد منهما يفعل بصاحبه ما يجهده و يشقّ عليه،فهو يجاهده مجاهدة و جهادا.(2:355)

نحوه الماورديّ.(1:275)

الواحديّ: أي حملوا أنفسهم على الجهد و المشقّة في قتالهم.(1:322)

الطّبرسيّ: أي قاتلوا الكفّار في طاعة اللّه الّتي هي سبيله المشروعة لعباده.

و إنّما جمع بين هذه الأشياء لبيان فضلها و التّرغيب فيها،لا لأنّ الثّواب لا يستحقّ على واحد منها على الانفراد.(1:313)

الفخر الرّازيّ: و أمّا المجاهدة فأصلها من«الجهد» الّذي هو المشقّة.و يجوز أن يكون معنى المجاهدة أن يضمّ جهده إلى جهد آخر في نصرة دين اللّه،كما أنّ المساعدة عبارة عن ضمّ الرّجل ساعده إلى ساعد آخر ليحصل التّأييد و القوّة.و يجوز أن يكون المراد من المجاهدة:بذل الجهد في قتال العدوّ،و عند فعل العدوّ،و مثل ذلك فتصير«مفاعلة».(6:41)

نحوه النّيسابوريّ.(2:228)

رشيد رضا :و أمّا المجاهدة فهي من الجهد و هو المشقّة،و ليس خاصّا بالقتال.(2:320)

و بهذا المعنى جاء«جاهد»في آيات أخرى.

2- وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا...

العنكبوت:69

ابن عبّاس: جاهدوا أهواءهم في طاعة اللّه و شكر آلائه و الصّبر على بلائه.(أبو حيّان 7:159)

ابن عطاء:المجاهدة:صدق الافتقار إلى اللّه،

ص: 219

بالانقطاع عن كلّ ما سواه.(البروسويّ 6:497)

ابن المبارك:المجاهدة:علم أدب الخدمة،فإنّ أدب الخدمة أعزّ من الخدمة.(البروسويّ 6:497)

الطّبريّ: و الّذين قاتلوا هؤلاء المفترين على اللّه كذبا،من كفّار قريش المكذّبين بالحقّ لما جاءهم فينا.

(21:15)

نحوه المراغيّ.(21:23)

الماورديّ: فيه أربعة أوجه:

أحدها:قاتلوا المشركين طائعين لنا.

الثّاني:جاهدوا أنفسهم في هواها خوفا منّا.

الثّالث:اجتهدوا في العمل بالطّاعة و الكفّ عن المعصية،رغبة في ثوابنا،و حذرا من عقابنا.

الرّابع:جاهدوا أنفسهم في التّوبة من ذنوبهم.

(4:294)

الطّوسيّ: يعني جاهدوا الكفّار بأنفسهم، و جاهدوا نفوسهم بمنعها عن المعاصي و إلزامها فعل الطّاعة لوجه اللّه.(8:226)

نحوه الطّبرسيّ.(4:293)

الزّمخشريّ: أطلق«المجاهدة»و لم يقيّدها بمفعول، ليتناول كلّ ما يجب مجاهدته من النّفس الأمّارة بالسّوء و الشّيطان و أعداء الدّين،(فينا):في حقّنا و من أجلنا و لوجهنا خالصا.(3:213)

مثله النّسفيّ(3:364)،و أبو السّعود(5:161)، و نحوه البيضاويّ(2:215)،و الكاشانيّ(4:122).

أبو حيّان :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و ما ورد من أقوال العلماء فالمقصود بها المثال.

(7:159)

الشّربينيّ: أي أوقعوا الجهاد بغاية جهدهم،على ما دلّ عليه بالمفاعلة،(فينا)أي بسبب حقّنا و مراقبتنا خاصّة،بلزوم الطّاعات من جهاد الكفّار و غيرهم،من كلّ ما ينبغي الجهد فيه بالقول و الفعل في الشّدّة و الرّخاء، و مخالفة الهوى عند هجوم الفتن و شدائد المحن، مستحضرين لعظمتنا.(3:155)

البروسويّ: الجهاد و المجاهدة:استفراغ الوسع في مدافعة العدوّ،أي جدّوا و بذلوا وسعهم في شأننا و حقّنا، و لوجهنا خالصا.

و أطلق«المجاهدة»ليعمّ جهاد الأعداء الظّاهرة و الباطنة:أمّا الأوّل فكجهاد الكفّار المحاربين،و أمّا الثّاني فكجهاد النّفس و الشّيطان،و في الحديث:«جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم».

و يكون الجهاد باليد و اللّسان،كما قال عليه السّلام:

«جاهدوا الكفّار بأيديكم و ألسنتكم»أي بما يسوؤهم من الكلام كالهجر و نحوه.(6:497)

الآلوسيّ: و قال بعضهم:-أي الّذين شغلوا ظواهرهم بالوظائف-لنوصلنّ أسرارهم إلى اللّطائف.

و قيل:أي الّذين جاهدوا نفوسهم لأجلنا و طلبا لنا، لنهدينّهم سبل المعرفة بنا و الوصول إلينا،و من عرف اللّه تعالى عرف كلّ شيء،و من وصل إليه هان عنده كلّ شيء.(21:16)

مغنيّة: للجهاد في اللّه مظاهر،منها:طلب العلم للّه،و طلب العيش بكدّ اليمين،و منها:الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،و أفضلها جميعا،الجهاد،لتطهير

ص: 220

الأرض من الظّالمين و المفسدين.(6:127)

الطّباطبائيّ: أي استقرّ جهادهم فينا،و هو استعارة كنائيّة عن كون جهده مبذولا فيما يتعلّق به تعالى من اعتقاد و عمل،فلا ينصرف عن الإيمان به و الائتمار بأوامره،و الانتهاء عن نواهيه بصارف يصرفه.

(16:151)

عبد الكريم الخطيب :...إشارة إلى هذا الجهاد الّذي يجاهده المؤمن،و أنّه جهاد للّه،و في سبيل اللّه، و إعزاز دينه،و نصر كلمته.و اللّه سبحانه و تعالى يقول:

وَ لَيَنْصُرَنَّ اللّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ الحجّ:40،و معنى الجهاد في اللّه،الجهاد في كلّ ما هو للّه،ممّا جعله حمى له،جلّ شأنه.(11:470)

مكارم الشّيرازيّ: و في معنى«الجهاد»هنا و المراد منه،احتمالات متعدّدة،أ هو جهاد الأعداء؟أم جهاد النّفس؟أم الجهاد في سبيل معرفة اللّه عن الطّرق العلميّة؟ للمفسّرين آراء في هذا المجال.و كذلك في معنى(فينا) الّذي ورد تعبيره في الآية،هل المراد منه في سبيل اللّه؟أم في سبيل الجهاد للنّفس؟أم في سبيل العبادة؟أم مواجهة الأعداء؟و لكن من الواضح أنّ التّعبير بالجهاد له معنى واسع مطلق،و مثله التّعبير بكلمة(فينا)،فالتّعبير يشمل كلّ سعي و جهاد في سبيل اللّه و من أجله،و للوصول إلى الأهداف الإلهيّة،كلّ ذلك يصدق عليه جاهَدُوا فِينا سواء كان في سبيل كسب المعرفة أو جهاد النّفس،أو مواجهة الأعداء،أو الصّبر على الطّاعة أو الصّبر على المعصية،أو في إعانة الضّعفاء،أو في الإقدام على أيّ عمل حسن و صالح.(12:415)

يجاهد

وَ مَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ... العنكبوت:6 تقدّم في«جاهد»

يجاهدوا

لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ.

التّوبة:44

الحسن :تقديره:كراهيّة أن يجاهدوا بأموالهم و أنفسهم.(الطّوسيّ 5:265)

سيبويه :و يجوز أن يكون موضعها[ان]جرّا،لأنّ حذفها هاهنا إنّما جاز مع ظهور(ان)فلو أظهرت المصدر لم تحذف في«لا يستأذنك القوم الجهاد»حتّى تقول:في الجهاد،و يجوز لا يستأذنك القوم أن يجاهدوا.

(الزّجّاج 2:450)

الجبّائيّ: فيه حذف،و تقديره:لأن لا يجاهدوا بحذف(لا)،لأنّ ذمّهم قد دلّ عليه.(الطّوسيّ 5:265)

الزّجّاج: موضع(ان)نصب،المعنى لا يستأذنك هؤلاء في أن يجاهدوا،و لكن«في»حذفت،فأفضى الفعل فنصب(ان).(2:450)

نحوه الطّبرسيّ.(3:34)

الزّمخشريّ: و معنى أَنْ يُجاهِدُوا في أن يجاهدوا،أو كراهة أن يجاهدوا.(2:192)

الفخر الرّازيّ: فيه محذوف،و التّقدير:في أن يجاهدوا،إلاّ أنّه حسن الحذف لظهوره،ثمّ هاهنا قولان:

ص: 221

القول الأوّل:إجراء هذا الكلام على ظاهره من غير إضمار آخر،و على هذا التّقدير،فالمعنى أنّه ليس من عادة المؤمنين أن يستأذنوك،في أن يجاهدوا،و كان الأكابر من المهاجرين و الأنصار يقولون:لا نستأذن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في الجهاد،فإنّ ربّنا ندبنا إليه مرّة بعد أخرى، فأيّ فائدة في الاستئذان؟و كانوا بحيث لو أمرهم الرّسول بالقعود لشقّ عليهم ذلك،أ لا ترى أنّ عليّ بن أبي طالب لمّا أمره رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بأن يبقى في المدينة شقّ عليه ذلك و لم يرض،إلى أن قال له الرّسول:«أنت منّي بمنزلة هارون من موسى».

القول الثّاني:أنّه لا بدّ هاهنا من إضمار آخر،قالوا:

لأنّ ترك استئذان الإمام في الجهاد غير جائز،و هؤلاء ذمّهم اللّه في ترك هذا الاستئذان،فثبت أنّه لا بدّ من الإضمار،و التّقدير:لا يستأذنك هؤلاء في أن لا يجاهدوا.

إلاّ أنّه حذف حرف النّفي،و نظيره قوله: يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا النّساء:176.

و الّذي دلّ على هذا المحذوف أنّ ما قبل الآية و ما بعدها يدلّ على أنّ حصول هذا الذّمّ إنّما على الاستئذان في القعود،و اللّه أعلم.(16:76)

2- ..وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ... التّوبة:81

الطّوسيّ: فالجهاد بالمال هو تحمّل لمشقّة الإنفاق في وجوه البرّ،و الجهاد بالنّفس هو تعريضها لما يشقّ عليها اتّباعا لأمر اللّه.(5:312)

الزّمخشريّ: تعريض بالمؤمنين و بتحمّلهم المشاقّ العظام لوجه اللّه تعالى،و بما فعلوا من بذل أموالهم و أرواحهم في سبيل اللّه تعالى،و إيثارهم ذلك على الدّعة و الخفض،و كره ذلك المنافقون،و كيف لا يكرهونه و ما فيهم ما في المؤمنين من باعث الإيمان و داعي الإيقان.

(2:205)

نحوه أبو حيّان.(5:79)

تجاهدون

تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ...

الصّفّ:11

الفخر الرّازيّ: و الجهاد...ثلاثة:

جهاد فيما بينه و بين نفسه،و هو قهر النّفس و منعها عن اللّذّات و الشّهوات.

و جهاد فيما بينه و بين الخلق،و هو أن يدع الطّمع منهم،و يشفق عليهم و يرحمهم.

و جهاد فيما بينه و بين الدّنيا،و هو أن يتّخذها زادا لمعاده.(29:316)

جاهد

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ. التّوبة:73

ابن مسعود:بيده،فإن لم يستطع فبلسانه،فإن لم يستطع فبقلبه،فإن لم يستطع فليكفهرّ في وجهه.

(الطّبريّ 10:183)

ابن عبّاس: أمره اللّه بجهاد الكفّار بالسّيف،

ص: 222

و المنافقين باللّسان،و أذهب الرّفق عنهم.

(الطّبريّ 10:183)

نحوه الجبّائيّ.(الطّوسيّ 5:301)

(الكفّار)بالقتال،(و المنافقين)أن تغلظ عليهم بالكلام.

نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 10:183)

الحسن :(جاهد الكفّار)بالسّيف،(و المنافقين) بالحدود،أقم عليهم حدود اللّه.

مثله قتادة.(الطّبريّ 10:184)

السّدّيّ: (جاهد الكفّار)بالسّيف،(و المنافقين) بالقول،و اغلظ على الفريقين جميعا.ثمّ نسخها فأنزل بعدها قاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُمْ مِنَ الْكُفّارِ التّوبة:123.

(295)

نحوه ابن قتيبة.(190)

الطّبريّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و أولى الأقوال في تأويل ذلك عندي بالصّواب ما قال ابن مسعود:من أنّ اللّه أمر نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم من جهاد المنافقين،بنحو الّذي أمره به من جهاد المشركين.

(10:184)

الزّجّاج: أمر بجهادهم،و المعنى جاهدهم بالقتل و الحجّة،فالحجّة على المنافقين جهاد لهم.(2:461)

الطّوسيّ: أمر اللّه تعالى في هذه الآية نبيّه صلّى اللّه عليه و آله أن يجاهد الكفّار و المنافقين.و الجهاد هو ممارسة الأمر الشّاقّ،و الجهاد يجب باليد و اللّسان و القلب،فمن أمكنه الجميع وجب عليه جميعه،و من لم يقدر باليد فباللّسان، فإن لم يقدر فبالقلب.(5:301)

الزّمخشريّ: جاهِدِ الْكُفّارَ بالسّيف (و المنافقين)بالحجّة، وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ في الجهادين جميعا،و لا تحابهم.و كلّ من وقف منه على فساد في العقيدة،فهذا الحكم ثابت فيه يجاهد بالحجّة،و تستعمل معه الغلظة ما أمكن منها.(2:202)

مثله النّسفيّ(3:136)،و نحوه أبو حيّان(5:72).

ابن عطيّة: قوله:(جاهد)مأخوذ من بلوغ الجهد، و هي مقصود بها المكافحة و المخالفة،و تتنوّع بحسب «المجاهد»فجهاد الكافر المعلن بالسّيف،و جهاد المنافق المتستّر باللّسان،و التّعنيف و الاكفهرار في وجهه،و نحو ذلك.أ لا ترى أنّ من ألفاظ الشّرع قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«و المجاهد من جاهد نفسه في طاعة اللّه»فجهاد النّفس إنّما هو مصابرتها باتّباع الحقّ و ترك الشّهوات،فهذا الّذي يليق بمعنى هذه الآية.[إلى أن نقل قول ابن مسعود و أضاف:]

و القتل لا يكون إلاّ مع التّجليح،و من جلّح خرج عن رتبة النّفاق.[ثمّ نقل قول ابن عبّاس و الحسن و أضاف:]

و وجه ترك رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم المنافقين بالمدينة أنّهم لم يكونوا مجلّحين بل كان كلّ مغموص عليه إذا وقف ادّعى الإسلام،فكان في تركهم إبقاء و حياطة للإسلام، و مخافة أن تنفر العرب إذا سمعت أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم يقتل من يظهر الإسلام،و قد أوجبت هذا المعنى في صدر سورة البقرة.(3:59)

ابن العربيّ: [نقل قول ابن مسعود و ابن عبّاس و الحسن ثمّ قال:]

قال علماء الإسلام ما تقدّم،فأشكل ذلك و استبهم،

ص: 223

و لا أدري صحّة هذه الأقوال في السّند.

أمّا المعنى فإنّ من المعلوم في الشّريعة أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان يجاهد الكفّار بالسّيف على اختلاف أنواعهم، حسب ما تقدّم بيانه.و أمّا المنافقون فكان مع علمه بهم يعرض عنهم،و يكتفي بظاهر إسلامهم،و يسمع أخبارهم،فيلغيها بالبقاء عليهم و انتظار الفيئة إلى الحقّ بهم،و إبقاء على قومهم،لئلاّ تثور نفوسهم عند قتلهم، و حذرا من سوء الشّنعة في أن يتحدّث النّاس أنّ محمّدا يقتل أصحابه.

فكان لمجموع هذه الأمور يقبل ظاهر إيمانهم،و بادئ صلاتهم،و غزوهم،و يكل سرائرهم إلى ربّهم،و تارة كان يبسط لهم وجهه الكريم،و أخرى كان يظهر التّغيير عليهم.

و أمّا إقامة الحجّة باللّسان فكانت دائمة.و أمّا قول من قال:«إنّ جهاد المنافقين بإقامة الحدود فيهم،لأنّ أكثر إصابة الحدود كانت عندهم»فإنّه دعوى لا برهان عليها،و ليس العاصي بمنافق،إنّما المنافق بما يكون في قلبه من النّفاق كامنا،لا بما تتلبّس به الجوارح ظاهرا، و أخبار المحدودين يشهد مساقها أنّهم لم يكونوا منافقين.

(2:977)

الفخر الرّازيّ: و في الآية سؤال،و هو أنّ الآية تدلّ على وجوب مجاهدة المنافقين،و ذلك غير جائز،فإنّ المنافق هو الّذي يستر كفره و ينكره بلسانه،و متى كان الأمر كذلك لم يجز محاربته و مجاهدته.

و اعلم أنّ النّاس ذكروا أقوالا بسبب هذا الإشكال:

فالقول الأوّل:أنّه الجهاد مع الكفّار و تغليظ القول مع المنافقين،و هو قول الضّحّاك.و هذا بعيد،لأنّ ظاهر قوله: جاهِدِ الْكُفّارَ وَ الْمُنافِقِينَ يقتضي الأمر بجهادهما معا،و كذا ظاهر قوله: وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ راجع إلى الفريقين.

القول الثّاني:أنّه تعالى لمّا بيّن للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم بأن يحكم بالظّاهر،قال عليه السّلام:«نحن نحكم بالظّاهر»و القوم كانوا يظهرون الإسلام و ينكرون الكفر،فكانت المحاربة معهم غير جائزة.

و القول الثّالث:و هو الصّحيح،أنّ الجهاد عبارة عن بذل الجهد،و ليس في اللّفظ ما يدلّ على أنّ ذلك الجهاد بالسّيف أو باللّسان أو بطريق آخر؟فنقول:إنّ الآية تدلّ على وجوب الجهاد مع الفريقين،فأمّا كيفيّة تلك المجاهدة فلفظ الآية لا يدلّ عليها،بل إنّما يعرف من دليل آخر.

و إذا ثبت هذا فنقول:دلّت الدّلائل المنفصلة على أنّ المجاهدة مع الكفّار يجب أن تكون بالسّيف،و مع المنافقين بإظهار الحجّة تارة،و بترك الرّفق ثانيا، و بالانتهار ثالثا.[إلى أن قال:]

و حمل الحسن جهاد المنافقين على إقامة الحدود عليهم إذا تعاطوا أسبابها.قال القاضي:و هذا ليس بشيء،لأنّ إقامة الحدّ واجبة على من ليس بمنافق، فلا يكون لهذا تعلّق بالنّفاق،ثمّ قال:و إنّما قال الحسن ذلك،لأحد أمرين:إمّا لأنّ كلّ فاسق منافق،و إمّا لأجل أنّ الغالب ممّن يقام عليه الحدّ في زمن الرّسول عليه السّلام كانوا منافقين.(16:134)

نحوه النّيسابوريّ(10:130)،و الشّربينيّ(1:633)

ص: 224

البروسويّ: أي المجاهرين منهم بالسّيف.

و الجهاد:عبارة عن بذل الجهد في صرف المبطلين عن المنكر و إرشادهم إلى الحقّ، وَ الْمُنافِقِينَ بالحجّة و إقامة الحدود،فإنّهم كانوا كثيري التّعاطي للأسباب الموجبة للحدود،و لا تجوز المحاربة معهم بالسّيف،لأنّ شريعتنا تحكم بالظّاهر،و هم يظهرون الإسلام و ينكرون الكفر.(3:465)

الآلوسيّ: ظاهره يقتضي مقاتلة المنافقين،و هم غير مظهرين للكفر.و لا نحكم بالظّاهر لأنّا نحكم بالظّاهر،كما في الخبر،و لذا فسّر ابن عبّاس و السّدّيّ و مجاهد:جهاد الأوّلين بالسّيف و الآخرين باللّسان؛ و ذلك بنحو الوعظ و إلزام الحجّة،بناء على أنّ الجهاد:

بذل الجهد في دفع ما لا يرضي،و هو أعمّ من أن يكون بالقتال أو بغيره.فإن كان حقيقة فظاهر،و إلاّ حمل على عموم المجاز.

و روي عن الحسن،و قتادة:أنّ جهاد المنافقين، بإقامة الحدود عليهم.و استشكل بأنّ إقامتها واجبة على غيرهم أيضا،فلا يختصّ ذلك بهم.و أشار في«الأحكام» إلى دفعه بأنّ أسباب الحدّ في زمنه صلّى اللّه عليه و سلّم أكثر ما صدرت عنهم.(10:137)

رشيد رضا :أي ابذل جهدك في مقاومة الفريقين الّذين يعيشون مع المؤمنين،بمثل ما يبذلون من جهدهم في عداوتك،و عاملهم بالغلظة و الشّدّة الموافقة لسوء حالهم.

و قدّم ذكر الكفّار في جهاد الدّنيا،لأنّهم المستحقّون له بإظهارهم لعداوتهم له صلّى اللّه عليه و سلّم،و لما جاء به،و المنافقون يخفون كفرهم و عداءهم و يظهرون الإسلام،فيعاملون معاملة المسلمين في الدّنيا.و قدّم ذكر المنافقين في جزاء الآخرة،لأنّ كفرهم أشدّ،و عذرهم فيه أضعف.[و له بحث مستوفى في تفسير الجهاد،راجع ج 10:306]

(10:549)

المراغيّ: الجهاد و المجاهدة:استفراغ الجهد و الوسع في مدافعة العدوّ،و هو ثلاثة أضرب:مجاهدة العدوّ الظّاهر،مجاهدة الشّيطان،مجاهدة النّفس و الهوى، و يشير إلى هذه كلّها قوله تعالى: وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ الحجّ:78، وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ التّوبة:41،و قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«جاهدوا أهواءكم كما تجاهدون أعداءكم»،و قال:«جاهدوا الكفّار بأيديكم و ألسنتكم».

و الجهاد باللّسان:إقامة الحجّة و البرهان،و الجهاد باليد:الجهاد بالسّيف،و كلّ الوسائل الحربيّة.

(10:163)

الطّباطبائيّ: جهاد القوم و مجاهدتهم:بذل غاية الجهد في مقاومتهم،و هو يكون باللّسان و باليد حتّى ينتهي إلى القتال،و شاع استعماله في الكتاب في القتال، و إن كان ربّما استعمل في غيره،كما في قوله: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا العنكبوت:69.

و استعماله في قتال الكفّار على رسله،لكونهم متجاهرين بالخلاف و الشّقاق.و أمّا المنافقون فهم الّذين لا يتظاهرون بكفر و لا يتجاهرون بخلاف،و إنّما يبطنون الكفر و يقلبون الأمور كيدا و مكرا،و لا معنى للجهاد معهم بمعنى قتالهم و محاربتهم،و لذلك ربّما يسبق إلى

ص: 225

الذّهن أنّ المراد بجهادهم:مطلق ما تقتضيه المصلحة من بذل غاية الجهد في مقاومتهم،فإن اقتضت المصلحة هجروا و لم يخالطوا و لم يعاشروا،و إن اقتضت وعظوا باللّسان،و إن اقتضت أخرجوا و شرّدوا إلى غير الأرض،أو قتلوا إذا أخذ عليهم الرّدّة أو غير ذلك.

و ربّما شهد لهذا المعنى،أعني كون المراد بالجهاد في الآية:مطلق بذل الجهد،تعقيب قوله: جاهِدِ الْكُفّارَ وَ الْمُنافِقِينَ بقوله: وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ أي شدّد عليهم و عاملهم بالخشونة.(9:339)

عبد الكريم الخطيب :«الكفّار و المنافقون»هم على سواء في كفرهم باللّه،و محاربتهم لدين اللّه،و كيدهم لرسول اللّه.و إنّ على النّبيّ أن يجاهد هؤلاء و أولئك جميعا،و أن يلقاهم بكلّ قوّة و بأس؛فالمنافقون كافرون و أكثر من كافرين،لأنّهم يسترون كفرهم بالنّفاق، و يدارونه بإظهار الإسلام،فهم بهذا عدوّ خفيّ،يأمن المسلمون جانبه،و لا يأخذون حذرهم منه،فيطّلع منهم على ما لا يطّلع عليه العدوّ الظّاهر،من مواطن الضّعف منهم،و انتهاز الفرصة فيهم.فإذا جاهد النّبيّ الكفّار، فليجاهد المنافقين كذلك،و ليشتدّ في جهادهم،و ليغلظ عليهم،فلا يرخي يده عنهم إذا أمكنته الفرصة فيهم.

(5:845)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ طريقة جهاد الكفّار واضحة و معلومة،فإنّ جهادهم يعني التّوسّل بكلّ الطّرق و الوسائل في سبيل القضاء عليهم،و بالذّات الجهاد المسلّح و العمل العسكريّ.

لكنّ البحث في أسلوب جهاد المنافقين،فمن المسلّم أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله لم يجاهد عسكريّا و لم يقابلهم بحدّ السّيف، لأنّ المنافق هو الّذي قد أظهر الإسلام،و يتمتّع بكلّ حقوق المسلمين،و حماية القانون الإسلاميّ،بالرّغم من أنّه يسعى لهدم الإسلام و مخالفته في الباطن تماما،كما نعلم أنّ كثيرا من الأفراد لا حظّ لهم من الإيمان،و لا يؤمنون حقيقة بالإسلام،غير أنّا لا نستطيع أن نعاملهم كأناس غير مسلمين،لأنّهم قد أظهروا الإسلام.

و لهذا،و على أساس ما يستفاد من الرّوايات و أقوال المفسّرين،يجب القول:بأنّ المقصود من جهاد المنافقين، هو الأنواع و الطّرق الأخرى للجهاد،باستثناء الجهاد الحربيّ و العسكريّ،كالذّمّ و التّوبيخ و التّهديد و الفضيحة،و ربّما تشير جملة وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ إلى هذا المعنى.

و يحتمل في تفسير هذه الآية:أنّ(المنافقين) يتمتّعون بأحكام الإسلام و حقوقه و حمايته،ما دامت أسرارهم مجهولة،و لم يتّضح وضعهم على حقيقته.أمّا إذا تبيّن وضعهم و انكشفت خبيئة أسرارهم،فسوف يحكمون بأنّهم كفّار حربيّون،و في هذه الحالة يمكن جهادهم حتّى بالسّيف.

لكن الّذي يضعّف هذا الاحتمال:أنّ إطلاق كلمة (المنافقين)على هؤلاء لا يصحّ في مثل هذه الحالة،بل إنّهم يعتبرون من جملة الكفّار الحربيّين،لأنّ المنافق-كما قلنا سابقا-هو الّذي يظهر الإسلام و يبطن الكفر.

(6:117)

و جاء بهذا المعنى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ

ص: 226

اَلْمَصِيرُ التّحريم:9

[لاحظ ن ف ق:المنافقين]

جاهدهم

فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ جاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً.

الفرقان:52

ابن عبّاس: بالقرآن.(304)

ابن زيد :الإسلام.(الطّبريّ 19:23)

الطّوسيّ: وَ جاهِدْهُمْ في اللّه جِهاداً كَبِيراً شديدا.

و قيل:فلا تطعهم بمعاونتهم فيما يريدونه ممّا يبعد عن دين اللّه،و جاهدهم بترك طاعتهم.(7:498)

الزّمخشريّ: و الضّمير للقرآن أو لترك الطّاعة الّذي يدلّ عليه(فلا تطع)،و المراد:أنّ الكفّار يجدّون و يجتهدون في توهين أمرك،فقابلهم من جدّك و اجتهادك و عضّك على نواجذك بما تغلبهم به و تعلوهم.

و جعله جهادا كبيرا،لما يحتمل فيه من المشاقّ العظام.

و يجوز أن يرجع الضّمير في(به)إلى ما دلّ عليه وَ لَوْ شِئْنا لَبَعَثْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ نَذِيراً الفرقان:51،من كونه نذير كافّة القرى،لأنّه لو بعث في كلّ قرية نذيرا لو جبت على كلّ نذير مجاهدة قريته،فاجتمعت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم تلك المجاهدات كلّها،فكبّر جهاده من أجل ذلك و عظّم،فقال له: وَ جاهِدْهُمْ بسبب كونك نذير كافّة القرى جِهاداً كَبِيراً جامعا لكلّ مجاهدة.

(3:96)

نحوه النّيسابوريّ.(19:28)

الطّبرسيّ: جِهاداً كَبِيراً أي تامّا شديدا.و في هذا دلالة على أنّ من أجلّ الجهاد،و أعظمه منزلة عند اللّه سبحانه:جهاد المتكلّمين في حلّ شبه المبطلين و أعداء الدّين،و يمكن أن يتأوّل عليه قوله:رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر.(4:175)

الفخر الرّازيّ: قال بعضهم:المراد بذل الجهد في الأداء و الدّعاء،و قال بعضهم:المراد القتال،و قال آخرون:كلاهما.و الأقرب الأوّل،لأنّ السّورة مكّيّة، و الأمر بالقتال ورد بعد الهجرة بزمان.[و أضاف نحو الزّمخشريّ](24:100)

نحوه الشّربينيّ.(2:666)

ابن عربيّ: و خفّفنا عنك الجهاد،إذ الجهاد إنّما يكون بحسب الكمال،و كلّما كان الكمال أعظم كان الجهاد أكبر،لأنّ اللّه تعالى يربّ كلّ طائفة باسم من أسمائه، فإذا كان الكامل مظهر جميع صفاته،متحقّقا بجميع أسمائه،وجب عليه الجهاد مع جميع طوائف الأمم،بجميع الصّفات،و لكن ما فعلنا ذلك لعظم قدرك،و كونك الكامل المطلق،و القطب الأعظم،و الخاتم على ما ذكر في تأويل قوله: كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ الفرقان:32.

فَلا تُطِعِ المحجوبين،بموافقتهم في الوقوف مع بعض الحجب،و نقصان بعض الصّفات، وَ جاهِدْهُمْ لكونك مبعوثا إلى الكلّ جِهاداً كَبِيراً هو أكبر الجهادات،كما قال:«ما أوذي نبيّ مثل ما أوذيت»أي ما كمل نبيّ مثل كمالي.(2:163)

البيضاويّ: بالقرآن،أو بترك طاعتهم الّذي يدلّ عليه(فلا تطع)،و المعنى أنّهم يجتهدون في إبطال حقّك،

ص: 227

فقابلهم بالاجتهاد في مخالفتهم و إزاحة باطلهم جِهاداً كَبِيراً، لأنّ مجاهدة السّفهاء بالحجج أكبر من مجاهدة الأعداء بالسّيف،أو لأنّ مخالفتهم و معاداتهم فيما بين أظهرهم مع عتوّهم و ظهورهم،أو لأنّه جهاد مع كلّ الكفرة،لأنّه مبعوث إلى كافّة القرى.(2:148)

نحوه الكاشانيّ.(4:19)

النّسفيّ: أي باللّه،يعني بعونه و توفيقه،أو بالقرآن،أي جادلهم به و قرّعهم بالعجز عنه.(3:171)

أبو حيّان :أي بالقرآن،أو بالإسلام أو بالسّيف،أو بترك طاعتهم،و(جهادا)مصدر وصف ب(كبيرا)لأنّه يلزمه عليه السّلام مجاهدة جميع العالم،فهو جهاد كبير.

(6:506)

أبو السّعود :أي بالقرآن،بتلاوة ما في تضاعيفه من القوارع و الزّواجر و المواعظ،و تذكير أحوال الأمم المكذّبة، جِهاداً كَبِيراً فإنّ دعوة كلّ العالمين على الوجه المذكور جهاد كبير،لا يقادر قدره كمّا و كيفا.

و قيل:الضّمير المجرور لترك الطّاعة،المفهوم من النّهي عن الطّاعة،و أنت خبير بأنّ مجرّد ترك الطّاعة يتحقّق بلا دعوة أصلا،و ليس فيه شائبة الجهاد فضلا عن الجهاد الكبير،اللّهمّ إلاّ أن تجعل الباء للملابسة، ليكون المعنى:و جاهدهم بما ذكر من أحكام القرآن الكريم ملابسا بترك طاعتهم،كأنّه قيل:فجاهدهم بالشّدّة و العنف لا بالملائمة و المداراة.(5:20)

نحوه المراغيّ.(19:26)

البروسويّ: و الجهاد و المجاهدة:استغراق الوسع في مدافعة العدوّ،(به)أي بالقرآن بتلاوة ما في تضاعيفه من المواعظ،و تذكير أحوال الأمم المكذّبة، جِهاداً كَبِيراً عظيما تامّا شديدا لا يخالطه فتور،فإنّ مجاهدة السّفهاء بالحجج أكبر من مجاهدة الأعداء بالسّيف.و إنّما لم يحمل المجاهدة على القتال بالسّيف،لأنّه إنّما ورد الإذن بعد الهجرة بزمان،و السّورة مكّيّة.(6:227)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و الزّمخشريّ، و أضاف:]

و تعقّب بأنّ بيان سبب كبر المجاهدة بحسب الكمّيّة ليس فيه مزيد فائدة،فإنّه بيّن بنفسه،و إنّما اللاّئق بالمقام بيان سبب كبرها و عظمها في الكيفيّة.و جوّز أبو حيّان أن يكون الضّمير للسّيف.

و أنت تعلم أنّ السّورة مكّيّة و لم يشرع في مكّة الجهاد بالسّيف،و مع هذا لا يخفى ما فيه،و يستدلّ بالآية على الوجه المأثور،على عظم جهاد العلماء لأعداء الدّين،بما يوردون عليهم من الأدلّة،و أوفرهم حظّا المجاهدون بالقرآن منهم.(19:33)

الطّباطبائيّ: ضمير(به)للقرآن بشهادة سياق الآيات.[ثمّ أدام نحو البروسويّ](15:229)

عبد الكريم الخطيب :إشارة إلى ما كان ينتظر النّبيّ من أعباء ثقال،في مواجهة قومه،و في الصّبر على المكاره الّتي يرمونه بها،في قسوة و حنق و جنون.

(10:41)

مكارم الشّيرازيّ: (جاهد)أولئك بالقرآن جِهاداً كَبِيراً بعظمة رسالتك،و بعظمة جهاد كلّ الأنبياء الماضين،الجهاد الّذي يشمل جميع الأبعاد الرّوحيّة و الفكريّة للنّاس،و يشمل كلّ الأصعدة

ص: 228

المادّيّة و المعنويّة.

لا شكّ أنّ المقصود من«الجهاد»في هذا الموضع،هو الجهاد الفكريّ و الثّقافيّ و التّبليغيّ،و ليس الجهاد المسلّح؛ذلك لأنّ هذه السّورة مكّيّة،و نحن نعلم أنّ الأمر بالجهاد المسلّح لم يكن قد نزل في مكّة.[ثمّ ذكر قول الطّبرسيّ و أضاف:]

فيمكن أن يكون هذا الحديث إشارة إلى نفس هذا الجهاد و إلى عظمة ما يؤدّيه العلماء في التّبليغ بالدّين،هذا التّعبير يجسّد أيضا عظمة مقام القرآن،ذلك لأنّه وسيلة هذا الجهاد الكبير،و السّلاح القاطع،الّذي قدرته البيانيّة و استدلاله و تأثيره العميق،و جاذبيّته فوق تصوّر و قدرة البشر.(11:248)

جاهدوا

1- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَ جاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. المائدة:35

الطّوسيّ: أمر منه تعالى بالجهاد في دين اللّه،لأنّه وصلة و طريق إلى ثوابه.و يقال لكلّ شيء وسيلة إلى غيره:هو طريق إليه،فمن ذلك طاعة اللّه فهي طريق إلى ثوابه،و الدّليل على الشّيء:طريق إلى العلم به، و التّعرّض للشّيء:طريق إلى الوقوع فيه،و اللّطف:

طريق إلى طاعة اللّه.و الجهاد في سبيل اللّه قد يكون باللّسان و اليد و القلب و السّيف و القول و الكتاب.

(3:510)

نحوه الطّبرسيّ.(2:189)

ابن عطيّة: خصّ الجهاد بالذّكر لوجهين:

أحدهما:نباهته في أعمال البرّ،و أنّه قاعدة الإسلام،و قد دخل بالمعنى في قوله: وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ و لكن خصّه تشريفا.

و الوجه الآخر:أنّها العبادة الّتي تصلح لكلّ منهيّ عن المحاربة،و هو معدّلها من حاله و سنّه و قوّته و شره نفسه،فليس بينه و بين أن ينقلب إلى الجهاد إلاّ توفيق اللّه تعالى.(2:187)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه تعالى لمّا أمر بترك ما لا ينبغي بقوله: اِتَّقُوا اللّهَ و بفعل ما ينبغي بقوله:

وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ و كلّ واحد منهما شاقّ ثقيل على النّفس و الشّهوة،فإنّ النّفس لا تدعو إلاّ إلى الدّنيا و اللّذّات المحسوسة،و العقل لا يدعو إلاّ إلى خدمة اللّه و طاعته و الإعراض عن المحسوسات،و كان بين الحالتين تضادّ و تناف.[إلى أن قال:]

و إذا كان كذلك كان الانقياد لقوله تعالى: اِتَّقُوا اللّهَ وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ من أشقّ الأشياء على النّفس و أشدّها ثقلا على الطّبع،فلهذا السّبب أردف ذلك التّكليف بقوله: وَ جاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ.

(11:220)

ابن عربيّ: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ بالتّزكية وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ بالتّحلية وَ جاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ بمحو الصّفات،و الفناء بالذّات، لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ من ظهور بقايا الصّفات و الذّات.(1:328)

أبو حيّان :نصّ على الجهاد و إن كان مندرجا تحت ابتغاء الوسيلة،لأنّ به صلاح الأرض،و به قوام الدّين و حفظ الشّريعة،فهو مغاير لأمر المحاربة؛إذ الجهاد

ص: 229

محاربة مأذون فيها،و بالجهاد يدفع المحاربون.

و أيضا ففيه تنبيه على أنّه يجب أن تكون القوّة و البأس الّذي للمحارب مقصورا على الجهاد في سبيل اللّه تعالى،و أن لا يضع تلك النّجدة الّتي وهبها اللّه له للمحاربة في معصية اللّه تعالى.(3:472)

أبو السّعود :بمحاربة أعدائه البارزة و الكامنة.

(2:266)

البروسويّ: وَ جاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ بمحاربة الأعداء الظّاهرة و الباطنة.و الإشارة في الآية إنّ اللّه تعالى جعل الفلاح الحقيقيّ في أربعة أشياء.[فعدّ الإيمان و التّقوى و ابتغاء الوسيلة ثمّ قال:]

و رابعها:الجهاد في سبيل اللّه،هو اضمحلال الأنانيّة في إثبات الهويّة،و به يتخلّص العبد من ظلمة الوجود، و يظفر بنور الشّهود.(2:388)

الآلوسيّ: مع أعدائكم بما أمكنكم.(6:129)

رشيد رضا :أي جاهدوا أنفسكم بكفّها عن الأهواء،و حملها على التزام الحقّ في جميع الأحوال، و جاهدوا أعداء الإسلام،الّذين يقاومون دعوته و هدايته للنّاس.

فالجهاد من الجهد و هو المشقّة و التّعب،و«سبيل اللّه»هي طريق الحقّ و الخير و الفضيلة،فكلّ جهد يحمله الإنسان في الدّفاع عن الحقّ و الخير و الفضيلة،أو في تقريرها و حمل النّاس عليها،فهو جهاد في سبيل اللّه.

(6:370)

مغنيّة: إنّ تقوى اللّه،و ابتغاء الوسيلة إليه، و الجهاد في سبيله،كلّ هذه تعبّر عن معنى واحد،أو عن معان متلازمة متشابكة،لأنّ تقوى اللّه:اتّقاء سخطه، و ابتغاء الوسيلة إليه:طلب مرضاته،و الجهاد في سبيله يشمل الأمرين.(3:53)

الطّباطبائيّ: إنّ المراد بقوله: وَ جاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ مطلق الجهاد الّذي يعمّ جهاد النّفس و جهاد الكفّار جميعا؛إذ لا دليل على تخصيصه بجهاد الكفّار مع اتّصال الجملة بما تقدّمها،من حديث ابتغاء الوسيلة،و قد عرفت ما معناه؛على أنّ الآيتين التّاليتين بما تشتملان عليه من التّعليل إنّما تناسبان إرادة مطلق الجهاد من قوله: وَ جاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ.

و مع ذلك فمن الممكن أن يكون المراد ب«الجهاد»هو القتال مع الكفّار،نظرا إلى أنّ تقييد الجهاد بكونه في سبيل اللّه إنّما وقع في الآيات الآمرة بالجهاد بمعنى القتال، و أمّا الأعمّ فخال عن التّقييد،كقوله تعالى: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ

العنكبوت:69.

و على هذا فالأمر بالجهاد في سبيل اللّه بعد الأمر بابتغاء الوسيلة إليه،من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ اهتماما بشأنه،و لعلّ الأمر بابتغاء الوسيلة إليه بعد الأمر بالتّقوى أيضا من هذا القبيل.(5:328)

2- اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ... التّوبة:41

الطّبريّ: جاهدوا أيّها المؤمنون الكفّار بأموالكم، فأنفقوها في مجاهدتهم على دين اللّه الّذي شرّعه لكم، حتّى ينقادوا لكم،فيدخلوا فيه طوعا أو كرها أو

ص: 230

يعطوكم الجزية عن يد صغارا،إن كانوا أهل كتاب أو تقتلوهم.(10:140)

الماورديّ: أمّا الجهاد بالنّفس فمن فروض الكفايات،إلاّ عند هجوم العدوّ فيصير متعيّنا.

و أمّا بالمال فبزاده و راحلته إذا قدر على الجهاد بنفسه،فإن عجز عنه بنفسه فقد ذهب قوم إلى أنّ بذل المال يلزم بدلا عن نفسه.و قال جمهورهم:لا يجب،لأنّ المال في الجهاد تبع النّفس إلاّ سهم سبيل اللّه من الزّكاة.

(2:366)

الطّوسيّ: أمر من اللّه لهم بأن يجاهدوا في قتال أعدائه بأموالهم و أنفسهم،و الجهاد بالمال واجب كالجهاد بالأنفس،و هو الإنفاق في سبيل اللّه،و ظاهر الآية يدلّ على وجوب ذلك بحسب الإمكان،فمن لم يطق الجهاد إلاّ بالمال فعليه ذلك،يعين به من ليس له مال.

و ظاهر الآية يقتضي وجوب مجاهدة البغاة كما يجب مجاهدة الكفّار،لأنّه جهاد في سبيل اللّه،و لقوله:

فَقاتِلُوا الَّتِي تَبْغِي حَتّى تَفِيءَ إِلى أَمْرِ اللّهِ الحجرات:

9،فأوجب قتال البغاة إلى حين يرجعوا إلى الحقّ.

(5:260)

نحوه الواحديّ(2:500)،و الزّمخشريّ(2:

191)،و الطّبرسيّ(3:33)،و رشيد رضا(10:461)، و المراغيّ(10:124).

ابن عطيّة: وصف لأكمل ما يكون من الجهاد و أنفسه عند اللّه تعالى،فحضّ على كمال الأوصاف.

و قدّمت الأموال في الذّكر؛إذ هي أوّل مصرف وقت التّجهيز،فرتّب الأمر كما هو في نفسه،ثمّ أخبر أنّ ذلك لهم خير للفوز برضى اللّه،و غلبة العدوّ و وراثة الأرض.

(3:37)

نحوه القرطبيّ(8:153)،و أبو حيّان(5:44).

الفخر الرّازيّ: فيه قولان:

القول الأوّل:أنّ هذا يدلّ على أنّ الجهاد إنّما يجب على من له المال و النّفس،فدلّ على أنّ من لم يكن له نفس سليمة صالحة للجهاد،و لا مال يتقوّى به على تحصيل آلات الجهاد،لا يجب عليه الجهاد.

و القول الثّاني:أنّ الجهاد يجب بالنّفس؛إذا انفرد و قوي عليه،و بالمال إذا ضعف عن الجهاد بنفسه.فيلزم على هذا القول أنّ من عجز أن ينيب عنه نفرا بنفقة من عنده،فيكون مجاهدا بماله،لمّا تعذّر عليه بنفسه،و قد ذهب إلى هذا القول كثير من العلماء.(16:70)

نحوه النّيسابوريّ.(10:94)

أبو السّعود :إيجاب للجهاد بهما إن أمكن، و بأحدهما عند إمكانه و إعواز الآخر،حتّى أنّ من ساعده النّفس و المال يجاهد بهما،و من ساعده المال دون النّفس يغزو مكانه من حاله على عكس حاله،إلى هذا ذهب كثير من العلماء.و قيل:هو إيجاب للقسم الأوّل فقط.(3:150)

نحوه الشّربينيّ(1:617)،و الآلوسيّ(10:104).

البروسويّ: و الجهاد في الاصطلاح:قتال الكفّار لتقوية الدّين،كما في«شرح التّرغيب المنذريّ»و هو المراد بما في خالصة الحقائق نقلا عن أهل الحكمة:الجهاد:

بذل المجهود و قتال المتمرّدين،حملا لهم على الإسلام، و منعا لهم عن عبادة الأصنام.

ص: 231

و اعلم أنّ الجهاد لا ينافي كونه عليه السّلام نبيّ الرّحمة؛و ذلك أنّه مأمور بالجهاد مع من خالفه من الأمم بالسّيف ليرتدعوا عن الكفر،و قد كان عذاب الأمم المتقدّمة عند مخالفة أنبيائهم بالهلاك و الاستئصال.فأمّا هذه الأمّة فلم يعاجلوا بذلك،كرامة لنبيّهم عليه السّلام،و لكن يجاهدوا بالسّيف،و له بقيّة بخلاف العذاب المنزل.[ثمّ قال نحو أبي السّعود](3:437)

عبد الكريم الخطيب :(و جاهدوا...)توكيد لهذا الأمر بالنّفرة إلى الجهاد،لا بالنّفس و حسب،بل و بالمال أيضا،لمن يملك المال.

و قدّم الجهاد بالمال على الجهاد بالنّفس،لأنّ المال عند من يحرص على المال أحبّ إليه من نفسه،و هو القوّة الغالبة الّتي تثقل الإنسان و تبطئه عن الجهاد.فإذا سخا بالمال،و بذله في سبيل اللّه،خفّت نفسه إلى الجهاد، و انطلق من القيد الّذي كان يمسك به عن أن يكون في المجاهدين.

أمّا من لا يقدر على القتال لمرض أو شيخوخة أو نحو هذا،فإنّه و إن رفع اللّه عنه الحرج إذا لم يجاهد بنفسه، فإنّ الحرج قائم عليه إذا هو لم يجاهد بماله،إن كان له مال.فإذا بذل المال،و أمدّ به المجاهدين،كان مجاهدا، و حسب في المجاهدين،و في الحديث الشّريف:«من جهّز غازيا فقد غزا».

فليس لمسلم-أيّا كان حاله و وضعه في المجتمع-أن يتخلّف عن الجهاد في سبيل اللّه،فلكلّ إنسان مكانه في المعركة؛إذ ليست المعركة سيف و حسب،بل هي معركة سلاح،و عتاد،و مئونة.بل هي قبل ذلك كلّه معركة مشاعر و أحاسيس،بمعنى أنّ الأمّة كلّها ينبغي أن تكون في مواجهة المعركة على شعور واحد،ينتظم جميع أفرادها،هو شعور مواجهة العدوّ،و التّصدّي له،و طلب الغلب عليه.فهذا الشّعور هو الّذي يجعل الأمّة الإسلاميّة كلّها جيشا واحدا،يحمل السّلاح،و يضرب في وجه العدوّ.

و مناسبة هذه الآية لما قبلها،أنّها أشبه بالتّطبيق العمليّ،لما تكشف عنه الآيات السّابقة من نصر اللّه سبحانه و تعالى لنبيّه الكريم،و أنّ من كان من حزب اللّه فلن يغلب أبدا،و لو كان وحده.فليأخذ المسلمون مكانهم في الجهاد في سبيل اللّه،فيكونوا من حزب اللّه.

هذا،و يلاحظ أنّ الدّعوة المشدّدة إلى القتال، و استنفار المسلمين جميعا للجهاد في سبيل اللّه،إنّما كانت إرهاصا بدعوة المسلمين إلى ابتلاء جديد،بلقاء عدوّ جديد،في وطن جديد،و ذلك في غزوة تبوك الّتي كانت آخر غزوة غزاها النّبيّ،كما سنعرّض لها فيما بعد،إن شاء اللّه.(5:778)

مكارم الشّيرازيّ: أي جهادا مطلقا عامّا من جميع الجهات،لأنّهم كانوا يواجهون عدوّا قويّا مستكبرا،و لا يتحقّق النّصر إلاّ بأن يجاهدوا بكلّ ما وسعهم من المال و الأنفس.(6:58)

فضل اللّه :و ذلك بأن تقدّموا من ألوان الجهاد،في ما يمثّله من تضحية و جهد و مشقّة و تعب،(و انفسكم) و ذلك بأن تقفوا في خطّ المواجهة في المعركة،لتقاتلوا و لتقتحموا على العدوّ ساحته،و تواجهوا الخطر كلّه.

(11:120)

ص: 232

3- وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ... الحجّ:78

ابن عبّاس: و اعملوا للّه حقّ عمله.(284)

نحوه السّدّيّ.(الماورديّ 4:41)

لا تخافوا في اللّه لومة لائم.(الطّبريّ 17:205)

حَقَّ جِهادِهِ كما جاهدتم أوّل مرّة.

(الطّبريّ 17:205)

الضّحّاك: حَقَّ جِهادِهِ أن يطاع فلا يعصى، و يذكر فلا ينسى،و يشكر فلا يكفر.(الماورديّ 4:41)

نحوه السّدّيّ.(الواحديّ 3:281)

اعملوا بالحقّ حقّ عمله.(الطّبريّ 17:205)

مقاتل بن حيّان: أن يجتهدوا في العمل.

(الواحديّ 3:281)

الطّبريّ: [بعد نقل الأقوال قال:]

و الصّواب من القول في ذلك،قول من قال:عني به الجهاد في سبيل اللّه،لأنّ المعروف من الجهاد ذلك،و هو الأغلب على قول القائل:جاهدت في اللّه؛و حقّ الجهاد:

هو استفراغ الطّاقة فيه.(17:205)

الواحديّ: أكثر المفسّرين حملوا«الجهاد»هاهنا على جميع أعمال الطّاعة،و قالوا:حقّ الجهاد أن يكون بنيّة صادقة خالصة للّه تعالى.[إلى أن قال:]

و قال مقاتل بن سليمان: نسختها الآية الّتي في التّغابن:16، فَاتَّقُوا اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ، و حمله الضّحّاك على مجاهدة الكفّار،فقال:جاهدوا بالسّيف من كفر باللّه و إن كانوا الآباء و الأبناء.و روي عن عبد اللّه بن المبارك:

أنّه حمله على مجاهدة الهوى و النّفس.(3:281)

الميبديّ: قيل:أي جاهدوا في دين اللّه كما يجب أن يجاهدوا في دينه،فتدخل فيه جميع الطّاعات،و هو نظير قوله: اِتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ آل عمران:102.

(6:405)

الزّمخشريّ: (و جاهدوا)أمر بالغزو و بمجاهدة النّفس و الهوى،و هو الجهاد الأكبر،(فى اللّه)أي في ذات اللّه و من أجله.يقال:هو حقّ عالم و جدّ عالم،أي عالم حقّا و جدّا،و منه حَقَّ جِهادِهِ.

فإن قلت:ما وجه هذه الإضافة،و كان القياس:

حقّ الجهاد فيه،أو حقّ جهادكم فيه،كما قال:

وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ؟

قلت:الإضافة تكون بأدنى ملابسة و اختصاص، فلمّا كان الجهاد مختصّا باللّه من حيث إنّه مفعول لوجهه و من أجله،صحّت إضافته إليه،و يجوز أن يتّسع في الظّرف.[ثمّ استشهد بشعر](3:23)

نحوه البيضاويّ(2:100)،و الشّربينيّ(2:568)، و أبو السّعود(4:399)،و البروسويّ(6:64).

ابن عطيّة: قالت فرقة:هذه آية أمر اللّه تعالى فيها بالجهاد في سبيله،و هو قتال الكفّار.و قالت فرقة:

بل هي أعمّ من هذا و هو جهاد النّفس،و جهاد الكافرين، و جهاد الظّلمة،و غير ذلك،أمر اللّه تعالى عباده بأن يفعلوا ذلك في ذات اللّه حقّ فعله.و العموم حسن،و بيّن أنّ عرف اللّفظة تقتضي القتال في سبيل اللّه.(4:135)

الفخر الرّازيّ: هاهنا سؤالات:[الأوّل:في الإضافة]السّؤال الثّاني:ما هذا الجهاد؟الجواب فيه وجوه:

أحدها:أنّ المراد قتال الكفّار خاصّة،و معنى حَقَّ

ص: 233

جِهادِهِ أن لا يفعل إلاّ عبادة لا رغبة في الدّنيا،من حيث الاسم أو الغنيمة.

و الثّاني:أن يجاهدوا آخرا كما جاهدوا أوّلا،فقد كان جهادهم في الأوّل أقوى و كانوا فيه أثبت،نحو صنعهم يوم بدر.روي عن عمر رضي اللّه عنه أنّه قال لعبد الرّحمن بن عوف:أ ما علمت أنّا كنّا نقرأ «و جاهدوا في اللّه حقّ جهاده في آخر الزّمان كما جاهدتموه في أوّله»؟ فقال عبد الرّحمن:و متى ذاك يا أمير المؤمنين؟قال:إذا كانت بنو أميّة الأمراء و بنو المغيرة الوزراء.

و اعلم أنّه يبعد أن تكون هذه الزّيادة من القرآن، و إلاّ لنقل كنقل نظائره.و لعلّه إن صحّ ذلك عن الرّسول، فإنّما قاله كالتّفسير للآية.

و روي عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما أنّه قرأ:

«و جاهدوا في اللّه حقّ جهاده كما جاهدتم أوّل مرّة» فقال عمر:من الّذي أمرنا بجهاده؟فقال:قبيلتان من قريش:مخزوم و عبد شمس،فقال:صدقت.

و الثّالث:قال ابن عبّاس:(حقّ جهاده)لا تخافوا في اللّه لومة لائم.

و الرّابع:قال الضّحّاك:و اعملوا للّه حقّ عمله.

و الخامس:استفرغوا وسعكم في إحياء دين اللّه، و إقامة حقوقه بالحرب باليد و اللّسان و جميع ما يمكن، و ردّوا أنفسكم عن الهوى و الميل.

و الوجه السّادس:قال عبد اللّه بن المبارك(حقّ جهاده)مجاهدة النّفس و الهوى،و لمّا رجع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من غزوة تبوك قال:«رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر».

و الأولى أن يحمل ذلك على كلّ التّكاليف،فكلّ ما أمر به و نهي عنه،فالمحافظة عليه جهاد.

السّؤال الثّالث:هل يصحّ ما نقل عن مقاتل و الكلبيّ أنّ هذه الآية منسوخة بقوله: (فَاتَّقُوا اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ) التّغابن:16،كما أنّ قوله: (اتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ) آل عمران:102،منسوخ بذلك؟

الجواب:هذا بعيد،لأنّ التّكليف مشروط بالقدرة، لقوله تعالى: لا يُكَلِّفُ اللّهُ نَفْساً إِلاّ وُسْعَها البقرة:

286،فكيف يقول اللّه:و جاهدوا في اللّه على وجه لا تقدرون عليه.و كيف و قد كان الجهاد في الأوّل مضيّقا حتّى لا يصحّ أن يفرّ الواحد من عشرة،ثمّ خفّفه اللّه بقوله: اَلْآنَ خَفَّفَ اللّهُ عَنْكُمْ الأنفال:66،أ فيجوز مع ذلك أن يوجبه على وجه لا يطاق حتّى يقال:إنّه منسوخ!(23:72)

نحوه النّيسابوريّ.(17:124)

القرطبيّ: قيل:عنى به جهاد الكفّار،و قيل:هو إشارة إلى امتثال جميع ما أمر اللّه به،و الانتهاء عن كلّ ما نهى اللّه عنه،أي جاهدوا أنفسكم في طاعة اللّه و ردّها عن الهوى،و جاهدوا الشّيطان في ردّ وسوسته،و الظّلمة في ردّ ظلمهم،و الكافرين في ردّ كفرهم.(12:99)

النّسفيّ: أمر بالغزو أو مجاهدة النّفس و الهوى، و هو الجهاد الأكبر،أو هو كلمة حقّ عند أمير جائر.

(3:112)

أبو حيّان :أمر بالجهاد في دين اللّه و إعزاز كلمته، يشمل جهاد الكفّار و المبتدعة و جهاد النّفس.

و قيل:أمر بجهاد الكفّار خاصّة حَقَّ جِهادِهِ أي

ص: 234

استفرغوا جهدكم و طاقتكم في ذلك.[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ](6:391)

الآلوسيّ: [نحو القرطبيّ و أضاف:]

و المراد هنا عند الضّحّاك:جهاد الكفّار حتّى يدخلوا في الإسلام،و يقتضي ذلك أن تكون الآية مدنيّة،لأنّ الجهاد إنّما أمر به بعد الهجرة.و عند عبد اللّه بن المبارك:

جهاد الهوى و النّفس.

و الأولى أن يكون المراد به:ضروبه الثّلاثة،و ليس ذلك من الجمع بين الحقيقة و المجاز في شيء،و إلى هذا يشير ما روى جماعة عن الحسن أنّه قرأ الآية،و قال:إنّ الرّجل ليجاهد في اللّه تعالى و ما ضرب بسيف،و يشمل ذلك جهاد المبتدعة و الفسقة،فإنّهم أعداء أيضا،و يكون بزجرهم عن الابتداع و الفسق حَقَّ جِهادِهِ أي جهادا فيه حقّا.

فقدّم«حقّا»و أضيف على حدّ«جرد قطيفة»، و حذف حرف الجرّ و أضيف(جهاد)إلى ضميره تعالى، على حدّ قوله:

*و يوم شهدناه سليما و عامرا*[ثمّ نقل قول الزّمخشريّ]

و أيّا ما كان،فنصب(حقّ)على المصدريّة.و قال أبو البقاء:إنّه نعت لمصدر محذوف،أي جهادا حقّ جهاده.و فيه أنّه معرفة،فكيف يوصف به النّكرة، و لا أظنّ أنّ أحدا يزعم أنّ الإضافة إذا كانت على الاتّساع لا تفيد تعريفا،فلا يتعرّف بها المضاف و لا المضاف إليه.

و الآية تدلّ على الأمر بالجهاد على أتمّ وجه،بأن يكون خالصا للّه تعالى،لا يخشى فيه لومة لائم،و هي محكمة.

و من قال كمجاهد،و الكلبيّ:إنّها منسوخة بقوله تعالى: فَاتَّقُوا اللّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ التّغابن:16،فقد أراد بها أن يطاع سبحانه فلا يعصى أصلا،و فيه بحث لا يخفى.

(17:209)

القاسميّ: عامّ في جهاد الكفّار و الظّلمة و النّفس، و(حقّ)منصوب على المصدريّة.و الأصل:جهادا فيه حقّا،فعكس،و أضيف«الحقّ»إلى«الجهاد»مبالغة، ليدلّ على أنّ المطلوب القيام بمواجبه و شرائطه على وجه التّمام و الكمال،بقدر الطّاقة.(12:4384)

عبد الكريم الخطيب :و الجهاد و إن كان ممّا تضمّنه هذا الأمر؛إذ هو من عبادة اللّه،و من فعل الخير معا،فقد خصّ بالذّكر هنا لماله من مقام كبير بين العبادات و أفعال الخير،و لما فيه من مخاطرة بالنّفس و المال،و هما أغلى ما يملك الإنسان،و أولى ما يحرص عليه و يضنّ به.

و في قوله تعالى: حَقَّ جِهادِهِ تأكيد لهذا الجهاد.

و بيان للصّفة الّتي يكون عليها،و هو أن يكون خالصا للّه،و في سبيل اللّه،لا يبتغى به شيء غير وجه اللّه.و هنا يكون البذل للمال و النّفس هيّنا،إذا نظر إليه في مقابل ثواب اللّه،و ابتغاء رضوانه.

و في قوله تعالى: وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ بتعدية الجهاد بحرف الجرّ(في)إلى لفظ الجلالة(اللّه)و إلى(سبيل اللّه)كما جرى ذلك في الأسلوب القرآنيّ،في هذا ما يشير إلى قدر الجهاد،و إلى أنّه للّه وحده،و من أجل ذاته سبحانه،

ص: 235

و لوجهه خاصّة،فحرف الجرّ هنا للسّببيّة.

و من جهة أخرى،فإنّ الجهاد في اللّه هو جهاد عامّ، يشمل الجهاد في سبيله،و غيره كالأمر بالمعروف، و النّهي عن المنكر،و مجاهدة النّفس،و نحو هذا،ممّا يعلي كلمة اللّه و يقيم دعائم الحقّ،و يثبت أركانه،و هذا مثل قوله تعالى: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ العنكبوت:69.(9:1105)

مكارم الشّيرازيّ: معظم المفسّرين لم يخصّوا هذه الآية بالجهاد المسلّح لأعداء اللّه،بل فسّروها بما هي عليه من معنى لغويّ عامّ،بكلّ نوع من الجهاد في سبيل اللّه،و الاستجابة له،و ممارسة أعمال البرّ.و الجهاد مع النّفس:الجهاد الأكبر،و جهاد الأعداء و الظّلمة:الجهاد الأصغر.[إلى أن قال:]

و لا شكّ في أنّ حقّ الجهاد له معنى واسع،يشمل الكيف و النّوع و المكان و الزّمان و سواها،و لكن مرحلة الإخلاص في النّيّة هي أصعب مرحلة في جهاد النّفس، لهذا أكّدتها الآية،لأنّ عباد اللّه المخلصين فقط هم الّذين لا تنفذ إلى قلوبهم و أعمالهم الوساوس الشّيطانيّة،رغم قوّة نفاذها و خفائها.(10:362)

فضل اللّه :لأنّ اللّه يريد للنّاس أن يواجهوا التّحدّيات بإرادة صلبة،مستعدّة لمجابهة كلّ الصّعوبات، و تحمّل كلّ آلام الحرمان،من أجل تحقيق الصّورة الّتي يحبّ اللّه للحياة أن تكون عليها،و يريد للإنسان أن يبرز فيها،ابتداء من جهاد النّفس الّذي يقتحم الأعماق، ليحطّم كلّ الحواجز الّتي تحول بينها و بين الانطلاق في طريق الخير،إلى جهاد العدوّ الّذي يخوض المعارك انتصارا للشّيطان،ليبعد الإنسان عن طريق اللّه،إنّه خطّ الجهاد المتحرّك على أكثر من جهة،يريد اللّه للنّاس بذل كلّ جهدهم لإعطائه حقّه،لجهة توفير ما يحتاجه من شروط،و تحريك ما يستلزمه من مواقع،و إثارة ما يخدمه من أجواء،فلا يبقى أيّ شيء من طاقاتهم إلاّ و قد بذلوه في هذا السّبيل،إخلاصا للّه.(16:126)

المجاهدون-المجاهدين
اشارة

لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً. النّساء:95

الطّبريّ: لا يعتدل المتخلّفون عن الجهاد في سبيل اللّه،من أهل الإيمان باللّه و برسوله،المؤثرون الدّعة و الخفض و القعود في منازلهم،على مقاساة حزونة الأسفار،و السّير في الأرض،و مشقّة ملاقاة أعداء اللّه، بجهادهم في ذات اللّه،و قتالهم في طاعة اللّه،إلاّ أهل العذر منهم بذهاب أبصارهم،و غير ذلك من العلل الّتي لا سبيل لأهلها،للضّرر الّذي بهم إلى قتالهم و جهادهم في سبيل اللّه.و المجاهدون في سبيل اللّه و منهاج دينه -لتكون كلمة اللّه هي العليا-المستفرغون طاقتهم في قتال أعداء اللّه و أعداء دينهم بأموالهم،إنفاقا لها فيما أوهن كيد أعداء أهل الإيمان باللّه،و بأنفسهم،مباشرة بها قتالهم،بما تكون به كلمة اللّه العالية،و كلمة الّذين كفروا السّافلة.(5:227)

ص: 236

نحوه الطّبرسيّ.(2:97)

الواحديّ: و المعنى:ليس المؤمنون القاعدون عن الجهاد من غير عذر و المؤمنون المجاهدون سواء،إلاّ أولي الضّرر،فإنّهم يساوون المجاهدين،لأنّ الضّرر أقعدهم عن الجهاد.(2:104)

الزّمخشريّ: فإن قلت:معلوم أنّ القاعد بغير عذر و المجاهد لا يستويان،فما فائدة نفي الاستواء؟

قلت:معناه الإذكار بما بينهما من التّفاوت العظيم و البون البعيد،ليأنف القاعد و يترفّع بنفسه عن انحطاط منزلته،فيهتزّ للجهاد و يرغب فيه،و في ارتفاع طبقته، و نحوه هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ الزّمر:9،أريد به التّحريك من حميّة الجاهل و أنفته، ليهاب به إلى التّعلّم،و لينهض بنفسه عن صفة الجهل إلى شرف العلم. فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ جملة موضّحة لما نفى من استواء القاعدين و المجاهدين،كأنّه قيل:ما لهم لا يستوون؟فأجيب بذلك.و المعنى على القاعدين غير أولى الضّرر،لكون الجملة بيانا للجملة الأولى،المتضمّنة لهذا الوصف.(1:555)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ في كيفيّة النّظم وجوها:

الأوّل:ما ذكرناه،أنّه تعالى لمّا رغّب في الجهاد أتبع ذلك ببيان أحكام الجهاد،فالنّوع الأوّل من أحكام الجهاد:تحذير المسلمين عن قتل المسلمين،و بيان الحال في قتلهم على سبيل الخطإ كيف،و على سبيل العمد كيف،و على سبيل تأويل الخطإ كيف،فلمّا ذكر ذلك الحكم أتبعه بحكم آخر،و هو بيان فضل المجاهد على غيره،و هو هذه الآية.

الوجه الثّاني:لمّا عاتبهم اللّه تعالى على ما صدر منهم من قتل من تكلّم بكلمة الشّهادة،فلعلّه يقع في قلبهم أنّ الأولى الاحتراز عن الجهاد،لئلاّ يقع بسببه في مثل هذا المحذور،فلا جرم ذكر اللّه تعالى في عقيبه هذه الآية و بيّن فيها فضل المجاهد على غيره،إزالة لهذه الشّبهة.

الوجه الثّالث:أنّه تعالى لمّا عاتبهم على ما صدر منهم من قتل من تكلّم بالشّهادة،ذكر عقيبه فضيلة الجهاد،كأنّه قيل:من أتى بالجهاد فقد فاز بهذه الدّرجة العظيمة عند اللّه تعالى،فليحترز صاحبها من تلك الهفوة،لئلاّ يخلّ منصبه العظيم في الدّين بسبب هذه الهفوة،و اللّه أعلم.[إلى أن قال:]

و اعلم أنّه تعالى لمّا بيّن أنّ المجاهدين و القاعدين لا يستويان،ثمّ إنّ عدم الاستواء يحتمل الزّيادة و يحتمل النّقصان،لا جرم كشف تعالى عنه،فقال: فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ. [إلى أن قال:]

وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى أي و كلاّ من القاعدين و المجاهدين فقد وعده اللّه الحسنى.

قال الفقهاء:و فيه دليل على أنّ فرض الجهاد على الكفاية،و ليس على كلّ واحد بعينه،لأنّه تعالى وعد القاعدين الحسنى كما وعد المجاهدين،و لو كان الجهاد واجبا على التّعيين،لما كان القاعد أهلا لوعد اللّه تعالى إيّاه الحسنى.(11:6)

البيضاويّ: أي لا مساواة بينهم و بين من قعد عن الجهاد من غير علّة،و فائدته تذكير ما بينهما من التّفاوت،ليرغّب القاعد في الجهاد رفعا لرتبته،و أنفة عن انحطاط منزلته. فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ...

ص: 237

جملة موضّحة لما نفى الاستواء فيه و القاعدون على التّقييد السّابق.[إلى أن قال:]

(...اجرا عظيما)نصب على المصدر،لأنّ فضّل) بمعنى أجرا،أو المفعول الثّاني له لتضمّنه معنى الإعطاء، كأنّه قيل:و أعطاهم زيادة على القاعدين أجرا عظيما.

(1:238)

نحوه النّسفيّ(1:245)،و الشّربينيّ(1:325)، و البروسويّ(2:266).

أبو السّعود :بيان لتفاوت طبقات المؤمنين، بحسب تفاوت درجات مساعيهم في الجهاد،بعد ما مرّ من الأمر به و تحريض المؤمنين عليه،ليأنف القاعد عنه، و يترفّع بنفسه عن انحطاط رتبته،فيهتزّ له رغبة في ارتفاع طبقته.و المراد بهم:الّذين أذن لهم في القعود عن الجهاد اكتفاء بغيرهم.

قال ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما: «هم القاعدون عن بدر و الخارجون إليها»و هو الظّاهر الموافق لتاريخ النّزول،لا ما روي عن مقاتل:«من أنّهم الخارجون إلى تبوك»فإنّه ممّا لا يوافقه التّاريخ و لا يساعده الحال،إذ لم يكن للمتخلّفين يومئذ هذه الرّخصة.(2:183)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و روي أنّ الآية نزلت في كعب بن مالك من بني سلمة،و مرارة بن الرّبيع من بني عمرو بن عوف، و الرّبيع و هلال بن أميّة من بني واقف،حين تخلّفوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،في تلك الغزوة.[إلى أن قال:]

وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ في منهاج دينه (باموالهم)إنفاقا فيما يوهن كيد الأعداء،(و انفسهم) حملا لها على الكفاح عند اللّقاء.و كلا الجارّين متعلّق ب(المجاهدون)،و أوردوا بهذا العنوان دون عنوان الخروج المقابل لوصف المعطوف عليه،و قيّده بما قيّده، مدحا لهم،و إشعارا بعلّة استحقاقهم لعلوّ المرتبة،مع ما فيه من حسن موقع السّبيل،في مقابلة القعود،كما قيل.

و قيل:إنّما أوردوا بعنوان الجهاد إشعارا بأنّ القعود كان عنه،و لكن ترك التّصريح به هناك رعاية لهم في الجملة،و قدّم(القاعدون)على(المجاهدين)و لم يؤخّر عنهم،ليتّصل التّصريح بتفضّلهم بهم.

و قيل:للإيذان من أوّل الأمر بأنّ القصور الّذي ينبئ عنه عدم الاستواء من جهة القاعدين،لا من جهة مقابليهم،فإنّ مفهوم عدم الاستواء بين الشّيئين المتفاوتين زيادة و نقصانا و إن جاز اعتباره بحسب زيادة الزّائد،لكنّ المتبادر اعتباره بحسب قصور القاصر، و عليه قوله تعالى: هَلْ يَسْتَوِي الْأَعْمى وَ الْبَصِيرُ أَمْ هَلْ تَسْتَوِي الظُّلُماتُ وَ النُّورُ الرّعد:16،إلى غير ذلك.

و أمّا قوله تعالى: هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ الزّمر:9،فلعلّ تقديم الفاضل فيه، لأنّ صلته ملكة لصلة المفضول.[إلى أن قال:]

(و كلاّ)مفعول أوّل لما يعقبه،قدّم عليه لإفادة القصر تأكيدا للوعد،و تنوينه عوض عن المضاف إليه، أي كلّ واحد من الفريقين المجاهدين و القاعدين.[إلى أن قال:]

ص: 238

هذا و لعلّ تكرير التّفضيل بطريق العطف المنبئ عن المغايرة و تقييده تارة ب(درجة)و أخرى ب(درجات)مع اتّحاد المفضّل و المفضّل عليه حسبما يستدعيه الظّاهر،إمّا لتنزيل الاختلاف العنوانيّ بين التّفضيلين و بين الدّرجة و الدّرجات منزلة الاختلاف الذّاتيّ،تمهيدا لسلوك طريق الإبهام،ثمّ التّفسير روما لمزيد التّحقيق،و التّقرير المؤذن بأنّ فضل المجاهدين بمحلّ لا تستطيع طير الأفكار الخضر أن تصل إليه.و لمّا كان هذا ممّا يكاد أن يتوهّم منه حرمان القاعدين،اعتنى سبحانه بدفع ذلك بقوله عزّ و جلّ قائلا: وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى. ثمّ أراد جلّ شأنه تفسير ما أفاده التّنكير بطريق الإبهام بحيث يقطع احتمال كونه للوحدة،فقال ما قال،و سدّ باب الاحتمال.

و لا يخفى ما في الإبهام و التّفسير من اللّطف.

و أمّا ما قيل من إفراد«الدّرجة»أوّلا،لأنّ المراد هناك تفضيل كلّ مجاهد،و الجمع ثانيا لأنّ المراد فيه تفضيل الجمع،ففي«الدّرجات»مقابلة الجمع بالجمع، فلكلّ مجاهد درجة،و مآل العبارتين واحد،و الاختلاف تفنّن،فمن الكلام الملفوظ لا من اللّوح المحفوظ.

و إمّا للاختلاف بالذّات بين التّفضيلين و بين الدّرجة و الدّرجات-و في هذا رغب«الرّاغب»،و استطيبه «الطّيّبيّ»-على أنّ المراد بالتّفضيل الأوّل ما خوّلهم اللّه تعالى عاجلا في الدّنيا من الغنيمة و الظّفر،و الذّكر الجميل الحقيقيّ بكونه درجة واحدة،و بالتّفضيل الثّاني ما ادّخره سبحانه لهم من الدّرجات العالية و المنازل الرّفيعة المتعالية عن الحصر،كما ينبئ عنه تقديم الأوّل و تأخير الثّاني و توسيط الوعد بالجنّة بينهما،كأنّه قيل:فضّلهم عليهم في الدّنيا درجة واحدة،و في الأخرى درجات لا تحصى،و قد وسّط بينهما في الذّكر ما هو متوسّط بينهما في الوجود،أعني الوعد بالجنّة،توضيحا لحالهما و مسارعة إلى تسلية المفضول.كذا قرّره الفاضل مولانا شيخ الإسلام.

و قيل:المراد من التّفضيل الأوّل:رضوان اللّه تعالى و نعيمه الرّوحانيّ،و من التّفضيل الثّاني:نعيم الجنّة المحسوس.و فيه أنّ عطف المغفرة و الرّحمة يبعّد هذا التّخصيص.

و قيل:المراد من المجاهدين الأوّلين:من جاهد الكفّار،و من المجاهدين الآخرين:من جاهد نفسه، و زيد لهم في الأجر لمزيد فضلهم،كما يدلّ عليه قوله عليه الصّلاة و السّلام:«رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر».و فيه أنّ السّياق و سبب النّزول يأبيان ذلك،و الحديث الّذي ذكره لا أصل له،كما قال المحدّثون.

(5:121)

رشيد رضا :أي لا يكون القاعدون عن الجهاد بأموالهم بخلا بها و حرصا عليها،و بأنفسهم إيثارا للرّاحة و النّعيم على التّعب و ركوب الصّعاب في القتال،مساوين للمجاهدين الّذين يبذلون أموالهم في الاستعداد للجهاد بالسّلاح و الخيل و المئونة،و يبذلون أنفسهم بتعريضها للقتل في سبيل الحقّ،لأجل منع القتل في سبيل الطّاغوت،لأنّ المجاهدين هم الّذين يحمون أمّتهم و بلادهم،و القاعدين الّذين لا يأخذون حذرهم، و لا يعدّون للدّفاع عدّتهم،يكونون عرضة لفتك غيرهم بهم وَ لَوْ لا دَفْعُ اللّهِ النّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَفَسَدَتِ

ص: 239

اَلْأَرْضُ البقرة:251،بغلبة أهل الطّاغوت عليها، و ظلمهم لأهلها،و إهلاكهم للحرث و النّسل فيها.

فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ... هذا بيان لمفهوم عدم استواء المجاهدين و القاعدين غير أولي الضّرر،و هو أنّ اللّه تعالى رفع المجاهدين عليهم درجة،و هي درجة العمل الّذي يترتّب عليه دفع شرّ الأعداء عن الملّة و الأمّة و البلاد. وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى أي و وعد اللّه المثوبة الحسنى كلاّ من الفريقين المجاهدين و القاعدين عن الجهاد عجزا منهم عنه،و هم يتمنّون لو قدروا عليه فقاموا به،فإنّ إيمان كلّ منهما واحد و إخلاصه واحد.

و قدّم مفعول(وعد)الأوّل،و هو لفظ(كلاّ)لإفادة حصر هذا الوعد الكريم،في هذين الفريقين المتساويين في الإيمان و الإخلاص،المتفاضلين في العمل،لقدرة أحدهما و عجز الآخر.(5:350)

نحوه المراغيّ ملخّصا.(15:129)

الطّباطبائيّ: و أمر الآية في سياقها عجيب:أمّا أوّلا:فلأنّها قيّدت المجاهدين أوّلا بقوله: فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ، و ثانيا:بقوله: (بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ)، و ثالثا:أوردته من غير تقييد.

و أمّا ثانيا:فلأنّها ذكرت في التّفضيل أوّلا أنّها درجة،و ثانيا أنّها درجات منه.

أمّا الأوّل فلأنّ الكلام في الآية مسوق لبيان فضل الجهاد على القعود،و الفضل إنّما هو للجهاد إذا كان في سبيل اللّه لا في سبيل هوى النّفس،و بالسّماحة و الجود بأعزّ الأشياء عند الإنسان و هو المال،و بما هو أعزّ منه و هو النّفس،و لذلك قيل أوّلا: وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ ليتبيّن بذلك الأمر كلّ التّبيّن،و يرتفع به اللّبس،ثمّ لمّا قيل: وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ... لم تكن حاجة إلى ذكر القيود من هذه الجهة،لأنّ اللّبس قد ارتفع بما تقدّمه من البيان، غير أنّ الجملة لمّا قارنت قوله: وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى مسّت حاجة الكلام إلى بيان سبب الفضل، و هو إنفاق المال و بذل النّفس على حبّهما،فلذا اكتفى بذكرهما قيدا للمجاهدين،فقيل: (الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ)، و أمّا قوله ثالثا: وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ... فلم يبق فيه حاجة إلى ذكر القيود أصلا لا جميعها و لا بعضها،و لذلك تركت كلاّ.

و أمّا الثّاني:فقوله: فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً (درجة) منصوب على التّمييز،و هو يدلّ على أنّ التّفضيل من حيث الدّرجة و المنزلة،من غير أن يتعرّض أنّ هذه الدّرجة الموجبة للفضيلة واحدة أو أكثر،و قوله:

وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ... كأنّ لفظة(فضّل)فيه مضمّنة معنى الإعطاء أو ما يشابهه،و قوله: دَرَجاتٍ مِنْهُ بدل أو عطف بيان لقوله: أَجْراً عَظِيماً.

و المعنى:و أعطى اللّه المجاهدين أجرا عظيما مفضّلا إيّاهم على القاعدين،معطيا أو مثيبا لهم أجرا عظيما و هو الدّرجات من اللّه.فالكلام يبيّن بأوّله أنّ فضل المجاهدين على القاعدين بالمنزلة من اللّه مع السّكوت عن بيان أنّ هذه المنزلة واحدة أو كثيرة،و يبيّن بآخره أنّ هذه المنزلة ليست منزلة واحدة بل منازل و درجات كثيرة، و هي الأجر العظيم الّذي يثاب به المجاهدون.

ص: 240

و لعلّ ما ذكرنا يدفع به ما استشكلوه من إيهام التّناقض في قوله أوّلا:(درجة)و ثانيا:(درجات منه)، و قد ذكر المفسّرون للتّخلّص من الإشكال وجوها لا يخلو جلّها أو كلّها من تكلّف:

منها:أنّ المراد بالتّفضيل في صدر الآية:تفضيل المجاهدين على القاعدين أولي الضّرر بدرجة،و في ذيل الآية تفضيل المجاهدين على القاعدين غير أولي الضّرر بدرجات.

و منها:أنّ المراد بالدّرجة في صدر الآية:المنزلة الدّنيويّة كالغنيمة و حسن الذّكر و نحوهما،و بالدّرجات في آخر الآية:المنازل الأخرويّة،و هي أكثر بالنّسبة إلى الدّنيا،قال تعالى: وَ لَلْآخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجاتٍ الإسراء:

21.

و منها:أنّ المراد بالدّرجة في صدر الآية:المنزلة عند اللّه،و هي أمر معنويّ،و بالدّرجات في ذيل الآية:

منازل الجنّة و درجاتها الرّفيعة و هي حسّيّة،و أنت خبير بأنّ هذه الأقوال لا دليل عليها من جهة اللّفظ.

و الضّمير في قوله:(منه)لعلّه راجع إلى اللّه سبحانه، و يؤيّده قوله: وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً بناء على كونه بيانا للدّرجات،و المغفرة و الرّحمة من اللّه،و يمكن رجوع الضّمير إلى الأجر المذكور قبلا.

و قوله: وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً ظاهره كونه بيانا للدّرجات،فإنّ«الدّرجات»و هي المنازل من اللّه سبحانه أيّا ما كانت فهي مصداق المغفرة و الرّحمة،و قد علمت في بعض الباحث السّابقة أنّ الرّحمة-و هي الإفاضة الإلهيّة للنّعمة-تتوقّف على إزالة الحاجب و رفع المانع من التّلبّس بها،و هي المغفرة،و لازمه أنّ كلّ مرتبة من مراتب النّعم،و كلّ درجة و منزلة رفيعة مغفرة بالنّسبة إلى المرتبة الّتي بعدها،و الدّرجة الّتي فوقها، فصحّ بذلك أنّ الدّرجات الأخرويّة-كائنة ما كانت- مغفرة و رحمة من اللّه سبحانه،و غالب ما تذكر«الرّحمة» و ما يشابهها في القرآن تذكر معها«المغفرة»كقوله:

مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ المائدة:9،و قوله: وَ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ الأنفال:4،و قوله: مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ كَبِيرٌ هود:11،و قوله: وَ مَغْفِرَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رِضْوانٌ الحديد:20،و قوله: وَ اغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا البقرة:

286،إلى غير ذلك من الآيات.(5:46)

عبد الكريم الخطيب :و إذ ذكر القتل و القتال.

فقد استدعى ذلك ذكر الجهاد في سبيل اللّه؛إذ كان أكثر ما يكون القتل و إراقة الدّماء في هذا الوطن؛حيث يصطدم الحقّ بالباطل،و يلتقي المسلمون و الكافرون بسيوفهم.

و الجهاد أكرم الطّرق إلى اللّه،و أوسعها إلى مرضاته و رحماته.و منازل المسلمين تختلف باختلاف حظوظهم من البذل و التّضحية في هذا الموطن،موطن الجهاد في سبيل اللّه.فهناك مجاهدون بأموالهم و أنفسهم،و هناك قاعدون لم يجاهدوا بأموالهم أو أنفسهم،و هناك-بين هؤلاء و أولئك-مؤمنون لهم أعذار تحول بينهم و بين الجهاد بالمال أو بالنّفس،بأن كانوا فقراء،أو كانوا ذوي عاهات،تحجزهم عن حمل السّيف،و لقاء العدوّ.

و في قوله تعالى: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ... بيان لما بين المجاهدين في سبيل اللّه بأموالهم و أنفسهم،و بين

ص: 241

الّذين لم يجاهد و بأموالهم و أنفسهم-من ذوي الأعذار- من تفاوت في الفضل و المنزلة عند اللّه.

فهؤلاء الّذين أعطاهم اللّه المال و عافاهم في أنفسهم،فلم يفقدوا جارحة من جوارحهم العاملة،و لم يصابوا بمرض مقعد-هؤلاء إذا أدّوا حقّ اللّه في هذه النّعم الّتي أنعم بها عليهم في المال و في النّفس،فبذلوا المال في سبيل اللّه،و قدّموا أنفسهم للاستشهاد في سبيل اللّه-فقد استحقّوا جزاء المحسنين،و استوفوه كاملا.

أمّا هؤلاء الّذين لم يكن لهم مال ينفقونه في سبيل اللّه،أو قدرة بدنيّة على الجهاد بأنفسهم في سبيل اللّه، فهم-و إن كانوا و لا لوم عليهم،و لا مؤاخذة-لم يكسبوا ما كسبه المجاهدون بأموالهم و أنفسهم،و بهذا سبقهم هؤلاء المجاهدون بأموالهم و أنفسهم،في ميدان الفضل و الإحسان،و كانوا أعلى درجة عند اللّه منهم.و هذا ما يشير إليه قوله تعالى: فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ...

فهؤلاء و أولئك قد وعدهم اللّه الحسنى،و إن كان المجاهدون بأموالهم و أنفسهم أعلى درجة منهم في مقام الإحسان،الّذي هو حظّ مقسوم بين المسلمين الّذين آمنوا باللّه،و أدّوا للّه ما أمرهم به جهد طاقتهم، و ما وسعت أنفسهم.

أمّا الّذين آمنوا،و لم يجاهدوا بأموالهم و أنفسهم- و بين أيديهم المال،و معهم الصّحّة و العافية،و لكنّهم آثروا السّلامة و الدّعة،و بخلوا بما آتاهم اللّه من فضله- فهؤلاء قد بخسوا دينهم حقّه،و نزلوا عن درجات المؤمنين،على حين ارتفع المجاهدون بأموالهم و أنفسهم درجات.و بهذا كان البون بين الفريقين شاسعا،و المدى بعيدا،و هذا ما تضمّنه قوله سبحانه: وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ...

فهذا الأجر العظيم الّذي فضّل اللّه به المجاهدين على القاعدين،هو درجات كثيرة في مقام الإحسان،و مغفرة من اللّه و رحمة،تشتمل هؤلاء المجاهدين،و تبدّل سيّئاتهم حسنات: أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَ نَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ الأحقاف:16.(3:872)

مكارم الشّيرازيّ: تناولت الآيات السّابقة الحديث عن الجهاد،و الآيتان الأخيرتان تبيّنان التّمايز بين المجاهدين و غيرهم من القاعدين،فتؤكّد عدم التّساوي بين من يبذل المال و النّفس رخيصين في سبيل الهدف الإلهيّ السّامي،و بين من يقعده عن هذا البذل سبب آخر غير المرض الّذي يحول دونه و دون المشاركة في الجهاد لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ....

و واضح من هذه الآية أنّ المقصود بالقاعدين فيها هم أولئك المؤمنون بالإسلام الّذين لم يشاركوا في الجهاد في سبيله،بسبب افتقارهم إلى العزم الكافي لذلك،و تبيّن هنا أيضا أنّ الجهاد المقصود لم يكن واجبا عينيّا،فلو كان واجبا عينيّا لما تحدّث القرآن عن هؤلاء التّاركين للجهاد بمثل هذه اللّهجة المرنة،و لم يكن ليوعدهم بالثّواب.

و على هذا الأساس فإنّ فضل المجاهدين على القاعدين لا يمكن إنكاره حتّى لو كان الجهاد ليس واجبا عينيّا،و لا تشمل الآية بأيّ حال من الأحوال أولئك الّذين أحجموا عن المشاركة في الجهاد نفاقا،و عدوانا.

و يجب الانتباه-أيضا-إلى أنّ عبارة غَيْرُ أُولِي

ص: 242

اَلضَّرَرِ لها مفهوم واسع يشمل كلّ أولئك الّذين يعانون من نقص العضو أو المرض أو الضّعف الشّديد،ممّا يحرمهم من المشاركة في الجهاد،فهؤلاء مستثنون من ذلك.

و تكرّر الآية من جديد مسألة التّفاضل بشكل أوضح و أكثر صراحة،و تؤكّد في نهاية المقارنة أنّ اللّه وهب المجاهدين أجرا عظيما. وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ...

و لكن-كما أسلفنا-لمّا كان في الجانب المقابل لهؤلاء المجاهدين يقف أولئك الّذين لم يكن الجهاد بالنّسبة لهم واجبا عينيّا،أو لم يشاركوا في الجهاد بسبب مرض أو عجز أو علّة أخرى أعجزتهم عن هذه المشاركة،فلذلك و لأجل أنّ لا يغفل ما لهؤلاء من نيّة صالحة و إيمان و أعمال صالحة أخرى فقد وعدوا خيرا؛حيث تقول الآية الكريمة: ...وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى إلاّ أنّه من البديهيّ أنّ هناك فرقا شاسعا بين الخير الّذي وعد به المجاهدون، و بين ذلك الّذي يصيب القاعدين من العاجزين عن المشاركة في الجهاد.

و تبيّن الآية القرآنيّة في هذا المجال أنّ لكلّ عمل صالح نصيبا محفوظا من الثّواب لا يغفل و لا ينسى،خاصّة و هي تتحدّث عن قاعدين أحبّوا المشاركة في الجهاد و كانوا يرونه ساميا مقدّسا.و بما أنّ عدم كون هذا الجهاد واجبا عينيّا قد حال دون تحقّق هذا الهدف السّاميّ المقدّس،فإنّ أولئك الّذين قعدوا عن المشاركة فيه سينالون من الثّواب على قدر رغبتهم في المشاركة.

أمّا أولئك الّذين عجزوا عن المشاركة بسبب عاهة أو مرض إلاّ أنّهم كانوا يرغبون في الاشتراك في الجهاد برغبة جامحة،بل كانوا يعشقون الجهاد،لذلك فإنّ لهم أيضا سهما و نصيبا لا ينكر من ثواب المجاهدين،كما جاء في حديث مرويّ عن الرّسول صلّى اللّه عليه و آله يخاطب فيه جند الإسلام،فيقول:«لقد خلّفتم في المدينة أقواما ما سرتم مسيرا و لا قطعتم واديا إلاّ كانوا معكم،و هم الّذين صحّت نيّاتهم و نصحت جيوبهم و هوت أفئدتهم للجهاد،و قد منعهم عن المسير ضرر أو غيره».

و بما أنّ أهمّيّة الجهاد في الإسلام بالغة جدّا،لذلك تتطرّق الآية مرّة أخرى للمجاهدين،و تؤكّد بأنّ لهم أجرا عظيما يفوق كثيرا أجر القاعدين عن الجهاد عن عجز وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ....

و تشرح الآية التّالية-و هي الآية(96)من سورة النّساء-نوع هذا الأجر العظيم فتقول أنّه: دَرَجاتٍ مِنْهُ وَ مَغْفِرَةً وَ رَحْمَةً.

فلو أنّ أفرادا من بين المجاهدين تورّطوا في زلّة أثناء أدائهم لواجبهم فندموا على تلك الزّلّة،فقد وعدهم اللّه بالمغفرة و العفو؛حيث يقول في نهاية الآية: وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً.

نكات مهمّة حول المجاهدين:
اشارة

1-لقد كرّرت الآية(95)عبارة المجاهدين ثلاث مرّات:

في المرّة الأولى ذكر(المجاهدون)مع الهدف و الوسيلة الخاصّة بالجهاد: اَلْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ....

و في الثّانية:ذكر اسم المجاهدين مقرونا بوسيلة

ص: 243

الجهاد و لم يذكر شيء عن الهدف: اَلْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ...

و أمّا في المرحلة الأخيرة فقد جاءت الآية باسم المجاهدين فقط؛حيث يدلّ ذلك بوضوح على الأسلوب البلاغيّ الرّفيع في الكلام القرآنيّ،حيث يتعرّف السّامع شيئا فشيئا بواسطته على الموضوع،و تخفّ قيوده و صفاته لديه،و تصل درجة التّعرّف إلى مرحلة يفهم السّامع بها كلّ شيء من خلال إشارة واحدة.

2-لقد ذكرت الآية في البداية تفوّق المجاهدين على القاعدين بعبارة مفردة،و هي(درجة)بينما في الآية التّالية جاءت هذه العبارة بصيغة الجمع(درجات) و جليّ أن لا تناقض بين هاتين العبارتين،لأنّ القصد من العبارة الأولى تبيان تفوّق المجاهدين على غيرهم،و لكنّ العبارة الثّانية تشرح هذا التّفوّق حين تقترن بذكر عبارات(المغفرة)و(الرّحمة)،و بعبارة أخرى فإنّ الفرق بين هاتين العبارتين(درجة)و(درجات)هو الفرق بين المجمل و المفصّل.

كما يمكن الاستفادة من عبارة(درجات)على أنّها تعني أنّ المجاهدين ليسوا كلّهم في درجة أو مستوى واحد،بل تختلف درجاتهم باختلاف درجة إخلاصهم و تفانيهم و تحمّلهم للمشاقّ،و تختلف بذلك منزلتهم المعنويّة،لأنّه من البديهيّ أنّ الّذين يجاهدون الأعداء في صفّ واحد ليسوا جميعا بمستوى جهاديّ واحد،كما تختلف درجات الإخلاص لدى كلّ واحد منهم بالقياس إلى أمثالهم،و لذلك فإنّ لكلّ واحد منهم ثوابا خاصّا به يتناسب مع عمله الجهاديّ و نيّته في هذا العمل.

الأهمّيّة البالغة للجهاد:

إنّ الجهاد قانون عامّ في عالم الخليقة،فإنّ كلّ مخلوق سواء كان من النّباتات أو الحيوانات يسعى لإزالة ما يعترض طريقه من موانع بواسطة الجهاد،لكي يستطيع كلّ واحد منهم بلوغ الكمال المطلوب في التّكوين.

و على سبيل المثال:فجذر النّبات الّذي ينشط للحصول على الغذاء و الطّاقة بصورة دائمة،لو ترك نشاطه هذا و كفّ عن السّعي،لاستحال عليه إدامة حياته،و لذلك فإنّ هذا الجذر حين يعترض طريقه مانع في عمق الأرض يحاول تخطّيه بثقبه.و العجيب هنا أنّ الجذور الرّقيقة تعمل في مثل هذه الحالة كالمسمار الفولاذيّ في ثقب الموانع الّتي تعترضها،فلو عجزت في هذا المجال لحرّفت طريقها و اجتازت المانع عن طريق الالتفاف حوله.

و في داخل وجود الإنسان أيضا هناك صراح غريب من نوعه،و هو دائم ما دام الإنسان حيّا،و هو الصّراع الرّائد بين كريّات الدّم البيضاء و الأجسام المعادية المهاجمة،كيف لو أنّ هذا الصّراع توقّف لساعة واحدة و تخلّت الكريات البيض عن الدّفاع،لتسلّطت الجراثيم و المكروبات المتنوّعة على كافّة أجهزة جسم الإنسان و لعرّضت حياته إلى الخطر.

إنّ ما هو موجود في أوساط المجتمعات و القوميّات و الشّعوب في العالم من كفاح من أجل البقاء،هو عين ذلك الكفاح و الجهاد الّذي لمسناه في النّبات و في جسم الإنسان.و على هذا الأساس فإنّ كلّ من يواصل الجهاد و الجذب،تكون الحياة من نصيبه،و هو منتصر دائما.

ص: 244

أمّا الّذين تلهيهم عن الجهاد الأهواء و الملذّات و الشّهوات و الأنانيّة و حبّ الذّات،فلن ينالهم غير الفناء و الدّمار عاجلا أو آجلا،و سيحلّ محلّهم أناس يمتازون بالحيويّة و النّشاط و الكفاح الدّءوب.

و هذا هو الشّيء الّذي يؤكّد عليه رسول اللّه محمّد صلّى اللّه عليه و آله؛إذ يقول:«فمن ترك الجهاد ألبسه اللّه ذلاّ و فقرا في معيشته،و محقّا في دينه،إنّ اللّه أعزّ أمّتي بسنابك خيلها و مراكز رماحها» (1).

و يقول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في مناسبة أخرى:«اغزوا تورثوا أبناءكم مجدا» (2).

أمّا أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب عليه السّلام فهو يقول في مستهلّ خطبته عن الجهاد:«فإنّ الجهاد باب من أبواب الجنّة،فتحه اللّه لخاصّة أوليائه،و هو لباس التّقوى،و درع اللّه الحصينة،و جنّته الوثيقة،فمن تركه رغبة عنه ألبسه اللّه ثوب الذّلّ و شمله البلاء،و ديّث بالصّغار و القماء...» (3).

و يجب الالتفات إلى أنّ الجهاد لا يقتصر معناه على الحرب أو القتال المسلّح،بل هو أيضا كلّ سعي حثيث و جهد جهيد يبذل من أجل التّقدّم نحو تحقيق الأهداف المقدّسة الإلهيّة.و من هذا المنطلق فإنّه بالإضافة إلى الحروب الدّفاعيّة أو الهجوميّة-أحيانا-فإنّ الكفاح العلميّ و المنطقيّ و الاقتصاديّ و الثّقافيّ و السّياسيّ يعتبر نوعا من الجهاد.(3:351)

الوجوه و النّظائر

مقاتل: تفسير«الجهاد»على ثلاثة وجوه:

فوجه منها:الجهاد بالقول،فذلك قوله: وَ جاهِدْهُمْ بِهِ يعني القرآن جِهاداً كَبِيراً الفرقان:52،و قال:

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَ الْمُنافِقِينَ التّوبة:73، و التّحريم:9،بالقول،مثلها في (لِمَ تُحَرِّمُ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكَ) التّحريم:1.

و الوجه الثّاني:الجهاد يعني القتال بالسّلاح،فذلك قوله: لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ يعني الّذين يقاتلون في سبيل اللّه وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ...

الّذين يقاتلون في سبيل اللّه عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً النّساء:95.

و الوجه الثّالث:الجهاد يعني العمل،فذلك قوله:

وَ مَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ العنكبوت:6، يعني من يعمل الخير فإنّما يعمل لنفسه،إيّاه ينفع ذلك، و قال أيضا: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا العنكبوت:69، يعني عملوا لنا،و كقوله: وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ الحجّ:78،يعني اعملوا للّه حقّ عمله.(290)

مثله هارون الأعور(319)،و نحوه الحيريّ(178)، و الدّامغانيّ(221).

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجهاد،أي الأرض الصّلبة و المستوية،و الجمع:جهد،و أرض جهاد:فضاء و براز.

ص: 245


1- الوسائل-كتاب الجهاد:ج 2/1 و 16.
2- الوسائل-كتاب الجهاد:ج 2/1 و 16.
3- نهج البلاغة-الخطبة:27.

يقال:أجهدت لك الأرض،أي برزت،و أجهد لك الطّريق:برز،و أجهد القوم لي:أشرفوا.و يقال مجازا:

أجهد لك الحقّ،أي ظهر و وضح،و أجهد لك الأمر:

أمكنك و أعرض لك.

و منه:الجهاد:محاربة الأعداء،و هو التّصلّب في قتالهم،تشبيها بالأرض الجهاد،و قيّد في الإسلام بالقتال في سبيل اللّه.يقال:جاهد العدوّ مجاهدة و جهادا،أي قاتله،و جاهد في سبيل اللّه.

و الجهد و الجهد:الطّاقة و الغاية؛يقال:هذا جهدي،أي طاقتي.و هو مشتقّ من الجهاد،لما فيه من مشقّة و إفراغ الوسع.يقال:اجهد جهدك في هذا الأمر، أي ابلغ غايتك،و جهد جاهد:مبالغة في الجدّ مثل:

«شعر شاعر»،و جهدت جهدي،و اجتهدت رأيي و نفسي حتّى بلغت مجهودي،و جهد الرّجل في كذا:جدّ فيه و بالغ،و قد جهد يجهد جهدا و اجتهد:جدّ،و أجهدوا علينا العداوة:جدّوا.و جهد الرّجل:وجد مشقّة، و أجهد:أوقع في الجهد فهو مجهد،و جهده المرض و التّعب و الحبّ يجهده جهدا:هزله.و جهدت فلانا:بلغت مشقّته،و أجهدته على أن يفعل كذا و كذا و جهد دابّته جهدا و أجهدها:بلغ جهدها و حمل عليها في السّير فوق طاقتها،و رجل مجهد:ذو دابّة ضعيفة من التّعب.

و أجهد فيه الشّيب إجهادا:بدا فيه و كثر،و جهد بالرّجل:امتحنه عن الخير و غيره،و بلغت به الجهد،إذا بلغت به الغاية.

و هذه بقلة لا يجهدها المال:لا يكثر منها،و هذا كلاّ يجهده المال:يلحّ على رعيّته،و مرعى جهيد:جهده المال.و جهدت الطّعام:أكثرت من أكله،و جهدته أيضا:

أخرجت زبده،فهو مجهود،و المجهود:المشتهى من الطّعام و اللّبن؛يقال:جهدت الطّعام:اشتهيته،فأنا جاهد،أي شهوان،و جهد الطّعام و أجهد:اشتهي.

و الجهد:الشّيء القليل يعيش به المقلّ على جهد العيش.يقال:أصابهم قحوط من المطر فجهدوا جهدا شديدا،و جهد النّاس:أجدبوا فهم مجهودون،و جهد عيشهم:نكد و اشتدّ.

2-و الاجتهاد في الفقه:بذل الوسع و استفراغه من قبل الفقيه،لاستحصال ظنّ بحكم شرعيّ،اعتمادا على الكتاب و السّنّة عند الإماميّة،و ضمّ القياس إلى هذه -محلّ العقل-عند الجمهور،عدا أهل الحديث منهم، و الاجتهاد بهذا المعنى حقيقة شرعيّة،لا لغويّة كالجهاد بمعنى القتال في سبيل اللّه.

3-و زعم محمّد العدنانيّ صاحب«معجم الأغلاط اللّغويّة المعاصرة»أن لا مانع من جمع الجهد و الجهد على«جهود»،و ادّعى أنّ«كلّ اسم ثلاثيّ،ساكن العين، مضموم الفاء يجمع على«فعول»دائما،بشرط ألاّ يكون معتلّ العين مثل:حوت،و لا معتلّ اللاّم مثل:مدي، و لا مضعّف اللاّم مثل:مدّ».

و لكنّ جمع«فعل»على«فعول»في الأسماء غير المعتلّة و المضعّفة لا يطّرد دائما،لأنّ كثيرا منها ليس كذلك،مثل:درج و رمح و غيرهما،غير أنّ ما ذكره يلتزم في«فعل»غالبا،مثل:كبد و كبود.

ثمّ إنّ الجهد و الجهد ليسا اسمي ذات،مثل:القفل و القرط،بل هما اسما معنى،مثل:البخل و البغض،

ص: 246

و المشهور بين أرباب اللّغة أنّ المصادر لا تجمع،و لذا سكتت المعاجم اللّغويّة قاطبة عن جمعهما.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الماضي(15)مرّة و المضارع(5)مرّات و الأمر(5)مرّات أيضا و اسم الفاعل جمعا(4)مرّات و المصدر(6)مرّات و مزيدا(4)مرّات في(35)آية:

1- وَ وَصَّيْنَا الْإِنْسانَ بِوالِدَيْهِ حُسْناً وَ إِنْ جاهَداكَ لِتُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ العنكبوت:8

2- وَ إِنْ جاهَداكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلا تُطِعْهُما وَ صاحِبْهُما فِي الدُّنْيا مَعْرُوفاً وَ اتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنابَ إِلَيَّ ثُمَّ إِلَيَّ مَرْجِعُكُمْ فَأُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ لقمان:15

3- وَ مَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ العنكبوت:6

4- وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا وَ إِنَّ اللّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ العنكبوت:69

5- أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصّابِرِينَ

آل عمران:142

6- أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا وَ لَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ لَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ وَ لا رَسُولِهِ وَ لاَ الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً وَ اللّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ

التّوبة:16

7- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ

التّوبة:73

8- فَلا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ جاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً الفرقان:52

الهجرة و الجهاد في سبيل اللّه:

9- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ ابْتَغُوا إِلَيْهِ الْوَسِيلَةَ وَ جاهِدُوا فِي سَبِيلِهِ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ

المائدة:35

10- ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ هاجَرُوا مِنْ بَعْدِ ما فُتِنُوا ثُمَّ جاهَدُوا وَ صَبَرُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ

النّحل:110

11- وَ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْ بَعْدُ وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا مَعَكُمْ فَأُولئِكَ مِنْكُمْ وَ أُولُوا الْأَرْحامِ بَعْضُهُمْ أَوْلى بِبَعْضٍ فِي كِتابِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ الأنفال:75

12- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ يُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ لا يَخافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذلِكَ فَضْلُ اللّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ المائدة:54

13- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ الَّذِينَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أُولئِكَ يَرْجُونَ رَحْمَتَ اللّهِ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ

البقرة:218

14- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَ عَدُوَّكُمْ أَوْلِياءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ قَدْ كَفَرُوا بِما جاءَكُمْ مِنَ الْحَقِّ يُخْرِجُونَ الرَّسُولَ وَ إِيّاكُمْ أَنْ تُؤْمِنُوا بِاللّهِ رَبِّكُمْ إِنْ كُنْتُمْ خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي وَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِي

ص: 247

تُسِرُّونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ وَ أَنَا أَعْلَمُ بِما أَخْفَيْتُمْ وَ ما أَعْلَنْتُمْ وَ مَنْ يَفْعَلْهُ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَواءَ السَّبِيلِ الممتحنة:1

15- أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ جاهَدَ فِي سَبِيلِ اللّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللّهِ وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ

التّوبة:19

16- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ الأنفال:74

17- وَ إِذا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ أَنْ آمِنُوا بِاللّهِ وَ جاهِدُوا مَعَ رَسُولِهِ اسْتَأْذَنَكَ أُولُوا الطَّوْلِ مِنْهُمْ وَ قالُوا ذَرْنا نَكُنْ مَعَ الْقاعِدِينَ التّوبة:86

الجهاد بالأموال و الأنفس:

18- لا يَسْتَأْذِنُكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ وَ اللّهُ عَلِيمٌ بِالْمُتَّقِينَ التّوبة:44

19- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ... الحجرات:15

20- لكِنِ الرَّسُولُ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ وَ أُولئِكَ لَهُمُ الْخَيْراتُ...

التّوبة:88

21- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ الَّذِينَ آوَوْا وَ نَصَرُوا أُولئِكَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ... الأنفال:72

22- اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ هاجَرُوا وَ جاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللّهِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ التّوبة:20

23- تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ تُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الصّفّ:11

24- فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللّهِ وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ قالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ التّوبة:81

25- اِنْفِرُوا خِفافاً وَ ثِقالاً وَ جاهِدُوا بِأَمْوالِكُمْ وَ أَنْفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ التّوبة:41

26- لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ وَ الْمُجاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ عَلَى الْقاعِدِينَ دَرَجَةً وَ كُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنى وَ فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً النّساء:95

27- وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ الحجّ:78

جهاد و جهد:

28- قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ وَ إِخْوانُكُمْ وَ أَزْواجُكُمْ وَ عَشِيرَتُكُمْ وَ... أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهادٍ فِي سَبِيلِهِ... التّوبة:24

29- وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ أَمَرْتَهُمْ لَيَخْرُجُنَّ قُلْ لا تُقْسِمُوا طاعَةٌ مَعْرُوفَةٌ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِما

ص: 248

تَعْمَلُونَ النّور:53

30- وَ يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَ هؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ المائدة:53

31- وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها قُلْ إِنَّمَا الْآياتُ عِنْدَ اللّهِ وَ ما يُشْعِرُكُمْ أَنَّها إِذا جاءَتْ لا يُؤْمِنُونَ الأنعام:109

32- وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لا يَبْعَثُ اللّهُ مَنْ يَمُوتُ بَلى وَعْداً عَلَيْهِ حَقًّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ النّحل:38

33- وَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ لَئِنْ جاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمّا جاءَهُمْ نَذِيرٌ ما زادَهُمْ إِلاّ نُفُوراً فاطر:42

جهد:

34- اَلَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ وَ الَّذِينَ لا يَجِدُونَ إِلاّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ التّوبة:79

35- وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصّابِرِينَ وَ نَبْلُوَا أَخْبارَكُمْ محمّد:31

و يلاحظ أوّلا:أنّ«الجهاد»جاء بمعناه اللّغويّ،و هو الجهد مرّات و هو إفراغ الوسع في عمل الشّرّ في(1 و 2) و عمل الخير و تحمّل المشقّة حسب الطّاعة،في غيرهما لكنّ باب«المفاعلة»بين اثنين،فالمجاهدة تستدعي طرفا و هو إمّا العدوّ الخارجيّ-كما جاء في أكثر الآيات-أو العدوّ الدّاخليّ،أي جهاد النّفس-و هو أشقّها و أصعبها.

و سمّي في الحديث بالجهاد الأكبر بإزاء الجهاد الأصغر أي القتال-أمّا«الجهد»بالفتح،فهو إفراغ الوسع بلا مقابل أو مطلقا.و أمّا«الجهد»بالضّمّ،فهو-كما قالوا-الطّاقة، و أصله:تحمّل المشقّة بقدر الطّاقة.

و ثانيا:أنّ الجهاد و المجاهدة يتعدّيان طبعا إلى مفعول مثل(1 و 2) (وَ إِنْ جاهَداكَ) و(7 و 8) جاهِدِ الْكُفّارَ وَ الْمُنافِقِينَ و جاهِدْهُمْ. و لكن المفعول لم يذكر في أكثر الآيات بل يعلم من السّياق،و جاء بدله(فى سبيل اللّه)غير مرّة أو(فى سبيله)(9)أو(فى سبيلى) (14)أو(فينا)(4)أو(فى اللّه)(27).و هذا القيد هو ميزة الجهاد القرآنيّ و القتال الإسلاميّ عن كلّ ما يصدر عن غير المؤمنين من القتال في غير سبيل اللّه،كما قال:

اَلَّذِينَ آمَنُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِ الطّاغُوتِ النّساء:76.

فالقرآن يدعو إلى الهجرة و الجهاد و القتال و الشّهادة و الإنفاق و كلّ عمل خير في سبيل اللّه،لاحظ «س ب ل:سبيل اللّه»و هذا هو حقيقة التّوحيد في الأعمال و النّيّات.

ثالثا:جاء الجهاد بالأموال و الأنفس في(9)آيات (18-26)و الأموال مقدّمة على الأنفس دائما جريا على ما هو المعتاد عند النّاس،فالمؤمن يضحّي و يجاهد أوّلا بماله،ثمّ بنفسه،و استثنى منها قوله: إِنَّ اللّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَ أَمْوالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ... التّوبة:111،و سرّه أنّ الاشتراء من قبل اللّه يبدأ بما هو أغلى و هو النّفس،ثمّ يتنزّل إلى الأرخص بخلاف جهاد النّاس فإنّهم يبدءون بما هو أرخص-و هو المال-ثمّ ينتهون إلى ما هو أغلى-و هو النّفس-لاحظ

ص: 249

«ش ري»و«ش ه د».

رابعا:جاء في 5 آيات(10 و 11 و 13 و 16 و 22) الجهاد و الهجرة معا و الهجرة مقدّمة على الجهاد،لأنّ الجهاد في الإسلام وقع بعد الهجرة فلم يكن جهاد و قتال قبل الهجرة،و هما معا علامة صدق الإيمان،كما قال في (16) أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لاحظ«ه ج ر».

خامسا:جاء في(5)آيات:(29-33) أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ و فيها بحوث:

1-(جهد)منصوب لأنّه مصدر مؤكّد ل(اقسموا) من غير لفظه،أي أقسموا قسما مؤكّدا بالغا الغاية.أو هو مصدر مؤكّد لفعل محذوف،أي أقسموا باللّه يجهدون جهد الأيمان.و الجملة حال من فاعل(اقسموا)أي «أقسموا باللّه مجتهدين في أيمانهم»فأقيم المصدر المؤكّد مقام الفعل الّذي كان حالا،فينصب لكونه مصدرا مؤكّدا،لا لكونه حالا-كما قيل-مع أنّه معرفة بالإضافة إلى«الأيمان»،و الحال نكرة دائما.لكن لم يبال بعضهم بذلك،لأنّه في التّأويل نكرة!!

و على كلّ حال فمعناها أنّهم أقسموا باللّه بأغلظ الأيمان.

2-الآيتان(29 و 30)منها مدنيّتان و الّذين أقسموا بها-بشهادة السّياق-هم المنافقون،فإنّهم كانوا يغلظون الأيمان إغفالا للنّبيّ و المؤمنين بزعمهم،لكنّهم خسروا في أمنيّتهم كما تشهد به الآيتان،فإنّ النّبيّ و المؤمنين لم يخدعوا،و تفرّسوا كذبهم و كيدهم.و الآيات الثّلاث بعدهما مكّيّات.و الّذين أقسموا بها هم المشركون،دعما لكفرهم بالبعث و بالرّسالة.

3-و التّشابه في الآيتين بين الفريقين-المشركين و المنافقين-في لحن الكلام يحكي عن وحدة العقيدة بينهم في الكفر،و قد جمع اللّه بين الفريقين في آيات مثل:

إِنَّ اللّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَ الْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً النّساء:140،و يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَ الْمُنافِقِينَ... التّوبة:73.

سادسا:جاء في(34) لا يَجِدُونَ إِلاّ جُهْدَهُمْ و فيها بحوث:

1-قرأت بفتح الجيم و ضمّه.قال الطّبريّ:«و على الضّمّ قراءة الأمصار،و ذلك هو الاختيار عندنا،لإجماع الحجّة من القرّاء عليه».و قد حكى الطّبريّ و غيره أنّ الضّمّ لغة أهل الحجاز،و الفتح لغة نجد و غيرها كالوجد و الوجد،و الضّعف و الضّعف،و كما قيل:«جهد المقلّ و جهد المقلّ».

2-و على هذا القول فكلاهما مصدر بمعنى واحد-كما قال البصريّون-و هو الجدّ في العمل.و قيل:إنّ الجهد في العمل،و الجهد في المعيشة،و قيل:الجهد:الطّاقة، و الجهد:المشقّة.و قال المصطفويّ:«الظّاهر أنّ الجهد بالضّمّ اسم مصدر من الجهد-و هو مصدر-كالغسل و الغسل،و أنّ تفسيرهما بالوسع و الطّاقة و المشقّة أو النّهاية أو الغاية،أو الاشتهاء أو غيرها،تفسير باللّوازم و خروج عن الحقيقة».

و لا شاهد لشيء من هذه الفروق،و اللّغة لا تقاس، و كونهما لغتان بمعنى واحد-كما نصّ عليه كثير منهم-هو الأقرب،لكن يبقى السّؤال بأنّه لم اختلفت القراءة في هذه الآية دون غيرها؟

ص: 250

3-هذه الآية في سياق آيات تدين المنافقين بما كانوا يلومون الفقراء من المؤمنين الّذين كانوا يطوّعون بالصّدقات ممّا لا يجدون إلاّ جهدهم،فيسخرون بهم بذلك،فقابلهم اللّه ب سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ و هذه نظير: وَ إِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ* اَللّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ... البقرة:14، 15.

فالجهد فيها في المعيشة خلافا لمن خصّه بالعمل،و لو عكس لكان موافقا للآية.

4-هذه الآية الّتي قرئت بالضّمّ سياقها مدح، و آيات الجهد سياقها ضمّ،فهل هذا يعدّ فارقا بين الفتح و الضّمّ؟

سابعا:و جاء(جهاد)(4)مرّات باختلاف،و فيها بحوث:

1-ثلاث منها مفعول و منصوب:أوّلها(14):

خَرَجْتُمْ جِهاداً فِي سَبِيلِي و هذا مفعول له ل(خرجتم)، أو مؤكّد بفعل محذوف،أي خرجتم و جاهدتم جهادا في سبيلي،أو حال منه،أي خرجتم مجاهدين في سبيلي.

و ذكر الطّبرسيّ(5:269)،الوجه الأوّل و الأخير فقط.

و الأوّل أقرب سياقا،لا سيّما بملاحظة وَ ابْتِغاءَ مَرْضاتِي و عطفه على(جهادا في سبيلى)،و تأتي في إعرابه الوجوه الثّلاثة،أي لابتغاء مرضاتي،أو ابتغيتم ابتغاء مرضاتي،أو مبتغين مرضاتي.

و اثنتان منها مفعول مؤكّد لفعل من لفظه،ففي(8):

وَ جاهِدْهُمْ بِهِ جِهاداً كَبِيراً و في(27): وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ... و كأنّهما يفسّران بعضهما البعض، فإنّ(جهادا كبيرا)هو(حقّ جهاده)و(حقّ جهاده)هو (جهاد كبير).و يؤيّده ما جاء في تفسيرهما،فقد فسّروا (جهادا كبيرا)ب«تامّا شديدا».

أو«إنّ النّبيّ مبعوث إلى كافّة البشر فجهاده من أكبر الجهاد في قبال جهاد سائر الأنبياء،لأنّهم مبعوثون إلى أممهم خاصّة-على كلام في بعضهم-فجهاده يتحمّل المشاقّ العظام،كما قال:«ما أوذي نبيّ مثل ما أوذيت».

أو جاهدهم بالشّدّة و العنف لا بالملاءمة و المداراة» و غيرهما ممّا جاء في النّصوص.

و فسّروا(حقّ جهاده)بأن يطاع اللّه فلا يعصى، و يذكر فلا ينسى،و يشكر فلا يكفر،أو يكون صادقة خالصة،أو هو استفراغ الطّاقة فيه،و نحوها.

و جاء(جهاد)في واحدة منها:(28): أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهادٍ فِي سَبِيلِهِ مجرورا عطفا على (اللّه و رسوله)و معناها أنّ حبّ اللّه و الرّسول صادق إذا اقترن بالجهاد في سبيل اللّه.و تنكيره إمّا للتّعظيم،أو الإبهام ليذهب ذهن السّامع إلى كلّ مذهب ممكن،أو للتّقليل إعلاما بأنّ حبّهما لا يخلو عن شيء من الجهاد، فمن ادّعى حبّهما من دون جهاد فهو غير صادق في ادّعائه.

ثامنا:جاء الوصف منها جمعا(4)مرّات:ثلاث منها في(26)و واحدة في(35)و فيها بحوث:

1-قابل اللّه في(26)بين القاعدين عن الجهاد غير أولي الضّرر-و هم الّذين لم يتخلّفوا عن الجهاد نفاقا و عداء-و بين المجاهدين بأموالهم و أنفسهم في سبيل اللّه، فأعلن أوّلا:أنّ هؤلاء و هؤلاء لا يستوون عند اللّه، و ثانيا:بأنّ اللّه فضّل المجاهدين على هؤلاء القاعدين

ص: 251

درجة،و أنّه وعدهم جميعا بالحسنى،و ثالثا:بأنّه فضّل المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما،ثمّ فضّلهم عليهم درجات.

فيبدو أنّ اللّه استمال هؤلاء القاعدين و داراهم في موضعهم من الإيمان حتّى لا ييأسوا بتاتا،فرقا بينهم و بين المنافقين،فالتّدرّج في بيان فضل المجاهدين فيه حكمة، و هي التّعاطف مع القاعدين غير أولي الضّرر،و فرقا بينهم و بين القاعدين الّذين جاء وصفهم في(24):

فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللّهِ....

2-لقد كرّر فيها كلّ من المجاهدين و القاعدين ثلاث مرّات:مرّة رفعا و قدّم فيها القاعدون تعاطفا معهم، و مرّتين نصبا مع تقديم المجاهدين تفضيلا لهم على القاعدين:مرّة بدرجة،و مرّة بدرجات.و قد ذكروا في النّصوص وجوها لاختلاف«درجة و درجات»،لاحظ:

«د ر ج».

3-و قد جاء في شأن نزول هذه الآية ما تقدّم في النّصوص،كما جاء في التّفاسير معنى غَيْرُ أُولِي الضَّرَرِ لاحظ:«ض ر ر،و ف ض ل،و ق ع د:

قاعدين».

تاسعا:جمع اللّه بين الجهاد و الصّبر في 3 آيات (5 و 10 و 35)إعلاما بالملازمة بينهما،لاشتمالهما على تحمّل المشقّة و الجهد روحا و جسدا و ظاهرا و باطنا، و على الإخلاص و الصّدق عملا و خلقا.ففي(5): وَ لَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصّابِرِينَ و في (35): حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصّابِرِينَ و في(10): ثُمَّ جاهَدُوا وَ صَبَرُوا و فيها بحوث:

1-قدّم الجهاد فيها على الصّبر،لأنّ الجهاد و القتال بدء أوّلا بلا مشقّة أو بقليل منها،ثمّ يواجه دوامه المشقّات،و لا يدوم إلاّ بالصّبر عليها،فالصّبر تبع لدوام الجهاد و لمواجهة المشقّات.

2-جاء(5 و 35)كلاهما جمعا بلفظ(الصّابرين) فيهما،و بلفظ(المجاهدين)في(35)و هما مشعران بدوامهما حتّى كأنّهما-أي الجهاد و الصّبر-صارا طبيعة لهم و بلفظ اَلَّذِينَ جاهَدُوا في(5)أي من يجاهد في قبال من لا يجاهد.و لكن السّياق فيها دالّ على الدّوام و الثّبات أيضا.

3-جاء فيهما الجهاد و الصّبر عقيب الابتلاء صريحا أو إيماء،ففي(35) وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ حَتّى نَعْلَمَ الْمُجاهِدِينَ مِنْكُمْ وَ الصّابِرِينَ و في(5): أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَ لَمّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ وَ يَعْلَمَ الصّابِرِينَ.

4-الابتلاء عند النّاس لتحصيل العلم بالشّيء و لكنّ اللّه عالم بالأشياء قبل تحقّقها.فالعلم هنا ليس عن جهل،بل هو تعبير عن تحقّق علمه الأزليّ بالفعل،و لهذا قالوا:إنّ العلم في أمثالها من اللّه هو تحقّق للمعلوم خارجا،لا حصول العلم له بعد الجهل به،لاحظ«ع ل م، و ب ل ي:ابتلاء».

5-الابتلاء و كذا الدّوام مستفاد من(10)أيضا سياقا؛حيث أعلن فيها بأنّ اللّه بوصفه ربّك-و هذا اللّفظ دائما دالّ على نهاية لطفه تعالى بالنّبيّ عليه السّلام-يواجه بكلّ خير الّذين هاجروا من بعد ما فتنوا ثمّ جاهدوا و صبروا، إلاّ أنّ سوقها حكاية للماضي،فأتى بكلّ من الهجرة و الجهاد و الصّبر بلفظ الماضي،مشعرا بأنّها جميعا صدرت عن صدق إيمانهم و ثبات عقيدتهم،و أنّ لهم قدم

ص: 252

راسخ فيها.

عاشرا:الجهاد في سبيل اللّه من أعظم الطّاعات و أكبر العبادات،و قد جاء في فضله و أجره و فيمن تخلّف عنه ما يأتي من الأجر و العذاب:

ألف-أجر المجاهدين:

1- مَنْ جاهَدَ فَإِنَّما يُجاهِدُ لِنَفْسِهِ لا للّه لأنّه غنيّ عن العالمين(3).

2-إنّ اللّه يهدي المجاهدين إلى سبله و يجعله من المحسنين(4).

3-إنّ اللّه خبير بما يعمل المجاهدون(6 و 11 و 14).

4-إنّهم يرجون أن يكونوا من المفلحين(7).

5-إنّ اللّه غفور و رحيم بهم(10 و 13)و لهم مغفرة و رزق كريم(13).

6-أولئك يرجون رحمة اللّه(14).

7-أولئك هم المتّقون(11).

8-أولئك هم المؤمنون(15 و 19).

9-أولئك لهم الخيرات(20)و ذلك خير لهم (23 و 25).

10-المجاهدون بعضهم أولياء بعض(21).

11-هم أعظم درجة عند اللّه و أولئك هم الفائزون.

(22).

12-لا يستوي المجاهدون و الّذين يتصدّون لسقاية الحجّ و عمارة المسجد الحرام(15).

13-لا يستوي المجاهدون و القاعدون غير أولي الضّرر بل فضّل المجاهدين عليهم درجة و درجات أجرا عظيما(26)و أنّ الجهاد فضل اللّه يؤتيه من يشاء و اللّه واسع عليم(12).

14-لهم أجر عظيم(26).

15-إنّ اللّه اجتبى المجاهدين و هم ملّة إبراهيم(27).

ب-عذاب من تخلّف عن الجهاد:

1-إنّهم من الظّالمين(15)و من الفاسقين و لا يهديهم اللّه(28).

2-لهم نار جهنّم و هي أشدّ حرّا من حرّ الدّنيا(24).

3-اللّه خبير بما يعملون(29).

4-حبطت أعمالهم و أصبحوا خاسرين(30).

5-و من هذا القبيل ما جاء في التّخلّف عن الجهاد مثل: ما كانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَ مَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الْأَعْرابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللّهِ التّوبة:120.

ج-و من قبيل آيات الجهاد و ترغيبا و تحذيرا آيات القتال و هي أكثر منها.

و على الجملة فالقرآن يؤكّد الجهاد أكثر من سائر الشّرائع و آياته أضعاف آيات كلّ واحدة منها عددا، و هذا شاهد على عظمه و الاهتمام به عند اللّه تعالى،فبه يقام و ينبسط و يتقوّم عمود الدّين،و هو-كما قال عليّ عليه السّلام-باب من أبواب الجنّة،فتحها اللّه لخاصّة أوليائه...و هو من أعظم أبواب العبادات في الفقه الإسلاميّ،و يقع في صدر فريضتي الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر،و له شرائط و ضوابط تختلف حسب المذاهب الفقهيّة،و هو نوعان:دعوة و دفاعا.

و من أهمّ خصائصه أنّه فرض حسب الحاجة في مراحل،و يعدّ من الأحكام المدنيّة،و أكثر آياتها مدنيّة أيضا،لاحظ مقالنا:«الجهاد في القرآن»في كتاب «البحوث و الدّراسات»و هو مجموعة مقالات نشرها المجمع العالميّ للتّقريب بين المذاهب الإسلاميّة.

ص: 253

ص: 254

ج ه ر

اشارة

10 ألفاظ،16 مرّة:10 مكّيّة،6 مدنيّة

في 13 سورة:9 مكّيّة،4 مدنيّة

جهر 1:-1 جهرا 1:1

تجهر 2:2 جهركم 1:1

تجهروا 1:-1 جهرة 3:1-2

جهر 1:-1 اجهروا 1:1

الجهر 4:3-1 جهارا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :جهر بكلامه و صلاته و قراءته يجهر جهارا،و أجهر بقراءته:لغة.

و جاهرتهم بالأمر،أي عالنتهم.

و اجتهر القوم فلانا،أي نظروا إليه عيانا جهارا.

و كلّ شيء بدا فقد جهر.

و رجل جهير،إذا كان في الجسم و المنظر مجتهرا.

و كلام جهير،و صوت جهير،أي عال،و الفعل:جهر جهارة.[ثمّ استشهد بشعر]

و جهرت البئر:أخرجت ما فيها من الحمأة و الماء فهي مجهورة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجهور:الجريء المقدم الماضي.

و الجهور:الصّوت العالي.

و نعجة جهراء،و كبش أجهر،أي لا يبصران في الشّمس،و يقال في كلّ شيء.

و الجوهر:كلّ حجر يستخرج منه شيء ينتفع به.

و جوهر كلّ شيء:ما خلقت عليه جبلّته.

و اجتهرت الجيش،أي كثروا في عيني حين رأيتهم، و جهر:لغة.[ثمّ استشهد بشعر](3:388)

سيبويه :معنى الجهر في الحروف:أنّها حروف أشبع الاعتماد في موضعها حتّى منع النّفس أن يجري معه حتّى ينقضي الاعتماد،و يجري الصّوت،غير أنّ الميم و النّون من جملة المجهورة،و قد يعتمد لها في الفم و الخياشيم فتصير فيهما غنّة،فهذه صفة المجهورة.(ابن سيده 4:161)

ص: 255

ابن شميّل:و الجهراء:ما استوى من ظهر الأرض ليس بها شجر و لا إكام و لا رمال،إنّما هي فضاء و كذلك العراء،يقال:وطئنا أعرية و جهراوات.

(الأزهريّ 6:50)

أبو عمرو الشّيبانيّ: إنّه لحسن الجهر و سيّئ الجهر،و هو المنظر.(1:117)

قال اليمانيّ: الأجهر:الّذي لا يبصر باللّيل و بنو شيبان يقولون:الهدبد.(1:121)

الجهراء من الأرض:المستوية.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:135)

قال أبو الخرقاء الوالبيّ: جهرنا الأرض،إذا سلكها عن غير معرفة.

و جهرنا بني فلان:صبحناهم على غرّة و إن كانوا غير مغترّين إذا صبحوهم بكرة.

و جهرنا البئر،إذا أخرجوا ما فيها،إن كان فيها ماء أو لم يكن.[ثمّ استشهد بشعر](1:137)

الأجهر:الحسن المنظر الحسن الجسم التّامّة.

و الأجهر:الأحول المليح الحولة.

و الأجهر:الّذي لا يبصر بالنّهار،و ضدّه الأعشى.

(الأزهريّ 6:51)

الفرّاء: يقال:كيف جهراؤكم و دهماؤكم؟أي جماعتكم.(ابن السّكّيت:40)

جهرت السّقاء،إذا مخضته.و الجهير:اللّبن الّذي أخرج زبده.و الثّمير:الّذي لم يخرج زبده،و هو التّثمير.

(الأزهريّ 6:48)

لبن جهير:لم يمذق بماء.(الجوهريّ 2:618)

أبو عبيدة: فرس جهور،و هو الّذي ليس بأجشّ الصّوت و لا أغنّ.(الأزهريّ 6:51)

أبو زيد :يقال:ما في القوم أحد تجهره عيني،أي تأخذه عيني.

و جهرت بالقول أجهر به،إذا أعلنته.و رجل جهير الصّوت،أي عالي الصّوت،و كذلك رجل جهوريّ الصّوت:رفيعه.

و يقال:جاهرني فلان جهارا،أي عالنني معالنة، و الجهر:العلانية.(الأزهريّ 6:50)

الأصمعيّ: جهرت البئر و اجتهرتها،إذا نزحتها.

[ثمّ استشهد بشعر]

و في حديث عليّ رضي اللّه عنه: أنّه وصف النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فقال:«لم يكن قصيرا و لا طويلا و هو إلى الطّول أقرب، من رآه جهره»معنى جهره:عظم في عينيه.[ثمّ استشهد بشعر]

و كبش أجهر،و نعجة جهراء،و هي الّتي لا تبصر في الشّمس.[ثمّ استشهد بشعر]

جهرت الجيش و اجتهرتهم،إذا كثروا في عينك، و كذلك الرّجل تراه عظيما في عينك.[ثمّ استشهد بشعر]

جهير للمعروف،أي خليق له،و هم جهراء للمعروف:أي خلقاء له.و قيل ذلك،لأنّ من اجتهره طمع في معروفه.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 6:48)

اللّحيانيّ: كنت إذا رأيت فلانا جهرته و اجتهرته، أي راعك.(ابن سيده 4:162)

كلّ ضعيف البصر في الشّمس:أجهر.

(ابن سيده 4:163)

ص: 256

أبو عبيد:جهرت الكلام و أجهرته،إذا أعلنته.

(الأزهريّ 6:50)

ابن الأعرابيّ: الجهرة:الحولة،و رجل أجهر و امرأة جهراء:في عيونهما حول.

رجل حسن الجهارة و الجهر:إذا كان ذا منظر حسن.[ثمّ استشهد بشعر]

أجهر الرّجل،إذا جاء ببنين جهارة،و هم الحسنو و القدود الحسنو المنظر.و أجهر:جاء بابن أحول.

الجهر:قطعة من الدّهر،و الهجر:السّنة التّامّة.

و حاكم أعرابيّ رجلا إلى بعض الحكّام،فقال:بعت منه عنجدا مذ جهر فغاب عنّي،أي مذ قطعة من الدّهر.

(الأزهريّ 6:49)

ابن السّكّيت: و رجل جهير،إذا كان عظيم المرآة [ثمّ استشهد بشعر](209)

و جهرت البئر و مخنتها،إذا أخرجت ترابها و طينها.

[ثمّ استشهد بشعر](677)

جهراء الحيّ: أفاضلهم،و أمر مجهر،أي واضح،و قد أجهرته أنا إجهارا،و جهرت بكذا أجهر به جهرا،أي شهرت به،فهو مجهور به،أي مشهور.

(الأزهريّ 6:50)

الدّينوريّ: الجهراء:الرّابية المحلال ليست شديدة الإشراف،و ليست برملة و لا قفّ.

(ابن سيده 4:162)

نفطويه: يقال:جهرت الشّيء،إذا كشفته،و وجه جهير:طاهر الوضاءة.

و يقال:جهرته و اجتهرته،أي نظرت إليه و لا حجاب بيني و بينه.(الهرويّ 1:427)

القفّال: أصل الجهرة من الظّهور،يقال:جهرت الشّيء،إذا كشفته،و جهرت البئر،إذا كان ماؤها مغطّى بالطّين فنقّيته حتّى ظهر ماؤه.(الفخر الرّازيّ 3:84)

الصّاحب: جهر فلان بكلامه و قراءته جهارا؛ و أجهر قراءته.

و جاهرتهم بالأمر:عالمتهم به.

و جهر جهارة.و صوت جهير.

و رجل جهير:مجتهر في المنظر و الجسم.

و الجهور:الرّجل الجريء المتقدّم الماضي،و الجيش العظيم تجهره العين.

و الجهر أيضا:المنظر قد جهرته العين تجهره.

و جهورت الحديث:أعلنته،و في المثل:«مجاهرة إذ لم أجد مختلا».

و فلان عفيف السّريرة و الجهيرة،أي العلانية.

و الجوهر:ما خلقت عليه جبلّة الشّيء.

و الشّاة الجهراء:الّتي لا تبصر في الشّمس،و الكبش أجهر.

و الجهراء من الأرض:المرتفعة و جمعها:جهار.

و جهرت البئر و اجتهرتها:أخرجت ما فيها من الحمأة و الماء،و بئر مجهورة.

و حفرت فأجهرت:لم أصب خيرا.

و جهرت السّقاء:مخضته.و لبن جهير:أخرج زبده.

و الجهير و الجيهور:الذباب الّذي يفسد اللّحم.

(3:374)

الجوهريّ: رأيته جهرة،و كلّمته جهرة.

ص: 257

و جهرت البئر و اجتهرتها،أي نقّيتها و أخرجت ما فيها من الحمأة،و هي بئر مجهورة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأجهر:الّذي لا يبصر في الشّمس،يقال:كبش أجهر بيّن الجهر،و نعجة جهراء.[ثمّ استشهد بشعر]

و جهرنا الأرض:سلكناها من غير معرفة.

و جهرنا بني فلان،أي صبّحناهم على غرّة.

و جهر بالقول:رفع به صوته،و جهور.و هو رجل جهوريّ الصّوت و جهير الصّوت،تقول منه:جهر الرّجل بالضّمّ.

و إجهار الكلام:إعلانه.

و رجل مجهر بكسر الميم،إذا كان من عادته أن يجهر بكلامه.

و المجاهرة بالعداوة:المبادأة بها.

و جهرت الرّجل و اجتهرته،إذا رأيته عظيم المرآة، و كذلك الجيش إذا كثروا في عينك حين رأيتهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل جهير بيّن الجهارة،أي ذو منظر،و امرأة جهيرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و ما أحسن جهر فلان بالضّمّ،أي ما يجتهر من هيئته و حسن منظره.

و يقال:كيف جهراؤكم،أي جماعتكم.

و الجوهر،معرّب،الواحدة:جوهرة.

و الحروف المجهورة عند النّحويّين تسعة عشر، يجمعها قولك:«ظلّ قوّ ربض إذ غزا جند مطيع».و إنّما سمّي الحرف مجهورا،لأنّه أشبع الاعتماد في موضعه،و منع النّفس أن يجري معه،حتّى ينقضي الاعتماد بجري الصّوت.(2:618)

ابن فارس: الجيم و الهاء و الرّاء أصل واحد،و هو إعلان الشّيء و كشفه و علوّه،يقال:جهرت بالكلام:

أعلنت به،و رجل جهير الصّوت،أي عاليه.[ثمّ استشهد بشعر]

و من هذا الباب:جهرت الشّيء،إذا كان في عينك عظيما،و جهرت الرّجل كذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

فأمّا العين الجهراء فهي الّتي لا تبصر في الشّمس.

و يقال:رأيت جهر فلان،أي هيئته.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:جهير بيّن الجهارة،إذا كان ذا منظر.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:جهرنا بني فلان،أي صبّحناهم على غرّة، و هو من الباب،أي أتيناهم صباحا و الصّباح جهر.

و يقال للجماعة:الجهراء،و يقال:إنّ الجهراء:

الرّابية العريضة.(1:487)

أبو هلال :الفرق بين الجهر و الإظهار:أنّ الجهر عموم الإظهار و المبالغة فيه،أ لا ترى أنّك إذا كشفت الأمر للرّجل و الرّجلين قلت:أظهرته لهما،و لا تقول:

جهرت به،إلاّ إذا أظهرته للجماعة الكثيرة فيزول الشّكّ،و لهذا قالوا: أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً النّساء:153، أي عيانا لا شكّ معه.

و أصله:رفع الصّوت،يقال:جهر بالقراءة إذا رفع صوته بها،و في القرآن: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها الإسراء:110،أي بقراءتك في صلاتك.

و صوت جهير:رفيع الصّوت،و لهذا يتعدّى بالباء، فيقال:جهرت به،كما تقول:رفع صوته به،لأنّه في

ص: 258

معناه،و هو في غير ذلك استعارة.

و أصل الجهر:إظهار المعنى للنّفس،و إذا أخرج الشّيء من وعاء أو بيت لم يكن ذلك جهرا و كان إظهارا.

و قد يحصل الجهر نقيض الهمس،لأنّ المعنى يظهر للنّفس بظهور الصّوت.

الفرق بين الجهر و الكشف:أنّ الكشف مضمّن بالزّوال،و لهذا يقال:اللّه عزّ و جلّ كاشف الضّرّ،و لم يجز في نقيضه:ساتر الضّرّ،لأنّ نقيضه من السّتر ليس متضمّنا بالثّبات،فيجري مجراه في ثبات الضّرّ كما جرى هو في زوال الضّرّ.و الجهر غير مضمّن بالزّوال.

الفرق بين الإعلان و الجهر:أنّ الإعلان خلاف الكتمان،و هو إظهار المعنى للنّفس،و لا يقتضي رفع الصّوت به.و الجهر يقتضي رفع الصّوت به،و منه يقال:

رجل جهير و جهوريّ،إذا كان رفيع الصّوت.(237)

الهرويّ: في حديث عليّ:«أنّه وصف رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فقال:من رآه جهره»أي عظم في عينه،يقال:

جهرت الجيش،و اجتهرتهم،إذا رأيتهم فكثروا في عينك.

و منه حديث عمر:«إذا رأيناكم جهرناكم»أراد أعجبنا أجسامكم.و الجهر:حسن المنظر،يقال:رأيت جهره،إذا رأيت هيئته و حسن منظره.[ثمّ استشهد بشعر]

و في حديث عائشة و وصفت أباها،فقالت:«اجتهر دفن الرّواء»تريد أنّه كسحها.يقال:جهرت البئر،إذا كانت مندفنة فأخرجت ما فيها من الحمأة.(1:427)

الماورديّ: أصل الجهر:الظّهور،و منه الجهر بالقراءة إنّما هو إظهارها،و المجاهرة بالمعاصي:المظاهرة بها.(1:123)

ابن سيده: الجهرة:ما ظهر.

و رآه جهرة:لم يك بينهما ستر،و في التّنزيل أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً النّساء:153،أي غير مستتر عنّا بشيء.

و جهر الشّيء:علن و بدا.

و جهر بكلامه و دعائه و صوته و صلاته و قراءته يجهر جهرا و جهارا؛و أجهر و جهور:أعلن به و أظهره.

و يعدّيان بغير حرف،فيقال:جهر الكلام و أجهره،و قال بعضهم:جهر:أعلى الصّوت،و أجهر:أعلن.و كلّ إعلان:جهر.

و صوت جهير،و كلام جهير،كلاهما:عالن عال.

[ثمّ استشهد بشعر]

و قد جهر جهارة،و كذلك المجهر و الجهوريّ.

و الحروف المجهورة:ضدّ المهموسة،و هي تسعة عشر حرفا.

و قال أبو حنيفة: «قد بالغوا في تجهير صوت القوس».فلا أدري أسمعه من العرب أم رواه عن شيوخه،أم هو إدلال منه و تزيّد،فإنّه ذو زوائد في كثير من كلامه.

و جاهرهم بالأمر مجاهرة و جهارا:عالنهم.

و لقيه نهارا جهارا،بكسر الجيم و فتحها.و أبى ابن الأعرابيّ فتحها.

و اجتهر القوم فلانا:نظروا إليه جهارا.

و جهر الجيش و القوم يجهرهم جهرا،و اجتهرهم:

كثروا في عينه.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 259

و كذلك الرّجل تراه عظيما في عينك.

و ما في الحيّ أحد تجهره عيني،أي تأخذه.

و رجل جهر و جهير بيّن الجهورة و الجهارة:ذو منظر.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأنثى:جهيرة،و الاسم من كلّ ذلك:الجهر.[ثمّ استشهد بشعر]

و جهر الرّجل:هيئته و حسن منظره.

و جهرني الشّيء،و اجتهرني:راعني جماله.

و جهراء القوم:جماعتهم،و قيل لأعرابيّ:أ بنو جعفر أشرف أم بنو أبي بكر كلاب؟فقال:أمّا خواصّ رجال فبنو أبي بكر،و أمّا جهراء الحيّ فبنو جعفر،نصب خواصّ على حذف الوسيط،أي في خواصّ رجال، و كذلك جهراء،و قيل:نصبهما على التّفسير.

و جهرت فلانا بما ليس عنده،و هو أن يخلف ما ظننت به من الخلق و المال،أو في منظره.

و الجهراء:الرّابية السّهلة العريضة.

و المجهورة:البئر المعمورة،عذبة كانت أو ملحة.

و جهر البئر يجهرها جهرا،و اجتهرها:نزحها.

و حفر البئر حتّى جهر،أي بلغ الماء،و قيل:جهرها:

أخرج ما فيها من الحمأة و الماء.

و المجهور:الماء الّذي كان سدما فاستسقي منه حتّى طاب.[ثمّ استشهد بشعر]

و حفروا بئرا فأجهروا:لم يصيبوا خيرا.

و العين الجهراء كالجاحظة.رجل أجهر،و امرأة جهراء.

و الأجهر من الرّجال:الّذي لا يبصر في الشّمس، جهر جهرا.

جهرته الشّمس:أسدرت بصره.

كبش أجهر،و نعجة جهراء:لا تبصر في الشّمس.

[ثمّ استشهد بشعر]

و عمّ به بعضهم،و قال اللّحيانيّ:كلّ ضعيف البصر في الشّمس:أجهر.و قيل:الأجهر:بالنّهار،و الأعشى:

باللّيل.و الأجهر:الأحول،و الاسم:الجهرة.[ثمّ استشهد بشعر]

و المتجاهر:الّذي يريك أنّه أجهر.[ثمّ استشهد بشعر]

و فرس أجهر:غشّت غرّته وجهه.

و الجهور:الجريء المقدم الماضي.

و الجوهر:كلّ حجر يستخرج منه شيء ينتفع به.

و جوهر كلّ شيء:ما وضعت عليه جبلّته،و له تحديد لا يليق بهذا.و قيل:الجوهر فارسيّ معرّب.

و قد سمّت أجهر و جهيرا،و جهران،و جهورا.

(4:160)

الطّوسيّ: و الجهر و العلانية و المعاينة نظائر،تقول:

جهر جهرا،أو جاهر مجاهرة و جهارا،و تجاهروا تجاهرا.

و رجل جهير الصّوت.[إلى أن قال:]

و الجهر:ضدّ السّرّ.

و جهرني الرّجل،إذا راعك جماله و هيئته.و رجل جهير:ذو رواء،و أصله:الظّهور.

و الجهر يقتضي ظاهرا بعد أن يكون خافيا،ليدرك ما لم يكن قبل مدركا.

و حقيقة الجهر:ظهور الشّيء معاينة،و الفرق بين

ص: 260

الجهر و المعاينة:أنّ المعاينة ترجع إلى حال المدرك، و الجهرة ترجع إلى حال المدرك.(1:251)

و الجهر:رفع الصّوت بالقول،يقال:لصوته جهارة،أي قوّة في رفعه إيّاه.و هو يجاهر بأمره،أي يظهره و يعلنه.(2:226)

الرّاغب: «جهر»يقال لظهور الشّيء بإفراط حاسّة البصر أو حاسّة السّمع.أمّا البصر فنحو:رأيته جهارا، قال اللّه تعالى: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً البقرة:55، أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً النّساء:153،و منه:

جهر البئر و اجتهرها،إذا أظهر ماءها.و قيل:ما في القوم أحد يجهر عيني.

و الجوهر«فوعل»منه،و هو ما إذا بطل بطل محموله، و سمّي بذلك لظهوره للحاسّة.

و أمّا السّمع فمنه قوله تعالى: سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ الرّعد:10،[ثمّ ذكر الآيات]

و قيل:كلام جهوريّ و جهير،يقال لرفيع الصّوت و لمن يجهر بحسنه.(101)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:404)

الزّمخشريّ: جهر الشّيء،إذا ظهر،و أجهرته أنا، و أجهر فلان ما في صدره.

و رأيته جهرة،أي عيانا،و جهر بكذا:أعلنه.

و قد جهر بكلامه و قراءته:رفع بهما صوته.

و جهر صوته جهارة و هو جهير الصّوت،و صوت جهوريّ.

و رجل جهور و جهوريّ.

و جهور الحديث بعد ما هينمه،أي أظهره بعد ما أسرّه.و خطيب مجهر بخطبته.

و جاهرتهم بالأمر جهارا،أي عالنتهم به علانا.

و رأيته فجهرته و اجتهرته.

و استجهرته:رأيته عظيم المرآة.[ثمّ استشهد بشعر]

و جهرني فلان:راعني بجماله و هيئته.

و جهرت الجيش و اجتهرتهم:كثروا في عيني، و جيش مجتهر و جهور.

و رأيت جهره فعرفت سرّه.[ثمّ استشهد بشعر]

و ما أحسن جهره،و أسوأ جهره.

و فلان جهير بيّن الجهارة،إذا كان ذا جهرة و منظر تجتهره الأعين.[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان مشتهر مجتهر،و هو جهير للخير:خليق، و هم جهراء للمعروف.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل أجهر و امرأة جهراء:تسدر عينهما في الشّمس.

و أرض جهراء:عراء لا يسترها شيء،و تقول:

جهرت لها جهراء،و وطئنا أعرية جهراوات.

و فلان عفيف السّريرة و الجهيرة.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:67)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و ضدّ الجهر:السّرّ،و أصل الباب:الظّهور، و حقيقة الجهر:ظهور الشّيء معاينة.و الفرق بين الجهر و المعاينة:أنّ المعاينة ترجع إلى حال المدرك،و الجهرة ترجع إلى حال المدرك.

و قد تكون الرّؤية غير جهرة كالرّؤية في النّوم، و الرّؤية بالقلب.فإذا قال:جهرة،لم يكن إلاّ رؤية العين

ص: 261

على التّحقيق،دون التّخييل.(1:114)

الحروف المجهورة تسعة عشر حرفا،يجمعها قولك:

«أطلقن ضرغم عجز ظبي ذواد»و ما عداها من الحروف مهموس،يجمعها قولك:«حثّ فسكت شخصه».

(5:129)

المدينيّ: في الحديث:«نادى العبّاس بصوت جهير».

و في حديث صفوان بن عسّال رضي اللّه عنه:«ناداه أعرابيّ بصوت له جهوريّ».

يقال:فلان جهير الصّوت،أي غليظه و عاليه، و كذلك جهر و جهوريّ بيّن الجهارة،و قد جهر.

و الجهوريّ: العالي الصّوت.

و جهور الحديث:أعلنه.

و رجل جهور:جريء مقدم ماض.

و منه الحديث:«كان عمر رجلا مجهرا»أي صاحب جهر و رفع لصوته،يقال:جهر صوته،إذا رفعه،فهو جهير.و أجهر،إذا عرف بشدّة الصّوت،فهو مجهر،و منه الحديث:«فإذا امرأة جهيرة».

في الحديث:«كلّ أمّتي معافى إلاّ المجاهرين»يعني الّذين جاهروا بمعاصيهم،و كشفوا ما ستره اللّه عزّ و جلّ عليهم من ذلك،فيتحدّثون به،يقال منه:جهر و أجهر، لغتان.

و قيل:أجهرته و جهرت به.(1:380)

ابن الأثير: في حديث خيبر:«وجد النّاس بها بصلا و ثوما فجهروه»أي استخرجوه و أكلوه،يقال:

جهرت البئر،إذا كانت مندفنة فأخرجت ما فيها.

و منه حديث عائشة تصف أباها:«اجتهر دفن الرّواء».الاجتهار:الاستخراج،و هذا مثل ضربته لإحكامه الأمر بعد انتشاره.شبّهته برجل أتى على آبار قد اندفن ماؤها فأخرج ما فيها من الدّفن حتّى نبع الماء.

و منه الحديث:«و إنّ من الإجهار كذا كذا».و في رواية«الجهار»و هما بمعنى المجاهرة.

و منه الحديث:«لا غيبة لفاسق و لا مجاهر».

و منه الحديث:«فإذا امرأة جهيرة»أي عالية الصّوت،و يجوز أن يكون من حسن المنظر.(1:321)

الصّغانيّ: [نحو المتقدّمين و أضاف:]

جهار:صنم كان لهوازن بعكاظ.

و جهران:موضع قريب من صنعاء.

و حفرت فأجهرت،أي لم أصب خيرا.(2:458)

الفيّوميّ: جهر الشّيء يجهر بفتحتين:ظهر، و أجهرته بالألف:أظهرته.و يعدّى بنفسه أيضا و بالباء، فيقال:جهرته و جهرت به.(1:112)

الفيروزآباديّ: الجهرة:ما ظهر،و(أرنا اللّه جهرة)أي عيانا غير مستتر.

و جهر كمنع:علن،و الكلام و به:أعلن به كأجهر، و هو مجهر و مجهار:عادته ذلك.

و الصّوت:أعلاه،و الجيش:استكثرهم كاجتهرهم، و الأرض:سلكها،و الرّجل:رآه بلا حجاب،أو نظر إليه و عظم في عينه،و راعه جماله و هيئته كاجتهره.

و السّقاء:مخضه،و القوم القوم:صبّحتهم على غرّة، و البئر:نقّاها أو نزحها كاجتهرها،أو بلغ الماء.

و الشّيء:كشفه،و الشّمس المسافر:أسدرت عينه،

ص: 262

و فلانا:عظّمه،و الشّيء:حزره.

و جهرت العين كفرح:لم تبصر في الشّمس.

و ككرم:فخم،و الصّوت:ارتفع.

و كلام جهر و مجهر و جهوريّ:عال.

و المجهورة من الآبار:المغمورة،و من الحروف:

ما جمع في«ظلّ قوّ ربض إذ غزا جند مطيع».

و جهر و جهير بيّن الجهورة و الجهارة:ذو منظر.

و الجهر بالضّمّ:هيئة الرّجل و حسن منظره.

و الجهر:الرّابية الغليظة و السّنة و القطعة من الدّهر.

و الجهير:الجميل و الخليق للمعروف،جمعه:

جهراء،و من اللّبن:ما لم يمذق بماء.

و الأجهر:الحسن المنظر،و الجسم التّامّة،و الأحول المليح الحولة،و من لا يبصر في الشّمس،و فرس غشيت غرّته وجهه.و الجهراء:أنثى الكلّ،و ما استوى من الأرض لا شجر و لا آكام،و الجماعة،و العين الجاحظة، و من الحيّ:أفاضلهم.

و الجوهر:كلّ حجر يستخرج منه شيء ينتفع به، و من الشّيء:ما وضعت عليه جبلّته،و الجريء المقدم.

و أجهر:جاء بابن أحول،أو ببنين ذوي جهارة، و هم الحسنو القدود و الخدود.

و الجهار و المجاهرة:المغالبة و لقيه نهارا جهارا و يفتح.

و جهور كجعفر:موضع و اسم.

و الجيهر و الجيهور:الذّباب الّذي يفسد اللّحم.

و فرس جهور الصّوت كصبور:ليس بأجشّ و لا أغنّ،ثمّ يشتدّ صوته حتّى يتباعد.

و اجتهرته:رأيته عظيم المرآة،و رأيته بلا حجاب بيننا.

و جهار ككتاب:صنم كان لهوازن.(1:409)

الطّريحيّ: و في الحديث:«ليس في الجوهر زكاة» الجوهر:واحد جواهر الأرض.قال في«القاموس»:و هو كلّ حجر يستخرج منه شيء ينتفع به،انتهى.و وزنه «فوعل»و الواحدة:جوهرة.

و جوهر كلّ شيء:جبلّته المخلوق عليها،يقال:

جوهر الثّوب جيّد و رديء،و نحو ذلك.و من ذلك سمّى بعض المتكلّمين الجزء الّذي لا يتجزّأ:جوهرا،و حدّه عندهم ما تحيّز و صحّ أن تحلّه الأعراض عند الوجود.

فالجوهر عندهم إمّا جوهر فرد أو خطّ أو سطح أو جسم،و كلّ واحد مفتقر إلى حيّز.

و عند الحكماء تنحصر الجواهر في خمسة:في الهيولى،و الصّورة،و الجسم،و النّفس،و العقل.

و إن كان الجوهر محلاّ لجوهر آخر فهو الهيولى،أو حالاّ في جوهر آخر فهو الصّورة،أو مركّبا من الحالّ و المحلّ و هو الجسم،أو لا يكون حالاّ و لا محلاّ و لا مركّبا منهما و هو المفارق؛فإن تعلّق بالجسم تعلّق تدبير فهو النّفس،و إن لم يتعلّق تعلّق التّدبير فهو العقل.

و في الحديث:«في تقلّب الأحوال تعرف جواهر الرّجال»أي حقائقها الّتي جبلّت عليها،و مثله:لكلّ شيء جوهر»أي حقيقة.

و فيه:«لو قاس-يعني إبليس-الجوهر الّذي خلق اللّه منه آدم بالنّار كان ذلك أكثر نورا»يريد بالجوهر هنا:

النّور،كما يفسّره الحديث الآخر:«لو قاس نوريّة آدم

ص: 263

بنوريّة النّار عرف فضل ما بين النّورين و صفاء أحدهما على الآخر».

و جهر الشّيء يجهر بفتحتين كمنع:ظهر.

و أجهرته بالألف:أظهرته،و يعدّى بنفسه و بالباء، فيقال:جهرته و جهرت به.

و جاهر فلان بالعداوة مجاهرة و جهارا،و جهرت الصّوت بالضّمّ جهارة فهو جهير.

و الحروف المجهورة عند النّحويّين تسعة عشر، يجمعها قولك:«ظلّ قوّ ربض إذ غزا جند مطيع».

قال الجوهريّ: و إنّما سمّي الحرف مجهورا،لأنّه أشبع الاعتماد في موضعه،و منع النّفس أن يجري معه،حتّى ينقضي الاعتماد بجري الصّوت.

قال ابن برّيّ بعد كلام يصف فيه الجوهريّ:

و صحاحه هذا فيه تصحيف في عدّة مواضع،تتبّعها عليه المحقّقون.قيل:إنّ سببه أنّه لمّا صنّفه سمع عليه إلى باب الضّاد المعجمة،و عرض له وسوسة فألقى نفسه من سطح فمات،فبقي سائر الكتاب مسوّدة غير منقّح و لا مبيّض.

فبيّضه تلميذه إبراهيم بن صالح الورّاق،فغلط فيه في مواضع،و كانت وفاة الجوهريّ في حدود أربعمائة.

(3:254)

العدنانيّ: جهر بالقول و أجهر به.

و يخطّئون من يقول:أجهر بالقول-أي أعلنه- و يقولون:إنّ الصّواب هو:جهر بالقول،اعتمادا على قوله تعالى في الآية السّابعة من سورة طه: وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى. و قد وردت في آي الذّكر الحكيم جملة«جهر بالقول»ثلاث مرّات أخرى،و جملة:

وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ الإسراء:110،مرّة واحدة.

و يعتمدون أيضا في تصويب جملة«جهر بالقول» على معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ، و الأساس،و المختار.

و لكن:

يجيز لنا قول جملتي:جهر بالقول و أجهر به كلتيهما، كلّ من:أدب الكاتب في باب أبنية الأفعال،و ابن الأثير في النّهاية،و الصّاغانيّ،و اللّسان،و المصباح، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و هنالك:جهر الكلام و أجهره،أي أعلنه:اللّسان، و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

أمّا جهر الشّيء فمعناه ظهر:الأساس،و اللّسان، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و اكتفى الصّحاح،و الأساس،و المختار بالإتيان بالفعل الرّباعيّ«أجهر»متعدّيا.

و فعله:جهر يجهر جهرا،و جهارا.

و من معاني جهر:

1-جهر الشّيء:رآه بلا حجاب.

2-جهره:حزره و قدّره.

3-جهرت الشّمس فلانا:حيّرت بصره منها فلم يبصر.

4-جهر الأرض:سلكها من غير معرفة.

ص: 264

5-جهر الجيش و القوم:كثروا في عينه.

6-جهر الشّيء فلانا:عظم في عينه و راعه جماله و هيئته.

و في حديث عليّ رضي اللّه عنه في وصفه صلّى اللّه عليه و سلّم:«لم يكن قصيرا و لا طويلا،و هو إلى الطّول أقرب.من رآه جهره».

7-جهر فلان البئر:أ-نقّاها من الحمأة.

ب-نزحها.

ج-حفرها حتّى بلغ الماء.

8-جهر السّقاء:مخضه و استخرج زبده.

9-جهر القوم:صبّحهم على غرّة.

و من معاني أجهر:

1-أجهر فلان:عرف بجهارة الصّوت.

2-أجهر الرّجل:جاء ببنين ذوي جهارة«منظر حسن».

3-أجهر فلان:جاء بابن أحول.

4-أجهر الشّيء:شهره.

5-حفروا البئر فأجهروا:لم يصيبوا خيرا.(133)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الاعتلان و الظّهور البيّن العالي في أيّ أمر كان، و أكثر استعمالها في الكلام و المقال.فهي في مقابل «الخفوت»أي السّكون و الخفض الكامل،فالخفوت تفريط في الصّوت،كما أنّ الجهر إفراط و خروج عن الاعتدال.[ثمّ ذكر روايات]

و لا يخفى ما فيما بين الجهر و الجهور و الهجر من التّناسب لفظا و معنى.(2:137)

النّصوص التّفسيريّة

جهر

سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَ سارِبٌ بِالنَّهارِ. الرّعد:10

مجاهد :السّرّ و الجهر عنده سواء.

(الطّبريّ 13:114)

الزّجّاج: معنى الآية إعلامهم أنّ اللّه عزّ و جلّ يعلم ما غاب عنهم و ما شهد.(3:141)

الماورديّ: إسرار القول:ما حدّث به نفسه، و الجهر:ما حدّث به غيره،و المراد بذلك أنّه تعالى يعلم ما أسرّه الإنسان من خير و شرّ.(3:97)

نحوه القرطبيّ.(9:289)

الواحديّ: أعلنه و أظهره.(3:7)

ابن عطيّة: معنى الآية:معتدل منكم في إحاطة اللّه تعالى و علمه،من أسرّ قوله فهمس به في نفسه،و من جهر به فأسمع،لا يخفى على اللّه تعالى شيء.(3:299)

الطّبرسيّ: معناه سواء عند اللّه و في علمه،من أسرّ القول في نفسه و أخفاه،و من أعلنه و أبداه،و لم يضمره في نفسه.(3:280)

نحوه ابن الجوزيّ.(4:309)

أبو حيّان :و المعنى-و اللّه أعلم-أنّه تعالى محيط علمه بأقوال المكلّفين و أفعالهم،لا يعزب عنه شيء من ذلك.و ظاهر التّقسيم يقتضي تكرار(من)لكنّه حذف للعلم به؛إذ تقدّم قوله: مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ لكن ذلك لا يجوز على مذهب البصريّين،و أجازه

ص: 265

الكوفيّون.(5:370)

أبو السّعود :أظهره لغيره.(3:442)

نحوه القاسميّ.(9:3651)

المراغيّ: أي من أسرّ قوله و أخفاه و لم يتلفّظ به، أو جهر به و أظهره،فهو سواء عند اللّه،يسمعه و لا يخفى عليه شيء منه،كما قال: وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى طه:7،و قال: وَ يَعْلَمُ ما تُخْفُونَ وَ ما تُعْلِنُونَ النّمل:25.(13:76)

فضل اللّه :الإنسان هو الّذي يختلف عنده حال الجهر و حال السّرّ من خلال ارتباط وعيه للمسموعات بأدوات السّمع عنده.أمّا اللّه الّذي أحاط بسرّ الإنسان حتّى عند ما يكون قوله فكرة في الذّهن،فإنّ الجهر و السّرّ يتساويان في موقع علمه.(13:27)

تجهر

1- قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً. الإسراء:110

ابن عبّاس: كانوا يجهرون بالدّعاء،فلمّا نزلت هذه الآية،أمروا ألاّ يجهروا و لا يخافتوا.(الطّبريّ 15:183)

كان إذا صلّى بأصحابه رفع صوته بالقرآن،فإذا سمع ذلك المشركون سبّوا القرآن و من أنزله و من جاء به، فقال اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ فيسمع المشركون، وَ لا تُخافِتْ بِها عن أصحابك، فلا تسمعهم القرآن،حتّى يأخذوا عنك.

(الطّبريّ 15:184)

نحوه سعيد بن جبير،و روي عن الإمام الباقر و الصّادق عليهما السّلام(الطّبرسيّ 3:446)،و الضّحّاك (الطّبريّ 15:185).

لا تصلّ مراءاة النّاس و لا تدعها مخافة.

نحوه الحسن.(الطّبريّ 15:187)

إنّ معناها(و لا تجهر)بصلاة النّهار(و لا تخافت) بصلاة اللّيل.(ابن عطيّة 3:492)

مثله أبو مسلم.(الطّبرسيّ 3:446)

مجاهد :لا تجهر بدعائك و لا تخافت بها.

مثله عطاء و مكحول.(الطّبرسيّ 3:446)

الحسن :لا تحسن علانيتها و تسيء سريرتها.

(الطّبريّ 15:187)

لا تَجْهَرْ بإشاعتها عند من يؤذيك، وَ لا تُخافِتْ عند من يلتمسها منك.

(الطّوسيّ 6:534)

عكرمة :أنّه نهى عن الجهر بفعل الصّلاة،لأنّه كان يجهر بصلاته بمكّة فتؤذيه قريش،فخافت بها و استسرّ،فأمره اللّه ألاّ يجهر بها كما كان و لا يخافت بها كما صار،و يبتغي بين ذلك سبيلا.(الماورديّ 3:281)

الإمام الباقر عليه السّلام: الإجهار:أن ترفع صوتك تسمعه من بعد عنك،و الإخفات:أن لا تسمع من معك إلاّ يسيرا.(القمّيّ 2:30)

الإمام الصّادق عليه السّلام: الجهر بها:رفع الصّوت، و التّخافت:ما لم تسمع بأذنك؛و اقرأ ما بين ذلك.

[و في رواية]رفع الصّوت عاليا،و مخافته ما لم تسمع نفسك.(القمّيّ 2:30)

ص: 266

ابن سيرين: أنّه نهى عن الجهر بالتّشهّد في الصّلاة.(الماورديّ 3:281)

عطاء: يقول ناس:إنّها في الصّلاة،و يقول آخرون:إنّها في الدّعاء.(الطّبريّ 15:186)

ابن زيد :معنى الآية النّهي عمّا يفعله أهل الإنجيل و التّوراة،من رفع الصّوت أحيانا،فيرفع النّاس معه،و يخفض أحيانا،فيسكت من خلفه.

(ابن عطيّة 3:492)

الجبّائيّ: لا تجهر جهرا يشغل به من يصلّي بقربك، و لا تخافت بها حتّى لا تسمع نفسك.(الطّبرسيّ 3:446)

الطّبريّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و أولى الأقوال في ذلك بالصّحّة ما ذكرنا عن ابن عبّاس[القول الثّاني]في الخبر الّذي رواه أبو جعفر عن سعيد عن ابن عبّاس،لأنّ ذلك أصحّ الأسانيد الّتي روي عن صحابيّ فيه قول مخرجا،و أشبه الأقوال بما دلّ عليه ظاهر التّنزيل.[إلى أن قال:]

فإذا كان ذلك كذلك،فتأويل الكلام قل:ادعوا اللّه، أو ادعوا الرّحمن أيّا ما تدعوا،فله الأسماء الحسنى، و لا تجهر يا محمّد بقراءتك في صلاتك و دعائك فيها ربّك، و مسألتك إيّاه،و ذكرك فيها؛فيؤذيك بجهرك بذلك المشركون(و لا تخافت بها)فلا يسمعها أصحابك، وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً، و لكن التمس بين الجهر و المخافتة طريقا إلى أن تسمع أصحابك،و لا يسمعه المشركون فيؤذوك.(15:188)

الزّجّاج: المخافتة:الإخفاء،و الجهر:رفع الصّوت، و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إذا جهر بالقرآن سبّ المشركون القرآن، فأمره اللّه جلّ و عزّ ألاّ يعرّض القرآن لسبّهم،و ألاّ يخافت بها مخافتة لا يسمعها من يصلّي خلفه من أصحابه.

(3:264)

نحوه الواحديّ.(3:133)

الماورديّ: فيه قولان:

الأوّل:أنّه عنى بالصّلاة:الدّعاء،و معنى ذلك لا تجهر بدعائك و لا تخافت به...

الثّاني:أنّه عنى بذلك:الصّلاة المشروعة.و اختلف قائلو ذلك فيما نهي عنه من الجهر بها و المخافتة فيها،على خمسة أقاويل:

أحدها:[هو القول الأوّل لابن عبّاس،و قد تقدّم]

الثّاني:أنّه نهى عن الجهر بالقراءة في جميعها و عن الإسرار بها في جميعها،و أن يجهر في صلاة اللّيل و يسرّ في صلاة النّهار.

الثّالث و الرّابع:[قول ابن سيرين و عكرمة و قد تقدّما]

الخامس:يعني لا تجهر بصلاتك تحسنها مرائيا بها في العلانية،و لا تخافت بها تسيئها في السّريرة.

و قيل:لا تصلّها رياء و لا تتركها حياء،و الأوّل أظهر.(3:281)

الطّوسيّ: نهي من اللّه تعالى عن الجهر العظيم في حال الصّلاة،و عن المخافتة الشّديدة،و أمر بأن يتّخذ بين ذلك سبيلا.و حدّ أصحابه الجهر فيما يجب الجهر فيه،بأن يسمع غيره،و المخافتة بأن يسمع نفسه...(6:533)

القرطبيّ: [اكتفى بنقل أقوال المتقدّمين]

(10:343)

ص: 267

أبو السّعود:أي بقراءة صلاتك بحيث تسمع المشركين،فإنّ ذلك يحملهم على السّبّ و اللّغو فيها، وَ لا تُخافِتْ بِها أي بقراءتها بحيث لا تسمع من خلفك من المؤمنين.[إلى أن قال:]

و قيل:المعنى لا تجهر بصلاتك كلّها و لا تخافت بها بأسرها،و ابتغ بين ذلك سبيلا بالمخافتة نهارا و الجهر ليلا.

(4:163)

شبّر: جهرا شديدا تشغل به من يلي بقربك...

(4:55)

ابن عاشور :لا شكّ أنّ لهذه الجملة اتّصالا بجملة قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ يؤيّد ما تقدّم في وجه اتّصال قوله: قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ بالآيات الّتي قبله،فقد كان ذلك بسبب جهر النّبيّ في دعائه باسم الرّحمن.

و الصّلاة:تحتمل الدّعاء،و تحتمل العبادة المعروفة.

قد فسّرها السّلف هنا بالمعنيين.و معلوم أنّ من فسّر الصّلاة بالعبادة المعروفة فإنّما أراد قراءتها خاصّة، لأنّها الّتي توصف بالجهر و المخافتة.

و على كلا الاحتمالين فقد جهر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بذكر الرّحمن،فقال فريق من المشركين:ما الرّحمن؟و قالوا:

إنّ محمّدا يدعو إلهين،و قام فريق منهم يسبّ القرآن و من جاء به،أو يسبّ الرّحمن ظنّا أنّه ربّ آخر غير اللّه تعالى و غير آلهتهم،فأمر اللّه رسوله أن لا يجهر بدعائه أو لا يجهر بقراءة صلاته في الصّلاة الجهريّة.

و لعلّ سفهاء المشركين توهّموا من صدع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بالقراءة أو بالدّعاء أنّه يريد بذلك التّحكّك بهم و التّطاول عليهم بذكر اللّه تعالى،مجرّدا عن ذكر آلهتهم فاغتاظوا و سبّوا،فأمره اللّه تعالى بأن لا يجهر بصلاته هذا الجهر،تجنّبا لما من شأنه أن يثير حفائظهم و يزيد تصلّبهم في كفرهم،في حين أنّ المقصود تليين قلوبهم.

و المقصود من الكلام النّهي عن شدّة الجهر.

و أمّا قوله تعالى: وَ لا تُخافِتْ بِها فالمقصود منه الاحتراس لكيلا يجعل دعاءه سرّا أو صلاته كلّها سرّا، فلا يبلغ أسماع المتهيّئين للاهتداء به،لأنّ المقصود من النّهي عن الجهر تجنّب جهر يتوهّم منه الكفّار تحكّكا أو تطاولا،كما قلنا.

و الجهر:قوّة صوت النّاطق بالكلام.و المخافتة «مفاعلة»:من خفت بكلامه،إذا أسرّ به.و صيغة «المفاعلة»مستعملة في معنى الشّدّة،أي لا تسرّها.

و قوله: ذلِكَ إشارة إلى المذكور،أي الجهر و المخافتة المعلومين من فعلي(تجهر-و تخافت)أي اطلب سبيلا بين الأمرين ليحصل المقصود من إسماع النّاس القرآن،و ينتفي توهّم قصد التّطاول عليهم.

(14:186)

الطّباطبائيّ: الجهر و الإخفات وصفان متضائفان،يتّصف بهما الأصوات.و ربّما يعتبر بينهما خصلة ثالثة،هي بالنّسبة إلى الجهر إخفات و بالنّسبة إلى الإخفات جهر،فيكون الجهر هو المبالغة في رفع الصّوت،و الإخفات هو المبالغة في خفضه،و ما بينهما هو الاعتدال،فيكون معنى الآية:لا تبالغ في صلاتك في الجهر و لا في الإخفات،بل اسلك فيما بينهما سبيلا،و هو الاعتدال.

ص: 268

هذا لو كان المراد بالصّلاة في قوله:(بصلاتك) للاستغراق،و المراد به كلّ صلاة صلاة.

و أمّا لو أريد المجموع-و لعلّه الأظهر-كان المعنى:

لا تجهر في صلواتك كلّها و لا تخافت فيها كلّها بل اتّخذ سبيلا وسطا تجهر في بعض و تخافت في بعض.و هذا المعنى أنسب بالنّظر إلى ما ثبت في السّنّة من الجهر في بعض الفرائض اليوميّة كالصّبح و المغرب و العشاء، و الإخفات في غيرها.

و لعلّ هذا الوجه أوفق بالنّظر إلى اتّصال ذيل الآية بصدرها،فالجهر بالصّلاة يناسب كونه تعالى عليّا متعاليا،و الإخفات يناسب كونه قريبا أقرب من حبل الوريد.فاتّخاذ الخصلتين جميعا في الصّلوات أداء لحقّ أسمائه جميعا.(13:225)

مكارم الشّيرازيّ: الآية أعلاه لا علاقة لها بالصّلوات الجهريّة و الاخفاتيّة في اصطلاح الفقهاء،بل إنّ المقصود منها يتعلّق«بالإفراط و التّفريط»في الجهر و الإخفات،فهي تقول:لا تقرأ بصوت مرتفع عن الحدّ الطّبيعيّ الّذي يشبه الصّراخ،و لا أقلّ من الحدّ الطّبيعيّ بحيث تكون حركة شفاه و حسب،و لا صوت فيها.

أسباب النّزول الواردة-حول الآية-الّتي يرويها الكثير من المفسّرين نقلا عن ابن عبّاس تؤيّد هذا المعنى.

و هناك روايات عديدة من طرق أهل البيت نقلا عن الإمام الباقر و الصّادق عليهما السّلام تؤيّد هذا المعنى و تشير إليه.

لذا فإنّا نستبعد التّفاسير الأخرى الواردة حول الآية.

أمّا ما هو حدّ الاعتدال،و ما هو الجهر و الإخفات المنهيّ عنهما؟الظّاهر أنّ الجهر هو بمعنى«الصّراخ» و الإخفات هو من«السّكون»بحيث لا يسمعه حتّى الإنسان الّذي يقوم به نفسه.

أمّا الإخفات و الجهر في الصّلوات اليوميّة فهو-كما أشرنا لذلك-له حكم آخر،أو مفهوم آخر،أي له أدلّة منفصلة؛حيث ذكرها فقهاؤنا رضوان اللّه عليهم في كتب الصّلاة و بحثوا عنها.

ملاحظة:

هذا الحكم الإسلاميّ في الدّعوة إلى الاعتدال بين الجهر و الإخفات يعطينا بصيرة و إدراكا في وجهتين هما:

الأولى:لا تؤدّوا العبادات بشكل تكون فيه ذريعة بيد الأعداء،فيقومون بالاستهزاء و التّحجّج ضدّكم،إذ الأفضل أن تكون متماشية مع الهدوء و الأدب،كي تعكس بذلك نموذجا لعظمة الأدب الإسلاميّ و نموذجيّة طريقة التّعبّد في الإسلام.

فالّذين يقومون في أوقات استراحة النّاس بالإعلان عن جلساتهم بواسطة مكبّرات الصّوت، و يعتقدون أنّهم بذلك يوصلون صوتهم إلى الآخرين، هم على خطإ،و إنّ عملهم هذا لا يعكس أدب الإسلام في العبادات،و ستكون النّتيجة عكسيّة على قضيّة التّبليغ الدّينيّ.

الثّانية:يجب أن يكون هذا التّوجيه أسوة لنا في جميع أعمالنا و برامجنا الاجتماعيّة و السّياسيّة و الاقتصاديّة؛إذ يجب أن تكون جميع هذه الأمور بعيدة عن الإفراط

ص: 269

و التّفريط؛إذ الأساس هو وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً.

(9:162)

فضل اللّه :أي لا ترفع صوتك بالصّلاة فتبالغ به، و لا تخفض صوتك به حتّى لا يسمعك أحد أو لا تسمع نفسك، وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً و اجعله معتدلا متوسّطا بينهما،لأنّ جوّ الصّلاة يفرض التّوازن في طريقة التّلفّظ بكلمات القرآن أو الدّعاء أو التّسبيح،فإنّ ذلك يساهم في استيعاب المضمون بطريقة هادئة روحيّة، لا تجعل الكلمة تغيب في الهمس،و لا تصرخ في الجهر، بل تتحرّك في وعي السّمع بما يضمن نفاذها إلى القلب، و انسيابها في الرّوح.

و قد اختلف الرّأي في أنّ الحكم يشمل كلّ صلاة، باعتبار أنّ ما يراد بكلمة(بصلاتك)الاستغراق،أي كلّ صلاة،فيكون حكما لكلّ صلاة،أو أنّ الحكم يتعلّق بالمجموع من حيث المجموع،أي أن لا يجهر بجميع الصّلوات و لا يخافت بها،بل يجهر في بعض و يخافت في بعض.

و لكن الظّاهر هو الأوّل،لأنّ الآية في معرض الحديث عن طبيعة الجوّ الصّلاتيّ،لا عن أفرادها؛و ذلك من خلال الطّريقة الّتي يقرأ بها المصلّي،ممّا لا يتناسب مع التّفريق بين صلاة و أخرى.

و إذا كانت بعض المذاهب الإسلاميّة تفرض الإخفات في القراءة في الظّهرين و الجهر فيها في الصّبح و العشاءين،فلا بدّ من الالتزام معها بالتّخصيص بحالة القراءة أو بتوجيه ذلك بأسلوب آخر؛و ذلك متروك للبحث الفقهيّ.(14:255)

2- وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى. طه:7

ابن عبّاس: تعلن بالقول الفعل.(260)

نحوه البغويّ.(3:256)

الطّوسيّ: الجهر:رفع الصّوت،يقال:جهر يجهر جهرا فهو جاهر و الصّوت مجهور،و ضدّه الهمس.

(7:161)

نحوه الطّبرسيّ.(4:2)

الواحديّ: أي ترجع صوتك به.(3:201)

الزّمخشريّ: فإن قلت:كيف طابق الجزاء الشّرط؟

قلت:معناه و إن تجهر بذكر اللّه من دعاء أو غيره فاعلم أنّه غنيّ عن جهرك.فإمّا أن يكون نهيا عن الجهر، كقوله تعالى: وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ الأعراف:205،و إمّا تعليما للعباد أنّ الجهر ليس لإسماع اللّه و إنّما هو لغرض آخر.

(2:531)

ابن عطيّة: معناه و إن كنتم أيّها النّاس إذا أردتم إعلام أحد بأمر،أو مخاطبة أوثانكم و غيرها،فأنتم تجهرون بالقول،فإنّ اللّه الّذي هذه صفاته يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى فالمخاطبة ب(تجهر)لمحمّد عليه السّلام،و هي مراد بها جميع النّاس؛إذ هي آية اعتبار.(4:37)

البيضاويّ: أي و إن تجهر بذكر اللّه و دعائه،فاعلم أنّه غنيّ عن جهرك،فإنّه سبحانه يعلم السّرّ و أخفى منه، و هو ضمير النّفس.و فيه تنبيه على أنّ شرع الذّكر و الدّعاء و الجهر فيهما ليس لإعلام اللّه،بل لتقرير النّفس بالذّكر و رسوخه فيها و منعها عن الاشتغال بغيره،

ص: 270

و هضمها بالتّضرّع و الجؤار.(2:45)

نحوه البروسويّ(5:366)،و المراغيّ(16:96).

أبو حيّان :و الخطاب بقوله: وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ للرّسول ظاهرا،و المراد:أمّته.و لمّا كان خطاب النّاس لا يتأتّى،إلاّ بالجهر بالكلام جاء الشّرط بالجهر،و علّق على«الجهر»علمه بالسّرّ،لأنّ علمه بالسّرّ يتضمّن علمه بالجهر،أي إذا كان يعلم السّرّ فأحرى أن يعلم الجهر.(6:226)

نحوه أبو السّعود.(4:269)

الآلوسيّ: و خصّ الجهر بذلك،لأنّ أكثر المحاورات و مخاطبات النّاس به.[ثمّ ذكر كلام البيضاويّ و الزّمخشريّ و أضاف:]

و أنت تعلم أنّ القول:بأنّ الجهر بالذّكر و الدّعاء منهيّ لا ينبغي أن يكون على إطلاقه.[ثمّ ذكر الآراء و الرّوايات إلى أن قال:]

و حدّ الجهر على ما ذكره ابن حجر الهيثميّ في«المنهج القويم»أن يكون بحيث يسمع غيره،و الإسرار بحيث يسمع نفسه.و عند الحنفيّة في رواية:أدنى الجهر إسماع نفسه و أدنى المخافتة تصحيح الحروف،و هو قول الكرخيّ.

و في كتاب الإمام محمّد إشارة إليه،و الأصحّ كما في «المحيط»قول الشّيخين الهندوانيّ و الفضليّ،و هو الّذي عليه الأكثر:أنّ أدنى الجهر إسماع غيره و أدنى المخافتة إسماع نفسه.و من هنا قال في«فتح القدير»:إنّ تصحيح الحروف بلا صوت إيماء إلى الحروف بعضلات المخارج لا حروف؛إذ الحروف كيفيّة تعرض للصّوت،فإذا انتفى الصّوت المعروض انتفى الحرف العارض؛و حيث لا حرف فلا كلام بمعنى المتكلّم به،فلا قراءة بمعنى التّكلّم الّذي هو فعل اللّسان،فلا مخافتة عند انتفاء الصّوت،كما لا جهر.انتهى محرّرا.(16:162)

تجهروا

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ...

الحجرات:2

ابن عبّاس: لا تدعوه باسمه كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ كدعاء بعضكم لبعض باسمه،و لكن عظّموه و وقّروه و شرّفوه،و قولوا له:يا نبيّ اللّه و يا رسول اللّه و يا أبا القاسم.(435)

نحوه مجاهد(الطّبريّ 26:118)،و الفرّاء(3:

70)،و ابن قتيبة(415)،و الطّبريّ(26:117).

قتادة :كانوا يجهرون له بالكلام و يرفعون أصواتهم،فوعظهم اللّه و نهاهم عن ذلك.

(الطّبريّ 26:118)

البغويّ: أمرهم أن يبجّلوه و يفخّموه،و لا يرفعوا أصواتهم عنده،و لا ينادونه كما ينادي بعضهم بعضا.

(4:253)

نحوه الخازن.(6:182)

الزّمخشريّ: أنّكم إذا كلّمتموه و هو صامت فإيّاكم و العدول عمّا نهيتم عنه من رفع الصّوت،بل عليكم أن لا تبلغوا به الجهر الدّائر بينكم،و أن تتعمّدوا في

ص: 271

مخاطبته القول البيّن المقرب من الهمس الّذي يضادّ الجهر،كما تكون مخاطبة المهيب المعظّم،عاملين بقوله عزّ اسمه، وَ تُعَزِّرُوهُ وَ تُوَقِّرُوهُ الفتح:9.

و قيل:معنى وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ لا تقولوا له:يا محمّد يا أحمد،و خاطبوه بالنّبوّة.

[إلى أن قال:]

و ليس الغرض برفع الصّوت و لا الجهر ما يقصد به الاستخفاف و الاستهانة،لأنّ ذلك كفر و المخاطبون مؤمنون.و إنّما الغرض صوت هو في نفسه و المسموع من جرسه غير مناسب لما يهاب به العظماء و يوقّر الكبراء، فيتكلّف الغضّ منه،و ردّه إلى حدّ يميل به إلى ما يستبين فيه المأمور به من التّعزير و التّوقير.

و لم يتناول النّهي أيضا رفع الصّوت الّذي لا يتأذّى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و هو ما كان منهم في حرب أو مجادلة معاند أو إرهاب عدوّ أو ما أشبه ذلك،ففي الحديث أنّه قال عليه الصّلاة و السّلام للعبّاس بن عبد المطّلب لمّا انهزم النّاس يوم حنين:«اصرخ بالنّاس»و كان العبّاس أجهر النّاس صوتا.(3:545)

نحوه البيضاويّ(2:406)،و النّسفيّ(4:166)، و المراغيّ(26:121).

الطّبرسيّ: أي غضّوا أصواتكم عند مخاطبتكم إيّاه و في مجلسه،فإنّه ليس مثلكم؛إذ يجب تعظيمه و توقيره من كلّ وجه.

و قيل:معناه لا تقولوا له:يا محمّد،كما يخاطب بعضكم بعضا بل خاطبوه بالتّعظيم و التّبجيل،و قولوا:

يا رسول اللّه.(5:130)

نحوه شبّر.(6:55)

الفخر الرّازيّ: فيه فوائد:

إحداها:أنّ بالأوّل حصل المنع من أن يجعل الإنسان كلامه أو صوته أعلى من كلام النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و صوته،و لقائل أن يقول:فما منعت من المساواة،فقال تعالى وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ كما تجهرون لأقرانكم و نظرائكم،بل اجعلوا كلمته عليا.

و الثّانية:أنّ هذا أفاد أنّه لا ينبغي أن يتكلّم المؤمن عند النّبيّ عليه السّلام كما يتكلّم العبد عند سيّده،لأنّ العبد داخل تحت قوله: كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ لأنّه للعموم،فلا ينبغي أن يجهر المؤمن للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كما يجهر العبد للسّيّد،و إلاّ لكان قد جهر له كما يجهر بعضكم لبعض، لا يقال:المفهوم من هذا النّمط أن لا تجعلوه كما يتّفق بينكم بل تميّزوه بأن لا تجهروا عنده أبدا،و فيما بينكم لا تحافظون على الاحترام،لأنّا نقول:ما ذكرنا أقرب إلى الحقيقة،و فيه ما ذكرتم من المعنى و زيادة.

و يؤيّد ما ذكرنا قوله تعالى: اَلنَّبِيُّ أَوْلى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ الأحزاب:6،و السّيّد ليس أولى عند عبده من نفسه،حتّى لو كانا في مخمصة و وجد العبد ما لو لم يأكله لمات،لا يجب عليه بذله لسيّده،و يجب البذل للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.و لو علم العبد أنّ بموته ينجو سيّده، لا يلزمه أن يلقي نفسه في التّهلكة لإنجاء سيّده،و يجب لإنجاء النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام،و قد ذكرنا حقيقته عند تفسير الآية.

و أنّ الحكمة تقتضي ذلك،كما أنّ العضو الرّئيس أولى بالرّعاية من غيره،لأنّ عند خلل القلب مثلا لا يبقى

ص: 272

لليدين و الرّجلين استقامة.فلو حفظ الإنسان نفسه و ترك النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام لهلك هو أيضا،بخلاف العبد و السّيّد.(28:113)

القرطبيّ: أي لا تخاطبوه:يا محمّد و يا أحمد،و لكن:

يا نبيّ اللّه و يا رسول اللّه،توقيرا له.

و قيل:كان المنافقون يرفعون أصواتهم عند النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ليقتدي بهم ضعفة المسلمين،فنهي المسلمون عن ذلك.

و قيل: لا تَجْهَرُوا لَهُ أي لا تجهروا عليه،كما يقال:سقط لفيه،أي على فيه، كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ الكاف كاف التّشبيه في محلّ النّصب،أي لا تجهروا له جهرا مثل جهر بعضكم لبعض.

و في هذا دليل على أنّهم لم ينهوا عن الجهر مطلقا حتّى لا يسوغ لهم إلاّ أن يكلّموه بالهمس و المخافتة،و إنّما نهوا عن جهر مخصوص مقيّد بصفة،أعني الجهر المنعوت بمماثلة ما قد اعتادوه منهم فيما بينهم،و هو الخلوّ من مراعاة أبّهة النّبوّة و جلالة مقدارها،و انحطاط سائر الرّتب و إن جلّت رتبتها.(16:306)

نحوه أبو حيّان.(8:306)

الشّربينيّ: أي إذا كلّمتموه سواء كان ذلك مثل صوته أو أخفض من صوته،فإنّ ذلك غير مناسب لما يهاب به العظماء و يوقّر الكبراء، كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أي و لا تبلغوا به الجهر الدّائر بينكم،بل اجعلوا أصواتكم أخفض من ذلك،فإنّكم إن لم تفعلوا ذلك لم يظهر فرق بين النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و بين غيره.

فإن قيل:ما الفائدة في وَ لا تَجْهَرُوا بعد لا تَرْفَعُوا؟

أجيب بأنّ المنع من رفع الصّوت هو أن لا يجعل كلامه أو صوته أعلى من كلام النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و صوته،و النّهي عن الجهر منع من المساواة،أي لا تجهروا له بالقول كما تجهرون لنظرائكم،بل اجعلوا كلمته عليا.(4:60)

البروسويّ: إذا كلّمتموه و تكلّم هو أيضا.و الجهر:

يقال:لظهور الشّيء بإفراط لحاسّة البصر،نحو:رأيته جهارا،أو حاسّة السّمع،نحو: سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ الرّعد:10، كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أي جهرا كائنا كالجهر الجاري فيما بينكم،بل اجعلوا صوتكم أخفض من صوته،و تعهّدوا في مخاطبته اللّيّن القريب من الهمس،كما هو الدّأب عند مخاطبة المهيب المعظّم،و حافظوا على مراعاة جلالة النّبوّة.فنهوا عن جهر مخصوص مقيّد،و هو الجهر المماثل لجهر اعتادوه فيما بينهم،لا عن الجهر مطلقا حتّى لا يسوغ لهم،إلاّ أن يتكلّموا بالهمس و المخافتة.

فالنّهي الثّاني أيضا مقيّد بما إذا نطق و نطقوا،و الفرق أنّ مدلول النّهي الأوّل حرمة رفع الصّوت فوق صوته عليه السّلام،و مدلول الثّاني حرمة أن يكون كلامهم معه عليه السّلام في صفة الجهر كالكلام الجاري بينهم،و وجوب كون أصواتهم أخفض من صوته عليه السّلام بعد كونها ليست بأرفع من صوته،و هذا المعنى لا يستفاد من النّهي الأوّل، فلا تكرار.

و المفهوم من«الكشّاف»في الفرق بينهما:أنّ معنى النّهي الأوّل أنّه عليه السّلام إذا نطق و نطقتم فعليكم أن لا تبلغوا بأصواتكم فوق الحدّ الّذي يبلغ إليه صوته عليه السّلام،و أن تغضّوا من أصواتكم؛بحيث يكون صوته عاليا على

ص: 273

أصواتكم.و معنى الثّاني أنّكم إذا كلّمتموه و هو عليه السّلام ساكت،فلا تبلغوا بالجهر في القول،الجهر الدّائر بينكم، بل ليّنوا القول ليّنا يقارب الهمس الّذي يضادّ الجهر.

(9:63)

الآلوسيّ: [قال نحو البروسويّ و أضاف:]

و قيل:معنى وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ إلخ:

و لا تخاطبوا باسمه و كنيته كما يخاطب بعضكم بعضا، و خاطبوه بالنّبيّ و الرّسول.و الكلام عليه أبعد عن توهّم التّكرار،لكنّه خلاف الظّاهر،لأنّ ذكر الجهر عليه لا يظهر له وجه،و كان الظّاهر أن يقال مثلا:و لا تجعلوا خطابه كخطاب بعضكم بعضا.(26:135)

لاحظ«ر ف ع»«لا ترفعوا».

الجهر

1- لا يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاّ مَنْ ظُلِمَ...

النّساء:148

راجع«ق و ل-القول»،و«ظ ل م-ظلم»،و«س و ء- السّوء».

2- وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ وَ لا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ.

الأعراف:205

ابن عبّاس: دون الرّفع من القراءة و الصّمت.

(144)

إنّه أمر للإمام أن يرفع صوته في الصّلاة بالقراءة مقدار ما يسمع من خلفه.(الطّبرسيّ 2:515)

أن يذكر ربّه على وجه يسمع نفسه.

(الفخر الرّازيّ 15:108)

مجاهد :أمر أن يذكروه في الصّدور بالتّضرّع إليه في الدّعاء و الاستكانة،دون رفع الصّوت و الصّياح بالدّعاء.

مثله ابن جريج.(البغويّ 2:264)

الجبّائيّ: في الآية دليل على أنّ الّذين يرفعون أصواتهم بالدّعاء،و يجهرون بها مخطئون،على خلاف الصّواب.(الطّوسيّ 5:82)

الثّعلبيّ: دون رفع القول في خفض و سكوت يسمع من خلفك.(4:322)

الماورديّ: يعني أسرّ القول إمّا بالقلب أو باللّسان.(2:291)

الطّوسيّ: يعني دعاء باللّسان في خفاء الإجهاد (1).(5:82)

البغويّ: أراد في صلاة الجهر لا تجهر جهرا شديدا، بل في خفض و سكون،تسمع من خلفك.(2:264)

نحوه الميبديّ.(3:827)

الزّمخشريّ: و متكلّما كلاما دون الجهر،لأنّ الإخفاء أدخل في الإخلاص و أقرب إلى حسن التّفكّر.

(2:140)

نحوه البيضاويّ(1:383)،و النّسفيّ(2:92)، و الشّربينيّ(1:550)،و أبو السّعود(3:72)، و الكاشانيّ(2:263).

ابن عطيّة: فهذه مرتبة السّرّ و المخافتة باللّفظ.

(2:494)

ص: 274


1- كذا،و الظّاهر:الإجهار.

ابن العربيّ: يعني صلاة السّرّ فإنّه يسمع فيه نفسه و من يليه قليلا،بحركة اللّسان.(2:829)

الطّبرسيّ: معناه ارفعوا أصواتكم قليلا، و لا تجهروا بها جهارا بليغا،حتّى يكون عدلا بين ذلك، كما قال: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها الإسراء:

110.(2:515)

نحوه شبّر.(2:450)

ابن الجوزيّ: الجهر:الإعلان بالشّيء،و رجل جهير الصّوت،إذا كان صوته عاليا.و في هذا نصّ على أنّه الذّكر باللّسان،و يحتمل وجهين:أحدهما:قراءة القرآن،و الثّاني:الدّعاء،و كلاهما مندوب إلى إخفائه.

إلاّ أنّ صلاة الجهر قد بيّن أدبها في قوله: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها الإسراء:110.(3:314)

الفخر الرّازيّ: و المراد منه أن يقع ذلك الذّكر؛ بحيث يكون متوسّطا بين الجهر و المخافتة،كما قال تعالى:

وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً الإسراء:110،و قال عن زكريّا عليه السّلام: إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا مريم:3.

قال ابن عبّاس: و تفسير قوله: وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ المعنى أن يذكر ربّه على وجه يسمع نفسه،فإنّ المراد حصول الذّكر اللّسانيّ.و الذّكر اللّسانيّ إذا كان بحيث يسمع نفسه فإنّه يتأثّر الخيال من ذلك الذّكر، و تأثّر الخيال يوجب قوّة في الذّكر القلبيّ الرّوحانيّ، و لا يزال يتوقّى كلّ واحد من هذه الأركان الثّلاثة، و تنعكس أنوار هذه الأذكار من بعضها إلى بعض، و تصير هذه الانعكاسات سببا لمزيد القوّة و الجلاء و الانكشاف و التّرقّي،من حضيض ظلمات عالم الأجسام إلى أنوار مدبّر النّور و الظّلام.(15:108)

القرطبيّ: أي دون الرّفع في القول،أي اسمع كما قال: وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً أي بين الجهر و المخافتة.

و دلّ هذا على أنّ رفع الصّوت بالذّكر ممنوع،على ما تقدّم في غير موضع.(7:355)

أبو حيّان :لمّا أمرهم تعالى بالاستماع و الإنصات إذا شرع في قراءة القرآن،ارتقى من أمرهم إلى أمر الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم أن يذكر ربّه في نفسه،أي بحيث يراقبه، يذكره في الحالة الّتي لا يشعر بها أحد،و هي الحالة الشّريفة العليا،ثمّ أمره أن يذكره دون الجهر من القول، أي يذكره بالقول الخفيّ الّذي يشعر بالتّذلّل و الخشوع، من غير صياح و لا تصويت شديد،كما تناجى الملوك و تستجلب منهم الرّغائب.و كما قال للصّحابة،و قد جهروا بالدّعاء:إنّكم لا تدعون أصمّ و لا غائبا اربعوا على أنفسكم.و كان كلام الصّحابة رضي اللّه عنهم للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم سرارا،و كما قال تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ الحجرات:4،و قال تعالى: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ لأنّ في الجهر عدم مبالاة بالمخاطب و ظهور استعلاء و عدم تذلّل،و الذّكر شامل لكلّ من التّهليل و التّسبيح،و غير ذلك.

(4:452)

نحوه ابن كثير.(3:272)

السّمين: وَ دُونَ الْجَهْرِ قال أبو البقاء:معطوف على تضرّع،و التّقدير:و مقتصدين.و هذا ضعيف،لأنّ

ص: 275

(دون)ظرف لا يتصرّف على المشهور،فالّذي ينبغي أن يجعل صفة لشيء محذوف،ذلك المحذوف هو الحال،كما قدّره الزّمخشريّ.(3:391)

البروسويّ: (دون)صفة لمحذوف هو الحال،أي و متكلّما كلاما هو دون الجهر،فإنّه أقرب إلى حسن التّفكّر.فمن أمّ في صلاة الجهر ينبغي له أن لا يجهر جهرا شديدا بل يقتصر على قدر ما يسمعه من خلفه.[إلى أن قال:]

و قد جمع النّوويّ بين الأحاديث الواردة في استحباب الجهر بالذّكر و الواردة في استحباب الإسرار به،بأنّ الإخفاء أفضل.حيث خاف الرّياء أو تأذّى المصلّون أو النّائمون،و الجهر أفضل في غير ذلك،لأنّ العمل فيه أكثر،و لأنّ فائدته تتعدّى إلى السّامعين، و لأنّه يوقظ قلب الذّاكر و يجمع همّه إلى الفكر، و يصرف سمعه إليه،و يطرد النّوم و يزيد في النّشاط.

و بالجملة أنّ المختار عند الأخيار أنّ المبالغة و الاستقصاء في رفع الصّوت بالتّكبير في الصّلاة و نحوه مكروه،و الحالة الوسطى بين الجهر و الإخفاء مع التّضرّع و التّذلّل و الاستكانة الخالية عن الرّياء جائز غير مكروه باتّفاق العلماء،كذا في«أنوار المشارق»،و قد سبق من شارح«الكشّاف»أنّ الشّيخ المرشد قد يأمر المبتدئ برفع الصّوت،لتنقلع من قلبه الخواطر الرّاسخة فيه.(3:306)

الآلوسيّ: (دون)صفة لمعمول حال محذوف،أي و متكلّما كلاما دون الجهر،لأنّ(دون)لا يتصرّف على المشهور،و العطف على(تضرّعا).

و قيل:لا حاجة إلى ما ذكر،و العطف على حاله، و المراد اذكره متضرّعا و مقتصدا.

و قيل:إنّ العطف على قوله تعالى:(فى نفسك)لكن على معنى اذكره ذكرا في نفسك و ذكرا بلسانك دون الجهر.و المراد بالجهر:رفع الصّوت المفرط،و بما دونه نوع آخر من الجهر.(9:154)

المراغيّ: أي و اذكر ربّك الّذي خلقك و ربّاك بنعمه في نفسك،بأن تستحضر معنى أسمائه و صفاته و آلائه و فضله عليك و حاجتك إليه،متضرّعا له خائفا منه راجيا نعمه.و اذكره بلسانك مع ذكره في نفسك، ذكرا دون الجهر برفع الصّوت من القول،و فوق التّخافت و السّرّ،بل ذكرا قصدا وسطا،كما قال تعالى: وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً الإسراء:110.(9:156)

ابن عاشور :هو مقابل لكلّ من التّضرّع و الخيفة، و هو الذّكر المتوسّط بين الجهر و الإسرار،و المقصود من ذلك استيعاب أحوال الذّكر باللّسان،لأنّ بعضها قد تكون النّفس أنشط إليه منها إلى البعض الآخر.(8:413)

مغنيّة:معناه اذكر ربّك بصوت متوسّط بين الجهر و الإخفات وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بدل صراحة، على أنّ من رفع صوته بالقرآن فقد ترك المستحبّ و فعل خلاف الأولى،بخاصّة إذا كان في المكبّر،و بصورة أخصّ إذا كان فيه إزعاج للنّائمين.(3:442)

الطّباطبائيّ: قسم الذّكر إلى ما في النّفس،و دون الجهر من القول،ثمّ أمر بالقسمين.

و أمّا الجهر من القول في الذّكر فمضرب عنه لا لأنّه

ص: 276

ليس ذكرا بل لمنافاته لأدب العبوديّة.و يدلّ على ذلك ما ورد أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله سار بأصحابه في بعض غزواته فدخلوا واديا موحشا-و اللّيل داج-فكان ينادي بعض أصحابه بالتّكبير،فنهاه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و قال:«إنّكم لا تدعون غائبا بعيدا».(8:382)

فضل اللّه :في ما يشبه الهمس الّذي يعبّر عن النّبضة و الخفقة و الإحساس و الإيحاء،كما لو كان حديث النّفس الّذي قد يقترب من حركة الكلمة في الشّفاه و لكنّه يبتعد عن الصّوت القويّ في الحناجر.(10:315)

3- إِلاّ ما شاءَ اللّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَ ما يَخْفى. الأعلى:7

ابن عبّاس: العلانية من القول و الفعل.(508)

نحوه الواحديّ(4:470)،و البغويّ(5:242)، و ابن الجوزيّ(9:90)،و القرطبيّ(20:109)، و الخازن(7:196)،و الشّربينيّ(4:521).

أنّ(الجهر):ما علمه،(و ما يخفى)ما سيتعلّمه من بعد.

(الماورديّ 6:253)

الماورديّ: فيه ثلاثة تأويلات:

أحدها:أنّ(الجهر):ما حفظته من القرآن في صدرك،(و ما يخفى)هو ما نسخ من حفظك.

و الثّاني:[قول ابن عبّاس و قد تقدّم]

الثّالث:أنّ(الجهر):ما قد أظهره،(و ما يخفى):

ما تركه من الطّاعات.(6:253)

الطّوسيّ: معناه أنّ اللّه تعالى يعلم السّرّ و العلانية، ف(الجهر):رفع الصّوت،و نقيضه الهمس،و هو ضعف الصّوت،أي يحفظ عليك ما جهرت به و ما أخفيته ممّا تريد أن تعيه،جهر بالقراءة يجهر جهرا،و منه قوله:

وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها الإسراء:110.

(10:330)

نحوه الطّبرسيّ.(5:475)

الزّمخشريّ: يعني أنّك تجهر بالقراءة مع قراءة جبريل عليه السّلام مخافة التّفلّت،و اللّه يعلم جهرك معه و ما في نفسك ممّا يدعوك إلى الجهر،فلا تفعل فأنا أكفيك ما تخافه.أو يعلم ما أسررتم و ما أعلنتم من أقوالكم و أفعالكم،و ما ظهر و بطن من أحوالكم،و ما هو مصلحة لكم في دينكم و مفسدة فيه فينسي من الوحي ما يشاء و يترك محفوظا ما يشاء.(4:243)

نحوه الفخر الرّازيّ(31:143)،و البيضاويّ(2:

554)،و النّسفيّ(4:349)،و ابن كثير(7:269)، و الكاشانيّ(5:317)،و القاسميّ(17:6133)، و المراغيّ(30:124).

البيضاويّ: ما ظهر من أحوالكم و ما بطن،أو جهرك بالقراءة مع جبريل عليه الصّلاة و السّلام، و ما دعاك إليه من مخافة النّسيان،فيعلم ما فيه صلاحكم من إبقاء و إنساء.(2:554)

أبو السّعود :تعليل لما قبله،أي ما ظهر و ما بطن من الأمور الّتي من جملتها ما أوحي إليك،فينسي ما يشاء إنساءه و يبقي محفوظا ما يشاء إبقاءه،لما نيط بكلّ منهما من مصالح دينكم.(6:415)

نحوه البروسويّ.(10:407)

الآلوسيّ: تعليل لما قبله.و(الجهر)هنا:ما ظهر قولا أو فعلا أو غيرهما،و ليس خاصّا بالأقوال بقرينة

ص: 277

المقابلة،أي إنّه تعالى يعلم ما ظهر و ما بطن من الأمور الّتي من جملتها حالك و حرصك على حفظ ما يوحى إليك بأسره،فيقرئك ما يقرئك،و يحفظك عن نسيان ما شاء منه،و ينسيك ما شاء منه،مراعاة لما نيط بكلّ من المصالح و الحكم التّشريعيّة.

و قيل:توكيد لجميع ما تقدّمه و توكيد لما بعده.

و قيل:توكيد لقوله تعالى: (سَنُقْرِئُكَ) إلخ على أنّ (الجهر):ما ظهر من الأقوال،أي يعلم سبحانه جهرك بالقراءة مع جبريل عليه السّلام،و ما دعاك إليه من مخافة النّسيان،فيعلم ما فيه الصّلاح من إبقاء و إنساء،أو فلا تخف فإنّي أكفيك ما تخاف.

و قيل:إنّه متعلّق بقوله تعالى: سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى الأعلى:1،و هذا ليس بشيء كما ترى.

(30:107)

الطّباطبائيّ: (الجهر):كمال ظهور الشّيء لحاسّة البصر،كقوله: فَقالُوا أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً النّساء:153، أو لحاسّة السّمع،كقوله: إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ الأنبياء:110.و المراد ب(الجهر):الظّاهر للإدراك بقرينة مقابلته لقوله:(و ما يخفى)من غير تقييده بسمع أو بصر.(20:267)

جهرا

ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَ مَنْ رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَ جَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ... النّحل:75

ابن عبّاس: فيما بينه و بين النّاس في سبيل اللّه، و هذا مثل المؤمن المخلص.(227)

الطّبريّ: يقول:بعلم من النّاس و غير علم.

(14:149)

السّمين:يجوز أن يكون منصوبا على المصدر،أي إنفاق سرّ و جهر،و يجوز أن يكون حالا.(4:349)

أبو السّعود :أي حال السّرّ و الجهر،أو إنفاق سرّ و إنفاق جهر،و المراد:بيان عموم إنفاقه للأوقات، و شمول إنعامه لمن يجتنب عن قبوله جهرا،و الإشارة إلى أصناف نعم اللّه تعالى الباطنة و الظّاهرة،و تقديم السّرّ على الجهر للإيذان بفضله عليه.(4:79)

نحوه البروسويّ.(5:59)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و جوّز أن يكون وصفه بالكثرة مأخوذا من هذا، بناء أنّ المراد منه كيف يشاء،و هو يدلّ على أنحاء التّصرّف و سعة المتصرّف منه.(14:195)

ابن عاشور :حالان من ضمير(ينفق)و هما مصدران مؤوّلان بالصّفة،أي مسرّا و جاهرا بإنفاقه، و المقصود من ذكرهما:تعميم الإنفاق كناية عن استقلال التّصرّف،و عدم الوقاية من مانع إيّاه عن الإنفاق.

و هذا مثل لغنى اللّه تعالى وجوده على النّاس.

(13:181)

جهرة

وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ. البقرة:55

ابن عبّاس: علانية.(الطّبريّ 1:289)

ص: 278

قتادة:أي عيانا.

مثله الرّبيع.(الطّبريّ 1:289)

ابن زيد :حتّى يطلع إلينا.(الطّبريّ 1:289)

الطّبريّ: و تأويل ذلك:و اذكروا أيضا إذ قلتم:

يا موسى لن نصدّقك و لن نقرّ بما جئتنا به حتّى نرى اللّه جهرة عيانا؛برفع السّاتر بيننا و بينه،و كشف الغطاء دوننا و دونه،حتّى ننظر إليه بأبصارنا،كما تجهر الرّكيّة؛ و ذلك إذا كان ماؤها قد غطّاه الطّين،فنفى ما قد غطّاه حتّى ظهر الماء وصفا،يقال منه:قد جهرت الرّكيّة أجهرها جهرا و جهرة،و لذلك قيل:قد جهر فلان بهذا الأمر مجاهرة و جهارا،إذا أظهره لرأي العين و أعلنه.[ثمّ استشهد بشعر](1:289)

الزّجّاج: معنى(جهرة)غير مستتر عنّا بشيء، يقال:فلان يجاهر بالمعاصي،أي لا يستتر من النّاس منها بشيء.(1:137)

نحوه الواحديّ(1:140)،و مغنيّة(1:105).

الطّوسيّ: قد تكون الرّؤية غير جهرة كالرّؤية في النّوم و الرّؤية بالقلب،فإذا قال:جهرة،لم يكن إلاّ رؤية العين على التّحقيق دون التّخييل.[إلى أن قال:]

و قوله:(جهرة)مشتقّ من جهرت الرّكيّة أجهرها جهرا و جهرة،إذا كان ماؤها قد غطّاه الطّين،فنقّيت حتّى ظهر الماء.

و قيل:أخذ من قولهم:فلان تجاهر بالمعاصي،إذا كان لا يسرّها.(1:251)

البغويّ: [بعد مجيء موسى من الطّور]فقالوا له:

لن نؤمن لك حتّى نرى اللّه جهرة معاينة؛و ذلك أنّ العرب تجعل العلم بالقلب رؤية،فقال:(جهرة)ليعلم أنّ المراد منه العيان.(1:119)

الزّمخشريّ: عيانا،و هي مصدر من قولك:جهر بالقراءة و بالدّعاء،كأنّ الّذي يرى بالعين جاهر بالرّؤية،و الّذي يرى بالقلب مخافت بها.و انتصابها على المصدر،لأنّها نوع من الرّؤية،فنصبت بفعلها كما تنصب القرفصاء (1)بفعل الجلوس،أو على الحال بمعنى ذوي جهرة.

و قرئ بفتح الهاء،و هي إمّا مصدر كالغلبة و إمّا جمع جاهر.(1:281)

نحوه البيضاويّ(1:57)،و أبو السّعود(1:136)، و البروسويّ(1:139)،و شبّر(1:100)،و القاسميّ (2:128).

ابن عطيّة: (جهرة)مصدر في موضع الحال، و الأظهر أنّها من الضّمير في(نرى)،و قيل:من الضّمير في(نؤمن)و قيل:من الضّمير في(قلتم).و الجهرة:

العلانية،و منه الجهر ضدّ السّرّ،و جهر الرّجل الأمر:

كشفه.

و قرأ سهل بن شعيب و حميد بن قيس (جهرة) بفتح الهاء،و هي لغة مسموعة عند البصريّين،فيما فيه حرف الحلق ساكنا قد انفتح ما قبله،و الكوفيّون يجيزون فيه الفتح،و إن لم يسمعوه.

و يحتمل أن يكون(جهرة)جمع جاهر،أي حتّى نرى اللّه كاشفين هذا الأمر.(1:147)

الطّبرسيّ: أي علانية،فيخبرنا بأنّك نبيّ مبعوث.س.

ص: 279


1- القرفصاء مثلّثة نوع من الجلوس.

و قيل:معناه إنّا لا نصدّقك فيما تخبر به من صفات اللّه تعالى و ما يجوز عليه و ما لا يجوز عليه حتّى نرى اللّه جهرة،أي علانية و عيانا فيخبرنا بذلك.

و قيل:إنّه لمّا جاءهم بالألواح و فيها التّوراة قالوا:

لن نؤمن بأنّ هذا من عند اللّه حتّى نراه عيانا.

و قال بعضهم:إنّ قوله:(جهرة)صفة لخطابهم لموسى أنّهم جهروا به و أعلنوه،و تقديره:و إذ قلتم جهرة لن نؤمن لك حتّى نرى اللّه؛و الأوّل أقوى.

(1:114)

الفخر الرّازيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و إنّما قالوا:جهرة تأكيدا لئلاّ يتوهّم متوهّم أنّ المراد بالرّؤية العلم أو التّخيّل على ما يراه النّائم.(3:84)

القرطبيّ: مصدر في موضع الحال و معناه علانية و أصل الجهر:الظّهور،و منه الجهر بالقراءة إنّما هو إظهارها،و المجاهرة بالمعاصي:المظاهرة بها.و رأيت الأمير جهارا و جهرة،أي غير مستتر بشيء.و قرأ ابن عبّاس(جهرة)بفتح الهاء و هما لغتان مثل زهرة و زهرة، و في الجهر وجهان:أحدهما:أنّه صفة لخطابهم لموسى أنّهم جهروا به و أعلنوا،فيكون في الكلام تقديم و التّقدير:و إذ قلتم جهرة:يا موسى.

الثّاني:أنّه صفة لما سألوه من رؤية اللّه تعالى أن يروه جهرة عيانا؛فيكون الكلام على نسقه لا تقديم فيه و لا تأخير،و أكّد بالجهر فرقا بين رؤية العيان و رؤية المنام.(1:404)

أبو حيّان :(حتّى)هنا حرف غاية،أخبروا بنفي إيمانهم مستصحبا إلى هذه الغاية،و مفهومها أنّهم إذا رأوا اللّه جهرة آمنوا.و الرّؤية هنا هي البصريّة،و هي الّتي لا حجاب دونها و لا ساتر،و انتصاب(جهرة)على أنّه مصدر مؤكّد مزيل لاحتمال الرّؤية أن تكون مناما أو علما بالقلب.

و المعنى حتّى نرى اللّه عيانا،و هو مصدر من قولك:

جهر بالقراءة و بالدّعاء،أي أعلن بها.فأريد بها:نوع من الرّؤية،فانتصابها على حدّ قولهم:قعد القرفصاء.

و في نصب هذا النّوع خلاف مذكور في النّحو، و الأصحّ أن يكون منصوبا بالفعل السّابق يعدّى إلى النّوع،كما تعدّى إلى لفظ المصدر الملاقي مع الفعل في الاشتقاق.

و قيل:انتصابه على أنّه مصدر في موضع الحال، على تقدير الحذف،أي ذوي جهرة،أو على معنى جاهرين بالرّؤية،لا على طريق المبالغة،نحو:رجل صوم،لأنّ المبالغة لا تراد هنا.فعلى القول الأوّل:تكون «الجهرة»من صفات الرّؤية،و على هذا القول تكون من صفات الرّائين.

و ثمّ قول ثالث:و هو أن يكون راجعا لمعنى القول أو القائلين،فيكون المعنى:و إذ قلتم كذا قولا جهرة أو جاهرين بذلك القول،لم يسرّوه و لم يتكاتموا به بل صرّحوا به و جهروا بأنّهم أخبروا بانتفاء الإيمان مغيّا بالرّؤية،و القول:بأنّ«الجهرة»راجع لمعنى القول، مرويّ عن ابن عبّاس و أبي عبيدة.

و الظّاهر تعلّقه بالرّؤية لا بالقول،و هو الّذي يقتضيه التّركيب الفصيح.[ثمّ نقل اختلاف القراءة و توجيهها]

(1:210)

ص: 280

نحوه الآلوسيّ.(1:262)

جاء بهذا المعنى كلمة«جهرة»في سورة النّساء:153.

جهارا

ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً. نوح:8

ابن عبّاس: علانية بغير سرّ.(487)

نحوه الطّوسيّ.(10:135)

بأعلى صوتي.(الواحديّ 4:347)

مجاهد :الجهار:كلام المعلن به.(الطّبريّ 29:93)

نحوه الواحديّ(4:357)،و ابن الجوزيّ(8:

370)،و الشّربينيّ(4:391).

الطّبريّ: ظاهرا في غير خفاء.(29:93)

الزّجّاج: أي دعوتهم مظهرا لهم الدّعوة،و(جهارا) منصوب،مصدر موضوع موضع الحال.المعنى دعوتهم مجاهرا بالدّعاء إلى توحيد اللّه و تقواه.(5:229)

الماورديّ: أي مجاهرة يرى بعضهم بعضا.

(6:101)

الزّمخشريّ: فإن قلت:ذكر أنّه دعاهم ليلا و نهارا،ثمّ دعاهم جهارا،ثمّ دعاهم في السّرّ و العلن، فيجب أن تكون ثلاث دعوات مختلفات حتّى يصحّ العطف.

قلت:قد فعل عليه الصّلاة و السّلام كما يفعل الّذي يأمر بالمعروف و ينهى عن المنكر،في الابتداء بالأهون و التّرقّي في الأشدّ فالأشدّ،فافتتح بالمناصحة في السّرّ، فلمّا لم يقبلوا ثنّى بالمجاهرة،فلمّا لم تؤثّر ثلّث بالجمع بين الإسرار و الإعلان.

و معنى(ثمّ)الدّلالة على تباعد الأحوال،لأنّ الجهار أغلظ من الإسرار،و الجمع بين الأمرين أغلظ من إفراد أحدهما.

و(جهارا)منصوب ب(دعوتهم)نصب المصدر،لأنّ الدّعاء أحد نوعيه الجهار،فنصب به نصب«القرفصاء» ب«قعد»لكونها أحد أنواع القعود،أو لأنّه أراد بدعوتهم جاهرتهم.

و يجوز أن يكون صفة لمصدر«دعا»بمعنى دعاء جهارا،أي مجاهرا به.أو مصدرا في موضع الحال،أي مجاهرا.(4:162)

نحوه الفخر الرّازيّ(30:136)،و القرطبيّ(18:

301)،و البيضاويّ(2:507)،و النّسفيّ(4:295)، و السّمين(6:383)،و أبو السّعود(6:308)، و البروسويّ(10:175)،و شبّر(6:288)، و الكاشانيّ(5:231).

أبو حيّان :[نحو الزّمخشريّ و ذكر كلامه في معنى «ثمّ»الدّالّة على تباعد الأحوال ثمّ أضاف:]

و كثيرا كرّر الزّمخشريّ أنّ(ثمّ)للاستبعاد،و لا نعلمه من كلام غيره.(8:339)

الآلوسيّ: أي دعوتهم مرّة بعد مرّة و كرّة غبّ كرّة،على وجوه متخالفة و أساليب متفاوتة.و هو تعميم لوجوه الدّعوة بعد تعميم الأوقات.و قوله: ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً يشعر بمسبوقيّة الجهر بالسّرّ،و هو الأليق بمن همّه الإجابة،لأنّه أقرب إليها،لما فيه من اللّطف بالمدعوّ.ف(ثمّ)لتفاوت الوجوه،و أنّ الجهار أشدّ من الإسرار،و الجمع بينهما أغلظ من الإفراد.

ص: 281

و قال بعض الأجلّة:ليس في النّظم الجليل ما يقتضي أنّ الدّعوة الأولى كانت سرّا فقط،فكأنّه أخذ ذلك من المقابلة،و من تقديم قوله:(ليلا)و ذكرهم بعنوان «قومه»،و قوله:(فرارا)فإنّ القرب ملائم له.

و جوّز كون(ثمّ)على معناها الحقيقيّ،و هو التّراخي الزّمانيّ،لكنّه باعتبار مبدإ كلّ من الإسرار و الجهار و منتهاه،و باعتبار منتهى الجمع بينهما،لئلاّ ينافي عموم الأوقات السّابق،و يحسن اعتبار ذلك و إن اعتبر عمومها عرفيّا،كما في:لا يضع العصا عن عاتقه.

و(جهارا)منصوب ب(دعوتهم)على المصدريّة، لأنّه أحد نوعي الدّعاء،كما نصب«القرفصاء»في:

قعدت القرفصاء عليها،لأنّها أحد أنواع القعود،أو أريد ب(دعوتهم)جاهرتهم،أو صفة لمصدر محذوف،أي دعوتهم دعاء جهارا،أي مجاهرا بفتح الهاء به،أو مصدر في موقع الحال،أي مجاهرا بزنة اسم الفاعل.

(29:72)

ابن عاشور :(جهار):اسم مصدر جهر،و هو هنا وصف لمصدر(دعوتهم)أي دعوة جهارا.و ارتقى فذكر أنّه جمع بين الجهر و الإسرار،لأنّ الجمع بين الحالتين أقوى في الدّعوة و أغلظ من إفراد إحداهما.[إلى أن قال:]

و انتصب(جهارا)بالنّيابة عن المفعول المطلق المفيد للتّوكيد،أي إسرارا خفيّا.(29:183)

الطّباطبائيّ: (ثمّ)للتّراخي بحسب رتبة الكلام، و الجهار:النّداء بأعلى الصّوت.(20:29)

لاحظ«د ع و-دعوتهم».

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجهر،و هو ظهور ماء البئر بعد تنقيته من الطّين،يقال:جهرت البئر و اجتهرتها،أي نقّيتها،و أخرجت ما فيها من الحمأة، و جهرت الرّكيّة،إذا كان ماؤها قد غطّي بالطّين،فنقّي ذلك حتّى يظهر الماء و يصفو.و حفر البئر حتّى جهر:بلغ الماء،و جهر البئر:أخرج ما فيها من الحمأة و الماء فهي مجهورة،و المجهور:الماء الّذي كان سدما،فاستسقي منه حتّى طاب.

و جهرت السّقاء:مخضته،أي أخرجت الزّبد من لبنه،فهو لبن جهير،تشبيها بإخراج الطّين من الماء، و لبن جهير:لم يمذق بماء.

و العين الجهراء:كالجاحظة و هو ظهورها خارج الحدقة،يقال:رجل أجهر و امرأة جهراء،و الأجهر:من الجهرة،أي الحولة،يقال:أجهر الرّجل،أي جاء بابن أحول،و المتجاهر:الّذي يريك أنّه أجهر.و الأجهر أيضا:الّذي لا يبصر في الشّمس،يقال:جهر يجهر جهرا،و جهرته الشّمس:أسدرت بصره،و كذا كبش أجهر و نعجة جهراء،فتسلسل اللّفظ من معنى إلى ما يشابهه و يلزمه،كما هو المعتاد في اللّغة.

و الجهراء:الرّابية السّهلة العريضة،و ما استوى من ظهر الأرض ليس بها شجر و لا آكام و لا رمال،إنّما هي فضاء،و كذلك العراء،يقال:وطئنا أعرية و جهراوات، و جهرنا الأرض:سلكناها من غير معرفة،و فرس أجهر:غشّت غرّته وجهه،تشبيها بالجهراء،أي الرّابية.

ص: 282

و جهرنا بني فلان:صبّحناهم على غرّة،أي أتيناهم صباحا،و الصّباح جهر،كما قال ابن فارس.

و جهر الجيش و القوم يجهرهم جهرا و اجتهرهم:

كثروا في عينيه،و جهراء القوم:جماعتهم،يقال:كيف جهراؤكم؟أي جماعتكم.

و الجهر:حسن المنظر،أي حسن ظهوره في عين الرّائي،يقال:ما أحسن جهر فلان!أي ما يجتهر من هيئته و حسن منظره،و جهرت الرّجل و اجتهرته:رأيته عظيم المرآة،و رجل حسن الجهارة و الجهر:ذو منظر،و رجل جهير:بيّن الجهورة و الجهارة،أي ذو منظر؛و الأنثى:

جهيرة،و وجه جهير:ظاهر الوضاءة،و جهرت الرّجل:

رأيت هيئته و حسن منظره.و كنت إذا رأيت فلانا جهرته و اجتهرته:رعته.و أجهر الرّجل:جاء ببنين ذوي جهارة،و هم الحسنو القدود،الحسنو المنظر،و الأجهر:

الحسن المنظر،الحسن الجسم التّامّة،و جهرني الشّيء و اجتهرني:راعني جماله،و جهرني فلانا بما ليس عنده:

هو أن يختلف ما ظننت به من الخلق أو المال أو في منظره.

و الجهرة:ما ظهر،يقال:رآه جهرة،أي لم يكن بينهما ستر،و جهرته،و اجتهرته:رأيته بلا حجاب بيني و بينه،و جهرت الشّيء:كشفته.

و الجهر:العلانية،يقال:جهر الشّيء،أي علن و بدا، و جهر الكلام و أجهره:أعلنه،و جاهرني فلان جهارا:

علانية،و جاهرهم بالأمر مجاهرة و جهارا:عالنهم.

و جهر بكلامه و دعائه و صوته و صلاته و قراءته يجهر جهرا و جهارا،و جهر بالقول:رفع صوته فهو جهير، و أجهر فهو مجهر،يقال:أجهر بقراءته،أي أعلى صوته، و رجل مجهر،إذا كان من عادته أن يجهر بكلامه،و رجل جهير الصّوت و جهوريّه:رفيعه؛و الجهوريّ:الصّوت العالي،و صوت جهير و كلام جهير:عالن عال.

و أمر مجهر:واضح بيّن،و قد أجهرته أنا إجهارا، أي شهرته،فهو مجهور به مشهور،و فلان جهير للمعروف:خليق له،و هم جهراء للمعروف:خلقاء له.

2-الحروف المجهورة:ضدّ المهموسة،و هي كما قال سيبويه:«حروف أشبع الاعتماد في موضعها حتّى منع النّفس أن يجري معه حتّى ينقضي الاعتماد و يجري الصّوت،غير أنّ الميم و النّون من جملة المجهورة،و قد يعتمد لها في الفم و الخياشيم،فتصير فيهما غنّة».و هي تسعة عشر حرفا،يجمعها قولهم:«ظلّ قوّ ربض إذ غزا جند مطيع»،و المهموسة سائر الحروف،و هي عشرة أحرف،يجمعها قولهم:«سكت فحثّه شخص».

3-و ممّا ولّد في هذا العصر لفظ«المجهر»لآلة تكبّر الأشياء الدّقيقة الّتي لا ترى بالعين المجرّدة مرّات كثيرة جدّا.و هو نوعان:كهربائيّ و نوريّ،و يستعمل اليوم على نطاق واسع في المختبرات الطّبّيّة و الزّراعيّة و غيرهما.

4-و الجوهر:كلّ حجر يستخرج منه شيء ينتفع به،و الواحدة:جوهرة،و الجمع:جواهر.و لم يسمع منه فعل،سوى أنّ المتأخّرين اشتقّوا منه اسم مفعول، فقالوا:مجوهر،و استعملوه لما زيّن بالجوهر،نحو:تاج مجوهر،و خاتم مجوهر،و الجمع:مجوهرات.و هو ليس من الجهر بل معرّب من اللّفظ الفارسيّ«گوهر».

و الجوهريّ: أبو نصر إسماعيل بن حمّاد اللّغويّ المشهور،صاحب كتاب«صحاح اللّغة»،نسبة إلى

ص: 283

الجوهر،و لا يعلم سبب تسميته بهذا الاسم،بيد أنّ هذه النّسبة تطلق في اللّغة على صانعه أو بائعه.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الفعل الماضي مرّة،و المضارع نهيا مرّتين، و شرطا مرّة،و الأمر مرّة،و المصدر بلفظين(11)مرّة:

1-الفعل:

1- سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ وَ مَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَ سارِبٌ بِالنَّهارِ الرّعد:10

2- قُلِ ادْعُوا اللّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمنَ أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً الإسراء:110

3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ... الحجرات:2

4- وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى

طه:7

5- وَ أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ الملك:13

المصدر:جهر

6- لا يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاّ مَنْ ظُلِمَ وَ كانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً النّساء:148

7- وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَ الْآصالِ وَ لا تَكُنْ مِنَ الْغافِلِينَ

الأعراف:205

8- إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَ يَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ الأنبياء:110

9- سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى* إِلاّ ما شاءَ اللّهُ إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَ ما يَخْفى الأعلى:7

10- ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً عَبْداً مَمْلُوكاً لا يَقْدِرُ عَلى شَيْءٍ وَ مَنْ رَزَقْناهُ مِنّا رِزْقاً حَسَناً فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَ جَهْراً هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلّهِ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْلَمُونَ

النّحل:75

11- وَ هُوَ اللّهُ فِي السَّماواتِ وَ فِي الْأَرْضِ يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَ جَهْرَكُمْ وَ يَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ الأنعام:3

12- وَ إِذْ قُلْتُمْ يا مُوسى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْكُمُ الصّاعِقَةُ وَ أَنْتُمْ تَنْظُرُونَ البقرة:55

13- يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً مِنَ السَّماءِ فَقَدْ سَأَلُوا مُوسى أَكْبَرَ مِنْ ذلِكَ فَقالُوا أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً فَأَخَذَتْهُمُ الصّاعِقَةُ... النّساء:153

14- قُلْ أَ رَأَيْتَكُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً هَلْ يُهْلَكُ إِلاَّ الْقَوْمُ الظّالِمُونَ الأنعام:47

المصدر:جهار

15- ثُمَّ إِنِّي دَعَوْتُهُمْ جِهاراً* ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَ أَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً نوح:8،9

يلاحظ أوّلا:أنّ«الجهر»جاء في القول و الفعل:

فالقول(9)مرّات(1-8 و 15)و كلّها بلفظ«القول»إلاّ (2 و 9 و 15)فبلفظ الصّلاة و القراءة و الدّعاء،و هي قول أيضا.و الفعل(5)مرّات:(10-14)علما بأنّ(11) شامل للقول و الفعل معا: يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَ جَهْرَكُمْ وَ يَعْلَمُ ما تَكْسِبُونَ.

ثانيا:جاء«الجهر»مع«السّرّ»و ما بمعناه مرّات:

ص: 284

و فيها بحوث:

1-جاء مع«السّرّ»(4)مرّات:مرّتين في القول:

(1 و 5)و مرّتين في الفعل:(10 و 11)،و مرّة مع الإخفات:(2) وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها بتفاوت بينها،فإنّ«جهر»و«أخفت»متعدّيان ب(الباء) و(أسرّ)متعدّ بصيغته مثل(1) مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ مع أنّ«جهر»من المجرّد و«أسرّ و أخفت) كلاهما من باب«الإفعال».لاحظ:«س ر ر»، و«خ ف ت».

2-و جاء«الجهر»مرّة في(4)مع«أسرّ و أخفى» فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى، و مرّة في(9)مع ما يَخْفى «انه يعلم السر و ما يخفى»و مرّة في(8)مع(تكتمون) وَ يَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ كلّها رعاية للرّويّ و المعنى واحد، فلاحظ ما قبلها و بعدها من الآيات.

3-قدّم الإسرار أو السّرّ على الجهر في (1 و 5 و 10 و 11)و أخّر«السّرّ»و ما بمعناه عن«الجهر»في (2 و 4 و 8 و 9)و كذا(15)-و يأتي بحثها-و يلاحظ أنّ بعض ما قدّم فيه(السّرّ)فهو متعلّق علم اللّه مثل(5):

وَ أَسِرُّوا قَوْلَكُمْ أَوِ اجْهَرُوا بِهِ إِنَّهُ عَلِيمٌ بِذاتِ الصُّدُورِ و(11): يَعْلَمُ سِرَّكُمْ وَ جَهْرَكُمْ، و مثلها (1): سَواءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَ مَنْ جَهَرَ بِهِ...

فقبلها اَللّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى... عالِمُ الْغَيْبِ وَ الشَّهادَةِ الرّعد:8 و 9،و قدّم«الغيب»على «الشّهادة»و الكلام فيها عن سعة علم اللّه أيضا فهدانا اللّه إلى أنّ علمه بالغيب و الشّهادة و السّرّ و الجهر سواء.

لكن قدّم«السّرّ»تأكيدا على أنّهما سواء،و أنّ علمه تعالى بالسّرّ ليس أقلّ و لا أضعف من الجهر لكونه سرّا- كما هو الحال عندنا-و في هذا السّياق أيضا(4) وَ إِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَ أَخْفى أي لا تزعم أنّ علم اللّه بالجهر أسبق و أكثر و أشدّ من علمه بالخفيّ و الأخفى، لكونه جهرا.

و لنا أن نقول:إنّ علمه بالسّرّ و الغيب مقدّم رتبة على الجهر،لأنّ الأشياء تنبسط عن مقام غيبه إلى الظّهور،فالظّاهر أبعد عنه رتبة و أقرب منّا حسب ما نعتبره و ندركه.

و الظّاهر أنّ تقديم(سرّا)في(10): فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ سِرًّا وَ جَهْراً من أجل أنّ الإنفاق سرّا أعظم أجرا عند اللّه فلها علاقة بعلم اللّه أيضا.

و أمّا وجه تأخير السّرّ و ما بمعناه عن الجهر في(8):

إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ مِنَ الْقَوْلِ وَ يَعْلَمُ ما تَكْتُمُونَ و(9):

إِنَّهُ يَعْلَمُ الْجَهْرَ وَ ما يَخْفى مع أنّهما بصدد توسيع علم اللّه أيضا،فيرجع إلى ما قدّمنا من رعاية الرّويّ.

ثالثا:جاء في(15)حكاية عن نوح عليه السّلام ثُمَّ إِنِّي أَعْلَنْتُ لَهُمْ وَ أَسْرَرْتُ لَهُمْ إِسْراراً فقال:بدل «جهرت»(اعلنت)و الإعلان هنا أبلغ في معناه من الجهر،فإنّ«الجهر»لإسماع المخاطب القريب،أمّا «الإعلان»فهو خطاب عامّ لجماعة أو لأمّة مجتمعة أو متفرّقة،قريبة أو بعيدة،و ليست الآية مرتبطة بعلم اللّه، فقدّم الإعلان على الإسرار حسب المعتاد،لكن أكّد «الإسرار»بمفعول مطلق من لفظه إشعارا بأنّه أسرّ لهم تأكيدا و تكرارا،مع ما فيها من رعاية الرّويّ أيضا.

رابعا:أمّا باقي الآيات فليست مرتبطة بعلم اللّه،

ص: 285

و هي نوعان:

الأوّل:ما جمع فيها الجهر و الإخفات،مثل(2):

وَ لا تَجْهَرْ بِصَلاتِكَ وَ لا تُخافِتْ بِها وَ ابْتَغِ بَيْنَ ذلِكَ سَبِيلاً فإنّها تشريع لأدب القراءة في الصّلاة،و نظيرها (7): وَ اذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعاً وَ خِيفَةً وَ دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ فإنّها بيان لأدب ذكر اللّه في غير الصّلاة،فجمعت فيها(في نفسك)،التّضرّع و الخيفة، و أكّدت ب دُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ فرقا بين الذّكر و الصّلاة.

و الثّاني:ما جاء فيه«الجهر»منفردا عن السّرّ،مثل (3): وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ و(6): لا يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ و فيهما تأديب النّاس أمام النّبيّ و المؤمنين،و(12) حَتّى نَرَى اللّهَ جَهْرَةً و(13): أَرِنَا اللّهَ جَهْرَةً و هما حكاية ما سأل بنو إسرائيل نبيّهم موسى عليه السّلام،و(14): إِنْ أَتاكُمْ عَذابُ اللّهِ بَغْتَةً أَوْ جَهْرَةً و هي حكاية ما أمر النّبيّ عليه السّلام بأن يحاجّ المشركين،و فيها جاءت(بغتة)بدل «خفية»إشعارا بما ينزّل من العذاب على قوم بغتة من دون إعلام سابق من اللّه،فكأنّه عذاب خفيّ غير متوقّع في قبال ما ينزّل بعد الإعلام،فإنّه يعدّ عذابا جهرا.

خامسا:أغلب ما يرتبط منها بالعقيدة مكّيّ، و ما يرتبط بالتّشريع مدنيّ،حسب المعتاد في القرآن،إلاّ أنّ في بعض المكّيّات مثل(2 و 7 و 10)تشريع عامّ مناسب لأوّل البعثة،كالصّلاة و الذّكر و الإنفاق،و في بعض المكّيّات و المدنيّات:(12 و 13 و 15)حكاية قصص موسى و نوح عليهما السّلام،و هي أنسب بالعقيدة.

ص: 286

ج ه ز

اشارة

لفظان مرّتان في سورة مكّيّة

جهّزهم 1:1 جهازهم 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :جهّزت القوم تجهيزا،إذا تكلّفت لهم جهازهم للسّفر،و كذلك جهاز العروس و الميّت،و هو ما يحتاج إليه في وجهه.و تجهّزوا جهازا.

و سمعت أهل البصرة يخطّئون من يقول:الجهاز بالكسر.

و أجهزت على الجريح:أثبتّ قتله.

و موت مجهز،أي وحيّ.

و جهيزة:اسم امرأة،خليقة في جسمها رعناء، يضرب بها المثل في الحمق.[ثمّ استشهد بشعر]

(3:385)

اللّيث: قيل:الجهيزة:جرو الدّبّ،و الجبس:أنثاه، و قيل:الجهيز:عرس الذّئب،يعنون الذّئبة.

و قيل:حمقها أنّها تدع ولدها و ترضع ولد الضّبع.

[ثمّ استشهد بشعر]

و يشهد على ذلك ما بين الذّئب و الضّبع من الألفة، و يقال:إنّ الضّبع إذا صيدت فإنّ الذّئب يكفل عيالها، فيأتيها باللّحم.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 6:35)

أبو عبيدة :فرس جهيز الشّدّ،أي سريع العدو.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 6:34)

في أمثال العرب:«ضرب فلان في جهازه»يضرب هذا في الهجران و التّباعد.(ابن فارس 1:488)

الأصمعيّ: أجهزت على الجريح،إذا أسرعت قتله،و قد تمّمت عليه،مثله.

و يقال:فرس جهيز،إذا كان سريع الشّدّ.

و لا تقل:أجزت على الجريح.(إصلاح المنطق:310)

و العرب تقول:«أحمق من جهيزة»و هي أمّ شبيب الخارجيّ،و كان أبو شبيب من مهاجرة الكوفة،اشترى جهيزة،و كانت هي حمراء طويلة جميلة،فأدارها على الإسلام،فأبت،فواقعها فحملت،فتحرّك الولد في

ص: 287

بطنها،فقالت:في بطني شيء ينقز (1)،فقيل:أحمق من جهيزة.(الأزهريّ 6:35)

من أمثال العرب:«ضرب في جهازه»أصله في البعير يسقط عن ظهره القتب بأداته،فيقع بين قوائمه، فينفر عنه حتّى يذهب في الأرض.(الجوهريّ 3:870)

ابن الأعرابيّ: [في قول العرب:]هو أحمق من جهيزة»،هي الدّبّة.(الأزهريّ 6:35)

ابن السّكّيت: و هو جهاز العروس،و قال بعضهم:هو جهاز العروس،و الكلام الفتح.

(إصلاح المنطق:104)

ابن دريد :يقال:أجهز عليه و أجاز عليه،إذا قتله.(1:74)

جهزت على الجريح و أجهزت عليه،إذا قتلته.

و جهاز البيت:متاعه.

و يقال للبعير إذا شرد أو مات:ضرب في جهازه.

و جهاز المرأة:كناية عن متاعها.(2:92)

و يقال:«هو أحمق من جهيزة»و هو الضّبع.

(3:480)

الأزهريّ: و موت مجهز،أي وحيّ.و العرب تقول:

ضرب البعير في جهازه،إذا جفل فندّ في الأرض و التبط حتّى طوّح ما عليه من أداة و حمل.(6:36)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

جهاز المرأة:قبلها،و جمعه:جهز.

و يقولون:«في جهازه»أي ذهب على وجهه.

و موت مجهز:موحّ.

و أرض جهزاء:مرتفعة.و عين جهزاء:خارجة الحدقة،و هما بالرّاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجهيز:السّريع،فرس جهيز.(3:368)

الجوهريّ: و من أمثالهم في الشّيء إذا نفر فلم يعد:

«ضرب في جهازه»بالفتح.و يجمع على أجهزة.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الجهاز أيضا:فرج المرأة.

و أمّا جهاز العروس و جهاز السّفر،فيفتح و يكسر.

و جهّزت العروس تجهيزا،و كذلك جهّزت الجيش.

يقال:جهّز عليه الخيل.

و جهّزت فلانا،إذا هيّأت جهاز سفره.

و تجهّزت لأمر كذا،أي تهيّأت له.(3:870)

ابن فارس: الجيم و الهاء و الزّاء أصل واحد،و هو شيء يعتقد و يحوى،نحو الجهاز،و هو متاع البيت.

و جهّزت فلانا:تكلّفت جهاز سفره.فأمّا قولهم للبعير إذا شرد:«ضرب في جهازه»فهو مثل،أي إنّه حمل جهازه و مرّ.[ثمّ ذكر قول أبي عبيدة و أضاف:]

و الأصل ما ذكرناه.(1:488)

ابن سيده: جهاز العروس و الميّت،و جهازهما:

ما يحتاجان إليه،و كذلك جهاز المسافر،و قد جهّزه فتجهّز.[ثمّ استشهد بآية يوسف:70،و بشعر]

و جهاز الرّاحلة:ما عليها.

و جهاز المرأة:حياؤها.

و جهّز على الجريح و أجهز:أثبت قتله.و لا يقال:

أجاز عليه،إنّما يقال:أجاز على اسمه،أي ضرب.

و موت مجهز و جهيز:سريع.ب.

ص: 288


1- النّقز:الوثوب.

و فرس جهيز:خفيف.

و جهيزة:اسم امرأة رعناء،و في المثل:«أحمق من جهيزة».

و قيل:معنى قولهم:«أحمق من جهيزة»أي الذّئبة، و ذلك أنّها تدع ابنها و ترضع ولد الضّبع،و قيل:هي الضّبع نفسها.

و ضرب في جهاز البعير،إذا شرد.(4:151)

جهيزة،و الجهيزة:علم للذّئبة.(الإفصاح 2:821)

الرّاغب: الجهاز:ما يعدّ من متاع و غيره، و التّجهيز:حمل ذلك أو بعثه.و ضرب البعير بجهازه،إذا ألقى متاعه في رجله فنفر.(101)

المدينيّ: في حديث ابن مسعود:«أنّه أتى على أبي جهل فأجهز عليه»أي أسرع قتله،و موت مجهز:

و حيّ،و الجهيز:السّريع.

و منه حديث عليّ رضي اللّه عنه في أهل صفّين:

«لا يجهز على جريحهم»أي من صرع منهم،و دفع شرّه، و كفي قتاله لا يقتل،لأنّهم مسلمون،و القصد من قتالهم دفع شرّهم،فإذا لم يمكن ذلك إلاّ بقتلهم قتلوا،كمن يقصد قتل رجل،أو ماله.(1:381)

ابن الأثير: [في الحديث]«من لم يغز و لم يجهّز غازيا»تجهيز الغازي:تحميله و إعداد ما يحتاج إليه في غزوه.و منه تجهيز العروس،و تجهيز الميّت.

و فيه:«هل ينتظرون إلاّ مرضا مفسدا أو موتا مجهزا» أي سريعا،يقال:أجهز على الجريح يجهز،إذا أسرع قتله و حرّره.(1:321)

الفيّوميّ: جهاز السّفر:أهبته و ما يحتاج إليه في قطع المسافة بالفتح،و به قرأ السّبعة في قوله تعالى:

فَلَمّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ و الكسر لغة قليلة.

و جهاز العروس و الميّت باللّغتين أيضا،يقال:

جهّزهما أهلهما بالتّثقيل و جهّزت المسافر بالتّثقيل أيضا:هيّأت له جهازه؛فالمجهّز بالكسر اسم فاعل.

فقول الغزاليّ في باب مداينة العبيد:«و لا يتّخذوا دعوة للمجهّزين»المراد:رفقته الّذين يعاونونه على الشّدّ و التّرحال.

و جهزت على الجريح-من باب نفع-و أجهزت إجهازا،إذا أتممت عليه و أسرعت قتله،و جهّزت بالتّثقيل:للتّكثير و المبالغة.(1:113)

الفيروزآباديّ: و أجزت على الجريح:أجهزت.

جهاز الميّت و العروس و المسافر بالكسر و الفتح:

ما يحتاجون إليه،و قد جهّزه تجهيزا فتجهّز.جمعه:

أجهزة،جمع الجمع:أجهزات.

و بالفتح:ما على الرّاحلة،و حياء المرأة.

و جهز على الجريح كمنع و أجهز:أثبت قتله و أسرعه،و تمّم عليه.

و موت مجهز و جهيز:سريع،و فرس جهيز:

خفيف.

و جهيزة:امراة رعناء،و اجتمع قوم يخطبون في الصّلح بين حيّين في دم كي يرضوا بالدّية،فبينما هما كذلك قالت جهيزة:ظفر بالقاتل وليّ للمقتول فقتله، فقالوا:قطعت جهيزة قول كلّ خطيب.

و علم للذّئب أو عرسه أو الضّبع أو الدّبّة أو جروها.

ص: 289

و امرأة حمقاء أمّ شبيب الخارجيّ،و كان أبوه اشتراها من السّبي فواقعها فحملت،فتحرّك الولد فقالت:في بطني شيء ينقز،فقالوا:أحمق من جهيزة.

أو المراد عرس الذّئب لأنّها تدع ولدها و ترضع ولد الضّبع،و يقال:إذا صيدت الضّبع كفل الذّئب ولدها.

و أرض جهزاء:مرتفعة،و عين جهزاء:خارجة الحدقة،و بالرّاء أعرف.

و تجهّزت للأمر و اجهاززت:تهيّأت له.

و من أمثالهم:«ضرب في جهازه»بالفتح،أي نفر فلم يعد،و أصله البعير يسقط عن ظهره القتب بأداته فيقع بين قوائمه فينفر منه حتّى يذهب في الأرض.

و«ضرب»بمعنى سار،و«في»من صلة المعنى،أي صار عاثرا في جهازه.(2:177)

العدنانيّ: و يخطّئون من يقول:جهاز العروس نفيس،و يقولون:إنّ الصّواب هو:جهاز العروس نفيس.

و لكن كلتا الكلمتين صحيحة،و تطلقان على ما يأتي:

أ-جهاز كلّ شيء و جهازه:ما يحتاج إليه،يقال:

جهاز العروس،و المسافر،و الجيش،و الميّت.

ب-في الحيوان:ما يؤدّي من أعضائه عرضا حيويّا خاصّا،يقال:جهاز التّنفّس،و جهاز الهضم.

ج-الجهاز:الأداة تؤدّي عملا معيّنا،يقال:جهاز التّقطير،و جهاز التّبخير.

د-أطلق مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة كلمة«الجهاز» على الطّائفة من النّاس تؤدّي عملا دقيقا،يقال:جهاز الدّعاية،و جهاز الجاسوسيّة.

و يجمع الجهاز على أجهزة.(133)

محمود شيت:[نحو المتقدّمين و أضاف:]

جهاز الرّاحلة:السّرج و الرّاسية و توابعهما.

جهاز الجيش:ما في العينة له من موادّ للباسه و لنقليّته...

تجهيزات الجنديّ:ثيابه،و خيمته السّفريّة، و زمزميّته،و خوذته الفولاذيّة.

و قسم التّجهيزات في مديريّة العينة:قسم تجهيز الجيش بالألبسة و الموادّ الأخرى الّتي يحملها الجنديّ، عدا السّلاح و العتاد.(1:162)

المصطفويّ: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ما يلزم لوجود أمر و يرتبط به،و يقدّم حتّى يتحقّق ذلك الأمر،كجهاز المسافرين جهة كونه مسافرا،و جهاز العروس ليتحقّق كونه عروسا من مقدّمات الأمر.

يقال:جهّزته،إذا هيّأت مقدّمات مقصده و لوازم أمره.

و أمّا جهّزت على الجريح:فمعناه جهّزت نفسي عليه حتّى يتمّ أمره.و الجهيز و المتجهّز:من يكون معه الجهاز و من يتهيّأ للأمر.(2:139)

النّصوص التّفسيريّة

جهّزهم-جهازهم

وَ لَمّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ... يوسف:59

ص: 290

ابن عبّاس: كال لهم كيلهم.(199)

حمل لكلّ واحد منهم بعيرا من الطّعام و أكرمهم في النّزول و أحسن ضيافتهم،و أعطاهم ما يحتاجون إليه في سفرهم.(الخازن 3:241)

ابن إسحاق :و حمل لكلّ رجل منهم بعيرا بعدّتهم.

(الماورديّ 3:54)

نحوه البغويّ(2:500)،و ابن الجوزيّ(4:248)، و الفخر الرّازيّ 18:166)،و شبّر(3:289)

الطّبريّ: و لمّا حمل يوسف لإخوته أباعرهم من الطّعام،فأوقر لكلّ رجل منهم بعيره.(13:8)

القمّيّ: أعطاهم و أحسن إليهم في الكيل.

(1:347)

السّجستانيّ: كال لكلّ واحد ما يصيبه،و الجهاز:

ما أصلح حال الإنسان.(93)

الماورديّ: و ذلك أنّه كال لهم الطّعام.(3:54)

نحوه القرطبيّ(9:221)،و أبو حيّان(5:321)، و فضل اللّه(12:233).

الطّوسيّ: أخبر اللّه تعالى في هذه الآية أنّ يوسف لمّا أمر بتجهيز إخوته فجهّزهم.و الجهاز:فاخر المتاع الّذي يحمل من بلد إلى بلد،و منه قولهم:فلان يجهّز، و منه جهاز المرأة.(6:160)

نحوه الشّربينيّ.(3:119)

الميبديّ: أي هيّأ أسبابهم و أوفى الكيل لهم، و حمل لهم بعيرا،و حمل باسم بنيامين بعيرا.(5:111)

نحوه ابن كثير.(4:36)

الزّمخشريّ: أي أصلحهم بعدّتهم،و هي عدّة السّفر من الزّاد و ما يحتاج إليه المسافرون،و أوقر ركائبهم بما جاءوا له من الميرة.و قرئ (بجهازهم) بكسر الجيم.(2:330)

نحوه ابن عطيّة(3:258)،و البيضاويّ(1:500)، و النّسفيّ(2:229)،و البروسويّ(4:286)،و الشّوكانيّ (3:47)،و الطّباطبائيّ(11:209).

النّيسابوريّ: [نحو السّجستانيّ،ثمّ قال:]

وَ لَمّا جَهَّزَهُمْ يشير إلى أنّ يوسف القلب لمّا التجأت إليه الأوصاف البشريّة،بدّل صفاتها الذّميمة النّفسانيّة بالصّفات الحميدة الرّوحانيّة،فاستدعى منهم إحضار بنيامين السّرّ،لأنّ السّرّ لا يحضر مع القلب إلاّ بعد التّبديل المذكور،و إذا حضر معه يوفّى بأوفى الكيل،ما لم يوفّ إلى الأوصاف البشريّة.[تأويل]

(13:26)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و لعلّه عليه السّلام إنّما باع كلّ واحد منهم حمل بعير لما روي أنّه عليه السّلام كان لا يبيع أحدا من الممتارين أكثر من ذلك، تقسيطا بين النّاس.(13:8)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجهاز،أي المتاع المهيّأ لحركة كالسّفر و نحوه،يقال:جهّزت فلانا فتجهّز،أي هيّأت متاعه و زاده للسّفر،و جهّزت القوم تجهيزا:

أعددت لها ما تحتاج إليه،و كذلك جهّزت الميّت، و تجهّزت لأمر كذا:تهيّأت له.

و جهاز الرّاحلة:ما عليها،و في المثل:«ضرب في

ص: 291

جهازه»،أي نفر فلم يعد،و أصله في البعير يسقط عن ظهره القتب بأداته،فيقع بين قوائمه فينفر منه.و جهاز المرأة:حياؤها،و هو فرجها،كناية عن متاعها.

و جهزت و أجهزت على الجريح:أسرعت قتله و قد تمّمت عليه،حملا على تجهيز الميّت،أي كأنّني أعددت جهازه و مهّدته.و موت مجهز و جهيز:سريع،و فرس جهيز الشّدّ:سريع العدو.

2-و يطلق الجهاز حاليّا على آلة تؤدّي عملا معيّنا، كجهاز الحاسوب،أو عضو حيويّ لدى الإنسان و الحيوان،كجهاز التّنفّس،أو فئة من النّاس تسلك نهجا خاصّا،كجهاز الشّرطة.

3-و يستعمل لفظ«الجهيز»في اللّغة الفارسيّة بمعنى جهاز العروس؛و هو«فعيل»بمعنى«فاعل».قال شاعرهم«السّعديّ»:

كابين و ملك و رخت و جهيز

همه پاكت حلال كردم خيز

يقول:صداقا و ملكا و زيّا جهازا

أخذت جميعا فقومي و فازا

و من الأمثال:«عروس بي جهيز»،أي عروس بلا جهاز،يضرب لإملاقها و فاقتها،لأنّ المرأة هي الّتي تلتزم بجلب الجهاز إلى بيت الرّجل.

و شاع بين النّاس اليوم لفظ«الجهيزيّة»،أي الجهاز،و نظيره«المهريّة»أي المهر،و«الحسينيّة»،أي مكان رثاء الحسين بن عليّ عليهما السّلام،و«الأثاثيّة»،أي أثاث الدّار،و غير ذلك،و هو استعمال غير فصيح في الفارسيّة.

الاستعمال القرآنيّ

1- وَ لَمّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ قالَ ائْتُونِي بِأَخٍ لَكُمْ مِنْ أَبِيكُمْ أَ لا تَرَوْنَ أَنِّي أُوفِي الْكَيْلَ وَ أَنَا خَيْرُ الْمُنْزِلِينَ. يوسف:59

2- فَلَمّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ ثُمَّ أَذَّنَ مُؤَذِّنٌ أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسارِقُونَ

يوسف:70

لفظان:فعل و اسم كرّرا مرّتين بسياق واحد وَ لَمّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ في قصّة يوسف في آيتين، و فيهما بحوث:

1-جاء اللّفظان في معناهما الشّائع و هو التّجهيز بجهاز السّفر،و الفاعل فيهما يوسف عليه السّلام،و المفعول و المضاف إليه إخوته و كلاهما ابتداء ب(لمّا).

2-و الفرق بينهما أنّهما حدثا في سفرتين لإخوته إليه:

الأوّل:حين جاءوه فعرفهم و هم له منكرون، و جهّزهم بجهازهم و قال لهم:ائتوني بأخ لكم من أبيكم.

و الثّاني:حين جاءوه بأخيهم فآواه إليه،و جهّزهم بجهازهم،و جعل السّقاية في رحل أخيه توسّلا لأخذه عنده.

3-و فرق آخر بينهما أنّ في الأولى(و لمّا)ب(واو) العطف،و في الثّانية(فلمّا)ب(فاء)التّفريع و الاتّصال؛ و ذلك أنّ تجهيزهم في الثّانية حدث عقيب إيوائه أخاه إليه،و كان تجهيزهم و جعل السّقاية في رحل أخيه تدبيرا مباشرا لإيواء أخيه،ليجد وسيلة لأخذه عنده.

و السّياق دالّ على اهتمامه بذلك اهتماما كبيرا لم يكن في

ص: 292

تجهيزهم الأوّل،و ما بعدها من الآيات شاهدة على هذا الاهتمام البالغ.

و هذا من بلاغة القرآن الحرفيّة،و كم له من نظير و لا يهتمّ بها المفسّرون غالبا.

4-و كأنّ تكرار هذه الجملة بلفظ واحد في الآيتين، مع تفاوت بينهما فيما تلتها من الآيات،و كذا في ابتدائهما بحرفين مختلفين:(واو)و(فاء)تجديد لهذا الاهتمام الأكيد.

5-و ما جاءت بينهما من الآيات كلّها تمهيد لإيواء أخاه و مؤانسته إيّاه.

ص: 293

ص: 294

ج ه ل

اشارة

9 ألفاظ،24 مرّة:14 مكّيّة،10 مدنيّة

في 17 سورة:10 مكّيّة،7 مدنيّة

يجهلون 1:1 الجاهلون 2:2

تجهلون 4:4 الجاهلين 6:4-2

الجاهل 1:-1 جهولا 1:-1

جاهلون 1:1 بجهالة 4:2-2

الجاهليّة 4:-4

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجهل:نقيض العلم.تقول:جهل فلان حقّه،و جهل عليّ،و جهل بهذا الأمر.

و الجهالة:أن تفعل فعلا بغير علم.

و الجاهليّة الجهلاء:زمان الفترة قبل الإسلام.

(3:390)

سيبويه :قالوا في ضدّ الحلم:جهل جهلا و هو جاهل،كما قالوا:حرد حردا و هو حارد،فهذا ارتفاع في الفعل و اتّضاع.

و قالوا:علم علما،فالفعل كبخل يبخل،و المصدر كالحلم،و قالوا:عالم،كما قالوا في الضّدّ:جاهل.

(4:35)

و جهل عليه و تجاهل:أظهر الجهل.و رجل جاهل، و الجمع:جهل و جهل و جهّل و جهّال و جهلاء.شبّهوه بفعيل،كما شبّهوا فاعلا بفعول.(ابن سيده 4:165)

الأحمر:«قال ابن عبّاس:من استجهل مؤمنا فعليه إثمه»يريد بقوله:«من استجهل مؤمنا»أي حمله على شيء ليس من خلقه فيغضبه،و جهله؛أرجو أن يكون موضوعا عنه،و يكون على من استجهله.

(الأزهريّ 6:56)

ابن شميّل: الأرض المجهولة:الّتي لا يهتدى بها:

لا أعلام بها و لا جبال،و إذا كانت بها معارف أعلام فليست بمجهولة،يقال:علونا أرضا مجهولة و مجهلا، سواء.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 295

و يقال:مجهولة و مجهولات و مجاهيل.

إنّ فلانا لجاهل من فلان،أي جاهل به.

(الأزهريّ 6:56)

شمر: و المعروف في كلام العرب:جهلت الشّيء، إذا لم تعرفه،تقول:مثلي لا يجهل مثلك.

و جهّلته:نسبته إلى الجهل،و استجهلته:وجدته جاهلا،و أجهلته:جعلته جاهلا.و أمّا الاستجهال بمعنى الحمل على الجهل،فمنه مثل للعرب:«نزو الفرار استجهل الفرار».(الأزهريّ 6:57)

المبرّد: و المجهل:الصّحراء الّتي يجهل فيها، فلا يهتدى لسبيلها.(2:84)

ابن دريد :و الجهل:ضدّ الحلم،جهل يجهل جهلا و جهالة.

و الجاهليّة:اسم وقع في الإسلام على أهل الشّرك،فقالوا:الجاهليّة الجهلاء.

و أرض مجهل،إذا كانت لا يهتدى فيها،و الجمع:

مجاهل.

و المجهل:الخشبة الّتي يحرّك بها الجمر في بعض اللّغات،و قالوا:صفاة جيهل و جيحل،إذا كانت عظيمة.

و كلّ شيء استخففته حتّى تنزقه فقد استجهلته.

و استجهلت الرّيح الغصن،إذا حرّكته فاضطرب.

و المجهلة:الأمر يحملك على الجهل،و في الحديث:

«الولد مجهلة مبخلة مجبنة».(2:114)

و جيهل:اسم مأخوذ من الجهالة.(3:356)

الأزهريّ: قيل:أرض مجهولة:لا أعلام بها، و كذلك المجهل من الأرض،و جمعه:المجاهل.

قيل:ناقة مجهولة:لم تحلب قطّ،و ناقة مجهولة،إذا كانت غفلا لا سمة عليها.(6:56)

في الحديث:«إنّ من العلم جهلا»:هو أن يتعلّم الرّجل ما لا يحتاج إليه كالكلام و النّجوم و كتب الأوائل، و يدع ما يحتاج إليه لدينه من علم القرآن و الشّريعة.

(الهرويّ 1:430)

الصّاحب: الجهل:نقيض العلم،جهل عليه، و جهل به،و الجهالة:المصدر.و في المثل:«كفى بالشّكّ جهلا».(3:377)

ابن جنّيّ: قالوا:جهلاء،كما قالوا:علماء،حملا له على ضدّه.(ابن سيده 4:166)

الجوهريّ: الجهل:خلاف العلم،و قد جهل فلان جهلا و جهالة.

و تجاهل،أي أرى من نفسه ذلك و ليس به.

و استجهله:عدّه جاهلا،و استخفّه أيضا.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّجهيل:أن تنسبه إلى الجهل.

و المجهلة:الأمر الّذي يحملك على الجهل،و منه قولهم:«الولد مجهلة».

و المجهل:المفازة لا أعلام فيها،يقال:ركبتها على مجهولها.[ثمّ استشهد بشعر]

و قولهم:كان ذلك في الجاهليّة الجهلاء،هو توكيد للأوّل،يشتقّ له من اسمه ما يؤكّد به،كما يقال:وتد واتد،و همج هامج،و ليلة ليلاء،و يوم أيوم.

(4:1663)

نحوه الرّازيّ ملخّصا.(131)

ص: 296

ابن فارس:الجيم و الهاء و اللاّم أصلان:أحدهما خلاف العلم،و الآخر الخفّة و خلاف الطّمأنينة.

فالأوّل:الجهل:نقيض العلم،و يقال للمفازة الّتي لا علم بها:مجهل.

و الثّاني:قولهم للخشبة الّتي يحرّك بها الجمر:مجهل.

و يقال:استجهلت الرّيح الغصن،إذا حرّكته فاضطرب.[ثمّ استشهد بشعر]

و هو من الباب،لأنّ معناه استخفّتك و استفزّتك.

و المجهلة:الأمر الّذي يحملك على الجهل.

(1:489)

أبو هلال :الفرق بين الظّنّ و الجهل:أنّ الجاهل يتصوّر نفسه بصورة العالم،و لا يجوّز خلاف ما يعتقده و إن كان قد يضطرب حاله فيه،لأنّه غير ساكن النّفس إليه،و ليس كذلك الظّانّ.(80)

الفرق بين الجهل و الحمق:أنّ الحمق هو الجهل بالأمور الجارية في العادة،و لهذا قالت العرب:«أحمق من دغة»و هي امرأة ولدت فظنّت أنّها أحدثت، فحمّقها العرب بجهلها،بما جرت العادة من الولادة.

و كذلك قولهم:«أحمق من الممهورة إحدى خدمتيها»و هي امرأة راودها رجل عن نفسها،فقالت:

لا تنكحني بغير مهر،فقال لها:مهرتك إحدى خدمتيك، أي خلخاليك،فرضيت،فحمّقها العرب بجهلها بما جرت بها العادة في المهور.

و الجهل يكون بذلك و بغيره،و لا يسمّى الجهل باللّه حمقا.

و أصل الحمق:الضّعف،و من ثمّ قيل:البقلة الحمقاء لضعفها،و أحمق الرّجل،إذا ضعف.فقيل للأحمق:

أحمق،لضعف عقله.(81)

الهرويّ: و في الحديث:«أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم أخذ أحد ابني ابنته عليه السّلام،فقال:«إنّكم لتجهّلون و تجبّنون و تبخّلون»، و العرب تقول:«الولد مجهلة مجبنة مبخلة»،يعنون أنّه إذا كثر ولد الرّجل جبن عن الحروب،استبقاء لنفسه، و بخل بماله،إبقاء عليهم،و جهل ما ينفعه ممّا يضرّه، لتقسّم قلبه.

و في الحديث:«إنّ من العلم جهلا»قيل:هو أن يتكلّف العالم إلى علمه ما لا يعلمه،فيجهّله ذلك.

(1:429)

ابن سيده: [نحو ابن دريد إلاّ أنّه أضاف:]

رجل جهول،كجاهل،و الجمع:جهّل و جهل.[ثمّ استشهد بشعر]

و أرض مجهل:لا يهتدى فيها،و أرضان مجهل.[ثمّ استشهد بشعر]

و أرضون مجهل كذلك،و ربّما ثنّوا و جمعوا.

و المجهل و المجهلة و الجيهل و الجيهلة:الخشبة الّتي يحرّك بها الجمر،في بعض اللّغات.(4:166)

الرّاغب: الجهل على ثلاثة أضرب:

الأوّل:و هو خلوّ النّفس من العلم،هذا هو الأصل، و قد جعل ذلك بعض المتكلّمين معنى مقتضيا للأفعال الخارجة عن النّظام،كما جعل العلم معنى مقتضيا للأفعال الجارية على النّظام.

و الثّاني:اعتقاد الشّيء بخلاف ما هو عليه.

و الثّالث:فعل الشّيء بخلاف ما حقّه أن يفعل،سواء

ص: 297

اعتقد فيه اعتقادا صحيحا أو فاسدا،كمن يترك الصّلاة متعمّدا،و على ذلك قوله تعالى: قالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ البقرة:67، فجعل فعل الهزؤ جهلا،و قال عزّ و جلّ: فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ الحجرات:6.

و الجاهل تارة يذكر على سبيل الذّمّ،و هو الأكثر، و تارة لا على سبيل الذّمّ،نحو يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ البقرة:273،أي من لا يعرف حالهم، و ليس يعني المتخصّص بالجهل المذموم.

و المجهل:الأمر و الأرض و الخصلة الّتي تحمل الإنسان على الاعتقاد بالشّيء خلاف ما هو عليه.

و استجهلت الرّيح الغصن:حرّكته،كأنّها حملته على تعاطي الجهل،و ذلك استعارة حسنة.(102)

الزّمخشريّ: فلان جهول،و قد جهل بالأمر، و جهل حقّ فلان،و هو يجهل على قومه:يتسافه عليهم.

[ثمّ استشهد بشعر]

و في مثل:«كفى بالشّكّ جهلا».و كان ذلك في الجاهليّة الجهلاء،و هي القديمة.

و جهّل صاحبه:رماه بالجهل،و استجهله:عدّه جاهلا،و تجاهل:أرى من نفسه أنّه جاهل،و جاهله:

سافهه.

و رأيت منهما مجاملة ثمّ انقلبت مجاهلة،«و الولد مجهلة».

و فلاة مجهل:لا علم بها،خلاف معلم.و ساروا في مجاهل الأرض و معاميها.و تقول:كم قطعت من مجهل و وردت من منهل.

و من المجاز:استجهلت الرّيح الغصن:حرّكته.[ثمّ استشهد بشعر]

و في مثل:«نزو الفرار استجهل الفرار».و جهلت القدر:اشتدّ غليانها،نقيض تحلّمت.[ثمّ استشهد بشعر]

و ناقة مجهولة:لم تحلب قطّ،و قيل:لم تحمل.و ناقة مجهال:تخفّ في سيرها.[ثمّ استشهد بشعر]

(أساس البلاغة:67)

الطّبرسيّ: و الجهل:نقيض العلم،و قيل:هو نقيض الحلم،و الصّحيح أنّه اعتقاد الشّيء على خلاف ما هو به،كما أنّ العلم اعتقاد الشّيء على ما هو.

(1:131)

ابن الأثير: و منه حديث الإفك:«و لكن اجتهلته الحميّة»أي حملته الأنفة و الغضب على الجهل،هكذا جاء في رواية.

و منه الحديث:«إنّ من العلم جهلا»قيل:هو أن يتعلّم ما لا حاجة إليه كالنّجوم و علوم الأوائل،و يدع ما يحتاج إليه في دينه من علم القرآن و السّنّة.و قيل:هو أن يتكلّف العالم القول فيما لا يعلمه،فيجهّله ذلك.

و منه الحديث:«إنّك امرؤ فيك جاهليّة»قد تكرّر ذكرها في الحديث،و هي الحال الّتي كانت عليها العرب قبل الإسلام،من الجهل باللّه و رسوله و شرائع الدّين، و المفاخرة بالأنساب و الكبر و التّجبّر و غير ذلك.

(1:322)

الفيّوميّ: جهلت الشّيء جهلا و جهالة:خلاف علمته.

و جهل على غيره:سفه و أخطأ.

ص: 298

و جهل الحقّ:أضاعه،فهو جاهل و جهول.

و جهّلته،بالتّثقيل:نسبته إلى الجهل.(1:113)

الفيروزآباديّ: جهله،كسمعه جهلا و جهالة:

ضدّ علمه،و عليه أظهر الجهل كتجاهل،و هو جاهل و جهول،جمعه:جهل بالضّمّ و بضمّتين و كركّع و جهّال و جهلاء.

و هو جاهل منه،أي جاهل به.

و كمرحلة:ما يحملك على الجهل.

و جهّله تجهيلا:نسبه إليه.

و أرض مجهل كمقعد:لا يهتدى فيها؛لا تثنّى و لا تجمع.

و استجهله:استخفّه،و الرّيح الغصن:حرّكته فاضطرب.

و كمنبر و مكنسة و صيقل و صيقلة:خشبة يحرّك بها الجمر.

و الجاهل:الأسد.

و جيهل:امرأة.

و صفاة جيهل:عظيمة.

و ناقة مجهولة:لم تحلب قطّ،أو لا سمة عليها.

و الجاهليّة الجهلاء:توكيد.(3:363)

الطّريحيّ: في الحديث:«خلق اللّه الجهل من البحر الأجاج ظلمانيّا،فقال له:أدبر فأدبر،ثمّ قال له:أقبل، فلم يقبل،فقال له:استكبرت فلعنه».

و مثله:«خلق اللّه العقل من نور عرشه،و الجهل من البحر الأجاج ظلمانيّا».

و الجاهل البسيط،هو الّذى لا يعرف العلم و لا يدّعيه.و الجاهل المركّب،هو الّذي لا يعلم و يدّعي.

و قد أجمع أهل الحكمة العمليّة أنّ الجاهل المركّب لا علاج له.[ثمّ ذكر معنى الجاهليّة كما ذكره ابن الأثير]

(5:346)

مجمع اللّغة :الجهل:أ-الخلوّ من المعرفة.

ب-الطّيش و السّفه.(1:219)

المصطفويّ: الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ما يخالف العلم.و فقدان العلم إمّا بالنّسبة إلى المعارف الإلهيّة أو علوم ظاهريّة،أو بالنّسبة إلى تكاليف شخصيّة.و كلّ منها إمّا في موضوع كلّيّ أو جزئيّ.

و خصوصيّات مفهوم الجهالة تختلف باختلاف الصّيغ و الموارد:يقال:جهل جهالة،و إذا أريد الإشارة إلى إدامة الجهل فيقال:جاهل،و في مورد أريد قبول جاهل، فيقال:تجاهل.و إذا أريد الطّلب فيقال:استجهل.

ثمّ إنّ الجهل يلازم الاضطراب،كما أنّ العلم و اليقين يلازمان الطّمأنينة،فتفسير الجهل بالحركة و الاضطراب تفسير باللاّزم و الأثر.[ثمّ ذكر بعض الآيات القرآنيّة و قال:]

و قلنا:إنّ الجهل يلازم الاضطراب و هو خلاف الطّمأنينة،و هذا أشدّ ظلم لنفسه حيث صرف نفسه عن مقامه،و حرم عن الوصول إلى الطّمأنينة و الأمن.

(2:140)

النّصوص التّفسيريّة

يجهلون

...ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ

ص: 299

يَجْهَلُونَ. الأنعام:111

ابن عبّاس: (يجهلون)أنّه الحقّ من اللّه.(117)

الطّبريّ: و لكنّ أكثر هؤلاء المشركين يجهلون أنّ ذلك كذلك،يحسبون أنّ الإيمان إليهم،و الكفر بأيديهم، متى شاءوا آمنوا،و متى شاءوا كفروا،و ليس ذلك كذلك،ذلك بيدي،لا يؤمن منهم إلاّ من هديته له فوفّقته،و لا يكفر إلاّ من خذلته عن الرّشد فأضللته.

(8:1)

الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:يجهلون فيما يقترحونه من الآيات،و الثّاني:يجهلون أنّهم لو أجيبوا إلى ما اقترحوا،لم يؤمنوا طوعا.(2:157)

نحوه ابن الجوزيّ(3:107)

الطّوسيّ: إنّما وصف أكثرهم بالجهل مع أنّ الجهل يعمّهم،لأنّ المعنى يجهلون أنّه لو أوتوا بكلّ آية ما آمنوا طوعا.

و في الآية دلالة على أنّه لو علم اللّه أنّه لو فعل بهم من الآيات ما اقترحوها،لآمنوا أنّه كان يفعل ذلك بهم، و أنّه يجب في حكمته ذلك،لأنّه لو لم يجب ذلك لما كان لهذا الاحتجاج معنى.و تعليله بأنّه إنّما لم يظهر هذه الآيات لعلمه بأنّه لو فعلها لم يؤمنوا،و ذلك يبيّن أيضا فساد قول من يقول:يجوز أن يكون في معلوم اللّه ما إذا فعله بالكافر آمن،لأنّه لو كان ذلك معلوما لفعله و لآمنوا،و الأمر بخلافه.(4:260)

الواحديّ: لا يعلمون أنّهم لو أوتوا بكلّ آية ما آمنوا.(2:312)

نحوه النّسفيّ.(2:29)

الزّمخشريّ: فيقسمون باللّه جهد أيمانهم على ما لا يشعرون من حال قلوبهم عند نزول الآيات،أو و لكنّ أكثر المسلمين يجهلون أنّ هؤلاء لا يؤمنون إلاّ أن يضطرّهم،فيطمعون في إيمانهم إذا جاءت الآية المقترحة.

(2:45)

نحوه البيضاويّ(1:327)،و الشّربينيّ(1:445).

ابن عطيّة: الضّمير عائد إلى الكفّار المتقدّم ذكرهم،و المعنى يجهلون أنّ الآية تقتضي إيمانهم و لا بدّ، فيقتضي اللّفظ أنّ الأقلّ لا يجهل،فكان فيهم من يعتقد أنّ الآية لو جاءت لم يؤمن إلاّ أن يشاء اللّه له ذلك.

(2:335)

الطّبرسيّ: يجهلون أنّ اللّه قادر على ذلك،و قيل:

معناه يجهلون أنّهم لو أوتوا بكلّ آية ما آمنوا طوعا، و قيل:معناه يجهلون مواضع المصلحة،فيطلبون ما لا فائدة فيه.[ثمّ أدام نحو الطّوسيّ](2:351)

القرطبيّ: أي يجهلون الحقّ،و قيل:يجهلون أنّه لا يجوز اقتراح الآيات بعد أن رأوا آية واحدة.(7:67)

الفخر الرّازيّ: قال أصحابنا:المراد يجهلون بأنّ الكلّ من اللّه و بقضائه و قدره.و قالت المعتزلة:المراد أنّهم جهلوا أنّهم يبقون كفّارا عند ظهور الآيات الّتي طلبوها و المعجزات الّتي اقترحوها،و كان أكثرهم يظنّون ذلك.(13:152)

نحوه النّيسابوريّ.(8:6)

أبو حيّان :[اكتفى بنقل أقوال السّابقين]

(4:206)

أبو السّعود :قوله عزّ و جلّ: وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ

ص: 300

يَجْهَلُونَ استدراك من مضمون الشّرطيّة بعد ورود الاستثناء لا قبله،و لا ريب في أنّ الّذي يجهلونه سواء أريد بهم المسلمون و هو الظّاهر،أو المقسمون،ليس عدم إيمانهم بلا مشيئة اللّه تعالى،كما هو اللاّزم من حمل النّظم الكريم على المعنى الأوّل،فإنّه ليس ممّا يعتقده الأوّلون و لا ممّا يدّعيه الآخرون،بل إنّما هو عدم إيمانهم لعدم مشيئته إيمانهم،و مرجعه إلى جهلهم بعدم مشيئته إيّاه.

فالمعنى أنّ حالهم كما شرح،و لكنّ أكثر المسلمين يجهلون عدم إيمانهم عند مجيء الآيات،لجهلهم عدم مشيئته تعالى لإيمانهم،فيتمنّون مجيئها طمعا فيما لا يكون.

فالجملة مقرّرة لمضمون قوله تعالى:

وَ ما يُشْعِرُكُمْ الأنعام:109،على القراءة المشهورة، أو و لكنّ أكثر المشركين يجهلون عدم إيمانهم عند مجيء الآيات،لجهلهم عدم مشيئته تعالى لإيمانهم حينئذ فيقسمون باللّه جهد أيمانهم على ما لا يكاد يكون.

فالجملة على القراءة السّابقة بيان مبتدأ لمنشإ خطأ المقسمين و مناط إقسامهم،و تقرير له على قراءة (لا تُؤْمِنُونَ) بالتّاء الفوقانيّة،و كذا على قراءة (و ما يشعرهم انها اذا جاءتهم لا يؤمنون).

(2:431)

نحوه البروسويّ(3:86)،و الآلوسيّ(8:4).

مغنيّة: (يجهلون)و لا ينتبهون إلى أنّهم الفئة الباغية الّتي لا يجدي معها منطق العقل و الفطرة، و لا منطق الدّين و الإنسانيّة،و لا شيء إلاّ القهر و الغلبة، فمن الخطأ و الضّياع أن يخاطب هؤلاء بلغة العلم و الإنسانيّة.(3:249)

الطّباطبائيّ: ...إنّ المشركين أكثرهم-و لعلّهم غير العلماء الباغين منهم-يجهلون مقام ربّهم و يتعلّقون بالأسباب،على أنّها مستقلّة في نفسها مستغنية عن ربّها،فيظنّون أن لو أتاهم سبب الإيمان-و هو الآية المقترحة-آمنوا و اتّبعوا الحقّ،و قد اختلط عليهم الأمر بجهلهم،فأخذوا هذه الأسباب النّاقصة المفتقرة إلى مشيئة اللّه أسبابا مستقلّة تامّة مستغنية عنه.(7:320)

عبد الكريم الخطيب :أي أكثر النّاس،و هم هؤلاء المشركون جميعا،و معهم كثير من أولئك المؤمنين الّذين طمعوا في إيمانهم،و استشعروا أنّهم قد يؤمنون إذا جاءهم النّبيّ بما يقترحون عليه من آيات،أكثر هؤلاء لا يعلمون مشيئة اللّه المتسلّطة على هذا الوجود،القائمة على تصريفه و تدبيره.فلا يقع شيء إلاّ على الوجه الّذي شاءه اللّه سبحانه و تعالى،و قدّره.(4:263)

مكارم الشّيرازيّ: هناك كلام مختلف بين المفسّرين عمّن يعود إليهم الضّمير(هم)في هذه العبارة، فقد يعود إلى المؤمنين الّذين أصرّوا على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله أن يحقّق للمشركين طلباتهم،و يأتيهم بكلّ معجزة يريدونها.

و ذلك لأنّ معظم هؤلاء المؤمنين كانوا يجهلون زيف الكفّار في دعواهم،و لكنّ اللّه كان عالما بأنّهم كاذبون، و لذلك لم يجبهم إلى طلباتهم،إلاّ أنّ دعوة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله لا يمكن أن تخلو-طبعا-من معجزة،فقد حقّق اللّه فى مواضع خاصّة معجزات مختلفة على يده.

و الاحتمال الآخر هو أنّ الضّمير(هم)يعود إلى

ص: 301

الكفّار أصحاب الطّلبات أنفسهم،أي أكثرهم يجهل قدرة اللّه على تحقيق كلّ أمر خارق للعادة،و لعلّهم يعتبرون قدرته محدودة،لذلك كانوا يصفون معاجز الرّسول بالسّحر،يقول سبحانه: وَ لَوْ فَتَحْنا عَلَيْهِمْ باباً مِنَ السَّماءِ فَظَلُّوا فِيهِ يَعْرُجُونَ* لَقالُوا إِنَّما سُكِّرَتْ أَبْصارُنا بَلْ نَحْنُ قَوْمٌ مَسْحُورُونَ الحجر:14، 15،فهم قوم معاندون و جاهلون،و ينبغي أن لا يهتمّ أحد بكلامهم.(4:400)

تجهلون

1- ...قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ. الأعراف:138

ابن عبّاس: (تجهلون)أمر اللّه.(136)

جهلتم نعمة ربّكم فيما صنع بكم.

(الواحديّ 2:403)

الجبّائيّ: أي تجهلون ربّكم و عظمته و صفاته،و لو عرفتموه حقّ معرفته لما قلتم هذا القول.

(الطّبرسيّ 2:472)

نحوه ابن كثير(3:215)،و شبّر(2:410)، و القاسميّ(7:2846).

الطّوسيّ: حكاية عمّا أجابهم به موسى عليه السّلام فقال لهم:إنّكم قوم تجهلون من المستحقّ للعبادة،و ما الّذي يجوز أن يتقرّب به إلى اللّه تعالى.

و يحتمل أن يكون أراد:(تجهلون)من صفات اللّه ما يجوز عليه و ما لا يجوز.(4:561)

البغويّ: لم يكن ذلك شكّا من بني إسرائيل في وحدانيّة اللّه،و إنّما معناه اجعل لنا شيئا نعظّمه و نتقرّب بتعظيمه إلى اللّه.و ظنّوا أنّ ذلك لا يضرّ الدّيانة،و كان ذلك لشدّة جهلهم،قال موسى: إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ عظمة اللّه.(2:227)

ابن عطيّة: ...فعرّفهم موسى أنّ هذا جهل منهم؛إذ سألوا أمرا حراما،فيه الإشراك في العبادة.و منه يتطرّق إلى إفراد الأصنام بالعبادة و الكفر باللّه عزّ و جلّ.

(2:448)

الفخر الرّازيّ: و تقرير هذا الجهل ما ذكر أنّ العبادة غاية التّعظيم،فلا تليق إلاّ بمن صدر عنه غاية الإنعام، و هي بخلق الجسم و الحياة و الشّهوة و القدرة و العقل، و خلق الأشياء المنتفع بها.و القادر على هذه الأشياء ليس إلاّ اللّه تعالى فوجب أن لا تليق العبادة إلاّ به.

(14:223)

الزّمخشريّ: تعجّب من قولهم على إثر ما رأوا من الآية العظمى و المعجزة الكبرى،فوصفهم بالجهل المطلق و أكّده،لأنّه لا جهل أعظم ممّا رأى منهم و لا أشنع.

(2:110)

نحوه البيضاويّ(1:367)،و النّسفيّ(2:74)، و النّيسابوريّ(9:38)،و الشّربينيّ(1:510)،و أبو السّعود (3:24)،و البروسويّ(3:225).

أبو حيّان :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و أتى بلفظ(تجهلون)و لم يقل:«جهلتم»إشعارا بأنّ ذلك منهم كالطّبع و الغريزة،لا ينتقلون عنه في ماض و لا مستقبل.(4:378)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

ص: 302

حيث لم يذكر له متعلّقا و مفعولا،لتنزيله منزلة اللاّزم،أو لأنّ حذفه يدلّ على عمومه،أي تجهلون كلّ شيء،فيدخل فيه الجهل بالرّبوبيّة بالطّريق الأولى.

و أكّد ذلك ب(انّ)و توسيط(قوم)و جعل ما هو المقصود بالإخبار وصفا له،ليكون-كما قال العلاّمة-كالمتحقّق المعلوم،و هذه-كما ذكر الشّهاب-نكتة سرّيّة في الخبر الموطئ،لادّعاء أنّ الخبر لظهور أمره و قيام الدّليل عليه، كأنّه معلوم متحقّق فيفيد تأكيده و تقريره،و لولاه لم يكن لتوسيط الموصوف وجه من البلاغة.(9:41)

المراغيّ: أي إنّكم تجهلون مقام التّوحيد، و ما يجب من تخصيص اللّه بالعبادة بلا واسطة،و لا مظهر من المظاهر كالأصنام و التّماثيل و العجل أبيس (1)و الثّعابين،فاللّه قد كرّم البشر و جعلهم أهلا لمعرفته و دعائه و مناجاته،بلا واسطة تقرّبه إليهم،فإنّه أقرب إليهم من حبل الوريد.(9:52)

الطّباطبائيّ: [بيّن أنّ بني إسرائيل كانوا يعبدون الأصنام بعد أن كانوا على دين التّوحيد ثمّ قال:]

و كذلك جلّهم لا يتصوّرون من اللّه سبحانه إلاّ أنّه جسم من الأجسام بل جوهر ألوهيّ يشاكل الإنسان، كما هو الظّاهر المستفاد من التّوراة الدّائرة اليوم.و كلّما كان موسى يقرّب الحقّ من أذهانهم حوّلوه إلى أشكال و تماثيل يتوهّمون له تعالى،لهذه العلّة لمّا شاهدوا في مسيرهم قوما يعكفون على أصنام لهم استحسنوا مثل ذلك لأنفسهم،فسألوا موسى عليه السّلام أن يجعل لهم إلها كما لهم آلهة يعكفون عليها.

فلم يجد موسى عليه السّلام بدّا من أن يتنزّل في بيان توحيد اللّه سبحانه إلى ما يقارب أفهامهم على قصورها، فلامهم أوّلا على جهلهم بمقام ربّهم،مع وضوح أنّ طريق الوثنيّة طريق باطل هالك،ثمّ عرّف لهم ربّهم بالصّفة،و أنّه لا يقبل صنما و لا يحدّ بمثال.

(8:234)

عبد الكريم الخطيب :و ذلك ضلال مبين و جهل جهول،فكيف تكون للّه صورة؟و كيف يحويه شيء؟إنّه لو تصوّر لتحدّد،و لو تحدّد لاحتواه المكان و الزّمان، و هذا يعني أنّه دون المكان و الزّمان،إذ اشتملاه و احتويا عليه،و لهذا كان جواب موسى: إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إذ لا يقول هذا القول في اللّه إلاّ من جهل قدر اللّه،و لم يعرف ما للّه من كمال و جمال.(5:471)

مكارم الشّيرازيّ: يستفاد من هذه الآية بوضوح أنّ منشأ الوثنيّة هو جهل البشر،و من جانب جهله باللّه،و عدم معرفته بذاته المقدّسة،و أنّه لا يتصوّر له شبيه أو نظير أو مثيل.

و من جانب آخر جهل الإنسان بالعلل الأصليّة لحوادث العالم الّذي يتسبّب أحيانا في أن ينسب الحوادث إلى سلسلة من العلل الخرافيّة و الخياليّة، و منها الأصنام.

و من جانب ثالث جهل الإنسان بما وراء الطّبيعة، و قصور فكره إلى درجة أنّه لا يرى،و لا يؤمن إلاّ بالقضايا الحسّيّة.

إنّ هذه الجهالات تضافرت و تعاضدت،و صارت على مدار التّاريخ منشأ للوثنيّة و عبادة الأصنام،و إلاّن.

ص: 303


1- معبود قدماء المصريّين.

فكيف يمكن أن يأخذ إنسان واع فاهم عارف باللّه و صفاته،عارف بعلل الحوادث،عارف بعالم الطّبيعة و عالم بما بعد الطّبيعة،أن يأخذ مثل هذا الإنسان العارف الفاهم قطعة من الصّخر منفصلة من الجبل مثلا،فيستعمل قسما منها في بناء بيته،أو صنع سلالم منزله،و يتّخذ قسما آخر معبودا يسجد أمامه،و يسلّم مقدّراته بيده.

و الجدير بالذّكر أنّنا نقرأ في كلام موسى عليه السّلام في الآية الحاضرة،كيف يقول لهم:أنتم جماعة غارقة في الجهل بصورة دائمة،لأنّ(تجهلون)فعل مضارع،و يدلّ غالبا على الاستمراريّة،و بخاصّة أنّ متعلّق الجهل لم يبيّن في الآية،و هذا يدلّ على عموميّة المجهول و شموليّته.

و الأجمل من كلّ ذلك أنّ بني إسرائيل بقولهم:

اِجْعَلْ لَنا إِلهاً أظهروا أنّ من الممكن أن يصير الشّيء التّافه ثمينا-بمجرّد اختيارهم و جعلهم و وضع اسم الصّنم و المعبود عليه-و توجب عبادته التّقرّب إلى اللّه،و عدم عبادته البعد عنه تعالى،و تكون عبادته منشأ للخير و البركة،و احتقاره منشأ للضّرر و الخسارة، و هذه هي نهاية الجهل و الغفلة.

صحيح أنّ مقصود بني إسرائيل لم يكن هو أن تجعل لنا معبودا يكون خالق العالم،بل كان مقصودهم هو:

اجعل لنا معبودا نتقرّب بعبادته إلى اللّه،و يكون مورثا للخير و البركة.و لكن هل يمكن أن يصير شيء فاقدا للرّوح و الخاصيّة بمجرّد تسميته معبودا و إلها،أو بمجرّد صنع صنم و تمثال،يكون ذا روح و ذا آثار و خواصّ دفعة واحدة؟

هل يمكن أن يبرّر مثل[هذا]العمل شيء سوى الجهل و الخرافة،و الخيال الواهي،و التّصوّر الباطل الخاوي؟!(5:174)

2- ..وَ لكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ. هود:29

ابن عبّاس: (تجهلون)أمر اللّه.(184)

تجهلون ربوبيّة ربّكم و عظمته.(الواحديّ 2:571)

أبو سليمان الدّمشقيّ: (تجهلون)لأمركم إيّاي بطرد المؤمنين.(ابن الجوزيّ 4:98)

الطّبريّ: (تجهلون)الواجب عليكم من حقّ اللّه، و اللاّزم لكم من فرائضه،و لذلك من جهلكم سألتموني أن أطرد الّذين آمنوا باللّه.(12:30)

الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:(تجهلون)في استرذالكم لهم و سؤالكم طردهم،الثّاني:(تجهلون)في أنّهم خير منكم لإيمانهم و كفركم.(2:467)

الطّوسيّ: معناه أراكم تجهلون أنّهم خير منكم لإيمانهم بربّهم و كفركم به.

و قال قوم:إنّهم قالوا له:إنّ هؤلاء اتّبعوك طمعا في المال على الظّاهر دون الباطن،فقال لهم نوح:إنّهم ملاقوا جزاء أعمالهم،فيجازيهم على ما يعلم من بواطنهم،و ليس لي إلاّ الظّاهر أحملهم على ظاهر الإيمان، فأنتم تجهلون ذلك.(5:544)

الزّمخشريّ: تتسافهون على المؤمنين،و تدعونهم أراذل،من قوله:

*ألا لا يجهلنّ أحد علينا*

أو تجهلون لقاء ربّكم،أو تجهلون أنّهم خير منكم.

(2:266)

ص: 304

نحوه البيضاويّ(1:466)،و النّسفيّ(2:186)، و النّيسابوريّ(12:23)،و الشّربينيّ(2:54)،و المشهديّ (4:262)،و القاسميّ(9:3431).

الطّبرسيّ: (تجهلون)الحقّ و أهله،و قيل:معناه تجهلون أنّ النّاس يتفاضلون بالدّين لا بالدّنيا،و قيل:

تجهلون فيما تسألون من طرد المؤمنين.(3:156)

نحوه القرطبيّ(9:26)،و الخازن(3:186)، و الكاشانيّ(2:441)،و شبّر(3:212)،و طه الدّرّة (6:274).

الفخر الرّازيّ: بيّن أنّهم يبنون أمرهم على الجهل بالعواقب و الاغترار بالظّواهر.(17:215)

أبو حيّان :[اكتفى بنقل بعض أقوال السّابقين]

(5:218)

أبو السّعود :(تجهلون)بكلّ ما ينبغي أن يعلم، و يدخل فيه جهلهم بلقاء اللّه عزّ و جلّ و بمنزلتهم عنده، و باستيجاب طردهم لغضب اللّه-كما سيأتي-و بركاكة رأيهم في التماس ذلك و توقيف إيمانهم عليه،أنفة عن الانتظام معهم في سلك واحد،و زعما منهم أنّ الرّذالة بالفقر و الشّرف بالغنى.

و إيثار صيغة الفعل للدّلالة على التّجدّد و الاستمرار، أو تتسافهون على المؤمنين بنسبتهم إلى الخساسة.

(3:306)

نحوه البروسويّ.(4:118)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و جوّز أن يكون«الجهل»بمعنى الجناية على الغير، و فعل ما يشقّ عليه لا بمعنى عدم العلم المذموم،و هو معنى شائع.[ثمّ استشهد بشعر](12:42)

مكارم الشّيرازيّ: و أيّ جهل و عدم معرفة أعظم من أن تضيّعوا مقياس الفضيلة،و تبحثون عنها في الثّروة و المال الكثير و الجاه و المقام الظّاهريّ و السّنّ،و تزعمون أنّ طاهري القلوب و المؤمنين العفاة الحفاة بعيدون عن اللّه و ساحة قدسه!هذا خطؤكم الكبير،و عدم معرفتكم دليل جهلكم.

ثمّ أنتم تتصوّرون بجهلكم أن يكون النّبيّ ملكا،في حين ينبغي أن يكون قائد النّاس من جنسهم ليحسّ بحاجاتهم،و يعرف مشاكلهم و آلامهم.(6:481)

3- أَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ. النّمل:55

ابن عبّاس: تجهلون القيامة و عاقبة العصيان.

(الواحديّ 3:381)

الطّبريّ: ما ذلك منكم إلاّ أنّكم قوم سفهاء جهلة بعظيم حقّ اللّه عليكم،فخالفتم لذلك أمره،و عصيتم رسوله.(19:175)

الطّوسيّ: أي تفعلون أفعال الجهّال لجهلكم بمواقع نعم اللّه سبحانه و تعالى عليكم.(8:105)

الزّمخشريّ: فإن قلت:فسّرت(تبصرون) النّمل:54،بالعلم و بعده بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ فكيف يكونون علماء جهلاء؟

قلت:أراد تفعلون فعل الجاهلين بأنّها فاحشة مع علمكم بذلك،أو تجهلون العاقبة،أو أراد بالجهل:

السّفاهة و المجانة الّتي كانوا عليها.

ص: 305

فإن قلت:(تجهلون)صفة ل(قوم)و الموصوف لفظه لفظ الغائب،فهلاّ طابقت الصّفة الموصوف فقرئ بالياء دون التّاء،و كذلك بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ النّمل:47.

قلت:اجتمعت الغيبة و المخاطبة فغلبت المخاطبة، لأنّها أقوى و أرسخ أصلا من الغيبة.(3:153)

نحوه الفخر الرّازيّ(24:204)،و البيضاويّ(2:

180)،و النّسفيّ(3:217)،و النّيسابوريّ(20:7)، و الخازن(5:127)،و أبو حيّان(7:86)،و أبو السّعود (5:92)،و المشهديّ(7:357).

القرطبيّ: (تجهلون)أمر التّحريم أو العقوبة.

(13:219)

ابن كثير :أي لا تعلمون شيئا لا طبعا و لا شرعا...

(5:244)

البروسويّ: حيث لا تعلمون بموجب علمكم،فإنّ من لا يجري على مقتضى بصارته و علمه و يفعل فعل الجاهل فهو و الجاهل سواء،و(تجهلون)صفة ل(قوم)، و(التّاء)فيه لكون الموصوف في معنى المخاطب.

(6:358)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و أيّا ما كان فلا ينافي قوله تعالى: وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ و لم يرتض ذلك الطّيّبيّ،و زعم أنّ كلمة الإضراب تأباه،و وجّه الآية بأنّه تعالى لمّا أنكر عليهم فعلهم على الإجمال،و سمّاه فاحشة،و قيّده بالحال المقرّرة لجهة الإشكال تتميما للإنكار بقوله تعالى:

وَ أَنْتُمْ تُبْصِرُونَ أراد مزيد ذلك التّوبيخ و الإنكار، فكشف عن حقيقة تلك الفاحشة،و أشار سبحانه إلى ما أشار،ثمّ أضرب عن الكلّ بقوله سبحانه: بَلْ أَنْتُمْ إلخ،أي كيف يقال لمن يرتكب هذه الفحشاء و أنتم تعلمون؟!فأولى حرف الإضراب ضمير أَنْتُمْ و جعلهم قوما جاهلين،و التفت في تَجْهَلُونَ موبّخا معيّرا،انتهى.

و فيه نظر،و القول بالالتفات هنا ممّا قاله غيره أيضا و هو التفات من الغيبة الّتي في(قوم)إلى الخطاب في تَجْهَلُونَ. و تعقّبه الفاضل السّالكوتيّ بأنّه وهم؛إذ ليس المراد ب(قوم)قوم لوط حتّى يكون المعبّر عنه في الأسلوبين واحدا كما هو شرط الالتفات،بل معنى كلّيّ حمل على قوم لوط عليه السّلام.

و قال بعض الأجلّة:إنّ الخطاب فيه-مع أنّه صفة ل(قوم)و هو اسم ظاهر-من قبيل الغائب لمراعاة المعنى، لأنّه متّحد مع(انتم)لحمله عليه،و جعله غير واحد ممّا غلب فيه الخطاب.

و أورد عليه أنّ في التّغليب تجوّزا و لا تجوّز هنا.

و أجيب بأنّ نحو تَجْهَلُونَ موضوع للخطاب مع جماعة لم يذكروا بلفظ غيبة،و هنا ليس كذلك فكيف لا يكون فيه تجوّز.و قيل:قولهم:إنّ في التّغليب تجوّزا خارج مخرج الغالب،و قال الفاضل السّالكوتيّ:إنّ قوله تعالى: بَلْ أَنْتُمْ... إلخ من المجاز باعتبار ما كان،فإنّ المخاطب في تَجْهَلُونَ باعتبار كون القوم مخاطبين في التّعبير ب(انتم)فلا يرد أنّ اللّفظ لم يستعمل فيه في غير ما وضع له،و لا الهيئة التّركيبيّة،و لم يسند الفعل إلى غير ما هو له،فيكون هناك مجاز،فافهم.(19:216)

الطّباطبائيّ: أي مستمرّون على الجهل،لا فائدة

ص: 306

في توبيخكم و الإنكار عليكم،فلستم بمرتدعين.و وضع «تجهلون»بصيغة الخطاب موضع«يجهلون»من وضع المسبّب موضع السّبب،كأنّه قيل:«بل أنتم قوم يجهلون فأنتم تجهلون».(15:376)

عبد الكريم الخطيب :في قوله: بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ إشارة إلى أنّ هذا الضّلال الّذي هم فيه،و هذه الحيوانيّة الطّاغية الّتي لبستهم،إنّما هي من واردات الجهل،و ليس بين الإنسان و الحيوان من فرق إلاّ العلم، و أنّه بقدر ما يحصّل الإنسان من العلم،بقدر ما تكون منزلته في الإنسانيّة،و بقدر ما يكون بعده عن عالم الحيوان.(10:257)

مكارم الشّيرازيّ: تجهلون باللّه،و تجهلون هدف الخلقة و نواميسه،و تجهلون آثار هذا الذّنب و عواقبه الوخيمة،و لو فكّرتم في أنفسكم لرأيتم أنّ هذا العمل قبيح جدّا،و قد جاءت الجملة بصيغة الاستفهام،ليكون الجواب من أعماقهم و وجدانهم،فيكون أكثر تأثيرا.

(12:91)

4- قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللّهِ وَ أُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَ لكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ. الأحقاف:23

ابن عبّاس: أمر اللّه و عذابه.(425)

الطّبريّ: مواضع حظوظ أنفسكم،فلا تعرفون ما عليها من المضرّة بعبادتكم غير اللّه،و في استعجال عذابه.(26:25)

نحوه الطّبرسيّ.(5:90)

الزّجّاج: أي أدلّكم على الرّشاد و أنتم تصدّون، و تعبدون آلهة لا تنفع و لا تضرّ.(4:445)

نحوه الواحديّ.(4:113)

الطّوسيّ: أي تفعلون ما يفعله الجهّال.(9:280)

الزّمخشريّ: و لكنّكم جاهلون،لا تعلمون أنّ الرّسل لم يبعثوا،إلاّ منذرين لا مقترحين و لا سائلين، غير ما أذن لهم فيه.(3:524)

نحوه البيضاويّ(2:389)،و النّسفيّ(4:145)، و الكاشانيّ(5:16)،و شبّر(6:15).

ابن عطيّة: أي مثل هذا من أمر اللّه تعالى، و تجهلون خلق أنفسكم.(5:102)

الفخر الرّازيّ: و هذا يحتمل وجوها:

الأوّل:المراد أنّكم لا تعلمون أنّ الرّسل لم يبعثوا سائلين عن غير ما أذن لهم فيه،و إنّما بعثوا مبلّغين.

الثّاني:أراكم قوما تجهلون،من حيث إنّكم بقيتم مصرّين على كفركم و جهلكم،فيغلب على ظنّي أنّه قرب الوقت الّذي ينزل عليكم العذاب،بسبب هذا الجهل المفرط و الوقاحة التّامّة.

الثّالث: لكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ حيث تصرّون على طلب العذاب،و هب أنّه لم يظهر لكم كوني صادقا، و لكن لم يظهر أيضا لكم كوني كاذبا،فالإقدام على الطّلب الشّديد لهذا العذاب جهل عظيم.(28:27)

نحوه النّيسابوريّ.(26:15)

القرطبيّ: في سؤالكم استعجال العذاب.

(16:205)

الخازن :يعني قدر العذاب الّذي ينزل بكم.

(6:137)

ص: 307

أبو حيّان:أي عاقبة أمركم،لا شعور لكم بها، و ذلك واقع لا محالة.(8:64)

ابن كثير :أي لا تعقلون و لا تفهمون.(6:287)

الشّربينيّ: أي باستعجال العذاب،فإنّ الرّسل بعثوا مبلّغين منذرين لا مقترحين.(4:14)

نحوه أبو السّعود.(6:76)

البروسويّ: حيث تقترحون عليّ ما ليس من وظائف الرّسل،من الإتيان بالعذاب و تعيين وقته.و في «التّأويلات النّجميّة»تجهلون الصّواب من الخطأ و الصّلاح من الفساد،حين أدلّكم على الرّشاد.

(8:481)

نحوه الآلوسيّ.(26:25)

مكارم الشّيرازيّ: و جهلكم هذا هو أساس تعاستكم و شقائكم،فإنّ الجهل المقترن بالكبر و الغرور هو الّذي يمنعكم من دراسة دعوة رسل اللّه،و لا يأذن لكم في التّحقيق فيها،ذلك الجهل الّذي يحملكم على الإصرار على نزول عذاب اللّه ليهلككم،و لو كان لديكم أدنى وعي أو تعقّل لكنتم تحتملون-على الأقلّ-وجود احتمال إيجابيّ في مقابل كلّ الاحتمالات السّلبيّة،و الّذي إذا ما تحقّق فسوف لا يبقى لكم أثر.

و أخيرا لم تؤثّر نصائح«هود»المفيدة،و إرشاداته الأخويّة في قساة القلوب أولئك،و بدل أن يقبلوا الحقّ لجّوا في غيّهم و باطلهم،و تعصّبوا له،و حتّى نوح عليه السّلام فإنّهم كانوا يكذّبونه بهذا الادّعاء الواهي،و هو أنّك إن كنت صادقا فيما تقول فأين عذابك الموعود؟

(16:264)

الجاهل

...يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النّاسَ إِلْحافاً... البقرة:273

ابن عبّاس: لا يعرفهم.(39)

ابن قتيبة :لم يرد الجهل الّذي هو ضدّ العقل، و إنّما أراد الجهل الّذي هو ضدّ الخبرة.يقول:يحسبهم من لا يخبر أمرهم.(98)

نحوه الأزهريّ(6:57)،و الهرويّ(1:429)، و الواحديّ(1:389)،و الفخر الرّازيّ(7:86).

الطّبريّ: الجاهل بأمرهم.(3:97)

الطّبرسيّ أي يظنّهم الجاهل بحالهم و باطن أمورهم.(1:387)

جاهلون

قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَ أَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ. يوسف:89

ابن عبّاس: شبّان غافلون.(202)

إذ أنتم صبيان.(الواحديّ 2:630)

إذ أنتم شبّان،و معكم جهل الشّباب.

(البغويّ 2:512)

الحسن :شبّان.(الواحديّ 2:630)

الإمام الصّادق عليه السّلام: كلّ ذنب عمله العبد و إن كان عالما فهو جاهل حين خاطر بنفسه معصية ربّه.فقد حكى اللّه سبحانه قول يوسف لإخوته: هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَ أَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ؟ فنسبهم إلى

ص: 308

الجهل لمخاطرتهم بأنفسهم في معصية اللّه.

(الكاشانيّ 3:40)

مقاتل:مذنبون.(ابن الجوزيّ 4:280)

الطّبريّ: يعني في حال جهلكم بعاقبة ما تفعلون بيوسف،و ما إليه صائر أمره و أمركم.(13:54)

نحوه البغويّ(2:512)

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:أحدها:يعني جهل الصّغر،الثّاني:جهل المعاصي،الثّالث:الجهل بعواقب أفعالهم.(3:74)

الطّوسيّ: إنّكم فعلتم ذلك في حال كنتم فيها جاهلين جهالة الصّبيّ لا جهالة المعاصي،و ذلك يقتضي أنّهم الآن على خلافه،و لو لا ذلك لقال:«و أنتم جاهلون».و إنّما وبّخوا بحال قد أقلعوا عنها و تابوا منها على وجه التّذكير،و ليتنبّهوا على حال من يخاطبهم و يعرفوه بها،لا أنّ تلك الحال ذكرت بطريق التّقبيح لها.

(6:187)

الواحديّ: أي بعقوق أبيكم و قطع رحم أخيكم، يعني فعلتم ذلك جهلا منكم.[ثمّ نقل القول الثّاني لابن عبّاس و قول الحسن،و قال:]

و على هذا يراد جهالة الصّبيّ فالشّابّ.(2:630)

الزّمخشريّ: لا تعلمون قبحه فلذلك أقدمتم عليه، يعني هل علمتم قبحه فتبتم إلى اللّه منه،لأنّ علم القبح يدعو إلى الاستقباح،و الاستقباح يجرّ إلى التّوبة،فكان كلامه شفقة عليهم و تنصّحا لهم في الدّين لا معاتبة و تثريبا،إيثارا لحقّ اللّه على حقّ نفسه في ذلك المقام الّذي يتنفّس فيه المكروب و ينفث المصدور و يتشفّى المغيظ المحنق و يدرك ثأره الموتور،فللّه أخلاق الأنبياء ما أوطأها و أسجحها،و للّه حصا عقولهم،ما أرزنها و أرجحها.

و قيل:لم يرد نفي العلم عنهم لأنّهم كانوا علماء، و لكنّهم لمّا لم يفعلوا ما يقتضيه العلم و لا يقدم عليه إلاّ جاهل سمّاهم جاهلين.

و قيل:معناه إذ أنتم صبيان في حدّ السّفه و الطّيش قبل أن تبلغوا أوان الحلم و الرّزانة...(2:340)

نحوه البيضاويّ(1:507)،و النّسفيّ ملخّصا(2:

235)،و المشهديّ(5:33)،و البروسويّ(4:312)، و طه الدّرّة(7:59).

ابن الجوزيّ: في قوله: إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ أربعة أقوال[و نقل قول ابن عبّاس و مقاتل،ثمّ قال:]

و الثّالث:جاهلون بعقوق الأب،و قطع الرّحم، و موافقة الهوى.

و الرّابع:جاهلون بما يؤول إليه أمر يوسف،ذكرهما ابن الأنباريّ.(4:280)

الفخر الرّازيّ: و أمّا قوله: إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ فهو يجري مجرى العذر،كأنّه قال:أنتم إنّما أقدمتم على ذلك الفعل القبيح المنكر حال ما كنتم في جهالة الصّبا أو في جهالة الغرور،يعني و الآن لستم كذلك.

و نظيره ما يقال في تفسير قوله تعالى: ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ الانفطار:6،قيل:إنّما ذكر تعالى هذا الوصف المعيّن ليكون ذلك جاريا مجرى الجواب،و هو أن يقول العبد:يا ربّ غرّني كرمك،فكذا هاهنا إنّما ذكر الكلام إزالة للخجالة عنهم و تخفيفا للأمر عليهم.(18:203)

ص: 309

نحوه النّيسابوريّ(13:43)،و الخازن(3:255)

ابن كثير :أي إنّما حملكم على هذا الجهل بمقدار هذا الّذي ارتكبتموه،كما قال بعض السّلف:كلّ من عصى اللّه فهو جاهل،و قرأ ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ النّحل:119.(4:46)

ابو السّعود: [نحو الزّمخشريّ ملخّصا و أضاف:]

و يجوز أن يكون هذا الكلام منه عليه السّلام منقطعا عن كلامهم،و تنبيها لهم على ما هو حقّهم،و وظيفتهم من الإعراض عن جميع المطالب،و التّمحّض في طلب بنيامين،بل يجوز أن يقف عليه السّلام بطريق الوحي أو الإلهام على وصيّة أبيه و إرساله إيّاهم للتحسّس منه و من أخيه،فلمّا رآهم قد اشتغلوا عن ذلك قال ما قال.

(3:425)

نحوه الآلوسيّ.(13:47)

شبّر: [نحو الطّوسيّ ملخّصا و أضاف:]

و كان هذا تلقينا لهم بالعذر و حثّا على التّوبة،و هو غاية الكرم و الصّفح.(3:304)

القاسميّ: أي شبّان غافلون.[إلى أن قال:]

قيل:من تلطّفه بهم قوله: إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ كالاعتذار عنهم،لأنّ فعل القبيح على جهل بمقدار قبحه،أسهل من فعله على علم.و هم لو ضربوا في طرق الاعتذار لم يلفوا عذرا كهذا.أ لا ترى أنّ موسى عليه السّلام لمّا اعتذر عن نفسه لم يزد على أن قال: فَعَلْتُها إِذاً وَ أَنَا مِنَ الضّالِّينَ الشّعراء:20،ففيه تخفيف للأمر عليهم.

(9:3586)

المراغيّ: قبح ما فعلتموه في حكم شرعكم، و حقوق برّ الوالدين و ما يجب من رحمة القرابة و الرّحم.

و خلاصة ذلك:أنّكم كنتم في حال يغلب عليكم فيها الجهل بهذه الحقوق و بعاقبة البغي و العقوق.

و قد يكون المراد من الجهل:الطّيش و النّزق و اتّباع الهوى و طاعة الحسد و الأثرة.و قد قال لهم هذه المقالة تمهيدا لتعريفهم بنفسه،إذ آن أن يصارحهم به بعد أن بلغ الكتاب أجله،و بلغت به و بهم الأقدار غايتها،و لم يبق بعد هذا إلاّ التّصريح،و تأويل رؤياه الّتي كانت السّبب في كلّ ما حدث من تلك الأفاعيل...

و قد ذكّر يوسف إخوته بذنوبهم تذكيرا مجملا،قبل أن يتعرّف إليهم بذكر العذر،و هو الجهل بقبح الذّنب في ذاته و بسوء عاقبته،لتمكّن نزغ الشّيطان من أنفسهم الأمّارة بالسّوء.و قد ذكّرهم بطريق سؤال العارف المتجاهل على طريق التّقرير لا التّقريع و التّوبيخ،كما يدلّ على نفي التّثريب و الدّعاء بالمغفرة.[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ](13:32)

الطّباطبائيّ: فيه تلقين عذر.(11:236)

مكارم الشّيرازيّ: لاحظوا عظمة يوسف و علوّ نفسه؛حيث يسألهم أوّلا عن ذنبهم،لكن بهذه الكناية اللّطيفة يقول: ما فَعَلْتُمْ و ثانيا:يبيّن لهم طريقة الاعتذار،و أنّ ما ارتكبوه في حقّ إخوتهم إنّما صدر عن جهلهم و غرورهم،و أنّه قد مضى أيّام الصّبا و الطّفولة، و هم الآن في دور الكمال و العقل.(7:256)

الجاهلون

1- وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً

ص: 310

وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً. الفرقان:63

ابن عبّاس: الكفّار و الفسّاق.(305)

الفرّاء: أهل مكّة.(2:272)

الطّبريّ: الجاهلون باللّه.(19:34)

الماورديّ: الجاهلون فيهم قولان:أحدهما:أنّهم الكفّار،الثّاني:السّفهاء.(4:154)

القشيريّ: الجاهلون بأحوالهم،الطّاعنون فيهم،العائبون لهم.(4:321)

الواحديّ: السّفهاء.(3:345)

نحوه البغويّ(3:454)،و أبو السّعود(5:24)، و مغنيّة(5:482)،و عبد الكريم الخطيب(10:55)، و طه الدّرّة(10:60).

الزّمخشريّ: المراد بالجهل:السّفه و قلّة الأدب و سوء الرّعة (1).(3:99)

نحوه النّيسابوريّ(19:32)،و الآلوسيّ(19:44).

البروسويّ: الجهل:خلوّ النّفس من العلم و اعتقاد الشّيء بخلاف ما هو عليه،و فعل الشّيء بخلاف ما حقّه أن يفعل،سواء اعتقد فيه اعتقادا صحيحا أو فاسدا،كما يترك الصّلاة عمدا...(6:240)

عزّة دروزة :السّفهاء و الأشرار،و يمكن أن يكون عنى بها الكفّار.(2:275)

المصطفويّ: أي الجاهلون بمقامهم.(2:140)

2- قُلْ أَ فَغَيْرَ اللّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ.

الزّمر:64

ابن عبّاس: الكافرون.(391)

إنّ المشركين من جهلهم دعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى عبادة آلهتهم و هم يعبدون معه إلهه.(المراغيّ 24:30)

الطّبريّ: أيّها الجاهلون باللّه.(24:24)

نحوه الطّوسيّ(9:43)،و البروسويّ(8:132)، و الآلوسيّ(24:23).

الفخر الرّازيّ: إنّما وصفهم بالجهل،لأنّه تقدّم وصف الإله بكونه خالقا للأشياء،و بكونه مالكا لمقاليد السّماوات و الأرض،و ظاهر كون هذه الأصنام جمادات أنّها لا تضرّ و لا تنفع.و من أعرض عن عبادة الإله الموصوف بتلك الصّفات الشّريفة المقدّسة،و اشتغل بعبادة هذه الأجسام الخسيسة،فقد بلغ في الجهل مبلغا لا مزيد عليه،فلهذا السّبب قال: أَيُّهَا الْجاهِلُونَ و لا شكّ أنّ وصفهم بهذا الأمر لائق بهذا الموضع.

(27:12)

نحوه النّيسابوريّ(24:16)،و أبو حيّان(7:439)، و الشّربينيّ(3:459)،و الآلوسيّ(24:23)، و الطّباطبائيّ(17:290)،و عبد الكريم الخطيب(12:

1189)،و طه الدّرّة(12:477).

مكارم الشّيرازيّ: هذه الآية أعطت مفهوم أعمق ممّا يتّضح من ظاهرها،في أنّ المشركين و الكفرة كانوا أحيانا يدعون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله إلى احترام آلهتهم و عبادتها،أو على الأقلّ عدم الانتقاص منها أو النّهي عن عبادتها؛إذ أعلنت هذه الآية-و بمنتهى الصّراحة- أنّ مسألة توحيد اللّه و عدم الإشراك به هي مسألة لا تقبل المساومة و الاستسلام أبدا؛إذ يجب أن تزال كافّةن.

ص: 311


1- من:الورع،أي سوء الحال و الشّأن.

أشكال الشّرك و تمحى من على وجه الأرض.

فالآية تعني أنّ عبدة الأصنام على العموم هم أناس جهلة،لأنّهم لا يجهلون فقط البارئ عزّ و جلّ،و إنّما يجهلون حتّى مرتبة الإنسان الرّفيعة.

إنّ التّعبير بالأمر،الّذي ورد-في الآية الآنفة-له معنى عميق،إضافة إلى أنّه يشير إلى أنّ الجهلة يأمرون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله بأن يعبد أصنامهم بدون أيّ دليل منطقيّ، و هذا الموقف ليس بعجيب من أفراد جهلة.

أ ليس من الجهل و الغباء أن يترك الإنسان عبادة البارئ عزّ و جلّ رغم مشاهدته للكثير من الأدلّة في هذا العالم،و الّتي تدلّ على علمه و قدرته و تدبيره و حكمته، ثمّ يتمسّك بعبادة موجودات تافهة لا قيمة لها،و عاجزة عن تقديم أدنى مساعدة و عون لعبدتها.(15:131)

الجاهلين

1- وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ. البقرة:67

ابن عبّاس: من المستهزئين بالمؤمنين.(11)

مثله الواحديّ.(1:154)

الطّبريّ: يعني من السّفهاء الّذين يروون عن اللّه الكذب و الباطل.(1:337)

نحوه الطّوسيّ.(1:294)

الماورديّ: لأنّ الخروج عن جواب السّائل المسترشد إلى الهزء جهل،فاستعاذ منه موسى،لأنّها صفة تنتفي مع الأنبياء.(1:137)

نحوه القرطبيّ(1:446)،و مكارم الشّيرازيّ(1:

232).

البغويّ: [مثل ابن عبّاس و أضاف:]

و قيل:(من الجاهلين)بالجواب لا على وفق السّؤال،لأنّ الجواب لا على وفق السّؤال جهل.(1:127)

الزّمخشريّ: لأنّ الهزء في مثل هذا من باب الجهل و السّفه.(1:287)

نحوه العكبريّ(1:74)،و المشهديّ(1:268)، و شبّر(1:108)،و المراغيّ(1:143).

ابن عطيّة: يحتمل معنيين:أحدهما:الاستعاذة من الجهل في أن يخبر عن اللّه تعالى مستهزئا،و الآخر:من الجهل كما جهلوا في قولهم: أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً لمن يخبرهم عن اللّه تعالى.(1:162)

الطّبرسيّ: أي معاذ اللّه أن أكون من المستهزئين.

و إنّما قال: مِنَ الْجاهِلِينَ ليدلّ على أنّ الاستهزاء لا يصدر إلاّ عن جاهل،فإنّ من استهزأ بغيره لا يخلو إمّا أن يستهزئ بخلقته،أو بفعل من أفعاله:

فأمّا الخلقة فلا معنى للاستهزاء بها،و أمّا الفعل فإذا كان قبيحا فالواجب أن ينبّه فاعله على قبحه لينزجر عنه،فأمّا أن يستهزئ به فلا.فالاستهزاء على هذا يكون كبيرة،لا يقع إلاّ عن جاهل به أو محتاج إليه.

(1:135)

الفخر الرّازيّ: فيه وجوه:

أحدها:أنّ الاشتغال بالاستهزاء لا يكون إلاّ بسبب الجهل،و منصب النّبوّة لا يحتمل الإقدام على الاستهزاء.

فلم يستعذ موسى عليه السّلام من نفس الشّيء الّذي نسبوه

ص: 312

إليه،لكنّه استعاذ من السّبب الموجب له،كما قد يقول الرّجل عند مثل ذلك:أعوذ باللّه من عدم العقل و غلبة الهوى.و الحاصل أنّه أطلق اسم السّبب على المسبّب مجازا،هذا هو الوجه الأقوى.

و ثانيها:أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين بما في الاستهزاء في أمر الدّين من العقاب الشّديد و الوعيد العظيم،فإنّي متى علمت ذلك امتنع إقدامي على الاستهزاء.

و ثالثها:قال بعضهم:إنّ نفس«الهزء»قد يسمّى جهلا و جهالة،فقد روي عن بعض أهل اللّغة أنّ الجهل ضدّ الحلم،كما قال بعضهم:إنّه ضدّ العلم.(3:118)

نحوه النّيسابوريّ.(1:341)

البيضاويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

نفى به عن نفسه ما رمي به،على طريقة البرهان، و أخرج ذلك في صورة الاستعاذة استفظاعا له.(1:62)

مثله الشّربينيّ(1:68)،و نحوه أبو السّعود(1:144).

النّسفيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و فيه تعريض بهم،أي أنتم جاهلون حيث نسبتموني إلى الاستهزاء.(1:54)

أبو حيّان :لمّا فهم موسى عليه السّلام عنهم أنّ تلك المقالة الّتي صدرت عنهم إنّما هي لاعتقادهم فيها،أنّه أخبر عن اللّه بما لم يأمر به،استعاذ باللّه،و هو الّذي أخبر عنه أن يكون من الجاهلين باللّه،فيخبر عنه بأمر لم يأمر به تعالى؛إذ الإخبار عن اللّه تعالى بما لم يخبر به اللّه إنّما يكون ذلك من الجهل باللّه تعالى.

و قوله: مِنَ الْجاهِلِينَ فيه تصريح أنّ ثمّ جاهلين،و استعاذ باللّه أن يكون منهم،و فيه تعريض أنّهم جاهلون.و كأنّه قال:أن أكون منكم،لأنّهم جوّزوا على من هو معصوم من الكذب،و خصوصا في التّبليغ عن اللّه أن يخبر عن اللّه بالكذب.

قالوا:و الجهل بسيط و مركّب،البسيط:عامّ و خاصّ،العامّ:عدم العلم بشيء من المعلومات، و الخاصّ:عدم العلم ببعض المعلومات،و المركّب:أن يجهل و يجهل أنّه يجهل.فالعامّ و المركّب لا يوصف بهما من له بعض علم فضلا عن نبيّ شرّف بالرّسالة و التّكليم،و ذلك مستحيل عليه،فيستحيل أن يستعيذ منه إلاّ على سبيل الأدب.

فالّذي استعاذ منه موسى هو خاصّ،و هو المفضي إلى أن يخبر عن اللّه تعالى مستهزئا،أو المقابل لجهلهم فقالوا: أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً لمن يخبرهم عن اللّه،أو معناه الاستهزاء بالمؤمنين،فإنّ ذلك جهل،أو من الجاهلين بالجواب لا على وفق السّؤال؛إذ ذاك جهل،و الأمر من تلقاء نفسي و أنسبه إلى اللّه،و الخروج عن جواب السّائل المسترشد إلى الهزء،و هذه الوجوه السّتّة مستحيلة على موسى.(1:250)

الكاشانيّ: أنسب إلى اللّه ما لم يقل لي،أعارض أمر اللّه بقياسي،على ما شاهدت،دافعا القول للّه عزّ و جلّ و أمره.(1:126)

البروسويّ: لأنّ الهزء في أثناء تبليغ أمر اللّه جهل و سفه،و دلّ أنّ الاستهزاء بالدّين كبيرة،و كذلك بالمسلمين و من يجب تعظيمه و أنّ ذلك جهل،و صاحبه مستحقّ للوعيد،و ليس المزاح من الاستهزاء.(1:158)

ص: 313

الآلوسيّ: أي من أن أعدّ في عدادهم،و الجهل-كما قال الرّاغب-له معان:عدم العلم،و اعتقاد الشّيء بخلاف ما هو عليه،و فعل الشّيء بخلاف ما حقّه أن يفعل، سواء اعتقد فيه اعتقادا صحيحا أو فاسدا.

و هذا الأخير هو المراد هنا،و قد نفاه عليه السّلام عن نفسه، قصدا إلى نفي ملزومه الّذي رمي به،و هو الاستهزاء على طريق الكناية،و أخرج ذلك في صورة الاستعارة استفظاعا له؛إذ الهزء في مقام الإرشاد كاد يكون كفرا و ما يجري مجراه،و وقوعه في مقام الاحتقار و التّهكّم مثل فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ آل عمران:21،سائغ شائع، و فرق بين المقامين.(1:286)

القاسميّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]

و الجهل:التّقدّم في الأمور بغير علم.(2:153)

مغنيّة:أي إنّي لا أستعمل الهزء و السّخريّة في غير التّبليغ عن اللّه،فكيف في التّبليغ عنه جلّت كلمته؟!

(1:126)

عبد الكريم الخطيب :إنّ العبث لا يكون إلاّ عن جهل،و لا يقع إلاّ من جهّال،و هو نبيّ معصوم،توجّهه السّماء،فلا يضلّ و لا يهزل.(1:96)

2- ..وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ. الأنعام:35

ابن عبّاس: بمقدوري عليهم بالكفر.(108)

الجبّائيّ: معناه فلا تجزع في مواطن الصّبر،فيقارب حالك حال الجاهلين بأن تسلك سبيلهم.

(الطّبرسيّ 2:296)

نحوه الماورديّ(2:109)،و البيضاويّ(1:308)، و المشهديّ(3:270).

الطّبريّ: فلا تكوننّ ممّن لا يعلم أنّ اللّه لو شاء لجمع على الهدى جميع خلقه بلطفه،و أنّ من يكفر به من خلقه،إنّما يكفر به لسابق علم اللّه فيه،و نافذ قضائه، بأنّه كائن من الكافرين به اختيارا لا اضطرارا،فإنّك إذا علمت صحّة ذلك،لم يكبر عليك إعراض من أعرض من المشركين عمّا تدعوه إليه من الحقّ،و تكذيب من كذّبك منهم.(الطّبريّ 7:185)

نحوه ملخّصا البغويّ.(2:121)

الطّوسيّ: إنّما هو نهي محض عن الجهل،و لا يدلّ ذلك على أنّ الجهل كان جائزا منه صلّى اللّه عليه و آله بل يفيد كونه قادرا عليه،لأنّه تعالى لا يأمر و لا ينهى إلاّ بما قدر المكلّف عليه،و مثله قوله: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ الزّمر:65،و إن كان الشّرك لا يجوز عليه، لكن لمّا كان قادرا عليه جاز أن ينهاه عنه.

و المراد هاهنا:فلا تجزع و لا تتحزّن لكفرهم و إعراضهم عن الإيمان،و أنّهم لم يجمعوا على التّصديق بك،فتكون في ذلك بمنزلة الجاهلين الّذى لا يصبرون على المصائب و يأثمون لشدّة الجزع.(4:132)

الزّمخشريّ: من الّذين يجهلون ذلك،و يرومون ما هو خلافه.(2:16)

الطّبرسيّ: قيل:إنّ هذا نفي للجهل عنه،أي لا تكن جاهلا بعد أن أتاك العلم بأحوالهم و أنّهم لا يؤمنون،و المراد:فلا تجزع و لا تتحسّر لكفرهم و إعراضهم عن الإيمان،و غلّظ الخطاب تبعيدا و زجرا

ص: 314

عن هذه الحال.(2:296)

نحوه الشّربينيّ.(1:418)

القمّيّ: مخاطبة للنّبيّ،و المعنى للنّاس.(1:198)

الواحديّ: فإنّه يؤمن بك بعضهم دون بعض، و إنّهم لا يجتمعون على الهدى.(2:266)

ابن عطيّة: في أن تأسف و تحزن على أمر أراده اللّه و أمضاه،و علم المصلحة فيه.[إلى أن قال:]

يحتمل:في أن لا يعلم أنّ اللّه لو شاء لجمعهم، و يحتمل:في أن تهتمّ بوجود كفرهم الّذي قدّره و أراده، و تذهب به لنفسك إلى ما لم يقدّر اللّه به.

و يظهر تباين ما بين قوله تعالى لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:

فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ و بين قوله لنوح عليه السّلام:

إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ هود:46،و قد تقرّر أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم أفضل الأنبياء.

قال مكّيّ و المهدويّ: و الخطاب بقوله: فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ للنّبيّ عليه السّلام،و المراد به أمّته؛و هذا ضعيف لا يقتضيه اللّفظ.

و قال قوم:وقّر نوح لسنّه و شيبته.

و قال قوم:جاء الحمل أشدّ على محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم لقربه من اللّه تعالى و مكانته عنده،كما يحمل العاقب على قريبه أكثر من حمله على الأجانب.

و الوجه القويّ عندي في الآية،هو أنّ ذلك لم يجئ بحسب النّبيّين،و إنّما جاء بحسب الأمرين اللّذين وقع النّهي عنهما و العتاب فيهما،و بيّن أنّ الأمر الّذي نهي عنه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم أكبر قدرا و أخطر مواقعة من الأمر الّذي واقعه نوح صلّى اللّه عليه و سلّم.(2:287)

ابن الجوزيّ: [اكتفى بنقل قول الطّبريّ و الواحديّ و الجبّائيّ](3:33)

الفخر الرّازيّ: نهي له عن هذه الحالة،و هذا النّهي لا يقتضي إقدامه على مثل هذه الحالة،كما أنّ قوله:

وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ الْمُنافِقِينَ لا يدلّ على أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم أطاعهم و قبل دينهم.و المقصود أنّه لا ينبغي أن يشتدّ تحسّرك على تكذيبهم،و لا يجوز أن تجزع من إعراضهم عنك،فإنّك لو فعلت ذلك قرب حالك من حال الجاهل.

و المقصود من تغليظ الخطاب:التّبعيد و الزّجر عن مثل هذه الحالة،و اللّه أعلم.(12:208)

نحوه القرطبيّ(6:418)،و النّيسابوريّ(7:98)، و الخازن(2:108).

الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:

فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ مخاطبة بأفحش الخطابين،و قال لنوح صلّى اللّه عليه و سلّم: إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ هود:46،فخاطبه بألين الخطابين مع أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم أعظم رتبة و أعلى منزلة منه؟

قلنا:لأنّ نوحا عليه الصّلاة و السّلام كان معذورا في جهله بمطلوبه،لأنّه تمسّك بوعد اللّه تعالى في إنجاء أهله، و ظنّ أنّ ابنه من أهله.و محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم ما كان معذورا،لأنّه كبر عليه كفرهم،مع علمه أنّ كفرهم و إيمانهم بمشيئة اللّه تعالى،و أنّهم لا يهتدون إلاّ أن يهديهم اللّه.(83)

أبو حيّان :[ذكر قول ابن عطيّة ثمّ قال:]

و ضعف الاحتمال الأوّل بأنّه صلّى اللّه عليه و سلّم مع كمال ذاته و توفّر معلوماته و عظيم اطّلاعه على ما يليق بقدرة الحقّ جلّ جلاله و استيلائه على جميع مقدوراته،لا ينبغي أن

ص: 315

يوصف بأنّه جاهل بأنّه تعالى لو شاء لجمعهم على الهدى،لأنّ هذا من قبيل الدّين و العقائد،فلا يجوز أن يكون جاهلا بها.[ثمّ ذكر بعض الأقوال المتقدّمة إلى أن قال:]

و قيل:الرّسول معصوم من الجهل و الشّكّ بلا خلاف،و لكنّ العصمة لا تمنع الامتحان بالأمر و النّهي،أو لأنّ ضيق صدره و كثرة حزنه من الجبلاّت البشريّة،و هي لا ترفعها العصمة بدليل«اللّهمّ إنّي بشر و إنّي أغضب كما يغضب البشر»الحديث،و قوله:«إنّما أنا بشر فإذا نسيت فذكّروني»انتهى.

و الّذي أختاره أنّ هذا الخطاب ليس للرّسول، و ذلك أنّه تعالى قال: وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فهذا إخبار و عقد كلّيّ أنّه لا يقع في الوجود إلاّ ما شاء وقوعه،و لا يختصّ هذا الإخبار بهذا الخطاب بالرّسول بل الرّسول عالم بمضمون هذا الإخبار،فإنّما ذلك للسّامع،فالخطاب و النّهي في(فلا تكوننّ)للسّامع دون الرّسول.فكأنّه قيل:و لو شاء اللّه أيّها السّامع الّذي لا يعلم أنّ ما وقع في الوجود بمشيئة اللّه جمعهم على الهدى لجمعهم عليه فلا تكوننّ أيّها السّامع من الجاهلين، بأنّ ما شاء اللّه إيقاعه وقع،و أنّ الكائنات معذوقة بإرادته.(4:115)

أبو السّعود :نهي لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عمّا كان عليه من الحرص الشّديد على إسلامهم،و الميل إلى إتيان ما يقترحونه من الآيات طمعا في إيمانهم،مرتّب على بيان عدم تعلّق مشيئته تعالى بهدايتهم.

و المعنى و إذا عرفت تعالى لم يشأ هدايتهم و إيمانهم بأحد الوجهين،فلا تكوننّ بالحرص الشّديد على إسلامهم أو الميل إلى نزول مقترحاتهم من الجاهلين بدقائق شئونه تعالى،الّتي من جملتها ما ذكر من عدم تعلّق مشيئته تعالى بإيمانهم،إمّا اختيارا فلعدم توجّههم إليه،و إمّا اضطرارا فلخروجه عن الحكمة التّشريعيّة المؤسّسة على الاختيار.

و يجوز أن يراد ب(الجاهلين)على الوجه الثّاني:

المقترحون،و يراد بالنّهي:منعه عليه الصّلاة و السّلام من المساعدة على اقتراحهم،و إيرادهم بعنوان الجهل دون الكفر و نحوه،لتحقيق مناط النّهي الّذي هو الوصف الجامع بينه عليه الصّلاة و السّلام و بينهم.(2:378)

نحوه القاسميّ.(6:2294)

البروسويّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

و في الآية تربية و تأديب للنّبيّ عليه السّلام من اللّه تعالى، كما قال عليه السّلام:«إنّ اللّه أدّبني فأحسن تأديبي»لئلاّ يبالغ في الشّفقة على غير أهلها.(3:26)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود،و رجّحه على قول الجبّائيّ و أضاف:]

و في خطابه سبحانه لنبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم بهذا الخطاب دون خطابه بما خوطب به نوح عليه السّلام من قوله سبحانه: إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ هود:46،إشارة إلى مزيد شفقته صلّى اللّه عليه و سلّم و اشتداد حرصه عليه الصّلاة و السّلام.

(7:139)

مغنيّة: و كيف يكون الرّسول الأعظم من الجاهلين،و أخلاقه أخلاق القرآن؟!و إنّما ساغ هذا الخطاب لأشرف الخلق،لأنّه من خالق الخلق،لا من النّظير و المثيل.(3:183)

ص: 316

مكارم الشّيرازيّ: أي لقد قلت هذا لئلاّ تكون من الجاهلين،أي لا تفقد صبرك و لا تجزع،و لا يأخذك القلق بسبب كفرهم و شركهم.

ما من شكّ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله كان يعلم هذه الحقائق، و لكن اللّه ذكرها له من باب التّطمين و تهدئة الرّوع تماما، كالّذي نقوله نحن لمن فقد ابنه:لا تحزن فالدّنيا فانية، سنموت جميعا،و أنت ما تزال شابّا،و لسوف ترزق بابن آخر،فلا تجزع كثيرا.فلا ريب أنّ فناء دار الدّنيا،أو كون المصاب شابّا،ليسا مجهولين عنده،و لكنّها أمور تقال للتّذكير.(4:249)

لاحظ«ج م ع»،«و ش ي ء»،و«ه د ي».

3- خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ. الأعراف:199

ابن عبّاس: عن أبي جهل و أصحابه المستهزئين ثمّ نسخ الإعراض.(144)

نحوه البغويّ.(2:260)

الزّمخشريّ: السّفهاء.(2:138)

نحوه القرطبيّ(7:344)،و أبو حيّان(4:448).

الفخر الرّازيّ: أي المشركين.(15:96)

نحوه النّيسابوريّ.(9:108)

المصطفويّ: أي الّذين لا يعرفون العرف.(2:140)

4- ..إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ. هود:46

ابن عبّاس: (من الجاهلين)بسؤالك إيّاي ما لم تعلم.(186)

يريد الآثمين.(الواحديّ 2:576)

نحوه القرطبيّ.(9:48)

ابن زيد :أن تبلغ الجهالة بك،أن لا أفي لك بوعد وعدتك حتّى تسألني ما ليس لك به علم.

(الطّبريّ 12:54)

الطّبريّ: (من الجاهلين)في مسألتك إيّاي عن ذلك.(12:54)

الماورديّ: يحتمل وجهين:أحدهما:من الجاهلين بنسبك،الثّاني:من الجاهلين بوعدي لك.

(2:476)

البغويّ: يعني تدعو بهلاك الكفّار،ثمّ تسأل نجاة كافر.(2:452)

الزّمخشريّ: جعل سؤال ما لا يعرف كنهه جهلا و غباوة،و وعظه أن لا يعود إليه و إلى أمثاله من أفعال الجاهلين.

فإن قلت:قد وعده أن ينجي أهله و ما كان عنده أنّ ابنه ليس منهم دينا،فلمّا أشفى على الغرق تشابه عليه الأمر،لأنّ العدة قد سبقت له،و قد عرف اللّه حكيما لا يجوز عليه فعل القبيح و خلف الميعاد،فطلب إماطة الشّبهة،و طلب إماطة الشّبهة واجب،فلم زجر و سمّي سؤاله جهلا؟

قلت:إنّ اللّه عزّ و علا قدّم له الوعد بإنجاء أهله مع استثناء من سبق عليه القول منهم،فكان عليه أن يعتقد أنّ في جملة أهله من هو مستوجب للعذاب لكونه غير صالح،و أنّ كلّهم ليسوا بناجين،و أن لا تخالجه شبهة حين شارف ولده الغرق،في أنّه من المستثنين لا من

ص: 317

المستثنى منهم،فعوتب على أن اشتبه عليه ما يجب أن لا يشتبه.(2:273)

ابن عطيّة: و لكن نوحا عليه السّلام حملته شفقة النّبوّة و سجيّة البشر على التّعرّض لنفحات الرّحمة و التّذكير، و على هذا القدر وقع عتابه،و لذلك جاء بتلطّف و ترفيع في قوله: إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ، و قد قال اللّه لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم: فَلا تَكُونَنَّ البقرة:147،الأنعام:

35،114،يونس:94،و ذلك هنا بحسب الأمر الّذي عوتب فيه و عظمته،فإنّه لضيق صدره بتكاليف النّبوّة، و إلاّ فمتقرّر أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم أفضل البشر و أولاهم بلين المخاطبة،و لكن هذا بحسب الأمرين لا بحسب النّبيّين.

و قال قوم:إنّما وقّر نوح لسنّه.و قال قوم:إنّما حمل اللّفظ على محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم كما يحمل الإنسان على المختصّ به الحبيب إليه.و هذا كلّه ضعيف.[إلى أن قال بعد ذكر قول ابن زيد:]

و هذا تأويل بشع،و ليس في الألفاظ ما يقتضي أنّ نوحا اعتقد هذا و عياذا باللّه،و غاية ما وقع لنوح عليه السّلام أن رأى ترك ابنه معارضا للوعد فذكر به،و دعا بحسب الشّفقة ليكشف له الوجه الّذي استوجب به ابنه التّرك في الغرقى.(3:177)

ابن الجوزيّ: فيه ثلاثة أقوال:أحدها:أن تكون من الجاهلين في سؤالك من ليس من حزبك.[ثمّ قال نحو الماورديّ](4:115)

الفخر الرّازيّ: احتجّ بهذه الآية من قدح في عصمة الأنبياء من وجوه[و ذكر الوجوه المتعلّقة بالقسم الأوّل من الآية و أضاف:]

الوجه الرّابع:أنّ قوله تعالى: إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ يدلّ على أنّ ذلك السّؤال كان محض الجهل،و هذا يدلّ على غاية التّقريع و نهاية الزّجر، و أيضا جعل الجهل كناية عن الذّنب،مشهور في القرآن، قال تعالى: يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ النّساء:17، و قال تعالى حكاية عن موسى عليه السّلام: أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ البقرة:67.[إلى أن قال:]

و اعلم أنّه لمّا دلّت الدّلائل الكثيرة على وجوب تنزيه اللّه تعالى الأنبياء عليهم السّلام من المعاصي،وجب حمل هذه الوجوه المذكورة على ترك الأفضل و الأكمل، و حسنات الأبرار سيّئات المقرّبين،فلهذا السّبب حصل هذا العتاب و الأمر بالاستغفار،و لا يدلّ على سابقة الذّنب،كما قال: إِذا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَ الْفَتْحُ... النّصر:

1-3.

و معلوم أنّ مجيء نصر اللّه و الفتح و دخول النّاس في دين اللّه أفواجا ليست بذنب يوجب الاستغفار،و قال تعالى: وَ اسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ محمّد:19،و ليس جميعهم مذنبين،فدلّ ذلك على أنّ «الاستغفار»قد يكون بسبب ترك الأفضل.(18:3)

البيضاويّ: و إنّما سمّاه جهلا و زجر عنه بقوله:

إِنِّي أَعِظُكَ... لأنّ استثناء من سبق عليه القول من أهله،قد دلّه على الحال و أغناه عن السّؤال،لكن أشغله حبّ الولد عنه حتّى اشتبه عليه الأمر.(1:470)

نحوه البروسويّ.(4:139)

الطّباطبائيّ: فإن قلت:إنّه تعالى قال: أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ أي ممّن استقرّت فيه صفة الجهل،

ص: 318

و استقرارها إنّما يكون بالتّكرار لا بالمرّة و الدّفعة،و بذلك يعلم أنّه سأل ما سأل و تحقّق منه الجهل مرّة.و إنّما وعظه اللّه تعالى بما وعظ لئلاّ يعود إلى مثله،فيتكرّر منه ذلك فيدخل في زمرة الجاهلين.

قلت:زنة«الفاعل»كجاهل لا تدلّ على الاستقرار و التّكرّر،و إنّما تفيده الصّفة المشبّهة ك«جهول»على ما ذكروه،و يشهد لذلك قوله تعالى في قصّة البقرة:

قالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ البقرة:67،و قوله في قصّة يوسف: وَ إِلاّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَ أَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ يوسف:33،و قوله خطابا لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله: وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ الأنعام:35.

و أيضا لو كان المراد من النّهي عن السّؤال أن لا يتكرّر منه ذلك بعد ما وقع مرّة،لكان الأنسب أن يصرّح بالنّهي عن العود إلى مثله دون النّهي عن أصله، كما وقع في نظير المورد من قوله تعالى: إِذْ تَلَقَّوْنَهُ بِأَلْسِنَتِكُمْ وَ تَقُولُونَ بِأَفْواهِكُمْ ما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ -إلى أن قال- يَعِظُكُمُ اللّهُ أَنْ تَعُودُوا لِمِثْلِهِ أَبَداً النّور:15- 17.(10:237)

عبد الكريم الخطيب :جاء قوله تعالى منبّها له إلى أنّ هناك علما لا يعلمه نوح،و لا يحتمل وقعه على مدركاته،فليعلم أنّ له علما،و أنّ للّه سبحانه و تعالى علما فوق هذا العلم،لا تناله الأفهام و لا تدركه العقول.

(6:1148)

5- ..وَ إِلاّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَ أَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ. يوسف:33

ابن عبّاس: بنعمتك.(196)

يريد المذنبين الآثمين.(الواحديّ 2:612)

ابن إسحاق :أي جاهلا إذا ركبت معصيتك.

(الطّبريّ 12:211)

الطّبريّ: و أكن بصبوتي إليهنّ من الّذين جهلوا حقّك،و خالفوا أمرك و نهيك.(12:211)

الطّوسيّ: معناه و أكن ممّن يستحقّ صفة الذّمّ بالجهل،لأنّه بمنزلة من قد اعتقد الشّيء على خلاف ما هو به،و إلاّ فهو كان عالما بأنّ ذلك معصية،و الغرض فيه بيان أنّ صفة الجهل أغلظ من صفة الذّمّ.(6:135)

نحوه الطّبرسيّ.(3:231)

البغويّ: فيه دليل على أنّ المؤمن إذا ارتكب ذنبا يرتكبه عن جهالة.(2:490)

نحوه الخازن.(3:230)

الزّمخشريّ: من الّذين لا يعملون بما يعلمون،لأنّ من لا جدوى لعلمه فهو و من لا يعلم سواء،أو من السّفهاء لأنّ الحكيم لا يفعل القبيح.(2:319)

نحوه البيضاويّ(1:495)،و النّسفيّ(2:221)، و النّيسابوريّ(12:104)،و أبو حيّان(5:307)، و الشّربينيّ(2:106)،و أبو السّعود(3:390)، و البروسويّ(4:253)،و الآلوسيّ(12:236)،و طه الدّرّة(6:476).

ابن عطيّة: هم الّذين لا يراعون حدود اللّه تعالى و نواهيه.(3:242)

القرطبيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

ص: 319

و دلّ هذا على أنّ أحدا لا يمتنع عن معصية اللّه إلاّ بعون اللّه،و دلّ أيضا على قبح الجهل و الذّمّ لصاحبه.

(9:185)

المراغيّ: أي من السّفهاء الّذين تستخفّهم الأهواء و الشّهوات،فيجنحون إلى ارتكاب الموبقات و اجتراح السّيّئات،فمن يعش بين هؤلاء النّسوة الماكرات المترفات لا مهرب له من الجهل إلاّ أن تعصمه بما هو فوق الأسباب و السّنن العاديّة.(12:142)

6- وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَ قالُوا لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ. القصص:55

راجع«ب غ ي»

جهولا

إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً. الأحزاب:72

الإمام عليّ عليه السّلام: (ظلوما)لنفسه(جهولا)لأمر ربّه،من لم يؤدّها[الأمانة]بحقّها فهو ظلوم و غشوم.

(البحرانيّ 8:93)

نحوه ابن عبّاس.(البغويّ 3:669)

ابن عبّاس: (ظلوما)بحملها،و يقال:بأكله من الشّجرة،(جهولا)بعاقبتها.(358)

نحوه مقاتل بن حيّان،و مقاتل بن سليمان.

(الواحديّ 3:485)

غرّا بأمر اللّه.(الطّبريّ 22:54)

مثله الضّحّاك.(ابن الجوزيّ 6:429)

كان(ظلوما)بحقّ الأمانة(جهولا)بما يفعل من الخيانة.(البغويّ 3:669)

سعيد بن جبير: جهول بقدر ما دخل فيه.

مثله قتادة.(القرطبيّ 14:257)

مجاهد :(ظلوما)لنفسه(جهولا)بعاقبة أمره.

(ابن الجوزيّ 6:429)

نحوه ابن جريج.(الماورديّ 4:430)

الضّحّاك: (ظلوما)لنفسه(جهولا)فيما احتمل فيما بينه و بين ربّه.(الطّبريّ 22:57)

(ظلوما)في خطيئته(جهولا)فيما حمّل ولده من بعده.

(الماورديّ 4:430)

الحسن :(ظلوما)لنفسه(جهولا)بربّه.

(الماورديّ 4:430)

قتادة :(جهولا)عن حقّها.(الطّبريّ 22:55)

نحوه أبو الفتوح الرّازيّ.(16:29)

الكلبي:ظلمه حين عصى ربّه فأخرج من الجنّة و جهله حين احتملها[الأمانة].(الواحديّ 3:485)

(ظلوما)بمعصية ربّه(جهولا)بعقاب الأمانة.

(ابن الجوزيّ 6:485)

الجبّائيّ: (جهولا)بموضع الأمانة في استحقاق العقاب على الخيانة فيها.(الطّبرسيّ 3:373)

نحوه مغنيّة.(6:245)

الطّبريّ: (جهولا)بالّذي فيه الحظّ له.(22:53)

ص: 320

الطّوسيّ: (ظلوما)لنفسه(جهولا)بما يلزمه القيام بحقّ اللّه.(8:370)

القشيريّ: (جهولا)بصعوبة حمل الأمانة في الحال، و العقوبة الّتي عليها في المآل.(5:173)

الفخر الرّازيّ: فيه وجوه:

أحدها:أنّ المراد منه آدم ظلم نفسه بالمخالفة،و لم يعلم ما يعاقب عليه من الإخراج من الجنّة.

ثانيها:المراد الإنسان يظلم بالعصيان و يجهل ما عليه من العقاب.

ثالثها: إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً أي كان من شأنه الظّلم و الجهل...

رابعها: إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً في ظنّ الملائكة؛ حيث قالوا: أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها البقرة:30.

(25:235)

الرّازيّ: فإن قيل:المراد بالإنسان:آدم عليه الصّلاة و السّلام في قوله تعالى: وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ فكيف قال سبحانه: إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً و«فعول»من أوزان المبالغة،فيقتضي تكرار الظّلم و الجهل منه و أنّه منتف؟

قلنا:لمّا كان عظيم القدر رفيع المحلّ كان ظلمه و جهله لنفسه أقبح و أفحش،فقام عظم الوصف مقام الكثرة،و قد سبق نظير هذا في سورة آل عمران:182، في قوله تعالى: وَ أَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ.

و قيل:إنّما سمّاه ظَلُوماً جَهُولاً لتعدّي ضرر ظلمه و جهله إلى جميع النّاس،فإنّهم أخرجوا من الجنّة بواسطته،و تسلّط عليهم إبليس و جنوده.(284)

البيضاويّ: (ظلوما)حيث لم يف بها و لم يراع حقّها،(جهولا)بكنه عاقبتها،و هذا وصف للجنس باعتبار الأغلب.(2:254)

النّسفيّ: (ظلوما)لكونه تاركا لأداء الأمانة، (جهولا)لإخطائه ما يساعده مع تمكّنه منه و هو أداؤها.

(3:316)

النّيسابوريّ: (ظلوما)لأنّه خلق ضعيفا و حمل قويّا،(جهولا)لأنّه ظنّ أنّه خلق للمطعم و المشرب و المنكح،و لم يعلم أنّ هذه الصّورة قشر و له لبّ،و للبّه لبّ هو محبوب اللّه،فبقوّة الظّلوميّة و الجهوليّة حمل الأمانة،ثمّ بروحه المنوّر برشاش اللّه أدّى الأمانة، فصارت الصّفتان في حقّ حامل الأمانة و مؤدّي حقّها مدحا،و في حقّ الخائنين فيها ذمّا.(22:34)

الخازن :[نقل القول الأوّل لا بن عبّاس و أقوال أخرى و أضاف:]

و قيل:ظلوما جهولا حيث حمل الأمانة ثمّ لم يف بها،و ضمنها و لم يف بضمانها.و القول الأوّل هو قول السّلف،و هو الأولى.(5:230)

نحوه أبو حيّان.(7:253)

أبو السّعود :اعتراض وسط بين الحمل و غايته، للإيذان من أوّل الأمر بعدم وفائه بما عهده و تحمّله،أي إنّه كان مفرطا في الظّلم مبالغا في الجهل،أي بحسب غالب أفراده الّذين لم يعملوا بموجب فطرتهم السّليمة أو اعترافهم السّابق،دون من عداهم من الّذين لم يبدّلوا فطرة اللّه تبديلا.(5:242)

الكاشانيّ: كونه ظَلُوماً جَهُولاً لما غلب عليه

ص: 321

من القوّة الغضبيّة و الشّهويّة،و هو وصف للجنس باعتبار الأغلب.و كلّ ما ورد فى تأويلها في مقام التّخصيص يرجع إلى هذا المعنى،كما يظهر بالتّدبّر.

(4:206)

البروسويّ: و اعلم أنّ الظّلوميّة و الجهوليّة صفتا ذمّ عند أهل الظّاهر،لأنّهما في حقّ الخائنين في الأمانة، فمن وضع الغدر و الخيانة موضع الوفاء و الأداء فقد ظلم و جهل.

و قال أهل الحقيقة:هما صفتا مدح،أي في حقّ مؤدّي الأمانة،فإنّ الإنسان ظلم نفسه بحمل الأمانة، لأنّه وضع شيئا في غير موضعه،فأفنى نفسه و أزال حجبها الوجوديّة،و هي المعروفة بالأنانيّة،و جهل ربّه.فإنّه في أوّل الأمر يحبّ هذه البهيميّة الّتي تأكل و تشرب و تنكح،و تحمل الذّكوريّة و الأنوثيّة اللّتين اشترك فيهما جميع الحيوانات،و ما يدري أنّ هذه الصّورة الحيوانيّة قشر و له لبّ،هو محبوب الحقّ الّذي قال:

يُحِبُّهُمْ، و هو محبّ الحقّ الّذي قال: يُحِبُّونَهُ. فإذا عبر عن قشر جسمانيّة الظّلمانيّة و وصل إلى لبّ روحانيّة النّورانيّة،ثمّ علم أنّ هذا اللّبّ النّورانيّ أيضا قشر.فإنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«إنّ للّه سبعين ألف حجاب من نور و ظلمة».فعبر عن القشر الرّوحانيّ أيضا،و وصل إلى لبّه الّذي هو محبوب الحقّ و محبّه،فقد عرف نفسه، و إذا عرف نفسه فقد عرف ربّه بتوحيد لا شرك فيه، و جهل ما سوى اللّه تعالى بالكلّيّة.و أيضا إنّ الجهول هو العالم،لأنّ نهاية العلم هو الاعتراف بالجهل في باب المعرفة،و العجز عن درك الإدراك إدراك...فلو لم يكن للإنسان قوّة هذه الظّلوميّة و الجهوليّة لما حمل الأمانة، و بهذا الاعتبار صحّ تعليل الحمل بهما.

و قال بعض أهل التّفسير-و تبعهم صاحب «القاموس»:إنّ الوصف بالظّلومية و الجهوليّة إنّما يليق بمن خان في الأمانة و قصّر عن حقّها،لا بمن يتحمّلها و يقبلها.فمعنى(حملها الانسان)أي خانها.و الإنسان:

الكافر و المنافق،من قولك:«فلان حامل للأمانة و محتمل لها»بمعنى أنّه لا يؤدّيها إلى صاحبها حتّى تزول عن ذمّته و يخرج من عهدتها بجعل الأمانة كأنّها راكبة للمؤتمن عليها،كما يقال:ركبته الدّيون،فما يحمل إذا كناية عن الخيانة و التّضييع...(7:254)

شبّر:(ظلوما)حيث لم يؤدّها،(جهولا)لعظمة شأنها.(5:166)

الآلوسيّ: [نقل أقوال المفسّرين إلى أن قال:]

و أنا لا أميل إلى القول بأنّ المراد بالإنسان:آدم عليه السّلام، و إن كان أوّل أفراد الجنس و مبدأ سلسلتها،لمكان إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً فإنّه يبعد غاية البعد وصف صفيّ اللّه عزّ و جلّ بنصّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفى آدَمَ آل عمران:

33،بمزيد الظّلم و الجهل،و كون المعنى كان ظلوما جهولا بزعم الملائكة عليهم السّلام قول بارد،و حمله على معنى:كان ظلوما لنفسه؛حيث حملها على ضعفه ما أبت الأجسام القويّة حمله،جهولا بقدر ما دخل فيه أو بعاقبة ما تحمّل لا يزيل البعد،و لا أستحسن كون المراد:كان من شأنه لو خلّي و نفسه ذلك،كما قيل:

الظّلم من شيم النّفوس فإن تجد

ذا عفّة فلعلّة لا يظلم

ص: 322

إلاّ على القول بإرادة الجنس،و إخراج الكلام مخرج الاستخدام،على نحو ما قالوا:في«عندي درهم و نصفه» بعيد لفظا و معنى.[إلى أن قال:]

و وصف الجنس بصيغتي المبالغة،لكثرة الأفراد المتّصفة بالظّلم و الجهل منه،و إن لم يكونا فيها على وجه المبالغة،بل لا يخلو فرد من الأفراد عن الاتّصاف بظلم ما و جهل ما،و لا يجب في وصف الجنس بصيغة المبالغة، تحقّق تلك الصّفة في الأفراد كلاّ أو بعضا على وجه المبالغة.

نعم إن تحقّق ذلك فهو زيادة خير،كما فيما نحن فيه، فإنّ أكثر أفراد الإنسان في غاية الظّلم و نهاية الجهل، و لعلّ المراد ب«ظلوم جهول»من شأنه الظّلم و الجهل.

(22:98-100)

المراغيّ: (جهولا)أي كثير الجهل لعواقب الأمور لما غلب عليه من القوّة الشّهويّة.(22:46)

الطّباطبائيّ: فإن قلت:ما بال الحكيم العليم حمل على هذا المخلوق الظّلوم الجهول حملا لا يتحمّله لثقله و عظم خطره،السّماوات و الأرض و الجبال على عظمتها و شدّتها و قوّتها،و هو يعلم أنّه أضعف من أن يطيق حمله،و إنّما حمله على قبولها:ظلمه و جهله و أجرأه عليه غروره و غفلته عن عواقب الأمور،فما تحميله الأمانة باستدعائه لها ظلما و جهلا إلاّ كتقليد مجنون ولاية عامّة، يأبى قبولها العقلاء و يشفقون منها،يستدعيها المجنون لفساد عقله،و عدم استقامة فكره؟

قلت:الظّلم و الجهل في الإنسان،و إن كانا بوجه ملاك اللّوم و العتاب،فهما بعينهما مصحّح حمله الأمانة و الولاية الإلهيّة،فإنّ الظّلم و الجهل إنّما يتّصف بهما من كان من شأنه الاتّصاف بالعدل و العلم.فالجبال مثلا لا تتّصف بالظّلم و الجهل،فلا يقال:جبل ظالم أو جاهل، لعدم صحّة اتّصافه بالعدل و العلم،و كذلك السّماوات و الأرض لا يحمل عليها الظّلم و الجهل،لعدم صحّة اتّصافها بالعدل و العلم،بخلاف الإنسان.

و الأمانة المذكورة في الآية-و هي الولاية الإلهيّة و كمال صفة العبوديّة-إنّما تتحصّل بالعلم باللّه و العمل الصّالح الّذي هو العدل،و إنّما يتّصف بهذين الوصفين- أعني العلم و العدل-الموضوع القابل للجهل و الظّلم، فكون الإنسان فى حدّ نفسه و بحسب طبعه ظلوما جهولا هو المصحّح لحمل الأمانة الإلهيّة،فافهم ذلك.[إلى أن قال:]

و قوله: وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ أي اشتمل على صلاحيّتها و التّهيّؤ للتّلبّس بها على ضعفه و صغر حجمه إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً أي ظالما لنفسه جاهلا بما تعقبه هذه الأمانة لو خانها من وخيم العاقبة و الهلاك الدّائم.

و بمعنى أدقّ لكون الإنسان خاليا بحسب نفسه عن العدل و العلم قابلا للتّلبّس بما يفاض عليه من ذلك، و الارتقاء من حضيض الظّلم و الجهل إلى أوج العدل و العلم.

و الظّلوم و الجهول:وصفان من الظّلم و الجهل، معناهما من كان من شأنه الظّلم و الجهل،نظير قولنا:

فرس شموس و دابّة جموح و ماء طهور،أي من شأنها ذلك-كما قاله الرّازيّ-أو معناهما المبالغة في الظّلم و الجهل-كما ذكر غيره-و المعنى مستقيم كيفما كانا.

(16:349)

ص: 323

عبد الكريم الخطيب:ما معنى هذا الوصف الّذي وصف به الإنسان؟

و هل يتّفق وصفه بالظّلم و الجهل،مع هذا الفهم الّذي فهمنا الآية الكريمة عليه،و أنّها تحدّث عن الإنسان هذا الحديث الّذي يقيمه على قمّة الوجود كلّه؟

و الجواب على هذا-و اللّه أعلم-أنّ هذا الوصف ليس واقعا على الإنسان في جنسه كلّه،و إنّما هو واقع على من خان الأمانة من بني الإنسان،و نزل عن هذا المقام الرّفيع الّذي له في الكائنات،و بهذا استحقّ أن يوصف بأنّه«ظلوم»أي عظيم الظّلم،لأنّه ظلم نفسه، فلم يقدرها قدرها،و لم يحفظ عليها مكانتها،و إنّه ليس أظلم ممّن يظلم نفسه،و يبخسها حقّها،و هو«جهول» لأنّه لم يعرف قدر نفسه،و لم يحتفظ بهذا السّلطان الّذي له في هذا العالم،و من جهل نفسه فهو أجهل الجاهلين.

فوصف الإنسان بأنّه ظلوم جهول،هو في الواقع إشارة إلى تلك الخسارة العظيمة،الّتي خسرها الإنسان بتضييع الأمانة الّتي كانت بين يديه،و الّتي حين تخلّى عنها فقد كلّ شيء،و نزل من القمّة إلى القاع.

و هذا أسلوب من أساليب البلاغة في إظهار عظمة الشّيء،بذمّ من فرط فيه و قصّر فى حفظه،و حراسته، كما يقال عن إنسان كانت بين يديه فرصة عظيمة مسعدة،فأضاعها بإهماله و تواكله،فلا يجد إلاّ من يلوم و يقرّع بمثل هذه الكلمات:غبّي!!حيوان!جاهل!...

و على هذا لا يكون قوله تعالى: إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً لا يكون تعقيبا على قوله تعالى: وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ و إنّما هو تعقيب على محذوف،تقديره:

و حملها الإنسان فلم يحسن حملها،و لم يؤدّها على وجهها،و إنّه بهذا التّقصير كان ظلوما جهولا.

(11:767)

المصطفويّ: أي ظالما لنفسه و جاهلا بمقامه، و بكونه مستعدّا لحمل الأمانة و الطّمأنينة.و قلنا:إنّ الجهل يلازم الاضطراب و هو خلاف الطّمأنينة،و هذا أشدّ ظلم لنفسه؛حيث صرف نفسه عن مقامه،و حرم عن الوصول إلى الطّمأنينة و الأمن.(2:140)

راجع:«ع ر ض»(عرضنا الامانة).

بجهالة

1- إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ... النّساء:17

ابن عبّاس: بتعمّد و إن كان جاهلا لعقوبته.(67)

من عمل السّوء فهو جاهل،من جهالته عمل السّوء.(الطّبريّ 4:299)

نحوه مجاهد،و عطاء،و قتادة،و ابن زيد.

(الطّوسيّ 3:145) أبو العالية :إنّ أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كانوا يقولون:كلّ ذنب أصابه عبد فهو بجهالة.

(الطّبريّ 4:298)

نحوه قتادة(الطّبريّ 4:298)،و السّدّيّ(2:26).

مجاهد :كلّ من عصى ربّه فهو جاهل،حتّى ينزع عن معصيته.(الطّبريّ 4:298)

نحوه عطاء و ابن جريج و ابن زيد(الطّبريّ 4:

299)،و السّدّيّ(199)،

ص: 324

الجهالة:العمد.

مثله الضّحّاك.(الطّبريّ 4:299)

عكرمة :الدّنيا كلّها جهالة.(الطّبريّ 4:299)

الجهالة:عمل السّوء في الدّنيا.(الماورديّ 1:464)

الحسن :إنّما سمّوا جهّالا لمعاصيهم،لا أنّهم غير مميّزين.

مثله عطاء،و قتادة،و السّدّيّ.(ابن الجوزيّ 2:37)

الكلبيّ: لم يجهل أنّه ذنب،و لكنّه جهل عقوبته.

(البغويّ 1:586)

الفرّاء: لا يجهلون أنّه ذنب،و لكن لا يعلمون كنه ما فيه كعلم العالم.(1:259)

الجبّائيّ: أي و هم يجهلون أنّها ذنوب و معاصي، يفعلونها بجهالة،إمّا بتأويل يخطئون فيه،أو بأن يفرطوا في الاستدلال على قبحها.(الطّوسيّ 3:146)

الطّبريّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و أولى هذه الأقوال بتأويل الآية قول من قال:

تأويلها:إنّما التّوبة على اللّه للّذين يعملون السّوء، و عملهم السّوء هو الجهالة الّتي جهلوها،عامدين كانوا للإثم،أو جاهلين بما أعدّ اللّه لأهلها؛و ذلك أنّه غير موجود في كلام العرب،تسمية العامد للشّيء:الجاهل به،إلاّ أن يكون معنيّا به أنّه جاهل،بقدر منفعته و مضرّته،فيقال:هو به جاهل،على معنى جهله بمعنى نفعه و ضرّه.

فأمّا إذا كان عالما بقدر مبلغ نفعه و ضرّه قاصدا إليه،فغير جائز من غير قصده إليه أن يقال:هو به جاهل،لأنّ الجاهل بالشّيء هو الّذي لا يعلمه و لا يعرفه عند التّقدّم عليه،أو يعلمه فيشبه فاعله،إذ كان خطأ ما فعله،بالجاهل الّذي يأتي الأمر،و هو به جاهل، فيخطئ موضع الإصابة منه،فيقال:إنّه لجاهل به،و إن كان به عالما،لإتيانه الأمر الّذي لا يأتي مثله إلاّ أهل الجهل به.

و كذلك معنى قوله: يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ قيل فيهم:يعملون السّوء بجهالة،و إن أتوه على علم منهم بمبلغ عقاب اللّه أهله،عامدين إتيانه،مع معرفتهم بأنّه عليهم حرام،لأنّ فعلهم ذلك كان من الأفعال الّتي لا يأتي مثله إلاّ من جهل عظيم عقاب اللّه عليه أهله،في عاجل الدّنيا و آجل الآخرة،فقيل لمن أتاه و هو به عالم:

أتاه بجهالة،بمعنى أنّه فعل فعل الجهّال به،لا أنّه كان جاهلا.

و قد زعم بعض أهل العربيّة أنّ معناه:أنّهم جهلوا كنه ما فيه من العقاب،فلم يعلموه كعلم العالم،و إن علموه ذنبا،فلذلك قيل: يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ، و لو كان الأمر على ما قال صاحب هذا القول لوجب ألاّ تكون توبة لمن علم كنه ما فيه؛و ذلك أنّه جلّ ثناؤه قال:

إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ دون غيرهم،فالواجب على صاحب هذا القول ألاّ يكون للعالم الّذي عمل سوء على علم منه بكنه ما فيه،ثمّ تاب من قريب توبة؛و ذلك خلاف الثّابت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:من أنّ كلّ تائب عسى اللّه أن يتوب عليه،و قوله:«باب التّوبة مفتوح ما لم تطلع الشّمس من مغربها»،و خلاف قول اللّه عزّ و جلّ: إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صالِحاً الفرقان:70.

(4:299)

ص: 325

الزّجّاج:ليس معناه أنّهم يعملون السّوء و هم جهّال غير مميّزين،فإنّ من لا عقل له و لا تمييز،لا حدّ عليه.و إنّما معنى(بجهالة)أنّهم في اختيارهم اللّذّة الفانية على اللّذّة الباقية جهّال،فليس ذلك الجهل مسقطا عنهم العذاب.لو كان كذلك لم يعذّب أحد،و لكنّه جهل في الاختيار.(2:29)

الماتريديّ: جهل الفعل:الوقوع فيه من غير قصد،فيكون المراد منه:العفو عن الخطأ.

(أبو حيّان 3:198)

الرّمّانيّ: [نقل قول الجبّائيّ ثمّ قال:]

هذا ضعيف،لأنّه تأويل بخلاف ما أجمع عليه المفسّرون.(الطّوسيّ 3:146)

الطّوسيّ: [اكتفى بنقل أقوال السّابقين]

(3:145)

القشيريّ: قوله: يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ يعني عمل عمل الجهّال.(2:15)

الميبديّ: قالوا:(بجهالة)في هذه الآية كلمة ذمّ و ليست كلمة عذر،و لا يصدر عمل السّوء عن أحد إلاّ إذا كان ذلك العمل صادرا عن جهل؛إذ المعاصي كلّها جهل.و كلّ من يعصي اللّه فمعصيته جهل،و إن كان مميّزا و عاقلا.و مآل الجهل أمران:الأوّل:جهل قدر اللّه الّذي به يصبح العاصي عاصيا.و الثّاني:جهل قدر العقوبة لهذا الفعل.(2:449)

الزّمخشريّ: بِجَهالَةٍ في موضع الحال،أي يعملون السّوء،جاهلين سفهاء،لأنّ ارتكاب القبيح ممّا يدعو إليه السّفه و الشّهوة،لا ممّا تدعو إليه الحكمة و العقل.(1:512)

ابن عطيّة: معناه بسفاهة و قلّة تحصيل أدّى إلى المعصية،و ليس المعنى أن تكون«الجهالة»أنّ ذلك الفعل معصية،لأنّ المتعمّد للذّنوب كان يخرج من التّوبة،و هذا فاسد إجماعا.[ثمّ نقل الأقوال في معنى الجهالة و بعد قول عكرمة قال:]

يريد الخاصّة بها،الخارجة عن طاعة اللّه،و هذا المعنى عندي جار مع قوله تعالى: إِنَّمَا الْحَياةُ الدُّنْيا لَعِبٌ وَ لَهْوٌ محمّد:36.

و قد تأوّل قوم قول عكرمة بأنّه للّذين يعملون السّوء في الدّنيا،فكأنّ«الجهالة»اسم للحياة الدّنيا، و هذا عندي ضعيف.

و قيل: بِجَهالَةٍ أي لا يعلم كنه العقوبة،و هذا أيضا ضعيف ذكره ابن فورك،و ردّ عليه.(2:24)

الفخر الرّازيّ: الوجوه الّتي ذكرها المفسّرون في تفسير الجهالة:

الأوّل:قال المفسّرون:كلّ من عصى اللّه سمّي جاهلا و سمّي فعله جهالة،قال تعالى إخبارا عن يوسف عليه السّلام: أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَ أَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ يوسف:33،و قال حكاية عن يوسف عليه السّلام أنّه قال لإخوته: هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَ أَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ يوسف:89،و قال تعالى: يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ هود:46، و قال تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ

ص: 326

البقرة:67،و قد يقول السّيّد لعبده حال ما يذمّه على فعل:يا جاهل لم فعلت كذا و كذا؟و السّبب في إطلاق اسم الجاهل على العاصي لربّه أنّه لو استعمل ما معه من العلم بالثّواب و العقاب لما أقدم على المعصية،فلمّا لم يستعمل ذلك العلم صار كأنّه لا علم له،فعلى هذا الطّريق سمّي العاصي لربّه جاهلا.و على هذا الوجه يدخل فيه المعصية،سواء أتى بها الإنسان مع العلم بكونها معصية أو مع الجهل بذلك.

و الوجه الثّاني:أن يأتي الإنسان بالمعصية مع العلم بكونها معصية،إلاّ أن يكون جاهلا بقدر عقابه.و قد علمنا أنّ الإنسان إذا أقدم على ما لا ينبغي مع العلم بأنّه ممّا لا ينبغي،إلاّ أنّه لا يعلم مقدار ما يحصل في عاقبته من الآفات،فإنّه يصحّ أن يقال على سبيل المجاز:إنّه جاهل بفعله.

و الوجه الثّالث:أن يكون المراد منه أن يأتي الإنسان بالمعصية مع أنّه لا يعلم كونه معصية،لكن بشرط أن يكون متمكّنا من العلم بكونه معصية،فإنّه على هذا التّقدير يستحقّ العقاب،و لهذا المعنى أجمعنا على أنّ اليهوديّ يستحقّ على يهوديّته العقاب،و إن كان لا يعلم كون اليهوديّة معصية،إلاّ أنّه لمّا كان متمكّنا من تحصيل العلم بكون اليهوديّة ذنبا و معصية،كفى ذلك في ثبوت استحقاق العقاب،و يخرج عمّا ذكرنا النّائم و السّاهي،فإنّه أتى بالقبيح و لكنّه ما كان متمكّنا من العلم بكونه قبيحا.و هذا القول راجح على غيره؛من حيث أنّ لفظ«الجهالة»في الوجهين الأوّلين محمول على المجاز،و في هذا الوجه على الحقيقة،إلاّ أنّ على هذا الوجه لا يدخل تحت الآية إلاّ من عمل القبيح و هو لا يعلم قبحه،أمّا المتعمّد فإنّه لا يكون داخلا تحت الآية، و إنّما يعرف حاله بطريق القياس،و هو أنّه لمّا كانت التّوبة على هذا الجاهل واجبة،فلأن تكون واجبة على العامد كان ذلك أولى.(10:4)

الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال:(بجهالة)و لو عمله بغير جهالة ثمّ تاب قبلت توبته؟

قلنا:معناه بجهالة بقدر قبح المعصية و سوء عاقبتها، لا بكونها معصية و ذنبا،و كلّ عاص جاهل بذلك حال مباشرة المعصية،معناه أنّه مسلوب كمال العلم به بسبب غلبة الهوى و تزيين الشّيطان.(43)

أبو حيّان :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

فكلّ عاص جاهل بهذا التّفسير،و لا تكون الجهالة هنا التّعمّد،كما ذهب إليه الضّحّاك.[ثمّ نقل أقوال المفسّرين في معنى«الجهالة»و أضاف:]

و يحتمل قصد الفعل و الجهل بموقعه،أي أنّه حرام، أو في الحرمة أيّ قدر هي فيرتكبه مع الجهالة بحاله، لا قصد الاستخفاف به و التّهاون به.

و العمل بالجهالة قد يكون عن غلبة شهوة،فيعمل لغرض اقتضاء الشّهوة،على طمع أنّه سيتوب من بعد و يصير صالحا،و قد يكون على طمع المغفرة،و الاتّكال على رحمته و كرمه،و قد تكون الجهالة جهالة عقوبة عليه.(3:197)

أبو السّعود :(بجهالة)متعلّق بمحذوف وقع حالا من فاعل(يعملون)،أي يعملون السّوء متلبّسين بها، أي جاهلين سفهاء،أو ب(يعملون)على أنّ«الباء»

ص: 327

سببيّة،أي يعملونه بسبب الجهالة،لأنّ ارتكاب الذّنب ممّا يدعو إليه الجهل،و ليس المراد به عدم العلم بكونه سوء،بل عدم التّفكّر في العاقبة،كما يفعله الجاهل.

(2:112)

نحوه البروسويّ.(2:178)

الآلوسيّ: [اكتفى بنقل بعض أقوال السّابقين]

(4:238)

المراغيّ: الجهالة:الجهل و تغلّب السّفه على النّفس عند ثورة الشّهوة،أو سورة الغضب حتّى يذهب عنها الحلم و تنسى الحقّ،و كلّ من عصى اللّه سمّي جاهلا و سمّي فعله جهالة،كما قال تعالى إخبارا عن يوسف عليه السّلام: أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَ أَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ يوسف:33،و قال تعالى لنوح: فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ هود:46،و سرّ هذا أنّ العاصي لربّه لو استعمل ما معه من العلم بالثّواب و العقاب لما أقدم على المعصية؛إذ هو لا يرتكبها إلاّ جاهلا بحقيقة الوعيد،و منتظرا لاحتمال العفو و المغفرة،أو شفاعة الشّفعاء الّتي تصدّ عنه العقاب.(4:

207)

الطّباطبائيّ: و أمّا قوله تعالى:(بجهالة)فالجهل يقابل العلم بحسب الذّات،غير أنّ النّاس لمّا شاهدوا من أنفسهم أنّهم يعملون كلاّ من أعمالهم الجارية عن علم و إرادة،و أنّ الإرادة إنّما تكون عن حبّ ما و شوق ما، سواء كان الفعل ممّا ينبغي أن يفعل بحسب نظر العقلاء في المجتمع أو ممّا لا ينبغي أن يفعل.لكن من له عقل مميّز في المجتمع عندهم لا يقدم على السّيّئة المذمومة عند العقلاء، فأذعنوا بأنّ من اقترف هذه السّيّئات المذمومة لهوى نفسانيّ و داعية شهويّة أو غضبيّة،خفي عليه وجه العلم،و غاب عنه عقله المميّز الحاكم في الحسن و القبيح و الممدوح و المذموم،و ظهر عليه الهوى،و عندئذ يسمّى حاله في علمه و إرادته،«جهالة»في عرفهم و إن كان بالنّظر الدّقيق نوعا من العلم.لكن لمّا لم يؤثّر ما عنده من العلم بوجه قبح الفعل و ذمّه في ردعه عن الوقوع في القبح و الشّناعة،ألحق بالعدم،فكان هو جاهلا،لغلبة الهوى و ظهور العواطف و الإحساسات النّيّئة على نفسه،و لذلك أيضا تراهم لا يسمّون حال مقترف السّيّئات إذا لم ينفعل في اقتراف السّيّئة عن الهوى و العاطفة:جهالة،بل يسمّونها عنادا و عمدا و غير ذلك.

فتبيّن بذلك أنّ الجهالة في باب الأعمال:إتيان العمل عن الهوى،و ظهور الشّهوة و الغضب من غير عناد مع الحقّ.و من خواصّ هذا الفعل الصّادر عن جهالة أن إذا سكنت ثورة القوى و خمد لهيب الشّهوة أو الغضب باقتراف السّيّئة أو بحلول مانع،أو بمرور زمان،أو ضعف القوى بشيب أو مزاج،عاد الإنسان إلى العلم و زالت الجهالة و بانت النّدامة،بخلاف الفعل الصّادر عن عناد و تعمّد،و نحو ذلك.فإنّ سبب صدوره لما لم يكن طغيان شيء من القوى و العواطف و الأميال النّفسانيّة،بل أمرا يسمّى عندهم بخبث الذّات و رداءة الفطرة،لا يزول بزوال طغيان القوى و الأميال سريعا أو بطيئا،بل دام نوعا بدوام الحياة،من غير أن يلحقه ندامة من قريب إلاّ أن يشاء اللّه.

نعم ربّما يتّفق أن يرجع المعاند اللّجوج عن عناده

ص: 328

و لجاجه و استعلائه على الحقّ،فيتواضع للحقّ و يدخل في ذلّ العبوديّة،فيكشف ذلك عندهم عن أنّ عناده كان عن جهالة،و في الحقيقة كلّ معصية جهالة من الإنسان،و على هذا لا يبقى للمعاند مصداق إلاّ من لا يرجع عن سوء عمله إلى آخر عهده بالحياة و العافية.

[إلى أن قال:]

و يتبيّن ممّا مرّ أنّ القيدين جميعا،أعني قوله:

(بجهالة)و قوله: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ احتراز،بأن يراد بالأوّل منهما:أن لا يعمل السّوء عن عناد و استعلاء على اللّه.[إلى أن قال:]

و يمكن أن يكون قوله:(بجهالة)قيدا توضيحيّا، و يكون المعنى:للّذين يعملون السّوء.و لا يكون ذلك إلاّ عن جهل منهم،فإنّه مخاطرة بالنّفس و تعرّض لعذاب أليم،أو لا يكون ذلك إلاّ عن جهل منهم بكنه المعصية و ما يترتّب عليها من المحذور،و لازمه كون قوله: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ إشارة إلى ما قبل الموت،لا كناية عن المساهلة في أمر التّوبة.فإنّ من يأتي بالمعصية استكبارا و لا يخضع لسلطان الرّبوبيّة،يخرج على هذا الفرض بقوله: ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ لا بقوله:(بجهالة) و على هذا لا يمكن الكناية بقوله:(ثمّ يتوبون)عن التّكاهل و التّواني،فافهم ذلك،و لعلّ الوجه الأوّل أوفق لظاهر الآية.(4:239-241)

عبد الكريم الخطيب :المراد بالجهالة هنا:

ما يركب الإنسان من حمق و طيش و نزق،و هو في مواجهة المنكر،و ليس المراد بالجهالة:عدم العلم بالمنكر الّذي يرتكبه،فهذا معفوّ عنه،و محسوب من باب الخطأ.

(2:726)

المصطفويّ: فإنّ الجهالة عذر موجّه و قصور يوجب العفو،بخلاف العمل السّيّئ بعلم و توجّه،فإنّه تقصير و عصيان عمديّ،و لا يبقى معه اعتذار حتّى يتوب اللّه عليه،إلاّ أن يتوب بفضله و منّه و كرمه.

(2:140)

مكارم الشّيرازيّ: و هنا يجب أن نرى ما ذا تعني «الجهالة»هل هي الجهل و عدم المعرفة بالمعصية،أم هي عدم المعرفة بالآثار السّيّئة و العواقب المؤلمة للذّنوب و المعاصي؟إنّ كلمة الجهل و ما يشتقّ منها و إن كانت لها معان مختلفة،و لكن يستفاد من القرائن أنّ المراد منها في الآية المبحوثة هنا هو طغيان الغرائز،و سيطرة الأهواء الجامحة،و غلبتها على صوت العقل و الإيمان.و في هذه الصّورة و إن لم يفقد المرء العلم بالمعصية إلاّ أنّه حينما يقع تحت تأثير الغرائز الجامحة،ينتفي دور العلم و يفقد مفعوله و أثره،و فقدان العلم لأثره مساو للجهل عملا.

و أمّا إذا لم يكن الذّنب عن جهل و غفلة بل كان عن إنكار لحكم اللّه سبحانه و عناد و عداء،فإنّ ارتكاب مثل هذا الذّنب ينبئ عن الكفر،و لهذا لا تقبل التّوبة منه،إلاّ أن يتخلّى عن عناده و عدائه و إنكاره و تمرّده.

و في الحقيقة إنّ هذه الآية تبيّن نفس الحقيقة الّتي يذكرها الإمام السّجّاد عليه السّلام في دعاء أبي حمزة ببيان أوضح؛إذ يقول:«إلهي لم أعصك حين عصيتك و أنا بربوبيّتك جاحد و لا بأمرك مستخفّ،و لا لعقوبتك متعرّض،و لا لوعيدك متهاون،لكن خطيئة عرضت و سوّلت لي نفسي و غلبني هواي».(3:139)

ص: 329

2- ..أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. الأنعام:54

مجاهد :من جهل أنّه لا يعلم حلالا من حرام، و من جهالته ركب الأمر.(الطّبريّ 7:209)

الزّجّاج: أي ليس بأنّهم يجهلون أنّه سوء.لو أتى المسلم ما يجهل أنّه سوء لكان كمن لم يتعمّد سوء،و لم يوقع سوء.

و قولك عمل فلان كذا و كذا بجهالة يحتمل أمرين:

فأحدهما:أنّه عمله و هو جاهل بالمكروه فيه،أي لم يعرف أنّ فيه مكروها.

و الآخر:أقدم عليه على بصيرة،و علم أنّ عاقبته مكروهة،فآثر العاجل فجعل جاهلا،فإنّه آثر القليل على الرّاحة الكثيرة و العافية الدّائمة.فهذا معنى مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ. (2:254)

الماورديّ: [نقل قول مجاهد و الزّجّاج ثمّ قال:]

و يحتمل ثالثا:أنّ الجهالة هنا ارتكاب الشّبهة بسوء التّأويل.(2:120)

الطّوسيّ: [نحو الزّجّاج و أضاف:]

و يحتمل عندي أن يكون أراد مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ بمعنى أنّه لا يعرفها سوء لكن لمّا كان له طريق إلى معرفته وجب عليه التّوبة منه،فإذا تاب قبل اللّه توبته.(4:161)

القشيريّ: يعني من تعاطى شيئا من أعمال الجهّال ثمّ سوّف في الرّجوع و الأوبة قابلناه،يعني من تعاطى شيئا بحسن الإمهال و جميل الإفضال،فإذا عاد بتوبة و حسرة،أقبلنا عليه بكلّ لطف و قبول.(2:172)

الزّمخشريّ: بِجَهالَةٍ في موضع الحال،أي عمله و هو جاهل،و فيه معنيان:

أحدهما:أنّه فاعل فعل الجهلة لأنّ من عمل ما يؤدّي إلى الضّرر في العاقبة و هو عالم بذلك أو ظانّ، فهو من أهل السّفه و الجهل لا من أهل الحكمة و التّدبير.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّاني:أنّه جاهل بما يتعلّق به من المكروه و المضرّة،و من حقّ الحكيم أن لا يقدم على شيء حتّى يعلم حاله و كيفيّته.(2:23)

مثله الشّربينيّ(1:423)،و نحوه البيضاويّ(1:

312)،و النّيسابوريّ(7:119)،و الآلوسيّ(7:164.

ابن عطيّة: و الجهالة في هذا الموضع تعمّ الّتي تضادّ العلم و الّتي تشبه بها؛و ذلك أنّ المتعمّد لفعل الشّيء الّذي قد نهي عنه تشمل معصيته تلك جهالة؛إذ قد فعل ما يفعله الّذي لم يتقدّم له علم.[ثمّ نقل قول مجاهد و قال:]

و من هذا الّذي لا يضادّ العلم قول النّبيّ عليه السّلام في استعاذته:«أو أجهل أو يجهل عليّ».[ثمّ استشهد بشعر]

و الجهالة المشبهة ليست بعذر في الشّرع جملة، و الجهالة الحقيقيّة يعذر بها في بعض ما يخفّ من الذّنوب و لا يعذر بها في كبيرة.(2:297)

العكبريّ: (بجهالة)حال،أي جاهلا.و يجوز أن يكون مفعولا به،أي بسبب الجهل.(1:500)

القرطبيّ: أي خطيئة من غير قصد.(6:435)

البروسوي: حال من فاعل(عمل)أي عمله

ص: 330

ملتبسا بجهالة حقيقة،بأن يفعله و هو لا يعلم ما يترتّب عليه من المضرّة و العقوبة،أو حكما بأن يفعله عالما بسوء عاقبته،فإنّ من عمل ما يؤدّي إلى الضّرر في العاقبة و هو عالم بذلك أو ظانّ،فهو في حكم الجاهل.

فهو حال مؤكّدة،لأنّها مقرّرة لمضمون قوله: مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً لأنّ عمل السّوء لا ينفكّ عن الجهالة حقيقة أو حكما.

قال أهل الإشارة:يشير بقوله:(منكم)إلى أنّ عامل السّوء صنفان:صنف منكم أيّها المؤمنون المهتدون، و صنف من غيركم و هم الكفّار الضّالّون.و الجهالة جهالتان:جهالة الضّلالة:و هي نتيجة إخطاء النّور المرشّش في عالم الأرواح،و جهالة الجهوليّة:و هي الّتي جبل الإنسان عليها،فمن عمل من الكفّار سوء بجهالة الضّلالة فلا توبة له،بخلاف من عمل سوء من المؤمنين بجهالة الجهوليّة المركوزة فيه فإنّ له توبة.(3:39)

الطّباطبائيّ: إنّ المراد بالجهالة:ما يقابل الجحود و العناد اللّذين هما من التّعمّد المقابل للجهالة،فإنّ من يدعو ربّه بالغداة و العشيّ يريد وجهه و هو مؤمن بآيات اللّه،لا يعصيه استكبارا و استعلاء عليه،بل لجهالة غشيته باتّباع هوى في شهوة أو غضب.(7:105)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ الجهالة في مثل هذه المواضع تعني طغيان الشّهوة و سيطرتها،و الإنسان -بحسب هذه الأهواء المستفحلة،لا بسبب عدائه للّه و للحقّ-يفقد المقدرة العقليّة و السّيطرة على الشّهوات، مثل هذا الشّخص-و إن كان عالما بالذّنب و الحرمة- يسمّى جاهلا،لأنّ علمه مستتر وراء حجب الأهواء و الشّهوات،و هذا الشّخص مسئول عن ذنوبه،و لكنّه يسعى لإصلاح نفسه و جبران أخطائه،لأنّ أفعاله لم تكن عن روح عداء و خصام.(4:287)

3- ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ.

النّحل:119

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ المقصود بيان أنّ الافتراء على اللّه و مخالفة أمر اللّه لا يمنعهم من التّوبة و حصول المغفرة و الرّحمة،و لفظ(السّوء)يتناول كلّ ما لا ينبغي و هو الكفر و المعاصي،و كلّ من عمل السّوء فإنّما يفعله بالجهالة.أمّا الكفر فلأنّ أحدا لا يرضى به مع العلم بكونه كفرا،فإنّه ما لم يعتقد كون ذلك المذهب حقّا و صدقا، فإنّه لا يختاره و لا يرتضيه.و أمّا المعصية فما لم تصر الشّهوة غالبة للعقل و العلم،لم تصدر عنه تلك المعصية، فثبت أنّ كلّ من عمل السّوء فإنّما يقدم عليه بسبب الجهالة.(20:133)

نحوه الشّربينيّ(2:268)،و طه الدّرّة(7:541)

أبو حيّان:قال العسكريّ: ليس المعنى أنّه يغفر لمن يعمل السّوء بجهالة و لا يغفر لمن عمله بغير جهالة،بل المراد:أنّ جميع من تاب فهذا سبيله،و إنّما خصّ من يعمل السّوء بجهالة،لأنّ أكثر من يأتي الذّنوب يأتيها بقلّة فكر في عاقبة،أو عند غلبة شهوة،أو في جهالة شباب،فذكر الأكثر على عادة العرب في مثل ذلك، و الإشارة بذلك إلى عمل السّوء.(5:546)

الطّباطبائيّ: الجهالة و الجهل واحد،و هو في

ص: 331

الأصل ما يقابل العلم،لكنّ الجهالة كثيرا ما تستعمل بمعنى عدم الانكشاف التّامّ للواقع،و إن لم يخل المحلّ عن علم ما مصحّح للتّكليف،كحال من يقترف المحرّمات و هو يعلم بحرمتها.لكنّ الأهواء النّفسانيّة تغلبه و تحمله على المعصية،و لا تدعه يتفكّر في حقيقة هذه المخالفة و المعصية،فله علم بما ارتكب،و لذلك يؤاخذ و يعاقب على ما فعل،و هو مع ذلك جاهل بحقيقة الأمر،و لو تبصّر تمام التّبصّر لم يرتكب.

و المراد بالجهالة في الآية هذا المعنى؛إذ لو كان المراد هو الأوّل،و كان ما ذكر من عمل السّوء مجهولا من حيث حكمه،أو من حيث موضوعه،لم يكن العمل معصية حتّى يحتاج إلى التّوبة فالمغفرة و الرّحمة.(12:366)

و قد تركنا نصوصا كثيرة من المفسّرين بهذا المعنى حذرا من التّكرار.

4- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ. الحجرات:6

الطّوسيّ: لأنّه ربّما كان كاذبا و خبره كذبا،فيعمل به فلا يؤمن بذلك.(9:343)

الواحديّ: (بجهالة)بحالهم و ما هم عليه من الإسلام و الطّاعة.(4:152)

نحوه الطّبرسيّ(5:132)،و ابن الجوزيّ(7:

461)،و البيضاويّ(2:408)،و الشّربينيّ(4:64)، و أبو السّعود(6:114)،و الكاشانيّ(5:49)، و البروسويّ(9:70)،و شبّر(6:57)،و الآلوسيّ (26:147).

الزّمخشريّ: يعني جاهلين بحقيقة الأمر و كنه القصّة.(3:560)

مثله النّسفيّ(4:168)،و نحوه النّيسابوريّ(26:

60)،و أبو حيّان(8:109).

الفخر الرّازيّ: في تقدير حال،أي أن تصيبوهم جاهلين.(28:121)

القرطبيّ: أي بخطإ.(16:312)

الجاهليّة
اشارة

1- ...يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ...

آل عمران:154

ابن عبّاس: كظنّهم في الجاهليّة.(58)

قتادة :ظنّ أهل الشّرك.(الطّبريّ 4:142)

مثله الرّبيع،و نحوه ابن زيد.(الطّبريّ 4:142)

الطّبريّ: ظنّ الجاهليّة من أهل الشّرك باللّه شكّا في أمر اللّه،و تكذيبا لنبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و محسبة منهم أنّ اللّه خاذل نبيّه،و معل عليه أهل الكفر به،يقولون:هل لنا من الأمر من شيء؟(4:141)

الزّجّاج: أي هم على جاهليّتهم في ظنّهم هذا.

(1:479)

النّحّاس: أي هم في ظنّهم بمنزلة الجاهليّة.

(1:499)

الماورديّ: يعني في التّكذيب بوعده.(1:430)

الواحديّ: و هي زمان الفترة قبل الإسلام، و التّقدير:ظنّ أهل الجاهليّة،أي إنّهم كانوا على

ص: 332

جهالتهم في ظنّهم هذا.(1:507)

الزّمخشريّ: معناه:يظنّون باللّه غير الظّنّ الحقّ الّذي يجب أن يظنّ به،و(ظنّ الجاهليّة)بدل منه.

و يجوز أن يكون المعنى:يظنّون باللّه ظنّ الجاهليّة، و(غير الحقّ)تأكيد ل(يظنّون)،كقولك:هذا القول غير ما تقول،و هذا القول لا قولك.و ظنّ الجاهليّة كقولك:حاتم الجود و رجل صدق،يريد الظّنّ المختصّ بالملّة الجاهليّة.

و يجوز أن يراد:ظنّ أهل الجاهليّة،أي لا يظنّ مثل ذلك الظّنّ إلاّ أهل الشّرك الجاهلون باللّه.(1:472)

نحوه الفخر الرّازيّ(9:47)،و النّسفيّ ملخّصا(1:

189)،و البروسويّ(2:112).

ابن عطيّة: ذهب جمهور النّاس إلى أنّ المراد:مدّة الجاهليّة القديمة قبل الإسلام،و هذا كما قال: حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ الفتح:26، تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الأحزاب:

33،و كما تقول:شعر الجاهليّة.(1:528)

الطّبرسيّ: أي يتوهّمون أنّ اللّه لا ينصر محمّدا، و أصحابه،كظنّهم في الجاهليّة.و قيل:كظنّ أهل الجاهليّة،و هم الكفّار و المكذّبون بوعد اللّه و وعيده، فكان ظنّ المنافقين كظنّهم.

و قيل:ظنّهم ما ذكر بعده من قوله: يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ فهذا تفسير لظنّهم،يعني يقول بعضهم لبعض:هل لنا من النّصر و الفتح و الظّفر نصيب؟ قالوا ذلك على سبيل التّعجّب و الإنكار،أي أ نطمع أن يكون لنا الغلبة على هؤلاء،أي ليس لنا من ذلك شيء.

(1:523)

البيضاويّ: صفة أخرى ل(طائفة)أو حال أو استئناف على وجه البيان لما قبله.[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ ملخّصا](1:187)

مثله المشهديّ(2:261)،و نحوه شبّر(1:388).

النّيسابوريّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و الفائدة في هذا التّرتيب أنّ(غير الحقّ)أديان كثيرة،و أرداها مقالات أهل الجاهليّة،فذكر أوّلا أنّهم يظنّون باللّه ظنّا باطلا،ثمّ بيّن أنّهم اختاروا من الأديان أرذلها،كما يقال:فلان دينه ليس بحقّ،دينه دين الملاحدة.[ثمّ أدام نحو الزّمخشريّ](4:98)

الشّربينيّ: حيث اعتقدوا أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قتل،أو لا ينصر.(1:257)

الآلوسيّ: إضافة«الظّنّ»إلى(الجاهليّة)،قيل:

إمّا من إضافة الموصوف إلى مصدر صفته،و معناها الاختصاص بالجاهليّة ك«رجل صدق»و«حاتم الجود»فهي على معنى«اللاّم»أي المختصّ بالصّدق و الجود،فالياء مصدريّة و التّاء للتّأنيث اللاّزم له.و إمّا من إضافة المصدر إلى الفاعل على حذف المضاف،أي ظنّ أهل الجاهليّة،أي الشّرك و الجهل باللّه تعالى،و هي اختصاصيّة حقيقيّة أيضا.(4:94)

مغنيّة: كلّ من قنط من رحمة اللّه،أو ظنّ أنّه تعالى قد فعل ما لا ينبغي فعله،فقد ظنّ به ظنّ الجاهليّة.

(2:182)

المصطفويّ: أي الظّنّ النّاشئ عن الجاهليّة، و هي كون الإنسان جاهلا و محروما عن معارف اللّه تعالى.(2:140)

ص: 333

2- أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ. المائدة:50

ابن عبّاس: أ فحكمهم في الجاهليّة.(95)

طاوس: سئل طاوس عن الرّجل يفضّل بعض ولده على بعض،فقرأ هذه الآية.(الزّمخشريّ 1:619)

مجاهد :إنّها كناية عن اليهود.(الطّوسيّ 3:549)

الحسن :هو[حكم الجاهليّة]عامّ في كلّ من يبغي غير حكم اللّه.(الزّمخشريّ 1:619)

الإمام الصّادق عليه السّلام: الحكم حكمان:حكم اللّه و حكم الجاهليّة،فمن أخطأ حكم اللّه حكم بحكم الجاهليّة.(البحرانيّ 3:414)

الجبّائيّ: إنّها كناية عن اليهود،لأنّهم كانوا إذا وجب الحكم على ضعفائهم ألزموهم إيّاه،و إذا وجب على أقويائهم بالغنى و الشّرف في الدّنيا لم يأخذوهم به، فقيل لهم: أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يعني عبدة الأوثان (تبغون)و أنتم أهل كتاب.(الطّوسيّ 3:549)

نحوه الطّبريّ(6:274)،و القرطبيّ(6:214).

الزّجّاج: أي تطلب اليهود في حكم الزّانيين حكما لم يأمر اللّه به و هم أهل الكتاب،كما تفعل الجاهليّة.

(2:180)

الزّمخشريّ: فيه وجهان:

أحدهما:أنّ قريظة و النّضير طلبوا إليه أن يحكم بما كان يحكم به أهل الجاهليّة من التّفاضل بين القتلى.

و روي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال لهم:القتلى بواء،فقال بنو النّضير:نحن لا نرضى بذلك،فنزلت.

و الثّاني:أن يكون تعييرا لليهود بأنّهم أهل كتاب و علم،و هم يبغون حكم الملّة الجاهليّة الّتي هي هوى و جهل،لا تصدر عن كتاب و لا ترجع إلى وحي من اللّه تعالى.[إلى أن قال:]

و الحكم حكمان:حكم بعلم فهو حكم اللّه،و حكم بجهل فهو حكم الشّيطان.[إلى أن قال:]

و قرأ السّلميّ (أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ) برفع (الحكم)على الابتداء و إيقاع(يبغون)خبرا،و إسقاط الرّاجع عنه كإسقاطه عن الصّلة في أَ هذَا الَّذِي بَعَثَ اللّهُ رَسُولاً الفرقان:41،و عن الصّفة في«النّاس رجلان:

رجل أهنت و رجل أكرمت،و عن الحال في«مررت بهند يضرب زيدا».

و قرأ قتادة (أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ) على أنّ هذا الحكم الّذي يبغونه إنّما يحكم به أفعى نجران،أو نظيره من حكّام الجاهليّة،فأرادوا بسفههم أن يكون محمّد خاتم النّبيّين حكما كأولئك الحكّام.(1:619)

نحوه الفخر الرّازيّ(12:15)،و البيضاويّ(1:

278)،و المشهديّ(3:107).

ابن عطيّة: قرأ سليمان بن مهران (أ فحكم) بفتح الحاء و الكاف و الميم و هو اسم جنس،و جاز إضافة اسم الجنس،على نحو قولهم:منعت العراق قفيزها و درهمها، و مصر إردبها،و له نظائر.فكأنّه قال:أ فحكّام الجاهليّة يبغون؟إشارة إلى الكهّان الّذين كانوا يأخذون الحلوان،و يحكمون بحسبه و بحسب الشّهوات.

(2:203)

ابن كثير :ينكر تعالى على من خرج عن حكم اللّه

ص: 334

-المحكم المشتمل على كلّ خير،النّاهي عن كلّ شرّ- و عدل إلى ما سواه من الآراء و الأهواء و الاصطلاحات الّتي وضعها الرّجال،بلا مستند من شريعة اللّه،كما كان أهل الجاهليّة يحكمون به من الضّلالات و الجهالات ممّا يضعونها بآرائهم و أهوائهم،و كما يحكم به التّتار من السّياسات الملكيّة المأخوذة عن ملكهم جنكز خان، الّذي وضع لهم«الياسق»و هو عبارة عن كتاب مجموع من أحكام قد اقتبسها من شرائع شتّى:من اليهوديّة و النّصرانيّة و الملّة الإسلاميّة و غيرها،و فيها كثير من الأحكام أخذها من مجرّد نظره و هواه،فصارت في بنيه شرعا متّبعا،يقدّمونه على الحكم بكتاب اللّه و سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(2:590)

البروسويّ: هي الملّة الجاهليّة الّتي هي هوى و جهل لا يصدر عن كتاب،و لا يرجع إلى وحي.

(2:401)

نحوه شبّر.(2:183)

القاسميّ: المراد بالجاهليّة:إمّا الملّة الجاهليّة الّتي هي متابعة الهوى،الموجبة للميل و المداهنة في الأحكام، فيكون تعييرا لليهود بأنّهم مع كونهم أهل كتاب و علم، يبغون حكم الجاهليّة الّتي هي هوى و جهل لا يصدر عن كتاب و لا يرجع إلى وحي.و إمّا أهل الجاهليّة، و حكمهم ما كانوا عليه من التّفاضل فيما بين القتلى.

(6:2021)

ابن عاشور :حكم الجاهليّة هو ما تقرّر بين اليهود من تكايل الدّماء الّذي سرى إليهم من أحكام أهل يثرب،و هم أهل جاهليّة،فإنّ بني النّضير لم يرضوا بالتّساوي مع قريظة كما تقدّم،و ما وضعوه من الأحكام بين أهل الجاهليّة،و هو العدول عن الرّجم الّذي هو حكم التّوراة.(5:128)

طه الدّرّة: «الجاهليّة»تطلق هذه الكلمة على أحوال العرب قبل الإسلام حينما كانوا يعبدون الأوثان و الفوضى ضاربة أطنابها فيهم،و هي أيضا متابعة الهوى، و الميل إلى الباطل،و المداهنة في الحكم،و هي الآن ضاربة أطنابها في بلاد المسلمين بهذا المعنى...[ثمّ نقل سبب نزول الآية](3:302)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ نوعا من التّمايز الغريب كان يسود الأوساط اليهوديّة؛بحيث لو أنّ فردا من يهود بني قريظة قتل فردا من يهود بني النّضير لتعرّض للقصاص،بينما لو حصل العكس لم يكن ليطبّق حكم القصاص في القاتل،و قد شمل هذا التّمايز المقيت أيضا حكم الغرامة و الدّية عند هؤلاء،فكانوا يأخذون ضعف الدّية من جماعة،و لا يأخذونها من جماعة أخرى،أو يأخذون أقلّ من الحدّ المقرّر،و لذلك استنكر القرآن هذا النّوع من التّمايز و اعتبره من أحكام الجاهليّة،في حين أنّ الأحكام الإلهيّة تشمل البشر أجمعين،و تطبّق دون أيّ تمايز.(4:32)

3- وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى... الأحزاب:33

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:[في حديث أنّ أبا الدّرداء]قال لرجل و هو ينازعه:يا ابن فلانة-لأمّ كان يعيّره بها في الجاهليّة- فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«يا أبا الدّرداء إنّ فيك جاهليّة»

ص: 335

قال:أ جاهليّة كفر أم إسلام؟قال:«بل جاهليّة كفر»، قال:فتمنّيت أن لو كنت ابتدأت إسلامي يومئذ.قال:

و قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«ثلاث من عمل أهل الجاهليّة، لا يدعهنّ النّاس:الطّعن بالأنساب،و الاستمطار بالكواكب،و النّياحة».(الطّبريّ 22:5)

الشّعبيّ: الجاهليّة الأولى:ما بين عيسى و محمّد عليهما السّلام.(الطّبريّ 22:4)

مثله ابن أبي نجيح(الماورديّ 4:400)،و الواحديّ (3:469).

عائشة:إنّها كانت على عهد إبراهيم عليه السّلام.

(ابن الجوزيّ 6:380)

ابن عبّاس: [في حديث]إنّ عمر بن الخطّاب قال له:أ رأيت قول اللّه لأزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى هل كانت إلاّ واحدة؟فقال ابن عبّاس:و هل كانت من أولى إلاّ و لها آخرة؟فقال عمر:

للّه درّك يا ابن عبّاس،كيف قلت؟فقال يا أمير المؤمنين، هل كانت من أولى إلاّ و لها آخرة؟قال:فأت بتصديق ما تقول من كتاب اللّه،قال:نعم وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ الحجّ:78،كما جاهدتم أوّل مرّة،قال عمر:

فمن أمر بالجهاد؟قال:قبيلتان من قريش:مخزوم،و بنو عبد شمس،فقال عمر:صدقت.(الطّبريّ 22:5)

الجاهليّة الأولى:ما بين إدريس و نوح كانت ألف سنة،تجمع المرأة بين زوج و عشيق.(أبو حيّان 7:230) أبو العالية :هي في زمن داود و سليمان عليهما السّلام،كانت المرأة تلبس قميصا من الدّرّ غير مخيط من الجانبين،فيرى خلفها فيه.(البغويّ 3:63)

مجاهد:كان النّساء يتمشّين بين الرّجال،فذلك التّبرّج.(القرطبيّ 14:180)

كانت المرأة تخرج تمشي بين يدي الرّجال،فذلك تبرّج الجاهليّة.(ابن كثير 5:452)

عكرمة : اَلْجاهِلِيَّةِ الْأُولى ما بين آدم و نوح، و هي ثمانمائة سنة،كان الرّجال صباحا و النّساء قباحا، فكانت المرأة تدعو الرّجل إلى نفسها فأنزلت هذه الآية.

(أبو حيّان 7:230)

مثله حكم بن عيينة(الطّبريّ 22:4)،و نحوه الحسن(الماورديّ 4:400).

الإمام الباقر عليه السّلام:قال في هذه الآية:أي ستكون جاهليّة أخرى.(القمّيّ 2:193)

قتادة :أي إذا خرجتنّ من بيوتكنّ.كانت لهنّ مشية و تكسّر و تغنّج،يعني بذلك الجاهليّة الأولى، فنهاهنّ اللّه عن ذلك.(الطّبريّ 22:4)

هي ما قبل الإسلام.(البغويّ 3:636)

الكلبيّ: [الجاهليّة]ما بين نوح و ابراهيم عليهما السّلام.

(ابن عطيّة 4:383).

ابن زيد :يقول:الّتي كانت قبل الإسلام،و في الإسلام جاهليّة.(الطّبريّ 22:5)

ابن الملك:الجاهليّة:الزّمان الّذي كان قبل بعثته عليه السّلام قريبا منها،سمّي به لكثرة الجهالة.

(البروسويّ 7:170)

البغويّ: قيل:الجاهليّة الأولى ما ذكرنا[هي ما قبل الإسلام]و الجاهليّة الأخرى:قوم يفعلون مثل فعلهم في آخر الزّمان.(3:636)

ص: 336

ابن عطيّة: و الّذي يظهر عندي أنّه إشارة إلى الجاهليّة الّتي لحقتها،فأمرن بالنّقلة عن سيرتهنّ فيها، و هي ما كان قبل الشّرع من سيرة الكفرة،لأنّهم كانوا لا غيرة عندهم،فكان أمر النّساء دون حجبة.و جعلها «أولى»بالإضافة إلى حالة الإسلام،و ليس المعنى أنّ ثمّ جاهليّة أخرى،و قد مرّ اسم الجاهليّة على تلك المدّة الّتي قبيل الإسلام،فقالوا:جاهليّ،في الشّعراء.

(4:384)

الطّبرسيّ: قيل:إنّ معنى تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى أنّهم كانوا يجوّزون أن تجمع امرأة واحدة زوجا و خلاّ،فتجعل لزوجها نصفها الأسفل،و لخلّها نصفها الأعلى يقبّلها و يعانقها.(4:356)

القرطبيّ: [نقل أقوال المفسّرين،و بعد قول ابن عطيّة قال:]

قلت:و هذا قول حسن،و يعترض بأنّ العرب كانت أهل قشف و ضنك في الغالب،و أنّ التّنعّم و إظهار الزّينة إنّما جرى في الأزمان السّابقة،و هي المراد ب اَلْجاهِلِيَّةِ الْأُولى. و أنّ المقصود من الآية مخالفة من قبلهنّ من المشية على تغنيج و تكسير و إظهار المحاسن للرّجال،إلى غير ذلك ممّا لا يجوز شرعا،و ذلك يشمل الأقوال كلّها و يعمّها.(14:180)

عبد الكريم الخطيب :أي الجاهليّة العريقة في الجهل.(11:706)

المصطفويّ: أي الجاهليّة السّابقة الّتي قبل الإسلام.و(الأولى)بمعنى السّابقة المتقدّمة،و تفسيرها بما يقابل الثّانية غير وجيه،كما في سَنُعِيدُها سِيرَتَهَا الْأُولى طه:21، فَما بالُ الْقُرُونِ الْأُولى طه:

51، أَ وَ لَمْ تَأْتِهِمْ بَيِّنَةُ ما فِي الصُّحُفِ الْأُولى طه:133.

(2:141)

مكارم الشّيرازيّ: الظّاهر أنّها الجاهليّة الّتي كانت في زمان النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و لم تكن النّساء محجّبة حينها كما ورد في التّواريخ،و كنّ يلقين أطراف خمرهنّ على ظهورهنّ في الوقت الّذي كانت فيه نحورهنّ و جزء من صدورهنّ و أقراطهنّ ظاهرة،و قد منع القرآن الكريم أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من مثل هذه الأعمال.

و لا شكّ أنّ هذا الحكم عامّ،و التّركيز على نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من باب التّأكيد الأشدّ تماما،كما نقول لعالم:

أنت عالم فلا تكذب،فلا يعني هذا أنّ الكذب مجاز و مباح للآخرين،بل المراد أنّ العالم ينبغي أن يتّقي هذا العمل بصورة آكد.

إنّ هذا التّعبير يبيّن أنّ جاهليّة أخرى ستأتي كالجاهليّة الأولى الّتي ذكرها القرآن،و نحن نرى اليوم آثار هذا التّنبّؤ القرآنيّ في عالم التّمدّن المادّيّ،إلاّ أنّ المفسّرين القدامى لم يتنبّئوا و يعلموا بمثل هذا الأمر، لذلك فقد جهدوا في تفسير هذه الكلمة،و لذلك اعتبر البعض منهم اَلْجاهِلِيَّةِ الْأُولى هي الفاصلة بين آدم و نوح،أو الفاصلة بين عصر داود و سليمان؛حيث كانت النّساء تخرج بثياب يتّضح منها البدن،و فسّروا الجاهليّة العربيّة قبل الإسلام بالجاهليّة الثّانية.

و لكن لا حاجة إلى هذه الكلمات كما قلنا،بل الظّاهر أنّ اَلْجاهِلِيَّةِ الْأُولى هي الجاهليّة قبل الإسلام،و الّتي أشير إليها في موضع آخر من القرآن الكريم-في الآية

ص: 337

143:سورة آل عمران،و الآية 50:سورة المائدة، و الآية 26:سورة الفتح-و الجاهليّة الثّانية هي الجاهليّة الّتي ستكون فيما بعد،كجاهليّة عصرنا.و سنبسّط الكلام حول هذا الموضوع في بحث الملاحظات.[إلى أن قال:]

جاهليّة القرن العشرين

مرّت الإشارة إلى أنّ جمعا من المفسّرين قد ابتلوا بالتّرديد في تفسير اَلْجاهِلِيَّةِ الْأُولى و كأنّهم لم يقدروا أن يصدّقوا ظهور جاهليّة أخرى في العالم بعد ظهور الإسلام،و أنّ جاهليّة العرب قبل الإسلام ستكون قليلة الأهمّيّة تجاه الجاهليّة الجديدة،إلاّ أنّ هذا الأمر قد تجلّى للجميع اليوم،و حلّ هذا الإشكال و نحن نرى مظاهر جاهليّة القرن العشرين المرعبة،و يجب أن تعدّ تلك إحدى تنبّؤات القرآن الإعجازيّة.

إذا كان العرب في زمان الجاهليّة يغيرون و يحاربون، و إذا كان سوق عكاظ مثلا ساحة لسفك الدّماء لأسباب تافهة عدّة مرّات،و قتل على أثرها أفراد معدودون،فقد وقعت في جاهليّة عصرنا حروب قد يذهب ضحيّتها عشرون مليون إنسان،و يتشوّه و يعوّق أكثر من هذا العدد.

و إذا كانت النّساء تتبرّج في زمن الجاهليّة و يلقين خمرهنّ عن رءوسهنّ؛بحيث كان يظهر جزء من صدورهنّ و نحورهنّ و قلائدهنّ و أقراطهنّ،ففي عصرنا تشكّل نواد تسمّى بنوادي العراة-و نموذجها مشهور في بريطانيا-حيث يتعرّى أفرادها كما ولدتهم أمّهاتهم، و فضائح البلاجات على سواحل البحار و المسابح،بل و حتّى في الأماكن العامّة و على قارعة الطّريق،يخجل القلم من ذكرها.

و إذا كانت في الجاهليّة الزّانيات ذوات الأعلام؛ حيث كنّ يرفعن أعلاما فوق بيوتهنّ ليدعين النّاس إلى أنفسهنّ،ففي جاهليّة قرننا أناس يطرحون أمورا و مطالب في هذا المجال عبر صحف خاصّة،يندى لها الجبين و يجلّ القلم نفسه عن ذكرها،و لجاهليّة العرب مائة مرتبة من الشّرف على هذه الجاهليّة.

و الخلاصة:ما ذا نقول عن وضع المفاسد الّتي توجد في عصرنا الحاضر،عصر التّمدّن المادّيّ الآليّ الخالي من الإيمان،فعدم الحديث عنها أولى،و لا ينبغي أن نلوّث هذا التّفسير بذكرها.

إنّ ما قلناه كان جانبا من العبء الملقى على عاتقنا فقط،لبيان حياة أولئك الّذين يبتعدون عن اللّه تعالى، فإنّهم و إن امتلكوا آلاف الجامعات و المراكز العلميّة و العلماء المعروفين،غارقون في و حل الفساد و مستنقع الرّذيلة،بل إنّهم قد يضعون هذه المراكز العلميّة و علماءها في خدمة هذه الفجائع و المفاسد أحيانا.

(13:216،227)

4- إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ... الفتح:26

[لاحظ ح م ي:الحميّة]

الوجوه و النّظائر

الفيروزآباديّ: و قد ورد في القرآن على خمسة عشر وجها:

ص: 338

الأوّل:في ذكر آدم بحمل الأمانة إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً الأحزاب:72.

الثّاني:خطاب لنوح عليه السّلام أن يحفظ رقم الجهالة على نفسه بدعوة الجهلة و دعائهم إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ هود:46.

الثّالث:ذكر هود عليه السّلام قومه لمّا امتنعوا عن إجابة الحقّ وَ لكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ الأحقاف:23.

الرّابع:استعاذة موسى بالحقّ عن ملابسة الجهلة أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ البقرة:67.

و قال مرّة: إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ الأعراف:138،و قال يوسف:إن لم تبذرقني بعصمتك أصير من جملة الجهلاء أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَ أَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ يوسف:33،و قال تعالى: إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ يوسف:89،و خاطب نبيّه و حبيبه فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ الأنعام:35،قل با محمّد لنسائك يجتنبن من التّزيّي بزيّ الجهلاء وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الأحزاب:33، فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ الفتح:26، وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ الأنعام:111،ما صدر من العصاة من المعاصي فبسبب جهلهم عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ النّحل:119،ليكن جوابك لخطاب الجاهلين سلاما طلبا للسّلامة وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً الفرقان:63، سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ القصص:55.[ثمّ قال مثل الرّاغب]

(بصائر ذوي التّمييز 2:404)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجهل،نقيض العلم، يقال:مثلي لا يجهل مثلك،و قد جهل فلان الأمر و به يجهل جهلا و جهالة،أي لم يعرفه،فهو جاهل و جهول، و هم جهل و جهل و جهّل و جهّال و جهلاء،و جهل فلان حقّ فلان و جهل عليه.و تجاهل الرّجل:أرى من نفسه الجهل و ليس به،و جهّلته:نسبته إلى الجهل،و أجهلته:

جعلته جاهلا،و استجهلته:وجدته جاهلا،و المجهلة:

ما يحملك على الجهل.

و المجهل:المفازة لا أعلام فيها،يقال:ركبتها على مجهولها.و أرض مجهل:لا يهتدى فيها،و الجمع:مجاهل.

و أرض مجهولة:لا أعلام بها و لا جبال،يقال:علونا أرضا مجهولة و مجهلا،و الجمع:مجهولات و مجاهيل.

و ناقة مجهولة:لم تحلب قطّ،أو غفلة لا سمة عليها، تشبيها بالمجهل.

و استجهلت الرّيح الغصن:حرّكته باضطراب، و كأنّها-كما قال الرّاغب-حملته على تعاطي الجهل؛ و ذلك استعارة حسّيّة.

2-و قد يطلق الجهل و الجهالة على وفق العقل و اتّباع الهوى،و هو الشّائع في القرآن،كما يأتي.

3-و الجاهليّة مصدر صناعيّ،وقع في الإسلام للزّمن الّذي كان قبل البعثة على أهل الشّرك،يقال:الجاهليّة الجهلاء.و هو ممّا نقل معناه من موضع إلى آخر،نحو:

المؤمن و المسلم و الكافر و المنافق و الفاسق و غيرها.

و سمّي ذلك العصر بالجاهليّة،لأنّ أهله قد هجروا

ص: 339

الهدى،و اتّبعوا الهوى،و اختاروا العمى،و ليس لقلّة علمهم؛إذ كانوا يتحلّون بقسط من العلم و الحكمة،كما نرى أثر ذلك في منظومهم و منثورهم.و هذا دأب أهل زماننا،فهم يعلمون و لا يعملون،و يبدعون و لا يحلمون، فما أشبه اللّيلة بالبارحة!أ هي الجاهليّة الثّانية،كما ذهب إلى ذلك الشّيخ ناصر مكارم الشّيرازيّ؟!

الاستعمال القرآنيّ

جاءت فعلا مضارعا 5 مرّات،و اسم فاعل مفردا و جمعا 10 مرّات،و مبالغة مرّة،و مصدرا 4 مرّات،و اسما 4 مرّات أيضا،في 24 آية:

يجهلون،تجهلون:

1- وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ قالُوا يا مُوسَى اجْعَلْ لَنا إِلهاً كَما لَهُمْ آلِهَةٌ قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ الأعراف:

138

2-«و يا قوم لا اسئلكم عليه اجرا ان اجرى الا على الله و ما انا بطارد الذين آمنوا انهم ملاقوا ربهم و لكنى اراكم قوما تجهلون.»هود:29

3- أَ إِنَّكُمْ لَتَأْتُونَ الرِّجالَ شَهْوَةً مِنْ دُونِ النِّساءِ بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ النّمل:55

4- قالَ إِنَّمَا الْعِلْمُ عِنْدَ اللّهِ وَ أُبَلِّغُكُمْ ما أُرْسِلْتُ بِهِ وَ لكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ الأحقاف:23

5- وَ لَوْ أَنَّنا نَزَّلْنا إِلَيْهِمُ الْمَلائِكَةَ وَ كَلَّمَهُمُ الْمَوْتى وَ حَشَرْنا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلاً ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلاّ أَنْ يَشاءَ اللّهُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ الأنعام:111 الجاهل و الجاهلون و الجاهلين

6- لِلْفُقَراءِ الَّذِينَ أُحْصِرُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ لا يَسْتَطِيعُونَ ضَرْباً فِي الْأَرْضِ يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ مِنَ التَّعَفُّفِ تَعْرِفُهُمْ بِسِيماهُمْ لا يَسْئَلُونَ النّاسَ إِلْحافاً وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ خَيْرٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ البقرة:273

7- قالَ هَلْ عَلِمْتُمْ ما فَعَلْتُمْ بِيُوسُفَ وَ أَخِيهِ إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ يوسف:89

8- وَ عِبادُ الرَّحْمنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْناً وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً

الفرقان:63

9- قُلْ أَ فَغَيْرَ اللّهِ تَأْمُرُونِّي أَعْبُدُ أَيُّهَا الْجاهِلُونَ

الزّمر:64

10- وَ إِذْ قالَ مُوسى لِقَوْمِهِ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَ تَتَّخِذُنا هُزُواً قالَ أَعُوذُ بِاللّهِ أَنْ أَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ البقرة:67

11- وَ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ الأنعام:35

12- خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ الأعراف:199

13- قالَ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ فَلا تَسْئَلْنِ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ هود:46

14- قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَ إِلاّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَ أَكُنْ مِنَ

ص: 340

اَلْجاهِلِينَ يوسف:33

15- وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ وَ قالُوا لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ لا نَبْتَغِي الْجاهِلِينَ القصص:55

جهول:

16- إِنّا عَرَضْنَا الْأَمانَةَ عَلَى السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ الْجِبالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها وَ أَشْفَقْنَ مِنْها وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً الأحزاب:72

جهالة:

17- إِنَّمَا التَّوْبَةُ عَلَى اللّهِ لِلَّذِينَ يَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ يَتُوبُونَ مِنْ قَرِيبٍ فَأُولئِكَ يَتُوبُ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ كانَ اللّهُ عَلِيماً حَكِيماً النّساء:17

18- وَ إِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا فَقُلْ سَلامٌ عَلَيْكُمْ كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ سُوءاً بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَصْلَحَ فَأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ الأنعام:54

19- ثُمَّ إِنَّ رَبَّكَ لِلَّذِينَ عَمِلُوا السُّوءَ بِجَهالَةٍ ثُمَّ تابُوا مِنْ بَعْدِ ذلِكَ وَ أَصْلَحُوا إِنَّ رَبَّكَ مِنْ بَعْدِها لَغَفُورٌ رَحِيمٌ النّحل:119

20- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ الحجرات:6

الجاهليّة:

21- ثُمَّ أَنْزَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ بَعْدِ الْغَمِّ أَمَنَةً نُعاساً يَغْشى طائِفَةً مِنْكُمْ وَ طائِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ يَظُنُّونَ بِاللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ... آل عمران:154

22- أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَ مَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللّهِ حُكْماً لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ المائدة:50

23- وَ قَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى وَ أَقِمْنَ الصَّلاةَ وَ آتِينَ الزَّكاةَ وَ أَطِعْنَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ إِنَّما يُرِيدُ اللّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَ يُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً الأحزاب:33

24- إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ فَأَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ أَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوى وَ كانُوا أَحَقَّ بِها وَ أَهْلَها وَ كانَ اللّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً الفتح:26

يلاحظ أوّلا:أنّ الجهل في الأصل-كما مضى-ضدّ العلم،و قد شاع في الكتاب و السّنّة؛و في المحاورات مجيئه ضدّ العقل،و عدّه سيبويه-كما تقدّم في نصّه-ضدّ الحلم، و هو من مصاديق ما ذكرنا.و من ذلك تجد أوّل كتاب من «أصول الكافي»لمحمّد بن يعقوب الكلينيّ(م 329 ه) -و هو أحد الكتب الأربعة في الحديث للشّيعة الإماميّة- بعنوان«كتاب العقل و الجهل»بما فيه من الأحاديث بشأن العقل و العقلاء،و الجهل و الجهلاء،و على هذا الأساس في الآيات بحوث:

1-كلّ ما جاء منها فعلا(1-5)خطابا أو غيبة (تجهلون)أو(يجهلون)جاء من دون مفعول صفة ل(قوم) أو خبرا ل(لكنّ)،لأنّه بمعنى السّفهاء الّذين لا يعقلون دون الّذين لا يعلمون،فلا حاجة له إلى المفعول.

بيد أنّ المفسّرين قدّروا للفعل مفعولا مختلفين فيه حسب المورد،فقالوا في(5): وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ

ص: 341

يجهلون أنّه الحقّ من اللّه-عن ابن عبّاس و غيره- يجهلون أنّ ذلك كذلك و يحسبون أنّ الإيمان بيدهم، يجهلون أنّه لو أوتوا بكلّ آية ما آمنوا طوعا،يجهلون أنّ هؤلاء لا يؤمنون إلاّ أن يضطرّهم...،يجهلون أنّ الآية تقتضي إيمانهم،يجهلون أنّ اللّه قادر على ذلك...،يجهلون أنّه لا يجوز اقتراح الآيات بعد أن رأوا آية واحدة، يجهلون أنّ الكلّ من اللّه و بقضائه و بقدره،يجهلون أنّهم يبقون كفّارا عند ظهور الآيات الّتي طلبوها،يجهلون ربّهم...،يجهلون زيف الكفّار في دعواهم،يجهلون قدرة اللّه على تحقّق ذلك و نحوها.

فنراهم ساعين في تقدير المفعول للفعل حسب ذوقهم،و من بينهم نرى الشّيخ مغنيّة أصاب في رأيه؛ حيث قال:«يجهلون و لا ينتبهون أنّهم الفئة الباغية الّتي لا يجدي معها منطق العقل و الفطرة،و لا منطق الدّين و الإنسانيّة،و لا شيء إلاّ القهر و الغلبة،فمن الخطإ و الضّياع أن يخاطب هؤلاء بلغة العلم و الإنسانيّة».

و أراد بذلك أنّهم سفهاء و ليسوا بعقلاء.

و قالوا في(1): قالَ إِنَّكُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ عن ابن عبّاس:تجهلون أمر ربّكم،جهلتم نعمة ربّكم فيما صنع بكم.

و عن الجبّائيّ و غيره: تجهلون ربّكم و عظمته و صفاته..،و عن الطّوسيّ:تجهلون من المستحقّ للعبادة،تجهلون مقام التّوحيد و ما يجب من تخصيص اللّه بالعبادة بلا واسطة،تجهلون مقام ربّكم،تجهلون قدرة اللّه،تجهلون اللّه و لا تعرفون ذاته المقدّسة،تجهلون العلل الأصليّة للحوادث،تجهلون ما وراء الطّبيعة.

و لكنّا نجد منهم من كاد أن يقترب من الحقّ و لم يصبه كالفخر الرّازيّ و الزّمخشريّ؛حيث فسّروه بالجهل المطلق،لأنّه لا جهل أعظم ممّا رأى منهم و لا أشنع، و أضاف الآلوسيّ:«حيث لم يذكر له متعلّقا و مفعولا لتنزيله منزلة اللاّزم،أو لأنّ حذفه يدلّ على عموميّته، أي تجهلون كلّ شيء».

و هكذا قالوا في(2): وَ لكِنِّي أَراكُمْ قَوْماً تَجْهَلُونَ: تجهلون أمر اللّه،تجهلون ربوبيّة ربّكم و عظمته،تجهلون الواجب عليكم من حقّ اللّه،تجهلون في أنّهم خير منكم لإيمانهم و كفركم،تجهلون لقاء ربّكم، تجهلون الحقّ و أهله،تجهلون أنّ النّاس إنّما يتفاضلون بالدّين لا بالدّنيا،تجهلون بالعواقب،تجهلون بكلّ ما ينبغي أن يعلم،و احتمل الآلوسيّ فيها أن يكون الجهل:الجناية على الغير لا بمعنى عدم العلم!!و قد قارب الحقّ«المكارم»حيث فسّره بأنّهم ضيّعوا الفضيلة،لكنّه لم يخلص من جعل«الجهل»بمعنى عدم العلم و المعرفة.

و قالوا في(3) بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ: تجهلون أمر اللّه،تجهلون العاقبة،أو بأنّها فاحشة،قاله الزّمخشريّ، و بذلك دفع شبهة الخلاف بين(تبصرون)و(تجهلون)في الآية،و قبلها بأنّهم يفعلون فعل الجاهلين بأنّها فاحشة، مع علمهم بذلك،لكنّه أصاب الحقّ في ذيل كلامه،كما سيأتي.

و كذلك الباقون ذكروا في الآيات مفعولا للفعل،إلاّ الطّبريّ حيث قال:«ما ذلك منكم إلاّ أنّكم قوم سفهاء جهلة بعظيم حقّ اللّه سبحانه عليكم»و مع ذلك أضاف إلى(السّفهاء)(جهلة)،و احتمله الزّمخشريّ فقال:«أراد

ص: 342

بالجهل السّفاهة و المجانة الّتي كانوا عليها».

2-و كذلك(جاهلون و جاهلين)في(7-15)كلّها بمعنى السّفهاء،إلاّ أنّ المفسّرين قدّروا لهما مفعولا و فسّروهما ب(الّذين لا يعلمون شيئا)على اختلافهم فيما قدّروه،فلاحظ.

3-و بذلك تنحلّ الشّبهة في(12) وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ بأنّ شأن النّبيّ عليه السّلام هداية الجهّال فكيف أمره بالإعراض عنهم،و ذلك أنّ المراد ب(الجاهلين) السّفهاء الّذين سمعوا الآيات و استهزءوا بها،دون الّذين لا يعلمون،و هي في معنى وَ الَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ المؤمنون:3.

و كذلك الجاهلون في(8) وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً هم السّفهاء،اللاّغون،و في(15)أيضا فصدرها وَ إِذا سَمِعُوا اللَّغْوَ أَعْرَضُوا عَنْهُ و هي في معنى: وَ إِذا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِراماً الفرقان:72.

4-و قد فسّروا(7) إِذْ أَنْتُمْ جاهِلُونَ ب«شبّان غافلون»،و هو قريب من السّفهاء،و قال الزّمخشريّ:

«لا تعلمون قبحه فلذلك أقدمتم عليه،و قيل:لم يرد نفي العلم عنهم لأنّهم كانوا علماء،و لكنّهم لمّا لم يفعلوا ما يقتضيه العلم،و لا يقدم عليه إلاّ جاهل سمّاهم جاهلين،و قيل:معناه إذا أنتم صبيان في حدّ السّفه و الطّيش قبل أن تبلغوا أوان الحلم و الرّزانة»فنراه يتردّد بين العلم و السّفه،و لا يقطع بأحدهما.

و قال الفخر الرّازيّ: «فهو يجري مجرى العذر،كأنّه قال:أنتم أقدمتم على ذلك الفعل القبيح المنكر حال ما كنتم في جهالة الصّبا،أو في جهالة الغرور،يعني و الآن لستم كذلك»و قريب منه سائر النّصوص في أنّه تلقين عذر لهم.

5-و قالوا في(11): فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ ما معناه عدم العلم:«فلا تكوننّ ممّن لا يعلم أنّ اللّه لو شاء لجمعهم على الهدى»،و هو سهو،ثمّ أشكلوا بأنّ اللّه شدّد فيها على النّبيّ أكثر من نوح عليهما السّلام؛إذ قال له(13): إِنِّي أَعِظُكَ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْجاهِلِينَ و أجابوا عنها بوجوه- كما حكاها ابن عطيّة-:المراد به أمّته،و وقّر نوح لسنّه و شيبته،جاء فيه أشدّ لقربه من اللّه،و مكانته عنده،كما يحمل المعاقب على قريبه أكثر من حمله على الأجانب، أو جاء بحسب الأمرين اللّذين وقع النّهي عنهما، و العتاب فيهما،أنّ الأمر الّذي نهي عنه محمّد صلّى اللّه عليه و آله أكبر قدرا و أخطر مواقعة من الأمر الّذي واقعه نوح عليه السّلام،أو أنّ نوحا كان معذورا،اعتمادا على وعد اللّه بإنجاء أهله، و نحوها.

و الحقّ-كما عن الفخر الرّازيّ و غيره-أنّ هذا النّهي لا يقتضي إقدامه على مثلها،كما أنّه وَ لا تُطِعِ الْكافِرِينَ وَ الْمُنافِقِينَ لا يدلّ على أنّه أطاعهم،فلا تنافي العصمة -كما جاء في النّصوص-و أنّ تشديد الخطاب عليه عليه السّلام، لأنّه أحقّ بالانزجار من نوح،لفضله عليه،و لأنّ ارتكاب السّفاهة هنا أقبح منها هناك.

6-(الجاهل)في(6): يَحْسَبُهُمُ الْجاهِلُ أَغْنِياءَ من لا يعرف حالهم-كما هو واضح-دون السّفيه.

7-(جهالة)في(17-19)بمعنى السّفاهة أيضا دون الجهل ضدّ العلم،لأنّ من عمل سوء من دون علم بأنّه سوء ليس عاصيا شرعا و عقلا-إلاّ أن يكون جاهلا

ص: 343

مقصّرا-فلا لوم عليه،فلا توبة له و لا غفران،مع أنّ الغفران فيها موقوف بالتّوبة.فهي دالّة على أنّ كلّ ذنب و لو عمدا مصدره جهالة و سفاهة غلبت على المذنب، فقد قيل:«كلّ ذنب أصابه عبد فهو بجهالة»و«كلّ من عصى ربّه فهو جاهل».و بها فسّرها كثير منهم،مثل «يعملون السّوء جاهلين سفهاء»،«معناه سفاهة و قلّة تحصيل أدّى إلى المعصية»،«عمل عمل الجهّال»، «ما يركب الإنسان عن حمق»،«قال المفسّرون:كلّ من عصى اللّه سمّي جاهلا،و سمّي فعله جهالة»و نحوها.

و قد احتجّوا لهذا المعنى بآيات«الجاهلين»المتقدّمة.

و للطّباطبائيّ بحث طريف في وجه تسمية جهله بقبح عمله جهلا بعمله،و أنّ إتيان العمل عن هوى و شهوة أو غضب جهالة،و من خواصّها أنّه إذا سكنت ثورة القوى و لهيب الشّهوة أو الغضب زالت الجهالة و بانت النّدامة، [ لاحظ«ت و ب:التّوبة»].

و قد حملها بعضهم على أنّ المذنب عالم بذنبه جاهل بعقوبته،أو بمقدارها أو بآثارها،فيقال:إنّه جاهل بفعله مجازا،أو على الجاهل المقصّر،أو من ارتكب بشبهة تأويل و نحوها،و كلّها بعيدة عن سياق الآيات.

8-«جهالة»في(20)فقط هي ضدّ العلم،دون «السّفاهة»حسب السّياق: إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ فإنّ التّبيّن لرفع الجهل و عدمه قد يستتبع العمل جهلا،و لا سيّما إذا كان النّبأ عن فاسق.

9-جاءت(جهالة)فيها جميعا نكرة إكبارا للسّفاهة، و ليذهب ذهن السّامع إلى كلّ مذهب ممكن في غير الأخيرة،و تحقيرا و تقليلا فيها،اي يجب التّبيّن حتّى ترتفع الجهالة بتّا،و لا يبقى أيّ شكّ في طغيان القوم و خروجهم عن الطّاعة،فإذا حصل العلم بذلك جاز لكم إصابتهم و يحرم بدونه.

و لك أن تعتبر التّنكير في الجميع للتّعليل:أي أنّ كلّ عمل سوء لا يخلو عن شيء من السّفاهة أو الجهالة.

ثانيا في(16): إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً بحوث:

1-(ظلوما جهولا)كلاهما صيغة مبالغة،أريد بهما من غلبت عليه طبيعة الظّلم و الجهل،و الظّلم فعل الجوارح،و الجهل فعل القلب.

2-لمّا كان صدر الآية في الأمانة و عرضها على الإنسان،حصر المفسّرون هذين اللّفظين فيمن لم يؤدّ الأمانة،فقالوا:«ظلوما لنفسه جهولا لأمر ربّه،أو لربّه» «من لم يؤدّ الأمانة فهو ظلوم و غشوم»«ظلوما بحملها جهولا بعاقبتها»«ظلوما بحقّ الأمانة جهولا بما يفعل من الخيانة»«ظلوما بمعصيته،جهولا بعقاب الأمانة» «جهولا بموضع الأمانة في استحقاق العقاب على الخيانة» «جهولا بالّذي فيه الحظّ له»«ظلوما لنفسه،جهولا بما يلزمه القيام بحقّ اللّه»«جهولا بصعوبة حمل الأمانة في الحال،و العقوبة الّتي عليها في المآل»«ظلوما لتركه أداء الأمانة،جهولا لإخطائه ما يساعده مع تمكّنه منه و هو أداؤها».

3-هناك خلاف بينهم في أنّ المراد بالإنسان هنا:

آدم عليه السّلام أو جنس بني آدم:فقال الفخر الرّازيّ في أحد الوجوه الّذي ذكرها:«آدم ظلم نفسه بالمخالفة،و لم يعلم ما يعاقب عليه من الإخراج من الجنّة...كان شأنه الظّلم

ص: 344

و الجهل،ظلوما جهولا في ظنّ الملائكة»حيث قالوا:

أَ تَجْعَلُ فِيها مَنْ يُفْسِدُ فِيها البقرة:30،و قال غيره:

إذا كان المراد منها آدم ف«فعول»من أوزان المبالغة يقتضي تكرار الظّلم و الجهل منه،و هو منتف!!

و جوابه:لمّا كان عظيم القدر،رفيع المحلّ كان ظلمه و جهله أقبح و أفحش،فقام عظم الوصف مقام الكثرة، و هي مثل: وَ أَنَّ اللّهَ لَيْسَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ آل عمران:

182،أو لتعدّي ضرر ظلمه و جهله إلى جميع النّاس، فإنّهم أخرجوا من الجنّة بواسطته،و تسلّط عليهم إبليس و جنوده.

و قال الآلوسيّ: «ليس المراد بالإنسان آدم، فلا يصفه اللّه بمزيد الظّلم و الجهل،و كون المعنى جهولا بزعم الملائكة قول بارد.بل المراد منه الجنس.و إخراج الكلام مخرج الاستخدام مثل:«عندي درهم و نصفه» بعيد لفظا و معنى-إلى أن قال-و وصف الجنس بصيغتي المبالغة لكثرة الأفراد المتّصفة بالظّلم و الجهل منه و لعلّ المراد بهما من شأنه الظّلم و الجهل...»

و قال الفخر الرّازيّ في وجه آخر:«و المراد الإنسان يظلم بالعصيان و يجهل ما عليه من العقاب».لاحظ «الإنسان».

4-و خلاف آخر في أنّ الوصفين ذمّ للإنسان أو مدح،حسب اختلاف معناهما:فقال النّيسابوريّ (ظلوما)لأنّه خلق ضعيفا و حمل قويّا(جهولا)لأنّه ظنّ أنّه خلق للمطعم و المشرب و المنكح،و لم يعلم أنّ هذه الصّورة قشر و له لبّ،و للبّه لبّ و هو محبوب اللّه، فبقوّة الظّلوميّة و الجهوليّة حمل الأمانة،ثمّ بروحه المنوّر برشاش اللّه أدّى الأمانة،فصارت الصّفتان في حقّ حامل الأمانة و مؤدّي حقّها مدحا،و في حقّ الخائنين فيها ذمّا».

و قال أبو السّعود: «...أي إنّه كان مفرطا فى الظّلم مبالغا في الجهل،أي بحسب غالب أفراده الّذين لم يعملوا بموجب فطرتهم السّليمة،أو اعترافهم السّابق-أي في عالم الذّرّ-دون من عداهم من الّذين لم يبدّلوا فطرة اللّه تبديلا».

و قال الكاشانيّ: «كونه ظلوما جهولا لما غلب عليه من القوّة الغضبيّة و الشّهويّة،و هو وصف للجنس باعتبار الأغلب،و كلّ ما ورد في تأويلها في مقام التّخصيص يرجع إلى هذا المعنى،كما يظهر بالتّدبّر».

و قال البروسويّ: «اعلم أنّ الظّلوميّة و الجهوليّة صفتا ذمّ عند أهل الظّاهر لأنّهما في حقّ الخائنين في الأمانة،فمن وضع العذر و الخيانة موضع الوفاء و الأداء فقد ظلم و جهل...و قال أهل الحقيقة:هما صفتا مدح، أي في حقّ مؤدّي الأمانة،فإنّ الإنسان ظلم نفسه بحمل الأمانة،لأنّه وضع شيئا في غير موضعه،فأفنى نفسه، و أزال حجبها الوجوديّة،و هي المعروفة بالأنانيّة، و جهل ربّه،فإنّه في أوّل الأمر يحبّ البهيميّة الّتي تأكل و تشرب و تنكح،و تحمّل الذّكوريّة و الأنوثيّة اللّتين اشترك فيهما جميع الحيوانات،و ما يدري أنّ هذه الصّورة الحيوانيّة قشر و له لبّ،و هو محبوب الحقّ الّذي قال:(يحبّهم)و هو محبّ الحقّ الّذي قال:-في(يحبّونه)- فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ المائدة:54، فإذا عبر عن قشر جسمانيّة الظّلمانيّة و وصل إلى لبّ

ص: 345

روحانيّة النّورانيّة،ثمّ علم أنّ هذا اللّبّ النّورانيّ أيضا قشر...فعبر عن القشر الرّوحانيّ أيضا،و وصل إلى لبّه الّذي هو محبوب الحقّ و محبّه،فقد عرف نفسه،و إذا عرف نفسه عرف ربّه.

و قال بعضهم:الوصف بالظّلوميّة و الجهوليّة إنّما يليق بمن خان في الأمانة،و قصر عن حقّها،لا بمن يتحمّلها و يقبلها،فمعنى حَمَلَهَا الْإِنْسانُ أي خانها.

و للطّباطبائيّ كلام طويل في هذه الآية يظهر منه أنّها مدح من جهة و ذمّ من جهة،و كذا لغيره.فلاحظ النّصوص،و قد تقدّم معنى الأمانة في«أ م ن»ذيل الآية خلال النّصوص و الاستعمال القرآنيّ.

5-و الّذي نختاره في معنى الآية-و اللّه أعلم-أنّ اللّه اختار من بين المخلوقات نوع الإنسان لأمانته،و هي دينه و تكاليفه،لكونه-بما فيه من العقل و الاختيار-أهلا لها فكلّفه و لم يكلّف السّماوات و الأرض و الجبال و نحوها، لعدم أهليّتها للتّكليف.فالآية إلى حَمَلَهَا الْإِنْسانُ مدح للإنسان أيّ مدح.ثمّ بدأ ذمّه بحسب غلبة الظّلم و الجهل على كثير من أفراده،فقال: إِنَّهُ كانَ ظَلُوماً جَهُولاً.

و ليس هذا تعقيبا على وَ حَمَلَهَا الْإِنْسانُ، و إنّما هو تعقيب على محذوف،و تقديره:و حملها الإنسان فلم يحسن حملها،و لم يؤدّها على وجهها،لغلبة رذيلتي الظّلم و الجهل على أكثر أفراده،كما قال: وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ الأعراف:187.و بذلك ظهر أنّ الوصفين يحكيان طبيعة الإنسان-ككثير غيرها-و لا يحتاجان إلى متعلّق-مثل«الجاهلين»في غيرها-كما نرى إصرار المفسّرين على تقدير متعلّق لهما.

ثالثا:جاءت(الجاهليّة)4 مرّات بلام التّعريف للعهد الذّهنيّ،فإنّ الإسلام اعتبر فترة ما قبله جاهليّة، لغلبة السّفاهة و الجهالة على النّاس،و لا سيّما العرب يوم ذاك،و السّفاهة لا تفارق الجهل-ضدّ العلم-غالبا فقد غلب على أهلها السّفاهة و الجهالة معا،و بدأ الإسلام بإيقاظ العقول و نشر العلم بينهم،كما جاء ذكره في الآيات من أوّل سورتي العلق و القلم-براعة للاستهلال -و هما الأوليين نزولا من بين السّور،حسب ما جاء في روايات ترتيب النّزول.فدور الإسلام دور العقل و العلم،و قبله دور السّفاهة و الجهالة.

و قد أضيفت في الآيات إلى(الجاهليّة)أربع خصال كأنّها من مميّزاتها:ظنّ الجاهليّة،حكم الجاهليّة،تبرّج الجاهليّة،حميّة الجاهليّة،و إليك التّفصيل:

1-«ظنّ الجاهليّة»جاء فيما خطر بقلوب جماعة من المؤمنين بعد انكسارهم في«غزوة أحد»من الشّكّ في صدق النّبيّ و وعد اللّه،و هذا كان دأب أهل الجاهليّة المشركين،فسياق الآيات قبلها و بعدها هو إدانتهم على ضعف إيمانهم،و تسرّع الرّيب إلى قلوبهم فندّد بهم أوّلا بأنّهم يظنّون باللّه،و هو بنفسه توهّم باطل و سوء ظنّ باللّه،ثمّ أكّده بأنّه ظنّ غير الحقّ،أي ظنّ باطل و كاذب، ثمّ شدّده بأنّه ظنّ الجاهليّة.

و ما بعدها: يَقُولُونَ هَلْ لَنا مِنَ الْأَمْرِ مِنْ شَيْءٍ آل عمران:154 بيان و تفسير لهذا الظّنّ إبانة لقبحه.

و نظيرها: بَلْ ظَنَنْتُمْ أَنْ لَنْ يَنْقَلِبَ الرَّسُولُ وَ الْمُؤْمِنُونَ إِلى أَهْلِيهِمْ أَبَداً وَ زُيِّنَ ذلِكَ فِي قُلُوبِكُمْ

ص: 346

وَ ظَنَنْتُمْ ظَنَّ السَّوْءِ وَ كُنْتُمْ قَوْماً بُوراً الفتح:12، و قد جاءت بشأن الأعراب الّذين ظنّوا أنّ الرّسول و المؤمنين لن ينقلبوا إلى أهليهم من عمرة الحديبيّة.

هذا هو المعنى،و أمّا الإعراب فعند الزّمخشريّ و غيره ظَنَّ الْجاهِلِيَّةِ بدل من(غير الحقّ)أي يظنّون باللّه غير ظنّ الحقّ،ظنّ الجاهليّة.أو هو مفعول مطلق نوعيّ ل(يظنّون)،أي يظنّون ظنّ الجاهليّة، و غَيْرَ الْحَقِّ تأكيد ل(يظنّون)،كقولك:«هذا القول غير ما تقول،و هذا القول لا قولك».

و ظنّ الجاهليّة مثل«حاتم الجود»،و«رجل صدق» أو أريد:ظنّ أهل الجاهليّة،و المعنى واحد.و هذان الوجهان في الإضافة ساريان في سائر الآيات، فلا نعيدهما فيها.

2-«حكم الجاهليّة»جاءت بشأن اليهود الّذين كانوا يسألون النّبيّ عليه السّلام أن يحكم في الزّنى أو التّفاضل بين القتلى في واقعة بحكم الجاهليّة دون حكم الإسلام أو التّوراة،فندّد بهم تشديدا بالاستفهام الإنكاريّ أَ فَحُكْمَ الْجاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ؟ و قدّم«حكم الجاهلية» على(يبغون)إعلاما بأن ثقل الكلام عليه،نظير: إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ -لو لم يكن حصرا-و أَيًّا ما تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنى الإسراء:110.

و أمّا الإعراب؛فمن قرأ(حكم)بفتح الميم فهو مفعول مقدّم-و هو حينئذ من باب الاشتغال-و من قرأ بالضّمّ فهو مبتدأ،و(يبغون)خبره بحذف العائد.

3- تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ جاءت بشأن أزواج النّبيّ عليه السّلام-و هي جارية في غيرهنّ من النّساء-نهين أن يتبرّجن أي يظهرن زينتهنّ للرّجال،و يخرجن من بيوتهنّ و يمشين على تغنّج و تكسير و نحوها،لاحظ «ب ر ج:تبرّج».

و قد وصفت الجاهليّة فيها ب(الاولى)و اختلفت كلماتهم في معناها،و الأقرب أنّها وصف توضيحيّ لا أنّ هناك جاهليّة أخرى قبلها أو بعدها،و إنّما وصفت بها حرصا على تشخيص قبحها و تجسيم فحشها،و ما جاء في الرّوايات من أنّ هناك جاهليّة أخرى في آخر الزّمان لا يستلزم كونه مفهوما من الآية بل إخبار عن المستقبل السّيّئ للنّاس بمناسبة الآية،و ما أكثر هذه التّنبّئات في آخر الزّمان!

4- حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ نزلت بشأن كفّار مكّة في منع النّبيّ و المؤمنين عن دخولها في عمرة الحديبيّة؛حيث أخذتهم حميّة الجاهليّة،و كانت ثابتة في قلوبهم، و الحميّة:الأنفة الّتي تحمي الإنسان،أي حميت قلوبهم بالغضب حميّة الجاهليّة،و كانت عادة آبائهم أن لا ينقادوا لأحد،و لا سيّما النّبيّ و المؤمنين الّذين قتلوا آباءهم و إخوانهم في غزوة بدر و غيرها،فأنفوا أن يدخل هؤلاء منازلهم و المسجد الحرام فيقضوا مناسكهم و هم ناظرون،و حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ بدل من الحميّة في إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ.

[ لاحظ«ح م ي:حميّة»]

رابعا:ما جاء فيها(تجهلون)،أو(يجهلون)،أو (جاهلون)فكلّها مكّيّة جاءت بشأن الأمم السّابقة،مع واحدة مدنيّة(10)جاءت بشأن بني إسرائيل،و الجهل فيها بمعنى السّفه،و جاء الجاهل مرّة واحدة(6)مدنيّة

ص: 347

أيضا بمعنى من لا يعلم.

و ما جاء فيها(جهالة)أكثرها مكّيّة،مع واحدة مدنيّة(17)بنفس المعنى،و واحدة أخرى(20)بمعنى عدم العلم.

و أمّا ما جاء فيها(جاهليّة)فكلّها مدنيّة جاءت بشأن المنافقين و ضعفاء الإيمان،و هي بمعنى السّفه.

ص: 348

ج ه ن م

اشارة

لفظ واحد،77 مرّة:48 مكّيّة،29 مدنيّة

في 39 سورة:28 مكّيّة،11 مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الضّبّيّ: جهنّم:اسم للنّار الّتي يعذّب اللّه بها في الآخرة،و هي أعجميّة لا تجرى للتّعريف و العجمة.

(الأزهريّ 6:515)

نحوه مجمع اللّغة.(1:220)

اللّحيانيّ: جهنّام:اسم أعجميّ،و جهنّام:اسم رجل.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 4:472)

ابن خالويه :بئر جهنّام للبعيدة القعر،و منه سمّيت جهنّم،فهذا يدلّ أنّها عربيّة.

جهنّام بالضّمّ للشّاعر الّذي يهاجي الأعشى،و اسم البئر:جهنّام بالكسر.(ابن منظور 12:112)

ابن دريد :جهنّام،و قالوا:جهنّام:لقب رجل.

و جهنّام:ركيّ بعيدة القعر.قال أبو حاتم:أحسبه منه اشتقاق جهنّم.(3:404)

الأزهريّ: و قيل:جهنّم اسم عربيّ،سمّيت نار الآخرة به لبعد قعرها.و إنّما لم تجر لثقل التّعريف مع التّأنيث.

و روي عن رؤبة قال:ركيّة جهنّام:بعيدة القعر.

(6:515)

الصّاحب: ركيّة جهنّام:بعيدة القعر،و جهنّام مثله،و منه اشتقاق جهنّم،و هو أيضا اسم جنّيّ.

(4:120)

الجوهريّ: جهنّم:من أسماء النّار الّتي يعذّب بها اللّه عزّ و جلّ عباده.و هو ملحق بالخماسيّ بتشديد الحرف الثّالث منه،و لا يجرى للمعرفة و التّأنيث.و يقال:هو فارسيّ معرّب.

و ركيّة جهنّام،بكسر الجيم و الهاء،أي بعيدة القعر.

(5:1892)

ابن سيده: الجهنّام:القعر البعيد.و بئر جهنّم و جهنّام:بعيدة القعر،و به سمّيت جهنّم لبعد قعرها،و لم

ص: 349

يقولوا فيها:جهنّام.(4:472)

الرّاغب: جهنّم:اسم للنّار الموقدة.قيل:و أصلها فارسيّ معرّب،و هو جهنام،و اللّه أعلم.(102)

الطّبرسيّ: و جهنّم:اسم من أسماء النّار، و اشتقاقها من«الجهومة»و هي الغلظ.و قيل:أخذ من قولهم:بئر جهنّام،أي بعيد قعرها.(2:418)

مثله فضل اللّه.(10:115)

ابن برّيّ: من جعل جهنّم عربيّا احتجّ بقولهم:بئر جهنّام،و يكون امتناع صرفها للتّأنيث و التّعريف،و من جعل جهنّم اسما أعجميّا احتجّ بقول الأعشى:

*و دعوا له جهنّام*فلم يصرف،فتكون جهنّم على هذا لا تنصرف للتّعريف و العجمة و التّأنيث أيضا،و من جعل جهنّام اسما لتابعة الشّاعر المقاوم للأعشى لم تكن فيه حجّة،لأنّه يكون امتناع صرفه للتّأنيث و التّعريف لا للعجمة.(ابن منظور 12:112)

المدينيّ: و من رباعيّة ما ذكره اللّه تعالي في القرآن من لفظ«جهنّم».

قال صاحب«التّتمّة»: أكثر النّحويّين على أنّها اسم لنار الآخرة،و هي أعجميّة،لا تجرى للتّعريف و العجمة.

و قال آخرون:هو اسم عربيّ و سمّيت نار الآخرة به،لبعد قعرها،و إنّما لم تجر لثقل التّعريف،و ثقل التّأنيث.

و حكى قطرب عن رواية:«ركيّة جهنّام»بكسر الجيم و الهاء و بفتحهما،أي بعيدة القعر.قال الجبّان:هو تعريب«كهنّام»بالعبرانيّة.(1:382)

نحوه ابن الأثير.(1:323)

النّيسابوريّ: [نقل قول الضّبّيّ ثمّ قال:]

و قال آخرون:إنّه اسم عربيّ،سمّيت نار الآخرة بها لبعد قعرها.[إلى أن قال:]

و قيل:اشتقاقها من«الجهومة»و هي الغلظ،و منه رجل جهم الوجه،أي غليظه؛سمّيت بذلك لغلظ أمرها في العذاب و العقاب.(2:200)

أبو حيّان :جهنّم:علم للنّار،و قيل:اسم الدّرك الأسفل فيها.و هي عربيّة مشتقّة من قولهم:«ركيّة جهنّام»إذا كانت بعيدة القعر.و قد سمّي الرّجل بجهنّام أيضا،فهو علم.

و كلاهما من«الجهم»و هو الكراهة و الغلظة،فالنّون على هذا زائدة،فوزنه«فعنل».

و قد نصّوا على أنّ«جهناما»وزنه«فعنال»و قد ذهب بعض أصحابنا إلى أنّ«فعنلا»بناء مفقود في كلامهم،و جعل دونكا (1)«فعللا»كعدبس (2).و الواو أصل في بنات الأربعة كهي في«ورنتل»و الصّحيح إثبات هذا البناء.

و جاءت منه ألفاظ،قالوا:ضغنّط من الضّغاطة، و هي الضّخامة،و سفنّج و هجنّف للظّليم،و الزّونك:

القصير،سمّي بذلك لأنّه يزوك في مشيته،أي يتبختر.

[ثمّ استشهد بشعر]

و هذا كلّه يدلّ على زيادة النّون في«جهنّم» و امتنعت الصّرف للعلميّة و التّأنيث.

و قيل:هي أعجميّة،و أصلها«كهنّام»فعرّبت بإبدالظ.

ص: 350


1- دونك:موضع.
2- جمل عدبس و عدبّس:وثيق الخلق عظيم...و العدبّس: القصير الغليظ.

من الكاف جيما و بإسقاط الألف،و منعت الصّرف على هذا للعجمة و العلميّة.(2:108)

نحوه السّمين(1:508)،و الآلوسيّ(2:96).

الفيروزآباديّ: جهنّام:بضمّ الجيم و الهاء:تابعة الأعشى،و لقب عمرو بن قطن،و يكسر.

و بالكسر:فرس قيس بن حسّان.

و ركيّة جهنّام مثلّثة الجيم،و جهنّم كعملّس:بعيدة القعر،و به سمّيت جهنّم،أعاذنا اللّه تعالى منها.(4:94)

محمّد إسماعيل إبراهيم: جهنّم:مكان العذاب الأبديّ،و دار العقاب بالنّار يوم القيامة،يدخلها الكافرون المكذّبون بيوم الدّين.

و هذا اللّفظ عبريّ: جي هنم-جي،أي واد،هنم، أي الهمس أو الأنين،يعني واد البكاء و العذاب.

(1:116)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ كلمة جهنّم صيغة ثلاثيّ مزيد فيه،صارت اسما للمكان الّذي يعذّب فيه الكفّار و أعداء اللّه و الظّالمون،و التّأنيث و العلميّة يمنعان عن الإجراء و الصّرف،يقال:جهنّم يصلونها.

فهذه لها وجه باسر و كريه،و بالنّسبة إلى أهلها شديدة غليظة ضيّقة.

و هذه المادّة قريبة من:حجم و حجن و جهن،لفظا و معنى.

ثمّ إنّ«جهنّم»تدلّ على محيط فيه غلظة و مضيقة و كراهة و كلوح،و هذا المعنى نتيجة مسير من أعرض عن ذكر اللّه،و منتهى سلوك من عمل لهذه الدّنيا الدّنيئة و ترك عالم الآخرة الّتي هي دار الطّلاقة و البشاشة و الرّحمة و النّعمة و العيشة الرّاضية،و هي الجنّة الّتي عرضها كعرض السّماء و الأرض.[ثمّ ذكر بعض الآيات و قال:]

فظهر أنّ مفهوم«جهنّم»في مقابل مفهوم«الجنّة».

و زيادة النّون المشدّدة تدلّ على شدّة الغلظة و الكلوح، كما في بهنة من البهس بمعنى التّبختر.(2:142)

النّصوص التّفسيريّة

جهنّم

1- وَ إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ. البقرة:206

البيضاويّ: كفته جزاء و عذابا،و(جهنّم)علم لدار العقاب،و هو في الأصل مرادف للنّار،و قيل:

معرّب.(1:111)

نحوه المشهديّ.(1:499)

الخازن :(جهنّم):اسم من أسماء النّار الّتي يعذّب بها الكفّار في الآخرة.و قيل:هو اسم أعجميّ.و قيل:

بل هو عربيّ،سمّيت النّار بذلك لبعد قعرها.(1:162)

نحوه الشّربينيّ(1:135)،و الآلوسيّ(2:96).

2- قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَ تُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمِهادُ. آل عمران:12

الطّبرسيّ: (جهنّم):اسم من أسماء النّار.و قيل:

أخذ من الجهنّام،و هي البئر البعيد القعر.(1:413)

النّسفيّ: (جهنّم)من الجهنّام،و هي بئر

ص: 351

عميقة.(1:147)

3- ..ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ.

آل عمران:197

البروسويّ: (جهنّم):الّتي لا يوصف عذابها.

(2:153)

نحوه الآلوسيّ.(4:172)

رشيد رضا :اسم للدّار الّتي يجازى فيها الكافرون.[ثمّ ذكر بعض كلمات اللّغويّين]

(4:314)

4- لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَ مِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ. الأعراف:41

الفخر الرّازيّ: [نقل كلمات اللّغويّين ثمّ قال:]

قال المفسّرون:المراد من هذه الآية:الإخبار عن إحاطة النّار بهم من كلّ جانب،فلهم منها غطاء و وطاء، و فراش و لحاف.(14:78)

البروسويّ: (من جهنّم)حال من(مهاد)و معناه فراش من النّار يضطجعون و يقعدون فيه.(3:161)

5- وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ...

الأعراف:179

البروسويّ: أي لدخولها و التّعذيب بها،و هي سجن اللّه في الآخرة،سمّيت جهنّم لبعد قعرها،و هي تحتوي على حرور و زمهرير،ففيها الحرّ و البرد على أقصى درجاتهما،و بين أعلاها و قعرها خمس و سبعون و مائة من السّنين.(3:280)

6- مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَ يُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ.

إبراهيم:16

النّيسابوريّ: (جهنّم):الصّفات الذّميمة.

(13:116)

فضل اللّه :(جهنّم)الّتي دخلوها من خلال أعمالهم السّيّئة و عنادهم و كبريائهم.(13:93)

7- وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ. الحجر:43

الميبديّ: سمّيت جهنّم لأنّها تتجهّم في وجوه الخلق.(5:317)

8- وَ قالَ الَّذِينَ فِي النّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ. المؤمن:49

البروسويّ: أي القوّام بتعذيب أهل النّار...و وضع (جهنّم)موضع الضّمير للتّهويل و التّفظيع،و هي اسم لنار اللّه الموقدة.(8:191)

الآلوسيّ: -و كان الظّاهر لخزنتها-بضمير النّار، لكن وضع الظّاهر موضعه للتّهويل.فإنّ جهنّم أخصّ من النّار بحسب الظّاهر،لإطلاقها على ما في الدّنيا،أو لأنّها محلّ لأشدّ العذاب الشّامل للنّار و غيرها.

و جوّز أن يكون ذلك لبيان محلّ الكفرة في النّار،بأن تكون جهنّم أبعد دركاتها،من قولهم:بئر جهنّام:بعيدة القعر،و فيها أعتى الكفرة و أطغاهم.(24:75)

9- هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ.

الرّحمن:43

ص: 352

الفخر الرّازيّ: و المشهور أنّ هاهنا إضمارا، تقديره:يقال لهم:هذه جهنّم.

و يحتمل أن يقال:معناه هذه صفة جهنّم،فأقيم المضاف إليه مقام المضاف،و يكون ما تقدّم هو المشار إليه،و الأقوى أن يقال:الكلام عند النّواصي و الأقدام قد تمّ.

و قوله: هذِهِ جَهَنَّمُ لقربها،كما يقال:هذا زيد قد وصل،إذا قرب مكانه،فكأنّه قال:جهنّم الّتي يكذّب بها المجرمون هذه قريبة غير بعيدة عنهم.

و يلائمه قوله:(يكذّب)لأنّ الكلام لو كان بإضمار يقال؛لقال تعالى لهم:هذه جهنّم الّتي كذّب بها المجرمون، لأنّ في هذا الوقت لا يبقى مكذّب،و على هذا التّقدير يضمر فيه:كان يكذّب.(29:121)

الأصول اللّغويّة

1-جزم بعض اللّغويّين عربيّة لفظ«جهنّم»،أي نار الآخرة،و شكّ آخرون في ذلك،و عزوه إلى الفارسيّة أو العبريّة.

فمن قال بعربيّته اشتقّه من:الجهم و الجهومة،أي الغلظة و الكراهة.

يقال:رجل جهم الوجه،أي غليظه،فنونه زائدة كزيادتها في بعض الألفاظ،نحو:عشنّق و سفنّج و هجنّف و ضغنّط،فهو على وزن«فعنّل».و منه:بئر جهنّم و جهنّام،أي بعيدة القعر؛و به سمّيت جهنّم،لبعد قعرها، و لم يقولوا:جهنّام فيها.و منع من الصّرف للعلميّة و التّأنيث.

و من قال بأعجميّته عدّه فارسيّ المنشأ،و أصله-كما قيل-«جهنام»أو«كهنام»،أو عبريّ المنشأ،و أصله «جهنام»أو«جيهنوم»أو«جيحنّون»،أي وادي «هنوم»قرب القدس.و احتمل آخرون أن يكون يونانيّا أو حبشيّا،و هو احتمال ضعيف.

2-و لا غبار على قول من قال:إنّه عربيّ؛إذ أصبح بعد النّقل علما،فاجتمعت العلميّة و التّأنيث-كما قالوا- فمنع من الصّرف.ناهيك من أنّ معناه-أي بعد القعر- يناسب وصف جهنّم؛إذ تحكي الأخبار أنّها مهوى سحيق.و لعلّ لفظ الإلقاء في القرآن يفيد هذا المعنى، كقوله تعالى: فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً الإسراء:39،و غيرها من الآيات،كالإلقاء في الجحيم و العذاب و اليمّ و الجبّ،انظر الاستعمال القرآنيّ لمادّة «ل ق ي».

و نرى استعمال هذا المعنى في العهد القديم و الجديد أيضا،و منه:«تهبط إلى مغاليق الهاوية»أيّوب(17:16) و«تطرح في جهنّم في النّار الّتي لا تطفأ»مرقس(9:45).

3-و ما قيل:إنّ«جهنّم»لفظ أعجميّ،كلام لا يعتدّ به؛إذ لم نعثر في اللّغة الفارسيّة على لفظ«جهنام»أو «كهنام»كما زعموا.كما أنّ بين لفظي«جهنام» و«جيهوم»العبريّين و«جهنّام»و«جهنّم»العربيّين، توافق لفظيّ و معنويّ،و لا يمكن في هذه الحال تعيين

ص: 353

منشأ اللّفظين،لأنّهما شقّا من نبعة واحدة.ثمّ إنّ ما ذكر ظنّ و احتمال،فضلا عن اختلاف أقوالهم حول ذلك.

الاستعمال القرآنيّ

فيها(49)آية مكّيّة،و(28)مدنيّة:ستّ منها في المنافقين مع الكفّار أو بدونهم،و الباقي في الكفّار.

1- أَ فَمَنِ اتَّبَعَ رِضْوانَ اللّهِ كَمَنْ باءَ بِسَخَطٍ مِنَ اللّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ آل عمران:162

2- وَ مَنْ يُوَلِّهِمْ يَوْمَئِذٍ دُبُرَهُ إِلاّ مُتَحَرِّفاً لِقِتالٍ أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ فَقَدْ باءَ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَ مَأْواهُ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ الأنفال:16

3- مَتاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ

آل عمران:197

4- إِنَّ الَّذِينَ تَوَفّاهُمُ الْمَلائِكَةُ ظالِمِي أَنْفُسِهِمْ قالُوا فِيمَ كُنْتُمْ قالُوا كُنّا مُسْتَضْعَفِينَ فِي الْأَرْضِ قالُوا أَ لَمْ تَكُنْ أَرْضُ اللّهِ واسِعَةً فَتُهاجِرُوا فِيها فَأُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ ساءَتْ مَصِيراً النّساء:97

5- يَعِدُهُمْ وَ يُمَنِّيهِمْ وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاّ غُرُوراً* أُولئِكَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ لا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً

النّساء:120،121

6- لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَ الَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ الرّعد:18

7- وَ مَنْ يَهْدِ اللّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَ مَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُمْ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِهِ وَ نَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عَلى وُجُوهِهِمْ عُمْياً وَ بُكْماً وَ صُمًّا مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً الإسراء:97

الجزاء

8- وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً

النّساء:93

9- قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً الإسراء:63

10- أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً* ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَ اتَّخَذُوا آياتِي وَ رُسُلِي هُزُواً الكهف:105،106

11- وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ الأنبياء:29

إملاء جهنّم

12- قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ الأعراف:18

13- إِلاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَ لِذلِكَ خَلَقَهُمْ وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ

هود:119

14- وَ لَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ

السّجدة:13

15- لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ

ص:85

16- يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَ تَقُولُ هَلْ مِنْ

ص: 354

مَزِيدٍ ق:30

نار جهنّم

17- يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ التّوبة:35

18- أَ لَمْ يَعْلَمُوا أَنَّهُ مَنْ يُحادِدِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ التّوبة:63

19- فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللّهِ وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ قالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ التّوبة:81

20- أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللّهِ وَ رِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ

التّوبة:109

21- وَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ فاطر:36

22- اَلَّذِينَ هُمْ فِي خَوْضٍ يَلْعَبُونَ* يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا الطّور:12،13

23- ...وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً الجنّ:23

24- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أُولئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ البيّنة:6

الحشر إلى جهنّم

25- قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَ تُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمِهادُ. آل عمران:12

26- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ الأنفال:

36

27- اَلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ أُوْلئِكَ شَرٌّ مَكاناً وَ أَضَلُّ سَبِيلاً الفرقان:34

الخلود في جهنّم

28- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ظَلَمُوا لَمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً* إِلاّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً النّساء:168،169

29- فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ النّحل:29

30- قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ الزّمر:72

31- اُدْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ المؤمن:76

32- وَ مَنْ خَفَّتْ مَوازِينُهُ فَأُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ المؤمنون:103

33- وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِالْحَقِّ لَمّا جاءَهُ أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ

العنكبوت:68

34- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَبَ عَلَى اللّهِ وَ كَذَّبَ بِالصِّدْقِ إِذْ جاءَهُ أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْكافِرِينَ

الزّمر:32

ص: 355

35- وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَ لَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ

الزّمر:60

عذاب جهنّم

36- وَ الَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً الفرقان:65

37- وَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ الملك:6

38- إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَ لَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ

البروج:10

39- إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ

الزّخرف:74

بئس المهاد

40- هذا وَ إِنَّ لِلطّاغِينَ لَشَرَّ مَآبٍ* جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ ص:55،56

41- وَ إِذا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ البقرة:206

42- لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَ مِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ. الأعراف:41

43- فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ صَدَّ عَنْهُ وَ كَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً النّساء:55

44- وَ مَنْ يُشاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدى وَ يَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ ما تَوَلّى وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً النّساء:115

45- وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ الحجر:43

46- وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ لَهُمْ قُلُوبٌ لا يَفْقَهُونَ بِها وَ لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها...

الأعراف:179

47- لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ يَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ الأنفال:37

48- وَ مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَ لا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ

التّوبة:49

49- وَ اسْتَفْتَحُوا وَ خابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ* مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَ يُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ إبراهيم:15،16

50- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ* جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ

إبراهيم:28،29

51- عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يَرْحَمَكُمْ وَ إِنْ عُدْتُمْ عُدْنا وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً الإسراء:8

52- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً

الإسراء:18

53- ذلِكَ مِمّا أَوْحى إِلَيْكَ رَبُّكَ مِنَ الْحِكْمَةِ وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً

الإسراء:39

54- وَ عَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً

الكهف:100

ص: 356

55- أَ فَحَسِبَ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنْ يَتَّخِذُوا عِبادِي مِنْ دُونِي أَوْلِياءَ إِنّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً

الكهف:102

56- فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَ الشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا مريم:68

57- وَ نَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً

مريم:86

58- إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى طه:74

59- إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ الأنبياء:98

60- يَسْتَعْجِلُونَكَ بِالْعَذابِ وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ العنكبوت:54

61- هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ يس:63

62- وَ سِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها أَ لَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آياتِ رَبِّكُمْ... الزّمر:71

63- وَ قالَ الَّذِينَ فِي النّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ المؤمن:49

64- وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ

المؤمن:60

65- أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ ق:24

66- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَ يَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ... حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ اَلْمَصِيرُ المجادلة:8

67- وَ جِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَ أَنّى لَهُ الذِّكْرى الفجر:23

68- وَ أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً

الجنّ:15

69- إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً النّبأ:21

70- مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ وَ لا يُغْنِي عَنْهُمْ ما كَسَبُوا شَيْئاً وَ لا مَا اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ أَوْلِياءَ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ الجاثية:10

71- هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ

الرّحمن:43

المنافقون

72- وَ يُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْمُشْرِكِينَ وَ الْمُشْرِكاتِ الظّانِّينَ بِاللّهِ ظَنَّ السَّوْءِ عَلَيْهِمْ دائِرَةُ السَّوْءِ وَ غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِمْ وَ لَعَنَهُمْ وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً الفتح:6

73- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ

التّوبة:73

74- سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ التّوبة:95

75- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ جاهِدِ الْكُفّارَ وَ الْمُنافِقِينَ وَ اغْلُظْ عَلَيْهِمْ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ التّحريم:9

76- وَعَدَ اللّهُ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ

ص: 357

وَ الْكُفّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها هِيَ حَسْبُهُمْ وَ لَعَنَهُمُ اللّهُ وَ لَهُمْ عَذابٌ مُقِيمٌ التّوبة:68

77- وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللّهِ يُكْفَرُ بِها وَ يُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ إِنَّ اللّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَ الْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً النّساء:140

و يلاحظ أوّلا:أنّ جهنّم مكان لأهلها،و عبّر عنها بأمور:

الأوّل:(المأوى)في(10)آيات:(1-7)و(74) بشأن الكفّار و العصاة،و آيتين(73،75)بشأن المنافقين و الكفّار.و قد تحدّثنا عن(مأوى)في«أ و ي» و قلنا:إنّ هذا اللّفظ في القرآن خاصّ بمأوى النّاس في الجنّة كدار راحة و اطمئنان بشرا،و في النّار دار عذاب إنذارا و سخريّة و هزء،فلاحظ.

الثّاني:(المثوى)في(6)آيات:(29-31)و(33- 35)،و هو محلّ الإقامة،و قد تحدّثنا في«ث و ي»أنّ (مثوى)غلب إطلاقه على محلّ عذاب أهل النّار في الآخرة،و قد أطلق على محلّ الإكرام في الدّنيا،كما تكلّمنا هناك في(أبواب جهنّم)فلاحظ.

الثّالث:(المهاد)في ستّ آيات:(3)و(6)جاءت مع(مأوى): وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ و(25) تُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمِهادُ و(40) جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمِهادُ و(41)جاء مع(حسبه):

فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَ لَبِئْسَ الْمِهادُ، و(42)جاء مع «غواش»: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَ مِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ، فجاء في خمس منها رويّا للآية معرّفا فاعلا ل(بئس)مع فرق بين(بئس)و(لبئس)بزيادة لام الابتداء تأكيدا.

إشارة إلى شدّة العذاب في الخامسة،كما يدلّ عليها ما قبلها أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ، و بزيادة«فاء»التّفريع في(40)دلالة على سوء العاقبة،أمّا في الأخيرة فجاء (مهاد)نكرة مبتدأ مؤخّرا لخبر مقدّم،بإزاء وَ مِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ و التّنكير فيها للتّعمية و التّهويل.

و الحديث فيها تفصيلا موكول إلى«م ه د»فانتظر.

الرّابع:(المرصاد)مرّة واحدة(69): إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً و هو اسم آلة،أي إنّ جهنّم آلة الرّصد و المراقبة لأهلها،لاحظ«ر ص د».

الخامس:(القرار)(50): جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها وَ بِئْسَ الْقَرارُ، و القرار كأنّه رمز الخلود،«لاحظ ق ر ر».

السّادس:(المصير)أربع مرّات(37): عَذابُ جَهَنَّمَ وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ، و(44): وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً، و(66): جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها فَبِئْسَ الْمَصِيرُ، و(72): وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ وَ ساءَتْ مَصِيراً.

و يلاحظ:أنّ(مصير)وصفا لجهنّم جاء مرّتين مع كلّ من(نصله)و(ساءت)و(بئس)و سنبحثها جميعا، و هو نكرة مع(ساءت)تميّزا،تعمية و تهويلا،و معرفة مع (بئس)فاعلا لها،تعظيما و رمزا إلى أنّها هي عاقبتهم المعهودة على لسان الانبياء عليهم السّلام،و مع ذلك فلرعاية الرّويّ دخل في التّنكير و التّعريف،فلاحظ.

السّابع:(الحصير)مرّة:(51): وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً أي حابسا لهم مانعا من الحركة، لاحظ«ح ص ر».

ص: 358

الثّامن:(الموعد)مرّة(45): وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ أي هي الّتي وعدهم بها النّبيّون،و بمعناها (61): هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي كُنْتُمْ تُوعَدُونَ.

التّاسع:(السّعير)مرّة(43): وَ كَفى بِجَهَنَّمَ سَعِيراً و هي تعبير آخر عن النّار عند اشتعالها،و جاء(سعير) مرّات أخرى بشأن عذاب النّار،لاحظ«س ع ر».

العاشر:(النّزل)مرّة(55): إِنّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً و هو محلّ نزول الضّيف،جاء وصفا لجهنّم تهكّما و استهزاء،نظير: ذُقْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْكَرِيمُ الدّخان:49،و لها نظائر في القرآن.

ثانيا:أضيف إلى(جهنّم)ألفاظ تهويلا و تخويفا و تشديدا:

الأوّل:(النّار)تسع مرّات:(17): يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ و(18): مَنْ يُحادِدِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً و(19): قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا و(20): فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ و(21):

لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ و(22): يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ و(23): فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ و(24): فِي نارِ جَهَنَّمَ و(76): وَعَدَ اللّهُ... نارَ جَهَنَّمَ.

و قد جاء فيها(نار جهنّم)مع(في)ثلاث مرّات، و مع(ل)ثلاث مرّات أيضا،و مع(إلى)مرّة،و بدونها مرّتين،حسب السّياق.

الثّاني:(العذاب)(6)مرّات في(4)آيات:(36):

رَبَّنَا اصْرِفْ عَنّا عَذابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذابَها كانَ غَراماً و(37): وَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذابُ جَهَنَّمَ و(38):

فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ وَ لَهُمْ عَذابُ الْحَرِيقِ و(39):

إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ. و جاء فيها(عذاب جهنّم)مع(ل)ثلاث مرّات،و مع(في)مرّة،و بدونها مرّة أيضا،حسب السّياق،و قد كرّر(عذاب)مع اثنتين منها تهويلا.

الثّالث:(أبواب)أربع مرّات:(29-31): فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ و(62): حَتّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها. و تشعر الأخيرة بأنّ أبوابها مسدودة قبل دخولهم،و الثّلاث الأولى بأنّها مفتوحة عند دخولهم.

الرّابع:(الخزنة)مرّتين(62): وَ قالَ لَهُمْ خَزَنَتُها و(63): وَ قالَ الَّذِينَ فِي النّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ، و الأولى قول الخزنة لأهل النّار،و الثّانية قول أهل النّار للخزنة،و يعلم من مجموع الثّالث و الرّابع أنّ لجهنّم أبوابا و لكلّ باب خزنة،لاحظ«ب و ب»و«خ ز ن».

الخامس:(الطّريق)مرّة(28): وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً* إِلاّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ.

السّادس:(الحصب)مرّة(59): إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ.

السّابع:(حول)مرّة(68): ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ.

ثالثا:عبّر القرآن عن اتّصال أهل النّار بجهنّم بألفاظ،تنويعا و تهويلا:

الأوّل:(دخول)أربع مرّات:(30-32)و كلّها أمر بدخول أبواب جهنّم،و(64): سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ.

و(دخول)و(خلود)منقلبان لفظا،و متواليان في جهنّم وقوعا،و مع ذلك جاء(خلود)كما يأتي-(11)مرّة-

ص: 359

قريبا من ثلاثة أضعاف(دخول)بكونه حالة مستمرّة عكس(دخول)فإنّه أمر حادث لا يستمرّ.

الثّاني:(المجيء)مرّتين:(62): حَتّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها. و قد جمع فيها بين(المجيء)و(فتح الأبواب)إشعارا بأنّ الأبواب تفتح لهم عند مجيئهم لا قبله،و(67): وَ جِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ. و هما متعاكسان إسنادا؛ففي الأولى(المجيء)فعل النّاس،و في الثّانية فعل جهنّم مجهولا،أي يجاء بها،فكلّ من جهنّم و أهلها يتحرّك و يتقدّم إلى جانب الآخر حتّى يتلاقيان بدخول أهلها فيها.

الثّالث:(الإلقاء)مرّتين أيضا:(65): أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ و(53): وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ. و الإلقاء:هو الطّرح من فوق إلى تحت و قعر،فيشعر بأنّ جهنّم مكان منخفض عميق.

و(ألقيا)فعل معلوم أمر بإلقاء السّائق و الشّهيد أو غيرهما-على اختلاف فيهما-إيّاهم فيها،(تلقى)فعل مجهول لم يذكر فيها الملقي،و في كلّ منهما نوع من التّهويل،لاحظ«ل ق ي».

الرّابع:(العرض)مرّة(54): وَ عَرَضْنا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِلْكافِرِينَ عَرْضاً، و العرض:إراءة الشّيء، فيشعر بأنّ جهنّم تعرض لأهلها قبل دخولها تخويفا لهم.

الخامس:(الجعل)مرّة(47): فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ. و الجعل هنا هو الوضع،أي إنّ اللّه يضع الخبيث في جهنّم و يقرّه فيها.و قد تعلّق(جعل)في(51)و(52) ب(جهنّم)دون أهلها: وَ جَعَلْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ حَصِيراً و ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها... فهو متعاكس مثل«مجيء».

السّادس:(الانهيار)مرّة(20): فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ أي يوقعه في نار جهنّم.فينهار في قعرها.

السّابع:(الإعداد و الاعتداد)مرّتين:(72): وَ أَعَدَّ لَهُمْ جَهَنَّمَ و(55): إِنّا أَعْتَدْنا جَهَنَّمَ لِلْكافِرِينَ نُزُلاً، و الإعداد قبل الدّخول فهو بمنزلة(عرض).

الثّامن:(الورود)مرّتين:(57): وَ نَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً و(59): حَصَبُ جَهَنَّمَ أَنْتُمْ لَها وارِدُونَ و(الورود)و(الدّخول)يعبّران عن أوّل حضور لهم في جهنّم.

التّاسع:(السّوق)مرّتين:(57): وَ نَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً و(62): وَ سِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً، و(سوق)دفع للمسوق إلى الأمام جبرا،و جاء في(المجرمين)معلوما تعظيما بلفظ الجمع،و(الكافرين)مجهولا تعمية،و في كلّ منهما تهويل مع اختلاف السّياق.

العاشر:(الإحضار)مرّة(56): ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا و في إحضارهم حول جهنّم تهويل هائل،و تخويف بالغ،لينظروا إليها،فهو عكس (العرض)فالعرض واقع على جهنّم،و الإحضار على أهلها.

الحادي عشر:(الصّلي)5 مرّات:(44): وَ نُصْلِهِ جَهَنَّمَ، و(50): جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها، و(52): ثُمَّ جَعَلْنا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاها، و(40): جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها، و(66): حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ يَصْلَوْنَها

و الصّلي بالنّار:هو البلاء و الإيقاد بها،و الفعل في

ص: 360

الأولى من باب«الإفعال»نسبته إلى اللّه بصيغة الجمع تعظيما و تهويلا،فتعدّى إلى مفعولين،و في الباقي من المجرّد تعدّى إلى مفعول واحد هو(جهنّم)،و الفاعل أهلها.

الثّاني عشر:(الحشر)ثلاث مرّات:(25): قُلْ لِلَّذِينَ كَفَرُوا سَتُغْلَبُونَ وَ تُحْشَرُونَ إِلى جَهَنَّمَ، و (26): وَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ يُحْشَرُونَ، و(27): اَلَّذِينَ يُحْشَرُونَ عَلى وُجُوهِهِمْ إِلى جَهَنَّمَ.

الحشر-كما قال الرّاغب-:إخراج الجماعة من مقرّهم و إزعاجهم عنه إلى الحرب و نحوها،فالحشر يقع دائما على الجماعة و قد تعدّى فيها ب(إلى)،فكأنّه أشرب معنى(السّوق)،و جاء فعلا مجهولا،فكأنّ الحشر يقع عليهم جبرا كالسّوق،مع ما فيه من التّعمية تهويلا.

و جاء الحشر في أحوال القيامة و البعث أيضا،لاحظ« ح ش ر».

الثّالث عشر:(الإملاء و الامتلاء)خمس مرّات:

(12): لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ، و(13): وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ، و(14): وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ، و(15): لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ، و(16): يَوْمَ نَقُولُ لِجَهَنَّمَ هَلِ امْتَلَأْتِ وَ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ.

و(الإملاء)هو شغل فراغ الشّيء مثل:ملأت الدّار رجالا.و اثنتان منها خطاب لإبليس و من تبعه،و اثنتان جاء فيهما إملاؤها من الجنّ و الإنس مؤكّدا ب وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ و (حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي) و الفعل فيها جميعا من باب«الإفعال»نسبة إلى اللّه مؤكّدا بلام القسم،و واحدة من باب«الافتعال»خطاب من اللّه لجهنّم و اجابتها إيّاه، و سياقها أشدّ ممّا قبلها ل«نون»الجمع،و توجيه الخطاب لجهنّم.

الرّابع عشر:(الذّوق)مرّة(17): فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ. و فيها تهكّم لهم.

الخامس عشر:(ذرا)مرّة(46): وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ أي خلقناهم لجهنّم أي إنّ مرجعهم و مآلهم جهنّم،و هذا قبل الدّخول معلوم عند اللّه تعالى،فهو أقدم زمانا من كلّ ما تقدّم.

السّادس عشر:(دعّ):مرّة(22): يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلى نارِ جَهَنَّمَ دَعًّا و الدّعّ:الدّفع،و هو قريب من«السّوق».

و دراسة هذه الموادّ السّتّ عشرة موكولة إلى مواضعها،فلاحظ.

السّابع عشر(الهداية)مرّة(28): وَ لا لِيَهْدِيَهُمْ طَرِيقاً* إِلاّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ أي يهديهم طريق جهنّم فقط،لأنّهم بكفرهم سدّوا على أنفسهم طرق الفلاح، فلا مجال لهم إلاّ طريق جهنّم.و في التّعبير بالهداية نوع تهكّم نظير:(ذق انّك)و أيضا إشعار بضلالهم المطلق؛ حيث لا يهتدون بأنفسهم إلاّ بهداية اللّه.

الثّامن عشر:(الإحلال)مرّة(50): وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ* جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها أي يجعلون جهنّم محلاّ و مقرّا لقومهم.و الفاعل فيها هم الّذين يضلّونهم، و في غيرها هو اللّه تعالى و ملائكته.

رابعا:جاءت فيها أحوال أهل جهنّم تهويلا لهم

ص: 361

بأنواع من العذاب.

الأوّل:(الخلود فيها)(11)مرّة:6 مرّات في المكّيّات:(23): وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً، و(29): فَادْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها، و(30 و 31) اُدْخُلُوا أَبْوابَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها، و(32): اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ، و(39): إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ.

و(5)مرّات في المدنيّات:(8): وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها، و(18): مَنْ يُحادِدِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَأَنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِداً فِيها، و(24):

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ وَ الْمُشْرِكِينَ فِي نارِ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها، و(28): إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ظَلَمُوا... إِلاّ طَرِيقَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً، و(76): وَعَدَ اللّهُ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْكُفّارَ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها و الخلود في جهنّم هو البقاء فيها دائما،و قد تلاه(ابدا)في آية مكّيّة و آية مدنيّة،و البحث في الخلود موكول إلى«خ ل د»و في الأبد إلى«أ ب د».

الثّاني:(لا حياة و لا مماة)مرّتين:(21): لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا، و(58): فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى و هذا في معنى الخلود مع شدّة العذاب.

الثّالث:(جهنّم محيطة بهم)مرّتين:(48)و(60):

وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكافِرِينَ.

الرّابع:(إنّهم حطب جهنّم)مرّة(68): وَ أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً.

الخامس:(إنّهم حصب جهنّم)مرّة(59): إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ، و الحطب:

ما يقاد به،و الحصب-و هو الحصى-ما تصلى به.

السّادس: (مِنْ وَرائِهِمْ جَهَنَّمُ) مرّتين:(49): مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ، و(70):(و من ورائهم جهنم.)

السّابع:(يسقون من ماء صديد)مرّة(49):

وَ يُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ

الثّامن:(دخور)مرّة(64): سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ أي ماكثين،و هو في معنى«الخلود».

التّاسع:(مدحور و ملوم و مذموم)مرّتين:(52):

يَصْلاها مَذْمُوماً مَدْحُوراً، و(53): فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً، و الدّحر و الذّمّ و اللّوم واحد و هو الطّرد،لاحظ هذه الموادّ.

العاشر: (فَلا يُخَفَّفُ عَنْهُمُ الْعَذابُ) مرّتين:(21):

وَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها، و(63): اُدْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنّا يَوْماً مِنَ الْعَذابِ.

الحادي عشر:(الخسران)مرّتين:(32): اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فِي جَهَنَّمَ خالِدُونَ، و(47): فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ.

الثّاني عشر:(السّوء)ثلاث مرّات:(4)،(44)، و(72): وَ ساءَتْ مَصِيراً.

الثّالث عشر:(الحمي)و(الحرّ)مرّتين:(17):

يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ، و(19): قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا.

الرّابع عشر:(الكيّ)مرّة(17): فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ.

الخامس عشر:(الخزي)مرّة

ص: 362

(18): ذلِكَ الْخِزْيُ الْعَظِيمُ.

السّادس عشر:(الجزاء موفور)مرّة(9): فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً، و قد كرّر فيها(جزاء) تشديدا.

السّابع عشر:(بئس):(1)،(66)،(75): (وَ بِئْسَ الْمَصِيرُ) ،و(29-31): فَلَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ، و(3)،(6)،(25)،(40)،(41): (وَ بِئْسَ الْمِهادُ) ، و(50): وَ بِئْسَ الْقَرارُ.

الثّامن عشر:(جثوّ)مرّة(56): (حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) .

التّاسع عشر:(بوار)مرّة(50): وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ* جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها، و البوار:الهلاك،و وصفها ب (دارَ الْبَوارِ) مقابل و مضادّ لإحلال أهل الجنّة دار المقامة و السّلام: اَلَّذِي أَحَلَّنا دارَ الْمُقامَةِ مِنْ فَضْلِهِ... فاطر:35،و وَ اللّهُ يَدْعُوا إِلى دارِ السَّلامِ يونس:25،و لَهُمْ دارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ الأنعام:127،لاحظ«دار».

العشرون: (وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ) مرّة(35): وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ....

الحادي و العشرون: (لا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً) مرّة (5): وَ لا يَجِدُونَ عَنْها مَحِيصاً و المحيص:المفرّ،و هو في معنى الخلود.

خامسا:ما سبق من البحوث متعلّق ب(جهنّم)و إلاّ ففي القرآن آيات كثيرة إنذارا للكافرين و العاصين لم تذكر فيها(جهنّم)،و البحث فيها موكول إلى محالّها،و نشير إليها جميعا في(المعاد أو الحساب)إن شاء اللّه تعالى.

سادسا:جاءت(جهنّم)في(49)آية مكّيّة و(28) مدنيّة-كما سبق في صدر البحث-فالتّأكيد لها في المكّيّات قريب من ضعفها في المدنيّات،و ذلك لأنّ مكّة كانت دار المشركين الّذين ينكرون أصول الإسلام الثّلاثة:التّوحيد و النّبوّة و المعاد.و قد تكرّرت في المكّيّات و قلّت فيها آيات التّشريع،فتأخّرت إلى المدينة الّتي كانت دار التّشريع و التّقنين.

سابعا:أكثر هذه الآيات المكّيّة و المدنيّة جاءت بشأن الكفّار و المشركين،و في واحدة منها(24)جاء أهل الكتاب معهم،و ستّ منها(72-77)في المنافقين، و قد ذكروا في خمس منها مع المشركين أو الكفّار.

و جاءت خمس منها تشريعا:(8): وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً، و(19): فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللّهِ وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ، و(23):

وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً، و(66): أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نُهُوا عَنِ النَّجْوى ثُمَّ يَعُودُونَ لِما نُهُوا عَنْهُ وَ يَتَناجَوْنَ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ مَعْصِيَةِ الرَّسُولِ... حَسْبُهُمْ جَهَنَّمُ، و(77): وَ قَدْ نَزَّلَ عَلَيْكُمْ فِي الْكِتابِ أَنْ إِذا سَمِعْتُمْ آياتِ اللّهِ يُكْفَرُ بِها وَ يُسْتَهْزَأُ بِها فَلا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ إِنَّكُمْ إِذاً مِثْلُهُمْ....

و في بعضها-كقتل المؤمن،و معصية اللّه و رسوله، و الجلوس إلى من يكفر بآيات اللّه-من التّغليظ ما ليس بأقلّ من جزاء الكفّار و المنافقين بل ألحقوا بهم في(77).

ص: 363

ثامنا:جاءت(جهنّم)(77)مرّة،و جنّة الآخرة (24)أي إنّ جهنّم قريبة من ثلاثة أضعاف الجنّة،إعلاما بتضاعف أهلها على أهل الجنّة،كما تشعر به(16): هَلِ امْتَلَأْتِ وَ تَقُولُ هَلْ مِنْ مَزِيدٍ، و بأنّ النّاس يحتاجون إلى الإنذار أكثر من التّبشير،رغم سعة رحمة اللّه، و مقارنة الإنذار و التّبشير في كثير من الآيات.

ص: 364

ج و ب

اشارة

23 لفظا،43 مرّة:33 مكّيّة،10 مدنيّة

في 23 سورة:18 مكّيّة،5 مدنيّة

جابوا 1:1 استجاب 3:1-2

اجبتم 1:1 استجابوا 4:2-2

اجيبت 1:1 فاستجبتم 1:1

اجبتم 1:-1 فاستجبنا 4:4

يجيب 1:1 استجيب 1:1

يجب 1:1 يستجيب 3:3

اجيب 1:-1 يستجيبون 1:-1

نجب 1:1 يستجيبوا 7:5-2

اجيبوا 1:1 تستجيبون 1:1

مجيب 1:1 استجب 1:1

المجيبون 1:1 جواب 4:4

استجيبوا 2:1-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجوب:قطّعك الشّيء كما يجاب الجيب، يقال:جيب مجوب و مجوّب.و كلّ مجوّف وسطه فهو مجوب.

و الجوب:درع تلبسه المرأة.

و جبت المفازة،أي قطعتها،و اجتبت الظّلام و القميص،أي قطعته.

و الجواب:رديد الكلام،تقول:«أساء سمعا فأساء جابة»من أجاب يجيب.

و يقال:هل عندك جابية خبر؟أي خبر ثابت، و الجميع:الجوائب.

و يقال:الجوائب:الغرائب من الأخبار.

و جابية خبر،أي محمولة من أرض إلى أرض بعيدة،أي قد جابت البلاد.[ثمّ استشهد بشعر]

(6:192)

سيبويه :أجاب:من الأفعال الّتي استغني فيها بما أفعل فعله،و هو أفعل فعلا عمّا أفعله و عن هو أفعل

ص: 365

منك،فيقولون:ما أجود جوابه!و هو أجود جوابا.

و لا يقال:ما أجوبه!و لا هو أجوب منك،و كذلك يقولون:أجود بجوابه!و لا يقال:أجوب به!

(ابن سيده 7:568)

اليزيديّ: جبت القميص،إذا قوّرت جيبه، و جيّبته،إذا عملت له جيبا.(الأزهريّ 11:218)

ابن شميّل: الجوبة من الأرض:الدّارة من المكان المنجاب،الوطيء القليل الشّجر.سمّي جوبة لانجياب الشّجر عنه،مثل الغائط المستدير لا يكون إلاّ في جلد الأرض،و الجميع:جوبات و جوب.(الأزهريّ 11:220)

أبو عبيدة :سمّي رجل من بني كلاب جوّابا،لأنّه كان لا يحفر صخرة و لا بئرا إلاّ أماهها.

(إصلاح المنطق:254)

جابة المدرى من الظّبا،غير مهموز:حين طلع قرنه.(الأزهريّ 11:220)

استجاب و أجاب بمعنى واحد.[ثمّ استشهد بشعر]

(الطّوسيّ 2:131)

ابن السّكّيت: يقال:[السّلاح]هو التّرس و المجنّ و الجوب و الفرض.(652)

و قد جاب يجوب،إذا خرق.(إصلاح المنطق:157)

و يقال:قد أجبته بكذا و كذا إجابة و جابة،و يقال في مثل:«أساء سمعا فأساء جابة».

و يقال:قد جبت الصّخرة،إذا خرقتها.و قد جبت القميص،إذا قوّرت جيبه.(إصلاح المنطق:254)

شمر: سمعت سلمة يقول:جبت القميص و جبته.

[ثمّ استشهد بشعر]

و جيب اللّيل:الصّبح.

روي«أنّ رجلا نادى يا رسول اللّه،أيّ اللّيل أجوب دعوة،قال:جوف اللّيل الغابر»،قوله:أجوب من الإجابة،أي أسرعه إجابة،كما يقال:أطوع من الطّاعة.

و الأصل:جاب يجوب،مثل طاع يطوع.

جابة المدرى،أي جائبته،أي حين جاب قرنها الجلد فطلع.(الأزهريّ 11:218)

أبو الهيثم: جابة:اسم يقوم مقام المصدر،و هو كقولهم:المال عارة،و أطعته طاعة،و ما أطيق هذا الأمر طاقة.فالإجابة مصدر حقيقيّ،و الجابة اسم،و كذلك الجواب،و كلاهما يقومان مقام المصدر.

(الأزهريّ 11:219)

الدّينوريّ: الجوبة من الأرض:الدّارة،و هي المكان الوطيء من الأرض مثل الغائط،و لا يكون في رمل و لا جبل،إنّما يكون في أجلاد الأرض و رحابها.

(ابن سيده 7:568)

المبرّد: و لا جابت به بلدا،يقول:و لا قطعت به، يقال:جبت البلاد،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ ثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ الفجر:9.و يقال:رجل جوّاب:

جوّال.(1:115)

يقال:المجوب للحديدة الّتي يثقب بها العسيب.

و يقال:جبت البلاد،أي دخلتها و طوّفتها،و في القرآن: وَ ثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ، أي شقّوه.(2:99)

[ردّ كلام أبي عبيدة:أجاب و استجاب بمعنى واحد و قال:]

ص: 366

هذا لا يجوز،لأنّ في الاستجابة معنى الإذعان، و ليس ذلك في الإجابة.(الطّوسيّ 2:131)

كراع النّمل:و الجوب:الدّلو الضّخمة.

الجابة:مصدر كالإجابة.(ابن سيده 7:568)

ابن دريد :و الجوب:التّرس،و يقال:جبت الشّيء أجوبه جوبا،إذا قطعته.و كذلك فسّر في التّنزيل،و اللّه أعلم في قوله جلّ و عزّ: وَ ثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ الفجر:9.(1:215)

و تقول العرب:«هل من جائبة خبر»أي هل من خبر يجوب البلاد فيجيء من مكان بعيد.[ثمّ استشهد بشعر](1:233)

و انجاب الشّيء انجيابا،إذا انشقّ و انكشف.

و جوّاب الفلاة:دليلها،و الجواب:جواب ما كلّمت به،جاوبته مجاوبة و أجبته إجابة و جابة،و مثل من أمثالهم:«أساء سمعا فأساء جابة»غير مهموز.[ثمّ استشهد بشعر]

و المجوب:حديدة يجاب بها،أي يخصف بها.

و جيب القميص مشتقّ من:جبت الشّيء.

و الجوبة:الفجوة بين البيوت،و الجوبة أيضا:قطعة في الفضاء سهلة بين أرضين غلاظ،و الجمع:جوب.

و تغيّمت السّماء حتّى ما فيها جوب،أي ما فيها مواضع منكشفة.(3:200)

و تقول العرب:استجاب و استجوب و استصاب و استصوب،هكذا كلّ ما كان على هذا الوزن فهو مستجوب و مستصوب و مستجيب و مستصيب و مستجاب و مستصاب.هذا قياس مطّرد عندهم، و تقول العرب:مخلاة و مرماة،و الأصل:مخلوة و مرمية، و لكنّهم لا يتكلّمون بهذا،كما قالوه في استصوب و استجوب.(3:488)

ابن بزرج:جيّبت القميص و جوّبته.

(الأزهريّ 11:219)

الأزهريّ: و يقال:جبت البلد أجوبه جوبا،إذا قطعته،و اجتبته مثله،و يقال:اجتاب فلان ثوبا،إذا لبسه.[ثمّ استشهد بشعر]

و اجتاب:احتفر.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل جوّاب،إذا كان قطّاعا للبلاد،سيّارا فيها.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الجوبة:شبه رهوة تكون بين ظهراني دور قوم، يسيل إليها ماء المطر،و كلّ منفتق يتّسع فهو جوبة.

و الجوب:التّرس.(11:219)

الرّمّانيّ: الفرق بين الإجابة و الطّاعة:أنّ الطّاعة تكون من الأدنى للأعلى،لأنّها في موافقة الإرادة الواقعة موقع المسألة،و لا تكون إجابة إلاّ بأن تفعل لموافقة الدّعاء بالأمر و من أجله.(أبو هلال:184)

الصّاحب:الجوب:من التّرسة،و الجميع:

الأجواب،و الجلد المجوّب:المجعول جوبا،و قطعك الشّيء كما يجاب الجيب،يقال:جيب مجوب و مجوّب و مجيّب.

و جبت المفازة:قطعتها،و اجتبت الظّلام و القميص.

و كلّ مجوّف قطع وسطه فهو مجوب.

و جبت القميص:قوّرت له جيبا،و جيّبته:جعلت له جيبا.

ص: 367

و الجيب:من بنات الواو؛و جابه يجيبه جيبا،بمعنى جابه يجوبه جوبا.

و الجوب:درع تلبسه المرأة،و اجتاب الرّداء:لبسه.

و رجل جوب:للخرق،أي جائب،على مثال بائر و بور.

و الجواب:رديد الكلام،أجاب يجيب،و مثل:

«أساء سمعا فأساء جابة»،و«إجابة».

و إنّه لحسن الجيبة و الجابة،أي الجواب.

و الجوائب:الجائبات من الأخبار،يقال:أ عندك جائبة خبر،أي خبر ثابت.و قيل:ما يأتي من الخبر في الجواب.(7:200)

الجوهريّ: الجواب:معروف،يقال:أجابه و أجاب عن سؤاله.و المصدر:الإجابة،و الاسم:الجابة، بمنزلة الطّاعة و الطّاقة،يقال:«أساء سمعا فأساء جابة» هكذا يتكلّم بهذا الحرف.

و الإجابة و الاستجابة بمعنى،يقال:استجاب اللّه دعاءه.[ثمّ استشهد بشعر]

و المجاوبة و التّجاوب:التّحاور،و تقول:إنّه لحسن الجيبة،بالكسر،أي الجواب.[إلى أن قال:]

و الجوبة:الفرجة في السّحاب و في الجبال،و انجابت السّحابة:انكشفت.

و الجوبة:موضع ينجاب في الحرّة،و الجمع:جوب.

و تجوب:قبيلة من حمير حلفاء لمراد،منهم ابن ملجم.[ثمّ استشهد بشعر]

و تجيب:بطن من كندة،و هو تجيب بن كندة بن ثور.

(1:104)

أبو هلال:الفرق بين الإجابة و القبول،و بين قولك:أجاب و استجاب:أنّ القبول يكون للأعمال قبل اللّه عمله،و الإجابة:الأدعية،يقال:أجاب دعاءه.

و قولك:«أجاب»معناه فعل الإجابة،و«استجاب» طلب أن يفعل الإجابة،لأنّ أصل الاستفعال لطلب الفعل،و صلح استجاب بمعنى أجاب،لأنّ المعنى فيها يؤول إلى شيء واحد؛و ذلك أنّ استجاب:طلب الإجابة بقصده إليها،و أجاب:أوقع الإجابة بفعلها.

(184)

ابن فارس: الجيم و الواو و الباء أصل واحد،و هو خرق الشّيء.يقال:جبت الأرض جوبا،فأنا جائب و جوّاب.[إلى أن قال:]

و أصل آخر،و هو مراجعة الكلام،يقال:كلّمه فأجابه جوابا،و قد تجاوبا مجاوبة.و المجابة:الجواب.

(1:491)

الهرويّ: و في حديث لقمان بن عاد،في صفة أخيه:

«جوّاب ليل سرمد»أراد أنّه يسري ليله كلّه.يقال:هو جوّاب ليل،إذا كان قطّاعا للبلاد سيرا فيها.يقال:جبت الفلاة أجوبها جوبا،إذا قطعتها.

و في الحديث:«و إنّما جيبت العرب عنّا كما جيبت الرّحى عن قطبها»يقول:خرقت العرب عنّا،فكنّا وسطا،و كانت العرب حوالينا،كما خرقت الرّحى في وسطها للقطب،و هو الّذي تدور عليه.

و في حديث الاستسقاء:«فانجاب السّحاب».قال أبو بكر:معناه:تقبّض و دخل و اجتمع،من قولك:

جبت الفلاة،أي دخلتها.و قال غيره:انجاب:انكشف

ص: 368

و انقطع.(1:416)

ابن سيده: جاب الشّيء جوبا،و اجتابه:خرقه.

و كلّ مجوّف قطعت وسطه فقد جبته.

و جاب الصّخرة جوبا:نقبها،و في التّنزيل:

وَ ثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ الفجر:9.

و رجل جوّاب:معتاد لذلك.

و جوّاب:اسم رجل،قال ابن السّكّيت:سمّي بذلك لأنّه كان لا يحفر بئرا و لا صخرة إلاّ أماهها.

و جاب النّعل جوبا:قدّها.

و المجوب:الّذي يجاب به.

و جاب المفازة و الظّلمة جوبا،و اجتابها:قطعها

و جاب البلاد جوبا:قطعها سيرا.

و جوّاب الفلاة:دليلها لقطعه إيّاها.

و انجاب عنه الظّلام:انشقّ.

و انجابت الأرض:انخرقت.

و الجوائب:الأخبار الطّارئة،لأنّها تجوب البلاد.

و هل من جائبة خبر،أي من طريفة خارقة،حكاه ثعلب بالإضافة.

و الجابة:المدرى من الظّباء حين جاب قرنها،أي قطع اللّحم و طلع.

و قيل:هي الملساء اللّيّنة القرن،فإن كان على ذلك فليس لها اشتقاق.

و جبت القميص:قوّرت جيبه،و ليس من لفظ «الجيب»لأنّه من الواو،و الجيب من الياء.و ليس ب«فيعل»لأنّه لم يلفظ به على«فيعل».و قد تقدّم أنّ في بعض نسخ المصنّف:جبت القميص،بالكسر،أي قوّرت جيبه.

و الجوب:الفروج لأنّها تقطع متّصلا.

و الجوبة:فجوة ما بين البيوت،و الجوبة:الحفرة، و الجوبة:فضاء أملس سهل بين أرضين.

و الجوب:التّرس،و الجمع:أجواب.و هو المجوب.

و الإجابة:رجع الكلام،و قد أجابه إجابة،و إجابا، و جوابا،و جابة،و استجوبه،و استجابه،و استجاب له.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الاسم:الجواب،و الجابة،و المجوبة،الأخيرة عن ابن جنّيّ.و لا تكون مصدرا،لأنّ«المفعلة»عند سيبويه ليست من أبنية المصادر،و لا تكون من باب «المفعول»لأنّ فعلها مزيد.

و في المثل:«أساء سمعا فأساء جابة»هكذا يتكلّم به،لأنّ الأمثال تحكى على موضوعاتها.و إنّه لحسن الجيبة،أي الجواب.

و ما جاء في الحديث:«أنّ رجلا قال:يا رسول اللّه أيّ اللّيل أجوب دعوة؟فقال:جوف اللّيل الغابر».

فسّره شمر،فقال:أجوب:أسرع إجابة،و هو عندي من باب أعطى لفارهة، وَ أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ الحجر:

22،و ما جاء مثله.

و هذا على المجاز،لأنّ الإجابة ليست للّيل إنّما هي للّه تعالى فيه.فمعناه،أيّ اللّيل اللّه أسرع إجابة فيه منه في غيره.

و انجابت النّاقة:مدّت عنقها للحلب،و أراه من هذا كأنّها أجابت حالبها؛على أنّا لم نجد«انفعل»من أجاب.

قال أبو سعيد:قال لي أبو عمرو ابن العلاء:اكتب لي

ص: 369

الهمز فكتبته له،فقال لي:سل عن«انجابت النّاقة» أ مهموز أم لا؟فسألت،فلم أجده مهموزا.

و تجاوب القوم:جاوب بعضهم بعضا،و استعمله بعض الشّعراء في الطّير.[ثمّ استشهد بشعر]

و استعمله بعضهم في الإبل و الخيل.[ثمّ استشهد بشعر]

و أرض مجوّبة:أصاب المطر بعضها و لم يصب بعضها.

و جابان:اسم رجل،ألفه منقلبة عن واو،كأنّه «جوبان»فقلبت الواو قلبا لغير علّة.[ثمّ استشهد بشعر](7:567)

الجوبة:ما اتّسع من الأرض و اطمأنّ،و لا يكون في جبل و لا رمل إلاّ في جلد الأرض و رحابها.

(الإفصاح 2:1049)

الطّوسيّ: و أجاب اللّه دعاءه اجابة،و أجاب فلان عن السّؤال جوابا،و أجاب الظّلام،إذا قطعه،و استجاب له استجابة،و جاوبه مجاوبة،و تجاوب تجاوبا،و انجاب السّحاب،إذا انقشع.

و أصل الباب:القطع،فإجابة السّائل:القطع بما سأل،لأنّ سؤاله على الوقف أ يكون أم لا يكون.

(2:130)

و أجاب،و استجاب بمعنى واحد،و قال قوم:

استجاب:طلب الإجابة،و أجاب:فعل الإجابة.

(3:51)

نحوه الطّبرسيّ.(1:538)

و الإجابة قد تكون من الأعلى للأدون من غير ترغيب المدعوّ،و الطّاعة لا تكون إلاّ من الأدنى للأعلى.

(5:487)

الاستجابة:طلب الإجابة بالقصد إلى فعلها،يقال:

استجاب و أجاب،بمعنى واحد.

و الفرق بين الإجابة و الطّاعة:أنّ الطّاعة موافقة للإرادة الجاذبة إلى الفعل برغبة أو رهبة،و الإجابة موافقة الدّاعي إلى الفعل من أجل أنّه دعا به.

(5:525)

مثله الطّبرسيّ.(2:146)

و قيل:الاستجابة موافقة عمل العامل ما يدعو إليه، لأجل دعائه إليه،فلمّا كان المؤمن من يوافق بعمله ما يدعو النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله من أجل دعائه،كان مستجيبا له.

و كذلك من وافق بعمله داعي عقابه،كان مستجيبا للدّاعي بالفعل.(9:161)

و الإجابة:موافقة الفعل للدّعاء إليه،بأنّه عمل من أجله،و لهذا لا تكون موافقة الكافر-و إن كان إذا دعا به -إجابة له؛إذ لم يعمل من أجل دعائه إليه،و إنّما عمل لأمر آخر.و على هذا قال بعضهم:إنّه لا يجيب اللّه دعاء الكافر،لأنّ فيه إجلالا له،كما لا يعمل شيئا،لأنّ فيه مفسدة.(9:285)

الرّاغب: الجوب:قطع الجوبة،و هي كالغائط من الأرض،ثمّ يستعمل في قطع كلّ أرض،قال تعالى:

وَ ثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ الفجر:9، و يقال:هل عندك جائبة خبر؟

و جواب الكلام هو ما يقطع الجوب فيصل من فم القائل إلى سمع المستمع،لكن خصّ بما يعود من الكلام

ص: 370

دون المبتدإ من الخطاب،قال تعالى: وَ ما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا الأعراف:82.

و الجواب:يقال في مقابلة السّؤال،و السّؤال على ضربين:طلب المقال و جوابه المقال،و طلب النّوال و جوابه النّوال؛فعلى الأوّل: أَجِيبُوا داعِيَ اللّهِ الأحقاف:31،و قال: وَ مَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللّهِ الأحقاف:32،و على الثّاني قوله: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما يونس:89،أي أعطيتما ما سألتما.

و الاستجابة،قيل:هي الإجابة،و حقيقتها هي التّحرّي للجواب و التّهيّؤ له،لكن عبّر به عن الإجابة لقلّة انفكاكها منها.[ثمّ ذكر بعض الآيات](102)

الزّمخشريّ: جاب الثّوب و اجتابه:قطعه.

و جاب القميص:قوّر جيبه،و جوّب القمص.

و جاب الصّخرة:خرقها جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ الفجر:9.

و أجابه إلى كذا و استجابه و استجاب له.[ثمّ استشهد بشعر]

و استجاب اللّه دعاءه.

و تجاوبت القمريّتان.

و«أساء سمعا فأساء جابة»أي إجابة،كالطّاعة و الطّاقة.

و من المجاز:جاب الفلاة و اجتابها،و جاب الظّلام.

[ثمّ استشهد بشعر]

و هل عندك جائبة خبر؟و هي المغلغلة الّتي جابت البلاد،و عند فلان جوائب الأخبار.[ثمّ استشهد بشعر]

و كلام فلان متناسب متجاوب،و لا يتجاوب أوّل كلامك و آخره.

و أرض سهلة إذا أصابها اليسير من الغيث:أجابت بالكثير من النّبت.[ثمّ استشهد بشعر]

(أساس البلاغة:68)

[في كلام أبي بكر مع الأنصار]:«...إنّما جيبت العرب عنّا كما جيبت الرّحى عن قطبها».

معنى جوب الرّحى عن القطب:أن يقطع عنه و يزال ما يمنع نفوذه منها،بأن يثقب الموضع،الّذي يكون فيه.

و لمّا كان موضعه وسط الرّحى شبّه بذلك مكان قريش من العرب،يعني وسطها و سرّتها.(الفائق 1:171)

«جاءه قوم حفاة عراة مجتابي النّمار...»أي مقتطعي النّمار؛و هي أكسية من صوف،واحدتها:نمرة.

(الفائق 1:243)

قال له رجل:«يا رسول اللّه:أيّ اللّيل أجوب دعوة؟قال:جوف اللّيل الغابر».«أجوب»:كأنّه في التّقدير:من جابت الدّعوة بوزن«فعلت»ك«طالت»، أي صارت مستجابة،كقولهم في«فقير و شديد»:كأنّهما من فقر و شدد؛و ليس ذلك بمستعمل.

و يجوز أن يكون من:جبت الأرض،إذا قطعتها بالسّير،على معنى أمضى دعوة،و أنفذ إلى مظانّ التّقبّل و الإجابة.(الفائق 1:245)

[في كلام لعثمان:]«جوب أب»أي جيبوا من أب واحد،يريد أنّهم أبوهم واحد،و هم أولاد علّة،أي من أمّهات شتّى.(الفائق 3:109)

ابن الأثير: في أسماء اللّه تعالى المجيب و هو الّذي

ص: 371

يقابل الدّعاء و السّؤال بالقبول و العطاء،و هو اسم فاعل من أجاب يجيب.

و في حديث الاستسقاء:«حتّى صارت المدينة مثل الجوبة»هي الحفرة المستديرة الواسعة.و كلّ منفتق بلا بناء:جوبة،أي حتّى صار الغيم و السّحاب محيطا بآفاق المدينة.

و منه الحديث الآخر:«فانجاب السّحاب عن المدينة حتّى صار كالإكليل»أي انجمع و تقبّض بعضه إلى بعض،و انكشف عنها.

و فيه«أتاه قوم مجتابي النّمار»أي لابسيها،يقال:

اجتبت القميص و الظّلام،أي دخلت فيهما.و كلّ شيء قطع وسطه فهو مجوب و مجوّب،و به سمّي جيب القميص.

و منه حديث عليّ رضي اللّه عنه:«أخذت إهابا معطونا فجوّبت وسطه و أدخلته في عنقي».

و حديث خيفان:«و أمّا هذا الحيّ من أنمار فجوب أب،و أولاد علّة»أي أنّهم جيبوا من أب واحد و قطعوا منه.

و في حديث لقمان بن عاد:«جوّاب ليل سرمد»أي يسري ليله كلّه لا ينام،يصفه بالشّجاعة،يقال:جاب البلاد سيرا،أي قطعها.

و فيه:«أنّ رجلا قال:يا رسول اللّه أيّ اللّيل أجوب دعوة؟قال:جوف اللّيل الغابر».

أجوب،أي أسرع إجابة،كما يقال:أطوع،من الطّاعة.و قياس هذا أن يكون من«جاب»لا من أجاب، لأنّ ما زاد على الفعل الثّلاثيّ لا يبنى منه:أفعل من كذا، إلاّ في أحرف جاءت شاذّة.[ثمّ نقل قول الزّمخشريّ]

و في حديث بناء الكعبة:«فسمعنا جوابا من السّماء، فإذا بطائر أعظم من النّسر».الجواب:صوت الجوب، و هو انقضاض الطّائر.

و في حديث غزوة أحد:«و أبو طلحة مجوّب على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بجحفة».أي مترّس عليه يقيه بها،و يقال للتّرس أيضا:جوبة.(1:310)

الفيّوميّ: جواب الكتاب:معروف،و جواب القول:قد يتضمّن تقريره،نحو«نعم»إذا كان جوابا لقوله:هل كان كذا؟و نحوه؛و قد يتضمّن إبطاله.

و الجمع:أجوبة و جوابات،و لا يسمّى جوابا إلاّ بعد طلب.

و أجابه إجابة و أجاب قوله و استجاب له،إذا دعاه إلى شيء فأطاع.

و أجاب اللّه دعاءه:قبله،و استجاب له كذلك.

و بمضارع الرّباعيّ مع تاء الخطاب سمّيت قبيلة من العرب«تجيب»،و النّسبة إليه على لفظه.

و جاب الأرض يجوبها جوبا:قطعها.

و انجاب السّحاب:انكشف.(1:113)

الفيروزآباديّ: الجوب:الخرق كالاجتياب، و القطع،و الدّلو العظيمة،و درع للمرأة،و التّرس كالمجوب كمنبر،و الكانون،و رجل،و موضع.

و الإجاب و الإجابة و الجابة و المجوبة و الجيبة بالكسر:الجواب.

و«أساء سمعا فأساء جابة»،لا غير.

و الجوبة:الحفرة،و المكان الوطيء في جلد،

ص: 372

و فجوة ما بين البيوت،أو فضاء أملس بين أرضين، جمعه:جوب كصرد نادر.

و أيّ اللّيل أجوب دعوة:إمّا من جبت الأرض على معنى أمضى دعوة و أنفذ إلى مظانّ الإجابة،أو من باب أعطى لفارهة وَ أَرْسَلْنَا الرِّياحَ لَواقِحَ الحجر:22.

و الجوائب:الأخبار الطّارئة.

و هل من جائبة خبر؟أي طريفة خارقة.

و جابة المدرى:لغة في جأبته بالهمز.

و انجابت النّاقة:مدّت عنقها للحلب.

و استجوبه و استجابه و استجاب له.

و تجاوبوا:جاوب بعضهم بعضا.

و الجابتان:موضعان.

و جابان:رجل،و قرية بواسط،و مخلاف باليمن.

و تجوب:قبيلة من حمير.

و اجتاب القميص:لبسه،و البئر:احتفرها.

و جبت القميص أجوبه و أجيبه و جوّبته:عملت له جيبا.

و أرض مجوّبة كمعظّمة:أصاب المطر بعضها.

و الجائب العين:الأسد.(1:51)

الطّريحيّ: و في حديث إبراهيم عليه السّلام في الأذان للحجّ:«فأجابه من كان في أصلاب الرّجال و أرحام النّساء:لبّيك اللّهمّ لبّيك»يقال:أجابه بجواب إجابة.

و جواب الكلام:رديده،و الجمع:أجوبة و جوابات.

قيل:و في الحديث إشارة لطيفة،هي أنّ إجابة من كان في الأصلاب و الأرحام:إشارة إلى ما كتب بقلم القضاء في اللّوح المحفوظ،من طاعة المطيع لهذه الدّعوة، على لسان إبراهيم عليه السّلام،و من بعده من الأنبياء.

و جاوبه:من الجواب،و المجاوبة:التّجاوب.

(2:28)

مجمع اللّغة :جابه يجوبه جوبا:قطعه.

الإجابة:الرّدّ على الكلام:أجابه إجابة،و الاسم منه:الجواب.

و أجاب اللّه السّؤال أو الدّعاء:قابله بالعطاء و القبول.

و من أسمائه تعالى:المجيب.

و الاستجابة:كالإجابة في إفادة معنى التّلبية و القبول.

دعاني فاستجبته و استجبت له.

و استجاب اللّه دعوته و استجاب له.(1:221)

محمّد إسماعيل إبراهيم:جاب الطّير:انقضّ، و جاب البلاد جوبا:قطعها،و جوّب الثّوب:عمل له جيبا،و جاب الصّخرة:قطعها و ثقبها،و جاوبه:أجاب سؤاله،بمعنى أفاده عمّا سأل.

و استجاب اللّه دعاءه و أجابه:قبله و قضى حاجته، و المجيب:من أسماء اللّه الحسنى،و معناه الملبّي للدّعاء، و استجاب له:أطاعه فيما دعاه إليه.(1:116)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الخرق و النّفوذ،و هو إمّا تأثير في المادّة أو في المعنى،فيقال:جاب الصّخرة،أي نقبها،و جاب القميص،أي خرقها،و جاب البلاد،أي قطعها سيرا، فكأنّه خرق البلاد و نفذ فيها.

و الجواب و الجابة:عبارة عن ردّ كلام،أو المقابلة بعمل يؤثّر في الطّرف،و ينفذ في قلبه،و يخرق مشكله

ص: 373

الصّعب،و يحلّ عقده.

فحقيقة معنى الجواب؛أي هذا المفهوم،و لازم أن يستعمل في هذا المورد.

و أمّا مشتقّاتها المزيدة،فيراد منها هذا المفهوم مضافا إليه معنى الهيئة و الصّيغة،فيقال:أجاب دعوته،أي جعل دعاءه نافذا و كلامه مؤثّرا و عمله منتجا و مقبولا.

و يقال:استجاب اللّه دعاءه،أي طلب تأثيره و نفوذه و أراد حصول مطلوبه.و المجاوبة استمرار من الجوب.

[إلى أن قال:]

فظهر الأصل الواحد في هذه المادّة،ثمّ استعمل:

الجواب و الإجابة و الاستجابة في الحاصل من ذلك المفهوم،و هو القبول و حصول المراد.

و أمّا لطف التّعبير بهذه المادّة دون كلمة:القبول و الحصول و غيرهما،فإنّ المادّة تدلّ على إصلاح الأمر من المبدإ،و تحقّق الجريان الطّبيعيّ بنحو ترتّب العلّة و المعلول،و هو النّفوذ و التّأثير و تحقّقهما و تقويتهما حتّى يحصل القبول،و هذا المعنى أدلّ على النّظم و أقوى في استحكام الأمر.(2:143)

النّصوص التّفسيريّة

جابوا

وَ ثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ. الفجر:9

ابن عبّاس: نقبوا الصّخر بوادي القرى.(510)

نحوه قتادة(الطّبريّ 30:178)،و ابن قتيبة (526).

فخرقوها.

(ثمود):قوم صالح،كانوا ينحتون من الجبال بيوتا.

(الطّبريّ 30:178)

مثله الزّمخشريّ.(4:250)

مجاهد :جابوا الجبال،فجعلوها بيوتا.

(الطّبريّ 30:178)

قطعوا الجبال بيوتا.(الطّوسيّ 10:343)

نحوه البيضاويّ.(2:557)

الضّحّاك: قدّوا الحجارة.(الطّبريّ 30:179)

قتادة :جابوها و نحتوها بيوتا.(الطّبريّ 30:178)

ابن زيد :ضربوا البيوت و المساكن في الصّخر في الجبال،حتّى جعلوا فيها مساكن.جابوا:جوّبوها،تجوّبوا البيوت في الجبال.[ثمّ استشهد بشعر]

(الطّبريّ 30:179)

الفرّاء: خرقوا الصّخر،فاتّخذوه بيوتا.(3:261)

أبو عبيدة :نقبوا،و يجوب الفلاة أيضا:يدخل فيها و يقطعها.(2:297)

الطّبريّ: يقول:و بثمود الّذي خرقوا الصّخر و دخلوه،فاتّخذوه بيوتا،كما قال جلّ ثناؤه: وَ كانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً آمِنِينَ الحجر:82،و العرب تقول:جاب فلان الفلاة يجوبها جوبا،إذا دخلها و قطعها.

[ثمّ استشهد بشعر](30:178)

الزّجّاج: قطعوا،كما قال عزّ و جلّ: وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً فارِهِينَ الشّعراء:149.(5:322)

مثله البغويّ(5:249)،و النّيسابوريّ(30:92)، و الخازن(7:202)،و ابن كثير(7:286).

ص: 374

الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:يعني قطعوا الصّخر و نقبوه،و نحتوه حتّى جعلوه بيوتا.[و ذكر آية الشّعراء:149،ثمّ استشهد بشعر]

الثّاني:معناه طافوا لأخذ الصّخر بالوادي.[ثمّ استشهد بشعر](6:268)

الطّوسيّ: قطعوا الصّخر من الجبال بشدّة قوّتهم، يقال:جاب يجوب،إذا قطع.[ثمّ استشهد بشعر]

(10:343)

الواحديّ: ثقبوها و قطعوها.(4:482)

مثله الطّبرسيّ(5:487)،و ابن الجوزيّ(9:117).

الميبديّ: كانوا يقطعون الصّخور بوادي القرى:

وادي الحجر من الشّام،و يتّخذون منها بيوتا.

(10:483)

ابن عطيّة: معناه:خرقوه و نحتوه،و كانوا في أوديتهم قد نحتوا بيوتهم في حجارة.(5:478)

نحوه أبو حيّان(8:469)،و الشّربينيّ(4:531)، و أبو السّعود(6:425)،و الكاشانيّ(5:325)، و المراغيّ(30:143)،و الطّباطبائيّ(20:281).

الفخر الرّازيّ: قيل:أوّل من نحت الجبال و الصّخور و الرّخام ثمود،و بنوا ألفا و سبعمائة مدينة،كلّها من الحجارة.(31:169)

القرطبيّ: قطعوا،و منه:فلان يجوب البلاد،أي يقطعها.(20:47)

نحوه السّمين(6:519)،و البروسويّ(10:425).

النّسفيّ: قطعوا صخر الجبال،و اتّخذوا فيها بيوتا.

(4:355)

نحوه شبّر(6:406)،و القاسميّ(17:6150)

الآلوسيّ: أي قطعوا صخر الجبال و اتّخذوا فيها بيوتا نحتوها من الصّخر.[و ذكر آية الشّعراء:149]

قيل:أوّل من نحت الحجارة و الصّخور و الرّخام ثمود،و بنوا ألفا و سبعمائة مدينة،كلّها بالحجارة،و لا أظنّ صحّة هذا البناء.(30:124)

سيّد قطب :و قد قطعت الصّخر و شيّدته قصورا، كما نحتت في الجبال ملاجئ و مغارات.(6:3904)

عبد الكريم الخطيب :أي قطعوه،و شقّوه كما يشقّ الجيب،و هو فتحة الثّوب الّتي يلبس منها.و معنى ذلك أنّهم نحتوا الصّخر في الوادي الّذي يسكنون فيه، و جعلوا بيوتهم منحوتة في كيان الصّخر،فكانت أشبه بحصون.(15:1552)

بنت الشّاطئ:قيل:معناه خرقوا الصّخر و نحتوه بيوتا،و قد كانت ثمود أوّل من نحت الجبال و الصّخور و الرّخام،و بنوا ألفا و سبعمائة مدينة كلّها من الحجارة،فيما نقل الفخر الرّازيّ.

و قيل:معناه قطعوا الوادي.

و قيل:بل معناه أنّهم شقّوا الصّخر و اتّخذوه واديا، يخزنون فيه الماء لمنافعهم«و لا يفعل ذلك إلاّ أهل القوّة و الفهم من الأمم».[إلى أن قال:]

و الجوب في العربيّة:القطع،و من الاستعمالات الحسّيّة فيه:الجوب:درع يقطع للمرأة،و الجوبة:

الحفرة،و فجوة بين البيوت،أو بين أرضين،و منه جاب الوادي،بمعنى قطعه و عبره،و جوّاب آفاق.

و من القطع جاء:النّفاذ و الحسم،فاستعمل في

ص: 375

الجواب عن السّؤال،و قد ذهب«الرّاغب»إلى أنّه جاء:

«من قطع الفجوة بين فم المجيب إلى إذن السّامع».

و الأولى أن يكون قطعا مجازيّا،لما فيه من مظنّة النّفاذ إلى السّامع و حسم ما يسأل عنه.

و في القرآن الكريم جاءت المادّة في«الجواب»أربع عشرة مرّة،و بمعنى«الاستجابة»ثماني و عشرين مرّة.

و لم تأت في«الجوب»إلاّ في آية الفجر.

و لا نرى حملها على غير معناها الأصيل من القطع و النّفاذ،دلالة على ما أتيح لثمود من قوّة و منعة؛إذ قطعوا الصّخر بالوادي.(2:142،146)

أجيب

وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ... البقرة:186

الفرّاء: أسمع.

مثله ابن القاسم.(ابن الجوزيّ 1:189)

ابن الأنباريّ: (اجيب)هاهنا بمعنى أسمع،لأنّه أخبر عن قربه،و ظاهر القرب يدلّ على السّماع،لا على الإجابة.و الإجابة:قد تكون في بعض المواضع بمعنى السّماع،لأنّها تترتّب على السّماع،فسمّي السّماع إجابة، كما تقول:دعوت من لا يجيب،أي من لا يسمع.[ثمّ استشهد بشعر](الواحديّ 1:285)

الماورديّ: فيه تأويلان:

أحدهما:معناه أسمع دعوة الدّاعي إذا دعاني،فعبّر عن السّماع بالإجابة،لأنّ السّماع مقدّمة الإجابة.

و الثّاني:أنّه أراد إجابة الدّاعي إلى ما سأل.

(1:242)

ابن عطيّة: أي فإنّي قريب بالإجابة و القدرة.

و قال قوم:المعنى أجيب إن شئت،و قال قوم:إنّ اللّه تعالى يجيب كلّ الدّعاء:فإمّا أن تظهر الإجابة في الدّنيا، و إمّا أن يكفّر عنه،و إمّا أن يدّخر له أجر في الآخرة.

(1:256)

القرطبيّ: الإجابة بمعنى القبول.(2:313)

البيضاويّ: أُجِيبُ تقرير للقرب و وعد للدّاعي بالإجابة.(1:102)

النّسفيّ: إجابة الدّعاء:وعد صدق من اللّه لا خلف فيه،غير أنّ إجابة الدّعوة تخالف قضاء الحاجة.

فإجابة الدّعوة أن يقول العبد:يا ربّ،فيقول اللّه:لبّيك عبدي،و هذا أمر موعود موجود لكلّ مؤمن.

و قضاء الحاجة:إعطاء المراد و ذا قد يكون ناجزا، و قد يكون بعد مدّة،و قد يكون في الآخرة،و قد تكون الخيرة له في غيره.(1:95)

النّيسابوريّ: أُجِيبُ دليل على أنّ السّؤال عن الصّفة،لأنّ الإجابة بعد السّماع.(2:115)

الخازن :أي أسمع دعاء عبدي الدّاعي إذا دعاني.

[إلى أن قال:]

و سمّي قبوله إجابة،لتجانس اللّفظ.(1:135)

أبو حيّان :(اجيب)إمّا صفة لقريب أو خبر بعد خبر،و روعي الضّمير في(فانّى)فلذلك جاء(اجيب) و لم يراع الخبر فيجيء«يجيب»على طريقة الإسناد للغائب.[إلى أن قال:]

فبيّن بقوله:(اجيب)أنّ ذلك القرب هو الإجابة

ص: 376

و القدرة.و ظاهر قوله: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ عموم الدّعوات؛إذ لا يريد دعوة واحدة.(2:46)

السّمين:في أُجِيبُ وجهان:

أحدهما:أنّها جملة في محلّ رفع صفة ل قَرِيبٌ.

و الثّاني:أنّها خبر ثان ل(انّى)لأنّ قَرِيبٌ خبر أوّل.

و لا بدّ من إضمار قول بعد فاء الجزاء،تقديره:فقل لهم:إنّي قريب،و إنّما احتجنا إلى هذا التّقدير،لأنّ المترتّب على الشّرط الإخبار بالقرب.و جاء قوله:

أُجِيبُ مراعاة للضّمير السّابق على الخبر،و لم يراع الخبر،فيقال:«يجيب»بالغيبة،مراعاة لقوله:(قريب) لأنّ الأشهر من طريقتي العرب هو الأوّل،كقوله تعالى:

بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تَجْهَلُونَ النّمل:55.(1:471)

النّهاونديّ: أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ و أعطي ما سأله السّائل.(1:138)

استجاب

فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ... آل عمران:195

أبو عبيدة :أي أجابهم،و تقول العرب:

استجبتك،في معنى استجبت لك.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:112)

نحوه الزّمخشريّ(1:489)،و القرطبيّ(4:318)، و النّسفيّ(1:202)،و النّيسابوريّ(4:154).

الطّبريّ: فأجاب هؤلاء الدّاعين بما وصف اللّه عنهم أنّهم دعوا به ربّهم،بأنّي لا أضيع عمل عامل منكم عمل خيرا،ذكرا كان العامل أو أنثى.(4:215)

مثله الزّجّاج(1:500)،و نحوه الطّوسيّ(3:88)، و الطّبرسيّ(1:559)،و ابن الجوزيّ(1:530)، و الخازن(1:393).

ابن عطيّة: استفعل بمعنى أجاب،فليس استفعل على بابه من طلب الشّيء.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:557)

البيضاويّ: (فاستجاب...)إلى طلبتهم،و هو أخصّ من«أجاب»،و يعدّى بنفسه و باللاّم.(1:199)

نحوه أبو حيّان(3:143)،و السّمين(2:287)، و الشّربينيّ(1:276)،و أبو السّعود(2:86)،و شبّر (1:415)،و النّهاونديّ(1:295).

الآلوسيّ: الاستجابة:الإجابة،و نقل عن الفرّاء أنّ«الإجابة»تطلق على الجواب و لو بالرّدّ، و الاستجابة:الجواب بحصول المراد،لأنّ زيادة السّين تدلّ عليه؛إذ هو لطلب الجواب،و المطلوب ما يوافق المراد لا ما يخالفه،و تتعدّى باللاّم و هو الشّائع،و قد تتعدّى بنفسها،كما في قوله:

وداع دعا يا من يجيب إلى النّدا

فلم يستجبه عند ذاك مجيب

و هذا كما قال الشّهاب،و غيره:في التّعدية إلى الدّاعي،و أمّا إلى الدّعاء فشائع بدون اللاّم،مثل:

استجاب اللّه تعالى دعاءه،و لهذا قيل:إنّ هذا البيت على حذف مضاف،أي لم يستجب دعاءه،و الفاء للعطف.

(4:167)

رشيد رضا :(فاستجاب...)عطف استجابته لهم بفاء السّببيّة،فدلّ على أنّ ما ذكر من شأنهم هو الّذي

ص: 377

أهّلهم لقبول دعائهم.(4:305)

المراغيّ: إنّ الاستجابة يصحّ أن تكون بغير ما طلب،فقد سألوه غفران الذّنوب و تكفير السّيّئات و الوفاة مع الأبرار،فأجابهم بأنّ كلّ عامل سيوفّى جزاء عمله.و في ذلك تنبيه إلى أنّ العبرة في النّجاة من العذاب و الفوز بحسن الثّواب،إنّما تكون بإحسان العمل و الإخلاص فيه.(4:165)

استجابوا

اَلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ... آل عمران:172

ابن عبّاس: أجابوا للّه بالطّاعة.(60)

الطّبريّ: المستجيبين للّه و الرّسول.(4:176)

الواحديّ: أي أجابوهما.(1:521)

نحوه البغويّ(1:541)،و ابن الجوزيّ(1:503).

الزّمخشريّ: اَلَّذِينَ اسْتَجابُوا مبتدأ خبره (لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا) أو صفة ل(المؤمنين)أو نصب على المدح.(1:480)

الطّبرسيّ: أي أطاعوا اللّه في أوامره،و أطاعوا رسوله.(1:541)

مثله الخازن(1:379)،و البروسويّ(2:126)، و الآلوسيّ(4:124)،و المراغيّ(4:130)،و النّهاونديّ (1:284).

الفخر الرّازيّ: استجاب،بمعنى أجاب،و منه قوله: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي. و قيل:أجاب:فعل الإجابة و استجاب:طلب أن يفعل الإجابة،لأنّ الأصل في الاستفعال:طلب الفعل،و المعنى أجابوا و أطاعوا اللّه في أوامره،و أطاعوا الرّسول من بعد ما أصابهم الجراحات القويّة.(9:98)

القرطبيّ: بمعنى أجابوا،و السّين و التّاء زائدتان.

[ثمّ استشهد بشعر](4:277)

الطّباطبائيّ: الاستجابة و الإجابة بمعنى واحد- كما قيل-و هي أن تسأل شيئا،فتجاب بالقبول.(4:

63)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ... الأنفال:24.

يستجيب

إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَ الْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ. الأنعام:36

ابن عبّاس: يؤمن و يطيع.(108)

الماورديّ: الاستجابة هي القبول،و الفرق بينها و بين الجواب:أنّ الجواب قد يكون قبولا و غير قبول.

(2:109)

الطّبرسيّ: [نقل كلام الرّمّانيّ ثمّ قال:]

و قيل:إنّ أجاب و استجاب بمعنى.(2:295)

نحوه الفخر الرّازيّ(12:209)،و أبو حيّان(4:

117).

أبو السّعود :الاستجابة:الإجابة المقارنة للقبول.

(2:378)

البروسويّ: أي يقبل دعوتك إلى الإيمان.(3:26)

الآلوسيّ: و الاستجابة بمعنى الإجابة،و كثيرا

ص: 378

ما أجرى«استفعل»مجرى«أفعل»كاستخلص بمعنى أخلص،و استوقد بمعنى أوقد،إلى غير ذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و منهم من فرّق بين استجاب و أجاب،بأنّ استجاب يدلّ على قبول.(7:141)

رشيد رضا :يقال:أجاب الدّعوة،إذا أتى ما دعي إليه من قول أو عمل،و أجاب الدّاعي،إذا لبّاه و قام بما دعاه إليه؛و يقال:استجاب له،و هو في القرآن كثير، و استجاب دعاءه،و كذا استجابه.[ثمّ استشهد بشعر، و نقل قول الرّاغب و أضاف:]

و هذا من دقائق تحديده للمعاني رحمه اللّه تعالى، و لكنّه لم يحط به.

و حقيقة الجواب و الإجابة-كما يؤخذ من قوله- قطع الصّوت أو الشّخص الجوب أو الجوبة-و هي المسافة بين البيوت أو الحفرة-و وصوله إلى الدّاعي،أي وصول ما سأله إليه بالفعل.

و أمّا الاستجابة فهي التّهيّؤ للجواب أو للإجابة،أي المستلزم للشّروع و المضيّ فيها عند الإمكان و غايته الإجابة التّامّة عند عدم المانع،فالسّين و التّاء على معناهما.

و من دقّق النّظر في استعمال الصّيغتين في القرآن الحكيم يظهر له أنّ أفعال الإجابة كلّها قد ذكرت في المواضع المفيدة لحصول السّؤل كلّه بالفعل حقيقة أو ادّعاء،دفعة واحدة.و منه الإجابة بالقول مثل:نعم و لبّيك و لك ذلك.

و أنّ الاستجابة قد ذكرت في المواضع المفيدة لحصول السّؤل بالقوّة أو التّهيّؤ و الاستعداد له،و منه قوله تعالى: اَلَّذِينَ اسْتَجابُوا... فهو قد نزل في تهيّؤ المؤمنين للقتال في حمراء الأسد بعد أحد،أو بالفعل التّدريجيّ،كاستجابة دعوة الدّين الّتي تبدأ بالقبول و الشّهادتين،ثمّ تكون سائر الأعمال بالتّدريج، و شواهده كثيرة.

و الاستجابة من اللّه القادر على كلّ شيء إنّما يعبّر بها في الأمور الّتي تقع في المستقبل،و يكون الشّأن فيها أن تقع بالتّدريج كاستجابة الدّعاء بالوقاية من النّار، و بالمغفرة و تكفير السّيّئات،و إيتاء ما وعد به المؤمنين في الآخرة،قال تعالى بعد حكاية هذا الدّعاء بذلك عن أولي الألباب: فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ آل عمران:195،و كاستجابته للمؤمنين في بدر بإمدادهم بالملائكة تثبّتهم،كما في سورة الأنفال.

(9-12)و من ذلك استجابته لأيّوب و ذي النّون و زكريّا عليهم السّلام كما في سورة الأنبياء(82-89)كلّ ذلك ممّا يقع بالتّدريج في الاستقبال.

و أمّا قوله تعالى لموسى و هارون حين دعوا على فرعون و ملئه: قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما يونس:89، فهو تبشير لهما بأنّه تعالى قد قبلها بالفعل،و هذا من الإجابة القوليّة،جاءت بصيغة الماضي للإيذان بتحقّق مضمونها في المستقبل،حتّى كأنّها أجيبت و انتهى أمرها.

و هذا المعنى تؤدّيه مادّة«الإجابة»دون مادّة الاستجابة.و لو ذكرت هذه المسألة بصيغة الحكاية لعبّر عن إعطائهما ما سألا بلفظ الاستجابة،كما قال في شأن كلّ من أيّوب و ذي النّون و زكريّا: فَاسْتَجَبْنا لَهُ.

ص: 379

فيا للّه العجب من هذه الدّقّة و البلاغة في هذا الكلام الإلهيّ المعجز للبشر حتّى في وضع مفرداته في مواضعها،دع بلاغة أساليبه و جمله،و علومه و حكمه، و ما فيه من أخبار الغيب،و غير ذلك من الآيات البيّنات.هذا تحقيق معنى«الاستجابة».

و قيل:إنّ الفرق بين الإجابة و الاستجابة هو أنّ الاستجابة تدلّ على القبول،و لا يعرف له أصل منقول و لا معقول.(7:383)

نحوه المراغيّ.(7:114)

يستجيبوا

وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي... البقرة:186

مجاهد :فليطيعوا لي،الاستجابة:الطّاعة.نحوه ابن المبارك.(الطّبريّ 2:160)

أبو رجاء الخراسانيّ: فليدعوني.

(الطّبريّ 2:160)

الفرّاء: يقال:إنّها التّلبية.(1:114)

أبو عبيدة :فليستجيبوا،أي يجيبوني.[ثمّ استشهد بشعر](1:67)

الاستجابة بمعنى الإجابة،يقال:استجبت له،بمعنى أجبته.(الماورديّ 1:142)

المبرّد: معناه فليذعنوا للحقّ بطلب موافقه، ما أمرتهم به و نهيتهم عنه.

مثله السّرّاج.(الطّبرسيّ 1:278)

[نقل كلام أبي عبيدة و قال:]

هذا لا يجوز،لأنّ في الاستجابة معنى الإذعان، و ليس ذلك في الإجابة.(الطّوسيّ 2:128)

ثعلب :الاستجابة:طلب الموافقة للإجابة.

(الماورديّ 1:242)

الطّبريّ: فليستجيبوا لي بالطّاعة،يقال منه:

استجبت له و استجبته،بمعنى أجبته.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:159)

الزّجّاج: أي فليجيبوني.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:255)

الطّوسيّ: [له كلام سيأتي في الدّعاء](2:128)

الواحديّ: أي فليجيبوني بالطّاعة و تصديق الرّسل،و أجاب و استجاب بمعنى واحد،و إجابة العبد للّه:الطّاعة.(1:284)

البغويّ: قيل:الاستجابة بمعنى الإجابة،أي فليجيبوا إليّ بالطّاعة،و الإجابة في اللّغة:الطّاعة و إعطاء ما سأل،فالإجابة من اللّه تعالى:العطاء،و من العبد:

الطّاعة،و قيل: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي أي ليستدعوا منّي الإجابة،و حقيقته فليطيعوني.(1:226)

الزّمخشريّ: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي إذا دعوتهم للإيمان و الطّاعة،كما أنّي أجيبهم إذا دعوني لحوائجهم.(1:337)

مثله البيضاويّ(1:102)،و النّسفيّ(1:95)، و أبو السّعود(1:243)،و الكاشانيّ(1:204)، و القاسميّ(3:449)،و شبّر(1:189).

ابن عطيّة: المعنى فليطلبوا أن أجيبهم،و هذا هو باب«استفعل»أي طلب الشّيء،إلاّ ما شذّ،مثل:

ص: 380

استغنى اللّه.(1:256)

الطّبرسيّ: [سيأتي كلامه في الدّعاء](1:278)

الفخر الرّازيّ: قال أهل المعنى:الإجابة من العبد للّه:الطّاعة،و إجابة اللّه لعبده:إعطاؤه إيّاه مطلوبه،لأنّ إجابة كلّ شيء على وفق ما يليق به.

إجابة العبد للّه إن كانت إجابة بالقلب و اللّسان، فذاك هو الإيمان،و على هذا التّقدير يكون قوله:

فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي تكرارا محضا.و إن كانت إجابة العبد للّه عبارة عن الطّاعات كان الإيمان مقدّما على الطّاعات،و كان حقّ النّظم أن يقول:فليؤمنوا بي و ليستجيبوا لي.فلم جاء على العكس منه؟

و جوابه:أنّ الاستقامة عبارة عن الانقياد و الاستسلام،و الإيمان عبارة عن صفة القلب،و هذا يدلّ على أنّ العبد لا يصل إلى نور الإيمان و قوّته إلاّ بتقدّم الطّاعات و العبادات.(5:111)

العكبريّ: بمعنى فليجيبوا،كما تقول:قرّ و استقرّ بمعنى،و قالوا:استجابة بمعنى جابة.(1:153)

النّيسابوريّ: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي أجاب و استجاب بمعنى،يقال:أجاب و استجاب له،أي فليمتثلوا أمري إذا دعوتهم إلى الإيمان و الطّاعة...

و حاصل الكلام:أنا أجيب دعاءكم مع أنّي غنيّ عنكم على الإطلاق،فكونوا أنتم مجيبين دعوتي مع افتقاركم إليّ من جميع الوجوه.

و فيه نكتة،و هي أنّه تعالى لم يقل:أجب دعائي حتّى أجيب دعاءك،لئلاّ يصير المذنب محروما عن هذا الإكرام،بل قال:أنا أجيب دعاءك على جميع أحوالك، فكن أنت أيضا مجيبا لدعائي.و هذا يدلّ على أنّ نعمه تعالى شاملة،و رحمته كاملة تعمّ المطيعين و المذنبين، و الكاملين و النّاقصين.(2:120)

الخازن : فَلْيَسْتَجِيبُوا يعني إذا دعوتهم إلى الإيمان و الطّاعة،كما أنّي أجبتهم إذا دعوني لحوائجهم.

و الإجابة في اللّغة:الطّاعة،فالإجابة من العبد:الطّاعة، و من اللّه:الإثابة و العطاء.(1:135)

أبو حيّان :أي فليطلبوا إجابتي لهم إذا دعوني،قاله ثعلب.فيكون«استفعل»قد جاءت بمعنى الطّلب كاستغفر و هو الكثير فيها،أو فليجيبوا لي إذا دعوتهم إلى الإيمان و الطّاعة كما أنّي أجيبهم إذا دعوني لحوائجهم، قاله مجاهد و أبو عبيدة و غيرهما.و يكون«استفعل»فيه بمعنى«أفعل»و هو كثير في القرآن.(2:47)

السّمين:[نحو أبي حيّان و أضاف:]

و إذا كان«استفعل»بمعنى«أفعل»فقد جاء متعدّيا بنفسه و بحرف الجرّ،إلاّ أنّه لم يرد في القرآن إلاّ معدّى بحرف الجرّ،نحو: فَاسْتَجَبْنا لَهُ الأنبياء:84، فَاسْتَجابَ لَهُمْ آل عمران:195.[و ذكر شعرا]

و في(فليستجيبوا)اللاّم لام الأمر،و فرّق الرّمّانيّ بين أجاب و استجاب:بأنّ«استجاب»لا يكون إلاّ فيما فيه قبول لما دعي إليه،نحو: فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ. و أمّا«أجاب»فأعمّ،لأنّه قد يجيب بالمخالفة،فجعل بينهما عموما و خصوصا.

(1:472)

رشيد رضا :[نقل كلام الرّاغب ثمّ قال:]

الأقرب إلى الفهم قلب ما قاله الرّاغب و عكسه،و هو

ص: 381

أنّ الاستجابة هي الإجابة بعناية و استعداد،فتكون زيادة السّين و التّاء للمبالغة،و هو يقرب ممّا قالوه في معانيهما من التّكلّف و التّحرّي و الطّلب أو هو بعينه،إلاّ أنّه لا يعبّر به فيما يسند إلى اللّه تعالى،كقوله: فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ.

و المعنى و إذا كنت قريبا منهم مجيبا لدعوة من دعاني منهم،فليستجيبوا هم لي بتحرّي ما أمرتهم من الإيمان، و الأعمال النّافعة لهم كالصّيام و غيره ممّا أدعوهم إليه، كما أجيب دعوتهم بقبول عبادتهم،و تولّي إعانتهم.

(2:172)

نحوه المراغيّ.(2:76)

النّهاونديّ: فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي و ليبادروا إلى إجابة دعائي إلى الإيمان و الأعمال الصّالحة،فكأنّه تعالى قال:أنا مع غنائي عنكم أجيب دعاءكم،فأنتم مع نهاية حاجتكم إليّ في جميع أموركم أحقّ و أولى بإجابة دعائي،ثمّ بيّن استجابتهم الواجب بقوله: وَ لْيُؤْمِنُوا بِي. (1:138)

تستجيبون

يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ. الإسراء:52

[راجع«د ع و»و كذلك بقيّة النّصوص]

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الجوبة،و هي المكان المنقطع من الأرض،القليل الشّجر،مثل الغائط المستدير،ثمّ استعمل في قطع كلّ أرض،كما قال الرّاغب،يقال:

انجابت الأرض،أي انخرقت.و الجوبة:الفرجة في الجبال و في السّحاب،يقال:انجابت السّحابة،أي انكشفت،و الجمع:جوبات و جوب.

و أرض مجوّبة:أصاب المطر بعضها و لم يصب بعضا.

و الجوب:برد يشقّ فيلبس بلا كمّين و لا جيب،و هو البقير و البقيرة أيضا.

و جاب الصّخرة جوبا و اجتابها:نقبها و خرقها، و جاب النّعل جوبا:قدّها،و المجوب:الّذي يجاب به، و هي حديدة يجاب بها،أي يقطع،و انجاب الشّيء انجيابا:انشقّ و انكشف.

و اجتاب الرّجل:احتفر،و جوّاب:اسم رجل من بني كلاب.قال ابن السّكّيت:سمّي جوّابا لأنّه كان لا يحفر بئرا و لا صخرة إلاّ أماهها،أي أخرج الماء منها.

و اجتاب ثوبا:لبسه،و كذا جيّبه و جوّبه،لأنّه منقطع،و كلّ شيء قطع وسطه فهو مجيوب و مجوب و مجوّب.و جبت القميص أجوبه و أجيبه:قوّرت جيبه، و جيب مجوب و مجوّب.

و جاب المفازة و البلاد يجوبها جوبا و أجابها و اجتابها:قطعها،و فلان جوّاب الفلاة:دليلها،و رجل جوّاب و جآب:قطّاع للبلاد،سيّار فيها،يجوب البلاد و يكسب المال.و الجوائب:الأخبار الطّارئة،لأنّها تجوب البلاد،يقال:هل جاءكم من جائبة خبر؟أي من طريفة خارقة،أو خبر يجوب الأرض من بلد إلى بلد.و جاب الظّلمة جوبا و اجتابها:قطعها،و انجاب عنه الظّلام:

انشقّ.

ص: 382

و الجواب:رديد الكلام،لأنّه-كما قال الرّاغب- يقطع الجوب،فيصل من فم القائل إلى سمع المستمع.

يقال:أجابه عن سؤاله إجابة و إجابا و جوابا و جابة، و قد استجوبه و استجاب له.يقال:استجاب اللّه دعاءه و أجابه،فهو المجيب،لأنّه تعالى يقابل الدّعاء السّؤال بالعطاء و القبول و المجاوبة و التّجاوب:التّحاور،يقال:

تجاوب القوم،أي جاوب بعضهم بعضا.و انجابت النّاقة:

مدّت عنقها للحلب،كأنّها أجابت حالبها.

2-و الجبّ و الجوب و الجيب ألفاظ اقتربت أصولها و اتّفقت معانيها،فهي جميعا تفيد القطع،فالجبّ-كما في «ج ب ب»-بئر قد قطعت و طويت،و منه:الجبّة، و هي ضرب من مقطّعات الثّياب تلبس.و جبت القميص:قوّرت جيبه و خرقته،كما تقدّم آنفا في هذه المادّة،و جبت القميص:قوّرت جيبه أيضا.كما سيأتي في «ج ي ب».

و يبدو أنّ مادّة«ج ب ب»هي منشأ هذه المعاني و مردّها،و يلحظ ذلك بصورة أوضح في سائر اللّغات السّاميّة،و لا تظهر«الواو»في هذه الموادّ إلاّ في لفظ «جوبا»أي الحفرة و الجبّ في السّريانيّة و الآراميّة، و في«جوبيتا»،أي الحفرة في السّريانيّة.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الفعل المجرّد مرّة،و المصدر 4 مرّات، و الفعل المضارع من باب الإفعال معلوما و مجهولا 7 مرّات،و من باب الاستفعال كذلك 29 مرّة،و اسم الفاعل من البابين مرّتين،في 42 آية:

جابوا

1- أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعادٍ* إِرَمَ ذاتِ الْعِمادِ* اَلَّتِي لَمْ يُخْلَقْ مِثْلُها فِي الْبِلادِ* وَ ثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ الفجر:6-9

جواب

2- وَ ما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوهُمْ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ الأعراف:82

3- فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا أَخْرِجُوا آلَ لُوطٍ مِنْ قَرْيَتِكُمْ إِنَّهُمْ أُناسٌ يَتَطَهَّرُونَ النّمل:56

4- فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ العنكبوت:29

5- فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ إِلاّ أَنْ قالُوا اقْتُلُوهُ أَوْ حَرِّقُوهُ فَأَنْجاهُ اللّهُ مِنَ النّارِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ العنكبوت:24

الإجابة من اللّه

6- وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ... البقرة:186

7- أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ وَ يَكْشِفُ السُّوءَ وَ يَجْعَلُكُمْ خُلَفاءَ الْأَرْضِ أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ

النّمل:62

8- قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما فَاسْتَقِيما وَ لا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ يونس:89

9- هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ اسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ

هود:61

10- وَ لَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ

ص: 383

اَلْمُجِيبُونَ الصّافّات:75

الإجابة من الجنّ و النّاس

11 و 12- يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللّهِ وَ آمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَ يُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ* وَ مَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللّهِ فَلَيْسَ بِمُعْجِزٍ فِي الْأَرْضِ وَ لَيْسَ لَهُ مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءُ أُولئِكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ الأحقاف:31،32

13- وَ يَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ

القصص:65

14-: يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ المائدة:109

15- وَ أَنْذِرِ النّاسَ يَوْمَ يَأْتِيهِمُ الْعَذابُ فَيَقُولُ الَّذِينَ ظَلَمُوا رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَ نَتَّبِعِ الرُّسُلَ... إبراهيم:44

الاستجابة من اللّه

16- وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ

المؤمن:60

17- وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ... وَ يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَ الْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ الشّورى:25،26

18- رَبَّنا وَ آتِنا ما وَعَدْتَنا... فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى...

آل عمران:194،195

19- وَ نُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَ أَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ الأنبياء:76

20- فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ يوسف:34

21- فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ ذِكْرى لِلْعابِدِينَ

الأنبياء:84

22- فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ الأنبياء:88

23- فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ وَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَ أَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً وَ كانُوا لَنا خاشِعِينَ الأنبياء:90

24- إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ الأنفال:9

الاستجابة من النّاس

25- ...فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ البقرة:186

26- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ وَ اعْلَمُوا أَنَّ اللّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَ قَلْبِهِ وَ أَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ الأنفال:24

27- اِسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ لا مَرَدَّ لَهُ مِنَ اللّهِ ما لَكُمْ مِنْ مَلْجَإٍ يَوْمَئِذٍ وَ ما لَكُمْ مِنْ نَكِيرٍ

الشّورى:47

28- إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَ الْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ ثُمَّ إِلَيْهِ يُرْجَعُونَ الأنعام:36

29- وَ الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ

الشّورى:38

30- اَلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ

ص: 384

ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا مِنْهُمْ وَ اتَّقَوْا أَجْرٌ عَظِيمٌ

آل عمران:172

31- لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَ الَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ الرّعد:18

32- فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّما أُنْزِلَ بِعِلْمِ اللّهِ وَ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ فَهَلْ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ

هود:14

33- فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّما يَتَّبِعُونَ أَهْواءَهُمْ وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنِ اتَّبَعَ هَواهُ بِغَيْرِ هُدىً مِنَ اللّهِ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ القصص:50

34- وَ الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ عَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ الشّورى:16

الاستجابة للّه يوم القيامة

35- يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ وَ تَظُنُّونَ إِنْ لَبِثْتُمْ إِلاّ قَلِيلاً الإسراء:52

الاستجابة للشّيطان

36- وَ قالَ الشَّيْطانُ لَمّا قُضِيَ الْأَمْرُ... وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ... إبراهيم:22

عدم استجابة الأصنام

37- إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ عِبادٌ أَمْثالُكُمْ فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ

الأعراف:194

38- لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلاّ كَباسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْماءِ لِيَبْلُغَ فاهُ وَ ما هُوَ بِبالِغِهِ وَ ما دُعاءُ الْكافِرِينَ إِلاّ فِي ضَلالٍ

الرّعد:14

39- ...وَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ* إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَ لَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يَكْفُرُونَ بِشِرْكِكُمْ وَ لا يُنَبِّئُكَ مِثْلُ خَبِيرٍ فاطر:13،14

40- وَ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ وَ هُمْ عَنْ دُعائِهِمْ غافِلُونَ الأحقاف:5

41- وَ يَوْمَ يَقُولُ نادُوا شُرَكائِيَ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً

الكهف:52

42- وَ قِيلَ ادْعُوا شُرَكاءَكُمْ فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَ رَأَوُا الْعَذابَ لَوْ أَنَّهُمْ كانُوا يَهْتَدُونَ

القصص:64

و يلاحظ أوّلا:أنّها جاءت بمعنيين:القطع و الإجابة فلها محوران:

المحور الأوّل:القطع،(1) وَ ثَمُودَ الَّذِينَ جابُوا الصَّخْرَ بِالْوادِ قالوا:نقبوا الصّخر بوادي القرى- و هي في الشّام-خرقوها،كانوا ينحتون من الجبال بيوتا،جابوا الجبال فجعلوها بيوتا،قطعوا الجبال بيوتا، قدّوا الحجارة،جابوها و نحتوها بيوتا،ضربوا البيوت و المساكن في الصّخر في الجبال،نقبوا،و يجوب الفلاة

ص: 385

أيضا:يدخل فيها و يقطعها،خرقوا الصّخر و دخلوه، طافوا لأخذ الصّخر بالوادي،قطعوا الصّخر من الجبال بشدّة قوّتهم،ثقبوها و قطعوها،قطعوا صخر الجبال و اتّخذوا فيها بيوتا،قطعوه و شقّوه كما يشقّ الجيب، قطعوا الوادي،شقّوا الصّخر و اتّخذوه واديا،يخزنون فيه الماء،و نحوها،و فيها بحوث:

1-صدرها دلّ على أنّها حكاية حال«ثمود»و قد جاءت فيهم وَ تَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً الأعراف:74، وَ تَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً الشّعراء:149، وَ كانُوا يَنْحِتُونَ مِنَ الْجِبالِ بُيُوتاً الحجر:82،و بها فسّروا هذه الآية،و لا بأس بها إلاّ أنّها بيان للمراد،أو لازم المعنى،و ليس كلّها تفسيرا للّفظ كما يأتي.

2-تفسير اللّفظ إنّما هو:قطعوا الصّخر-من الجبال الواقعة-بالوادي،و ليس فيها ذكر البيوت،و لا دخولها و سكناها و لا الطّواف لأخذ الصّخر،و لا شقّها كشقّ الجيب،و غيرها ممّا جاء في التّفاسير.

3-هذه الآيات الأربع في قصّة«ثمود»كلّها مكّيّة ككثير غيرها من القصص عبرة لصناديد قريش المستكبرين،و كانت أرضهم جبليّة كأرض«ثمود» لاحظ«ن ح ت،ج ب ل،ب ي ت».

المحور الثّاني:الجواب و الإجابة و الاستجابة ثلاثة ألفاظ ترجع إلى معنى واحد،مع تفاوت فيها حسب صيغها:

الأوّل:الجواب،و فيه بحوث:

1-الجواب اسم مصدر بمعنى الإجابة،و القياس كونه مصدرا للتّفعيل،لكنّه جاء بمعنى القطع دون الإجابة،يقال:«جوّب الشّيء:قطعه»سمّي به لأنّ جواب السّؤال يقطع الكلام،أو هو اسم من الإجابة رأسا،دون التّجويف على خلاف القياس.

2-جاء(جواب)4 مرّات(2-5)بسياق واحد (و ما كان-أو فما كان-جواب قومه الاّ ان قالوا...) ثلاثة منها(2-4)في قوم لوط ردّا له عليه السّلام،و واحدة(5) في قوم إبراهيم عليه السّلام،و جواب القومين لنبيّهم متقارب، لتشابه نفوسهم و قلوبهم،فهو إمّا تهديد بالإخراج من قريتهم(2 و 3)،أو بالقتل و الحرق(5)،و إمّا استهزاء و إنكار(4) قالُوا ائْتِنا بِعَذابِ اللّهِ إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ.

3-الآيات كلّها مكّيّة ككثير من قصص الأنبياء عليهم السّلام،و إن قيل:إنّ(العنكبوت)كلّها أو بعض آياتها مدنيّة-لاحظ المدخل فصل مكّيّ السّور و مدنيّها-و هذا يصلح شاهدا على كونها مكّيّة.

4-جاء فيها جميعا فَما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ بالفاء إلاّ في(2)ففيها وَ ما كانَ جَوابَ قَوْمِهِ فهل فيه سرّ؟

و الجواب أنّ ذلك تفنّن في الكلام،و مثله كثير في القرآن،على أنّ«الواو»دلّت على أنّ«الفاء»في غيرها للتّفريع،لا للتّرتيب باتّصال،بل لمطلق التّرتيب و الجمع.

5-الآيات كلّها جدال بين لوط و إبراهيم،من جانب دلّت على الهدى و الرّشاد من قبلهما و بين قومهما من جانب آخر دلّت على الضّلال و الإنكار،و هذا هو دأب المبطلين المستكبرين مع الدّعاة الهادين إلى يوم القيامة.

ص: 386

الثّاني:الإجابة:و فيها 10 آيات(6-15)و هي قسمان متساويان عددا:فخمس منها إجابة من اللّه لأدعية عباده،و خمس منها إجابة من النّاس لدعوة الرّسل.

أمّا الخمس الأولى(6-10)ففي كلّ منها بحوث:

ففي(6): وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي...

1-جاء السّؤال و الدّعاء معا من قبل النّاس:(اذا سالك)و دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ فصدرها سؤال و ذيلها دعاء،و لكنّ المسئول:النّبيّ،و المدعوّ:اللّه،و قد أكّد الدّعاء ثلاث مرّات:فعلا و مصدرا و اسم فاعل، لأنّه المطلوب بالذّات.

2-لسانها صدرا و ذيلا،و في إفراد الضّمائر لسان عاطفيّ: سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي، فَإِنِّي قَرِيبٌ، أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ. فلم يقل:«سألك النّاس» و لا«عبادنا دعانا»و لا«إنّا قريبون»و لا«نجيب»، و لا«دعوتهم»،و لا«إذا دعونا»و هذا لسان الدّعاء و الإجابة بين العبد و ربّه في القرآن،فأكثرها بلفظ«دعا ربّه».

3-(عبادى)بلفظ الجمع يشعر بأنّه ينبغي أن يكون الدّعاء في جماعة معترفين بأنّهم عباد للّه تعالى.

4-جاء فيها و في(9)توصيف اللّه ب(قريب)ترغيبا في الدّعاء و تأكيدا على الإجابة للاستماع،و رفضا للبعد المكانيّ الّذي ربّما يخطر ببال الدّاعي.

و في(7) أَمَّنْ يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ...:

1-وصف الدّاعي ب(المضطرّ)إشعارا بأنّ (الاضطرار)حقيق بالدّعاء و الإجابة،و أنّ دعاء المضطرّ هو الدّعاء حقّا فهو مثل(عبادى)في(6)،و بالجمع بينهما،أي بالعبوديّة و الاضطرار تكمل حالة الدّعاء.

2-سياق الآية بلفظ الاستفهام(امّن يجيب)؟ للاعتراف بالتّوحيد و الإخلاص في الدّعاء،و أنّ حصر الإجابة في اللّه هو من جملة الأدلّة على وجود اللّه،و على دوام العلقة و الاتّصال بينه و بين عباده في كلّ الأحوال.

و أنّه يكشف السّوء عنهم و يجعلهم خلفاء الأرض،أي بيده الضّرّ و النّفع لا غيره،فإذا كان كذلك فلا إله غيره، فلا عبادة إلاّ له،كما قال في ذيلها: أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ قَلِيلاً ما تَذَكَّرُونَ.

3-جمع فيها أيضا بين الإجابة و الدّعاء يُجِيبُ الْمُضْطَرَّ إِذا دَعاهُ تأكيدا للملازمة بينهما.

و في(8): قالَ قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما:

1-جمع بين الإجابة و الدّعاء أيضا،تسجيلا لتلازمهما.

2-عقّب الإجابة تفريعا عليها بالأمر بالاستقامة، و النّهي عن اتّباع الجاهلين: فَاسْتَقِيما وَ لا تَتَّبِعانِّ سَبِيلَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ كأنّهما شرط للاستجابة،أو شكر لها و وفاء بما يلزمهما.

3-و فيها إشعار بأنّ نجاح الأنبياء و الدّعاة إلى اللّه في مهمّتهم موقوف على المقاومة في سبيل الدّعوة إيجابا و سلبا،بالاستقامة عليها،و دفع ما ينافيها.

4-فيها نهي عن اتّباع سبيلهم دون اتّباعهم،إشعارا بأنّ سبيلهم محذور أينما وجد،و لو في غيرهم،و أنّه لا يخصّهم.

5-توصيفهم ب اَلَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ تنبيه على

ص: 387

العلّة،و هي الجهالة،لاحظ«ج ه ل».

6-جاء الفعل فيها مجهولا قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما دون (قَدْ أُجِيبَتْ دَعْوَتُكُما) لأنّ دعوتكما كانت اعتراضا على اللّه و شكاية منه،و دعاء على فرعون و أتباعه بالهلاك و الضّلال و العذاب: وَ قالَ مُوسى رَبَّنا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَ مَلَأَهُ زِينَةً وَ أَمْوالاً فِي الْحَياةِ الدُّنْيا رَبَّنا لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلى أَمْوالِهِمْ وَ اشْدُدْ عَلى قُلُوبِهِمْ فَلا يُؤْمِنُوا حَتّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ يونس:88،فأجيب به تعريضا بهما،و أنّه لا ينبغي أن يدعو عليهم بالهلاك و الخسران،بدل الفلاح و الإيمان.

أو إعراضا عن التّصريح بإجابة ما سألاه من العذاب و الخسران،ممّا لا يليق برحمة اللّه و كرامته،لكنّه صرّح به فيما بعدها جزاء لبغيهم و عدوا لهم: وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً حَتّى إِذا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ... يونس:90.

أو إشعارا بأنّ إجابته أمر سهل عليه بسيط، لا يحتاج إلى مئونة.

و في(9 و 10) (قَرِيبٌ مُجِيبٌ) و (فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ) :

1-جاءت الإجابة اسما فاعلا:(مجيب:المجيبون) بسياقين:

ففي(9)بلسان عاطفيّ جاء مجيب مفردا منكّرا إِنَّ رَبِّي قَرِيبٌ مُجِيبٌ تعليلا و تعقيبا لذكر نعمتي خلقهم من الأرض و استعمارهم فيها،و وظيفتي واجبي الاستغفار و التّوبة شكرا لهما هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَ اسْتَعْمَرَكُمْ فِيها فَاسْتَغْفِرُوهُ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ فسياقهما سياق(6 و 9).

و في(10):1-جاء التّعبير عن اللّه جمعا مرّتين:

(نا)(المجيبون): وَ لَقَدْ نادانا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ تعظيما له،و أنّه يجيبهم عن موضع الاقتدار و العظمة.

2-جاء(المجيبون)جمعا معرّفا باللاّم إشعارا بأنّه معروف بهذه المنزلة.

3-(نادينا)بدل«دعانا»جهرا بصوته و تعظيما للّه، إشعارا باضطرار نوح و اقتدار اللّه على إجابته،كما قال:

فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ.

4-قدّم في الإجابة:نجاة نوح و أهله و إبقاء ذرّيّته و جزائه جزاء المحسنين: وَ نَجَّيْناهُ وَ أَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ -إلى - إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُؤْمِنِينَ منّة عليه و رحمة و إكراما له.

5-ثمّ عقّبها: ثُمَّ أَغْرَقْنَا الْآخَرِينَ إهانة لقومه بنفس السّياق،منفصلا عن فَلَنِعْمَ الْمُجِيبُونَ فقدّم الرّحمة اتّصالا بالإجابة،و أخّر العذاب انفصالا عنها، فرقا بين الثّواب و العذاب،و الإكرام و العتاب.

6-حذف المفعول فيهما تعميما و تعمية،ليذهب ذهن السّامع إلى كلّ مذهب ممكن،و تكريما للّه بأنّ شأنه أجلّ و أعلى من أن يحدّ إحسانه و كرمه،و أنّ إجابته صفة ثابتة و دائمة له.

و أمّا الخمس الثّانية-و كلّها إجابة من النّاس لدعوة الرّسل إيجابا و سلبا-ففيها بحوث أيضا:

1-جاء في(11 و 12) أَجِيبُوا داعِيَ اللّهِ و وَ مَنْ لا يُجِبْ داعِيَ اللّهِ الأمر بإجابة داعي اللّه و هو نبيّنا عليه السّلام،و جزاء الإجابة و هو غفران الذّنوب و الأمان من عذاب أليم،ثمّ تأكيده بأنّ من لا يجب داعي اللّه فلن يعجز اللّه و ليس له وليّ غيره،و أنّهم في ضلال

ص: 388

مبين.و هو خبر في معنى النّهي.و قد قلنا مرارا:إنّ الجمع بين الأمر بشيء و النّهي عن ضدّه يكشف عن الاهتمام به،مثل: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَ الْإِحْسانِ... وَ يَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَ الْمُنْكَرِ وَ الْبَغْيِ النّحل:90.

2-كرّر فيهما كلّ من الإجابة و(داعى اللّه)مرّتين وصفا له عليه السّلام،مضافا إلى اللّه إضافة تخصيص تأكيدا أنّه جاء من قبل اللّه داعيا عباده إليه،كما قال: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِنّا أَرْسَلْناكَ شاهِداً وَ مُبَشِّراً وَ نَذِيراً* وَ داعِياً إِلَى اللّهِ بِإِذْنِهِ وَ سِراجاً مُنِيراً الأحزاب:45،46.

3-الآيتان في دعوة الجنّ لقومهم إلى قبول دعوة النّبيّ و كتابه،و الاهتداء به إلى الحقّ و صراط مستقيم فقبلهما: قالُوا يا قَوْمَنا إِنّا سَمِعْنا كِتاباً أُنْزِلَ مِنْ بَعْدِ مُوسى مُصَدِّقاً لِما بَيْنَ يَدَيْهِ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ وَ إِلى طَرِيقٍ مُسْتَقِيمٍ الأحقاف:30،و يستظهر منها أنّهم كانوا يهودا على دين موسى،و لم تصلهم دعوة عيسى عليهما السّلام، أو وصلتهم و لم يؤمنوا بها.

4-و جاء في(13 و 14)السّؤال يوم القيامة عن إجابة النّاس للرّسل في الدّنيا،بتفاوت بينهما من جهتين:

ألف:في(13)نداء من اللّه للنّاس: وَ يَوْمَ يُنادِيهِمْ فَيَقُولُ ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ؟ و لم يجيبوا لأنّ ما بعدها: فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنْباءُ يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لا يَتَساءَلُونَ و في(14)سؤال منه عن الرّسل فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ.

فجاء في الأولى خطابه للنّاس بلفظ(يناديهم) و النّداء صوت عال للبعيد إشعارا بأنّهم بعيدون عنه موقفا،و لهذا لم يجيبوا النّداء خجلا أو صمّا.

أمّا في الثّانية فجاء بدل النّداء(يقول)لأنّ الرّسل قريبون منه تعالى فلا حاجة إلى النّداء،فسمعوا السّؤال و أجابوا بأنّه لا علم لهم،لأنّهم بعد موتهم خفي عليهم موقف قومهم من الإيمان بهم و الطّاعة لهم،أو الكفر بهم و العصيان لهم.

ب:جاءت الإجابة في(13)فعلا معلوما واضحا فاعلا و مفعولا ما ذا أَجَبْتُمُ الْمُرْسَلِينَ، و في(14) فعلا مجهولا مبهما ما ذا أَجَبْتُمُ مناسقة للجهة الأولى.

و جاء في(15)قول الظّالمين يوم يأتيهم العذاب في الدّنيا: رَبَّنا أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَ نَتَّبِعِ الرُّسُلَ. و فيها بحوث أيضا:

1-إنّهم ظلموا أنفسهم برفض دعوة الرّسل، و ظلموا الدّعوة نفسها،و الرّسل أنفسهم،فإنّ اَلَّذِينَ ظَلَمُوا يشمل الجميع.

2-و هذا دأب الكفّار المستكبرين جميعا، فلا يؤمنون حتّى إذا جاءهم العذاب ندموا و آمنوا،أو طلبوا المهلة ليؤمنوا،كما قال: إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ* وَ لَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ* فَلَوْ لا كانَتْ قَرْيَةٌ آمَنَتْ فَنَفَعَها إِيمانُها إِلاّ قَوْمَ يُونُسَ لَمّا آمَنُوا كَشَفْنا عَنْهُمْ عَذابَ الْخِزْيِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ مَتَّعْناهُمْ إِلى حِينٍ يونس:96-98، و وَ لَوْ أَنَّ لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ ما فِي الْأَرْضِ لاَفْتَدَتْ بِهِ وَ أَسَرُّوا النَّدامَةَ لَمّا رَأَوُا الْعَذابَ يونس:54،فصيغة الجمع في هذه لِكُلِّ نَفْسٍ ظَلَمَتْ، و في(15) اَلَّذِينَ ظَلَمُوا دلّت على تعميم هذه الخصلة بين الأمم،كما أنّها تعليق فيهما على الوصف ب«الظّلم»بيانا

ص: 389

للعلّة.

3-سياق السّؤال بجميع كلماته يحكي عن كمال الخضوع و الأدب للّه و الالتجاء إليه تعالى:(ربّنا) أَخِّرْنا إِلى أَجَلٍ قَرِيبٍ نُجِبْ دَعْوَتَكَ وَ نَتَّبِعِ الرُّسُلَ فنادوا اللّه تعظيما له و خضوعا من تلقاء أنفسهم، و طلبوا منه تأخيرهم إلى أجل قريب تحقيرا لطلبهم و وعدا بجبرانهم لما فاتهم،و إقرارا بتقصيرهم،و اتّباعهم للرّسل إكمال لإجابتهم،لأنّ مجرّد الإيمان و الإجابة لا يغنيان شيئا ما لم يليهما العمل.

4-و مع هذا السّؤال الخاضع و الوعد البالغ بالإجابة و الاتّباع،فقد آيسهم اللّه بلسان قاطع بذكر مساوئهم في عدّة آيات: أَ وَ لَمْ تَكُونُوا أَقْسَمْتُمْ -إلى - ذُو انتِقامٍ إبراهيم:44-47،احتجاجا عليهم بأنّهم مع هذه المساوئ لا يليقون بالإجابة.

الثّالث:الاستجابة(16-42)و هي خمسة أقسام:

القسم الأوّل:الاستجابة من اللّه 9 مرّات(16- 24)و هي ثلاثة أصناف:

الصّنف الأوّل:استجابة منه لعباده المؤمنين عموما في(16-18)بسياقين:

فسياق(16 و 17)-و هما مكّيّتان-عاطفيّ مناسب لوقتها،و هو بدء الدّعوة،فهي دعوة إلى الدّعاء و التّوبة، و وعد بالاستجابة،و قبول التّوبة و العفو و مزيد الفضل.

فقال في(16)-و هي من سورة المؤمن-: وَ قالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ داخِرِينَ ابتداء ب(ربّكم) و انتهاء ب(لكم)ثمّ ختمها بإنذار المستكبرين عن عبادته بدخول جهنّم داخرين،فصدرها ترغيب و ذيلها ترهيب،مزيدا فيها التّرهيب على التّرغيب لغلبة الشّرك يوم ذاك و قلّة المؤمنين.

و قال في(17)و هي من سورة الشّورى المتأخّرة نزولا عن المؤمن-تعريفا للّه تعالى: وَ هُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبادِهِ وَ يَعْفُوا عَنِ السَّيِّئاتِ وَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ* وَ يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَ الْكافِرُونَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ فجمع فيهما بين موجبات الفلاح،و هي ما ذكر مضافا إلى «الإيمان و عمل الصّالحات»و بين«علم اللّه بما يفعلون» و«تشديد عذاب الكافرين»،فصدرها ترغيب و ذيلها ترهيب أيضا لكن زاد التّرغيب فيها أضعافا على التّرهيب رجاء لنجاح الدّعوة و ازدياد المؤمنين يوما و يوما حين ذاك.

أمّا سياق(18)-و هي مدنيّة من سورة آل عمران (190-195)-فإخبار جازم بالفلاح-عقيب عدّة أدعية لأولى الألباب الموصوفين ب اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِياماً وَ قُعُوداً وَ عَلى جُنُوبِهِمْ وَ يَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ رَبَّنا ما خَلَقْتَ هذا باطِلاً سُبْحانَكَ فَقِنا عَذابَ النّارِ حيث قال تفريعا بفاء الاتّصال:

فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ ثمّ ذكر جهادهم و هجرتهم و ما تحمّلوا من الأذى في سبيل اللّه إلى أن قال:

لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ.

ص: 390

فالفرق بينها و بين الآيتين(16 و 17)أنّهما وعد، و هذه إنجاز للوعد،مزيدة عليهما بعدّة أدعية قبلها منهم تحكي إيمانهم بأركان الدّعوة من التّوحيد و النّبوّة و المعاد، و بعدّة أعمال منهم تحكي جهادهم و جهودهم و إخلاصهم،و بعدّة مثوبات فازوا بها.

الصّنف الثّاني:خاصّ بنبيّ من الأنبياء دعووا اللّه فاستجاب لهم و هي خمس،و كلّها مكّيّ،أربع في سورة الأنبياء،و واحدة في يوسف:

أوّلهم:نوح عليه السّلام؛حيث قال خلال قصص الأنبياء (19): وَ نُوحاً إِذْ نادى مِنْ قَبْلُ فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَنَجَّيْناهُ وَ أَهْلَهُ مِنَ الْكَرْبِ الْعَظِيمِ* وَ نَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ.

و جاء دعاؤه في سورة نوح(26-28): وَ قالَ نُوحٌ رَبِّ لا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكافِرِينَ دَيّاراً* إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبادَكَ وَ لا يَلِدُوا إِلاّ فاجِراً كَفّاراً* رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ لِوالِدَيَّ وَ لِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِناً وَ لِلْمُؤْمِنِينَ وَ الْمُؤْمِناتِ وَ لا تَزِدِ الظّالِمِينَ إِلاّ تَباراً. و سياق الدّعاء التماس و اضطرار،و سياق الاستجابة التّعظيم و التّشديد دون العطف و اللّطف.و لهذا جاءت الضّمائر فيها جمعا،لأنّ اللّه استجاب له نجاة له،و عذابا لقومه، من موضع القدرة و السّلطان دون العطف و الامتنان،لأنّ قومه كانوا من أهل الطّغيان.

ثانيهم:يوسف عليه السّلام(20)ابتلي بنساء مصر،و بما كنّ تمنّين منه،فاستعصم ملتجئا إلى اللّه: قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَ إِلاّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَ أَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ* فَاسْتَجابَ لَهُ رَبُّهُ فَصَرَفَ عَنْهُ كَيْدَهُنَّ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ.

و سياقها دعاء و استجابة بين العبد و الرّبّ،مع الخضوع منه و اللّطف من اللّه،مع أنّ موضوعها الاعتصام من العصيان دون العذاب و الخذلان.و الآية صريحة في أنّ حبّ يوسف عمّ النّسوة كلّهنّ،و لم يكن خاصّا بامرأة العزيز.

ثالثهم:أيّوب عليه السّلام:(21) وَ أَيُّوبَ إِذْ نادى رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ* فَاسْتَجَبْنا لَهُ فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ وَ آتَيْناهُ أَهْلَهُ وَ مِثْلَهُمْ مَعَهُمْ رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا وَ ذِكْرى لِلْعابِدِينَ و فيها بحوث:

1-(نادى)بدل«دعا»دالّ على نهاية اضطراره و عجزه،و كمال فاقته و فقره،فكلّما اشتدّ البلاء بالعبد اشتدّ صوته جهرا.

2-(ربّه)بدل«اللّه»إشعار باعترافه بأنّ اللّه ربّاه، فهو قادر على دفع البلاء عنه.

3-ذكر حاجته و بلاءه: أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ و لم يستدع رفعه صريحا بل اكتفى بوصف اللّه وَ أَنْتَ أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ حياء منه و تكريما للّه.

4-هذا دعاء لحاجته و ليس دعاء على قومه، كدعاء(نوح)عليه السّلام،فاقتضى السّياق اللّطف و العطف من الدّاعي و المستجيب،دون الشّدّة و الخشونة.

5-جاء عنصر الرّحمة في الدّعاء مرّتين أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ، و في الاستجابة مرّة رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنا و كلّها وصف للّه بأبلغ وجه ف (أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ) تفضيل لرحمته على رحمة كلّ راحم، رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ اعتراف بذلك تماما حيث قال:(من عنده)و هذا التّعبير

ص: 391

دالّ على التّمام و الكمال في كلّ موضع مثل: وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ آل عمران:169-لاحظ عند-ف رَحْمَةً مِنْ عِنْدِهِ قائم مقام أَرْحَمُ الرّاحِمِينَ في تكرار عنصر الرّحمة بأبلغ بيان بغير لفظها.

6-كرّرت الضّمائر الرّاجعة إلى أيّوب أربع مرّات مفردة،و الرّاجعة إلى اللّه أربع مرّات أيضا جمعا،فرقا بين العبد و الرّبّ و الدّاعي و المستجيب،فقد عرض أيّوب حاجته من موضع الضّعف و الفقر،و استجابه ربّه من موضع القدرة و الغنى.

7-جاء(ضرّ)مبهما من دون بيانه في الدّعاء و الاستجابة كليهما،إشعارا بأنّه أدرك الحاجة تماما و رفعها تماما،تطابقا بين الدّعاء و الاستجابة،مع فرق بينهما:

ففي الدّعاء مَسَّنِيَ الضُّرُّ بلام العهد إشعارا بعلم اللّه به،فلا حاجة إلى بيانه،و تأدّبا تجاه اللّه،و في الاستجابة فَكَشَفْنا ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ أي كشفنا كلّ ما به من ضرّ،فعمّ الضّرّ،أبهمه كما أبهمه أيّوب،تأدّبا معه جزاء لتأدّبه تجاه اللّه،فقد تبودل الأدب فيها بين العبد و الرّبّ.

و في الدّعاء(مسّنى)و في الإجابة ما بِهِ مِنْ ضُرٍّ من دون ذكر الفاعل للضّرّ فيهما،و هذا أدب متقابل بين العبد و الرّبّ أيضا.

8-و لكنّه زاد في الاستجابة بكشف الضّرّ،و الإتيان بأهله و مثله معهم ذاكرا للفاعل بضمير الجمع(نا)ثلاث مرّات،تلبية و إجابة للدّعاء بأحسن الوجوه و تقديرا للعبد بالتجائه إليه توحيدا و إخلاصا له،و أضاف وَ ذِكْرى لِلْعابِدِينَ أي لا تختصّ فائدتها به،بل فيها هداية و ذكرى لغيره من العابدين.و هذا مزيد في تكريم العبد بتعميم دعائه و إجابته للعابدين جميعا،و رمز إلى أنّ التجائه إلى اللّه عبادة له،و أنّه من العابدين أيضا.

[لاحظ«أيّوب»]

رابعهم:ذو النّون(22): وَ ذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغاضِباً فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنادى فِي الظُّلُماتِ أَنْ لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ سُبْحانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظّالِمِينَ* فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ، و فيها بحوث أيضا:

1-(ذا النّون)هو يونس عليه السّلام،و(النّون):الحوت، أي صاحب الحوت بعث إلى أهل نينوى فدعاهم فلم يؤمنوا،فسأل اللّه أن يعذّبهم،و خرج مغاضبا لهم من دون أن يستأذن اللّه،و ظنّ أنّه لن يضيق عليه و لن يعاقبه،فابتلي بالحوت فاعترف بتقصيره،و أنّه من الظّالمين فالتجأ إلى اللّه في ظلمات ثلاث:بطن الحوت، و البحر،و اللّيل مسبّحا له تعالى،فاستجاب له،و نجّاه من الغمّ.[لاحظ«يونس»]

2-(نادى)بدل«دعا»يحكي شدّة ابتلائه حتّى جهر بصوته في الدّعاء.

ج-نداؤه مقرون بالاعتراف بتقصيره و بتوحيد اللّه و تسبيحه،رجاء للإجابة.

3-دعاؤه كان من موضع الضّعف،فكرّر الضّمير الرّاجع إليه مفردا 7 مرّات و الرّاجع إلى اللّه 6 مرّات:

مفردا مرّتين في دعائه اعترافا بتوحيده لا إِلهَ إِلاّ أَنْتَ

ص: 392

سُبْحانَكَ، و جمعا 4 مرّات في الاستجابة تكبيرا للّه، و أنّه استجاب له من موضع القدرة (فَاسْتَجَبْنا لَهُ) (وَ نَجَّيْناهُ مِنَ الْغَمِّ وَ كَذلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ).

4-أكرمه اللّه فضلا عن دعائه بالاستجابة، و التّنجية من الغمّ،و أنّه من جملة المؤمنين الّذين نجّاهم مثله.

خامسهم:زكريّا(23) وَ زَكَرِيّا إِذْ نادى رَبَّهُ رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ* فَاسْتَجَبْنا لَهُ وَ وَهَبْنا لَهُ يَحْيى وَ أَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ إِنَّهُمْ كانُوا يُسارِعُونَ فِي الْخَيْراتِ وَ يَدْعُونَنا رَغَباً وَ رَهَباً وَ كانُوا لَنا خاشِعِينَ و فيها بحوث:

1-(نادى)رفع للصّوت لشدّة الاضطرار-كما سبق -إلاّ أنّه قال في سورة مريم(3): إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا إشعارا بأنّ شدّة اضطراره اقتضى النّداء،و لكنّ الموقف،و هو أنّه شيخ كبير يسأل الولد،لئلاّ يستهزئ به النّاس-كما قيل-اقتضى إخفاء النّداء في نفسه، فاضطراره اقتضى النّداء و موقفه اقتضى الخفاء.

2-كرّر(ربّه)مرّتين بدل«اللّه»تحقيرا لنفسه و تعظيما للّه،و جلبا لرحمته إليه الآن بعد أن ربّاه برحمته من قبل.

3-كرّر الضّمير الرّاجع إليه مفردا في الدّعاء 4 مرّات،و في الاستجابة 4 مرّات أيضا تطابقا بينهما، و الرّاجع إلى اللّه في الدّعاء 3 مرّات،اعترافا بتوحيده، و في الإجابة 5 مرّات تعظيما له،فثمانية ضمائر للعبد و ثمانية للرّبّ،تسجيلا لتطابق الإجابة و الدّعاء و تكريما لزكريّا.

4-زكريّا سأل اللّه الولد كناية لا صراحة،تأدّبا و اتّكالا على علمه بحاله،في جملتين: رَبِّ لا تَذَرْنِي فَرْداً وَ أَنْتَ خَيْرُ الْوارِثِينَ فذكر في الأولى:أنّه فرد لا وارث له إذا مات،و في الثّانية:أنّ الّذي لا يموت و يرث كلّ أحد هو اللّه تعالى،و فيهما من اللّطف و الأدب و الاختصار في الكلام ما لا يوصف.

5-هذا تلخيص لقصّة زكريّا بعد تفصيلها في سورة مريم 2-5،فلم يذكر السّبب-و هو عقر زوجته-تأدّبا أمام اللّه،و لكنّ اللّه أشار إليه عند الاستجابة: وَ أَصْلَحْنا لَهُ زَوْجَهُ، كما بشّره بأنّ ما سيولد له منها ذكر اسمه يحيى،و هذا مكرمة لها كما قال: يا زَكَرِيّا إِنّا نُبَشِّرُكَ بِغُلامٍ اسْمُهُ يَحْيى لَمْ نَجْعَلْ لَهُ مِنْ قَبْلُ سَمِيًّا مريم:7.

و بذلك تمّت استجابة اللّه لأنبيائه،بألوان من اللّطف و العطف.

الصّنف الثّالث:آية واحدة مدنيّة(24) إِذْ تَسْتَغِيثُونَ رَبَّكُمْ فَاسْتَجابَ لَكُمْ أَنِّي مُمِدُّكُمْ بِأَلْفٍ مِنَ الْمَلائِكَةِ مُرْدِفِينَ و فيها بحوث:

1-أنّها نزلت بشأن المجاهدين في غزوة بدر الكبرى و قد أبلوا فيها-و هي أوّل حضورهم في ساحة القتال- بلاء حسنا صعبا إذ كانوا قليلين غير مجهّزين بسلاح، و أعداؤهم كثيرون و مجهّزون،و قد استحقّوا بذلك شرف«البدريّين»على غيرهم من المؤمنين.

2-عبّر عن شدّة ابتلائهم ب(تستغيثون)، و الاستغاثة:طلب الغوث عند الحاجة الشّديدة بلغت نهايتها،[لاحظ«غ و ث:الاستغاثة»]

3-(ربّكم)بدل(اللّه)تقريب لهم إلى اللّه و إدامة

ص: 393

لنعمته عليهم بالرّبوبيّة.

4-هذا دعاء لانتصارهم على أعدائهم،تقوية للدّعوة الإسلاميّة الّتي بدأت بدورها الجديد بعد الهجرة، فيستدعي التّضحية من قبل المؤمنين في سبيلها،و ليست دعاء لحاجة شخصيّة كدعاء يوسف و أيّوب و يونس و زكريّا،و لا دعاء لهلاك عدوّهم كدعاء نوح على قومه، و بذلك نالت الدّرجة الأولى من الفضل و الكرامة عند اللّه تعالى.

5-كرّرت الضّمائر الرّاجعة إليهم 4 مرّات:واحدة (تستغيثون)و ثلاثة(كم)كما عبّر عن«اللّه»4 مرّات أيضا:واحدة(ربّكم)و ثلاثة ضمائر:(فاستجاب)(انّى ممدّكم)تطابقا بين الاستجابة و الدّعاء تكريما لهم،مع أنّ تكرار(كم)يعطيهم شخصيّة كريمة في خطاب ربّهم إيّاهم.

إلى هنا تمّ البحث في القسم الأوّل من آيات الاستجابة.

القسم الثّاني:الاستجابة من النّاس للّه إيجابا و سلبا:

أمّا الإيجاب:ففيه سبع آيات،و كلّها أمر أو ترغيب من اللّه إلى الاستجابة له:أربع مكّيّة و ثلاث مدنيّة.أمّا المكّيّات:

فأولاها حسب ترتيب النّزول(28)آية الأنعام إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَ الْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ و هي قد حصرت استجابة النّاس في الّذين يسمعون آيات اللّه،و غيرهم بمنزلة الموتى.

و ثانيها و ثالثها(27،29)آيتان من سورة الشّورى و كلاهما ترغيب إلى الاستجابة اِسْتَجِيبُوا لِرَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَ يَوْمٌ... و وَ الَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمْ وَ أَقامُوا الصَّلاةَ وَ أَمْرُهُمْ شُورى بَيْنَهُمْ وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ، فالأولى أمر بالاستجابة قبل يوم البعث، و الثّانية وصف للّذين يستجاب لهم بإقامة الصّلاة و إيتاء الزّكاة،و أمرهم شورى بينهم.

رابعها(31)في الرّعد-لو كانت مكّيّة[لاحظ المدخل]- لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَ الَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ... و فيها جزاء الّذين يستجيبون،و عقاب الّذين لم يستجيبوا،فجمع بين الإيجاب و السّلب.

و أمّا المدنيّات فاثنتان منها(25 و 26):

آية البقرة فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَ لْيُؤْمِنُوا بِي، و آية الأنفال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلّهِ وَ لِلرَّسُولِ إِذا دَعاكُمْ لِما يُحْيِيكُمْ... و كلاهما أمر بالاستجابة إمّا للّه،أو للّه و للرّسول.

و ثالثها(30)آية آل عمران اَلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِلّهِ وَ الرَّسُولِ مِنْ بَعْدِ ما أَصابَهُمُ الْقَرْحُ... و هي وعد بأجر عظيم للّذين أحسنوا و اتّقوا و استجابوا للّه و للرّسول بعد ما أصابهم القرح،و هي في معنى الأمر أيضا.

و الفرق بين هذه الآيات أنّه جاءت في (27 و 29 و 31)الاستجابة للرّبّ(ربّكم)أو ربّهم)و في (26 و 30)الاستجابة للّه و للرّسول،و في(35) الاستجابة لي،و لكلّ منها مناسبة و تناسق للسّياق.

و أمّا السّلب:ففيه خمس آيات،ثلاث منها صريح:(31) وَ الَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ و(32) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ و(33) فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ و فيها

ص: 394

فرقان:

ألف-جاء في(33) لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ أي لربّهم، لأنّ قبلها لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ، و في(32) فَإِلَّمْ يَسْتَجِيبُوا لَكُمْ أي في الإتيان بمثل القرآن فقبلها وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ... و في(33) لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ أي في الإتيان بكتاب أهدى من التّوراة و القرآن،فقبلها قُلْ فَأْتُوا بِكِتابٍ مِنْ عِنْدِ اللّهِ هُوَ أَهْدى مِنْهُما.

ب-جواب ترك الاستجابة في كلّ منها يناسبها من العذاب أو إثبات الحقّ،فلاحظ.

و اثنتان منها كنائيّ:(28) إِنَّما يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَ الْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ و(34) وَ الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ فإنّ وَ الْمَوْتى يَبْعَثُهُمُ اللّهُ و وَ الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللّهِ سلب للاستجابة عن قوم كناية بعد إثباتها لقوم صريحا قبله في الأولى و بعده في الثّانية،فإنّ(ما استجيب له)أي للّه أو للرّسول اعتراف باستجابة قوم لأحدهما.[لاحظ «ح ج ج:يحاجّون»]

القسم الثّالث:الاستجابة للّه في الآخرة ذمّا(35) يَوْمَ يَدْعُوكُمْ فَتَسْتَجِيبُونَ بِحَمْدِهِ و هذه استجابة من النّاس للّه يوم القيامة حامدين له تعالى خوفا و طمعا، و لا تنفعهم لأنّهم لم يستجيبوا له في الدّنيا و أنكروا البعث، فقبلها فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا... وَ يَقُولُونَ مَتى هُوَ الإسراء:51.

القسم الرّابع:الاستجابة للشّيطان ذمّا(36) وَ ما كانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطانٍ إِلاّ أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلا تَلُومُونِي وَ لُومُوا أَنْفُسَكُمْ... جاءت في حجاج بين الشّيطان و الكفّار يوم القيامة.

القسم الخامس:عدم استجابة الأصنام للمشركين في الدّنيا و الآخرة:

أمّا في الدّنيا فأربع آيات:(37-40)بتفاوت بينها سياقا:

ألف-نفيها عنها كناية مرّة بالأمر لهم بدعائها ليستجيبوا لهم،توبيخا و تقريعا(37) فَادْعُوهُمْ فَلْيَسْتَجِيبُوا لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ.

ب-نفي الاستجابة عنها صريحا ثلاث مرّات:(38) وَ الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ و(39) إِنْ تَدْعُوهُمْ لا يَسْمَعُوا دُعاءَكُمْ وَ لَوْ سَمِعُوا مَا اسْتَجابُوا لَكُمْ، و(40) يَدْعُوا مِنْ دُونِ اللّهِ مَنْ لا يَسْتَجِيبُ لَهُ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ.

و أمّا في الآخرة فمرّتين:(41) فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَ جَعَلْنا بَيْنَهُمْ مَوْبِقاً و(42) فَدَعَوْهُمْ فَلَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُمْ وَ رَأَوُا الْعَذابَ.

و قد جاء فيها التّعبير عن الأصنام كأنّها ذوات عقل بألفاظ(الّذين)و(هم)و ضمائر أخرى حسب مزاعم المشركين فيها،تسجيلا أنّها باطلة و أنّ الأصنام لا تسمع و لا تجيب.[لاحظ«د ع و،و ص ن م:الأصنام»]

ثانيا:الفرق بين الجواب و الإجابة و الاستجابة في الآيات:أنّ الجواب جاء ردّا من كلّ قوم لقول نبيّهم لهم إنذارا و تحذيرا من قبائح أعمالهم،أو مفاسد عقائدهم و هذا قريب من المعنى اللّغويّ و هو القطع فكأنّهم قطعوا كلام أنبيائهم بالرّدّ عليهم.

ص: 395

و الإجابة في خمس منها(6-10)إجابة من اللّه لأدعية عباده بصيغة الفعل،أو الوصف الخاصّ به تعالى، و في خمسة(11-15)إجابة من النّاس لدعوة اللّه إيّاهم و قد تكلّمنا فيها.

و أمّا الاستجابة فقيل:إنّها بمعنى الإجابة،و فرّق بينهما أبو هلال بأنّ(أجاب)فعل الإجابة و(استجاب) طلب أن يفعل الإجابة،لأنّ أصل الاستفعال لطلب الفعل.و هذا صحيح لغة،لكنّه لا يجري في الاستجابة من قبل اللّه:(16-24)فإنّه لا يطلب الإجابة من غيره بل يستظهر منها أنّه تعالى يستقبل عباده بإجابتهم،كأنّه يجيبهم عن رضى و سرور و قصد،كما قال الطّوسيّ:

«و الاستجابة في الآية:القصد إلى فعلها».

أمّا في استجابة النّاس(25-34)إيجابا و سلبا فيصحّ فيها الطّلب بمعنى الجهد للإجابة دون طلبها من غيرهم،أي إنّهم يسعون بكلّ جهدهم للإجابة أو لعدمها.و هكذا الاستجابة للشّيطان،أو استجابة الأصنام،أي أنّها بكلّ جهدها-لو كان لها جهد- لا تجيبكم.

فظهر أنّ الاستجابة من اللّه و من غيره فيها تأكيد و اهتمام بالإجابة،بتفاوت بينهما.

ثالثا:جاء الجواب و الإجابة و الاستجابة فيها غالبا عقيب فاء التّرتيب و التّفريع باتّصال لما قبلها من القول أو الدّعاء،إشعارا بالاستعجال في الجواب مدحا أو ذمّا، فلاحظ.

ص: 396

ج و د

اشارة

لفظان،مرّتان،في سورتين مكّيّتين

الجياد 1:1 الجوديّ 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :جاد الشّيء يجود جودة فهو جيّد،و جاد الفرس يجود جودة فهو جواد،و جاد الجواد من النّاس يجود جودا،و قوم أجواد.

و جوّد في عدوه تجويدا،و عدا عدوا جوادا.

و هو يجود بنفسه،معناه يسوق نفسه،من قولهم:إنّ فلانا ليجاد إلى فلان،و إنّه ليجاد إلى حتفه،أي يساق إليه.(6:169)

سيبويه :و إن قلت:أغلقت الأبواب،كان عربيّا جيّدا...و مثل غلّقت و أغلقت،أجدت و جوّدت، و أشباهه.(4:63)

تقول:استجدته،أي أصبته جيّدا.(4:70)

أبو عمرو الشّيبانيّ: إنّي لأجاد إلى كذا و كذا،أي أفعل كذا و كذا،أي أريد ذاك و أهمّ به.(1:120)

قد جيد إلى كذا و كذا،إذا اشتهاه.[ثمّ استشهد بشعر](1:129)

الأصمعيّ: يقال للّذي غلبه النّوم:مجود،كأنّ النّوم جاده،أي مطره.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 11:156)

الجود:أن تمطر الأرض حتّى يلتقي الثّريان.

(ابن سيده 7:530)

أبو زيد :وقع النّاس في أبي جاد،أي في باطل.

(الأزهريّ 11:158)

اللّحيانيّ: سرنا عقبة جوادا،و سرنا عقبتين جوادين،و سرنا عقبا أجوادا،إذا كانت بعيدة.

(الأزهريّ 11:158)

و جادت العين تجود جودا،و جئودا:كثر دمعها.

(ابن سيده 7:530)

ابن الأعرابيّ: و سحابة جود.[وصفت بالمصدر]

(ابن سيده 7:530)

ص: 397

أبو عبيد: الجواد:الجوع.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 11:156)

أجاد الرّجل،إذا كان ذا دابّة جواد.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 11:156)

أبو سعيد البغداديّ: سمعت أعرابيّا يقول:كنت أجلس إلى القوم يتجاوبون الحديث،و يتجاودون، فقلت له:ما يتجاودون؟قال:ينظرون أيّهم أجود حجّة.

(الأزهريّ 11:158)

ابن السّكّيت: و قد جاد بنفسه يجود جودا و جودا.

(460)

الجواد:العطش.

و يقال:جيد الرّجل فهو مجود.(462)

و هذا رجل جواد بيّن الجود،من قوم أجواد.

و هذا فرس جواد بيّن الجودة و الجودة،من خيل جياد.و يقال:الجودة في كلّ صورة.

و هذا مطر جود بيّن الجود.و قد جيدت الأرض.

و يقال:هاجت بنا سماء جود

و قد جاد بنفسه عند الموت يجود جئودا.

و قد جيد من العطش يجاد جوادا.و الجواد:العطش.

[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:329)

المبرّد: الجياد:جمع جواد،و هو الشّديد الجري، كما أنّ الجواد من النّاس هو السّريع البذل.

(الفخر الرّازيّ 26:204)

ابن دريد :مطر جود بيّن الجود،و رجل جواد بيّن الجود،و فرس جواد بيّن الجودة،و شيء جيّد بيّن الجودة.

و الجوديّ: موضع،و يقال:جبل معروف.

و الجواد:العطش.

و زعموا أنّ الجود:الجوع،و هذا لا أعرفه.

(2:70)

و مطر جود:واسع كثير،و فرس جواد بيّن الجودة بضمّ الجيم،من خيل جياد.

و شيء جيّد بيّن الجودة،بفتح الجيم.

و رجل جواد من قوم أجواد،و ربّما قالوا:«أجاود» في معنى أجواد.

و جودان:اسم.

و الجواد:العطش،مهموز و غير مهموز.

و رجل مجود:عطشان.جيد الرّجل فهو مجود.

[ثمّ استشهد بشعر](3:221)

الأزهريّ: يقال:جيد فلان،إذا أشرف على الهلاك،كأنّ الهلاك جاده.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:إنّي لأجاد إلى لقائك،أي أساق إليك،كأنّ هواه جاده الشّوق،أي مطره،و إنّه ليجاد إلى فلان،و إلى كلّ شيء يهواه.

و يقال:أجاد فلان في علمه،و أجود و جوّد في عدوه تجويدا،و عدا عدوا جوادا.

و إنّي لأجاد إلى القتال،أي لأساق إليه.

و يقال:أجاد به أبواه،إذا ولداه جوادا.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:جاورت فلانا فجدته أجوده،إذا غلبته في الجود.

و أرض مجودة:أصابها مطر جود.

ص: 398

و جاد عمله يجود جودة،وجدت له بالمال جودا.

و قوم أجواد و جود،و نساء جود.[ثمّ استشهد بشعر]

(11:156-158)

الصّاحب:جاد الشّيء يجود جودة،و هو جيّد.

و أجدته ثوبا:أعطيته جيّدا.

و جاد الجواد من النّاس يجود جودا،و قوم أجواد و جود.

و أجادت المرأة:ولدت جوادا.

و أجاد الرّجل،إذا كانت دابّته جوادا.

و جاده المطر يجوده جودة و جودا،و جيدت الأرض و أجيدت:من المطر الجود.

و خيل جياد و جواد،و المصدر:الجودة.

و جاده هواه إلى كذا،أي ساقه.

و أجاد في أمره و أجود.

و جوّد في عدوه تجويدا،و عدا عدوا جوادا.

و تجوّدت في الشّيء:تأنّقت فيه،و استجدته.

و إنّه ليجاد إلى فلان،أي يساق إليه.و منه:يجود بنفسه،أي يسوق.

و إنّي لأجاد إلى فلانة،أي أهواها.

و رجل مجواد:مجيد للكلام.

و الجود:الجوع.

و الجواد:العطش،و يقولون:وا جوداه.

و جودا له،إذا أعجبك الشّيء.

و رجل مجود:عطشان،و جيد جوده.

و سرنا عقبة جوادا،و عقبا جوادا،أي بعيدا طويلة.(7:156)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«من صام يوما في سبيل اللّه باعده اللّه من النّار سبعين خريفا للمضمّر المجيد»،المجيد:صاحب الجياد من الخيل،يقال:

رجل مجيد،كما يقال:مقو،إذا كانت دوابّه أقوياء.[ثمّ استشهد بشعر](1:325)

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«...يا أبان،كيف تركت أهل مكّة؟قال:تركتهم و قد جيدوا...»،قوله:«جيدوا»أي أصابهم الجود،و هو المطر الواسع.[ثمّ أدام نحو ابن دريد]

(1:494)

الجوهريّ: شيء جيّد،على«فيعل»و الجمع:

جياد و جيائد،بالهمز على غير قياس.

و جاد الرّجل بماله يجود جودا بالضّمّ،فهو جواد، و قوم جود،مثل قذال و قذل-و إنّما سكّنت الواو لأنّها حرف علّة-و أجواد و أجاود و جوداء.و كذلك امرأة جواد و نسوة جود،مثل نوار و نور.[ثمّ استشهد بشعر]

و جاد الفرس،أي صار رائعا،يجود جودة بالضّمّ، فهو جواد للذّكر و الأنثى،من خيل جياد و أجياد و أجاويد.

و الجوديّ: جبل بأرض الجزيرة،استوت عليه سفينة نوح عليه السّلام.

و أجدت الشّيء فجاد،و التّجويد مثله.و قد قالوا:

أجودت كما قالوا:أطال و أطول،و أحال و أحول...على النّقصان و التّمام.

و شاعر مجواد،أي مجيد كثيرا.

و أجدته النّقد:أعطيته جيادا.

ص: 399

و استجدت الشّيء:عددته جيّدا.

و جاودت الرّجل من الجود،كما تقول:ما جدته من المجد.(2:461)

نحوه الرّازيّ.(132)

ابن فارس: الجيم و الواو و الدّال أصل واحد،و هو التّسمّح بالشّيء،و كثرة العطاء،يقال:رجل جواد بيّن الجود،و قوم أجواد.

و الجود:المطر الغزير.

و الجواد:الفرس الذّريع و السّريع،و الجمع:جياد، و المصدر:الجودة.

فأمّا قولهم:فلان يجاد إلى كذا،فكأنّه يساق إليه.

(1:493)

أبو هلال :الفرق بين السّخاء و الجود:أنّ«السّخاء» هو أن يلين الإنسان عند السّؤال و يسهل مهره للطّالب، من قولهم:سخوت النّار أسخوها سخوا،إذا ألينتها، و سخوت الأديم:ليّنته،و أرض سخاوية:ليّنة.و لهذا لا يقال للّه تعالى:سخيّ.

و الجود:كثرة العطاء من غير سؤال،من قولك:

جادت السّماء،إذا جادت بمطر غزير،و الفرس الجواد:

الكثير الإعطاء للجري.و اللّه تعالى جواد:لكثرة عطائه فيما تقتضيه الحكمة.

فإن قيل:فلم لا يجوز على اللّه تعالى الصّفة:

«بسخيّ»و جاز عليه الصّفة ب«كبير»؟و أصل الكبير:

كبر الجثّة،أي كبير الشّأن،و السّخيّ مصرّف من السّخاوة كتصريف الحكيم من الحكمة،و كلّ مصرّف من أصله فمعناه فيه.و أمّا المنقول فليس كذلك،لأنّه بمنزلة الاسم العلم،في أنّه لا يكون فيه معنى ما نقل عنه، و إنّما يوافقه في اللّفظ فقط.

و يجوز أن يكون أصل الجواد:إعطاء الخير،و منه فرس جواد و شيء جيّد،كأنّه يعطي الخير لظهوره فيه.

و أجاد في أمره،إذا أحكمه لإعطاء الخير الّذي ظهر فيه.

(142)

الفرق بين الجواد و الواسع،راجع«و س ع».

و الفرق بين الجواد و النّدى،راجع«ن د و».و الفرق بين الكرم و الجود،راجع«ك ر م».

الثّعالبيّ: الجيّد من أشياء مختلفة:مطر جود، فرس جواد،درهم جيّد.

خيار الأشياء:..جياد الخيل.(76)

أوّل مراتب الحاجة إلى شرب الماء:العطش،ثمّ الظّمأ.[إلى أن قال:]

ثمّ الجواد،و هو القاتل.(182)

أوّل مراتب المطر:رشّ و طشّ،ثمّ طلّ.[إلى أن قال:]

ثمّ وابل و جود.(276)

في أوصاف المطر...فإذا كان يروي كلّ شيء،فهو:

الجود.(278)

ابن سيده: الجيّد:نقيض الرّديء،أصله:جيود، فقلبت الواو ياء لانكسارها و مجاورتها الياء،ثمّ أدغمت الياء الزّائدة فيها.و الجمع:جياد،و جيادات:جمع الجمع.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد جاد جودة،و أجاد:أتى بالجيّد من القول أو الفعل.

ص: 400

و رجل مجواد:مجيد.

و استجاد الشّيء:وجده جيّدا أو طلبه جيّدا.

و رجل جواد:سخيّ،و كذلك:الأنثى بغير هاء.

و الجمع:أجواد كسروا«فعالا»على«أفعال»حتّى كأنّهم إنّما كسّروا«فعلا».[ثمّ ذكر أجواد العرب]

و الكثير:أجاود-على غير قياس-وجود، و جودة.ألحقوا الهاء للجمع،كما ذهب إليه سيبويه في العمومة و الخئولة.

و قد جاد جودا.[ثمّ استشهد بشعر]

و استجاده:طلب جوده.

و أجاده درهما:أعطاه إيّاه.

و فرس جواد:بيّن الجودة،و الأنثى:جواد،أيضا.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمع:جياد،و كان قياسه أن يقال:«جواد» فتصحّ الواو في الجمع،لتحرّكها في الواحد الّذي هو جود،كحركتها في«طويل».و لم يسمع مع هذا عنهم «جواد»في التّكسير البتّة،فأجروا«واو»جواد، لوقوعها قبل الألف مجرى السّاكن الّذي هو«واو»ثوب و سوط،فقالوا:جياد،كما قالوا:حياض و سياط،و لم يقولوا:جواد،كما قالوا:قوام و طوال.

و قد جاد في عدوه،و جوّد،و أجود.

و أجاد الرّجل،و أجود،إذ كان ذا دابّة جواد.[ثمّ استشهد بشعر]

و استجاد الفرس:طلبه جوادا.

وعدا عدوا جوادا،و سار عقبة جوادا،أي حثيثة.

و عقبتين جوادين،و عقبا جيادا:كذلك.

و جاد المطر جودا:وبل.

و مطر جود بيّن الجود:يروي كلّ شيء.

و قيل:الجود من المطر:الّذي لا مطر فوقه البتّة.

قال أبو الحسن:فأمّا ما حكاه سيبويه من قولهم:

«أخذتنا بالجود و فوقه»فإنّما هي مبالغة و تشنيع،و إلاّ فليس فوق الجود شيء،هذا قول بعضهم.

و سماء جود:وصفت بالمصدر،و في كلام بعض الأوائل:هاجت بنا سماء جود فكان كذا.

و جيدت الأرض:سقاها الجود.

و حتف مجيد:حاضر.

قيل:أخذ من جود المطر.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجاده:قتله.

و جاد بنفسه جودا،و جئودا:قارب أن يقضي.

و جيد الرّجل جوادا،إذا عطش.و قيل:الجواد:

جهد العطش.

و المجود أيضا:الّذي يجهد من النّعاس و غيره،عن اللّحيانيّ.

و الجواد:النّعاس.

و جاده النّعاس:غلبه.

و جاده هواها:شاقه.

و إنّي لأجاد إلى القتال،أي أشتاق.

و الجود:الجوع.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجوديّ: موضع،و قيل:جبل.[ثمّ استشهد بشعر]

و أبو الجوديّ: رجل.[ثمّ استشهد بشعر]

و جودان:اسم.(7:528)

الرّاغب: قال تعالى: وَ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ

ص: 401

هود:44،قيل:هو اسم جبل بين الموصل و الجزيرة، و هو في الأصل منسوب إلى«الجود»و الجود:بذل المقتنيات مالا كان أو علما،و يقال:رجل جواد، و فرس جواد:يجود بمدّخر عدوه،و الجمع:الجياد.

و يقال في المطر الكثير:جود،و في الفرس:جودة، و في المال:جود،و جاد الشّيء جودة فهو جيّد،كما نبّه عليه قوله تعالى: أَعْطى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدى طه:

50.(102)

الزّمخشريّ: جاد فلان جودا،و جادت السّماء جودا،و جاد المتاع جودة،و جاد الفرس جودة.

و جيد الرّجل جوادا:عطش.

و رجل جواد من قوم أجواد و أجاويد و جود.[ثمّ استشهد بشعر]

و روض مجود:ممطور،و أصابته تجاويد من المطر.

و متاع جيّد و أمتعة جياد.

و استجدت الشّيء و تجوّدته:تخيّرته و طلبت أن يكون جيّدا.

و تجوّد في صنعته:تنوّق فيها.

و أجاد الشّيء و جوّده،و أحسن فيما فعل و أجاد، و صانع مجيد و مجواد.

و عن النّضر:أنشدني رجل رجزا فقلت:أجاد و اللّه،فقال:إنّه كان مجوادا،و هم مجاويد.

و أجدتك ثوبا:أعطيتكه جيّدا.

و هم يتجاودون الحديث:ينظرون أيّهم أجود حديثا.

و جوّد في عدوه و عدا عدوا جوادا.

و سرنا عقبة جوادا و عقبتين جوادين،و عقبا أجوادا و جيادا،أي بعيدة طويلة.

و فرس جواد من خيل جياد.و أجاد فلان:صار له فرس جواد،و هو مجيد من قوم مجاويد.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجادت فلانة:ولدت ولدا جوادا.

و بتّ مجودا،أي عطشان.

و من المجاز:إنّي لأجاد إلى لقائك،و إنّه ليجاد إلى فلانة:يشتاق إليها،كما تقول:يظمأ.

و إنّما قيل:«جيد»ذهابا إلى التّفاؤل،كقولهم للمهلكة:مفازة.

و فلان جيد:عطش.و جيد:غيث.

و يجود بنفسه،أي يسوق.[ثمّ استشهد بشعر]

(أساس البلاغة:68)

في حديث عليّ عليه السّلام:«...فسرت إليه جوادا»أي سريعا كالفرس الجواد.و يجوز أن يريد سيرا جوادا،كما يقال:سرنا عقبة (1)جوادا و عقبتين جوادين.

(الفائق 2:7)

المجيد:صاحب الجياد.[ثمّ استشهد بشعر]

(الفائق 2:347)

المدينيّ: في حديث أبي الدّرداء رضي اللّه عنه:

«التّسبيح أفضل من الحمل على عشرين جوادا».

الجواد:الفرس الجيّد العدو،الّذي يبذل ما عنده من السّير من غير إكراه.و الجمع:أجواد و جياد و جود؛ و المصدر من فعله:الجودة بالضّمّ.ن.

ص: 402


1- العقبة:قدر فرسخين.

و منه حديث الصّراط:«و منهم من يمرّ كأجاويد الخيل»،جمع:أجواد.

في الحديث:«فإذا ابنه إبراهيم عليهما الصّلاة و السّلام يجود بنفسه»أي يريد أن يدفعها كما يدفع الإنسان ماله يجود به،أي إنّه كان في النّزع و سياقة الموت.

في صفة مكّة:«و قد جيدوا»أصابهم الجود.

في حديث:«تجوّدتها لك»أي تخيّرت الأجود منها.

(1:371)

ابن الأثير: و في حديث الاستسقاء:«و لم يأت أحد من ناحية إلاّ حدّث بالجود»الجود:المطر الواسع الغزير،جادهم المطر يجودهم جودا.(1:312)

الصّغانيّ: يقال للّذي غلبه النّوم:مجود،كأنّ النّوم جاده،أي مطره.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:جيد فلان،إذا أشرف على الهلاك،كأنّ الهلاك جاده.[ثمّ استشهد بشعر]

و جاد فلان فلانا،إذا غلبه بالجود.

و يقال:إنّي لأجاد إلى لقائك،أي أساق،كأنّ هواه ساقه إليه.

و أجاد بالرّجل أبواه،إذا ولداه جوادا.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجيدت الأرض من المطر،مثل:جيدت.(2:217)

الفيّوميّ: جاد الرّجل يجود،من باب«قال»جودا بالضّمّ:تكرّم،فهو جواد،و الجمع:أجواد،و النّساء جود.

و جاد بالمال:بذله،و جاد بنفسه:سمح بها عند الموت؛و في الحرب مستعار من ذلك.

و جاد الفرس جودة بالضّمّ و الفتح فهو جواد، و جمعه:جياد.

و جادت السّماء جودا بالفتح:أمطرت.

و أمّا جاد المتاع يجود،فقيل:من باب«قال»أيضا، و قيل:من باب«قرب»و«الجودة»منه بالضّمّ و الفتح، فهو جيّد،و جمعه:جياد.

و اختلف فيه فقيل:أصله:جويد،وزان كريم و شريف،فاستثقلت الكسرة على الواو فحذفت، فاجتمعت الواو و هي ساكنة و الياء فقلبت الواو ياء، و أدغمت في الياء.و قيل:أصله«فيعل»بسكون الياء و كسر العين،و هو مذهب البصريّين،و الأصل«جيود».

و قيل:بفتح العين و هو مذهب الكوفيّين،لأنّه لا يوجد «فيعل»بكسر العين في الصّحيح،إلاّ«صيقل»اسم امرأة،و العليل محمول على الصّحيح فتعيّن الفتح قياسا على«عيطل»و كذلك ما أشبهه.

و أجاد الرّجل اجادة:أتى بالجيّد من قول أو فعل.

(1:113)

الفيروزآباديّ: الجيّد ككيّس:ضدّ الرّديء، الجمع:جياد و جيادات و جيائد.

و جاد يجود جودة و جودة:صار جيّدا،و أجاده غيره،و أجوده.

و جاد و أجاد:أتى بالجيّد فهو مجواد.

و استجاده:وجده،أو طلبه جيّدا.

و الجواد:السّخيّ و السّخيّة،الجمع:أجواد و أجاود و جود كقذل،و جوداء.و قد جاد جودا،و استجاده:

ص: 403

طلب جوده.

فأجاده درهما:أعطاه إيّاه.

و فرس جواد بيّن الجودة بالضّمّ:رائع،الجمع:

جياد.و قد جاد في عدوه جودة و جودة،و جوّد و أجود.

و استجاد الفرس:طلبه جوادا.

و أجاد و أجود:صار ذا جواد.

و الجود:المطر الغزير،أو ما لا مطر فوقه،جمع جائد.

و هاجت سماء جود،و مطرتان جودان.

و جيدت الأرض و أجيدت فهي مجودة.

و«التّجاويد»لا واحد له.

و جادت العين جودا و جئودا:كثر دمعها،و بنفسه:

قارب أن يقضي.

و حتف مجيد:حاضر.

و الجواد كغراب:العطش،أو شدّته.و الجودة:

العطشة.جيد يجاد فهو مجود:عطش،أو أشرف على الهلاك،و النّعاس.

و جاده الهوى:شاقه و غلبه،و فلان فلانا:غلبه بالجود.

و إنّي لأجاد إليك:أشتاق و أساق.

و الجود بالضّمّ:الجوع،و قلعة.

و جودة:واد باليمن.

و الجوديّ: جبل بالجزيرة،استوت عليه سفينة نوح عليه السّلام.و جبل بأجا.

و الجاديّ: الزّعفران.

و أجاد بالولد:ولده جوادا.

و تجاودوا:نظروا أيّهم أجود حجّة.

و الجودياء:الكساء.

و أجاده النّقد:أعطاه جيادا.

و شاعر مجواد:مجيد.

و وقعوا في أبيجاد،أي في باطل.(1:295)

الجزائريّ: «الجود و السّخاء»يظهر من كلام بعضهم التّرادف.و فرّق بعضهم بينهما بأنّ من أعطى البعض و أبقى لنفسه البعض فهو صاحب السّخاء،و من بذل الأكثر فأبقى لنفسه شيئا فهو صاحب جود.

و قيل في الفرق بين الجود و الكرم:إنّ الجواد هو الّذي يعطي مع السّؤال،و الكريم الّذي يعطي من غير سؤال،و قيل:بالعكس.

و الحقّ الأوّل لما ورد في أدعية الصّحيفة الشّريفة «و أنت الجواد الكريم»ترقّيا في الصّفات من الأدنى إلى الأعلى.

و قيل:الجود:إفادة ما ينبغي لا لغرض،و الكرم:

إيثار الخير بالغير (1).(82)

الطّريحيّ: و في حديث عبد المطّلب حين حفر زمزم«فرأى رجلا يقول:أحفر تغنم و جد تسلم و لا تدّخرها للمقسم»يعني الميراث،كأنّ المعنى جد في حفر البئر تسلم من الآفات،و لا يصيبك في حفرها ضرر.

و الجواد:الجيّد للعدو،يقال:جاد الفرس جودة -بالضّمّ و الفتح-فهو جواد،و الجمع:جياد،و سمّي بذلك لأنّه يجود بجريه،و الأنثى:جواد أيضا.

و«الجواد»من أسمائه تعالى.ر.

ص: 404


1- الظّاهر:إيثار الغير بالخير.

و في الحديث:سأل رجل الحسن عليه السّلام و هو في الطّواف،فقال له:أخبرني عن الجواد؟فقال عليه السّلام:إنّ لكلامك وجهين؛فإن كنت تسأل عن المخلوق،فإنّ الجواد الّذي يؤدّي ما افترض عليه،و البخيل الّذي يبخل بما افترض عليه.و إن كنت تسأل عن الخالق فهو الجواد إن أعطى و هو الجواد إن منع،لأنّه إن أعطى عبدا أعطاه ما ليس له،و إن منع منع ما ليس له.

و الجواد:الّذي لا يبخل بعطائه،و منه الدّعاء:«أنت الجواد الّذي لا يبخل».

و«الجواد»محمّد بن عليّ عليهما السّلام،أحد الأئمّة الاثنى عشر،ولد في شهر رمضان من سنة خمس و تسعين و مائة،و قبض سنة عشرين و مائتين،و هو ابن خمس و عشرين سنة و شهرين و ثمانية عشر يوما،و دفن عند جدّه موسى بن جعفر عليهما السّلام.و من خواصّه عليه السّلام أنّه دخل عليه قوم من الشّيعة فسألوه عن ثلاثين ألف مسألة فأجاب عنها و هو ابن عشر سنين،عاش بعد أبيه تسعة عشر سنة إلاّ خمسة و عشرين يوما.[ثمّ أدام نحو الجوهريّ](3:29)

محمّد إسماعيل إبراهيم:جاد يجود:صار جيّدا،و أجاد الشّيء:أتقنه،و جوّد الفرس:صار جوادا،أي سريع الجري.

و الجياد:الخيول السّريعة الجري،و هي جمع:جواد.

(1:117)

العدنانيّ: رشاد جواد،هالة جواد.

و يقولون:هالة جوادة كابنها،و الصّواب:هالة جواد؛لأنّ كلمة جواد تطلق على الجنسين.[ثمّ استشهد بشعر]

و ممّن ذكر أيضا أنّ«الجواد»كلمة تطلق على الجنسين:التّهذيب،و المختار،و اللّسان،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

و عند ما نقول:هي جواد،نجمعها على:هنّ جود.

[ثمّ استشهد بشعر]

أمّا هو جواد،فتجمع على:

أ-هم جود:التّهذيب،و الأساس،و المختار، و اللّسان،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد، و المتن،و الوسيط.

ب-و هم أجواد:التّهذيب،و معجم مقاييس اللّغة، و الأساس،و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

ج-و هم أجاود:المختار،و اللّسان،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

و قد ذكر اللّسان و التّاج أنّ هذا الجمع غير قياسيّ.

د-و هم جوداء:المختار،و اللّسان،و التّاج،و المدّ، و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

ه-و هم جودة:اللّسان،و التّاج،و المدّ،و الوسيط.

و-و هم جود:القاموس،و التّاج،و محيط المحيط، و المتن.

ز-و هم أجاويد:و هي جمع الجمع أجواد:الأساس و التّاج،و المدّ،و المتن.

ص: 405

كانت الجياد كلّها من نسل عربيّ أصيل أو كان الجياد كلّهم من نسل عربيّ أصيل.

و يخطّئون من يجري ما لا يعقل و لا يفهم من الحيوان مجرى بني آدم،و يقول:كان الجياد كلّهم من نسل عربيّ أصيل،و يرون أنّ الصّواب هو:كانت الجياد كلّها من نسل عربيّ أصيل.

و الحقيقة هي أنّ الجملتين كلتيهما صحيحتان؛جاء في الآية:18،من سورة النّمل: يا أَيُّهَا النَّمْلُ ادْخُلُوا مَساكِنَكُمْ لا يَحْطِمَنَّكُمْ سُلَيْمانُ وَ جُنُودُهُ.

و قال تعالى في الآية:45،من سورة النّور: وَ اللّهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ، و يقال:إنّه قال ذلك تغليبا لمن يمشي على رجلين،و هم بنو آدم.

و من سنن العرب تغليب ما يعقل كما يغلّب المذكّر على المؤنّث إذا اجتمعا.(134)

المصطفويّ: [راجع النّصوص التّفسيريّة]

النّصوص التّفسيريّة

الجوديّ

...وَ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَ قِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ.

هود:44

ابن عبّاس: و هو جبل بنصيبين في الموصل.

(185)

نحوه الضّحّاك(الطّبريّ 12:48)،و الزّمخشريّ (2:271)،و النّسفيّ(2:189)،و الكاشانيّ(2:

448)،و شبّر(3:219).

مجاهد :جبل بالجزيرة،تشامخت الجبال من الغرق،و تواضع هو للّه فلم يغرق،فأرسيت عليه.

(الطّبريّ 12:48)

نحوه ابن قتيبة(204)،و الثّوريّ(الطّبريّ 12:48).

قتادة :هو بباقردى من أرض الجزيرة.

(الماورديّ 2:474)

قد أبقى اللّه سفينة نوح عليه السّلام على الجوديّ من أرض الجزيرة عبرة و آية،حتّى رآها أوائل هذه الأمّة،و كم من سفينة قد كانت بعدها فهلكت و صارت رمادا.

(ابن كثير 3:554)

الإمام الصّادق عليه السّلام:هو فرات الكوفة.

(البحرانيّ 5:145)

الإمام الكاظم عليه السّلام:إنّ اللّه أوحى إلى الجبال:أنّي واضع سفينة نوح على جبل منكنّ في الطّوفان،فتطاولت و شمخت،و تواضع جبل عندكم بالموصل،يقال له:

الجوديّ،فمرّت السّفينة تدور في الطّوفان على الجبال كلّها حتّى انتهت إلى الجوديّ،فوقعت عليه...

(البحرانيّ 5:145)

نحوه الإمام الرّضا عليه السّلام.(الطّبرسيّ 3:165)

الفرّاء: (الجوديّ)و هو جبل بنصيبين من أرض الموصل.ياؤه مشدّدة،و قد حدّثت أنّ بعض القرّاء قرأ (على الجودي) بإرسال الياء.فإن تكن صحيحة فهي ممّا كثر به الكلام عند أهله فخفّف،أو يكون قد سمّي بفعل أنثى مثل حطّي و أصرّي و صرّي،ثمّ أدخلت عليه

ص: 406

الألف و اللاّم.[ثمّ استشهد بشعر]

و العرب إذا جعلت مثل«حطّي»و أشباهه اسما فأرادوا أن يغيّروه عن مذهب الفعل حوّلوا الياء ألفا فقالوا:حطّا،أصرّا،و صرّا.و كذلك ما كان من أسماء العجم آخره ياء؛مثل:ماهي و شاهي و شنّي حوّلوه إلى ألف فقالوا:ماها و شاها و شنّا.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:16)

الطّبريّ: و هو جبل فيما ذكر بناحية الموصل أو الجزيرة.(12:46)

الزّجّاج: جبل بناحية آمد.(3:55)

المسعوديّ: و قد غرق جميع الأرض خمسة أشهر،ثمّ أمر اللّه الأرض أن تبتلع الماء،و السّماء أن تقلع،و استوت السّفينة على الجوديّ ببلاد ماسور جزيرة ابن عمر الموصليّ،و بينه و بين دجلة ثمانية فراسخ،و موضع خروج السّفينة على رأس هذا الجبل إلى هذه الغاية،و نزل نوح من السّفينة و معه أولاده الثّلاثة، و هم سام و حام و يافث و أربعون رجلا و أربعون امرأة، و صاروا إلى سفح هذا الجبل،فابتنوا هنالك مدينة سمّوها ثمانين،و هو اسمها إلى وقتنا هذا،و هو سنة اثنتين و ثلاثين و ثلاثمائة.(1:23)

الماورديّ: فيه ثلاثة أقاويل:[فذكر قول الضّحّاك-و هو نحو قول ابن عبّاس-و مجاهد و قال:]

الثّالث:أنّ(الجوديّ)اسم لكلّ جبل.[ثمّ استشهد بشعر](2:474)

الطّوسيّ: [و قيل]هو جبل معروف بقرب جزيرة الموصل.(5:563)

نحوه البغويّ(2:451)،و الخازن(3:191)، و الشّربينيّ(2:60).

الواحديّ: هو جبل بالجزيرة و كان استواؤها عليه دلالة على نفاد الماء.(2:575)

نحوه الفخر الرّازيّ(17:235)،و النّيسابوريّ (13:31).

الميبديّ: [نحو الطّوسيّ و قال:]

و قيل:في جزيرة الشّام من وراء آمد.(4:392)

ابن عطيّة: [مثل الزّجّاج و أضاف:]

و قرأ جمهور النّاس:بكسر الياء و شدّها،و قرأ الأعمش و ابن أبي عبلة: (على الجودى) بسكون الياء، و هما لغتان.(3:176)

ابن الجوزيّ: [ذكر قول ابن عبّاس و مجاهد و الزّجّاج ثمّ قال:في علّة استوائه عليه قولان،فراجع:

«س و ي»](4:112)

القرطبيّ: يقال:إنّ(الجودىّ)من جبال الجنّة، فلهذا استوت عليه.

و يقال:أكرم اللّه ثلاثة جبال بثلاثة نفر:الجوديّ بنوح،و طور سيناء بموسى،و حراء بمحمّد صلوات اللّه و سلامه عليهم أجمعين.(9:42)

النّيسابوريّ: [تأويل](و استوت)سفينة الشّريعة(على الجودىّ)و هو مقام التّمكين بعد مقامات التّلوين.(12:35)

أبو حيّان :[ذكر قراءة التّخفيف و قال:]

و قال صاحب«اللّوامح»:هو تخفيف ياءي النّسب، و هذا التّخفيف بابه الشّعر،لشذوذه.(5:229)

ص: 407

نحوه السّمين.(4:103)

ابن كثير :و قال بعضهم:هو الطّور.(3:554)

البروسويّ: قال في«التّأويلات النّجميّة»:...(و استوت) أي سفينة الشّريعة(على الجودىّ)و هو مقام التّمكين،يعني أيّام الطّوفان كانت من مقامات التّلوين في معرض الآفات و الهلاك،فلمّا مضت تلك الأيّام آل الأمر إلى مقام التّمكين،و فيه النّجاة و الثّبات و نيل الدّرجات.[تأويل](4:138)

الآلوسيّ: و هو جبل بالموصل،أو بالشّام،أو بآمل -بالمدّ و ضمّ الميم-و المشهور الأوّل.(12:61)

المصطفويّ: [ذكر الأقوال ثمّ قال:]التّكوين 8:3 و بعد مائة و خمسين يوما نقصت المياه و استقرّ الفلك في الشّهر السّابع في اليوم السّابع عشر من الشّهر على جبال أراراط،و كانت المياه تنقص نقصا متواليا إلى الشّهر العاشر،و في العاشر في أوّل الشّهر ظهرت رءوس الجبال.

قاموس الأعلام،ما ترجمته،آرارات tararA :في أطراف بلدة بايزيد،الواقعة فيما بين إيران و روسيّة و تركيّة،و يقال لها:آغري طاغ،و هي المذكورة في التّوراة بعنوان توقّف سفينة نوح فيها،و في الكتب الإسلاميّة يطلق عليها:الجوديّ،و لها ارتفاعان:أوّلها يبلغ إلى 5400 متر،و الثّانية إلى 4000 متر.

هذا الجبل واقعة في الشّمال الشّرقيّ من أراضي تركيّة،الواقعة بين ماكو من إيران،و بايزيد من العثمانيّة، و إيروان من روسيّة،و بلدة إيغدير من العثمانيّة،واقعة في جهة الشّمال منها.

و أمّا الجزيرة:فهي القطعة الممتدّة فيما بين الفرات و دجلة،من أراضي تركيّة و سوريّة و العراق،و تعرف ببلاد ما بين النّهرين،و«الجزيرة»تطلق على القسم الشّماليّ الغربيّ منها،و من بلادها جزيرة ابن عمر.

ثمّ إنّ جبل آرارات واقعة في ولاية أرمينيا،و من مدنها أرض روم و بايزيد و و ان و العزيز،و مياه دجلة و الفرات إنّما تخرج من جبال هذه الولاية،قريبة من أرض روم.

و قد يقال:إنّ جبل جوديّ واقعة في قطعة الجزيرة، و اللّه أعلم.

و يمكن الجمع بينها بأنّ جبل آرارات متفرّعاتها كثيرة،و تمتدّ إلى جبال قريبة من جبال بين النّهرين و أطرافها.و تحديد(الجوديّ)على التّعيين و تشخيص نقطة معيّنة،لم يرد في كلامهم،و اصطلاحات المورّخين تختلف باختلاف الدّول و الحكومات.

وَ غِيضَ الْماءُ وَ قُضِيَ الْأَمْرُ وَ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ، فالظّاهر أنّ(الجوديّ)إن كان المراد به الجبل،فهو الواقع في أراضي فيما بين الموصل و جبل آرارات،و هو الجامع بين الأقوال،و إن كان القول بجبل آرارات مستندا إلى التّوراة.

و لا يبعد أن يكون التّعبير بكلمة(الجودىّ)إشارة إلى مفهومه الوصفيّ،و هو التّكرّم و التّسمّح،و التّكرّم في الجبل يتحقّق بكونه مرتفعا و صلبا و مخزنا للماء تجري منه الأنهار،و تستعدّ منه سفحه للاخضرار و تناسب لسكنى الإنسان و تعيّش الحيوان،و هذا المعنى،هو المقتضى لتوقّف السّفينة فيه.

ص: 408

و جبال الجزيرة و ما والاها من أحسن المصاديق و أنسب الموارد.(2:145)

مكارم الشّيرازيّ: أين يقع الجوديّ؟

قال كثير من المفسّرين:إنّ(الجودىّ)الّذي استقرّت عليه السّفينة-كما مرّ ذكره في الآية-جبل معروف قرب الموصل.و قال آخرون:هو جبل في حدود الشّام أو شمال العراق أو قرب«آمد».

و في كتاب الرّاغب الأصفهانيّ«المفردات»عرّفه بأنّه جبل بين الموصل و الجزيرة،و هي جزيرة ابن عمر في شمال الموصل.

و لا يبعد أن تكون جميعها بمعنى واحد،«فالموصل» و«الجزيرة»و«آمد»جميعها في الجزء الشّماليّ من العراق و قرب الشّام.

و قال آخرون:يحتمل أن يكون المقصود من (الجودىّ)كلّ جبل صلب أو أرض صلبة و قويّة،و معنى الآية حسب هذا التّفسير أنّ السّفينة استقرّت على أرض صلبة غير رخوة لينزل ركّابها على الأرض.و لكنّ المشهور و المعروف هو المعنى الأوّل.

و في كتاب«أعلام القرآن»تحقيق و تتبّع حول جبل الجوديّ،و نعلّق عليه بما يلي:

(الجودىّ)اسم جبل استقرّت سفينة نوح و استوت على قمّته،و قد ورد اسمه في الآية(44)في سورة هود، و هو قريب من المضمون الوارد في التّوراة،مع ما يتعلّق به من أمور أخرى،و هناك ثلاثة أقوال بالنّسبة إلى محلّ جبل الجوديّ:

1-بناء على قول«الأصفهانيّ»فإنّ جبل الجوديّ في الجزيرة العربيّة،و هو واحد من جبلين واقعين في منطقة نفوذ قبيلة«طيّئ».

2-إنّ الجوديّ هو سلسلة جبال«كاردين»الواقعة شمال شرقيّ جزيرة ابن عمر في شرق دجلة قرب الموصل،و يسمّيها الأكراد«كاردو»بلهجتهم،و يسمّيها اليونانيّون«جوردي»و يسمّيها العرب«الجوديّ».

في«التّرگوم»و هي التّرجمة الكلدانيّة ل«التّوراة» و كذلك التّرجمة السّريانيّة ل«التّوراة»:إنّ المكان الّذي استقرّت عليه سفينة نوح هو قلعة جبل الأكراد،أي «كاردين».

و الجغرافيّون العرب يطبّقون(الجوديّ)المذكور في القرآن على هذه المنطقة-المشار إليها آنفا-و يقولون:إنّ قطع السّفينة كانت موجودة على قمّة هذا الجبل حتّى زمان بني العبّاس،و كان المشركون يزورونها.

ص: 409

و في القصص البابليّة قصّة شبيهة بطوفان نوح عليه السّلام «ملحمة گليلگامش»و يمكن-إضافة إلى ذلك-احتمال طغيان دجلة في تلك الفترة،و سكنة تلك المنطقة هم المبتلون بالطّوفان.

و في جبل كتيبة آشوريّة موسومة بكتيبة«يسر» و قد لوحظ في هذه الكتيبة اسم«آرارتو».

3-و في التّرجمة الحاليّة ل«التّوراة»:إنّ محلّ استقرار سفينة نوح في جبال«آرارات»و هو جبل «ماسيس»الواقع في«أرمنستان».

أمّا صاحب قاموس«الكتاب المقدّس»فقد ضبط المعنى الأوّل«لملعون»و قال:بناء على ما جاء في الرّوايات فإنّ سفينة نوح استقرّت على قمّة هذا الجبل،و يسمّيه العرب ب«الجوديّ»و يسمّيه الإيرانيّون ب«جبل نوح»و يسمّيه الأتراك ب«كرداغ»بمعنى الجبل المنحدر،و هو واقع قرب«أدس».

و حتّى القرن الخامس لم يعرف الأرامنة جبلا في «أرمنستان»باسم جبل«الجوديّ»و منذ ذلك الوقت فيحتمل على أثر اشتباه المترجمين للتّوراة الّذين ترجموا جبل الأكراد إلى«أرارات»ظهر لعلماء الأرض هذا التّصوّر.

و لعلّ ممّا سوّغ هذا التّصوّر أنّ الآشوريّين أطلقوا على الجبال الواقعة شمال بحيرة«و ان»و جنوبها اسم «آرارات»أو«آراتو».

يقال:إنّ النّبيّ نوحا بنى مسجدا على قمّة جبل الجوديّ بعد ما غاض الطّوفان،و يقول الأرامنة:إنّ في سفح جبل الجادي«الجوديّ»قرية ثمانين أو ثمان، و كانت أوّل محلّ نزل فيه أصحاب نوح عليه السّلام.(14:508)

الجياد

إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصّافِناتُ الْجِيادُ... ص:31

ابن عبّاس: السّراع.(382)

مثله مجاهد.(الطّبريّ 23:154)

نحوه البغويّ(4:68)،و ابن الجوزيّ(7:128)، و الخازن(7:46).

يريد الخيل السّوابق.(البغويّ 4:68)

ابن الأنباريّ: فيه وجهان:أحدهما:أن يكون جمع جواد،و الثّاني:أن يكون جمع جائد.(2:315)

الماورديّ: و في(الجياد)وجهان:

أحدهما:أنّها الطّوال العناق،مأخوذ من«الجيد» و هو العنق،لأنّ طول أعناق الخيل من صفات فراهتها.

الثّاني:أنّها السّريع..،واحدها:جواد،سمّي بذلك؛ لأنّه يجود بالرّكض.(5:92)

الطّوسيّ: السّراع من الخيل،فرس جواد،كأنّه يجود بالرّكض،كأنّه جمع جود،كما يقال:فرس جود، إذا كان مدرارا،و نظيره:سوط و سياط.(8:560)

نحوه الميبديّ.(8:348)

الواحديّ: جمع جواد،و هو الشّديد الحضر [العدو]من الخيل.(3:551)

الطّبرسيّ: و(الجياد)جمع جواد.و الياء هاهنا منقلبة عن واو،و الأصل:جواد.[ثمّ أدام مثل الطّوسيّ] (4:474)

الزّمخشريّ: و قيل:وصفها بالصّفون و الجودة،

ص: 410

ليجمع لها بين الوصفين المحمودين واقفة و جارية:يعني إذا وقفت كانت ساكنة مطمئنّة في مواقفها،و إذا جرت كانت سراعا خفافا في جريها.(3:373)

نحوه الفخر الرّازيّ(26:204)،و النّسفيّ(4:40)، و أبو السّعود(5:361).

ابن عطيّة: (الجياد)جمع جود،كثوب و ثياب، و سمّي به لأنّه يجود بجريه.(4:503)

الآلوسيّ: [ذكر ما نقلنا نحوه في النّصوص اللّغويّة فراجع](23:190)

مكارم الشّيرازيّ: (الجياد)جمع جواد،و تعني الخيول السّريعة السّير،و كلمة«جياد»مشتقّة في الأصل من«جود»و الجود عند الإنسان يعني الكرم، و عند الخيول يعني سرعة سيرها.

و بهذا الشّكل فإنّ الخيول المذكورة،تبدو كأنّها على أهبة الاستعداد للحركة أثناء حالة توقّفها،و إنّها سريعة السّير أثناء عدوها.(14:453)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجود،أي السّخاء،يقال:

جاد الرّجل:بماله يجود جودا،و جاد له بالمال أيضا،فهو جواد من قوم جود و أجوادا و أجاود و جوداء،و هي جواد من نساء جود أيضا.و استجاده:طلب جوده، و أجاده درهما:أعطاه إيّاه،و جاودت فلانا فجدته:

غالبته في الجود فغلبته،و جاد به أبواه:ولداه جوادا.

و جاد المطر جودا:وبل،فهو جائد،و الجمع:جود، و الجود من المطر:الّذي لا مطر فوقه،و مطر جود:بيّن الجود غزير،يقال:جادلهم المطر يجودهم جودا،و مطرنا مطرتين جودين.و الجود:أن تمطر الأرض حتّى يلتقي الثّريان،و أرض مجودة:أصابها مطر جود.يقال:

جيدت الأرض،أي سقاها الجود،و جادت العين تجود جودا:كثر دمعها.

و فرس جواد:بيّن الجودة،و الأنثى جواد أيضا، و الجمع:جياد و أجياد و أجاويد،يقال:عدا عدوا جوادا،و سار عقبة جوادا،أي بعيدة حثيثة،و قد جاد في عدوه و جوّد و أجود،فهو مجيد،كما أنّ الجواد من النّاس هو السّريع البذل.و المجيد:صاحب الجواد،يقال:

استجاد الفرس،أي طلبه جوادا.

و الجيّد:نقيض الرّديء،و الجمع:جياد،يقال:جاد الشّيء جودة و جودة،أي صار جيّدا،و هذا شيء جيّد بيّن الجودة و الجودة،و قد أجاد فلان في عمله و أجود و جوّد،و جاد عمله يجوده جودة.و أجدته النّقد:

أعطيته جيادا،و استجدت الشّيء:أعددته جيّدا، و استجدته أيضا:وجدته جيّدا،أو طلبته جيّدا، و تجوّدت الشّيء:تخيّرت الأجود منه.و رجل مجواد:

مجيد،و شاعر مجواد:مجيد يجيد كثيرا.

و حتف مجيد:حاضر،أخذ من جود المطر،يقال:

جاد بنفسه عند الموت يجود جودا،أي قارب أن يقضي، أي يخرجها و يدفعها كما يدفع الإنسان ماله يجود به، و جيد فلان:أشرف على الهلاك،كأنّ الهلاك جاده.و إنّ فلانا ليجاد إلى فلان:يساق إليه،و إنّي لأجاد إلى لقائك:

أشتاق إليك،كأنّ هواه جاده الشّوق،أي مطره،و إنّي لأجاد إلى القتال،أشتاق إليه،و إنّه ليجاد إلى كلّ شيء

ص: 411

يهواه،و جاده هواها:شاقه.

و الجواد:جهد العطش،يقال:جيد فلان من العطش يجاد جوادا،و جودة،أي عطش،فهو مجود،و الجواد أيضا:النّعاس،يقال:جاده النّعاس،أي غلبه،و فلان مجود:غلبه النّوم،كأنّ النّوم جاده،أي مطره،فيجهد منه.

2-و الجودياء:الكساء.قيل:هو بالنّبطيّة أو الفارسيّة،و ليس كذلك،بل هو لفظ معرّب من السّريانيّة،و أصله فيها«جوديا»أي ثوب من الصّوف.

3-و الجوديّ: نسبة إلى الجود،و هو أحد جبلي طيّئ في شبه جزيرة العرب،استوت عليه سفينة نوح.و قد ورد ذكره في الشّعر الجاهليّ و الإسلاميّ،و ممّن ذكره من الشّعراء أميّة بن أبي الصّلت،و أبو صعترة البولانيّ، و ابن قيس الرّقيّات و غيرهم.

و أصفق المفسّرون على أنّ الجوديّ جبل يقع بين النّهرين قرب الموصل،و عليه استوت سفينة نوح.

و صرّح بعضهم بأنّه يطلّ على جزيرة ابن عمر،و هذه الجزيرة تقع في الجانب الشّرقيّ من دجلة،شمال الموصل.

و لكن شتّان ما بين الجبلين:جبل الجوديّ في جزيرة العرب،و جبل الجوديّ في شمال الموصل الّذي سمّي بعد فتح هذه المنطقة من قبل المسلمين:جزيرة ابن عمر.

فعلى أيّ منهما استوت سفينة نوح؟

و لعلّ المسلمين من الرّعيل الأوّل كانوا يعنون بهذه التّسمية جوديّ طيّئ،و لمّا هاجروا من مكّة إلى المدينة، و اختلطوا بأهل الكتاب القاطنين فيها،تأثّر بعضهم بأفكارهم و أخبارهم،و تمخّض ذلك بطائفة عظيمة من الأخبار،أسماها العلماء«الرّوايات الإسرائيليّة»، و منها أخبار الطّوفان و سفينة النّبيّ نوح عليه السّلام و صفتها و مرساها؛إذ جاء في سفر التّكوين(8:4):«و استقرّ الفلك في الشّهر السّابع في اليوم السّابع عشر من الشّهر على جبال أراراط».

و تقع سلسلة جبال«أراراط»شمال جزيرة ابن عمر،من إقليم أرمينيّة،إلاّ أنّ المسلمين أطلقوا عند مجيئهم إلى هذه المنطقة فاتحين اسم«الجوديّ»على جبل يقع جنوب هذه السّلسلة،و لا يزال يعرف حاليّا بجبل الجوديّ،أو جبال«جوردين» (1).

الاستعمال القرآنيّ

جاء فيها لفظان:اسم و وصف،في سورتين مكّيّتين:

1- وَ قِيلَ يا أَرْضُ ابْلَعِي ماءَكِ وَ يا سَماءُ أَقْلِعِي وَ غِيضَ الْماءُ وَ قُضِيَ الْأَمْرُ وَ اسْتَوَتْ عَلَى الْجُودِيِّ وَ قِيلَ بُعْداً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ هود:44

2- وَ وَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّابٌ* إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصّافِناتُ الْجِيادُ ص:30،31

و يلاحظ أوّلا:أنّ في(1)بحوثا:

1-(الجوديّ)كما قال المفسّرون:اسم جبل معروف قرب«الموصل»في شمال العراق،أو قرب«آمد»،أو في «جزيرة ابن عمر»،استقرّت عليه سفينة نوح عليه السّلام-كما سبق-و يمكن أن يكون الجميع واحدا،و هو الجزء الشّماليّ من العراق و قرب الشّام.

ص: 412


1- دائرة المعارف الإسلاميّة(7:161).

2-و يمكن أن يكون التّعبير بكلمة«الجوديّ»إشارة إلى مفهومه الوصفيّ لا جبل خاصّ،فالمراد جبل صلب مرتفع غير رخو،و هو المقتضي لتوقّف السّفينة عليه لينزل ركّابها في الأرض،و لكنّ المشهور هو الأوّل.

3-و فيه قراءتان:(الجوديّ)مشدّدا عن الجمهور، و(الجودي)مخفّفا،عن الأعمش و ابن أبي عبلة.

4-إنّ(الجوديّ)هو سلسلة جبال(گاردين)على قول،يسمّيها الأكراد(كاردي)بلهجتهم،و اليونانيّون (جورديّ)،و العرب(الجوديّ).

ثانيا:في(2)بحوث أيضا:

1-(الجياد)جمع جود،كثوب و ثياب و سوط و سياط،أو جمع جواد،أو جائد،و«الياء»مقلوب عن «واو».

2-الجود في الإنسان بكرمه و في الحيوان بسرعة سيره،كأنّه يجود بالرّكض،و المراد ب اَلْجِيادُ: الخيول السّريعة السّير الّتي كانت لسليمان النّبيّ عليه السّلام للجهاد في سبيل اللّه.

3-وصفها بالصّفون و الجودة ليجمع بين الوصفين المحمودين،واقفة و جارية،كأنّها على أهبة الاستعداد للحركة حالة توقّفها،و أنّها سريعة السّير أثناء عدوها، [لاحظ«ص ف ن:الصّافنات»]

ص: 413

ص: 414

ج و ر

اشارة

11 لفظا،13 مرّة:8 مكّيّة،5 مدنيّة

في 10 سور:5 مكّيّة،5 مدنيّة

جائر 2:-2 يجركم 1:1

جار 1:1 يجار 1:1

الجار 2:2 فاجره 1:1

يجير 2:2 يجاورونك 1:-1

يجيرني 1:1 متجاورات 1:-1

استجارك 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجور:نقيض العدل و قوم جارة و جورة، أي ظلمة.

و الجور:ترك القصد في السّير؛و الفعل منه:جار يجور.

و الجوّار:الأكّار الّذي يعمل لك في كرم أو بستان.

و الجار:مجاورك في المسكن،و الّذي استجارك في الذّمّة تجيره و تمنعه.

و الجوار:مصدر من المجاورة،و الجوار:الاسم، و الجميع:الأجوار.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجيران:جماعة كلّ ذلك،أي:الجيرة و الأجوار.

(6:176)

أبو زيد :يقال:جاورت في بني فلان،إذا جاورتهم.

(الأزهريّ 11:177)

مثله ابن دريد.(3:494)

أبو عمرو الشّيبانيّ: جوّرت حوضك،أي قعرته.

(1:116)

هذا ماء جوار،أي لا يدرك قعره.[ثمّ استشهد بشعر](1:117)

ابن الأعرابيّ: الجار:الّذي يجاورك بيت بيت، و الجار النّفيح:هو الغريب،و الجار الشّريك في العقار:لم يقاسم،و الجار:المقاسم،و الجار:الحليف،و الجار:

النّاصر،و الجار:الشّريك في التّجارة،فوضى كانت

ص: 415

التّجارة أو عنانا.

و الجارة:امرأة الرّجل،و هو جارها،و الجار:فرج المرأة،و الجارة:الطّبّيخة (1)،و هي الاست.

و الجار:ما قرب من المنازل من السّاحل،و الجار:

الصّنّارة:السّيّئ الجوار،و الجار:الدّمث الحسن الجوار، و الجار:اليربوعيّ،و الجار:المنافق،و الجار:البراقشيّ المتلوّن في أفعاله،و الجار:الحسدليّ الّذي عينه تراك و قلبه يرعاك.

يقال:جرجر،إذا أمرته بالاستعداد للعدوّ.

يقال:تجاورنا و اجتورنا،بمعنى واحد.

(الأزهريّ 11:175)

بعير جورّ،أي ضخم.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 11:179)

أبو عبيد: طعنه فجوّره،و قد تجوّر،إذا سقط، و منه المثل السّائر:

*يوم بيوم الخفض المجوّر*

(الأزهريّ 11:179)

أبو الهيثم:الجار و المجير و المعيذ واحد.و من عاذ باللّه،أي استجار به أجاره،و من أجاره اللّه لم يوصل إليه، وَ هُوَ يُجِيرُ وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ المؤمنون:88،أي يعيذ.(الأزهريّ 11:176)

ابن دريد :و الجور:ضدّ القصد،و يقال:جار عن الطّريق،إذا مال عنه.

و كلّ مائل عن شيء،فهو جائر عنه.و منه جور الحاكم،إذا مال عن الحقّ.

و يقولون:طريق جور كما يقولون:جائر،و كذلك يقولون:رجل زور في معنى زائر،و نوم في معنى نائم.

جور جائر و رجل جورّ:شديد صلب.(2:87)

و الجوار:مصدر جاوره مجاورة و جوارا.و جوار.

الدّار مثل طوارها سواء،و الجوار:اسم المجاورة.

و وجد فلان جائرا في صدره من حرارة غيظ أو حزن،و هو نحو الغثيان.و ربّما سمّي الغصص جائرا أيضا و الجور:مصدر جار يجور جورا:خلاف العدل،و جار عن القصد جورا أيضا.(3:223)

الأزهريّ: [نقل قول ابن الأعرابيّ ثمّ قال:]

قلت:و لمّا كان«الجار»في كلام العرب محتملا لجميع المعاني الّتي ذكرها ابن الأعرابيّ،لم يجز أن تفسّر قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«الجار أحقّ بصقبه»أنّه الجار الملاصق إلاّ بدلالة تدلّ عليه،فوجب طلب الدّلالة على ما أريد به، فقامت الدّلالة في سنن أخرى مفسّرة:أنّ المراد بالجار:

الشّريك الّذي لا يقاسم.و لا يجوز أن يجعل المقاسم مثل الشّريك.

و الجار و المجير هو الّذي يمنعك و يجيرك.

و المرأة:جارة زوجها،لأنّه مؤتمن عليها،و أمر بأن يحسن إليها،و أن لا يتعدّى عليها،لأنّها تمسّكت بعقد حرمة قرابة الصّهر،و صار زوجها جارها،لأنّه يجيرها و يمنعها و لا يعتدي عليها.

و قد سمّى الأعشى امرأته في الجاهليّة جارة.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال:أجار فلان متاعه في وعائه و قد أجاروه في أوعيتهم.[ثمّ استشهد بشعر]ة.

ص: 416


1- في اللّسان:الطّبّيجة.

و صرع رجل فأراد صارعه قتله،فقال:اجر عليّ إزاري فإنّي لم أستعن،أراد:دفع النّاس من سلبي و تعزيتي.(11:175)

الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]

و يقال للاست:جارة الجار.و الجار:الحرّ.

و سيل جورّ:و هو الجحاف،لا يردّ عن أدراجه.

و إبل جورّ:كثير شديد.

و ماء جوار،على وزن«نوار»أي كثير لا يدرك قعره.

و غرب جورّ،أي عظيم.

و قربة جائرة:ضخمة.و طعنه فجوّره:أي صرعه.

و تركته متجوّرا على فراشه،أي ساقطا مضطجعا.

و جوّر الرّجل متاعه،أي رمى بعضه على بعض.

(7:173)

الخطّابيّ: في حديث عطاء:أنّه سئل عن«المجاور» [إلى أن قال:]

و المجاور:المعتكف.(3:129)

الجوهريّ: الجور:الميل عن القصد،يقال:جار عن الطّريق،و جار عليه في الحكم.

و جوّره تجويرا:نسبه إلى الجور.

و ضربه فجوّره،أي صرعه-مثل كوّره-فتجوّر.

[ثمّ استشهد بشعر]

و جور:اسم بلد،يذكّر و يؤنّث.

و الجار:الّذي يجاورك،تقول:جاورته مجاورة و جوارا و جوارا،و الكسر أفصح.

و تجاور القوم و اجتوروا،بمعنى.و إنّما صحّت الواو في «اجتوروا»لأنّه في معنى ما لا بدّ له من أن يخرّج على الأصل،لسكون ما قبله و هو«تجاوروا»فبني عليه،و لو لم يكن معناهما واحدا لاعتلّت.

و المجاورة:الاعتكاف في المسجد،و في الحديث:

«كان يجاور في العشر الأواخر».

و امرأة الرّجل:جارته.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجار:الّذي أجرته من أن يظلمه ظالم.[ثمّ استشهد بشعر]

و استجاره من فلان فأجاره منه.

و أجاره اللّه من العذاب:أنقذه.

و غيث جورّ مثال هجفّ،أي شديد صوت الرّعد.

و بازل جورّ.[ثمّ استشهد بشعر](2:617)

أبو هلال :الفرق بين المجاورة و الاجتماع،قال عليّ ابن عيسى:المجاورة تكون بين جزءين،و الاجتماع يكون بين ثلاثة أجزاء فصاعدا؛و ذلك أنّ أقلّ الجمع ثلاثة،و الشّاهد تفرقة أهل اللّغة بين التّثنية و الجمع، كتفرقتهم بين الواحد و التّثنية،فالاثنان ليس بجمع،كما أنّ الواحد ليس باثنين،و لا يكاد العارف بالكلام يقول:

اجتمعت مع فلان،إلاّ إذا كان معه غيره.فإذا لم يكن معه غيره،قال:أحضرته،و لم يقل:اجتمعت معه،كذا قال.

و الّذي يقولونه:إنّ أصل المجاورة في العربيّة:

تقارب المحالّ،من قولك:أنت جاري و أنا جارك و بيننا جوار،و لهذا قال بعض البلغاء:الجوار:قرابة بين الجيران،ثمّ استعملت المجاورة في موضع الاجتماع مجازا،ثمّ كثر ذلك حتّى صار كالحقيقة.(121)

ص: 417

ابن فارس: الجيم و الواو و الرّاء أصل واحد،و هو الميل عن الطّريق،يقال:جار جورا.و من الباب طعنه فجوّره،أي صرعه؛و يمكن أن يكون هذا من باب الإبدال،كأنّ الجيم بدل الكاف.

و أمّا الغيث الجورّ،و هو الغزير،فشاذّ عن الأصل الّذي أصّلناه،و يمكن أن يكون من باب آخر،و هو من الجيم و الهمزة و الرّاء.فقد ذكر ابن السّكّيت أنّهم يقولون:هو جؤر على وزن«فعل».فإن كان كذا فهو من «الجؤار»و هو الصّوت،كأنّه يصوّت إذا أصاب.[ثمّ استشهد بشعر](1:493)

الهرويّ: و في حديث أمّ زرع تصف جارية:«ملء كسائها و غيظ جارتها»أي غيظ ضرّتها.

و منه الحديث:«كنت بين جارتين لي»أي بين امرأتين.أرادت أنّ ضرّتها ترى من حسنها ما يغيظها.

(1:419)

ابن سيده: الجور:نقيض العدل،جار يجور جورا.

و قوم جورة،و جارة.

و الجور:ضدّ القصد.

و كلّ من مال:فقد جار،و منه جور الحاكم:إنّما هو ميله في حكمه.

و جار عن الطّريق:عدل.[ثمّ استشهد بشعر]

و طريق جور:جائر،وصف بالمصدر،و قوله تعالى:

وَ مِنْها جائِرٌ النّحل:9،فسّره ثعلب،فقال:يعني اليهود و النّصارى.

و جاور الرّجل مجاورة،و جوارا:ساكنه.

و إنّه لحسن الجيرة:لحال من الجوار،و ضرب منه.

و جاور بني فلان و فيهم مجاورة،و جوارا:تحرم بجوارهم،و هو من ذلك.

و الاسم:الجوار و الجوار.

و اذهب في جوار اللّه.

و جارك:الّذي يجاورك.و الجمع:أجوار،و جيرة، و جيران،و لا نظير له إلاّ قاع و أقواع و قيعان و قيعة.

و تجاوروا،و اجتوروا:جاور بعضهم بعضا.

أصحّوها في اجتوروا؛إذ كانت في معنى تجاوروا، فجعلوا ترك الإعلال دليلا على أنّه في معنى ما لا بدّ من صحّته،و هو تجاوروا.

قال سيبويه: اجتوروا تجاوروا اجتوارا،وضعوا كلّ واحد من المصدرين موضع صاحبه،لتساوي الفعلين في المعنى،و كثرة دخول كلّ واحد من البناءين على صاحبه.و قد جاء:اجتاروا،معلاّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و جارة الرّجل:امرأته.و قيل:هواه.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجار الرّجل إجارة،و جارة-الأخيرة عن كراع-:

خفّره.

و استجاره:سأله أن يجيره،و في التّنزيل: وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ التّوبة:6.

و جارك:المستجير بك.

و هم جارة من ذلك الأمر،حكاه ثعلب،أي مجيرون،و لا أدري كيف ذلك،إلاّ أن يكون على توهّم طرح الزّائد حتّى يكون الواحد كأنّه جائر،ثمّ يكسّر على«فعلة»مثل كاتب و كتبة،و إلاّ فلا وجه له.

و جوار الدّار:طوارها.

ص: 418

و جوّر البناء و الخباء و غيرهما:صرعه و قلبه.[ثمّ استشهد بشعر]

و تجوّر هو:تهدّم.

و ضربه ضربة تجوّر منها،أي سقط.

و تجوّر على فراشه:اضطجع.

و قول الأعلم الهذليّ يصف رحم امرأة هجاها:

متغضّف كالجفر باكره

ورد الجميع بجائر ضخم

قال السّكريّ:عنى بالجائر:العظيم من الدّلاء.

و الجوار:الماء الكثير،قال القطاميّ يصف سفينة نوح عليه السّلام:

*و لو لا اللّه جار بها الجوار*

و غيث جورّ:غزير.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجورّ:الصّلب الشّديد.و الجوّار:الأكّار.

و الإجارة في قول الخليل :أن تكون القافية طاء، و الأخرى دالا و نحو ذلك.و غيره يسمّيه:الإكفاء.

و في«المصنّف»:الإجازة،بالزّاي.

و الجار:موضع بساحل عمان.

و جيران:موضع.[ثمّ استشهد بشعر]

و جور:مدينة،لم تصرف لمكان العجمة.(7:542)

الرّاغب: الجار:من يقرب مسكنه منك،و هو من الأسماء المتضايفة.فإنّ الجار لا يكون جارا لغيره إلاّ و ذلك الغير جار له،كالأخ و الصّديق،و لمّا استعظم حقّ الجار عقلا و شرعا عبّر عن كلّ من يعظم حقّه أو يستعظم حقّ غيره بالجار.[ثمّ ذكر الآيات،إلى أن قال:]

و قد تصوّر من«الجار»معنى القرب،فقيل لمن يقرب من غيره:جاره و جاوره و تجاور.

و باعتبار القرب قيل:جار عن الطّريق،ثمّ جعل ذلك أصلا في العدول عن كلّ حقّ،فبني منه الجور،قال تعالى: وَ مِنْها جائِرٌ النّحل:9،أي عادل عن المحجّة.

و قال بعضهم:الجائر من النّاس،هو الّذي يمنع من التزام ما يأمر به الشّرع.(103)

الزّمخشريّ: نعوذ باللّه من الجور،و من الحور بعد الكور.و قوم جارة و جورة.

و جوّرت فلانا:نقيض عدّلته.

و جار علينا فلان،و جار عن القصد.

و طراف مجوّر:مقوّض.و جوّروا بيوتهم:قوّضوها.

و طعنه فجوّره،و هو من الجور:الميل.

و اللّه جارك،أي مجيرك،و اللّهمّ أجرني من عذابك.

و هو حسن الجوار و هم جيرتي.

و تجاوروا و اجتوروا.

و من استجارك فأجره.

و كان ابن عبّاس رضي اللّه عنهم ينام بين جارتيه.

و من المجاز:عنده من المال الجور،أي الكثير المتجاوز للعادة،و منه قولهم:غرب جائر و قربة جائرة:للواسعة الضّخمة.

و يقال للأرض إذا طال نبتها و ارتفع:جارت أرض بني فلان.

و سيل جورّ:مفرط الكثرة،يقال:هذا سيل جورّ:

لا يردّ على أدراجه.[ثمّ استشهد بشعر]

و تجوّر خباء اللّيل،إذا انجلى ظلامه.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:69)

ص: 419

المدينيّ: في الحديث:«يجير عليهم أدناهم»أي إذا أجار واحد منهم-عبد أو امرأة-واحدا أو جماعة من الكفّار و خفرهم،جاز ذلك على جميع المسلمين.

(1:372)

ابن الأثير: و حديث عمر رضي اللّه عنه:«قال لحفصة:لا يغرّك إن كانت جارتك هي أوسم و أحبّ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم منك»يعني عائشة رضي اللّه عنها.

و منه حديث الدّعاء:«كما تجير بين البحور»أي تفصل بينها و تمنع أحدها من الاختلاط بالآخر،و البغي عليه.

و حديث القسامة:«و أحبّ أن تجير ابني هذا برجل من الخمسين»أي تؤمّنه منها و لا تستحلفه،و تحول بينه و بينها،و بعضهم يرويه بالزّاي،أي تأذن له في ترك اليمين و تجيزه.

و في حديث ميقات الحجّ:«و هو جور عن طريقنا» أي مائل عنه ليس على جادّته،من جار يجور،إذا مال و ضلّ.

و منه الحديث:«حتّى يسير الرّاكب بين النّطفتين لا يخشى إلاّ جورا»أي ضلالا عن الطّريق.هكذا روى الأزهريّ و شرح.

و في رواية:«لا يخشى جورا»بحذف إلاّ،فإن صحّ فيكون«الجور»بمعنى الظّلم.(1:313)

الفيّوميّ: جار في حكمه يجور جورا:ظلم،و جار عن الطّريق:مال.

و الجار:المجاور في السّكن،و الجمع:جيران.

و جاوره مجاورة و جوارا،من باب«قاتل»و الاسم:

الجوار بالضّمّ،إذا لاصقه في السّكن.

و الجار:الخفير،و الجار:الّذي يجير غيره،أي يؤمنه ممّا يخاف.

و الجار:المستجير أيضا،و هو الّذي يطلب الأمان.

و الجار:الحليف.و الجار:النّاصر.

و الجار:الزّوج،و الجار أيضا:الزّوجة،و يقال فيها أيضا:جارة.

و الجارة:الضّرّة.قيل لها:جارة،استكراها للفظ الضّرّة.و كان ابن عبّاس ينام بين جارتيه،أي زوجتيه.

و استجاره:طلب منه أن يحفظه فأجاره.(1:114)

الفيروزآباديّ: الجور:نقيض العدل،و ضدّ القصد،و الجائر.

و قوم جورة و جارة:جائرون.

و الجار:المجاور،و الّذي أجرته من أن يظلم، و المجير،و المستجير،و الشّريك في التّجارة،و زوج المرأة و هي جارته،و فرج المرأة،و ما قرب من المنازل، و الاست كالجارة،و المقاسم،و الحليف،و النّاصر.

و الجمع:جيران و جيرة و أجوار.و غيث جورّ كهجفّ:

شديد الرّعد.

و الجوار كسحاب:الماء الكثير القعير،و من الدّار:

طوارها،و السّفن،لغة في«الجواري»عن صاعد،و هذا غريب.

و شعب الجوار:قرب المدينة.و بالكسر:أن تعطي الرّجل ذمّة فيكون بها جارك فتجيره.

و ككتّان:الأكّار.

و جاوره مجاورة و جوارا و قد يكسر:صار جاره.

ص: 420

و تجاوروا و اجتوروا.

و المجاورة:الاعتكاف في المسجد.

و جار و استجار:طلب أن يجار.

و أجاره:أنقذه و أعاذه،و المتاع:جعله في الوعاء، و الرّجل إجارة و جارة:خفره.

و جوّره:صرعه و نسبه إلى الجور،و البناء:قلبه.

و تجوّر:سقط و اضطجع و تهدّم.

و«يوم بيوم الحفض المجوّر»كمعظّم،مثل عند الشّماتة بالنّكبة تصيب الرّجل.كان لرجل عمّ قد كبر، و كان ابن أخيه لا يزال يدخل بيت عمّه و يطرح متاعه بعضه على بعض،فلمّا كبر أدرك له بنو أخ،فكانوا يفعلون به مثل فعله بعمّه،فقال ذلك،أي هذا بما فعلت أنا بعمّي.(1:408)

الطّريحيّ: و في الخبر:«كلّ أربعين دارا جيران من بين اليدين و الخلف و اليمين و الشّمال».

و في الحديث:«عليكم بحسن الجوار و حسن الجوار يعمر الدّار».و قيل:ليس حسن الجوار كفّ الأذى فقط بل تحمّل الأذى منه أيضا.

و من جملة حسن الجوار ابتداؤه بالسّلام،و عيادته في المرض،و تعزيته في المصيبة،و تهنئته في الفرح، و الصّفح عن زلاّته،و عدم التّطلّع على عوراته،و ترك مضائقته فيما يحتاج إليه من وضع جذوعه على جدارك، و تسلّط ميزابه إلى دارك،و ما أشبه ذلك.

و فيه:«أحسنوا جوار النّعم»و تفسيره-كما جاءت به الرّواية-الشّكر لمن أنعم بها عليك و أداء حقوقها.

و الجار:الّذي يجير غيره،أي يؤمنه ممّا يخاف.

و منه قوله عليه السّلام:«لا تجار حرمة إلاّ بإذن أهلها» و الحرمة:المرأة.

و في الدّعاء:«عزّ جارك»أي المستجير بك.

و«يستجيروا بك»أي يطلبون الإجارة.

و في الحديث:«أيّما رجل نظر إلى رجل من المشركين فهو جار حتّى يسمع كلام اللّه»أي في أمن لا يظلم و لا يؤذى.

و في الحديث:«لا أعلم أنّ في هذا الزّمان جهادا إلاّ الحجّ و العمرة و الجوار»و فسّرت بالاعتكاف،كما صرّح به ابن الأثير في«النّهاية».

و من أمثال العرب:«إيّاك أعني و اسمعي يا جاره» قيل:أوّل من قال ذلك سهل بن مالك الفزاريّ؛و ذلك أنّه خرج فمرّ ببعض أحياء طيّئ فسأل عن سيّد الحيّ، فقيل:هو حارثة بن لام الطّائيّ،فأمّ رحله فلم يصبه شاهدا،فقالت له أخته:أنزل في الرّحب و السّعة،فنزل فأكرمته و ألطفته،ثمّ خرجت من خباء فرآها أجمل أهل زمانها،فوقع في نفسه منها شيء،فجعل لا يدري كيف يرسل إليها و لا ما يوافقها من ذلك،فجلس بفناء الخباء و هي تسمع كلامه،فجعل ينشد:

يا أخت خير البدو و الحضاره

كيف ترين في فتى فزاره

أصبح يهوى حرّة معطاره

إيّاك أعني و اسمعي يا جاره

فلمّا سمعت قوله علمت أنّه إيّاها يعني،فضرب مثلا.

و منه قوله عليه السّلام:«نزل القرآن بإيّاك أعني و اسمعي يا جاره»و قد تقدّم الكلام فيه في«عني».

ص: 421

و في الدّعاء:«يا من يجير و لا يجار عليه»أي ينقذ من هرب إليه و لا ينقذ أحد ممّن هرب منه،و كلاهما من الإجارة،و ليس الثّاني من«الجور».

و«أجاره اللّه من العذاب»أنقذه.

و استجاره:طلب منه أن يحفظه فأجاره.

و«المستجار»من البيت الحرام،هو الحائط المقابل للباب دون الرّكن اليمانيّ،لأنّه كان قبل تجديد البيت هو الباب،سمّي بذلك لأنّه يستجار عنده باللّه من النّار.

و جويريّة من الرّجال مصغّر جارية بالجيم.

و منه حديث عليّ عليه السّلام عند غيبوبة الشّمس:

«أ شككت يا جويريّة»و جويريّة كانت امرأة جميلة:

قالت عائشة:كانت جويريّة عليها حلاوة و ملاحة لا يكاد يراها أحد إلاّ وقعت بنفسه.قالت:و أتت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله تستعينه،فو اللّه ما هو إلاّ أن رأيتها على باب الحجرة و عرفت أنّه سيرى منها ما رأيت،فقالت له:

جئتك أستعينك.فقال لها:هل لك في خير من ذلك؟ قالت:و ما هو يا رسول اللّه.قال:أتزوّجك.قالت:نعم، قال صلّى اللّه عليه و آله قد فعلت،فكان ذلك في سنة خمس.(3:

251)

مجمع اللّغة :1-الجار يطلق على معان:منها المقارب في السّكن،و منها الحليف و النّصير.

2-و لمّا تصوّر في«الجار»معنى القرب لمن يقرب من غيره قيل:جاوره،و هما متجاوران،و هنّ متجاورات.

3-و لمّا تصوّر في«الجار»معنى الحلف و النّصرة قيل:استجار فلان بفلان،و استجاره فأجاره،أي طلب حمايته فحماه و منعه.و حقيقتها طلب جواره ليكون في كنفه و يستوجب رعايته فيأمن.

و أجاره:قبل جواره و حمايته.

4-جار فلان عن الطّريق يجور جورا فهو جائر، كأنّه تركها و صار إلى جوارها،و قد جعل ذلك أصلا في العدول عن كلّ حقّ،فبني منه«الجور».(1:223)

محمود شيت: أ-أجار القائد بعض العصاة:

حماهم و أنقذهم.

ب-استجار قائد العدوّ بالجيش:استغاث به و التجأ إليه.

ج-الجار يقال:القطعات المتجاورة:الّتي تحتلّ مواضع متقاربة جنبا إلى جنب.(1:163)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الميل إلى شيء،كما أنّ الجنب هو الميل عن شيء.و إذا استعملت بحرف«عن»أو«على»فتكون بمعنى:

الإعراض و التّعدّي و الظّلم،يقال:جار عنه أو عليه.

و الجار و المجاور:باعتبار الميل إلى شيء،و اختيار قرب السّكنى منه،إلاّ أنّ المجاورة تدلّ على استدامة الميل و الجوار،بمقتضى صيغتها.

و صيغة الجار في الأصل إمّا مصدر أو صفة كالصّعب،قلبت واوه ألفا للتّخفيف،كالقال في القول.

و أمّا أجاره،فهو بمعنى الإمالة،أي الجذب إلى نفسه و السّوق إليه،لحفظه و حراسته،و جعله تحت لوائه.

و الاستجارة:طلب ذلك،و التّجاور:قبول المجاورة، و الاجتوار:اختيار الميل و الرّغبة إليه.

و باعتبار معنى الميل إلى شيء يطلق«الجار»على

ص: 422

الزّوج و أمثاله.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

و بهذا المعنى يظهر الفرق بين هذه المادّة و كلمة:

الإغاثة و الإنقاذ،و يظهر اللّطف في انتخاب هذه الكلمة في مقام التّعبير.(2:149)

النّصوص التّفسيريّة

جائر

وَ عَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَ مِنْها جائِرٌ وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ. النّحل:9

ابن عبّاس: مائل ليس بعادل،مثل اليهوديّة و النّصرانيّة و المجوسيّة.(221)

نحوه الكلبيّ،(الواحديّ 3:58).

يعني السّبل المتفرّقة.

الأهواء المختلفة.(الطّبريّ 14:85)

الضّحّاك: يعني السّبل الّتي تفرّقت عن سبيله.

نحوه ابن جريج.(الطّبريّ 14:85)

قتادة :أي من السّبل،سبل الشّيطان.

(الطّبريّ 14:84)

ابن زيد :من السّبل جائر عن الحقّ،قال اللّه:

وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ الأنعام:153.(الطّبريّ 14:85)

ابن المبارك:الأهواء و البدع.(ابن الجوزيّ 4:433)

الفرّاء: يقال:الجائر:اليهوديّة و النّصرانيّة،يدلّ على هذا أنّه القول قوله: وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ.

(2:98)

ابن قتيبة:و من الطّرق جائر لا يهتدون فيه.

و الجائر:العادل عن القصد.(ابن الجوزيّ 4:432)

الطّبريّ: يعني تعالى ذكره:و من السّبيل جائر عن الاستقامة معوجّ،فالقاصد من السّبل:الإسلام،و الجائر منها:اليهوديّة و النّصرانيّة،و غير ذلك من ملل الكفر،كلّها جائر عن سواء السّبيل و قصدها سوى الحنيفيّة المسلمة.

و قيل:منها جائر،لأنّ السّبيل يؤنّث و يذكّر، فأنّثت في هذا الموضع.و قد كان بعضهم يقول:و إنّما قيل:و(منها)لأنّ(السّبيل)و إن كان لفظها لفظ واحد، فمعناها الجمع.(14:84)

نحوه البغويّ.(3:73)

الزّجّاج: (جائر)أي من السّبل طرق غير قاصدة للحقّ.(3:192)

الماورديّ: يحتمل وجهين:

أحدهما:و على اللّه قصد الحقّ في الحكم بين عباده، و منهم جائر عن الحقّ في حكمه.

الثّاني:و على اللّه أن يهدي إلى قصد الحقّ في بيان السّبيل،و منهم جائر عن سبيل الحقّ،أي عادل عنه لا يهتدي إليه.

و فيهم قولان:أحدهما:اليهوديّة و النّصرانيّة و المجوسيّة.

الثّاني:ملل الكفر.(3:181)

الطّوسيّ: أي عادل عن الحقّ،فمن الطّريق ما يهدي إلى الحقّ،و منها ما يضلّ عن الحقّ.(6:363)

نحوه الطّبرسيّ.(3:352)

ص: 423

الزّمخشريّ: إن قلت:لم غيّر أسلوب الكلام في قوله: وَ مِنْها جائِرٌ؟

قلت:ليعلم ما يجوز إضافته إليه من السّبيلين و ما لا يجوز،و لو كان الأمر كما تزعم المجبّرة لقيل:

و على اللّه قصد السّبيل،و عليه جائرها،أو و عليه الجائر.و قرأ عبد اللّه (و منكم جائر) يعني و منكم جائر جار عن القصد بسوء اختياره و اللّه بريء منه.

(2:402)

ابن عطيّة: يريد طريق اليهود و النّصارى و غيرهم كعبدة الأصنام،و الضّمير في(منها)يعود على (السّبيل)الّتي تضمّنها معنى الآية،كأنّه قال:«و من السّبيل جائر،فأعاد عليها و إن كان لم يجر له ذكر لتضمّن لفظة(السّبيل)بالمعنى لها.

و يحتمل أن يعود الضّمير في(منها)على سبيل الشّرع المذكورة،و تكون(من)للتّبعيض،و يكون المراد فرق الضّلالة من أمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،كأنّه قال:و من بنيّات الطّرف في هذه السّبيل و من شعبها جائر.[إلى أن قال:]

و فى مصحف عبد اللّه بن مسعود (منكم جائر) ،و قرأ علي بن أبي طالب: (فعنكم جائر) .(3:381)

الفخر الرّازيّ: أي عادل مائل،و معنى«الجور»في اللّغة:الميل عن الحقّ.و الكناية في قوله:(و منها جائر) تعود على السّبيل،و هي مؤنّثة في لغة الحجاز،يعني و من السّبيل ما هو جائر غير قاصد للحقّ،و هو أنواع الكفر و الضّلال،و اللّه أعلم.(19:231)

القرطبيّ: أي و من السّبيل جائر،أي عادل عن الحقّ فلا يهتدي به.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:المعنى و منهم جائر عن السّبيل الحقّ،أي عادل عنه فلا يهتدي إليه.[ثمّ نقل أقوال المتقدّمين]

(10:81)

البيضاويّ: حائد عن القصد أو عن اللّه.و تغيير الأسلوب لأنّه ليس بحقّ على اللّه تعالى أن يبيّن طرق الضّلالة،أو لأنّ المقصود بيان سبيله،و تقسيم السّبيل إلى القصد و الجائر إنّما جاء بالعرض.و قرئ (منكم جائر) أي عن القصد.(1:55)

النّسفيّ: أي من السّبيل مائل عن الاستقامة.

(2:281)

أبو حيّان :العادل عن الاستقامة و الهداية.[ثمّ استشهد بشعر و نقل أقوال المتقدّمين](5:477)

أبو السّعود :أي مائل عن الحقّ منحرف عنه لا يوصل سالكه إليه،و هي طرق الضّلال الّتي لا يكاد يحصى عددها المندرج،كلّها تحت الجائر.(4:44)

نحوه البروسويّ.(5:13)

الآلوسيّ: أي عادل عن المحجّة،منحرف عن الحقّ،لا يوصل سالكه إليه.ظاهر في إرادة الجنس؛إذ البعضيّة إنّما تتأتّى على ذلك،فإنّ الجائر على إرادة العهد ليس من ذلك بل قسيمه،و من أراده أعاد الضّمير على المطلق الّذي في ضمن ذلك المقيّد أو على المذكور بتقدير مضاف،أي و من جنسها جائر.[ثمّ نقل قول ابن عطيّة]

(14:103)

المراغيّ: أي و من السّبل سبيل جائر عن الاستقامة،معوجّ زائغ عن الحقّ،فالسّبيل القاصد هو الإسلام،و الجائر منها هو غيره من الأديان الأخرى،

ص: 424

سماويّة كانت أو أرضيّة.

و خلاصة هذا أنّ ثمّة طرقا تسلك للوصول إلى اللّه، و ليس يصل إليه منها إلاّ الطّريق الحقّ،و هي الطّريق الّتي شرعها و رضيها و أمر بها،و هي طريق الإسلام له، و الإخبات إليه وحده،كما أرشد إلى ذلك بقوله: فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللّهِ الَّتِي فَطَرَ النّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللّهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ* مُنِيبِينَ إِلَيْهِ وَ اتَّقُوهُ وَ أَقِيمُوا الصَّلاةَ الرّوم:

30،31،و ما عداها فهو جائر،و على اللّه بيان ذلك، ليهتدي إليه النّاس،و يبتعدوا عن سواه.(14:58)

نحوه مغنيّة.(4:499)

الطّباطبائيّ: أي و من السّبيل ما هو جائر،أي مائل عن الغاية يورد سالكيه غيرها و يضلّهم عنها.

(12:212)

فضل اللّه :منحرف عن خطّ الاستقامة في ما يتحرّك فيه النّاس،بتزيين الشّيطان تسويله و خداعه،و تضليله الّذي ينحرف بهم إلى الكفر و الضّلال و البغي و الطّغيان.(13:198)

لاحظ قصد السّبيل:«ق ص د».

جار

وَ إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَ قالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ فَلَمّا تَراءَتِ الْفِئَتانِ نَكَصَ... الأنفال:48

ابن عبّاس: أي معين لكم.(149)

جاء إبليس يوم بدر في جند الشّياطين-معه رايته- في صورة رجل من بني مدلج،في صورة سراقة بن مالك بن جعشم،فقال الشّيطان للمشركين:لا غالب لكم اليوم من النّاس،و إنّي جار لكم.فلمّا اصطفّ النّاس، أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قبضة من التّراب،فرمى بها في وجوه المشركين فولّوا مدبرين،و أقبل جبريل إلى إبليس، فلمّا رآه،و كانت يده في يد رجل من المشركين،انتزع إبليس يده فولّى مدبرا هو و شيعته،فقال الرّجل:

يا سراقة،تزعم أنّك لنا جار؟

قال: إِنِّي أَرى ما لا تَرَوْنَ إِنِّي أَخافُ اللّهَ وَ اللّهُ شَدِيدُ الْعِقابِ و ذلك حين رأى الملائكة.

(الطّبريّ 10:18)

و نحوه بتفاوت عنه و عن غيره السّدّيّ(284)، و الفرّاء(1:413)،و الزّمخشريّ(1:163)،و ابن عطيّة(2:538).

الطّبريّ: فتأويل الكلام:و إنّ اللّه لسميع عليم في هذه الأحوال،و حين زيّن لهم الشّيطان خروجهم إليكم أيّها المؤمنون،لحربكم و قتالكم،و حسّن ذلك لهم، و حثّهم عليكم،و قال لهم:لا غالب لكم اليوم من بني آدم،فاطمئنّوا و أبشروا،و إنّي جار لكم من كنانة،أي تأتيكم من ورائكم فتغيركم،أجيركم و أمنعكم منهم، و لا تخافوهم،و اجعلوا جدّكم و بأسكم على محمّد و أصحابه.(10:20)

نحوه البغويّ(2:300)،و الشّربينيّ(1:575)، و الميبديّ(4:58).

الثّعالبيّ: أي أنتم في ذمّتي و حمائي.(2:24)

الماورديّ: يحتمل وجهين:

ص: 425

أحدهما:يعني أنّي معكم و في جواركم،ينالني ما نالكم.

الثّاني:مجير لكم و ناصر،فيكون على الوجه الأوّل من الجوار،و على الوجه الثّاني من الإجارة.(2:325)

الطّوسيّ: وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ حكاية عمّا قال إبليس للمشركين،فإنّه قال لهم:(انّى جار لكم)لأنّهم خافوا بني كنانة لما كان بينهم،فأراد إبليس بأن يسكّن خوفهم.و الجار هو الدّافع عن صاحبه السّوء،أجاره يجيره جوارا،و منه قوله: وَ هُوَ يُجِيرُ وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ المؤمنون:88.(5:157)

الواحديّ: أي حافظ لكم منهم،فلا يصل إليكم من جهتهم مكروه.(2:465)

الطّبرسيّ: أي ناصر لكم و دافع عنكم السّوء.

و قيل:معناه و إنّي عاقد لكم عقد الأمان من عدوّكم،من قوله: وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ المؤمنون:23.[ثمّ نقل الأقوال كما تقدّم عن الطّبريّ](2:549)

الفخر الرّازيّ: و المعنى إنّي إذا كنت و قومي ظهيرا، فلا يغلبكم أحد من النّاس.و معنى الجار هاهنا:الدّافع عن صاحبه أنواع الضّرر كما يدفع الجار عن جاره، و العرب تقول:أنا جار لك من فلان،أي حافظ لك من مضرّته،فلا يصل إليك مكروه منه.(15:175)

نحوه النّيسابوريّ(10:10)،و البروسويّ(3:356).

البيضاويّ: مقالة نفسانيّة،و المعنى أنّه ألقى في روعهم و خيّل إليهم أنّهم لا يغلبون و لا يطاقون لكثرة عددهم و عددهم،و أوهمهم أنّ اتّباعهم إيّاه فيما يظنّون أنّها قربات مجير لهم،حتّى قالوا:اللّهمّ انصر أهدى الفئتين و أفضل الدّينين.و(لكم)خبر(لا غالب)أو صفته.و ليس صلته،و إلاّ لانتصب،كقولك:لا ضاربا زيدا عندنا.(1:397)

النّسفيّ: أي مجير لكم،أوهمهم أنّ طاعة الشّيطان ممّا يجيرهم.(1:107)

أبو حيّان :و معنى جارٌ لَكُمْ مجيركم من بني كنانة[إلى أن قال:]و(لكم)ليس متعلّقا بقوله:

(لا غالب)لأنّه كان يلزم تنوينه لأنّه يكون اسم(لا) مطوّلا و المطوّل يعرب و لا يبنى بل(لكم)في موضع رفع على الخبر،أي كائن لكم،و بما تعلّق المجرور تعلّق الظّرف.و اليوم عبارة عن يوم بدر.

و يحتمل أن يكون قوله: وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ معطوفا على لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ، و يحتمل أن تكون«الواو» للحال،أي لا أحد يغلبكم و أنا جار لكم أعينكم و أنصركم بنفسي و بقومي.(4:505)

الطّباطبائيّ: الجوار من سنن العرب في الجاهليّة الّتي كانت تعيش عيشة القبائل،و من حقوق الجوار:

نصرة الجار للجار إذا دهمه عدوّ،و له آثار مختلفة بحسب السّنن الجارية في المجتمعات الإنسانيّة.(9:97)

حسنين مخلوف:مجير و معين و ناصر لكم.

و الجار:الّذي يجير غيره،أي يؤمّنه ممّا يخاف.و الجار:

النّاصر و الحليف.(1:303)

مكارم الشّيرازيّ: و لن آلو جهدا في الدّفاع عنكم،كما أنّ الجار يدافع عن جاره،و يظهر له وفاءه و إخلاصه،و ألازمكم ملازمة الظّلّ للشّاخص.

كما يرد هذا الاحتمال في تفسير«الجار»في الآية محلّ

ص: 426

البحث،و هو أنّه ليس المراد من«الجار»جار الدّار،بل هو من يؤوي غيره و يؤمّنه و يلجئه إليه،لأنّ من عادة العرب-و خاصّة القبائل أو الطّوائف القويّة منها-أن تلجئ أصدقاءها و أصحابها إليها،و تؤمّنهم و تدافع عنهم بكلّ ما أوتيت من قوّة.

فالشّيطان يمنح أصحابه المشركين الأمان و ورقة اللّجوء إليه.(5:415)

فضل اللّه :أجيركم من كلّ سوء،و أمنحكم القوّة عند الضّعف،و أثبتكم عند الاهتزاز.(10:397)

الجار

1- وَ اعْبُدُوا اللّهَ وَ لا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئاً وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ بِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى وَ الْجارِ الْجُنُبِ وَ الصّاحِبِ بِالْجَنْبِ...

النّساء:36

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«كلّ أربعين دارا جيران من بين يديه و من خلفه و عن يمينه و عن شماله».

و نحوه الإمام الباقر عليه السّلام.(الكاشانيّ 1:415)

ابن عبّاس: جار بينك و بينه قرابة له ثلاثة حقوق:

حقّ القرابة،و حقّ الإسلام،و حقّ الجوار.(70)

نحوه الواحديّ.(2:49)

وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى يعني:ذا الرّحم.

(الطّبريّ 5:78)

نحوه مجاهد و الضّحّاك و ابن زيد.(الطّبريّ 5:78)، و البغويّ(1:616).

ميمون بن مهران:الرّجل يتوسّل إليك بجوار ذي قرابتك.(الطّبريّ 5:78)

قتادة :إذا كان له جار له رحم،فله حقّان اثنان:

حقّ القرابة،و حقّ الجار.(الطّبريّ 5:78)

أبو عبيدة :القريب.(1:126)

نحوه ابن قتيبة.(126)

الطّبريّ: [نقل قول ميمون بن مهران ثمّ قال:]

و هذا القول قول مخالف المعروف من كلام العرب؛ و ذلك أنّ الموصوف بأنّه ذو القرابة،في قوله: وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى الجار دون غيره،فجعله قائل هذه المقالة:

جار ذي القرابة.و لو كان معنى الكلام كما قال ميمون بن مهران،لقيل:و جار ذي القربى،و لم يقل:و الجار ذي القربى،فكان يكون حينئذ إذا أضيف الجار إلى ذي القرابة:الوصيّة بين جار ذي القرابة دون الجار ذي القربى.

و أمّا و(الجار)بالألف و اللاّم،فغير جائز أن يكون (ذى القربى)إلاّ من صفة الجار،و إذا كان ذلك كذلك كانت الوصيّة من اللّه في قوله: وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى بين الجار ذي القربى،دون جار ذي القرابة،و كان بيّنا خطأ ما قال ميمون بن مهران في ذلك.

و قال آخرون:معنى ذلك و الجار ذي القربى منكم بالإسلام.

و عن نوف الشّاميّ وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى المسلم، و هذا أيضا ممّا لا معنى له؛و ذلك أنّ تأويل كتاب اللّه تبارك و تعالى غير جائز صرفه إلاّ إلى الأغلب من كلام العرب،الّذين نزل بلسانهم القرآن المعروف،و فيهم دون الأنكر الّذي لا تتعارفه،إلاّ أن يقوم بخلاف ذلك

ص: 427

حجّة يجب التّسليم لها.

و إذا كان ذلك كذلك،و كان معلوما أنّ المتعارف من كلام العرب،إذا قيل:فلان ذو قرابة،إنّما يعني به:أنّه قريب الرّحم منه،دون القرب بالدّين،كان صرفه إلى القرابة بالرّحم أولى من صرفه إلى القرب بالدّين.

(5:78)

الأزهريّ: فالجار ذو القربى هو نسيبك النّازل معك في الجواء (1)،أو يكون نازلا في بلدة و أنت في أخرى فله حرمة جوار القرابة.(11:176)

الزّمخشريّ: وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى: الّذي قرب جواره،و اَلْجارِ الْجُنُبِ: الّذي جواره بعيد،و قيل:

الجار القريب:النّسيب،و الجار الجنب:الأجنبيّ.

و قرئ (و الجار ذا القربى) نصبا على الاختصاص كما قرئ حافِظُوا عَلَى الصَّلَواتِ وَ الصَّلاةِ الْوُسْطى البقرة:238،تنبيها على عظم حقّه لإدلائه بحقّ الجوار و القربى.(1:526)

نحوه الفخر الرّازيّ(10:96)،و البيضاويّ(1:

219)،و النّيسابوريّ(5:39)،و أبو السّعود(2:

135)،و الشّربينيّ(1:302)،و البروسويّ(2:

206)،و القاسميّ(5:1228).

الطّبرسيّ: قيل:المراد به وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى منك بالإسلام، وَ الْجارِ الْجُنُبِ المشرك البعيد في الدّين.[إلى أن قال:]

و روي:حدّ الجوار إلى أربعين دارا،و يروى أربعين ذراعا.(2:45)

ابن عطيّة: و اختلف في معنى وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى و في معنى(الجنب)فقال ابن عبّاس و مجاهد و عكرمة و غيرهم:الجار ذوا القربى هو الجار القريب النّسب، وَ الْجارِ الْجُنُبِ هو الجار الأجنبيّ الّذي لا قرابة بينك و بينه.و قال نوف الشّاميّ:الجار ذو القربى هو الجار المسلم، وَ الْجارِ الْجُنُبِ هو الجار اليهوديّ أو النّصرانيّ،فهي عنده قرابة الإسلام و أجنبيّة الكفر.و قالت فرقة:الجار ذو القربى هو الجار القريب المسكن منك، وَ الْجارِ الْجُنُبِ هو البعيد المسكن منك،و كأنّ هذا القول منتزع من الحديث.[إلى أن قال:]

و اختلف النّاس في حدّ الجيرة،فقال الأوزاعيّ:

أربعون دارا من كلّ ناحية جيرة.و قالت فرقة:من سمع إقامة الصّلاة فهو جار ذلك المسجد،و بقدر ذلك في الدّور.و قالت فرقة:من ساكن رجلا في محلّة أو مدينة فهو جاره.و المجاورة مراتب بعضها ألصق من بعض، أدناها الزّوج.[ثمّ استشهد بشعر]

و حكى الطّبريّ عن ميمون بن مهران:أنّ الجار ذا القربى:أريد به جار القريب.و هذا خطأ في اللّسان، لأنّه جمع على تأويله بين الألف و اللاّم و الإضافة،و كأنّ وجه الكلام:و جار ذي القربى.

و قرأ أبو حيوة و ابن أبي عبلة (و الجار ذا القربى) بنصب الجار.(2:50)

القرطبيّ: و اختلف النّاس في حدّ الجيرة،فكان الأوزاعيّ يقول:أربعون دارا من كلّ ناحية؛و قاله ابن شهاب.ة.

ص: 428


1- الظّاهر:«الحواء»كما ذكره اللّسان:بمعنى جماعة البيوت المتدانية.

و روي أنّ رجلا جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فقال:إنّي نزلت محلّة قوم و إنّ أقربهم إليّ جوارا أشدّهم لي أذى؛فبعث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أبا بكر و عمر و عليّا يصيحون على أبواب المساجد:ألا إنّ أربعين دارا جار و لا يدخل الجنّة من لا يأمن جاره بوائقه.و قال عليّ بن أبي طالب:من سمع النّداء فهو جار.

و قالت فرقة:من سمع إقامة الصّلاة فهو جار ذلك المسجد.و قالت فرقة:من ساكن رجلا في محلّة أو مدينة فهو جار،قال اللّه تعالى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ إلى قوله: ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاّ قَلِيلاً الأحزاب:

60.

فجعل تعالى اجتماعهم في المدينة جوارا.و الجيرة مراتب بعضها ألصق من بعض،أدناها الزّوجة.[ثمّ استشهد بشعر](5:185)

نحوه أبو حيّان.(3:245)

الشّوكانيّ: وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى أي القريب جواره،و قيل:هو من له مع الجوار في الدّار قرب في النّسب وَ الْجارِ الْجُنُبِ المجانب،و هو مقابل للجار ذي القربى،و المراد:من يصدق عليه مسمّى الجوار مع كون داره بعيدة،و في ذلك دليل على تعميم الجيران بالإحسان إليهم،سواء كانت الدّيار متقاربة،أو متباعدة،و على أنّ الجوار حرمة مرعيّة مأمور بها.و فيه ردّ على من يظنّ أنّ الجار مختصّ بالملاصق دون من بينه، و بينه حائل،أو مختصّ بالقريب دون البعيد.

و قيل:إنّ المراد ب اَلْجارِ الْجُنُبِ هنا:هو الغريب،و قيل:هو الأجنبيّ الّذي لا قرابة بينه و بين المجاور له.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:المراد ب اَلْجارِ ذِي الْقُرْبى: المسلم، و ب اَلْجارِ الْجُنُبِ: اليهوديّ،و النّصرانيّ.

و قد اختلف أهل العلم في المقدار الّذي يصدق عليه مسمّى الجوار،و يثبت لصاحبه الحقّ،فروي عن الأوزاعيّ و الحسن:أنّه إلى حدّ أربعين دارا من كلّ ناحية،و روي عن الزّهريّ نحوه،و قيل:من سمع إقامة الصّلاة،و قيل:إذا جمعتهما محلّة،و قيل:من سمع النّداء.

و الأولى أن يرجع في معنى«الجار»إلى الشّرع،فإن وجد فيه ما يقتضي بيانه،و أنّه يكون جارا إلى حدّ كذا من الدّور،أو من مسافة الأرض،كان العمل عليه متعيّنا،و إن لم يوجد رجع إلى معناه لغة أو عرفا.و لم يأت في الشّرع ما يفيد أنّ«الجار»هو الّذي بينه و بين جاره مقدار كذطا،و لا ورد في لغة العرب أيضا ما يفيد ذلك،بل المراد بالجار في اللّغة:المجاور،و يطلق على معان.[ثمّ نقل كلام الفيروزآباديّ المتقدّم في اللّغة في معنى«الجار»و حديث النّبيّ المذكور في قول القرطبيّ، و قال:]

لو ثبت هذا لكان مغنيا عن غيره،و لكنّه رواه- كما ترى-من غير عزوه إلى أحد كتب الحديث المعروفة، و هو و إن كان إماما في علم الرّواية،فلا تقوم الحجّة بما يرويه بغير سند مذكور،و لا نقل عن كتاب مشهور، و لا سيّما،و هو يذكر الواهيات كثيرا،كما يفعل في «تذكرته».و قد ورد في القرآن ما يدلّ على أنّ المساكنة في مدينة مجاورة،قال اللّه تعالى: لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ إلى قوله: ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاّ

ص: 429

قَلِيلاً الأحزاب:60،فجعل اجتماعهم في المدينة جوارا.

و أمّا الأعراف في مسمّى الجوار،فهي تختلف باختلاف أهلها،و لا يصحّ حمل القرآن على أعراف متعارفة،و اصطلاحات متواضعة.(1:592)

الآلوسيّ: وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى أي الّذي قرب جواره، وَ الْجارِ الْجُنُبِ أي البعيد من الجنابة ضدّ القرابة،و هي على هذا مكانيّة.و يحتمل أن يراد ب اَلْجارِ ذِي الْقُرْبى: من له مع الجوار قرب و اتّصال بنسب أو دين،و ب اَلْجارِ الْجُنُبِ: الّذي لا قرابة له و لو مشركا.[إلى أن قال:]

و الظّاهر أنّ مبنى الجوار على العرف،و عن الحسن كما في«الأدب»أنّه سئل عن الجار،فقال:أربعين دارا أمامه و أربعين خلفه و أربعين عن يمينه و أربعين عن يساره،و روي مثله عن الزّهريّ.و قيل:أربعين ذراعا، و يبدأ بالأقرب فالأقرب.(5:28)

رشيد رضا :الجوار:ضرب من ضروب القرابة، فهي قرب بالنّسب،و هو قرب بالمكان و السّكن.و قد يأنس الإنسان بجاره القريب،ما لا يأنس بنسيبه البعيد، و يحتاجان إلى التّعاون و التّناصر ما لا يحتاج الأنسباء الّذين تناءت ديارهم.فإذا لم يحسن كلّ منهما بالآخر لم يكن فيهما خير لسائر النّاس.

و قد اختلف المفسّرون في وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى وَ الْجارِ الْجُنُبِ، فقال بعضهم:الأوّل هو القريب منك بالنّسب،و الثّاني هو الأجنبيّ لا قرابة بينك و بينه.

و قال بعضهم:الأوّل هو الأقرب منك دارا،و الثّاني من كان أبعد مزارا.و قيل:إنّ ذا القربى من كان قريبا منك و لو بالدّين،و الأجنبيّ من لا يجمعك به دين و لا نسب.

[إلى أن قال:]

قال الأستاذ الإمام:حدّد بعضهم الجوار بأربعين دارا من كلّ جانب من الجوانب الأربعة و الحكمة في الوصيّة بالجار،هي الّتي تعرّفنا سرّ الوصيّة و معنى الجوار،المراد بالجار:من تجاوره و يتراءى وجهك و وجهه في غدوّك أو رواحك إلى دارك،فيجب أن تعامل من ترى و تعاشر بالحسنى،فتكون في راحة معهم، و يكونون في راحة معك...

فهو يرى أنّ أمر الجوار لا يحدّد بالبيوت،و التّحديد بالدّور مرويّ عن الحسن،و حدّده بعضهم بأربعين ذراعا.و الصّواب عدم التّحديد و الرّجوع في ذلك إلى العرف،و الأقرب حقّه آكد.

و إكرام الجار من أخلاق العرب قبل الإسلام،و زاده الإسلام تأكيدا بالكتاب و السّنّة.و من الإحسان بالجار:

الإهداء إليه،و دعوته إلى الطّعام،و تعاهده بالزّيارة و العيادة.(5:91)

الطّباطبائيّ: و قوله: وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى وَ الْجارِ الْجُنُبِ قرينة المقابلة في الوصف تعطي أن يكون المراد ب اَلْجارِ ذِي الْقُرْبى: الجار القريب دارا و ب اَلْجارِ الْجُنُبِ: هو الأجنبيّ:الجار البعيد دارا.(4:354)

مكارم الشّيرازيّ: و هناك احتمالات متعدّدة حول المراد من وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى أبداها المفسّرون،فبعضهم قال:معناه الجار القريب في النّسب.

غير أنّ هذا التّفسير يبدو بعيدا بملاحظة العبارات

ص: 430

السّابقة،الّتي أشارت إلى حقوق الأقرباء في هذه الآية، فلا بدّ أن يكون المراد هو القرب المكانيّ لا القرب النّسبيّ، لأنّ الجيران الأقربين مكانا يستحقّون احتراما و حقوقا أكثر من غيرهم،أو أن يكون المراد الجيران الأقربين إلى الإنسان من النّاحية الدّينيّة و الاعتقاديّة.

(3:203)

2- ..وَ الْجارِ الْجُنُبِ وَ الصّاحِبِ بِالْجَنْبِ...

النّساء:36

ابن عبّاس: الجار الأجنبيّ من قوم آخرين له حقّان:حقّ الإسلام،و حقّ الجوار.(70)

نحوه مجاهد و قتادة و الضّحّاك.(الطّبريّ 5:80)

الجار من قوم جنب.

الّذي ليس بينهما قرابة و هو جار،فله حقّ الجوار.

(الطّبريّ 5:79)

نحوه قتادة و مجاهد و ابن زيد(الطّبريّ 5:79،80)

السّدّيّ: الجار الغريب يكون في القوم.

(الطّبريّ 5:79)

الفرّاء: الجار الّذي ليس بينك و بينه قرابة.

(1:267)

أبو عبيدة :الغريب،يقال:ما تأتينا إلاّ عن جنابة، أي من بعيد.[ثمّ استشهد بشعر](1:126)

نوف الشّاميّ: وَ الْجارِ الْجُنُبِ: اليهوديّ و النّصرانيّ.(الطّبريّ 5:80)

الطّبريّ: القول في تأويل قوله: وَ الْجارِ الْجُنُبِ اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك[و نقل قولين للمفسّرين ثمّ قال:]

و أولى القولين في ذلك بالصّواب،قول من قال:

معنى(الجنب)في هذا الموضع:الغريب البعيد،مسلما كان أو مشركا،يهوديّا كان أو نصرانيّا،لما بيّنّا قبل:من أنّ وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى هو الجار ذو القرابة و الرّحم،و الواجب أن يكون الجار ذو الجنابة:الجار البعيد،ليكون ذلك وصيّة بجميع أصناف الجيران، قريبهم و بعيدهم،و بعد فإنّ(الجنب)في كلام العرب:

البعيد.[ثمّ استشهد بشعر](5:79)

الأزهريّ: وَ الْجارِ الْجُنُبِ: ألاّ يكون له مناسبا فيجيء إليه فيسأله أن يجيره،أي يمنعه،فينزل معه،فهذا الجار الجنب له حرمة نزوله.(11:176)

الماورديّ: فيه قولان:

أحدهما:[القول الثّالث لابن عبّاس]

و الثّاني:أنّه المشرك البعيد في دينه.(1:485)

الطّوسيّ: وَ الْجارِ الْجُنُبِ: معناه الغريب الأجنبيّ،لتنحّيه عن القرابة.[ثمّ استشهد بشعر]

و روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:الجيران ثلاثة:جار له ثلاثة حقوق:حقّ الجوار،و حقّ القرابة،و حقّ الإسلام.و جار له حقّان:حقّ الجوار،و حقّ الإسلام.

و جار له حقّ الجوار:المشرك من أهل الكتاب.(3:194)

نحوه البروسويّ.(2:206)

الميبديّ: وَ الْجارِ الْجُنُبِ قرأ عاصم بفتح الجيم و سكون النّون برواية المفضّل عنه،و هو على حذف المضاف.و التّقدير:أي ذي النّاحية،و العرب تقول للغريب إذا أجرته:جار جنب.

ص: 431

و قرأ الباقون (و الجار الجنب) بضمّتين،و هو صفة للجار،مثل قولهم:ناقة أجد و مشية سجح،و المراد ب(الجنب):الغريب المتباعد عن أهله.

و(الجنب)هنا بمعنى الأجنبيّ،و سمّي به لتباعده عن أهلك.و منه أخذ التّجنّب للتّقوى،و سمّي الجنب به، لتباعده عن قراءة الصّلاة و القرآن.(2:500)

الفخر الرّازيّ: هو الّذي بعد جواره.قال عليه الصّلاة و السّلام:«لا يدخل الجنّة من لا يأمن جاره بوائقه ألا و إنّ الجوار أربعون دارا».(10:96)

النّيسابوريّ: [نحو الفخر و أضاف:]

و قيل: وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى: الجار القريب النّسب، وَ الْجارِ الْجُنُبِ: الأجنبيّ.(5:39)

الشّريف العامليّ: و ظاهر أنّ الجار الحقيقيّ هو المجاور في الإيمان باللّه و رسوله و الأئمّة،و إن كان بعيد الدّار في الدّنيا،لكونه قريب الدّار في الجنّة،و هكذا لا يدخل في جوار اللّه و لا يجير هو يوم القيامة إلاّ من كان من أهل الولاية،و إن أمر في الدّنيا بإجارة كلّ مستجير لمصالح،منها حصول كمال الاطّلاع من المستجير على آداب أهل الحقّ و شعائر أهل الولاية فافهم.(115)

الشّربينيّ: أي البعيد عنك في النّسب و الجوار.

(1:302)

أبو السّعود :أي البعيد،أو الّذي لا قرابة له.[إلى أن قال:]

و قرئ (و الجار الجنب و الصّاحب بالجنب) .

(2:135)

مكارم الشّيرازيّ: ثمّ إنّها توصي بالجيران البعيدين،و المراد-كما أسلفنا-هو البعد المكانيّ،لأنّ كلّ أربعين دارا جيران من بين يديه و خلفه و عن يمينه و شماله،كما تصرّح بعض الرّوايات.و هذا يستوعب في المدن الصّغيرة كلّ المدينة تقريبا لأنّنا لو فرضنا دار كلّ شخص مركز دائرة يقع في امتداد شعاعها من كلّ صوب أربعون بيتا،لاتّضحت من خلال محاسبة بسيطة مساحة هذه الدّائرة الّتي يكون مجموع البيوت الواقعة فيها ما يقرب من خمسة آلاف بيت،و من المسلّم أنّ المدن الصّغيرة قلّما تتشكّل من أكثر من هذا العدد من المنازل و البيوت.

و الجدير بالتّأمّل:أنّ القرآن يصرّح في هذه الآية -مضافا إلى ذكر الجيران القريبين-بحقّ الجيران البعيدين،لأنّ لفظة الجار لها في العادة مفهوم محدود و ضيّق،و تشمل الجيران القريبين فقط،و لهذا لم يكن يبدو (1)في نظر الإسلام،من أن يذكر بالجيران البعيدين أيضا.(3:203)

يجير-يجار

1- قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَ هُوَ يُجِيرُ وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ. المؤمنون:88

ابن عبّاس: (وَ هُوَ يُجِيرُ) :يقضي وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ: لا يقضى عليه.و يقال:هو يجير الخلق من عذابه و لا يجار عليه،لا يجير أحد أحدا من عذابه.

(290)

ص: 432


1- كذا و الظّاهر:بدّ.

الطّبريّ: يجير من أراد ممّن قصده بسوء وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ يقول:و لا أحد يمتنع ممّن أراده هو بسوء،فيدفع عنه عذابه و عقابه.(18:49)

نحوه القاسميّ.(12:4414)

الماورديّ: أي يمنع و لا يمنع منه،فاحتمل ذلك وجهين:

أحدهما:في الدّنيا ممّن أراد هلاكه لم يمنعه منه مانع،و من أراد نصره لم يدفعه من نصره دافع.

الثّاني:في الآخرة لا يمنعه من مستحقّي الثّواب مانع، و لا يدفعه من مستوجب العذاب دافع.(4:65)

نحوه القرطبيّ.(12:145)

البغويّ: (وَ هُوَ يُجِيرُ) أي يؤمن من يشاء، وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ أي لا يؤمن من أخافه اللّه،أو يمنع هو من السّوء من يشاء،و لا يمنع من أراده بسوء.

(3:372)

الطّوسيّ: (يجير)معناه أنّه يعيذ بالمنع من السّوء، لما يشاء و لا يجار عليه،أي لا يمكن منع من أراده بسوء منه.و قيل:هو يجير من العذاب و لا يجار عليه منه.

و الإجارة:الإعاذة،و الجار:المجير المعيذ،و هو الّذي يمنعك و يؤمنك،و من استجار باللّه أعاذه و من أعاذه اللّه لم يصل إليه أحد.(7:388)

الميبديّ: أي يعقد الإيمان لمن شاء و لا ينقض أمانه،و لا يعقد عليه الأمان،يعني يؤمن من يشاء و لا يؤمن من أخافه اللّه،و منه قوله عزّ و جلّ: وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللّهِ التّوبة:6.(6:457)

الطّبرسيّ: أي يمنع من السّوء من يشاء و لا يمتنع منه من أراده بسوء،يقال:أجرت فلانا،إذا استغاث بك فحميته،و أجرت عليه،إذا حميت عنه.

و يحتمل أن يكون أراد في الدّنيا،أي من قصد عبدا من عباده بسوء قدر على منعه،و من أراد اللّه بسوء لم يقدر على منعه أحد.

و يحتمل أن يكون أراد في الآخرة،أي يجير من العذاب،و لا يجار عليه منه.(4:115)

الفخر الرّازيّ: يقال:أجرت فلانا على فلان،إذا أغثته منه و منعته،يعني و هو يغيث من يشاء ممّن يشاء، و لا يغيث أحد منه أحدا.(23:116)

نحوه النّسفيّ(3:126)،و الشّوكانيّ(3:620)، و أبو حيّان(6:418)

البيضاويّ: يغيث من يشاء و يحرسه، وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ و لا يغاث أحد و لا يمنع منه.و تعديته ب«على»لتضمين معنى النّصرة.(2:113)

نحوه الكاشانيّ(3:408)،و أبو السّعود(4:429)، و المشهديّ(6:631)،و الآلوسيّ(18:58)

الشّربينيّ: أي يمنع و يغيث من شاء،فيكون في حرز،لا يقدر أحد على الدّنوّ من ساحته، (وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ) أي و لا يمكن أحد أبدا أن يجير جوارا يكون مستعليا عليه بأن يكون على غير مراده،بل يأخذ من أراد و إن نصره جميع الخلائق،و يعلي من أراد و إن تحاملت عليه كلّ المصائب.فتبيّن كالشّمس أنّه لا شريك يمانعه و لا ولد يضارعه،و أنّه السّيّد العظيم الّذي لا أعظم منه،الّذي له الخلق و الأمر،و لا معقّب

ص: 433

لحكمه،و ما شاء كان و ما لم يشأ لم يكن.(2:589)

البروسويّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]

و في«التّأويلات النّجميّة»و هو يجير الأشياء من الهلاك بالقيّوميّة وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ أي لا مانع له ممّن أراد هلاكه.(6:101)

الطّباطبائيّ: وَ هُوَ يُجِيرُ وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ من الجوار،و هو في أصله:قرب المسكن،ثمّ جعلوا للجوار حقّا،و هو حماية الجار لجاره عمّن يقصده بسوء،لكرامة الجار على الجار بقرب الدّار.و اشتقّ منه الأفعال،يقال:

استجاره فأجاره،أي سأله الحماية فحماه،أي يمنع عنه من يقصده بسوء.

و هذا جار في جميع أفعاله تعالى،فما من شيء يخصّه اللّه بعطيّة حدوثا أو بقاء إلاّ و هو يحفظه على ما يريد و بمقدار ما يريد،من غير أن يمنعه مانع؛إذ منع المانع-لو فرض-إنّما هو بإذن منه و مشيئة،فليس منعا له تعالى بل منعا منه،و تحديدا لفعل منه بفعل آخر.و ما من سبب من الأسباب يفعل فعلا إلاّ و له تعالى أن يتصرّف فيه بما لا يريده،لأنّه تعالى هو الّذي ملكه الفعل بمشيئته،فله أن يمنعه منه أو من بعضه.

فالمراد بقوله: وَ هُوَ يُجِيرُ وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ أنّه يمنع السّوء عمّن قصد به،و لا يمنعه شيء إذا أراد شيئا بسوء عمّا أراد.

و معنى الآية:قل لهؤلاء المنكرين للبعث:من الّذي يختصّ به إيجاد كلّ شيء بما له من الخواصّ و الآثار،و هو يحمي من استجار به،و لا يحمى عنه شيء،إذا أراد شيئا بسوء،إن كنتم تعلمون؟(15:60)

عبد الكريم الخطيب:أي يحمي،و يحفظ وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ: و لا سلطان لأحد يدفع بأسه، و يكشف ضرّه.

من هذا،و لمن هذا؟جواب واحد،هو اللّه ربّ العالمين،و هو للّه ربّ العالمين.و نتيجة واحدة:

الاستسلام للّه،و الولاء للّه.(9:1170)

2- قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللّهُ وَ مَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. الملك:28

الميبديّ: من يمنعكم من بأسه،و أيّ نفع لكم في هلاكنا.(10:177)

الطّبرسيّ: و ما الّذي ينفعهم في دفع العذاب عنهم.

و قيل:إنّ الكفّار كانوا يتمنّون موت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و موت أصحابه،فقيل له:قل لهم: إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللّهُ وَ مَنْ مَعِيَ ذلك بأن يميتني و يميت أصحابي،فمن الّذي ينفعكم و يؤمّنكم من العذاب،فإنّه واقع بكم لا محالة.(5:330)

الفخر الرّازيّ: فأيّ راحة لكم في ذلك،و أيّ منفعة لكم فيه،و من الّذي يجيركم من عذاب اللّه إذا نزل بكم،أ تظنّون أنّ الأصنام تجيركم أو غيرها،فإذا علمتم أن لا مجير لكم فهلاّ تمسّكتم بما يخلّصكم من العذاب، و هو العلم بالتّوحيد و النّبوّة و البعث.(30:76)

نحوه المراغيّ.(29:24)

البيضاويّ: أي لا ينجيهم أحد من العذاب متنا أو بقينا،و هو جواب لقولهم: نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ الطّور:30.(2:493)

مثله الكاشانيّ(5:205)،و المشهديّ(10:

ص: 434

545)،و نحوه أبو السّعود(6:282).

النّيسابوريّ: و إن أهلكنا اللّه بالموت فمن يخلّصكم من النّار بعد موت هداتكم؛و إن رحمنا بالإمهال و الغلبة عليكم،فمن ينجيكم من العذاب؟(29:13)

البروسويّ: ينجي و يخلّص.(10:97)

الشّوكانيّ: أي فمن يمنعهم و يؤمّنهم من العذاب.

و المعنى أنّه لا ينجيهم من ذلك أحد،سواء أهلك اللّه رسوله و المؤمنين معه،كما كان الكفّار يتمنّونه،أو أمهلهم.

و قيل:المعنى إنّا مع إيماننا بين الخوف و الرّجاء،فمن يجيركم مع كفركم من العذاب.

و وضع الظّاهر موضع المضمر للتّسجيل عليهم بالكفر،و بيان أنّه السّبب في عدم نجاتهم.(5:324)

فضل اللّه :فلن يغيّر الوضع الّذي نكون عليه شيئا من وضعكم،لأنّكم ستواجهون العذاب على كفركم و جحودكم،من دون أن ينصركم أحد من اللّه.(23:31)

يجيرنى

قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّهِ أَحَدٌ وَ لَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً. الجنّ:22

الطّبريّ: من خلقه أحد إن أراد بي أمرا، و لا ينصرني منه ناصر.(29:120)

الماورديّ: و يحتمل وجهين:

أحدهما:لن يجيرني مع إجارة اللّه لي أحد.

الثّاني:لن يجيرني ممّا قدّره اللّه عليّ أحد.

(6:121)

نحوه الطّبرسيّ.(5:373)

البغويّ: لن يمنعني منه أحد إن عصيته.(5:163) نحوه الميبديّ(10:257)،و الخازن(7:135)، و النّسفيّ(4:301)،و الشّوكانيّ(5:379).

الطّوسيّ: أي لا يقدر أن يجير على اللّه حتّى يدفع عنه ما يريده به من العقاب.(10:157)

القرطبيّ: أي لا يدفع عذابه عنّي أحد إن استحفظته،و هذا لأنّهم قالوا:اترك ما تدعو إليه و نحن نجيرك.

و روى أبو الجوزاء عن ابن مسعود،قال:انطلقت مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ليلة الجنّ حتّى أتى الحجون فخطّ عليّ خطّا،ثمّ تقدّم إليهم،فازدحموا عليه،فقال سيّد لهم يقال له وردان:أنا أزجلهم عنك،فقال:إنّي لن يجيرني من اللّه أحد.(19:24)

نحوه أبو حيّان.(8:353)

الشّربينيّ: أي فيدفع عنّي ما يدفع المجير عن جاره.

(4:407)

البروسويّ: ينقذني و يخلّصني من اللّه،من قهره و عذابه إن خالفت أمره،و أشركت به أحدا إن استنقذته،أو لن ينجيني منه أحد إن أرادني بسوء قدّره عليّ من مرض أو موت أو غيرهما.

قال بعضهم:هذه لفظة تدلّ على الإخلاص في التّوحيد؛إذ التّوحيد هو صرف النّظر إلى الحقّ لا غير، و هذا لا يصحّ إلاّ بالإقبال على اللّه و الإعراض عمّا سواه،و الاعتماد عليه دون ما عداه.(10:199)

المراغيّ: أي قل:إنّي لن يجيرني من اللّه أحد من

ص: 435

خلقه إن أراد بي سوء،و لن ينصرني منه ناصر،و لا أجد من دونه ملجأ و لا معينا،لكن إن بلّغت رسالته و أطعته أجارني.(29:104)

يجركم

يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللّهِ وَ آمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَ يُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ. الأحقاف:31.

ابن عبّاس: ينجكم.(426)

الطّبريّ: يقول:و ينقذكم من عذاب موجع إذا أنتم تبتم من ذنوبكم،و أنبتم من كفركم إلى الإيمان باللّه و بداعيه.(26:34)

الطّوسيّ: فالإجارة من النّار جعلهم في جوار الأولياء المتباعدين من النّار.و في الدّعاء:اللّهمّ أجرني من النّار و اللّهمّ أعذني منها.(9:286)

ابن عطيّة: معناه:يمنعكم و يجعل دونكم جوار حفظه حتّى لا ينالكم عذاب.(5:106)

الطّبرسيّ: أي و يخلّصكم.(5:94)

الشّربينيّ: أي يمنعكم منع الجار لجاره،لكونكم بالتّحيّز إلى داعيه صرتم من حزبه.(4:18)

المراغيّ: و يسترها لكم،و لا يفضحكم بها في الآخرة بعقوبته لكم عليها،و ينقذكم من عذاب موجع؛ إذا أنتم تبتم من ذنوبكم و أنبتم إلى ربّكم،و أخلصتم له العبادة.(26:37)

فاجره-استجارك

وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللّهِ. التّوبة:6

ابن عبّاس: استأمنك فأمّنه.(153)

نحوه الطّبريّ(10:79)،و الماورديّ(2:341)، و الفخر الرّازيّ(15:226)،و النّسفيّ(2:117)، و النّيسابوريّ(10:44)،و المراغيّ(10:59).

البغويّ: أي استأمنك بعد انسلاخ الأشهر الحرم ليسمع كلام اللّه(فاجره)فأعذه و أمّنه.(2:319)

نحوه الآلوسيّ.(10:53)

الزّمخشريّ: و المعنى:و إن جاءك أحد من المشركين بعد انقضاء الأشهر،لا عهد بينك و بينه و لا ميثاق،فاستأمنك ليسمع ما تدعو إليه من التّوحيد و القرآن و تبيّن ما بعثت له،فأمّنه حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللّهِ و يتدبّره و يطّلع على حقيقة الأمر.(2:175)

الطّبرسيّ: و إن طلب أحد من المشركين الّذين أمرتك بقتالهم منك الأمان من القتل...فأمّنه و بيّن له ما يريد،و أمهله.(3:8)

نحوه الخازن.(3:51)

القرطبيّ: أي سأل جوارك،أي أمانك و ذمامك، فأعطه إيّاه.(8:75)

نحوه البيضاويّ(1:406)،و الكاشانيّ(2:322)، و البروسويّ(3:388).

أبو حيّان :أي طلب منك أن تكون مجيرا له،و ذلك بعد انسلاخ الأشهر،ليسمع كلام اللّه و ما تضمّنه من التّوحيد،و يقف على ما بعثت به،فكن مجيرا له حتّى يسمع كلام اللّه و يتدبّره،و يطّلع على حقيقة الأمر.[إلى أن قال:]

ص: 436

(فاجره)يدلّ على أنّ أمان السّلطان جائز،و أمّا غيره فالحرّ يمضي أمانه.(5:11)

الشّربينيّ: أي طلب أن تعامله في الإكرام معاملة الجار بعد انقضاء مدّة السّياحة(فاجره)أي فأمّنه و دافع عنه من قصده بسوء.(1:590)

أبو السّعود :بعد انقضاء الأجل المضروب،أي سألك أن تؤمّنه و تكون له جارا(فاجره)أي أمّنه حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللّهِ و يتدبّره،و يطّلع على حقيقة ما يدعو إليه.و الاقتصار على ذكر السّماع لعدم الحاجة إلى شيء آخر في الفهم،لكونهم من أهل اللّسن و الفصاحة.

و(حتّى)سواء كانت للغاية أو للتّعليل متعلّقة بما بعدها لا بقوله تعالى: (اسْتَجارَكَ) لأنّه يؤدّي إلى إعمال حتّى في المضمر،و ذلك ممّا لا يكاد يرتكب في غير ضرورة الشّعر.[ثمّ استشهد بشعر]

كذا قيل إلاّ أنّ تعلّق«الإجارة»بسماع كلام اللّه تعالى بأحد الوجهين يستلزم تعلّق«الاستجارة»أيضا بذلك أو بما في معناه من أمور الدّين.و ما روي عن عليّ رضي اللّه عنه أنّه أتاه رجل من المشركين،فقال:إن أراد الرّجل منّا أن يأتي محمّدا بعد انقضاء هذا الأجل لسماع كلام اللّه تعالى أو لحاجة قتل؟قال:لا،لأنّ اللّه تعالى يقول: وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ...

فالمراد بما فيه من الحاجة هي الحاجة المتعلّقة بالدّين لا ما يعمّها و غيرها من الحاجات الدّنيويّة،كما ينبئ عنه قوله:أن يأتي محمّدا،فإنّ من يأتيه عليه السّلام إنّما يأتيه للأمور المتعلّقة بالدّين.(3:124)

القاسميّ: أي استأمنك بعد انقضاء أشهر العهد، فأجبه إلى طلبتة حتّى يسمع كلام اللّه.(8:3077)

يجاورونك

...لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاّ قَلِيلاً.

الأحزاب:60

ابن عبّاس: لا يساكنون معك في المدينة.(357)

نحوه الطّبريّ(22:48)،و البغويّ(3:665)، و الطّوسيّ(8:361)،و الطّبرسيّ(4:371)،و الخازن (5:228)،و الشّربينيّ(3:272).

ابن عطيّة: أي بعد الإغراء،لأنّك تنفيهم بالإخافة و القتل.(4:400)

متجاورات

وَ فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَ جَنّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَ زَرْعٌ.... الرّعد:4

ابن عبّاس: ملتزقات:أرض سبخة رديئة، و بجنبها أرض طيّبة عذبة جيّدة.(205)

الأرض السّبخة،و الأرض العذية،يكونان جميعا متجاورات،نفضّل بعضها على بعض في الأكل.

(الطّبريّ 13:97)

الأرض تنبت حلوا،و الأرض تنبت حامضا،و هي متجاورة تسقى بماء واحد.(الطّبريّ 13:97)

مجاهد :السّبخة و العذية،و المالح و الطّيب.

(الطّبريّ 13:97)

الضّحّاك: الأرض السّبخة بينها الأرض العذية.

(الطّبريّ 13:98)

ص: 437

الأصمّ:أرض قريبة من أرض أخرى:واحدة طيّبة،و أخرى سبخة،و أخرى حرّة،و أخرى رملة، و أخرى تكون حصباء،و أخرى تكون حمراء،و أخرى تكون سوداء.(الفخر الرّازيّ 19:7)

الفرّاء: يقول:فيها اختلاف،و هي متجاورات:

هذه طيّبة تنبت،و هذه سبخة لا تخرج شيئا.(2:58)

الطّبريّ: و في الأرض قطع منها متقاربات متدانيات،يقرب بعضها من بعض بالجوار،و تختلف بالتّفاضل مع تجاورها،و قرب بعضها من بعض،فمنها قطعة سبخة،لا تنبت شيئا،في جوار قطعة طيّبة،تنبت و تنفع.(13:97)

نحوه الميبديّ.(5:160)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:أنّ المتجاورات:المدن و ما كان عامرا، و غير المتجاورات:الصّحاري و ما كان غير عامر.

الثّاني:أي متجاورات في المدى،مختلفات في التّفاضل،و فيه وجهان:

أحدهما:أن يتّصل ما يكون نباته مرّا.

[القول الثّاني لابن عبّاس المتقدّم](3:93)

البغويّ: متقاربات يقرب بعضها من بعض،و هي مختلفة:هذه طيّبة تنبت،و هذه سبخة لا تنبت،و هذه قليلة الرّيع،و هذه كثيرة الرّيع.(3:6)

نحوه الخازن(4:3)،و الشّربينيّ(2:146).

الطّبرسيّ: أي أبعاض متقاربات مختلفات.

(3:276)

الفخر الرّازيّ: في الآية مسائل:

المسألة الأولى:اعلم أنّ المقصود من هذه الآية إقامة الدّلالة على أنّه لا يجوز أن يكون حدوث الحوادث في هذا العالم لأجل الاتّصالات الفلكيّة-،و الحركات الكوكبيّة.و تقريره من وجهين:

الأوّل:أنّه حصل في الأرض قطع مختلفة بالطّبيعة و الماهيّة،و هي مع ذلك متجاورة،فبعضها تكون سبخيّة،و بعضها تكون رخوة،و بعضها تكون صلبة، و بعضها تكون منبتة،و بعضها تكون حجريّة أو رمليّة،و بعضها يكون طينا لزجا،ثمّ إنّها متجاورة، و تأثير الشّمس و سائر الكواكب في تلك القطع على السّويّة،فدلّ هذا على أنّ اختلافها في صفاتها بتقدير العليم القدير.

و الثّاني:أنّ القطعة الواحدة من الأرض تسقى بماء واحد،فيكون تأثير الشّمس فيها متساويا.ثمّ إنّ تلك الثّمار تجيء مختلفة في الطّعم و اللّون و الطّبيعة و الخاصيّة،حتّى أنّك قد تأخذ عنقودا من العنب فيكون جميع حبّاته حلوة نضيجة إلاّ حبّة واحدة،فإنّها بقيت حامضة يابسة...

المسألة الثّانية:[نقل قول الأصمّ و أضاف:]

و بالجملة فاختلاف بقاع الأرض في الارتفاع و الانخفاض و الطّباع و الخاصّيّة أمر معلوم.و في بعض المصاحف(قطعا متجاورات)و التّقدير:و جعل فيها رواسي،و جعل في الأرض قطعا متجاورات.(19:6)

القرطبيّ: أي قرى متدانيات،ترابها واحد، و ماؤها واحد،و فيها زروع و جنّات،ثمّ تتفاوت في الثّمار و التّمر،فيكون البعض حلوا،و البعض حامضا،

ص: 438

و الغصن الواحد من الشّجرة قد يختلف الثّمر فيه من الصّغر و الكبر و اللّون و الطّعم،و إن انبسط الشّمس و القمر على الجميع على نسق واحد.و في هذا أدلّ دليل على وحدانيّته و عظم صمديّته،و الإرشاد لمن ظلّ عن معرفته.

فإنّه نبّه سبحانه بقوله:«تسقى بماء واحد»على أنّ ذلك كلّه ليس إلاّ بمشيئته و إرادته،و أنّه مقدور بقدرته.و هذا أدلّ دليل على بطلان القول بالطّبع؛إذ لو كان ذلك بالماء و التّراب و الفاعل له الطّبيعة،لما وقع الاختلاف.

و قيل:وجه الاحتجاج أنّه أثبت التّفاوت بين البقاع،فمن تربة عذبة،و من تربة سبخة مع تجاورهما.

و هذا أيضا من دلالات كمال قدرته،جلّ و عزّ تعالى عمّا يقول الظّالمون و الجاحدون علوّا كبيرا.(9:281)

البيضاويّ: بعضها طيّبة،و بعضها سبخة، و بعضها رخوة،و بعضها صلبة،و بعضها يصلح للزّرع دون الشّجر،و بعضها بالعكس.و لو لا تخصيص قادر موقع لأفعاله على وجه دون وجه لم تكن كذلك، لاشتراك تلك القطع في الطّبيعة الأرضيّة و ما يلزمها و يعرض لها،بتوسّط ما يعرض من الأسباب السّماويّة، من حيث أنّها متضامّة متشاركة في النّسب و الأوضاع.

(1:513)

مثله المشهديّ(5:75)،و نحوه النّسفيّ(2:242)، و النّيسابوريّ(13:63)،و الكاشانيّ(3:57)، و البروسويّ(4:340)،و القاسميّ(9:3644).

أبو السّعود :أي متلاصقات،و في بعض المصاحف (قطعا متجاورات) أي جعل في الأرض قطعا.

(3:438)

الشّوكانيّ: هذا كلام مستأنف مشتمل على ذكر نوع آخر من أنواع الآيات.قيل:و في الكلام حذف،أي قطع متجاورات،و غير متجاورات،كما في قوله:

سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ النّحل:81.(3:81)

الآلوسيّ: أي متلاصقة،و المقصود:الإخبار بتفاوت أجزاء الأرض المتلاصقة على الوجه الّذي علمت،و هذا هو المأثور عن الأكثرين.

و أخرج أبو الشّيخ عن قتادة أنّ المعنى:و في الأرض قرى قريب بعضها من بعض،و أخرج عن الحسن أنّه فسّر ذلك بالأهواز،و فارس،و الكوفة،و البصرة،و من هنا قيل:في الآية اكتفاء على حدّ (سَرابِيلَ تَقِيكُمُ الْحَرَّ) ،و المراد:قطع متجاورات و غير متجاورات.

و في بعض المصاحف (و قطعا متجاورات) بالنّصب،أي و جعل في الأرض قطعا.(13:101)

الطّباطبائيّ: و المعنى أنّ من الدّليل على أنّ هذا النّظام الجاري قائم بتدبير مدبّر وراءه،يخضع له الأشياء بطبائعها و يجريها على ما يشاء و كيف يشاء،أنّ في الأرض قطعا متجاورات متقاربة بعضها من بعض، متشابهة في طبع ترابها،و فيه جنّات من أعناب،و العنب من الثّمرات الّتي تختلف اختلافا عظيما في الشّكل و اللّون و الطّعم و المقدار و اللّطافة و الجودة و غير ذلك، و فيها زرع مختلف في جنسه و صنفه من القمح و الشّعير و غير ذلك،و فيها نخيل صنوان أي أمثال نابتة على أصل مشترك فيه،و غير صنوان أي متفرّقة تسقي الجميع من

ص: 439

ماء واحد،و نفضّل بعضها على بعض بما فيه من المزيّة المطلوبة في شيء من صفاته.

فإن قيل:هذه الاختلافات راجعة إلى طبائعها الخاصّة بكلّ منها،أو العوامل الخارجيّة الّتي تعمل فيها، فتتصرّف في أشكالها و ألوانها و سائر صفاتها،على ما تقيمه الأبحاث العلميّة المتعرّضة لشئونها الشّارحة لتفاصيل طبائعها،و خواصّها،و العوامل الّتي تؤثّر في كيفيّة تكوّنها و تتصرّف في صفاتها.

قيل:نعم،لكن ينتقل السّؤال حينئذ إلى سبب اختلاف هذه الطّبائع الدّاخليّة و العوامل،فما هي العلّة في اختلافها المؤدّية إلى اختلاف الآثار؟و تنتهي بالآخرة إلى المادّة المشتركة بين الكلّ المتشابهة الأجزاء،و مثلها لا يصلح لتعليل هذا الاختلاف المشهود،فليس إلاّ أنّ هناك سببا فوق هذه الأسباب أوجد هو المادّة المشتركة، ثمّ أوجد فيها من الصّور و الآثار ما شاء،و بعبارة أخرى هناك سبب واحد ذي شعور و إرادة تستند هذه الاختلافات إلى إراداته المختلفة،و لولاه لم يتميّز شيء من شيء،و لا اختلف في شيء هذا.

و من الواجب على الباحث المتدبّر في هذه الآيات أن يتنبّه أنّ استناد اختلاف الخلقة إلى اختلاف إرادة اللّه سبحانه ليس إبطالا لقانون العلّة و المعلول كما ربّما يتوهّم،فإنّ إرادة اللّه سبحانه ليست صفة طارئة لذاته كإرادتنا،حتّى تتغيّر ذاته بتغيّر الإرادات،بل هذه الإرادات المختلفة صفة فعله و منتزعة من العلل التّامّة للأشياء،فليكن عندك إجمال هذا المطلب حتّى يوافيك توضيحه في محلّ يناسبه إن شاء اللّه.(11:293)

عبد الكريم الخطيب:أي يجاور بعضها بعضا، و لكنّها تختلف وجوها،و تتباين صورا و أشكالا، فبعضها جديب،و بعضها خصيب،و قطع منها مياه، و قطع أخرى يابسة،و جوانب منها عشب و زروع، و جوانب أخرى حدائق و بساتين.(7:68)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: الجار على ستّة أوجه:المعين،الأمن، القضاء،التّضرّع،المجاور بعينه،الجاري:السّاري

فوجه منها:الجار:المعين،قوله في سورة الأنفال:

48،إخبارا عن إبليس قوله: وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ أي معين لكم.

و الوجه الثّاني:استجار أي استأمن.قوله في سورة التّوبة:6، وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ يعني فأمّنه.

و الوجه الثّالث:يجير:يعني يقضي،قوله في سورة المؤمنون:88، وَ هُوَ يُجِيرُ وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ يقضي و لا يقضى عليه.

و الوجه الرّابع:يجار أي يتضرّع،قوله في سورة المؤمنون:64،65، حَتّى إِذا أَخَذْنا مُتْرَفِيهِمْ بِالْعَذابِ إِذا هُمْ يَجْأَرُونَ يعني يجزعون و يتضرّعون،قوله:

لا تَجْأَرُوا الْيَوْمَ أي لا تجزعوا و لا تتضرّعوا.

و الوجه الخامس:الجار،هو المجاور بعينه،قوله في سورة النّساء:36، وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى وَ الْجارِ الْجُنُبِ و نحوه كثير.

و الوجه السّادس:الجاري:السّاري،قوله في

ص: 440

الذّاريات:3، فَالْجارِياتِ يُسْراً، و قوله: وَ لَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ الرّحمن:24، و نحوه كثير.(211)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجار،و هو الصّقب،أي المجاور،و الجمع:أجوار و جيرة و جيران.يقال:جاور الرّجل مجاورة و جوارا و جوارا،أي ساكنه،و إنّه لحسن الجيرة،و تجاوروا و اجتوروا:جاور بعضهم بعضا.

ثمّ وضعوا معاني أخرى للجار،و هي ممّا يلزم هذا المعنى،كالحليف و النّاصر و غيرهما.يقال:أجاره اللّه من العذاب،أي أنقذه،و جاور بني فلان و فيهم مجاورة و جوارا:تحرّم بجوارهم،أي تمنّع،و أجار الرّجل إجارة:

خفره،و استجاره:سأله أن يجيره،و قد استجاره من فلان فأجاره منه.

و الجارة:امرأة الرّجل،و هو جارها،لأنّه يجيرها و يمنعها و لا يعتدي عليها.

2-و قد تبع هذه المادّة معنى الكثرة و الغزارة؛و ذلك لما يفضل الجار على الجار فيستغني به،و منه:الجوار:

الماء الكثير،يقال:غيث جورّ،أي غزير كثير المطر.

و تبعها أيضا معنى الشّدّة و الصّلابة،لأنّ الجار يتقوّى بجاره،و منه:الجورّ:الصّلب الشّديد.يقال:بعير جورّ،أي ضخم،و نعجة جورّة:ضخمة.

قال الفرّاء في«جورّ»:«إن شئت جعلت(الواو)فيه زائدة،من:جررت،و إن شئت جعلته(فعلاّ)من الجور، و يصير التّشديد في(الرّاء)زيادة،كما يقال:حمّارة».

و روى ابن دريد في«الجمهرة»عن أبي بكر قوله:

«ليس في كلامهم(فوعل)إلاّ مدغما،و الّذي جاء منه جورّ و زورّ،من قولهم:زورّ القوم،و قد قالوا:زورّ قومه،أي رئيسهم و سيّدهم (1)».

و تعقّبه بعضهم بقوله:«هذا غلط،ليس في كلامهم (فوعل)أصلا،و هذا(فعلّ) (2).

و نحن نميل إلى القول الأخير،لأنّ قول الفرّاء يكاد أن يكون اعتسافا،فهو قد تشبّث بالقياس و أهمل السّماع؛إذ لم يرد معنى الكثرة و الشّدّة في«ج ر ر»،و لفظ «جورّ»يفيد ذلك كما تقدّم،انظر«ج ر ر».

3-كما لحق بهذه المادّة معنى الصّرع و الضّرب، يقال:ضربه فجوّره،أي صرعه،و ضربه ضربة تجوّر منها:سقط،و تجوّر على فراشه:اضطجع،و تجوّر البناء:

تهدّم،و جوّر البناء و الخباء و غيرهما:صرعه و قلبه.

و هذا من إبدال الكاف جيما،و هو كثير في اللّغة كما تقدّم سابقا،لاحظ«ك و ر».

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الفعل الماضي من باب«الاستفعال»مرّة، و المضارع من باب«الإفعال»معلوما 4 مرّات،و مجهولا مرّة-و الأمر منه مرّة-و المضارع من باب«المفاعلة» مرّة،و اسم الفاعل من المجرّد 4 مرّات و من باب «التّفاعل»مرّة،في 10 آيات:

ص: 441


1- جمهرة اللّغة(3:351)،و لعلّه أراد بأبي بكر ابن الأنباريّ.
2- المزهر(2:57)

1- وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ حَتّى يَسْمَعَ كَلامَ اللّهِ ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ التّوبة:6

2- لَئِنْ لَمْ يَنْتَهِ الْمُنافِقُونَ وَ الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ وَ الْمُرْجِفُونَ فِي الْمَدِينَةِ لَنُغْرِيَنَّكَ بِهِمْ ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاّ قَلِيلاً الأحزاب:60

3- يا قَوْمَنا أَجِيبُوا داعِيَ اللّهِ وَ آمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَ يُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ الأحقاف:31

4- قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَ هُوَ يُجِيرُ وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ المؤمنون:88

5- قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَهْلَكَنِيَ اللّهُ وَ مَنْ مَعِيَ أَوْ رَحِمَنا فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ

الملك:28

6- قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّهِ أَحَدٌ وَ لَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً الجنّ:22

7- وَ إِذْ زَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطانُ أَعْمالَهُمْ وَ قالَ لا غالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النّاسِ وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ

الأنفال:48

8- ...وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ بِذِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينِ وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى وَ الْجارِ الْجُنُبِ وَ الصّاحِبِ بِالْجَنْبِ وَ ابْنِ السَّبِيلِ وَ ما مَلَكَتْ أَيْمانُكُمْ إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً

النّساء:36

9- وَ فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ وَ جَنّاتٌ مِنْ أَعْنابٍ وَ زَرْعٌ وَ نَخِيلٌ صِنْوانٌ وَ غَيْرُ صِنْوانٍ يُسْقى بِماءٍ واحِدٍ وَ نُفَضِّلُ بَعْضَها عَلى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ الرّعد:4

10- وَ عَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَ مِنْها جائِرٌ وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ النّحل:9

و يلاحظ أوّلا:أنّها جاءت في الآيات بثلاثة معان:

الجوار،و الأمان،و الميل عن الشّيء،ففيها ثلاثة محاور:

المحور الأوّل:الجوار و منه الجار-و هو أصل المعنى كما تقدّم-و فيه أربع كلمات-كرّرت واحدة منها،و هي «الجار»-في ثلاث آيات:

الأولى(2) ثُمَّ لا يُجاوِرُونَكَ فِيها إِلاّ قَلِيلاً تهديد للمنافقين المرجفين في المدينة،بأنّهم لو لم ينتهوا عن إرجافهم ليغرينّ اللّه النّبيّ بهم ثمّ لا يجاورونه-أي لا يكونوا جيرانا له عليه السّلام فيها-إلاّ قليلا،أي قليلا منهم، أو جوارا قليلا،أو في مدّة قليلة.و المجاورة:سكنى الجار بجنب الجار،فهما جاران و مجاوران،و لهذا جاء بصيغة «المفاعلة».

الثّانية(8) وَ الْجارِ ذِي الْقُرْبى وَ الْجارِ الْجُنُبِ وَ الصّاحِبِ بِالْجَنْبِ و فيها بحوث:

1-جاء فيها(الجار)مرّتين:الجار القريب و الجار البعيد،أي الجار الملاصق لبيتك و القريب منه.و الجار البعيد عنه،و هذا هو الظّاهر،و قال به الزّمخشريّ و الطّبريّ و غيرهما.و جعل الطّباطبائيّ المقابلة بينهما شاهدا على ذلك.

و فسّر أيضا بالجار ذي القرابة و الرّحم.و ردّه الطّبريّ،بأنّه لو أريد هذا لقال:جار ذي القربى دون الجار ذي القربى.و يؤيّده أيضا أنّ«ذوي القربى»ذكروا في صدر الآية وَ بِالْوالِدَيْنِ إِحْساناً وَ بِذِي الْقُرْبى

ص: 442

فلا حاجة لذكرهم مرّة أخرى.و قيل: اَلْجارِ ذِي الْقُرْبى: الجار المسلم وَ الْجارِ الْجُنُبِ: الكافر!!و هو كما ترى.

2-جاء في النّصوص تحديد الجار بأربعين دارا أو بما يراه العرف الأقرب فالأقرب،و الأوّل تحديد شرعيّ، و الثّاني لغويّ.لاحظ«ج ن ب،و ص ح ب».

3-جاء في الرّوايات التّرغيب الأكيد لحقّ الجار، و يكفي بذلك أنّ(الجار)جاء في الآية رديفا للوالدين و ذوي القربى.

الثّالثة(9) وَ فِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجاوِراتٌ و فيها بحوث:

1-جاء(متجاورات)صفة لقطع من الأرض،دون (جارات)فخصّ(الجار)في عرف القرآن بالإنسان، و المتجاور بالأرض و نحوها.

2-هي قطع من الأراضي المختلفة الواقعة جنبا إلى جنب،و اختلافها-كما قالوا-بأنّ بعضها رديئة، و بعضها طيّبة جيّدة،أو قلبت حلوا و حامضا و نحوها.

و السّياق يأباه.

فالظّاهر أنّ طبيعة الأراضي واحدة لا اختلاف فيها إلاّ بتعدّدها،و تسقى بماء واحد،و لكن الثّمرات مختلفة بإذن اللّه،فالمراد أنّ الأراضي المتجاورة بطبيعة واحدة و بماء واحد تثمر ثمرات متفاوتة،متفاضلات في الأكل.

3-هذا أحد الأدلّة على التّوحيد يسمّى دليل الاختلاف،بإزاء دليل النّظم و الاتّحاد.

المحور الثّاني:الأمان،و الإيواء،و الخلاص، و الإنقاذ،و الإعاذة،و الإغاثة:جاءت منه ثماني كلمات في 6 آيات:

الأولى(استجارك و اجره):(1) وَ إِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ فَأَجِرْهُ أي لو طلب منك الأمان، و إيوائك إيّاه،فأعطه الأمان و حتّى يسمع كلام اللّه.

ففيها كلمتان:(استجارك)-و سيوافيك بحثها- و(اجره):ماض و أمر،من بابي«الاستفعال و الإفعال» و هما طلب من جانب المشركين،و إجابة من جانب النّبيّ عليه السّلام.و هذا الحكم استثناء ممّا قبله و ممّا بعده من قتلهم و قتالهم،لمصلحة معقولة،و هي حصول العلم لهم بحقيقة الدّعوة الإسلاميّة،و بما في الكتاب من الآيات و الحكمة لتتمّ الحجّة عليهم،لأنّهم كانوا جاهلين،كما قال: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْلَمُونَ.

الثّانية:(يجركم)(3) يَغْفِرْ لَكُمْ مِنْ ذُنُوبِكُمْ وَ يُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ قالوا:يخلّصكم،يمنعكم و يجعل دونكم جوار حفظة،يمنعكم منع الجار لجاره، ينقذكم،يعيذكم،ينجيكم و نحوها،و هي مختلفة لفظا و متّفقة معنى.

و(من)فيها صلة للفعل و لعلّها لابتداء الغاية،و هي في مِنْ ذُنُوبِكُمْ للتّبعيض،أو جاءت طباقا ل(من عذاب اليم)،فهي كما قال الطّوسيّ-التّبيان ج 9:284-:

زائدة.أو للتّعليم،أي يغفر كلاّ من ذنوبكم،و الأوّل هو الأقرب.

الثّالثة:(يجير و يجار)(4) وَ هُوَ يُجِيرُ وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ و فيها فعلان مضارعان من هذه المادّة-كالأولى- أحدهما معلوم،و الآخر مجهول.قالوا:يقضي و لا يقضى عليه،يجير الخلق من عذابه،و لا يجير أحد أحدا من

ص: 443

عذابه،يمنع و لا يمنع منه،و لا يمنعه من مستحقّي الثّواب مانع و لا يدفعه من مستوجب العذاب دافع،يؤمن من يشاء،و لا يؤمن من أخافه اللّه،يمنع هو من السّوء من يشاء و لا يمنع من أراده بسوء.هو يجير من العذاب و لا يجار عليه منه،يغيث من يشاء و لا يغيث أحد منه أحدا،يغيث من يشاء فيكون في حرز،و لا يمكّن أحدا أبدا أن يجير جوارا يكون مستعليا عليه،يأخذ من أراد و إن نصره جميع الخلائق و يعلي من أراد و إن تحاملت عليه كلّ المصائب...يحمي من استجار به،و لا يحمى عنه شيء إذا أراد شيئا بسوء و نحوها-عباراتنا شتّى و حسنك واحد-و فيها بحوث:

1-(على)في وَ لا يُجارُ عَلَيْهِ للاستعلاء كما قال الشّربينيّ:«لا يجير أحد أحدا جوارا يكون مستعليا عليه»أو لتضمينه معنى النّصرة،أي لا نصرة لأحد على اللّه.

2-قيل:هي خاصّة بالدّنيا أو بالآخرة،و الجمع أولى،قال الطّباطبائيّ:«و هذا جار في جميع أفعاله تعالى، فما من شيء يخصّه اللّه بعطيّة حدوثا أو بقاء إلاّ و هو يحفظه على ما يريد...».

و في«التّأويلات النّجميّة»:«و هو يجير الأشياء من الهلاك بالقيموميّة و لا مانع له ممّن أراد هلاكه».و الشّاهد عليه صدر الآية قُلْ مَنْ بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ.

3-قال الخطيب:«لا سلطان لأحد يدفع بأسه و يكشف ضرّه،من هذا و لمن هذا؟

جواب واحد:هو اللّه ربّ العالمين و للّه ربّ العالمين، و النّتيجة واحدة:الاستسلام للّه و الولاء للّه».فالآية تجسيم للتّوحيد الأفعاليّ بألطف بيان شعبيّ عرفيّ.

الرّابعة:(يجير)(5) فَمَنْ يُجِيرُ الْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ و هي نظير(3) وَ يُجِرْكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ أي إن أهلكنا أو عذّبنا مع ما نرجو من رحمته،فمن ينجّيكم من عذاب أليم مع كفركم؟فلن يغيّر الوضع الّذي نكون عليه شيئا من وضعكم.

الخامسة:(يجير)(6) قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللّهِ أَحَدٌ وَ لَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً قالوا:يحتمل وجهين:

أحدهما:لن يجيرني مع إجارة اللّه لي أحد.

الثّاني:لن يجيرني ممّا قدّره اللّه عليّ أحد.

و بمعنى الثّاني قولهم:لا يمنعني أحد ممّا قدّره اللّه عليّ، لن يمنعني منه أحد إن عصيته،لا يقدر أن يجير على اللّه حتّى يدفع عنه ما يريده به من العقاب،فيدفع عنّي ما يدفع المجير عن جاره،ينقذني و يخلّصني من اللّه من قهره و عذابه إن خالفت أمره...لن ينجيني منه أحد إن أرادني بسوء قدّره عليّ...و لن ينصرني منه ناصر،إن أراد بي سوء.

و يؤيّد هذا الوجه ما بعدها وَ لَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً أي لم أجد من دون اللّه ملجأ و لا معينا،و كذلك ما قبلها قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَ لا رَشَداً...

فالمراد بها الإخلاص في التّوحيد الأفعاليّ،و أنّه لا شأن له عليه السّلام إلاّ إبلاغ رسالات اللّه.

السّادسة:(جار)(7) وَ إِنِّي جارٌ لَكُمْ هذا من تتمّة قول الشّيطان:أي إنّي مخلص لكم،وعد أتباعه بالنّجاة ثمّ تخلّف و تبرّأ منهم: وَ قالَ إِنِّي بَرِيءٌ مِنْكُمْ.

و فيها بحوث:

ص: 444

1-«جار»اسم فاعل و أصله«جاور»جاء فيها بالمعنى الثّاني،و جاء في(8)بالمعنى الأوّل،و في(10) بالمعنى الثّالث،كما يأتي.

2-قالوا:أنتم في ذمّتي و حمايتي،أنا جاركم سراقة ابن كنانة،معين لكم و ناصر لكم و دافع عنكم السّوء، الجار هو الدّافع عن صاحبه السّوء،كما يدافع الجار عن جاره،الجوار من سنن العرب في الجاهليّة و من حقوق الجوار نصرة الجار للجار و نحوها،أنا معكم و في جواركم،حافظ لكم منهم.و مرجعها إلى واحد و هو الأمان إلاّ أنّ بعضها يربطها بالمعنى الأوّل و هو الجوار، و لا بأس به.

3-اتّفقت النّصوص على أنّها كانت يوم بدر،لأنّ الآية من سورة الأنفال النّازلة بشأن غزوة بدر و مغانمها.

المحور الثّالث:الميل و الانحراف عن الشّيء(10) وَ عَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَ مِنْها جائِرٌ أي على اللّه بيان السّبيل العدل،و من السّبل ما هو مائل و عادل عن الحقّ.

ثانيا:جاء المحور الأوّل-و هو الجوار-في ثلاث آيات مدنيّات:(2،8،9)،و جاء المحور الثّاني و هو الأمان-في آيتين مدنيّتين:(2 و 7)و أربع آيات مكّيّات:(3-6)،و جاء المحور الثّالث-و هو الميل-في آية مكّيّة،فهل معنى ذلك اشتراك المعنى الثّاني في لغة البلدين،و اختصاص الأوّل بالمدينة،و الأخير بمكّة،أو المعاني الثّلاثة مشتركة بينهما؟احتمالان.

ثالثا:المحور الأوّل فيها خاصّ بغير اللّه من الإنسان و الأشجار،و المحور الثّاني خاصّ بالنّبيّ في(1)و باللّه في غيرها،و ادّعاه الشّيطان زورا،و تخلّف عنه في(8)، و المحور الثّالث خاصّ بأهل الكفر و العصيان في(10).

رابعا:جاء في بعض النّصوص التّصريح بإرجاع المعنى الثّاني إلى المعنى الأوّل-و هو الأصل-مثل قولهم في(3):يجعل دونكم جوار حفظه،و يمنعكم منع الجار لجاره،و في(6):فيدفع عنّي ما يدفع المجير عن جاره، و لا بأس به لو لم يراد أنّ اللّفظ فيهما بمعنى الجوار.

خامسا:سياق الآيات:(2-7)الأمان و الخلاص من العذاب في الآخرة،و قد صرّح به في(3 و 5)بقوله:

مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ.

أمّا المحور الثّالث:الميل و الانحراف عن الشّيء فهو من«الجور»و هو الانحراف عن الحقّ،دون الجوار(10) وَ عَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَ مِنْها جائِرٌ أي على اللّه بيان السّبيل العدل و من السّبل ما هو مائل عن الحقّ،و فيها بحوث:

1-قالوا:مائل ليس بعادل،جائر عن الحقّ،عادل عن القصد،جائر عن الاستقامة،معوجّ زائغ عن الحقّ، طرق غير قاصدة للحقّ،و نحوها،و المعنى واحد.

2-و الضّمير في(منها)راجع،إلى السّبيل لأنّه مؤنّث،أو لكونه جنسا بمعنى الجمع.و قرئ (و منكم جائر) و (فعنكم جائر) و ليستا بمتواترتين.

3-عند الزّمخشريّ أنّه غيّر أسلوب الكلام و قال:

(و منها جائر)و لم يقل:«و على اللّه قصد السّبيل و عليه جائرها»ليعلم ما يجوز إضافته إلى اللّه و ما لا يجوز،دفعا لما تزعم المجبّرة.

ص: 445

ص: 446

ج و ز

اشارة

4 ألفاظ،5 مرّات:4 مكّيّة،1 مدنيّة

في 5 سور:4 مكّيّة،1 مدنيّة

جاوزه 1:-1 جاوزنا 2:2

جاوزا 1:1 نتجاوز 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :جوز كلّ شيء:وسطه،و الجميع:أجواز.

و الجوزة:السّقية.و المستجيز:المستسقي.

و الجوز:الّذي يؤكل،و واحد الجوز:جوزة.

و تقول:جزت الطّريق جوازا و مجازا و جئوزا.

و المجاز:المصدر،و الموضع،و المجازة أيضا.

و جاوزته جوازا،في معنى جزته.

و الجواز:صكّ المسافر.

و جائز البيت:الخشبة الّتي توضع عليها أطراف الخشب.

و التّجاوز:ألاّ تأخذه بالذّنب،أي تتركه.

و التّجوّز:خفّة في الصّلاة و العمل،و سرعة.

و التّجوّز في الدّراهم:ترويجها.

و المجوّزة من الغنم:الّتي بصدرها تجويز،و هو لون يخالف لونها.(6:164)

اللّيث:جاوزت الموضع جوازا،بمعنى جزته.

و تجاوزت عن ذنبه،أي لم آخذه به.

الإجاز:ارتفاق العرب.كانت العرب تحتبي و تستأجز على وسادة،و لا تتّكئ على يمين و لا على شمال.

(الأزهريّ 11:150)

ابن شميّل: الجائز:الّذي يمرّ على القوم،و هو عطشان سقي أو لم يسق،فهو جائز.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 11:148)

أبو عمرو الشّيبانيّ: و قال الأكوعيّ:الجائز:

أصل الشّجرة ما لم يغرس.(1:112)

و قال الأسعديّ: الجواز:الشّرب،جزت بذاك الماء، و أجازني بنو فلان بحبلهم،أي استعرت حبلهم فسقيت،

ص: 447

و جزت بحبلهم.[ثمّ استشهد بشعر](1:116)

الجواز:الماء الّذي يسقاه المال من الماشية و الحرث.

(الجوهريّ 3:871)

الفرّاء: الإجازة في قول الخليل :أن تكون القافية طاء و الأخرى دالا و نحو ذلك،و هو الإكفاء في قول أبي زيد.(الجوهريّ 3:870)

أبو زيد :جمع الجائز:أجوزة،و جوزان.

نحوه أبو عمرو الشّيبانيّ.(الأزهريّ 11:148)

إذا ابيضّ وسطها-شياه الضّأن-فهو جوزاء.

(الأزهريّ 11:149)

الأصمعيّ: جزت الموضع:سرت فيه،و أجزته:

خلّفته و قطعته،و أجزته:أنقذته.

(الأزهريّ 11:148)

اللّحيانيّ: لم أر النّفقة تجوز بمكان كما تجوز بمكّة.

(ابن سيده 7:522)

أبو عبيد: الجائز في كلامهم:الخشبة الّتي توضع عليها أطراف الخشب،و هي الّتي تسمّى بالفارسيّة:

التّير.(الأزهريّ 11:148)

ابن الأعرابيّ: عن بعض الأعراب:«لكلّ جابه جوزة ثمّ يؤذّن»أي لكلّ من ورد علينا سقيه،ثمّ يمنع من الماء.و يقال:أذّنته تأذينا،أي رددته.

(الأزهريّ 11:149)

ابن السّكّيت: و جوز اللّيل:وسطه.(409)

و مجازة الطّريق،إذا قطعته عرضا من أحد جانبيه.

و يقال للجسر:مجازة الطّريق.و الطّريق إذا كان في السّبخة فهو مجازة،و جمعه:مجاز.(473)

و يقال:اللّهمّ تجاوز عنّي و تجوّز عنّي[بمعنى واحد]

(إصلاح المنطق:144)

الجواز:السّقي،يقال:أجيزونا،أي اسقونا، و المستجيز:المستقي.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 11:149)

أجزت على اسمه،إذا جعلته جائزا.

(الجوهريّ 3:870)

ثعلب :دفع إليّ الزّبير الإجازة،و كتب بخطّه، و كذلك عبد اللّه بن شبيب أجاز إليّ،فقلت لهما:أيّش أقول فيه؟فقالا:قل فيه إن شئت:حدّثنا،و إن شئت أخبرنا،و إن شئت:كتب إليّ.(الأزهريّ 11:151)

يتنازعون جوائز الأمثال،أي يجيلون الرّأي فيما بينهم،و يمتثلون ما يريدون،و لا يلتفتون إلى غيرهم من رخاء إبلهم،و غفلتهم عنها.(ابن سيده 7:521)

الدّينوريّ: شجر الجوز كثير بأرض العرب من بلاد اليمن يحمل و يربّى،و بالسّروات شجر جوز لا يربّى.

و أصل الجوز فارسيّ،و قد جرى في كلام العرب و أشعارها،و خشبه موصوف عندهم بالصّلابة و القوّة.

(ابن سيده 7:523)

الزّجّاج: جاز الرّجل الوادي و أجازه،إذا قطعه و نفذه.

و يقال:جاز الرّجل،إذا استقى الماء،و أجاز،إذا أعطى جائزة.(فعلت و أفعلت:8)

ابن دريد :يقال:أجهز عليه و أجاز عليه،إذا قتله.(1:74)

جوز كلّ شيء:وسطه،و الجمع:أجواز.

ص: 448

و جزت الشّيء أجوزه جوزا،إذا قطعته.و قال بعض أهل اللّغة:من هذا اشتقاق«الجوزاء»لأنّها تعترض جوز السّماء،أي وسطها.فأمّا الجوز المعروف، ففارسيّ معرّب.(2:92)

و تجاوز الرّجل في الأمر تجاوزا؛له موضعان:تجاوز عن الشّيء،إذا أغضى عنه،و تجاوز في الشّيء،إذا أفرط فيه.

و الجوائز من العطاء معروفة،واحدها:جائزة.

و زعم بعض أهل اللّغة أنّها كلمة إسلاميّة محدثة، و أصلها:أنّ أميرا من أمراء الجيوش واقف العدوّ-و بينه و بينهم نهر-فقال:من جاز هذا النّهر فله كذا و كذا.

فكلّ من جازه أخذ جائزة،فسمّيت جوائز.[إلى أن قال:]

و الجوزاء:نجم معروف.

و جائز البيت:الخشبة المعترضة عليها أطراف الخشب.

و جوز كلّ شيء:وسطه.

و الجيز:محلّ القوم و حلّتهم،تقول:نزلنا جيز بني فلان.[ثمّ استشهد بشعر]

فأمّا الجوز المأكول ففارسيّ معرّب،و قد تكلّمت به العرب قديما،و من أمثالهم:«لأشقحنّك شقح الجوزة».

و الجؤاز:العطش زعموا،و يقال:جاز فلان بني فلان،إذا سقاهم.و جوّز فلان إبله،إذا سقاها.(3:224)

ابن الأنباريّ: أجاز السّلطان فلانا بجائزة.و أصل الجائزة:أن يعطي الرّجل الرّجل ماء يجيزه ليذهب لوجهه،فيقول الرّجل إذا ورد ماء لقيّم الماء:أجزني،أي أعطني ماء حتّى أذهب لوجهي،و أجوز عنك،ثمّ كثر هذا حتّى سمّوا العطيّة:جائزة.(الأزهريّ 11:149)

الأزهريّ: جوز كلّ شيء:وسطه،و جوز الفلاة:

وسطها،و جوز الجراد:وسطها.[في ردّه على الكلام الثّاني للّيث قال:]

لم أسمع«الإجاز»لغير اللّيث،و لعلّه قد حفظه.

و روي عن شريح أنّه قال:إذا باع المجيزان فالبيع للأوّل،و إذا أنكح المجيزان فالنّكاح للأوّل؛و المجيز:

الوليّ.

و يقال:هذه امرأة ليس لها مجيز؛و المجيز:الوصيّ، و المجيز:القيّم بأمر اليتيم،و المجيز:العبد المأذون له في التّجارة.

و في الحديث:«أنّ رجلا خاصم إلى شريح غلاما لزياد في برذونة باعها و كفل له الغلام،فقال له شريح:إن كان مجيزا،و كفل لك غرم»أراد:إن كان مأذونا له في التّجارة.

و الجيزة من الماء:مقدار ما يجوز به المسافر من منهل إلى منهل،يقال:اسقني جيزة و جائزة و جوزة.

و في الحديث:«الضّيافة ثلاثة أيّام،و جائزته يوم و ليلة»أي يعطى ما يجوز به مسافة يوم و ليلة.

و التّجاويز:برود موشيّة من برود اليمن،واحدها:

تجواز.[ثمّ استشهد بشعر]

و المجازة:موسم من المواسم.و ذو المجازة:منزل من منازل طريق مكّة بين ماويّة و ينسوعة،على طريق البصرة.

و الجيزة:النّاحية،و جمعها:جيز،و عبر النّهر:

ص: 449

جيزته،و جيز:قرية من قرى مصر،و إليها نسب الرّبيع ابن سليمان الجيزيّ.(11:149)

الصّاحب: الجوز:معروف،الواحدة:جوزة.

و مثل:«أنمّ من جوز»،و يجمع:جوزات.

و وسط كلّ شيء:جوزه،و جمعه:أجواز.

و نعجة جوزاء:ابيضّ وسطها.و الجوزاء:الوسط، على«فعلاء».

و الجوزاء:في السّماء؛سمّيت تشبيها بالّتي ابيضّ وسطها.

و المجوّزة من الغنم:الّتي في صدورها تجويز،و هو لون مخالف للونها.

و جزت الطّريق جوازا و مجازا و جئوزا.و المجاز:

المصدر،و الموضع،و كذلك المجازة.

و أجزته،بمعنى جزته،و أجزت غيري إجازة.

و جاوزته جوازا،في معنى جزته.

و التّجاوز عن فلان:ترك الذّنب و أن لا تؤاخذه به.

و التّجوّز في الدّراهم:أن تجوّزها.

و جوّزت إبلهم تجويزا،إذا قدت لها بعيرا حتّى تجوز.

و الجواز:الماء الّذي يسقاه المال من الماشية و الحرث،يقال:استجزت فأجازني،إذا سقاك ماء لأرضك أو لماشيتك،و في المثل:«لكلّ جابه جوزة ثمّ يمنع».

و الجواز:ما شرب الرّجل و لم يحمل و هو مجتاز ليس من شأنه أن يقيم.

و أجزني،أي أعطني ماء حتّى أجوز عنك،و منه:

أجاز السّلطان فلانا بجائزة.

و جزت بكذا،أي اجتزأت به،من قول الشّاعر:

*و جوزي بإملاح فقد منع العذب*

و أجزت على الجريح،بمعنى أجهزت عليه.

و الجوزان و الأجوزة:جمع جائز البيت،و هو من أعمدة البيت.

و العمود الأوسط من أعمدة الخباء:الجائز،و هو أيضا الّذي يقال له:«تير»بالفارسيّة.

و الجوزات:غددات ثلاث في الشّجر من الفرس بين اللّحيين.(7:149)

الخطابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«الضّيافة ثلاثة أيّام،فما زاد فهو صدقة،جائزته يومه و ليلته، و لا يثوي عنده حتّى يحرجه».

سئل مالك بن أنس عن قوله:«جائزته يومه و ليلته»،قال:يكرمه و يتحفه و يخصّه يوما و ليلة، و ثلاثة أيّام ضيافة.(1:352)

في حديث عليّ: «أنّ رجلا سأله عن الوتر،فلم يردّ عليه شيئا،قال:و قام من جوز اللّيل ليصلّي...»،جوز اللّيل:وسطه.(2:182)

في حديث أبى الطّفيل أنّه قال:«لمّا أرادت قريش هدم البيت لتبنيه بالخشب،و كان البناء الأوّل رضما، إذا هم بحيّة على سور البيت،مثل قطعة الجائز...»، و الجائز:الخشبة المعترضة في السّقف توضع عليها أطراف الجذوع.(2:569)

الجوهريّ: جزت الموضع أجوزه جوازا:سلكته و سرت فيه.

و أجزته:خلّفته و قطعته.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 450

و أجزته:أنفذته.[ثمّ استشهد بشعر]

و الاجتياز:السّلوك.

و الإجازة:أن تتمّم مصراع غيرك.

و جاوزت الشّيء إلى غيره و تجاوزته بمعنى،أي جزته.

و تجاوز اللّه عنّا و عنه،أي عفا.

و ذو المجاز:موضع بمنى كان فيه سوق في الجاهليّة.

[ثمّ استشهد بشعر]

و جوّز له ما صنع و أجاز له،أي سوّغ له ذلك.

و تجوّز في صلاته،أي خفّف،و تجوّز في كلامه،أي تكلّم بالمجاز.

و قولهم:جعل فلان ذلك الأمر مجازا إلى حاجته،أي طريقا و مسلكا.

و تقول:اللّهمّ تجوّز عنّي و تجاوز عنّي،بمعنى.

و الجواز أيضا:السّقي،و الجوزة:السّقية.[ثمّ استشهد بشعر]

و استجزت فلانا فأجازني،إذا أسقاك ماء لأرضك أو ماشيتك.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجوز فارسيّ معرّب،الواحدة:جوزة،و الجمع:

جوزات.

و أرض مجازة:فيها أشجار الجوز.

و جوز كلّ شيء:وسطه،و الجمع:الأجواز.

و الجوزاء:الشّاة يبيضّ وسطها.و الجوزاء:نجم، يقال:إنّها تعترض في جوز السّماء.

و الجائز:الجذع الّذي يقال له بالفارسيّة:«تير»، و هو سهم البيت،و الجمع:أجوزة و جوزان.

و الجيزة:النّاحية من الوادي و نحوه،و الجمع:جيز.

و أجازه بجائزة سنيّة،أي بعطاء.

و التّجاويز:ضرب من البرود.[ثمّ استشهد بشعر]

(3:870)

نحوه الفيّوميّ.(1:115)

ابن فارس: الجيم و الواو و الزّاء أصلان:أحدهما:

قطع الشّيء،و الآخر:وسط الشّيء.

فأمّا الوسط،فجوز كلّ شيء:وسطه.و الجوزاء:

الشّاة يبيضّ وسطها.و الجوزاء:نجم،قال قوم:سمّيت بها لأنّها تعترض جوز السّماء،أي وسطها.و قال قوم:

سمّيت بذلك للكواكب الثّلاثة الّتي في وسطها.

و الأصل الآخر:جزت الموضع:سرت فيه، و أجزته:خلّفته و قطعته،و أجزته:نفذته.

و الجواز:الماء الّذي يسقاه المال من الماشية و الحرث،يقال منه:استجزت فلانا فأجازني،إذا أسقاك ماء لأرضك أو ماشيتك.[ثمّ استشهد بشعر](1:494)

[في معنى الحقيقة و المجاز]و أمّا المجاز فمأخوذ من:جاز يجوز،إذا استنّ ماضيا.تقول:جاز بنا فلان،و جاز علينا فارس،هذا هو الأصل.ثمّ تقول:يجوز أن تفعل كذا،أي ينفذ و لا يردّ و لا يمنع،و تقول:«عندنا دراهم وضح وازنة،و أخرى تجوز جواز الوازنة»،أي إنّ هذه و إن لم تكن وازنة،فهي تجوز مجازها،و جوازها لقربها منها.

فهذا تأويل قولنا:«مجاز»،أي أنّ الكلام الحقيقيّ يمضي لسننه لا يعترض عليه.و قد يكون غيره يجوز جوازه لقربه منه،إلاّ أنّ فيه من تشبيه و استعارة و كفّ

ص: 451

ما ليس في الأوّل.(الصّاحبيّ:197)

أبو هلال :الفرق بين العطيّة و الجائزة:أنّ الجائزة ما يعطاه المادح و غيره على سبيل الإكرام،و لا يكون إلاّ ممّن هو أعلى من المعطى،و العطيّة عامّة في جميع ذلك.

و سمّيت الجائزة جائزة،لأنّ بعض الأمراء في أيّام عثمان،و أظنّه عبد اللّه بن عامر-قصد عدوّا من المشركين بينه و بينهم جسر،فقال لأصحابه:من جاز إليهم فله كذا؟فجازه قوم منهم،فقسّم فيهم مالا؛ فسمّيت العطيّة على هذا الوجه:جائزة.(141)

الفرق بين قولنا:يجوز كذا،و قولك:يجزئ كذا:أنّ قولك:يجوز كذا،بمعنى يسوغ و يحلّ،كما تقول:يجوز للمسافر أن يفطر و نحوه،و يجوز قراءة (مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) و (ملك يوم الدين).

و يكون بمعنى«الشّكّ»نحو قولك:يجوز أن يكون زيد أفضل من عمرو.

و يجوز بمعنى جواز النّقد.

و قال بعضهم:يجوز بمعنى يمكن و لا يمتنع،نحو قولك:

يجوز من زيد القيام،و إن كان معلوما أنّ القيام لا يقع منه.

و قال أبو بكر الأخشاد:أكره هذا القول لأنّ المسلمين لا يستجيزون أن يقولوا:يجوز الكفر من الملائكة حتّى يصيروا كإبليس،لقدرتهم على ذلك،و لا أن يقولوا:

يجوز من اللّه تعالى وقوع الظّلم لقدرته عليه،إلاّ أن يقيّد.

و أصل هذا كلّه من قولك:جاز،أي وجد مسلكا مضى فيه،و منه الجواز في الطّريق و المجاز في اللّغة.

فقولك:قراءة جائزة،معناه أنّ قارئها وجد لها مذهبا يأمن معه أن يردّ عليه.و إذا قلت:يجوز أن يكون فلان خيرا من فلان،فمعناه أنّ وهمك قد توجّه إلى هذا المعنى منه،فإذا علمته لم يحسن فيه ذكر الجواز.

و الجائز لا بدّ أن يكون منيبا عمّا سواه،أ لا ترى أنّ قائلا لو قال:يجوز أن يعبد العبد ربّه،لم يكن ذلك كلاما مستقيما إذا لم يكن منبئا عمّا سواه.

و قولنا:هذا الشّيء يجزئ،يفيد أنّه وقع موقع الصّحيح،فلا يجب فيه القضاء،و يقع به التّمليك إن كان عقدا.و قد يكون المنهيّ عنه مجزئا،نحو التّوضّؤ بالماء المغصوب،و الذّبح بالسّكّين المغصوب.

و طلاق البدعة و الوطء في الحيض و الصّلاة في الدّار المغصوبة محرّمة عند الفقهاء،لأنّه نهي عنها لا بشرائط الفعل الشّرعيّة و لكن لحقّ صاحب الدّار،لأنّه لو أذن في ذلك لجاز،و لا يكون المنهيّ عنه جائزا،فالفرق بينهما بيّن.

و ذهب أبو عليّ و أبو هاشم إلى أنّ الصّلاة في الدّار المغصوبة غير مجزئة،لأنّه قد أخذ على المصلّي ينوي أداء الواجب،و لا يجوز أن ينوي ذلك و الفعل معصية.(187)

الهرويّ: في الحديث:«أنّ امرأة أتته،فقالت:

رأيت كأنّ جائز بيتي انكسر».الجائز:الخشبة الّتي توضع عليها أطراف العوارض،و الجمع:أجوزة، و جوزان.[ثمّ ذكر أحاديث أخرى و قد تقدّمت]

(1:419)

الثّعالبيّ: فإن ابيضّ وسطها[في الشّاة أو المعز] فهي جوزاء.(102)

ابن سيده: جاز الموضع جوزا،و جئوزا،و جوازا، و مجازا،و جازية،و جاوزه جوازا،و أجازه،و أجاز

ص: 452

غيره.

و قيل:جازه:سار فيه،و أجازه:خلّفه و قطعه.

و أجازه:أنفذه.[ثمّ استشهد بشعر]

و المجتاز:مجتاب الطّريق و مجيزه.و المجتاز أيضا:

الّذي يحبّ النّجاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجواز:صكّ المسافر.

و تجاوز بهم الطّريق،و جاوزه جوازا:خلّفه،و في التّنزيل: وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ الأعراف:

138.

و جوّز لهم إبلهم،إذ قادها بعيرا بعيرا حتّى تجوز.

و جوائز الأمثال و الأشعار:ما جاز من بلد إلى بلد.

[ثمّ استشهد بشعر]

و أجاز له البيع:أمضاه.

و أجاز رأيه،و جوّزه:أنفذه.

و تجوّز في هذا الأمر ما لم يتجوّز في غيره:احتمله و أغمض فيه.

و المجازة:الطّريق إذا قطعت من أحد جانبيه إلى الآخر.

و المجازة:الطّريق في السّبخة.

و الجائزة:العطيّة،و أصله:أنّ أميرا واقف عدوّا و بينهما نهر،فقال:من جاز هذا النّهر فله كذا،فكلّما جاز منهم واحد،أخذ جائزة.

و الجائز من البيت:الخشبة المعترضة بين الحائطين، يقال له بالفارسيّة:«تير».و قيل:هي الخشبة الّتي تحمل خشب البيت.

و الجمع:أجوزة،و جوزان،و جوائز،عن السّيرافيّ.

و الأولى نادرة،و نظيره:واد و أودية.

و الجائزة:مقام السّاقي.

و جاز اللّه عن ذنبه،و تجاوز،و تجوّز عن الفارسيّ:لم يؤاخذه به.

و جاز الدّرهم:قبل على ما فيه من خفيّ الدّاخلة أو قليلها.[ثمّ استشهد بشعر]

و تجوّز الدّراهم:قبلها على ما بها.

و حكى اللّحيانيّ: لم أر النّفقة تجوز بمكان كما تجوز بمكّة،و لم يفسّرها.

و أرى معناها:تزكو أو تؤثر في المال أو تنفق،و أرى هذه الأخيرة هي الصّحيحة.

و تجاوز عن الشّيء:أغضى.

و تجاوز فيه:أفرط.

و جوز كلّ شيء:وسطه،و الجمع:أجواز.سيبويه:

لم يكسّر على غير«أفعال»كراهة الضّمّة على الواو.

و جوز اللّيل:معظمه.

و شاة جوزاء،و مجوّزة:سوداء الجسد،و قد ضرب وسطها ببياض من أعلاها إلى أسفلها.

و قيل:المجوّزة:الّتي في صدرها لون يخالف سائر لونها.

و الجوزاء:من بروج السّماء،سمّيت بذلك لأنّها معترضة في وسطها،يقال:لأبكينّك الجوزاء،أي طول طلوع الجوزاء.

و كذلك:أسماء النّجوم كلّها،و قد تقدّم.[ثمّ استشهد بشعر]

و جوزاء:اسم امرأة،سمّيت باسم هذا البرج.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 453

و الجواز:الماء الّذي يسقاه المال من الماشية و الحرث و نحوه.

و قد استجزته فأجازني،إذا سقاك ماء لأرضك أو لماشيتك.[ثمّ استشهد بشعر]

و جوّز إبله:سقاها.

و الجوزة:السّقية الواحدة.و قيل:الجوزة:السّقية الّتي تجوّز بها الرّجل إلى غيرك،و في المثل:«لكلّ جابه جوزة ثمّ يؤذّن»أي لكلّ مستسق سقية ثمّ تضرب أذنه،إعلاما أنّه ليس له عندهم أكثر من ذلك.

و الجواز:العطش.

و الوجيزة:النّاحية و الجانب،و جمعها:جيز،و جيز.

و الجيز:جانب الوادي،و قد يقال فيه:الجيزة.

و الجيز:القبر.[ثمّ استشهد بشعر]

و الإجازة في الشّعر:أن يكون الحرف الّذي يلي حرف الرّويّ مضموما ثمّ يكسر و يفتح،و يكون حرف الرّويّ مقيّدا.و الإجازة في قول الخليل :أن تكون القافية طاء،و الأخرى دالا،و نحو ذلك.و رواه الفارسيّ:الإجارة،بالرّاء غير المعجمة.

و الجوزة:ضرب من العنب ليس بكبير،و لكنّه يصفرّ جدّا إذا أينع.

و الجوز:الّذي يؤكل،فارسيّ معرّب،واحدته:

جوزة.(7:520)

الطّوسيّ: و تقول:جاز الشّيء يجوزه،إذا قطعه.

و أجازه إجازة،إذا استصوبه.و الشّيء يجوز،إذا لم يمنع منه دليل.و اجتاز فلان اجتيازا،و استجاز فعل كذا استجازة.و تجوّز في كلامه تجوّزا.و تجاوز عن ذنبه تجاوزا.و جاوزه في الشّيء:تجاوزه،و جوّزه تجويزا.

و جوز كلّ شيء:وسطه بمجاز الطّريق،و هو وسطه الّذي يجاز فيه.و قيل:[من]هذا اشتقاق«الجوزاء»، لأنّها تعرض جوز السّماء،أي وسطها.

و أمّا الجوز المعروف،ففارسيّ معرّب.

و الجواز:الصّكّ للمسافر،و المجاز في الكلام،لأنّه خروج عن الآجل إلى ما يجوز في الاستعمال.

و أصل الباب:الجواز:المرور من غير شيء يصدّ، و منه التّجاوز عن الذّنب،لأنّ المرور عليه بالصّفح.

(2:296)

نحوه الطّبرسيّ.(1:354)

الرّاغب: قال تعالى: فَلَمّا جاوَزَهُ هُوَ البقرة:249،أي تجاوز جوزه،و قال: وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ الأعراف:138.

و جوز الطّريق:وسطه،و جاز الشّيء:كأنّه لزم جوز الطّريق،و ذلك عبارة عمّا يسوغ.

و جوز السّماء:وسطها،و الجوزاء قيل:سمّيت بذلك لاعتراضها في جوز السّماء.

و شاة جوزاء،أي ابيضّ وسطها.

و جزت المكان:ذهبت فيه،و أجزته:أنفذته و خلّفته.

و قيل:استجزت فلانا فأجازني،إذا استسقيته فسقاك؛و ذلك استعارة،و الحقيقة ما لم يتجاوز ذلك.

(103)

الزّمخشريّ: قطعوا جوز الفلاة و أجواز الفلا.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 454

و مضى جوز اللّيل،و هو الوسط.و شاة جوزاء:

بيضاء الوسط،و بها سمّيت الجوزاء.

و أنمّ من جوز.و أرض مجازة:كثيرة الجوز.

و جزت المكان و أجزته،و جاوزته و تجاوزته.[ثمّ استشهد بشعر]

و أعانك اللّه على إجازة الصّراط.و هو مجاز القوم و مجازتهم.و عبرنا مجازة النّهر و هي الجسر.

و جاز البيع و النّكاح و أجازه القاضي.و هذا ممّا لا يجوّزه العقل.و جاز بي العقبة و أجازنيها.

و أجازه بجائزة سنيّة و بجوائز،و أصله من:أجازه ماء يجوز به الطّريق،أي سقاه،و اسم ذلك الماء:الجواز.

و يقال:استجزته ماء لأرضي أو لماشيتي فأجازني، و سقاه جوازا لأرضه.

و خذ جوازك،و خذوا أجوزتكم،و هو صكّ المسافر لئلاّ يتعرّض له.و تجاوز عن المسيء و تجاوز عن ذنبه.

و اللّهمّ اعف عنّا و تجاوز عنّا و تجوّز عنّا.

و تجوّز في الصّلاة و غيرها:ترخّص فيها.و تجوّز في أخذ الدّراهم،إذا جوّزها و لم يردّها.(69)

المدينيّ: في الحديث:«إنّ اللّه تبارك و تعالى تجاوز عن أمّتي ما حدّثت به أنفسها»أي عفا عنهم، يقال:جازه و جاوزه،و تجاوزه،إذا تعدّاه.

و«أنفسها»بالنّصب أجود،لأنّ«حدّث»يحتاج إلى مفعول[له]و مفعول به،و قد جاء بالمفعول به،فصار «أنفسها»مفعولا له.و لو كان«أنفسها»بالرّفع لوجب أن يكون:«تحدّثت به»و اللّه أعلم.

في الحديث:ذكر«ذي المجاز»و هو سوق من أسواق العرب في الجاهليّة.قيل:سمّي به،لأنّ إجازة الحاجّ كانت فيه.و قيل:هو ماء في أصل كبكب؛و كبكب:جبل مطلّ على عرفات.

في حديث أبي ذرّ:«قبل أن تجيزوا عليّ»أي تنفّذوا قتلي بوجوه،و مثله:تجهزوا.

في الحديث:«تجوّزوا في الصّلاة»أي أسرعوا بها، و خفّفوها؛من الجوز،و هو القطع.

في صفة حيّات جهنّم:«كأجواز الإبل»أي أوساطها،و الشّاة المبيضّ وسطها جوزاء؛و به سمّيت الجوزاء.(1:373)

ابن الأثير: و منه الحديث:«أجيزوا الوفد بنحو ما كنت أجيزهم»أي أعطوهم الجيزة.و الجائزة:العطيّة، يقال:أجازه يجيزه،إذا أعطاه.

و منه حديث العبّاس:«أ لا أمنحك أ لا أجيزك»أي أعطيك.و الأصل:الأوّل،فاستعير لكلّ عطاء.

و منه الحديث:«كنت أبايع النّاس،و كان من خلقي الجواز»أي التّساهل و التّسامح في البيع و الاقتضاء،و قد تكرّر في الحديث.

و منه الحديث:«أسمع بكاء الصّبيّ فأتجوّز في صلاتي»أي أخفّفها و أقلّلها.

و في حديث الصّراط:«فأكون أنا و أمّتي أوّل من يجيز عليه».يجيز:لغة في يجوز،يقال:

«جاز و أجاز»بمعنى.

و منه حيث المسعى:«لا تجيزوا البطحاء إلاّ شدّا».

و في حديث القيامة و الحساب:«إنّي لا أجيز اليوم على نفسي شاهدا إلاّ منّي»أي لا أنفذ و أمضي،من أجاز

ص: 455

أمره يجيزه،إذا أمضاه و جعله جائزا.

و في حديث نكاح البكر:«فإن صمتت فهو إذنها، و إن أبت فلا جواز عليها»أي لا ولاية عليها مع الامتناع.

و منه حديث حذيفة رضي اللّه عنه:«ربط جوزة إلى سماء البيت،أو جائز البيت»و جمع الجوز:أجواز.

و منه حديث أبي المنهال:«إنّ في النّار أودية فيها حيّات أمثال أجواز الإبل»أي أوساطها.(1:314)

الفيروزآباديّ: جاز الموضع جوزا و جئوزا و جوازا و مجازا،و جاز به جاوزه جوازا:سار فيه و خلّفه،و أجاز غيره و جاوزه.

و المجتاز:السّالك،و مجتاب الطّريق،و مجيزه،و الّذي يحبّ النّجاء.

و الجواز كسحاب:صكّ المسافر،و الماء الّذي يسقاه المال من الماشية،و الحرث.

و قد استجزته فأجاز،إذا سقى أرضك أو ماشيتك.

و جوّز لهم إبلهم تجويزا:قادها لهم بعيرا بعيرا حتّى تجوز.

و جوائز الشّعر و الأمثال:ما جاز من بلد إلى بلد.

و أجاز له:سوّغ له،و رأيه:أنفذه كجوّزه،و له البيع:أمضاه،و الموضع:خلّفه.

و تجوّز في هذا:احتمله و أغمض فيه،و عن ذنبه:لم يؤاخذه به كتجاوز و جاوز،و الدّراهم:قبلها على ما فيها من الدّاخلة،و في الصّلاة:خفّف،و في كلامه:تكلّم بالمجاز.

و المجاز:الطّريق إذا قطع من أحد جانبيه إلى الآخر، خلاف الحقيقة،و موضع قرب ينبع.

و المجازة:الطّريقة في السّبخة،و موضع،أو هو أوّل رمل الدّهناء،و المكان الكثير الجوز.

و الجائزة:العطيّة،و التّحفة،و اللّطف،و مقام السّاقي من البئر.

و الجائز:المارّ على القوم عطشانا سقي أو لا، و البستان،و الخشبة المعترضة بين الحائطين.فارسيّته:

تير،جمعه:أجوزة و جوزان و جوائز.

و تجاوز عنه:أغضى،و فيه:أفرط.

و الجوز:وسط الشّيء و معظمه،و ثمر معروف، معرّب«كوز»جمعه:جوزات،و الحجاز نفسه،و جبال لبني صاهلة،و جبال الجوز:من أودية تهامة.

و الجوزاء:برج في السّماء،و امرأة،و الشّاة السّوداء الّتي ضرب وسطها ببياض كالجوزة.

و جوّز إبله:سقاها،و الأمر:سوّغه و أمضاه،و جعله جائزا.

و الجوزة:السّقية الواحدة من الماء،أو الشّربة منه كالجائزة،و ضرب من العنب.

و الجواز كغراب:العطش.

و الجيزة بالكسر:النّاحية،جمعها:جيز و جيز.

و الجيز:جانب الوادي كالجيزة،و القبر.

و الإجازة في الشّعر:مخالفة حركات الحرف الّذي يلي حرف الرّويّ،أو كون القافية طاء و الأخرى دالا و نحوه،أو أن تتمّ مصراع غيرك.

و ذو المجاز:سوق كانت لهم على فرسخ من عرفة بناحية كبكب.

و جوز بوّى و جوز ماثل و جوز القيء:من الأدوية.

ص: 456

و المجيز:الوليّ،و القيّم بأمر اليتيم،و العبد المأذون له في التّجارة.

و التّجواز بالكسر:برد موشّى.

و الجوزات:غدد في الشّجر بين اللّحيين.

و استجاز:طلب الإجازة،أي الإذن.

و أجزت على الجريح:أجهزت.(2:176)

مجمع اللّغة :جاز الطّريق يجوزه جوزا:سلكه و قطعه.

و جاوزه و جاوزه به:قطعه و تعدّاه.

تجاوز عن المسيء:صفح عنه.(1:224)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:118)

العدنانيّ: الأجوزة:و يقولون للمسافرين:احملوا جوازات سفركم معكم.و الصّواب:احملوا أو خذوا معكم أجوزتكم،استنادا إلى قول:

1-الأساس:«خذ جوازك،و خذوا أجوزتكم، و هو صكّ المسافر لئلاّ يتعرّض له».

2-و قول المطرّزيّ: «و يجمع الجواز على أجوزة».

3-ثمّ قول التّاج:«الجواز كسحاب:صكّ المسافر، جمعه:أجوزة».

4-فقول المدّ،نقلا عن الأساس و المغرب:«إنّه يجمع على أجوزة».

5-و أخيرا قول المتن،و المعجم،و الوسيط:

«الجواز:صكّ المسافر،جمعه:أجوزة».

و خصّه مجمع دمشق في الجدول(74)بما يسمّى بسابورت.(معجم الأخطاء الشّائعة:59)

المصطفويّ: التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو العبور الخاصّ،و هو المرور عن نقطة معيّنة حسّاسة يتوجّه إليها،يقال:جاز الموضع،أي سلك و عبر عنه.

و أجازه و جوّزه متعدّيان إلى مفعولين،أي جعله عابرا الموضع أو عن الموضع.و الأوّل إذا نسب إلى الفاعل و كان النّظر إلى قيام الفعل بالفاعل،و الثّاني إذا كان النّظر إلى جهة الوقوع،يقال:أجاز الرّجل فى عمل كذا،و جوّز الأمر له.

و أمّا جاوز:فهو في مورد إدامة الجوز؛و في مورد قبوله،يقال:تجاوز،كما أنّ التّجوّز في قبول التّجويز.

و الاجتياز في الطّوع و الرّغبة.

و أمّا مفهوم الوسط:فهو بالنّظر إلى تلك النّقطة المعيّنة الّتي يعبّر عنها،فهي واقعة دائما في وسط المرور و العبور،و مفهوم الجوز يلازم العبور عن تلك النّقطة، فالعابر يقطعها في مسيره.

و أمّا التّخليف و التّسويغ و التّخفيف فكلّها من لوازم الجوز.(2:151)

النّصوص التّفسيريّة

جاوزنا

1- وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ... الأعراف:138

أبو عبيدة :مجازه:قطعنا.(1:227)

الطّبريّ: و قطعنا ببني إسرائيل البحر.(9:45)

مثله الخازن(2:230)،و الشّربينيّ(1:510).

النّقّاش:جاوزوا البحر يوم عاشوراء،و أعطي

ص: 457

موسى التّوراة يوم النّحر القابل بين الأمرين أحد عشر شهرا.(ابن عطيّة 2:447)

الطّوسيّ: أخبر اللّه تعالى في هذه الآية أنّه حين أجاز قوم موسى و قطع بهم البحر و أنجاهم من العدوّ

(4:560)

الواحديّ: يقال:جاوز الوادي،إذا قطعه،و جاوز بغيره:عبر به.(2:403)

البغويّ: قال الكلبيّ:عبر بهم موسى يوم عاشوراء،بعد مهلك فرعون و قومه،فصامه شكرا للّه عزّ و جلّ.(2:227)

مثله البيضاويّ(1:366)،و النّسفيّ(2:73).

الزّمخشريّ: و قرئ (و جوّزنا) بمعنى أجزنا،يقال:

أجاز المكان و جوّزه و جاوزه،بمعنى جازه،كقولك:

أعلاه و علاّه و عالاه.(2:110)

ابن عطيّة: قرأ جمهور النّاس (وَ جاوَزْنا) و قرأ الحسن بن أبي الحسن(و جوّزنا)ذكره أبو حاتم و المهدويّ،و المعنى قطعناه بهم و جزعناه.و هذه الآية ابتداء خبر عنهم.

و روي أنّ قطعهم كان من ضفة البحر إلى ضفة المناوحة الأولى.و روي أنّه قطع من الضّفة إلى موضع آخر منها.

فإمّا أن يكون ذلك بوحي من اللّه و أمر لينفذ أمره في فرعون و قومه،و هذا هو الظّاهر.و إمّا بحسب اجتهاد موسى في التّخلّص بأن يكون بين وضعين أو عار و حائلات.(2:447)

نحوه الفخر الرّازيّ.(14:223)

الطّبرسيّ: أي قطعنا بهم البحر،يعني النّيل نهر مصر،بأن جعلنا لهم فيه طرقا يابسة حتّى عبروا،ثمّ أغرقنا فرعون و قومه فيه.(2:471)

النّيسابوريّ: و جاوزنا بصفات القلب من بحر الدّنيا،و خلّصناهم من فرعون النّفس،فوصلوا إلى صفات الرّوح.(9:40)

أبو حيّان :و معنى(جاوزنا)قطعنا بهم البحر، يقال:جاوز الوادي،إذا قطعه.و الباء للتّعدية،يقال:

جاوز الوادي،إذا قطعه،و جاوز بغيره البحر:عبر به، فكأنّه قال:و جزنا ببني إسرائيل،أي أجزناهم البحر.

و«فاعل»بمعنى«فعل»المجرّد،يقال:جاوز و جاز،بمعنى واحد.

و قرأ الحسن و إبراهيم و أبو رجاء و يعقوب (و جوّزنا) و هو ممّا جاء فيه«فعّل»بمعنى«فعل»المجرّد،نحو قدّر و قدر،و ليس التّضعيف للتّعدية.(4:377)

نحوه السّمين(3:334)،و أبو السّعود(3:24)، و البروسويّ(3:225)،و الآلوسيّ(9:40)،و رشيد رضا(9:105)،و المراغيّ(9:50)،و مجمع اللّغة(1:

224)،و مغنيّة(3:388).

عبد الكريم الخطيب :أي نقلناهم من شاطئه الغربيّ إلى الشّاطئ الشّرقيّ،فجاوزوه،و خلّفوه وراءهم.(5:471)

2- وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ... يونس:90

الطّوسيّ: و المجاوزة:الخروج عن الحدّ من أحد الجهات الأربعة،لأنّه لو خرج عن البحر بقليل و هو

ص: 458

متعلّق عليه لم يكن قد جاوزه...(5:489)

البيضاويّ: أي جوّزناهم في البحر حتّى بلغوا الشّطّ حافظين لهم،و قرئ (جوّزنا) و هو من فعل المرادف ل(فاعل)كضعّف و ضاعف.(1:456)

أبو السّعود :هو من جاوز المكان إذا تخطّاه و خلّفه و الباء للتّعدية،أي جعلناهم مجاوزين البحر بأن جعلناه يبسا،و حفظناهم حتّى بلغوا الشّطّ.و قرئ (جوّزنا) و هو التّجويز المرادف للمجاوزة لا ممّا هو بمعنى التّنفيذ نحو ما وقع في قول الأعشى الطّويل:

*كما جوّز السّكّيّ في الباب فيتق*

و إلاّ لقيل:و جوّزنا بني إسرائيل في البحر،و لخلا النّظم الكريم عن الإيذان بانفصالهم عن البحر و بمقارنة العناية الإلهيّة لهم عنوا الجواز كما هو المشهور في الفرق بين أذهبه و ذهب به.(3:270)

رشيد رضا :و مجاوزة اللّه البحر بهم عبارة عن كونهم جاوزوه بمعونته تعالى و قدرته و حفظه،إذ كان آية من آياته لنبيّه موسى عليه السّلام بفرقه تعالى بهم البحر و انفلاقه لهم.(11:475)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجوز،أي الوسط، و الجمع:أجواز،و منه:جوز الفلاة:وسطها،و كذا جوز الطّريق،و جوز السّماء،و جوز اللّيل،و في حديث عليّ عليه السّلام:«أنّه قام من جوز اللّيل يصلّي»،أي وسطه و معظمه.

و الجوزاء:الشّاة يبيضّ وسطها،و هي المجوّزة أيضا.و الجوزاء:نجم يعترض في جوز السّماء؛يقال:

لأبكينّك الجوزاء،أي طول طلوع الجوزاء.

و الجوزاء:الماء الّذي يسقاه المال من الماشية و الحرث و نحوه،و هو الجواز أيضا،كأنّه يسقي وسط سقيتين،و قد استجزت فلانا فأجازني،أي سقاني ماء لأرضي أو لماشيتي،فأنا مستجيز،أي مستق.و جوّز إبله:سقاها.

و الجائز من البيت:الخشبة الّتي تحمل خشب البيت، و هي تقع فى الوسط.

و الجمع:أجوزة و جوزان و جوائز.

و الجوزة:السّقية الّتي يجوز بها الرّجل إلى غيرك، و في المثل:«لكلّ جابه جوزة ثمّ يؤذّن»،أي لكلّ مستق ورد علينا سقية،ثمّ يمنع من الماء.

و الجيزة:السّقية،و هو مقدار ما يجوز به المسافر من منهل إلى منهل،يقال:اسقني جيزة و جائزة و جوزة.

و الجواز:العطش لأنّه واسطة للسّقي،و الجائز:

الّذي يمرّ على قوم و هو عطشان،سقي أو لم يسق فهو جائز،يقال:جاز الرّجل،أي استقى الماء،و جاز فلان بني فلان:سقاهم.

و الجائزة:العطيّة من الماء،ثمّ كثر هذا حتّى سمّوا كلّ عطيّة جائزة،من:أجازه يجيزه،و الجمع:جوائز، يقال:أجز لي ماء حتّى أذهب لوجهي و أجوز عنك، و أجازه بجائزة سنيّة:أعطاه،و أجاز الرّجل:أعطى جائزة.

و جواز الطّريق:سلوكه و السّير فيه،و هو من الباب،لأنّ سالكه قطع جوزه،أي وسطه.يقال:جاز

ص: 459

الرّجل الوادي و أجازه:سار فيه و سلكه،و جاوز الموضع جوازا:جازه،و تجاوز بهم الطّريق:خلّفه.

و الاجتياز:السّلوك،و المجتاز:مجتاب الطّريق و مجيزه.

و جوّز لهم إبلهم:قادها بعيرا بعيرا حتّى تجوز.و الجواز أيضا:صكّ المسافر.

و المجاز و المجازة:الموضع،و المجازة:الطّريق إذا قطع من أحد جانبيه إلى الآخر،و الطّريق في السّبخة أيضا،و يقال للجسر:مجازة الطّريق.

و قالوا مجازا:جاز الشّيء يجوزه،و جاوزه إلى غيره و تجاوزه،أي تعدّاه و عبر عليه،و منه:جوائز الأمثال و الأشعار:ما جاز من بلد إلى بلد.و أجاز رأيه و جوّزه:

أنفذه،و تجوّز في كلامه:تكلّم بالمجاز،و جعل فلان ذلك الأمر مجازا إلى حاجته:طريقا و مسلكا،و تجوّز في صلاته:خفّف.

و تجوّز الدّراهم:قبلها على ما بها،و جاوز اللّه و تجاوز عن ذنبه و تجوّز:عفا عنه،و تجاوزت عنه:لم آخذه، و تجاوزت عن الشّيء:أغضيت،و تجوّز في هذا الأمر ما لم يتجوّز في غيره:احتمله،و أغمض فيه.

و جوّز له ما صنعه و أجاز له:سوّغ له ذلك،و أجاز له البيع:أمضاه،و أجزت على اسمه:جعلته جائزا، و المجيز:الوليّ،يقال:هذه امرأة ليس لها مجيز.

و الإجازة في الشّعر:أن يكون الحرف الّذي يلي حرف الرّويّ مضموما،ثمّ يكسر أو يفتح،و يكون حرف الرّويّ مقيّدا.و هو عند الخليل أن تكون القافية طاء و الأخرى دالا و نحو ذلك.

و قول الخليل أقرب إلى الأصل،ثمّ إنّ اختلاف حركة حرف الرّويّ على القول الآخر ليس إجازة،بل هو-في علم العروض-«الإقواء».

2-و الجوز:ثمر يؤكل،واحدته:جوزة،و جمعه:

جوزات.يقال في المثل:«لأشقحنّه شقح الجوزة بالجندل»،أي لأكسرنّه،أو لأستخرجنّ جميع ما عنده.

و أرض مجازة:فيها أشجار الجوز.

و لفظ الجوز-كما أجمع اللّغويّون-فارسيّ،و هو معرّب من لفظ«گوز»ثمّ دخل العربيّة بواسطة السّريانيّة؛إذ جاء فيها بلفظ«جوز»و«جوزا».

و يطلق العرب على شجرة«النّارجيل»و ثمرتها:

«جوز الهند»،و لها لبن يسمّى«الإطراق»،و يطلقون عليها أيضا اسم«شعصور»و«رارنج».

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الفعل الماضي من باب«المفاعلة»أربع مرّات،و الفعل المضارع من باب«التّفاعل»مرّة،في خمس آيات:

1- فَلَمّا جاوَزا قالَ لِفَتاهُ آتِنا غَداءَنا لَقَدْ لَقِينا مِنْ سَفَرِنا هذا نَصَباً الكهف:62

2- ...فَلَمّا جاوَزَهُ هُوَ وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قالُوا لا طاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجالُوتَ وَ جُنُودِهِ... البقرة:249

3- وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتَوْا عَلى قَوْمٍ يَعْكُفُونَ عَلى أَصْنامٍ لَهُمْ... الأعراف:138

4- وَ جاوَزْنا بِبَنِي إِسْرائِيلَ الْبَحْرَ فَأَتْبَعَهُمْ فِرْعَوْنُ وَ جُنُودُهُ بَغْياً وَ عَدْواً... يونس:90

5- أُولئِكَ الَّذِينَ نَتَقَبَّلُ عَنْهُمْ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا

ص: 460

وَ نَتَجاوَزُ عَنْ سَيِّئاتِهِمْ فِي أَصْحابِ الْجَنَّةِ...

الأحقاف:16

يلاحظ أوّلا:أنّ(جاوز)في(1 و 2)جاء متعدّيا بمفعول واحد مسندا إلى العابر،و في(3 و 4)بمفعولين فتعدّى ب(الباء)إلى المفعول الأوّل،ففي الأوليين العابر جاوز بنفسه،و في الأخيرتين جاوز غير العابر إيّاه، و هما مشتركان في المفعول الثّاني؛حيث تعدّى الفعل إليه بنفسه.

ثانيا:(نتجاوز)في(5)تعدّى ب(عن)غفرهم اللّه فتجاوز عن سيّئاتهم،و المعنى في الجميع هو العبور و شقّ الطّريق.

ص: 461

ص: 462

ج و س

اشارة

جاسوا

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجوسان:التردّد خلال الدّور و البيوت في الغارة و نحوها،قال اللّه جلّ و علا: فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ الإسراء:5.

و جيسان:اسم.(6:160)

نحوه ابن سيده.(الإفصاح 1:269)

أبو زيد :الحوس و الجوس و العوس و الهوس:

الطّواف باللّيل.(القرطبيّ 10:216)

الجوس و الحوس:طلب الشّيء باستقصاء.

(الآلوسيّ 15:18)

أبو عبيدة :و الجوسان بالتّحريك:الطّوفان باللّيل.

(القرطبيّ 10:216)

الأصمعيّ: تركت فلانا يحوس بني فلان و يجوسهم،أي يدوسهم و يطلب فيهم.[ثمّ استشهد بشعر]

الجوس:الجوع،و هو الجود.يقال جوسا له وجودا له و جوعا،بمعنى واحد.(الأزهريّ 11:139)

ابن الأعرابيّ: جوسا له،كقوله:بؤسا له.

(ابن سيده 7:517)

أبو عبيد: كلّ موضع خالطته و وطئته،فقد جسته و حسته.(الأزهريّ 11:139)

الزّجّاج: و الجوس:طلب الشّيء باستقصاء.

(الأزهريّ 11:139)

الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]

و الجوس:الجوع،جوسا لفلان،أي جوعا له، و وا جوساه.(7:146)

ابن فارس: الجيم و الواو و السّين أصل واحد، و هو تخلّل الشّيء.يقال:جاسوا خلال الدّيار يجوسون، قال اللّه تعالى: فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ.

و أمّا الجوس،فليس أصلا،لأنّه إتباع للجوع،

ص: 463

يقال:جوعا له و جوسا له.(1:495)

ابن سيده: جاس جوسا و جوسانا:تردّد،و في التّنزيل: فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ أي تردّدوا بينها للغارة.

و كلّ ما وطئ:فقد جيس.

و الجوس:كالدّوس،و رجل جوّاس:يجوس كلّ شيء:يدوسه.

و جاء يجوس النّاس،أي يتخطّاهم.

و الجوس:الجوع،يقال:جوسا له،وجودا،كما يقال:جوعا له و نوعا.

و جوس:اسم أرض.[ثمّ استشهد بشعر]

و جوّاس:اسم.(7:517)

الجوس:طلب الشّيء بالاستقصاء،جاس الشّيء يجوسه جوسا و جوسانا.

و قيل في تفسير فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ: أي طافوا خلال الدّيار ينظرون هل بقي أحد لم يقتلوه.

(الإفصاح 2:1367)

نحوه الثّعالبيّ.(191)

الرّاغب: فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ أي توسّطوها و تردّدوا بينها،و يقارب ذلك:حاسوا و داسوا.

و قيل:الجوس:طلب ذلك الشّيء باستقصاء.

و المجوس:معروف.(103)

الزّمخشريّ: جاسوا خلال الدّيار:داروا فيها بالعيث و الفساد.

و جاء فلان يجوس النّاس،أي يتخطّاهم.

(أساس البلاغة:69)

الطّبرسيّ: الجوس:التّخلّل في الدّيار،يقال:

تركت فلانا يجوس بني فلان و يجوسهم و يدوسهم،أي يطأهم.[ثمّ نقل كلام أبي عبيد المتقدّم](3:398)

ابن الأثير: في حديث قسّ بن ساعدة:«جوسة النّاظر الّذي لا يحار»أي شدّة نظره و تتابعه فيه،و يروى «حثّة النّاظر»من الحثّ.(1:316)

الفيروزآباديّ: الجوس:طلب الشّيء بالاستقصاء و التّردّد،خلال الدّور و البيوت في الغارة، و الطّوف فيها كالجوسان و الاجتياس.

و الجوّاس ككتّان:الأسد.

و جوعا له و جوسا إتباع.

و جوسية بالضّمّ:قرية بالشّام قرب حمص،منها ابن عثمان الجوس المحدّث.(2:212)

مجمع اللّغة :الجوس:طلب الشّيء بالاستقصاء.

و الجوس:التّردّد خلال الدّور و البيوت و الطّواف فيها للغارة و القتل؛جاس يجوس جوسا.(1:224)

محمّد إسماعيل إبراهيم:جاس الأعداء خلال الدّيار:دخلوها و تردّدوا بينها،باحثين عمّا فيها للنّهب و القتل و الإفساد.(1:118)

محمود شيت: جاس،جوسا،و جوسانا:تردّد، و يقال:جاسوا خلال الدّيار:تردّدوا بينها بالإفساد و طلبوا ما فيها.و الحارس و غيره:طاف بين البيوت باللّيل،و الشّيء:طلبته بالاستقصاء.

اجتاس:تردّد.

جاس الحارس:طاف.جاس في المعسكر:طاف.

(1:164)

ص: 464

المصطفويّ: التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو التّجسّس عملا،كما أنّ الجسّ،هو التّجسّس فكرا،و نظيرهما الحسّ و الحوس.

و التّضعيف و بساطة اللّفظ تدلّ على بساطة المعنى، ثمّ تبديل الحرف المكرّر بالواو يدلّ على زيادة التّحقيق و الطّلب عملا.

و هذا المعنى هو الأصل،و من لوازمه الطّلب و الاستقصاء و التّخلّل و التّخطّي و المخالطة و غيرها.

و أمّا اتباعها للجوع:فبمناسبة الاضطراب و التّردّد الحاصل للجائع،في مقابل الشّبع المطمئنّ السّاكن.

و«الطّوفان»من هذا الباب.(2:152)

النّصوص التّفسيريّة

فجاسوا

فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولاً.

الإسراء:5

ابن عبّاس: فقتلوكم وسط الدّيار في الأزقّة.

(233)

مشوا و تردّدوا بين الدّور و المساكن.

(القرطبيّ 10:216)

مجاهد :يتجسّسون أخبارهم،و لم يكن قتال.

(ابن الجوزيّ 5:9)

الفرّاء: قتلوكم بين بيوتكم،(فجاسوا)في معنى أخذوا،و«حاسوا»أيضا بالحاء في ذلك المعنى.

(2:116)

أبو عبيدة :قتلوا.(1:370)

فتّشوا و طلبوا خلال الدّيار.(الماورديّ 3:229)

قطرب: معناه:نزلوا خلال الدّيار.

(الماورديّ 3:229)

ابن قتيبة :أي عاثوا بين الدّيار و أفسدوا،يقال:

جاسوا و حاسوا،فهم يجوسون و يحوسون.(251)

نحوه القرطبيّ.(10:216)

الطّبريّ: فتردّدوا بين الدّور و المساكن،و ذهبوا و جاءوا.يقال فيه:جاس القوم بين الدّيار و حاسوا، بمعنى واحد،و جست أنا أجوس جوسا و جوسانا.[إلى أن قال:]

و جائز أن يكون معناه:فجاسوا خلال الدّيار، فقتلوهم ذاهبين و جائين،فيصحّ التّأويلان جميعا.

(15:27)

نحوه الطّوسيّ.(6:448)

الزّجّاج: أي فطافوا في خلال الدّيار ينظرون هل بقي أحد لم يقتلوه.و الجوس:طلب الشّيء باستقصاء.

(3:227)

نحوه البغويّ(3:122)،و الميبديّ(5:511)، و الطّبرسيّ(3:399)،و الخازن(4:118).

القمّيّ: أي طلبوكم و قتلوكم.(2:14)

الواحديّ: فطافوا و تردّدوا.(3:97)

نحوه المراغيّ.(15:12)

الزّمخشريّ: و أسند«الجوس»و هو التّردّد خلال

ص: 465

الدّيار بالفساد إليهم،فتخريب المسجد و إحراق التّوراة من جملة الجوس المسند إليهم.

و قرأ طلحة (فحاسوا) بالحاء،و قرئ(فجوّسوا و خلل الدّيار).(2:438)

ابن عطيّة: و قرأ النّاس (فجاسوا) بالجيم،و قرأ أبو السّمال (فحاسوا) بالحاء،و هما بمعنى الغلبة و الدّخول قسرا،و منه الحواسّ.(3:439)

الفخر الرّازيّ: [نقل بعض الأقوال المتقدّمة ثمّ قال:]

و ذلك محتمل لكلّ ما قالوه.(20:156)

البيضاويّ: تردّدوا لطلبكم.و قرئ بالحاء المهملة و هما أخوان، خِلالَ الدِّيارِ: وسطها للقتل و الغارة، فقتلوا كبارهم،و سبوا صغارهم،و حرّقوا التّوراة، و خرّبوا المسجد.(1:578)

نحوه الشّربينيّ(2:283)،و الكاشانيّ(3:178)، و البروسويّ(5:133)،و شبّر(4:8)،و الآلوسيّ(15:

18)،و القاسميّ(10:3902)،و النّهاونديّ(2:437).

النّسفيّ: تردّدوا للغارة فيها.(2:307)

نحوه النّيسابوريّ.(15:9)

ابن كثير :أي تملّكوا بلادكم و سلكوا خلال بيوتكم، أي بينها و وسطها،و انصرفوا ذاهبين و جائين لا يخافون أحدا،و كان وعدا مفعولا.(4:281)

نحوه حسنين مخلوف.(1:450)

سيّد قطب :يستبيحون الدّيار،و يروحون فيه و يغدون باستهتار،و يطئون ما فيها و من فيها بلا تهيّب.

(4:2213)

عزّة دروزة:تخلّلوا أو توغّلوا أو اخترقوا.

(3:218)

عبد الكريم الخطيب :أي تنقّلوا كما يشاءون بين الدّيار،و هذا يعني أنّ العدوّ الّذي ابتلاهم اللّه به، كان متمكّنا؛بحيث يمشي في ديارهم،و يتخلّل طرقاتها، دون أن يخش أحدا.(8:451)

المصطفويّ: أي فتجسّسوا عملا خلال الدّيار، و تفحّصوا البيوت،لطلبهم و قتلهم.(2:152)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجوس،أي التّردّد بين الدّور في الغارة،يقال:جاس يجوس جوسا و جوسانا.

و قيّده بعضهم بالطّواف ليلا،و هو غير بعيد.

و الجوس:الدّوس،و هو معنى يلازم الأصل،فكلّ ما وطئ و ديس فقد جيس.يقال:تركت فلانا يجوس بني فلان و يحوسهم،أي يدوسهم و يطلب فيهم.و كلّ موضع خالطته و وطئته فقد جسته و حسته،و هو رجل جوّاس:يجوس كلّ شيء:يدوسه،و جاء يجوس النّاس:يتخطّاهم،و هو على التّوسّع.

و من المجاز:الجوس:طلب الشّيء باستقصاء،يقال:

جاس الرّجل الأخبار،أي طلبها،و اجتاسها أيضا.

و منه حديث قسّ بن ساعدة:«جوسة النّاظر الّذي لا يحار»أي شدّة نظره و تتابعه فيه،كما قال ابن الأثير، و هو مصدر المرّة،من:جاس يجوس جوسا و جوسة.

و من دعاء للإمام جعفر بن محمّد الصّادق عليهما السّلام:

«اللّهمّ أنت العالم بجوائل فكري و جوائس صدري»جمع

ص: 466

جائس،مثل:صاهل و صواهل،أو جمع جائسة،مثل:

صاحبة و صواحب.و يريد بجوائس الصّدر:ما يتخلّله و ينطوي فيه من خفايا الأمور و أسرارها،و اللّه أعلم.

2-و الجوس و الحوس و الدّوس أخوات،يقال:نزل العدوّ ببني فلان في الخيل،فجاسهم و حاسهم و داسهم، أي قتلهم و تخلّل ديارهم و عاث فيهم.و الدّوس أعرفهنّ في العربيّة و سائر اللّغات السّاميّة،و تعني خاصّة شدّة وطء الشّيء بالأقدام.

و قولهم:جاساه،أي عاداه،إمّا لغة أو تصحيف «حاساه»بالحاء.يقال منه:إنّه لذو حوس و حويس، أي عداوة.

و الجوس:الجوع،يقال في الدّعاء عليه:جوسا له و بؤسا،على الاتباع،و هي لغة غير فصيحة لهذيل.

الاستعمال القرآنيّ

فَإِذا جاءَ وَعْدُ أُولاهُما بَعَثْنا عَلَيْكُمْ عِباداً لَنا أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ وَ كانَ وَعْداً مَفْعُولاً الإسراء:5

يلاحظ أوّلا:أنّ المفسّرين اختلفوا في تفسير فَجاسُوا خِلالَ الدِّيارِ، فقالوا:قتلوكم وسط الدّيار في الأزقّة،طلبوا و قتلوا،قتلوكم خلال الدّيار،مشوا و تردّدوا بين الدّور و المساكن،قتلوكم بين دياركم، أخذوا يذهبون و يجيئون،قتلوا فتّشوا و طلبوا خلال الدّيار،نزلوا خلال الدّيار،عاثوا بين الدّيار و أفسدوا، فتّشوا و طلبوا خلال الدّيار يحسّسون أخباركم و لم يكن قتال،طافوا و تردّدوا،تملّكوا بلادهم،يستبيحون الدّيار،و نحوها.و معنى الجملة هو التّردّد بين الدّيار، و سائر المعاني:من القتل و الإفساد و التّفتيش و التّملّك و الاستباحة و غيرها من لوازم المعنى لا من صميمه، أفادها السّياق كلاّ أو بعضا،كما قال الفخر الرّازيّ:

«و ذلك محتمل لكلّ ما قالوا».

و ثانيا:القراءة المعروفة (جاسوا) بالجيم،و قرئ بالحاء و هو بمعنى الغلبة و الدّخول قسرا منه«الحواسّ»، قاله ابن عطيّة.

و ثالثا:هذه الآية جاءت خلال قضايا بني إسرائيل حين هجم عليهم بخت نصّر،فقتلهم و أسرهم و هدم معبدهم.

و رابعا:و قد ربط المصطفويّ بين«جاسوا» و«تجسّسوا»لوحدة المادّة في الثّلاثيّ و الرّباعيّ.و جعل أصل المعنى«التّجسّس»و أنّ بساطة اللّفظ دليل على بساطة المعنى.و هذا اجتهاد منه في اللّغة،مبنيّ على إرجاع الرّباعيّ المضاعف إلى الثّلاثيّ دائما،و لم يثبت، و لكن لا ننكر أنّ هذا المعنى يخطر بالبال عند سماع (جاسوا).و لعلّ من فسّره ب«تجسّسوا»و«فتّشوا» فسّره بما خطر بباله،أو جعلهما لفظا و معنى من أصل واحد.

ص: 467

ص: 468

ج و ع

اشارة

3 ألفاظ،5 مرّات:4 مكّيّة،1 مدنيّة

في 5 سور:4 مكّيّة،1 مدنيّة

تجوع 1:1 جوع 2:2

الجوع 2:1-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجوع:اسم جامع للمخمصة؛و الفعل:

جاع يجوع جوعا؛و النّعت:جائع و جوعان.

و المجاعة:عام فيه جوع.

و يقال:أجعته و جوّعته،فجاع يجوع جوعا؛ فالمتعدّي:الإجاعة،و التّجويع.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:185)

سيبويه :و في الدّعاء:«جوعا له و نوعا»هو من المصادر المنصوبة على إضمار الفعل غير المستعمل إظهاره.

(ابن سيده 2:284)

أبو زيد: تقول العرب:جعت إلى لقائك،و عطشت إلى لقائك.(الأزهريّ:3:51)

الأصمعيّ: المستجيع:الّذي يأكل كلّ ساعة الشّيء بعد الشّيء.

و فلان جائع القدر،إذا لم تكن قدره ملأى.

و امرأة جائعة الوشاح،إذا كانت ضامرة البطن.

و يجمع الجائع:جياعا.و رجل جوعان،و امرأة جوعى.

و يقال:توحّش للدّواء و تجوّع للدّواء،أي لا تستوف الطّعام.(الأزهريّ 3:50)

أبو عبيد: [في حديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:]«إنّما الرّضاعة من المجاعة».

يقول:إنّ الّذي إذا جاع كان طعامه الّذي يشبعه اللّبن إنّما هو الصّبيّ الرّضيع،فأمّا الّذي يشبعه من جوعه الطّعام فإن أرضعتموه فليس ذلك برضاع،فمعنى الحديث:

إنّما الرّضاع ما كان بالحولين قبل الفطام...(1:287)

ابن السّكّيت: يقال:رجل جائع و جوعان،و قوم

ص: 469

جياع و جوّع.

و قد أصابتهم مجاعة و مجوعة،و المسغبة:المجاعة و الهمج:الجوع.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:رجل طلنفح،إذا كان جائعا خالي الجوف.

[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل مسحوت،إذا كان جائعا لا يشبع و مسعور..و يقال:جوع يرقوع،و ديقوع كذلك،إذا كان شديدا.[ثمّ استشهد بشعر]

و النّسناس:الجوع.[ثمّ استشهد بشعر]

و جوع طلخف؛إذا كان شديدا.

و المخمصة:المجاعة،و الطّوى:ضمر البطن من الجوع.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:به سعر،أي شهوة و جوع.(632)

ابن دريد :الجوع:ضدّ الشّبع،و يقال:رجل جائع و جوعان،و امرأة جائعة و جوعى.و الجوعة:المرّة من الجوع.

و ربيعة الجوع:بطن من بني تميم.

و جوعى:موضع.(2:105)

[و من باب الاتباع]يقال:هذا جائع نائع؛و النّائع:

المتمايل.[ثمّ استشهد بشعر](3:429)

الصّاحب: هو جائع نائع-على الاتباع- و جوعان.و إنّي لأجوع إلى مالي و أعطش،أي أشتاق.

و واحد المجاوع:مجوعة و مجاعة.

و هو منّي على قدر مجاع الشّبعان،أي على قدر ما يجوع.

و في المثل:«سمن كلب في جوع أهله»أي عند وقوع السّواف في المال.(2:94)

الجوهريّ: الجوع:نقيض الشّبع،و قد جاع يجوع جوعا و مجاعة؛و الجوعة:المرّة الواحدة.

و قوم جياع و جوّع،و عام مجاعة،و مجوعة بتسكين الجيم.

و أجاعه و جوّعه،و في المثل:«أجع كلبك يتبعك».

و تجوّع،أي تعمّد الجوع.

و رجل مستجيع:لا تراه أبدا إلاّ أنّه جائع.

(3:1201)

نحوه الرّازيّ.(133)

ابن فارس: الجيم و الواو و العين كلمة واحدة؛ فالجوع:ضدّ الشّبع،و يقال:عام مجاعة و مجوعة.

(1:495)

الثّعالبيّ: في ترتيب الجوع:أوّل مراتب الحاجة إلى الطّعم:الجوع،ثمّ السّغب،ثمّ الغرث،ثمّ الطّوى،ثمّ المخمصة،ثمّ الضّرم،ثمّ السّعار.

في ترتيب أحوال الجائع:

إذا كان الإنسان على الرّيق،فهو ريّق؛عن أبي عبيدة.

فإذا كان جائعا في الجدب،فهو محل؛عن أبي زيد.

فإذا كان متجوّعا للدّواء،مخليا لمعدته،ليكون أسهل لخروج الفضول من أمعائه،فهو وحش و متوحّش.

فإذا كان جائعا مع وجود الحرّ فهو مغتوم.فإذا كان جائعا مع وجود البرد،فهو خريص،و خرص؛عن ابن السّكّيت.

ص: 470

فإذا احتاج إلى شدّ وسطه من شدّة الجوع،فهو:

معصّب؛عن الخليل.

في تقسيم الشّهوات:

فلان جائع إلى الخبز.

قرم إلى اللّحم...(181،182)

ابن سيده: الجوع:نقيض الشّبع،جاع جوعا فهو جائع و جوعان؛و الجمع:جوعى و جياع و جوّع و جيّع.

[ثمّ استشهد بشعر]

شبّهوا باب جيّع بباب عصيّ،فقلبه بعضهم.و قد أجاعه و جوّعه.[ثمّ استشهد بشعر]

و المجاعة و المجوعة و المجوعة:عام الجوع.

و قالوا:«إنّ للعلم إضاعة و هجنة و آفة و نكدا و استجاعة».

إضاعته:وضعك إيّاه في غير أهله،و استجاعته:ألاّ تشبع منه،و نكده:الكذب فيه،و آفته:نسيانه، و هجنته:إضاعته.

و جاع إلى لقائه:اشتهاه،كعطش،على المثل.

و في الدّعاء:«جوعا له و نوعا»،و لا يقدّم الآخر قبل الأوّل،لأنّه تأكيد له.

و جائع نائع؛إتباع،مثله.

و الجوعة:إقفار الحيّ.(2:284)

الرّاغب: الجوع:الألم الّذي ينال الحيوان من خلوّ المعدة من الطّعام.

و المجاعة:عبارة عن زمان الجدب.

و يقال:رجل جائع و جوعان،إذا كثر جوعه.

(103)

الزّمخشريّ: أجاعه و جوّعه،و تجوّع للدّواء.

و فلان مستجيع:لا تراه الدّهر إلاّ و هو جائع.

و هذا عام مجاعة،و أصابتهم مجاوع و مخامص.[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان من موضع كذا على قدر مجاع الشّبعان،و على قدر معطش الرّيّان،أي على قدر ما يجوع الشّبعان سائرا حتّى يصل إليه.

و في الحديث:«حتّى إذا كان من ديار شبام على قدر مجاع الشّبعان»هو اسم قبيلة سمّوا بجبل لهمدان.[ثمّ استشهد بشعر]

و من المجاز:جاع وشاحها:للخمصانة،و فلان جائع القدر،و أجاع قدره.[ثمّ استشهد بشعر]

و إنّي لأجوع إلى أهلي و أعطش،و إنّك لجائع إلى فلان:عطشان.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:69)

الطّبرسيّ: الجوع:ضدّ الشّبع،و هو المخمصة.

و المجاعة:عام فيه جوع.

و حقيقة الجوع:الشّهوة الغالبة إلى الطّعام،و الشّبع:

زوال الشّهوة.و لا خلاف أنّ الشّهوة معنى في القلب لا يقدر عليه غير اللّه تعالى،و الجوع منه.(1:237)

المدينيّ: في حديث صلة بن أشيم:«كان سريع الاستجاعة»،الاستجاعة:قوّة الجوع،كاستعلى من علا،و استبشر من بشر.(1:375)

الصّغانيّ: الجوعان:الجائع،و الجيعان:خطأ.

(4:234)

الفيّوميّ: جاع الرّجل جوعا،و الاسم:الجوع بالضّمّ،و جوعة.و هو عام المجاعة،و المجوعة.

ص: 471

و جوّعه تجويعا،و أجاعه إجاعة:منعه الطّعام و الشّراب؛فالرّجل جائع و جوعان،و امرأة جائعة و جوعى،و قوم جياع و جوّع.(1:115)

الفيروزآباديّ: الجوع:ضدّ الشّبع،و بالفتح:

المصدر،جاع جوعا و مجاعة فهو جائع و جوعان،و هي جائعة و جوعى،من جياع و جوّع كركّع.

و ابن جاع قمله:لقب«ك«تأبّط شرّا».

و جاع إليه:عطش و اشتاق.

و جائعة الوشاح:ضامرة البطن.

و هي منّي على قدر مجاع الشّبعان،أي على قدر ما يجوع.

و«سمن كلب بجوع أهله»أي بوقوع السّواف في المال.

أو كلب (1)رجل خيف فسئل رهنا فرهن أهله،ثمّ تمكّن من أموال من رهنهم أهله فساقها،و ترك أهله.

[فضرب به المثل]

و عام مجاعة و مجوعة كمرحلة:فيه الجوع،جمعه:

مجائع.

و أجاعه:اضطرّه إلى الجوع،كجوّعه.

و«أجع كلبك يتبعك»أي اضطرّ اللّئيم بالحاجة ليقرّ عندك.

و تجوّع:تعمّد الجوع.

و المستجيع:من لا تراه أبدا إلاّ و هو جائع.(3:15)

الطّريحيّ: الجوع هو الألم الّذي ينال الحيوان من خلوّ المعدة عن الغذاء.

و في الخبر:«و أعوذ بك من الجوع فإنّه يئس الضّجيع»المراد بالجوع هنا:الّذي يشغل عن ذكر اللّه و يثبّط عن الطّاعة لمكان الضّعف.

و أمّا الجوع الّذي لا يصل إلى هذه الحالة فهو محمود بل هو سيّد الأعمال،كما جاءت به الرّواية؛و ذلك لما فيه من الأسرار الخفيّة كصفاء القلب و نفاذ البصيرة،لما روي:«إنّ من أجاع بطنه عظمت فكرته و فطن قلبه».

و منها:رقّة القلب،و منها:ذلّ النّفس و زوال البطر و الطّغيان،و لما فيه من طعم العذاب الّذي به يعظم الخوف من عذاب الآخرة و كسر سائر الشّهوات الّتي هي ينابيع المعاصي،و لما فيه من خفّة البدن للتّهجّد و العبادة،و لما فيه من خفّة المئونة و إمكان القناعة بقليل من الدّنيا،فإنّ من تخلّص من شره البطن لم يفتقر إلى مال كثير،فيسقط عنه أكثر هموم الدّنيا.(4:318)

العدنانيّ: الجوعان لا الجيعان

و يخطّئ الصّاغانيّ في كتاب«الذّيل و الصّلة»، و الخفاجيّ في«شفاء الغليل»من يقول:هو جائع و جيعان،و يقولان:إنّ الصّواب هو:جوعان.و قد عثرا حين خطّئا من يقول:جائع،لأنّ جميع المعجمات تذكر اسم الفاعل هذا،و لأنّ اسم الفاعل يصاغ من الثّلاثيّ السّالم على وزن«فاعل»،و من الأجوف على وزن «فائل».

و أصابا حين خطّئا من يقول:«جيعان»،و حذا التّاج و المدّ حذوهما.و الصّواب هو«الجوعان»،كما قالا.

[ثمّ استشهد بشعر]

و ذكر«الجوعان»أيضا:الرّاغب الأصفهانيّ فيه.

ص: 472


1- اسمه.

«مفرداته»،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و فعله:جاع يجوع جوعا،(أو جوعا في نسختين مخطوطتين من الصّحاح)،أو مجاعة،أو جوعة؛فهو:

جائع و جوعان،و هي:جائعة و جوعى،و هم و هنّ كما جاء في«اللّسان»:جوعى،و جياع.[ثمّ استشهد بشعر]

و جوّع.[ثمّ استشهد بشعر]

و جيّع:و زاد المصباح و المتن:جياعى.

و جاء في«القاموس»في مادّة«سوع»أنّ الجائع يجمع على:جاعة.و هو جمع قياسيّ،و إن لم تذكره المعجمات،لأنّ الجمع«فعلة»مقيس في كلّ وصف على وزن«فاعل»لمذكّر،عاقل،صحيح اللاّم،نحو:كامل و كملة،و كاتب و كتبة،و جائع و جوعة،و بائع و بيعة.

و حين تتحرّك الواو و الياء،و يفتح ما قبلهما تقلبان ألفا،فتصبح الجوعة:جاعة،و البيعة:باعة.

و يجوز-طبعا-أن نجمع الجائع أيضا على:جائعين، و الجائعة على:جائعات.

و يجيز بنو أسد تأنيث«فعلان»على«فعلانة»،ممّا يسمح لنا بأن نقول:هي جوعانة أيضا.(136)

المصطفويّ: الجوع:حالة مؤلمة في قبال الشّبع.

(2:153)

النّصوص التّفسيريّة

تجوع

إِنَّ لَكَ أَلاّ تَجُوعَ فِيها وَ لا تَعْرى. طه:118

ابن عبّاس: في الجنّة من الطّعام.(267)

الفرّاء: (ان)فيها[في قوله:الاّ تجوع فيها...]في موضع نصب،ب[إنّ]لأنّ«إنّ و ليت و لعلّ»إذا و لين صفة،نصبت ما بعدها،ف«إنّ»من ذلك.(2:194)

نحوه الطّبريّ(16:222)،و أبو البركات(2:

154)،و السّمين(5:60).

الطّوسيّ: (فيها)يعني في الجنّة ما دمت على طاعتك لي و الامتثال لأمري.(7:215)

الطّبرسيّ: كيف جمع بين:الجوع و العري،و بين:

الظّمأ و الضّحى،و الجوع من جنس الظّمأ،و العري من جنس الضّحى؟

أجيب عن ذلك بجوابين:

أحدهما:أنّ«الظّمأ»أكثر ما يكون من شدّة الحرّ، و الحرّ إنّما يكون من الضّحى و هو الانكشاف للشّمس، فجمع بينهما لاجتماعهما في المعنى.و كذلك الجوع و العري متشابهان،من حيث إنّ الجوع:عري في الباطن من الغذاء،و العري:للجسم في الظّاهر.

و الثّاني:أنّ العرب تلفّ الكلامين بعضهما ببعض، اتّكالا على علم المخاطب،و أنّه يردّ كلّ واحد منهما إلى ما يشاكله.[ثمّ استشهد بشعر](4:33)

ابن الجوزيّ: قرأ أبيّ بن كعب (لا تجاع و لا تعرى) بالتّاء المضمومة و الألف.(5:329)

السّيوطيّ: [نحو الطّبرسيّ في الوجه الأوّل،إلاّ أنّه عدّه تحت عنوان ترصيع الكلام من أنواع المطابقة]

(الإتقان 3:326)

أبو السّعود :و معنى أَلاّ تَجُوعَ فِيها إلخ،أن

ص: 473

لا يصيبه شيء من الأمور الأربعة أصلا،فإنّ:الشّبع و الرّيّ و الكسوة و السّكن،قد تحصل بعد عروض أضدادها؛بإعواز الطّعام و الشّراب و اللّباس و المسكن، و ليس الأمر فيها كذلك،بل كلّ ما وقع فيها شهوة و ميل إلى شيء من الأمور المذكورة تمتّع به من غير أن يصل إلى حدّ الضّرورة،و وجه إفراده عليه السّلام بما ذكر ما مرّ آنفا.

و فصل«الظّمأ»عن«الجوع»في الذّكر-مع تجانسهما و تقارنهما في الذّكر عادة-و كذا حال العري و الضّحو المتجانسين لتوفية مقام الامتنان حقّه، بالإشارة إلى أنّ نفي كلّ واحد من تلك الأمور نعمة على حيالها،و لو جمع بين الجوع و الظّمأ لربّما توهّم أنّ نفيهما نعمة واحدة.

و كذا الحال في الجمع بين:العري و الضّحو،على منهاج قصّة البقرة،و لزيادة التّقرير بالتّنبيه على أنّ نفي كلّ واحد من الأمور المذكورة مقصود بالذّات مذكور بالأصالة،لا أنّ نفي بعضها مذكور بطريق الاستطراد و التّبعيّة لنفي بعض آخر،كما عسى يتوهّم لو جمع بين كلّ من المتجانسين.(4:313)

السّيّد المدنيّ: ائتلاف المعنى مع المعنى،هذا النّوع قسم من المناسبة المعنويّة،و هو قسمان:

أحدهما:أن يشتمل الكلام على معنى يصحّ معه معنيان:أحدهما ملائم له بحسب نظر دقيق،و الآخر ليس كذلك،فيقرب بالملائم...

و ثانيهما:أن يشتمل الكلام على معنى له ملائمان يصحّ أن يقرن كلّ منهما به،لكن يختار الأحسن منهما، و ما لاقترانه به مزيّة على الآخر،فيقرن بذلك المعنى.

[إلى أن قال:]

و نظيره في الكتاب العزيز قوله تعالى: إِنَّ لَكَ أَلاّ تَجُوعَ فِيها وَ لا تَعْرى* وَ أَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَ لا تَضْحى طه:118،119،فإنّه لم يراع فيه مناسبة«الرّيّ» للشّبع،و«الاستظلال»للّبس،بل روعيت المناسبة بين اللّبس و الشّبع في عدم الاستغناء عنهما،و أنّهما من أصول النّعمة،و بين الاستظلال و الرّيّ في كونهما تابعين لهما.و مكمّلين لمنافعهما،و هذا أدخل في الامتنان،لما في تقديم أصول النّعم و إرداف التّوابع من الاستيعاب.

(4:198)

البروسويّ: أي قلنا:إنّ حالك ما دمت في الجنّة عدم الجوع؛إذ النّعم كلّها حاضرة فيها.(5:436)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود ثمّ أضاف:]

و قال بعضهم:إنّ الاقتصار على ما ذكر لما وقع في سؤال آدم عليه السّلام،فإنّه روي أنّه لمّا أمره سبحانه بسكنى الجنّة،قال:إلهي أ لي فيها ما آكل،أ لي فيها ما ألبس،أ لي فيها ما أشرب،أ لي فيها ما أستظلّ به؟فأجيب بما ذكر.

و في القلب من صحّة الرّواية شيء.

و وجه إفراده عليه السّلام بما ذكر ما مرّ آنفا،و قيل:كونه السّائل،و كان الظّاهر عدم الفصل بين الجوع و الظّمأ و العري و الضّحو للتّجانس و التّقارب،إلاّ أنّه عدل عن المناسبة المكشوفة إلى مناسبة أتمّ منها،و هي أنّ الجوع خلوّ الباطن،و العري خلوّ الظّاهر،فكأنّه قيل:لا يخلو باطنك و ظاهرك عمّا يهمّهما،و جمع بين الظّمأ المورث حرارة الباطن و البروز للشّمس و هو الضّحو المورث حرارة الظّاهر،فكأنّه قيل:لا يؤلمك حرارة الباطن

ص: 474

و الظّاهر،و ذلك الوصل الخفيّ،و هو سرّ بديع من أسرار البلاغة.

و في«الكشف»إنّما عدل إلى المنزل تنبيها على أنّ الشّبع و الكسوة أصلان و أنّ الأخيرين متمّمان على التّرتيب،فالامتنان على هذا الوجه أظهر،و لهذا فرّق بين القرينتين،فقيل أوّلا،(انّ لك)و ثانيا:(انّك)،و قد ذكر هذا العلاّمة الطّيّبيّ أيضا،ثمّ قال:و في تنسيق المذكورات الأربعة مرتّبة هكذا،مقدّما ما هو الأهمّ فالأهمّ،ثمّ في جعلها تفصيلا لمضمون قوله تعالى:

فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى و تكرير لفظة (فيها)و إخراجها في صيغة النّفي مكرّرة الأداة،الإيماء إلى التّعريض بأحوال الدّنيا،و أنّ لا بدّ من مقاساتها(فيها) لأنّها خلقت لذلك،و أنّ الجنّة ما خلقت إلاّ للتّنعّم، و لا يتصوّر فيها غيره.

و في«الانتصاف»أنّ في الآية سرّا بديعا من البلاغة، يسمّى:قطع النّظير عن النّظير،و الغرض من ذلك تحقيق تعداد هذه النّعم.و لو قرن كلّ بشكله لتوهّم المقرونان نعمة واحدة،و قد رمق أهل البلاغة سماء هذا المعنى قديما و حديثا.[ثمّ استشهد بشعر و قال:]

ثمّ ما ذكر من قصد تناسب الفواصل في الآية ظاهر، في أنّه لو عدل عن هذا التّرتيب لم يحصل ذلك،و هو غير مسلّم.(16:271)

حفني محمّد شرف:[قال في بحث دقّة اختيار ألفاظ القرآن و التّمييز بين معانيها:]

و إلى هذا الاختيار في ألفاظ القرآن أشار الجاحظ بقوله:و قد يستخفّ ألفاظا و يستعملونها و غيرها أحقّ بذلك منهما،أ لا ترى أنّ اللّه تبارك و تعالى لم يذكر في القرآن،«الجوع»إلاّ في موضع العقاب،أو في موضع الفقر المدقع و العجز الظّاهر،و النّاس لا يذكرون «السّغب»و يذكرون«الجوع»في حالة القدرة و السّلامة.

و كذلك ذكر«المطر»لأنّك لا تجد القرآن يلفظ به إلاّ في موضع الانتقام،و العامّة و أكثر الخاصّة لا يفصلون بين ذكر«المطر»و ذكر«الغيث».(225)

الطّباطبائيّ: و قد رتّبت الأمور الأربعة على نحو اللّفّ و النّشر المرتّب (1)،لرعاية الفواصل.و الأصل في التّرتيب:أن لا تجوع فيها و لا تظمأ و لا تعرى و لا تضحى.

(14:221)

مكارم الشّيرازيّ: [نحو الطّبرسيّ ثمّ أضاف:]

و الأفضل أن يقال:إنّ هذين الوصفين-الجوع و العري-علامتان واضحتان للفقر،تأتيان معا عادة.

(10:83)

جوع

1- لا يُسْمِنُ وَ لا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ. الغاشية:7

راجع«غ ن ي».

2- اَلَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ.

قريش:4

ابن عبّاس: إنّهم كانوا في ضرّ و مجاعة حتّى جمعهم هاشم على الرّحلتين.(الواحديّ 4:557)

ص: 475


1- كذا،و الظّاهر غير المرتّب.

الزّجّاج:و كانوا قد أصابتهم شدّة حتّى أكلوا الميتة و الجيف.(5:366)

القمّيّ: ...فلا يحتاجون أن يذهبوا إلى الشّام.

(2:444)

الواحديّ: أي من بعد جوع،كما تقول:كسوتك من عري.(4:557)

مثله البغويّ(5:311)،و ابن الجوزيّ(9:241).

الزّمخشريّ: التّنكير في(جوع)و(خوف) لشدّتهما،يعني أطعمهم بالرّحلتين من جوع شديد كانوا فيه قبلهما.(4:288)

مثله النّسفيّ(4:378)،و نحوه أبو السّعود(6:474).

الفرق بين«عن»و«من»:أنّ«عن»يقتضي حصول جوع قد زال بالإطعام،و«من»يقتضي المنع من لحاق الجوع،و المعنى:أطعمهم فلم يلحقهم جوع،و آمنهم فلم يلحقهم خوف،فيكون(من)لابتداء الغاية،و المعنى:

أطعمهم في بدء جوعهم قبل لحاقه إيّاهم،و آمنهم في بدء خوفهم قبل اللّحاق. (1)(البروسويّ 10:520)

مثله البغويّ(5:311)،و ابن الجوزيّ(9:241).

ابن عطيّة: معناه أنّ أهل مكّة قاطنون بواد غير ذي زرع عرضة للجوع و الجدب،لو لا لطف اللّه تعالى، و أن جعلها بدعوة إبراهيم عليه السّلام تجبى إليها ثمرات كلّ شيء.(5:526)

الفخر الرّازيّ: ما الفائدة في قوله:(من جوع)؟

الجواب:فيه فوائد:

أحدها:التّنبيه على أنّ أمر الجوع شديد،و منه قوله تعالى: وَ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا الشّورى:28،و قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«من أصبح آمنا في سربه» الحديث.

و ثانيها:تذكيرهم الحالة الأولى الرّديئة المؤلمة، و هي الجوع حتّى يعرفوا قدر النّعمة الحاضرة.

و ثالثها:التّنبيه على أنّ خير الطّعم ما سدّ الجوعة، لأنّه لم يقل:و أشبعهم،لأنّ الطّعام يزيل الجوع،أمّا الإشباع فإنّه يورث البطنة.[إلى أن قال:]

و في الآية سؤالات:

السّؤال الأوّل:لم لم يقل:عن جوع،و عن خوف؟

قلنا:لأنّ معنى«عن»أنّه جعل الجوع بعيدا عنهم، و هذا يقتضي أن يكون ذلك التّبعيد مسبوقا بمقاساة الجوع زمانا،ثمّ يصرفه عنه،و«من»لا تقتضى ذلك،بل معناه أنّهم عند ما يجوعون يطعمون،و حين ما يخافون يؤمنون.

السّؤال الثّاني:لم قال:(من جوع)،(من خوف)على سبيل التّنكير؟

الجواب:المراد من التّنكير التّعظيم،أمّا الجوع فلما روينا أنّه أصابتهم شدّة حتّى أكلوا الجيف و العظام المحرقة.و أمّا الخوف،فهو الخوف الشّديد الحاصل من أصحاب الفيل.

و يحتمل أن يكون المراد من التّنكير التّحقير، و يكون المعنى:أنّه تعالى لمّا لم يجوّز-لغاية كرمه- إبقاءهم في ذلك الجوع القليل و الخوف القليل،فكيف يجوّز في كرمه لو عبدوه أن يهمل أمرهم.

و يحتمل أن يكون المراد أنّه أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍف.

ص: 476


1- و لم نجده في الكشّاف.

دون جوع، وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ دون خوف،ليكون الجوع الثّاني و الخوف الثّاني مذكّرا ما كانوا فيه أوّلا من أنواع الجوع و الخوف،حتّى يكونوا شاكرين من وجه، و صابرين من وجه آخر،فيستحقّوا ثواب الخصلتين.

(32:109)

العكبريّ: أي من أجل جوع.و يجوز أن يكون حالا،أي أطعمهم جائعين.(2:1305)

أبو حيّان :و(من)هنا للتّعليل،أي لأجل الجوع.

[ثمّ أدام نحو ابن عطيّة](8:515)

الشّربينيّ: اَلَّذِي أَطْعَمَهُمْ أي قريشا بحمل الميرة إلى مكّة بالرّحلتين إطعاما مبتدأ،(من جوع)أي عظيم فيه غيرهم من العرب.أو كانوا هم فيه قبل ذلك، لأنّ بلدهم ليس بذي زرع،فهم عرضة للفقر الّذي ينشأ عنه الجوع،فكفاهم ذلك وحده و لم يشركه أحد في كفايتهم،فليس من الشّكر إشراكهم غيره معه في عبادته و لا من البرّ بأبيهم إبراهيم عليه السّلام الّذي دعا لهم بالرّزق بقوله عليه السّلام: وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ إبراهيم:

37،و نهى أشدّ النّهي عن عبادة الأصنام.(4:592)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

قال سعدي المفتيّ: الجوع لا يجامع الإطعام،و الظّاهر أنّها[من]للبدليّة.

يقول الفقير: الظّاهر أنّ مآل المعنى نجّاهم من الجوع بسبب الإطعام و التّرزيق.(10:520)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و(من)قيل:تعليليّة،أي أنعم عليهم و أطعمهم لإزالة الجوع عنهم،و يقدّر المضاف لتظهر صحّة التّعليل، أو يقال:الجوع علّة باعثة و لا تقدير.

و قيل:بدليّة،مثلها في قوله تعالى: أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ التّوبة:38.(30:241)

سيّد قطب :و كان الأصل-بحسب حالة أرضهم- أن يجوعوا،فأطعمهم اللّه و أشبعهم من هذا الجوع.و كان الأصل بحسب ما هم فيه من ضعف و بحسب حالة البيئة من حولهم أن يكونوا في خوف فآمنهم من هذا الخوف.

(6:3983)

الجوع

1- وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ.

البقرة:155

ابن عبّاس: في قحط السّنين.(22)

نحوه البغويّ(1:185)،و الفخر الرّازيّ(4:169).

الشّافعيّ: الجوع:صيام شهر رمضان.

(الزّمخشريّ 1:323)

الطّبريّ: هو القحط...و بسنة تصيبكم:ينالكم فيها مجاعة و شدّة،و تعذر المطالب عليكم،فتنقص لذلك أموالكم...(2:41)

القفّال: ...أمّا(الجوع)فقد أصابهم[المسلمين]في أوّل مهاجرة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلى المدينة لقلّة أموالهم،حتّى أنّه عليه السّلام كان يشدّ الحجر على بطنه.

(الفخر الرّازيّ 4:169)

الماورديّ: المجاعة بالجدب.(1:209)

نحوه الواحديّ.(1:236)

ص: 477

الطّوسيّ: و(الجوع)كان لفقرهم[أصحاب رسول اللّه]و تشاغلهم بالجهاد في سبيل اللّه عن المعاش.

(2:37)

نحوه الطّبرسيّ.(1:237)

ابن عطيّة: الجدب و السّنة،و أمّا الحاجة إلى الأكل فإنّما اسمها الغرث،و قد استعمل فيه المحدثون الجوع اتّساعا.(1:227)

أبو حيّان :(الجوع):القحط،قاله ابن عبّاس،عبّر بالمسبّب عن السّبب.و قيل(الجوع):الفقر،عبّر بالمسبّب عن السّبب أيضا.(1:450)

النّسفيّ: القحط،أو صوم شهر رمضان.(1:84)

الشّربينيّ: أي القحط،و إنّما قلّله بالنّسبة لما وقاهم عنه،فيخفّف عنهم و يريهم أنّ رحمته لا تفارقهم، أو بالنّسبة إلى ما يصيب به معانديهم في الآخرة.

و إنّما أخبرهم قبل وقوعه،ليوطّنوا عليه نفوسهم.

(1:105)

نحوه أبو السّعود(1:220)،و البروسويّ(1:260).

الآلوسيّ: [نحو الشّربينيّ إلى أن قال:]

و(الجوع)الموجب لهتك البدن و ضعف القوى و رفع حجاب الهوى،و تضييق مجاري الشّيطان إلى القلب.

(2:22-24)

2- وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذاقَهَا اللّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ.

النّحل:112

ابن عبّاس: عاقب اللّه أهلها بالجوع سبع سنين.

(231)

الطّبريّ: فأذاق اللّه أهل هذه القرية لباس الجوع؛ و ذلك جوع خالط أذاه أجسامهم،فجعل اللّه تعالى ذكره ذلك لمخالطته أجسامهم،بمنزلة اللّباس لها؛و ذلك أنّهم سلّط عليهم الجوع سنين متوالية،بدعاء رسول اللّه[أي رسولهم]صلّى اللّه عليه و سلّم،حتّى أكلوا العلهز (1)و الجيف.

(14:187)

نحوه الشّربينيّ.(2:265)

أبو حيّان :و لمّا تقدّم ذكر الأمن و إتيان الرّزق، قابلهما بالجوع النّاشئ عن انقطاع الرّزق،و بالخوف، و قدّم(الجوع)ليلي المتأخّر،و هو إتيان الرّزق،كقوله:

يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَ تَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ آل عمران:106.و أمّا قوله: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ* فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النّارِ هود:105، 106،فقدّم ما بدئ به،و هما طريقان.

و قرأ عبد اللّه (فاذاقها اللّه الخوف و الجوع) و لا يذكر«لباس».

و الّذي أقوله:إنّ هذا تفسير المعنى لا قراءة،لأنّ المنقول عنه مستفيضا مثل ما في سواد المصحف،و في مصحف أبيّ بن كعب:(لباس الخوف و الجوع)بدأ بمقابل ما بدأ به في قوله: كانَتْ آمِنَةً. و هذا عندي إنّما كان في مصحفه قبل أن يجمعوا ما في سواد المصحف الموجود الآن شرقا و غربا،و لذلك المستفيض عن أبيّ في القراءة إنّما هو كقراءة الجماعة.(5:543)ه.

ص: 478


1- العلهز:الوبر يعجن بالدّم و القراد يأكلونه.

الآلوسيّ: و تقديم(الجوع)النّاشئ من فقدان الرّزق على(الخوف)المترتّب على زوال الأمن المقدّم فيما تقدّم على إتيان الرّزق،لكونه أنسب بالإذاقة أو لمراعاة المقارنة بين ذلك و بين إتيان الرّزق.[ثمّ أدام نحو أبي حيّان](14:243)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجوع،ضدّ الشّبع،جاع يجوع جوعا و جوعة،و مجاعة،فهو جائع و جوعان و هي جوعى،و الجمع:جوعى و جياع و جوّع و جيّع.

و أجاعه و جوّعه،و في المثل:«أجع كلبك يتبعك».

و تجوّع:تعمّد الجوع،يقال:توحّش للدّواء و تجوّع للدّواء،أي لا تستوف الطّعام.و رجل مستجيع:لا يرى إلاّ جائعا،أو من يأكل كلّ ساعة الشّيء بعد الشّيء، و جوعا له و نوعا،و هو جائع و نائع،على الاتباع،و هو دعاء عليه.

و المجاعة و المجوعة و المجوعة:عام الجوع،و قد أصابتهم مجاعة،و الجوعة:إقفار الحيّ.

و فلان جائع القدر:غير ملأى،و امرأة جائعة الوشاح:ضامرة البطن،و جاع إلى لقائه:اشتهاه.

2-و الجوع يجانس حال الجائع لفظا أيضا،فأوّل حروفه الجيم،و مخرجه أوّل اللّسان في جوف الفم،و هو محلّ مضغ الطّعام،و آخر حروفه العين،و مخرجه وسط الحلق،و هو محلّ بلع الطّعام،و يتوسّطهما الواو،و هو حرف جوفيّ،و الجوف محلّ هضم الطّعام،لأنّ الجوع أجوف واويّ.و لمّا يتضوّر الإنسان جوعا،و يعصف بجوفه ألم الجوع،و اشتهت جوارحه بدء بفمه و انتهاء بجوفه الطّعام،يجهر بلفظ الجوع،لأنّ أحرفه الثّلاثة مجهورة جميعا،فهو أبلغ ما يعبّر به عن هذا المعنى.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الفعل المضارع مرّة،و المصدر أربع مرّات:

مرّتين معرفتين،و مرّتين نكرتين،في(5)آيات:

1- إِنَّ لَكَ أَلاّ تَجُوعَ فِيها وَ لا تَعْرى* وَ أَنَّكَ لا تَظْمَؤُا فِيها وَ لا تَضْحى طه:118،119

2- وَ لَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ

البقرة:155

3- وَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذاقَهَا اللّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ بِما كانُوا يَصْنَعُونَ

النّحل:112

4- لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاّ مِنْ ضَرِيعٍ* لا يُسْمِنُ وَ لا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ الغاشية:7،8

5- فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هذَا الْبَيْتِ* اَلَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوعٍ وَ آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ قريش:3،4

يلاحظ أوّلا:أنّ في(1)بحوثا:

1-أنّها وصف لأهل الجنّة و ما وعدهم اللّه من النّعمة،و هي في قبال(4) لَيْسَ لَهُمْ طَعامٌ إِلاّ مِنْ ضَرِيعٍ* لا يُسْمِنُ وَ لا يُغْنِي مِنْ جُوعٍ فشتّان ما بين أهل الجنّة و أهل النّار من ناحية«الجوع».

2-أنّها جاءت في قصّة آدم و زوجه في الجنّة و قبلها

ص: 479

فَقُلْنا يا آدَمُ إِنَّ هذا عَدُوٌّ لَكَ وَ لِزَوْجِكَ فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى 117،فالخطاب لآدم و معه زوجه، و لم يعمّ ذرّيّته لو لم يخرجا من الجنّة،و قد نفى عنهما في الجنّة أربع خصال كلّها نقمة و عذاب:الجوع،و العري، و الظّمأ،و الضّحى،و الجوع و الظّمأ آفة الطّعام و الشّراب،فهما من جنس واحد،كما أنّ العري و الضّحى-أي حرارة الضّحى-آفة البرودة و الحرارة فهما أيضا من جنس واحد،لكن جاءت الأربع في الآية على سبيل اللّفّ و النّشر غير المرتّب؛حيث جاء الجوع مع العري،و الظّمأ مع الضّحى فما الوجه فيها؟

و قد اهتمّ المفسّرون به فذكروا له وجوها:

أ-أنّ الظّمأ أكثر ما يكون من شدّة الحرارة،و الحرّ إنّما يكون من الضّحى،و كذلك الجوع و العري متشابهان، لأنّ الجوع عري البطن من الغذاء في الباطن،و العري للجسم في الظّاهر،و عند السّيوطيّ أنّ هذا من ترصيع الكلام من أنواع المطابقة.

ب-أنّ العرب تلفّ الكلامين بعضهما ببعض اتّكالا على علم المخاطب،فإنّه يردّ كلّ واحد منهما إلى ما يشاكله،ذكره الطّبرسيّ.

ج-هذا نوع،من ائتلاف المعنى مع المعنى و قسم من المناسبة المعنويّة،و هو قسمان:

أحدهما:أن يشمل الكلام على معنى يصحّ معه معنيان،أحدهما يلائمه بحسب نظر دقيق،و الآخر ليس كذلك بل ملائم ظاهر،فيلاحظ الظّاهر.

و ثانيهما:أن يلاحظ الملائم الخفيّ و الأحسن منهما، و ما لاقترانه مزيّة على الآخر،و منه هذه الآية حيث لم يراع فيها مناسبة«الرّيّ»للشّبع،و«الاستظلال» للّبس،بل روعيت المناسبة بين اللّبس و الشّبع في عدم الاستغناء عنهما،و أنّهما من أصول النّعمة،و بين الاستظلال و الرّيّ في كونهما تابعين لهما و مكمّلين لمنافعهما،و هذا أدخل في الامتنان لما في تقديم أصول النّعم و إرداف التّوابع من الاستيعاب.

د-أنّ ذلك تعقيب على سؤال آدم لمّا أمره اللّه بسكنى الجنّة،فقال:إلهي أ لي فيها ما آكل،أ لي فيها ما ألبس،أ لي فيها ما أشرب،أ لي فيها ما أستظلّ به؟ فأجيب بما ذكر!!

ه-أنّ الجوع و العري علامتان واضحتان للفقر ملازمتان خارجا و مقارنتان ذكرا في المحاورات.

و-قدّم ما هو الأهمّ فالأهمّ تفصيلا ل فَلا يُخْرِجَنَّكُما مِنَ الْجَنَّةِ فَتَشْقى.

ز-لزيادة التّقرير بالتّنبيه على أنّ نفي كلّ واحد من الأمور المذكورة مقصود بالذّات مذكور بالأصالة،لا أنّ نفي بعضها مذكور بطريق الاستطراد و التّبعيّة لنفي بعض آخر،كما عسى أن يتوهّم لو جمع بين المتجانسين.

ح-أنّ فيها سرّا بديعا من البلاغة يسمّى:قطع النّظير عن النّظير،و الغرض من ذلك تحقيق تعداد هذه النّعم،و لو قرن كلّ بشكله لتوهّم المقرونان نعمة واحدة.

ط-جاء كذلك رعاية للفواصل-قاله الطّباطبائيّ- و هو الوجه عندنا،مع الاعتراف بلطف بعض ما ذكر و دقّته الحاكية عن تذوّقه لبلاغة القرآن.مع إرجاع بعضها إلى بعض.

3-قيل:إنّ معنى الآية أن لا يصيبه شيء من الأربعة

ص: 480

أصلا،فإنّ الشّبع و الرّيّ و الكسوة و المسكن قد تحصل بعد عروض أضدادها،بإعواز الطّعام و الشّراب و اللّباس و المسكن،و ليس الأمر في الجنّة كذلك بل كلّ ما وقع فيها شهوة و ميل إلى شيء من المذكورات،تمتّع به من غير أن يصل إلى حدّ الضّرورة.

و لقائل أن يقول:و هل فيها لذّة إلاّ إذا أحسّ بإعوازها؟إلاّ أن تكون طبيعة الحال في الجنّة غيرها في الدّنيا-و لا يبعد-و له شواهد من أوصاف الجنّة في الكتاب و السّنّة.

و ثانيا:اثنتان من الآيات مدح و سرور بنفي الجوع، و هما(1)و(5)فالأولى نفي للجوع عن أهل الجنّة، و الأخيرة نفي له عن أهل مكّة،مع فارق بينهما بنفي الجوع عن أهل الجنّة رأسا،و رفع الجوع عن أهل مكّة بإطعامهم،فإنّ مكّة كانت بلدا قفرا،و أهلها جياعا بالطّبع لو لم يأتهم الطّعام من بلاد أخرى،فمنّ اللّه عليهم بإطعامهم من جوع.

و اثنتان منها ذمّ و عذاب و بلاء،و هما(2)و(3)، و الأولى بلاء لهذه الأمّة و الأخيرة عذاب لقرية كانت مطمئنّة يأتيها رزقها رغدا مع فارق بينهما،فالأولى إنذار لهذه الأمّة بالجوع امتحانا،ليصبروا عليه،و الأخرى حكاية عذاب لتلك القرية على كفرها و كفرانها بأنعم اللّه،فشتّان ما بين الجوعين:أحدهما يبشّر بالفلاح، و الآخر يحكي الخسران.

و ثالثا:جاء الجوع مع الظّمأ في(1)و مع الخوف في (2)و(3)و(5)و مع«الطّعام»في(4)مع اختلاف في التّقديم و التّأخير،و في التّعريف و التّنكير،و فيما يقارنهما فيها،كما يأتي:

1-قد بحثنا في الجوع و الظّمأ و ما قارنهما من العري و الضّحى في(1)فلا نعيد.

2-جاء(طعام)في(4)مع(جوع)حيث نفى لأهل النّار أن يكون لهم طعام إلاّ من ضريع لا يغنيهم من جوع،فجاء(جوع)بإزاء(طعام)و(ضريع)،و كلّها نكرة تحقيرا فيها جميعا،أو استيعابا في(طعام)و(جوع) لوقوعهما بعد النّفي،و تحقيرا في(ضريع)لوقوعه إثباتا، و هو الأولى حسب السّياق،و لذلك لم يذكر الخوف فيها مع الجوع.

3-جاء«الخوف»و«الجوع»معرّفا بلام الجنس في (2)و(3)مع فروق بينهما:

أحدها:جاء في(2) بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ الدّالّ على التّقليل و التّحقير أو التّنويع،أي لنبلونّكم بقليل،أو بنوع من الخوف و الجوع،و لا يدلّ على الإحاطة أو الكثرة،و جاء في(3) لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ الدّالّ على الغلبة و الكثرة و الإحاطة،فرقا بين البلاء و العذاب،و بين الرّحمة و العتاب.

ثانيها:جاء في(2)عطفا على بِشَيْءٍ مِنَ الْخَوْفِ وَ الْجُوعِ: وَ نَقْصٍ مِنَ الْأَمْوالِ وَ الْأَنْفُسِ وَ الثَّمَراتِ تنويعا فيما يبلي به،و إعلاما بأنّ ما يصيب الإنسان المؤمن من الآفات كلّها بلاء و اختبار،و لهذا ذيّلها ب وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ و هم الّذين خرجوا من البلاء مفلحين.و قد قيل قديما:«البلاء للولاء».

و جاء في(3) فَأَذاقَهَا اللّهُ لِباسَ الْجُوعِ وَ الْخَوْفِ فشدّد في العذاب بلفظي(اذاقها)و(لباس)الدالاّن على

ص: 481

الإحاطة و اللّصوق بأبدانهم حتّى ذاقوا ألم العذاب،و لم يضف إليهما عذابا آخر،لأنّ الخوف و الجوع يستلزمان غيرهما من أنواع البلايا و الآفات من الموت و القتل و الأسر و الغارة و نحوها،و أنّهما رأس الآفات كلّها،و ذيّلهما ب بِما كانُوا يَصْنَعُونَ إعلاما بسبب العذاب،و هو إفراطهم و سعيهم الأكيد في العصيان و الإنكار و الكفران المفهوم من(يصنعون)فالصّنع عمل عن خبرة و سعي،و هو آكد من(يعملون).لاحظ «ص ن ع»فشدّة العذاب فيها موافقة لعظم العصيان و الطّغيان.

ثالثها:قدّم«الخوف»على«الجوع»في(2)و قدّم «الجوع»عليه في(3).

أمّا وجه تقديم«الخوف»في(2)-و لم يتعرّضوا له- لأنّها من سورة البقرة الّتي نزلت في بدء الهجرة-و باقي الآيات مكّيّة-و أكبر بليّة كانت تهدّد المسلمين يوم ذاك هو خوفهم من هجوم الكفّار عليهم،و لا سيّما من مشركي مكّة الّذين طال العداء بينهم و بين المسلمين حتّى أجبروهم على الخروج منها،و الهجرة إلى غيرها، فأنذرهم اللّه بهذه البليّة في بدء هجرتهم ليستعدّوا لها و يصبروا عليها،فقدّم ما هو أكبر همومهم،ثمّ تلاه «الجوع»لأنّه أثر الهجوم و سلب الأمن و غلبة القحط النّاشئ عنه.

و تفسيرها بهذا النّهج يناسب ما قبلها يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَعِينُوا بِالصَّبْرِ وَ الصَّلاةِ إِنَّ اللّهَ مَعَ الصّابِرِينَ* وَ لا تَقُولُوا لِمَنْ يُقْتَلُ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتٌ بَلْ أَحْياءٌ وَ لكِنْ لا تَشْعُرُونَ، و كذلك بعدها: وَ بَشِّرِ الصّابِرِينَ* اَلَّذِينَ إِذا أَصابَتْهُمْ مُصِيبَةٌ...

و تفسير«الجوع»ب«القحط»عن بعضهم-تعبيرا بالمسبّب عن السّبب،كما أنّ الخوف مسبّب عن فقدان الأمن-يناسبه،لو لم يصرّحوا بالسّنة و المجاعة و الجدب النّاشئة عن انعدام المطر غالبا.

على أنّ المهاجرين لم يكن لهم مال و لا معاش حين هاجروا فغلب عليهم الجوع حتّى أنّ النّبيّ عليه السّلام كان يشدّ الحجر على بطنه،و لتشاغلهم بالجهاد في سبيل اللّه عن المعاش.و مع ذلك كلّه كان الجوع همّهم الثّاني بعد الخوف،و تلاه سائر همومهم الطّبيعيّة الّتي كانت ناشئة عن همّهم الأوّل غالبا،و هو الخوف من أعدائهم.

و أمّا وجه تقديم«الجوع»في(3)فقد تعرّضوا له، و هو مقارنته و مناسبته لما قبلها في كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها رَغَداً مِنْ كُلِّ مَكانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ حيث قدّم فيها«الأمن».

و تلاه«الرّزق»فقدّم«الجوع»عذابا ليقارن «الرّزق»مع أنّ اللّفّ و النّشر المرتّب اقتضى تقديم «الخوف»على«الرّجوع»،فهي نظير(1)فلاحظ.

4-قدّم«الجوع»في(5)لأنّها وصف لقريش-أهل مكّة و هي بلد قفر-فكان الجوع أكبر همّهم،و تلاه همّ الخوف و كلا الأمرين كان يهدّدهم،و لم يصبهم رحمة من اللّه و تلبية لدعاء أبيهم إبراهيم عليه السّلام: وَ ارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ إبراهيم:37،و يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ القصص:57:و فيها بحوث:

أ-قورن كلّ منهما بما يعالجه فقورن(جوع) ب(اطعمهم)،و(خوف)ب(امنهم)تجسيما للرّحمة،

ص: 482

و تسجيلا للنّعمة،و إكمالا للمنّة.

ب-ربط بين النّعمتين و بين الكعبة و ربّها إعلاما بأنّهما من بركات هذا البيت،و من مواهب اللّه الّذي هو ربّ هذا البيت،فعبّر به بدل«اللّه»تعريضا بهم؛حيث كانوا يعبدون الأصنام الّتي وضعوها في البيت،دون ربّ البيت.

ج-قدّم على ذلك(فليعبدوا)كهدف و غاية للسّورة،ينبغي رعايتها في الحياة اليوميّة و الحياة الصّيفيّة و الشّتويّة الّتي قدّمها في صدر السّورة إِيلافِهِمْ رِحْلَةَ الشِّتاءِ وَ الصَّيْفِ. فعبادة ربّ البيت هي الشّكر الّذي تمنّاه إبراهيم في دعائه،فكفاهم اللّه وحده و لم يشركه أحد في كفايتهم،فليس من الشّكر إشراكهم غيره في عبادته،و لا من البرّ بأبيهم إبراهيم عليه السّلام الّذي دعا اللّه لهم بالرّزق و البعد عن عبادة الأصنام: وَ اجْنُبْنِي وَ بَنِيَّ أَنْ نَعْبُدَ الْأَصْنامَ إبراهيم:35،أن يعبدوا الأصنام.

د-التّنكير فيها للتّعظيم و التّهويل،أو للتّعميم،كما سبق في الاستعمال القرآنيّ من(«أ م ن»رابعا)...أو-كما قال الزّمخشريّ:«لشدّتهما يعني أطعمهم بالرّحلتين من جوع شديد كانوا فيه قبلهما»فربط بين النّعمتين و بين الرّحلتين،لكن كان للرّحلتين دخل في رفع الجوع فقط،دون الخوف،كما قال ابن عبّاس:«إنّهم كانوا في ضرّ و مجاعة حتّى جمعهم هاشم على الرّحلتين».

و قيل:«للتّحقير و التّقليل،أي إنّه تعالى لم يجوّز ابلاغهم في ذلك الجوع القليل و الخوف القليل و هم مشركون،فكيف يجوّز في كرمه لو عبدوه أن يهمل أمرهم؟أو أطعمهم من جوع دون جوع،و من خوف دون خوف،ليكون الثّاني منهما مذكّرا ما كانوا فيه أوّلا من أنواع الجوع و الخوف،و هذا يوافق التّنويع،و لكلّ وجه،و الألصق بالسّياق التّشديد و التّعظيم،لأنّه أدعى إلى التّوحيد.

ه-فرّع القمّيّ على الآية:«فلا يحتاجون أن يذهبوا إلى الشّام»أي استغنوا بذلك عن الرّحلتين،و صدقه على عهدة التّاريخ لنعلم إلى متى استمرّت رحلتاهم.

و-جاء فيها(من جوع و من خوف)دون«عن جوع و عن خوف»،و ذكروا له وجوها:

1-لأنّه بمعنى«من بعد جوع»كما تقول:«كسوتك من عري»فتكون(من)لابتداء الغاية.

2-لأنّ«عن»تفيد جعل الجوع بعيدا عنهم،و هذا يقتضي كون التّبعيد مسبوقا بمقاساة الجوع زمانا،ثمّ يصرفه عنه،و ليس مرادا،بل أريد بها أنّهم عند ما يجوعون يطعمون،و حينما يخافون يؤمنون.و تفيده(من) قاله الفخر الرّازيّ.

3-لأنّ معناه:من أجل جوع و من أجل خوف، فتكون(من)للتّعليل،أي من أجل إزالة الجوع و الخوف،فلا بدّ من تقدير مضاف،أو أنّ الجوع و الخوف علّتان بنفسهما،فلا تقدير.

4-لأنّهما حالان،أي أطعمهم جائعين،و آمنهم خائفين.

5-لأنّ مآل المعنى نجّاهم من الجوع بسبب الإطعام و من الخوف بسبب الإيمان،فكأنّ الفعلين أشربا معنى «نجا».

ص: 483

6-لأنّ الإطعام و الإيمان لا يجامعان الجوع و الخوف، فتكون«من»بدليّة،أي أطعمهم بدل الجوع و آمنهم بدل الخوف،نظير أَ رَضِيتُمْ بِالْحَياةِ الدُّنْيا مِنَ الْآخِرَةِ التّوبة:38،و مقتضاه كون(اطعمهم)بمعنى أشبعهم، و(امنهم)بمعنى أعطاهم الأمن.

7-لأنّ«عن»تقتضي حصول جوع قد زال بالإطعام و خوف قد زال بالإيمان و(من)تقضي المنع من لحاق الجوع و الخوف،و المعنى:أطعمهم فلم يلحقهم جوع،و آمنهم فلم يلحقهم خوف،فتكون(من)لابتداء الغاية.و المعنى:أطعمهم في بدء جوعهم قبل لحاقه إيّاهم،و آمنهم في بدء خوفهم قبل لحاقه.

هذه وجوه دقيقة تعكس شدّة عنايتهم بالقرآن و بيان بلاغته،و كلّها محتمل،لكن السّياق يوافق البدل، أو الابتداء،فلاحظ.

ز-ما هو وجه ذكر«جوع و خوف»مع كفاية (اطعمهم)و(امنهم)في إفادة المقصود؟تعرّض له الفخر الرّازيّ،و أجاب عنه بوجوه:

1-التّنبيه على أنّ أمر الجوع شديد،و منه: وَ هُوَ الَّذِي يُنَزِّلُ الْغَيْثَ مِنْ بَعْدِ ما قَنَطُوا الشّورى:28، و مثله يقال في«خوف»كما قال صلّى اللّه عليه و آله:«من أصبح آمنا في سربه...».

2-تذكيرهم الحالة الأولى الرّديئة المؤلمة،حتّى يعرفوا قدر النّعمة.

3-التّنبيه على أنّ خير الطّعام ما سدّ الجوع،و لهذا لم يقل:«و أشبعهم»،لأنّ الطّعام يزيل الجوع،أمّا الإشباع فإنّه يورث البطنة.و لا يجري هذا الوجه في آمَنَهُمْ مِنْ خَوْفٍ.

هذه وجوه لطيفة لا بأس بها،إلاّ أنّ أصل السّؤال في غير محلّه،لأنّ ذكر القيد توضيحا للمعنى شائع عند البلغاء،و الآية من هذا القبيل.

ص: 484

ج و ف

اشارة

جوفه

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :و الجوف معروف،و جمعه:أجواف.

و أهل الحجاز يسمّون فساطيط عمّالهم:الأجواف.

و الجائفة:الطّعنة تدخل الجوف.

و الجوف:خلاء الجوف،كالقصبة الجوفاء.

و الجوفان:جماعة الأجوف.

و اجتاف الثّور الكناس،إذا دخل جوفه.

و الجواف:ضرب من السّمك،الواحدة:جوافة.

(6:189)

سيبويه :«الجوف»من الألفاظ الّتي لا تستعمل ظرفا إلاّ بالحروف،لأنّه صار مختصّا كاليد و الرّجل.

(ابن سيده 7:563)

اللّيث:الجاف:ضرب من الخوف و الفزع.(الأزهري 11:209)

الكسائيّ: [الجائفة]قد تكون الّتي تخالط الجوف، و الّتي تنفذ أيضا.و أجفته الطّعنة و جفته بها.

(الجوهريّ 4:1339)

أبو عمرو الشّيبانيّ: هذا جوف حرج،إذا لم يكن فيه مرتع.(1:116)

فرس مجوّفة ببياض،إذا أصاب البياض بطنها.

(1:125)

طلاه فجوّفه،إذا طلى بعضه و ترك بعضه.و إذا طلاه كلّه،قلت:جرّده تجريدا.(1:132)

إذا ارتفع بلق الفرس إلى حقويه فهو مجوّف بلقا.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 11:210)

أبو عبيدة :فرس أجوف،و هو الأبيض البطن إلى منتهى الجنبين،و لون سائره ما كان،و هو المجوّف بالبلق، و مجوّف بلقا.

ص: 485

و تلعة جائفة:قعيرة،و تلاع جوائف.

و جوائف النّفس:ما تعقّر من الجوف،و مقارّ الرّوح.

[ثمّ استشهد بشعر]

و في الحديث:«لا يدخل الجنّة ديبوب و لا جيّاف».

و الجيّاف:النّبّاش،سمّي جيّافا،لأنّه يكشف الثّياب عن جيف الموتى.و جائز أن يكون سمّي به لنتن فعله،أي لقبح فعله.(الأزهريّ 11:210)

المجوف:الرّجل الضّخم الجوف.[ثمّ استشهد بشعر]

و استجاف الشّيء و استجوف،أي اتّسع.[ثمّ استشهد بشعر](الجوهريّ 4:1339)

الأصمعيّ: الجوف:المطمئنّ من الأرض.

(الأزهريّ 11:209)

و المجوّف من الدّوابّ:الّذي يصعد البلق حتّى يبلغ البطن.(الجوهريّ 4:1340)

«في الجائفة ثلث الدّية»هي طعنة تنفذ إلى الجوف، يقال:أجفته الطّعنة،و جفته بها.(المدينيّ 1:376)

ابن الأعرابيّ: الجوف:الوادي،يقال:جوف لاخّ،إذا كان عميقا،و جوف جلواخ:واسع،و جوف زقب:ضيّق،و باليمن واد يقال له:الجوف.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 11:209)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«استحيوا من اللّه» ثمّ قال:«الاستحياء من اللّه،أن لا تنسوا المقابر و البلي، و أن لا تنسوا الجوف و ما وعى...»

فيه قولان؛يقال:«أراد بالجوف:البطن و الفرج،كما قال في الحديث الآخر:«إنّ أخوف ما أخاف عليكم الأجوفان»،و كالحديث الّذي يروى عن جندب:«من استطاع منكم ألاّ يجعل في بطنه إلاّ حلالا فإنّ أوّل ما ينتن من الإنسان بطنه...».

و أمّا القول الآخر فيعني القلب و ما وعى من معرفة اللّه تعالى و العلم بحلاله و حرامه،و لا يضيع ذلك.

(1:270)

رجل مجوّف:جبان لا قلب له.(الأزهريّ 11:209)

ابن قتيبة :في حديث ظبيان:«فتوقّلت بنا القلاص من أعالي الجوف».الجوف:أرض لمراد،كان يسكنها رجل من بقايا قوم عاد،يقال له:حمار،فكفر و بغى،فبعث اللّه عليه نارا فأحرقت كلّ ما كان فيها.[ثمّ استشهد بشعر](الهرويّ 1:422)

ابن دريد :جوف كلّ شيء:قعره و داخله، و الجوف:موضع باليمن.

و قولهم:«كأنّه جوف حمار»يصفون به الموضع الخرب الوحش.[إلى أن قال:]

و كلّ شيء له جوف فهو أجوف،و الأنثى:جوفاء، و الجمع:جوف.

و منه اشتقاق قولهم:طعنة جائفة،إذا وصلت إلى الجوف.و هذه الياء أصلها الواو،و كذلك«الجيفة»أيضا أصل الياء الواو.

و الجوفيّ: ضرب من حيتان البحر،عربيّ معروف.

[ثمّ استشهد بشعر](2:108)

الأزهريّ: يقال:جافت الجيفة،و اجتافت،إذا أنتنت و أروحت.و جيّفت الجيفة،إذا أصلّت،و جمع الجيفة-و هي الجثّة الميتة و المنتنة-:جيف...

ص: 486

و يقال:أجفت الباب فهو مجاف،إذا رددته.

و في الحديث:«أجيفوا الأبواب و اكفتوا إليكم صبيانكم».

و يقال:طعنته فجفته أجوفه.

و جافه الدّواء فهو مجوف،إذا دخل جوفه.و وعاء مستجاف:واسع الجوف.[ثمّ استشهد بشعر](11:209)

الصّاحب:و الجائفة:الطّعنة الّتي تصيب الجوف.

و أجفته الطّعنة إجافة و جفته بها،كقولهم:أنسأ اللّه أجله و نسأ اللّه في أجله.

و رجل مجوّف:لا قلب له.

و المستجاف:العظيم الواسع.

و حمار مجوّف:أبيض البطن،و قد جوّف بلقا.

و فرس أجوف:أبيض البطن إلى منتهى الجنبين.

و الجوف:اليمامة.

و جوف الحمار:واد منسوب إلى حمار بن مويلع.

و الجوفان:أير الحمار.

و الأجوفان:البطن و الفرج،و هما الغاران أيضا.

و الجوف:خلاء الجوف كالقصبة الجوفاء.

و الجوفان:جماعة الأجوف.

و جافت الجيفة و اجتافت:أروحت...(7:193)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّ عمرو بن عبسة أتاه،فقال:أيّ السّاعات أسمع؟قال:جوف اللّيل الآخر».

و«جوف اللّيل الآخر»إنّما هو الجزء الخامس من أسداس اللّيل.(1:134)

الجوهريّ: أجفت الباب،أي رددته.

و استجاف الشّيء و استجوف،أي اتّسع.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجوف بالتّحريك:مصدر قولك:شيء أجوف.

و دلاء جوف،أي واسعة.

و شجرة جوفاء،أي ذات جوف.

و شيء مجوّف،أي أجوف و فيه تجويف.

و اجتافه و تجوّفه بمعنى،أي دخل جوفه.

و شيء جوفيّ،أي واسع الجوف.[ثمّ استشهد بشعر]

و تجوّفت الخوصة العرفج،و ذلك قبل أن تخرج هي في جوفه.

و قولهم:«أخلى من جوف»هو اسم واد في أرض عاد،فيه ماء و شجر،حماه رجل يقال له:حمار،و كان له بنون فماتوا،فكفر كفرا عظيما،و قتل كلّ من مرّ به من المسلمين،فأقبلت نار من أسفل الجوف فأحرقته و من فيه،و غاض ماؤه؛فضربت العرب به المثل،فقالوا:أكفر من حمار،و واد كجوف الحمار و كجوف العير،و أخرب من جوف حمار.(4:1339)

ابن فارس: الجيم و الواو و الفاء كلمة واحدة،و هي جوف الشّيء،يقال:هذا جوف الإنسان،و جوف كلّ شيء.

و طعنة جائفة،إذا وصلت إلى الجوف.

و قدر جوفاء:واسعة الجوف.

و جوف عير:مكان حماه رجل اسمه حمار،و في المثل:«أخلى من جوف عير»و أصله رجل كان يحمي واديا له.(1:495)

ص: 487

الهرويّ: [نقل قول ابن قتيبة في حديث ظبيان و أضاف:]

و قال غيره:الجوف:بطن الوادي.[ثمّ استشهد بشعر](423)

ابن سيده: الجوف:باطن البطن.

و الجوف:ما انطبقت عليه الكتفان و العضدان و الأضلاع و الصّقلان،و جمعها:أجواف.

و جافه جوفا:أصاب جوفه.

و جاف الصّيد:أدخل السّهم في جوفه،و لم يظهر من الجانب الآخر.و طعنة جائفة:تخالط الجوف، و قيل:هي الّتي تنفذه.

و جافه بها و أجافه إيّاها:أصاب بها جوفه.

و الأجوفان:البطن و الفرج،لاتّساع أجوافهما.

و فرس أجوف،و مجوف و مجوّف:أبيض الجوف إلى منتهى الجنبين،و سائر لونه ما كان.

و رجل أجوف:واسع الجوف.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل مجوف،و مجوف:جبان،كأنّه خالي الجوف من الفؤاد.

و جوف كلّ شيء:داخله.

و الجوف من الأرض:ما اتّسع و اطمأنّ،فصار كالجوف.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجوف من الأرض:أوسع من الشّعب،تسيل فيه التّلاع و الأودية،و له جرفة.و ربّما كان أوسع من الوادي و أقعر،و ربّما كان سهلا لا يمسك الماء،و ربّما كان قاعا مستديرا فأمسك الماء.

و الجوف:خلاء الجوف.

و اجتاف الثّور الكناس،و تجوّفه،كلاهما:دخل في جوفه.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

و الجوفان:ذكر الرّجل.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجائف:عرق يجري على العضد إلى نغض الكتف، و هو الفليق.

و الجوفيّ و الجواف:ضرب من السّمك،واحدته:

جوافة.و الجوفاء:موضع أو ماء.[ثمّ استشهد بشعر]

(7:562)

الزّمخشريّ: في جوفه داء و شيء أجوف،و قناة جوفاء:خلاف أصمّ و صمّاء،و قصب جوف،و فرس مجوّف بلقا:بلغ البلق جوفه.[ثمّ استشهد بشعر]

و جافه الطّعن و الدّواء:وصل إلى جوفه،و أجافه الطّاعن،و طعنة جائفة،و اجتاف الوحشيّ كناسه، و تجوّفه:دخل جوفه،و نزلوا جوفا من أجواف الأرض، و هو المكان الواسع المطمئنّ.

و من المجاز:رجل أجوف و مجوّف:جبان لا فؤاد له، و قوم جوف.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجيفوا الأبواب:ردّوها و أغلقوها.و أهلك النّاس الأجوفان:البطن و الفرج.(أساس البلاغة:69)

ابن الشّجريّ: الجوف:جمع أجوف،و هو الّذي لا رأي له و لا حزم.(2:80)

المدينيّ: [نقل قول الأصمعيّ ثمّ قال:]

و منه حديث حذيفة:«ما منّا أحد إلاّ فتّش عن جائفة أو منقّلة»و هو مثل:يريد به ليس منّا أحد إلاّ و فيه عيب عظيم.

و منه حديث خبيب:«فجافتني»أي وصلت إلى

ص: 488

جوفي.

في حديث القرظيّ في الّذي تردّى في البئر:

«جوفوه»أي اطعنوه في جوفه.يقال:جفته:أصبت جوفه،كما يقال:بطنته و رأسته.

في حديث مالك بن دينار:«أكلت رغيفا و رأس جوافة فعلى الدّنيا العفاء»الجوافة:كأنّها جنس من السّمك معروف عند أهل البصرة،و كأنّها ليست من جيّده.(1:376)

ابن الأثير: في حديث خلق آدم عليه السّلام:«فلمّا رآه أجوف عرف أنّه خلق لا يتمالك».الأجوف:الّذي له جوف،و لا يتمالك،أي لا يتماسك.

و منه حديث عمران:«كان عمر أجوف جليدا»أي كبير الجوف عظيمها.

و في حديث الحجّ:«أنّه دخل البيت و أجاف الباب» أي ردّه عليه.(1:314)

الفيّوميّ: الجوف:الخلاء،و هو مصدر من باب «تعب»فهو أجوف،و الاسم:الجوف بسكون الواو، و الجمع:أجواف.

هذا أصله،ثمّ استعمل فيما يقبل الشّغل و الفراغ، فقيل:جوف الدّار،لباطنها و داخلها،و جوّفته تجويفا:

جعلت له جوفا.

و قيل للجراحة:جائفة،اسم فاعل من جافته تجوفه،إذا وصلت الجوف،فلو وصلت إلى جوف عظم الفخذ لم تكن جائفة،لأنّ العظم لا يعدّ مجوّفا.

و طعنه فجافه و أجافه،و في حديث:«فجوّفوه»أي أطعنوه في جوفه.(1:115)

الفيروزآباديّ: الجوف:المطمئنّ من الأرض، و منك بطنك،و موضع بناحية عمان،و واد بأرض عاد حماه رجل اسمه حمار،و كورة بالأندلس،و موضع بناحية اكشونية،و موضع بأرض مراد،و هو المذكور في تفسير قوله تعالى: إِنّا أَرْسَلْنا نُوحاً نوح:1، و موضع باليمامة،و موضع بديار سعد،و درب الجوف بالبصرة.

و أهل الغور يسمّون فساطيط عمّالهم:الأجواف.

و«جوف اللّيل الآخر»في الحديث،أي ثلثه الآخر، و هو الخامس من أسداس اللّيل.

و الأجوفان:البطن و الفرج.

و الجوف محرّكة:السّعة.

و الأجوف:الأسد العظيم الجوف،و في الاصطلاح الصّرفيّ:المعتلّ العين،و الواسع كالجوفيّ بالضّمّ.

و الجوفاء من الدّلاء:الواسعة،و من القنا و من الشّجر:الفارغة.

و الجائفة:طعنة تبلغ الجوف.

و جيفان اليمامة:خمسة مواضع،يقال:جائف كذا و جائف كذا.

و تلعة جائفة:قعيرة،الجمع:جوائف.

و جوائف النّفس:ما تقعّر من الجوف في مقارّ الرّوح و المجوف كمخوف:العظيم الجوف.

و كمعظّم:ما فيه تجويف،و من الدّوابّ:الّذي يصعد البلق منه حتّى يبلغ البطن،و من لا قلب له.

و الجوفيّ ككوفيّ و قد يخفّف،و كغراب:سمك.

و الجوفان،بالضّمّ:أير الحمار.

ص: 489

و أجفته الطّعنة:بلغت بها جوفه كجفته بها،و الباب:

رددته.

و تجوّفه:دخل جوفه كاجتافه.

و استجاف المكان:وجده أجوف،و الشّيء:اتّسع كاستجوف.(3:129)

الطّريحيّ: في الحديث:«ليس عليك مضمضة و لا استنشاق لأنّهما من الجوف»أي من الباطن،و أصل الجوف:الخلاء.[ثمّ أدام نحو الفيّوميّ و الزّمخشريّ و أضاف:]

و أجفت الباب:رددته،و منه الحديث:«من أجاف من الرّجال على أهله بابا أو أرخى سترا فقد وجب عليه الصّداق».(5:34)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الخلاء الواقع في الباطن،حيوانا أو غير ذلك،محسوسا أو معقولا.(2:154)

النّصوص التّفسيريّة

جوفه

ما جَعَلَ اللّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ. الأحزاب:4

الزّمخشريّ: فإن قلت:أيّ فائدة في ذكر الجوف؟

قلت:الفائدة فيه كالفائدة في قوله: اَلْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ الحجّ:46،و ذلك ما يحصل للسّامع من زيادة التّصوّر و التّجلّي للمدلول عليه،لأنّه إذا سمع به صوّر لنفسه جوفا يشتمل على قلبين،فكان أسرع إلى الإنكار.(3:249)

نحوه أبو حيّان.(7:211)

أبو السّعود :شروع في إلقاء الوحي الّذي أمر عليه الصّلاة و السّلام اتّباعه.و هذا مثل ضربه اللّه تعالى تمهيدا لما يعقبه من قوله تعالى: وَ ما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاّئِي تُظاهِرُونَ. (5:209)

البروسويّ: و جوف الإنسان:بطنه،كما في اللّغات،و ذكره لزيادة التّقرير.(7:133)

الآلوسيّ: (فى جوفه)للتّأكيد و التّصوير،كالقلوب في: وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ الحجّ:46.

(21:145)

المصطفويّ: و التّعبير بالجوف دون الباطن،فإنّ الباطن في مقابل الظّاهر،و هو أعمّ من أن يكون جوفا، أو غير ظاهر في نفسه.(2:154)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجوف،أي البطن، و الجمع:أجواف،يقال:جافه يجوفه جوفا،أي أصاب جوفه،و كذا جافه بالطّعنة و أجافه بها،و طعنة جائفة:

تخالط الجوف،و جاف الصّيد:أدخل السّهم في جوفه، و لم يظهر من الجانب الآخر،و جافه الدّواء:دخل جوفه فهو مجوف.

و رجل أجوف:واسع الجوف،و الأجوف:الّذي له جوف،و الأجوفان:البطن و الفرج،و الأنثى:جوفاء، و الجمع:جوف و جوفان.و فرس أجوف و مجوف و مجوّف:أبيض الجوف إلى منتهى الجنبين و سائر لونه ما كان،و شيء مجوّف:أجوف و فيه تجويف،و شجرة

ص: 490

جوفاء:ذات جوف،و استجفت المكان:وجدته أجوف.

و الجوف من الأرض:ما اتّسع و اطمأنّ فصار كالجوف،و الجوف:الرّجل الضّخم،و الوادي،و تلعة جائفة:قعيرة،و وعاء مستجاف:واسع،يقال:

استجاف الشّيء و استجوف،أي اتّسع،و دلاء جوف:

واسعة،و شيء جوفيّ:واسع الجوف.

و جوف كلّ شيء:داخله،يقال:اجتافه و تجوّفه، أي دخل في جوفه،و اجتاف الثّور الكناس و تجوّفه:

دخل في جوفه،و جوف اللّيل:ثلثه الآخر،و الجوف:

خلاء الجوف كالقصبة الجوفاء.

و قولهم:رجل مجوف و مجوّف:جبان لا قلب له، كأنّه خالي الجوف من الفؤاد.و لعلّه من«الجأف»و هو ضرب من الفزع و الخوف.يقال:جئف الرّجل جأفا، أي فزع و ذعر فهو مجئوف،و رجل مجأّف:لا فؤاد له.

2-و ورد الجوف في الحديث كثيرا،و منه حديث الإمام الحسين عليه السّلام حين أخبر بمصرعه:«يملأن منّي أكراشا جوفا،و أجربة سغبى»،و جوفا:مخفّف جوفاء، مؤنّث أجوف،أي واسعة.و خفّف للازدواج مع لفظ «سغبى»،و سغبى:مؤنّث سغبان،أي جائعة،يقال:

امرأة سغبى.

و قد أجمعت كتب الأخبار و المقاتل على رسم لفظ «سغبى»بالألف الممدود،فأدّى ذلك إلى اعتياص الأمر على بعض،فعدّ مزدوجها«جوفا»جمع جوفاء خطأ، لأنّه لا يضارع«سغبى»في الازدواج.

و يبدو أنّ القاضي النّعمان المغربيّ،صاحب كتاب «شرح الأخبار»فطن لهذا الأمر فأراد أن بتداركه، فرسم«سغبى»بلفظ«سغباء»ليزاوج بينه و بين «جوفاء»،و لكنّه أتى ببدع من الكلام:إذ لم يؤثر «فعلاء»من«س غ ب»في كلام العرب.

الاستعمال القرآنيّ

ما جَعَلَ اللّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَ ما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ وَ اللّهُ يَقُولُ الْحَقَّ وَ هُوَ يَهْدِي السَّبِيلَ الأحزاب:4

يلاحظ أوّلا:أنّ البحث في هذه الآية تفصيلا موكول إلى(قلبين)و سنتحدّث هناك إن شاء اللّه عن مغزاها،و عمّا فيها و في غيرها من نسبة العقل و الإدراك إلى القلوب الّتي في الصّدور أو في الجوف،أو إلى الصّدر، لاحظ«ق ل ب»و«ص د ر».

ثانيا:الجوف في الأصل-كما تقدّم-هو البطن ثمّ توسّع معناه لكلّ باطن غير البطن،و هو المراد هنا،فإنّ القلب ليس في البطن بل في داخل الصّدر.

ثالثا:قالوا:ما وجه ذكر«الجوف»في الآية مع العلم بأنّ القلب في الباطن؟و أجابوا بأنّه نظير اَلْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ الحجّ:46،تحصل منه للسّامع زيادة التّصوّر و التّجلّي للمدلول،لأنّه إذا سمع به صوّر لنفسه جوفا يشتمل على قلبين،فكان أسرع إلى الإنكار-قاله الزّمخشريّ-أو لزيادة التّقرير،أو للتّأكيد.

رابعا:يبدو أنّ التّعبير ب(جوفه)دون«صدره» للتّحقير،كالتّنكير في(لرجل).

ص: 491

ص: 492

ج و و

اشارة

جوّ

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجوّ:الهواء،و كانت اليمامة تسمّى جوّا.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الجوّ:كلّ ما اطمأنّ من الأرض.

و الجوّة:الرّقعة في السّقاء،يقال:جوّيت السّقاء، أي رقعته.

و الجواء:موضع.

و الجواء:فرجة بين محلّة القوم وسط البيوت،تقول:

نزلنا في جواء بني فلان.

و الجواء:خياطة حياة النّاقة.(6:196)

أبو عمرو الشّيبانيّ: جوّ الماء:نصف ميل،و ثلث ميل من الماء.(1:112)

جوّ الماء:حيث يحفر للماء،و ما حول الماء.[ثمّ استشهد بشعر](1:118)

ابن الأعرابيّ: الجوّ:الآخرة.(الأزهريّ 11:228)

الباغوت:موضع،و جوّته:داخله.

(الأزهريّ 11:229)

شمر:روي عن سلمان أنّه قال:«لكلّ امرئ جوّانيّا و برّانيّا،فمن أصلح جوّانيّة أصلح اللّه برّانيّه،و من أفسد جوّانيّه أفسد اللّه برّانيّه».

قال بعضهم:عنى بجوّانيّه:سرّه،و ببرّانيّه:علانيّه.

و جوّ كلّ شيء:بطنه و داخله،و هو الجوّة بالهاء أيضا.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 11:229)

ابن دريد :جوّ السّماء:معروف،و هو الهواء.[ثمّ استشهد بشعر]

و جوّ البيت:داخله،لغة شاميّة.

و كانت العرب تسمّي«اليمامة»في الجاهليّة جوّا.[ثمّ استشهد بشعر](1:56)

و الجوّة:قطعة من الأرض تغلظ،و قد تهمز.

(1:171)

ص: 493

الأزهريّ: [نقل صدر كلام الخليل ثمّ قال:]

قلت:الجوّ:ما اتّسع من الأرض و اطمأنّ و برز، و في بلاد العرب أجوية كثيرة يعرف كلّ جوّ منها بما نسب إليه؛فمنها جوّ غطريف،و هو فيما بين السّتار و بين الجماجم،و منها جوّ الخزاميّ،و منها جوّ الأحساء،و منها جوّ اليمامة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:و هذا جوّ مكلئ،أي كثير الكلأ،و هذا جوّ ممرع.

و جوّ السّماء:الهواء بين السّماء و الأرض.

و قول اللّيث:«الجواء:الفرجة وسط البيوت» لا أعرفه،و يجمع الجوّ:جواء،و هو عندي تصحيف[عفا من آل فاطمة الجواء]و صوابه:الحواء،و جمعه:أحوية.

و قد يجمع الجوّ:جواء.[ثمّ استشهد بشعر]

(11:228)

الخطّابيّ: [نقل حديث سلمان ثمّ قال:]

جوّانيّة:سرّه و دخلته،منسوب إلى«الجوّ»زيدت في النّسبة الألف و النّون،كقولهم:ربّانيّ إذا نسبوا إلى الرّبّ،و لحيانيّ و جمّانيّ إذا وصف بعظم اللّحية و وفور الجمّة.(2:354)

نحوه الزّمخشريّ(الفائق 1:247)،و ابن الأثير(1:

319).

الجوهريّ: الجوّة بالضّمّ:الرّقعة في السّقاء،يقال:

جوّيت السّقاء تجوية،إذا رقعته.

و الجوّة:القطعة من الأرض فيها غلظ.

و الجوّة:النّقرة.

و الجوّة مثل الحوّة،و هي لون كالسّمرة و صدإ الحديد.

و الجواء:الواسع من الأودية.

و الجواء أيضا:موضع بالصّمّان.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجوّ:ما بين السّماء و الأرض.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجوّ:اسم بلد،و هو اليمامة:يمامة زرقاء.

(6:2306)

الهرويّ: الجوّ:هو الهواء البعيد من الأرض،و هو السّكاك و اللّوح (1).(425)

ابن سيده: الجوّ:الهواء.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجوّ و الجوّة:المنخفض من الأرض.[ثمّ استشهد بشعر]

و جوّ:اسم اليمامة،كأنّها سمّيت بذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و جوّ البيت:داخله،شاميّة.

و الجوّة:الرّقعة في السّقاء.و قد جوّاه.

(7:475)

الرّاغب: الجوّ:الهواء،قال اللّه تعالى: فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ و اسم اليمامة:جوّ.و اللّه أعلم.(104)

الفيّوميّ: الجوّ:ما بين السّماء و الأرض،و الجوّ أيضا:ما اتّسع من الأودية.و الجمع:الجواء مثل سهم و سهام.(1:115)

الفيروزآباديّ: الجوّ:الهواء،و ما انخفض من الأرض كالجوّة؛الجمع كجبال،و داخل البيت كجوّانية،و اليمامة،و ثلاثة عشر موضعا غيرها.ى.

ص: 494


1- اللّوح بضمّ اللاّم:و هو الأعلى.

و الجوجاة:الصّوت بالإبل،أصلها:جوجوة.

و الجوّة بالضّمّ:الرّقعة في السّقاء،و جوّاه تجوية:

رقعه بها،و القطعة من الأرض فيها غلظ،و النّقرة في الجبل و غيره،و لون كالسّمرة.(4:315)

الطّريحيّ: في الحديث:«فنودي من الجوّ» و«يسبّحون اللّه في الجوّ»و في حديث الشّمس:«حتّى إذا بلغت الجوّ».

الجوّ بتشديد الواو:ما بين السّماء و الأرض.

و لعلّه أراد بالجوّ في حديث الشّمس:أعلى دائرة الأفق.

و الأجواء:جمع الجوّ،و منه حديث عليّ عليه السّلام:«ثمّ أنشأ سبحانه فتق الأجواء و شقّ الأرجاء»أي النّواحي.

(1:91)

محمّد إسماعيل إبراهيم:الجوّ:الفضاء بين السّماء و الأرض.و جوّ كلّ شيء:بطنه و داخله.

(1:118)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ«الجوّ»معناه الحقيقيّ هو الفضاء المحدود المضاف إلى شيء،يقال:جوّ السّماء، و جوّ الوادي،و جوّ البيت،و غيرها.

فالجوّ أو الفضاء:عبارة عن محيط متّسع مضاف إلى شيء.

و الجوّة على«فعلة»كاللّقمة،بمعنى المفعول و ما يفعل به.فلعلّ الكلمة بمناسبة هذه الهيئة تطلق على الرّقعة الحافظة لسعة فضاء السّقاء،و على قطعة من الأرض الصّلبة المجاورة للفضاء،و كذلك على النّقرة و هي الأرض منهبطة،و هكذا معان أخر.(2:154)

النّصوص التّفسيريّة

جوّ

أَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ... النّحل:79

ابن عبّاس: في وسط السّماء،أي بين السّماء و الأرض.(228)

قتادة :كبد السّماء.(الميبديّ 5:427)

السّدّيّ: أي جوف السّماء.(329)

أبو عبيدة :أي الهواء.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:365)

الطّبريّ: يعني في هواء السّماء،بينها و بين الأرض.

(14:152)

الطّوسيّ: وسط الهواء،حتّى مكّنها أن تتصرّف في جوّ السّماء،على حسب إرادتها.(6:412)

البغويّ: و هو الهويّ (1)بين السّماء و الأرض.

(3:90)

الميبديّ: و قيل:هو الهواء البعيد من الأرض.

و قيل:جوّ السّماء هو السّماء.(5:427)

الزّمخشريّ: و الجوّ:الهواء المتباعد من الأرض في سمت العلوّ.(2:422)

نحوه البيضاويّ(1:565)،و الكاشانيّ(3:148)، و الشّوكانيّ(3:230)،و الطّباطبائيّ(12:312).

ابن عطيّة: و الجوّ:مسافة ما بين السّماء و الأرض،و قيل:هو ما يلي الأرض منها،و ما فوق ذلك

ص: 495


1- هكذا في المتن.

هو اللّوح.و الآية عبرة بيّنة تفسيرها تكلّف بحت.

(3:411)

الطّبرسيّ: في جوّ السّماء صاعدة و منحدرة و ذاهبة و جائية،مذلّلات للطّيران في الهواء بأجنحتها،تطير من غير أن تعتمد على شيء.(3:377)

القرطبيّ: الجوّ:ما بين السّماء و الأرض.و أضاف الجوّ إلى السّماء لارتفاعه عن الأرض.(10:152)

الخازن :الجوّ:الفضاء الواسع بين السّماء و الأرض، و هو الهواء.(4:88)

الشّربينيّ: أي في الهواء بين الخافقين ممّا لا يقدرون عليه بوجه من الوجوه،مع مشاركتكم لها في السّمع و البصر،و زيادتكم عليها بالعقول.[إلى أن قال:]

و خلق الجوّ خلقة لطيفة رقيقة يسهل خرقه و النّفاذ فيه،و لو لا ذلك لما كان الطّيران ممكنا.(2:253)

أبو السّعود :أي في الهواء المتباعد من الأرض، و السّكاك و اللّوح أبعد منه.و إضافته إلى(السّماء)لما أنّه في جانبها من النّاظر،و لإظهار كمال أجلّ القدرة.

(4:83)

نحوه الآلوسيّ(14:203)،و البروسويّ(5:64).

مكارم الشّيرازيّ: الجوّ لغة،هو الهواء،كما ذكره الرّاغب في«مفرداته»أو ذلك الجزء البعيد عن الأرض، كما ورد في تفسير«مجمع البيان»و تفسير«الميزان» و كذلك تفسير الآلوسيّ.

و بما أنّ الأجسام تنجذب إلى الأرض طبيعيّا،فقد وصف القرآن الكريم حركة الطّيور في الهواء بالتّسخير، أي أنّ الباري سبحانه قد جعل في أجنحة الطّيور قوّة، و في الهواء خاصّيّة،تمكّنان الطّيور من الطّيران في الجوّ، على رغم قانون الجاذبيّة.(8:248)

المصطفويّ: أي أنّهنّ مسخّرات تحت أمره تعالى،مع كونها طائرات و في الجوّ.

و التّعبير بالجوّ دون الفضاء:فإنّ الفضاء يلاحظ فيه جهة التّوسعة،و الجوّ:عبارة عن نفس المحيط المتّسع من دون لحاظ قيد التّوسعة.(2:155)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجوّ،و هو ما اتّسع من الأرض و اطمأنّ و برز،و الجمع:أجواء.يقال:هذا جوّ ممرع،أي خصيب،و جوّ مكلئ:كثير الكلأ،و جوّ الماء:

حيث يحفر له،يقال:هذا جوّ من الماء لا يوقف على أقصاه،و جوّ البيت:داخله.و الجوّ و الجوّة:المنخفض من الأرض،و الجمع:جواء.

ثمّ أطلق الجوّ على ما بين الأرض و السّماء،تشبيها بالأرض المتّسعة،كما أطلق على الهواء أيضا،لأنّه يتخلّلها.

2-و الجوّة:القطعة من الأرض فيها غلظ،و النّقرة أيضا.و لم يرد وزن«فعلة»في اللّغة ممّا عينه و لامه «واو»سوى تسعة ألفاظ؛منها أربعة تضاهي معنى الجوّة،و هي:الصّوّة:ما غلظ و ارتفع من الأرض، و الثّوّة:المرتفع من الأرض،و الهوّة:الحفرة البعيدة القعر،و الخوّة:الأرض الخالية.و أربعة لا تضاهي معناه،و هي:القوّة:الطّاقة من طاقات الحبل،و اللّوّة:

العود يتبخّر به،و الحوّة:لون تخالطه كمتة،و الفوّة:

ص: 496

عشب معمّر.

و قد أغفل ذكر هذا البناء من تكلّم في أشباه اللّغة و نظائرها،حتّى السّيوطيّ الّذي استدرك على سابقيه، و قال في«المزهر»مزهوّا:«إذا وقف عليها الحافظ المطّلع يقول:هذا منتهى الأرب»!

3-و الجوّانيّ و البرّانيّ:في حديث سلمان«إنّ لكلّ امرئ جوّانيّا و برّانيّا»معرّبان من اللّفظ السّريانيّ «جويا»و«بريا»،و كذلك ما جاء على هذا الغرار كالجسمانيّ،و ليس الألف و النّون فيهما للتّأكيد،كما قال ابن الأثير في ذيل هذا الحديث.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت اسما مرّة واحدة مضافة إلى السّماء،في سورة مكّيّة:

أَ لَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ ما يُمْسِكُهُنَّ إِلاَّ اللّهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ

النّحل:79

يلاحظ أوّلا:أنّهم قالوا فيها:وسط السّماء أي بين السّماء و الأرض،كبد السّماء،جوف السّماء،الهواء،هواء السّماء بينها و بين الأرض،وسط الهواء،الهوى بين السّماء و الأرض،الهواء البعيد من الأرض،جوّ السّماء هو السّماء،الهواء المتباعد من الأرض في سمت العلوّ،مسافة ما بين السّماء و الأرض،ما يلي الأرض منها و ما فوق ذلك هو اللّوح،ما بين السّماء و الأرض،و الفضاء الواسع بين السّماء و الأرض و هو الهواء،الهواء بين الخافقين،الهواء المتباعد من الأرض،و السّكاك و اللّوح أبعد منه،الهواء غير متباعد من الأرض.

و ثانيا:الاختلاف بينها ليس جذريّا و لغويّا بل كاد أن يكون لفظيّا و اعتباريّا،فإنّ التّباعد و التّقارب من الأرض و سمت العلوّ،و كذلك وسط السّماء،و الفضاء الواسع بين السّماء و الأرض أمور تختلف حسب اعتبار الأنظار،كما أنّها قد يعبّر عنها بالهواء و بالسّماء أو بجوف السّماء أو وسط الهواء.و إنّما يختلف«جوّ السّماء»كما صرّح به بعضهم عن«اللّوح و السّكاك»فهما أرفع منه من دون أن يكون لكلّ واحد منها حدّ خاصّ.و الفرق بين جوّ السّماء و الفضاء باعتبار التّوسعة في الفضاء دون الجوّ-كما اعتبره المصطفويّ-لم يثبت،كما أنّ الهواء هو الجسم اللّطيف المتراكم في الفضاء دون الفضاء نفسه، لكن يطلق عليه تجوّزا و تسامحا.

و ثالثا:قالوا في وجه إضافة الجوّ إلى السّماء:إنّه في جانبها من النّاظر،و لإظهار كمال أجلّ القدرة،أو لارتفاعه عن الأرض.و عندنا أنّ الإضافة هنا تفيد الجزئيّة بتقدير:(من)مثل:«يد الرّجل و باب البيت» فإنّ السّماء هنا:الفضاء الواسع،دون السّقف المرتفع في قبال الأرض،و جوّها جزء منها،لاحظ«س م و:السّماء».

رابعا:قالوا في مُسَخَّراتٍ فِي جَوِّ السَّماءِ: مكّنها أن تتصرّف في جوّ السّماء حسب إرادتها،صاعدة و منحدرة و ذاهبة و جائية مذلّلا للطّيران في الهواء بأجنحتها،تطير من غير أن تعتمد على شيء،ممّا لا تقدرون عليه بوجه من الوجوه،لأنّه تعالى خلق الجوّ خلقة لطيفة رقيقة يسهل خرقه و النّفاذ فيه،و لو لا ذلك لما كان الطّيران ممكنا.

ص: 497

هذا كلّه صحيح إلاّ أنّ الآية ركّزت أنّ الطّير مسخّرات،أي إنّ اللّه سخّرها للطّيران في جوّ السّماء بلا اعتماد على شيء،ما يمسكهنّ إلاّ اللّه.و نعم ما قال ابن عطيّة:إنّ الآية عبرة بيّنة تفسيرها تكلّف بحت.

ص: 498

ج ي أ

اشارة

34 لفظا،278 مرّة:203 مكّيّة،75 مدنيّة

في 61 سورة:42 مكّيّة،19 مدنيّة

جاء 68:54-14 جئت 5:4-1

جاءه 8:6-2 جئتمونا 2:2

جاءها 3:3 جئت 1:1

جاءهم 45:36-9 جئتك 2:2

جاءك 12:4-8 جئتكم 5:3-2

جاءكم 26:12-14 جئنا 7:5-2

جاءني 3:3 جئناهم 1:1

جاءنا 6:4-2 جئناك 3:3

جاءوا 9:5-4 جئناكم 1:1

جاءوكم 3:-3 جيء 2:2

جاءت 13:13 جاءوها 3:3

جاءته 3:2-1 جاءوهم 2:2

جاءتها 1:1 جاءوك 5:1-4

جاءتهم 20:14-6 جئتهم 2:1-1

جاءتك 1:1 جئتنا 7:7

جاءتكم 5:3-2 جئتم 2:2

جاءتنا 1:1 فأجاءها 1:1

النّصوص اللّغويّة

اللّيث: الجائية:ما اجتمع في الخراج من المدّة و القيح،يقال:جاءت جائية الجراح.

(الأزهريّ 11:234)

سيبويه :هذا باب ما الهمزة فيه في موضع اللاّم من بنات الياء و الواو،و ذلك نحو:ساء يسوء،و ناء ينوء، و داء يداء،و جاء يجيء،و فاء يفيء،و شاء يشاء.[إلى أن قال:]

و إذا قلت:«فواعل»من جئت؟قلت:جواء،كما تقول من«شأوت»:شواء،فتجريها في الجمع على حدّ ما كانت عليه في الواحد،لأنّك أجريت واحدها مجرى الواحد من«شأوت».

ص: 499

و أمّا«فعائل»من جئت و سؤت فكخطايا،تقول:

جيايا و سوايا.

و أمّا الخليل فكان يزعم أنّ قولك:جاء و شاء و نحوهما اللاّم فيهنّ مقلوبة،و قال:ألزموا ذلك،هذا و اطّرد فيه؛إذ كانوا يقلبون كراهية الهمزة الواحدة.[ثمّ استشهد بشعر،إلى أن قال:]

و أمّا«فعائل»من جئت فجياء،و من سؤت سواء، لأنّها ليست همزة تعرض في جمع،فهي«كمفاعل»من شأوت.

و أمّا«فعلل»من جئت و قرأت،فإنّك تقول فيه:

جيأى و قرأى،و«فعلل»منهما:قرئي و جوئي، و«فعلل»:قرئي و جيء.و إنّما فعلت ذلك لالتقاء الهمزتين و لزومهما.و ليس يكون هاهنا قلب كما كان في «جاء»لأنّه ليس هاهنا شيء أصله الواو و لا الياء،فإذا جعلته طرفا جعلته كياء قاض،و إنّما الأصل هاهنا الهمز.

فإنّما أجري جاء-في قول من زعم أنّه مقلوب- مجرى«لاث»حيث قلبوا الواو كراهية الهمزة.و ليس هاهنا شيء يهمز أصله غير الهمز.فإذا جمعت قلت:

قراء و جياء،لأنّ الهمزة ثابتة في الواحد،و ليست تعرض في الجمع،فأجريت مجرى مشأى و مشاء،و نحو هذا.

و أمّا«فعاعل»من جئت و سؤت فتقول فيه:سوايا و جيايا،لأنّ«فعاعل»من بعت و قلت مهموزان،فلمّا وافقت اللاّم مهموزة لم يكن من قلب اللاّم ياء بدّ،كما قلبتها في جاء و خطايا...(4:376-378)

الكسائيّ: الجيأة:الموضع الّذي يجتمع فيه الماء.

مثله الأمويّ و أبو عبيدة.(الأزهريّ 11:233)

الأمويّ: هما[الهيء و الجيء]اسمان،من قولهم:

جأجأت بالإبل،إذا دعوتها للشّرب،و هأهأت بها،إذا دعوتها للعلف.(الجوهريّ 1:42)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قولهم:«لو كان ذلك في الهيء و الجيء ما نفعه».الهيء:الطّعام،و الجيء:

الشّراب.(الجوهريّ 1:42)

الفرّاء: جاء فلان جيأة.و أمّا الجيّة بغير همز،فهو الّذي يسيل إليه المياه.(الأزهريّ 11:233)

أصله[أجأته إلى كذا بمعنى ألجأته...]من جئت، و قد جعلته العرب إلجاء.(الجوهريّ 1:42)

أبو زيد :الجيأة:الحفرة العظيمة،يجتمع فيها ماء المطر،و يشرع النّاس فيه حشوشهم.

(الأزهريّ 11:233)

و قد يدعون الهمزة،فيقولون:جا يجي و النّاس يجون.(أساس البلاغة:70)

ابن الأعرابيّ: جايأني الرّجل من قرب،أي قابلني،و مرّ بي مجايأة،أي مقابلة.

(الأزهريّ 11:233)

ابن السّكّيت: امرأة مجيّأة،إذا أفضيت،فإذا جومعت أحدثت،و رجل مجيّأ،إذا جامع سلح.

(الأزهريّ 11:232)

شمر: يقال له[مسيل الماء]:جيّة و جيأة،و كلّ من كلام العرب.(الأزهريّ 11:233)

ابن دريد :جاء فلان يجيء جيئة حسنة،إذا جاء مرّة واحدة،و ما أحسن جيئته!و إنّه لجئّاء بالخير،

ص: 500

مثل جعّاع.(1:171)

الجئة:حفرة عظيمة يجتمع فيها الماء.

و الجياء:جياء القدر،و هو وعاؤها؛و به سمّي الرّجل جآوة.

و بنو جآوة:بطن من العرب من باهلة.(3:230)

القاليّ: جيّاء«فعّال»من جاء يجيء،و فعول و فعّال يكونان للمبالغة.(2:154)

الأزهريّ: من أمثال العرب:«شرّ ما أجاءك في مخّة عرقوب»،و منهم من يقول:«شرّ ما ألجأك»و المعنى واحد.و تميم تقول:«شرّ ما أشاءك».[ثمّ استشهد بشعر و نقل كلام ابن الأعرابيّ ثمّ قال:]

هو من جئته مجيئا و مجيئة،فأنا جاء،و جيء به يجاء به،فهو مجيء به.

و الجيأة:مجتمع ماء في هبطة حوالي الحصون.

(11:232،233)

الصّاحب:الجيأة،بوزن«جيعة»و الجياء و الجواء:

وعاء توضع فيه القدر،و يقال:جئاوة و جياءة.[إلى أن قال:]

و الجيئة و الجيء و المجيء مصدران (1)،لقولك:جاء يجيء.

و يقولون:أنا أجوء بها:بمعنى أجيء.و للاثنين:

جاءا و جايا،و هو جائي على وزن«جائع»على الأصل.

و جاءاني فجئته،أي غالبني في كثرة المجيء فغلبته.

(7:212)

الجوهريّ: المجيء:الإتيان،يقال:جاء يجيء جيئة،و هو من بناء المرّة الواحدة إلاّ أنّه وضع موضع المصدر،مثل الرّجفة و الرّحمة.و الاسم:الجيئة على «فعلة»بكسر الجيم.

و تقول:جئت مجيئا حسنا،و هو شاذّ،لأنّ المصدر من فعل يفعل«مفعل»بفتح العين،و قد شذّت منه حروف فجاءت على«مفعل»كالمجيء و المحيض و المكيل و المصير.

و أجأته أي جئت به.

و جاءاني على«فاعلني»فجئته أجيئه،أي غالبني بكثرة المجيء فغلبته.

و تقول:الحمد للّه الّذي جاء بك،أي الحمد للّه إذ جئت،و لا تقل:الحمد للّه الّذي جئت.

و أجأته إلى كذا،بمعنى ألجأته و اضطررته إليه.[ثمّ استشهد بشعر](1:42)

نحوه الرّازيّ.(134)

ابن فارس: الجيم و الياء و الهمزة كلمتان من غير قياس بينهما،يقال:جاء يجيء مجيئا،و يقال:جاءاني فجئته،أي غالبني بكثرة المجيء فغلبته.

و الجيئة:مصدر جاء.و الجئة:مجتمع الماء حوالي الحصن و غيره،و يقال:هي جيئة بالكسر و التّثقيل.

(1:497)

أبو هلال :الفرق بين الإقبال و المضيّ (2)و المجيء:

أنّ الإقبال:الإتيان من قبل الوجه،و المجيء:إتيان من أيّ وجه كان.

الفرق بين قولك:جئته و جئت إليه:أنّ في قولك:ل.

ص: 501


1- كذا!و الصّحيح:مصادر.
2- المضيّ خلاف الاستقبال.

جئت إليه،معنى الغاية من أجل دخول«إلى»،و جئته:

قصدته بمجيء.

و إذا لم تعدّه لم يكن فيه دلالة على القصد،كقولك:

جاء المطر.(252)

نحوه الطّوسيّ.(4:531)

الفرق بين قولك:أتى فلان،و جاء فلان.[تقدّم في «أ ت ي»](255)

ابن سيده: جاء يجيء جيئا،و مجيئا.و حكى سيبويه عن بعض العرب:هو يجيك،بحذف الهمزة.

و جاء به،و أجاءه.

و إنّه لجيّاء بخير،و جئّاء،الأخيرة نادرة.

و حكى ابن جنّيّ: جائئ،على وجه الشّذوذ.

و جايا لغة في جاءا،و هو من البدليّ.

و جاءاني فجئته أجيئه،أي كنت أشدّ مجيئا منه.

و كان قياسه:جايأني.

و إنّه لحسن الجيئة،أي الحالة الّتي يجيء عليها.

و أجاءه إلى الشّيء:جاء به و ألجأه،في المثل:«شرّ ما أجاءك إلى مخّة العرقوب».

و ما جاءت حاجتك،أي ما صارت.قال سيبويه:

أدخل التّأنيث على«ما»حيث كانت الحاجة،كما قالوا:

من كانت أمّك،حيث أوقعوا«من»على مؤنّث.و إنّما صيّر«جاء»بمنزلة«كان»في هذا الحرف،لأنّه بمنزلة المثل،كما جعلوا عسى بمنزلة«كان»في قولهم:«عسى الغوير أبؤسا»و لا تقول:عسيت أخانا.

و الجائية:مدّة الجرح و الخراج،و ما اجتمع فيه.

و الجئة،و الجيئة:حفرة في الهبطة يجتمع فيها الماء، و الأعرف الجيّة من«الجوى»الّذي هو فساد الجوف، لأنّ الماء يأجن هنالك فيتغيّر؛و الجمع:جيء.

و جيئة البطن:أسفل السّرّة إلى العانة.

و الجيئة:قطعة يرقع بها النّعل.و قيل:هي سير يخاط به،و قد أجاءها.

و الجيء،و الجيء:الدّعاء إلى الطّعام و الشّراب.

و هو أيضا دعاء الإبل إلى الماء.[ثمّ استشهد بشعر]

(7:574)

الجياء:بيوت الزّنابير.(الإفصاح 2:903)

الجيئة:البئر المنتنة.و قيل:الجيئة و الجئة:

موضع كالنّقرة،أو هي الحفرة العظيمة.

(الإفصاح 2:994)

الطّوسيّ: المجيء و الإتيان و الإقبال واحد.و قال قوم:المجيء:إتيان من أيّ جهة كان،و الإتيان:إقبال من قبل الوجه.(4:476)

الرّاغب: جاء يجيء و مجيئا،و المجيء كالإتيان، لكن المجيء أعمّ،لأنّ«الإتيان»مجيء بسهولة،و الإتيان قد يقال باعتبار«القصد»و إن لم يكن منه الحصول، و المجيء يقال اعتبارا ب«الحصول»و يقال:جاء في الأعيان و المعاني،و لما يكون مجيئه بذاته و بأمره،و لمن قصد مكانا أو عملا أو زمانا،قال اللّه عزّ و جلّ:«و جاء من اقصى المدينة رجل يسعى»يس:20، فَقَدْ جاؤُ ظُلْماً وَ زُوراً الفرقان:4،أي قصدوا الكلام و تعدّوه،فاستعمل فيه المجيء كما استعمل فيه القصد، قال تعالى: إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَ مِنْ أَسْفَلَ مِنْكُمْ الأحزاب:10، وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا

ص: 502

الفجر:22،فهذا بالأمر لا بالذّات،و هو قول ابن عبّاس رضي اللّه عنه.

و كذا قوله تعالى: فَلَمّا جاءَهُمُ الْحَقُّ يونس:

76،يقال:جاءه بكذا و أجاءه،قال اللّه تعالى:

فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ مريم:23، قيل:ألجأها،و إنّما هو معدّى عن«جاء»و على هذا قولهم:«شرّ ما أجاءك إلى مخّة عرقوب».[ثمّ استشهد بشعر]

و جاء بكذا:استحضره،نحو: لَوْ لا جاؤُ عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ النّور:13، وَ جِئْتُكَ مِنْ سَبَإٍ بِنَبَإٍ يَقِينٍ النّمل:22.

و جاء بكذا يختلف معناه بحسب اختلاف المجيء به.

(103)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز:2:412)

الزّمخشريّ: جئته و جئت إليه،و جاء بخير كثير، و ما جاء بك؟و جئتنا جيئة مباركة،و جاءكم الغيث.[إلى أن قال:]

و أجاءه إلى مكان كذا:ألجأه إليه.و لو جاوزت هذا المكان جايأت الغيث،أي وافقته.و جايأ بين ناحيتي جرحه.

و من المجاز:جاء ربّك،و أجاءتني إليك الحاجة، و جاءت بي الضّرورة.

و أجاءت ثوبها على خدّيها:حدرته عليهما.

و أجاءت على قدميها:أرسلت فضول ثيابها.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:سالت جائية القرحة،و هي ما يجيء من مدّتها.(أساس البلاغة:70)

الفيّوميّ: جاء زيد يجيء مجيئا:حضر.

و يستعمل متعدّيا أيضا بنفسه و بالباء،فيقال:جئت شيئا حسنا،إذا فعلته،و جئت زيدا،إذا أتيت إليه؛ و جئت به،إذا أحضرته معك.

و قد يقال:جئت إليه،على معنى ذهبت إليه.

و جاء الغيث:نزل،و جاء أمر السّلطان:بلغ،و جئت من البلد و من القوم،أي من عندهم.(1:116)

الطّريحيّ: في الحديث:«سئل عن امرأة كانت تصلّي المغرب ذاهبة و جائية ركعتين»أي آتية،بتقديم الهمزة على الياء،لأنّ اسم الفاعل من«جاء يجيء جاء» و الأصل«جايء»بتقديم الياء على الهمزة،و لكن وقع الخلاف في إعلاله،فقيل:الأصل في جاء:«جايء» فقلبت الياء همزة-كما في صائن-لوقوعها بعد ألف فاعل،فصارت«جاءء»بهمزتين،قلبت الثّانية ياء لانكسار ما قبلها،فقيل:«جائي»ثمّ أعلّ إعلال رام، فوزنه«فاع»،إلى هذا ذهب سيبويه.

و عند الخليل:الأصل«جايء»نقلت العين إلى موضع اللاّم،و اللاّم إلى موضع العين،و أعلّت،و الوزن «فالع»،و منه قوله عليه السّلام:«التّقصير بريد ذاهب و بريد جاء».(1:93)

مجمع اللّغة :جاء يجيء جيئا و مجيئا:أتى.

و هو فعل يتعدّى بنفسه و بحرف الجرّ و بهمزة التّعدية.جاء بالشّيء:أتى به،و جاءه به:أتاه به، و جاءه:أتاه،و جاء إليه:أتى إليه.

و جاء الأمن أو الخوف أو الحقّ أو الوعد أو الوعيد

ص: 503

أو الأمر:تحقّق و حصل.

و جاء الأجل:حلّ موعد الموت.

و جاء بالحسنة أو السّيّئة:فعلها.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

أجاءه إلى كذا:جاء به و ألجأه،و اضطرّه إليه.

(1:225)

المصطفويّ: [نقل قول الرّاغب ثمّ قال:]

و فرق آخر بين المجيء و الإتيان:أنّ«المجيء» يستعمل غالبا في ذوي العقول أو ما ينسب إليهم و يصدر عنهم باختيار،و هذا بخلاف«الإتيان»فإنّ الغالب فيه استعماله في غير ذوي العقول أو ما يفرض كذلك،إمّا من جهة التّحقير أو بلحاظ نفي النّسبة.

ففي النّسبة إلى ذوي العقول و الاختيار: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ النّمل:89، وَ جاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ الأعراف:113، جاءَ مُوسى الأعراف:143، أَنْ جاءَ الْبَشِيرُ يوسف:96.

و فيما يصدر عنهم بقصد و اختيار تنزيلا لها منزلتهم:

جاءَ أَمْرُنا هود:58، جاءَ وَعْدُ رَبِّي الكهف:

98، قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ يونس:57، جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ البقرة:89.

و فيما يكون منسوبا إليهم في الواقع: فَإِذا جاءَتِ الصَّاخَّةُ عبس:33، وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ ق:

19، جاءَ أَجَلُها المنافقون:11، كَفَرُوا بِالذِّكْرِ لَمّا جاءَهُمْ فصّلت:41.

و أمّا الإتيان: وَ هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى طه:9، وَ هَلْ أَتاكَ نَبَأُ الْخَصْمِ ص:21، حَتّى أَتانَا اَلْيَقِينُ المدّثّر:47، فَأَتاهُمُ الْعَذابُ الزّمر:25.

و أمّا باعتبار نفي النّسبة أو تنزيله منزلة غير ذوي العقول: فَأَتَى اللّهُ بُنْيانَهُمْ النّحل:26، أَتاها أَمْرُنا لَيْلاً يونس:24، وَ أَتاهُمُ الْعَذابُ النّحل:26، يَأْتِ بَصِيراً يوسف:93.

ثمّ إنّ«المجيء»يختلف مفهومه و خصوصيّاته باختلاف الموضوعات،فإنّ«المجيء»في المادّيّات لا بدّ أن يتحقّق في مكان أو زمان: جاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ يونس:22، ما جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ يونس:

81، إِنَّ أَجَلَ اللّهِ إِذا جاءَ نوح:4.

و أمّا في المعنويّات و الرّوحانيّات،فمجيئها عبارة عن التّوجّه و الاتّصال المعنويّ و الارتباط،و شمول اللّطف و الإحاطة: وَ جاءَ رَبُّكَ الفجر:22، إِذا جاءَ نَصْرُ اللّهِ النّصر:1، فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا هود:66، فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي الكهف:98.

فإنّ ما هو خارج عن الزّمان و المكان لا يتصوّر فيه نسبة أمر إليه و هو زمانيّ أو مكانيّ،فلا بدّ من إرادة مفهوم كلّيّ شامل لكلّ مصداق: وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا الفجر:22،أي ظهر جلاله و جماله.

وَ جِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ الفجر:23،مجيء جهنّم في تلك العالم لا بدّ أن يناسب بخصوصيّات جهنّم و تلك العالم،و مفهومه الظّهور و البروز لأهل جهنّم،كما في وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ الشّعراء:91.(2:156)

ص: 504

النّصوص التّفسيريّة

جاء

1- ...أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ...

النّساء:43،المائدة:6

لاحظ«غ و ط»و«ي م م».

2- ...حَتّى جاءَ الْحَقُّ وَ ظَهَرَ أَمْرُ اللّهِ وَ هُمْ كارِهُونَ.

التّوبة:48

راجع«ح ق ق».

3- وَ لَمّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا هُوداً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا... هود:58

تقدّم في«أ م ر».

4- فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا... هود:66

أبو السّعود :أي نزل عذابنا،و في التّعبير عنه ب«الأمر»مضافا إلى ضميره جلّ جلاله و عن نزوله بالمجيء،ما لا يخفى من التّفخيم و التّهويل،أو ورد أمرنا بالعذاب.(3:326)

5- يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ...

هود:76

الآلوسيّ: أي قدره تعالى المقضيّ بعذابهم،و قد يفسّر بالعذاب،و يراد بالمجيء:المشارفة،فلا يتكرّر مع قوله سبحانه: وَ إِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ.

(12:104)

6- فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها وَ أَمْطَرْنا عَلَيْها حِجارَةً مِنْ سِجِّيلٍ. هود:82

الآلوسيّ: أي عذابنا أو الأمر به،فالأمر على الأوّل:واحد الأمور،و على الثّاني:واحد الأوامر.

قيل:نسبة المجيء إليه بالمعنيين مجازيّة،و المراد:لمّا حان وقوعه،و لا حاجة إلى تقدير الوقت،مع دلالة (لمّا)عليه.(12:112)

7- وَ إِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ* إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ.

الصّافّات:83،84

ابن عبّاس: أقبل إبراهيم إلى طاعة ربّه.(377)

الواحديّ: يعني صدق اللّه و آمن به.(3:528)

الزّمخشريّ: فإن قلت:ما معنى المجيء بقلبه ربّه؟ قلت:معناه أنّه أخلص للّه قلبه،و عرف ذلك منه؛ فضرب«المجيء»مثلا لذلك.(3:344)

أبو السّعود :و معنى المجيء به ربّه:إخلاصه له، كأنّه جاء به متحفا إيّاه بطريق التّمثيل.(5:331)

الآلوسيّ: و المراد بمجيئه ربّه بقلبه:إخلاصه قلبه له تعالى،على سبيل الاستعارة التّبعيّة التّصريحيّة، و مبناها تشبيه إخلاصه قلبه له عزّ و جلّ بمجيئه إليه تعالى بتحفة،في أنّه سبب للفوز بالرّضا،و يكتفي بامتناع الحقيقة،مع كون المقام مقام المدح قرينة،فحاصل معنى التّركيب؛إذ أخلص عليه السّلام للّه تعالى قلبه السّليم من

ص: 505

الآفات،أو المنقطع عن العلائق،أو الحزين المنكسر.

و تعقّب بأنّ سلامة القلب عن الآفات لا تكون بدون الإخلاص،و كذا الانقطاع عن العلائق لا يكون بدونه.

و أجيب بأنّهما قد يكونان بدون ذلك،كما في القلوب البله.

و في«المطلع»معنى مجيئه ربّه بقلبه:أنّه أخلص قلبه للّه تعالى و علم سبحانه ذلك منه،كما يعلم الغائب و أحواله بمجيئه و حضوره،فضرب المجيء مثلا لذلك.

انتهى.

و جعل في الكلام عليه استعارة تمثيليّة،بأن تشبه الهيئة المنتزعة من إخلاص إبراهيم عليه السّلام قلبه لربّه تعالى، و علمه سبحانه ذلك الإخلاص منه موجودا بالهيئة المنتزعة من المجيء بالغائب بمحضر شخص،و معرفته إيّاه و علمه بأحواله،ثمّ يستعار ما يستعار.

و لتأدية هذا المعنى عدل عن:«جاء ربّه سليم القلب»إلى ما في النّظم الجليل.

و قيل:الباء للملابسة و لعلّه المتبادر،و المراد بمجيئه ربّه:حلوله في مقام الامتثال و نحوه.

و ذكر أنّ نكتة العدول عمّا سمعت إلى ما في النّظم:

سلامته من توهّم أنّ الحال منتقلة لما أنّ الانتقال أغلب حاليها،مع أنّه أظهر في أنّ سلامة القلب كانت له عليه السّلام قبل المجيء أيضا،فليتدبّر.(23:100)

الطّباطبائيّ: مجيئه ربّه:كناية عن تصديقه له و إيمانه به،و يؤيّد ذلك أنّ المراد بسلامة القلب:عروّه عن كلّ ما يضرّ التّصديق و الإيمان باللّه سبحانه،من الشّرك الجليّ و الخفيّ،و مساوئ الأخلاق و آثار المعاصي،و أيّ تعلّق بغيره ينجذب إليه الإنسان،و يختلّ به صفاء توجّهه إليه سبحانه.(17:147)

8- وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا الفجر:22

ابن عبّاس: يجيء ربّك بلا كيف.(511)

و جاء أمر ربّك و قضاء ربّك.(الواحديّ 4:484)

نحوه الحسن(الطّوسيّ 10:347)،و الجبّائيّ (الطّبرسيّ 5:488).

الكلبيّ: ينزل حكمه.(البغويّ 5:252)

الإمام الرّضا عليه السّلام:إنّ اللّه عزّ و جلّ لا يوصف بالمجيء و الذّهاب-تعالى اللّه عن الانتقال-إنّما يعني بذلك:و جاء أمر ربّك.(البحرانيّ 10:272)

الطّبريّ: و إذا جاء ربّك يا محمّد و أملاكه صفوفا صفّا بعد صفّ.[ثمّ أتى بروايات في كيفيّة مجيء اللّه و الملائكة و جاء فيها:]

فيجيء اللّه فيهم،و الأمم جثيّ صفوف...(30:185)

أبو مسلم الأصفهانيّ: جاء أمره الّذي لا أمر معه،بخلاف حال الدّنيا.(الطّبرسيّ 5:488)

الطّوسيّ: معناه و جاء أمر اللّه أو عذاب اللّه،و قيل:

معناه و جاء جلائل آياته،فجعل مجيء جلائل الآيات مجيئا له،تفخيما لشأنها.

و قال الحسن:معناه و جاء قضاء اللّه،كما يقول القائل:جاءتنا الرّوم،أي سيرتهم.

و قال بعضهم:معنى(جاء)ظهر بضرورة المعرفة،كما توصف الآية إذا وقعت ضرورة تقوم مقام الرّؤية.

(10:347)

ص: 506

الواحديّ: [حكى كلام ابن عبّاس و أضاف:]

لأنّ في يوم القيامة تجيء جلائل آيات اللّه و تظهر العظائم.

و قال أهل المعاني:و جاء ربّك،أي و جاء ظهوره بضرورة المعرفة،و ضرورة المعرفة بالشّيء تقوم مقام ظهوره و رؤيته.و لمّا صارت هذه المعارف باللّه في ذلك اليوم ضرورة،صار ذلك كظهوره و تجلّيه للخلق، فقيل: وَ جاءَ رَبُّكَ أي زالت الشّبهة و ارتفعت الشّكوك،كما ترتفع عند مجيء الشّيء الّذي كان يشكّ فيه.(4:484)

الزّمخشريّ: فإن قلت:ما معنى إسناد المجيء إلى اللّه،و الحركة و الانتقال إنّما يجوزان على من كان في جهة؟

قلت:هو تمثيل لظهور آيات اقتداره،و تبيين آثار قهره و سلطانه،مثّلت حاله في ذلك بحال الملك إذا حضر بنفسه ظهر بحضوره من آثار الهيبة و السّياسة ما لا يظهر بحضور عساكره كلّها و وزرائه و خواصّه عن بكرة أبيهم.(4:253)

الطّبرسيّ: [نحو الواحديّ و أضاف:]

جلّ و تقدّس عن المجيء و الذّهاب،لقيام البراهين القاهرة و الدّلائل الباهرة،على أنّه سبحانه ليس بجسم.

(5:488)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه ثبت بالدّليل العقليّ أنّ الحركة على اللّه تعالى محال،لأنّ كلّ ما كان كذلك كان جسما،و الجسم يستحيل أن يكون أزليّا،فلا بدّ فيه من التّأويل،و هو أنّ هذا من باب حذف المضاف و إقامة المضاف إليه مقامه،ثمّ ذلك المضاف ما هو؟فيه وجوه:

أحدها:و جاء أمر ربّك بالمحاسبة و المجازاة.

و ثانيها:و جاء قهر ربّك،كما يقال:جاءتنا بنو أميّة،أي قهرهم.

و ثالثها:و جاء جلائل آيات ربّك،لأنّ هذا يكون يوم القيامة،و في ذلك اليوم تظهر العظائم و جلائل الآيات،فجعل مجيئها مجيئا له،تفخيما لشأن تلك الآيات.

و رابعها:و جاء ظهور ربّك،و ذلك لأنّ معرفة اللّه تصير في ذلك اليوم ضروريّة،فصار ذلك كظهوره و تجلّيه للخلق،فقيل: وَ جاءَ رَبُّكَ أي زالت الشّبهة و ارتفعت الشّكوك.

و خامسها:أنّ هذا تمثيل لظهور آيات اللّه و تبيين آثار قهره و سلطانه،مثّلت حاله في ذلك بحال الملك إذا حضر بنفسه،فإنّه يظهر بمجرّد حضوره من آثار الهيبة و السّياسة ما لا يظهر بحضور عساكره كلّها.

و سادسها:أنّ الرّبّ هو المربّي،و لعلّ ملكا هو أعظم الملائكة هو مربّ للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم جاء،فكان هو المراد من قوله: وَ جاءَ رَبُّكَ. (31:174)

الطّباطبائيّ: نسبة المجيء إليه تعالى من التّشابه الّذي يحكمه قوله تعالى: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الشّورى:

11،و ما ورد في آيات القيامة من خواصّ اليوم:كتقطّع الأسباب،و ارتفاع الحجب عنهم،و ظهور أنّ اللّه هو الحقّ المبين.

و إلى ذلك يرجع ما ورد في الرّوايات أنّ المراد بمجيئه تعالى:أمره،قال تعالى: وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ الانفطار:

19،و يؤيّد هذا الوجه بعض التّأييد قوله تعالى: هَلْ

ص: 507

يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمامِ وَ الْمَلائِكَةُ وَ قُضِيَ الْأَمْرُ البقرة:210،إذا انضمّ إلى قوله: هَلْ يَنْظُرُونَ إِلاّ أَنْ تَأْتِيَهُمُ الْمَلائِكَةُ أَوْ يَأْتِيَ أَمْرُ رَبِّكَ النّحل:33.

و عليه فهناك مضاف محذوف،و التّقدير:جاء أمر ربّك،أو نسبة المجيء إليه تعالى من المجاز العقليّ.

(20:284)

المصطفويّ: أي ظهر جلاله و جماله.(2:157)

مكارم الشّيرازيّ: كناية عن حضور الأمر الإلهيّ لمحاسبة الخلائق أو أنّ المراد:ظهور آيات عظمة اللّه سبحانه و تعالى،أو ظهور معرفة اللّه عزّ و جلّ في ذلك اليوم،بشكل؛بحيث لا يمكن لأيّ كان إنكاره،و كأنّ الجميع ينظرون إليه بأمّ أعينهم.

و بلا شكّ أنّ حضور اللّه بمعناه الحقيقيّ المستلزم للتّجسيم و التّحديد بالمكان،هذا المعنى ليس هو المراد، لأنّ سبحانه و تعالى مبرّأ من الجسميّة و خواصّ الجسميّة.(20:179)

جاءه

...فَمَنْ جاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهى فَلَهُ ما سَلَفَ...

البقرة:275

ابن عبّاس: نهي من ربّه عن الرّبا.(40)

الإمام الباقر عليه السّلام:من أدرك الإسلام و تاب ممّا كان عمله في الجاهليّة.(الطّوسيّ 2:360)

الزّمخشريّ: فمن بلغه وعظ من اللّه و زجر بالنّهي عن الرّبا.(1:400)

نحوه أبو السّعود(1:316)،و الآلوسيّ(3:50).

الطّباطبائيّ: المراد من مجيء الموعظة:بلوغ الحكم الّذي شرّعه اللّه تعالى(2:417)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ من بلغته نصيحة اللّه بتحريم الرّبا و اتّعظ فله الأرباح الّتي أخذها من قبل.

(2:244)

جاؤها

حَتّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. فصّلت:20

الطّوسيّ: معناه حتّى إذا أتى هؤلاء الكفّار النّار، و أراد اللّه إلقاءهم فيها.(9:117)

أبو السّعود :أي حتّى إذا حضروها.و(ما)مزيدة لتأكيد اتّصال الشّهادة بالحضور.(5:441)

نحوه الآلوسيّ.(24:114)

جاءته

...وَ مَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ. البقرة:211

الزّمخشريّ: فإن قلت:ما معنى مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ؟

قلت:معناه من بعد ما تمكّن من معرفتها أو عرفها، كقوله: ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ البقرة:75،

ص: 508

لأنّه إذا لم يتمكّن من معرفتها أو لم يعرفها فكأنّها غائبة عنه.(1:354)

الفخر الرّازيّ: فإن فسّرنا النّعمة بإيتاء الآيات و الدّلائل،كان المراد من قوله: مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ أي من بعد ما تمكّن من معرفتها،أو من بعد ما عرفها،كقوله تعالى: ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ ما عَقَلُوهُ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ البقرة:75،لأنّه إذا لم يتمكّن من معرفتها أو لم يعرفها، فكأنّها غائبة عنه.

و إن فسّرنا النّعمة بما يتعلّق بالدّنيا من الصّحّة و الأمن و الكفاية،فلا شكّ أنّ عند حصول هذه الأسباب يكون الشّكر أوجب،فكان الكفر أقبح.(6:4)

أبو السّعود :وصلت إليه و تمكّن من معرفتها.

(1:257)

نحوه الآلوسيّ.(2:100)

جئت

...قالُوا الْآنَ جِئْتَ بِالْحَقِّ فَذَبَحُوها وَ ما كادُوا يَفْعَلُونَ. البقرة:71

ابن عبّاس: الآن تبيّن لنا الصّفة.(11)

قتادة :أي الآن بيّنت لنا.(الطّبريّ 1:353)

الطّبريّ: إنّ تأويله:الآن بيّنت لنا الحقّ في أمر البقرة،فعرفنا أنّها الواجب علينا ذبحها منها.(1:353)

البغويّ: أي بالبيان التّامّ الشّافي الّذي لا إشكال فيه.(1:129)

فأجاءها

فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ... مريم:23

الفرّاء: قوله: فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ من جئت، كما تقول:فجاء بها المخاض إلى جذع النّخلة.فلمّا ألقيت الباء جعلت في الفعل ألفا،كما تقول:آتيتك زيدا،تريد:

أتيتك بزيد.و مثله: آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ الكهف:

96،فلمّا ألقيت الباء زدت ألفا،و إنّما هو ائتوني بزبر الحديد.

و لغة أخرى لا تصلح في الكتاب،و هي تميميّة:

فأشاءها المخاض.(2:164)

الوجوه و النّظائر

الفيروزآباديّ: و قد ورد في القرآن على خمسة عشر وجها:

الأوّل:جيئة الهيبة من الملك و الملك وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا الفجر:22.

الثّاني:جيئة السّيّارة وَ جاءَتْ سَيّارَةٌ يوسف:19.

الثّالث:جيئة الخجالة وَ جاؤُ أَباهُمْ عِشاءً يَبْكُونَ يوسف:16.

الرّابع:جيئة الصّيانة فَجاءَتْهُ إِحْداهُما تَمْشِي عَلَى اسْتِحْياءٍ القصص:25.

الخامس:جيئة النّصيحة من حزقيل لموسى وَ جاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعى القصص:20.

ص: 509

السّادس:جيئة الدّعوة من حبيب النّجّار لأصحاب ياسين وَ جاءَ مِنْ أَقْصَا الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعى يس:

20.

السّابع:جيئة الرّسالة من المصطفى لَقَدْ جاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ التّوبة:128.

الثّامن:جيئة المعذرة وَ إِذا جاءَكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِآياتِنا الأنعام:54.

التّاسع:جيئة النّصيحة من المنافقين إِذا جاءَكَ الْمُنافِقُونَ المنافقون:1.

العاشر:جيئة الغمز و النّميمة إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا الحجرات:6.

الحادي عشر:جيئة أهل الطّاعة و المعصية إلى جهنّم و الجنّة حَتّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها الزّمر:71.

الثّاني عشر:جيئة الحسرة و النّدامة على قرناء السّوء بالصّحبة حَتّى إِذا جاءَنا قالَ يا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ الزّخرف:38.

الثّالث عشر:جيئة المكر و الحيلة من الكفرة لنبيّ الأمّة إِذْ جاؤُكُمْ مِنْ فَوْقِكُمْ الأحزاب:10.

الرّابع عشر:جيئة النّصرة من ربّ المغفرة لنبيّ الملحمة إِذا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَ الْفَتْحُ النّصر:1.

الخامس عشر:جيئة المناجاة و القربة وَ لَمّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ الأعراف:143.

(بصائر ذوي التّمييز 2:411)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجيء،أي الإتيان.يقال:

جاء يجيء جيئا و جيئة و مجيئا،أي أتى فهو جاء، و الاسم جيئة،و إنّه لحسن الجيئة:الحالة الّتي يجيء عليها،و الحمد للّه الّذي جاء بك:الحمد للّه إذ جئت، و أجأته:جئت به،و أجاءه إلى الشّيء:جاء به و ألجأه و اضطرّه إليه.و جايأني و جاءاني فجئته أجيئه:غالبني بكثرة المجيء فغلبته،و جايأت فلانا:وافقت مجيئه.

2-لم يجزل رأي أرباب الاشتقاق في هذه المادّة،فعدّ ابن فارس أصلها كلمتين من غير قياس بينهما:المجيء، أي الإتيان،و الجئة،أي مجتمع الماء حوالي الحصن و غيره.و انكفأ الرّاغب على بيان الفرق بين المجيء و الإتيان،منتهجا نهج أبي هلال العسكريّ في«الفروق اللّغويّة و حذا حذوه المصطفويّ،طاويا كشحه عن الخوض في«الأصل الواحد»كما هو دأبه،لأنّه رأى هذا المسلك صعب المرام هنا،و ليس للمجيء أثر في اللّغة العبريّة،أو في سائر اللّغات السّاميّة،حتّى يحيله إليها، فيتنصّل من ربقته و يتفصّى.

و من يمعن النّظر في هذه المادّة،يلحظ أنّها ذات أصل واحد،و هو ما ذكرناه،و ما سوى ذلك فليس منها،بل يرجع إلى أربع موادّ أخرى قد شابت هذا الأصل،و هي:

أ-«ج أ ي»يقال منه:جأي الثّوب جأيا،أي خاطه،و أصلحه،و الجيئة:قطعة يرقع بها النّعل، و سير يخلط له،و هو مقلوب«جئية».و مثله الجياء و الجواء:ما توضع عليه القدر.قال ابن برّيّ:«قلبت العين إلى مكان اللاّم،و اللاّم إلى مكان العين؛فمن قال:

جأيت،قال:الجياء،و من قال:جأوت،قال:الجواء»، و هو الجياءة و الجياوة و الجئاوة و الجواءة.و رجل مجيّأ،

ص: 510

إذا جامع سلح،و امرأة مجيّأة،إذا جومعت أحدثت، و هو من قولهم:سقاء لا يجأى شيئا،أي لا يمسكه.

ب-«ج أ و»يقال منه:جأوت السّقاء،أي رقعته، و جأوت الثّوب جأوا:خطته و أصلحته،و الجئوة:سير يخاط به،و رقعة السّقاء أيضا.

ج-«ج ي ي»يقال منه:جاءت جايئة الجرح، الجائية:مدّة الجرح و الخراج و ما اجتمع فيه من المدّة و القيح،و هو مقلوب«جايية»،كما يقال:بائع و بايع، فالهمزة طارئة و الياء أصل،من الجيّة،أي الرّكيّة المنتنة، و لعلّه من«ج و ي»على القول اللاّحق.

د-«ج و ي»قال ابن سيده:«الجئة و الجيّة:حفرة في الهبطة يجتمع فيها الماء،و الأعرف الجيّة من(الجوى) الّذي هو فساد الجوف،لأنّ الماء يأجن هناك فيتغيّر».

الاستعمال القرآنيّ

أوّلا:جاء فيها 278 آية بأساليب مختلفة،نذكرها مع بعض آياتها:

أ-جاء فعل و فاعل:أي أتى من دون مفعول و لا متعلّق،و هو كثير مثل:

فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ الأعراف:34

وَ لَمّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ الأعراف:143

وَ قَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتّى جاءَ الْحَقُّ التّوبة:48

وَ قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ زَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً الإسراء:81

قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَ ما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَ ما يُعِيدُ

سبأ:49

وَ جاءَ الْمُعَذِّرُونَ مِنَ الْأَعْرابِ لِيُؤْذَنَ لَهُمْ

التّوبة:90

لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ يونس:49

حَتّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ قُلْنَا احْمِلْ فِيها مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ هود:40

و مثلها كثير.

و قد عبّروا عن المجيء حسب السّياق ب«بلغ»، انتهى أجلهم،وصل أمر ربّك،جاء موسى بهيئته أو صعد الجبل و هكذا.

ب-جاء من كذا،مشيرا إلى الإتيان من مكان أو من عند شخص مثل:

أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ

النّساء:43 و المائدة:6

يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَتْكُمْ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ شِفاءٌ لِما فِي الصُّدُورِ يونس:57

ج-جاء مع كذا،مثل:

لَوْ لا أُنْزِلَ عَلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ هود:12

د-جاء به،متعدّيا بالباء و هو كثير:أي أتى به مثل:

مَنْ أَنْزَلَ الْكِتابَ الَّذِي جاءَ بِهِ مُوسى نُوراً وَ هُدىً لِلنّاسِ الأنعام:91

مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها الأنعام:160

مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَ هُمْ مِنْ فَزَعٍ

ص: 511

يَوْمَئِذٍ آمِنُونَ النّمل:89

وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النّارِ

النّمل:90

قالُوا نَفْقِدُ صُواعَ الْمَلِكِ وَ لِمَنْ جاءَ بِهِ حِمْلُ بَعِيرٍ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ يوسف:72

وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ يوسف:100

قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ مَنْ جاءَ بِالْهُدى وَ مَنْ هُوَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ القصص:85

بَلْ جاءَ بِالْحَقِّ وَ صَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ

الصّافّات:37

وَ الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ الزّمر:33

لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُ رَبِّنا بِالْحَقِّ الأعراف:43

وَ لَمّا جاءَ عِيسى بِالْبَيِّناتِ قالَ قَدْ جِئْتُكُمْ بِالْحِكْمَةِ الزّخرف:63

مَنْ خَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وَ جاءَ بِقَلْبٍ مُنِيبٍ

ق:33

و الباء في كلّها للتّعدية باتّفاق منهم،إلاّ في الأخيرة فقد ذكر الفخر الرّازيّ فيها وجوها:

1-التّعدية:أي أحضر قلبا منيبا.

2-المصاحبة:أي جاء مع قلب منيب،مثل:جاء فلان بأهله،أي مع أهله.

3-السّببيّة-و هي أعرفها عنده-أي جاء بسبب إنابة في قلبه،و مثله:

يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ* إِلاّ مَنْ أَتَى اللّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ الشّعراء:88،89

وَ إِنَّ مِنْ شِيعَتِهِ لَإِبْراهِيمَ* إِذْ جاءَ رَبَّهُ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ الصّافّات:83،84

ه-متعدّيا إلى الشّخص بنفسه و إلى الشّيء بالباء، أي أتى به إليه،مثل:

وَ لَقَدْ جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا سَلاماً هود:69

وَ لَمّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ بِالْبُشْرى قالُوا إِنّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ العنكبوت:31

وَ لَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُنا بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيراً مِنْهُمْ بَعْدَ ذلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ المائدة:32

وَ لَقَدْ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَما كانُوا لِيُؤْمِنُوا بِما كَذَّبُوا مِنْ قَبْلُ الأعراف:101

وَ لَقَدْ جاءَكُمْ مُوسى بِالْبَيِّناتِ ثُمَّ اتَّخَذْتُمُ الْعِجْلَ مِنْ بَعْدِهِ وَ أَنْتُمْ ظالِمُونَ البقرة:92

قُلْ قَدْ جاءَكُمْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِي بِالْبَيِّناتِ وَ بِالَّذِي قُلْتُمْ فَلِمَ قَتَلْتُمُوهُمْ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ

آل عمران:183

يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقِّ مِنْ رَبِّكُمْ فَآمِنُوا خَيْراً لَكُمْ النّساء:170

ثانيا:جاءت بصيغ متعدّدة:

أ-الماضي المجرّد المعلوم مذكّرا و مؤنّثا و مفردا و جمعا و غائبا و حاضرا،و هذه الصّيغة تفوق غيرها عددا،و قد مرّت آيات منها:

ب-الماضي المجرّد المجهول في آيتين بشأن يوم

ص: 512

القيامة،إنذارا و تخويفا:

وَ أَشْرَقَتِ الْأَرْضُ بِنُورِ رَبِّها وَ وُضِعَ الْكِتابُ وَ جِيءَ بِالنَّبِيِّينَ وَ الشُّهَداءِ وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْحَقِّ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ الزّمر:69

وَ جِيءَ يَوْمَئِذٍ بِجَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ يَتَذَكَّرُ الْإِنْسانُ وَ أَنّى لَهُ الذِّكْرى الفجر:23

و فيها بحوث:

أحدها:قد ركّز في الأولى حول القضاء بالحقّ و بالعدل بين النّاس يوم القيامة،و أنّهم لا يظلمون استنادا إلى كتاب أعمالهم و بشهادة الأنبياء و الشّهداء بها.و في الثّانية حول تذكّر كلّ إنسان ما لم يتذكّره في الحياة الدّنيا من الحقّ و أنكره،و لكن لا تنفعه الذّكرى، و هي كناية عن ندامته على ما مضى.

فكلاهما تهويل بسياقين إلاّ أنّ في الأولى شيء من رجاء الخلاص لو كانت أعماله حسنة.

ثانيها:ركّز في الأولى حول الإتيان بالأشهاد من النّبيّين و الشّهداء تأكيدا للقضاء بالحقّ و من دون أيّ ظلم،و في الثّانية حول الإتيان بجهنّم تشديدا في التّهويل.

و قد نبّه اللّه على عكسه و هو سوق الكفّار و المجرمين إلى جهنّم: وَ سِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلى جَهَنَّمَ زُمَراً حَتّى إِذا جاؤُها فُتِحَتْ أَبْوابُها الزّمر:71،و وَ نَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً مريم:86،كما عبّر عنه بالعرض و الإلقاء و الدّخول و غيرها،مزيدا في التّخويف و تنويعا في العذاب،لاحظ«جهنّم».

ثالثها:قد خصّتا من بين سائر الآيات بالفعل المجهول تركيزا حول العقوبة و الجزاء،و المستحقّين لهما دون الفاعل،و زيادة في التّهويل و التّخويف.

رابعها:جاء فيهما الماضي بدل المستقبل،كما في كثير من آيات القيامة إشعارا بأنّها محقّقة الوقوع كالماضي.

ج-فعل ماض من باب«الإفعال»-بمعنى الإتيان به-مرّة واحدة في قصّة مريم،و حملها بعيسى عليهما السّلام.

فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ

مريم:23

ثالثا:جاءت فعلا ماضيا مثبتا دائما-كما سبق-و لم يأت منها مضارع أو أمر أو صفة أو مصدر،و لا فعل منفيّ،فهل فيه سرّ سوى أنّ أمره تبارك و تعالى ماض دائما لا رادّ له؟

رابعا:أسند«المجيء»فيها إلى أمور نذكرها،حسب حروف الهجاء مقدّما(اللّه):

1-اللّه:

وَ قَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَ جاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ يوسف:100.

وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا الفجر:22

2-الآية و الآيات:

لَئِنْ جاءَتْهُمْ آيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِها الأنعام:109

بَلى قَدْ جاءَتْكَ آياتِي فَكَذَّبْتَ بِها وَ اسْتَكْبَرْتَ

الزّمر:59

و في الزّخرف:47،الأنعام:124،يونس:97، النّمل:13.

3-الأجل:

وَ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ فَإِذا جاءَ أَجَلُهُمْ لا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ الأعراف:34 قُلْ لا أَمْلِكُ

ص: 513

لِنَفْسِي ضَرًّا وَ لا نَفْعاً إِلاّ ما شاءَ اللّهُ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَجَلٌ إِذا جاءَ أَجَلُهُمْ فَلا يَسْتَأْخِرُونَ ساعَةً وَ لا يَسْتَقْدِمُونَ

يونس:49

4-الأمر:

حَتّى إِذا جاءَ أَمْرُنا وَ فارَ التَّنُّورُ هود:40

فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ

هود:66

5-الإنسان و هو كثير:

أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ النّساء:43

مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ الأنعام:160

وَ جاءَ السَّحَرَةُ فِرْعَوْنَ الأعراف:113

و منه البشير و النّذير و المنذر و الأنبياء و الأقوام المختلفة و الرّسل و...

6-البأس:

إِذْ جاءَهُمْ بَأْسُنا الأنعام:43،الأعراف:5

7-البرهان:

يا أَيُّهَا النّاسُ قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ مِنْ رَبِّكُمْ

النّساء:174

8-البيّنة و البيّنات:

ما لَكُمْ مِنْ إِلهٍ غَيْرُهُ قَدْ جاءَتْكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ

الأعراف:73

وَ مَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ الأعراف:73

و في البقرة:253،آل عمران:86،105،184، النّساء:153،المائدة:32،الأنعام:157،المؤمن:28، 66،الصّفّ:6،البيّنة:4.

9-الحسنة:

فَإِذا جاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قالُوا لَنا هذِهِ وَ إِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسى وَ مَنْ مَعَهُ الأعراف:131

10-الحقّ:

وَ قَلَّبُوا لَكَ الْأُمُورَ حَتّى جاءَ الْحَقُّ التّوبة:48

و في المائدة:48،يونس:76،94،108، الزّخرف:29،30،المؤمنون:70،القصص:48، المؤمن:25،هود:120،الممتحنة:1.

11-الخوف:

أَشِحَّةً عَلَيْكُمْ فَإِذا جاءَ الْخَوْفُ رَأَيْتَهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ الأحزاب:19

12-الذّكر و الذّكرى:

أَ وَ عَجِبْتُمْ أَنْ جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ عَلى رَجُلٍ مِنْكُمْ الأعراف:63 و 69

فَأَنّى لَهُمْ إِذا جاءَتْهُمْ ذِكْراهُمْ محمّد:18

13-الرّيح:

إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَ جَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَ فَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ يونس:22

14-السّاعة و أشراطها:

قَدْ خَسِرَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِلِقاءِ اللّهِ حَتّى إِذا جاءَتْهُمُ السّاعَةُ بَغْتَةً الأنعام:31

15-الطّامّة الكبرى:

فَإِذا جاءَتِ الطَّامَّةُ الْكُبْرى النّازعات:34

16-العلم:

وَ لَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْواءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ البقرة:120

ص: 514

و في البقرة:145،آل عمران:19،61،الرّعد:

37،مريم:43،يونس:93،الشّورى:14،الجاثية:17.

17-العذاب:

وَ لَوْ لا أَجَلٌ مُسَمًّى لَجاءَهُمُ الْعَذابُ وَ لَيَأْتِيَنَّهُمْ بَغْتَةً العنكبوت:53

18-الفاسق:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلى ما فَعَلْتُمْ نادِمِينَ الحجرات:6

19-الفتح:

إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ الأنفال:19

20-الكتاب:

وَ لَمّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ البقرة:89

21-الملك:

أَوْ جاءَ مَعَهُ مَلَكٌ هود:12

فَلَوْ لا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ الزّخرف:53

22-الموت أو سكرة الموت:

حَتّى إِذا جاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ الأنعام:61

وَ جاءَتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ق:19

23-الموج:

وَ جاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ يونس:22

24-نبأ و أنباء:

وَ لَقَدْ جاءَكَ مِنْ نَبَإِ الْمُرْسَلِينَ الأنعام:34

وَ لَقَدْ جاءَهُمْ مِنَ الْأَنْباءِ ما فِيهِ مُزْدَجَرٌ

القمر:4

25 و 26-النّصر و الفتح:

وَ لَئِنْ جاءَ نَصْرٌ مِنْ رَبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنّا كُنّا مَعَكُمْ العنكبوت:10

وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا

يوسف:110

إِذا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَ الْفَتْحُ النّصر:1

27-نعمة اللّه:

وَ مَنْ يُبَدِّلْ نِعْمَةَ اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَتْهُ فَإِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ البقرة:211

28-الوعد:

فَإِذا جاءَ وَعْدُ رَبِّي جَعَلَهُ دَكّاءَ الكهف:98

29-الهدى:

وَ ما مَنَعَ النّاسَ أَنْ يُؤْمِنُوا إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى

الإسراء:94،الكهف:55

خامسا-ما أسند إليه(جاء)على أقسام:

القسم الأوّل:ذوو العقول من الإنسان و الملك و اللّه تعالى،و الإسناد فيها حقيقيّ سوى في آية واحدة:

وَ جاءَ رَبُّكَ وَ الْمَلَكُ صَفًّا صَفًّا الفجر:22،و قد أوّلوه-كما مرّ في النّصوص-ب جاء أمر اللّه أو عذابه أو آياته،أو جاء قضاء اللّه،كما يقول القائل:«جاءتنا الرّوم»أي سيرتهم،و ذلك لأنّ اللّه لا يوصف بالمجيء و العذاب و الانتقال.و قيل:جاء ظهوره بضرورة المعرفة، و ضرورة معرفته بحيث لا يمكن إنكاره.و قال الفخر الرّازيّ:«إنّ هذا من باب حذف المضاف و إقامة المضاف إليه مقامه»ثمّ احتمل في المضاف المحذوف أمورا مثل أمر

ص: 515

اللّه،و قهره،و جلال آياته،و ظهوره معرفة ضروريّة، أو المراد بالرّبّ المربّي و هو أعظم الملائكة المربّي للنّبيّ -و هو أبعدها-و اعترف الطّباطبائيّ بأنّها من المتشابه الّذي يحكمه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، و ما ورد في آيات القيامة من خواصّ اليوم،من ارتفاع الحجب عنهم و ظهور أنّ اللّه هو الحقّ المبين.

القسم الثّاني:غير ذوي العقول من الأمر و الموت، و الأجل،و الحقّ،و الحسنة،و الهدى،و العذاب و نحوها، فالإسناد فيها جميعا مجازيّ،لأنّها لا تأتي بنفسها بل يأتي بها اللّه تبارك و تعالى،كما يقول القائل بالفارسيّة:

«مات زيد»زيد اگر فاعل بدى

كي به مرگ خويشتن،عامل بدى

و إنّما حذف الفاعل و أسند الفعل إلى تلك الأمور، حسب ما رسخ في عقول النّاس و شاع بينهم من التّسامح في التّعبير.و لا نقاش أنّ مثل: جاءَتْها رِيحٌ أو جاءَهُمُ الْمَوْجُ أقرب إلى الحقيقة من المجاز.و أقربها من المجاز مثل: جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ و عَمّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ و جاءَكُمْ ذِكْرٌ مِنْ رَبِّكُمْ و قَدْ جاءَكُمْ بُرْهانٌ و فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ و إِذْ جاءَهُمُ الْهُدى و لَجاءَهُمُ الْعَذابُ و إِذا جاءَتْهُمُ السّاعَةُ و نحوها،لاحظ موادّها.

و بتقسيم آخر أنّها قسمان أيضا:

قسم لوحظ فيه المكان مثل(13) جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ و(23) وَ جاءَهُمُ الْمَوْجُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ و(19) إِنْ تَسْتَفْتِحُوا فَقَدْ جاءَكُمُ الْفَتْحُ، (18) إِنْ جاءَكُمْ فاسِقٌ بِنَبَإٍ و نحوها،و قسم لم يلحظ فيه المكان، و هو أكثرها.

ص: 516

ج ي ب

اشارة

لفظان،3 مرّات،في 3 سور:2 مكّيّة،1 مدنيّة

جيبك 2:2 جيوبهنّ 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :جيّبت القميص تجييبا:جعلت له جيبا.

(6:192)

ابن دريد :جيب القميص:معروف،و أصله الواو.

(1:216)

ابن فارس: الجيم و الياء و الباء أصل،يجوز أن يكون من باب الإبدال.فالجيب:جيب القميص،يقال:

جبت القميص:قوّرت جيبه،و جيّبته:جعلت له جيبا.

و هذا يدلّ أنّ أصله:«واو»و هو بمعنى خرقت.

(1:497)

ابن سيده: الجيب:جيب القميص و الدّرع، و الجمع:جيوب.

و جبت القميص:قوّرت جيبه.و جيّبته:جعلت له جيبا.

فأمّا قولهم:جبت جيب القميص،فليس«جبت» من ذا الباب،لأنّ عين«جبت»إنّما هو من:جاب يجوب،و الجيب عينه ياء لقولهم:جيوب،فهو على هذا من باب سبط و سبطر و دمث و دمثر.و أنّ هذه ألفاظ اقتربت أصولها و اتّفقت معانيها،و كلّ واحد منها لفظه غير لفظ صاحبه.

و فلان ناصع الجيب،يعنى بذلك قلبه و صدره.[ثمّ استشهد بشعر]

و جيب الأرض:مدخلها.[ثمّ استشهد بشعر]

(7:512)

جيب القميص:طوقه و ما قوّر منه،و هو منفذ الرّأس منه،الجمع:جيوب و أجياب.

جاب القميص و نحوه يجيبه جيبا و يجوبه و جيّبه:

عمل له جيبا.(الإفصاح 1:379)

المدينيّ: في الحديث:«أتاه قوم مجتابي النّمار» أي لابسيها.يقال:اجتبت القميص:لبسته،و قيل:

ص: 517

أصله الواو،لأنّه من جاب يجوب،إذا خرق و قطع.

و منه في صفة نهر الجنّة:«حافتاه الياقوت المجيب» أي الأجوف،من جبته:قطعته،فهو مجوب و مجيب،كما يقال:مشوب و مشيب.

و لو كانت الرّواية«مجيّب»فهو مجوب و مجيب،كما يقال:مشوب و مشيب.

و لو كانت الرّواية«المجيّب»فهو من قولهم:جيب مجيّب و مجوّب و مجوب،أي مقوّر.(1:383)

ابن الأثير: في صفة نهر الجنّة:«حافتاه الياقوت المجيّب».الّذي جاء في كتاب البخاريّ«اللّؤلؤ المجوّف»...و الّذي جاء في سنن أبي داود«المجيّب،أو المجوّف»بالشّكّ.و الّذي جاء في معالم السّنن للخطّابيّ «المجيّب أو المجوّب»بالباء فيهما على الشّكّ.قال:معناه الأجوف.

و أصله من:جبت الشّيء،إذا قطعته.و الشّيء مجيب أو مجوب،كما قالوا:مشيب و مشوب.و انقلاب الواو عن الياء كثير في كلامهم.

فأمّا مجيّب-مشدّدا،فهو من قولهم:جيّب يجيّب فهو مجيّب،أي مقوّر،و كذلك بالواو.(1:323)

الفيّوميّ: جيب القميص:ما ينفتح على النّحر، و الجمع:أجياب و جيوب.

و جابه يجيبه:قوّر جيبه.

و جيّبه بالتّشديد:جعل له جيبا.(115)

الفيروزآباديّ: و اجتاب القميص:لبسه،و البئر:

احتفرها.

و جبت القميص أجوبه و أجيبه و جوّبته:عملت له جيبا.

و جيب القميص و نحوه بالفتح:طوقه...الجمع:

جيوب.

و جبت القميص أجيبه كأجوبه.

و هو ناصح الجيب،أي القلب و الصّدر.

و جيب الأرض:مدخلها.(1:51)

الطّريحيّ: الجيب:القميص،يقال:جبت القميص أجوبه و أجيبه،إذا قوّرت جيبه.

و في الحديث:«أنسك النّاس أنصحهم جيبا»أي آمنهم،من قولهم:«رجل ناصع الجيب»أي لا غشّ فيه.

(2:28)

النّصوص التّفسيريّة

جيبك

وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ...

النّمل:12

ابن مسعود: إنّ موسى أتى فرعون حين أتاه في زرمانقة،يعني جبّة صوف.(الطّبريّ 19:139)

ابن عبّاس: كانت عليه جبّة زربقانيّة من صوف،كمّاها إلى مرفقيه،و لم يكن لها أزرار.

(الواحديّ 3:370)

أمر تعالى موسى بأن يدخل يده في جيب جبّته، لأنّها لم يكن لها كمّ.(ابن عطيّة 4:251)

مجاهد :الكفّ فقط في جيبك،كانت مدرعة إلى

ص: 518

بعض يده،و لو كان لها كمّ أمره أن يدخل يده في كمّه.

(الطّبريّ 19:139)

نحوه قتادة.(أبو حيّان 7:57)

السّدّيّ: يعني جيب القميص.(369)

أي تحت إبطك.(أبو حيّان 7:58)

الطّبريّ: ذكر أنّه تعالى ذكره أمره أن يدخل كفّه في جيبه،و إنّما أمره بإدخاله في جيبه،لأنّ الّذي كان عليه يومئذ مدرعة من صوف.

قال بعضهم:لم يكن لها كمّ،و قال بعضهم:كان كمّها إلى بعض يده.(19:138)

الواحديّ: الجيب:حيث جيب من القميص،أي قطع من الجيب.(3:370)

نحوه البغويّ.(3:492)

الميبديّ: إنّما أمر بإدخال اليد في الجيب،لأنّ بردعته لم يكن لها كمّ.

و قيل:(في جيبك)أي في قميصك،لأنّه يجاب،أي يقطع.(7:182)

نحوه البيضاويّ(2:171)،و أبو السّعود(5:71).

الشّربينيّ: أي فتحة ثوبك،و هو ما قطع منه ليحيط بعنقك.

و كان عليه مدرعة صوف لا كمّ لها.(3:45)

البروسويّ: و لم يقل:«في كمّك»لأنّه كان عليه مدرعة من صوف لا كمّ لها و لا أزرار،فكانت يده الكريمة مكشوفة،فأمر بإدخال يده في مدرعته،و هي جبّة صغيرة يتدرّع بها،أي تلبس بدل الدّرع،و هو القميص.

(6:324)

الآلوسيّ: أي جيب قميصك،و هو مدخل الرّأس منه المفتوح إلى الصّدر،لا ما يوضع فيه الدّراهم و نحوها، كما هو معروف الآن،لأنّه مولّد.[ثمّ قال نحو البروسويّ و أضاف:]

و قيل:الجيب:القميص نفسه،لأنّه يجاب،أي يقطع،فهو«فعل»بمعنى«مفعول».[ثمّ ذكر قول السّدّيّ و قال:]

و لعلّ مراده أنّ المعنى أدخلها في جيبك وضعها تحت إبطك.و كانت مدرعته عليه السّلام-على ما روي عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما-لا أزرار لها.[ثمّ ذكر روايات في شكل القميص،فراجع](19:167)

نحوه المراغيّ.(19:124)

المصطفويّ: وضع اليد على الجيب و إدخالها في الجيب إشارة إلى إظهار العجز و العبوديّة،و الانصراف عن رؤية القدرة الّتي مظهرها اليد،و يثمر النّورانيّة و البياض في القلب و اليد،و يناسب أيضا وضع اليد اليمنى على القلب؛ليكون إشارة إلى الانصراف عن الظّاهر، و التّوجّه إلى خلوص القلب.(2:158)

و جاء بهذا المعنى قوله: اُسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ القصص:32.

جيوبهنّ

...وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ...

النّور:31

الطّبريّ: ليسترن بذلك شعورهنّ و أعناقهنّ و قرطهنّ.(18:120)

ص: 519

الماورديّ: قيل:كانت قمصهنّ مفروجة الجيوب كالدّرعة يبدو منها صدورهنّ،فأمرن بإلقاء الخمر لسترها.و كنّي عن الصّدور بالجيوب،لأنّها ملبوسة عليها.(4:92)

الواحديّ: و المعنى و ليلقينّ مقانعهنّ على جيوبهنّ، ليسترن بذلك شعورهنّ و قرطتهنّ و أعناقهنّ.كما قال ابن عبّاس:تغطّي شعرها و صدرها و ترائبها و سوالفها.

(3:316)

نحوه الطّبرسيّ.(4:138)

الزّمخشريّ: كانت جيوبهنّ واسعة تبدو منها نحورهنّ و صدورهنّ و ما حواليها،و كنّ يسدلن الخمر من ورائهنّ فتبقى مكشوفة،فأمرن بأن يسدلنها من قدّامهنّ حتّى يغطّينها.و يجوز أن يراد بالجيوب:الصّدور تسمية بما يليها و يلابسها،و منه قولهم:ناصح الجيب، و قولك:ضربت بخمارها على جيبها،كقولك:ضربت بيدي على الحائط،إذا وضعتها عليه.(3:62)

الفخر الرّازيّ: ...و إنّ جيوبهنّ كانت من قدّام، فكان ينكشف نحورهنّ و قلائدهنّ،فأمرن أن يضربن مقانعهنّ على الجيوب،ليتغطّى بذلك أعناقهنّ و نحورهن،و ما يحيط به من شعر و زينة من الحليّ،في الأذن و النّحر،و موضع العقدة منها.(23:206)

القرطبيّ: في هذه الآية دليل على أنّ الجيب إنّما يكون في الثّوب موضع الصّدر،و كذلك كانت الجيوب في ثياب السّلف رضوان اللّه عليهم،على ما يصنعه النّساء عندنا بالأندلس،و أهل الدّيار المصريّة من الرّجال و الصّبيان و غيرهم.(12:231)

أبو السّعود: إرشاد إلى كيفيّة إخفاء بعض مواضع الزّينة بعد النّهي عن إبدائها.و قد كانت النّساء على عادة الجاهليّة يسدلن خمرهنّ من خلفهنّ،فتبدو نحورهنّ و قلائدهنّ من جيوبهنّ لوسعها،فأمرن بإرسال خمرهنّ إلى جيوبهنّ سترا لما يبدو منها.و قد ضمّن الضّرب معنى الإلقاء فعدّي ب«على».(4:453)

البروسويّ: المعنى:و ليلقينّ مقانعهنّ على جيوبهنّ ليسترن بذلك شعورهنّ و قروطهنّ و أعناقهنّ عن الأجانب.

و فيه دليل على أنّ صدر المرأة و نحرها عورة لا يجوز للأجنبيّ النّظر إليها.(6:142)

الآلوسيّ: إرشاد إلى كيفيّة إخفاء بعض مواقع الزّينة بعد النّهي عن إبدائها،و الخمر:جمع خمار،و يجمع في القلّة على:أخمرة،و كلا الجمعين مقيس،و هو المقنعة الّتي تلقيها المرأة على رأسها،من«الخمر»و هو السّتر.

و الجيوب:جمع جيب،و هو فتح في أعلى القميص يبدو منه بعض الجسد،و أصله-على ما قيل-من الجيب، بمعنى القطع.

و إطلاقه على ما ذكر هو المعروف لغة،و أمّا إطلاقه على ما يكون في الجنب لوضع الدّراهم و نحوها-كما هو الشّائع بيننا اليوم-فليس من كلام العرب كما ذكره ابن تيميّة،لكنّه ليس بخطإ بحسب المعنى.

و المراد من الآية كما روى ابن أبي حاتم عن ابن جبير أمرهنّ بستر نحورهنّ و صدورهنّ بخمرهنّ لئلاّ يرى منها شيء،و كان النّساء يغطّين رءوسهنّ بالخمر و يسدلنها كعادة الجاهليّة من وراء الظّهر،فيبدو

ص: 520

نحورهنّ و بعض صدورهنّ.و صحّ أنّه لمّا نزلت هذه الآية سارع نساء المهاجرين إلى امتثال ما فيها فشققن مروطهنّ فاختمرن بها تصديقا و إيمانا بما أنزل اللّه تعالى من كتابه.و عدّي(يضرب)ب(على)-على ما قال أبو حيّان-لتضمينه معنى الوضع و الإلقاء،و قيل:معنى الشّدّ...

و قرأ غير واحد من السّبعة (جيوبهنّ) بكسر الجيم، و الضّمّ هو الأصل لأنّ«فعلا»يجمع على«فعول»في الصّحيح و المعتلّ كفلوس و بيوت،و الكسر لمناسبة الياء.و زعم الزّجّاج أنّها لغة رديئة.(18:142)

سيّد قطب :و الجيب:فتحة الصّدر في الثّوب، و الخمار:غطاء الرّأس و النّحر و الصّدر.ليداري مفاتنهنّ،فلا يعرضها للعيون الجائعة،و لا حتّى لنظرة الفجاءة،الّتي يتّقي المتّقون أن يطيلوها أو يعاودوها، و لكنّها قد تترك كمينا في أطوائهم بعد وقوعها على تلك المفاتن،لو تركت مكشوفة.إنّ اللّه لا يريد أن يعرض القلوب للتّجربة و الابتلاء في هذا النّوع من البلاء.

و المؤمنات اللّواتي تلقّين هذا النّهي،و قلوبهنّ مشرقة بنور اللّه،لم يتلكّأن في الطّاعة،على الرّغم من رغبتهنّ الفطريّة في الظّهور بالزّينة و الجمال.و قد كانت المرأة في الجاهليّة-كما هي اليوم في الجاهليّة الحديثة-تمرّ بين الرّجال مسفّحة بصدرها لا يواريه شيء،و ربّما أظهرت عنقها و ذوائب شعرها،و أقرطة أذنيها.فلمّا أمر اللّه النّساء أن يضربن بخمرهنّ على جيوبهنّ،و لا يبدين زينتهنّ إلاّ ما ظهر منها،كنّ كما قالت عائشة رضي اللّه عنها:«يرحم اللّه النّساء المهاجرات الأول،لمّا أنزل اللّه:

وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ شققن مروطهنّ فاختمرن بها».

و عن صفيّة بنت شيبة قالت:بينما نحن عند عائشة، قالت:فذكرن نساء قريش و فضلهنّ،فقالت عائشة رضي اللّه عنها:إنّ لنساء قريش لفضلا،و إنّي و اللّه ما رأيت أفضل من نساء الأنصار،أشدّ تصديقا لكتاب اللّه،و لا إيمانا بالتّنزيل،لمّا نزلت في سورة النّور:

وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ انقلب رجالهنّ إليهنّ يتلون عليهنّ ما أنزل اللّه إليهم فيها،و يتلو الرّجل على امرأته و ابنته و أخته،و على كلّ ذي قرابته،فما منهنّ امرأة إلاّ قامت إلى مرطها المرحّل،فاعتجرت به تصديقا و إيمانا بما أنزل اللّه من كتابه.فأصبحن وراء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم معتجرات كأنّ على رءوسهنّ الغربان».

لقد رفع الإسلام ذوق المجتمع الإسلاميّ،و طهّر إحساسه بالجمال،فلم يعد الطّابع الحيوانيّ للجمال هو المستحبّ، بل الطّابع الإنسانيّ المهذّب.و جمال الكشف الجسديّ جمال حيوانيّ يهفو إليه الإنسان بحسّ الحيوان،مهما يكن من التّناسق و الاكتمال.فأمّا جمال الحشمة فهو الجمال النّظيف،الّذي يرفع الذّوق الجماليّ،و يجعله لائقا بالإنسان،و يحيطه بالنّظافة و الطّهارة في الحسّ و الخيال.

و كذلك يصنع الإسلام اليوم في صفوف المؤمنات، على الرّغم من هبوط الذّوق العامّ،و غلبة الطّابع الحيوانيّ عليه،و الجنوح به إلى التّكشّف و العري و التّنزّي كما تتنزّى البهيمة!فإذا هنّ يحجبن مفاتن أجسامهنّ طائعات،في مجتمع يتكشّف و يتبرّج،و تهتف الأنثى فيه للذّكور حيثما كانت هتاف الحيوان للحيوان!

ص: 521

هذا التّحشّم وسيلة من الوسائل الوقائيّة للفرد و الجماعة،و من ثمّ يبيح القرآن تركه عند ما يأمن الفتنة، فيستثني المحارم الّذين لا تتوجّه ميولهم عادة و لا تثور شهواتهم.(4:2513)

عبد الكريم الخطيب :الجيوب:جمع جيب،و هو فتحة الثّوب بين النّحر و العنق.و المعنى أنّه يجب عليهنّ ستر العنق و النّحر بالخمر،و ضربها على العنق،و إرسالها إلى النّحور.(9:1265)

الطّباطبائيّ: الخمر بضمّتين:جمع خمار،و هو ما تغطّي به المرأة رأسها و ينسدل على صدرها، و الجيوب:جمع جيب بالفتح فالسّكون و هو معروف.

و المراد بالجيوب:الصّدور،و المعنى و ليلقين بأطراف مقانعهنّ على صدورهنّ ليسترنها بها.(15:112)

المصطفويّ: ليسترن جيوبهنّ بالخمر،كلّ جملة من آيات الحجاب مربوطة إلى جهة من التّستّر،فهذه الجملة مربوطة إلى ستر الرّأس و الجيد و الجيب بالخمار.

(2:158)

ففي هذه الآية الكريمة إشارات و لطائف:

1-التّعبير بالخمر دون ما يرادفه،لأنّ مفهوم التّستّر مأخوذ فيه.

2-إضافة الخمر إلى الضّمير(هنّ):إشارة إلى أنّ الخمر من لوازم النّساء و ممّا يلازمهنّ،فكأنّ الخمر ثابتة لهنّ و لا تنفكّ عنهنّ،كما في جيوبهنّ.

3-(جيوبهنّ):قلنا في الجيب:إنّه بمعنى ما يتحصّل و يتراءى من انخراق القميص في جهة الصّدر و الجيد، فلا بدّ من ستره بالخمار،فيحكم بلزوم تستّره به،فإنّ القميص لا يستره غالبا،و هذا النّحو من التّستّر معمول بالخمار فقط و بوسيلته.

4-(على جيوبهنّ):التّعبير بكلمة(على)إشارة إلى إحاطة الخمر و استيلائه على الجيوب،بحيث لا يخلو موضع خال لا يتستّر بها.

5-(و ليضربن):التّعبير بالضّرب،إشارة إلى شدّة السّتر و استحكامه بأيّ طريق يمكن،بشدّ أو عقد أو وصل،حتّى لا تزول الخمر عن الجيوب.

6-التّعبير بصيغة الأمر(و ليضربن):إشارة إلى الأمر و تأكّده.

7-ذكر هذه الجملة بعد الأمر بالغضّ و ستر الزّينة و إخفائها:يدلّ على شدّة في هذا الأمر و تأكيد فيه،فإنّ الجيب أو الجيد الخارج عن اللّباس يمكن أن لا يصدق عليه مفهوم الزّينة.

فغضّ البصر عنهنّ يوجب رفع التّمايل و فقدان التّوجّه إلى الأجنبيّ،فإنّ توجّهها يوجب توجّه الأجنبيّ و يبعث تمايله.

و قد سبق في مادّة«خلا»:أنّ الوجه من المرأة من مصاديق الزّينة،فيلزم ستره بحكم وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ فيبقى الجيد الخارج عن القميص و هو الواقع فوق الصّدر،فيلزم ستره بقوله تعالى: (وَ لْيَضْرِبْنَ...).

(3:358)

مكارم الشّيرازيّ: و ثاني حكم ذكرته الآية هو وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ و كلمة«خمر» جمع«خمار»على وزن فعال و هي في الأصل تعني الغطاء،إلاّ أنّه يطلق بصورة اعتياديّة على الشّيء الّذي

ص: 522

تستخدمه النّسوة لتغطية رءوسهنّ.

و الجيوب جمع«جيب»على وزن«غيب»بمعنى ياقة القميص و أحيانا يطلق على الجزء الّذي يحيط بأعلى الصّدر لمجاورته الياقة.

و يستنتج من هذه الآية أنّ النّساء كنّ قبل نزولها، يرمين أطراف الخمار على أكتافهنّ أو خلف الرّأس بشكل يكشفن فيه عن الرّقبة و جانبا من الصّدر، فأمرهنّ القرآن برمي أطراف الخمار حول أعناقهنّ أي فوق ياقة القميص ليسترن بذلك الرّقبة و الجزء المكشوف من الصّدر،و يستنتج هذا المعنى أيضا عن سبب نزول الآية.[و سيأتي بقيّة كلامه في«زين» فلاحظ](11:67)

فضل اللّه :أي يلقين بخمرهنّ-و هي أغطية الرّأس -على جيوبهنّ،و الجيب في ما قيل:فتحة القميص، و المراد بها الصّدر،من باب إطلاق اسم الحالّ على المحلّ.

و على ضوء ذلك،فإنّ واجب النّساء ستر صدورهنّ و نحورهنّ بالغطاء الّذي يستر رءوسهنّ.و قد ذكر أنّ جيوب النّساء في الجاهليّة كانت واسعة تبدو منها نحورهنّ و صدورهنّ و ما حواليها،و كنّ يسدلن الخمر من ورائهنّ فتبقى مكشوفة،فأمرن أن يسدلنها من قدّامهنّ حتّى يغطّينها.(16:304)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: الجيب على وجهين:

فوجه منها:الجيب:الصّدر،قوله: وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ النّور:31،يعني على صدورهنّ.

و الوجه الثّاني:الجيب:الإبط،قوله: وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ النّمل:12 و القصص:32.(225)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجيب،و هو قوارة القميص و الدّرع و نحوهما،و الجمع:جيوب.يقال:

جبت القميص،أي قوّرت جيبه،و التّقوير:جعل خرق مستدير في وسطه،و جيّبته تجييبا:عملت له جيبا.و في صفة نهر الجنّة:«حافتاه الياقوت المجيّب»،أي المقوّر.

و يقال مجازا:جيب الأرض،أي مدخلها،و فلان ناصح الجيب:أمين،و يراد بجيبه قلبه و صدره.

2-و يستشفّ من كلام ابن مسعود و ابن عبّاس اللّذين عاشا في تلك الحقبة أنّ«الجيب»كان يطلق على تقوير القميص-و هو منفذ الرّأس-و على فتحاته و فروجه،و شقّ مقدّم المدرعة و الجبّة و أمثالهما،و هو منفذ الجسم.

و أمّا الجيب المعروف في زماننا،فهو ممّا ولّد خلال العصور اللاّحقة لصدر الإسلام،و لم يعهده العرب سابقا و لم يضعوا له اسما؛إذ تداولوه بعد دخول الأمم الأخرى الإسلام،و أطلقوا عليه هذا اللّفظ تسامحا.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت مرّتين في سورتين مكّيّتين،بشأن اليد

ص: 523

البيضاء معجزة لموسى عليه السّلام،و مرّة واحدة في سورة مدنيّة،في حكم ستر النّساء:

1- وَ أَدْخِلْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ فِي تِسْعِ آياتٍ إِلى فِرْعَوْنَ وَ قَوْمِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ النّمل:12

2- اُسْلُكْ يَدَكَ فِي جَيْبِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ وَ اضْمُمْ إِلَيْكَ جَناحَكَ مِنَ الرَّهْبِ فَذانِكَ بُرْهانانِ مِنْ رَبِّكَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ إِنَّهُمْ كانُوا قَوْماً فاسِقِينَ

القصص:32

3- وَ قُلْ لِلْمُؤْمِناتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصارِهِنَّ وَ يَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ... النّور:31

يلاحظ أوّلا:أنّ الآيتين:(1 و 2)مكّيّتان تحويان قصّة موسى عليه السّلام حين جهّزه اللّه بآية اليد البيضاء، و هناك آية ثالثة مكّيّة أيضا جاء فيها: وَ اضْمُمْ يَدَكَ إِلى جَناحِكَ تَخْرُجْ بَيْضاءَ مِنْ غَيْرِ سُوءٍ آيَةً أُخْرى طه:

22،و قد فصّلنا البحث فيها في«ب ي ض:البيضاء» فلاحظ.

ثانيا:الآية(3)مدنيّة تعرّضت لأحكام النّساء في عفافهنّ و زينتهنّ و سترهنّ،فجاء في سترهنّ عن الرّجال الأجانب: وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ أَوْ آبائِهِنَّ... و فيها بحوث:

1-الجيب-كما مضى-هو مدخل القميص من الرّأس و قوارته،و كانت قمص النّساء في الجاهليّة و قد تجاددت مع الأسف اليوم عند السّافرات-مفروجة واسعة،تبدو منها نحورهنّ و صدورهنّ و قلائدهنّ و شعورهنّ و ترائبهنّ و سوالفهنّ و ثديّهنّ،و ما يحيط بها من الحليّ في الأذن و النّحر،لأنّهنّ كنّ يسدلن الخمر من ورائهنّ،فتبقى هذه مكشوفة زينة لهنّ،فأمرن بأن يسدلنها من قدّامهنّ حتّى يغطّينها.

فهذا إرشاد إلى طريقة سترهنّ بعض مواضع الزّينة، و هو من أحسنها و أقواها جلبا للأنظار،و لهذا قدّمها خاصّة على النّهي عن إبداء زينتهنّ عامّة،فقال:

وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ فإنّ سترها يكفل قسما عظيما من ستر الزّينة المنهيّ عن إبدائها.

2-فيها كلمتان اختلفوا في تفسيرهما:(يضربن) و(جيوبهنّ):

فالمراد بالضّرب عندهم:مجرّد الإرسال و الإسدال.

قال الزّمخشريّ:قولك:«ضربت بخمارها على جيبها» كقولك:«ضربت بيدي على الحائط إذا وضعتها عليه».

و قال أبو السّعود:«و قد ضمّن«الضّرب»معنى الإلقاء، فعدّي ب(على).

و نقول-و اللّه أعلم-:الضّرب هنا ليس مجرّد الإرسال و الوضع،بل الظّاهر منه لفّ الخمر و شدّها بالجيوب حتّى لا تزول عنها بالعدو،أو بالرّيح،و تبقى في موضعها كأنّها مخيطة أو مشدودة بالجيوب،و هذا كتشمير الثّوب بالحيزوم و كضرب الفسطاط على الأرض بإقامة عمده و ضرب أوتاده.قال المصطفويّ:

«التّعبير بالضّرب:إشارة إلى شدّة السّتر و استحكامه بأيّ طريق ممكن:بشدّ أو عقد أو وصل،حتّى لا تزول

ص: 524

الخمر عن الجيوب».

و أمّا(جيوبهنّ)فهي-كما مضى-مدخل الرّأس من القميص،و لكن بعضهم كالزّمخشريّ و غيره جوّز ازرار الصّدور بها تسمية بها يليها و يلابسها،أو إطلاقا لاسم الحالّ على المحلّ،لوجوب ستر الصّدور بالذّات دون الجيوب نفسها.

و لكن إذا أريد بضرب الخمر شدّها بالجيوب-كما استظهرنا-فالشّدّ بنفس الجيوب دون ما وراءها من الصّدور،و حينئذ فلفظة(على)لاستيلاء الخمر و إحاطتها على الجيوب بحيث لا يخلو موضع منها عن السّتر.و ليست شاهدة على أنّ المراد بالضّرب الإلقاء و السّدل كما قالوا.

ص: 525

ص: 526

ج ي د

اشارة

جيدها

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجيد:مقدّم العنق.و قلّما ينعت به الرّجل إلاّ في الشّعر.[ثمّ استشهد بشعر]

و امرأة جيدانة:حسنة الجيد.(6:168)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قد جيد إلى كذا و كذا،إذا اشتهاه.[ثمّ استشهد بشعر](1:129)

اللّحيانيّ: إنّها لليّنة الأجياد،جعلوا كلّ جزء منه جيدا،ثمّ جمع على ذلك.

ما كان أجيد،و لقد جيد جيدا،يذهب إلى النّقلة.

و قد يوصف العنق نفسه بالجيد،فيقال:عنق أجيد، كما يقال:عنق أغلب،و أوقص.(ابن سيده 7:502)

المبرّد: الجيد:العنق.(2:14)

مثله مجمع اللّغة.(1:230)

ابن دريد :الجيد:العنق؛و الجيد:طول العنق.

رجل أجيد و امرأة جيداء:حسنة الجيد إذا كانت طويلة العنق.(2:71)

و أجياد:موضع بمكّة.

جيد الرّجل،فهو مجود.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجيد:مجال القلادة على النّحر،و الجمع:أجياد.

و رجل أجيد و امرأة جيداء،إذا كانت طويلة العنق في اعتدال.(3:222)

الأزهريّ: الجيد:العنق،و امرأة جيداء:طويلة العنق حسنته.

و أجياد:موضع بمكّة معروف.(11:163)

الصّاحب: الجيد:مقدّم العنق،و الجمع:أجياد.و امرأة جيداء:طويلة العنق.و امرأة جيدانة:حسنة الجيد.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:الجيد:مدرعة صغيرة،و جمعها:أجياد.

(7:157)

الجوهريّ: و الجيد:العنق،و الجمع:أجياد.

ص: 527

و الجيد بالتّحريك:طول العنق و حسنه.رجل أجيد،و امرأة جيداء،و الجمع:جود.

و الجاديّ:الزّعفران.[ثمّ استشهد بشعر](2:462)

نحوه الفيّوميّ.(1:116)

ابن فارس: الجيم و الياء و الدّال أصل واحد،و هو العنق،يقال:جيد و أجياد.

و الجيد:طول الجيد،و الجيداء:الطّويلة الجيد.

[ثمّ استشهد بشعر](1:498)

الثّعالبيّ: في أوصاف العنق:الجيد:طولها.(130)

ابن سيده: الجيد:العنق،و قيل:مقلّده،و قيل:

مقدّمه،و قد غلب على عنق المرأة.

قال سيبويه: يجوز أن يحكون«فعلا و فعلا»، كسرت فيه الجيم كراهية الياء بعد الضّمّة.فأمّا الأخفش فهو عنده«فعل»لا غير.

و الجمع:أجياد،و جيود.و قد يكون في الرّجل.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجيد:طول العنق،و قيل:دقّتها مع طول.

جيد جيدا،و هو أجيد،و الأنثى:جيداء،و جيدانة.

و أجياد:أرض بمكّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجياد:اسم شاة.(7:502)

الزّمخشريّ: رجل أجيد،و امرأة جيداء،و بها جيد،و نساء غيد جيد.

و يقال:أقبلت أجياد الخيل.(أساس البلاغة:70)

ابن الأثير: في صفته عليه الصّلاة و السّلام:«كأنّ عنقه جيد دمية في صفاء الفضّة».الجيد:العنق.

(1:324)

الفيروزآباديّ: جيد بالكسر:العنق أو مقلّده أو مقدّمه،جمعه:أجياد و جيود.

و بالتّحريك:طولها أو دقّتها مع طول،و هو أجيد و هي جيداء و جيدانة،الجمع:جود.

و الجيد أيضا:المدرعة الصّغيرة.

و أجياد:شاة،و أرض بمكّة أو جبل بها،لكونه موضع خيل تبّع.(1:296)

محمّد إسماعيل إبراهيم:الجيد:العنق،و موضع القلادة.(1:120)

العدنانيّ: و يخطّئون من يقول:«عبير طويلة الأجياد»،لأنّ للنّاس جيدا(عنقا)واحدا.

و لكن:روى ابن السّكّيت،و السّيوطيّ في«المزهر» عن الأصمعيّ و ابن فارس في«معجم مقاييس اللّغة»أنّ «الجيد»ورد بصيغة الجمع،فقيل:عبير طويلة الأجياد، مع أنّ الإنسان ليس له سوى جيد واحد.

و أنا لغويّا لا أستطيع أن أخطّئ من يقول:هي طويلة الأجياد،بدلا من الجيد،و لكنّني أستطيع أن أوصي الأدباء بإهمال استعمال هذا الجمع في النّثر،بدلا من المفرد،لأنّ في استعمال الجمع خطأ علميّا،يبعدنا عن الحقيقة،دون أن يوجد مسوّغ لغويّ لذلك.

أمّا الشّعراء ففي وسعهم أن يقولوا:هي طويلة الأجياد،عند ما تفرض عليهم ذلك الضّرورة الشّعريّة، إقامة لوزن،أو مراعاة لقافية،و إن كان هذا يجعل البيت الّذي ترد فيه كلمة«الأجياد»بدلا من«الجيد»ركيكا.

(139)

ص: 528

النّصوص التّفسيريّة

جيدها

وَ امْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ* فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ.

اللّهب:4،5

ابن عبّاس: في عنقها في النّار...(521)

مثله الفرّاء(3:299)،و ابن قتيبة(542)، و الزّجّاج(5:376)،و القمّيّ(2:448)،و الماورديّ (6:367)،و الطّوسيّ(10:428)،و الواحديّ(4:

569)،و البغويّ(5:328)،و الميبديّ(10:658)، و أبو الفتوح(20:460)،و ابن الجوزيّ(9:262)، و القرطبيّ(20:241)،و الخازن(7:264)،و أبو حيّان (8:524)،و ابن كثير(7:402)،و الكاشانيّ(5:

388)،و البروسويّ(10:535)،و المراغيّ(30:

263)،و عزّة دروزة(1:122)،و مغنيّة(7:621).

ابن زيد :في رقبتها.(الطّبريّ 30:340)

الطّبريّ: في عنقها،و العرب تسمّي العنق جيدا.

[ثمّ استشهد بشعر](30:340)

الطّبرسيّ: أي في عنقها حبل من ليف،و إنّما وصفها بهذه الصّفة تخسيسا لها و تحقيرا.

و قيل:حبل يكون له خشونة اللّيف و حرارة النّار و ثقل الحديد،يجعل في عنقها زيادة في عذابها.(5:559)

مثله الطّريحيّ.(3:33)

السّمين:يجوز أن يكون فِي جِيدِها خبرا ل(امراته)و(حبل)فاعل به؛و أن يكون حالا من (امراته)على كونها فاعلة،و(حبل)مرفوع به أيضا؛ و أن تكون خبرا مقدّما و(حبل)مبتدأ مؤخّر،و الجملة حاليّة أو خبر ثان.

و الجيد:العنق،و يجمع على أجياد.[ثمّ استشهد بشعر](6:586)

نحوه الشّربينيّ.(4:607)

الآلوسيّ: [ذكر وجوه الإعراب في حَمّالَةَ الْحَطَبِ و عطف هذه الآية عليها،ثمّ قال:]

و على جميع الأوجه و الاحتمالات إنّما لم يقل سبحانه:«في عنقها»و المعروف أن يذكر العنق مع الغلّ و نحوه،ممّا فيه امتهان،كما قال تعالى: فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالاً يس:8،و الجيد مع الحليّ،كقوله:

*و أحسن من جيد المليحة حليّها*

و لو قال:عنقها كان غثّا من الكلام.

قال في«الرّوض الأنف»:لأنّه تهكّم نحو فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ التّوبة:34،أي لا جيد لها فيحلى،و لو كان لكانت حليته هذه.(30:264)

المصطفويّ: أي في عنقها،و التّعبير بالجيد دون العنق و الرّقبة:فإنّ الجيد إطلاقه في القدّام من العنق، و هو ما فوق الصّدر و الجيب،و العنق ما يقابله،و هو جهة الخلف أو أعمّ،و الرّقبة هي العنق باعتبار الشّخصيّة.

(2:158)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجيد،أي العنق،و غلب على عنق المرأة،و الجمع:أجياد و جيود.يقال:إنّها لليّنة الأجياد،جعلوا كلّ جزء منه جيدا،ثمّ جمع على ذلك.

ص: 529

و الجيد:طول العنق و حسنه،و امرأة جيداء:

طويلة العنق حسنته،و امرأة جيدانة:حسنة الجيد، و رجل أجيد:طويل العنق،و قد جيد جيدا.و قد يوصف العنق نفسه بالجيد،يقال:عنق أجيد،كما يقال:

عنق أوقص.

2-قال سيبويه:«يجوز أن يكون«الجيد»فعلا و فعلا؛كسرت فيه الجيم كراهية الياء بعد الضّمّة».

و لكنّ الأخفش عدّه«فعلا»دون«فعل»و هو الأصحّ، لأنّه يناسب الاشتقاق،و يراعي الوفاق.

أمّا الاشتقاق فإنّ«فعلا»يقضي أن يكون الجيد من الجود،و هذا بعيد،انظر«ج و د».و أمّا الوفاق فإنّ «الجيد»جاء بالياء في سائر اللّغات السّاميّة أيضا،ففي العبريّة«جيد»كالعربيّة،و في الآراميّة و السّريانيّة «جيدا».

3-عقّب العدنانيّ على قولهم:إنّها لليّنة الأجياد، فقال:«أوصي الأدباء بإهمال استعمال هذا الجمع في النّثر بدلا من المفرد،لأنّ في استعمال الجمع خطأ علميّا يبعدنا عن الحقيقة دون أن يوجد مسوّغ لغويّ لذلك».

و لا ندري كيف سوّغ السّيّد العدنانيّ إهمال ما أثر عن العرب و استعمال ما لم يؤثر عنهم؟أ ما علم أنّ في كلامهم حقيقة و مجازا؟و من سننهم إقامة الواحد مقام الجمع، كقولهم:قررنا به عينا،أو إقامة الجمع مقام الواحد، كقوله تعالى: وَ إِذْ قَتَلْتُمْ نَفْساً فَادّارَأْتُمْ فِيها البقرة:

72 و كان القاتل واحدا،أو إقامة الاثنين مقام الواحد، كقوله: أَلْقِيا فِي جَهَنَّمَ كُلَّ كَفّارٍ عَنِيدٍ ق:24،و هو خطاب لمالك خازن النّار.

ثمّ ما نصنع بما جاء على غرار القول الآنف الذّكر؟ أ نضرب عنه صفحا بحجّة مخالفته للعلم؟و هو كثير في اللّغة،و منه قولهم:امرأة ذات أكتاف،أو عريضة الأكتاف،و فلانة كبيرة الأوراك.و فلان عظيم المناكب، و فلان شديد المرافق،و قطعنا رءوس الكبشين،و قول المولّدين:كلّي آذان صاغية،و غير ذلك.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها اسم مرّة واحدة،في سورة مكّيّة:

وَ امْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ* فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ اللّهب:4،5

يلاحظ أوّلا:أنّها جاءت بشأن امرأة أبي لهب.و قد تحدّثوا عنهما في تفسير السّورة بما فيها من لطائف لفظيّة،و أخبار غيبيّة،و البحث هنا في(جيد).

ثانيا:قالوا:الجيد:العنق غلب على عنق المرأة.

و نضيف إليه أنّ(العنق)يطلق على المجموع منه قبلا و دبرا،و الجيد خاصّ بالقبل منه،و غلب على موضع القلادة من النّساء.قال الإمام الحسين عليه السّلام في خطبته بمكّة قبل رحيله إلى العراق:«خطّ الموت على ولد آدم مخطّ القلادة على جيد الفتاة».

ثالثا:هذه الآية دعاء عليها أو خبر عنها في النّار، و لكنّهم قالوا:إنّها ماتت و في جيدها حبل من مسد،من أجل أنّها كانت تحمل الحطب،فهي خبر غيبيّ أيضا.

رابعا:وصفها بهذه الصّفة امتهانا لها و تحقيرا،لأنّ حمل الحطب عمل الفقراء و المساكين و من ليس له خادم يحمله،لاحظ«أبا لهب،مسد،حبل».

ص: 530

حرف الحاء

اشارة

و فيه 99 لفظا

ح ب ب\ح ذ ر\ح س ب\ح ط ب

ح ب ر\ح ر ب\ح س د\ح ط ط

ح ب س\ح ر ث\ح س ر\ح ط م

ح ب ط\ح ر ج\ح س س\ح ظ ر

ح ب ك\ح ر د\ح س م\ح ظ ظ

ح ب ل\ح ر ر\ح س ن\ح ف د

ح ت م\ح ر س\ ح ش ر \ح ف ر

ح ث ث\ح ر ص\ح ص ب\ح ف ظ

ح ج ب\ح ر ض\ح ص ح ص\ح ف ف

ح ج ج\ح ر ف\ح ص د\ح ف ي

ح ج ر\ح ر ق\ح ص ر\ح ق ب

ح ج ز\ح ر ك\ح ص ل\ح ق ف

ح د ب\ح ر م\ح ص ن\ح ق ق

ح د ث\ح ر ي\ح ص ي\ح ك م

ح د د\ح ز ب\ح ض ر\ح ل ف

ح د ق\ح ز ن\ح ض ض\ح ل ق

ص: 531

ح ل ق م\ح م ي\ح و ج\ح ي د

ح ل ل\ح ن ث\ح و ذ\ح ي ر

ح ل م\ح ن ج ر\ح و ر\ح ي ص

ح ل ي\ح ن ذ\ح و ز\ح ي ض

ح م أ\ح ن ف\ح و ش\ح ي ف

ح م د\ح ن ك\ح و ط\ح ي ق

ح م ر\ح ن ن\ح و ل\ح ي ن

ح م ل\ح و ب\ح و ي\ح ي ي

ح م م\ح و ت\ح ى ث

ص: 532

ح ب ب

اشارة

27 لفظا،95 مرّة:33 مكّيّة،62 مدنيّة

في 35 سورة:20 مكّيّة،15 مدنيّة

احبّ 3:2-1 يحبّونهم 1:-1

حبّ 4:2-2 يحبّونكم 1:-1

حبّا 3:2-1 تحبّون 7:3-4

حبّه 2:-2 تحبّونها 1:-1

محبّة 1:1 تحبّونهم 1:-1

احبّاؤه 1:-1 تحبّوا 1:-1

احببت 1:1 احبّ 1:1

احببت 1:1 حبّب 1:-1

يحبّ 41:8-33 استحبّوا 3:2-1

يحبّهم 1:-1 يستحبّون 1:1

يحببكم 1:-1 حبّ 1:1

يحبّون 5:-5 الحبّ 2:1-1

يحبّونه 1:-1 حبّا 4:4

حبّة 5:3-2

النّصوص اللّغويّة

اشارة

الخليل :أحببته:نقيض أبغضته،و الحبّ و الحبّة بمنزلة الحبيب و الحبيبة.

و الحبّ:الجرّة الضّخمة،و يجمع على حببة و حباب.

و قالوا:الحبّة،إذا كانت حبوب مختلفة من كلّ شيء،و في الحديث:«كما تنبت الحبّة في حميل السّيل».

و يقال لحبّ الرّياحين:حبّة،و للواحدة:حبّة.

و حبّة القلب:ثمرته.

و يقال:حبّ إلينا فلان يحبّ حبّا.

و حبابك أن يكون ذاك،معناه غاية محبّتك.

و الحبّ:القرط من حبّة واحدة.

و حباب الماء:فقاقيعه الطّافية كالقوارير،و يقال:

بل معظم الماء.

و حبب الأسنان:تنضّدها.

و حبّان و حبّان:اسم من الحبّ.

ص: 533

و قيل في تفسير الحبّ و الكرامة:إنّ الحبّ:الخشبات الأربع الّتي توضع عليها الجرّة ذات العروتين،و الكرامة:

الغطاء الّذي يوضع فوق الجرّة،من خشب كان أو من خزف.

حبّذا:حرفان:حبّ و ذا،فإذا وصلت رفعت بهما، تقول:حبّذا زيد.(3:31)

اللّيث: الحبّ معروف مستعمل في أشياء جمّة،من برّ و شعير حتّى يقولوا:حبّة عنب،و يجمع على:الحبوب و الحبّات و الحبّ.

المحبّة:الحبّ.

[و ذكر كلام الخليل للكرامة و الحبّ و أضاف:]

و سمعت هاتين الكلمتين بخراسان.

الحبّ:نقيض البغض،و تقول:أحببت الشّيء فأنا محبّ و هو محبّ.(الأزهريّ 4:7-9)

سيبويه :حببته و أحببته بمعنى.

(ابن سيده 2:542)

الكسائيّ: الحبّة:حبّ الرّياحين،و واحدة الحبّ:

حبّة.و أمّا الحنطة و نحوها فهو الحبّ لا غير.

(أبو عبيد 1:51)

الحبّ ليس إلاّ الحنطة و الشّعير،واحدتها:حبّة بالفتح،و إنّما افترقا في الجمع.(ابن سيده 2:545)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قال الأكوعيّ:الحبّ:

القرط،و أمّا أنا فأقول:الصّديق.(1:162)

بعير محبّ،و هو الّذي يبرك فلا يبرح مكانه أيّاما، لمرض يعتريه،و ناقة محبّ.(1:164)

الحبب:النّفّاخات على الماء.(1:165)

البهيمة إذا ثقل من المرض،قد أحبّ إحبابا شديدا، أي لزم مكانه.(1:170)

و تقول للمرأة:حبّ.[ثمّ استشهد بشعر](1:196)

و المحبّب:الملآن،يقال للإبل إذا رويت:قد حبّبت.[ثمّ استشهد بشعر](1:209)

الحبّة:نبت ينبت في الحشيش صغار.

(أبو عبيد 1:51)

الحبّة:وسط القلب.

الحباب:الطّلّ على الشّجر يصبح عليه.

(الأزهريّ 4:8 و 12)

الفرّاء: الحبّة:بزور البقل.(أبو عبيد 1:51)

و حببته لغة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:حبّ الشّيء فهو محبوب،ثمّ لا تقول:حببته.

كما قالوا:جنّ فهو مجنون،ثمّ يقولون:أجنّه اللّه.

(الأزهريّ 4:8)

يقال للخيل إذا أوردت النّار بحوافرها:هي نار الحباحب.(الأزهريّ 4:11)

معناه[حبّ بفلان]:حبب بضمّ الباء،ثمّ أسكنت و أدغمت في الثّانية.(الجوهريّ 1:105)

الحبّة:بزور الصّحراء.(الفائق 2:327)

أبو زيد :أحبّه اللّه فهو محبوب،و مثله محزون و مجنون و مزكوم و مكزوز و مقرور،و ذلك أنّهم يقولون:

قد«فعل»بغير ألف في هذا كلّه،ثمّ بني مفعول على «فعل»و إلاّ فلا وجه له،فإذا قالوا:أفعله اللّه،فهو كلّه بالألف.(الأزهريّ 4:8)

بعير محبّ و قد أحبّ إحبابا،و هو أن يصيبه مرض

ص: 534

أو كسر فلا يبرح مكانه،حتّى يبرأ أو يموت.

و الإحباب:هو البروك.(الأزهريّ 4:11)

الأصمعيّ: كلّ نبت له حبّ فاسم الحبّ منه:

الحبّة.(الأزهريّ 4:7)

حبّ بفلان،معناه ما أحبّه إليّ!

الحباب:الحيّة،و إنّما قيل:الحباب اسم شيطان، لأنّ الحيّة يقال لها:شيطان.

حبابك أن تفعل ذاك،معناه غاية محبّتك،و مثله:

حماداك،أي جهدك و غايتك.(الأزهريّ 4:9)

حباب الماء:الطّرائق الّتي في الماء،كأنّها الوشي.

(الأزهريّ 4:10)

تحبّب،إذا امتلأ[البعير]حبّبته فتحبّب،إذا ملأته للسّقاء و غيره.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:12)

اللّحيانيّ: عن بني سليم:ما أحبت ذاك،أي ما أحببت،كما قالوا:ظنت ذاك،أي ظننت.

(ابن سيده 2:542)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في قوم يخرجون من النّار:«فينبتون كما تنبت الحبّة في حميل السّيل».

و أمّا الحبّة فكلّ نبت له حبّ فاسم الحبّ منه:الحبّة.

[إلى أن قال:]

و الّذي دار عليه المعنى من الحبّة:أنّه كلّ شيء يصير من الحبّ في الأرض،فينبت ممّا يبذر.

(1:51)

ابن الأعرابيّ: الحبّة:حبّ البقل الّذي ينتثر، و الحبّة:حبّة الطّعام:حبّة من برّ و شعير و عدس و رزّ، و كلّ ما يأكله النّاس.

حبّ إذا أتعب،و حبّ إذا وقف،و حبّ إذا تودّد.

حباب الماء:موجه الّذي يتبع بعضه بعضا.

أوّل الرّيّ: التّحبّب.(الأزهريّ 4:7-12)

أنا حبيبكم،أي محبّكم.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن سيده 2:543)

ابن السّكّيت: يقال:أحببت الرّجل فأنا أحبّه إحبابا و محبّة،و أنا محبّ و هو محبّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و لغة أخرى:حببته فأنا أحبّه حبّا.و حكى أبو عمرو:

حبّا بكسر الحاء،و حكي عن بعضهم:ما هذا الحبّ الطّارق.و هو محبوب و حبيب.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أنت من حبّة نفسي و حبّة نفسي،و من حمّة نفسي،أي ممّن تحبّه نفسي.(464)

و حباب الماء،و حببه:طرائقه.(562)

و يقال للحبيب:حباب،مخفّف.(الأزهريّ 4:9)

و هذا جابر بن حبّة:اسم للخبز،و هو معرفة.

(الجوهريّ 1:105)

السّجستانيّ: أصله[الحبّ]:حنب فعرّب، و الجمع:أحباب و حببة و حباب.(ابن سيده 2:546)

الجاحظ: الحباب:الحيّة الذّكر،و كذلك الأيّم (1).

(الحيوان 1:153)

أبو الهيثم: الإحباب:أن يشرف البعير على الموت من شدّة المرض،فيبرك و لا يقدر أن ينبعث.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:11)

أبو زياد: إذا تكسّر اليبيس و تراكم فذاك الحبّة.

[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 2:545)ف.

ص: 535


1- الحيّة الأبيض اللّطيف.

الدّينوريّ: الحبّة بالكسر:جميع بزور النّبات، واحدتها:حبّة بالفتح.

و الحبب:هو من الخمر.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن سيده 2:545)

ثعلب :يقال أيضا للبعير الحسير:محبّ.[ثمّ استشهد بشعر](الجوهريّ 1:106)

كراع النّمل:المحبّة و المحبوبة،جميعا:من أسماء مدينة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لحبّ النّبيّ و أصحابه إيّاها.

(ابن سيده 2:544)

الزّجّاج: و حببت الشّيء و أحببته،في معنى واحد، و هو محبوب و محبّب.(فعلت و أفعلت:10)

ابن دريد :الحبّ:و هو الحبيب.و كان زيد بن حارثة الكلبيّ يسمّى حبّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله.

و الحباب:الحبّ بعينه.

و الحبّ:القرط.

و الحبّ:ضدّ البغض.

و أمّا الحبّ الّذي يكون فيه الماء فهو فارسيّ معرّب، و هو مولّد.[إلى أن قال:]

فأمّا قولهم:أحبّ البعير،و المصدر:الإحباب،و هو أن يبرك فلا يثور،و لا يقال ذلك للنّاقة.[إلى أن قال:]

و الحبّ:واحده:حبّة،و هي الواحدة من حبّ البرّ و الشّعير و ما أشبهه.

و الحبّة:ما كان من بذر العشب،و الجمع:حبب.

و في الحديث:«كالحبّة في حميل السّيل».

و قد سمّت العرب:حبيبا و محبوبا و حبيبا و حبّانا،إن كان مشتقّا من«الحبّ»فالنّون فيه زائدة،و إن كان من «الحبن»فهي أصليّة،و هو عظم البطن.(1:24)

الحبّة:واحد الحبّ،و الحبّة:جمع ما يحمله البقل من ثمره.(1:232)

الحبب:جمع الحبّة،و هو ما سقط من بذر البقل.

و الحبب:حبب الماء و هو تكسّره،و هو الحباب.

و الحباب:الحبّ بعينه.

و الحباب:ضرب من الحيّات.

و الحبيب:المحبوب.

و الحبابة:النّفّاخة على الماء،من قطر المطر و غيره، مثل الحجاة.[ثمّ استشهد بشعر 3 مرّات](3:184)

القاليّ: و المحبّ:السّاقط اللاّصق بالأرض، يقال:أحبّ البعير،إذا سقط فلم يبرح.(2:21)

الأزهريّ: و يقال لحبّ الرّياحين:حبّة،و للواحدة منها:حبّة.

و سمعت العرب تقول:رعينا الحبّة؛و ذلك في آخر الصّيف إذا هاجت الأرض و يبس البقل و العشب، و تناثرت بذورها و ورقها،و إذا رعتها النّعم سمنت عليها.

و رأيتهم يسمّون الحبّة بعد انتثارها:القميم و القفّ، و تمام سمن النّعم بعد التّبقّل و رعي العشب يكون بسفّ الحبّة و القميم.

و لا يقع اسم«الحبّة»إلاّ على بزور العشب و البقول البرّيّة،و ما تناثر من ورقها فاختلط بها،من القلقلان و البسباس و الذّرق و النّفل و الملاّح و أصناف أحرار البقول كلّها و ذكورها.

و حبّة القلب هي العلقة السّوداء الّتي تكون داخل القلب،و هي حماطة القلب أيضا.

ص: 536

يقال:أصابت فلانة حبّة قلب فلان،إذا شغف قلبه حبّها.

و قد جاء المحبّ شاذّا في الشّعر.[ثمّ ذكر شعر عنترة](4:8)

و حباب الماء:فقاقيعه الّتي تطفو كأنّها القوارير، و يقال:بل حباب الماء:معظمه.[ثمّ استشهد بشعر]

و حبب الفم:ما يتحبّب من بياض الرّيق على الأسنان.(4:10)

الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]

الحبّ:معروف،و يجمع على:الحبوب و الأحبّة و الحبّات.و ما أكثر حبّاتهم!

و الحبّة و الحبّة:بزور البقل.

و الحبّة:نبت.

و الحبّ:ضدّ البغض.

و حببته:في معنى أحببته،و هو محبوب.

و حبّ بفلان،بمعنى ما أحبّه!

و حبّ شيئا مّا:منع.

و هو يحبّه،بكسر الحاء و فتح الياء.و تميم تقول:أنا أحبّك.

و رجلان محتبّان،أي متحابّان.

و الحباب:الحبيب،كالعجاب و العجيب.

و حببته:أحببته.

و إنّه من حبّة نفسي.

و أمسى محبّا،أي محبوبا.

و في المثل:«فرّق بين معد تحابّ».

و حباب الماء:فقاقيعه،و يقال:معظمه،و طرائقه، و الطّلّ أيضا.

و حبب الدّموع و الرّيق:ما يجري بعضه في إثر بعض.

و الحبب:الطّرائق في الرّمل.

و حبب الأسنان:تنضّدها.

و حبّذا هو:«حبّ»ضمّ إليه«ذا».

و الإحباب:برؤك من كلّ مرض.

و بعير محبّ:أصابه كسر أو مرض فلا يبرح مبركه.

و الحباب:الحيّة.

و التّحبّب:الامتلاء،شربت الإبل حتّى تحبّبت.

و ضرب من الشّعير يقال له:«ذو الحبّتين».

و يقال للخبز:جابر بن حبّة.

و الحبّة:الحاجة.(2:321)

ابن جنّيّ: حبّة:امرأة علقها رجل من الجنّ،يقال له:منظور،فكانت حبّة تتطبّب بما يعلّمها منظور.

(ابن سيده 2:545)

الجوهريّ: الحبّة:واحدة حبّ الحنطة و نحوها من الحبوب.

و حبّة القلب:سويداؤه،و يقال:ثمرته،و هو ذاك.

و الحبّة السّوداء و الحبّة الخضراء.

و الحبّة من الشّيء:القطعة منه.

و يقال للبرد:حبّ الغمام،و حبّ المزن،و حبّ قرّ.

و الحبّة بالكسر:بزور الصّحراء ممّا ليس بقوت،و في الحديث:«فينبتون كما تنبت الحبّة في حميل السّيل»، و الجمع:حبب.

و الحبّة بالضّمّ:الحبّ،يقال:نعم و حبّة و كرامة.

و الحبّ:الخابية؛فارسيّ معرّب،و الجمع:حباب

ص: 537

و حببة.

و الحبّ:المحبّة،و كذلك الحبّ بالكسر.

و الحبّ أيضا:الحبيب،مثل خدن و خدين.

يقال:أحبّه فهو محبّ،و حبّه يحبّه بالكسر فهو محبوب.

و تقول:ما كنت حبيبا،و لقد حببت بالكسر،أي صرت حبيبا.

و منه قولهم:حبّذا زيد،فحبّ:فعل ماض لا يتصرّف،و أصله:حبب،على ما قال الفرّاء،و«ذا» فاعله،و هو اسم مبهم من أسماء الإشارة جعلا شيئا واحدا،فصار بمنزلة اسم يرفع ما بعده،و موضعه رفع بالابتداء و«زيد»خبره.فلا يجوز أن يكون بدلا من «ذا»،لأنّك تقول:حبّذا امرأة،و لو كان بدلا لقلت:

حبّذه المرأة.

و تحبّب إليه:تودّد.و تحبّب الحمار،إذا امتلأ من الماء.

و شربت الإبل حتّى حبّبت،أي تملّأت ريّا.

و امرأة محبّة لزوجها و محبّ لزوجها أيضا،عن الفرّاء.

و الاستحباب كالاستحسان.

و تحابّوا،أي أحبّ كلّ واحد منهم صاحبه.

و الحباب بالكسر:المحابّة و الموادّة.

و الحباب بالضّمّ:الحبّ.

و الحباب أيضا:الحيّة.و إنّما قيل:الحباب اسم شيطان،لأنّ الحيّة يقال لها:شيطان،و منه سمّي الرّجل.

و حباب الماء بالفتح:معظمه.

و يقال أيضا حباب الماء:نفّاخاته الّتي تعلوه،و هي اليعاليل.و تقول أيضا:حبابك أن تفعل كذا أي غايتك.

و الإحباب:البروك.و الإحباب في الإبل كالحران في الخيل.

و أحبّ الزّرع و ألبّ،إذا دخل فيه الأكل و تنشّأ فيه الحبّ و اللّبّ.

و الحبب،بالتّحريك:تنضّد الأسنان.[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](1:105)

ابن فارس: الحاء و الباء أصول ثلاثة:أحدها:

اللّزوم و الثّبات،و الآخر:الحبّة من الشّيء ذي الحبّ، و الثّالث:وصف القصر.

فالأوّل:الحبّ،معروف من الحنطة و الشّعير.فأمّا الحبّ بالكسر:فبزور الرّياحين،الواحد:حبّة،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في قوم:«يخرجون من النّار فينبتون كما تنبت الحبّة في حميل السّيل».

قال بعض أهل العلم:كلّ شيء له حبّ فاسم الحبّ منه الحبّة.فأمّا الحنطة و الشّعير فحبّ لا غير.

و من هذا الباب:حبّة القلب سويداؤه،و يقال:

ثمرته.و منه«الحبب»و هو تنضّد الأسنان.

و أمّا اللّزوم:فالحبّ و المحبّة،اشتقاقه من أحبّه،إذا لزمه.

و المحبّ:البعير الّذي يحسر فيلزم مكانه.

و يقال:المحبّ بالفتح أيضا.و يقال:أحبّ البعير، إذا قام.قالوا:الإحباب في الإبل مثل الحران في الدّوابّ.

و أمّا نعت القصر فالحبحاب:الرّجل القصير.

و أظنّ أنّ«حباب الماء»من هذا،و يجوز أن يكون من الباب الأوّل كأنّها حبّات.و قد قالوا:حباب الماء:

معظمه.

ص: 538

و ممّا شذّ عن الباب«الحباب»و هو الحيّة.قالوا:و إنّما قيل:الحباب اسم شيطان،لأنّ الحيّة شيطان.[استشهد بالشعر 6 مرّات](2:28)

أبو هلال :الفرق بين الإرادة و المحبّة:أنّ المحبّة تجري على الشّيء،و يكون المراد به غيره،و ليس كذلك الإرادة.تقول:أحببت زيدا،و المراد أنّك تحبّ إكرامه و نفعه،و لا يقال:أردت زيدا بهذا المعنى.و تقول:أحبّ اللّه،أي أحبّ طاعته،و لا يقال:أريده بهذا المعنى، فجعل المحبّة لطاعة اللّه محبّة له،كما جعل الخوف من عقابه خوفا منه.

و تقول:اللّه يحبّ المؤمنين،بمعنى أنّه يريد إكرامهم و إثابتهم،و لا يقال:إنّه يريدهم بهذا المعنى،و لهذا قالوا:

إنّ المحبّة تكون ثوابا و ولاية،و لا تكون الإرادة كذلك.

و لقولهم:أحبّ زيدا،مزيّة على قولهم:أريد له الخير،و ذلك أنّه إذا قال:«أريد له الخير لم يبيّن أنّه لا يريد له شيئا من السّوء،و إذا قال:أحبّه،أبان أنّه لا يريد له سوء أصلا.

و كذلك إذا قال:أكره له الخير،لم يبيّن أنّه لا يريد له الخير البتّة،و إذا قال:أبغضه،أبان أنّه لا يريد له خيرا البتّة.

و المحبّة أيضا تجرى مجرى الشّهوة،فيقال:فلان يحبّ اللّحم،أي يشتهيه،و تقول:أكلت طعاما لا أحبّه، أي لا أشتهيه.و مع هذا فإنّ المحبّة هي الإرادة،و الشّاهد أنّه لا يجوز أن يحبّ الإنسان الشّيء مع كراهته له.

الفرق بين المحبّة و الشّهوة:أنّ الشّهوة:توقان النّفس و ميل الطّباع المشتهى،و ليست من قبيل الإرادة، و المحبّة:من قبيل الإرادة،و نقيضها:البغضة،و نقيض الحبّ:البغض.و الشّهوة تتعلّق بالملاذّ فقط،و المحبّة تتعلّق بالملاذّ و غيرها.

و الفرق بينها و بين الصّداقة:أنّ الصّداقة قوّة المودّة، مأخوذة من الشّيء الصّدق و هو الصّلب القويّ.و قال أبو عليّ رحمه اللّه:الصّداقة اتّفاق القلوب على المودّة، و لهذا لا يقال:إنّ اللّه صديق المؤمن،كما يقال:إنّه حبيبه و خليله.(98)

الفرق بين الحبّ و الودّ:أنّ الحبّ يكون فيما يوجبه ميل الطّباع و الحكمة جميعا،و الودّ من جهة ميل الطّباع فقط،أ لا ترى أنّك تقول:أحبّ فلانا و أودّه،و تقول:

أحبّ الصّلاة،و لا تقول:أودّ الصّلاة،و تقول:أودّ أنّ ذاك كان لي،إذا تمنّيت و داده،و أودّ الرّجل ودّا و مودّة.

و الودّ و الوديد مثل الحبّ و هو الحبيب.

الفرق بين المحبّة و العشق:أنّ العشق:شدّة الشّهوة لنيل المراد من المعشوق إذا كان إنسانا،و العزم على مواقعته عند التّمكّن منه،و لو كان العشق مفارقا للشّهوة لجاز أن يكون العاشق خاليا من أن يشتهي النّيل ممّن يعشقه،إلاّ أنّه شهوة مخصوصة لا تفارق موضعها، و هي شهوة الرّجل للنّيل ممّن يعشقه،و لا تسمّى شهوته لشرب الخمر و أكل الطّيّب عشقا.

و العشق أيضا هو الشّهوة الّتي إذا أفرطت و امتنع نيل ما يتعلّق بها قتلت صاحبها،و لا يقتل من الشّهوات غيرها،أ لا ترى أنّ أحدا لم يمت من شهوة الخمر و الطّعام و الطّيّب،و لا من محبّة داره أو ماله،و مات خلق كثير من شهوة الخلوة مع المعشوق،و النّيل منه.(99)

ص: 539

الثّعالبيّ: فصل في ترتيب الشّرب:و أوّل الرّيّ النّضح،ثمّ النّقع،ثمّ التّحبّب.(184)

فصل في ترتيب أحوال الزّرع:الزّرع ما دام في البذر،فهو الحبّ.(301)

ابن سيده: الحبّ:الوداد،و كذلك الحبّ،حكي عن خالد بن نضلة:ما هذا الحبّ الطّارق.

و الحباب كالحبّ،أحبّه فهو محبوب؛على غير قياس،هذا الأكثر،و قد قيل:محبّ،على القياس.

و استحبّه كأحبّه.

و إنّه لمن حبّة نفسي،أي ممّن أحبّ.

و حبّتك:ما أحببت أن تعطاه أو يكون لك.

و اختر حبّتك من النّاس و غيرهم،أي الّذي تحبّه.

و المحبّة أيضا:اسم للحبّ.و الحباب:الحبّ.

و الحبّ:المحبوب،و كان زيد بن حارثة يدعى حبّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و الأنثى بالهاء.

و جمع الحبّ:أحباب و حبّان و حبوب و حببة و حبّ،هذه الأخيرة إمّا أن تكون من الجمع العزيز،و إمّا أن تكون اسما للجمع.

و الحبيب و الحباب:الحبّ،و الأنثى بالهاء.و قالوا:

حبّ بفلان،أي ما أحبّه إليّ!

و حببت إليه:صرت حبيبا،و لا نظير له إلاّ «شررت»من الشّرّ.

و حبّذا الأمر أي هو حبيب،قال سيبويه:جعلوا حبّ مع ذا بمنزلة الشّيء الواحد،و هو عنده اسم و ما بعده مرفوع به و لزم ذا حبّ و جرى كالمثل،و الدّليل على ذلك أنّهم يقولون في المؤنّث:حبّذا و لا يقولون:

حبّذه.

و حبّب إليه الأمر:جعله يحبّه.

و هم يتحابّون،أي يحبّ بعضهم بعضا.و حبّ إليّ هذا الشّيء يحبّ حبّا.

و حبابك أن يكون ذلك،أي غاية محبّتك.و قال اللّحيانيّ:معناه مبلغ جهدك،و لم يذكر الحبّ.

و التّحبّب:إظهار الحبّ.

و حبّان و حبّان:اسمان موضوعان من الحبّ.

و محبب:اسم علم،جاء على الأصل لمكان العلميّة، كما جاء مكوزة و مزيد.و إنّما حملهم على أن يزنوا محببا ب«مفعل»دون«فعلل»لأنّهم وجدوا«ح ب ب»و لم يجدوا«م ح ب»و لو لا هذا لكان حملهم محببا على «فعلل»أولى،لأنّ ظهور التّضعيف في«فعلل»هو القياس و العرف،كقردد و مهدد.

و أحبّ البعير:برك،و قيل:الإحباب في الإبل كالحران في الخيل،و هو أن يبرك فلا يثور.

و أحبّ البعير أيضا:إذا أصابه كسر أو مرض فلم يبرح مكانه،حتّى يبرأ أو يموت.

و الإحباب:البرء من كلّ مرض.

و استحبّت كرش المال،إذا أمسكت الماء و طال ظمؤها،و إنّما يكون ذلك إذا التفت الطّرف و الجبهة، و طلع معهما سهيل.

و الحبّ:الزّرع صغيرا كان أو كبيرا،واحدته:

حبّة.

و الحبّة:من الشّعير و البرّ و نحوهما،و الجمع:

حبّات و حبّ و حبوب و حبّان،الأخيرة نادرة،لأنّ

ص: 540

«فعلة»لا تجمع على«فعلان»إلاّ بعد طرح الزّائد.

و حبّة:اسم امرأة مشتقّ منه.

و الحبّة:بزور البقول و الرّياحين،واحدها:حبّ.

و قيل:إذا كانت الحبوب مختلفة من كلّ شيء فهي حبّة.

و قيل:الحبّة:نبت ينبت في الحشيش صغار،و في الحديث:«كما تنبت الحبّة في حميل السّيل»الحميل:

موضع يحمل فيه السّيل.

و قيل:ما كان له حبّ من النّبات فاسم ذلك الحبّ الحبّة.

و الحبّة:بزر كلّ نبات ينبت وحده من غير أن يبذر؛و كلّ ما بذر فبزره حبّة بالفتح.

و حبّة القلب:ثمرته،و هي هنة سوداء فيه،و قيل:

هي زنمة في جوفه.

و حبب الأسنان:تنضّدها.

و الحبب:ما جرى على الأسنان،من الماء كقطع القوارير،و كذلك هو من الخمر،حكاه أبو حنيفة.

و حبب الماء و حببه و حبابه:طرائقه،و قيل:

حبابه:فقاقيعه الّتي تطفو كأنّها القوارير،و قيل:معظمه.

و حباب الرّمل و حببه:طرائقه،و كذلك هما في النّبيذ.

و الحبّ:الجرّة الضّخمة.

و الحباب:الحيّة،و قيل:هي حيّة ليست من العوارم.

و الحبّ:القرط من حبّة واحدة،و الحباب كالحبّ.

و التّحبّب:أوّل الرّيّ.

و تحبّب الحمار و غيره:امتلأ من الماء،و أرى حبّب مقولة في هذا المعنى و لا أحقّها.

و حبيب:قبيلة.[استشهد بالشعر 11 مرّة]

(2:542)

أحببت الرّجل إحبابا و محبّة:مال قلبي إليه،فأنا محبّ و هو محبّ،و محبوب على غير قياس.

و حببته أحبّه حبّا و محبّة فهو محبوب و حبيب؛ و حببته أحبّه لغة.

و الحبّ:المحبوب؛و هي حبّة.

و التّحبّب:إظهار الحبّ.

و هما يتحابّان:يحب كلّ منهما صاحبه.

و حببت إليه:صرت له حبيبا.

و حبّب إليه الأمر:جعله يحبّه.

و حبّ بفلان:أي ما أحبّه إليّ!(الإفصاح 1:129)

الحبّ و الحباب:القرط من حبّة.

(الإفصاح 1:345)

الحبّ:الجرّة الضّخمة،و هي أكبر من الدّنّ، و الخابية.الجمع:حباب و أحباب و حببة.

(الإفصاح 1:474)

و الحبة:عجمة (1)العنب.(الإفصاح 2:116)

الطّوسيّ: المحبّة هي الإرادة إلاّ أنّ فيها حذفا، و ليس ذلك في الإرادة.فإذا قلت:أحبّ زيدا،معناه أريد منافعه أو مدحه.و إذا أحبّ اللّه تعالى عبدا،فمعناه أنّه يريد ثوابه و تعظيمه.و إذا قال:أحبّ اللّه،معناه أريد طاعته و اتّباع أوامره.و لا يقال:أريد زيدا،و لا أريد اللّه،ك.

ص: 541


1- العجمة:واحدة العجم،و العجم و العجام:نوى كلّ شيء من التّمر و العنب و النّبق و غير ذلك.

و لا إنّ اللّه يريد المؤمن.فاعتيد الحذف في«المحبّة»،و لم يعتد في«الإرادة».

و في النّاس من قال:المحبّة ليست من جنس الإرادة، بل هي من جنس ميل الطّبع،كما تقولون:أحبّ ولدي، أي يميل طبعي إليه،و ذلك مجاز؛بدلالة أنّهم يقولون:

أحببت أن أفعل،بمعنى أردت أن أفعل.

و ضدّ الحبّ:البغض،و تقول:أحبّه حبّا،و تحبّب تحبّبا،و حبّبه تحبيبا،و تحابّا تحابّا.و المحبّة:الحبّ.

و الحبّ:واحده حبّة،من برّ أو شعير،أو عنب، أو ما أشبه ذلك.و الحبّة:بزور البقل.

و حبّة القلب:ثمرته.

و الحبّ:الجرّة الضّخمة.

و الحبّ:القرط من حبّة واحدة.

و حباب الماء:فقاقيعه.

و الحباب:الحيّة.

و أحبّ البعير إحبابا،إذا برك،فلا يثور،كالحران في الخيل.قال أبو عبيدة:و منه: أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي ص:32،أي لصقت بالأرض لحبّ الخير،حتّى تأتيني الصّلاة.

و أصل الباب:الحبّ ضدّ البغض.(2:62)

نحوه الطّبرسيّ.(1:248)

الحبّ:ضدّ البغض،و الحبّ بفتح الحاء سمّي به،لأنّه ممّا يحبّ.

و الحبّ بكسر الحاء:المفرط لما فيه من الحبّ.

و الإحباب:أن يبرك البعير فلا يثور،لأنّه يحبّ البروك.

و المحبّة على ضربين:أحدهما:المحبّة الّتي هي ميل الطّباع،و الثّاني:إرادة المنافع.

و الفرق بين المحبّة و الشّهوة:أنّ الإنسان يحبّ الولد، و لا يشتهيه،بأن يميل طبعه إليه و يرقّ عليه،و يريد له الخير.و الشّهوة:منازعة النّفس إلى ما فيه اللّذّة.

(6:101)

نحوه الطّبرسيّ.(3:211)

الرّاغب: الحبّ و الحبّة:يقال في الحنطة و الشّعير و نحوهما من المطعومات،و الحبّ و الحبّة:في بزور الرّياحين،قال اللّه تعالى: كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ البقرة:261.[ثمّ ذكر آيات و قال:]

و الحبّ:من فرط حبّه.

و الحبب:تنضّد الأسنان تشبيها بالحبّ.

و الحباب من الماء:النّفّاخات تشبيها به.

و حبّة القلب:تشبيها بالحبّة في الهيئة.

و حببت فلانا:يقال في الأصل بمعنى أصبت حبّة قلبه،نحو شغفته و كبدته و فأدته.

و أحببت فلانا:جعلت قلبي معرّضا لحبّه،لكن في التّعارف وضع محبوب موضع محبّ.و استعمل حببت أيضا في موضع أحببت.

و المحبّة:إرادة ما تراه أو تظنّه خيرا،و هي على ثلاثة أوجه:محبّة للّذّة،كمحبّة الرّجل المرأة،و منه:

وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً الدّهر:8.

و محبّة للنّفع،كمحبّة شيء ينتفع به،و منه:

وَ أُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللّهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ الصّفّ:

13

ص: 542

و محبّة للفضل،كمحبّة أهل العلم بعضهم لبعض لأجل العلم.

و ربّما فسّرت المحبّة بالإرادة،في نحو: فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا التّوبة:108،و ليس كذلك،فإنّ المحبّة أبلغ من الإرادة-كما تقدّم آنفا-فكلّ محبّة إرادة، و ليس كلّ إرادة محبّة.

و قوله: إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ التّوبة:

23،أي إن آثروه عليه،و حقيقة الاستحباب:أن يتحرّى الإنسان في الشّيء أن يحبّه،و اقتضى تعديته ب(على)معنى الإيثار،و على هذا: وَ أَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا فصّلت:17.[ثمّ أدام الكلام في تفسير بعض الآيات إلى أن قال:]

و أحبّ البعير،إذا حرن و لزم مكانه،كأنّه أحبّ المكان الّذي وقف فيه.

و حبابك أن تفعل كذا،أي غاية محبّتك ذلك.(105)

الزّمخشريّ: أحببته،و هو حبيب إليّ،و أحبب إليّ بفلان.

و حبّب اللّه إليه الإيمان،و حبّبه إليّ إحسانه.

و هو يتحبّب إلى النّاس،و هو محبّب إليهم:متحبّب.

و فلان يحابّ فلانا و يصادقه،و هما يتحابّان،و فرّق بين معدّ تحابّ.

و أوتي فلان محابّ القلوب.

و استحبّوا الكفر على الإيمان:آثروه.

و حبّ إليّ بسكنى مكّة،و حبّذا جوار اللّه،حبّ بمعنى حبّب.[ثمّ استشهد بشعر]

و اجعله في حبّة قلبك،و هي سويداؤه،و أصابت فلانة حبّة قلبه.[ثمّ استشهد بشعر]

و طفا الحباب على الشّراب،و الحبب و هي فقاقيعه كأنّها القوارير.

و شرب حتّى تحبّب،أي انتفخ كالحبّ،و نظيره:

حتّى أوّن،أي صار كالأون،و هو الجوالق.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:71)

إنّ رجلا كان اسمه الحباب،فسمّاه عبد اللّه،و قال:

إنّ الحباب اسم شيطان.

اشترك الشّيطان و الحيّة في الحباب،كما اشتركا في الشّيطان و الجانّ و أبي قترة (1).(الفائق 1:253)

ابن الشّجريّ: الأحباب:جمع حبّ كعدل و أعدال،و مثله من الوصف:نقض و أنقاض،و لا ينبغي أن يكون جمع«حبيب»كشريف و أشراف و يتيم و أيتام،لأمرين:أحدهما:أنّ الأوّل أقيس و أكثر، و الثّاني:أنّ يتيما و شريفا من باب«فعيل»الّذي بمعنى فاعل،و حبيب فعيل الّذي بمعنى«مفعول»و أصله:

محبوب،كما أنّ قتيلا أصله:مقتول.(1:231)

المدينيّ: في حديث صفة أهل الجنّة:«يصير طعامها إلى رشح مثل حباب المسك».الحباب،بفتح الحاء:الطّلّ الّذي يصبح على الشّجر،شبّه رشح المسك به.

و يجوز أن يكون مشبّها بحباب الماء،و هو فقاقيعه و تكاسيره و طرائقه،و قيل:ما تطاير منه.

و الحباب أيضا:معظم الماء،و منه حديث عليّ رضي اللّه عنه،قال لأبي بكر رضي اللّه عنه:«طرت بعبابها،س.

ص: 543


1- كنية إبليس.

و فزت بحبابها»أي معظمها.

و في صفته عليه الصّلاة و السّلام:«و يفترّ عن مثل حبّ الغمام».حبّ الغمام:«البرد شبّه ثغره به في بياضه و صفائه و برودته.(1:387)

ابن الأثير: في حديث فاطمة رضي اللّه عنها:

«قال لها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن عائشة:«إنّها حبّة أبيك» الحبّ بالكسر:المحبوب،و الأنثى:حبّة.

و منه الحديث:«و من يجترئ على ذلك إلاّ أسامة حبّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم»أي محبوبه،و كان يحبّه صلّى اللّه عليه و سلّم كثيرا.

و في حديث أحد:«هو جبل يحبّنا و نحبّه».هذا محمول على المجاز،أراد أنّه جبل يحبّنا أهله و نحبّ أهله، و هم الأنصار،و يجوز أن يكون من باب المجاز الصّريح، أي إنّنا نحبّ الجبل بعينه،لأنّه في أرض من نحبّ.

و في حديث أنس رضي اللّه عنه:«انظروا حبّ الأنصار التّمر».هكذا يروى بضمّ الحاء،و هو الاسم من المحبّة.و قد جاء في بعض الرّوايات بإسقاط «انظروا»،و قال:«حبّ الأنصار التّمر».

فيجوز أن يكون بالضّمّ كالأوّل،و حذف الفعل و هو مراد،للعلم به،أو على جعل«التّمر»نفس الحبّ مبالغة في حبّهم إيّاه.

و يجوز أن تكون الحاء مكسورة بمعنى المحبوب،أي محبوبهم التّمر،و حينئذ يكون التّمر على الأوّل-و هو المشهور في الرّواية-منصوبا بالحبّ،و على الثّاني و الثّالث مرفوعا على خبر المبتدإ.(1:326)

الفيّوميّ: أحببت الشّيء بالألف فهو محبّ، و استحببته مثله؛و يكون الاستحباب بمعنى الاستحسان.

و حببته أحبّه من باب«ضرب»و القياس:أحبّه بالضّمّ،لكنّه غير مستعمل،و حببته أحبّه من باب «تعب»لغة،و فيه لغة لهذيل:حاببته حبابا،من باب «قاتل».

و الحبّ:اسم منه،فهو محبوب و حبيب،و حبّ بالكسر،و الأنثى:حبية.

و جمعها:حبائب،و جمع المذكّر:أحبّاء.و كان القياس أن يجمع جمع«شرفاء»و لكن استكره لاجتماع المثلين.

قالوا:كلّ ما كان على«فعيل»من الصّفات،فإن كان غير مضاعف فبابه«فعلاء»مثل شريف و شرفاء،و إن كان مضاعفا فبابه«أفعلاء»مثل حبيب و طبيب و خليل.

و الحبّ:اسم جنس للحنطة و غيرها،ممّا يكون في السّنبل و الأكمام،و الجمع:حبوب،مثل فلس و فلوس، الواحدة:حبّة،و تجمع:حبّات على لفظها،و على:

حباب،مثل كلبة و كلاب.

و الحبّ بالكسر:بزر ما لا يقتات،مثل بزور الرّياحين،الواحدة:حبّة،و في الحديث:«كما تنبت الحبّة في حميل السّيل»هو بالكسر.

و الحبّ بالضّمّ:الخابية،فارسيّ معرّب؛و جمعه:

حباب،و حببة،وزان«عنبة».

و حبّان بن منقذ بالفتح،هو الّذي قال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«قل لا خلابة».و حبّان بالكسر:اسم رجل أيضا.

و حبابك أن تفعل كذا،أي غايتك.(1:117)

ص: 544

الجرجانيّ: المستحبّ:اسم لما شرّع زيادة على الفرض و الواجبات.

و قيل:المستحبّ:ما رغّب فيه الشّارع و لم يوجبه.

(93)

الفيروزآباديّ: الحبّ:الوداد كالحباب و الحبّ بكسرهما،و المحبّة و الحباب بالضّمّ.

أحبّه و هو محبوب على غير قياس،و محبّ قليل.

و حببته أحبّه-بالكسر شاذّ-حبّا بالضّمّ و بالكسر،و أحببته و استحببته.

و الحبيب و الحباب بالضّمّ و الحبّ بالكسر و الحبّة بالضّمّ:المحبوب،و هي بهاء.

و جمع الحبّ:أحباب و حبّان و حبوب و حببة محرّكة،و حبّ بالضّمّ:عزيز،أو اسم جمع.

و حبّتك بالضّمّ:ما أحببت أن تعطاه أو يكون لك.

و الحبيب:المحبّ...

و حبّ بفلان،أي ما أحبّه!

و حببت إليه ككرم:صرت حبيبا له،و لا نظير له إلاّ شررت و لببت.

و حبّذا الأمر،أي هو حبيب،جعل«حبّ و ذا» كشيء واحد،و هو اسم و ما بعده مرفوع به.و لزم«ذا» حبّ و جرى كالمثل،بدليل قولهم في المؤنّث:حبّذا، لا حبّذه.

و حبّ إلىّ هذا الشّيء حبّا و حبّبه إليّ:جعلني أحبّه.

و حبابك كذا،أي غاية محبّتك أو مبلغ جهدك.

و تحابّوا:أحبّ بعضهم بعضا.و تحبّب:أظهره.

و حبّان و حبّان و حبّان و حبيّب مصغّرا...أسماء.

و المحبّة و المحبوبة و المحبّبة و الحبيبة:مدينة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و محبب كمقعد:اسم.

و أحبّ البعير:برك فلم يثر،أو أصابه كسر أو مرض فلم يبرح مكانه حتّى يبرأ أو يموت،و فلان:برئ من مرضه،و الزّرع:صار ذا حبّ.

و استحبّت كرش المال:أمسكت الماء و طال ظمؤها.

و الحبّة:واحدة الحبّ،جمعها:حبّات و حبوب و حبّان كتمران،و الحاجة.

و بالضّمّ:المحبّة،و عجم العنب،و يخفّف.

و بالكسر:بزور البقول و الرّياحين،أو نبت في الحشيش صغير،أو الحبوب المختلفة من كلّ شيء،أو بزر العشب،أو جميع بزور النّبات؛و واحدها:حبّة بالفتح، أو بزر ما نبت بلا بذر-و ما بذر فبالفتح-و اليبيس المتكسّر المتراكم،أو يابس البقل.

و حبّة القلب:سويداؤه،أو محجته،أو ثمرته،أو هنة سوداء فيه.

و حبّة:امرأة علقها منظور الجنّيّ،فكانت تتطبّب بما يعلّمها منظور.

و حباب الماء و الرّمل:معظمه كحببه و حببه،أو طرائقه،أو فقاقيعه الّتي تطفو كأنّها القوارير.

و الحبّ:الجرّة،أو الضّخمة منها،أو الخشبات الأربع توضع عليها الجرّة ذات العروتين،و الكرامة:

غطاء الجرّة؛و منه حبّا و كرامة،جمعه:أحباب و حببة و حباب.

و بالكسر:المحبّ،و القرط من حبّة واحدة

ص: 545

كالحباب بالكسر.

و كغراب:الحيّة،و حيّ من بني سليم و اسم،و جمع حبابة لدويبة سوداء مائيّة،و اسم شيطان.

و أمّ حباب:الدّنيا.

و كسحاب:اسم،و الطّلّ.

و ككتابة:المحاببة.

و التّحبّب:أوّل الرّيّ.

و حبّ:وقف،و بالضّمّ:أتعب.

و الحبب محرّكة و كعنب:تنضّد الأسنان،و ما جرى عليها من الماء كقطع القوارير.(1:52)

الجزائريّ: المستحبّ:هو الّذي حثّ الشّارع على فعله و وعد عليه الثّواب،و لا إثم في تركه.(165)

مجمع اللّغة :1-الحبّ و المحبّة:ميل النّفس إلى ما تراه أو تظنّه خيرا.

و حبّ اللّه لعباده:هو رضاه عنهم،و يتبعه إحسانه إليهم و مثوبتهم.و عدم الحبّ منه،هو العقاب و عدم الرّضا.

و محبّة العبد لربّه:تعظيم اللّه و طلب الزّلفى لديه، و التّقرّب إليه بطاعته.

و يقال:حبّه و أحبّه:ودّه،و صيغة التّفضيل من حبّه:أحبّ.

2-و الحبيب:«فعيل»يكون بمعنى محبّ،و بمعنى محبوب.و جاء في القرآن مجموعا على أحبّاء،بمعنى محبوبين.

3-حبّب إليّ كذا:جعله محبوبا.

4-استحبّ الشّيء:أحبّه و استحسنه،و لمّا كان في الاستحباب معنى الإيثار عدّي ب«على».

5-الحبّ،بفتح الحاء:اسم جنس للحنطة و غيرها ممّا يكون في السّنبل و الأكمام،و الواحدة:حبّة.

(1:231)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:121)

العدنانيّ: حبّ البركة،الشّونيز يقول المتن:إنّ الحبّة السّوداء هي الشّونيز، و تسمّيها العامّة حبّة البركة،ثمّ يقول في مادّة«شينيز»؛ إنّها فارسيّة الأصل،و هي عندهم الشّونيز أو الشّونوز أو الشّهنيز.

ثمّ جاء«الوسيط»فقال:إنّ كلمة الشّونيز من الدّخيل،و ذكر أنّ مجمع القاهرة أطلق اسم«حبّة البركة»على العشب الحوليّ الأسود،من الفصيلة الشّقيقيّة-و منبته مصر،و بلاد حوض البحر المتوسّط، و الهند-و ذي الأوراق الدّقيقة التّجزّؤ،و الّذي له أزهار زرق،و ثمار جرابيّة،بداخلها بذور صغيرة سود تستعمل علاجا،و تضاف أحيانا إلى بعض أصناف الخبز و الفطائر،لطيب طعمها و رائحتها.و هي الّتي يعتصر منها زيت الحبّة السّوداء،أو زيت حبّة البركة.

و يسمّيها معجم الشّهابيّ:الشّونيز،و الشّينيز، و حبّ البركة.

و من أسمائها:الحبّة المباركة،و الشّونيز،أو حبّة الشّونيز،و الحبّة السّوداء.

أحبّه،حبّه

و يخطّئون من يقول:حببت وطني و لغتي،و يقولون:

إنّ الصّواب هو:أحببتهما.و لكنّ كلا الفعلين صحيح،و إن

ص: 546

كان«أحبّ»أكثر استعمالا من«حبّ»الّذي يستعمله الشّعراء أحيانا،عند ما يفرض الوزن و القافية عليهم ذلك.

فممّن أجاز استعمال الفعل حبّه:معجم ألفاظ القرآن الكريم،و سيبويه الّذي قال:إنّ كلا الفعلين بمعنى، و الفرّاء:لغة،و شمر بن حمدويه:لغة،و المبرّد.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّهذيب:لغة،و الصّحاح،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و المختار،و اللّسان:لغة،و المصباح، و القاموس:شاذّ،و التّاج:لغة شاذّة،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن:شاذّ.و الوسيط:قليل الاستعمال،و من معجم المتنبّي:قليل الاستعمال.

أمّا أنا فلا أرى فرقا كبيرا بين حبّه و أحبّه،لأنّ «حبّه»القليل النّادر الشّاذّ يكون اسم المفعول منه هو الفصيح المشهور«محبوب»،بينما اسم المفعول من أحبّ:

المحبّ،هو النّادر الشاذّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و فعله هو:حببته أحبّه حبّا و حبّا،و القياس:أحبّه، لكنّه غير مستعمل.و يقول«المصباح»:إنّ حببته أحبّه لغة فيه.

حبّا و كرامة

و يخطّئون من يعني الودّ و التّكريم بقوله:حبّا و كرامة،و يقولون:إنّ الحبّ هنا يعني الجرّة الكبيرة، و الكرامة تعني غطاء الجرّة.و حين نقول للضّيف:حبّا و كرامة،نعني:تناول الجرّة و غطاءها،و اشرب منها حتّى ترتوي.و هذا نوع رائع من الاحتفاء بالضّيف عند أهل البادية،في شبه الجزيرة العربيّة،الّتي كان وجود الماء فيها قليلا جدّا.

و هم مصيبون في قلوبهم:حبّا و كرامة،من حيث المعنى الأصليّ لهذه الجملة.

و شبيه بذلك قولهم للميّت في شبه الجزيرة العربيّة:

سقى اللّه قبره،لكي ينبت العشب الأخضر الجميل فوقه،لقلّة الأمطار هناك.و لو كانت أوربّة الوسطى و الشّماليّة حيث تسقط الثّلوج دائما في الشّتاء،و الأمطار في الصّيف منشأ العرب،لقالوا لميّتهم،في الدّعاء له:

جفّف اللّه قبره،لكي تشرق عليه الشّمس،الّتي يندر إشراقها عليهم،و تبخّر المياه و الرّطوبة الّتي تحيط بجثّة فقيدهم.

و لمّا أصبح معظم العرب الآن يقيمون في بلاد تكثر فيه الأمطار شتاء،و تتدفّق ينابيعها صيفا و شتاء،و نزع جلّ سكّان البوادي فيها إلى المدن و القرى الّتي توجد فيها المياه،أو إلى جوارها،و لمّا كانت آلات الحفر الحديثة قد فجّرت الماء في أماكن كثيرة من أراضي شبه الجزيرة العربيّة،موطن العرب الأوّل،كان التّشبّث بالمعاني الصّحراويّة-في مثل هذه الحال-أمرا غير مستحسن.و أصبح علينا أن نفهم الآن أنّ معنى قولنا:

«حبّا و كرامة»هو:ستجد أيّها الضّيف منّا حبّا«ودّا» و كرامة«مصدر كرم»و لا مسوّغ لتخطئة من يقولها.

لذا قل لضيفك،و إن كان ثقيل الظّلّ:«حبّا و كرامة» و أمرك للّه.

التّحابّ

الفعل الثّلاثيّ المضاعف إذا جيء به من باب «التّفاعل»وجب في مصدره إدغام أحد الحرفين المتجانسين في الآخر.و النّاس يخطئون حين يقولون:

ص: 547

التّحابب بين أفراد الأمّة الواحدة ضروريّ لبقائها في عزّ و منعة.

و الصّواب:التّحابّ ضروريّ.(140)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الوداد و الميل الشّديد،و يقابله البغض و التّنفّر.

و الحبّ مجرّدا:استعماله الصّحيح في الفصيح أن يكون لازما كالتّعب و البغض،يقال:تعب و بغض و حبّ،أي صار تعبا و بغيضا و حبيبا.

و بهذا المعنى استعملت في الآيات الكريمة رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ يوسف:33، وَ مَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ التّوبة:24 لَيُوسُفُ وَ أَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا يوسف:8،أي أشدّ في كونه حبيبا.

يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ البقرة:165، وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ البقرة:177، وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ الدّهر:8، لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ العاديات:8، زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ آل عمران:14،مثل كون اللّه حبيبا للمحبّين له،و على أنّ المال حبيب له،و مع هذا القيد أو كون اللّه حبيبا و لشديد في كون الخير حبيبا له،و زيّن لهم كون الشّهوات حبيبا لهم.

و لا يصحّ تفسير الحبّ بالأحباب،متعدّيا في هذه الموارد كما في التّفاسير،فإنّ من يتّخذ من اللّه أندادا لا يحبّ اللّه،و على كون المال أو الطّعام في نفسه حبيبا له لا مبغوضا عنده يريد ردّه،و هذا المعنى غير الإحباب، و أنّه لشديد لتحصيل الخير،و كونه حبيبا له،و في الوصول إلى هذا المعنى،و لا معنى للشّدّة في تحصيل الإحباب،و زيّن للنّاس كون الشّهوات حبيبا،و لا معنى لكون الإحباب زينة.[ثمّ ذكر بعض الآيات و قال:]

و أمّا الإحباب فهو متعدّ،بمعنى جعله حبيبا،و ميله إليه مع العلاقة.

و الإحباب من اللّه تعالى:لطف و توجّه و إحسان و إكرام و إفضال،و عدمه منه تعالى:قطع تلك الألطاف و المراحم،نعوذ به منه.[ثمّ استشهد بآيات]

و أمّا التّحبيب فهو إحباب إذا كان النّظر إلى جهة الوقوع.

و أمّا الحبّ فهو من ذلك المعنى،من جهة كونه حبيبا للزّارع،و نتيجة عمله و منتهى مقصده،و ميله و توجّهه.

و أمّا اللّزوم و الثّبات و اللّصوق فمن لوازم المحبّة، و سائر المعاني كلّها مجازات بمناسبات مخصوصة.

(2:161)

النّصوص التّفسيريّة

احبّ

1- قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ... وَ مَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ... التّوبة:24

الطّوسيّ: يعني آثر في نفوسكم و أقرب إلى قلوبكم.و المحبّة:إرادة خاصّة للشّيء،فمن أحبّ الجهاد فقد أراد فعله،و من أحبّ اللّه أراد شكره و عبادته،و من أحبّ النّبيّ أراد إجلاله و إعظامه،و الّذي اقتضى نزول هذه الآية محبّتهم الّتي منعتهم الهجرة.

(5:229)

ص: 548

نحوه الطّبرسيّ.(2:16)

ابن عطيّة: (احبّ)خبر(كان)،و كان الحجّاج بن يوسف يقرؤها(احبّ)بالرّفع.(3:18)

نحوه أبو حيّان.(5:23)

القرطبيّ: و(احبّ)خبر(كان)و يجوز في غير القرآن رفع(احبّ)على الابتداء و الخبر،و اسم(كان) مضمر فيها.[ثمّ استشهد بشعر]

و في الآية دليل على وجوب حبّ اللّه و رسوله، و لا خلاف في ذلك بين الأمّة و أنّ ذلك مقدّم على كلّ محبوب.(8:95)

البيضاويّ: الحبّ الاختياريّ دون الطّبيعيّ،فإنّه لا يدخل تحت التّكليف في التّحفّظ عنه.(1:410)

الآلوسيّ: بالحبّ الاختياريّ المستتبع لأثره الّذي هو الملازمة،و تقديم الطّاعة لا ميل الطّبع،فإنّه أمر جبلّيّ لا يمكن تركه،و لا يؤاخذ عليه،و لا يكلّف الإنسان بالامتناع عنه.(10:71)

2- إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَ أَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنّا...

يوسف:8

الزّمخشريّ: قيل:(احبّ)في الاثنين،لأنّ أفعل من لا يفرق فيه بين الواحد و ما فوقه،و لا بين المذكّر و المؤنّث إذا كان معه(من)،و لا بدّ من الفرق مع لام التّعريف،و إذا أضيف جاز الأمران.(2:304)

نحوه أبو السّعود.(3:368)

أبو حيّان :أي كثرة حبّه لهما ثابت لا شبهة فيه.

و(احبّ)أفعل تفضيل،و هي مبنيّ من«المفعول» شذوذا،و لذلك عدّي ب«الى»لأنّه إذا كان ما تعلّق به «فاعلا»من حيث المعنى عدّي إليه ب«إلى»،و إذا كان «مفعولا»عدّي إليه ب«في»،تقول:زيد أحبّ إلى (1)عمرو من خالد،فالضّمير في«أحبّ»مفعول من حيث المعنى،و عمرو هو المحبّ.و إذا قلت:زيد أحبّ إلى عمرو من خالد،كان الضّمير فاعلا و عمرو هو المحبوب، و«من خالد»في المثال الأوّل محبوب و في الثّاني فاعل، و لم يبن«أحبّ»لتعدّيه:ب«من».

و كان بنيامين أصغر من يوسف،فكان يعقوب يحبّهما بسبب صغرهما و موت أمّهما،و حبّ الصّغير و الشّفقة عليه مركوز في فطرة البشر.(5:282)

الآلوسيّ: [أحبّ]خبر و متعلّق به و هو أفعل تفضيل من المبنيّ للمفعول شذوذا و لذا عدّي ب(إلى) حسبما ذكروا من أنّ أفعل من الحبّ و البغض يعدّى إلى الفاعل معنى ب(إلى)و إلى المفعول باللاّم و في،تقول:زيد أحبّ إليّ من بكر إذا كنت تكثر محبّته،ولى وفيّ إذا كان يحبّك أكثر من غيره.

و لم يثنّ مع أنّ المخبر عنه به اثنان،لأنّ أفعل من كذا، لا يفرّق فيه بين الواحد و ما فوقه و لا بين المذكّر و ما يقابله،بخلاف أخويه فإنّ الفرق واجب في المحلّى جائز في المضاف إذا أريد تفضيله على المضاف إليه،و إذا أريد تفضيله مطلقا فالفرق لازم.(12:189)

حبّ و يحبّونهم
اشارة

ص: 549


1- الظّاهر:في عمرو.

1- وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ...

البقرة:165

ابن عبّاس: كحبّكم اللّه،أي كحبّ المؤمن اللّه.

(الطّبرسيّ 1:249)

مثله الحسن(الطّبرسيّ 1:249)،و عكرمة و أبي العالية و ابن زيد و مقاتل و الفرّاء.(ابن الجوزيّ 1:170)

السّدّيّ: يطيعونهم كما يطيعون اللّه،إذا أمروهم أطاعوا و عصوا اللّه.(136)

الجبّائيّ: من يعرف اللّه من المشركين و يعبد معه الأوثان و يسوّي بينهما في المحبّة.

مثله أبو مسلم الأصفهانيّ.(الطّبرسيّ 1:249)

الطّبريّ: فإن قال قائل:و كيف قيل:(كحبّ اللّه) و هل يحبّ اللّه الأنداد؟و هل كان متّخذو الأنداد يحبّون اللّه؟فيقال:يحبّونهم كحبّ اللّه؟

قيل:إنّ معنى ذلك بخلاف ما ذهبت إليه،و إنّما نظير ذلك قول القائل:بعت غلامي كبيع غلامك،بمعنى بعته كما بيع غلامك،و كبيعك غلامك،و استوفيت حقّي منه استيفاء حقّك،بمعنى استيفائك حقّك،فتحذف من الثّاني كناية اسم المخاطب،اكتفاء بكنايته في الغلام و الحقّ.[ثمّ استشهد بشعر]

فمعنى الكلام إذن:و من النّاس من يتّخذ أيّها المؤمنون من دون اللّه أندادا يحبّونهم كحبّ اللّه.(2:67)

نحوه ابن شهرآشوب.(2:259)

الزّجّاج: أي يسوون بين هذه الأوثان و بين اللّه عزّ و جلّ في المحبّة،و قال بعض النّحويّين:يحبّونهم كحبّكم أنتم للّه.و هذا قول ليس بشيء،و دليل نقضه قوله: وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ و المعنى أنّ المخلصين الّذين لا يشركون مع اللّه غيره هم المحبّون حقّا.

(1:237)

نحوه ابن كيسان.(القرطبيّ 2:204)

عبد الجبّار: حبّ العبد للّه:تعظيمه و التّمسّك بطاعته،و حبّ اللّه العبد:إرادة الثّناء عليه و إثابته.

و أصل الحبّ في اللّغة:اللّزوم،لأنّ المحبّ يلزم حبيبه ما أمكن.(أبو حيّان 1:470)

المبرّد: أي يحبّون أصنامهم على الباطل كحبّ المؤمنين للّه على الحقّ.(القرطبيّ 2:203)

الطّوسيّ: و قوله: كَحُبِّ اللّهِ قيل:في هذه الإضافة ثلاثة أقوال:أحدها:كحبّكم اللّه،و الثّاني:

كحبّهم اللّه،و الثّالث:كحبّ اللّه الواجب عليهم لا الواقع منهم.[ثمّ استشهد بشعر]

فإن قيل:كيف يحبّ المشرك-الّذي لا يعرف اللّه- شيئا كحبّه للّه؟

قلنا:من قال:إنّ الكفّار يعرفون اللّه،قال:كحبّه للّه.و من قال:هم لا يعرفون اللّه-على ما يقوله أصحاب الموافاة-قال:معناه كحبّ المؤمنين للّه،أو كالحبّ الواجب عليهم.

و قوله تعالى: وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ قيل:

في معناه قولان:

أحدهما: أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ للإخلاص له من الإشراك به.

و الثّاني:لأنّهم عبدوا من يملك الضّرّ و النّفع،

ص: 550

و الثّواب و العقاب،فهم أشدّ حبّا للّه بذلك ممّن عبد الأوثان.(2:63)

البغويّ: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ أي يحبّون آلهتهم كحبّ المؤمنين اللّه.[ثمّ ذكر قول الزّجّاج و قال:]

وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ أي أثبت و أدوم على حبّه من المشركين،لأنّهم لا يختارون على اللّه ما سواه، و المشركون إذا اتّخذوا صنما ثمّ رأوا أحسن منه، طرحوا الأوّل و اختاروا الثّاني.[إلى أن قال:]

و قيل:إنّما قال: وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ لأنّ اللّه تعالى أحبّهم أوّلا ثمّ أحبّوه،و من شهد له المعبود بالمحبّة كانت محبّته أتمّ،قال اللّه تعالى: يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ المائدة:54.(1:196)

الزّمخشريّ: (يحبّونهم):يعظّمونهم و يخضعون لهم تعظيم المحبوب. كَحُبِّ اللّهِ كتعظيم اللّه و الخضوع له، أي كما يحبّ اللّه تعالى،على أنّه مصدر من المبنيّ للمفعول،و إنّما استغنى عن ذكر من يحبّه،لانّه غير ملبس.

و قيل:كحبّهم اللّه،أي يسوّون بينه و بينهم في محبّتهم،لأنّهم كانوا يقرّون باللّه و يتقرّبون إليه فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ العنكبوت:

65، أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ لأنّهم لا يعدلون عنه إلى غيره بخلاف المشركين فإنّهم يعدلون عن أندادهم إلى اللّه عند الشّدائد،فيفزعون إليه و يخضعون له،و يجعلونهم وسائط بينهم و بينه،فيقولون:هؤلاء شفعاؤنا عند اللّه، و يعبدون الصّنم زمانا ثمّ يرفضونه إلى غيره،أو يأكلونه كما أكلت«باهلة»إلهها من حيس عام المجاعة.

(1:326)

نحوه الشّربينيّ(1:110)،و الكاشانيّ(1:191)، و شبّر(1:170)،و القاسميّ(3:360)، و المراغيّ(2:38).

ابن عطيّة: و(يحبّونهم)في موضع نصب نعت للأنداد،أو على الحال من المضمر في(يتّخذ)أو يكون في موضع رفع نعت ل(من)و هذا على أن تكون(من)نكرة و«الكاف»من(كحبّ)في موضع نصب نعت لمصدر محذوف،و(حبّ)مصدر مضاف إلى المفعول في اللّفظ، و هو على التّقدير مضاف إلى الفاعل المضمر،تقديره:

كحبّكم اللّه أو كحبّهم اللّه،حسبما قدّر كلّ وجه منها فرقة.

و معنى(كحبّهم)أي يسوّون بين محبّة اللّه و محبّة الأوثان.ثمّ أخبر أنّ المؤمنين أشدّ حبّا للّه،لإخلاصهم و تيقّنهم الحقّ.(1:234)

الطّبرسيّ: [ذكر معنى الآية نحو الطّوسيّ و أضاف في معنى قوله: أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ ]

و ثانيها:أنّهم يحبّونه عن علم بأنّه المنعم ابتداء، و أنّه يفعل بهم في جميع أحوالهم ما هو الأصلح لهم في التّدبير.و قد أنعم عليهم بالكثير فيعبدونه عبادة الشّاكرين،و يرجون رحمته على يقين،فلا بدّ أنّ يكون حبّهم له أشدّ.(1:249)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله تعالى: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ فاعلم أنّه ليس المراد محبّة ذاتهم،فلا بدّ من محذوف،و المراد:يحبّون عادتهم أو التّقرّب إليهم و الانقياد لهم،أو جميع ذلك،و قوله: كَحُبِّ اللّهِ فيه ثلاثة أقوال:قيل فيه:كحبّهم للّه،و قيل فيه:كالحبّ اللاّزم عليهم للّه،و قيل فيه:كحبّ المؤمنين للّه.

ص: 551

و إنّما اختلفوا هذا الاختلاف من حيث أنّهم اختلفوا في أنّهم هل كانوا يعرفون اللّه أم لا؟

فمن قال:كانوا يعرفونه مع اتّخاذهم الأنداد.تأوّل على أنّ المراد كحبّهم للّه.

و من قال:أنّهم ما كانوا عارفين بربّهم.حمل الآية على أحد الوجهين الباقيين:إمّا كالحبّ اللاّزم لهم،أو كحبّ المؤمنين للّه.

و القول الأوّل أقرب،لأنّ قوله: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ راجع إلى النّاس الّذين تقدّم ذكرهم،و ظاهر قوله: كَحُبِّ اللّهِ يقتضي حبّا للّه ثابتا فيهم،فكأنّه تعالى بيّن في الآية السّالفة أنّ الإله واحد،و نبّه على دلائله،ثمّ حكى قول من يشرك معه؛و ذلك يقتضي كونهم مقرّين باللّه تعالى.

فإن قيل:العاقل يستحيل أن يكون حبّه للأوثان كحبّه للّه؛و ذلك لأنّه بضرورة العقل يعلم أنّ هذه الأوثان أحجار لا تنفع،و لا تضرّ،و لا تسمع،و لا تبصر و لا تعقل،و كانوا مقرّين بأنّ لهذا العالم صانعا مدبّرا، حكيما،و لهذا قال تعالى: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ لقمان:25 و الزّمر:38، و مع هذا الاعتقاد كيف يعقل أن يكون حبّهم لتلك الأوثان كحبّهم للّه تعالى،و أيضا فإنّ اللّه تعالى حكى عنهم أنّهم قالوا: ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللّهِ زُلْفى الزّمر:3،و إذا كان كذلك كان المقصود الأصليّ:طلب مرضات اللّه تعالى،فكيف يعقل الاستواء في الحبّ مع هذا القول.

قلنا:قوله: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ أي في الطّاعة لها،و التّعظيم لها،فالاستواء على هذا القول في المحبّة لا ينافي ما ذكرتموه.

أمّا قوله تعالى: وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ ففيه مسائل:

المسألة الأولى:في البحث عن ماهيّة محبّة العبد للّه تعالى.اعلم أنّه لا نزاع بين الأمّة في إطلاق هذه اللّفظة، و هي أنّ العبد قد يحبّ اللّه تعالى،و القرآن ناطق به،كما في هذه الآية،و كما في قوله: يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ و كذا الأخبار.روي أنّ إبراهيم عليه السّلام قال لملك الموت عليه السّلام، و قد جاءه لقبض روحه:هل رأيت خليلا يميت خليله؟ فأوحى اللّه تعالى إليه:هل رأيت خليلا يكره لقاء خليله؟فقال:يا ملك الموت الآن فاقبض.

و جاء أعرابيّ إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال:يا رسول اللّه متى السّاعة؟فقال:ما أعددت لها؟فقال:ما أعددت كثير صلاة و لا صيام،إلاّ أنّي أحبّ اللّه و رسوله،فقال عليه الصّلاة و السّلام:المرء مع من أحبّ.فقال أنس:فما رأيت المسلمين فرحوا بشيء بعد الإسلام فرحهم بذلك.

و روي أنّ عيسى عليه السّلام مرّ بثلاثة نفر،و قد نحلت أبدانهم،و تغيّرت ألوانهم،فقال لهم:ما الّذي بلغ بكم إلى ما أرى؟فقالوا:الخوف من النّار،فقال:حقّ على اللّه أن يؤمن الخائف.ثمّ تركهم إلى ثلاثة آخرين،فإذا هم أشدّ نحولا و تغيّرا،فقال لهم:ما الّذي بلغ بكم إلى هذا المقام؟ قالوا:الشّوق إلى الجنّة،فقال:حقّ على اللّه أن يعطيكم ما ترجون.ثمّ تركهم إلى ثلاثة آخرين فإذا هم أشدّ نحولا و تغيّرا،كأنّ وجوههم المرايا من النّور،فقال:كيف بلغتم إلى هذه الدّرجة؟قالوا:بحبّ اللّه،فقال عليه الصّلاة

ص: 552

و السّلام:أنتم المقرّبون إلى اللّه يوم القيامة.

و عن السّدّيّ قال:تدعى الأمم يوم القيامة بأنبيائها،فيقال:يا أمّة موسى،و يا أمّة عيسى،و يا أمّة محمّد،غير المحبّين منهم،فإنّهم ينادون:يا أولياء اللّه.و في بعض الكتب«عبدي أنا و حقّك لك محبّ فبحقّي عليك كن لي محبّا».

و اعلم أنّ الأمّة و إن اتّفقوا في إطلاق هذه اللّفظة، لكنّهم اختلفوا في معناها،فقال جمهور المتكلّمين:إنّ المحبّة نوع من أنواع الإرادة،و الإرادة لا تعلّق لها إلاّ بالجائزات،فيستحيل تعلّق المحبّة بذات اللّه تعالى و صفاته.فإذا قلنا:نحبّ اللّه،فمعناه نحبّ طاعة اللّه و خدمته،أو نحبّ ثوابه و إحسانه.

و أمّا العارفون فقد قالوا:العبد قد يحبّ اللّه تعالى لذاته،و أمّا حبّ خدمته أو حبّ ثوابه فدرجة نازلة.

و احتجّوا بأن قالوا:إنّا وجدنا أنّ«اللّذّة»محبوبة لذاتها، و«الكمال»أيضا محبوب لذاته.

أمّا اللّذّة فإنّه إذا قيل لنا:لم تكتبسون؟قلنا:لنجد المال،فإذا قيل:و لم تطلبون المال؟قلنا:لنجد به المأكول و المشروب.فإن قالوا:لم تطلبون المأكول و المشروب؟ قلنا:لتحصل اللّذّة و يندفع الألم.فإذا قيل لنا:و لم تطلبون اللّذّة و تكرهون الألم؟قلنا:هذا غير معلّل،فإنّه لو كان كلّ شيء إنّما كان مطلوبا لأجل شيء آخر،لزم إمّا التّسلسل،و إمّا الدّور،و هما محالان،فلا بدّ من الانتهاء إلى ما يكون مطلوبا لذاته.و إذا ثبت ذلك فنحن نعلم أنّ اللّذّة مطلوبة الحصول لذاتها،و الألم مطلوب الدّفع لذاته،لا لسبب آخر.

و أمّا الكمال فلأنّا نحبّ الأنبياء و الأولياء لمجرّد كونهم موصوفين بصفات الكمال.و إذا سمعنا حكاية بعض الشّجعان مثل رستم،و اسفنديار،و اطّلعنا على كيفيّة شجاعتهم،مالت قلوبنا إليهم،حتّى أنّه قد يبلغ ذلك الميل إلى إنفاق المال العظيم في تقرير تعظيمه،و قد ينتهي ذلك إلى المخاطرة بالرّوح،و كون اللّذّة محبوبة لذاته لا ينافي كون الكمال محبوبا لذاته.

إذا ثبت هذا فنقول:الّذين حملوا محبّة اللّه تعالى على محبّة طاعته أو على محبّة ثوابه،فهؤلاء هم الّذين عرفوا أنّ اللّذّة محبوبة لذاتها،و لم يعرفوا أنّ الكمال محبوب لذاته.

أمّا العارفون الّذين قالوا:إنّه تعالى محبوب في ذاته و لذاته،فهم الّذين انكشف لهم أنّ الكمال محبوب لذاته، و ذلك لأنّ أكمل الكاملين هو الحقّ سبحانه و تعالى،فإنّه لوجوب وجوده،غنيّ عن كلّ ما عداه،و كمال كلّ شيء فهو مستفاد منه،و أنّه سبحانه و تعالى أكمل الكاملين في العلم و القدرة.

فإذا كنّا نحبّ الرّجل العالم لكماله في علمه و الرّجل الشّجاع لكماله في شجاعته و الرّجل الزّاهد لبراءته عمّا لا ينبغي من الأفعال،فكيف لا نحبّ اللّه و جميع العلوم بالنّسبة إلى علمه كالعدم،و جميع القدر بالنّسبة إلى قدرته كالعدم،و جميع ما للخلق من البراءة عن النّقائص بالنّسبة إلى ما للحقّ من ذلك كالعدم،فلزم القطع بأنّ المحبوب الحقّ هو اللّه تعالى،و أنّه محبوب في ذاته و لذاته، سواء أحبّه غيره أو ما أحبّه غيره.

و اعلم أنّك لمّا وقفت على النّكتة في هذا الباب،

ص: 553

فنقول:العبد لا سبيل له إلى الاطّلاع على كمال اللّه سبحانه ابتداء،بل ما لم ينظر في مملوكاته لا يمكنه الوصول إلى ذلك المقام،فلا جرم كلّ من كان اطّلاعه على دقائق حكمة اللّه و قدرته في المخلوقات أتمّ،كان علمه بكماله أتمّ،فكان حبّه له أتمّ،و لمّا كان لا نهاية لمراتب وقوف العبد على دقائق حكمة اللّه تعالى،فلا جرم لا نهاية لمراتب محبّة العباد لجلال حضرة اللّه تعالى.

ثمّ تحدث هنالك حالة أخرى،و هي أنّ العبد إذا كثرت مطالعته لدقائق حكمة اللّه تعالى،كثر ترقّيه في مقام محبّة اللّه،فإذا كثر ذلك صار ذلك سببا لاستيلاء حبّ اللّه تعالى على قلب العبد،و غوصه فيه على مثال القطرات النّازلة من الماء على الصّخرة الصّمّاء،فإنّها مع لطافتها تثقب الحجارة الصّلدة،فإذا غاصت محبّة اللّه في القلب تكيّف القلب بكيفيّتها،و اشتدّ إلفه بها.و كلّما كان ذلك الإلف أشدّ كانت النّفرة عمّا سواه أشدّ،لأنّ الالتفات إلى ما عداه يشغله عن الالتفات إليه،و المانع عن حضور المحبوب مكروه فلا تزال تتعاقب محبّة اللّه، و نفرته عمّا سواه على القلب،و يشتدّ كلّ واحد منهما بالآخر،إلى أن يصير القلب نفورا عمّا سوى اللّه تعالى، و النّفرة توجب الإعراض عمّا سوى اللّه،و الإعراض يوجب الفناء عمّا سوى اللّه تعالى،فيصير ذلك القلب مستنيرا بأنوار القدس،مستضيئا بأضواء عالم العصمة، فانيا عن الحظوظ المتعلّقة بعالم الحدوث،و هذا المقام أعلى الدّرجات.

و ليس له في هذا العالم مثال إلاّ العشق الشّديد على أيّ شيء كان،فإنّك ترى من التّجّار المشغوفين بتحصيل المال من نسي جوعه و طعامه و شرابه عند استغراقه في حفظ المال،فإذا عقل ذلك في ذلك المقام الخسيس، فكيف يستبعد ذلك عند مطالعة جلال الحضرة الصّمديّة.

المسألة الثّانية:في معنى الشّوق إلى اللّه تعالى.

اعلم أنّ الشّوق لا يتصوّر إلاّ إلى شيء أدرك من وجه،و لم يدرك من وجه.فأمّا الّذي لم يدرك أصلا، فلا يشتاق إليه،فإن لم ير شخصا و لم يسمع وصفه لم يتصوّر أن يشتاق إليه،و لو أدرك كماله لا يشتاق إليه.

ثمّ إنّ الشّوق إلى المعشوق من وجهين:أحدهما:أنّه إذا رآه ثمّ غاب عنه اشتاق إلى استكمال خياله بالرّؤية، و الثّاني:أن يرى وجه محبوبه و لا يرى شعره،و لا سائر محاسنه،فيشتاق إلى أن ينكشف له ما لم يره قطّ.

و الوجهان جميعا متصوّران في حقّ اللّه تعالى،بل هما لازمان بالضّرورة لكلّ العارفين.

فإنّ الّذي اتّضح للعارفين من الأمور الإلهيّة و إن كان في غاية الوضوح،مشوب بشوائب الخيالات،فإنّ الخيالات لا تفتر في هذا العالم عن المحاكاة و التّمثيلات، و هي مدركات للمعارف الرّوحانيّة،و لا يحصل تمام التّجلّي إلاّ في الآخرة،و هذا يقتضي حصول الشّوق لا محالة في الدّنيا،فهذا أحد نوعي الشّوق فيما اتّضح اتّضاحا.

و الثّاني:أنّ الأمور الإلهيّة لا نهاية لها،و إنّما ينكشف لكلّ عبد من العباد بعضها،و تبقى أمور لا نهاية لها غامضة،فإذا علم العارف أنّ ما غاب عن عقله أكثر ممّا حضر،فإنّه لا يزال يكون مشتاقا إلى معرفتها،و الشّوق بالتّفسير الأوّل ينتهي في دار الآخرة بالمعنى الّذي يسمّى

ص: 554

رؤية و لقاء و مشاهدة،و لا يتصوّر أن يكون في الدّنيا، و أمّا الشّوق بالتّفسير الثّاني فيشبه أن لا يكون له نهاية؛ إذ نهايته أن ينكشف للعبد في الآخرة جلال اللّه و صفاته، و حكمته في أفعاله،و هي غير متناهية،و الاطّلاع على غير المتناهي على سبيل التّفصيل محال.

و قد عرفت حقيقة الشّوق إلى اللّه تعالى،و اعلم أنّ ذلك الشّوق لذيذ،لأنّ العبد إذا كان في التّرقّي حصل بسبب تعاقب الوجدان،و الحرمان و الوصول و الصّدّ آلاما مخلوطة بلذّات،و اللّذّات إذا كانت محفوفة بالحرمان و الفقدان،كانت أقوى،فيشبه أن يكون هذا النّوع من اللّذّات ممّا لا يحصل إلاّ للبشر،فإنّ الملائكة كمالاتهم حاضرة بالفعل،و البهائم لا تستعدّ لها،أمّا البشر فهم المتردّدون بين جهتي السّفالة و العلوّ.

المسألة الثّالثة:في بيان أنّ الّذين آمنوا هم أشدّ حبّا للّه:أمّا المتكلّمون فقالوا:إنّ حبّهم للّه يكون من وجهين:

أحدهما:أنّه ما يصدر منهم من التّعظيم و المدح و الثّناء و العبادة خالصة عن الشّرك و عمّا لا ينبغي من الاعتقاد،و محبّة غيرهم ليست كذلك.

و الثّاني:أنّ حبّهم للّه اقترن به الرّجاء و الثّواب، و الرّغبة في عظيم منزلته،و الخوف من العقاب،و الأخذ في طريق التّخلّص منه،و من يعبد اللّه و يعظّمه على هذا الحدّ،تكون محبّته للّه أشدّ.

و أمّا العارفون فقالوا:المؤمنون هم الّذين عرفوا اللّه بقدر الطّاقة البشريّة،و قد دلّلنا على أنّ الحبّ من لوازم العرفان.فكلّما كان عرفانهم أتمّ وجب أن تكون محبّتهم أشدّ.

فإن قيل:كيف يمكن أن يقال:محبّة المؤمنين للّه تعالى أشدّ،مع أنّا نرى الهنود يأتون بطاعات شاقّة لا يأتي بشيء منها أحد من المسلمين،و لا يأتون بها إلاّ للّه تعالى،ثمّ يقتلون أنفسهم حبّا للّه.

و الجواب من وجوه:

أحدها:أنّ الّذين آمنوا لا يتضرّعون إلاّ إلى اللّه، بخلاف المشركين فإنّهم يعدلون إلى اللّه عند الحاجة، و عند زوال الحاجة يرجعون إلى الأنداد،قال تعالى:

فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ...

العنكبوت:65،و المؤمن لا يعرض عن اللّه في الضّرّاء و السّرّاء و الشّدّة و الرّخاء،و الكافر قد يعرض عن ربّه، فكان حبّ المؤمن أقوى.

و ثانيها:أنّ من أحبّ غيره رضي بقضائه، فلا يتصرّف في ملكه،فأولئك الجهّال قتلوا أنفسهم بغير إذنه.أمّا المؤمنون فقد يقتلون أنفسهم بإذنه؛و ذلك في الجهاد.

و ثالثها:أنّ الإنسان إذا ابتلي بالعذاب الشّديد لا يمكنه الاشتغال بمعرفة الرّبّ،فالّذي فعلوه باطل.

و رابعها:قال ابن عبّاس:إنّ المشركين كانوا يعبدون صنما،فإذا رأوا شيئا أحسن منه تركوا ذلك و أقبلوا على عبادة الأحسن.

و خامسها:أنّ المؤمنين يوحّدون ربّهم،و الكفّار يعبدون مع الصّنم أصناما؛فتنقص محبّة الواحد،أمّا الإله الواحد فتنضمّ محبّة الجميع إليه.(4:230)

نحوه باختصار النّيسابوريّ(2:59)،و الخازن (1:116).

ص: 555

القرطبيّ: و قرأ أبو رجاء: (يحبّونهم) بفتح الياء، و كذلك ما كان منه في القرآن،و هي لغة،يقال:حببت الرّجل فهو محبوب.[ثمّ استشهد بشعر]

و(من)في قوله: مَنْ يَتَّخِذُ في موضع رفع بالابتداء،و(يتّخذ)على اللّفظ،و يجوز في غير القرآن «يتّخذون»على المعنى،و يُحِبُّونَهُمْ على المعنى، و«يحبّهم»على اللّفظ،و هو في موضع نصب على الحال من الضّمير الّذي في(يتّخذ)أي محبّين،و إن شئت كان نعتا للأنداد،أي محبوبة.و الكاف من(كحبّ)نعت لمصدر محذوف،أي يحبّونهم حبّا كحبّ اللّه وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ أي أشدّ من حبّ أهل الأوثان لأوثانهم و التّابعين لمتبوعهم.و قيل:إنّما قال: وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ لأنّ اللّه تعالى أحبّهم أوّلا ثمّ أحبّوه.

و من شهد له محبوبه بالمحبّة كانت محبّته أتمّ،قال اللّه تعالى: يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ. (2:204)

البيضاويّ: (يحبّونهم):يعظّمونهم و يطيعونهم، كَحُبِّ اللّهِ كتعظيمه و الميل إلى طاعته،أي يسوّون بينه و بينهم في المحبّة و الطّاعة.و المحبّة:ميل القلب من «الحبّ»استعير لحبّة القلب،ثمّ اشتقّ منه«الحبّ»لأنّه أصابها و رسخ فيها.و محبّة العبد للّه تعالى:إرادة طاعته و الاعتناء بتحصيل مراضيه،و محبّة اللّه للعبد:إرادة إكرامه و استعماله في الطّاعة،و صونه عن المعاصي.

وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ لأنّه لا تنقطع محبّتهم للّه تعالى،بخلاف محبّة الأنداد فإنّها لأغراض فاسدة موهومة تزول بأدنى سبب،و لذلك كانوا يعدلون عن آلهتهم إلى اللّه تعالى عند الشّدائد،و يعبدون الصّنم زمانا ثمّ يرفضونه إلى غيره.(1:94)

نحوه النّسفيّ.(1:86)

أبو حيّان :أي يعظّمونهم و يخضعون لهم،و الجملة من(يحبّونهم)صفة للأنداد،أو حال من الضّمير المستكنّ في(يتّخذ)،و يجوز أن تكون صفة ل(من)إذا جعلتها نكرة موصوفة.و جاز ذلك لأنّ في(يحبّونهم)ضمير (اندادا)و ضمير(من)،و أعاد الضّمير على(من)جمعا على المعنى؛إذ قد تقدّم الحمل على اللّفظ في(يتّخذ)إذ أفرد الضّمير،و قد وقع الفصل بين الجملتين،و هو شرط على مذهب الكوفيّين.

كَحُبِّ اللّهِ الكاف في موضع نصب إمّا على الحال من ضمير الحبّ المحذوف على رأي سيبويه،أو على أنّه نعت لمصدر محذوف على رأي جمهور المعربين، التّقدير على الأوّل:يحبّونهموه أي الحبّ مشبها حبّ اللّه،و على الثّاني تقديره:حبّا مثل حبّ اللّه.و المصدر مضاف للمفعول المنصوب.

و الفاعل محذوف،التّقدير:كحبّهم اللّه أو كحبّ المؤمنين اللّه.و المعنى أنّهم سوّوا بين الحبّين:حبّ الأنداد و حبّ اللّه.[ثمّ ذكر قول ابن عطيّة و أضاف:]

فقوله:«مضاف إلى الفاعل المضمر»لا يعني أنّ المصدر أضمر فيه الفاعل و إنّما سمّاه مضمرا لمّا قدّره:

كحبّكم أو كحبّهم،فأبرزه مضمرا حين أظهر تقديره،أو يعني بالمضمر«المحذوف»و هو موجود في اصطلاح النّحويّين،أعني أن يسمّى الحذف إضمارا.و إنّما قلت ذلك،لأنّ من النّحويّين من زعم أنّ الفاعل مع المصدر لا يحذف،و إنّما يكون مضمرا في المصدر.و ردّ ذلك بأنّ

ص: 556

المصدر هو اسم جنس كالزّيت و القمح،و أسماء الأجناس لا يضمر فيها.[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]

و اختار كون المصدر مبنيّا للمفعول الّذي لم يسمّ فاعله،و هي مسألة خلاف أ يجوز أن يعتقد في المصدر أنّه مبنيّ للمفعول،فيجوز:عجبت من ضرب زيد،على أنّه مفعول لم يسمّ فاعله،ثمّ يضاف إليه،أم لا يجوز ذلك؟ فيه ثلاثة مذاهب،يفصل في الثّالث بين أن يكون المصدر من فعل لم يبن إلاّ للمفعول،نحو:عجبت من جنون بالعلم زيد،لأنّه من«جننت»الّتي لم تبن إلاّ للمفعول الّذي لم يسمّ فاعله،أو من فعل يجوز أن يبنى للفاعل و يجوز أن يبنى للمفعول،فيجوز في الأوّل و يمتنع في الثّاني،و أصحّها المنع مطلقا،و تقرير هذا كلّه في النّحو.

[ثمّ أدام الكلام في نصّ الأقوال و أضاف:]

فقيل:معنى أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ أي منهم للّه،لأنّ حبّهم للّه بواسطة،قاله الحسن،أو منهم لأوثانهم،قاله غيره.

و مقتضى التّمييز بالأشدّيّة إفراد المؤمنين له بالمحبّة أو لمعرفتهم بموجب الحبّ،أو لمحبّتهم إيّاه بالغيب،أو لشهادته تعالى لهم بالمحبّة؛إذ قال تعالى: يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أو لإقبال المؤمن على ربّه في السّرّاء و الضّرّاء و الشّدّة و الرّخاء،أو لعدم انتقاله عن مولاه و لا يختار عليه سواه،أو لعلمه بأنّ اللّه خالق الصّنم و هو الضّارّ النّافع،أو لكون حبّه بالعقل و الدّليل،أو لامتثاله أمره حتّى في القيامة،حين يأمر اللّه تعالى من عبده لا يشرك به شيئا أن يقتحم النّار،فيبادرون إليها فتبرد عليهم النّار،فينادي مناد تحت العرش: وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ و يأمر من عبد الأصنام أن يدخل معهم النّار فيجزعون،قاله ابن جبير.

تسعة أقوال ثبتت نقائضها و مقابلاتها لمتّخذ الأنداد، و هذه كلّها خصائص ميّز اللّه بها المؤمنين في حبّه على الكافرين،فذكر كلّ واحد من المفسّرين خصيصة، و المجموع هو المقتضى لتمييز الحبّ،فلا تباين بين الأقوال على هذا،لأنّ كلّ قول منها ليس على جهة الحصر فيه، إنّما هو مثال من أمثلة مقتضى التّمييز.

و قال في«المنتخب»:جمهور المتكلّمين على أنّ المحبّة نوع من أنواع الإرادة لا تعلّق لها إلاّ بالجائزات، فيستحيل تعلّق المحبّة بذات اللّه و صفاته.فإذا قلنا:يحبّ اللّه،فمعناه يحبّ طاعة اللّه و خدمته و ثوابه و إحسانه.

و حكى عن قوم سمّاهم هو بالعارفين أنّهم قالوا:نحبّ اللّه لذاته كما نحبّ اللّذّة لذاتها،لأنّه تعالى موصوف بالكمال،و الكمال محبوب لذاته.(1:469)

نحوه السّمين.(1:426)

أبو السّعود :و المحبّة:ميل القلب،من«الحبّ» استعير لحبّة القلب،ثمّ اشتقّ منه«الحبّ»لأنّه أصابها و رسخ فيها،و الفعل منها حبّ على حدّ مدّ،لكنّ الاستعمال المستفيض على أحبّ حبّا و محبّة فهو محبّ و ذاك محبوب،و محبّ قليل،و حابّ أقلّ منه.

و محبّة العبد للّه سبحانه:إرادة طاعته في أوامره و نواهيه،و الاعتناء بتحصيل مراضيه،فمعنى(يحبّونهم) يطيعونهم و يعظّمونهم،و الجملة في حيّز النّصب إمّا صفة ل(اندادا)أو حال من فاعل(يتّخذ)و جمع الضّمير

ص: 557

باعتبار معنى(من)كما أنّ إفراده باعتبار لفظها كَحُبِّ اللّهِ: مصدر تشبيهيّ أو نعت لمصدر مؤكّد للفعل السّابق،و من قضيّة كونه مبنيّا للفاعل كونه أيضا كذلك، و الظّاهر اتّحاد فاعلهما،فإنّهم كانوا يقرّون به تعالى أيضا و يتقرّبون إليه.فالمعنى حبّا كائنا كحبّهم للّه تعالى،أي يسوّون بينه تعالى و بينهم في الطّاعة و التّعظيم.

و قيل:فاعل الحبّ المذكور هم المؤمنون،فالمعنى حبّا كائنا كحبّ المؤمنين له تعالى،فلا بدّ من اعتبار المشابهة بينهما في أصل الحبّ لا في وصفه كمّا أو كيفا،لما سيأتي من التّفاوت البيّن.

و قيل:مصدر من المبنيّ للمفعول،أي كما يحبّ اللّه تعالى و يعظّم،و إنّما استغني عن ذكر من يحبّه لأنّه غير ملبّس،و أنت خبير بأنّه لا مشابهة بين محبّتهم لأندادهم و بين محبوبيّته تعالى،فالمصير حينئذ ما أسلفناه في تفسير قوله عزّ قائلا: كَما سُئِلَ مُوسى مِنْ قَبْلُ البقرة:

108،و إظهار الاسم الجليل في مقام الإضمار لتربية المهابة،و تفخيم المضاف،و إبانة كمال قبح ما ارتكبوه.

وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ جملة مبتدأة جيء بها توطئة لما يعقبها من بيان رخاوة حبّهم و كونه حسرة عليهم،و المفضّل عليه محذوف،أي المؤمنون أشدّ حبّا له تعالى منهم لأندادهم،و مآله أنّ حبّ أولئك له تعالى أشدّ من حبّ هؤلاء لأندادهم.فيه من الدّلالة على كون «الحبّ»مصدرا من المبنيّ للفاعل ما لا يخفى،و إنّما لم يجعل المفضّل عليه حبّهم للّه تعالى،لما أنّ المقصود بيان انقطاعه و لانقلابه بغضا،و ذلك إنّما يتصوّر في حبّهم لأندادهم لكونه منوطا بمبان فاسدة و مبادئ موهومة يزول بزوالها.

قيل:و لذلك كانوا يعدلون عنها عند الشّدائد إلى اللّه سبحانه،و كانوا يعبدون صنما أيّاما فإذا وجدوا آخر رفضوه إليه.و قد أكلت«باهلة»إلها عام المجاعة و كان من حيس.

و أنت خبير بأنّ مدار ذلك باعتبار اختلال حبّهم لها في الدّنيا،و ليس الكلام فيه بل في انقطاعه في الآخرة عند ظهور حقيقة الحال و معاينة الأهوال،كما سيأتي.بل اعتباره مخلّ بما يقتضيه مقام المبالغة في بيان كمال قبح ما ارتكبوه،و غاية عظم ما اقترفوه.و إيثار الإظهار في موضع الإضمار،لتفخيم الحبّ و الإشعار بعلّته.

(1:227)

نحوه البروسويّ.(1:270)

صدر المتألهين :في توضيح الفرق بين محبّة اللّه و محبّة الشّيطان:

اعلم أنّ المحبّة نوعان بحسب المحبّ و المحبوب:محبّة هي من صفات الإنسان بحسب طبيعته البشريّة-و هي من هوى النّفس الأمّارة بالسّوء-و محبّة هي من صفات الحقّ-و هي من آثار الإرادة القديمة الإلهيّة الّتي اقتضت خلق العالم بما فيه-كما قال تعالى:«كنت كنزا مخفيّا فأحببت أن أعرف فخلقت الخلق لأعرف».

و قال بعض الحكماء:«لو لا عشق العالي لا نطمس السّافل»فمن وكّل إلى محبّته النّفسانيّة تعلّقت بما يلائم هوى النّفس من أصناف الأصنام الّتي ينحتها الشّيطان، ليسخّر بها النّفوس و يجعلها من جنوده المعادية المنازعة (المتنازعة-ن)لجنود الرّحمن،و جنوده أهل الدّنيا المحبّين لشهواتها و زهراتها سواء كانوا متّسمين بالإسلام

ص: 558

أو بالكفر،إذ لا فرق عند أرباب الحقيقة بين عبدة الأصنام و عبدة الدّنيا.

فكما أنّ الكفّار بعضهم يحبّون اللاّت و يعبدونها، و بعضهم يحبّون العزّى و يعبدونها،كذلك أهل الدّنيا بعضهم يحبّون الأموال و يعبدونها،و بعضهم الأولاد و يعبدونها،و بعضهم يحبّ غير ذلك،كما قال سبحانه:

وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ.

و لهذا أعلم اللّه عباده عن فتنة هذه الأشياء و حذّرهم عنها بقوله: إِنَّما أَمْوالُكُمْ وَ أَوْلادُكُمْ فِتْنَةٌ و بقوله: إِنَّ مِنْ أَزْواجِكُمْ وَ أَوْلادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ التّغابن:14،15.يعني:فاحذروهم عن محبّتهم لأنّ محبّتهم،يمنعكم عن محبّة اللّه،و هو الحبيب و أنّهم العدوّ،لأنّهم من توابع ما هو عدوّ بالأصالة و هو الهوى و الطّاغوت.

و قال تعالى في موضع آخر في حقّ الّذين ستروا أنوار روحانيّتهم و محبّة اللّه بظلمات صفات نفسانيّتهم من هوى النّفس و جحود الحقّ و إنكاره و حبّ الشّهوات: زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ -إلى قوله- ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ آل عمران:14.

يعني:ذلك متمتّعات أهل الدّنيا،و الّذين يأكلون الدّنيا و يتمتّعون بها كما تأكل الأنعام و يتمتّع بها فالنّار مثوى لهم،و لخواصّ اللّه المقبولين عنده بقبول العناية، المجذوبين لديه عن شهوات نفوسهم و الطّبائع الحيوانيّة بجذبات الهداية الرّبّانيّة عنده حسن المآب،لدوام ابتهاجهم بنور الحقّ و مشاهدة صفات جماله و جلاله، و من وكّل إلى محبّة اللّه و كان في الأزل أهلا لها فما وكّل إلى محبّة النّفس و هواها،بل جذبته العناية الأزليّة و نظمته في سلك الكناية المذكورة في بشارة يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ فإنّها لا يتعلّق بغير اللّه،لأنّها من عالم الوحدة فلا يقبل الشّركة،كما قال اللّه تعالى: وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ.

و ممّا وقع في الفرس تفطّنا لهذا المعنى حيث قيل:

بلى سلطان معشوقان غيور است

ز شركت ملك معشوقيش دور است

نمى خواهد ز انجام وز آغاز

در اين منصب كسى را با خود انباز

و ذلك لأنّ أولياء الشّيطان أحبّوا الأنداد بمحبّة فانية نفسانيّة،و أحبّاء اللّه أحبّوه بمحبّة باقية ربّانيّة، كما قيل شعرا:

قد طال إلى لقائكم أشواقي

و الهجر و ما أراق من آماقي

لو قطّعني الفراق إربا إربا

في المهجة حبّكم كما هو باق

بل أحبّوه بجميع أجزائهم الفانية و الباقية كما قيل:

الشّوق أكثر أن يختصّ جارحة

كلّي إليك على الحالات مشتاق

و لهذا احترزوا عن محبّة غير اللّه،إذ لم يبق فيهم موضع محبّة الغير،كيف و محبّتهم تمنع عن محبّة اللّه،و هو الحبيب الأوّل،و أنّهم العدوّ،فمن أحبّ اللّه يرى ما سواه بنظر العداوة،كما كان حال الخليل عليه السّلام فقال: فَإِنَّهُمْ

ص: 559

عَدُوٌّ لِي إِلاّ رَبَّ الْعالَمِينَ الشّعراء:77.

فكما أنّ لأرباب النّفوس بغلبات الشّهوات النّفسانيّة حظوظ منبعثة من دركات الجحيم-من النّساء و البنين و الذّهب و الفضّة و الخيل و الأنعام و الحرث-على عدد أبوابها السّبعة و دركاتها الّتي كلّها محفوفة بالشّهوات كما قال صلّى اللّه عليه و آله:«حفّت النّار بالشّهوات»لكلّ دركة شهوة لها سبعة أبواب لكلّ باب جزء مقسوم،منهم يتلذّذون بها عاجلا،و يصلونها يوم الدّين آجلا،كما قال: إِنَّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ -يعني الآن عاجلا- يَصْلَوْنَها يَوْمَ الدِّينِ -يعني غدا آجلا- وَ ما هُمْ عَنْها بِغائِبِينَ الانفطار:14-16 فكذلك لأرباب القلوب بغلبات أوصافها الرّوحانيّة و جذبات عناياتها الرّبّانيّة حظوظ من درجات الجنان و نعيمها عاجلا ثمّ يدخلونها آجلا، كما قال سبحانه و تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ الانفطار:13،نعيم الآثار و الأفعال،و أمّا نعيم الذّات و الصّفات فأشار إليه بقوله: وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ آل عمران:14،و بقوله تعالى: اَللّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ الشّورى:13.

(4:258)

مكاشفة قرآنيّة

اعلم هداك اللّه طريق معرفته و عبوديّته،إنّ كلّ من أحبّ شيئا محبّة نفسانيّة أو اعتقد معبودا حصر الإلهيّة فيه من المعتقدات المخالفة لما هو الحقّ في ذاته فهو بالحقيقة مشرك عابد للصّنم-سواء كان صنمه صورة موهومة أو شبحا محسوسا-و قد مرّ أنّه لا يعتقد معتقد من المحجوبين الّذين جعلوا الإله منحصرا في صورة معتقدهم فقط إلاّ بما جعل في نفسه و تصوّره بوهمه،فإنّ الإله من حيث ذاته منزّه عن التّعيّن و التّقيّد،و بحسب أسمائه و صفاته له ظهورات في صور مختلفة،فكلّ من أحبّ غير اللّه كحبّ اللّه،فلم يكن أهلا لمحبّة اللّه مخلصا، بل طردته العزّة و الغيرة الإلهيّة إلى محبّة الأنداد و اتّخاذ ما هو دون اللّه،سواء كانت الأهل و الأولاد و الأحجار و الأجساد.

و تحقيق ذلك أنّ كلّ محبّة لشيء فهو عبوديّة له.

[ثمّ ذكر نوعي المحبّة كما سبق له و أضاف:]

فمن أحبّ اللّه ينظر إلى ما سواه من حيث هو ما سواه بنظر العداوة،كما كان حال الخليل عليه السّلام فقال: فَإِنَّهُمْ عَدُوٌّ لِي إِلاّ رَبَّ الْعالَمِينَ الشّعراء:77.

و من كان في الأزل اهلا لمحبّة اللّه و عبوديّته فما وكّل إلى المحبّة النّفسانيّة الشّيطانيّة،بل جذبته العناية الأزليّة و نظمته في سلك الكناية من قول:(يحبّهم)فيتجلّى لهم بصفة المحبّة،فانعكست تلك المحبّة لمرائي قلوبهم،فبتلك المحبّة يحبّونه،فلا تتعلّق تلك المحبّة بغير اللّه،لأنّها فائضة من عالم الوحدة فلا تقبل الشّركة،كما قال تعالى:

وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ، و لو أحبّ غيره لأحبّه من حيث كونه وليّا له،نبيّا مبعوثا من حضرته،أو كتابا نازلا من عنده،أو أمّة قانتا للّه.

و لأنّ الأعداء-كأهل الدّنيا-أحبّوا الأنداد بمحبّة فانية نفسانيّة،و الأحبّاء أحبّوا اللّه بمحبّة باقية أزليّة، فلا محالة لمّا تقطّعت بالموت عنهم هذه الأسباب و رأوا مبادي العذاب،يتبرّأ أهل هذه المحبّة الفانية بعضهم عن

ص: 560

بعض،كما قال تعالى: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ البقرة:

166،و يكون حاصل أمرهم الفرقة و العداوة و التّبرّي، كقوله: يا لَيْتَ بَيْنِي وَ بَيْنَكَ بُعْدَ الْمَشْرِقَيْنِ فَبِئْسَ الْقَرِينُ الزّخرف:38،و قوله: اَلْأَخِلاّءُ يَوْمَئِذٍ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ إِلاَّ الْمُتَّقِينَ الزّخرف:67.

إذا تحقّقت ما ذكرناه و فهمت ما مهّدناه فاعلم أنّ المراد من قوله: وَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللّهِ آلِهَةً لَعَلَّهُمْ يُنْصَرُونَ يس:74،هو اتّخاذ ما سوى اللّه للمحبّة النّفسانيّة الّتي ترجع إلى عبادة الصّور الوهميّة،إذ من أحبّ غير اللّه فهو لا يزال يعبده و يخدمه و يتوصّل إليه، و يتحرّى الطّريق إلى وصلته،و التّقرّب منه و الاتّحاد به، و يتصوّر أنّ الوصول إليه يستلزم النّصرة له،و يدخل السّرور في قلبه،و يوجب له اللّذّة الوافرة و السّكون و الرّاحة و الطّمأنينة.

و هذا حال أكثر النّاس في المستلذّات الحسّيّة،مثل الأهل،و المال،و الولد،و الجاه،و الرّفعة،و الاشتهار، و الصّيت،و تقرّب الملوك و السّلاطين،و هكذا حال من يتولّى الشّياطين و يحبّ أهل الملل الباطلة و أصحاب الأديان الفاسدة،و كذا كلّ من يعتقد شيخا و إماما تعصّبا و افتخارا لا من جهة المحبّة الإيمانيّة و المحبّة الإلهيّة و طلب الاهتداء باللّه و تحصيل المعرفة و اليقين،فإنّ الجميع متّخذون من دون اللّه آلهة عابدون إيّاها،لاغترارهم بظنونهم الفاسدة:أنّ هذه الآلهة الباطلة ينصرونهم من دون اللّه.

و ذلك لجهلهم بالمعارف الحقّة،و إعراضهم عن ذكر اللّه و التّدبّر في آياته و أفعاله،كما في قوله تعالى: بَلْ هُمْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِمْ مُعْرِضُونَ* أَمْ لَهُمْ آلِهَةٌ تَمْنَعُهُمْ مِنْ دُونِنا لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَ أَنْفُسِهِمْ وَ لا هُمْ مِنّا يُصْحَبُونَ* بَلْ مَتَّعْنا هؤُلاءِ وَ آباءَهُمْ حَتّى طالَ عَلَيْهِمُ الْعُمُرُ الأنبياء:

42-44،و من عرف اللّه و عرف صفاته و أفعاله،و نظر إلى الأشياء بنظر التّوحيد الأفعاليّ،يقول لهؤلاء المتّخذين غير اللّه مخدومين معبودين: أُفٍّ لَكُمْ وَ لِما تَعْبُدُونَ الأنبياء:67.و يعلم أن لا هادي و لا معطي إلاّ اللّه،و أن لا يستطيع أحد نصره إلاّ اللّه،و لا يشفع له شفاعة إلاّ بإذن اللّه،كما قال تعالى: لا يَسْتَطِيعُونَ نَصْرَهُمْ يس:75،و كقوله: مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلاّ بِإِذْنِهِ البقرة:255.

(5:334)

الآلوسيّ: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ إمّا جملة مستأنفة أو صفة«الأنداد»،أو صفة ل(من)إذا جعلتها نكرة موصوفة مسوقة لبيان وجه الاتّخاذ،و المحبّة ميل القلب من«الحبّ»واحد الحبوب،استعير لحبّة القلب و سويدائه،ثمّ اشتقّ منه«الحبّ»لأنّه يؤثّر في صميم القلب و يرسخ فيه،و محبّة العباد للّه تعالى عند جمهور المتكلّمين نوع من الإرادة،سواء قلنا:إنّها نفس الميل التّابع لاعتقاد النّفع كما هو رأي المعتزلة،أو صفة مرجّحة مغايرة له كما هو مذهب أهل السّنّة،فلا تتعلّق إلاّ بالجائزات،و لا يمكن تعلّقها بذاته تعالى.فمحبّة العبد له سبحانه إرادة طاعته و تحصيل مراضيه،و هذا مبنيّ على انحصار المطلوب بالذّات في اللّذّة و رفع الألم.

و العارفون باللّه سبحانه قالوا:إنّ الكمال أيضا

ص: 561

محبوب لذاته،فالعبد يحبّ اللّه تعالى لذاته،لأنّه الكامل المطلق الّذي لا يداني كماله كمال،و أمّا محبّة خدمته و ثوابه فمرتبة نازلة،و محبّة اللّه تعالى للعباد صفة له عزّ شأنه لا تتكيّف و لا يحوم طائر الفكر حول حماها،و قيل:إرادة إكرامه و استعماله في الطّاعة و صونه عن المعاصي.

و المراد بالمحبّة هنا:التّعظيم و الطّاعة،أي أنّهم يسوّون بين اللّه تعالى و بين الأنداد المتّخذة فيعظّمونهم، و يطيعونهم،كما يعظّمون اللّه تعالى و يميلون إلى طاعته، و ضمير الجمع المنصوب راجع إلى«الأنداد».فإن أريد بها الرّؤساء فواضح،و إلاّ فالتّعبير عنها بضمير العقلاء باعتبار ذلك الزّعم الباطل،أنّهم أنداد اللّه تعالى، و المصدر المضاف من المبنيّ للفاعل و فاعله ضميرهم بقرينة سبق الذّكر،و إنّ المشركين يعترفون به تعالى، و يلجئون إليه في الشّدائد وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ لقمان:25، فَإِذا رَكِبُوا فِي الْفُلْكِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ العنكبوت:

65.

و قيل و هو الخلاف الظّاهر و عدول عمّا يقتضيه:

كون جملة يُحِبُّونَهُمْ بيانا لوجه الاتّخاذ،إنّه مصدر المبنيّ للمفعول،و استغني عن ذكر من يحبّ لأنّه غير ملبّس،و المعنى على تشبيه محبوبيّة الأنداد من جهة المشركين بمحبوبيّته تعالى من جهة المؤمنين،و لا ينافي ذلك قوله تعالى: وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ لأنّ التّشبيه إنّما وقع بين المحبوبيّتين،و ذلك يقتضي أن يكون محبوبيّة الأصنام مماثلا لمحبوبيّته تعالى،و التّرجيح بين المحبّتين لكن باعتبار رسوخ إحداهما دون الأخرى.

فإنّ المراد بشدّة محبّة المؤمنين:شدّتها في المحلّ و هو رسوخها فيهم و عدم زوالها عنهم بحال،لا كمحبّة المشركين لآلهتهم حيث يعدلون عنها إلى اللّه تعالى عند الشّدائد،و يتبرّءون منها عند معاينة الأهوال،و يعبدون الصّنم زمانا ثمّ يرفضونه إلى غيره و ربّما أكلوه،كما يحكى:«أنّ«باهلة»كانت لهم أصنام من حيس فجاعوا في قحط أصابهم فأكلوها.

و للّه أبوهم فإنّه لم ينتفع مشرك بآلهته كانتفاع هؤلاء بها،فإنّهم ذاقوا حلاوة الكفر،و ليس المراد من شدّة المحبّة:شدّتها،و قوّتها في نفسها،ليرد أنّا نرى الكفّار يأتون بطاعات شاقّة لا يأتي بشيء منها أكثر المؤمنين،فكيف يقال:إنّ محبّتهم أشدّ من محبّتهم،و من هذا ظهر وجه اختيار أَشَدُّ حُبًّا على«أحبّ»،إذ ليس المراد الزّيادة في أصل الفعل بل الرّسوخ و الثّبات و هو ملاك الأمر،و لهذا نزل فَاسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ هود:112،و كان أحبّ الأعمال إليه صلّى اللّه عليه و سلّم أدومها.

و قال العلاّمة:عدل عن«أحبّ»إلى«أشدّ»،لأنّه شاع في الأشدّ محبوبيّة،فعدل عنه احترازا عن اللّبس.

و قيل:إنّ«أحبّ»أكثر من«حبّ»،فلو صيغ منه «أفعل»لتوهّم أنّه من المزيد.(2:34)

رشيد رضا : وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ أي يجعلون من بعض خلق اللّه نظراء له فيما هو خاصّ به يحبّونهم كحبّه؛ذلك أنّ الحبّ ضروب شتّى تختلف باختلاف أسبابها و عللها، و كلّها ترجع إلى الأنس بالمحبوب أو الرّكون،و الالتجاء إليه عند الحاجة.فقد يحبّ الإنسان شخصا لأنّه يأنس به

ص: 562

و يرتاح إلى لقائه لمشاكلة بينهما،و لا مشاكلة بين اللّه تعالى و بين النّاس،فيظهر فيهم هذا النّوع من الحبّ.

و من أسباب الحبّ اعتقاد المحبّ أنّ في المحبوب قدرة فوق قدرته،و نفوذا يعلو نفوذه،مع ثقته بأنّه يهتمّ لأمره و يعطف عليه؛بحيث يمكنه اللّجأ إليه عند الحاجة، فيستعين به على ما لا سبيل له إليه بدونه.فهذا الاعتقاد يحدث انجذابا من المعتقد يصحبه شعور خفيّ بأنّ له قوّة عالية مستمدّة ممّن يحبّ،و يعظم هذا النّوع من الحبّ بمقدار ما يعتقد في المحبوب من الصّفات و المزايا الّتي بها كان مصدر المنافع و ركن اللاّجئ،و كلّ ما للمخلوق من ذلك فهو داخل في دائرة الأسباب و المسبّبات و الأعمال الكسبيّة.

و أمّا قوّة الخالق و قدرته،و ما يعتقده المؤمنون فيه من الرّحمة الشّاملة،و الصّفات الكاملة،و المشيئة النّافذة،و التّصرّف المطلق في تسخير الأسباب و المسبّبات،و السّلطان المطاع في الأرض و السّماوات، فذلك ممّا يجعل حبّه تعالى أعلى من كلّ ما يحبّ،للرّجاء فيه و انتظار الاستفادة منه و لغير ذلك.و هذا الحبّ لا ينبغي أن يكون لغير اللّه تعالى؛إذ لا يلجأ إلى غيره في كلّ شيء كما يلجأ إليه.

و لكن متّخذي الأنداد قد أشركوا أندادهم معه فى هذا الحبّ،فحبّهم إيّاهم من نوع حبّهم إيّاه جلّ ثناؤه:

لا يخصّونه بنوع من الحبّ؛إذ لا يرجون منه شيئا إلاّ و قد جعلوا لأندادهم مثله،أو ضربا من التّوسّط الغيبيّ فيه، فهم كفّار مشركون بهذا الحبّ الّذي لا يصدر من مؤمن موحّد،و لذلك قال تعالى بعد بيان شركهم هذا:

وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ من كلّ ما سواه،لأنّ حبّهم له خاصّ به سبحانه لا يشركون فيه غيره،فحبّهم ثابت كامل،لأنّ متعلّقه هو الكمال المطلق الّذي يستمدّ منه كلّ كمال.و أمّا متّخذو الأنداد فإنّ حبّهم متوزّع متزعزع،لا ثبات له و لا استقرار.

للمؤمن محبوب واحد يعتقد أنّ منه كلّ شيء،و بيده ملكوت كلّ شيء،و له القدرة و السّلطان على جميع الأكوان،فما ناله من خير كسبيّ فهو بتوفيقه و هدايته، و ما جاءه بغير حساب فهو بتسخيره و عنايته،و ما توجّه إليه من أمر فتعذّر عليه،فهو يكله إليه،و يعول فيه عليه.و للمشرك أنداد متعدّدون،و أرباب متفرّقون، فإذا حزبه أمر،أو نزل به ضرّ،لجأ إلى بشر أو صخر،أو توسّل بحيوان أو قبر،أو استشفع بزيد و عمرو،لا يدري أيّهم يسمع و يسمع،و يشفع فيشفّع،فهو دائما مبلبل البال،لا يستقرّ من القلق على حال.

هذا هو حبّ المشركين للقسم الأوّل من الأنداد؛ و من الحبّ نوع سببه الإحسان السّابق،كما أنّ سبب الأوّل الرّجاء بالإحسان اللاّحق،و من الإحسان ما تتمتّع به ساعة أو يوما أو أيّاما متاعا قليلا أو كثيرا، و منه ما تكون به سعيدا في حياتك كلّها كالتّربية الصّحيحة و التّعليم النّافع،و الإرشاد إلى ما خفي من المنافع،و كلّ هذا ممّا يكون من النّاس بكسبهم.و ليس في طاقة البشر أن يحسن بعضهم إلى بعض بإحسان،إذا قبله المحسن إليه و عمل به يكون سعيدا في الدّنيا و الآخرة؛بحيث تكون سعادته به غير متناهية.

و هذا الإحسان الّذي يعجز عنه البشر هو هداية

ص: 563

الدّين الّتي تعلّم النّاس العقائد الصّحيحة الّتي ترتقي بها العقول و تخرج بها من ظلمات الوثنيّة،و التّعاليم الّتي تتهذّب بها النّفوس و تتزكّى من الصّفات البهيميّة، و قوانين العبادة الّتي تغذّي العقائد و الأخلاق،حتّى لا يعتريها كسوف و لا محاقّ.

فالدّين وضع إلهيّ يحسن اللّه تعالى به إلى البشر على لسان واحد منهم،لا كسب له فيه و لا صنع،و لا يصل إليه بتلقّ و لا تعلّم إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى النّجم:4، فيجب أن يحبّ صاحب هذا الإحسان سبحانه و تعالى حبّا لا يشرك به معه أحد،و لكن متّخذي الأنداد- بالمعنى الثّاني في كلامنا-قد أشركوا أندادهم مع اللّه تعالى في هذا الحبّ؛إذ جعلوا لهم شركة في هذا الإحسان بسوء التّأويل كما تقدّم،فكما يأخذون بآرائهم على أنّها دين من غير أن يعلموا من أين أخذوها و إن لم يأمروهم بذلك بل و إن نهوهم عنه يتمسّكون،كذلك بتأويلهم لما أنزل اللّه،كأنّ التّأويل أنزل معه بدون استعمال العقل و دلالة اللّغة و بقيّة نصوص الدّين،للعلم بصحّته و انطباقه على الحقّ.

و أمّا المؤمنون حقّا فإنّهم يوحّدون اللّه تعالى و يخصّونه بهذا الحبّ كما يوحّدونه بالتّشريع،بمعنى أنّهم لا يأخذون الدّين إلاّ عن الوحي،و لا يفهمونه إلاّ بقرائن ما جاء به الوحي،و إنّما الأئمّة و العلماء ناقلون للنّصوص و مبيّنون لها،بل قال اللّه تعالى للنّبيّ نفسه: وَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنّاسِ ما نُزِّلَ إِلَيْهِمْ النّحل:44، فهؤلاء المؤمنون يسترشدون بنقلهم و بيانهم،و لكنّهم لا يقلّدونهم في عقائدهم و لا عبادتهم،و لا يأخذون بآرائهم في الدّين الّذي هو عبارة عن سير الأرواح من عالم إلى عالم،بل يجوّزون كلّ عقبة،و يدوسون كلّ رئاسة في سبيل اللّه تعالى و محبّته و ابتغاء رضوانه،فهم متعلّقون باللّه و مخلصون له أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ وَ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِياءَ ما نَعْبُدُهُمْ إِلاّ لِيُقَرِّبُونا إِلَى اللّهِ زُلْفى إِنَّ اللّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي ما هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ الزّمر:3، وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ البيّنة:5، إِنِ الْحُكْمُ إِلاّ لِلّهِ أَمَرَ أَلاّ تَعْبُدُوا إِلاّ إِيّاهُ يوسف:40.

فالمؤمنون هم المخلصون للّه في دينهم الّذين لا يأخذون أحكامه إلاّ عن وحيه،و أمّا متّخذو الأنداد و محبّوهم بهذا المعنى فهم الّذين ورد في بعضهم وَ إِذا دُعُوا إِلَى اللّهِ وَ رَسُولِهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ إِذا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ النّور:48،فهم لا يقبلون حكم اللّه في كتابه، و لكن إذا دعوا ليحكم بينهم بآراء رؤسائهم أقبلوا مذعنين.(2:68-70)

سيّد قطب :إنّ المؤمنين لا يحبّون شيئا حبّهم للّه،لا أنفسهم و لا سواهم،لا أشخاصا و لا اعتبارات و لاشارات،و لا قيما من قيم هذه الأرض الّتي يجري وراءها النّاس.

وَ الَّذِينَ آمَنُوا... أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ ،حبّا مطلقا من كلّ موازنة،و من كلّ قيد.أشدّ حبّا للّه من كلّ حبّ يتّجهون به إلى سواه.و التّعبير هنا بالحبّ تعبير جميل،فوق أنّه تعبير صادق،فالصّلة بين المؤمن الحقّ و بين اللّه هي صلة الحبّ،صلة الوشيجة القلبيّة،و التّجاذب الرّوحيّ،صلة المودّة و القربى،صلة الوجدان المشدود بعاطفة الحبّ

ص: 564

المشرق الودود.(1:154)

مغنيّة: (كحبّ اللّه):الكاف بمعنى مثل،صفة لمفعول مطلق محذوف،تقديره:يحبّونهم كحبّ اللّه، و(اشدّ)خبر اَلَّذِينَ آمَنُوا، و(حبّا):تمييز.[إلى أن قال:]

و قيل:إنّ معنى حبّ اللّه سبحانه هو حبّ الكمال، لأنّه الكمال المطلق.و قيل:بل هو العلم بعظمته و قدرته و حكمته،و قيل:الإيمان بأنّه المبدئ المعيد،و إنّ كلّ شيء في يده.

و نحن على الطّريقة الّتي التزمناها من اختيار المعنى الملائم الواضح القريب إلى كلّ فهم،و على هذا الأساس نقول:إنّ الّذي يحبّ اللّه هو الّذي يخالف هواه،و يطيع مولاه،كما قال الإمام الصّادق عليه السّلام في تعريف من يؤخذ الدّين عنه،و بكلمة:إنّ معنى حبّك للّه:أن تترك ما تريد لما يريد،كما أنّ معنى محبّة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله العمل بسنّته.أمّا حبّ اللّه لعبده فإجزال الثّواب له،و جاء في الحديث:

«سأعطي الرّاية غدا إلى رجل-و هو عليّ بن أبي طالب- يحبّ اللّه و رسوله،و يحبّه اللّه و رسوله...»أي أنّ عليّا يطيع اللّه،و اللّه يجزل له الثّواب،و الرّسول يكرمه و يقدّمه.

و بعد،فإنّ كلّ من يؤثر طاعة المخلوق على طاعة الخالق فقد اتّخذ من دون اللّه أندادا،من حيث يريد،أو لا يريد.

وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ: لأنّهم لا يشركون أحدا في طاعته،و الثّقة به،و التّوكّل عليه،أما غير المؤمنين فيثقون بالعديد من الأنداد،و يشركونهم مع اللّه في الطّاعة،و طلب الخير،و دفع الشّرّ.(1:254)

الطّباطبائيّ: و في التّعبير بلفظ(يحبّونهم)دلالة على أنّ المراد ب«الأنداد»ليس هو الأصنام فقط بل يشمل الملائكة،و أفرادا من الإنسان الّذين اتّخذوهم أربابا من دون اللّه تعالى،بل يعمّ كلّ مطاع من دون اللّه من غير أن يأذن اللّه في طاعته،كما يشهد به ما في ذيل الآيات من قوله: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا البقرة:166،و كما قال تعالى: وَ لا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ آل عمران:64، و قال تعالى: اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ التّوبة:31،و في الآية دليل على أنّ الحبّ يتعلّق باللّه تعالى حقيقة،خلافا لمن قال:إنّ الحبّ-و هو وصف شهوانيّ-يتعلّق بالأجسام و الجسمانيّات، و لا يتعلّق به سبحانه حقيقة،و أنّ معنى ما ورد من الحبّ له:الإطاعة بالائتمار بالأمر و الانتهاء عن النّهي تجوّزا، كقوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ آل عمران:31.

و الآية حجّة عليهم،فإنّ قوله تعالى: أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ يدلّ على أنّ حبّه تعالى يقبل الاشتداد،و هو في المؤمنين أشدّ منه في المتّخذين للّه أندادا،و لو كان المراد بالحبّ هو الإطاعة مجازا كان المعنى:و الّذين آمنوا أطوع للّه،و لم يستقم معنى التّفضيل،لأنّ طاعة غيرهم ليست بطاعة عند اللّه سبحانه،فالمراد بالحبّ:معناه الحقيقيّ.

و يدلّ عليه أيضا قوله تعالى: قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ إلى قوله: أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ التّوبة:24،فإنّه ظاهر في أنّ الحبّ المتعلّق باللّه و الحبّ

ص: 565

المتعلّق برسوله و الحبّ المتعلّق بالآباء و الأبناء و الأموال و غيرها جميعا من سنخ واحد،لمكان قوله: أَحَبَّ إِلَيْكُمْ و أفعل التّفضيل يقتضي اشتراك المفضّل و المفضّل عليه في أصل المعنى،و اختلافهما من حيث الزّيادة و النّقصان.

ثمّ إنّ الآية ذمّت المتّخذين للأنداد،بقوله:

يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ ثمّ مدح المؤمنين بأنّهم أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ سبحانه،فدلّ التّقابل بين الفريقين على أنّ ذمّهم إنّما هو لتوزيعهم المحبّة الإلهيّة بين اللّه و بين الأنداد الّذين اتّخذوهم أندادا.

و هذا و إن كان بظاهره يمكن أن يستشعر منه أنّهم لو وضعوا له سبحانه سهما أكثر لم يذمّوا على ذلك،لكن ذيل الآية ينفي ذلك،فإنّ قوله: إِذْ يَرَوْنَ الْعَذابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً البقرة:165،و قوله: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَ رَأَوُا الْعَذابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ البقرة:166،و قوله: كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ البقرة:167،يشهد بأنّ الذّمّ لم يتوجّه إلى الحبّ من حيث إنّه حبّ،بل من جهة لازمه الّذي هو الاتّباع.

و كان هذا الاتّباع منهم لهم لزعمهم أنّ لهم قوّة يتقوّون بها لجلب محبوب أو دفع مكروه عن أنفسهم، فتركوا بذلك اتّباع الحقّ من أصله أو في بعض الأمر، و ليس من اتّبع اللّه في بعض أمره دون بعض بمتّبع له، و حينئذ يندفع الاستشعار المذكور،و يظهر أنّ هذا الحبّ يجب أن لا يكون للّه فيه سهيم و إلاّ فهو الشّرك،و اشتداد هذا الحبّ ملازم لانحصار التّبعيّة من أمر اللّه،و لذلك مدح المؤمنين بذلك في قوله: وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ.

و إذ كان هذا المدح و الذّمّ متعلّقا بالحبّ،من جهة أثره الّذي هو الاتّباع،فلو كان الحبّ للغير بتعقيب إطاعة اللّه تعالى في أمره و نهيه،لكون الغير يدعو إلى طاعته تعالى-ليس له شأن دون ذلك-لم يتوجّه إليه ذمّ البتّة،كما قال تعالى: قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ إلى قوله: أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ التّوبة:24، فقرّر لرسوله حبّا كما قرّره لنفسه،لأنّ حبّه عليه السّلام حبّ اللّه تعالى،فإنّ أثره و هو الاتّباع عين اتّباع اللّه تعالى،فإنّ اللّه سبحانه هو الدّاعي إلى إطاعة رسوله و الآمر باتّباعه، قال تعالى: وَ ما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاّ لِيُطاعَ بِإِذْنِ اللّهِ النّساء:64،و قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ آل عمران:31،و كذلك اتّباع كلّ من يهتدي إلى اللّه باتّباعه،كعالم يهدي بعلمه أو آية تعين بدلالته و قرآن يقرّب بقراءته و نحو ذلك،فإنّها كلّها محبوبة بحبّ اللّه،و اتّباعها طاعة تعدّ مقرّبة إليه.

فقد بان بهذا البيان أنّ من أحبّ شيئا من دون اللّه ابتغاء قوّة فيه فاتّبعه في تسبيبه إلى حاجة ينالها منه،أو اتّبعه بإطاعته في شيء لم يأمر اللّه به،فقد اتّخذ من دون اللّه أندادا و سيريهم اللّه أعمالهم حسرات عليهم،و أنّ المؤمنين هم الّذين لا يحبّون إلاّ اللّه،و لا يبتغون قوّة إلاّ من عند اللّه،و لا يتّبعون غير ما هو من أمر اللّه و نهيه،فأولئك هم المخلصون للّه دينا.

و بان أيضا أنّ حبّ من حبّه من حبّ اللّه،و اتّباعه اتّباع اللّه كالنّبيّ و آله و العلماء باللّه،و كتاب اللّه و سنّة

ص: 566

نبيّه،و كلّ ما يذكر اللّه بوجه إخلاص للّه ليس من الشّرك المذموم في شيء،و التّقرّب بحبّه و اتّباعه تقرّب إلى اللّه، و تعظيمه بما يعدّ تعظيما من تقوى اللّه،قال تعالى:

وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ الحجّ:

32،و الشّعائر هي العلامات الدّالّة،و لم يقيّد بشيء مثل الصّفا و المروة و غير ذلك،فكلّ ما هو من شعائر اللّه و آياته و علاماته المذكّرة له،فتعظيمه من تقوى اللّه، و يشمله جميع الآيات الآمرة بالتّقوى.

نعم لا يخفى لذي مسكة أنّ إعطاء الاستقلال لهذه الشّعائر و الآيات في قبال اللّه،و اعتقاد أنّها تملك لنفسها أو غيرها نفعا أو ضرّا أو موتا أو حياة أو نشورا،إخراج لها عن كونها شعائر و آيات،و إدخال لها في حظيرة الألوهيّة،و شرك باللّه العظيم،و العياذ باللّه تعالى.

(1:405)

2- زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ... آل عمران:14

الفخر الرّازيّ: حُبُّ الشَّهَواتِ فيه أبحاث ثلاثة:

الأوّل:أنّ الشّهوات هاهنا هي الأشياء المشتهيات...

البحث الثّاني:قال المتكلّمون:دلّت هذه الآية على أنّ الحبّ غير الشّهوة،لأنّه أضاف الحبّ إلى الشّهوة و المضاف غير المضاف إليه،و الشّهوة من فعل اللّه تعالى، و المحبّة من أفعال العباد،و هي عبارة عن أن يجعل الإنسان كلّ غرضه و عيشه في طلب اللّذّات و الطّيّبات.

البحث الثّالث:قالت الحكماء:الإنسان قد يحبّ شيئا و لكنّه يحبّ أن لا يحبّه،مثل المسلم فإنّه قد يميل طبعه إلى بعض المحرّمات لكنّه يحبّ أن لا يحبّ.و أمّا من أحبّ شيئا و أحبّ أن يحبّه،فذاك هو كمال المحبّة.

فإن كان ذلك في جانب الخير فهو كمال السّعادة،كما في قوله تعالى حكاية عن سليمان عليه السّلام: إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ ص:32.و معناه أحبّ الخير و أحبّ أن أكون محبّا للخير.

و إن كان ذلك في جانب الشّرّ،فهو كما قال في هذه الآية،فإنّ قوله: زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ يدلّ على أمور ثلاثة مرتّبة:أوّلها:أنّه يشتهي أنواع المشتهيات،و ثانيها:أنّه يحبّ شهوته لها،و ثالثها:أنّه يعتقد أنّ تلك المحبّة حسنة و فضيلة،و لمّا اجتمعت في هذه القضيّة الدّرجات الثّلاث بلغت الغاية القصوى في الشّدّة و القوّة،و لا يكاد ينحلّ إلاّ بتوفيق عظيم من اللّه تعالى.

ثمّ إنّه تعالى أضاف ذلك إلى(النّاس)و هو لفظ عامّ دخله حرف التّعريف فيفيد الاستغراق،فظاهر اللّفظ يقتضي أنّ هذا المعنى حاصل لجميع النّاس،و العقل أيضا يدلّ عليه،و هو أنّ كلّ ما كان لذيذا و نافعا فهو محبوب و مطلوب لذاته.

و اللّذيذ النّافع قسمان:جسمانيّ و روحانيّ،و القسم الجسمانيّ حاصل لكلّ أحد في أوّل الأمر،و أمّا القسم الرّوحانيّ فلا يكون إلاّ في الإنسان الواحد على سبيل النّدرة،ثمّ ذلك الإنسان إنّما يحصل له تلك اللّذّة الرّوحانيّة بعد استئناس النّفس باللّذّات الجسمانيّة، فيكون انجذاب النّفس إلى اللّذّات الجسمانيّة كالملكة

ص: 567

المستقرّة المتأكّدة،و انجذابها إلى اللّذّات الرّوحانيّة كالحالة الطّارئة الّتي تزول بأدنى سبب،فلا جرم كان الغالب على الخلق إنّما هو الميل الشّديد إلى اللّذّات الجسمانيّة.

و أمّا الميل إلى طلب اللّذّات الرّوحانيّة فذاك لا يحصل إلاّ للشّخص النّادر،ثمّ حصوله لذلك النّادر لا يتّفق إلاّ في أوقات نادرة،فلهذا السّبب عمّ اللّه هذا الحكم في الكلّ،فقال: زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ.

(7:209)

نحوه النّيسابوريّ.(3:146)

مغنيّة:و تسأل:إنّ الشّهوة تتضمّن معنى الحبّ، كما أنّ الحبّ يتضمّن معنى الشّهوة،و عليه يكون معنى الآية أنّ النّاس يحبّون الحبّ،و يشتهون الشّهوة،و مثل هذا ليس بمستقيم،و كلام اللّه يجب أن يحمل على أحسن المحامل؟

الجواب:أنّ حبّ الإنسان للشّيء على نوعين:

الأوّل:أن يحبّه،و لا يحبّ أن يحبّه،أي أنّه يودّ من أعماق نفسه لو انقلب حبّه لهذا الشّيء كرها و بغضا،كمن اعتاد على مشروب ضارّ،و هذا يوشك أن يرجع عن حبّه يوما.

النّوع الثّاني:أن يحبّ الشّيء،و هو راض،و مغتبط بهذا الحبّ،كمن اعتاد على فعل الخير،قال تعالى حكاية عن سليمان: إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ ص:32، و هذا أقصى درجات الحبّ،و صاحبه لا يكاد يرجع عنه.(2:20)

الطّباطبائيّ: المراد بحبّ الشّهوات:التّوغّل و الانغمار في حبّها،و هو المنسوب إلى الشّيطان،دون أصل الحبّ المودع في الفطرة،و هو المنسوب إلى اللّه سبحانه.(3:106)

حبّ-احببت

3- إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصّافِناتُ الْجِيادُ* فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي... ص:31،32

الفرّاء: آثرت حبّ الخيل.(2:405)

مثله الزّجّاج(4:330)،و الواحديّ(3:551)، و البغويّ(4:68)،و الميبديّ(8:343)، و أبو الفتوح الرّازيّ(16:270)،و ابن الجوزيّ(7:

129)،و النّسفيّ(4:40)،و الخازن(6:46)،و القاسميّ (14:5098)،و الطّباطبائيّ(17:203)،و عبد الكريم الخطيب(12:1082).

أبو عبيدة :مجازه،أحببته حبّا،ثمّ أضاف الحبّ إلى الخير.(2:182)

مثله الطّبريّ.(23:154)

الماورديّ: في أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ وجهان:

أحدهما:أنّ فيه تقديما و تأخيرا،تقديره:أحببت الخير حبّا فقدّم.فقال:أحببت حبّ الخير،ثمّ أضاف فقال:

أحببت حبّ الخير،قاله بعض النّحويّين.

الثّاني:أنّ الكلام على الولاء في نظمه من غير تقديم و لا تأخير،و تأويله:آثرت حبّ الخير.(5:92)

نحوه الطّوسيّ.(8:560)

الرّاغب: أحببت الخيل حبّي للخير.(105)

الزّمخشريّ: فإن قلت:ما معنى أَحْبَبْتُ حُبَّ

ص: 568

اَلْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي؟ قلت:(احببت)مضمّن معنى فعل يتعدّى ب«عن»كأنّه قيل:أنبت حبّ الخير عن ذكر ربّي،أو جعلت حبّ الخير مجزيا أو مغنيا عن ذكر ربّي.

(3:373)

نحوه البيضاويّ(2:310)،و أبو السّعود(5:361)، و الكاشانيّ(4:298).

ابن عطيّة: و(حبّ)منصوب على المفعول به عند فرقة،كأنّ(احببت)بمعنى آثرت.

و قالت فرقة:المفعول ب(احببت)محذوف،و(حبّ) نصب على المصدر،أي أحببت هذه الخيل حبّ الخير، و تكون(الخير)على هذا التّأويل غير«الخيل».و في مصحف ابن مسعود.(حبّ الخيل)باللاّم.

و قالت فرقة:(احببت)معناه سقطت إلى الأرض لذنبي،مأخوذ من أحبّ البعير،إذا أعيا و سقط هزالا؛ و(حبّ)على هذا مفعول من أجله.(4:503)

نحوه القرطبيّ.(15:194)

الفخر الرّازيّ: و في تفسير هذه اللّفظة وجوه:

الأوّل:أن يضمّن(احببت)معنى فعل يتعدّى ب«عن»،كأنّه قيل:أنبت حبّ الخير عن ذكر ربّي.

و الثّاني:أنّ(احببت)بمعنى ألزمت،و المعنى أنّي ألزمت حبّ الخيل عن ذكر ربّي،أي عن كتاب ربّي و هو التّوراة،لأنّ ارتباط الخيل كما أنّه في القرآن ممدوح، فكذلك في التّوراة ممدوح.

و الثّالث:أنّ الإنسان قد يحبّ شيئا لكنّه يحبّ أن لا يحبّه،كالمريض الّذي يشتهي ما يزيد في مرضه، و الأب الّذي يحبّ ولده الرّديء.و أمّا من أحبّ شيئا، و أحبّ أن يحبّه كان ذلك غاية المحبّة،فقوله: أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ بمعنى أحببت حبّي لهذه الخيل.

ثمّ قال: عَنْ ذِكْرِ رَبِّي بمعنى أنّ هذه المحبّة الشّديدة إنّما حصلت عن ذكر اللّه و أمره لا عن الشّهوة و الهوى،و هذا الوجه أظهر الوجوه.(26:204)

نحوه النّيسابوريّ(23:90)،و البروسويّ(8:28).

أبو حيّان :و انتصب(حبّ الخير)قيل:على المفعول به،لتضمّن(احببت)معنى آثرت،قاله الفرّاء.

و قيل:منصوب على المصدر التّشبيهيّ،أي أحببت الخيل كحبّ الخير،أي حبّا مثل حبّ الخير.

و قيل:عدّي ب«عن»فضمّن معنى فعل يتعدّى بها، أي أنبت حبّ الخير عن ذكر ربّي،أو جعلت حبّ الخير مغنيا عن ذكر ربّي.

و ذكر أبو الفتح الهمدانيّ في كتاب«التّبيان»أنّ (احببت)بمعنى لزمت،من قوله:

*مثل بعير السّوء إذ أحبّا*

و قالت فرقة:(احببت):سقطت إلى الأرض، مأخوذ من أحبّ البعير،إذا أعيا و سقط.قال بعضهم:

حبّ البعير:برك،و فلان:طأطأ رأسه.(7:396)

نحوه السّمين.(5:534)

الشّربينيّ: (احببت)،أي أردت حبّ الخير،أي الخيل.(3:412)

نحوه شبّر.(5:284)

الآلوسيّ: و«الإحباب»على ما نقل عن الفرّاء مضمّن معنى الإيثار،و هو ملحق بالحقيقة لشهرته في ذلك.و ظاهر كلام بعضهم أنّه حقيقة فيه،فهو ممّا

ص: 569

يتعدّى ب«على»لكن عدّي هنا ب«عن»لتضمينه معنى الإنابة،و(حبّ الخير):مفعول به،أي آثرت حبّ الخير منيبا له عن ذكر ربّي،أو أنبت حبّ الخير عن ذكر ربّي مؤثرا له.

و جوّز كون(حبّ)منصوبا على المصدر التّشبيهيّ، و يكون مفعول(احببت)محذوفا،أي أحببت الصّافنات أو عرضها حبّا مثل حبّ الخير،منيبا لذلك عن ذكر ربّي،و ليس المراد بالخير عليه الخيل.

و ذكر أبو الفتح الهمدانيّ: أنّ(احببت)بمعنى لزمت، من قوله:

*ضرب بعير السّوء إذ أحبّا*

و اعترض بأنّ«أحبّ»بهذا المعنى غريب لم يرد إلاّ في هذا البيت،و غرابة اللّفظ تدلّ على اللّكنة،و كلام اللّه عزّ و جلّ منزّه عن ذلك،مع أنّ اللّزوم لا يتعدّى ب«عن» إلاّ إذا ضمّن معنى يتعدّى به أو تجوّز به عنه،فلم يبق فائدة في العدول عن المعنى المشهور مع صحّته أيضا بالتّضمين.

و جعل بعضهم«الإحباب»من أوّل الأمر بمعنى التّقاعد و الاحتباس،و(حبّ الخير)مفعولا لأجله،أي تقاعدت و احتبست عن ذكر ربّي بحبّ الخير.و تعقّب بأنّ الّذي يدلّ عليه كلام اللّغويّين أنّه لزوم عن تعب أو مرض و نحوه،فلا يناسب تقاعد النّشاط و التّلهّي الّذي كان عليه السّلام فيه،و قول بعض الأجلّة:بعد التّنزّل عن جواز استعمال المقيّد في المطلق،لما كان لزوم المكان لمحبّة الخيل،على خلاف مرضاة اللّه تعالى،جعلها من الأمراض الّتي تحتاج إلى التّداوي بأضدادها،و لذلك عقرها.ففي(احببت)استعارة تبعيّة لا يخفى حسنها و مناسبتها للمقام،ليس بشيء لخفاء هذه الاستعارة نفسها و عدم ظهور قرينتها.

و بالجملة ما ذكره أبو الفتح ممّا لا ينبغي أن يفتح له باب الاستحسان عند ذوي العرفان.و جوّز حمل (احببت)على ظاهره من غير اعتبار تضمينه ما يتعدّى ب«عن»و جعل«عن»متعلّقة بمقدّر كمعرضا و بعيدا، و هو حال من ضمير(احببت).(23:191)

حبّه

وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى... البقرة:177

ابن مسعود: أي يؤتيه و هو صحيح شحيح،يأمل العيش،و يخشى الفقر.(الطّبريّ 2:95)

السّدّيّ: إنّ هذا شيء واجب في المال،حقّ على صاحب المال أن يفعله،سوى الّذي عليه من الزّكاة.

(الطّبريّ 2:96)

الطّبريّ: و أعطى ماله في حين محبّته إيّاه و ضنّه به و شحّه عليه.(2:95)

الماورديّ: يعني على حبّ المال.(1:225)

الطّوسيّ: و الضّمير في قوله:(على حبّه)يحتمل أن يكون عائدا:على حبّ المال،و يحتمل أن يكون عائدا:على حبّ الإتيان.قال عبد اللّه بن مسعود:على حبّ المال،لأنّه يأمل العيش و يخشى الفقر.و أمّا على حبّ الإتيان،فوجهه ألاّ تدفعه و أنت متسخّط عليه كاره.

و يحتمل وجها ثالثا:و هو أن يكون الضّمير عائدا

ص: 570

على اللّه،و يكون التّقدير:على حبّ اللّه،فيكون خالصا لوجهه،و قد تقدّم ذكر اللّه تعالى في قوله: مَنْ آمَنَ بِاللّهِ و هو أحسنها.

و الآية تدلّ على وجوب إعطاء مال الزّكاة بلا خلاف،و تدلّ أيضا-في قول الشّعبيّ و الجبّائيّ-على وجوب غيره ممّا له سبب وجوب،كالإنفاق على من تجب عليه نفقته،و على من يجب عليه سدّ رمقه إذا خاف التّلف،و على ما يلزمه من النّذور،و الكفّارات، و يدخل فيها أيضا ما يخرجه الإنسان على وجه التّطوّع، و القربة إلى اللّه،لأنّ ذلك كلّه من البرّ.(2:96)

البغويّ: اختلفوا في هذه الكناية،فقال أكثر أهل التّفسير:إنّها راجعة إلى المال،أي أعطى المال في حال صحّته و محبّته المال.[ثمّ ذكر قول ابن مسعود إلى أن قال:]

و قيل:هي عائدة إلى«اللّه»عزّ و جلّ،أي على حبّ اللّه تعالى.(1:204)

نحوه ابن الجوزيّ.(1:178)

الطّبرسيّ: عَلى حُبِّهِ فيه وجوه:أحدها:أنّ الكناية راجعة إلى المال،أي على حبّ المال،فيكون المصدر مضافا إلى المفعول،و هو معنى قول ابن عبّاس و ابن مسعود.[إلى أن قال:]

و ثانيها:أن تكون الهاء راجعة إلى(من آمن)فيكون المصدر مضافا إلى الفاعل،و لم يذكر المفعول لظهور المعنى و وضوحه،و هو مثل الوجه الأوّل سواء في المعنى.

و ثالثها:أن تكون الهاء راجعة إلى الإيتاء الّذي دلّ عليه قوله(و اتى المال)و المعنى على حبّه الإعطاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و رابعها:أنّ الهاء راجعة إلى اللّه،لأنّ ذكره سبحانه قد تقدّم،أي يعطون المال على حبّ اللّه و خالصا لوجهه.

قال المرتضى قدّس اللّه روحه:لم نسبق إلى هذا الوجه في هذه الآية،و هو أحسن ما قيل فيها،لأنّ تأثير ذلك أبلغ من تأثير حبّ المال،لأنّ المحبّ للمال الضّنين به متى بذله و أعطاه و لم يقصد به القربة إلى اللّه تعالى،لم يستحقّ شيئا من الثّواب،و إنّما يؤثر حبّه للمال في زيادة الثّواب متى حصل قصد القربة و الطّاعة.و لو تقرّب بالعطيّة و هو غير ضنين بالمال و لا محبّ له لا يستحقّ الثّواب.(1:263)

الفخر الرّازيّ: وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ فيه مسائل:

المسألة الأولى:اختلفوا في أنّ الضّمير في قوله (على حبّه)إلى ما ذا يرجع؟و ذكروا فيه وجوها:

الأوّل:و هو قول الأكثرين أنّه راجع إلى المال، و التّقدير:و آتى المال على حبّ المال.قال ابن عبّاس و ابن مسعود:و هو أن تؤتيه و أنت صحيح شحيح،تأمل الغنى،و تخشى الفقر،و لا تمهل حتّى إذا بلغت الحلقوم، قلت:لفلان كذا و لفلان كذا.

و هذا التّأويل يدلّ على أنّ الصّدقة حال الصّحّة أفضل منها عند القرب من الموت،و العقل يدلّ على ذلك أيضا من وجوه:

أحدها:أنّ عند الصّحّة يحصل ظنّ الحاجة إلى المال، و عند ظنّ قرب الموت يحصل ظنّ الاستغناء عن المال، و بذل الشّيء عند الاحتياج إليه أدلّ على الطّاعة من

ص: 571

بذله عند الاستغناء عنه،على ما قال: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ آل عمران:92.

و ثانيها:أنّ إعطاءه حال الصّحّة أدلّ على كونه متيقّنا بالوعد و الوعيد،من إعطائه حال المرض و الموت.

و ثالثها:أنّ إعطاءه حال الصّحّة أشقّ،فيكون أكثر ثوابا،قياسا على ما يبذله الفقير من جهد المقلّ،فإنّه يزيد ثوابه على ما يبذله الغنيّ.

و رابعها:أنّ من كان ماله على شرف الزّوال،فوهبه من أحد،مع العلم بأنّه لو لم يهبه منه لضاع،فإنّ هذه الهبة لا تكون مساوية لما إذا لم يكن خائفا من ضياع المال،ثمّ إنّه وهبه منه طائعا،و راغبا،فكذا هاهنا.

و خامسها:أنّه متأيّد بقوله تعالى: لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ، و قوله: وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ الدّهر:8،أي على حبّ الطّعام،و عن أبي الدّرداء أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«مثل الّذي تصدّق عند الموت مثل الّذي يهدي بعد ما شبع».

القول الثّاني:أنّ الضّمير يرجع إلى الإيتاء،كأنّه قيل:يعطي و يحبّ الإعطاء رغبة في ثواب اللّه.

الثّالث:أنّ الضّمير عائد على اسم اللّه تعالى،يعني يعطون المال على حبّ اللّه،أي على طلب مرضاته.

(5:43)

القرطبيّ: وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ استدلّ به من قال:إنّ في المال حقّا سوى الزّكاة و بها كمال البرّ.

و قيل:المراد الزّكاة المفروضة؛و الأوّل أصحّ.[إلى أن قال:]

الضّمير في(حبّه)اختلف في عوده،فقيل:يعود على المعطي للمال،و حذف المفعول و هو المال.و يجوز نصب ذَوِي الْقُرْبى ب«الحبّ»فيكون التّقدير:على حبّ المعطي ذوي القربى.

و قيل:يعود على المال،فيكون المصدر مضافا إلى المفعول.قال ابن عطيّة:و يجيء قوله: عَلى حُبِّهِ اعتراضا بليغا أثناء القول.

قلت:و نظيره قوله الحقّ: وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً فإنّه جمع المعنيين،الاعتراض و إضافة المصدر إلى المفعول،أي على حبّ الطّعام.و من الاعتراض قوله الحقّ: وَ مَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ النّساء:124،و هذا عندهم يسمّى التّتميم،و هو نوع من البلاغة و يسمّى أيضا الاحتراس و الاحتياط،فتمّم بقوله: عَلى حُبِّهِ و قوله: وَ هُوَ مُؤْمِنٌ. [ثمّ استشهد بأبيات من الشّعر]

و قيل:يعود على الإيتاء،لأنّ الفعل يدلّ على مصدره،و هو كقوله تعالى: وَ لا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَهُمْ آل عمران:

180،أي البخل خيرا لهم،فإذا أصابت النّاس حاجة أو فاقة فإيتاء المال حبيب إليهم.

و قيل:يعود على اسم اللّه تعالى،في قوله: مَنْ آمَنَ بِاللّهِ.

و المعنى المقصود أن يتصدّق المرء في هذه الوجوه، و هو صحيح شحيح يخشى الفقر و يأمن البقاء.

(2:241)

البيضاويّ: أي على حبّ المال،كما قال عليه

ص: 572

الصّلاة و السّلام لمّا سئل أيّ الصّدقة أفضل؟قال:«أن تؤتيه و أنت صحيح شحيح تأمل العيش و تخشى الفقر».

و قيل:الضّمير للّه أو للمصدر،و الجارّ و المجرور في موضع الحال.(1:97)

نحوه النّسفيّ(1:90)،و الخازن(1:122)، و الآلوسيّ(2:46).

النّيسابوريّ: أي ما حصل للعبد من برّ الحبّ، و ما مال إلى سرّه من عواطف الحقّ ينفقه على حبّ حبيبه،بأداء حقوق الشّريعة و الطّريقة،بالمعاملات القالبيّة و القلبيّة.(2:83)

أبو حيّان :و المعنى أنّه يعطي المال محبّا له،أي في حال محبّته للمال و اختياره و إيثاره.و هذا وصف عظيم أن يكون نفس الإنسان متعلّقة بشيء تعلّق المحبّ بمحبوبه،ثمّ يؤثر به غيره ابتغاء وجه اللّه،كما جاء:«أن تصدّق و أنت صحيح شحيح تخشى الفقر و تأمل الغنى».

و الظّاهر أنّ الضّمير في(حبّه)عائد على المال،لأنّه أقرب مذكور،و من قواعد النّحويّين أنّ الضّمير لا يعود على غير الأقرب إلاّ بدليل.و الظّاهر أنّ المصدر فاعله المؤتي كما فسّرناه،و قيل:الفاعل المؤتون،أي حبّهم له و احتياجهم إليه و فاقتهم.(2:5)

محبّة

...وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَ لِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي.

طه:39

ابن عبّاس: يا موسى كلّ من رآك أحبّك.

(261)

حبّبتك إلى عبادي.(الطّبريّ 16:162)

مثله سلمى بن كميل.(الماورديّ 3:402)

عكرمة :حسنا و ملاحة.(الطّبريّ 16:162)

أي جعلتك بحيث يحبّك من يراك حتّى أحبّك فرعون فسلمت من شرّه،و أحبّتك امرأته آسية بنت مزاحم فتبنّتك و ربّتك في حجرها.(الطّبرسيّ 4:10)

مثله ابن زيد.(القرطبيّ 11:196)،و الطّوسيّ(7:

173).

قتادة :كانت في عيني موسى ملاحة ما رآه أحد إلاّ عشقه.(الواحديّ 3:206)

الفرّاء: حبّب إلى كلّ من رآه.(2:179)

أبو عبيدة :مجازه:جعلت لك محبّة منّي في صدور النّاس،و يقول الرّجل إذا أحبّ أخاه:ألقيت عليك رحمتي،أي محبّتي.(2:19)

الطّبريّ: حبّبتك إليهم،يقول الرّجل لآخر إذ أحبّه:ألقيت عليك رحمتي أي محبّتي.(16:162)

الماورديّ: فيه أربعة أوجه.[ثمّ ذكر بعض الأقوال المتقدّمة و قال:]

و يحتمل خامسا:أن يكون معناه:و أظهرت عليك محبّتي لك و هي نعمة عليك،لأنّ من أحبّه اللّه أوقع في القلوب محبّته.(3:402)

البغويّ: فلمّا رآه فرعون أحبّه؛بحيث لم يتمالك لبّه في محبّته،فذلك قوله تعالى: وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي. (3:261)

الزّمخشريّ: (منّى)لا يخلو إمّا أن يتعلّق ب(القيت) فيكون المعنى:على أنّي أحببتك،و من أحبّه اللّه أحبّته

ص: 573

القلوب،و إمّا أن يتعلّق بمحذوف هو صفة لمحبّة،أي محبّة حاصلة أو واقعة منّي،قد ركزتها أنا في القلوب وزعتها فيها،فلذلك أحبّك فرعون و كلّ من أبصرك.روي أنّه كانت على وجهه مسحة جمال،و في عينيه ملاحة لا يكاد يصبر عنه من رآه.(2:536)

مثله أبو السّعود(4:280)،و نحوه البيضاويّ (2:49)،و أبو حيّان(6:241)،و البروسويّ(5:

383)،و شبّر(4:150)،و الآلوسيّ(16:189)، و القاسميّ(11:4179)،و المراغيّ(16:110)،و مغنيّة (5:217).

ابن عطيّة: فقال بعض النّاس:أراد محبّة آسية، لأنّها كانت من اللّه و كانت سبب حياته.

و قالت فرقة:أراد القبول الّذي يضعه اللّه في الأرض لخيار عباده،و كان حظّ موسى منه في غاية الوفر.

و قالت فرقة:أعطاه جمالا يحبّه به كلّ من رآه، و قالت فرقة:أعطاه ملاحة العينين.و هذان القولان فيهما ضعف،و أقوى الأقوال أنّه القبول.(4:44)

الفخر الرّازيّ: و فيه قولان:

الأوّل:و ألقيت عليك محبّة هي منّي.[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

قال القاضي:هذا الوجه أقرب،لأنّه في حال صغره لا يكاد يوصف بمحبّة اللّه تعالى الّتي ظاهرها من جهة الدّين،لأنّ ذلك إنّما يستعمل في المكلّف من حيث استحقاق الثّواب.

و المراد أنّ ما ذكرنا من كيفيّته في الخلقة يستحلى و يغتبط،فكذلك كانت حاله مع فرعون و امرأته، و سهّل اللّه تعالى له منهما في التّربية ما لا مزيد عليه.

و يمكن أن يقال:بل الاحتمال الأوّل أرجح،لأنّ الاحتمال الثّاني يحوج إلى الإضمار،و هو أن يقال:و ألقيت عليك محبّة حاصلة منّي و واقعة بتخليقي،و على التّقدير الأوّل لا حاجة إلى هذا الإضمار.

بقي قوله:إنّه حال صباه لا يحصل له محبّة اللّه تعالى.

قلنا:لا نسلّم فإنّ محبّة اللّه تعالى يرجع معناها إلى إيصال النّفع إلى عباده،و هذا المعنى كان حاصلا في حقّة في حال صباه،و علم اللّه تعالى أنّ ذلك يستمرّ إلى آخر عمره،فلا جرم أطلق عليه لفظ المحبّة.(22:53)

نحوه النّيسابوريّ.(16:126)

الطّباطبائيّ: و معنى إلقاء محبّة منه عليه،كونه بحيث يحبّه كلّ من يراه،كأنّ المحبّة الإلهيّة استقرّت عليه،فلا يقع عليه نظر ناظر إلاّ تعلّقت المحبّة بقلبه و جذبته إلى موسى.ففي الكلام استعارة تخييليّة،و في تنكير«المحبّة»إشارة إلى فخامتها و غرابة أمرها.

(14:151)

يحبّ

...وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ. البقرة:205

ابن عبّاس: لا يرضى بالمعاصي.

(ابن الجوزيّ 1:222)

الطّوسيّ: يدلّ على فساد قول المجبّرة:إنّ اللّه تعالى يريد القبائح،لأنّ اللّه تعالى نفى عن نفسه محبّة الفساد.و المحبّة هي الإرادة،لأنّ كلّ ما أحبّ اللّه أن يكون فقد أراد أن يكون،و ما لا يحبّ أن يكون لا يريد

ص: 574

أن يكون.(2:181)

مثله الطّبرسيّ.(1:300)

أبو السّعود :أي لا يرتضيه بل يبغضه،و يغضب على من يتعاطاه،و هو اعتراض تذييليّ.(1:255)

ابن عطيّة: معناه لا يحبّه من أهل الصّلاح،أي لا يحبّه دينا،و إلاّ فلا يقع إلاّ ما يحبّ اللّه تعالى وقوعه، و الفساد واقع،و هذا على ما ذهب إليه المتكلّمون من أنّ الحبّ بمعنى الإرادة.و الحبّ له على الإرادة مزيّة إيثار، فلو قال أحد:إنّ الفساد المراد تنقصه مزيّة الإيثار، لصحّ ذلك؛إذ الحبّ من اللّه تعالى إنّما هو لما حسن من جميع جهاته.(1:281)

ابن الجوزيّ: و قد احتجّت المعتزلة بهذه الآية [على أنّ المحبّة عبارة عن الإرادة (1)]،فأجاب أصحابنا بأجوبة:

منها:أنّه لا يحبّه دينا،و لا يريده شرعا.فأمّا أنّه لم يرده وجودا،فلا.

و الثّاني:أنّه لا يحبّه للمؤمنين دون الكافرين.

و الثّالث:أنّ الإرادة معنى غير المحبّة،فإنّ الإنسان قد يتناول المرّ،و يريد بطّ الجرح،و لا يحبّ شيئا من ذلك.و إذا بان في المعقول الفرق بين الإرادة و المحبّة؛بطل ادّعاؤهم التّساوي بينهما،و هذا جواب معتمد،و في معنى هذه الآية قوله تعالى: وَ لا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ الزّمر:7.(1:222)

الفخر الرّازيّ: استدلّت المعتزلة على أنّ اللّه تعالى لا يريد القبائح بقوله تعالى: وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ قالوا:و المحبّة عبارة عن الإرادة،و الدّليل عليه قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ النّور:

19،و المراد بذلك أنّهم يريدون،و أيضا نقل عن الرّسول عليه السّلام أنّه قال:«إنّ اللّه أحبّ لكم ثلاثا،و كره لكم ثلاثا:أحبّ لكم أن تعبدون و لا تشركوا به شيئا، و أن تناصحوا من ولاة أمركم؛و كره لكم:القيل و القال، و إضاعة المال،و كثرة السّؤال»فجعل الكراهة ضدّ المحبّة،و لو لا أنّ المحبّة عبارة عن الإرادة،و إلاّ لكانت الكراهة ضدّا للإرادة،و أيضا لو كانت المحبّة غير الإرادة لصحّ أن يحبّ الفعل و إن كرهه،لأنّ الكراهة على هذا القول إنّما تضادّ الإرادة دون المحبّة.

قالوا:و إذا ثبت أنّ المحبّة نفس الإرادة،فقوله:

وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ جار مجرى قوله:و اللّه لا يريد الفساد،كقوله: وَ مَا اللّهُ يُرِيدُ ظُلْماً لِلْعِبادِ المؤمن:

31،بل دلالة هذه الآية أقوى،لأنّه تعالى ذكر ما وقع من الفساد من هذا المنافق،ثمّ قال: وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ إشارة إليه،فدلّ على أنّ ذلك الواقع وقع لا بإرادة اللّه تعالى،و إذا ثبت أنّه تعالى لا يريد الفساد وجب أن لا يكون خالقا له،لأنّ الخلق لا يمكن إلاّ مع الإرادة،فصارت هذه الآية دالّة على مسألة الإرادة و مسألة خلق الأفعال.

و الأصحاب أجابوا عنه بوجهين:

الأوّل:أنّ المحبّة غير الإرادة بل المحبّة عبارة عن مدح الشّيء و ذكر تعظيمه.

و الثّاني:إن سلّمنا أنّ المحبّة نفس الإرادة،و لكن قوله: وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ لا يفيد العموم،لأنّ الألفن.

ص: 575


1- أضفناه من كلام الخازن.

و اللاّم الدّاخلين في اللّفظ لا يفيدان العموم،ثمّ الّذي يهدم قوّة هذا الكلام وجهان:

الأوّل:أنّ قدرة العبد و داعيته صالحة للصّلاح و الفساد،فترجّح الفساد على الصّلاح،إن وقع لا لعلّة لزم نفي الصّانع،و إن وقع لمرجّح فذلك المرجّح لا بدّ و أن يكون من اللّه،و إلاّ لزم التّسلسل.فثبت أنّ اللّه سبحانه هو المرجّح لجانب الفساد على جانب الصّلاح، فكيف يعقل أن يقال:إنّه لا يريده.

و الثّاني:أنّه عالم بوقوع الفساد،فإن أراد أن لا يقع الفساد لزم أن يقال:إنّه أراد أن يقلب علم نفسه جهلا، و ذلك محال.(5:221)

نحوه النّيسابوريّ.(2:200)

القرطبيّ: قيل:معنى لا يحبّ الفساد،أي لا يحبّه من أهل الصّلاح،أو لا يحبّه دينا و يحتمل أن يكون المعنى لا يأمر به،و اللّه أعلم.(3:18)

الخازن :و احتجّت المعتزلة بهذه الآية على أنّ المحبّة عبارة عن الإرادة.

و أجيب عنه:بأنّ الإرادة معنى غير المحبّة،فإنّ الإنسان قد يريد شيئا و لا يحبّه؛و ذلك لأنّه قد يتناول الدّواء المرّ و لا يحبّه،فبان الفرق بين الإرادة و المحبّة.

و قيل:إنّ المحبّة مدح الشّيء و تعظيمه،و الإرادة بخلاف ذلك.(1:162)

أبو حيّان :إن فسّرت المحبّة بالإرادة،و قد جاءت كذلك في مواضع منها إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ النّور:19 فلا بدّ من التّخصيص،أي لا يحبّ من أهل الصّلاح الفساد،و لا يمكن الحمل على العموم؛إذ ذاك على مذهبنا لوقوع الفساد،فلو لم يكن مرادا لما كان واقعا.

و قد تعلّقت المعتزلة بهذه الآية:في أنّ اللّه لا يريد الفساد،فما وقع منه فليس مراد اللّه تعالى و لا مفعولا له، لأنّه لو فعله لكان مريدا له،لاستحالة أن يفعل ما لا يريد.قالوا:أو يدلّ على أنّ محبّته الفعل هي إرادته له،أنّه غير جائز أن يحبّ كونه و لا يريد أن يكون بل يكره أن يكون،و في هذا ما فيه من التّناقض،انتهى ما قالوا.

و قيل:المعنى و اللّه لا يحبّ الفساد دينا،و قيل:هو على حذف مضاف،أي أهل الفساد.و قال ابن عبّاس:

المعنى لا يرضى المعاصي،و قيل:عبّر بالمحبّة عن الأمر، أي لا يأمر بالفساد.و قال الرّاغب:الإفساد:إخراج الشّيء من حالة محمودة لا لغرض صحيح،و ذلك غير موجود في فعل اللّه تعالى.

و هذه التّأويلات كلّها هو على ما ذهب إليه المتكلّمون من أنّ«الحبّ»بمعنى الإرادة.[ثمّ نقل قول ابن عطيّة و قال:]

و إذا صحّ هذا اتّضح الفرق بين الإرادة و المحبّة، و صحّ أنّ اللّه يريد الشّيء و لا يحبه.

و قال بعضهم سوى المعتزلة:[فرق]بين المحبّة و الإرادة،و استدلّوا بهذه،و جمهور العلماء على خلاف ذلك.و الفرق بين الإرادة و المحبّة بيّن،فإنّ الإنسان يريد بطّ الجرح و لا يحبّه،و إذا بان في المعقول الفرق بين الإرادة و المحبّة بطل ادّعاؤهم التّساوي بينهما،و في معنى هذه الآية قوله تعالى: وَ لا يَرْضى لِعِبادِهِ الْكُفْرَ الزّمر:7،

ص: 576

انتهى كلامه.

و جاء في كتاب اللّه تعالى نفي محبّة اللّه تعالى أشياء؛إذ لا واسطة بين الحبّ و عدمه بالنّسبة إليه تعالى،بخلاف غيره فإنّه قد يعرو عنهما،فالمحبّة و مقابلها بالنّسبة إلى اللّه تعالى نقيضان و بالنّسبة إلى غيره ضدّان،و ظاهر الفساد يعمّ كلّ فساد في أرض أو مال أو دين.(2:116)

نحوه ملخّصا الآلوسيّ.(2:96)

يحبّهم-و يحبّونه

...فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ... المائدة:54

الطّوسيّ: و محبّة اللّه تعالى لخلقه:إرادة ثوابهم و إكرامهم و إجلالهم،و محبّتهم له:إرادتهم لشكره و طاعته و تعظيمه.(3:557)

الرّاغب: فمحبّة اللّه تعالى للعبد:إنعامه عليه،و محبّة العبد له:طلب الزّلفى لديه.(105)

الزّمخشريّ: محبّة العباد لربّهم:طاعته و ابتغاء مرضاته،و أن لا يفعلوا ما يوجب سخطه و عقابه،و محبّة اللّه لعباده:أن يثيبهم أحسن الثّواب على طاعتهم، و يعظّمهم و يثني عليهم،و يرضى عنهم.و أمّا ما يعتقده أجهل النّاس و أعداهم للعلم و أهله و أمقتهم للشّرع و أسوأهم طريقة،و إن كانت طريقتهم عند أمثالهم من الجهلة و السّفهاء شيئا،و هم الفرقة المتفعّلة المفتعلة من الصّوف و ما يدينون به من المحبّة و العشق و التّغنّي على كراسيّهم خرّبها اللّه،و في مراقصهم عطّلها اللّه بأبيات الغزل المقولة في المردان الّذين يسمّونهم شهداء، و صعقاتهم الّتي أين عنها صعقة موسى عند دكّ الطّور، فتعالى اللّه عنه علوّا كبيرا.و من كلماتهم:كما أنّه بذاته يحبّهم كذلك يحبّون ذاته،فإنّ الهاء راجعة إلى الذّات دون النّعوت و الصّفات...و منها الحبّ شرطه أن تلحقه سكرات المحبّة،فإذا لم يكن ذلك لم تكن فيه حقيقة.

(1:621)

مثله الشّربينيّ(1:382)،و نحوه ابن عطيّة(2:

208)،و البيضاويّ(1:280)،و النّسفيّ(1:288)، و أبو السّعود(2:288)،و البروسويّ(2:406)،و شبّر (2:187).

الفخر الرّازيّ: فتحقيق الكلام في«المحبّة»ذكرناه في سورة البقرة،في تفسير قوله تعالى: وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ، فلا فائدة في الإعادة.و فيه دقيقة،و هي أنّه تعالى قدّم محبّته لهم على محبّتهم له،و هذا حقّ لأنّه لو لا أنّ اللّه أحبّهم و إلاّ لما وفّقهم حتّى صاروا محبّين له.

(12:23)

نحوه النّيسابوريّ.(6:113)

الخازن :و أمّا معنى«المحبّة»فيقال:أحببت فلانا، بمعنى جعلت قلبي معرضا بأن يحبّه،و المحبّة:إرادة ما تراه و تظنّه خيرا.

و محبّة اللّه تعالى العبد:إنعامه عليه و توفيقه و هدايته إلى طاعته،و العمل بما يرضى به عنه،و أن يثيبه أحسن الثّواب على طاعته،و أن يثني عليه و يرضى عنه.

و محبّة العبد للّه عزّ و جلّ:أن يسارع إلى طاعته و ابتغاء مرضاته،و أن لا يفعل ما يوجب سخطه و عقوبته،و أن يتحبّب إليه بما يوجب له الزّلفى لديه.

ص: 577

جعلنا اللّه ممّن يحبّهم و يحبّونه بمنّه و كرمه.(2:54)

أبو حيّان :(و يحبّونه)معطوف على قوله:(يحبّهم) فهو في موضع جرّ.[ثمّ أدام الكلام نحو الزّمخشريّ]

(3:511)

السّمين:قوله تعالى:(يحبّهم)في محلّ جرّ لأنّها صفة ل(قوم)،و(يحبّونه)فيه وجهان؛أظهرهما:أنّه معطوف على ما قبله،فيكون في محلّ جرّ أيضا،فوصفهم بصفتين:وصفهم بكونه تعالى يحبّهم،و بكونهم يحبّونه.

و الثّاني:أجازه أبو البقاء:أن يكون في محلّ نصب على الحال من الضّمير المنصوب في(يحبّهم)قال:

تقديره:و هم يحبّونه.

قلت:و إنّما قدّر أبو البقاء لفظة«هم»ليخرج بذلك من إشكال:و هو أنّ المضارع المثبت متى وقع حالا وجب تجرّده من الواو،نحو:قمت أضحك،و لا يجوز:

و أضحك،و إن ورد شيء أوّل بما ذكره أبو البقاء كقولهم:

قمت و أصكّ عينه،و قوله:*نجوت و أرهنهم مالكا*أي و أنا أصكّ،و أنا أرهنهم،فتؤوّل الجملة إلى جملة اسميّة فيصحّ اقترانها بالواو.

و لكن لا ضرورة في الآية الكريمة تدعو إلى ذلك حتّى يرتكب،فهو قول مرجوح.و قدّمت محبّة اللّه تعالى على محبّتهم لشرفها و سبقها؛إذ محبّته تعالى لهم عبارة عن إلهامهم فعل الطّاعة،و إثابته إيّاهم عليها.(2:547)

الآلوسيّ: [بقوم يحبّهم]محبّة تليق بشأنه تعالى، [ثمّ حكى قول الزّمخشريّ بطوله و قال:]

و قد خلط فيه الغثّ بالسّمين،فأطلق القول بالقدح الفاحش في المتصوّفة،و نسب إليهم ما لا يعبأ بمرتكبه و لا يعدّ في البهائم فضلا عن خواصّ البشر،و لا يلزم من تسمّي طائفة بهذا الاسم غاصبين له من أهله،ثمّ ارتكابهم ما نقل عنهم،بل و زيادة أضعاف أضعافه ممّا نعلمه من هذه الطّائفة في زماننا،ممّا ينافي حال المسمّين به حقيقة أن نؤاخذ الصّالح بالطّالح،و نضرب رأس البعض بالبعض وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى الأنعام:

164.

و تحقيق هذا المقام على ما ذكره ابن المنير في «الانتصاف»أنّه لا شكّ أنّ تفسير محبّة العبد للّه تعالى بطاعته له سبحانه،على خلاف الظّاهر،و هو من المجاز الّذي يسمّى فيه المسبّب باسم السّبب،و المجاز لا يعدل إليه عن الحقيقة إلاّ بعد تعذّرها،فليمتحن حقيقة المحبّة لغة بالقواعد،لننظر أ هي ثابتة للعبد متعلّقة باللّه تعالى أم لا؟فالمحبّة لغة:ميل المتّصف بها إلى أمر ملذّ.

و اللّذّات الباعثة على المحبّة منقسمة إلى:مدرك بالحسن كلذّة الذّوق في المطعوم،و لذّة النّظر في الصّور المستحسنة إلى غير ذلك؛و إلى لذّة مدركة بالعقل كلذّة الجاه و الرّئاسة و العلوم و ما يجري مجراها،فقد ثبت أنّ في اللّذّات الباعثة على المحبّة ما لا يدركه إلاّ العقل دون الحسّ،ثمّ تتفاوت المحبّة ضرورة بحسب تفاوت البواعث عليها،فليس اللّذّة برئاسة الإنسان على أهل قرية كلذّته بالرّئاسة على أقاليم معتبرة،و إذا تفاوتت المحبّة بحسب تفاوت البواعث فلذّات العلوم أيضا متفاوتة بحسب تفاوت المعلومات،و ليس معلوم أكمل و لا أجلّ من المعبود الحقّ،فاللّذّة الحاصلة من معرفته و معرفة جلاله و كماله تكون أعظم،و المحبّة المنبعثة عنها

ص: 578

تكون أمكن،و إذا حصلت هذه المحبّة بعثت على الطّاعات و الموافقات.

فقد تحصّل من ذلك أنّ محبّة العبد لربّه سبحانه ممكنة بل واقعة من كلّ مؤمن،فهي من لوازم الإيمان و شروطه،و النّاس فيها متفاوتون بحسب تفاوت إيمانهم.و إذا كان كذلك وجب تفسير محبّة العبد للّه عزّ و جلّ بمعناها الحقيقيّ لغة،و كانت الطّاعات و الموافقات كالمسبّب عنها و المغاير لها.

أ لا ترى إلى الأعرابيّ الّذي سأل عن«السّاعة» فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«ما أعددت لها؟قال:ما أعددت لها كبير عمل و لكن حبّ اللّه تعالى و رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال عليه الصّلاة و السّلام:المرء مع من أحبّ».فهذا ناطق بأنّ المفهوم من المحبّة للّه تعالى غير الأعمال و التزام الطّاعات،لأنّ الأعرابيّ نفاها و أثبت الحبّ،و أقرّه صلّى اللّه عليه و سلّم على ذلك،ثمّ أثبت إجراء محبّة العبد للّه تعالى على حقيقتها لغة،و المحبّة إذا تأكّدت سمّيت عشقا،فهو المحبّة البالغة المتأكّدة.

و القول بأنّه عبارة عن المحبّة فوق قدر المحبوب، فيكفر من قال:أنا عاشق للّه تعالى أو لرسوله صلّى اللّه عليه و سلّم-كما قال له بعض ساداتنا الحنفيّة-في حيّز المنع عندي.

و المعترفون بتصوّر محبّة العبد للّه عزّ شأنه بالمعنى الحقيقيّ ينسبون المنكرين إلى أنّهم جهلوا فأنكروا،كما أنّ الصّبيّ ينكر على من يعتقد أنّ وراء اللّعب لذّة من جماع أو غيره،و المنهمك في الشّهوات و الغرام بالنّساء يظنّ أن ليس وراء ذلك لذّة من رئاسة أو جاه أو نحو ذلك،و كلّ طائفة تسخر ممّا فوقها و تعتقد أنّهم مشغولون في غير شيء.

قال حجّة الإسلام الغزاليّ روّح اللّه تعالى روحه:

و المحبّون للّه تعالى يقولون لمن أنكر عليهم ذلك: إِنْ تَسْخَرُوا مِنّا فَإِنّا نَسْخَرُ مِنْكُمْ كَما تَسْخَرُونَ هود:

38.انتهى،مع أدنى زيادة و لم يتكلّم على معنى محبّة اللّه تعالى للعبد،و أنت تعلم أنّ ذلك من المتشابه،و المذاهب فيه مشهورة،و قد قدّمنا طرفا من الكلام في هذا المقام، فتذكّر.(6:162)

القاسميّ: مذهب السّلف في المحبّة المسندة له تعالى،أنّها ثابتة له تعالى بلا كيف و لا تأويل، و لا مشاركة للمخلوق في شيء من خصائصها،كما تقدّم في الفاتحة في اَلرَّحْمنِ الرَّحِيمِ.

فتأويل مثل الزّمخشريّ لها بإثابته تعالى لهم أحسن الثّواب،و تعظيمهم و الثّناء عليهم و الرّضا عنهم،تفسير باللاّزم،منزع كلاميّ لا سلفيّ.و قد أنكر الزّمخشريّ أيضا كون محبّة العباد للّه حقيقيّة،و فسّرها بالطّاعة و ابتغاء المرضاة.[ثمّ ردّ كلام الزّمخشريّ بما تقدّم عن «الانتصاف»في كلام الآلوسيّ](6:2037)

رشيد رضا :وصف اللّه هؤلاء الكملة من المؤمنين بستّ صفات:

الأولى:أنّه تعالى يحبّهم،فالحبّ من الصّفات الّتي أسندت إلى اللّه تعالى في كتابه و على لسان نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم فهو تعالى يحبّ و يبغض كما يليق بشأنه،و لا يشبه حبّه حبّ البشر،لأنّه لا يشبه البشر لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الشّورى:11،و كذلك علمه لا يشبه علم البشر و لا قدرته تشبه قدرتهم.و لا نتأوّل حبّه بالإثابة و حسن

ص: 579

الجزاء كما تأوّلته المعتزلة و كثير من الأشاعرة،فرارا من التّشبيه إلى التّنزيه؛إذ لا تنافي بين إثبات الصّفات و تنزيه الذّات،و إلاّ لاحتجنا إلى تأويل العلم و القدرة و الإرادة،و هم لا يتأوّلونها،و لا يخرجون معانيها عن ظواهر ألفاظها،فمحبّته تعالى لمستحقّيها من عباده،شأن شئونه اللاّئقة به،لا نبحث عن كنهها و كيفيّتها،و حسن الجزاء من المغفرة و الاثابة قد يكون من آثارها،قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ آل عمران:31،فجعل اتّباع الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم لمحبّة اللّه تعالى للمتّبعين و للمغفرة،فكلّ من المحبّة و المغفرة جزاء مستقلّ؛إذ العطف يقتضي المغايرة.

الصّفة الثّانية:أنّهم يحبّون اللّه تعالى،و حبّ المؤمنين الصّادقين للّه تعالى ثبت في آيات غير هذه،من كتاب اللّه تعالى.[ثمّ ذكر آية البقرة:165،و التّوبة 25،و بعض الأحاديث إلى أن قال:]

و قد تأوّل هذا الحبّ بعض النّاس أيضا،فقالوا:إنّ المراد به المواظبة على الطّاعة؛إذ يستحيل أن يحبّ الإنسان إلاّ ما يجانسه.و يردّ هذا قوله تعالى: أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهادٍ فِي سَبِيلِهِ التّوبة:24، فإنّه جعل الجهاد غير الحبّ،و حديث الأعرابيّ المذكور آنفا (1)،فإنّه فرّق بين الحبّ و العمل،و جعل عدّته للسّاعة الحبّ دون كثرة العمل الصّالح،نعم إنّ الحبّ يستلزم الطّاعة،و يقتضيها بسنّة الفطرة.[ثمّ أتمّ الكلام حول بقيّة الصّفات](6:431)

المراغيّ: و قد وصف للّه هؤلاء المؤمنين بستّ صفات:

1-إنّه تعالى يحبّهم،و حبّه تعالى و بغضه شأن من شئونه،لا نبحث عن كنهه و لا عن كيفيّته.

2-إنّهم يحبّون اللّه تعالى،و حبّ المؤمنين للّه جاء في غير موضع من القرآن،كقوله: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ البقرة:165.

[ثمّ أتمّ الكلام حول بقيّة الصفّات](6:142)

مغنيّة:و حبّ اللّه لعبده أن يرفع من شأنه غدا، و ينعم عليه بالجنان و الرّضوان.أمّا حبّ العبد للّه فإنّه لا ينفكّ أبدا عن حبّه لعباد اللّه،تماما كما لا ينفكّ حبّ الحقّ عن حبّ العاملين به،و كراهية الباطل عن كراهية أهله.

(3:78)

سيّد قطب : فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ فالحبّ و الرّضى المتبادل،هو الصّلة بينهم و بين ربّهم.الحبّ هذا الرّوح السّاري اللّطيف الرّفّاف المشرق الرّائق البشوش،هو الّذي يربط القوم بربّهم الودود.

و حبّ اللّه لعبد من عبيده،أمر لا يقدر على إدراك قيمته إلاّ من يعرف اللّه سبحانه بصفاته كما وصف نفسه، و إلاّ من وجد إيقاع هذه الصّفات في حسّه و نفسه و شعوره و كينونته كلّها.أجل لا يقدّر حقيقة هذا العطاء إلاّ الّذي يعرف حقيقة المعطي،الّذي يعرف من هو اللّه، من هو صانع هذا الكون الهائل،و صانع الإنسان الّذي يلخّص الكون و هو جرم صغير!من هو في عظمته،و من هو في قدرته،و من هو في تفرّده،و من هو في ملكوته.

من هو و من هذا العبد الّذي يتفضّل اللّه عليه منه بالحبّ،ّ.

ص: 580


1- قد تقدّم في كلام الآلوسيّ.

و العبد من صنع يديه سبحانه و هو الجليل العظيم،الحيّ الدّائم،الأزليّ الأبديّ،الأوّل و الآخر و الظّاهر و الباطن.

و حبّ العبد لربّه نعمة لهذا العبد لا يدركها،كذلك إلاّ من ذاقها.و إذا كان حبّ اللّه لعبد من عبيده أمرا هائلا عظيما،و فضلا غامرا جزيلا،فإنّ إنعام اللّه على العبد بهدايته لحبّه و تعريفه هذا المذاق الجميل الفريد،الّذي لا نظير له في مذاقات الحبّ كلّها و لا شبيه،هو إنعام هائل عظيم،و فضل غامر جزيل.

و إذا كان حبّ اللّه لعبد من عبيده أمرا فوق التّعبير أن يصفه،فإنّ حبّ العبد لربّه أمر فلمّا استطاعت العبارة أن تصوّره إلاّ في فلتات قليلة من كلام المحبّين.و هذا هو الباب الّذي تفوّق فيه الواصلون من رجال التّصوّف الصّادقين-و هم قليل من بين ذلك الحشد الّذي يلبس مسوح التّصوّف و يعرف في سجلّهم الطّويل-و لا زالت أبيات رابعة العدويّة تنقل إلى حسّي مذاقها الصّادق لهذا الحبّ الفريد،و هي تقول:

فليتك تحلو و الحياة مريرة

و ليتك ترضى و الأنام غضاب

و ليت الّذي بيني و بينك عامر

و بيني و بين العالمين خراب

إذا صحّ منك الودّ فالكلّ هيّن

و كلّ الّذي فوق التّراب تراب

و هذا الحبّ من الجليل للعبد من العبيد،و الحبّ من العبد للمنعم المتفضّل،يشيع في هذا الوجود و يسري في هذا الكون العريض،و ينطبع في كلّ حيّ و في كلّ شيء، فإذا هو جوّ و ظلّ يغمران هذا الوجود،و يغمران الوجود الإنسانيّ كلّه،ممثّلا في ذلك العبد المحبّ المحبوب.

و التّصوّر الإسلاميّ يربط بين المؤمن و ربّه بهذا الرّباط العجيب الحبيب،و ليست مرّة واحدة و لا فلتة عابرة،إنّما هو أصل و حقيقة و عنصر في هذا التّصوّر أصيل: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ سَيَجْعَلُ لَهُمُ الرَّحْمنُ وُدًّا مريم:96، إِنَّ رَبِّي رَحِيمٌ وَدُودٌ هود:

90، وَ هُوَ الْغَفُورُ الْوَدُودُ البروج:14، وَ إِذا سَأَلَكَ عِبادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدّاعِ إِذا دَعانِ البقرة:186، وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ البقرة:165، قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ آل عمران:31،و غيرها كثير.

و عجبا لقوم يمرّون على هذا كلّه،ليقولوا:إنّ التّصوّر الإسلاميّ تصوّر جافّ عنيف،يصوّر العلاقة بين اللّه و الإنسان علاقة قهر و قسر،و عذاب و عقاب،و جفوة و انقطاع،لا كالتّصوّر الّذي يجعل المسيح ابن اللّه و أقنوم الإله،فيربط بين اللّه و النّاس،في هذا الازدواج!

إنّ نصاعة التّصوّر الإسلاميّ في الفصل بين حقيقة الألوهيّة و حقيقة العبوديّة،لا تجفّف ذلك النّدى الحبيب، بين اللّه و العبيد،فهي علاقة الرّحمة كما أنّها علاقة العدل، و هي علاقة الودّ كما أنّها علاقة التّجريد،و هي علاقة الحبّ كما أنّها علاقة التّنزيه.إنّه التّصوّر الكامل الشّامل لكلّ حاجات الكينونة البشريّة في علاقتها بربّ العالمين.

و هنا في صفة العصبة المؤمنة المختارة لهذا الدّين يرد ذلك النّصّ العجيب: يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ و يطلق شحنته كلّها في هذا الجوّ،الّذي يحتاج إليه القلب المؤمن،و هو يضطلع بهذا العبء الشّاقّ،شاعرا أنّه الاختيار

ص: 581

و التّفضّل و القربى من المنعم الجليل.(2:918)

الطّباطبائيّ: و أمّا قوله تعالى: يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ فالحبّ مطلق معلّق على الذّات من غير تقييده بوصف أو غير ذلك،أمّا حبّهم للّه فلازمه إيثارهم ربّهم على كلّ شيء سواه،ممّا يتعلّق به نفس الإنسان من مال أو جاه أو عشيرة أو غيرها.فهؤلاء لا يوالون أحدا من أعداء اللّه سبحانه،و إن والوا أحدا فإنّما يوالون أولياء اللّه بولاية اللّه تعالى.

و أمّا حبّه تعالى لهم فلازمه براءتهم من كلّ ظلم، و طهارتهم من كلّ قذارة معنويّة،من الكفر و الفسق بعصمة أو مغفرة إلهيّة عن توبة؛و ذلك أنّ جمل المظالم و المعاصي غير محبوبة للّه كما قال تعالى: فَإِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ آل عمران:32،و قال: وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ آل عمران:57،و قال: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ الأنعام:41،و قال: وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ المائدة:64،و قال: إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ البقرة:190،و قال: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ النّحل:23،و قال: إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ الأنفال:58،إلى غير ذلك من الآيات.

و في هذه الآيات جماع الرّذائل الإنسانيّة،و إذا ارتفعت عن إنسان بشهادة محبّة اللّه له اتّصف بما يقابلها من الفضائل،لأنّ الإنسان لا مخلص له عن أحد طرفي الفضيلة و الرّذيلة إذا تخلّق بخلق.

فهؤلاء هم المؤمنون باللّه حقّا غير مشوب إيمانهم بظلم،و قد قال تعالى: اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَ هُمْ مُهْتَدُونَ الأنعام:82،فهم مأمونون من الضّلال،و قد قال تعالى: فَإِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي مَنْ يُضِلُّ النّحل:37،فهم في أمن إلهيّ من كلّ ضلالة، و على اهتداء إلهيّ إلى صراطه المستقيم،و هم بإيمانهم الّذي صدّقهم اللّه فيه مهديّون إلى اتّباع الرّسول و التّسليم التّامّ له كتسليمهم للّه سبحانه،قال تعالى:

فَلا وَ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتّى يُحَكِّمُوكَ فِيما شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجاً مِمّا قَضَيْتَ وَ يُسَلِّمُوا تَسْلِيماً النّساء:65.

و عند ذلك يتمّ أنّهم من مصاديق قوله تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ آل عمران:

31،و به يظهر أنّ اتّباع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و محبّة اللّه متلازمان، فمن اتّبع النّبيّ أحبّه اللّه و لا يحبّ اللّه عبدا إلاّ إذا كان متّبعا لنبيّه صلّى اللّه عليه و آله.

و إذا اتّبعوا الرّسول اتّصفوا بكلّ حسنة يحبّها اللّه و يرضاها كالتّقوى و العدل و الإحسان و الصّبر و الثّبات و التّوكّل و التّوبة و التّطهّر و غير ذلك،قال تعالى: فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ آل عمران:76،و قال: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ البقرة:195،و قال: وَ اللّهُ يُحِبُّ الصّابِرِينَ آل عمران:146،و قال: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ الصّفّ:4،و قال: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ آل عمران:

159،و قال: إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ البقرة:222،إلى غير ذلك من الآيات.

و إذا تتبّعت الآيات الشّارحة لآثار هذه الأوصاف و فضائل تتعقّبها،عثرت على أمور جمّة من الخصال الحسنة،و وجدت أنّ جميعها تنتهي إلى أنّ أصحابها هم

ص: 582

الوارثون الّذين يرثون الأرض،و أنّ لهم عاقبة الدّار كما يؤمئ إليه الآية المبحوث عنها: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ، المائدة:54،و قد قال تعالى- و هي كلمة جامعة-: وَ الْعاقِبَةُ لِلتَّقْوى طه:132، و سنشرح معنى كون العاقبة للتّقوى،فيما يناسبه من المورد إن شاء اللّه العزيز.(5:383)

عبد الكريم الخطيب :و حبّ اللّه لهم:دعوتهم إلى الإسلام،و شرح صدورهم له،و تثبيت أقدامهم فيه، لأنّه سبحانه و تعالى هو الّذي أحبّهم،و هو الّذي اختارهم و دعاهم.و هذا فضل عظيم،و درجة من الرّضا،لا ينالها إلاّ من أكرمه اللّه،و استضافه،و خلع عليه حلل السّعادة و الرّضوان.جعلنا اللّه من أهل محبّته و ضيافته.

أمّا حبّهم هم للّه،فهو في استجابة دعوته،و امتثال أمره،و الولاء له و لرسوله و للمؤمنين.(3:1120)

يحببكم اللّه و تحبّون اللّه

...قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ...

آل عمران:31

التّستريّ: علامة حبّ اللّه:حبّ القرآن،و علامة حبّ القرآن:حبّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و علامة حبّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

حبّ السّنّة،و علامة حبّ اللّه و حبّ القرآن و حبّ النّبيّ و حبّ السّنّة:حبّ الآخرة،و علامة حبّ الآخرة:أن يحبّ نفسه،و علامة حبّ نفسه:أن يبغض الدّنيا، و علامة بغض الدّنيا:ألاّ يأخذ منها إلاّ الزّاد و البلغة.

(القرطبيّ 4:60)

الزّجّاج: تُحِبُّونَ اللّهَ أي تقصدون طاعته و ترضون بشرائعه،و المحبّة على ضروب؛فالمحبّة من جهة الملاذّ:في المطعم و المشرب و النّساء،و المحبّة من اللّه لخلقه:عفوه عنهم و إنعامه عليهم برحمته و مغفرته، و حسن الثّناء عليهم،و محبّة الإنسان للّه و لرسوله:

طاعته لهما و رضاه بما أمر اللّه به،و أتى به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

(1:397)

نحوه الواحديّ(1:429)،و البغويّ(1:429).

القمّيّ: فحبّ اللّه للعباد:رحمة منه لهم،و حبّ العباد للّه:طاعتهم له.(1:100)

نحوه شبّر.(1:312)

الطّوسيّ: و محبّة اللّه للعبد هي إرادته لثوابه،و محبّة العبد للّه هي إرادته لطاعاته.(2:438)

مثله الطّبرسيّ.(1:432)

الزّمخشريّ: محبّة العباد للّه مجاز عن إرادة نفوسهم اختصاصه بالعبادة دون غيره،و رغبتهم فيها،و محبّة اللّه عباده:أن يرضى عنهم،و يحمد فعلهم.(1:423)

نحوه النّسفيّ.(1:153)

ابن عطيّة: و محبّة العبد للّه تعالى يلزم عنها و لا بدّ أن يطيعه،و تكون أعماله بحسب إقبال النّفس.[ثمّ استشهد بشعر]

و محبّة اللّه للعبد:أمارتها للمتأمّل أن يرى العبد مهديّا مسدّدا ذا قبول في الأرض،فلطف اللّه بالعبد و رحمته إيّاه هي ثمرة محبّته،و بهذا النّظر يتفسّر لفظ المحبّة حيث وقعت من كتاب اللّه عزّ و جلّ.(1:422)

الفخر الرّازيّ: في الآية[مسألتان]

ص: 583

المسألة الأولى:أمّا الكلام المستقصى في المحبّة،فقد تقدّم في تفسير قوله تعالى: وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ البقرة:165،و المتكلّمون مصرّون على أنّ محبّة اللّه تعالى:عبارة عن محبّة إعظامه و إجلاله،أو محبّة طاعته، أو محبّة ثوابه،قالوا:لأنّ المحبّة من جنس الإرادة، و الإرادة لا تعلّق لها إلاّ بالحوادث و إلاّ بالمنافع.

و اعلم أنّ هذا القول ضعيف؛و ذلك لأنّه لا يمكن أن يقال في كلّ شيء:إنّه إنّما كان محبوبا لأجل معنى آخر، و إلاّ لزم التّسلسل و الدّور،فلا بدّ من الانتهاء إلى شيء يكون محبوبا بالذّات،كما أنّا نعلم أنّ اللّذّة محبوبة لذاتها، فكذلك نعلم أنّ الكمال محبوب لذاته.

و كذلك أنّا إذا سمعنا أخبار رستم و اسفنديار في شجاعتهما مال القلب إليهما،مع أنّا نقطع بأنّه لا فائدة لنا في ذلك الميل،بل ربّما نعتقد أنّ المحبّة معصية لا يجوز لنا أن نصرّ عليها،فعلمنا أنّ الكمال محبوب لذاته،كما أنّ اللّذّة محبوبة لذاتها،و كمال الكمال للّه سبحانه و تعالى،فكان ذلك يقتضي كونه محبوبا لذاته من ذاته،و من المقرّبين عنده الّذين تجلّى لهم أثر من آثار كماله و جلاله.قال المتكلّمون:و أمّا محبّة اللّه تعالى للعبد فهي عبارة عن إرادته تعالى إيصال الخيرات و المنافع في الدّين و الدّنيا إليه.

المسألة الثّانية:القوم كانوا يدعون أنّهم كانوا محبّين للّه تعالى،و كانوا يظهرون الرّغبة في أن يحبّهم اللّه تعالى، و الآية مشتملة على أنّ الإلزام من وجهين:

أحدهما:إن كنتم تحبّون اللّه فاتّبعوني لأنّ المعجزات دلّت على أنّه تعالى أوجب عليكم متابعتي.

الثّاني:إن كنتم تحبّون أن يحبّكم اللّه فاتّبعوني، لأنّكم إذا اتّبعتموني فقد أطعتم اللّه،و اللّه تعالى يحبّ كلّ من أطاعه.و أيضا فليس في متابعتي إلاّ أنّي دعوتكم إلى طاعة اللّه تعالى و تعظيمه،و ترك تعظيم غيره،و من أحبّ اللّه كان راغبا فيه،لأنّ المحبّة توجب الإقبال بالكلّيّة على المحبوب،و الإعراض بالكلّيّة عن غير المحبوب.(8:18)

نحوه النّيسابوريّ.(3:169)

القرطبيّ: و محبّة اللّه للعباد:إنعامه عليهم بالغفران، قال اللّه تعالى: فَإِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ آل عمران:

32،أي لا يغفر لهم.(4:60)

البيضاويّ: المحبّة:ميل النّفس إلى الشّيء لكمال أدرك فيه؛بحيث يحملها على ما يقرّبها إليه،و العبد إذا علم أنّ الكمال الحقيقيّ ليس إلاّ للّه،و أنّ كلّ ما يراه كمالا من نفسه أو غيره فهو من اللّه و باللّه و إلى اللّه،لم يكن حبّه إلاّ للّه،و في اللّه.و ذلك يقتضي إرادة طاعته و الرّغبة فيما يقرّبه،فلذلك فسّرت المحبّة بإرادة الطّاعة،و جعلت مستلزمة لاتّباع الرّسول في عبادته و الحرص على مطاوعته. يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ جواب للأمر،أي يرضى عنكم و يكشف الحجب عن قلوبكم بالتّجاوز عمّا فرط منكم،فيقرّبكم من جناب عزّه و يبوّئكم في جوار قدسه،عبّر عن ذلك بالمحبّة على طريق الاستعارة أو المقابلة.(1:156)

مثله أبو السّعود(1:355)،و البروسويّ(2:22)، و نحوه الخازن(1:284)،و أبو حيّان(2:431)، و الكاشانيّ(1:303).

ص: 584

ابن كثير: هذه الآية الكريمة حاكمة على كلّ من ادّعى محبّة اللّه و ليس هو على الطّريقة المحمّديّة،فإنّه كاذب في دعواه في نفس الأمر حتّى يتّبع الشّرع المحمّديّ،و الدّين النّبويّ في جميع أقواله و أفعاله،كما ثبت في الصّحيح عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو ردّ»و لهذا قال: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ أي يحصل لكم فوق ما طلبتم من محبّتكم إيّاه و هو محبّته إيّاكم،و هو أعظم من الأوّل.(2:29)

الآلوسيّ: ذهب عامّة المتكلّمين إلى أنّ المحبّة نوع من الإرادة،و هي لا تتعلّق حقيقة إلاّ بالمعاني و المنافع، فيستحيل تعلّقها بذاته تعالى و صفاته،فهي هنا بمعنى إرادة العبد اختصاصه تعالى بالعبادة؛و ذلك إمّا من باب إطلاق الملزوم و إرادة اللاّزم،أو من باب الاستعارة التّبعيّة بأن شبّه إرادة العبد ذلك و رغبته فيه بميل قلب المحبّ إلى المحبوب،ميلا لا يلتفت معه إلاّ إليه،أو من باب مجاز النّقص،أي إن كنتم تحبّون طاعة اللّه تعالى أو ثوابه فاتّبعوني فيما أمركم به و أنهاكم عنه،كذا قيل.

و هو خلاف مذهب العارفين من أهل السّنّة و الجماعة،فإنّهم قالوا:المحبّة تتعلّق حقيقة بذات اللّه تعالى،و ينبغي للكامل أن يحبّ اللّه سبحانه لذاته،و أمّا محبّة ثوابه فدرجة نازلة.

قال الغزاليّ عليه الرّحمة في«الإحياء»:الحبّ عبارة عن ميل الطّبع إلى الشّيء الملذّ،فإن تأكّد ذلك الميل و قوي يسمّى عشقا،و البغض عبارة عن نفرة الطّبع عن المؤلم المتعب،فإذا قوي سمّي مقتا.و لا يظنّ أنّ«الحبّ» مقصور على مدركات الحواسّ الخمس حتّى يقال:إنّه سبحانه لا يدرك بالحواسّ و لا يتمثّل بالخيال فلا يحبّ، لأنّه صلّى اللّه عليه و سلّم سمّى الصّلاة:قرّة عين،و جعلها أبلغ المحبوبات، و معلوم أنّه ليس للحواسّ الخمس فيها حظّ بل حسّ سادس مظنّته القلب،و البصيرة الباطنة أقوى من البصر الظّاهر.و القلب أشدّ إدراكا من العين،و جمال المعاني المدركة بالعقل أعظم من جمال الصّور الظّاهرة للأبصار، فتكون لا محالة لذّة القلوب بما تدركه من الأمور الشّريفة الإلهيّة الّتي تجلّ أن تدركها الحواسّ أتمّ و أبلغ،فيكون ميل الطّبع السّليم و العقل الصّحيح إليه أقوى،و لا معنى للحبّ إلاّ الميل إلى ما في إدراكه لذّة،فلا ينكر إذا حبّ اللّه تعالى إلاّ من قعد به القصور في درجة البهائم فلم يجز إدراكه الحواسّ أصلا،نعم هذا الحبّ يستلزم الطّاعة.

و القول:بأنّ المحبّة تقتضي الجنسيّة بين المحبّ و المحبوب،فلا يمكن أن تتعلّق باللّه تعالى،ساقط من القول لأنّها قد تتعلّق بالأعراض بلا شبهة و لا جنسيّة بين العرض و الجوهر.

يُحْبِبْكُمُ اللّهُ جواب الأمر،و هو رأي الخليل.

و أكثر المتأخّرين على أنّ مثل ذلك جواب شرط مقدّر، أي إن تتّبعوني يحببكم،أي يقرّبكم،رواه ابن أبي حاتم عن سفيان بن عيينة.

و قيل:يرض عنكم،و عبّر عن ذلك بالمحبّة على طريق المجاز المرسل أو الاستعارة أو المشاكلة.و جعل بعضهم نسبة المحبّة للّه تعالى من المتشابه الّذي لا يعلم تأويله إلاّ اللّه تعالى.(3:129)

رشيد رضا : قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي

ص: 585

يُحْبِبْكُمُ اللّهُ فإنّ ما جئت به من عنده مبيّن لصفاته و أوامره،و نواهيه،و المحبّ حريص على معرفة المحبوب و معرفة ما يأمر به و ينهى عنه،ليتقرّب إليه بمعرفة قدره و امتثال أمره مع اجتناب نهيه،و يكون بذلك أهلا لمحبّته سبحانه،و مستحقّا لأن يغفر له ذنوبه.(3:284)

سيّد قطب :إنّ حبّ اللّه ليس دعوى باللّسان، و لا هياما بالوجدان،إلاّ أن يصاحبه الاتّباع لرسول اللّه، و السّير على هداه،و تحقيق منهجه في الحياة.و إنّ الإيمان ليس كلمات تقال،و لا مشاعر تجيش،و لا شعائر تقام، و لكنّه طاعة للّه و الرّسول،و عمل بمنهج اللّه الّذي يحمله الرّسول.(1:387)

مغنيّة: من أحبّ اللّه يلزمه حتما أن يحبّ رسول اللّه و أهل بيته لحبّ الرّسول لهم،و من أحبّ الرّسول يلزمه حتما أن يحبّ اللّه،و التّفكيك محال،قال تعالى:

مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطاعَ اللّهَ النّساء:80،لأنّ الرّسول هو لسان اللّه و بيانه.و العكس صحيح،أي من نصب العداء للرّسول و آله،فقد نصب العداء للّه من حيث يريد أو لا يريد.فأهل الأديان الأخر الّذين يدّعون الإيمان باللّه،ثمّ ينصبون العداء لمحمّد صلّى اللّه عليه و آله هم من أعدى أعداء اللّه.(2:45)

الطّباطبائيّ: قد تقدّم كلام في معنى الحبّ،و أنّه يتعلّق بحقيقة معناه باللّه سبحانه كما يتعلّق بغيره،في تفسير قوله تعالى: وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ البقرة:165.

و نزيد عليه هاهنا:أنّه لا ريب أنّ اللّه سبحانه على ما ينادي به كلامه،إنّما يدعو عبده إلى الإيمان به و عبادته لإخلاص له و الاجتناب عن الشّرك،كما قال تعالى:

أَلا لِلّهِ الدِّينُ الْخالِصُ الزّمر:3،و قال تعالى:

وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ البيّنة:

5،و قال تعالى: فَادْعُوا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ وَ لَوْ كَرِهَ الْكافِرُونَ المؤمن:14،إلى غير ذلك من الآيات.

و لا شكّ أنّ الإخلاص في الدّين إنّما يتمّ على الحقيقة إذا لم يتعلّق قلب الإنسان-الّذي لا يريد شيئا و لا يقصد أمرا إلاّ عن حبّ نفسيّ و تعلّق قلبيّ-بغيره تعالى من معبود أو مطلوب،كصنم أو ندّ أو غاية دنيويّة،بل و لا مطلوب أخرويّ كفوز بالجنّة أو خلاص من النّار.

و إنّما يكون معلّق قلبه هو اللّه تعالى في معبوديّته، فالإخلاص للّه في دينه إنّما يكون بحبّه تعالى.

ثمّ الحبّ-الّذي هو بحسب الحقيقة-الوسيلة الوحيدة لارتباط كلّ طالب بمطلوبه و كلّ مريد بمراده، إنّما يجذب المحبّ إلى محبوبه ليجده و يتمّ بالمحبوب ما للمحبّ من النّقص.و لا بشرى للمحبّ أعظم من أن يبشّر أنّ محبوبه يحبّه،و عند ذلك يتلاقى حبّان، و يتعاكس دلالان.

فالإنسان إنّما يحبّ الغذاء و ينجذب ليجده،و يتمّ به ما يجده في نفسه من النّقص الّذي آتاه الجوع،و كذا يحبّ النّكاح ليجد ما تطلبه منه نفسه الّذي علامته الشّبق، و كذا يريد لقاء الصّديق ليجده و يملك لنفسه الأنس و له يضيق صدره،و كذا العبد يحبّ مولاه و الخادم ربّما يتولّه لمخدومه ليكون مولى له حقّ المولويّة،و مخدوما له حقّ المخدوميّة،و لو تأمّلت موارد التّعلّق و الحبّ،أو قرأت قصص العشّاق و المتولّهين على اختلافهم لم تشكّ في

ص: 586

صدق ما ذكرناه.

فالعبد المخلص للّه بالحبّ لا بغية له إلاّ أن يحبّه اللّه سبحانه،كما أنّه يحبّ اللّه،و يكون اللّه له كما يكون هو للّه عزّ اسمه،فهذا هو حقيقة الأمر.غير أنّ اللّه سبحانه لا يعدّ في كلامه كلّ حبّ له حبّا-و الحبّ في الحقيقة هو العلقة الرّابطة الّتي تربط أحد الشّيئين بالآخر-على ما يقضي به ناموس الحبّ الحاكم في الوجود.فإنّ حبّ الشّيء يقتضي حبّ جميع ما يتعلّق به،و يوجب الخضوع و التّسليم لكلّ ما هو في جانبه،و اللّه سبحانه هو اللّه الواحد الأحد الّذي يعتمد عليه كلّ شيء في جميع شئون وجوده و يبتغي إليه الوسيلة،و يصير إليه كلّ ما دقّ و جلّ؛فمن الواجب أن يكون حبّه و الإخلاص له بالتّديّن له بدين التّوحيد و طريق الإسلام،على قدر ما يطيقه إدراك الإنسان و شعوره،و إنّ الدّين عند اللّه الإسلام،و هذا هو الدّين الّذي يندب إليه سفرائه، و يدعو إليه أنبيائه و رسله،و خاصّة دين الإسلام الّذي فيه من الإخلاص ما لا إخلاص فوقه،و هو الدّين الفطريّ الّذي يختم به الشّرائع و طرق النّبوّة كما يختم بصادعه الأنبياء عليهم السّلام،و هذا الّذي ذكرناه ممّا لا يرتاب فيه المتدبّر في كلامه تعالى.

و قد عرف النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله سبيله الّذي سلكه بسبيل التّوحيد،و طريقة الإخلاص على ما أمره اللّه سبحانه، حيث قال: قُلْ هذِهِ سَبِيلِي أَدْعُوا إِلَى اللّهِ عَلى بَصِيرَةٍ أَنَا وَ مَنِ اتَّبَعَنِي وَ سُبْحانَ اللّهِ وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ يوسف:108،فذكر أنّ سبيله الدّعوة إلى اللّه على بصيرة الإخلاص للّه من غير شرك،فسبيله دعوة و إخلاص،و اتّباعه و اقتفاء أثره إنّما هو في ذلك،فهو صفة من اتّبعه.

ثمّ ذكر اللّه سبحانه أنّ الشّريعة الّتي شرّعها لها صلّى اللّه عليه و آله هي الممثّلة لهذا السّبيل:سبيل الدّعوة و الإخلاص، فقال: ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها الجاثية:18،و ذكر أيضا أنّه إسلام للّه؛حيث قال: فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَ مَنِ اتَّبَعَنِ آل عمران:20،ثمّ نسبه إلى نفسه و بيّن أنّه صراطه المستقيم،فقال: وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ الأنعام:153،فتبيّن بذلك كلّه أنّ الإسلام- و هو الشّريعة المشرّعة للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله الّذي مجموع المعارف الأصليّة و الخلقيّة و العمليّة و سيرته في الحياة-هو سبيل الإخلاص عند اللّه سبحانه الّذي يعتمد و يبتني على الحبّ،فهو دين الإخلاص،و هو دين الحبّ.

و من جميع ما تقدّم على طوله يظهر معنى الآية الّتي نحن بصدد تفسيرها،أعني قوله: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ فالمراد-و اللّه أعلم-إن كنتم تريدون أن تخلصوا للّه في عبوديّتكم بالبناء على الحبّ حقيقة فاتّبعوا هذه الشّريعة الّتى هي مبنيّة على الحبّ الّذي ممثّله الإخلاص و الإسلام،و هو صراط اللّه المستقيم الّذي يسلك بسالكه إليه تعالى،فإن اتّبعتموني في سبيلي و شأنه هذا الشّأن أحبّكم اللّه و هو أعظم البشارة للمحبّ،و عند ذلك تجدون ما تريدون،و هذا هو الّذي يبتغيه محبّ بحبّه،هذا هو الّذي تقتضيه الآية الكريمة بإطلاقها.

و أمّا بالنّظر إلى وقوعها بعد الآيات النّاهية عن اتّخاذ

ص: 587

الكفّار أولياء و ارتباطها بما قبله،فهذه الولاية لكونها تستدعي في تحقّقها تحقّق الحبّ بين الإنسان و بين من يتولّى-كما تقدّم-كانت الآية ناظرة إلى دعوتهم إلى اتّباع النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله إن كانوا صادقين في دعوتهم ولاية اللّه و أنّهم من حزبه.فإنّ ولاية اللّه لا تتمّ باتّباع الكافرين في أهوائهم-و لا ولاية إلاّ باتّباع-و ابتغاء ما عندهم من مطامع الدّنيا من عزّ و مال،بل تحتاج إلى اتّباع نبيّه في دينه،كما قال تعالى: ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ* إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللّهِ شَيْئاً وَ إِنَّ الظّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِياءُ بَعْضٍ وَ اللّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ الجاثية:18،19،انظر إلى الانتقال من معنى الاتّباع إلى معنى الولاية في الآية الثّانية.

فمن الواجب على من يدّعي ولاية اللّه بحبّه أن يتّبع الرّسول،حتّى ينتهي ذلك إلى ولاية اللّه له بحبّه.

و إنّما ذكر«حبّ اللّه»دون ولايته،لأنّه الأساس الّذي تبتني عليه الولاية،و إنّما اقتصر على ذكر حبّ اللّه تعالى فحسب،لأنّ ولاية النّبيّ و المؤمنين تؤول بالحقيقة إلى ولاية اللّه.(3:157)

يحبّونكم و تحبّونهم

ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَ لا يُحِبُّونَكُمْ...

آل عمران:119

ابن عبّاس: أنّها الميل إليهم بالطّباع،لموضع القرابة،و الرّضاع،و الحلف.(ابن الجوزيّ 1:447) أبو العالية :أنّها لموضع إظهار المنافقين الإيمان.

(ابن الجوزيّ 1:447)

قتادة :أنّها بمعنى الرّحمة لهم،لما يفعلون من المعاصي الّتي يقابلها العذاب الشّديد.

(ابن الجوزيّ 1:447)

مقاتل:هم المنافقون يحبّهم المؤمنون لما أظهروا من الإيمان،و لا يعلمون ما في قلوبهم.(البغويّ 1:498)

المفضّل الضّبّيّ: أنّها بمعنى إرادة الإسلام لهم، و هم يريدون المسلمين على الكفر.

و مثله الزّجّاج.(ابن الجوزيّ 1:447)

أبو بكر الأصمّ: تُحِبُّونَهُمْ بمعنى أنّكم لا تريدون إلقاءهم في الآفات و المحن، وَ لا يُحِبُّونَكُمْ بمعنى أنّهم يريدون إلقاءكم في الآفات و المحن و يتربّصون بكم الدّوائر.(الفخر الرّازيّ 8:313)

الطّبريّ: ها أنتم أيّها المؤمنون الّذين تحبّونهم، يقول:تحبّون هؤلاء الكفّار الّذين نهيتكم عن اتّخاذهم بطانة من دون المؤمنين،فتودّونهم و تواصلونهم،و هم لا يحبّونكم.(4:65)

الواحديّ: أي:تريدون لهم الإسلام،و هو خير الأشياء،و هم يريدونكم على الكفر،و هو الهلاك.

(1:483)

نحوه الطّبرسيّ.(1:493)

البغويّ: أي تحبّون هؤلاء اليهود الّذين نهيتكم عن مباطنتهم للأسباب الّتي بينكم من القرابة و الرّضاع و المصاهرة،و لا يحبّونكم لما بينكم من مخالفة الدّين.

(1:498)

مثله الشّربينيّ.(1:242)

ص: 588

الزّمخشريّ: أي أنتم أولاء الخاطئون في موالاة منافقي أهل الكتاب.و قوله: تُحِبُّونَهُمْ وَ لا يُحِبُّونَكُمْ بيان لخطئهم في موالاتهم؛حيث يبذلون محبّتهم لأهل البغضاء.

و قيل:(اولاء)موصول،(تحبّونهم)صلته،و الواو في(و تؤمنون)للحال،و انتصابها من(لا يحبّونكم)أي لا يحبّونكم و الحال أنّكم تؤمنون بكتابهم كلّه،و هم مع ذلك يبغضونكم.فما بالكم تحبّونهم و هم لا يؤمنون بشيء من كتابكم!و فيه توبيخ شديد بأنّهم في باطلهم أصلب منكم في حقّكم.(1:459)

نحوه البيضاويّ(1:179)،و النّسفيّ(1:178)، و أبو السّعود(2:23)،و الكاشانيّ(1:345)،و البروسويّ (2:85)،و القاسميّ(4:95).

ابن عطيّة: و الضّمير في تُحِبُّونَهُمْ لمنافقي اليهود الّذين تقدّم ذكرهم في قوله: بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ آل عمران:118،و الضّمير في هذه الآية اسم للجنس، أي تؤمنون بجميع الكتب و هم لا يؤمنون بقرآنكم.

(1:497)

ابن الجوزيّ: و الخطاب بهذه الآية للمؤمنين،قال ابن قتيبة:و معنى الكلام:ها أنتم يا هؤلاء.فأمّا تُحِبُّونَهُمْ فالهاء و الميم عائدة إلى الّذين نهوا عن مصافاتهم.و في معنى محبّة المؤمنين لهم أربعة أقوال.[ثمّ ذكر الأقوال المتقدّمة](1:447)

الفخر الرّازيّ: فيه وجوه[ذكر أربعة من الوجوه و قال:]

الخامس:(تحبّونهم)بسبب أنّهم يظهرون لكم محبّة الرّسول،و محبّ المحبوب محبوب،(و لا يحبّونكم)لأنّهم يعلمون أنّكم تحبّون الرّسول و هم يبغضون الرّسول، و محبّ المبغوض مبغوض.

السّادس:(تحبّونهم)أي تخالطونهم،و تفشون إليهم أسراركم في أمور دينكم،(و لا يحبّونكم)أي لا يفعلون مثل ذلك بكم.

و اعلم أنّ هذه الوجوه الّتي ذكرناها إشارة إلى الأسباب الموجبة لكون المؤمنين يحبّونهم،و لكونهم يبغضون المؤمنين،فالكلّ داخل تحت الآية.و لمّا عرّفهم تعالى كونهم مبغضين للمؤمنين و عرّفهم أنّهم مبطلون في ذلك البغض،صار ذلك داعيا من حيث الطّبع،و من حيث الشّرع إلى أن يصير المؤمنون مبغضين لهؤلاء المنافقين.(8:213)

نحوه النّيسابوريّ.(4:49)

القرطبيّ: و المحبّة هنا بمعنى المصافاة،أي أنتم أيّها المسلمون تصافونهم و لا يصافونكم لنفاقهم.و قيل:

المعنى تريدون لهم الإسلام و هم يريدون لكم الكفر، و قيل:المراد اليهود،قاله الأكثر.(4:181)

الخازن :[مثل البغويّ و أضاف:]

و قيل:(تحبّونهم)يعني تريدون لهم الإسلام،و هو خير الأشياء،(و لا يحبّونكم)لأنّهم يريدون لكم الكفر و هو شرّ الأشياء،لأنّ فيه هلاك الأبد.

و قيل:هم المنافقون(تحبّونهم)لما أظهروا من الإيمان و أنتم لا تعلمون ما في قلوبهم،(و لا يحبّونكم)لأنّ الكفر ثابت في قلوبهم.

و قيل:(تحبّونهم)و ذلك بأن تفشوا إليهم أسراركم،

ص: 589

(و لا يحبّونكم)أي لا يفعلون مثل ذلك معكم.(1:343)

أبو حيّان :[نقل قول المفضّل و الزّجّاج و أضاف:]

و هذا ليس بجيّد،لأنّه لا يقع توبيخ على معنى إرادة إسلام الكافر أو المصافاة،لأنّها من ثمرة المحبّة.

(3:40)

ابن كثير :أي أنتم أيّها المؤمنون تحبّون المنافقين بما يظهرونه لكم من الإيمان فتحبّونهم على ذلك،و هم لا يحبّونكم لا باطنا و لا ظاهرا.(2:102)

شبّر:بيان لخطئهم في موالاتهم،و هو خبر ثان،أو خبر ل(اولاء)و الجملة خبر(انتم)أو صلة،أو حال عاملها الإشارة.(1:365)

الآلوسيّ: و المراد بمحبّة المؤمنين لهم:المحبّة العادية النّاشئة من نحو الإحسان و الصّداقة،و مثلها و إن كان غريبا يلام عليه إذا وقع من المؤمنين في حقّ أعداء الدّين الّذين يتربّصون بهم ريب المنون،لكن لا يصل إلى الكفر،و إنّما لم يصل إليه باعتبار آخر لا يكاد يقع من أولئك المخاطبين.

و قيل:المراد(تحبّونهم)لأنّكم تريدون الإسلام لهم و تدعونهم إلى الجنّة(و لا يحبّونكم)لأنّهم يريدون لكم الكفر و الضّلال،و في ذلك الهلاك،و لا يخفى ما فيه.

(4:39)

مغنيّة: ظاهر الخطاب أنّه موجّه إلى جماعة تنتمي إلى الإسلام،و لا يصحّ أن يتوجّه إلى جميع المسلمين لا في العصر الأوّل و لا في غيره؛إذ لم يعهد أنّ كلمة المسلمين اتّفقت على حبّ الكافرين في يوم من الأيّام.

و قال الطّبريّ شيخ المفسّرين،و تبعه كثير،قالوا ما معناه:إنّ حبّ المسلمين لمن يكرههم من الكافرين دليل على أنّ الإسلام دين الحبّ و التّساهل.

هذا سهو من الطّبريّ و مقلّديه،لأنّ الإسلام لا يتساهل أبدا مع المفسدين و الخائنين،و لا شيء أدلّ على ذلك من هذه الآية نفسها الّتي فسّرها الطّبريّ بالتّساهل.

و الّذى نراه أنّ المسألة ليست مسألة تساهل،و إنّما هي مسألة خيانة و نفاق من بعض من انتسب إلى الإسلام،و في الوقت نفسه يتجسّس على المسلمين لحساب عدوّ الوطن و الدّين،كما هو شأن عملاء الاستعمار اليوم المعروفين بالطّابور الخامس،و بالمرتزقة و الانتهازيّين،لأنّهم يبيعون دينهم و وطنهم لكلّ من يدفع الثّمن.(2:146)

عبد الكريم الخطيب :يضبط اللّه سبحانه و تعالى أولئك المسلمين الّذين ظلّوا على ولائهم و صداقتهم لهؤلاء الأعداء،و يقدّمهم للمسلمين متلبّسين بفعلتهم تلك المنكرة،و يريهم بأعينهم مدى الغبن الّذي أصابهم من تلك الصّحبة،إنّهم يحبّون من لا يحبّهم،بل و من يبيّت لهم الشّرّ،و يدبّر العدوان.(2:565)

استحبّوا

...إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ... التّوبة:23

ابن عبّاس: اختاروا الكفر على الإيمان.(155)

مثله الطّبريّ(10:98)،و الواحديّ(2:486)، و البغويّ(2:327)،و الطّبرسيّ(3:16)،و النّسفيّ(2:

121)،و البيضاويّ(1:409)،و الخازن(3:58)،

ص: 590

و ابن كثير(3:375)،و أبو السّعود(3:135)،و الكاشانيّ (2:329)،و شبّر(3:62)،و القاسميّ(8:309).

الطّوسيّ: معناه إن طلبوا محبّة الكفر على الإيمان.

و قد يكون استحبّ بمعنى أحبّ،كما أنّ استجاب بمعنى أجاب.(5:228)

الرّاغب: أي إن آثروه عليه،و حقيقة الاستحباب أن يتحرّى الإنسان في الشّيء أن يحبّه،و اقتضى تعديته ب(على)معنى الإيثار.(105)

ابن عطيّة: متضمّنة معنى فضّلوا و آثروا،و لذلك تعدّت ب(على).(3:17)

الفخر الرّازيّ: و الاستحباب:طلب المحبّة،يقال:

استحبّ له،بمعنى أحبّه،كأنّه طلب محبّته.(16:18)

القرطبيّ: أي أحبّوا،كما يقال:استجاب بمعنى أجاب.(8:94)

النّيسابوريّ: اختاروا،و هو في الأصل طلب المحبّة.(8:60)

أبو حيّان :و معنى استحبّوا:آثروا و فضّلوا «استفعل»من المحبّة،أي طلبوا محبّة الكفر.و قيل:بمعنى أحبّ و ضمّن معنى اختار و آثر،و لذلك عدّي ب(على).

(5:22)

البروسويّ: أي اختاروه على الإيمان،عدّي استحبّ ب(على)لتضمّنه معنى اختار و حرص.

(3:403)

الآلوسيّ: أي اختاروا الكفر على الإيمان،و أصرّوا عليه إصرارا لا يرجي معه إقلاع أصلا،و لتضمّن «استحبّ»معنى ما ذكر تعدّى ب«على»و تعليق النّهي عن الاتّخاذ بذلك،لما أنّه قبل ذلك ربّما يؤدّي بهم إلى الإسلام بسبب شعورهم بمحاسن الدّين.(10:70)

رشيد رضا :أي إن أصرّوا على الكفر و آثروه على الإيمان بالحبّ،و ما يقتضيه هذا الحبّ من قتال المؤمنين و عداوتهم،كما علم من شأنهم منذ ظهر الإسلام إلى نزول هذه السّورة بعد فتح مكّة،و لا سيّما جموعهم في حنين.(10:224)

مثله المراغيّ.(10:80)

احبّاء

وَ قالَتِ الْيَهُودُ وَ النَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللّهِ وَ أَحِبّاؤُهُ... المائدة:18

[راجع«ب ن و»أبناء اللّه]

حبّا

وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً...

الأنعام:99

راجع«ر ك ب»

الحبّ

إِنَّ اللّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ... الأنعام:95

لاحظ«ف ل ق»

ص: 591

حبّة

مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ... البقرة:261

لاحظ«س ن ب ل»

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: الحبّ على وجهين:

أحدهما:الحبّ بعينه،كقوله: كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ البقرة:261، و قوله: وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ الأنبياء:

47،نظيرها في لقمان:16.

و الثّاني:ما ينبت من الحبّ،كقوله: إِنَّ اللّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى الأنعام:95.(211)

الدّامغانيّ: الحبّ على ثلاثة أوجه:الإيثار،المودّة، القلّة.

فوجه منها،الحبّ يعني الإيثار،كقوله في سورة ص:32، إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي أي آثرت حبّ الخير،كقوله في سورة الحشر:9، يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ يعني يؤثرون،كقوله في سورة إبراهيم:

3، اَلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ أي يؤثرون و يختارون.

و الوجه الثّاني:الحبّ:المودّة،قوله في سورة المائدة:

54، يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ كقوله في آل عمران:31 فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ و نحوه كثير.

و الوجه الثّالث:الحبّ يعني القلّة،قوله في الدّهر:

8، وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ يعني على قلّته، كقوله في البقرة:176، وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ أي قلّته.(257)

الفيروزآباديّ: بصيرة في الحبّ و المحبّة،و لا يحدّ المحبّة بحدّ أوضح منها،و الحدود لا تزيدها إلاّ خفاء و جفاء،فحدّها وجودها.و لا توصف المحبّة بوصف أظهر من المحبّة،و إنّما يتكلّم النّاس في أسبابها و موجباتها و علاماتها و شواهدها و ثمراتها و أحكامها،فحدودهم و رسومهم دارت على هذه السّتّة.

و هذه المادّة تدور في اللّغة على خمسة أشياء:

أحدها:الصّفاء و البياض،و منه قيل:حبب الأسنان لبياضها و نضارتها.الثّاني:العلوّ و الظّهور،و منه حبب الماء و حبابه و هو ما يعلوه من النّفّاخات عند المطر، و حبب الكأس منه.الثّالث:اللّزوم و الثّبات،و منه حبّ البعير و أحبّ إذا برك فلم يقم.الرّابع:اللّباب و الخلوص.و منه حبّة القلب للبّه و داخله.و منه الحبّة لواحدة الحبوب؛إذ هي أصل الشّيء و مادّته و قوامه.

الخامس:الحفظ و الإمساك.و منه حبّ الماء للوعاء الّذي يحفظ فيه و يمسكه.و فيه معنى الثّبوت أيضا.

و لا ريب أنّ هذه الخمسة من لوازم المحبّة.فإنّها صفاء المودّة و هيجان إرادة القلب و علوّها و ظهورها منه لتعلّقها بالمحبوب المراد و ثبوت إرادة القلب للمحبوب و لزومها لزوما لا تفارق،و لإعطاء المحبّ محبوبه لبّه و أشرف ما عنده و هو قلبه،و لاجتماع عزماته و إراداته و همومه على محبوبه.فاجتمعت فيها المعاني الخمسة.

و وضعوا لمعناها حرفين مناسبين للشّيء غاية المناسبة:

ص: 592

الحاء الّتي من أقصى الحلق،و الباء للشّفة الّتي هي نهايته،فللحاء الابتداء و للباء الانتهاء،و هذا شأن المحبّة و تعلّقها بالمحبوب،فإنّ ابتداءها منه و انتهاءها إليه.

و يقال في فعله:حببت فلانا بمعنى أصبت حبّة قلبه، نحو شغفته و كبدته و فأدته،و أحببت فلانا:جعلت قلبي معرّضا لأن يحبّه.لكن وضع في التّعارف محبوب موضع محبّ،و استعمل حببت أيضا في معنى أحببت،و لم يقولوا:

محبّ إلاّ قليلا قال:

و لقد نزلت فلا تظنّي غيره

منّي بمنزلة المحبّ المكرم

و أعطوا الحبّ حركة الضّمّ الّتي هي أشدّ الحركات و أقواها،مطابقة لشدّة حركة مسمّاه و قوّتها.و أعطوا الحبّ و هو المحبوب حركة الكسر لخفّتها عن الضّمّة، و ذلك لخفّة ذكر المحبوب على قلوبهم و ألسنتهم مع إعطائه حكم نظائره كنهد و ذبح للمنهود و المذبوح و حمل للمحمول،فتأمّل هذا اللّطف و المطابقة و المناسبة العجيبة بين اللّفظ و المعنى يطلعك على قدر هذه اللّغة الشّريفة و إنّ لها لشأنا ليس كسائر اللّغات.

و قد ذكر اللّه تعالى ذلك فى مواضع كثيرة من التّنزيل الحميديّ منها: فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ المائدة:54، وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ البقرة:165، إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ آل عمران:31، وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ آل عمران:134، وَ اللّهُ يُحِبُّ الصّابِرِينَ آل عمران:

146، إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ البقرة:222، إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ الصّفّ:4، إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ التّوبة:4 فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا التّوبة:108، إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ ص:32، وَ لكِنَّ اللّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ الحجرات:

17،و قال تعالى: وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ البقرة:205، إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ لقمان:18،و قال تعالى: إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ التّوبة:23، أي آثروه عليه.

و حقيقة الاستحباب أن يتحرّى الإنسان في الشّىء أن يحبّه.و اقتضى تعديته ب«على»معنى الإيثار.

و في الحديث الصّحيح:«إذا أحبّ اللّه عبدا دعا جبرئيل فقال:إنّي أحبّ فلانا فأحبّه فيحبّه جبرئيل.ثمّ ينادي في السّماء فيقول:إنّ اللّه يحبّ فلانا فأحبّوه فيحبّه أهل السّماء.ثمّ يوضع له القبول في الأرض،و في البغض ذكر مثل ذلك.و في الصّحيح أيضا:«ثلاث من كنّ فيه وجد بهنّ حلاوة الإيمان:أن يكون اللّه و رسوله أحبّ إليه ممّا سواهما.و أن يحبّ المرء لا يحبّه إلاّ للّه».

و في صحيح البخاريّ: «يقول اللّه تعالى:من عادى لي وليّا فقد آذنته بالحرب،و ما تقرّب إليّ عبدي بشيء أحبّ إليّ من أداء ما افترضته عليه،و لا يزال عبدي يتقرّب إليّ بالنّوافل حتّى أحبّه.فإذا أحببته كنت سمعه الّذي يسمع به،و بصره الّذي يبصر به،و يده الّتي يبطش بها،و رجله الّتي يمشي بها،و إن سألني أعطيته، و لئن استعاذني لأعيذنّه.

و في الصّحيحين من حديث أمير السّريّة الّذي كان

ص: 593

يقرأ قُلْ هُوَ اللّهُ أَحَدٌ لأصحابه في كلّ صلاة و قال:

لأنّها صفة الرّحمن و أنا أحبّ أن أقرأ بها،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

«أخبروه أنّ اللّه يحبّه».

و عن التّرمذيّ عن أبي الدّرداء يرفعه:«كان من دعاء داود عليه السّلام:اللّهمّ إنّي أسألك حبّك و حبّ من يحبّك، و العمل الّذي يبلّغني حبّك.اللّهمّ اجعل حبّك أحبّ إليّ من نفسي و أهلي.و من الماء البارد».

و فيه أيضا من حديث عبد اللّه بن يزيد الخطميّ أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان يقول في دعائه:«اللّهمّ ارزقني حبّك و حبّ من يحبّك و حبّ من ينفعني حبّه عندك.اللّهمّ ما رزقتني ممّا أحبّ فاجعله قوّة لي فيما تحبّ، و ما زويت عنّي ممّا أحبّ فاجعله فراغا لي فيما يحبّ».

و القرآن و السّنّة مملوءان بذكر من يحبّ اللّه سبحانه من عباده.و ذكر من يحبّه من أعمالهم و أقوالهم و أخلاقهم.

فلا يلتفت إلى من أوّل محبّته تعالى لعباده بإحسانه إليهم و إعطائهم الثّواب،و محبّة العباد له تعالى بمحبّته طاعته و الازدياد من الأعمال لينالوا به الثّواب،فإنّ هذا التّأويل يؤدّي إلى إنكار المحبّة.و متى بطلت مسألة المحبّة بطلت جميع مقامات الإيمان و الإحسان،و تعطّلت منازل السّير،فإنّها روح كلّ مقام و منزلة و عمل،فإذا خلا منها فهو ميّت،و نسبتها إلى الأعمال كنسبة الإخلاص إليها،بل هي حقيقة الإخلاص،بل هي نفس الإسلام؛فإنّه الاستسلام بالذّلّ و الحبّ و الطّاعة للّه.فمن لا محبّة له لا إسلام له البتّة.

و مراتب المحبّة عشرة:

الأوّل العلاقة و الإرادة و الصّبابة.و الغرام و هو الحبّ اللاّزم للقلب ملازمة الغريم لغريمه.

ثمّ الودّ و هو صفو المحبّة و خالصها و لبّها.

ثمّ الشّغف،شغف بكذا فهو مشغوف،أي وصل الحبّ شغاف قلبه:و هو جلدة رقيقة على القلب.

ثمّ العشق و هو الحبّ المفرط الّذي يخاف على صاحبه منه،و به فسّر وَ لا تُحَمِّلْنا ما لا طاقَةَ لَنا بِهِ البقرة:286.

ثمّ التّتيّم و هو المحبّة و التّذلّل،تيّمه الحبّ أي عبّده و ذلّله و تيم اللّه عبد اللّه.

ثمّ التّعبّد و هو فوق التّتيّم،فإنّ العبد الّذي (1)ملك المحبوب رقّه فلم يبق له شيء من نفسه البتّة،بل كلّه لمحبوبه ظاهرا و باطنا.و لمّا كمّل سيّد ولد آدم هذه المرتبة وصفه اللّه بها في أشرف مقاماته بقوله: سُبْحانَ الَّذِي أَسْرى بِعَبْدِهِ لَيْلاً الإسراء:1،و في مقام الدّعوة:

وَ أَنَّهُ لَمّا قامَ عَبْدُ اللّهِ يَدْعُوهُ الجنّ:19،و في مقام التّحدّي: وَ إِنْ كُنْتُمْ فِي رَيْبٍ مِمّا نَزَّلْنا عَلى عَبْدِنا البقرة:23،و بذلك استحقّ التّقدّم على الخلائق في الدّنيا و الآخرة.

العاشر:مرتبة الخلّة الّتي انفرد بها الخليلان إبراهيم و محمّد عليهما الصّلاة و السّلام؛كما صحّ عنه«إنّ اللّه (2)اتّخذني خليلا كما اتّخذ إبراهيم خليلا»،و قال:«لو كنت متّخذا من أهل الأرض خليلا لاتّخذت أبا بكر خليلاف.

ص: 594


1- هو خبر إنّ.
2- رواه الطبراني كما في الجامع الصغير،و في شرحه أن اسناده ضعيف.

و لكنّ صاحبكم خليل الرّحمن»و الخلّة هي المحبّة الّتي تخلّلت روح[المحبّ]و قلبه حتّى لم يبق فيه موضع لغير محبوبه.

و الأسباب الجالبة للمحبّة عشرة:

الأوّل:قراءة القرآن بالتّدبّر و التّفهّم لمعانيه و تفطّن مراد اللّه منه.

الثّاني:التّقرّب إلى اللّه تعالى بالنّوافل بعد الفرائض؛ فإنّها توصّل إلى درجة المحبوبيّة بعد المحبّة.

الثّالث:دوام ذكره على كلّ حال باللّسان و القلب و العمل و الحال فنصيبه من المحبّة على قدر نصيبه من هذا الذّكر.

الرّابع:إيثار محابّه على محابّك عند غلبات الهوى.

الخامس:مطالعة القلب لأسمائه و صفاته و مشاهدتها و تقلّبه في رياض هذه المعرفة و مباديها فمن عرف اللّه بأسمائه و صفاته و أفعاله أحبّه لا محالة.

السّادس مشاهدة برّه و إحسانه و نعمه الظّاهرة و الباطنة.

السّابع:و هو من أعجبها انكسار القلب بكلّيّته بين يديه.

الثّامن:الخلوة به وقت النّزول الإلهيّ لمناجاته و تلاوة كلامه،و الوقوف بالقالب و القلب بين يديه،ثمّ ختم ذلك بالاستغفار و التّوبة.

التّاسع:مجالسة المحبّين و الصّادقين و التقاط أطايب ثمرات كلامهم و ألاّ يتكلّم إلاّ إذا ترجّحت مصلحة الكلام و علم أنّ فيه مزيدا لحاله.

العاشر:مباعدة كلّ سبب يحول بين القلب و بين اللّه عزّ و جلّ.

فمن هذه الأسباب وصل المحبّون إلى منازل المحبّة، و دخلوا على الحبيب،و في ذلك أقول:

تلاوة فهم مع لزوم نوافل

و ذكر دواما و انكسار بقلبه

و إيثار ما يرضي شهود عطائه

و وقت نزول الحقّ يخلو بربّه

مطالعة الأسما مجالسة القدى

مجانبة الأهوا جوالب حبّه

(بصائر ذوي التّمييز 2:416)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحبّ،أي ما يأكله النّاس من الحنطة و الشّعير خاصّة،و ما يشبهه كالعدس و الأرزّ و بزور ما يبذر.ثمّ عمّم للزّرع و الأشياء؛و واحدته:

حبّة،و جمعه:حبّات و حبوب و حبّان.يقال:أحبّ الزّرع و ألبّ،أي دخل فيه الأكل،و تنشّأ فيه الحبّ و اللّبّ.

و الحبّة:حبّ الرّياحين،و بزر كلّ نبات ينبت وحده من غير أن يبذر؛واحدها:حبّة،و جمعها:حبب.

و الحبّ:القرط من حبّة واحدة،و هو الحباب أيضا، تشبيها بالحبّة من الطّعام.

و حبب الأسنان:تنضّدها،أي تراصفها،تشبيها بتراصف الحبوب و تناسقها.و حبب الفم:ما يتحبّب من بياض الرّيق على الأسنان.و حبب الماء و حببه و حبابه:

طرائقه،و نفّاخاته و فقاقيعه الّتي تطفو كأنّها القوارير.

ص: 595

و الحباب:الطّلّ على الشّجر يصبح عليه،و حباب الرّمل و حببه:طرائقه.

و حبّة القلب:ثمرته و سويداؤه،و هي هنة سوداء، تشبيها بحبّة الطّعام في الهيئة،و منه اشتقّ الحبّ:نقيض البغض،لأنّه ينشأ من القلب.يقال:أصابت فلانة حبّة قلب فلان،أي شغف قلبه حبّها.

و حبّه يحبّه فهو محبوب،و أحبّه فهو محبّ،و ذاك محبوب خلافا للقياس،و محبّ على القياس،و استحبّه:

أحبّه،و المحبّة:اسم للحبّ،و الحبيب،و الحباب:

الحبّ،و الحبّ:الحبيب و المحبوب؛و الجمع:أحباب و حبّان و حبوب و حببة؛و حبّ،و الحبّة:الحبيبة و المحبوبة.و امرأة محبّة لزوجها و محبّ أيضا.و الحباب:

الحبّ.

و الحباب:المحابّة و الموادّة و الحبّ،و تحبّب إليه:

تودّد،و حببت إليه:صرت حبيبا،و حبّب إليه الأمر:

جعله يحبّه،و هم يتحابّون:يحب بعضهم بعضا.و حبابك أن يكون ذلك،أو حبابك أن تفعل ذلك:غاية محبّتك.

و حبّتك:ما أحببت أن تعطاه أو يكون لك؛يقال:اختر حبّتك من النّاس و غيرهم،أي الّذي تحبّه.

و حبّذا:تتكوّن من«حبّ»،و هو فعل ماض جامد، و أصله»حبب،و«ذا»:اسم إشارة،فاعل«حبّ»،ثمّ صارا كلمة واحدة،و هي بمنزلة اسم مرفوع بالابتداء يفيد المدح،و ما بعده خبر مرفوع به،نحو:حبّذا الأمر، و حبّذا زيد،أي هو حبيب.

و الإحباب:البروك،يقال:أحبّ البعير إحبابا،أي برك و حرن و لم يقدر أن ينبعث،لمرض أو كسر أو إعياء،كأنّه أحبّ المكان الّذي وقف فيه.

و التّحبّب:الارتواء و هو من هذا الباب أيضا،لأنّه ممّا تحبّه النّفس و تشتهيه.يقال:تحبّب الحمار و غيره،أي امتلأ من الماء،و شربت الإبل حتّى حبّبت:تملّأت ريّا، و حبّبته فتحبّبت:ملأته للسّقاء و غيره.

و الحباب:الحيّة،إلاّ أنّها ليست خبيثة و لا شرسة، و اسم شيطان أيضا،لأنّ الحيّة يقال لها:شيطان،و هو ممّا شذّ عن الباب،كما أشار إليه ابن فارس.

2-و الحبّ:الخابية،و هي الجرّة الضّخمة،و الجمع:

أحباب و حببة و حباب،و هي الحبّة أيضا،يقال:نعم، و حبّة و كرامة،و حبّا و كرامة.

و ذكر ابن سيده نقلا عن أبي حاتم:أصل الحبّ «حنب»بالحاء معرّب،و قال ابن دريد و الجوهريّ و الفيّوميّ و غيرهم:هو فارسيّ معرّب.

بيد أنّ الجواليقيّ ذكر أصله بلفظ«خنب»بالخاء، نقلا عن أبي حاتم،و هو كذلك باللّغة الفارسيّة،إلاّ أنّه منقول عن لفظ«خم»بهذا المعنى أيضا،أي الجرّة العظيمة.

و يبدو أنّ لغة«الحاء»دخلت العربيّة بواسطة السّريانيّة-كما هو الغالب في الألفاظ الفارسيّة المعرّبة- حيث ينزع السّريانيّون إلى قلب الخاء«حاء»في أغلب كلامهم.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت بمعنيين:

1-الحبّ مصدرا بألفاظ،و فعلا من أبواب:الإفعال

ص: 596

و التّفعيل و الاستفعال،أكثر من(80)مرّة.

2-الحبّ و الحبّة(11)مرّة كلّها في(85)آية، ففيها محوران:

المحور الأوّل:«الحبّ»و هو أقسام:

الأوّل:حبّ اللّه أصنافا من الأخيار:

أ-المتّقين

1- بَلى مَنْ أَوْفى بِعَهْدِهِ وَ اتَّقى فَإِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ آل عمران:76

2- فَأَتِمُّوا إِلَيْهِمْ عَهْدَهُمْ إِلى مُدَّتِهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ التوبة:4

3- فَمَا اسْتَقامُوا لَكُمْ فَاسْتَقِيمُوا لَهُمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَّقِينَ التّوبة:7

ب-المحسنين

4- وَ أَحْسِنُوا إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ البقرة:195

5- اَلَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرّاءِ وَ الضَّرّاءِ وَ الْكاظِمِينَ الْغَيْظَ وَ الْعافِينَ عَنِ النّاسِ وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ

آل عمران:134

6- فَآتاهُمُ اللّهُ ثَوابَ الدُّنْيا وَ حُسْنَ ثَوابِ الْآخِرَةِ وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ آل عمران:148

7- فَاعْفُ عَنْهُمْ وَ اصْفَحْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ المائدة:13

8-«ثم اتقوا و آمنوا ثم و احسنوا و الله يحب المحسنين»المائدة:93

ج،د-التّوّابين و المتطهّرين

9- فَإِذا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ اللّهُ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوّابِينَ وَ يُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ البقرة:222

10- فِيهِ رِجالٌ يُحِبُّونَ أَنْ يَتَطَهَّرُوا وَ اللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ التّوبة:108

ه-المقسطين

11- وَ إِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ المائدة:42

12- فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما بِالْعَدْلِ وَ أَقْسِطُوا إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ الحجرات:9

13- لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ الممتحنة:8

و-الصّابرين

14- وَ كَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَما وَهَنُوا لِما أَصابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ ما ضَعُفُوا وَ مَا اسْتَكانُوا وَ اللّهُ يُحِبُّ الصّابِرِينَ آل عمران:146

ز-المتوكّلين

15- فَإِذا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ آل عمران:159

ح-المقاتلين في سبيل اللّه

16- إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُمْ بُنْيانٌ مَرْصُوصٌ الصّفّ:4

الثّاني:عدم حبّه أصنافا من الأشرار:

أ-المعتدين

17- وَ قاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ البقرة:190

18- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُحَرِّمُوا طَيِّباتِ ما أَحَلَّ اللّهُ لَكُمْ وَ لا تَعْتَدُوا إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ

ص: 597

المائدة:87

19- اُدْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ الأعراف:55

ب-الظّالمين

20- وَ أَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ آل عمران:57

21- وَ لِيَعْلَمَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ يَتَّخِذَ مِنْكُمْ شُهَداءَ وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ آل عمران:140

22- وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ الشّورى:40

ج-المفسدين

23- وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ المائدة:64

24- وَ أَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللّهُ إِلَيْكَ وَ لا تَبْغِ الْفَسادَ فِي الْأَرْضِ إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ القصص:77

25- وَ إِذا تَوَلّى سَعى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيها وَ يُهْلِكَ الْحَرْثَ وَ النَّسْلَ وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ

البقرة:205

د-المسرفين

26- كُلُوا مِنْ ثَمَرِهِ إِذا أَثْمَرَ وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ

الأنعام:141

27- يا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَ كُلُوا وَ اشْرَبُوا وَ لا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ

الأعراف:31

ه-المستكبرين

28- لا جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ النّمل:23

و-الكافرين

29- قُلْ أَطِيعُوا اللّهَ وَ الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ آل عمران:32

30- لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ الرّوم:45

ز-كفّار أثيم

31- يَمْحَقُ اللّهُ الرِّبا وَ يُرْبِي الصَّدَقاتِ وَ اللّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ كَفّارٍ أَثِيمٍ البقرة:276

ح-خوّان أثيم

32- وَ لا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوّاناً أَثِيماً النّساء:107

ط-خوّان كفور

33- إِنَّ اللّهَ يُدافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ خَوّانٍ كَفُورٍ الحجّ:38

ي-الخائنين

34- وَ إِمّا تَخافَنَّ مِنْ قَوْمٍ خِيانَةً فَانْبِذْ إِلَيْهِمْ عَلى سَواءٍ إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْخائِنِينَ الأنفال:58

ك-الفرحين

35- إِذْ قالَ لَهُ قَوْمُهُ لا تَفْرَحْ إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ الْفَرِحِينَ القصص:76

ل-مختال فخور

36- إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ مُخْتالاً فَخُوراً

النّساء:36

37- وَ لا تُصَعِّرْ خَدَّكَ لِلنّاسِ وَ لا تَمْشِ فِي الْأَرْضِ

ص: 598

مَرَحاً إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ لقمان:18

38- لِكَيْلا تَأْسَوْا عَلى ما فاتَكُمْ وَ لا تَفْرَحُوا بِما آتاكُمْ وَ اللّهُ لا يُحِبُّ كُلَّ مُخْتالٍ فَخُورٍ الحديد:23

م-الجاهر بالسّوء

39- لا يُحِبُّ اللّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاّ مَنْ ظُلِمَ وَ كانَ اللّهُ سَمِيعاً عَلِيماً النّساء:148

الثّالث:التّحابّ أو تبادل الحبّ بين العبد و الرّبّ:

40- قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ آل عمران:31

41- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكافِرِينَ المائدة:54

الرّابع:تحبيب اللّه شيئا أو شخصا:

42- وَ لكِنَّ اللّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَ زَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ وَ كَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَ الْفُسُوقَ وَ الْعِصْيانَ أُولئِكَ هُمُ الرّاشِدُونَ الحجرات:7

43- وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَ لِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي طه:39

الخامس:حبّ النّاس إيّاه:

44- وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ

البقرة:165

45- وَ آتَى الْمالَ عَلى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبى وَ الْيَتامى وَ الْمَساكِينَ وَ... البقرة:177

46- وَ يُطْعِمُونَ الطَّعامَ عَلى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَ يَتِيماً وَ أَسِيراً الدّهر:8

السّادس:حبّ النّاس إثباتا و نفيا الأشخاص و الأفعال و الأشياء:

أ-الأشخاص

47- وَ قالَ نِسْوَةٌ فِي الْمَدِينَةِ امْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا إِنّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ

يوسف:30

48- إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ القصص:56

49- وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّارَ وَ الْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَ لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً... الحشر:9

50- ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَ لا يُحِبُّونَكُمْ وَ تُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَ إِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنّا...

آل عمران:119

ب-الأفعال

51- فَتَوَلّى عَنْهُمْ وَ قالَ يا قَوْمِ لَقَدْ أَبْلَغْتُكُمْ رِسالَةَ رَبِّي وَ نَصَحْتُ لَكُمْ وَ لكِنْ لا تُحِبُّونَ النّاصِحِينَ

الأعراف:79

52- وَ أُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللّهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ الصّفّ:13

53- وَ عَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ

آل عمران:152

54- وَ لْيَعْفُوا وَ لْيَصْفَحُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَكُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ النّور:22

55- أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ تَوّابٌ رَحِيمٌ

ص: 599

الحجرات:12

56- لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَفْرَحُونَ بِما أَتَوْا وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا فَلا تَحْسَبَنَّهُمْ بِمَفازَةٍ مِنَ الْعَذابِ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ آل عمران:188

57- إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ اللّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ النّور:19

ج-الأشياء

58- كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَ هُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَ عَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ عَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَ اللّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ البقرة:216

59- زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ وَ الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ... آل عمران:14

60- لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ وَ ما تُنْفِقُوا مِنْ شَيْءٍ فَإِنَّ اللّهَ بِهِ عَلِيمٌ آل عمران:92:

61- فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ص:32

62- وَ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ العاديات:8

63- وَ تُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا الفجر:20

64- كَلاّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ القيمة:20

65- إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَ يَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً الدّهر:27

66- فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ الأنعام:76

السّابع:أحبّ:

67- إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَ أَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنّا وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ إِنَّ أَبانا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ يوسف:8

68- قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَ إِلاّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَ أَكُنْ مِنَ الْجاهِلِينَ يوسف:33

69- ...وَ مَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ جِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ التّوبة:24

الثامن:الاستحباب:

70- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَ إِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ التّوبة:23

71- وَ أَمّا ثَمُودُ فَهَدَيْناهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى فَأَخَذَتْهُمْ صاعِقَةُ الْعَذابِ الْهُونِ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ فصّلت:17

72- ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اسْتَحَبُّوا الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَ أَنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكافِرِينَ النّحل:107

73- اَلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ يَبْغُونَها عِوَجاً أُولئِكَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ إبراهيم:3

التّاسع:أحبّاء:

74- وَ قالَتِ الْيَهُودُ وَ النَّصارى نَحْنُ أَبْناءُ اللّهِ وَ أَحِبّاؤُهُ قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ... المائدة:18

و يلاحظ أوّلا:أنّ حبّ اللّه الأخيار في(1-16) يدور على اتّصافهم بأفضل الأفعال و الأوصاف، كالتّقوى و الإحسان،و التّوبة،و التّطهّر،و الإقساط، و الصّبر و التّوكّل،و القتال في سبيل اللّه.و عدم حبّه

ص: 600

الأشرار في(17-39)يدور على اتّصافهم بأخسّ الأفعال و الصّفات كالاعتداء،و الظّلم،و الإفساد، و الإسراف،و الاستكبار،و الكفر و الكفران،و الإثم، و الخيانة،و الفرح،و الاختيال،و الفخر،و الجهر بالسّوء.

قال الطّباطبائيّ:«و في هذه الآيات جماع الرّذائل الإنسانيّة،و إذا ارتفعت عن إنسان بشهادة محبّة اللّه له- اتّصف بما يقابلها من الفضائل،لأنّ الإنسان لا مخلص له عن أحد طرفي الفضيلة و الرّذيلة إذا تخلّق بخلق...».

و فيها بحوث:

1-حبّ اللّه و عدم حبّه لأصناف النّاس و الأفعال و الصّفات خير طريق لمعرفة اللّه تعالى بروحيّاته و خلقه -إن صحّ هذا التّعبير-يجمعها الخير و الشّرّ،فإنّه يحبّ كلّ خير و يبغض كلّ شرّ،لأنّه خير كلّه،و خال عن الشّرّ كلّه،فكلّه الخير،و لا يصدر منه إلاّ الخير،و هو بريء من الشّرّ كلّه،و لا يرضى أن يصدر الشّرّ من أحد،فإذا كان ذاته و صفاته خيرا فلا يرجى منه إلاّ الخير و لا يرجى الخير إلاّ منه،فليس الشّرّ إلاّ منّا و من الشّيطان،كما قال: ما أَصابَكَ مِنْ حَسَنَةٍ فَمِنَ اللّهِ وَ ما أَصابَكَ مِنْ سَيِّئَةٍ فَمِنْ نَفْسِكَ... النّساء:79، و للمتكلّمين بحث طويل في الخيرات و الشّرور و لهم اتّجاهات مختلفة في توجيه الشّرور،لاحظ الخير و الشّرّ.

2-لكلّ من الخيرات و الشّرور المذكورة حدود و معايير تذكر في محالّها و موادّها فانتظر.

3-إذا وقعت تلك الخصال تحت الأمر و النّهي و التّكليف فهي أمور اختياريّة لنا،خاضعة للائتمار و التّناهي،و للاكتساب،و الاجتناب،فإنّ اللّه لا يكلّف نفسا إلاّ وسعها،و ليس شيء منها ذاتيّا و جبريّا لأحد من النّاس،و إن اختلفوا في الوصول إليها أو الحذر منها حسب العادات و المواريث الخلقيّة و الأسريّة و القوميّة، فيسهل لهم كسبها،أو يصعب بحسبها.

4-ما جاءت في تلك الآيات فهي رءوس الخيرات و الشّرور،و ينشعب منها و تتفرّع عليها خصال أخرى، انشعاب الأغصان من الشّجر،فكلّ من الخيرات و الشّرور كشجرة طيّبة و شجرة خبيثة: أَ لَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِي السَّماءِ* تُؤْتِي أُكُلَها كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّها وَ يَضْرِبُ اللّهُ الْأَمْثالَ لِلنّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ* وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ* يُثَبِّتُ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثّابِتِ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ فِي الْآخِرَةِ وَ يُضِلُّ اللّهُ الظّالِمِينَ وَ يَفْعَلُ اللّهُ ما يَشاءُ إبراهيم:24-27.

و قد ضرب اللّه للخير و الشّرّ أمثالا بالشّجرة في كتابه:ك شَجَرَةٍ مُبارَكَةٍ النّور:35،و شَجَرَةُ الزَّقُّومِ الصّافّات:62،و شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ الصّافّات:64،و قد اختبر اللّه آدم بالشّجرة و نهاه عن قربها وَ لا تَقْرَبا هذِهِ الشَّجَرَةَ فَتَكُونا مِنَ الظّالِمِينَ البقرة:35.

و هذه كلّها مظاهر تلك الخصال الحسنة و السّيّئة، لاحظ«ش ج ر».

5-إذا عرفنا ما يحبّه اللّه من الخصال و الأفعال و ما لا يحبّه،فقربنا إليه و بعدنا عنه بحسب ما اتّصفنا به منها.فمن اتّصف بجميع خصال الخير فهو أقرب النّاس

ص: 601

إلى اللّه و بذلك شابه اللّه في صفاته،و من اتّصف ببعضها فقربه إلى اللّه بحسبه.و كذلك الأمر في الاتّصاف بالشّرور و البعد عن اللّه تعالى بحسبها.

6-و قد جاءت فيمن يحبّه اللّه ثمانية أصناف،أوّلهم المتّقون و آخرهم المقاتلون في سبيل اللّه،و التّقوى بعد الإيمان رأس تلك الخصال و جماعها،و إنّ اللّه مع المتّقين إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ الَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ النّحل:

128.

و التّقوى معيار كرامة المحسنين عند اللّه إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللّهِ أَتْقاكُمْ الحجرات:13،و التّقوى خير الزّاد وَ تَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزّادِ التَّقْوى وَ اتَّقُونِ يا أُولِي الْأَلْبابِ البقرة:197، إِنَّما يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ المائدة:27،فلاحظ«و ق ي:التّقوى»

و أمّا المقاتلون في سبيل اللّه فهم بتضحيتهم أنفسهم حتّى استشهدوا يرزقون عند اللّه تعالى،و هذه منزلة عظيمة وَ لا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ آل عمران:169.

7-و جاءت فيمن لا يحبّه اللّه 13 صنفا من الأشرار، و هم-مع الأسف-يزيدون على من يحبّهم بنسبة 8/13 و دعامة تلك الخصال الكفر باللّه تعالى،كما أنّ دعامة خصال الخير الإيمان به،و قد جمعها الشّيخ الكلينيّ (م 329)في كتاب«الكافي»في قسم الأصول،بعنوان «كتاب الإيمان و الكفر»و ذكر فيه الأحاديث الأخلاقيّة، رمزا إلى أنّهما مصدر الخصال و الأخلاق الحسنة و السّيّئة،و أنّ الإيمان مبدأ مكارم الأخلاق،و الكفر مبدأ مساوي الأخلاق و رذائلها.

ثانيا:جاء تبادل الحبّ بين اللّه و بين عباده في آيتين(40 و 41)،و هو منتهى درجات الحبّ و ذروتها، و فيهما بحوث:

1-جاء الحبّان فيهما متعاكسين،فقد بدأ الحبّ في (40)من ناحية العباد،و انتهى إلى اللّه: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ و بدأ حبّ اللّه لهم على حبّهم إيّاه في(41) فَسَوْفَ يَأْتِي اللّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ.

و هذا الفرق إن دلّ على شيء يدلّ على الملازمة بين الحبّين جدّا من غير لحاظ البدء و الختام،و كأنّ كلاّ منهما سبب للآخر مقدّم عليه،و في نفس الوقت مسبّب عنه و متفرّع عليه و متأخّر عنه،و إن كان الفضل كلّه للّه.قال الفخر الرّازيّ:«..و لو لا أنّ اللّه أحبّهم و إلاّ لما وفّقهم حتّى صاروا محبّين له...».

و للعلاّمة الطّباطبائيّ في الآية(41)بحث طريف و طويل في تبادل هذين الحبّين«..ثمّ الحبّ الّذي هو بحسب الحقيقة الوسيلة الوحيدة لارتباط كلّ طالب بمطلوبه،و كلّ مريد بمراده،إنّما يجذب المحبّ إلى محبوبه ليجده،و يتمّ بالمحبوب ما للمحبّ من النّقص،و لا بشرى للمحبّ أعظم من أن يبشّر أنّ محبوبه يحبّه،و عند ذلك يتلاقى حبّان،و يتعاكس دلالان...فالعبد المخلص للّه بالحبّ لا بغية له إلاّ أن يحبّه اللّه سبحانه كما أنّه يحبّ اللّه، و يكون اللّه له كما يكون هو للّه عزّ اسمه،فهذا هو حقيقة الأمر،غير أنّ اللّه سبحانه لا يعدّ في كلامه كلّ حبّ له حبّا...فإنّ حبّ الشّيء يقتضي حبّ جميع ما يتعلّق به، و يوجب الخضوع و التّسليم لكلّ ما هو في جانبه...فمن

ص: 602

الواجب أن يكون حبّه و الإخلاص له بالتّديّن له بدين التّوحيد و طريق الإسلام.[إلى أن قال كنتيجة البحث:] إن كنتم تريدون أن تخلصوا للّه في عبوديّتكم بالبناء على الحبّ حقيقة فاتّبعوا هذه الشّريعة الّتي هي مبنيّة على الحبّ...فإن اتّبعوني في سبيلي-و شأنه هذا الشّأن- أحبّكم اللّه،و هو أعظم البشارة للمحبّ...».

2-و قد جاءت فيهما علامة لحبّهم للّه،و هي في (40)اتّباع الرّسول الّذي مضى بيانه في كلام الطّباطبائيّ،و في(41)أنّهم أذلّة على المؤمنين أعزّة على الكافرين.و هذه ثلاثة معايير لتبادل الحبّ بين العبد و الرّبّ مرجعها القرب من اللّه و البعد عنه،فاتّباع الرّسول بوصفه رسولا من اللّه،و الخضوع أمام المؤمنين بوصفهم آمنوا باللّه،و العزّة على الكافرين بوصفهم كفروا باللّه،هي ملاك القرب من اللّه و البعد عنه،و يختلفان زيادة و نقصا بحسبها شدّة و ضعفا.

3-و في هذا التّحابّ و تبادل الحبّين بين العبد و الرّبّ يكمن القرب بينهما و ينجرّ إلى نوع من التّلاحم و الاتّحاد و الفناء يلمسه المحبّ و يباهي به،و هو جاهل بحقيقته،فإنّه من قبيل ما يدرك و لا يوصف،و يحسبه من لا يلمسه كفرا و جنونا،و لكنّ المحبّ يدّعي و ينشد:

أنا من أهوى و من أهوى أنا

نحن روحان حللنا بدنا

أو يصرّح:«ليس في جبّتي سوى اللّه»ممّا أنكره الفقهاء و المتشرّعون،و فيها حقّ و باطل،و زين و شين، و شطحات و لمحات.

4-في حقيقة هذين الحبّين خلاف بين أهل الحديث و السّلفيّين من ناحية،و بين المتكلّمين من ناحية،و بينهما و بين العرفاء و المتصوّفة من ناحية ثالثة:

فأهل الحديث و السّلفيّة حملوا الحبّين على حقيقتهما،فقالوا في حبّه لغيره:إنّه صفة له كسائر صفاته،نثبتها و لا نأوّلها،بل حبّه كعلمه و قدرته و غيرهما وصف له يناسبه،و لا يشابه صفاتنا،لأنّه تعالى لا يشبه خلقه: لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الشّورى:11.

و أمّا حبّ العبد له تعالى فهو أيضا على حقيقته، يتعلّق بذاته من دون أن يحيط العبد بذاته و صفاته.

و أمّا المتكلّمون شيعة و سنّة فيؤوّلون حبّ اللّه لخلقه ب«ثوابه و إكرامه لهم»،و حبّهم له ب«طاعتهم له، و شكرهم إيّاه،و تعظيمهم له»،و ما بمعناها،زعما منهم أنّ المحبّة من جنس الإرادة،و الإرادة لا تتعلّق إلاّ بالحوادث،فلا تتعلّق بذات اللّه من قبل العبد،بل بطاعته و شكره،و نحوهما من الأعمال،و لا بذات العبد من قبل اللّه،بل بما أعطاهم من الهداية،و اللّطف و التّوفيق للإيمان و العمل الصّالح،و للتّنعّم بالنّعم في الدّنيا،و بما وهبهم من الأجر و الثّواب و الغفران في الآخرة،و نحوها.

و أيضا ظنّا منهم أنّه لا بدّ من السّنخيّة بين المحبّ و المحبوب،و لا سنخيّة بين اللّه و خلقه.

و قد ردّ الفخر الرّازيّ و غيره كلتا الحجّتين،بأنّ الحبّ ليس من جنس الإرادة،و لا تجب السّنخيّة بين المحبّ و المحبوب،فإنّ الإنسان يحبّ الأشياء و الأمتعة و الأغذية،و الحيوان كالطّير و الفرس،و لا سنخيّة بينه و بينها،و ما ذكروه في الحبّين فكلّه من آثارهما و ليس عينهما.

ص: 603

و أمّا العرفاء و المتصوّفة فالحبّان عندهم على حقيقتهما يلمسونهما بقلوبهم،بل يعيشون الحبّين ليل نهار،و لا حياة و لا عيش لهم إلاّ هذا التّحابّ،كما مضى و يأتي.

5-و العجب ممّن يعدّون في زمرة المتكلّمين كالفخر الرّازيّ و الغزاليّ-إلى حدّ-أو من الفلاسفة كالعلاّمة الطّباطبائيّ يتراءى منهم الميل إلى جانب العرفاء في الحبّين،و إليك نموذج من كلماتهم،و التّفصيل تقدّم في النّصوص:

قال الطّباطبائيّ في يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ: «فالحبّ معلّق على الذّات من غير تقييده بوصف أو غير ذلك، أمّا حبّهم للّه فلازمه إيثارهم ربّهم على كلّ شيء،سواء ممّا يتعلّق به نفس الإنسان من مال أو جاه أو عشيرة أو غيرهما...و أمّا حبّه تعالى لهم فلازمه براءتهم من كلّ ظلم،و طهارتهم من كلّ قذارة...ذلك أنّ حمل المظالم و المعاصي غير محبوبة للّه-و ذكر الآيات».

و قال الغزاليّ: «...و لا يظنّ أنّ الحبّ مقصور على مدركات الحواسّ الخمس حتّى يقال:إنّه سبحانه لا يدرك بالحواسّ و لا يتمثّل بالخيال فلا يحبّ،لأنّه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم سمّى الصّلاة:قرّة عين،و جعلها أبلغ المحبوبات،و معلوم أنّه ليس للحواسّ الخمس فيها حظّ،بل حسّ سادس مظنّته القلب،و البصيرة الباطنة أقوى من البصر الظّاهر،و القلب أشدّ إدراكا من العين، و جمال المعاني المدركة بالعقل أعظم من جمال الصّور الظّاهرة للأبصار،فتكون لا محالة لذّة القلوب بما تدركه من الأمور الشّريفة الإلهيّة الّتي تجلّ أن تدركه الحواسّ، أتمّ و أبلغ،فيكون ميل الطّبع السّليم و العقل الصّحيح إليه أقوى،و لا معنى للحبّ إلاّ الميل إلى ما في إدراكه لذّة فلا ينكر إذا حبّ اللّه تعالى إلاّ من قعد به القصور في درجة البهائم،فلم يجز إدراكه الحواسّ أصلا...و القول بأنّ المحبّة تقتضي الجنسيّة بين المحبّ و المحبوب، فلا يمكن أن تتعلّق باللّه تعالى ساقط من القول،لأنّها قد تتعلّق بالأعراض بلا شبهة و لا جنسيّة بين العرض و الجوهر».

و أمّا الفخر الرّازيّ: فإنّه نقل الأقوال،و لكنّه يضع قول العارفين قبال قول المتكلّمين؛حيث قال:«و أمّا العارفون فقد قالوا:العبد قد يحبّ اللّه تعالى لذاته،و أمّا حبّ خدمته،أو حبّ ثوابه فدرجة نازلة،فاحتجّوا بأنّا نجد اللّذّة محبوبة لذاتها،و الكمال أيضا محبوب لذاته- و شرح حبّ اللّذّة و الكمال و قال-:و أمّا العارفون الّذين قالوا:إنّه تعالى محبوب في ذاته و لذاته فهم الّذين انكشف لهم أنّ الكمال محبوب لذاته،و ذلك لأنّ أكمل الكاملين هو الحقّ سبحانه و تعالى،فإنّه لوجوب وجوده غنيّ عن كلّ ما عداه،و كمال كلّ شيء فهو مستفاد منه...»ثمّ تحدّث عن الشّوق إلى اللّه،و فسّره بما لا مزيد عليه، فلاحظ.

و قال سيّد قطب:«فالحبّ و الرّضى المتبادل هو الصّلة بينهم و بين ربّهم.الحبّ هذا الرّوح السّاري اللّطيف الرّفّاف المشرق الرّائق البشوش،هو الّذي يربط القوم بربّهم الودود...».

6-تبادل الحبّ بين العبد و الرّبّ أعلى مراتب القرب إلى اللّه و ذروته،و لا يبلغه إلاّ المقرّبون،و لا يلمسه

ص: 604

إلاّ من وهب له،و لا ينكره إلاّ من حرم منه.

ثمّ إنّه أساس العرفان الإسلاميّ الّذي شاع التّعبير عنه عندهم ب«العشق»و عند العرفاء بالفناء و الاتّحاد، و يوصف أثره بالفصل و الوصل،و بالحضور و الهجران، و إنّهم يشكون دائما عن ألم الهجران،و يتمنّون دائما الوصل،فحياتهم مستغرقة في الوصل و الفراق.

و قد تجلّت هاتان الحالتان في كلماتهم نظما و نثرا في اللّغة العربيّة و الفارسيّة و سائر لغات الشّعوب الإسلاميّة.

و أخصّ بالذّكر شعراء الفرس،فدواوينهم مثل «المثنوي»و«ديوان الشّمس»كلاهما لجلال الدّين المولويّ الرّوميّ(672 ه ق)و مثلهما دواوين عطّار النّيسابوريّ،و السّنائي و النّظامي و السّعدي و الحافظ و غيرهم،فهي مليئة بذكر الحبيب و المعشوق و وصله و فراقه.

و قد بدأ المولويّ ديوانه«المثنوي»بالشّكاية عن ألم الهجران،و هو المحور في هذا الدّيوان حيث قال:

بشنو از نى چون حكايت مى كند

و از جداييها شكايت مى كند...

استمع النّاي كيف يحكي و يشكو عن الفراق.

هذا على صعيد الشّعر و الأدب،و أمّا على صعيد الدّعاء فلا تسأل عنه،و حسبك فقرة من دعاء الكميل بن زياد المنسوب إلى عليّ بن أبي طالب عليه السّلام:«..فهبني يا إلهيّ و سيّدي و مولاي و ربّي صبرت على عذابك فكيف أصبر على فراقك؟و هبني صبرت على حرّ نارك فكيف أصبر عن النّظر إلى كرامتك...؟»

7-و مثل تبادل الحبّ بين العبد و الرّبّ في الآيتين، تبادل الرّضى بينهما في أربع آيات،جاءت بشأن المؤمنين المخلصين:

1- رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ المائدة:119

2- وَ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسانٍ رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ التّوبة:100

3- رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ أُولئِكَ حِزْبُ اللّهِ المجادلة:22

4- رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ البيّنة:8

و قد قدّم فيها جميعا رضى الرّبّ على رضى العبد بسياق واحد: رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ مع أنّ تبادل الحبّ في الآيتين-كما سبق-جاء بسياقين،فقدّم حبّ الرّبّ في إحداهما: يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ و أخّر في الأخرى: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ.

و مع هذا الفارق بين الحبّ و الرّضى في الآيات السّتّ فسياقها متّفق في التّعبير عن الرّبّ ب(اللّه) و بضميره،و عن العبد بضمير الجمع حضورا و غيابا.

(تحبّون،يحببكم،عنهم،رضوا)،و كأنّ في ذلك تلاحما و تداخلا بين حبّ اللّه و حبّ العباد بوصفهم مجتمعين، و كذلك بين رضى اللّه و رضى العباد،فالتّبادل انتهى إلى التّلاحم و التّداخل،بل الفناء و انعدام العبد،فليس هناك إلاّ هو،و لهذا فعند العارفين العمل و الثّواب كلاهما من اللّه،و ليس للعبد شيء بل هو كالمعدوم.

قال المولويّ: «اى دعا از تو اجابت هم ز تو».

ص: 605

(يا ربّ منك الدعاء و منك الإجابة معا)

و للبحث في حقيقة رضى اللّه و رضوانه و حبّه،و الفرق بينهما بعد ذلك مجال واسع،لاحظ«ر ض ي».

8-و كما تبادل الحبّ و الرّضا بين الرّبّ و العبد في القرآن،كذلك تبادل بينهما الوفاء بالعهد مرّة: أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ وَ إِيّايَ فَارْهَبُونِ البقرة:40.

و تبادل الذّكر بينهما مرّة أيضا: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَ اشْكُرُوا لِي وَ لا تَكْفُرُونِ البقرة:152.

و كذلك تبادل الشّكر بينهما مرّة: ما يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَ آمَنْتُمْ وَ كانَ اللّهُ شاكِراً عَلِيماً النّساء:147،و بمعناها: وَ مَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللّهَ شاكِرٌ عَلِيمٌ البقرة:158.

و قد ابتدأ في هذه الآيات التّبادل بالعباد،و انتهى باللّه،عكس الرّضا،و في كلّ منهما بحوث ستذكر في محالّها.

و بإزاء تبادل الذّكر بينهما مدحا جاء تبادل النّسيان بينهما ذمّا: نَسُوا اللّهَ فَنَسِيَهُمْ التّوبة:67،و بمعناها:

فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا الأعراف:

51،و مثلها الجاثية:34،و السّجدة:14،و طه:126، و الحشر:19،فلاحظ.

ثالثا:جاءت في تحبيب اللّه آيتان:

إحداهما:(42)بلفظ التّحبيب و هو خاصّ بالعبد و الرّبّ وَ لكِنَّ اللّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ وَ زَيَّنَهُ فِي قُلُوبِكُمْ و فيها بحوث:

1-تحبيب الإيمان و تزيينه في قلوب المؤمنين من أسباب التّوفيق و أطوار الهداية الّتي نصّ عليها القرآن في فَمَنْ يُرِدِ اللّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلْإِسْلامِ...

الأنعام:125،و هذه هبة من اللّه للمخلصين من المؤمنين،و تأييد لهم،و تجاوب معهم،و جزاء لهم في حياتهم الدّينيّة.

2-تحبيب الإيمان في القلوب حتّى تحبّه القلوب يصدر عن تزيينه و تجميله في القلوب،فإنّ القلوب تحبّ الجميل و المزيّن،فهما كالسّبب و المسبّب،أو هما شيء واحد جاء بلفظين تبيانا و توضيحا و ترغيبا إلى الإيمان و إلى مزيد من شكر العبد للرّبّ،و كلاهما في القلوب دون العيون.

3-و بإزائها الخذلان و التّضليل الخاصّ بالمستكبرين، كما جاء في ذيل آية الأنعام:125: وَ مَنْ يُرِدْ أَنْ يُضِلَّهُ يَجْعَلْ صَدْرَهُ ضَيِّقاً حَرَجاً كَأَنَّما يَصَّعَّدُ فِي السَّماءِ.

و كلّ من التّحبيب و التّضييق تجاوب مع العبد و عمله، من التّسليم للّه أو الإعراض عنه.

4-و للبحث حول الهداية و الضّلالة في القرآن مجال واسع و خلاف شائع،لاحظ المادّتين.

و ثانيتهما:(43) وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي و قد اختصّت بالتّحبيب بين النّاس بإلقاء اللّه محبّة أحد في قلوب النّاس حتّى يحبّونه جميعا،و فيها بحوث أيضا:

1-الفرق بين إلقاء المحبّة في هذه،و بين التّحبيب في ذاك،كالفرق بين تعليم اللّه الأنبياء و الأولياء مباشرة و بين تعليم النّاس غيرهم شيئا من العلم،و هو من اللّه أيضا لكن لا بالمباشرة،بل بالتّسبيب،حسب ما نفهمه و نشاهده من الأسباب و المسبّبات في حوادث الكون و مجريات الأمور،و تعترف به الفلسفة الدّارجة.

ص: 606

و أمّا بناء على مدرسة وحدة الوجود عند من يعتقد بها،فكلّها من اللّه مباشرة،و من مظاهر ذاته و مراتب وجوده من دون واسطة،لاحظ«الأسفار الأربعة» لصدر المتألّهين بحث العلّة و المعلول.

2-كلّ من التّحبيب و المحبّة مستقرّة القلوب،إلاّ أنّ التّحبيب قراره أوّلا القلوب،و المحبّة قرارها أوّلا العيون النّاظرة إلى جمال المحبوب،و منه تتطرّق إلى القلوب،كما سنرى في النّصوص.

3-قالوا في الآية(43):«يا موسى كلّ من رآك أحبّك حتّى أحبّك فرعون و زوجته آسية»،«جعلت لك محبّة منّي في صدور النّاس كما يقال:ألقيت عليك رحمتي»،«كلّما رآه فرعون أحبّه بحيث لم يتمالك لبّه في محبّته»،«أعطاه جمالا يحبّه كلّ من رآه،أو أعطاه ملاحة العينين»،«كونه بحيث يحبّه كلّ من يراه،كأنّ المحبّة الإلهيّة استقرّت عليه،فلا يقع عليه نظر ناظر إلاّ تعلّقت المحبّة بقلبه و جذبته إلى موسى،ففي الكلام استعارة تخييليّة»،«كانت في عيني موسى ملاحة ما رآه أحد إلاّ عشقه»،«حبّب إلى كلّ من رآه»،«روي أنّه كانت على وجهه مسحة جمال،و في عينيه ملاحة لا يكاد يصبر عنه من رآه».

4-هل هذه المحبّة هي محبّة النّاس له كما سبق،أو محبّة اللّه إيّاه كما قالوا:«أظهرت عليك محبّتي لك و هي نعمة عليك».قال الزّمخشريّ في(منّي):إمّا متعلّق ب(القيت)أي إنّي أحببتك و من أحبّه اللّه أحبّته القلوب.و إمّا متعلّق بمحذوف هو صفة ل(محبّة)أي محبّة حاصلة أو واقعة منّي قد ركّزتها أنا في القلوب، و زرعتها فيها،و لذلك أحبّك فرعون و كلّ من أبصرك».

و قد حكى الفخر الرّازيّ عن القاضي:أنّ الوجه الأوّل أقرب،لأنّه في حال صغره لا يكاد يوصف بمحبّة اللّه إيّاه الّتي كانت من جهة الدّين حسب الظّاهر،لأنّ ذلك يخصّ المكلّف لاستحقاقه الثّواب،بل إنّه في الخلقة كان بحيث يستحلى و يغتبط.ثمّ احتمل رجحان الثّاني، لأنّ الأوّل يحتاج إلى إضمار و هو:«ألقيت عليك محبّة حاصلة منّي و واقعة بتخليقي»و على الأوّل لا حاجة إلى هذا التّقدير.

ثمّ نقد قوله:«إنّه في حال صباه لا تحصل له محبّة اللّه» بأنّ معنى محبّة اللّه يرجع إلى إيصال النّفع إلى عباده،و هذا حاصل له حال صباه،و علم اللّه أنّ ذلك يستمرّ إلى آخر عمره.

و عندنا أنّ سياق الآيات: وَ لَقَدْ مَنَنّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرى* إِذْ أَوْحَيْنا إِلى أُمِّكَ ما يُوحى* أَنِ اقْذِفِيهِ فِي التّابُوتِ فَاقْذِفِيهِ فِي الْيَمِّ فَلْيُلْقِهِ الْيَمُّ بِالسّاحِلِ يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِي وَ عَدُوٌّ لَهُ وَ أَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي وَ لِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي طه:37-39،هو إلقاء اللّه حبّ موسى من قبله و بلطف منه،و منّة منه إليه في قلب فرعون و زوجته،فإنّ محبّتهما إيّاه بعثتهما على تكفّلهما إيّاه و إيوائه،و صنعهما له، كما قال: وَ لِتُصْنَعَ عَلى عَيْنِي لا محبّة اللّه إيّاه،و إن كانت محبّته شاملة له و لسائر أنبيائه،و لكن ليست لها موضع في هذه القصّة.

و كذلك سياق: وَ قالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَ لَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَ هُمْ لا يَشْعُرُونَ القصص:9،هو محبّة امرأة فرعون له حتّى

ص: 607

عدّ قرّة عين لها و لزوجها.

5-جاءت(محبّة منّى)نكرة رمزا إلى فخامتها و غرابة أمرها،و قد زادها شرفا لفظة(منّى)فإنّ ما صدر من اللّه فهو أمر فخيم و عظيم و شريف.

6-خصّ بعضهم المحبّة بفرعون و زوجته-و هو ظاهر الآية-و عمّهما أكثرهم لكلّ من رآه و أبصره، و لا شاهد له في الآية سوى إطلاق(محبّة)حيث لم يذكر لها محبّ،و سوى أنّ الطّفل الجميل يحبّه كلّ من رآه لجماله و لطفولته كليهما.

رابعا-جاء في حبّ النّاس إيّاه 3 آيات(44-46) بعضها يقين و بعضها محتمل:

أمّا اليقين فآية واحدة:(44)و فيها بحوث:

1-جاء الحبّ فيها ثلاث مرّات: يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ:

أولاها:(يحبّونهم)عبارة عن حبّ المشركين الأنداد،و قد رجع ضمير أولي العقول إليها مجاراة لمزاعمهم فيها،حيث كانوا يحسبونها آلهة.

و لكن الطّباطبائيّ عمّها للملائكة،و لكلّ من اتّخذوهم أربابا من النّاس،بل لكلّ مطاع من دون اللّه بغير إذنه تمسّكا بذيل الآية إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا البقرة:166،و آيات أخرى،و فيه كلام،لاحظ«ن د د:الأنداد».

ثانيتها:(كحبّ اللّه)و هذه الإضافة في بدء النّظر تحتمل وجوها:حبّ الكفّار للّه،اختاره الزّمخشريّ و الفخر الرّازيّ و غيرهما،أو كحبّ اللّه الأنداد-و هو بعيد جدّا-أو كحبّ المؤمنين اللّه،و هذا هو الظّاهر،أي يسوون بين حبّهم للأنداد و حبّكم للّه.ثمّ فنّد اللّه هذه التّسوية و أبطلها بقوله: وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ.

و نظيرها عند الطّبريّ:«بعت غلامي كبيع غلامك» أي كبيعك غلامك.قال المبرّد:«أي يحبّون أصنامهم على الباطل كحبّ المؤمنين اللّه على الحقّ».

و العجب من«الزّجّاج»حيث أخذ ذيل الآية دليلا على بطلان هذا الوجه،و فسّر الآية«بأنّهم يسوّون بين هذه الأوثان و بين اللّه في المحبّة»أي محبّتهم للّه و للأنداد سواء.فقيل له:هل المشركون يحبّون اللّه حتّى يسوّوا بين حبّه و حبّها؟و وجّهه الطّوسيّ بأنّ ذلك في من أحبّ اللّه منهم،و معناه في من لا يحبّه،الحبّ الواجب عليهم، دون الحبّ الموجود عندهم.

ثمّ العجب من الزّمخشريّ حيث قال:«كما يحبّ اللّه تعالى،على أنّه مصدر من المبنيّ للمفعول»و كأنّه للتّخلّص من تقدير الفاعل للحبّ حسب الاحتمالات الثّلاث،و قد شكّ فيه أبو حيّان،فلاحظ.

ثالثتها: وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ للإخلاص له عن شرك؛حيث إنّهم لا يعدلون عنه إلى غيره أبدا، بخلاف المشركين حيث يعدلون إلى اللّه دون الأنداد عند الشّدائد فقط،و يجعلون الأنداد وسائط إليه.

أو لأنّهم إذا وجدوا إلها أحسن-بزعمهم-من إلههم الأوّل رجعوا إليه و تركوا الأوّل.

أو لأنّ محبّتهم للأنداد لأغراض فاسدة موهومة تزول بأدنى سبب بخلاف المؤمنين فإنّ محبّتهم للّه ثابتة لا تسقط.

أو لأنّ اللّه أحبّهم،أوّلا ثمّ أحبّوه،و من شهد له

ص: 608

المعبود بالمحبّة كانت محبّته أتمّ.

أو لأنّهم يحبّونه عن علم بأنّه المنعم،فيعبدونه شاكرين راجين رحمته على يقين،بأنّه يملك النّفع و الضّرّ،بخلاف المشركين حيث إنّهم ليسوا على يقين بأنّ أندادهم كذلك،بل يعترفون بأنّ اللّه خالق السّماوات و الأرض، وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ اللّهُ لقمان:25،أو لجميع ذلك كما جاء في النّصوص.

و قد جمع أبو حيّان الأقوال كلّها،فقال:«و مقتضى التّمييز بالأشدّيّة إفراد المؤمنين له بالمحبّة،أو لمعرفتهم بموجب الحبّ،أو لمحبّتهم إيّاه بالغيب،أو لشهادته تعالى لهم بالمحبّة؛إذ قال: يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ، أو لإقبال المؤمن على ربّه في السّرّاء و الضّرّاء،و الشّدّة و الرّخاء،أو لعدم انتقاله عن مولاه،و لا يختار عليه سواه،أو لعلمه بأنّ اللّه خالق الصّنم،و هو الضّارّ النّافع،أو لكون حبّه بالعقل و الدّليل،أو لامتثال أمره حتّى في القيامة حين يأمر اللّه تعالى من عبده لا يشرك به شيئا،أن يقتحم النّار فيبادرون إليها فبرّد عليهم النّار،فينادي مناد تحت العرش وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ و يأمر من عبد الأصنام أن يدخل معهم النّار فيجزعون،قاله ابن جبير، تسعة أقوال ثبت تعاريفها و مقابلاتها لمتّخذ الأنداد،هذه كلّها خصائص ميّز اللّه بها المؤمنين في حبّه على الكافرين،فذكر كلّ واحد من المفسّرين خصيصة، و المجموع هو المقتضى لتمييز الحبّ،فلا تباين بين الأقوال على هذا،لأنّ كلّ قول منها ليس على جهة الحصر فيه، إنّما هو مثال من أمثلة مقتضى التّمييز».

هذا كلّه على تقدير:«أشدّ حبّا للّه من حبّهم للأنداد»و عن الحسن:«من حبّهم للّه»فيأتي فيه ما مرّ من البحث في(كحبّ اللّه)،لاحظ النّصوص.

2- وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ جيء بها توطئة لما يعقبها في آيتين بعدها:166 و 167 من بيان رخاوة حبّهم،و كونه حسرة عليهم،و تبرّئهم من عبادة الأصنام و تبرّؤ الأصنام من عبادتهم: إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا... وَ قالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَما تَبَرَّؤُا مِنّا كَذلِكَ يُرِيهِمُ اللّهُ أَعْمالَهُمْ حَسَراتٍ عَلَيْهِمْ....

3-المفضّل عليه فيها محذوف،أي المؤمنون أشدّ حبّا للّه من حبّ المشركين لأندادهم،كما تقدّم.

4-قالوا:إنّما عدل عن(احبّ)إلى(اشدّ حبّا)فلم يقل:«و الّذين آمنوا أحبّ للّه»،لأنّ(أحبّ)تفضيلا-كما يأتي-شاع في الأشدّ محبوبيّة،دون أشدّ حبّا.

5-و ما أحسن فيها كلام رشيد رضا: (أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ) من كلّ ما سواه،لأنّ حبّهم له خاصّ به سبحانه لا يشركون فيه غيره،فحبّهم ثابت كامل،لأنّ متعلّقه هو الكمال المطلق الّذي يستمدّ منه كلّ كمال،و أمّا متّخذو الأنداد فإنّ حبّهم متوزّع متزعزع،لا ثبات له و لا استقرار.

للمؤمن محبوب واحد يعتقد أنّ منه كلّ شيء،و بيده ملكوت كلّ شيء،و له القدرة و السّلطان على جميع الأكوان،فما ناله من خير كسبيّ فهو بتوفيقه و هدايته، و ما جاءه بغير حساب فهو بتسخيره و عنايته،و ما توجّه إليه من أمر فتعذّر عليه فهو يكله إليه،و يعوّل فيه عليه.

ص: 609

و للمشرك أنداد متعدّدون،و أرباب متفرّقون،فإذا أخّر به أمر،أو نزل به ضرّ،لجأ إلى بشر أو صخر،أو توسّل بحيوان...فهو دائما مبلبل البال،لا يستقرّ من القلق على حال...».

6-و لسان هذه الآية وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَتَّخِذُ مِنْ دُونِ اللّهِ أَنْداداً يُحِبُّونَهُمْ كَحُبِّ اللّهِ تنديد و إعجاب من سفاهة هؤلاء؛حيث يحبّون الأنداد الّذين لا شعور لها و لا نفع و لا ضرّ،كيف يسوّون في الحبّ بينها و بين اللّه، و لها نظائر في القرآن مثل: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللّهَ عَلى حَرْفٍ... الحجّ:11،لاحظ«ن و س:النّاس».

هذا كلّه فيما هو يقين من حبّ النّاس للّه.

و أمّا المحتمل فآيتان(45 و 46)فإنّ رجوع الضّمير (على حبّه)فيهما إلى اللّه إحدى المحتملات،أي آتى المال،و يطعمون الطّعام على حبّ اللّه،و هذا أعلى مضمونا.

و هناك احتمال آخر،و هو رجوعه إلى المال و الطّعام- و هو أظهر لكونهما أقرب-و نظيرهما(60) لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ و سنبحثها.

و احتمال ثالث رجوعه إلى المصدر المفهوم من(آتى) و(يطعمون)أي على حبّ الإتيان و الإطعام،و هو أبعد الوجوه.

خامسا-جاءت في:حبّ النّاس الأشخاص 5 آيات:(47-51):أربعة إثباتا و واحدة نفيا،و في كلّ بحوث:

أ-(47)فقالت نسوة في المدينة امرأة العزيز تراود فتاها عن نفسه:

1-هذا الحبّ الجنسيّ وحيد في القرآن جاء في أحسن القصص القرآنيّة،و شغل آيات منها،و صار يضرب به المثل في الحبّ و العشق من ناحيتها،و في الاعتصام و العفّة من ناحيته.

2-الحبّ فيها بدأ من جانب المرأة للذّكر خلافا لغيرها من قصص الحبّ،فإنّ الحبّ فيها من قبل الذّكر للأنثى غالبا.

3-و قد فشا هذا الحبّ في المدينة بين النّساء،فكنّ يلهجن بها حسرة و تمنّيا للوصول إلى هذا الحبيب،كما وصلت إليه امرأة العزيز،فقابلنها أوّلا بذمّها،و اتّهامها بالسّفاح تأكيدا: إِنّا لَنَراها فِي ضَلالٍ مُبِينٍ يوسف:

30،و أخيرا بقطع أيديهنّ خطأ بدل الفواكه من دون إحساس الألم،لشدّة إعجابهنّ بحسنه و إكبارهنّ إيّاه، و بقولهنّ: حاشَ لِلّهِ ما هذا بَشَراً إِنْ هذا إِلاّ مَلَكٌ كَرِيمٌ يوسف:31.

4-و قد أدركت امرأة العزيز مكرهنّ بإفشاء سرّها، فأشركتهنّ في بلائها فَلَمّا سَمِعَتْ بِمَكْرِهِنَّ أَرْسَلَتْ إِلَيْهِنَّ وَ أَعْتَدَتْ لَهُنَّ مُتَّكَأً وَ آتَتْ كُلَّ واحِدَةٍ مِنْهُنَّ سِكِّيناً... يوسف:31.

5-و قد بيّن اللّه فرط هذا الحبّ عنهنّ بجملتين اِمْرَأَتُ الْعَزِيزِ تُراوِدُ فَتاها عَنْ نَفْسِهِ قَدْ شَغَفَها حُبًّا، و المراودة هي الذّهاب و الرّجوع بملائمة لترغيب الطّرف و انخداعه عن نفسه،و قد شغف الحبّ قلبها و سويداء نفسها.

6-اشتهرت هذه القصّة بين النّاس و خلال الشّعر و الأدب باسمها«زليخا»لكن اللّه ذكرها بانتسابها

ص: 610

(امْرَأَتُ الْعَزِيزِ) مرّتين:مرّة عن قول تلك النّسوة ليثيرنّ العزيز على امرأته،و أخرى عند اعترافها بخطائها قالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ الْآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا راوَدْتُهُ عَنْ نَفْسِهِ وَ إِنَّهُ لَمِنَ الصّادِقِينَ يوسف:51.

ب-(48) إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَ لكِنَّ اللّهَ يَهْدِي مَنْ يَشاءُ:

1-جاءت في حبّ النّبيّ أناسا أن يهديهم إلى الإسلام فنفى اللّه عنه ذلك،و المراد بالهداية فيها:هداية القلوب و إدخال الإيمان فيها،فهذا فعل اللّه فقط و النّبيّ و الدّعاة جميعا،إنّما يمهّدون السّبيل للنّاس بدعوتهم، و ليس لهم تدخّل في القلوب،و نفوذ في النّفوس.فقد قالوا إنّ:هداية الأنبياء هي بيان و دعوة إلى المطلوب و هداية اللّه هي إيصال إلى المطلوب،و قد فرّق اللّه بينهما بقوله: هذا بَيانٌ لِلنّاسِ وَ هُدىً وَ مَوْعِظَةٌ لِلْمُتَّقِينَ آل عمران:138،لاحظ الهداية و الضّلالة.

2-حبّ النّبيّ و إصراره على ذلك،جاء في آيات من أبينها: طه* ما أَنْزَلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لِتَشْقى طه:

1 و 2.

فكان عليه السّلام يتحمّل المشقّة و يكابد التّعب في سبيل هداية النّاس،و كانت ضلالتهم حسرة في قلوب أولياء اللّه: يا حَسْرَةً عَلَى الْعِبادِ ما يَأْتِيهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلاّ كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ يس:30.

ج- وَ الَّذِينَ تَبَوَّؤُا الدّارَ وَ الْإِيمانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هاجَرَ إِلَيْهِمْ وَ لا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حاجَةً مِمّا أُوتُوا وَ يُؤْثِرُونَ عَلى أَنْفُسِهِمْ وَ لَوْ كانَ بِهِمْ خَصاصَةٌ وَ مَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ الحشر:9:

1-مدح الأنصار بعد أن مدح المهاجرين بأوصاف:

لِلْفُقَراءِ الْمُهاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أَمْوالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللّهِ وَ رِضْواناً وَ يَنْصُرُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ الحشر:8، فوصفهم بالفقر و الهجرة،و الإخراج عن الدّيار و الأموال،و ابتغاء فضل اللّه و ابتغاء رضوانه،و نصرة اللّه و رسوله،و أنّهم الصّادقون حقّا،سبعة أوصاف.

2-و مدح الأنصار أيضا بسبعة أوصاف:إنّهم تبوّءوا الدّار و الإيمان للمهاجرين،و استقبلوهم بذلك قبل هجرتهم،و يحبّونهم بوصفهم هاجروا إليهم،و إنّهم لا يجدون بذلك في صدورهم حاجة أي حزازة و غيظا، و إنّهم يؤثرون المهاجرين على أنفسهم و لو كان بهم خصاصة،و إنّهم يوق شحّهم،و إنّهم المفلحون حقّا:

سبعة أوصاف للأنصار بإزاء سبعة أوصاف للمهاجرين.

3-و لك أن تجعل صفات من المهاجرين بإزاء صفات تناسبها من الأنصار،فتعدّ تبوّؤ الدّار و الإيمان و إيثارهم على أنفسهم من دون حزازة و غيظ بإزاء فقر المهاجرين،و هجرتهم و إخراجهم عن الدّيار و الأموال، و تعدّ عدم شحّهم و حبّهم المهاجرين بإزاء ابتغائهم فضل اللّه و رضوانه و نصرة اللّه و رسوله،و تعدّ حصر الفلاح بإزاء حصر الصّدق.

4-هذه الأوصاف الأربعة عشر للمهاجرين و الأنصار تلهمنا و تعرّفنا تلك الجوّ الّذي أوجده الإسلام بين طائفتين من المؤمنين،استتبعها كلّ خير و فداء و تضحية منهم جميعا،في سبيل اللّه و رسوله.

ص: 611

5-حبّ الأنصار للمهاجرين بلغ مبلغ الإيثار و التّضحية في حياتهم؛بحيث لم يحسّوا في صدورهم شيئا من الحاجة و الشّحّ.

6-و قد وصف المهاجرين بأنّهم هم الصّادقون، و الأنصار بأنّهم هم المفلحون،بصيغة تفيد الحصر تعبيرا عن بلوغ الصّدق و الفلاح في الطّائفتين،مبلغ النّهاية و الكمال.

7-و لم يكتف القرآن بذلك حتّى تلاها ب وَ الَّذِينَ جاؤُ مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنا وَ لِإِخْوانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونا بِالْإِيمانِ وَ لا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنا غِلاًّ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنا إِنَّكَ رَؤُفٌ رَحِيمٌ الحشر:10،فقد حفظ القرآن تلك الجوّ الهادئ الصّافي فيمن جاءوا بعد المهاجرين و الأنصار حتّى يحبّونهم من دون غلّ في قلوبهم للّذين سبقوهم بالإيمان،و يقدّرون سبقهم بالإيمان،و يعدّونهم إخوانا لهم.

8-كلّ ذلك ألزمنا تقديرهم جميعا،و أن لا نسيء النّظر إليهم،و نفرّق بينهم و بين المنافقين الّذين وصفهم بعد تلك الأوصاف الحميدة للمهاجرين و الأنصار و الّذين جاءوا من بعدهم بقوله: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ نافَقُوا يَقُولُونَ لِإِخْوانِهِمُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ...

الحشر:11،و هذا دأب القرآن في التّفريق بين المؤمنين و بين المنافقين،لا سيّما في آيات سورة التّوبة،لاحظ «ت و ب:تابوا».

د-(50) ها أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَ لا يُحِبُّونَكُمْ وَ تُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَ إِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنّا وَ إِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ... آل عمران:119:

1-جاءت خلال آيات من سورة آل عمران تحاكي علاقة المؤمنين بأهل الكتاب خاصّة المنافقين من اليهود ابتداء من وَدَّتْ طائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتابِ لَوْ يُضِلُّونَكُمْ آل عمران:69،و انتهاء ب يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا بِطانَةً مِنْ دُونِكُمْ... آل عمران:118 إلى 120.

2-تخاطب المؤمنين تنديدا لهم بأنّكم تحبّون أهل الكتاب و لا يحبّونكم،أي بلغت شدّة نفاقهم حتّى اشتبه عليكم أمرهم،فتحسبونهم محبّين لكم فتحبّونهم، و لكنّهم لا يحبّونكم.

و قد ذكر الفخر الرّازيّ سبعة وجوه من أسباب هذا الخطأ«خامسها:أنّهم يظهرون لكم محبّتهم للرّسول نفاقا،و هم يبغضون الرّسول».

و عند ابن كثير«يظهرون لكم إيمانهم نفاقا فتحبّونهم»و يؤيّده ما بعدها وَ إِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنّا وَ إِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ... و لا بأس بذلك فإنّ للنّفاق ذرائع و أساليب،تختلف بحسب الأحوال و الأشخاص.

3-و قيل:تريدون لهم الإسلام-و هو خير الأشياء -و هم يريدونكم على الكفر-و هو الهلاك-و ردّوه بأنّه توبيخ على إرادة إسلامهم!!

4-معلوم أنّ هذه الآية جاءت في فترة خاصة من علاقة بعض المسلمين باليهود،و لا تشمل المسلمين جميعا،لا في العصر الأوّل و لا في غيره؛إذ لم يعهد أنّ كلمة المسلمين اتّفقت على حبّ الكافرين في يوم من الأيّام، قاله مغنيّة.

ص: 612

و نقول:نعم،و لكن الآية تشمل كلّ من أحبّ اليهود من المسلمين طول الدّهر خداعا منهم،و لا سيّما رجال في الأقطار الإسلاميّة الآن و أكثرهم عملاء للمستكبرين،أو بسطاء مخدوعون يشيّدون بحبّ إسرائيل و الاعتراف بها،جريا للأمر الواقع حسب زعمهم.

5-قال مغنيّة نقلا عن الطّبريّ و من تبعه:«إنّ حبّ المسلمين لمن يكرههم من الكافرين دليل على أنّ الإسلام دين الحبّ و التّساهل»فهجم عليهم و قال:

«هذا سهو من الطّبريّ و مقلّديه،لأنّ الإسلام لا يتساهل أبدا مع المفسدين و الخائنين،و لا شيء أدلّ على ذلك من هذه الآية نفسها الّتى فسّرها الطّبريّ بالتّساهل...».

و الحقّ-كما نطق به القرآن-فرق بين التّساهل مع الكفّار لكفرهم خداعا أو طمعا أو خوفا منهم،و بين البرّ إليهم لأنّهم بشر لم يعتدوا على المسلمين لا يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ لَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَ تُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ* إِنَّما يَنْهاكُمُ اللّهُ عَنِ الَّذِينَ قاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيارِكُمْ وَ ظاهَرُوا عَلى إِخْراجِكُمْ أَنْ تَوَلَّوْهُمْ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ الممتحنة:8 و 9.

و مع ذلك ففرق بين حبّهم قلبا و البرّ إليهم عملا، و بين حبّهم لأنّهم بشر،و بغضهم لأنّهم كفّار مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللّهِ وَ الَّذِينَ مَعَهُ أَشِدّاءُ عَلَى الْكُفّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ الفتح:29.

6-بون بعيد بين تُحِبُّونَهُمْ وَ لا يُحِبُّونَكُمْ و بين يُحِبُّهُمْ وَ يُحِبُّونَهُ في العلاقة بين المؤمنين و الكفّار، و بينهم و بين اللّه،فهما على طرفي النّقيض،فمن أحبّهم لا يحبّ اللّه و لا يحبّه اللّه،و من أحبّ اللّه و يحبّه لا يحبّهم، كلّ ذلك لأنّهم أعداء اللّه و رسوله و المؤمنين.

7-و يؤيّد ما ذكرنا في الآية ذيلها: وَ تُؤْمِنُونَ بِالْكِتابِ كُلِّهِ وَ إِذا لَقُوكُمْ قالُوا آمَنّا وَ إِذا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنامِلَ مِنَ الْغَيْظِ، أي أنتم تؤمنون بالكتاب كلّه و هم لا يؤمنون به أصلا،و أنتم تحبّونهم تحسبونهم محبّين لكم،و الحال أنّهم أعداء لكم،حتّى يعضّون عليكم الأنامل من الغيظ،و يخفون غيظهم لكم.

ه-هذه أربع آيات في حبّ النّاس إثباتا:ثلاث منها تنديد و ذمّ،و واحدة(49)مدح.و أمّا الحبّ المنفيّ فهي (51): وَ نَصَحْتُ لَكُمْ وَ لكِنْ لا تُحِبُّونَ النّاصِحِينَ:

1-خطاب من صالح لقومه(ثمود)لمّا استكبروا، و تولّوا عنه،و عقروا النّاقة،و عتوا عن أمر ربّهم، فأخذتهم الرّجفة،فتولّى صالح عنهم و ندّدهم بأنّه أبلغهم رسالة ربّه،و لكنّهم لا يحبّون النّاصحين.

2-تدلّ على أنّ وظيفة الأنبياء إبلاغ رسالة ربّهم إلى النّاس،و نصحهم بقبولها.

3-إنّ طبيعة الاستكبار التّولّي عن الحقّ،و رفض النّصح،و أنّهم لا يحبّون النّاصحين.

4-لم يكتف صالح بتنديدهم على أنّهم لا يحبّونه كناصح لهم بل عمّه لجميع النّاصحين رمزا إلى ما ذكرنا من أنّ طبيعة الاستكبار رفض النّصح من أيّ ناصح صدر:و مثله كثير في القرآن حيث يعمّ التّمجيد

ص: 613

و التّنديد في ذيل الآيات لكلّ من اتّصف بوصف،لاحظ الظّالمين و المحسنين و نحوهما.

5-عند المفسّرين بحث في ظهور هذه الآيات أنّه خاطبهم بعد ما أخذتهم الرّجفة،لاحظ النّصوص.

6-هناك تجانس لفظيّ و معنويّ بين«صالح» و«ناصح»فاسمه صالح و وصفه ناصح،لاحظ«ثمود» و«ن ص ح».

سادسا:جاءت في حبّ النّاس الأفعال 6 آيات (52-57)مدحا و ذمّا،و في كلّ بحوث:

ألف-(52) وَ أُخْرى تُحِبُّونَها نَصْرٌ مِنَ اللّهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ:

1-قد مضت نصوصها في«أ خ ر،أخرى»ج 1:

571.

2-أكثرهم قالوا:إنّها عطف على(تجارة)فيما قبلها:

هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلى تِجارَةٍ تُنْجِيكُمْ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ الصّفّ:10،أي و تجارة أخرى،و بعضهم قال:«معناه و لكم أخرى»و كيف كان فما بعدها: نَصْرٌ مِنَ اللّهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ تفسير لها،أي إنّ ما تحبّونه هو نَصْرٌ مِنَ اللّهِ وَ فَتْحٌ قَرِيبٌ.

3-قد جاء«نصر اللّه و الفتح»متّصلين في آيتين:في هذه،و في إِذا جاءَ نَصْرُ اللّهِ وَ الْفَتْحُ، و منفصلين مرّة في سورة«الفتح 1-3» إِنّا فَتَحْنا لَكَ فَتْحاً مُبِيناً... وَ يَنْصُرَكَ اللّهُ نَصْراً عَزِيزاً و يرتبط بعضها ببعض مع فروق بينها،لاحظ«ف ت ح،و ن ص ر».

4-من خلال هذه الآية و آيات أخرى،منها الآية التّالية مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ يعلم أنّ المؤمنين كانوا يتمنّون و يرجون النّصر و الفتح على أعدائهم،أي مشركي مكّة،و كان اللّه يبشّرهم بذلك.و هذه الحالة النّفسيّة عندهم كانت من أسباب نجاحهم على الأعداء، فينبغي تشديدها دائما،و أن لا تقرأ عليهم آيات اليأس ممّا يبثّه أعداءهم بينهم،فإنّ اليأس ذنب لا يغفر وَ لا تَيْأَسُوا مِنْ رَوْحِ اللّهِ إِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللّهِ إِلاَّ الْقَوْمُ الْكافِرُونَ يوسف:87.

5-و لهذا جاء في ذيلها: وَ بَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ.

ب-(53) وَ لَقَدْ صَدَقَكُمُ اللّهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتّى إِذا فَشِلْتُمْ وَ تَنازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ وَ عَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ما أَراكُمْ ما تُحِبُّونَ:

1-جاءت خلال آيات غزوة«أحد»الّتي وقعت في شوّال من سنة ثلاث من الهجرة،بين المسلمين و مشركي قريش،و كان اللّه وعدهم بالنّصر على أعدائهم،و كانوا يحبّونها،و قد وفى اللّه بما وعدهم،فانتصروا عليهم في بدء الأمر،ثمّ عصوا أمر الرّسول فتركوا الوادي في سفح الجبل،فانقلبت المعركة عليهم.

2-فالمراد ب(اراكم ما تحبّون)النّصر الّذي جاءهم في ابتداء المعركة،و كانوا يحبّون النّصر و الفتح،كما سبق.

ج-(54) أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ يَغْفِرَ اللّهُ لَكُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ:

1-هذه ذيل آية جاءت خلال آيات الإفك وَ لا يَأْتَلِ أُولُوا الْفَضْلِ مِنْكُمْ وَ السَّعَةِ أَنْ يُؤْتُوا أُولِي الْقُرْبى وَ الْمَساكِينَ وَ الْمُهاجِرِينَ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَ لْيَعْفُوا وَ لْيَصْفَحُوا أَ لا تُحِبُّونَ أَنْ... النّور:22،و قال فيها الطّبرسيّ:«قيل:نزلت في أبي بكر و مسطح بن أثاثة-

ص: 614

و كان ابن خالة أبي بكر-و كان من المهاجرين،و من جملة البدريّين،و كان فقيرا،و كان أبو بكر يجتري عليه، و يقوم بنفقته،فلمّا خاض في الإفك قطعها،و حلف لا ينفعه بنفع أبدا،فلمّا نزلت عاد أبو بكر إلى ما كان، و قال:و اللّه إنّي لا أحبّ أن يغفر اللّه لي،و اللّه لا أنزعها عنه أبدا،عن ابن عبّاس و عائشة و ابن زيد،و قيل:

نزلت في يتيم كان في حجر أبي بكر حلف لا ينفق عليه، عن الحسن و مجاهد.و قيل:نزلت في جماعة من الصّحابة أقسموا على أن لا يتصدّقوا عن رجل تكلّم بشيء من الإفك و لا يواسوهم،عن ابن عبّاس و غيره»مجمع البيان ج 4:133.ثمّ قال في ص:134:«و قد اجتمع في مسطح الصّفات الثّلاث،كان قريبا لأبي بكر مسكينا مهاجرا،لاحظ«أ ل و»:يأتل ج 3:44،«ع و ف»، «ص ف ح من المعجم».

هذه ثلاث آيات في حبّ الفعل مدحا،و إليك ثلاث أخرى ذمّا:

د-(55)

أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ، لاحظ«أ ك ل»:يأكل».

ه-(56) وَ يُحِبُّونَ أَنْ يُحْمَدُوا بِما لَمْ يَفْعَلُوا، لاحظ«ح م د»:يحمدوا».

و-(57) إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا...:

1-يبدو من أبي حيّان في(25) وَ اللّهُ لا يُحِبُّ الْفَسادَ خلال بحثه في(حبّ اللّه)أنّ(يحبّون)عنده في آيتنا هذه بمعنى الإرادة؛حيث قال:«إن فسّرت المحبّة بالإرادة،و قد جاءت كذلك في مواضع منها إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفاحِشَةُ...» .و لا ندري أيّ خصوصيّة في هذه الآية حتّى نتيقّن بأنّ المحبّة فيها بمعنى الإرادة،دون الحبّ بمعناه اللّغويّ؟

2-بين هذه الآية و بين(59) زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ تتابع و تقارن،فإنّ الإنسان إذا فطر على حبّ الشّهوات فسوف يحبّ شيوع الشّهوات المنهيّة، و منها الفاحشة في الأمّة إلاّ من عصمه اللّه،و كلتا الآيتين جاءت بصيغة الخبر نهيا عن الفاحشة عامّة و خاصّة.

3-هذه الآية جاءت أيضا خلال آيات الإفك، الّذي فاه به أوّلا عبد اللّه بن أبيّ رأس المنافقين،ثمّ شاع بين المؤمنين حتّى لهج به بعض ضعفاء الإيمان،فكأنّها أشارت إلى أنّ منشأه النّفاق و أنّ المنافقين يحبّون أن تشيع الفاحشة بين المؤمنين،و أنّهم كانوا مصرّين على إشاعته هادفين مهزلتين:

إحداهما:الإهانة بالنّبيّ من خلال نسبة الفحشاء إلى أهله،ثمّ بالمؤمنين الّذين اتّبعوه.

ثانيتهما:إشاعة الفاحشة بين المؤمنين حتّى تفسد الأمّة قاطبة،فلا تنجح في مهامّها من نشر العقيدة و الشّريعة،و إصلاح البشر أفرادا و جماعات.

4-من ذلك نستنتج أنّ الآية حسب مغزاها، و موضعها خلال آيات الإفك ينبّه المؤمنين بأنّ التّحدّث بالإفك سوف يلحقهم بالمنافقين من حيث لا يشعرون و لا يقصدون،فإنّ المؤمن مهما كان عاصيا لا يحبّ إشاعة الفحشاء بين المؤمنين،إلاّ أنّ تفوّهه بالإفك و نشره ينتهي إلى ما لا يحبّ،و جزاؤه جزاء المنافقين لَهُمْ

ص: 615

عَذابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ اللّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ النّور:19.

ح-(58) كُتِبَ عَلَيْكُمُ الْقِتالُ وَ هُوَ كُرْهٌ لَكُمْ وَ عَسى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ وَ عَسى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئاً وَ هُوَ شَرٌّ لَكُمْ وَ اللّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ:

1-قابل اللّه فيها الكراهة بالحبّ،و الخير بالشّرّ إعلاما بأنّ الإنسان يخطئ في حبّه و كراهته الأشياء و في اختيار الخير و الشّرّ،لأنّه جاهل بها،و أنّ اللّه هو العالم بالأشياء،فينبغي له اختيار ما أمر اللّه به و الانتهاء عمّا نهى اللّه عنه،حتّى تقع الأمور مواقعها،و يتّخذ الخير و الشّرّ مواضعها.

2-و قد نبّه في صدرها بأنّ اللّه كتب عليهم القتال و كان كرها لهم،لأنّه مظنّة الهلاك و الدّمار،فهذا نموذج لغيره من الأمور،فليس ملاك الخير نفعه العاجل و سهولته،بل نفعه الآجل و إن كانت فيه صعوبة،لاحظ «ك ر ه»،«ق ت ل»:القتال،«ش ي ء»:الأشياء»:

ط-(59) زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ مِنَ النِّساءِ وَ الْبَنِينَ وَ الْقَناطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَ الْفِضَّةِ وَ الْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَ الْأَنْعامِ وَ الْحَرْثِ ذلِكَ مَتاعُ الْحَياةِ الدُّنْيا وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ و فيها بحوث:

1-أشكلت على المفسّرين إضافة الحبّ إلى الشّهوات(حبّ الشّهوات)زعما منهم أنّ الشّهوة هي الحبّ،فيكون المعنى أنّ النّاس يحبّون الحبّ؟فعالجه الفخر الرّازيّ بأنّ الحبّ غير الشّهوة،فالشّهوة من فعل اللّه حيث فطر النّاس عليها،و الحبّ فعل العباد و هو أن يجعل الإنسان كلّ غرضه و عيشه في طلب اللّذّات و الطّيّبات،ثمّ شرح ذلك-و تبعه مغنيّة-بأنّ الإنسان قد يحبّ شيئا و يحبّ أن لا يحبّه،فإنّ المسلم قد يحبّ بعض المحرّمات،لكنّه يحبّ أن لا يحبّه،أي يودّ من أعماق نفسه لو انقلب حبّه لهذا الشّيء بغضا،و هذا يوشك أن يرجع عن حبّه.و قد يحبّ شيئا و هو راض و مغتبط بهذا الحبّ، كمن اعتاد على فعل الخير،مثل سليمان قال: إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ ص:32،و هذا أقصى درجات الحبّ،و صاحبه لا يكاد يرجع عنه.

و أرادوا بذلك أنّ الآية تندّد من أحبّ الشّهوات و هو راض عن حبّه لا يرجع عنه أبدا.

و قال الطّباطبائيّ: «المراد بحبّ الشّهوات:التّوغّل و الانغمار في حبّها،و هو المنسوب إلى الشّيطان دون أصل الحبّ المؤدّ في الفطرة،و هو المنسوب إلى اللّه سبحانه» و هذا هو مغزاها عندنا.

2-و للطّباطبائيّ بحث طويل في زُيِّنَ لِلنّاسِ حُبُّ الشَّهَواتِ هل هذا التّزيين من فعل اللّه أو من فعل الشّيطان؟فلاحظ«ز ي ن:زيّن»و كذا الفخر الرّازيّ فيها كلام،لاحظ النّصوص هنا.

3-ما جاء من الأمور السّتّة في الآية:ابتداء ب«النّساء»و انتهاء ب«الحرث»هي أصول ما فطر على حبّه الإنسان ليتسنّى له العيش في هذه الدّنيا،و يكسب بها الكمال للآخرة،لا ليتوغّل في حبّها و يقتنع بها.

و يجعلها غاية للحياة،فحبّها ليس مطلوبا بالذّات للدّنيا، بل كوسيلة لحياة الآخرة،بأن يتّخذها ذريعة للخير دون الشّرّ،و للكمال دون الهوان،و يهديها إلى السّعادة دون الشّقاوة،و إلى الرّضوان دون الخسران.

ص: 616

سابعا:جاءت في حبّ النّاس الأشياء 7 آيات (60-66)و في كلّ بحوث:

ألف-(60) لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتّى تُنْفِقُوا مِمّا تُحِبُّونَ:

1-قد مضى البحث في«البرّ»عموما و في هذه الآية خصوصا في«ب ر ر»ج 5:276،و فيها هناك ملازمة بين التّخلّي عمّا يحبّه الإنسان بإنفاقه و بين البرّ،و هذا من أحرج الأمور...

2-و الإنفاق ممّا يحبّه الإنسان ينصرف إلى المال، و لك أن تعمّه إلى الجاه و القدرة و نحوهما،فإنّ الإنسان يحبّ الجاه مثلا،و الإنفاق منه أن يستفيد منه لحلّ مشاكل الإخوة المؤمنين،فيصرف جاهه في مسير الشّفاعة للنّاس،عند ذوي السّلطة و القدرة.

3-فسّر الطّبرسيّ ج 1:473(ما تحبّون)بالمال، لأنّ جميع النّاس يحبّون المال،و أضاف:«و قيل:ما تحبّون من نفائس أموالكم دون أرذلها،كقوله تعالى:

وَ لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ البقرة:267،و قيل:

و هذا الزّكاة الواجبة،و ما فرضه اللّه في الأموال عن ابن عبّاس،و قيل:هو جميع ما ينفقه المرء في سبيل الخيرات عن مجاهد...».

و قال الطّباطبائيّ ج 3:344:«...إنفاق المال على حبّه،أحد أركان البرّ الّتي لا يتمّ إلاّ باجتماعها،نعم جعل الإنفاق غاية لنيل البرّ لا يخلو عن العناية و الاهتمام بأمر هذا الجزء بخصوصه،لما في غريزة الإنسان من التّعلّق القلبيّ بما جمعه من المال،و عدّه كأنّه جزء من نفسه،إذا فقده فكأنّه فقد جزء من حياة نفسه،بخلاف سائر العبادات و الأعمال-يعني غير الإنفاق-الّتي لا يظهر معها فوت و لا زوال منه.

و منه يظهر ما في قول بعضهم:إنّ البرّ هو الإنفاق ممّا تحبّون،و كأنّ هذا القائل جعلها من قبيل قول القائل:

«تنجو من ألم الجوع حتّى تأكل،و نحو ذلك،لكنّه محجوج بما مرّ من الآية...».

ب-(61) فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ:

1-جاءت عن قول سليمان إذ عرض عليه بالعشيّ- أي آخر النّهار-الصّافنات-أي الخيل الواقفة على ثلاث قوائم الواضعة طرف السّنبك الرّابع على الأرض،الجياد- أي السّريعة المشي الواسعة الخطو،فقال:إنّي أحببت حبّ الخير-و هو الخيل-عن ذكر ربّي-أي آثرت حبّ الخيل على ذكر ربّي،أي شغلته الخيل عن صلاة العصر، حتّى توارت الشّمس و غابت...

2-«حبّ الخير»نصب على أنّه مفعول به، و التّقدير:اخترت حبّ الخير،فيكون«أحببت»بمعنى «استحببت»مثل(73): اَلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ أي يؤثرونها،قاله الطّبرسيّ:ج 4:

474،و حكى فيها كلاما عن أبي عليّ،معناه أنّي لزمت الأرض لحبّ الخير معرضا عن ذكر ربّي.

و لك أن تجعل(حبّ الخير)مفعولا نوعيّا للفعل، و لعلّه أظهر.و قيل(الخير)المال الكثير كما في إِنْ تَرَكَ خَيْراً البقرة:180،و فيها بحوث،لاحظ«سليمان، و خير».

ج-(62) وَ إِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ.

ص: 617

1-هذه مثل ما قبلها ذمّ لحبّ المال حبّا شديدا، يشغل المرء من شئونه الدّينيّة و عن ذكر ربّه.

2-ظاهرها أنّ(شديد)وصف للحبّ أي يحبّ المال حبّا شديدا،كما نقل عن الفرّاء،و قيل:أي إنّه لحبّه المال بخيل عن الحسن:الطّبرسيّ ج 5:540.

د-(63) وَ تُحِبُّونَ الْمالَ حُبًّا جَمًّا:

1-(حبّا جمّا)مفعول نوعيّ للفعل،و هو وصف ل(حبّا)و يستشمّ من بعضهم أنّه وصف للمال.

2-(جمّا)أي كثيرا أو شديدا،أو فاحشا،أو كثيرا مفرطا،أو كثيرا شديدا،أو غيرها،لاحظ«ج م م:جمّا».

3-لسانها مثل ما قبلها ذمّ لحبّ المال حبّا يشغله عن واجبه.

4-هذه ثلاث آيات جاءت ذمّا لحبّ المال،و تأتي آيتان تذمّان بدل(المال)حبّ(العاجلة)و هي الحياة الدّنيا.

ه-(64) كَلاّ بَلْ تُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ* وَ تَذَرُونَ الْآخِرَةَ.

و- إِنَّ هؤُلاءِ يُحِبُّونَ الْعاجِلَةَ وَ يَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً:

1-سمّيت الدّنيا«عاجلة»لأنّها حياة حاضرة، و سمّيت الحياة بعد الموت«آخرة»لتأخّرها.

2-ذمّهم بذلك لأنّهم يؤثرونها على الحياة الآخرة، كما قال فيهما: وَ تَذَرُونَ الْآخِرَةَ و وَ يَذَرُونَ وَراءَهُمْ يَوْماً ثَقِيلاً فقد عبّر اللّه فيهما عن الدّنيا ب(العاجلة)و عن الاشتغال بها و حبّها ب وَ تَذَرُونَ الْآخِرَةَ أو يَوْماً ثَقِيلاً.

3-و الآيتان مكّيّتان في سورتين مكّيّتين،على خلاف مشهور في«سورة الدّهر»فأكثرهم-لا سيّما الشّيعة-على أنّها مدنيّة،لاحظ المدخل:باب مكّيّ السّور و مدنيّها.

4-و المخاطب في المكّيّات المشركون،فأكّد اللّه على أنّهم بشدّة حبّهم للدّنيا و عدم إيمانهم بالآخرة لا يؤمنون بالرّسالة و بالقرآن،كما جاء قبلهما إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ... القيمة:17،و إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنا عَلَيْكَ الْقُرْآنَ تَنْزِيلاً... الدّهر:23.

و المخاطبون بهما هم المشركون خاصّة،و لكن معناها عامّ لكلّ متوغّل في حبّ الدّنيا و إن لم يكن مشركا، «لاحظ«ع ج ل»:العاجلة».

هذه خمس آيات في ذمّ حبّ المال و العاجلة،و إليك آية واحدة نفيا لحبّ النّجوم الآفلات:

ز- فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ رَأى كَوْكَباً قالَ هذا رَبِّي فَلَمّا أَفَلَ قالَ لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ:

1-جاءت خلال آيات اهتداء إبراهيم عليه السّلام إلى توحيد ربّه و احتجاجه على قومه،ابتداء من وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ... و انتهاء إلى وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ الأنعام:75-79.

2-الأفول:غروب النّيّرات،و هي ليست من ذوات العقول عند الملّيّين-كما عند المنجّمين الجدد- خلافا للفلاسفة الإسلاميّين أتباع مدرسة أرسطوطاليس،فهي عندهم ذوات نفوس يعبّرون عنها بالنّفوس الفلكيّة،و حركاتها عندهم إراديّة.

و لا نريد الخوض في هذا البحث،و إنّما المراد هنا

ص: 618

التّنبيه على نكتة،ذهبت عنّا في«أ ف ل»عند البحث في هذه الآيات و ما فيها من النّكات و اللّطائف.و هي أنّ الكواكب إذا لم تكن ذوات عقول،فلم قال: لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ بدل«لا أحبّ الآفلات»؟

و الجواب:أنّ إبراهيم كان يخاطب قومه في«بابل» و هم عبدة الكواكب،و كانوا يعتقدون أنّها آلهة،فعبّر عنها بذلك مجاراة لقومه،لكنّه نفى بذلك أنّهم آلهة، لأنّهم لو سلّم أنّهم ذوات نفوس،فأفولهم و تغيّر أحوالهم يشهدان بأنّهم ليسوا آلهة واجبة الوجود، لاحظ«أ ف ل».

3-و بناء عليه فليس للفلاسفة الاحتجاج بالآية على مذهبهم في النّفوس الفلكيّة.

4-و هناك بون بعيد بين مدرسة أرسطوطاليس،في الأفلاك،و بين عقيدة البابليّين في النّجوم،فإنّ البابليّين كانوا يعبدونها كآلهة،دون أتباع اليونانيّين فإنّهم جعلوا النّفوس الفلكيّة-دون النّجوم-أسبابا و وسائط في سلسلة تكوين العالم،و عدّوا النّيّرات أجراما ثابتة في متن الأفلاك،تدور بدورانها و لا شعور لها و لم يكونوا يعبدونها كآلهة.

ثامنا:(أحبّ)صيغة تفضيل جاءت ثلاث مرّات، و المفضّل في كلّ واحدة منها إمّا شخص،و إمّا شيء،و إمّا شخص و شيء معا:

أ-(67) إِذْ قالُوا لَيُوسُفُ وَ أَخُوهُ أَحَبُّ إِلى أَبِينا مِنّا وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ:

1-جاءت خلال قصّة يوسف حكاية عن إخوة يوسف الّذين حسدوه و أخاه بنيامين؛إذ كانا أحبّ إلى أبيهم منهم.

2-(أحبّ)أفعل تفضيل،مبنيّ من المفعول،أكثر محبوبيّة،و هذا شاذّ،فإنّ التّفضيل مبنيّ من الفاعل عادة، فإذا أريد به هذا يقال:أشدّ حبّا،كما مضى في(44) وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَشَدُّ حُبًّا لِلّهِ.

3-قالوا:وحّد الخبر(أحبّ)مع تعدّد المبتدإ،لأنّ «أفعل من كذا»لا يفرّق فيه بين الواحد و ما فوقه،و لا بين المذكّر و المؤنّث إلاّ إذا عرّف.

4-استظهروا منها كراهة إظهار حبّ الأب إلى بعض أولاده،و تفضيله عليهم بمظهر منهم.

ب-(68) قالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ.

1-هذه أيضا جاءت خلال قصّة يوسف؛حيث اتّخذ سبيل العفاف،و التجأ إلى السّجن من السّفاح،فالمحبوب هنا هو السّجن دون يوسف أو النّسوة.

2-فيها تصريح بأنّ النّسوة كلّهنّ تمنّين من يوسف حظّهنّ،لا امرأة العزيز وحدها،كما كشف عنه قطع الأيدي.

3-كان مكرهنّ و دلالهنّ بمرتبة من الشّدّة ألجأت يوسف إلى الاعتصام باللّه،كما كشفت عنه وَ لَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَ هَمَّ بِها لَوْ لا أَنْ رَأى بُرْهانَ رَبِّهِ كَذلِكَ لِنَصْرِفَ عَنْهُ السُّوءَ وَ الْفَحْشاءَ إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ يوسف:

24.

ج-(69) قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ وَ إِخْوانُكُمْ وَ أَزْواجُكُمْ وَ عَشِيرَتُكُمْ وَ أَمْوالٌ اقْتَرَفْتُمُوها وَ تِجارَةٌ تَخْشَوْنَ كَسادَها وَ مَساكِنُ تَرْضَوْنَها أَحَبَّ إِلَيْكُمْ مِنَ اللّهِ

ص: 619

وَ رَسُولِهِ وَ جِهادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا حَتّى يَأْتِيَ اللّهُ بِأَمْرِهِ وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفاسِقِينَ:

1-جاء المفضّل فيها من الأشخاص و الأقرباء خمسة و من الأشياء ثلاثة،و هي أهمّ ما يحبّه النّاس.

2-و جاء المفضّل عليه ثلاثة أيضا:اللّه و رسوله و جهاد في سبيله،و هذه أكبر و أعظم ما يحبّه المؤمنون.

3-قابل اللّه أحبّ الأشياء عند النّاس بأحبّها عند اللّه،فمن فضّل ما هو أحبّ عند النّاس على ما هو أحبّ عند اللّه فليتربّص عذاب اللّه،و منه يستظهر وجوب حبّ اللّه و رسوله،و الجهاد و التّضحية في سبيله،فإنّ الجهاد و التّضحية في سبيل اللّه أمارة حبّ اللّه و رسوله حقّا.

4-(جهاد فى سبيله)جاء نكرة،إمّا تعظيما،أو تقليلا-و هو أقرب-أي لا يخلوا حبّ اللّه و رسوله عن حبّ شيء من الجهاد،فلو خلا حبّهما عن أيّ جهاد فهذا لا يعدّ حبّا لهما،و المدّعيّ له كاذب.

5-و قد فسّر الطّوسيّ«الحبّ»هنا أيضا بالإرادة، و أوّل حبّ اللّه بشكره و عبادته،و حبّ الرّسول بإجلاله و إعظامه،و حبّ الجهاد بفعله،و قد مضى الكلام فيه.

6-القراءة الدّارجة(احبّ)نصبا لكونه خبر كان، و ما ذكر قبله اسم كان،و قال القرطبيّ:«و يجوز في غير القرآن رفع(احبّ)على الابتداء و الخبر-أي ما قبله ابتداء و(احبّ)خبره-و اسم كان مضمر فيها».و لا نرى وجها لذلك إلاّ أنّ حجّاجا كان يقرؤه بالرّفع،و لعلّه للفصل الطّويل بين«كان»و خبره،لا لكونه خبرا للمبتدإ.

7-قال الطّوسيّ:«و الّذي اقتضى نزول هذه الآية محبّتهم الّتي منعتهم الهجرة»و هذا لا يصحّ،لأنّ الآية مدنيّة من سورة التّوبة،و هي من آخر ما نزل،نزلت بعد غزوة تبوك،و صدرها آيات البراءة عن المشركين الّذين عاهدوهم في الحديبيّة،و كان جماعة منهم و لا سيّما المهاجرين كرهوا قتالهم رعاية للعهد، و احتفاظا بالقرابة،فنزلت خلال آيات البراءة منهم:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا آباءَكُمْ وَ إِخْوانَكُمْ أَوْلِياءَ إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ وَ مَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ* قُلْ إِنْ كانَ آباؤُكُمْ وَ أَبْناؤُكُمْ.... فلا دخل للآية بالهجرة،لأنّهم قد هاجروا من قبل،و إنّما تمنع من ولاء أقربائهم المشركين، و القعود عن قتالهم.

تاسعا:الاستحباب جاء في أربع آيات(70-73) و فيها بحوث:

1-«استحبّ في أصل اللّغة بمعنى طلب المحبّة،و هو أبلغ من المحبّة،و قد يأتي بمعنى«أحبّ»كما جاء «استحباب»بمعنى«أجاب».لاحظ«ج و ب:استجاب».

و لكن في هذه الآيات جاء متعدّيا ب(على)و معناه الاختيار و التّفضيل و الإيثار،أي فضّلوا و آثروا و اختاروا شيئا على شيء،ففيه معنى التّفضيل.

2-جاء في(70)-و هي مدنيّة- إِنِ اسْتَحَبُّوا الْكُفْرَ عَلَى الْإِيمانِ تفضيل الكفر على الإيمان،و في (71)-و هي مكّيّة- فَاسْتَحَبُّوا الْعَمى عَلَى الْهُدى تفضيل العمى على الهدى و كلتاهما جاءت بشأن الكفّار المشركين في مكّة و قوم ثمود،و في(72 و 73)-و هما مكّيّتان-تفضيل الحياة الدّنيا على الآخرة و كلتاهما

ص: 620

بشأن الكفّار أيضا،فقبل(72) ...وَ لكِنْ مَنْ شَرَحَ بِالْكُفْرِ صَدْراً فَعَلَيْهِمْ غَضَبٌ مِنَ اللّهِ... و قبل:(73) وَ وَيْلٌ لِلْكافِرِينَ مِنْ عَذابٍ شَدِيدٍ، و لم تأتيا بشأن المؤمنين.

فعلامة الكفر إذا استحباب الحياة الدّنيا على الآخرة،فالمؤمن مهما كان عاصيا لا يستحبّ الحياة الدّنيا على الآخرة و إن كان محبّا لها.

3-و جاء في(73)وصفا للكفّار اَلَّذِينَ يَسْتَحِبُّونَ الْحَياةَ الدُّنْيا عَلَى الْآخِرَةِ بصيغة المضارع الدّالّة على الدّوام فيستظهر منها أنّ الكافر يديم هذا الاستحباب.

عاشرا:جاءت«الأحبّاء»مرّة واحدة(74) و قالت اليهود و النّصارى نحن أبناء اللّه و أحبّاؤه قل فلم يعذّبكم بذنوبكم بل أنتم بشر ممّن خلق يغفر لمن يشاء و يعذّب من يشاء و فيها بحوث:

1-«الأحبّاء»جمع الحبيب،مثل«الأخلاّء و الخليل».

2-شارك القرآن الفريقين اليهود و النّصارى في ادّعائهم أمرين عظيمين:أنّهم أبناء اللّه،و أنّهم أحبّاء اللّه،تنديدا لهم على غلوائهم،و تفضيل أنفسهم على الطّوائف الأخرى،كأنّهما مستثناة من قانون عقوبة اللّه المسيئين،ثمّ ردّ على هذه الدّعوى:

أوّلا:بأنّهم لو كانوا كذلك فلم يعذّبهم اللّه بذنوبهم، فإنّ الأب و المحبّ يعفوان أبناءهم و أحبّاءهم.

و ثانيا:بأنّهم بشر كسائر البشر فاللّه لا يفرّق بينهم، بل يغفر لمن يشاء و يعذّب من يشاء،و طبعا تجري مشيّته في الغفران و العذاب طبق الحكمة و الحساب.

ثالثا:بأنّ اللّه ملك السّماوات و الأرض و ما بينهما، فقربه و بعده عن الأمم و الأقوام سواء،و ليس هو أقرب إلى بعضهم من بعض،كي يفضّل بعضهم على بعض، و إنّ أكرمهم عند اللّه أتقاهم.

رابعا:مصير كلّهم إلى اللّه فيجازيهم حسب أعمالهم.

3-مجيء(احبّاء)مرّة واحدة استنادا إلى ادّعاء اليهود و النّصارى مشعر بذمّ هذه الدّعوى من كلّ أحد، و أنّ اللّه ليس له حبيب و لا علاقة بينه و بين أحد من سنخ ما بين الأحبّاء،لاحظ«ب ن و:أبناء».

الحادي عشر:وزّعت هذه الآيات بين المكّيّ و المدنيّ على النّحو التّالي:

1-آيات حبّ اللّه الأخيار-و هي 16 آية-كلّها مدنيّة لأنّهم-و اللّه أعلم-تمثّلوا و تبرّزوا بخصالهم الحميدة المستقرّة،في«المدينة»دار الهجرة و الجهاد و النّضال و التّضحية،و بها يتميّز المؤمن حقّا عن غيره.

و آيات من لا يحبّه اللّه من الأشرار-و هي 22 آية، أي بزيادة 6 آيات على من يحبّه اللّه،كما كانوا 13 صنفا، بزيادة 5 أصناف على الأخيار-و كانوا 8 أصناف-سواء بين المكّيّ و المدنيّ لو كانت سورة الحجّ مكّيّة،و إلاّ فتزيد على من يحبّه اللّه بواحدة.

و هذا إن دلّ على شيء يدلّ على تساوي الأخيار و الأشرار بين البلدين على الرّغم من كثرة المؤمنين في المدينة،و قلّتهم في مكّة،و من استقرار الإسلام في المدينة دون مكّة.

2-آيتا التّحابّ بين اللّه و المؤمنين مدنيّتان،رمزا إلى أنّ محبّة اللّه بلغت أوجها في المدينة بالهجرة و الجهاد حتّى تبدّلت إلى التّحابّ بينه و بين المؤمنين الصّادقين.

ص: 621

3-آيتا تحبيب اللّه،واحدة منها مدنيّة خصّت بتحبيب اللّه الإيمان و تزيينه في قلوب المؤمنين الصّادقين من هذه الأمّة في دار الهجرة،و واحدة مكّيّة خصّت بتحبيب موسى من قوم إسرائيل-و هو طفل-في قلوب أعدائه من آل فرعون.

و الأوّل-أي تحبيب الإيمان-أمر معنويّ من أشرف ما يتمنّاه العباد،يعمّ المؤمنين الّذين خلصوا بالهجرة و الجهاد،و الثّاني-كما هو المشهود-أمر دنيويّ بشريّ خاصّ بموسى عليه السّلام،و كلاهما من عند اللّه تعالى.

4-آيات محبّة النّاس ربّهم-على شكّ في اثنتين منها كما سبق-كلّها مدنيّة،لو كانت سورة الدّهر مدنيّة،و إلاّ فواحدة مكّيّة،فغلبت محبّة اللّه بين المؤمنين في دار الهجرة و الجهاد أيضا.

5-آيات حبّ النّاس الأشخاص-و هي أربع- متوزّعة بين المكّيّ و المدنيّ بالسّويّة اثنتين اثنتين رمزا إلى تساوي البلدين في حبّ النّاس بما أنّهم بشر.

و آيات حبّهم للأفعال كلّها-إلاّ واحدة في قصّة يوسف المكّيّة-مدنيّة موزّعة بين مدح و ذمّ-كما سبق- جاءت بشأن المؤمنين في دار الهجرة رمزا إلى تفاوت أعمال المؤمنين في المدينة حسنا و قبحا،على الرّغم من استقرار الإسلام فيها.

و آيات حبّهم الأشياء،و هي عشر:سبعة منها مكّيّة:أربعة منها في هذه الأمّة جاءت في حبّ المال هو حبّ الدّنيا الغالب على المشركين في مكّة،و واحدة منها في حبّ سليمان الخيل،و واحدة في حجاج إبراهيم قومه و هما من الأمم السّابقة و آيتان مدنيّتان تعمّان حبّ المشتهيات،و كلّ ما يحبّه الإنسان أو يكرهه،فهما كقانون عامّ ثابت لحبّ الأشياء.

و واحدة،و هي آية الدّهر مردّدة بين المكّيّ و المدنيّ،و هي في حبّ«العاجلة أيضا»مثل آية القيامة المكّيّة و بهذا تلحق بالمكّيّات و واحدة في حبّ النّبيّ هداية المشركين في مكّة.

6-و آيات«أحبّ»الثّلاث:اثنتان منها في قصّة يوسف المكّيّة،و واحدة في فضل الجهاد على التّجارة و غيرها من الأمور الدّنيويّة فتناسب المدنيّة.

7-آيات الاستحباب الأربعة:واحدة مدنيّة في اتّخاذ الأقرباء الّذين استحبّوا الكفر على الإيمان أولياء- و هو نوع من الجهاد-و ثلاث مكّيّة في قصص الأنبياء، و أكثرها مكّيّة.

8-آية«أحبّاء»مدنيّة جاءت بشأن اليهود و النّصارى.

فالآيات وزّعت بين المدنيّة و المكّيّة حسب مواضيعها المناسبة لإحدى البلدين.

المحور الثّاني:حبّ:7 مرّات و حبّة:4 مرّات:

حبّ:

75- إِنَّ اللّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللّهُ فَأَنّى تُؤْفَكُونَ الأنعام:95

76- ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا* فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا

عبس:26،27

77- وَ نَزَّلْنا مِنَ السَّماءِ ماءً مُبارَكاً فَأَنْبَتْنا بِهِ

ص: 622

جَنّاتٍ وَ حَبَّ الْحَصِيدِ ق:9

78- وَ هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ نَباتَ كُلِّ شَيْءٍ فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً وَ مِنَ النَّخْلِ مِنْ طَلْعِها قِنْوانٌ دانِيَةٌ...

الأنعام:99

79- وَ أَنْزَلْنا مِنَ الْمُعْصِراتِ ماءً ثَجّاجاً* لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَ نَباتاً* وَ جَنّاتٍ أَلْفافاً النّبأ:14-16

80- وَ آيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْناها وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ يس:33

81- فِيها فاكِهَةٌ وَ النَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ* وَ الْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَ الرَّيْحانُ الرّحمن:11 و 12

حبّة:

82- وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاّ هُوَ وَ يَعْلَمُ ما فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ وَ ما تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلاّ يَعْلَمُها وَ لا حَبَّةٍ فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ الأنعام:59

83- مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ البقرة:261

84- وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ إِنْ كانَ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ أَتَيْنا بِها وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ الأنبياء:47

85- يا بُنَيَّ إِنَّها إِنْ تَكُ مِثْقالَ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ فَتَكُنْ فِي صَخْرَةٍ أَوْ فِي السَّماواتِ أَوْ فِي الْأَرْضِ يَأْتِ بِهَا اللّهُ إِنَّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ لقمان:16

و يلاحظ أوّلا:أنّ الفرق بينهما هو الفرق بين الجنس و الواحد،فأريد بالحبّ دائما الجنس،مشعرا بأنّه من النّعم الكبار،و بالحبّة الواحدة مشعرا بصغرها،و هذا ما أراده الطّبرسيّ بقوله:«حبّ جمع حبّة».

ثانيا:أنّ الحبّ جاء منفعلا و معمولا لأفعال،و مع قيود و أشجار و ثمار،و الحبّة جاءت فاعلة أو ما يقاربها، تحقيرا و تقليلا،و في كلّ منهما بحوث:

أمّا الحبّ:

1-فجاء مرّة مع(النّوى)في(75)مفعولا للفلق:

إِنَّ اللّهَ فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى و الحبّ:خاصّ بالحبوب، و النّوى:بالأشجار،أي إنّه تعالى يشقّ الحبّ و النّوى ليخرج منهما النّباتات،فهما بمثابة البذر لهما.و قيل:

الفلق:هو الشّقّ الّذي في وسط الحبّ،لكنّه لا يوجد في كثير من الحبوب و النّوى.فالأوّل هو الصّواب،و عليه فهي توصيف لحالة الإنبات دون الحبّ،و باقي الآيات توصيف لكيفيّة خلق الحبّ و ما يمرّ عليه من الحالات.

2-و جاء مفعولا للإنبات مرّتين في(76 و 77) فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنّاتٍ وَ حَبَّ الْحَصِيدِ و فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا، و للإخراج ثلاث مرّات في(78-80) نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا و أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا و لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا.

و الإخراج عامّ لكلّ ما يخرج من الأرض و غيرها، و الإنبات خاصّ بالنّباتات،و هو نموّها شيئا فشيئا -لاحظ ن ب ت-و الفرق بينهما أنّ الإخراج يبيّن أصل خروجها،و الإنبات كيفيّة خروجها.

3-و جاء مرّة من جملة ما في الأرض من الثّمرات، من دون ذكر الإنبات و الإخراج في(81) وَ الْأَرْضَ

ص: 623

وَضَعَها لِلْأَنامِ* فِيها فاكِهَةٌ وَ النَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ* وَ الْحَبُّ ذُو الْعَصْفِ وَ الرَّيْحانُ فهي تبيّن وجود الحبّ في الأرض،دون خروجه منها،لكنّها ضمّت إلى الحبّ فاكِهَةٌ وَ النَّخْلُ ذاتُ الْأَكْمامِ، كما وصفت الحبّ ب ذُو الْعَصْفِ وَ الرَّيْحانُ.

فأكّدت أوّلا:على تنويع ما في الأرض من الثّمار و الفواكه،و من بينها النّخل،و خصّه بالذّكر لوفوره و كونه معظم معايش النّاس في الجزيرة العربيّة-و لها نظائر كما يأتي-و ثانيا:على أنّه ذو العصف و الرّيحان، و العصف:التّبن،أو الورق اليابس بإزاء الرّيحان و هو الورق الخضر.

و عليه ف(الرّيحان)مجرور عطف على(العصف)أي الحبّ له نوعان من الورق:اليابس و الخضر،و اليابس:

هو التّبن،و الرّيحان:هو الخضر،و يؤيّده ما قيل:إنّ العصف طعام الحيوان،و الرّيحان طعام الإنسان،فهي من قبيل فَأَخْرَجْنا بِهِ أَزْواجاً مِنْ نَباتٍ شَتّى* كُلُوا وَ ارْعَوْا أَنْعامَكُمْ طه:53،54.

و عليه فالآية تبيّن حالتي الحبّ في السّنبلة خضرا و يابسا،و قدّم اليابس و هو متأخّر زمانا منفصل عن الحبّ،رعاية للرّويّ،أو لأنّه المطلوب إذ لا يحصد ما لم ييبس،كما قال في(77) وَ حَبَّ الْحَصِيدِ، أو ليعتبر به الزّارع فلا يغترّ بخضرته،و يعلم أنّ عاقبة الخضرة اليبس.

و قد قرئ(الحبّ و الرّيحان)بالنّصب و الرّفع أيضا، و عليهما فالرّيحان عطف على الحبّ دون العصف،فنصبا عطفا على الأرض في وَ الْأَرْضَ وَضَعَها لِلْأَنامِ أي و خلق الحبّ و الرّيحان،و رفعا عطفا على(فاكهة)أي في الأرض فاكهة و نخل و حبّ و ريحان.

و عليه ف(ذو العصف)وحده وصف للحبّ،دون (الرّيحان)،كما كان في الوجه الأوّل-و هذا هو الألصق بالسّياق،فوصف النّخل ب(ذو الاكمام)و وصف الحبّ ب(ذو العصف)و عليه القراءة المشهورة،و يناسبه ما قيل:

إنّ الحبّ:طعام الإنسان،و الرّيحان:طعام الحيوان عكس الأوّل،و إن كان في إطلاق(الرّيحان»على طعام الحيوان بعد.

لكنّ الوجه الأوّل لا يخلو أيضا عن لطف و عن مناسقة لجرّ(الانام)و(الاكمام)في الآيتين قبلها،لاحظ:

الرّيحان و النّخل و الفواكه و العصف.

4-و جاء مع(جنّات)(و النّخل باسقات)مضافا إلى (الحصيد)في(77) فَأَنْبَتْنا بِهِ جَنّاتٍ وَ حَبَّ الْحَصِيدِ* وَ النَّخْلَ باسِقاتٍ لَها طَلْعٌ نَضِيدٌ، فالجنّات:

هي البساتين و الأشجار،و الحبّ:الحبوب،و خصّ النّخل من بين الأشجار بالذّكر لما سبق.

و(حبّ الحصيد)كما قال الطّبرسيّ ج 5:143، نقلا عن قتادة:«حبّ البرّ و الشّعير و كلّ ما يحصد- و أضاف هو-:لأنّ من شأنه أن يحصد إذا تكامل و استحصد،و الحبّ هو الحصيد،فهو مثل:حقّ اليقين، و مسجد الجامع،و نحوهما،أو لأنّه المطلوب من الزّرع».

لاحظ«ح ص د:الحصيد».

5-و جاء مع(خضرا)موصوفا ب(متراكبا)في(78) فَأَخْرَجْنا مِنْهُ خَضِراً نُخْرِجُ مِنْهُ حَبًّا مُتَراكِباً، و(خضرا)يبيّن حالة النّبات الّذي يخرج منه الحبّ،

ص: 624

و(متراكبا)حالة الحبّ في السّنبلة،و هي متأخّرة عن إخراج الخضرة طبعا.و قد ذكرت معها النّخل و غيره لما سبق.

6-و جاء مع(نباتا و جنّات و الفافا)في(79) لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَ نَباتاً* وَ جَنّاتٍ أَلْفافاً، ف (حَبًّا وَ نَباتاً) عامّ لكلّ ما ينبت من الأرض،و هو طعام الإنسان و الحيوان،و(جنّات)ثمرها-و هو المطلوب منها-خاصّ بالإنسان غالبا و ورقها للحيوان غالبا،و لكنّه غير مطلوب منها.

و وصفت ب(الفافا)بيانا لحالة تكامل الجنّات،كما كان(متراكبا)وصفا لحالة تكامل الحبّ.و جاءت الألفاظ الأربعة نكرة،شمولا و كثرة؛بحيث ليست قابلة للتّحديد.

7-و جاء في(80) وَ أَخْرَجْنا مِنْها حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ نكرة،لما ذكر،و موصوفا ب(منه ياكلون) تأكيدا أنّه بعض طعامهم،و إشارة إلى أنّ بعضا منه طعام الحيوان،ثمّ ذكر فيما بعدها جَنّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَ أَعْنابٍ و هي طعام الإنسان.

8-و جاء في(76) فَأَنْبَتْنا فِيها حَبًّا* وَ عِنَباً وَ قَضْباً* وَ زَيْتُوناً وَ نَخْلاً مع ثمار نكرة لما ذكر،و كلّها طعام الإنسان،كما صرّح في آية قبلها: فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ.

9-فظهر أنّ الحبّ كرّر سبع مرّات:معرّفا بلام الجنس مرّتين في(75 و 81)،و نكرة خمس مرّات في الباقي،و كلاهما يفيد العموم،مع مزيد من التّكثير و التّكبير في التّنكير.

كما جاء خاصّا بطعام الإنسان،أو عامّا لطعام الحيوان،و جاء مع(النّوى)مرّة في(75)و مع(الجنّات و الثّمرات)في غيرها.

و جاء موصوفا بحالات من الفلق و الحصاد و التّراكب و غيرها،و تعبيرا بالإنبات و الإخراج و بأنّه ممّا في الأرض،و لكلّ منها سرّ و فائدة،كما سبق.

10-و تلك عشرة كاملة:و جاء في ثلاث منها (77-79)مسبوقا بإنزال الماء من السّماء،موصوفا ب(مباركا)في(77)و ب(ثجّاجا)في(79)و بلا وصف في (78)و لكلّ مزيّة،كما جاء ذلك فيها،و في غيرها آية و تمثيلا لإحياء الموتى.لاحظ«ن ز ل،م و ه،ح ي ي،م و ت»،كما قال في(75): يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَ مُخْرِجُ الْمَيِّتِ مِنَ الْحَيِّ ذلِكُمُ اللّهُ فَأَنّى تُؤْفَكُونَ.

و أمّا الحبّة:

1-فجاءت-كما قلنا-في سياق الصّغر و الحقارة و الوحدة،نكرة دائما مضافا إليها(مثقال)في ثلاث منها (83-85)و هو أقلّ وزن كانوا يزنون به الأشياء، و موصوفة ب(من خردل)-و هو كذلك-و ب فِي ظُلُماتِ الْأَرْضِ كلّ ذلك تجسيما لقلّتها و خفائها، لاحظ«ث ق ل:مثقال،و خردل».

2-و قد كرّرت في(83)مرّة بنفس السّياق رمزا إلى حقارة حبّة تكون بذرا تنبت منها سبع سنابل،و مرّة تعبيرا عن الكثرة:سبعمائة حبّة أو أكثر بإذن اللّه؛حيث قال: كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ فقد جعل ذلك مثلا لتضاعف أجر الّذين ينفقون أموالهم في سبيل اللّه،و أنّ

ص: 625

ما ينفقون و إن كان حقيرا مثل حبّة فاللّه يكثّره و يضاعفه أضعافا مضاعفة.

3-جعلت حبّة في(82)تعبيرا عن إحاطة علم اللّه بكلّ صغير و كبير و خفيّ و جليّ حتّى حبّة في ظلمات الأرض.

4-و جعلت في(84 و 85)رمزا إلى دقّة الحساب يوم القيامة.و قد عبّر فيهما بالإتيان بها أَتَيْنا بِها و يَأْتِ بِهَا اللّهُ تأكيدا لكمال قدرته و علمه و عدله،و تجسيما لصدق وعده،كما قال فيهما: وَ كَفى بِنا حاسِبِينَ و إِنَّ اللّهَ لَطِيفٌ خَبِيرٌ.

ص: 626

ح ب ر

اشارة

4 ألفاظ،6 مرّات:2 مكّيّة،4 مدنيّة

في 4 سور:2 مكّيّة،2 مدنيّة

يحبرون 1:1 الأحبار 3:-3

تحبرون 1:1 أحبارهم 1:-1

النّصوص اللّغويّة

اشارة

الخليل :الحبر و الحبار:أثر الشّيء.

و الحبر و السّبر:الجمال و البهاء،بالفتح و الكسر.

و الحبر:المداد.

و الحبر و الحبر:العالم من علماء أهل الدّين؛و جمعه:

أحبار،ذمّيّا كان أو مسلما،بعد أن يكون من أهل الكتاب.

و الحبر:صفرة تقع على الأسنان.

و الحبرة:ضرب من برود اليمن.و برد حبرة:إنّما هو وشي،و ليس«حبرة»موضعا و لا شيئا معلوما،إنّما هو كقولك:ثوب قرمز،و القرمز:صبغة.

و التّحبير:حسن الخطّ،و حبّرت الكلام و الشّعر تحبيرا،أي حسّنته،و التّخفيف جائز.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحبرة:النّعمة،و حبر الرّجل حبرة و حبرا فهو محبور،و قوله تعالى: فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ الرّوم:

15،أي ينعّمون.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحبير من السّحاب:ما ترى فيه التّنمير من كثرة الماء.

و الحبير من زبد اللّغام،إذا صار على رأس البعير.

و الحبير:الجديد.

و تقول:ما على رأسه حبربرة،أي شعرة.

و المحبار:الأرض الواسعة.(3:218)

سيبويه :و سألته[الخليل]عن الّذين قالوا في حبارى:حبيّرة؟فقال:لمّا كانت فيه علامة التّأنيث ثابتة أرادوا أن لا يفارقها ذلك في التّحقير،و صاروا كأنّهم حقّروا«حبارة».و أمّا الّذين تركوا الهاء فقالوا:حذفنا

ص: 627

الياء و البقيّة على أربعة أحرف،فكأنّا حقّرنا«حبار».

و من قال في حبارى:حبيّرة قال في لغّيزى:

لغيغيزة،و في جميع ما كانت فيه الألف خامسة فصاعدا إذا كانت ألف تأنيث.(3:482)

أبو عمرو الشّيبانيّ: إنّه لحسن الحبر،إذا كان حسن الهيئة،أو سيّئ الحبر.(1:149)

إنّه لحسن الحبر،إذا كان ناعما.(1:142)

الحبر:الأثر.(1:156)

قال أبو المسلّم:حبرّى:واد.(1:163)

الحبار:أن تكون الأرض حسنة النّبات،تقول:إنّها لحبرة النّبات،و تقول:إنّه لسيّئ الحبار،إذا كان سيّئ النّبات.(1:170)

و الحبار:البشر.(1:185)

و الحبر:المال الكثير.(1:186)

و المحبار،من الأرض:الّتي تنبت قبل ما حولها.

(1:187)

و الحبرة:سرور و فرح.

و الحبرة:صفرة في الأسنان،و هو الحبر.(1:190)

و الإحبار:آثار الجلود.(1:192)

المحبار:الأرض السّريعة الكلاء.

و يقال للمحبار من الأرض:حبر أيضا.

[و استشهد لكثير منها بشعر](الأزهريّ 5:35)

اليحبور:النّاعم من الرّجال.(الأزهريّ 5:36)

الحبر من النّاس:الدّاهية و كذلك النّبر،و رجل حبر نبر.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:33)

الفرّاء: إنّما هو حبر،يقال ذلك للعالم.و إنّما قيل:

كعب الحبر،لمكان هذا الحبر الّذي يكتب به؛و ذلك أنّه كان صاحب كتب.(الأزهريّ 5:33)

ابن شميّل: المحبار:الأرض السّريعة النّبات السّهلة الدّفيئة الّتي ببطون الأرض و سرارتها و أراضتها، فتلك المحابير.(الأزهريّ 5:35)

الأصمعيّ: روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«يخرج رجل من النّار قد ذهب حبره و سبره».

حبره و سبره:هو الجمال و البهاء،يقال:فلان حسن الحبر و السّبر.

كان يقال للطّفيل الغنويّ: محبّر-في الجاهليّة-لأنّه كان يحسّن الشّعر،و هو مأخوذ من التّحبير و حسن الخطّ و المنطق.

الحبار:أثر الشّيء.

و لا أدري أ هو الحبر أو الحبر للرّجل العالم.

فلان يعاند فلانا،أي يفعل فعله و يباريه،و من أمثالهم في«الحبارى»قولهم:«فلان ميّت كمد الحبارى» و ذلك أنّها تحسّر مع الطّير أيّام التّحسير،أي تلقي الرّيش ثمّ يبطئ نبات ريشها،فإذا سار سائر الطّير عجزت عن الطّيران،فتموت كمدا.

و الحبابير:فراخ الحبارى،واحدتها:حبّورة.

[و استشهد لجملة منها بشعر](الأزهريّ 5:32-36)

أبو عبيد: [بعد قول الأصمعيّ]

و قال غيره:حسن الحبر و السّبر بالفتح جميعا.

و هو عندي بالحبر أشبه،لأنّه مصدر حبرته حبرا، إذا حسّنته.[إلى أن قال:]

و أمّا«الحبر»من قول اللّه تعالى: مِنَ الْأَحْبارِ

ص: 628

وَ الرُّهْبانِ التّوبة:34،فإنّ الفقهاء يختلفون فيه، فبعضهم يقول:حبر،و بعضهم يقول:حبر.[ثمّ ذكر قولي الفرّاء و الأصمعيّ المتقدّمان في الرّجل العالم]

(1:60)

ابن الأعرابيّ: حبر و حبر للعالم،و مثله بزر و بزر و سجف و سجف.

هو الحبر و السّبر بالكسر،قال[شمر:]و أخبرني أبو زياد الكلابيّ أنّه قال:وقفت على رجل من أهل البادية بعد منصرفي من العراق،فقال:«أمّا اللّسان فبدويّ، و أمّا السّبر فحضريّ»و السّبر:الزّيّ و الهيئة.

و قالت بدويّة:أعجبنا سبر فلان،أي حسن حاله و خصبه في بدنه،و قالت:رأيته سيّئ السّبر،إذا كان شاحبا مضرورا في بدنه،فجعلت السّبر بمعنيين.

(الأزهريّ 5:33)

رجل حسن الحبر و السّبر،أي حسن البشرة.(الأزهريّ 5:33)

ابن السّكّيت: فلان في حبرة من العيش،أي في سرور.(14)

و بفلان آثار من الضّرب،و به حبارات و أبلاد،و به ندوب،و به علوب،و واحد الحبارات:حبار.(108)

ذهب حبره و سبره،أي هيئته و سحناؤه.

(الأزهريّ 5:33)

الحبر و الحبر:السّرور.(الأزهريّ 5:34)

شمر:الحبر:صفرة تركب الأسنان،و هي الحبرة أيضا.[ثمّ استشهد لبعضها بشعر]

أوّله الحبر،و هو صفرة،فإذا اخضرّ فهو قلح،فإذا ألحّ على اللّثة حتّى تظهر الأسناخ فهو الحفر و الحفر.

(الأزهريّ 5:34)

رجل محبّر:إذا أكل البراغيث جلده فصار لها أثر في جلده.(الأزهريّ 5:37)

أبو الهيثم:واحد الأحبار:حبر،لا غير.

(الأزهريّ 5:33)

ابن أبي اليمان :و يقال:حبر من العلماء و حبر.

(353)

الدّينوريّ: أرض محبار،هي السّهلة الدّفيئة الّتي ببطون الأرض و سرارها.(ابن سيده 3:315)

المبرّد: الحبار:الأثر.(2:90)

ثعلب :و الحبر بالفتح:العالم،و الحبر بالكسر:

المداد.(55)

ابن دريد :و الحبر:العالم،و الحبور:السّرور، و كذلك الحبرة،و من أمثالهم:«كلّ حبرة تعقبها عبرة».

و أحبرني الأمر إحبارا،إذا سرّك.و برد حبرة، و برد حبرة من هذا،و هو الحبير أيضا.

و يقال:حبرت أسنانه،إذا اصفرّت صفرة غليظة.

و يقال:ذهب حبر الرّجل و سبره،و قالوا:حبره و سبره-و هو أعلى-إذا تغيّرت هيئته و ذهب جماله، و في الحديث:«يخرج من النّار رجل قد ذهب حبره و سبره»و قالوا:«حبره و سبره».

و اليحبور:ضرب من الطّير؛و الجمع:يحابر،و به سمّي يحابر أبو مراد:حيّ من اليمن.

و الحبارى:معروفة.

و حبرّ:موضع.

ص: 629

و حبار كلّ شيء:أثره.(1:219)

تقول العرب:إنّ الحبارى يتأخّر إلقاؤها لريشها بعد إلقاء الطّير،فإذا نبت ريش الطّير بقيت بعده فتكمد.

فربّما رامت النّهوض مع الطّير فلم تقدر فماتت كمدا.

يقال:«مات كمد الحبارى»لأنّ الحبارى يتساقط ريشها.(1:121)

و حبربر:هو الشّيء القليل.

و يقال:ما عند فلان حبربر و لا تبربر.(3:371)

و حبربر:جبل.[و استشهد لجملة منها بشعر]

(3:374)

الأزهريّ: قال اللّيث:الحبير من زبد اللّغام إذا صار على رأس البعير.

قلت:صحّف اللّيث هذا الحرف،و صوابه:الخبير بالخاء لزبد أفواه الإبل،هكذا قال أبو عبيد فيما رواه الإياديّ لنا عن شمر،عن أبي عبيد.

و أخبرني المنذري عن أبي الحسن الصّيداويّ عن الرّياشيّ،قال:الخبير:الزّبد بالخاء،و أمّا الحبير بمعنى السّحاب،فلا أعرفه.و إن كان أخذه من قول الهذليّ.

تغذّمن في جانبيه الخبير لمّا و هي مزنه و استبيحا

فهو بالخاء أيضا.[إلى أن قال:]

و قد حبرت الأرض و أحبرت.

و في الحديث:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لمّا خطب خديجة و أجابته،استأذنت أباها في أن تتزوّجه و هو ثمل،فأذن لها في ذلك،و قال:هو الفحل لا يقرع أنفه،فنحرت بعيرا،و خلّقت أباها بالعبير،و كسته بردا أحمر،فلمّا صحا من سكره قال:ما هذا الحبير و هذا العقير و هذا العبير؟

أراد بالحبير:البرد الّذي كسته،و بالعبير:الخلوق الّذي خلّقته،و أراد بالعقير:البعير المنحور،و كان عقر ساقه.

و الحبارى ذكرها:الحرب،و تجمع:حباريات.

و للعرب فيها أمثال جمّة،منها قولهم:«أذرق من حبارى،و أسلح من حبارى»لأنّها ترمي الصّقر بسلحها إذا أراغها ليصيدها،فتلوّث ريشه بلثق سلحها.و يقال:

إنّ ذلك يشتدّ على الصّقر لمنعه إيّاه من الطّيران.

و من أمثالهم في الحبارى:«أموق من الحبارى» و ذلك أنّها تعلّم ولدها الطّيران قبل نبات جناحه،فتطير معارضة لفرخها ليتعلّم منها الطّيران.

و منه المثل السّائر للعرب:«كلّ شيء يحبّ ولده حتّى الحبارى و تدفّ عنده»و معنى قولهم:«تدفّ عنده» أي تطير عنده،أي تعارضه بالطّيران،و لا طيران له لضعف حفافيه و قوادمه.[ثمّ ذكر قول الأصمعيّ في الحبابير و أضاف:]

قلت:و الحبارى لا تشرب الماء،و تبيض في الرّمال النّائية،و كنّا إذا ظعنّا نسير في حبال الدّهناء،فربّما التقطنا في يوم واحد من بيضها ما بين الأربعة إلى الثّمانية،و هي تبيض أربعة بيضات،و يضرب لونها إلى الورقة،و طعمها ألذّ من طعم بيض الدّجاج و بيض النّعام،و النّعام أيضا لا ترد الماء و لا تشربه إذا وجدته.

[إلى أن قال:]

و يقال للآنية الّتي يجعل فيها الحبر من خزف كان أو من قوارير:محبرة و محبرة،كما يقال:مزرعة و مزرعة،

ص: 630

و مقبرة و مقبرة،و مخبزة و مخبزة.

و حبرّ:موضع معروف في البادية.[ثمّ استشهد بشعر](5:34)

الصّاحب:الحبار:أثر الشّيء،و أحبر جلده:ترك به حبارا.

و الحبر و السّبر،يفتح و يكسر:الجمال و البهاء، يقال:جاءت الإبل حسنة الأحبار.

و في جلده حبر بفتحتين،أي أثر من الضّرب.

و الحبر:الّذي يكتب به،و كذلك«الحبار»بكسر الحاء.

و الحبر و الحبر:العالم،و الجميع:الأحبار.

و الحبر:صفرة تعلو الأسنان،و كذلك الحبر،على وزن الإبل.

و الحبرة:ضرب من البرود باليمن.

و حبر الجرح:بقيت له آثار.

و حبّرت الشّعر و الكلام.

و الحبرة:النّعمة،حبر الرّجل حبرة و حبرا،فهو محبور،و منه قوله عزّ و جلّ: فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ الرّوم:15.

و رجل يحبور:منعّم.

و الحبير:الجديد،و جمعه:حبائر.

و الحبير من السّحاب:ما ترى فيه كالتّنمير من كثرة الماء،و هو أيضا اللّغام على رأس البعير.

و يقال:ما أغنى عنه حبربرا،أي شيئا.

و ما على رأسه حبربرة،أي شعرة.

و قيل:الحبربر:الجمل.

و الحبارى:طائر،و كذلك اليحبورة،و جمعه:يحابر، و به سمّيت يحابر:للقبيلة المعروفة.

و قد جمع الحبارى على حبابير في الشّعر.

و يقولون:«أشرد من حبارى».

و المحبار:الأرض السّريعة الكلأ.

و شاة محبّرة:في عينها تحبير من بياض و سواد.

و إذا دعيت للحلب قيل:حبر حبر.

و سقاء محبّر:محكم.

و حبرت البقرة،إذا أرادت الفحل،فهي حابر، و لا أحقّه.(3:89)

الخطّابيّ: [في حديث]:«لو علمت أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم استمع لقراءتي لحبّرتها»و قوله:«لحبّرتها»يريد تحسين القراءة و تحزين الصّوت بها،يقال:حبّرت الشّيء،إذا حسّنته.

و كان طفيل الغنويّ في الجاهليّة يدعى المحبّر، لتجويده الشّعر و تحسينه إيّاه.(1:319)

[و في حديث]«و لا ألبس الحبير»الحبير من البرود:

ما كان فيه وشي و تخطيط،يقال:حبّرت الثّوب و حبرته مخفّفا،و يقال:هذا برد حبرة،و كلّ شيء حسّنته فقد حبّرته.(2:431)

الجوهريّ: الحبر:الّذي يكتب به،و موضعه:

المحبرة بالكسر.

و الحبر أيضا:الأثر؛و الجمع:حبور،عن يعقوب.

يقال:به حبور،أي آثار،و قد أحبر به،أي ترك به أثرا.

[إلى أن قال:]

و الحبير:لغام البعير.

ص: 631

و الحبير:الحساب.

و ثوب حبير،أي جديد.

و أرض محبار:سريعة النّبات حسنته.

و الحبرة،مثال العنبة:برد يمان،و الجمع:حبر و حبرات.

و الحبرة بكسر الحاء و الباء:القلح في الأسنان؛ و الجمع بطرح الهاء في القياس.

و أمّا اسم البلد فهو«حبرّ»مشدّدة الرّاء.

و قد حبرت أسنانه تحبر حبرا،مثال تعبت تتعب تعبا،أي قلحت.

و حبر الجرح أيضا حبرا،أي نكس و غفر.

[و استشهد لبعضها بشعر]

و منه الحابور،و هو مجلس الفسّاق.

و الحبارى:طائر،يقع على الذّكر و الأنثى،واحدها و جمعها سواء،و إن شئت قلت في الجمع:حباريات.

و في المثل:«كلّ أنثى تحبّ ولدها حتّى الحبارى»و إنّما خصّوا الحبارى لأنّه يضرب بها المثل في الموق (1)؛فهي على موقها تحبّ ولدها و تعلّمه الطّيران.

و ألفه ليست للتّأنيث و لا للإلحاق،و إنّما بني الاسم لها فصارت كأنّها من نفس الكلمة،لا تنصرف في معرفة و لا في نكرة،أي لا ينوّن.

و حكى سيبويه:ما أصاب منه حبربرا و لا تبربرا و لا حورورا،أي ما أصاب منه شيئا.

و يقال:ما في الّذي تحدّثنا به حبربر،أي شيء.

(2:620)

مثله الرّازيّ.(136)

ابن فارس:حبر:الحاء و الباء و الرّاء أصل واحد منقاس مطّرد،و هو الأثر في حسن و بهاء،فالحبار:الأثر.

[ثمّ استشهد بشعر]

ثمّ يتشعّب هذا فيقال للّذي يكتب به:حبر، و للّذي يكتب بالحبر:حبر و حبر و هو العالم؛و جمعه:

أحبار.

و الحبر:الجمال و البهاء،و يقال:ذو حبر و سبر.

[إلى أن قال:]

و المحبّر:الشّيء المزيّن.و كان يقال لطفيل الغنويّ:محبّر،لأنّه كان يحبّر الشّعر و يزيّنه.

و قد يجيء في غير الحسن أيضا قياسا،فيقولون:

حبر الرّجل،إذا كان بجلده قروح فبرئت،و بقيت لها آثار.

و الحبر:صفرة تعلو الأسنان.

و ثوب حبير من الباب الأوّل:جديد حسن.

و الحبرة:الفرح،قال اللّه تعالى: فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ الرّوم:15.

و يقال:قدح محبّر:أجيد بريه.

و أرض محبار:سريعة النّبات.

و الحبير من السّحاب:الكثير الماء.

و ممّا شذّ عن الباب قولهم:ما فيه حبربر أي شيء.

و الحبارى:طائر و يقولون:مات فلان كمد الحبارى.

(2:127)

أبو هلال :الفرق بين السّرور و الحبور:أنّ الحبور هي النّعمة الحسنة،من قولك:حبرت الثّوب،إذاة.

ص: 632


1- الحماقة.

حسّنته،و فسّر قوله تعالى: فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ الرّوم:15،أي ينعّمون.و إنّما يسمّى السّرور حبورا، لأنّه يكون مع النّعمة الحسنة.

و قيل في المثل:«ما من دار ملئت حبرة إلاّ ستملأ عبرة».قالوا:الحبرة هاهنا:السّرور،و العبرة:الحزن.

[ثمّ استشهد بشعر]

قال الفرّاء: الحبور:الكرامة،و عندنا أنّ هذا على جهة الاستعارة،و الأصل فيه:النّعمة الحسنة،و منه قولهم للعالم:حبر،لأنّه حبر بأحسن الأخلاق،و المداد:

حبر،لأنّه يحسّن.(220)

ابن سيده: الحبر:المداد.

الحبر و الحبر:العالم ذمّيّا كان أو مسلما،بعد أن يكون من أهل الكتاب.و سأل عبد اللّه بن سلاّم كعبا عن «الحبر»فقال:هو الرّجل الصّالح؛و جمعه:أحبار و حبور.

و كلّ ما حسّن من حبك أو كلام أو شعر أو غير ذلك،فقد حبر حبرا و حبّر.و كان يقال لطفيل الغنويّ في الجاهليّة:محبّر،لتحسينه الشّعر.

و«كعب الحبر»كأنّه من تحبير العلم و تحسينه.

و سهم محبّر:حسن البري.

و الحبر و السّبر و الحبر و السّبر،كلّ ذلك:الحسن و البهاء.

و الحبر و الحبر و الحبرة و الحبور:كلّه السّرور.

و أحبرني الأمر:سرّني.

و الحبر و الحبرة:النّعمة،و قد حبر حبرا،و في التّنزيل: فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ الرّوم:15.[إلى أن قال:]

و ثوب حبير:جديد ناعم.

و الحبير من السّحاب:الّذي ترى فيه كالتّنمير من كثرة مائه.

و الحبرة و الحبرة:ضرب من برود اليمن منمّر،و قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«مثل الحواميم في القرآن،كمثل الحبرات في الثّياب»

و الحبر و الحبر:الأثر من الضّربة إذا لم يدم؛و الجمع:

أحبار و حبور،و هو الحبار.

و جمعه:حبارات،و لا يكسّر.و أحبرت الضّربة جلده و بجلده:أثّرت به.و حبر جلده حبرا،إذا بقيت للجرح آثار بعد البرء.

و الحبر،و الحبر،و الحبرة،و الحبر،و الحبرة، و الحبرة:كلّ ذلك صفرة تشوب بياض الأسنان.و قيل:

الحبر:الوسخ على الأسنان.

و الحبير:اللّغام إذا صار على رأس البعير،و الخاء أعلى.

و أرض محبار:سريعة النّبات كثيرة الكلأ.

و قد حبرت الأرض،بكسر الباء و أحبرت.

و الحبار:هيئة الرّجل،عن اللّحيانيّ،حكاه عن أبي صفوان.

و الحبرة:السّلعة تخرج في الشّجرة،أو العقدة تقطع و تخرط منها الآنية.

و الحبارى:طائر؛و الجمع:حباريات.

قال سيبويه:و لم يكسّر على حبارى و لا حبائر، ليفرّقوا بينها و بين فعلاء و فعالة و أخواتها.

و الحبرير:و الحبرور،و الحبربر،و الحبربور،

ص: 633

و اليحبور:ولد الحبارى.

قيل في تفسيره:هو جمع الحبارى،و القياس يردّه إلاّ أن يكون اسما للجمع.

و اليحبور:طائر.

و يحابر:أبو مراد،ثمّ سمّيت القبيلة يحابر.[و استشهد لجملة منها بشعر]

و المحبّر:فرس ضرار بن الأزور الأسديّ.

و حبرّ:اسم بلد،و كذلك حبّراري.و حبرير:جبل معروف.

و ما أصبت منه حبربرا،أي شيئا،لا يستعمل إلاّ في النّفي.التّمثيل لسيبويه،و التّفسير للسّيرافيّ.

(3:315)

الطّوسيّ: و الأحبار:جمع حبر،و هو العالم مشتقّ من التّحبير و هو التّحسين،فالعالم يحسّن الحسن و يقبّح القبيح.(3:533)

الرّاغب: الحبر:الأثر المستحسن،و منه ما روي:

«يخرج من النّار رجل قد ذهب حبره و سبره»أي جماله و بهاؤه،و منه سمّي الحبر.

و شاعر محبّر،و شعر محبّر،و ثوب حبير:محسّن، و منه أرض محبار.و الحبير:من السّحاب.

و حبر فلان:بقي بجلده أثر من قرح.

و الحبر:العالم؛و جمعه:أحبار،لما يبقى من أثر علومهم في قلوب النّاس،و من آثار أفعالهم الحسنة المقتدى بها،قال اللّه تعالى: اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ التّوبة:31.

و إلى هذا المعنى أشار أمير المؤمنين رضى اللّه عنه بقوله:

«العلماء باقون ما بقي الدّهر،أعيانهم مفقودة و آثارهم في القلوب موجودة»،و قوله عزّ و جلّ: فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ أي يفرحون حتّى يظهر عليهم حبار نعيمهم.

(106)

الزّمخشريّ: هو حبر من الأحبار،و هو من أهل المحابر.

و ذهب حبره و سبره،أي حسنه و هيئته.و جاءت الإبل حسنة الأحبار و الأسبار.

و بجلده حبار الضّرب،و بيده حبار العمل،و انظر إلى حبار عمله،و هو الأثر.[ثمّ استشهد بشعر]

و حبره اللّه:سرّه فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ و هو محبور:مسرور.

و كلّ حبرة بعدها عبرة.و حبرت أسنانه:اصفرّت، و بأسنانه حبرة و حبر،بوزن بلز.[ثمّ استشهد بشعر]

و فلان يلبس الحبير و الحبرة،و حبرات اليمن.كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يحبّها و يلبسها.

و حبّر الشّعر و الكلام،و كان مهلهل يحبّر شعره، و هو كلام محبّر.

«و مات فلان كمد الحبارى».

و من المجاز:لبس حبير الحبور،و استوى على سرير السّرور.(أساس البلاغة:71)

المدينيّ: و في حديث أبي هريرة:«لا ألبس الحبير»أي الموشّى من البرود،و برد حبرة،هو المخطّط من برد اليمن.(1:388)

الصّغانيّ: و الحبرة بالضّمّ:قطعة من الشّجرة كالعقدة،إذا خرطت خرجت آنيتها موشّاة كأحسن

ص: 634

الخلنج.[ثمّ استشهد بشعر]

و المحبرة،بفتح الميم و الباء،و المحبرة بفتح الميم و ضمّ الباء:موضع الحبر،و مثلها من الكلام:الميسرة، و الميسرة،و المفخرة،و المفخرة.[ثمّ ذكر له نظائر كثيرة]

و قال الجوهريّ فيها: المحبرة بكسر الميم،و إنّما أخذها من الفارابيّ،و الصّواب ما ذكرت...و يقال لبائع الحبر الّذي يكتب به:الحبريّ،و لبائع الحبرة من البرود:الحبريّ،و لا يقال لأحدهما:حبّار.

و قدح محبّر:أجيد بريه.(2:460)

الفيّوميّ: الحبر:العالم؛و الجمع:أحبار،مثل حمل و أحمال.و الحبر بالفتح لغة فيه؛و جمعه:حبور،مثل فلس و فلوس.و اقتصر ثعلب على الفتح،و بعضهم أنكر الكسر.

و المحبرة:معروفة،و فيها لغات؛أجودها فتح الميم و الباء.و الثّانية بضمّ الباء،مثل المأدبة و المأدبة، و المقبرة و المقبرة.و الثّالثة كسر الميم لأنّها آلة،مع فتح الباء؛و الجمع:المحابر.

و حبرت الشّيء حبرا من باب«قتل»:زيّنته و فرّحته؛و الحبر بالكسر:اسم منه فهو محبور.و حبّرته بالتّثقيل:مبالغة.

و الحبرة وزان عنبة:ثوب يمانيّ من قطن أو كتّان مخطّط،يقال:برد حبرة على الوصف،و برد حبرة على الإضافة؛و الجمع:حبر و حبرات،مثل عنب و عنبات.

[إلى أن قال:]

الحبر بفتحتين:صفرة تصيب الأسنان،و هو مصدر.

حبرت الأسنان من باب«تعب»و هو أوّل القلح.

و الحبر وزان«إبل»اسم منه،و لا ثالث لهما في الأسماء.

قال بعضهم:الواحدة:حبرة بإثبات الهاء،كما تثبت في أسماء الاجناس للوحدة،نحو تمرة و نخلة.

فإذا اخضرّ فهو قلح،فإذا تركّب على اللّثة حتّى تظهر الأسناخ فهو الحفر.

و الحبارى:طائر معروف،و هو على شكل الإوزّة، برأسه و بطنه غبرة،و لون ظهره و جناحيه كلون السّمانى غالبا؛و الجمع:حبابير و حباريات على لفظه أيضا.

و الحبرور:وزان«عصفور»فرخ الحبارى.

(1:117)

الفيروزآباديّ: الحبر بالكسر:النّقس، و موضعه:المحبرة بالفتح لا بالكسر،و غلط الجوهريّ، و حكي محبرة بالضّمّ كمقبرة و قد تشدّد الرّاء،و بائعه:

الحبريّ لا الحبّار.

و العالم أو الصّالح و يفتح فيهما؛جمعه:أحبار و حبور.

و الأثر أو أثر النّعمة،و الحسن،و الوشي،و صفرة تشوب بياض الأسنان كالحبر و الحبرة و الحبرة و الحبر و الحبرة بكسرتين فيهما،و قد حبرت أسنانه كفرح؛ جمعه:حبور،و المثل و النّظير.

و بالفتح:السّرور كالحبور و الحبرة و الحبرة محرّكة، و أحبره:سرّه.

و النّعمة كالحبرة،و بالتّحريك:الأثر كالحبار و الحبار،و قد حبر جلده:ضرب فبقي أثره.

و حبرت يده:برئت على عقدة في العظم.

و ككتف:النّاعم الجديد كالحبير.

ص: 635

و كعنبة أبو حبرة:تابعيّ،و حبرة بن نجم:محدّث، و ضرب من برود اليمن و يحرّك؛جمعها:حبر و حبرات، و بائعها:حبريّ لا حبّار.

و الحبير كأمير:السّحاب المنمّر،و البرد الموشّى، و الثّوب الجديد؛جمعه:حبر،و أبو بطن،و شاعر.و قول الجوهريّ:الحبير:لغام البعير غلط،و الصّواب:الخبير بالخاء المعجمة.

و الحبرة بالضّمّ:عقدة من الشّجر تقطع و يخرط منها الآنية،و بالفتح:السّماع في الجنّة،و كلّ نغمة حسنة، و المبالغة فيما وصف بجميل.

و الحبارى:طائر للذّكر و الأنثى،و للواحد و الجمع، و ألفه للتّأنيث،و غلط الجوهريّ إذ لو لم تكن له لانصرفت؛جمعها:حباريات.

و الحبرور و الحبرير و الحبربر و الحبربور و اليحبور و الحبّور:فرخه؛الجمع:حبارير و حبابير.

و اليحبور:طائر أو ذكر الحبارى.

و حبر بالكسر:بلدة،و حبرير كقنديل:جبل بالبحرين،و كمعظّم:فرس ضرار بن الأزور قاتل مالك ابن نويرة،و من أكل البراغيث جلده فبقي فيه حبر، و قدح أجيد بريه.

و بكسر الباء:لقب ربيعة بن سفيان الشّاعر الفارس و لقب طفيل بن عوف الغنويّ الشّاعر.

و حبرّى كزمكّى:واد.

و نار إحبير كإكسير:نار الحباحب.

و حبران بالضّمّ:أبو قبيلة باليمن،منهم أبو راشد و طائفة،و يحابر بن مالك بن أدد أبو مراد.

و ما أصبت منه حبنبرا و لا حبربرا:شيئا.

و ما على رأسه حبربرة:شعرة.

و كفلزّ:موضع.

و أبو حبران الحمّانيّ بالكسر:موصوف بالجمال.

و أبو حبرة كعنبة:شيحة بن عبد اللّه تابعيّ.

و أرض محبار:سريعة النّبات.

و حبرت كفرح:كثر نباتها كأحبرت،و الجرح:

نكس و غفر أو برأ و بقيت له آثار.

و الحابور:مجلس الفسّاق.

و حبر حبر:دعاء الشّاة للحلب.

و تحبير الخطّ و الشّعر و غيرهما:تحسينه.

و حبرة بالكسر:أطم بالمدينة،و بنت أبي ضيغم الشّاعرة،و اللّيث بن حبرويه كحمدويه محدّث.

و سورة الأحبار:سورة المائدة.

و الحبربر:الجمل الصّغير،و بهاء:المرأة القميئة، و أحمد بن حبرون بالفتح شاعر.

و شاة محبّرة:في عينيها تحبير من سواد و بياض.

و حبرى كسكرى و كزيتون:مدينة إبراهيم الخليل عليه السّلام.

و كعب الحبر و يكسر،و لا تقل:الأحبار.(2:1)

الطّريحيّ: و تحبير الخطّ و الشّعر و غيرهما:

تحسينه،و منه حديث وصفه تعالى:«كلّ دون وصفه تحبير اللّغات»أي تحسينها و تزيينها.و فيه نفي لأقاويل المشبّهة؛حيث شبّهوه بالسّبيكة و البلّورة و غير ذلك.

[إلى أن قال:]

و في الحديث:«من عزّى حزينا كسي في الموقف

ص: 636

حلّة يحبر بها»على البناء للمجهول.إمّا بتخفيف الموحّدة المفتوحة من«الحبر»بالفتح بمعنى السّرور،أي يسرّ بها،أو بالتّشديد من«التّحبير»بمعنى التّزيين.[إلى أن قال:]

و في الحديث:«لا يحرم من الرّضاع إلاّ ما كان محبورا.قلت:و ما المحبور؟قال:أمّ تربّي أو ظئر تستأجر أو أمة تشترى».

و قد اضطربت النّسخ في ذلك،ففي بعضها بالحاء المهملة كما ذكرنا،و في بعضها بالجيم كما تقدّم،و في بعضها بالخاء المعجمة و لعلّه الصّواب،و يكون المحبور بمعنى المعلوم.(3:256)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حبر النّجاح فلانا:

سرّه و أبهجه،و الحبر و الحبور:السّرور و النّعمة، يحبرون:ينعّمون و يكرمون و يسرّون.

و الحبر:العالم؛و جمعه:الأحبار،و يقصد بهم علماء اليهود.(122)

العدنانيّ: الحبر،الحبر

و يخطّئون الفرّاء الّذي قال:إنّ الحبر معناه،العالم، و يقولون:إنّ الحبر هو المداد الّذي نكتب به.أمّا العالم فيقولون:إنّه الحبر،اعتمادا على أبي عبيد البكريّ، و ثعلب،و أبي الهيثم الّذي ينكر الحبر،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و البطليوسيّ في«الاقتضاب» و الأساس.

أجاز أن تعني كلمتا الحبر و الحبر:العالم،كلّ من:

معجم ألفاظ القرآن الكريم،و اللّيث بن سعد،و ابن الأعرابيّ،و ابن السّكّيت،و ابن قتيبة في«أدب الكاتب» و الأزهريّ،و الصّحاح،و الحريريّ الّذي قال في المقامة الفرضيّة:إنّ الكسر أفصح،ثمّ فتح حاء«الحبر»في المقامة الطّيبيّة،و المختار،و اللّسان،و المصباح، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد:الكسر أفصح،و المتن:الكسر أفصح، و الوسيط.

و ذكر اللّيث بن سعد و ابن السّكّيت:الحبر بالفتح، و قالا:إنّ الكسر«الحبر»للعالم ذمّيّا كان،أو مسلما، بعد أن يكون من أهل الكتاب.

و قال الأصمعيّ: لا أدري أ هو الحبر أو الحبر.

و يجمع الحبر و الحبر على:أحبار و حبور.

محبرة،محبرة،محبرة،محبرّة

و يخطّئ القاموس الصّحاح،لأنّه يسمّي الوعاء الّذي نضع فيه الحبر،مِحبَرَة،و يقول:إنّ الصّواب هو:

المَحبَرَة،و المَحبُرَة،و المحبَرَّة.

1-يذكر المحبرة كالصّحاح كلّ من ابن سيده، و المختار،و أقرب الموارد.

2-و يجيز استعمال المحبرة و المحبرة كلتيهما:

اللّسان في الهامش،و المصباح،و التّاج الّذي قال:إنّ الفتح أجود،و من كسر الميم قال:إنّها آلة،و المدّ، و محيط المحيط،و المتن:الفتح أجود،و الوسيط.

3-و اكتفى الأزهريّ في«التّهذيب»بذكر المحبرة و المحبرة،كما يقال:مزرعة و مزرعة،و مقبرة و مقبرة و مخبزة و مخبزة.

4-و يؤيّد القاموس في جواز استعمال المحبرة:

اللّسان،و المصباح،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،

ص: 637

و أقرب الموارد،و المتن.

5-و يجيز استعمال المحبَرَّة كالقاموس:التّاج في الضّرورة الشّعريّة،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد.

أمّا بائع الحبر فهو:الحبريّ الصّاغانيّ،و القاموس، و محيط المحيط.و يجيز التّاج،و المدّ،و المتن الحبريّ و الحبّار كليهما.و ممّا قاله التّاج في إجازة قول«الحبّار»:

صرّح كثير من الصّرفيّين بأنّ«فعّالا»كما يكون للمبالغة،يكون للنّسب،و الدّلالة على الحرف و الصّنائع كالنّجار و البزّاز،قاله شيخنا.يريد محمّدا الفاسيّ.

أمّا جمع المحبرة فهو محابر.(142)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو النّعمة وسعة العيش.

و أمّا الفرح و السّرور و الإكرام و التّحسين و التّزيين و الجمال و البهاء و غيرها،كلّها من لوازم التّنعّم و آثارها.

و أمّا الثّوب اليمانيّ،فكان من مصاديق النّعمة و من مظاهر التّنعّم وسعة العيش،في تلك الأيّام.

و أمّا المداد،فهو من أحسن مصاديق زينة المرء و فضله و كماله،و من أبلغ الوسائل لظهور العلم و إظهار في النّفس بالكتابة،فالمداد أعظم نعمته في مقام التّعيّش المادّيّ و المعنويّ.و يمكن أن يكون من مادّة«حابر» عبريّة،لكونه مظهر علم الحبر و فضله و مقامه.

و أمّا الحبر،فالظّاهر مأخوذا من«حابر»عبريّة، فهو بمعنى العالم،و أمّا معنى السّحر في«حابر»فإنّ السّحر و الكهانة كانت شائعة في متقدّمي علماء اليهود و في ولد هارون،راجع رقم«كهانة».

و أمّا انتخاب هذه الكلمة،فبمناسبة مفهومها التّنعّم وسعة العيش في اللّغة العربيّة أحوال هؤلاء الرّجال.

و أمّا أثر القروح،فباعتبار البرء و العافية،و حصول نعمة السّلامة.(2:164)

النّصوص التّفسيريّة

يحبرون

فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ. الرّوم:15

أبو الدّرداء: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يذكّر النّاس، فذكر الجنّة و ما فيها من الأزواج و النّعيم،و في القوم أعرابيّ فجثا لركبتيه و قال:يا رسول اللّه هل في الجنّة من سماع؟قال:«نعم يا أعرابيّ إنّ في الجنّة نهرا حافّتاه الأبكار من كلّ بيضاء،يتغنّين بأصوات لم يسمع الخلائق بمثلها قطّ،فذلك أفضل نعيم الجنّة».

(الطّبرسيّ 4:298)

ابن عبّاس: يكرمون.(الطّبريّ 21:27)

مجاهد :ينعّمون.مثله قتادة.(الطّبريّ 21:28)

يحيى بن أبي كثير:الحبرة:اللّذّة و السّماع.

(الطّبريّ 21:28)

السّدّيّ: أي يفرحون.(379)

الأوزاعيّ: إذا أخذ في السّماع لم يبق في الجنّة شجرة إلاّ ورّدت.(الشّربينيّ 3:160)

ابن عيّاش:يحبرون،التّيجان على رءوسهم.

(الشّربينيّ 3:160)

ص: 638

أبو عبيدة:مجازه:يفرحون و يسرّون،و ليس شيء أحسن عند العرب من الرّياض المعشبة و لا أطيب ريحا.[ثمّ استشهد بشعر](2:120)

(يحبرون)يسرّون،أي على سبيل التّجدّد،كلّ وقت سرورا تشرق له الوجوه،و تبسم الأفواه و تزهر العيون،فيظهر حسنها و بهجتها،فتظهر النّعمة بظهور آثارها،على أسهل الوجوه و أيسرها.

(الشّربينيّ 3:160)

ابن قتيبة :أي يسرّون،و الحبرة:السّرور،و منه يقال:«كلّ حبرة تتبعها عبرة».(340)

نحوه القاسميّ(13:477)،و عزّة دروزة(6:288).

الطّبريّ: يقول:فهم في الرّياحين و النّباتات الملتفّة،و بين أنواع الزّهر في الجنان يسرّون و يلذّذون بالسّماع،و طيب العيش الهنيء.[إلى أن قال:]

فأعلمهم بذلك تعالى أنّ الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات من المنظر الأنيق،و اللّذيذ من الأراييح، و العيش الهنيء،فيما يحبّون،و يسرّون به،و يغبطون عليه.

و الحبرة عند العرب:السّرور و الغبطة.[ثمّ استشهد بشعر](21:27)

نحوه القرطبيّ.(14:12)

الماورديّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و الحبرة عند العرب:السّرور و الفرح.

(4:302)

الطّوسيّ: أي يسرّون سرورا تبين أثره عليهم، و منه الحبرة و هي المسرّة،و منه الحبر:العالم،و التّحبير:

التّحسين الّذي يسرّ به.(8:236)

نحوه الواحديّ(3:430)،و البغويّ(3:572)، و الزّمخشريّ(3:217)،و ابن عطيّة(4:331)، و الطّبرسيّ(4:298)،و مكارم الشّيرازيّ(18:442).

الفخر الرّازيّ: أي في جنّة يسرّون بكلّ مسرّة.

[إلى أن قال:]

(يحبرون)بصيغة الفعل،و لم يقل:محبورون.و قال في الآخر:(محضرون)بصيغة الاسم،و لم يقل:

يحضرون،لأنّ الفعل ينبئ عن التّجدّد و الاسم لا يدلّ عليه،فقوله:(يحبرون)يعني يأتيهم كلّ ساعة أمر يسرّون به.و أمّا الكفّار فهم إذا دخلوا العذاب يبقون فيه محضرون.(25:130)

البيضاويّ: (يحبرون)يسرّون تهلّلت وجوههم.

(2:218)

نحوه النّسفيّ(3:268)،و النّيسابوريّ(21:27)، و أبو حيّان(7:165)،و السّمين(5:373)،و أبو السّعود (5:168)،و المشهديّ(7:567)،و البروسويّ(7:

13)،و الآلوسيّ(21:26)،و عبد الكريم الخطيب (11:490).

المراغيّ: فهم في رياض الجنّات يمرحون و بألوان الزّهر و السّندس الأخضر يتمتّعون،و يتلذّذون بالسّماع و العيش الطّيّب الهنيء.(21:34)

الطّباطبائيّ: يفرحون حتّى يظهر عليهم حبار نعيمهم.(16:160)

فضل اللّه :أي يعيشون في حالة السّرور الّذي يفيض على قلوبهم و مشاعرهم،في أجواء الجنّة الّتي وعد اللّه بها عباده المتّقين.(18:110)

ص: 639

تحبرون

اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَ أَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ. الزّخرف:70

الحسن :تفرحون.(الماورديّ 5:328)

الإمام الصّادق عليه السّلام:يا أبا محمّد أنتم في الجنّة تحبرون و بين أطباق النّار تطلبون فلا توجدون.

(العروسيّ 4:613)

الطّبريّ: مغبوطين بكرامة اللّه،مسرورين بما أعطاكم اليوم ربّكم.(25:95)

الفخر الرّازيّ: و الحبرة:المبالغة في الإكرام فيما وصف بالجميل،يعني يكرمون إكراما على سبيل المبالغة.

(27:225)

الطّباطبائيّ: و المعنى ادخلوا الجنّة أنتم و أزواجكم المؤمنات،و الحال أنّكم تسرّون سرورا يظهر أثره في وجوهكم،أو تزيّنون بأحسن زينة.(18:

121)

عبد الكريم الخطيب :أي حيث تلقون المسرّة و الحبور مع أزواجكم اللاّئي آمنّ معكم.

و بهذا يكمل أنسهم،و يتمّ نعيمهم.(13:161)

[و هناك نصوص كثيرة أخرى لاحظ]

الماورديّ(5:238)،و الزّمخشريّ(3:495)، و الطّبرسيّ(5:56)،و القرطبيّ(16:110)،و النّسفيّ (4:123)،و أبو حيّان(8:26)،و الشّوكانيّ(4:704)، و الآلوسيّ(25:98)و غيرهم.

الاحبار

إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَ الرَّبّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ... المائدة:44

ابن عبّاس: و كان يحكم بها الرّبّانيّون و العلماء و أصحاب الصّوامع دون الأنبياء(و الاحبار):سائر العلماء.(94)

نحوه قتادة و ابن زيد.(الطّبري 6:250)

(الاحبار)هم الفقهاء.(أبو السّعود 2:276)

الضّحّاك: قرّاؤهم و فقهاؤهم.(الطّبريّ 6:250)

نحوه الشّوكانيّ.(2:58)

الحسن :الفقهاء و العلماء.(الطّبري 6:250)

قتادة :(الرّبّانيّون):فقهاء اليهود(و الاحبار):

علماؤهم.(الطّبريّ 6:250)

نحوه الواحديّ.(2:190)

عكرمة :الرّبّانيّون و الأحبار كلّهم يحكم بما فيه من الحقّ.(الطّبريّ 6:250)

السّدّيّ: كان رجلان من اليهود أخوان يقال لهما:

ابنا صوريا.(الطّبريّ 6:250)

الإمام الصّادق عليه السّلام: (و الاحبار)هم العلماء دون الرّبّانيّين.(الكاشانيّ 2:38)

الفرّاء: أكثر ما سمعت«حبر»بالكسر،و هو العالم، سمّي بذلك اشتقاقا من«التّحبير»و هو التّحسين،لأنّ العالم يحسّن الحسن و يقبّح القبيح.(الماورديّ 2:42)

نحوه الطّوسيّ(3:533)،و الماورديّ(2:42)، و ابن عطيّة(2:195)،و النّيسابوريّ(6:105).

ابن قتيبة :(الرّبّانيّون):العلماء،و كذلك(الاحبار) واحدهم:حبر و حبر.(143)

ص: 640

الزّجّاج:هم العلماء الخيار.(2:178)

الطّبريّ: و أمّا(الاحبار)فإنّهم جمع«حبر»و هو العالم المحكم للشّيء،و منه قيل لكعب:كعب الأحبار.

[إلى أن قال:]

و الصّواب من القول في ذلك عندي أن يقال:إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر أنّ التّوراة يحكم بها مسلمو الأنبياء لليهود،و الرّبّانيّون من خلقه و الأحبار.

و قد يجوز أن يكون عنى بذلك ابنا صوريا و غيرهما، غير أنّه قد دخل في ظاهر التّنزيل مسلمو الأنبياء،و كلّ ربّانيّ و حبر،و لا دلالة في ظاهر التّنزيل على أنّه معنيّ به خاصّ من الرّبّانيّين و الأحبار،و لا قامت بذلك حجّة يجب التّسليم لها،فكلّ ربّانيّ و حبر داخل في الآية بظاهر التّنزيل.(6:250)

البغويّ: يعني العلماء،واحدهم:حبر و حبر، بفتح الحاء و كسرها،و الكسر أفصح،و هو العالم المحكم للشّيء.

قال الكسائيّ و أبو عبيدة:هو من«الحبر»الّذي يكتب به.و قال قطرب:هو من«الحبر»الّذي هو بمعنى الجمال،بفتح الحاء و كسرها.[إلى أن قال:]

و قيل:(الرّبّانيّون)هاهنا من النّصارى،(و الاحبار) من اليهود،و قيل:كلاهما من اليهود.(2:55)

نحوه القرطبيّ.(6:189)

الميبديّ: (الرّبّانيّون)أعمّ من الأحبار فكلّ ربّانيّ حبر،و ليس كلّ حبر ربّانيّا.[ثمّ أدام الكلام في اشتقاقه](3:129)

الزّمخشريّ: و الرّبّانيّون و الأحبار و الزّهّاد و العلماء من ولد هارون،الّذين التزموا طريقة النّبيّين، و جانبوا دين اليهود.(1:615)

نحوه البيضاويّ(1:276)،و النّسفيّ(1:284)، و الشّربينيّ(1:377)،و البروسويّ(2:397).

الفخر الرّازيّ: دلّت الآية على أنّه يحكم بالتّوراة النّبيّون و الرّبّانيّون و الأحبار.و هذا يقتضي كون الرّبّانيّون أعلى حالا من الأحبار؛فثبت أن يكون الرّبّانيّون كالمجتهدين،و الأحبار كآحاد العلماء.

(12:4)

الخازن :[ذكر قول ابن عبّاس و الفرّاء و أبو عبيد ثمّ قال:]

و هل فرق بين الرّبّانيّين و الأحبار أم لا؟

فيه خلاف،فقيل:لا فرق،و الرّبّانيّون و الأحبار بمعنى واحد،و هم الفقهاء و العلماء.

و قيل:الرّبّانيّون أعلى درجة من الأحبار،لأنّ اللّه تعالى قدّمهم في الذّكر على الأحبار.

و قيل:الرّبّانيّون هم الولاة و الحكّام،و الأحبار العلماء.

و قيل:الرّبّانيّون علماء النّصارى،و الأحبار علماء اليهود.

و معنى الآية يحكم بأحكام التّوراة النّبيّون،و كذلك يحكم بها الرّبّانيّون و الأحبار.(2:47)

أبو السّعود :أي الزّهّاد و العلماء من ولد هارون، الّذين التزموا طريقة النّبيّين،و جانبوا دين اليهود.

و عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما:(الرّبّانيّون):

الّذين يسوسون النّاس بالعلم و يربّونهم بصغاره قبل

ص: 641

كباره،(و الاحبار)هم الفقهاء،واحده«حبر»بالفتح و الكسر.و الثّاني أفصح و هو رأي الفرّاء،مأخوذ من التّحبير و التّحسين،فإنّهم يحبّرون العلم و يزيّنونه و يبيّنونه،و هو عطف على(النّبيّون)أي هم أيضا يحكمون بأحكامها.

و توسيط المحكوم لهم بين المعطوفين للإيذان بأنّ الأصل في الحكم بها و حمل النّاس على ما فيها هم النّبيّون،و إنّما الرّبّانيّون و الأحبار خلفاء و نوّاب لهم في ذلك.(2:276)

نحوه القاسميّ.(6:1995)

الآلوسيّ: (الاحبار):العلماء،و الواحد«حبر» بالفتح و الكسر.[ثمّ نقل قول الفرّاء و أبي السّعود]

(4:144)

المراغيّ: أي و يحكم بها الرّبّانيّون و الأحبار في الأزمنة الّتي لم يكن فيها أنبياء معهم،أو يحكمون مع وجودهم بإذنهم بسبب ما أودعوه من الكتاب و ائتمنوا عليه،و طلب منهم أنبياؤهم حفظه،كالعهد الّذي أخذه موسى بأمر اللّه على شيوخ بني إسرائيل بعد أن كتب التّوراة،أن يحفظوها و لا يحيدوا عنها.

و يروى عن أمير المؤمنين عليّ كرّم اللّه وجهه أنّه قال:«أنا ربّانيّ هذه الأمّة».و أطلق لقب«حبر الأمّة» في الإسلام على«ابن عبّاس»رضي اللّه عنهما،و أطلق لقب«الرّبّانيّ»على«عليّ المرتضى»عليه الرّحمة.

(6:123)

الطّباطبائيّ: (الاحبار)هم الخبراء من علمائهم.

(5:343)

فضل اللّه:(الاحبار)و هم الّذين يملكون الحبرة من علماء اليهود السّائرين على خطّ التّوراة،فهؤلاء و أولئك يحكمون بين النّاس.(8:187)

و بهذا المعنى جاءت(الاحبار)في باقي الآيات.

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة-كما قال ابن فارس و غيره-الأثر في حسن و بهاء،و منه:الحبر،أي المداد -و لعلّه الأصل-و المحبرة و المحبرة:موضعه.يقال:

حبرت الخطّ حبرا،و حبّرته تحبيرا،أي حسّنته،و كلّ ما حسن من خطّ أو كلام أو شعر أو غير ذلك،فقد حبر حبرا و حبّر.و حبّرت الشّيء و الشّعر و الكلام:حسّنته، و سهم محبّر:حسن البري،و سقاء محبّر:محكم،و شاة محبّرة:في عينها تحبير من بياض و سواد.

و الحبر و الحبر:الأثر من الضّربة إذا لم يدم،كأنّه وضع في موضعه حبر؛و الجمع:أحبار و حبور،و هو الحبار و الحبار أيضا؛و الجمع:حبارات.يقال:أحبرت الضّربة جلده و بجلده،أي أثّرت فيه،و حبر جلده حبرا:بقيت للجرح آثار بعد البرء،و رجل محبّر:أكلت البراغيث جلده،فصار له آثار في جلده.

و الحبر و الحبر و الحبرة و الحبرة و الحبر و الحبرة:

صفرة تشوب بياض الأسنان،و هو القلح،و قد حبرت أسنانه تحبر حبرا:قلحت.

و الحبر و الحبر:العالم بتحبير الكلام و العلم و تحسينه؛و الجمع:أحبار،و غلب على العالم من أهل الكتاب،ثمّ أطلق على العالم المسلم و الرّجل الصّالح،

ص: 642

و على الجمال و البهاء،يقال:فلان حسن الحبر و الحبر و السّبر و السّبر،أي جميل حسن الهيئة و البشرة، و جاءت الإبل حسنة الأحبار و الأسبار:حسنة الهيئة و السّخاء.

و الحبر و الحبرة:كلّ نعمة حسنة محسّنة،و قد حبر حبرا،و حبره يحبره حبرا و حبرة فهو محبور.و اليحبور:

النّاعم من الرّجال؛و الجمع:يحابير،مأخوذ من «الحبرة»،و هي النّعمة:شيء حبر:ناعم،و ثوب حبير:

جديد ناعم،و الحبير:السّحاب الكثير الماء،و أرض محبار:سريعة النّبات حسنته،كثيرة الكلأ؛و الجمع:

محابير،و قد حبرت الأرض و أحبرت.

و الحبرة و الحبرة:ضرب من برود اليمن منمّر؛ و الجمع:حبر و حبرات،و الحبر:الوشي،و الحبير من البرود:موشّى مخطّط،و برد و برود حبرة:موشّاة.

و الحبر و الحبر الحبرة و الحبور:السّرور.يقال:

حبرني هذا الأمر حبرا و أحبرني،أي سرّني،و هو تحسين حال الإنسان.

2-و الحبارى:طائر طويل العنق،رماديّ اللّون،في منقاره بعض طول.و هو اسم جنس يقع على الذّكر و الأنثى؛و جمعه:حباريات.و يقال لولده:الحبرير و الحبرور و الحبربر و الحبرور و اليحبور.

و قال بعض المتأخّرين من الفرس:هو معرّب من الفارسيّة،و أصله فيها«هوبره» (1).

و لكن لم ينقل ذلك عن المتقدّمين،سواء كانوا من اللّغويّين،أم ممّن تكلّموا في هذا الضّرب من الألفاظ، كالجواليقيّ في«المعرّب»،و الجاحظ و الدّميريّ و القزوينيّ في«الحيوان»،بل قال الأخير:«الحبارى:

طائر يقال له بالفارسيّة:حور» (2).

و يذود ما قيل أيضا اشتقاق الحبارى من الحبر،أي المداد،لأنّه بلونه،أو من الحبر،أي الجمال،فهو يشبه الإوزّة.و كذا تعدّد ألفاظ ولده،و كثرة الأمثال فيه، و منه قولهم:«كلّ شيء يحبّ ولده حتّى الحبارى».

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها فعلان في سورتين مكّيّتين،و اسم أربع مرّات في سورتين مدنيّتين:

يحبرون-تحبرون

1- فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ فَهُمْ فِي رَوْضَةٍ يُحْبَرُونَ الرّوم:15

2- اُدْخُلُوا الْجَنَّةَ أَنْتُمْ وَ أَزْواجُكُمْ تُحْبَرُونَ

الزّخرف:70

الأحبار:

3- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النّاسِ بِالْباطِلِ وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ... التّوبة:34

4- اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ أَرْباباً مِنْ دُونِ اللّهِ وَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ ما أُمِرُوا إِلاّ لِيَعْبُدُوا إِلهاً واحِداً لا إِلهَ إِلاّ هُوَ سُبْحانَهُ عَمّا يُشْرِكُونَ التّوبة:31

5- إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ فِيها هُدىً وَ نُورٌ يَحْكُمُ بِهَا

ص: 643


1- انظر معجم«دهخدا»و المعجم المقارن للدّكتور محمّد جواد مشكور.
2- عجائب المخلوقات(272).

اَلنَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هادُوا وَ الرَّبّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتابِ اللّهِ... المائدة:44

6- لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَ أَكْلِهِمُ السُّحْتَ لَبِئْسَ ما كانُوا يَصْنَعُونَ

المائدة:63

يلاحظ:أنّ فيها محورين:الحبر بمعنى السّرور، و الأحبار:علماء اليهود،و في كلّ منهما بحوث:

المحور الأوّل:آيتان مكّيّتان(1 و 2)و فيها وصف أهل الجنّة بأنّهم(يحبرون)أي يسرّون تأكيدا أو مؤكّدة حسن ثوابهم بإزاء سوء عقاب أهل النّار،و أكثر آيات الثّواب و العقاب مكّيّة،و فيهما بحوث:

1-جاءت فيهما بصيغة الفعل دون الوصف،مثل (محبورون)لأنّ الفعل ينبئ عن التّجدّد،أي يأتيهم كلّ ساعة أمر يسرّهم،فيتجدّد سرورهم و يتضاعف فرحهم.

2-جاء الفعل المضارع الدّالّ على الدّوام في المستقبل،أي إنّ سرورهم دائم.

3-جاء الفعل بالبناء للمفعول دون الفاعل،لأنّ ثقل الكلام على بيان سرورهم،دون ما يسرّهم،أو للتّعميم و الاستيعاب،أي كلّ ما يشاهدونه و كلّ ما يلاقونه في الجنّة يسرّهم و لا يشاهدون فيها ما يحزنهم،أو للإبهام و التّعمية تعظيما لنعمها،و ليذهب ذهن السّامع إلى كلّ مذهب ممكن.

4-جاء الفعل غيبة و خطابا(يحبرون و تحبرون) مناسقا للسّياق فيهما و تفنّنا و تعميما.

المحور الثّاني:«الأحبار»أربع آيات(3-6) مدنيّات:

1-إنّها جاءت بشأن علماء اليهود و النّصارى، موزّعة بالتّساوي بين سورتين مدنيّتين«التّوبة و المائدة»،لأنّ النّبيّ التقى بالطّائفتين في المدينة دون مكّة إلاّ بمن أرسلوا إليه ليسأله عن مسائل جاءت في سورة الكهف كما هو المشهور.

2-هاتان السّورتان من أواخر ما نزل بالمدينة رغم أنّه عليه السّلام واجه اليهود منذ دخوله المدينة،و النّصارى في السّنين الأولى بعد الهجرة،و من جلاء طائفة من اليهود إلى الشّام في العام الرّابع،و تشتّت طائفة أخرى قتلا و أسرا في العام الخامس بعد غزوة الأحزاب،فما هو وجه تأخير هما نزولا؟

و الجواب:لعلّ جماعة منهم بقيت في المدينة،أو كانوا بعد جلائهم متّصلين بالنّبيّ و استحكموه في قضاياهم،أو أنّ محتوى الآيات و إن كان في اليهود و النّصارى إلاّ أنّ المسلمين هم الّذين يستفيدون منها، أو أخّرت حكايتها مع تقدّم حدوثها،رمزا و كشفا عن دور اليهود و النّصارى في المستقبل في الحوادث الإسلاميّة،في شرق العالم الإسلاميّ و غربه،كما ينادي به التّاريخ،و كما نشاهده اليوم و لا سيّما في فلسطين.

فمحتوى السّورتين و لا سيّما«المائدة»يعدّ كوصيّة و ميثاق للمسلمين في أمور مهمّة،منها شأن اليهود و النّصارى،لاحظ الميزان ج 5 صدر سورة المائدة و المدخل بحث«مكّيّ السّور و مدنيّها».

3-واحدة من الأربع(5)مدح لليهود بأنّ النّبيّين و الرّبّانيّين و الأحبار منهم يحكمون بينهم بما استحفظوا

ص: 644

من كتاب اللّه-لاحظ«ح ف ظ:استحفظوا»-و الباقي كلّها ذمّ:إمّا للرّبّانيّين و الأحبار من اليهود بأنّهم لا ينهون النّاس عن قول الإثم و أكل السّحت(6)أو ذمّ لليهود و النّصارى بأنّهم اتّخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون اللّه(4)،أو ذمّ للأحبار و الرّهبان بأكل أموال النّاس و صدّهم عن سبيل اللّه(3)،فوجّه في(3 و 4)التّوبيخ إلى الطّائفتين و إلى الأتباع و القادة معا،أمّا في(5 و 6)فجاء (الرّبّانيّون)و(الاحبار)و لا كلام في أنّ(الاحبار)هم علماء اليهود،كما يأتي.

أمّا(الرّبّانيّون)فاختلفوا فيهم-كما جاء في النّصوص-فالأكثر على أنّ الصّنفين كلاهما من اليهود، و الفرق بينهما:أنّ(الاحبار)هم القرّاء أو الفقهاء أو العلماء،و(الرّبّانيّون)هم الولاة و الحكّام،أو هم الفقهاء،و(الاحبار)سائر العلماء،و كلّهم من أولاد هارون.و قيل:إنّ(الرّبّانيّون)علماء النّصارى، و(الاحبار)علماء اليهود.

و عندنا أنّ سياق الآيات قبلها-و كذا بعدها-يدلّ على أنّ الصّنفين كانا من اليهود،فقبل(5) ...وَ مِنَ الَّذِينَ هادُوا سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ سَمّاعُونَ لِقَوْمٍ آخَرِينَ... سَمّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكّالُونَ لِلسُّحْتِ فَإِنْ جاؤُكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ... وَ كَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَ عِنْدَهُمُ التَّوْراةُ... إِنّا أَنْزَلْنَا التَّوْراةَ... المائدة:41-44.

و قبل(6) ...مَنْ لَعَنَهُ اللّهُ وَ غَضِبَ عَلَيْهِ وَ جَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَ الْخَنازِيرَ... وَ تَرى كَثِيراً مِنْهُمْ يُسارِعُونَ فِي الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ أَكْلِهِمُ السُّحْتَ -إلى- لَوْ لا يَنْهاهُمُ الرَّبّانِيُّونَ وَ الْأَحْبارُ... المائدة:60-63.

و هذه كلّها أوصاف اليهود،فالرّبّانيّون و الأحبار منهم دون النّصارى.فلا وجه لتردّد المفسّرين في ذلك.

و هذا بخلاف الآيتين(3 و 4)فقبلهما ذكر اليهود و النّصارى معا: وَ قالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللّهِ وَ قالَتِ النَّصارى الْمَسِيحُ ابْنُ اللّهِ... اِتَّخَذُوا أَحْبارَهُمْ وَ رُهْبانَهُمْ... إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ...

التّوبة:30-34.

4-قدّم(الاحبار)على(الرّهبان)في(3 و 4)لتقدّم زمانهم عليهم بداهة أنّ اليهود قبل النّصارى،أمّا تقديم (الرّبّانيّون)على(الاحبار)و كلاهما من اليهود في(5 و 6)فقيل:لفضلهم عليهم،و قيل:إنّ(الرّبّانيّون)أعمّ من (الاحبار)فكلّ ربّانيّ حبر،و ليس كلّ حبر ربّانيّا، و قيل:لا فرق بينهما فكلّ حبر ربّانيّ و كلّ ربّانيّ حبر فهذا من قبيل ذكر الخاصّ بعد العامّ.

و لا شاهد لما ذكر بل ظاهر الآيتين الفرق بين الصّنفين،و أنّهما كانا يحكمان بالتّوراة للّذين هادوا- و هذا دليل آخر على أنّهما من اليهود-و أنّهما خلفاء (النّبيّون)الّذين أسلموا.و للكلام فيه مجال واسع،لاحظ «ر ب ب:ربّانيّون،و ر ب ي:ربّيّون».

5-يبدو أنّ الألفاظ الثّلاثة:«الأحبار،ربّانيّون، الرّهبان)كانت شايعة بين اليهود و النّصارى العرب في عصر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و ليس لها ذكر في التّوراة و الإنجيل.

6-هناك بحث في أنّ المراد بها أشخاص معيّنون- استنادا إلى الرّوايات-أو تشمل كلّ علمائهم،و قد رجّح الطّبريّ الشّمول لعموم الآيات.

7-الأحبار جمع«حبر»أو«حبر»-كما سبق-

ص: 645

مأخوذ من«الحبر»بمعنى«المداد»أو من تحبير الكلام و تزييه،لأنّهم كانوا كتّابا بالمداد أو خطباء يحبّرون الكلام.و الأخير يرجع إلى المحور الأوّل،بل الأوّل أيضا لو قلنا:إنّ«المداد»أطلق عليه،لأنّ الكتّاب كانوا يحبّرون به الخطّ،و هو الصّواب.

ص: 646

ح ب س

اشارة

لفظان مرّتان،في سورتين:1 مكّيّة،1 مدنيّة

يحبسه 1:1 تحبسونهما 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحبس و المحبس:موضعان للمحبوس فالمحبس يكون سجنا و يكون فعلا كالحبس.

و الحبيس:الفرس؛يجعل في سبيل اللّه.

و الحباس:شيء يحبس به،نحو الحباس في المزرفة يحبس به فضول الماء.

و الحباسة في كلام العجم:المكلأ،و هي الّتي تسمّى المزرفة،و هي الحباسات في الأرض قد أحاطت بالدّبرة، يحبس فيها الماء حتّى يمتلئ،ثمّ يساق إلى غيرها.

و احتبست الشّيء،أي خصصته لنفسي خاصّة.

و احتبست الفراش بالمحبس،أي بالمقرمة.

(3:150)

سيبويه :و أمّا قولك:حبسته،فبمنزلة قولك:

ضبطته،و أمّا احتبسته فقولك:اتّخذته حبيسا،كأنّه مثل شوى و اشتوى.(4:74)

المحبس-على قياسهم-:الموضع الّذي يحبس فيه،و المحبس:المصدر.(ابن سيده 3:208)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قد أحبس فلان درعه و سيفه و ما كان في سبيل اللّه.(1:151)

الحبس:الجبل الأسود العظيم.(1:156)

الحبس:مثل المصنعة (1)؛و جمعه:أحباس،يجعل للماء.

و الحبس:الماء المستنقع.(الأزهريّ 4:343)

ابن الأعرابيّ: يكون الجبل خوعا،أي أبيض، و تكون فيه بقعة سوداء،و يكون الجبل حبسا،أي أسود،و تكون فيه بقعة بيضاء.

و الحبس:الشّجاعة.(الأزهريّ 4:343)

ص: 647


1- يجمع فيه الماء كالحوض.

ابن السّكّيت: و الحبس:مصدر حبست.

و الحبس:حجارة تبنى في مجرى الماء لتحبس الماء، فيشرب منه القوم،و يسقون أموالهم.(إصلاح المنطق:27)

نحوه ابن أبي اليمان.(451)

و يقال:قد أحبست فرسي في سبيل اللّه،فهو حبيس و محبس.و قد حبست الرّجل في الحبس،أحبسه حبسا.

(إصلاح المنطق:240)

المبرّد: الحبسة:تعذّر الكلام عند إرادته.

(1:369)

و الحبّاس:الّذي من شأنه أن يحبس.(2:96)

ابن دريد :حبست الشّيء أحبسه حبسا،إذا منعته عن الحركة.

و أحبست الدّابّة إحباسا،إذا جعلته حبيسا،فهو محبس و حبيس.و هذا أحد ما جاء على«فعيل»من «أفعل».

و المحبس:الموضع الّذي تحبس فيه الدّابّة.

و ربّما سمّي العلف:محبسا.

و المحبس:ثوب يطرح على ظهر الفراش.

و في لسان فلان حبسة،إذا كان فيه ثقل.

و قد سمّت العرب:حابسا و حبيسا.

و الحبس:موضع.(1:220)

الأزهريّ: المحبس:مصدر،و المحبس:اسم للموضع.

و الحبس:جمع الحبيس،يقع على كلّ شيء وقفه صاحبه وقفا محرّما،لا يورث و لا يباع،من أرض و نخل و كرم و مستغلّ،يحبّس أصله وقفا مؤبّدا،و تسبّل ثمرته تقرّبا إلى اللّه،كما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لعمر في نخل له،أراد أن يتقرّب بصدقته إلى اللّه جلّ و عزّ،فقال له:«حبّس الأصل و سبّل الثّمرة».

و معنى تحبيسه:ألاّ يورث و لا يباع و لا يوهب، و لكن يترك أصله،و يجعل ثمره في سبل الخير.

و أمّا ما روي عن شريح أنّه قال:«جاء محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم بإطلاق الحبس».فإنّما أراد بها الحبس الّتي كان أهل الجاهليّة يحبسونها من السّوائب و البحائر و الحام و ما أشبهها،فنزل القرآن بإحلال ما كانوا يحرّمون منها، و إطلاق ما حبّسوا بغير أمر اللّه منها...

و أمّا الحبس الّتي وردت السّنن بتحبيس أصلها و تسبيل ثمرها،فهي جارية على ما سنّها المصطفى عليه السّلام، و على ما أمر به عمر فيها.

و في«النّوادر»يقال:جعلني فلان ربيطة لكذا و حبيسة،أي يذهب فيفعل الشّيء،و اوخذ به.

[و قيل]الحبس:حجارة تبنى في مجرى الماء لتحبسه للشّاربة،فيسمّى الماء:حبسا،كما يقال:نهي.

و الحبس بالكسر:حجارة تكون في فوّهة النّهر تمنع طغيان الماء.

و الحبس:نطاق الهودج،و الحبس:المقرمة.

و الحبس:سوار من فضّة يجعل في وسط القرام،و هو ستر يجمع به ليضيء البيت.(4:342)

الصّاحب:الحبس:أن تحبس شيئا عن وجهه.

و المحبس:البيت الّذي يحبس فيه.

و الحبس و المحبس:اسمان للمحبوس الحبيس؛ و الجميع:الحبوس.

ص: 648

و الحبيس:الفرس يحبس في سبيل اللّه،و حبسه حبسا و محبسا.

و الحباس:ما يحبس به الماء،و هي الحباسات في الأرض.

و الحبس:الماء المجموع ليست له مادّة،و حجارة يحبس بها الماء للسّقي.

و احتبست الشّيء:اختصصته لنفسي.

و الحبس:الرّاهب من النّصارى اللاّزم للبيعة كالمحبوس.

و الحبس:الرّجّالة لتحبّسهم عن الرّكبان.

و الحبسة في اللّسان:عقلة تمنع من البيان.

و حبست الفرس بالمحبس:و هي المقرمة.

(2:496)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«الخيل ثلاثة:

أجر،و ستر،و وزر.فأمّا الّذي له الأجر فرجل حبس خيلا في سبيل اللّه...قوله:«حبس خيلا»اللّغة العالية أن يقال:أحبس بالألف.(1:521)

الجوهريّ: الحبس:ضدّ التّخلية،و حبسته و احتبسته بمعنى.و احتبس أيضا بنفسه،يتعدّى و لا يتعدّى.و تحبّس على كذا،أي حبس نفسه على ذلك.

و الحبسة بالضّمّ:الاسم من الاحتباس،يقال:

«الصّمت حبسة».

و أحبست فرسا في سبيل اللّه،أي وقفت،فهو محبس و حبيس.

و الحبس بالضّمّ:ما وقف.(3:915)

ابن فارس:الحاء و الباء و السّين،يقال:حبسته حبسا.

و الحبس:ما وقف،يقال:أحبست فرسا في سبيل اللّه.

و الحبس:مصنعة للماء؛و الجمع:أحباس.

(2:128).

أبو هلال :الفرق بين الحصر و الحبس:أنّ «الحصر»هو الحبس مع التّضييق،يقال:حصرهم في البلد،لأنّه إذا فعل ذلك فقد منعهم عن الانفساح في الرّعي و التّصرّف في الأمور.و يقال:حبس الرّجل عن حاجته و في الحبس،إذا منعه عن التّصرف فيها، و لا يقال:«حصر»في هذا المعنى دون أن يضيّق عليه، و هو في حصار،أي ضيق.

و الحصر:احتباس النّجو كأنّه من ضيق المخرج، كذا قال أهل اللّغة.

و يجوز أن يقال:إنّ«الحبس»يكون لمن تمكّنت منه و«الحصر»لمن لم تتمكّن منه؛و ذلك أنّك إذا حاصرت أهل بلد في البلد فإنّك لم تتمكّن منهم و إنّما تتوصّل بالحصر إلى التّمكّن منهم،و الحصر في هذا سبب التّمكّن،و الحبس يكون بعد التّمكّن.(93)

ابن سيده: حبسه يحبسه حبسا فهو محبوس و حبيس.

و احتبسه و حبّسه؛أمسكه عن وجهه.

و قيل:احتباسك إيّاه:اختصاصك به نفسك.

و الحبس و المحبسة و المحبس و المحبس:اسم الموضع.

ص: 649

و قال بعضهم:المحبس يكون مصدرا كالحبس، و نظيره قوله[تعالى]: إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ المائدة:48، 105،أي رجوعكم. وَ يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْمَحِيضِ البقرة:222،أي الحيض.[ثمّ استشهد بشعر و أضاف:]

و ليس بمطّرد،و إنّما يقتصر منه على ما سمع.

و إبل محبّسة:داجنة،كأنّها قد حبست عن الرّعي.

و المحبس:معلف الدّابّة.

و المحبس:المقرمة،يعني السّتر؛و قد حبس الفراش بالمحبس.

و زقّ حابس:ممسك للماء.

و حبس الفرس في سبيل اللّه،و أحبسه،فهو محبس و حبيس؛و الأنثى:حبيسة،و الجمع:حبائس.[ثمّ استشهد بشعر]

كلّ ما حبس بوجه من الوجوه،حبيس.

و الحبس:كلّ ما سدّ به مجرى الوادي في أيّما موضع حبس،و قيل:هي حجارة تبنى في مجرى الماء لتحبسه كي يشرب القوم و يسقوا أموالهم؛و الجمع:أحباس.

و الحباس و الحباسة كالحبس.

و كلأ حابس:كثير يحبس المال.

و الحبسة:الاحتباس في الكلام و التّوقّف،و تحبّس في الكلام:توقّف.

و الحبّس في قوله في الحديث:«إنّه بعث أبا عبيدة على الحبّس»فسّره ابن قتيبة،فقال:هو الرّجّالة، لأنّهم يحبسون الرّكبان عن السّير،أو عن الإسراع فيه، بتربّصهم عليهم،و انتظارهم لهم.(3:208)

الحبسة:تعذّر الكلام عند إرادته،و هي خلاف الطّلاقة،يقال:في لسانه حبسة،أي ثقل يمنع من الإبانة.

و تحبّس في الكلام:توقّف.(الإفصاح 1:213)

الحبس،و الحباسة:سدّ من حجارة أو خشب أو غيرهما،يقام على مجرى الماء ليحتبس الماء فيشرب منه القوم؛الجمع:أحباس،و هو كالمصنعة للماء.

(الإفصاح 2:985)

الرّاغب: الحبس:المنع من الانبعاث،قال عزّ و جلّ: تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ المائدة:

106.

و الحبس:مصنع الماء الّذي يحبسه؛و الأحباس:

جمع.

و التّحبيس:جعل الشّيء موقوفا على التّأبيد،يقال:

هذا حبيس في سبيل اللّه.(106)

الزّمخشريّ: حبسته فاحتبس؛و احتبسته:

اختصصته لنفسي.

و اللّصّ في الحبس و المحبس،و اللّصوص في المحابس.

و أحبست فرسا في سبيل اللّه و خيلا،و هو حبيس، و هنّ حبس.

و بفلان حبسة.و هي ثقل يمنع من البيان،فإن كان الثّقل من العجمة فهو حكلة.

و من المجاز:جعل أمواله حبسا على الخيرات.

(أساس البلاغة:71)

شريح رحمه اللّه:«جاء محمّد صلّى اللّه تعالى عليه و آله و سلّم بإطلاق الحبس».هو جمع«حبيس»و هو ما كان أهل الجاهليّة يحبّسونه من السّوائب و البحائر

ص: 650

و الحوامي و غيرها،فالمعنى أنّ الشّريعة أطلقت ما حبّسوا،و حلّلت ما حرّموا.(الفائق 1:257)

المدينيّ: [في حديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله]«أنّه سأل:

أين حبس سيل،فإنّه يوشك أن يخرج منه نار تضيء منها أعناق الإبل ببصرى».و الحبس،بكسر الحاء:

فلوق في الحرّة يجتمع به ماء،لو وردت عليه أمّة لوسعهم.

قال ابن أبي أويس:حبس سيل:موضع بحرّة بني سليم،بينه و بين السّوارقيّة مسيرة يوم.

و الحبس،و الحباس:ما يحبس به الماء،و ما يحبس من الماء أيضا،و يجمع في مصنعه من غير مادّة حبس.

و ربّما يجمع بحجارة حواليه للسّقي.

و الحبس بالضّمّ:الرّجّالة لتحبّسهم عن الرّكبان.

في حديث ابن عبّاس رضي اللّه عنهما،قال:«لمّا نزلت آية الفرائض قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«لا حبس بعد سورة النّساء».

كأنّه أراد لا يوقف مال و لا يزوى عن وارث، و كأنّه إشارة إلى ما كانوا يفعلونه في الجاهليّة من حبس مال الميّت و نسائه،و لذلك قال اللّه تبارك و تعالى:

لا يَحِلُّ لَكُمْ أَنْ تَرِثُوا النِّساءَ كَرْهاً وَ لا تَعْضُلُوهُنَّ النّساء:19.

و كانوا إذا كرهوا النّساء لدمامة أو قلّة مال،لم يتزوّجوهنّ،و حبسوهنّ عن الأزواج،لأنّ أولياء الميّت كانوا أولى بها عندهم،و اللّه تعالى أعلم.

و في الحديث:«لا يحبس درّكم».أي لا تحبس ذوات الألبان عن المراعي،بحشرها و سوقها إلى المصدّق ليعدّها و يأخذ حقّها،لما في ذلك من الإضرار بها، فليأت المصدّق إليها في مراحها،أو غير ذلك.(1:389)

ابن الأثير: في حديث الزّكاة:«إنّ خالدا جعل أدراعه و أعتده حبسا في سبيل اللّه»،أي وقفا على المجاهدين و غيرهم.[إلى أن قال في حديث النّبيّ:

«لا حبس بعد سورة النّساء»:]

و الحاء يجوز أن تكون مضمومة و مفتوحة على الاسم و المصدر.

و منه الحديث الآخر:«ذلك حبيس في سبيل اللّه» أي موقوف على الغزاة يركبونه في الجهاد.و الحبيس:

«فعيل»بمعنى«مفعول».

و منه حديث شريح:«جاء محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم بإطلاق الحبس»...و هو في كتاب الهرويّ بإسكان الباء،لأنّه عطف عليه الحبس الّذي هو الوقف،فإن صحّ فيكون قد خفّف الضّمّة،كما قالوا في جمع رغيف:رغف بالسّكون، و الأصل:الضّمّ،أو أنّه أراد به الواحد.

و في حديث الحديبيّة:«و لكن حبسها حابس الفيل»هو فيل أبرهة الحبشيّ الّذي جاء يقصد خراب الكعبة،فحبس اللّه الفيل فلم يدخل الحرم،و ردّ رأسه راجعا من حيث جاء،يعني أنّ اللّه حبس ناقة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لمّا وصل إلى الحديبيّة فلم تتقدّم و لم تدخل الحرم،لأنّه أراد أن يدخل مكّة بالمسلمين.

و في حديث الفتح:«أنّه بعث أبا عبيدة على الحبس»هم الرّجّالة،سمّوا بذلك لتحبّسهم عن الرّكبان و تأخّرهم؛واحدهم:حبيس،«فعيل»بمعنى«مفعول» أو بمعنى«فاعل»كأنّه يحبس من يسير من الرّكبان

ص: 651

بمسيره،أو يكون الواحد حابسا بهذا المعنى.

و أكثر ما تروى«الحبّس»بتشديد الباء و فتحها، فإن صحّت الرّواية فلا يكون واحدها إلاّ«حابسا» كشاهد و شهّد.فأمّا«حبيس»فلا يعرف في جمع فعيل فعّل،و إنّما يعرف فيه«فعل»كما سبق،كنذير و نذر.

و قال الزّمخشريّ: «الحبس-يعني بضمّ الباء و التّخفيف-:الرّجّالة،سمّوا بذلك لحبسهم الخيّالة ببطء مشيهم،كأنّه جمع حبوس،أو لأنّهم يتخلّفون عنهم و يحتبسون عن بلوغهم،كأنّه جمع حبيس».

و منه حديث الحجّاج:«إنّ الإبل ضمر حبس ما جشّمت جشمت»هكذا رواه الزّمخشريّ،و قال:

الحبس:جمع حابس،من حبسه إذا أخّره،أي إنّها صوابر على العطش تؤخّر الشّرب؛و الرّواية بالخاء و النّون.

و فيه ذكر:«ذات حبيس»بفتح الحاء و كسر الباء، و هو موضع بمكّة.و حبيس أيضا موضع بالرّقّة به قبور شهداء صفّين.(1:328)

الصّغانيّ: الحبس بالفتح،و قيل:بالكسر:

موضع،أو جبل.[ثمّ استشهد بشعر لكليهما]

و الحبس بالفتح:الشّجاعة.

و المحبس بفتح الميم بكسر الباء:الحبس،و موضع الحبس أيضا.

و المحبس بكسر الميم و فتح الباء،و الحبس بالكسر:المقرمة،و هي ثوب يطرح على ظهر الفراش للنّوم.(3:335)

الفيّوميّ: الحبس:المنع،و هو مصدر حبسته،من باب«ضرب»ثمّ أطلق على الموضع،و جمع على حبوس،مثل فلس و فلوس.

و حبسته بمعنى وقفته فهو حبيس؛و الجمع:حبس، مثل بريد و برد.و إسكان الثّاني للتّخفيف لغة.

و يستعمل«الحبيس»في كلّ موقوف،واحدا كان أو جماعة.

و حبّسته بالتّثقيل مبالغة،و أحبسته بالألف مثله، فهو محبوس و محبّس و محبس.

و الحبسة في اللّسان،وزان«غرفة»:وقفة،و هي خلاف الطّلاقة.(1:118)

الفيروزآباديّ: الحبس:المنع كالمحبس كمقعد حبسه يحبسه،و الشّجاعة،و موضع أو جبل و يكسر،و الجبل العظيم.

و بالكسر خشبة أو حجارة تبنى في مجرى الماء لتحبسه و يفتح،و كالمصنعة للماء،و نطاق الهودج، و المقرمة،و ثوب يطرح على ظهر الفراش للنّوم عليه، و الماء المجموع لا مادّة له،و سوار من فضّة يجعل في وسط القرام.

و بضمّتين:الرّجّالة لتحبسهم عن الرّكبان كالحبّس كركّع،و كلّ شيء وقفه صاحبه من نخل أو كرم أو غيرها يحبّس أصله و تسبّل غلّته.

و الحبسة بالضّمّ:تعذّر الكلام عند إرادته.

و الحبيس من الخيل:الموقوف في سبيل اللّه كالمحبوس و المحبس كمكرم،و قد حبسه و أحبسه، و موضع بالرّقّة.

و ذات حبيس موضع بمكّة،و هناك الجبل الأسود

ص: 652

الملقّب بالظّلم.

و حبست الفراش بالمحبس للمقرمة:سترته كحبّسته.

و الحابسة و الحابس:الإبل كانت تحبس عند البيوت لكرمها.

و حبسان بالضّمّ:ماء قرب الكوفة.

و تحبيس الشّيء:أن يبقّى أصله و يجعل ثمره في سبيل اللّه.

و احتبسه:حبسه،فاحتبس،لازم متعدّ.

و تحبّس على كذا:حبس نفسه عليه و حابس صاحبه.(2:213)

الطّريحيّ: و في الدّعاء:«أعوذ بك من الذّنوب الّتي تحبس الدّعاء»و هي كما جاءت به الرّواية عن سيّد العابدين عليه السّلام:«سوء النّيّة،و خبث السّريرة،و النّفاق مع الإخوان،و ترك التّصديق بالإجابة و تأخير الصّلاة المفروضة حتّى تذهب أوقاتها».

و قال عليه السّلام في الذّنوب الّتي تحبس غيث السّماء:«هي جور الحكّام،و شهادة الزّور،و كتمان الشّهادة،و منع الزّكاة،و المعاونة على الظّلم،و قساوة القلب على الفقراء».

[و في الحديث]:«من أحبس فرسا في سبيل اللّه...فكذا».و المعنى أنّه يحبسه على نفسه ليسدّ ما عسى أن يحدث في ثغر من الثّغور من ثلمة.

و الحبس:نقيض التّخلية،و حبسه و احتبسه بمعنى.

و منه دعاء الاستسقاء:«الجأتنا المحابس العسرة» و العسرة من العسر ضدّ اليسر،و الحبسة كغرفة:اسم من الاحتباس.و«ذات حبيس»بفتح حاء و كسر باء:

موضع بمكّة.(4:60)

مجمع اللّغة :حبسه يحبسه حبسا:منعه من الانطلاق.(1:234)

محمّد إسماعيل إبراهيم: حبسه:سجنه،و منعه من الانطلاق حرّا.(1:122)

المصطفويّ: إنّ حقيقة هذه الكلمة،هي:

التّوقيف في مكان أو على منظور و برنامج معيّن،حتّى لا يتعدّاه.[إلى أن قال:]

ثمّ إنّ الدّفع و المنع يدلاّن على الرّدّ و الكفّ في جهة واحدة و في مسير واحد،بخلاف«الحبس»فهو التّوقيف و التّحديد من جهات.(2:166)

النّصوص التّفسيريّة

يحبسه

وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ... هود:8

ابن عبّاس: (ما يحبسه)عنّا غدا،استهزاء به.

(182)

ابن جريج:للتّكذيب به،أو أنّه ليس بشيء.

(الطّبريّ 12:7)

الطّبريّ: أيّ شيء يمنعه من تعجيل العذاب الّذي يتوعّدنا به،تكذيبا منهم به،و ظنّا منهم أنّ ذلك إنّما أخّر عنهم لكذب المتوعّد.(12:7)

نحوه الواحديّ(2:565)،و الطّبرسيّ(3:144)،

ص: 653

و ابن الجوزيّ(4:80)،و أبو حيّان(5:205).

الطّوسيّ: و حبس عنهم العذاب،إذا منع من إتيانهم إلى الأجل المعلوم،و التّقدير:ما الّذي يمنع من تعجيل هذا العذاب الّذي نتوعّد به؟(5:520)

الزّمخشريّ: ما يمنعه من النّزول،استعجالا له على وجه التّكذيب و الاستهزاء.(2:260)

مثله النّسفيّ(2:181)،و نحوه القرطبيّ(9:10).

ابن عطيّة: قالوا:ما هذا الحابس لهذا العذاب؟ على جهة التّكذيب.(3:153)

البيضاويّ: ما يمنعه من الوقوع.(1:462)

مثله الشّربينيّ.(2:47)

أبو السّعود :أي أيّ شيء يمنعه من المجيء،فكأنّه يريده فيمنعه مانع.و إنّما كانوا يقولونه بطريق الاستعجال،استهزاء لقوله تعالى: ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ هود:8،و مرادهم:إنكار المجيء و الحبس رأسا،لا الاعتراف به،و الاستفسار عن حابسه.

(3:289)

نحوه البروسويّ(4:101)،و الآلوسيّ(12:14).

الطّباطبائيّ: قالوا مستهزءين:ما الّذي يحبس هذا العذاب الموعود عنّا،و لما ذا لا ينزل علينا و لا يحلّ بنا؟

و في هذا إشارة أو دلالة على أنّهم سمعوا من كلامه تعالى أو من كلام النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله ما يوعدهم بعذاب لا محيص منه،و أنّ اللّه أخّر ذلك تأخيرا رحمة لهم،فاستهزءوا به و سخروا منه،بقولهم: ما يَحْبِسُهُ. و يؤيّده قوله تعالى عقيب ذلك: أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ...

هود:8.(10:154)

تحبسونهما

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ...

المائدة:106

الفارسيّ: تَحْبِسُونَهُما صفة ل(آخران)، و اعترض بين الموصوف و الصّفة بقوله:(ان انتم)إلى (الموت)،و أفاد الاعتراض أنّ العدول إلى(آخران)من غير الملّة و القرابة-حسب اختلاف العلماء في ذلك-إنّما يكون مع ضرورة السّفر و حلول الموت فيه،و استغني عن جواب(ان)لما تقدّم من قوله: أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ. (ابن عطيّة 2:252)

الماورديّ: يعني تستوقفونهما للأيمان،و هذا خطاب للورثة.(2:76)

نحوه البغويّ(2:98)،و الشّربينيّ(1:402).

الطّوسيّ: قوله: فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ... فيه محذوف،تقديره:

و قد أسند تم الوصيّة إليهما فارتاب الورثة بهما تحبسونهما.

[و هذا]خطاب للورثة.(4:48)

الزّمخشريّ: تقفونهما و تصبرونهما للحلف.[إلى أن قال:]

فإن قلت:ما موقع(تحبسونهما)؟

قلت:هو استئناف كلام،كأنّه قيل:بعد اشتراط العدالة فيهما فكيف نعمل إن ارتبنا بهما؟فقيل:

ص: 654

تحبسونهما.(1:650)

نحوه الفخر الرّازيّ(12:117)،و البيضاويّ(1:

296)،و النّسفيّ(1:307)،و البروسويّ(2:455)، و الآلوسيّ(7:48)،و رشيد رضا(7:220).

الطّبرسيّ: تقفونهما،كما تقول:مرّ بي فلان على فرس فحبس على دابّته،أي وقفه.

و قيل:معناه تصبرونهما على اليمين.و هو أن يحمل على اليمين و هو غير متبرّع بها،إن ارتبتم في شهادتهما و شككتم،و خشيتم أن يكونا قد غيّرا أو بدّلا أو كتما أو خانا.

و الخطاب في(تحبسونهما)للورثة،و يجوز أن يكون خطابا للقضاة و يكون بمعنى الأمر،أي فاحبسوهما.

ذكره ابن الأنباريّ،و كان يقف على قوله:(مصيبة الموت)،و يبتدئ بقوله:(تحبسونهما).

و يحتمل أن يكون أراد به وصيّ الميّت إذا ارتاب بهما الورثة،و ادّعوا أنّهما استبدّا بشيء من التّركة،فيصيران مدّعى عليهما فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ. (2:257)

أبو البقاء: إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ... معترض بين (آخران)و بين صفته،و هو تَحْبِسُونَهُما أي أو آخران من غيركم محبوسان...(1:467)

أبو حيّان :الخطاب للمؤمنين لا لما دلّ عليه الخطاب في قوله: إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ... لأنّ من ضرب في الأرض و أصابه الموت ليس هو الحابس.

[إلى أن قال بعد كلام الزّمخشريّ:]

و ما قاله الزّمخشريّ من الاستئناف أظهر من الوصف،لطول الفصل بالشّرط و المعطوف عليه بين الموصوف و صفته.(4:42)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:هو[تحبسونهما]صفة ل(آخران)، و الشّرط بجوابه المحذوف اعتراض،فائدته الدّلالة على أنّ اللاّئق إشهاد الأقارب أو أهل الإسلام،و أمّا إشهاد الآخرين فعند الضّرورة الملجئة إليه.

و أنت خبير بأنّه يقتضى اختصاص الحبس بالآخرين مع شموله للأوّلين أيضا قطعا،على أنّ اعتبار اتّصافهما بذلك يأباه مقام الأمر بإشهادهما؛إذ مآله ف(آخران)شأنهما الحبس و التّحليف،و إن أمكن إتمام التّقريب باعتبار قيد الارتياب بهما،كما يفيده الاعتراض الآتي (1).(2:331)

المراغيّ: تمسكونهما و تمنعونهما من الانطلاق و الهرب.(7:48)

الطّباطبائيّ: أي توقفونهما،و الحبس:الإيقاف.

(6:196)

و هاهنا مباحث في تركيب الجملة راجع:«ر ي ب».

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحبس،أي ما يسدّ مجرى الماء و يمنعه،كي يشرب القوم و يسقوا أموالهم،ثمّ أطلق على منع الشّيء و إمساكه؛و الجمع:أحباس،و هو الحباسة و الحباسة.

و الحباسة:المزرفة،و هي الحباسات في الأرض قد

ص: 655


1- الظّاهر أنّ عبارة(ان انتم...الموت)اعترضت بين الموصوف(آخران)و الصّفة(تحسبونهما).

أحاطت بالدّبرة.

و الحابس:مصنعة الماء،و هو شبه الحوض يجمع فيه ماء المطر و نحوه،و زقّ حابس:ممسك للماء،و كلأ حابس:كثير يحبس المال.

و الحبس:المقرمة،أي السّتر،لأنّه مانع،و نطاق الهودج،لأنّه يمنع ميلانه.و هو المحبس أيضا،و قد حبس الفراش بالمحبس.

و منه:الحبس:التّخلية و التّرك.يقال:حبسه يحبسه حبسا فهو محبوس و حبيس،أي أمسكه عن وجهه، و كذا احبسه و احتبس بنفسه و حبّسه.و تحبّس على كذا:

حبس نفسه على ذلك،و احتبسه:اتّخذه حبيسا، و احتبست الشّيء:اختصصته لنفسي خاصّة،و الحبس و المحبس و المحبسة:اسم الموضع.

و إبل محبّسة:داجنة،كأنّها حبست عن الرّعي، و المحبس و المحبس:معلف الدّابّة.

و حبّس الفرس في سبيل اللّه و أحبسه،فهو محبّس و حبيس؛و الأنثى:حبيسة،و الجمع:حبائس.

و الحبس:ما وقف.يقال:حبست أحبس حبسا، و أحبست إحباسا:وقفت،و الاسم:الحبس.

2-و انفرد الصّاحب ابن عبّاد بقوله في المحيط:

«الحبس:الرّاهب من النّصارى اللاّزم للبيعة كالمحبوس»، و هو معرّب من السّريانيّة،و أصله فيها«حبيشا».و لو ورد في السّماع لكان ممّا سمّي بالمصدر،كالسّمع و العدل.

و أمّا قول ابن الأعرابيّ: «الحبس:الشّجاعة»،فهو من العبس،و منه:العبّاس،أي الأسد الّذي تهرب منه الأسد،و به سمّي الرّجل عبّاسا،و إبدال العين حاء شائع في اللّغة.يقال:نزل بحراه و عراه،أي قريبا منه،و بحثروا متاعهم و بعثروه،أي فرّقوه.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها فعلان مضارعان غيبة و خطابا،و مكّيّا و مدنيّا:

1- وَ لَئِنْ أَخَّرْنا عَنْهُمُ الْعَذابَ إِلى أُمَّةٍ مَعْدُودَةٍ لَيَقُولُنَّ ما يَحْبِسُهُ أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ هود:8

2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُما مِنْ بَعْدِ الصَّلاةِ...

المائدة:106

يلاحظ أوّلا:جاء في(1)نقلا عن المشركين في مكّة حين يؤخّر عنهم العذاب قولهم استهزاء و تكذيبا لما وعدهم اللّه بالعذاب:(ما يحبسه)فردّ عليهم ب أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ أي يوم يأتيهم العذاب-أو اليوم-ليس العذاب مصروفا عنهم.فعبّروا عن تأخير العذاب ب«الحبس»تشديدا في الاستهزاء،كأنّهم ادّعوا أنّ اللّه أنزل العذاب وفاء بوعده لكن منعه مانع،و حبسه في الطّريق،فغلب هذا الحابس اللّه و سبقه،و عجز اللّه عن إطلاق العذاب منه،و إيصاله إيّاهم،فهذه الآية حكاية حال الكفّار و دعاويهم سخريّة.

و جاء في(2)المدنيّة-و المدنيّة دار التّشريع-خطابا

ص: 656

إلى المؤمنين،تشريع بشأن الإشهاد على الوصيّة بشاهدين من غيرهم،فمن أصابته مصيبة الموت في السّفر،و لم يجد شاهدين منهم.فكلّ من الغيبة و الخطاب،و كذلك حكاية استهزاء الكفّار،و التّشريع وقع في المحلّ المناسب له.

ثانيا:ليس المراد بالحبس فيهما الإلقاء في السّجن، بل الإيقاف،او المنع عن السّير،كما سبق في(1).و أمّا في (2)فالمنع عن مسير الشّاهدين يشعر بأنّ الشّهادة كأنّها صعب عليهما،فيأبيان عن تحمّلها أو أدائها-كما يأتي- و يريدان المضيّ عنها فيحبسونهما و يسدّون طريقهما، ففي التّعبير بالحبس في كلّ من الآيتين نكتة و لطف.

ثالثا:هل المراد حبسهما من أجل تحمّل الشّهادة في السّفر عن الموصى،أو من أجل أداء الشّهادة عند الورثة أو القضاة بعد رجوعهما إلى الوطن؟

فالمفسّرون أطبقوا على الثّاني لأنّهم قالوا:فيها للورثة،أو للقضاة،و هؤلاء موجودون في الحضر دون السّفر عادة،و يشهد به قوله: فَيُقْسِمانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ، و كذلك ما ورد في سبب نزولها حيث استشهد مسلم رجلين نصرانيّين في السّفر فخانا و أخذا بعض ماله و أنكراه للورثة بعد رجوعهما.(الطّبرسيّ 2:256)، و يدلّ عليه أيضا قوله: فَإِنْ عُثِرَ عَلى أَنَّهُمَا اسْتَحَقّا إِثْماً فَآخَرانِ يَقُومانِ مَقامَهُما... المائدة:107.

و مع ذلك كلّه فالأوّل،أي حبسهما لتحمّل الشّهادة ليس بعيدا،نظرا إلى صدر الآية: شَهادَةُ بَيْنِكُمْ إِذا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنانِ ذَوا عَدْلٍ مِنْكُمْ أَوْ آخَرانِ مِنْ غَيْرِكُمْ فإنّ(آخران)عطف على (اثنان)و هما عند الموت في السّفر،و للبحث في الآية مجال واسع،لاحظ«ش ه د»،و«و ص ي».

خامسا:اختلفوا في(تحبسونهما)أ هو استئناف،أو صفة ل(آخران)،و ما بينهما و هو إِنْ أَنْتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الْأَرْضِ فَأَصابَتْكُمْ مُصِيبَةُ الْمَوْتِ اعتراض بين الصّفة و الموصوف،و أفاد الاعتراض أنّ العدول إلى (آخران)من غير ملّة و قرابة خاصّ بمن مات في السّفر، و لم يجد شاهدين من المؤمنين.و رجّح الزّمخشريّ الاستئناف و أنّه بمثابة جواب سؤال مقدّر،كأنّه قيل- بعد اشتراط العدالة فيهما-:فكيف نعمل إن ارتبنا بهما؟ فقيل:(تحبسونهما).و تبعه جملة ممّن بعده من المفسّرين،فلاحظ.

ص: 657

ص: 658

ح ب ط

اشارة

6 ألفاظ،16 مرّة:5 مكّيّة،11 مدنيّة

في 12 سورة:5 مكّيّة،7 مدنيّة

حبط 3:2-1 تحبط 1:-1

حبطت 7:2-5 فأحبط 3:-3

ليحبطنّ 1:1 سيحبط 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحبط:وجع يأخذ البعير في بطنه من كلأ يستوبله،يقال:حبطت الإبل تحبط حبطا.

و حبط عمله:فسد،و أحبطه صاحبه،و اللّه محبط عمل من أشرك.

و الحبطات:حيّ من تميم.(3:174)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الحبط:المنتفخ الجنبين، و الحبط:السّريع الغضب.(1:140)

حبطت الرّكيّة،أي ذهب ماؤها.[ثمّ استشهد بشعر](1:141)

المحبنطيّ: الملآن،غير مهموز.(1:159)

قد حبط،إذا أكل البقل حتى ينتفخ فيتفقّأ.

(1:164)

قد حبط جرحه،إذا انتفخ و ورم.(1:166)

الحبط:الورم.يقال:حبط جلده يحبط حبطا.

(1:199)

الحبط:امتلاء من العشب و بطنة حتّى تنقدّ.

(1:216)

الإحباط:أن يذهب ماء الرّكيّة فلا يعود كما كان.

(الجوهريّ 3:1118)

أبو عبيدة :في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«و إنّ ممّا ينبت الرّبيع ما يقتل حبطا أو يلمّ».الحبط:هو أن تأكل الدّابّة فتكثر حتّى ينتفخ لذلك بطنها و تمرض عنه،يقال منه:

حبط تحبط حبطا.

إنّما سمّي الحارث بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم:الحبط،لأنّه كان في سفر فأصابه مثل هذا،و هو أبو

ص: 659

هؤلاء الّذين يسمّون«الحبطات»من بني تميم،فينسب إليه فلان الحبطيّ.إذا نسبوا إلى الحبط حبطيّ و إلى سلمة سلميّ و إلى شقرة شقريّ،و ذلك أنّهم كرهوا كثرة الكسرات ففتحوا.

و أمّا الّذي رواه يزيد:«يقتل خبطا»بالخاء،فليس بمحفوظ إنّما ذهب إلى التّخبّط،و ليس له وجه.

نحوه الأصمعيّ.(أبو عبيد 1:62)

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في السّقط«يظلّ محبنطيا على باب الجنّة...».

المحبنطيّ،بغير همز:هو المتغضّب المستبطئ للشّيء.و المحبنطئ،بالهمزة:هو العظيم البطن المنتفخ، قال:و منه قيل للعظيم البطن:الحبنطأ.(أبو عبيد 1:84)

نحوه ابن الأثير.(1:331)

ابن السّكّيت: يقال:حبط عمله يحبط حبطا و حبوطا،بسكون الباء.

و حبط بطنه،إذا انتفخ يحبط حبطا فهو حبط.

و رأيت بخطّ الأقرع في كتاب ابن هانئ حبط عمله يحبط حبوطا و حبطا،و هو أصحّ.(الأزهريّ 4:395)

[الحبط]هو أن ينتفخ بطنها عن أكل الذّرق،و هو الحندقوق.(الجوهريّ 3:1118)

لا أرى حبط العمل و بطلانه مأخوذا إلاّ من حبط البطن،لأنّ صاحب الحبط يهلك،و كذلك عمل المنافق و المشرك يحبط،غير أنّهم سكّنوا الباء من قولهم:حبط عمله يحبط حبطا و حرّكوها من حبط بطنه يحبط حبطا.

(الأزهريّ 4:397)

ابن دريد :يقال:حبط عمل الرّجل يحبط حبطا و حبوطا،و أحبطه اللّه إحباطا؛و قالوا:حبطا،إذا انحطّ.

و قالوا:الحبط و الحبط:أن تأكل الماشية الكلأ حتّى تنتفخ بطونها،و هو الحباط إذا أصابها ذلك.

و في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«إنّ ممّا ينبت الرّبيع لما يقتل حبطا أو يلمّ»يلمّ:يدني من الموت.

و الحبط:الحرث بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم،و هو أبو الحبطات،بطن من بني تميم...(1:225)

الأزهريّ: يقال:حبط دم القتيل يحبط حبطا،إذا هدر.

و حبط ماء البئر حبطا،إذا ذهب.

و يقال:فرس حبط القصيرى،إذا كان منتفخ الخاصرتين.[ثمّ استشهد بشعر]

و لا يقولون:«حبط»للفرس حتّى يضيفوه إلى القصيرى أو إلى الخاصرة أو إلى الموقف،لأنّ حبطه:

انتفاخ خواصره.(4:397)

الصّاحب:الحبط:وجع يأخذ البعير في بطنه.

حبطت تحبط حبطا.و إذا عمل الرّجل عملا فأفسده، قيل:حبط عمله حبوطا،و أحبطه صاحبه.

و حبط ماء البئر:قلّ.

و حبط دم الرّجل:بطل و ذهب.

و الحبطة:بقيّة الماء في الحوض.

و حبط الجرح يحبط،إذا بقيت له آثار بعد البرء.

و الحبط:اللّحم الزّائد على النّدوب.

و الحبط:حيّ من تميم.(3:28)

الجوهريّ: حبط عمله حبطا بالتّسكين،و حبوطا:

بطل ثوابه.و أحبطه اللّه تعالى.

ص: 660

و يقال أيضا:حبط الجرح حبطا بالتّحريك،أي عرب و نكس.

و الحبط أيضا:أن تأكل الماشية فتكثر حتّى تنتفخ لذلك بطونها،و لا يخرج عنها ما فيها.يقال:حبطت الشّاة،بالكسر.

و الحبنطى:القصير البطين،يهمز و لا يهمز،و النّون و الألف للإلحاق ب«سفرجل».يقال:رجل حبنطى بالتّنوين،و حبنطأ،و حبنطأة،و محبنط،و قد احبنطيت.

فإن حقّرت فأنت بالخيار،إن شئت حذفت النّون و أبدلت من الألف ياء،و قلت:حبيط،بكسر الطّاء منوّنا،لأنّ الألف ليست للتّأنيث فتفتح ما قبلها،كما يفتح في تصغير حبلى و بشرى.

و إن شئت بقّيت النّون و حذفت الألف،و قلت:

حبينط.و كذلك كلّ اسم فيه زيادتان للإلحاق،فاحذف أيّتهما شئت.

و إن شئت أيضا عوّضت من المحذوف في الموضعين، و إن شئت لم تعوّض.فإن عوّضت في الأوّل قلت:حبيّط بتشديد الياء،و الطّاء مكسورة،و قلت في الثّاني:

حبينيط.(3:1118)

ابن فارس: الحاء و الباء و الطّاء أصل واحد يدلّ على بطلان أو أ لم،يقال:أحبط اللّه عمل الكافر،أي أبطله.

و أمّا الألم فالحبط:أن تأكل الدّابّة حتّى تنفخ لذلك بطنها...

و ممّا يقرب من هذا الباب:حبط الجلد،إذا كانت به جراح فبرأت،و بقيت بها آثار.(2:129)

أبو هلال:الفرق بين الإحباط و التّكفير:أنّ الإحباط هو إبطال عمل البرّ من الحسنات بالسّيّئات و قد حبط هو،و منه قوله تعالى: وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها هود:16،و هو من قولك:حبط بطنه،إذا فسد بالمأكل الرّديء.

و التّكفير:إبطال السّيّئات بالحسنات،و قال تعالى:

كَفَّرَ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ محمّد:2.(196).

ابن سيده: الحبط،مثل العرب:من آثار الجروح.

و قد حبط حبطا،و أحبطه الضّرب.

و الحبط:وجع يأخذ البعير في بطنه من كلأ يستوبله،و قد حبط حبطا،فهو حبيط،و إبل حباطى و حبطة.

و حبطت الشّاة حبطا:انتفخ بطنها عن أكل الذّرق.

و في الحديث:«إنّ ممّا ينبت الرّبيع ما يقتل حبطا أو يلمّ» و ذلك الدّاء:الحباط.

و الحبط في الضّرع:أهون الورم،و قيل:الحبط:

الانتفاخ أينما كان من داء أو غيره.

و حبط جلده:ورم.

و الحبنطأ،يهمز و لا يهمز:الغليظ القصير البطين، و امرأة حبنطأة:قصيرة دميمة عظيمة البطن.

و الحبنطى:الممتلئ غضبا أو بطنة.

و حكى اللّحيانيّ عن الكسائيّ: رجل حبنطى مقصور،و حبنطى مكسور مقصور،و حبنطأ و حبنطأ:

أي ممتلئ غيظا أو بطنة؛و قد احبنطأت و احبنطيت.و كلّ ذلك من الحبط الّذي هو الورم،و لذلك حكم على نونه و همزته،أو بائه،أنّهما ملحقتان له ببناء«سفرجل».

ص: 661

و المحبنطئ:اللاّزق بالأرض،و في الحديث:«إنّ السّقط ليظلّ محبنطيا على باب الجنّة».فسّروه:متغضّبا.

و قيل:المحبنطي،بغير همز:المتغضّب المستبطئ للشّيء،و بالهمز:العظيم البطن.

و حبط عمله حبطا و حبوطا:فسد،و اللّه أحبطه.

و في التّنزيل: فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ محمّد:9،28.

و الحبط:الحارث بن مازن.[و أدام نحو ما تقدّم عن أبي عبيدة](3:246)

الطّوسيّ: يقال:حبط عمل الرّجل يحبط حبطا و حبوطا؛و أحبطه اللّه إحباطا.

و الحبط:فساد،يلحق الماشية في بطونها،لأكل الحباط،و هو ضرب من الكلإ.يقال:حبطت الإبل تحبط حبطا،إذا أصابها ذلك.(2:208)

نحوه الطّبرسيّ.(1:311)

الرّاغب: حبط العمل على أضرب:

أحدها:أن تكون الأعمال دنيويّة،فلا تغني في القيامة غناء،كما أشار إليه بقوله: وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً الفرقان:23.

و الثّاني:أن تكون أعمالا أخرويّة،لكن لم يقصد بها صاحبها وجه اللّه تعالى،كما روي:«أنّه يؤتى يوم القيامة برجل،فيقال له:بم كان اشتغالك؟قال:بقراءة القرآن،فيقال له:قد كنت تقرأ ليقال هو قارئ،و قد قيل ذلك،فيؤمر به إلى النّار».

و الثّالث:أن تكون أعمالا صالحة،و لكن بإزائها سيّئات توفي عليها؛و ذلك هو المشار إليه بخفّة الميزان.

و أصل الحبط:من الحبط،و هو أن تكثر الدّابّة أكلا حتّى ينتفخ بطنها.(106)

الزّمخشريّ: حبط بطنه:انتفخ حبطا بالتّحريك.

و فرس حبط القصيرى:مجفّر.

و حبط جلده من السّياط.

و من المجاز:حبط عمله حبوطا و حبطا بالسّكون؛ و أحبط اللّه عمله.

و تقول:إن عمل عملا صالحا أتبعه ما يحبطه،و إن أصعد كلما طيّبا أرسل خلفه ما يهبطه.استعير من حبط بطون الماشية،إذا أكلت الخضر فاستوبلته و هلكت به.

و منه حبط دم القتيل:هدر و بطل.

(أساس البلاغة:72)

قال في السّقط:«يظلّ محبنطيا على باب الجنّة».

احبنطيت:من حبط،إذا انتفخ بطنه،كاسلنقيت من سلقه،إذا ألقاه على ظهره،و النّون و الياء زائدتان.

و المعنى أنّه يظلّ منتفخا من الغضب و الضّجر.و قد روي مهموزا.(الفائق 1:251)

الطّبرسيّ: و الحبوط:سقوط العمل حتّى يصير بمنزلة ما لم يعمل.و أصله:الفساد،من«الحبط»و هو داء يأخذ البعير في بطنه،من فساد الكلإ عليه،و يقال:

حبطت الإبل تحبط حبطا،إذا أصابها ذلك.

و إذا عمل الإنسان عملا على خلاف الوجه الّذي أمر به يقال:أحبطه.(2:477)

ابن الأثير: فيه:«أحبط اللّه عمله»أي أبطله، يقال:حبط عمله يحبط،و أحبطه غيره،و هو من قولهم:

حبطت الدّابّة حبطا بالتّحريك،إذا أصابت مرعى طيّبا فأفرطت في الأكل حتّى تنتفخ فتموت.

ص: 662

و منه الحديث:«و إنّ ممّا ينبت الرّبيع ما يقتل حبطا أو يلمّ»و ذلك أنّ الرّبيع ينبت أحرار العشب،فتستكثر منه الماشية.(1:331)

الفيّوميّ: حبط العمل حبطا من باب«تعب» و حبوطا:فسد و هدر.

و حبط يحبط من باب«ضرب»لغة،و قرئ بها في الشّواذّ.

و حبط دم فلان حبطا من باب«تعب»:هدر.

و أحبطت العمل و الدّم بالألف:أهدرته.(1:118)

الفيروزآباديّ: الحبط محرّكة:آثار الجرح أو السّياط بالبدن بعد البرء،أو الآثار الوارمة الّتي لم تشقّق؛ فإن تقطّعت و دميت فعلوب.

و وجع ببطن البعير من كلأ يستوبله،أو من كلإ يكثر منه فتنتفخ منه،فلا يخرج منها شيء.حبط كفرح فيهنّ،فهو حبط من حباطى.

أو انتفاخ البطن عن أكل الذّرق،و اسم الدّاء:

حباط،و ورم في الضّرع أو غيره.

و حبط عمله كسمع و ضرب حبطا و حبوطا:بطل، و دم القتيل:هدر،و أحبطه اللّه:أبطله،و ماء الرّكيّة.

ذهب ذهابا لا يعود،و عن فلان:أعرض.

و الحبطة:بقيّة الماء في الحوض،أو الصّواب بالخاء و بالكسر.

و الحبنطاة:القصيرة الدّميمة البطينة.

و الحبنطى:الممتلئ غيظا أو بطنة،و يهمز.

و الحبط ككتف و يحرّك:الحرث بن مالك بن عمرو، و يسمّى بنوه:الحبطات،و النّسبة حبطيّ.

و المحبوبط:الجهول السّريع الغضب.

و الحبطيطة كحمصيصة:الشّيء الحقير الصّغير.

و احبنطى:انتفخ بطنه.(2:366)

مجمع اللّغة :حبط العمل أو الصّنع يحبط حبطا و حبوطا:بطل و لم يحقّق ثمرته.

أحبط اللّه أعمال الكافرين:ضيّعها هباء.(1:234)

محمّد إسماعيل إبراهيم:حبط عمله:بطل و ذهب سدى،و أحبط عمله:أبطله و أضاع ثوابه،حبط عنه عمله:سقط و هدر.(122)

محمود شيت: حبط الهجوم:فشل،و الدّفاع:

أخفق.

أحبط القائد هجوم العدوّ:جعله فاشلا.(1:167)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو السّقوط مع المحو،كما أنّ الحطّ و الحتّ معناهما السّقوط المطلق،و البطلان:ما كان على خلاف شرائط الصّحّة و خصوصيّاتها،و هو في مقابل الحقّ،و الهدر:ما لم يكن له نتيجة و لا عائدة،و الفساد:ما يكون فاقدا لشرط الصّحّة حتّى يفسد.

و قد ذكر الحبط في قبال البطلان في وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ هود:1.

و استعمل بحرف«عن»الدّالّة على السّقوط و المحو في وَ لَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ الأنعام:88.

و استعمل متعدّيا و منسوبا إلى اللّه تعالى،و هو هنا في معنى الإفساد و الإبطال المتحقّقين بعد الوقوع و الصّحّة في فَأَحْبَطَ اللّهُ أَعْمالَهُمْ الأحزاب:19.

و ذكر في نتيجته الخسران المنافي للسّقوط المطلق

ص: 663

و النّزول في حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ المائدة:53.

فظهر أنّ حقيقة معنى«الحبط»هي السّقوط مع المحو، و تفسيره بالبطلان و الفساد و السّقوط و الهدر و الحطّ و غيرها،ليس على ما ينبغي.

فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ البقرة:217،أي لا يشاهدون من أعمالهم أثرا و ثوابا و نتيجة معنويّة،توجب البركة و الخير و التّوفيق و التّوجّه و السّعادة لهم،في دنياهم و آخرتهم.

وَ كَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ محمّد:

28،فكانت أعمالهم خلاف ما يريد و يقضي، و لا يريدون التّوجّه و الارتباط و الاتّباع و التّعبّد،فتكون أعمالهم غير مرتبطة؛و موافقة لميلهم و هواهم،كشجرة خبيثة اجتثّت من فوق الأرض ما لها من قرار،فأحبطها اللّه و أفاها.

فظهر أنّ«الحبط»إنّما يتحقّق في تلك الصّورة،لا فيما إذا كانت الأعمال ثابتة أصيلة صحيحة متحقّقة على ما يقتضي.

فمرجع الحبط إلى الانحباط؛إذ لا أساس صحيح و لا أصل ثابت لها. أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللّهُ أَعْمالَهُمْ الأحزاب:19،لكونها مؤسّسة على شفا جرف هار،و ليست على أساس صحيح ثابت.

فظهر لطف التّعبير بهذه الكلمة دون الإبطال و الإفساد و الإسقاط و غيرها.(2:167)

النّصوص التّفسيريّة

حبط

1- ..وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ. المائدة:5

أبو عبيدة :أي ذهب.(1:155)

الطّبريّ: فقد بطل ثواب عمله،الّذي كان يعمله في الدّنيا،يرجو أن يدرك به منزلة عند اللّه.(6:109)

الزّجّاج: أي من بدّل شيئا ممّا أحلّ اللّه فجعله حراما،أو أحلّ شيئا ممّا حرّم اللّه فهو كافر بإجماع،و قد حبط جميع ما تقرّب به إلى اللّه جلّ ثناؤه من غير ذلك.

(2:152)

الطّوسيّ: يعني الأعمال الّتي يعملها،و يعتقدها قربات إلى اللّه،فإنّها تنحبط،و لا يستحقّ عليها ثوابا.

(3:447)

نحوه الطّبرسيّ.(2:163)

الفخر الرّازيّ: القائلون بالإحباط قالوا:المراد بقوله: وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ أي عقاب كفره يزيل ما كان حاصلا له من ثواب إيمانه.

و الّذين ينكرون القول بالإحباط قالوا:معناه أنّ عمله الّذي أتى به بعد ذلك الإيمان فقد هلك و ضاع،فإنّه يأتي بتلك الأعمال بعد الإيمان،لاعتقاده أنّها خير من الإيمان،فإذا لم يكن الأمر كذلك بل كان ضائعا باطلا، كانت تلك الأعمال باطلة في أنفسها.فهذا هو المراد من قوله: فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ. (11:149)

نحوه النّيسابوريّ.(6:46)

ص: 664

القرطبيّ: و قرأ ابن السّميقع (فقد حبط) بفتح الباء.(6:79)

النّسفيّ: (فَقَدْ حَبِطَ) بطل(عمله).(1:272)

الخازن :يعني فقد بطل ثواب عمله الّذي كان عمله في الدّنيا،و خاب و خسر في الدّنيا و الآخرة.(2:14)

نحوه المراغيّ.(6:60)

أبو حيّان :حبوط عمله و خسرانه في الآخرة مشروط بالموافاة على الكفر.(3:433)

الشّربينيّ: أي فسد.(1:357)

2- ذلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ لَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. الأنعام:88

راجع«ش رك».

3- أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النّارُ وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. هود:16

الطّبريّ: و ذهب ما عملوا في الدّنيا وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ لأنّهم كانوا يعملون لغير اللّه،فأبطله اللّه،و أحبط عامله أجره.(12:14)

عبد الجبّار: و قوله: وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ يدلّ على قولنا في الإحباط، لأنّ المراد بذلك:أنّ ما صنعوا من الطّاعات حبط ثوابه و زال،و لذلك قال تعالى بعده: وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ يعني أنّهم أفسدوه،و أخرجوا أنفسهم بالإقدام على الكبائر،من أن ينتفعوا بثوابه،فصار باطلا من هذا الوجه.(1:376)

الطّوسيّ: فأخبر اللّه أنّه ليس لهم في الآخرة مستقرّ إلاّ النّار،و أنّ أعمالهم كلّها محبطة لا يستحقّون عليها ثوابا،لأنّهم أوقعوها على غير الوجه المأمور به، و على حدّ لا تكون طاعة،و أنّ جميع ما فعلوه في الدّنيا باطل لا ثواب عليه.(5:527)

نحوه الطّبرسيّ.(3:148)

الزّمخشريّ: يعني ما لم يكن له ثواب،لأنّهم لم يريدوا به الآخرة،إنّما أرادوا به الدّنيا،و قد و فى إليهم ما أرادوا.(2:262)

نحوه القاسميّ.(9:3421)

ابن عطيّة: معناه:يبطل (1)و سقط،و منه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«يقتل حبطا أو يلمّ»و هي مستعملة في فساد الأعمال.(3:156)

البيضاويّ: لأنّه لم يبق لهم ثواب في الآخرة أو لم يكن،لأنّهم لم يريدوا به وجه اللّه،و العمدة في اقتضاء ثوابها هو الإخلاص.(1:464)

نحوه النّسفيّ(2:183)،و البروسويّ(4:108).

الخازن :و بطل ما عملوا في الدّنيا من أعمال البرّ.

(3:182)

أبو السّعود :أي ظهر في الآخرة حبوط ما صنعوه من الأعمال الّتي كانت تؤدّي إلى الثّواب لو كانت معمولة للآخرة،أو حبط ما صنعوه في الدّنيا من أعمال البرّ إذ شرط الاعتداد بها الإخلاص.(3:295)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و المراد بحبوط الأعمال:عدم مجازاتهم عليها،لفقدط.

ص: 665


1- الظّاهر:بطل و سقط.

الاعتداد بها،لعدم الإخلاص الّذي هو شرط ذلك.

و قيل:لجزائهم عليها في الدّنيا.(12:24)

رشيد رضا :و فسد ما صنعوا ممّا ظاهره البرّ و الإحسان كالصّدقة و صلة الرّحم،فلم يكن له تأثير في تزكية أنفسهم و القربة عند ربّهم،لأنّه إنّما كان لأغراض نفسيّة من شهوات الدّنيا،كالرّياء و السّمعة و الاعتزاز بأولي القربى على الأعداء و لو بالباطل،فهو كالحبط و هو بالتّحريك أن تكثر الأنعام من بعض المراعي الّتي تستطيبها حتّى تنتفخ و تفسد أحشاؤها.

فظاهر كثرة الأكل أنّه سبب للقوّة،فكان في هذه الحالة سببا للضّعف،كذلك ما ظاهره البرّ و الإحسان من أعمال النّاس إذا كان الباعث عليه سوء النّيّة ممّا ذكرنا.

(12:48)

نحوه المراغيّ.(12:16)

مغنيّة: و المعنى أنّ جميع أعمالهم ليست بشيء عند اللّه،حتّى لو انتفع بها النّاس ما دام القصد منها غير وجه الخير و الإنسانيّة.

و الخلاصة:أنّ من سلك سبيلا،أدّت به إلى غاياتها و نتائجها،و العاقل من يختار لنفسه سبيل النّجاة، و لا تخدعه المغريات.(4:218)

الطّباطبائيّ: فأخبر أنّهم إذا وردوا الحياة الآخرة وقعوا في دار حقيقتها،أنّها نار تأكل جميع أعمالهم في الحياة كما تأكل النّار الحطب و تبير و تهلك كلّ ما تطيب به نفوسهم من محاسن الوجود،و تحبط جميع ما صنعوا فيها،و تبطل ما أسلفوا من الأعمال في الدّنيا، و لذلك سمّاها سبحانه في موضع آخر:بدار البوار،أي الهلاك،فقال تعالى: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ بَدَّلُوا نِعْمَتَ اللّهِ كُفْراً وَ أَحَلُّوا قَوْمَهُمْ دارَ الْبَوارِ* جَهَنَّمَ يَصْلَوْنَها إبراهيم:28،29،و بذلك يظهر أنّ كلاّ من قوله:

وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها و قوله: وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ يفسّر قوله: أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النّارُ نوعا ما من التّفسير.(10:176)

فضل اللّه :لأنّهم لم يحصلوا على نتيجة،فقد تركوا الدّنيا كلّها و جميع ما فيها من لذائذ و شهوات،و خلّفوها وراء ظهورهم،و لم يبق لهم منها شيء يستفيدون منه في دارهم الجديدة،و هذا معنى الإحباط في عمقه الرّوحيّ.

(12:39)

حبطت
اشارة

1- ...وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ...

البقرة:217

ابن عبّاس: بطلت(أعمالهم)و ردّت حسناتهم.

(30)

نحوه الخازن(1:174)،و الشّربينيّ(1:141)

أبو عبيدة :أي بطلت و ذهبت.(1:73)

الطّبريّ: بطلت و ذهبت،و بطولها:ذهاب ثوابها، و بطول الأجر عليها،و الجزاء في دار الدّنيا و الآخرة.

(2:355)

الماورديّ: أي بطلت،و أصل الحبوط:الفساد، فقيل في الأعمال إذا بطلت:حبطت،لفسادها.

(1:275)

ص: 666

الطّوسيّ: معناه:أنّها صارت بمنزلة ما لم يكن لإيقاعهم إيّاها،على خلاف الوجه المأمور به،و ليس المراد أنّهم استحقّوا عليها الثّواب ثمّ انحبطت،لأنّ الإحباط عندنا باطل على هذا الوجه.(2:208)

الواحديّ: أي بطلت،يقال:حبط عمله،يحبط حبطا و حبوطا،و أحبطه اللّه إحباطا.

و المسلم إذا ارتدّ و مات على الرّدّة حبط عمله الّذي عمله في الإسلام،و بقي في النّار خالدا.(1:322)

الزّمخشريّ: لما يفوتهم بإحداث الرّدّة ممّا للمسلمين في الدّنيا من ثمرات الإسلام،و باستدامتها و الموت عليها من ثواب الآخرة.و بها احتجّ الشّافعيّ على أنّ الرّدّة لا تحبط الأعمال حتّى يموت عليها،و عند أبي حنيفة أنّها تحبطها و إن رجع مسلما.(1:357)

ابن عطيّة: و حبط العمل،إذا انفسد في آخر فبطل.و قرأ أبو السّمال (حبطت) بفتح الباء في جميع القرآن.(1:291)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:قال أهل اللّغة:أصل الحبط أن تأكل الإبل شيئا يضرّها،فتعظم بطونها فتهلك،و في الحديث:

«و إنّ ممّا ينبت الرّبيع ما يقتل حبطا أو يلمّ»فسمّي بطلان الأعمال بهذا،لأنّه كفساد الشّيء بسبب ورود المفسد عليه.

المسألة الثّانية:المراد من إحباط العمل:ليس هو إبطال نفس العمل،لأنّ العمل شيء كما وجد فنى و زال، و إعدام المعدوم محال.

ثمّ اختلف المتكلّمون فيه،فقال المثبتون للإحباط و التّكفير:المراد منه:أنّ عقاب الرّدّة الحادثة يزيل ثواب الإيمان السّابق،إمّا بشرط الموازنة على ما هو مذهب أبي هاشم و جمهور المتأخّرين من المعتزلة،أولا بشرط الموازنة على ما هو مذهب أبي عليّ.

و قال المنكرون للإحباط بهذا المعنى:المراد من الإحباط الوارد في كتاب اللّه:هو أنّ المرتدّ إذا أتى بالرّدّة فتلك الرّدّة عمل محبط،لأنّ الآتي بالرّدّة كان يمكنه أن يأتي بدلها بعمل يستحقّ به ثوابا.فإذا لم يأت بذلك العمل الجيّد و أتى بدله بهذا العمل الرّديء.الّذي لا يستفيد منه نفعا بل يستفيد منه أعظم المضارّ.يقال:إنّه أحبط عمله،أي أتى بعمل باطل ليس فيه فائدة بل فيه مضرّة.

ثمّ قال المنكرون للإحباط:هذا الّذي ذكرناه في تفسير«الإحباط»إمّا أن يكون حقيقة في لفظ الإحباط، و إمّا أن لا يكون.فإن كان حقيقة فيه وجب المصير إليه، و إن كان مجازا وجب المصير إليه.لأنّا ذكرنا الدّلائل القاطعة في مسألة أنّ الموافاة شرط في صحّة الإيمان.

على أنّ القول:بأنّ أثر الفعل الحادث يزيل أثر الفعل السّابق محال.

المسألة الثّالثة:أمّا حبوط الأعمال في الدّنيا،فهو أنّه يقتل عند الظّفر به،و يقاتل إلى أن يظفر به و لا يستحقّ من المؤمنين موالاة و لا نصرا و لا ثناء حسنا،و تبين زوجته منه،و لا يستحقّ الميراث من المسلمين.

و يجوز أن يكون المعنى في قوله: حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا أنّ ما يريدونه بعد الرّدّة من الإضرار بالمسلمين و مكايدتهم بالانتقال عن دينهم

ص: 667

يبطل كلّه،فلا يحصلون منه على شيء،لإعزاز اللّه الإسلام بأنصاره،فتكون الأعمال على هذا التّأويل ما يعملونه بعد الرّدّة.

و أمّا حبوط أعمالهم في الآخرة،فعند القائلين بالإحباط معناه:أنّ هذه الرّدّة تبطل استحقاقهم للثّواب الّذي استحقّوه بأعمالهم السّالفة.

و عند المنكرين لذلك معناه:أنّهم لا يستفيدون من تلك الرّدّة ثوابا و نفعا في الآخرة.بل يستفيدون منها أعظم المضارّ.ثمّ بيّن كيفيّة تلك المضرّة،فقال تعالى:

وَ أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ. (6:39)

القرطبيّ: قال الشّافعيّ:إنّ من ارتدّ ثمّ عاد إلى الإسلام لم يحبط عمله،و لا حجّه الّذي فرغ منه،بل إن مات على الرّدّة فحينئذ تحبط أعماله.

و قال مالك:تحبط بنفس الرّدّة،و يظهر الخلاف في المسلم إذا حجّ ثمّ ارتدّ ثمّ أسلم،فقال مالك:يلزمه الحجّ،لأنّ الأوّل قد حبط بالرّدّة.و قال الشّافعيّ لا إعادة عليه،لأنّ عمله باق.(3:48)

البيضاويّ: قيّد الرّدّة بالموت عليها في إحباط الأعمال،كما هو مذهب الشّافعيّ رحمه اللّه تعالى،و المراد بها:الأعمال النّافعة.(1:115)

أبو حيّان :...و رتّب عليه[الارتداد]حبوط العمل في الدّنيا و الآخرة،و هو حبطه في الدّنيا باستحقاق قبله و إلحاقه في الأحكام بالكفّار،و في الآخرة بما يؤول إليه من العقاب السّرمديّ.

و قيل:حبوط أعمالهم في الدّنيا،هو عدم بلوغهم ما يريدون بالمسلمين من الإضرار بهم و مكايدتهم، فلا يحصلون من ذلك على شيء،لأنّ اللّه قد أعزّ دينه بأنصاره.

و ظاهر هذا الشّرط و الجزاء ترتّب حبوط العمل على الموافاة على الكفر،لا على مجرّد الارتداد،و هذا مذهب جماعة من العلماء منهم الشّافعيّ.

و قد جاء«ترتّب حبوط العمل»على مجرّد الكفر في قوله: وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ المائدة:

5، وَ لَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ الأنعام:

88، وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ الأعراف:147، لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ الزّمر:65.و الخطاب في المعنى لأمّته،و إلى هذا ذهب مالك و أبو حنيفة و غيرهما،يعني أنّه يحبط عمله بنفس الرّدّة،دون الموافاة عليها و إن راجع الإسلام.

و ثمرة الخلاف تظهر في المسلم إذا حجّ ثمّ ارتدّ ثمّ أسلم،فقال مالك:يلزمه الحجّ،و قال الشّافعيّ:لا يلزمه الحجّ.

و يقول الشّافعيّ: اجتمع مطلق و مقيّد فتقيّد المطلق،و يقول غيره:هما شرطان ترتّب عليهما شيئان:

أحد الشّرطين:الارتداد،ترتّب عليه حبوط العمل، الشّرط الثّاني:الموافاة على الكفر،ترتّب عليها الخلود في النّار.(2:150)

أبو السّعود : حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ الحسنة الّتي كانوا عملوها في حالة الإسلام حبوطا،لا تلافي له قطعا.

(1:262)

البروسويّ: بطلت و تلاشت(اعمالهم)الّتي كانوا عملوها في حالة الإسلام حبوطا،لا تلافي له قطعا.[ثمّ

ص: 668

أدام نحو الفخر الرّازيّ](1:335)

الآلوسيّ: أي صارت أعمالهم الحسنة الّتي عملوها في حالة الإسلام فاسدة بمنزلة ما لم تكن.(2:110)

القاسميّ: أي بطلت جميع مساعيهم النّافعة لهم.

(3:549)

رشيد رضا :أي و من يرجع منكم عن الإسلام إلى الكفر حتّى يموت عليه فرضا،فأولئك المرتدّون هم الّذين بطلت و فسدت أعمالهم في الدّارين،حتّى كأنّ واحدهم لم يعمل صالحا قطّ،لأنّ الرّجوع عن الإيمان إلى الكفر يشبه الآفة،تصيب المخّ و القلب فتذهب بالحياة، فإن لم يمت المصاب بعقله و قلبه،فهو في حكم الميّت لا ينتفع بشيء.

و كذلك الّذي يقع في ظلمات الكفر بعد أن هدي إلى نور الإيمان،تفسد روحه و يظلم قلبه،فيذهب من نفسه أثر الأعمال الصّالحة الماضية،و لا يعطى شيئا من أحكام المسلمين الظّاهرة،فيخسر الدّنيا و الآخرة.(2:318)

نحوه المراغيّ.(2:136)

سيّد قطب :و الحبوط مأخوذ من:حبطت النّاقة، إذا رعت مرعى خبيثا فانتفخت ثمّ نفقت.و القرآن يعبّر بهذا عن حبوط العمل،فيتطابق المدلول الحسّيّ و المدلول المعنويّ.يتطابق تضخّم العمل الباطل و انتفاخ مظهره، و هلاكه في النّهاية و بواره،مع تضخّم حجم النّاقة و انتفاخها،ثمّ هلاكها في النّهاية بهذا الانتفاخ.

(1:228)

ابن عاشور :فعل«حبط»من باب«سمع» و يتعدّى بالهمزة.قال اللّغويّون:أصله من«الحبط»بفتح الباء،و هو انتفاخ في بطون الإبل من كثرة الأكل، فتموت من ذلك.

فإطلاقه على إبطال الأعمال تمثيل،لأنّ الإبل تأكل الخضر شهوة للشّبع،فيؤول عليها بالموت،فشبّه حال من عمل الأعمال الصّالحة لنفعها في الآخرة فلم يجد لها أثرا،بالماشية الّتي أكلت حتّى أصابها الحبط،و لذلك لم تقيّد الأعمال بالصّالحات لظهور ذلك التّمثيل.

و حبط الأعمال:زوال آثارها المجعولة مرتّبة عليها، فيشمل آثارها في الدّنيا و الثّواب في الآخرة،و هو سرّ قوله: فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ. [ثمّ ذكر آثار الدّنيا و الآخرة و قال:]

و المراد بالأعمال:الأعمال الّتي يتقرّبون بها إلى اللّه تعالى و يرجون ثوابها،بقرينة أصل المادّة و مقام التّحذير،لأنّه لو بطلت الأعمال المذمومة لصار الكلام تحريضا،و ما ذكرت الأعمال في القرآن مع«حبطت»إلاّ غير مقيّدة بالصّالحات،اكتفاء بالقرينة.(2:315)

مغنيّة: قال جمهور المعتزلة:إنّ المؤمن المطيع يسقط ثوابه المتقدّم بكامله إذا صدرت منه معصية متأخّرة،حتّى أنّ من عبد اللّه طول عمره ثمّ شرب جرعة من خمر فهو كمن لم يعبد اللّه قطّ،و كذا الطّاعة المتأخّرة تسقط الذّنوب المتقدّمة،و هذا هو معنى الإحباط.

و اتّفق الإماميّة و الأشاعرة على بطلان الإحباط، و قالوا:لكلّ عمل حسابه الخاصّ،و لا ترتبط الطّاعات بالمعاصي،و لا المعاصي بالطّاعات،بل من يعمل مثقال ذرّة خيرا يره،و من يعمل مثقال ذرّة شرّا يره.فمن أساء

ص: 669

و أحسن و هو مؤمن باللّه يوازن بين حسناته و سيّئاته، فإن كانت الإساءة أكثر كان كمن لم يحسن،و إن كان الإحسان أكثر كان كمن لم يسئ؛إذ الأكثر ينفي الأقلّ، و إن تساويا كان كمن لم يصدر عنه شيء.

و الإحباط بعيد عن هذا المعنى كلّ البعد،و معناه الصّحيح:أنّ من مات على الكفر بعد الإسلام يكشف كفره هذا عن أنّ أعماله الّتي أتى بها حين إسلامه لم تكن على الوجه المطلوب شرعا،و لا يستحقّ عليها شيئا منذ البداية،لا أنّه استحقّ الثّواب ثمّ ارتفع و نسخ بعد ثبوته، بل هو من باب الدّفع لا من باب الرّفع.(1:326)

الطّباطبائيّ: و الحبط هو بطلان العمل و سقوط تأثيره،و لم ينسب في القرآن إلاّ إلى العمل،كقوله تعالى:

لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ الزّمر:65،و قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ شَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللّهَ شَيْئاً وَ سَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ محمّد:32،33،و ذيل الآية يدلّ بالمقابلة على أنّ«الحبط»بمعنى بطلان العمل،كما هو ظاهر قوله تعالى: وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ هود:16،و يقرب منه قوله تعالى:

وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً الفرقان:23.

و بالجملة«الحبط»هو بطلان العمل و سقوطه عن التّأثير،و قد قيل:إنّ أصله من:الحبط بالتّحريك و هو أن يكثر الحيوان من الأكل فينتفخ بطنه،و ربّما أدّى إلى هلاكه.

و الّذي ذكره تعالى من أثر الحبط:بطلان الأعمال في الدّنيا و الآخرة معا،فللحبط تعلّق بالأعمال من حيث أثرها في الحياة الآخرة،فإنّ الإيمان يطيّب الحياة الدّنيا كما يطيّب الحياة الآخرة قال تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ النّحل:

97،و خسران سعي الكافر،و خاصّة من ارتدّ إلى الكفر بعد الإيمان،و حبط عمله في الدّنيا،ظاهر لا غبار عليه، فإنّ قلبه غير متعلّق بأمر ثابت،و هو اللّه سبحانه،يبتهج به عند النّعمة،و يتسلّى به عند المصيبة،و يرجع إليه عند الحاجة،قال تعالى: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ كَمَنْ مَثَلُهُ فِي الظُّلُماتِ لَيْسَ بِخارِجٍ مِنْها الأنعام:122،تبيّن الآية أنّ للمؤمن في الدّنيا حياة و نورا في أفعاله،و ليس للكافر و مثله قوله تعالى: فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى طه:

124،حيث يبيّن أنّ معيشة الكافر و حياته في الدّنيا ضنك ضيّقة متعبة،و بالمقابلة معيشة المؤمن و حياته سعيدة رحبة وسيعة.

و قد جمع الجميع و دلّ على سبب هذه السّعادة و الشّقاوة قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ أَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ محمّد:11.

فظهر ممّا قرّبناه أنّ المراد بالأعمال:مطلق الأفعال الّتي يريد الإنسان بها سعادة الحياة،لا خصوص الأعمال العباديّة،و الأفعال القربيّة الّتي كان المرتدّ عملها و أتى بها حال الإيمان،مضافا إلى أنّ«الحبط»وارد في مورد الّذين

ص: 670

لا عمل عباديّ،و لا فعل قربيّ لهم كالكفّار و المنافقين، كقوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَنْصُرُوا اللّهَ يَنْصُرْكُمْ وَ يُثَبِّتْ أَقْدامَكُمْ* وَ الَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ* ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ محمّد:7،9،و قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ وَ يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَ يَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ* أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ آل عمران:21،22، إلى غير ذلك من الآيات.

فمحصّل الآية كسائر آيات الحبط هو أنّ الكفر و الارتداد يوجب بطلان العمل عن أن يؤثّر في سعادة الحياة،كما أنّ الإيمان يوجب حياة في الأعمال تؤثّر بها أثرها في السّعادة،فإن آمن الإنسان بعد الكفر حييت أعماله في تأثير السّعادة بعد كونها محبطة باطلة،و إن ارتدّ بعد الإيمان ماتت أعماله جميعا و حبطت،فلا تأثير لها في سعادة دنيويّة و لا أخرويّة،لكن يرجى له ذلك إن هو لم يمت على الرّدّة،و إن مات على الرّدّة حتم له الحبط، و كتب عليه الشّقاء.

و من هنا يظهر بطلان النّزاع في بقاء أعمال المرتدّ إلى حين الموت،و الحبط عنده أو عدمه.

توضيح ذلك:أنّه ذهب بعضهم إلى أنّ أعمال المرتدّ السّابقة على ردّته باقية إلى حين الموت،فإن لم يرجع إلى الإيمان بطلت بالحبط عند ذلك،و استدلّ عليه بقوله تعالى: وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ الآية.

و ربّما أيّده قوله تعالى: وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً الفرقان:23،فإنّ الآية تبيّن حال الكفّار عند الموت،و يتفرّع عليه أنّه لو رجع إلى الإيمان تملّك أعماله الصّالحة السّابقة على الارتداد.

و ذهب آخرون إلى أنّ«الرّدّة»تحبط الأعمال من أصلها فلا تعود إليه و إن آمن من بعد الارتداد،نعم له ما عمله من الأعمال بعد الإيمان ثانيا إلى حين الموت.و أمّا الآية فإنّما أخذت قيد الموت،لكونها في مقام بيان جميع أعماله و أفعاله الّتي عملها في الدّنيا.

و أنت بالتّدبّر فيما ذكرناه تعرف،أن لا وجه لهذا النّزاع أصلا،و أنّ الآية بصدد بيان بطلان جميع أعماله و أفعاله،من حيث التّأثير في سعادته.

و هنا مسألة أخرى كالمتفرّعة على هذه المسألة، و هي مسألة الإحباط و التّكفير،و هي أنّ الأعمال هل تبطل بعضها بعضا أو لا تبطل،بل للحسنة حكمها و للسّيّئة حكمها،نعم الحسنات ربّما كفّرت السّيّئات بنصّ القرآن.

ذهب بعضهم إلى التّباطل و التّحابط بين الأعمال، و قد اختلف هؤلاء بينهم.فمن قائل:بأنّ كلّ لاحق من السّيّئة تبطل الحسنة السّابقة كالعكس،و لازمه أن لا يكون عند الإنسان من عمله إلاّ حسنة فقط أو سيّئة فقط.و من قائل:بالموازنة،و هو أن ينقص من الأكثر بمقدار الأقلّ و يبقى الباقي سليما عن المنافي.و لازم القولين جميعا أن لا يكون عند الإنسان من أعماله إلاّ نوع واحد حسنة أو سيّئة،لو كان عنده شيء منهما.

و يردّهما أوّلا قوله تعالى: وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا

ص: 671

بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ التّوبة:120،فإنّ الآية ظاهرة في اختلاف الأعمال و بقائها على حالها إلى أن تلحقها توبة من اللّه سبحانه،و هو ينافي التّحابط بأيّ وجه تصوّروه.

و ثانيا:أنّه تعالى جرى في مسألة تأثير الأعمال على ما جرى عليه العقلاء في الاجتماع الإنسانيّ من طريق المجازاة،و هو الجزاء على الحسنة على حدة و على السّيّئة على حدة،إلاّ في بعض السّيّئات من المعاصي الّتي تقطع رابطة المولويّة و العبوديّة من أصلها،فهو مورد الإحباط، و الآيات في هذه الطّريقة كثيرة غنيّة عن الإيراد.

و ذهب آخرون إلى أنّ نوع الأعمال محفوظة،و لكلّ عمل أثره سواء في ذلك الحسنة و السّيّئة.

نعم الحسنة ربّما كفّرت السّيّئة،كما قال تعالى:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَ يُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ الأنفال:29،و قال تعالى:

فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلا إِثْمَ عَلَيْهِ الآية،البقرة:

203،و قال تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ النّساء:31،بل بعض الأعمال يبدّل السّيّئة حسنة كما قال تعالى: إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ الفرقان:70.

و هنا مسألة أخرى هي كالأصل لهاتين المسألتين، و هي البحث عن وقت استحقاق الجزاء و موطنه،فقيل:

إنّه وقت العمل،و قيل:حين الموت،و قيل:الآخرة، و قيل:وقت العمل بالموافاة،بمعنى أنّه لو لم يدم على ما هو عليه حال العمل إلى حين الموت و موافاته، لم يستحقّ ذلك إلاّ أن يعلم اللّه ما يؤول إليه حاله و يستقرّ عليه،فيكتب ما يستحقّه حال العمل.

و قد استدلّ أصحاب كلّ قول بما يناسبه من الآيات، فإنّ فيها ما يناسب كلاّ من هذه الأوقات بحسب الانطباق،و ربّما استدلّ ببعض وجوه عقليّة ملفّقة.

و الّذي ينبغي أن يقال:إنّا لو سلكنا في باب الثّواب و العقاب و الحبط و التّكفير و ما يجري مجراها مسلك نتائج الأعمال،على ما بيّنّاه في تفسير قوله تعالى: إِنَّ اللّهَ لا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلاً ما بَعُوضَةً فَما فَوْقَها الآية،البقرة:26،كان لازم ذلك كون النّفس الإنسانيّة ما دامت متعلّقة بالبدن جوهرا متحوّلا قابلا للتّحوّل في ذاته و في آثار ذاته،من الصّور الّتي تصدر عنها و تقوم بها نتائج و آثار سعيدة أو شقيّة.فإذا صدر منه حسنة حصل في ذاته صورة معنويّة مقتضية لاتّصافه بالثّواب،و إذا صدر منه معصية فصورة معنويّة تقوم بها صورة العقاب.

غير أنّ الذّات لمّا كانت في معرض التّحوّل و التّغيّر بحسب ما يطرؤها من الحسنات و السّيّئات،كان من الممكن أن تبطل الصّورة الموجودة الحاضرة بتبدّلها إلى غيرها.

و هذا شأنها حتّى يعرضها الموت فتفارق البدن و تقف الحركة و يبطل التّحوّل و استعداده،فعند ذلك يثبت لها الصّور و آثارها ثبوتا لا يقبل التّحوّل و التّغيّر إلاّ بالمغفرة أو الشّفاعة،على النّحو الّذي بيّنّاه سابقا.

و كذا لو سلكنا في الثّواب و العقاب مسلك المجازاة -على ما بيّنّاه فيما مرّ-كان حال الإنسان-من حيث اكتساب الحسنة و المعصية بالنّسبة إلى التّكاليف الإلهيّة

ص: 672

و ترتّب الثّواب و العقاب عليها-حاله من حيث الإطاعة و المعصية في التّكاليف الاجتماعيّة و ترتّب المدح و الذّمّ عليها.و العقلاء يأخذون في مدح المطيع و المحسن و ذمّ العاصي و المسيء بمجرّد صدور الفعل عن فاعله،غير أنّهم يرون ما يجازونه به من المدح و الذّمّ قابلا للتّغيّر و التّحوّل،لكونهم يرون الفاعل ممكن التّغيّر و الزّوال عمّا هو عليه من الانقياد و التّمرّد.فلحوق المدح و الذّمّ على فاعل الفعل فعليّ عندهم بتحقّق الفعل،غير أنّه موقوف البقاء على عدم تحقّق ما ينافيه.و أمّا ثبوت المدح و الذّمّ و لزومهما بحيث لا يبطلان قطّ،فإنّما يكون إذا ثبت حاله بحيث لا يتغيّر قطّ بموت أو بطلان استعداد في الحياة.

و من هنا يعلم:أنّ في جميع الأقوال السّابقة في المسائل المذكورة انحرافا من الحقّ،لبنائهم البحث على غير ما ينبغي أن يبنى عليه.

و أنّ الحقّ أوّلا:أنّ الإنسان يلحقه الثّواب و العقاب من حيث الاستحقاق،بمجرّد صدور الفعل الموجب له، لكنّه قابل للتّحوّل و التّغيّر بعد،و إنّما يثبت من غير زوال بالموت،كما ذكرناه.

و ثانيا:أنّ حبط الأعمال بكفر و نحوه نظير استحقاق الأجر،يتحقّق عند صدور المعصية و يتحتّم عند الموت.

و ثالثا:أنّ الحبط كما يتعلّق بالأعمال الأخرويّة كذلك يتعلّق بالأعمال الدّنيويّة.

و رابعا:أنّ التّحابط بين الأعمال باطل بخلاف التّكفير و نحوه.(2:167)

مكارم الشّيرازيّ: 1-الحبط:إبطال الأعمال،كما ورد في قوله تعالى: وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ هود:16.

2-الإحباط هو-كما يقول علماء العقائد و المتكلّمون-إبطال ثواب الأعمال السّابقة على أثر ارتكاب ذنوب تالية.

3-التّكفير:هو-كما قيل-إزالة عقوبة الذّنوب السّابقة على أثر القيام بأعمال صالحة.

هل الحبط صحيح؟

لا اختلاف في أنّ الكفر و الارتداد يؤدّي إلى«حبط» الأعمال،و القرآن ذكر ذلك في مواضع عديدة،و بناء على هذا تحبط كلّ أعمال الإنسان إن مات و هو كافر، و الدّليل على ذلك أنّ ذنب الكفر عظيم إلى درجة كبيرة، تغطّي على كلّ الحسنات السّابقة.

و هكذا إذا آمن الإنسان بعد ذنوبه و بقي على إيمانه، فإنّ ذنوبه السّابقة تنمحي،فهذا أيضا لا خلاف فيه.

و الاختلاف في المؤمنين الّذين أحسنوا في حياتهم و أساءوا،ثمّ ماتوا و لم يتوبوا،فهل أنّ أعمالهم السّيّئة تزيل ثواب أعمالهم الصّالحة أم لا؟

بعضهم قال:إنّ الإحباط باطل،و استدلّ لذلك بالعقل و النّقل.

فمن الاستدلال العقليّ على ذلك ما ذكره نصير الدّين الطّوسيّ في كتابه«تجريد الاعتقاد»يقول:إنّ الإحباط نوع من الظّلم،فلو أنّ شخصا قلّت حسناته و كثرت ذنوبه،فسيكون الإحباط بالنّسبة إليه أن يصبح شخصا لم يعمل حسنة قطّ،و هذا ظلم بحقّه.

و أمّا الدّليل النّقليّ فتدعمه آيات عديدة من القرآن

ص: 673

الكريم،تتحدّث عن مواجهة الإنسان لنتائج جميع أعماله الصّالحة و الطّالحة في الآخرة،و هذا لا يتلاءم مع مسألة الإحباط: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزّلزال:7،8.

و مقابل هؤلاء ذهب المعتزلة إلى القول بالإحباط، و استدلّوا على ذلك بقوله تعالى: وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ خالِدِينَ فِيها أَبَداً الجنّ:23.

و بين المعتزلة أبو هاشم جمع بين«الإحباط» و«التّكفير»،و هناك أقوال أخرى نعرض عن ذكرها.

و الحقّ في هذا المجال ما قاله العلاّمة المجلسيّ في«بحار الأنوار 5:333»إذ ذهب إلى ثبوت سقوط الثّواب بكفر يستمرّ إلى نهاية العمر،و سقوط العقاب بإيمان يستمرّ حتّى الموت.و الأخبار كثيرة بشأن حبوط كثير من الطّاعات عن طريق كثير من المعاصي،و غفران كثير من المعاصي عن طريق كثير من الطّاعات.

و القرآن يؤيّد ذلك في(الآية:114)من سورة هود؛ إذ يقول: إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ، و يقول:

وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ الحجرات:2.

و في الحديث:«أنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و آله قال لأبي ذرّ:«اتّق اللّه حيث كنت،و خالق النّاس بخلق حسن،و إذا عملت سيّئة فاعمل حسنة تمحوها»(بحار الأنوار 71:242).

و بشأن زوال الحسنات بارتكاب السّيّئات روي عنه صلّى اللّه عليه و آله:«إيّاكم و الحسد فإنّ الحسد يأكل الحسنات، كما تأكل النّار الحطب»(بحار الأنوار 73:255).

و هذا ليس بقانون عامّ يشمل جميع الذّنوب و الطّاعات،بل يختصّ ببعض منها،و بذلك نستطيع أن نجمع بين كلّ الآيات و الرّوايات.(2:67)

فضل اللّه :[نقل كلام الطّباطبائيّ في أثر حبط الأعمال في الدّنيا و الآخرة ثمّ قال:]

و نلاحظ على هذا التّحليل الدّقيق أنّ ما ذكره في تفسير«الإحباط»في الدّنيا و الآخرة ببطلان تأثير الأعمال،مع الكفر أو الارتداد في سعادة الإنسان في الدّارين صحيح،و لكن تفسيره السّعادة في الدّنيا بالحياة الرّوحيّة الّتي يعيش الإنسان المؤمن فيها النّور في أفعاله، دون الكافر الّذي يفقدها لفقدان صلته باللّه الّذي يدخل البهجة إلى قلبه،و السّلوة عند حزنه،و الاكتفاء عند حاجته،ليس دقيقا.فإنّ ذلك قد يحقّق للإنسان الشّعور بالسّعادة و الطّمأنينة؛من حيث تأثير الإيمان ص ذلك،كما هو مدلول الآيات الّتي استشهد بها.

و لكن الظّاهر من الأعمال،في هذه الآية،الأعمال الّتي يستحقّ بها الإنسان العناية من اللّه بما يمنحه من الثّواب عليها،أو يدفع بها عنه شرّا،أو يجلب له خيرا، فإنّ اللّه يعطي عباده المؤمنين النّتائج الإيجابيّة في أعمالهم الخيّرة و إن لم يتقرّبوا بها إليه،بل كانت جارية على حسب الخطّ الإيمانيّ الّذي تتحرّك فيه حياته من خلال انتمائه إلى رسالات اللّه.

و لذلك،فإنّ المقصود من:حبط الأعمال بالكفر و بالارتداد،هو بطلان تأثيره في العطاء الإلهيّ في الدّنيا و الآخرة،هذا العطاء الّذي يجريه اللّه لعباده جزاء للأعمال الصّالحة بشرط الإيمان،لأنّ الإيمان هو الأساس في استحقاق الثّواب على العمل،و هذا ما نستوحيه من

ص: 674

قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِنَ الصّالِحاتِ وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلا كُفْرانَ لِسَعْيِهِ وَ إِنّا لَهُ كاتِبُونَ الأنبياء:94،و قوله تعالى: مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ النّحل:97.

فإنّ الظّاهر من الآيتين:أنّ العمل الصّالح في دائرة الإيمان،هو الّذي يمنح الإنسان حقّ الأجر الّذي يمنحه اللّه له في الدّنيا و الآخرة،و هو الّذي يمنع من كفران سعيه الّذي يلتقي مع معنى الحبط و البطلان.

و في ضوء ذلك،يكون الحبط كناية عن أنّ هذه الأعمال-مع الكفر-صارت بمنزلة العدم،لأنّ الإيمان هو الّذي يعطي العمل قيمته و نتائجه الإيجابيّة.فليست السّعادة الّتي يتطلّبها الإنسان شيئا يعيشه في حياته الدّاخليّة من موقع الثّقة الّتي يفرضها الإيمان،بل هو شيء يحصل عليه من خلال عطاء اللّه له،لأنّ اللّه يعطي الثّواب في الدّنيا كما في الآخرة،و سينزل العذاب في الدّنيا كما ينزله في الآخرة،و هذا هو جوّ الآية،و اللّه العالم.

هل الأعمال يبطل بعضها بعضا؟

هناك خلاف فكريّ بين المؤمنين:هل أنّ الأعمال يبطل بعضها بعضا بحيث تبطل الحسنة السّيّئة،أو السّيّئة الحسنة،أو يبقى كلّ واحد منهما على حاله في قضيّة الجزاء؟

فهناك قائل ببطلان الإحباط:

أوّلا:لأنّه ظلم مستحيل على اللّه سبحانه،و هذا ما ذكره نصير الدّين الطّوسيّ في«تجريد الاعتقاد»،قال:

إنّ الإحباط نوع من الظّلم،فلو أنّ شخصا قلّت حسناته و كثرت ذنوبه،فسيكون الإحباط بالنّسبة إليه أن يصبح شخصا لم يعمل حسنة قطّ،و هذا ظلم بحقّه.

و ثانيا:الآيات الدّالّة على أنّ الإنسان يجزى بعمله مطلقا،سواء لحقه شيء مضادّ له أو لم يلحقه،كما في قوله تعالى: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزّلزال:7،8،و قوله تعالى:

وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ التّوبة:101،و ظاهر هذه الآية أنّ الأعمال تبقى على حالها فى نتائجها الإيجابيّة و السّلبيّة حتّى تأتيهم التّوبة من اللّه سبحانه.

و ثالثا:إنّه لا موجب للإحباط بعد انطلاق كلّ منهما من موقعه الدّاخليّ في النّفس الإنسانيّة،ممّا يفرض أن يأخذ كلّ واحد منهما دوره في واقع الإنسان،من خلال عدم ارتباط أحدهما بالآخر،أو غلبته عليه،فلا وجه لإلقاء أحدهما الآخر.و هذا هو المنهج العقلائيّ الّذي جرى عليه العقلاء بفطرتهم الّتي خلقها اللّه فيهم،في الجزاء على الحسنة بشكل مستقلّ كما لو لم تكن هناك سيّئة،و الجزاء على السّيئة بشكل مستقلّ كما لو لم تكن هناك حسنة؛و ذلك من خلال السّيّئات و الحسنات الّتي لا تحمل مدلولا مميّزا؛بحيث يلغي الأساس للآخر كلّه.

أمّا في العمل الّذي يقطع العلاقة بين الإنسان و ربّه كالكفر و الارتداد،فإنّه يقطع المسألة من جذورها الّتي لا تبقي للحسنة أيّة قابليّة للبقاء،في حساب الأعمال.

و هناك قائل:بأنّ الأعمال تبقى على حالها في آثارها العامّة و الخاصّة،و لكنّ الحسنة قد تكفّر السّيّئة،كما في

ص: 675

قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ تَتَّقُوا اللّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَ يُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ يَغْفِرْ لَكُمْ وَ اللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ الأنفال:29،و قوله تعالى: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ نُدْخِلْكُمْ مُدْخَلاً كَرِيماً النّساء:31،و قوله تعالى في تبديل السّيّئة بالحسنة: إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً الفرقان:70،و قوله تعالى: وَ أَقِمِ الصَّلاةَ طَرَفَيِ النَّهارِ وَ زُلَفاً مِنَ اللَّيْلِ إِنَّ الْحَسَناتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئاتِ ذلِكَ ذِكْرى لِلذّاكِرِينَ هود:114،و هذا أمر قريب إلى المنهج الإسلاميّ الّذي يلتقي بالعفو و المغفرة و التّوبة الّتي قد تكون كلاميّة،و قد تكون عمليّة،بتبديل الخطّ العمليّ من السّلب إلى الإيجاب.

و ذهب صاحب البحار العلاّمة المجلسيّ في«بحار الأنوار»إلى ثبوت سقوط الثّواب بكفر يستمرّ إلى نهاية العمر،و سقوط العقاب بإيمان يستمرّ حتّى الموت.

و الأخبار كثيرة بشأن هبوط كثير من الطّاعات عن طريق كثير من المعاصي،و غفران كثير من المعاصي عن طريق كثير من الطّاعات؛و ذلك كما جاء في القرآن الكريم في قوله تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ الحجرات:2،و كما في قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ شَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللّهَ شَيْئاً وَ سَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللّهَ وَ أَطِيعُوا الرَّسُولَ وَ لا تُبْطِلُوا أَعْمالَكُمْ محمّد:32،33،فإنّ المقابلة بين الآيتين تقضي بأن يكون الأمر بالإطاعة في معنى النّهي عن المشاقّة،كما جاء في تفسير الميزان 2:176.

و قد جاء عن النّبيّ محمّد صلّى اللّه عليه و آله:«إيّاكم و الحسد،فإنّ الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النّار الحطب»بحار الأنوار 70:357.

و لكن يمكن مناقشة بعض هذه الشّواهد.أمّا الآية الّتي تتحدّث عن رفع الصّوت فوق صوت النّبيّ،فليست واردة في مقام بيان فعليّة إحباط هذا السّلوك لأعمالهم السّابقة،بل هي واردة-و اللّه العالم-في التّحذير من فعل الإساءة إلى النّبيّ بعدم احترامه في درجة نبوّته،من خلال الاستهانة به و بأمره و نهيه؛فيقودهم ذلك إلى الابتعاد عن خطّ الإيمان بطريقة تلقائيّة لا شعوريّة،في ما يجرّ بعض الأوضاع السّلبيّة بعضا آخر،و تؤدّي بالتّالي إلى لون معيّن من الانحراف في اتّجاه آخر.و لعلّ قوله سبحانه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ، إشارة إلى ذلك من خلال الوصول إلى الكفر و ما يشبه الكفر من دون شعور.

أمّا آية المشاقّة،فإنّ الظّاهر من المشاقّة مع الرّسول، هو ما يحصل من الكافرين في مواجهتهم للنّبيّ،من خلال معطيات الكفر و الصّدّ عن سبيل اللّه-و لذلك ذكر هذه المشاقّة في سياق صفات الكافرين-و ذلك بإعلان الحرب عليه،و الابتعاد عن دينه،و المخالفة له في العقيدة و الشّريعة و الاستهزاء.و أمّا الفقرة الّتي تليها فإنّها

ص: 676

تتحدّث عن ضرورة الانسجام مع خطّ الإيمان بإطاعة اللّه و رسوله،و عدم الانحراف عن هذا المنهج الإيمانيّ الّذي قد يؤدّي إلى بطلان الأعمال،من خلال انهيار القاعدة الأساسيّة للأعمال،و اللّه العالم.

أمّا الحديث عن الحسد في أكله للحسنات،فقد يكون ناشئا من الرّوحيّة الّتي تمثّل في الحاسد الّذي قد ينطلق إلى القيام بكثير من الأعمال الباغية الّتي قد تطغى على حياة الإنسان؛بحيث لا تكون هناك أيّة قيمة لما قام به من الأعمال الصّالحة،أمام ما يقع فيه من الأعمال السّيّئة،حتّى كأنّها لا شيء،و ذلك بأسلوب الكناية أو المبالغة.

و هكذا لا نجد في مثل هذه الشّواهد دليلا على ما ذكره من إبطال بعض السّيّئات للحسنات،و ربّما كان السّبب في بعض هذه التّفاسير التّعامل مع النّصّ بحرفيّته،لا بإيحاءاته و أساليبه البلاغيّة،القائمة على الكناية تارة،و على المبالغة أخرى،و اللّه العالم.

لا شكّ أنّ المسلمين متّفقون على أنّ الرّدّة تحبط العمل و تفسده،و لكن هل يحدث ذلك بمجرّد الرّدّة،فلا قيمة للعمل حتّى لو آمن بعد ذلك،أو أنّه مشروط بالموت كافرا؟ذهب الشّافعيّ إلى أنّ إحباط الرّدّة للعمل مشروط بالموت كافرا،و ذلك من خلال الآية الكريمة في قوله تعالى: وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فلا إحباط للعمل إذا تبدّل الكفر قبل الموت بحيث مات مؤمنا.

و ذهب أبو حنيفة و مالك إلى الرّأي الأوّل،فتكون الرّدّة محبطة للعمل و لو رجع صاحبها إلى الإسلام،و ذلك من خلال قوله تعالى: وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ الزّمر:65،و قوله تعالى: ذلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ لَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ الأنعام:88،و قوله تعالى: اَلْيَوْمَ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ طَعامُ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حِلٌّ لَكُمْ وَ طَعامُكُمْ حِلٌّ لَهُمْ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الْمُؤْمِناتِ وَ الْمُحْصَناتُ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ مِنْ قَبْلِكُمْ إِذا آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ وَ لا مُتَّخِذِي أَخْدانٍ وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ المائدة:5،فقد علّق فيها الحبوط بمجرّد الشّرك.و إذا كان الخطاب الأوّل للنّبيّ، فإنّ المقصود به أمّته لاستحالة ذلك عليه.و ناقشوا الاستدلال بالآية بأنّها واردة في بيان حكمين:الحبوط و الدّخول في النّار،فلا تكون دليلا على شرطيّة ذلك للحبوط في ذاته،و قد ردّ الشّافعيّ على الاستدلال بآية الشّرك بأنّها واردة في باب التّغليظ على النّبيّ كما غلظ على نسائه في قوله تعالى: يا نِساءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ يُضاعَفْ لَهَا الْعَذابُ ضِعْفَيْنِ وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً الأحزاب:30.

و تظهر ثمرة الخلاف في من حجّ ثمّ ارتدّ ثمّ أسلم.

فقال مالك و أبو حنيفة:عليه الحجّ لأنّ ردّته أحبطت حجّه.و قال الشّافعيّ:لا حجّ،لأن حجّه قد سبق.

و الرّدّة ليست محبطة إلاّ إذا مات على كفره.

و نحن نلاحظ أنّ الآيات الّتي تحدّثت عن الشّرك كانت تتحدّث عن المبدأ كعنوان للإحباط،بقطع النّظر

ص: 677

عن التّفاصيل،أو ربّما يستفاد منها أن يكون مشركا في مقابل المؤمن بما يوحي بالاستمرار،أمّا آية: فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فهي متعرّضة للحبط،أمّا الخلود في النّار فهو حكم آخر و ليست المسألة على أساس القيد و المقيّد؛ و اللّه العالم.

و قد نستفيد احتفاظ الإنسان بعمله الصّالح حتّى لو أعقبته السّيّئة من قوله تعالى: فَاسْتَجابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ فَالَّذِينَ هاجَرُوا وَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيارِهِمْ وَ أُوذُوا فِي سَبِيلِي وَ قاتَلُوا وَ قُتِلُوا لَأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَأُدْخِلَنَّهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ثَواباً مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ اللّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الثَّوابِ آل عمران:195،فإنّ في إبطال العمل بفعل عمل سلبىّ آخر إضاعة للعمل من خلال إبطال نتائجه الدّنيويّة و الأخرويّة.

(3:193-199)

2- أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ. آل عمران:22

ابن عبّاس: بطلت حسناتهم.(44)

نحوه الخازن.(1:279)

الطّبريّ: يعني بطلت أعمالهم في الدّنيا و الآخرة.

(3:217)

السّجستانيّ: أي بطلت أعمالهم فلا ثواب عليها.

(33)

الشّريف الرّضيّ: هذه استعارة،و المراد فسدت أعمالهم فبطلت؛و ذلك مأخوذ من«الحبط»و هو داء ترم له أجواف الإبل،فيكون سبب هلاكها،و انقطاع آكالها.

(تلخيص البيان:11)

الطّوسيّ: حبوط العمل-عندنا-هو إيقاعه على خلاف الوجه المأمور به،فإذا أوقعه كذلك لم يستحقّ عليه الثّواب،فجاز لذلك أن يقال:أحبط عمله،و متى أوقعه على الوجه المنهيّ عنه،استحقّ مع ذلك العقاب.

و ليس المراد بذلك بطلان ما يستحقّ عليه من الحمد و الثّناء،و لا بطلان الثّواب بما يستحقّ من العقاب،لأنّ الثّواب إذا ثبت فلا يزول على وجه بما يستحقّ صاحبه من العقاب،لأنّه لا تنافي بين المستحقّين،و لا تضادّ.و أمّا حبوطها في الدّنيا،فلأنّهم لم ينالوا بها مدحا و لا ثناء.

و أصل الحبوط:مأخوذ من قولهم:حبطت بطون الماشية،إذا فسدت من مآكل الرّبيع.فعلى ما حرّرناه إنّما تبطل الطّاعة حتّى تصير بمنزلة ما لم تفعل،إذا وقعت على خلاف الوجه المأمور به.

و عند المعتزلة،و من خالفنا في ذلك:أنّ أحدهما يبطل صاحبه إذا كان ما يستحقّ عليه من الثّواب أو العقاب أكثر ممّا يستحقّ على الآخر،فإنّه يبطل الأقلّ، على خلاف بينهم في أنّه يتحبّط على طريق الموازنة أو غير الموازنة.

قال الرّمّانيّ: و الفرق بين حبوط الفريضة و حبوط النّافلة:أنّ النّافلة من الفاسق لا بدّ عليها من منفعة عاجلة،لأنّ اللّه رغّب فيها إن أقام على فسقه أو لم يقم.

و التّرغيب من الحكيم لا يكون إلاّ لمنفعة.فأمّا الفريضة من الفاسق،فلانتقاض المضرّة الّتي كان يستحقّها على ترك المضرّة،و هذا-على مذهبنا-لا يصحّ على

ص: 678

ما فصّلناه،و لا على مذهب شيوخه،لأنّ المستحقّ على النّوافل لا يكون إلاّ ثوابا،و الثّواب لا يصحّ فعله في دار التّكليف،فكيف يصحّ ما قاله؟!(2:424)

الواحديّ: يريد ب(اعمالهم):ما هم عليه من ادّعائهم التّمسّك بالتّوراة و إقامة شريعة موسى،و أراد ببطلانها في الدّنيا:أنّها لم تحقن دماءهم و أموالهم،و في الآخرة:لم يستحقّوا بها مثوبة،فصارت كأنّها لم تكن.

(1:424)

البغويّ: و بطلان العمل في الدّنيا أن لا يقبل،و في الآخرة أن لا يجازى عليه.(1:424)

ابن عطيّة: معناه بطلت و سقط حكمها،و حبطها في الدّنيا:بقاء الذّمّ و اللّعنة عليهم،و حبطها في الآخرة:

كونها هباء منبثّا و تعذيبهم عليها.

و قرأ ابن عبّاس و أبو السّمال العدوىّ (حبطت) بفتح الباء و هي لغة،ثمّ نفى النّصر عنهم في كلا الحالين.

(1:415)

الطّبرسيّ: [مثل الواحديّ ثمّ قال:]

لأنّ حبوط العمل:عبارة عن وقوعه على خلاف الوجه الّذي يستحقّ عليه الثّواب و الأجر و المدح و حسن الذّكر.و إنّما تحبط الطّاعة حتّى تصير كأنّها لم تفعل إذا وقعت على خلاف الوجه المأمور به.(1:424)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّه تعالى بيّن بهذا أنّ محاسن أعمال الكفّار محبطة في الدّنيا و الآخرة.أمّا الدّنيا فإبدال المدح بالذّمّ و الثّناء باللّعن،و يدخل فيه ما ينزل بهم من القتل و السّبي،و أخذ الأموال منهم غنيمة،و الاسترقاق لهم،إلى غير ذلك من الذّلّ الظّاهر فيهم.و أمّا حبوطها في الآخرة فبإزالة الثّواب إلى العقاب.(7:230)

نحوه النّيسابوريّ(3:156)،و القاسميّ(4:817)

ابن عربيّ: أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ الّتي عملوها على دين نبيّهم،لأنّهم كانوا بتقليد نبيّهم ناجين بالمتابعة،و أنبياؤهم كانوا شفعاءهم بتوسّطهم بينهم و بين اللّه في وصول الفيض إليهم،فإذا أنكروا النّبيّين و أتباعهم العادلين فقد خالفوا نبيّهم،لأنّ الأنبياء كلّهم على ملّة واحدة في الحقيقة،هي ملّة التّوحيد، لا نفرّق بين أحد منهم في كونهم على الحقّ،فمن خالف واحدا فقد خالف الكلّ.

و كذا من خالف أهل العدل من أتباع النّبيّين فقد ظلم،و من ظلم فقد خرج بظلمه عن المتابعة،و أيضا فمنكر الاتباع منكر المتبوعين،و منكر الظّلّ منكر الذّات، خارج عن نورها.

و إذا خالفوا نبيّهم لم يبق بينهم و بينه من الوصلة و المناسبة ما تمكّن به الاستفاضة من نوره،فحجبوا عن نوره.و كانت أعمالهم منوّرة بنوره لأجل المتابعة،لا نور ذاتيّ لها؛إذ لم تكن صادرة عن يقين،فإذا زال نورها العارضيّ باحتجابهم عن نبيّهم،فقد أظلمت و صارت كسائر السّيّئات من صفات النّفس الأمّارة.و فيه ما سمعت غير مرّة من قتل كفّار قوى النّفس الأمّارة أنبياء القلوب،الآمرين بالقسط من القوى الرّوحانيّة.

(1:174)

النّسفيّ: أي ضاعت.(1:151)

أبو السّعود :أي أولئك المتّصفون بتلك الصّفات القبيحة أو المبتلون بأسوإ الحال الّذين بطلت أعمالهم الّتي

ص: 679

عملوها من البرّ و الحسنات،و لم يبق لها أثر في الدّارين بل بقي لهم اللّعنة و الخزي في الدّنيا،و عذاب أليم في الآخرة.(1:351)

نحوه البروسويّ.(2:15)

الآلوسيّ: و(اولئك)مبتدأ-و ما فيه من البعد على المشهور للإيذان ببعد منزلتهم في فظاعة الحال- و الموصول خبره،أي أولئك المتّصفون بتلك الصّفات الشّنيعة الّذين بطلت أعمالهم،و سقطت عن حيّز الاعتبار،و خلت عن الثّمرة في الدّنيا؛حيث لم تحقن دماؤهم و أموالهم و لم يستحقّوا بها مدحا و ثناء،و في الآخرة حيث لم تدفع عنهم العذاب و لم ينالوا بسببها الثّواب.و هذا شامل للأعمال المتوقّفة على النّيّة و لغيرها.

و من النّاس من ذهب إلى أنّ العمل الغير المتوقّف على النّيّة كالصّدقة و صلة الرّحم،ينتفع به الكافر في الآخرة و لا يحبط بالكفر،فالمراد بالأعمال هنا:ما كان من القسم الأوّل.و إن أريد ما يشمل القسمين التزم كون هذا الحكم مخصوصا بطائفة من الكفّار،و هم الموصوفون بما تقدّم من الصّفات،و فيه تأمّل.(3:109)

رشيد رضا :فلا ينتفعون بشيء منها،لأنّ العمل الصّالح إنّما ينفع بحسن أثره في النّفس،و نفوس هؤلاء قد أو غل فيها الفساد-كما تقدّم-ففقدت الاستعداد و القبول لكلّ خير.(3:264)

سيّد قطب :فهذا هو المصير المحتوم. عَذابٌ أَلِيمٌ لا يحدّده بالدّنيا أو بالآخرة،فهو متوقّع هنا و هناك و بطلان لأعمالهم في الدّنيا و الآخرة في تعبير مصوّر، فالحبوط هو انتفاخ الدّابّة الّتي ترعى نبتا مسموما،توطئة لهلاكها،و هكذا أعمال هؤلاء قد تنتفخ و تتضخّم في الأعين.و لكنّه الانتفاخ المؤدّي إلى البطلان و الهلاك؛ حيث لا ينصرهم ناصر و لا يدفع عنهم حام.

(1:381)

الطّباطبائيّ: فيها دلالة أوّلا:على حبط عمل من قتل رجلا من جهة أمره بالمعروف أو نهيه عن المنكر.

و ثانيا:على عدم شمول الشّفاعة له يوم القيامة، لقوله: وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ. (3:124)

نحوه فضل اللّه.(5:287)

مكارم الشّيرازيّ: أي أنّ أعمالهم الصّالحات سوف تتأثّر بذنوبهم الكبيرة فتفقد أثرها،و تصبح كأن لم تكن.(2:319)

3- وَ يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَ هؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ. المائدة:53

ابن عبّاس: بطلت حسناتهم في الدّنيا.(96)

نحوه القرطبيّ.(6:219)

الطّبريّ: ذهبت أعمالهم الّتي عملوها في الدّنيا باطلا،لا ثواب لها،و لا أجر،لأنّهم عملوها على غير يقين منهم،بأنّها عليهم للّه فرض واجب،و لا على صحّة إيمان باللّه و رسوله،و إنّما كانوا يعملونها ليدفعوا المؤمنين بها عن أنفسهم و أموالهم و ذراريهم،فأحبط اللّه أجرها، إذ لم تكن له.(6:281)

الزّجّاج: أي ذهب ما أظهروه من الإيمان،و بطل كلّ خير عملوه بكفرهم،و صدّهم عن سبيل اللّه،كما قال:

ص: 680

اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ محمّد:1،المعنى:و يقول الّذين آمنوا في ذلك الوقت،أي في وقت يظهر اللّه نفاقهم فيه.(2:

182)

الطّوسيّ: أي ضاعت أعمالهم الّتي عملوها،لأنّهم أوقعوها على خلاف الوجه المأمور به،لأنّ ما فعلوه فعلوه على وجه النّفاق دون التّقرّب به إلى اللّه.

(3:554)

نحوه الطّبرسيّ(2:207)،و النّسفيّ(1:288).

الواحديّ: بطل كلّ خير عملوه بكفرهم و غشّهم المسلمين.(2:198)

نحوه البغويّ.(2:60)

الزّمخشريّ: حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ من جملة قول المؤمنين،أي بطلت أعمالهم الّتي كانوا يتكلّفونها في رأي أعين النّاس،و فيه معنى التّعجّب،كأنّه قيل:ما أحبط أعمالهم فما أخسرهم!أو من قول اللّه عزّ و جلّ شهادة لهم بحبوط الأعمال،و تعجيبا من سوء أعمالهم.(1:620)

نحوه البيضاويّ.(1:279)

ابن عطيّة: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و يحتمل أن يكون قوله: حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ على جهة الدّعاء:إمّا من اللّه تعالى عليهم،و إمّا من المؤمنين.

و حبط العمل إذا بطل بعد أن كان حاصلا،و قد يقال:

حبط في عمل الكفّار،و إن كان لم يتحصّل على جهة التّشبيه.

و قرأ جمهور النّاس (حَبِطَتْ) بكسر الباء،و قرأ أبو واقد و الجرّاح (حبطت) بفتح الباء،و هي لغة.

(2:207)

الفخر الرّازيّ: يحتمل أن يكون من كلام المؤمنين، و يحتمل أن يكون من كلام اللّه،و المعنى ذهب ما أظهروه من الإيمان،و بطل كلّ خير عملوه،لأجل أنّهم الآن أظهروا موالاة اليهود و النّصارى،فأصبحوا خاسرين في الدّنيا و الآخرة،فإنّه لمّا بطلت أعمالهم بقيت عليهم المشقّة في الإتيان بتلك الأعمال،و لم يحصل لهم شيء من ثمراتها و منافعها،بل استحقّوا اللّعن في الدّنيا و العقاب في الآخرة.(12:18)

نحوه النّيسابوريّ(6:112)،و الخازن(2:53).

أبو حيّان :[نقل أقوال المفسّرين ثمّ قال:]

و حبط العمل هنا هو على معنى التّشبيه و إلاّ فلا عمل له في الحقيقة فيحبط.

و جوّز الحوفي أن يكون حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ خبرا ثانيا عن هؤلاء،و الخبر الأوّل هو قوله: اَلَّذِينَ أَقْسَمُوا، و أن يكون(الّذين)صفة ل(هؤلاء)،و يكون (حبطت)هو الخبر.(3:510)

أبو السّعود : حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ إمّا جملة مستأنفة مسوقة من جهته تعالى، لبيان مآل ما صنعوه من ادّعاء الولاية و الإقسام على المعيّة في المنشط و المكره،إثر الإشارة إلى بطلانه بالاستفهام الإنكاريّ.و إمّا خبر ثان للمبتدإ عند من يجوّز كونه جملة،كما في قوله تعالى: فَإِذا هِيَ حَيَّةٌ تَسْعى طه:20،أو هو الخبر و الموصول مع ما في حيّز صلته صفة لاسم الإشارة،فالاستفهام حينئذ للتّقرير، و فيه معنى التّعجّب كأنّه قيل:ما أحبط أعمالهم فما

ص: 681

أخسرهم.

و المعنى بطلت أعمالهم الّتي عملوها في شأن موالاتكم،و سعوا في ذلك سعيا بليغا؛حيث لم تكن لكم دولة،فينتفعوا بما صنعوا من المساعي و تحمّلوا من مكابدة المشاقّ.و فيه من الاستهزاء بالمنافقين و التّقريع للمخاطبين ما لا يخفى.

و قيل:قاله بعض المؤمنين مخاطبا لبعض تعجّبا من سوء حال المنافقين،و اغتباطا بما منّ اللّه تعالى على أنفسهم من التّوفيق للإخلاص:أ هؤلاء الّذين أقسموا لكم بأغلظ الأيمان أنّهم أولياؤكم و معاضدوكم على الكفّار؟!بطلت أعمالهم الّتي كانوا يتكلّفونها في رأي أعين النّاس.

و أنت خبير بأنّ هذا الكلام من المؤمنين إنّما يليق بما لو أظهر المنافقون حينئذ خلاف ما كانوا يدّعونه، و يقسمون عليه من ولاية المؤمنين و معاضدتهم على الكفّار،فظهر كذبهم و افتضحوا بذلك على رءوس الأشهاد،و بطلت أعمالهم الّتي كانوا يتكلّفونها في رأي أعين المؤمنين.

و لا ريب في أنّهم يومئذ أشدّ ادّعاء و أكثر إقساما منهم قبل ذلك،فضلا عن أن يظهروا خلاف ذلك،و إنّما الّذي يظهر منهم النّدامة على ما صنعوا،و ليس ذلك علامة ظاهرة الدّلالة على كفرهم و كذبهم في ادّعائهم، فإنّهم يدّعون أن ليست ندامتهم إلاّ على ما أظهروه من موالاة الكفرة،خشية إصابة الدّائرة.(3:403)

نحوه البروسويّ.(2:403)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و ذهب بعضهم إلى أنّه إذا كانت من جملة المقول فهي في محلّ نصب بالقول؛بتقدير:أنّ قائلا يقول:ما ذا قال المؤمنون بعد كلامهم ذلك؟فقيل:قالوا: حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ.

و الجملة إمّا إخباريّة،و شهادة المؤمنين بمضمونها على تقدير أن يكون المراد به:خسران دنيويّ و ذهاب الأعمال بلا نفع يترتّب عليها،هو ما أمّلوه من دولة اليهود،ممّا لا إشكال فيه.و على تقدير أن يكون المراد:

أمرا أخرويّا،فيحتمل أن يكون باعتبار ما يظهر من حال المنافقين في ارتكاب ما ارتكبوا.و أن تكون باعتبار إخبار النّبيّ صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم بذلك.

و إمّا جملة دعائيّة،و لا ضير في الدّعاء بمثل ذلك، على ما مرّت الإشارة إليه،و أشعر كلام البعض أنّ في الجملة معنى التّعجّب مطلقا،سواء كانت من جملة المقول،أو من قول اللّه تعالى،و لعلّه غير بعيد عند من يتدبّر.(6:160)

رشيد رضا :يحتمل أن يكون من حكاية قول المؤمنين،و يكون معناه بطلت أعمالهم الّتي كانوا يتكلّفونها نفاقا ليقنعوكم بأنّهم منكم،كالصّلاة و الصّيام و الجهاد معكم،فخسروا ما كان يترتّب عليها من الأجر و الثّواب لو صلح حالهم و قوي إيمانهم بها.

و يحتمل أن يكون من قول اللّه عزّ و جلّ تعقيبا على قول المؤمنين،فهو شهادة منه تعالى بحبوط أعمالهم الإسلاميّة؛إذ كانت تقيّة لا تقوى فيها و لا إخلاص، و بخسرانهم في الدّنيا بعد الفضيحة،و في الآخرة يوم الجزاء.(6:433)

ص: 682

مغنيّة: قال الرّازيّ و صاحب«المنار»:يحتمل أن تكون هذه الجملة من كلام اللّه،و يحتمل أن تكون من كلام المؤمنين.

و يلاحظ بأنّ احتمال كونها من كلام اللّه غير وارد على الإطلاق،لأنّ سياق الآية يدلّ على أنّها من كلام المؤمنين،و ليست إخبارا مستأنفا من اللّه سبحانه.

و المعنى أنّ المؤمنين بعد أن تعجّبوا من حال المنافقين و ألاعيبهم قالوا:لقد بطلت أعمال المنافقين الّتي كانوا يتظاهرون بها أمامنا كالصّوم و الصّلاة،و ما إليهما،و لم ينلهم من الثّواب شيء.(3:75)

عبد الكريم الخطيب :أي فسد تدبيرهم، و خاب ظنّهم،و بطل سعيهم،فكان ذلك خسران لهم أيّ خسران.(3:1118)

مكارم الشّيرازيّ: و الجملة الأخيرة تشبه-في الحقيقة-جوابا لسؤال مقدّر،و كأنّ شخصا يسأل:ما ذا سيكون مصير هؤلاء؟فيجاب بأنّ أعمالهم ستذهب إدراج الرّياح،و ستطوّقهم الخسارة من كلّ جانب،أي إنّ هؤلاء حتّى لو كانت لهم أعمال صدرت عنهم بإخلاص و نيّة صادقة-لانحرافهم صوب النّفاق و الشّرك بعد ذلك-فهم لا يحصلون على أيّ نتيجة حسنة من تلك الأعمال الصّالحة.(4:38)

4- وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. الأعراف:

147

ابن عبّاس: بطلت حسناتهم في الشّرك.(138)

الطّبريّ: ذهبت أعمالهم،فبطلت و حصلت لهم أوزارها فثبتت،لأنّهم عملوا لغير اللّه و أتعبوا أنفسهم في غير ما يرضى اللّه،فصارت أعمالهم عليهم وبالا.

(9:61)

الطّوسيّ: إخبار من اللّه تعالى أنّ من كذّب بآياته و جحد البعث و النّشور تنحبط أعماله،لأنّها تقع على خلاف الوجه الّذي يستحقّ بها المدح و الثّواب،فيصير وجودها و عدمها سواء.

و الحبوط:سقوط العمل حتّى يصير بمنزلة ما لم يعمل،و أصل الإحباط:الفساد،مشتقّ من«الحبط» و هو داء يأخذ البعير في بطنه من فساد الكلأ عليه، يقال:حبطت الإبل تحبط،إذا أصابها ذلك.و إذا عمل الإنسان عملا على خلاف الوجه الّذي أمر به يقال:

أحبطه،بمنزلة من يعمل شيئا ثمّ يفسده.(4:577)

نحوه الطّبرسيّ.(2:478)

الواحديّ: صارت كأنّها لم تكن.(2:410)

نحوه البغويّ.(2:235)

ابن عطيّة: معناه سقطت و فسدت،و أصل الحبط فيما تقدّم صلاحه،و لكنّه قد يستعمل في الّذي كان أوّل مرّة فاسدا؛إذ مآل العاملين واحد.و ساغ أن يستعمل (حبطت)هنا إذ كانت أعمالهم في معتقداتهم جارية في طريق صلاح،فكأنّ الحبط فيها إنّما هو بحسب معتقداتهم،و أمّا بحسب ما هي عليه في أنفسها ففاسدة منذ أوّل أمرها.(2:454)

نحوه أبو حيّان.(4:391)

البيضاويّ: لا ينتفعون بها.(1:369)

ص: 683

الخازن:يعني بطلت فصارت كأن لم تكن.و المعنى أنّه قد يكون في الّذين يكذبون بآيات اللّه من يعمل البرّ و الإحسان و الخير،فبيّن اللّه تعالى بهذه الآية أنّ ذلك ليس ينفعهم مع كفرهم و تكذيبهم بآيات اللّه،و إنكارهم الدّار الآخرة و البعث.(2:238)

أبو السّعود :أي ظهر بطلان أعمالهم الّتي كانوا عملوها من صلة الأرحام و إغاثة الملهوفين و نحو ذلك، أو(حبطت)بعد ما كانت مرجوّة النّفع على تقدير إيمانهم بها.(3:29)

نحوه البروسويّ.(3:241)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و حاصله أنّهم لا ينتفعون بأعمالهم و إلاّ فهي أعراض لا تحبط حقيقة.(9:62)

القاسميّ: أي بطلت،فلم تعقب نفعا.و المراد جزاء أعمالهم،لأنّ الحابط إنّما يصحّ في المنتظر دون ما تقضّى،و هذا كقوله: لِيُرَوْا أَعْمالَهُمْ الزّلزال:

6.(7:2856)

المراغيّ: تحبط أعمالهم و تذهب سدى،لأنّهم عملوا لغير اللّه و أتعبوا أنفسهم في غير ما يرضى اللّه، فتصير أعمالهم وبالا عليهم و لا يجزون إلاّ جزاء ما استمرّوا على عمله من الكفر و المعاصي،فأثّر في نفوسهم و أرواحهم حتّى دسّاها و أفسدها.فقد مضت سننه تعالى بجعل الجزاء في الآخرة أثرا للعمل مرتّبا عليه.

كترتيب المسبّب على السّبب،و لا يظلم ربّك أحدا في جزائه مثقال ذرّة.(9:67)

الطّباطبائيّ: [راجع ج ز ي](8:247)

مغنيّة:و أعجبني ما قاله هنا بعض المفسّرين غفر اللّه له،و لذا أنقله بالحرف،قال:«حبوط الأعمال مأخوذ من قولهم:حبطت النّاقة،إذا رعت نباتا سامّا،فانتفخ بطنها ثمّ نفقت،و هو وصف ملحوظ في طبيعة الباطل يصدر من المكذّبين بآيات اللّه و لقاء الآخرة،فالمكذّب ينتفخ حتّى يظنّه النّاس من عظمة و قوّة،ثمّ ينفق كما تنفق النّاقة الّتي رعت ذلك النّبات السّامّ».(3:394)

مكارم الشّيرازيّ: و الحبط يعني بطلان العمل و فقدانه للأثر و الخاصيّة،يعني أنّ مثل هؤلاء الأفراد حتّى إذا عملوا خيرا،فإنّ عملهم لن يعود عليهم بنتيجة.

(5:203)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى:

فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ التّوبة:17 و 69

فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ الكهف:105

ليحبطنّ

...لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ. الزّمر:65

الطّبريّ: لئن أشركت باللّه شيئا يا محمّد،ليبطلنّ عملك،و لا تنال به ثوابا،و لا تدرك جزاء إلاّ جزاء من أشرك باللّه.(24:24)

نحوه ابن عطيّة(4:540)،و البروسويّ(8:132).

الطّوسيّ: و ليس في ذلك ما يدلّ على صحّة الإحباط على ما يقوله أصحاب الوعيد،لأنّ المعنى في ذلك:لئن أشركت بعبادة اللّه غيره من الأصنام لوقعت عبادتك على وجه لا يستحقّ عليها الثّواب و لو كانت

ص: 684

العبادة خالصة لوجهه لاستحقّ عليها الثّواب،فلذلك وصفها بأنّها محبطة.[إلى أن قال:]

و معنى(ليحبطنّ)ليفسدنّ،يقولون:حبط بطنه إذا فسد من داء معروف.(9:44)

نحوه الطّبرسيّ.(4:507)

الزّمخشريّ: قرئ (ليحبطنّ) ،و (ليحبطنّ) على البناء للمفعول،و (لنحبطنّ) (1)بالنّون و الياء،أي ليحبطنّ اللّه أو الشّرك.(3:407)

الآلوسيّ: و في عدم تقييد الإحباط بالاستمرار على الإشراك إلى الموت،دليل للحنفيّة الذّاهبين إلى أنّ «الرّدّة»تحبط الأعمال الّتي قبلها مطلقا.نعم قالوا:

لا يقضي منها بعد الرّجوع إلى الإسلام إلاّ الحجّ.

و مذهب الشّافعيّ أنّ«الرّدّة»لا تحبط العمل السّابق عليها،ما لم يستمرّ المرتدّ على الكفر إلى الموت.و ترك التّقييد هنا اعتمادا على التّصريح به،في قوله تعالى:

وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:217،و يكون ذلك من حمل المطلق على المقيد.

و أجاب بعض الحنفيّة بأنّ في الآية المذكورة توزيعا فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ ناظر إلى الارتداد عن الدّين، وَ أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ إلخ ناظر إلى الموت على الكفر،فلا مقيّد ليحمل المطلق عليه.

و من هذا الخلاف نشأ الخلاف في الصّحابيّ إذا ارتدّ ثمّ عاد إلى الإسلام بعد وفاته صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم أو قبلها،و لم يره هل يقال له:صحابيّ أم لا؟

فمن ذهب إلى الإطلاق قال:لا،و من ذهب إلى التّقييد قال:نعم.و قيل:يجوز أن يكون الإحباط مطلقا من خصائص النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام؛إذ شركه -و حاشاه-أقبح،و فيه ضعف لأنّ الغرض تحذير أمّته و تصوير فظاعة الكفر،فتقدير أمر يختصّ به لا يتعدّى من النّبيّ إلى الأمّة،لا اتّجاه له،مع أنّه لا مستند له من نقل أو عقل.

و المراد بالخسران على مذهب الحنفيّة:ما لزم من حبط العمل،فكان الظّاهر«فتكون»إلاّ أنّه عدل إلى ما في النّظم الجليل للإشعار بأنّ كلاّ من الإحباط و الخسران يستقلّ في الزّجر عن الإشراك.و قيل:

الخلود في النّار،فيلزم التّقييد بالموت،كما هو عند الشّافعيّ عليه الرّحمة.(24:24)

نحوه ملخّصا القاسميّ.(14:5149)

مكارم الشّيرازيّ: إحباط الأعمال يعني محو آثار ثواب الأعمال السّابقة؛و ذلك بعد كفره و شركه باللّه، لأنّ شرط قبول الأعمال هو الاعتقاد بأصل التّوحيد، و لا يقبل أيّ عمل بدون هذا الاعتقاد.(15:132)

مسألة إحباط الأعمال:

هل يمكن حقّا أن تحبط الأعمال الصّالحة للإنسان بسبب أعمال سيّئة يرتكبها؟و هل أنّ هذه المسألة لا تتعارض مع عدالة البارئ عزّ و جلّ من جهة،و مع ظواهر الآيات الّتي تقول: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ؟

البحث بشأن هذا الأمر طويل و عريض من كلّ6)

ص: 685


1- و هي قراءة زيد عن يعقوب(الطّبرسيّ 4:506)

النّواحي،سواء العقليّة منها أو النّقليّة.و قد أوردنا جزء منه في ذيل الآية(217)من سورة البقرة،و سنطرحه في نهاية بعض الآيات الّتي تتناسب مع الموضوع في المجلّدات القادمة إن شاء اللّه.

و ممّا تجب الإشارة إليه هنا و في الآيات الّتي هي مورد بحثنا،هو:إن كان هناك أحد يشكّ في مسألة إحباط الأعمال،بسبب المعاصي فإنّه لا ينبغي أن يشكّ أبدا في تأثير الشّرك على إحباط الأعمال،لأنّ آيات كثيرة في القرآن المجيد،أشير إلى بعضها آنفا،تقول و بصراحة:إنّ الوفاة على الإيمان هي شرط قبول الأعمال،و بدونها لا يقبل من الإنسان أيّ عمل.

فقلب المشرك كالأرض السّبخة الّتي مهما بذرت فيها أنواع بذور الورد،و مهما هطل عليها المطر الّذي هو مصدر الحياة،فإنّ تلك البذور سوف لن تنبت أبدا.

(15:137)

تحبط

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ. الحجرات:2

ابن عبّاس: لكيلا تبطل حسناتكم بترككم الأدب و حرمة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.(435)

الفرّاء: معناه لا تحبط،و فيه الجزم و الرّفع إذا وضعت(لا)مكان(ان)و قد فسّر في غير موضع،و هي في قراءة عبد اللّه: (فتحبط أعمالكم) و هو دليل على جواز الجزم فيه.(3:70)

ابن قتيبة:لئلاّ تحبط...(415)

الطّبريّ: أن لا تحبط أعمالكم،فتذهب باطلة، لا ثواب لكم عليها،و لا جزاء،برفعكم أصواتكم فوق صوت نبيّكم،و جهركم له بالقول كجهر بعضكم لبعض.

و قد اختلف أهل العربيّة في معنى ذلك،فقال بعض نحويّي الكوفة:[ثمّ أدام نحو الفرّاء]

و قال بعض نحويّي البصرة: أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ أي مخافة أن تحبط أعمالكم،و قد يقال:

أسند الحائط أن يميل.(26:190)

نحوه ملخّصا القرطبيّ.(16:306)

الزّجّاج: معناه لا تفعلوا ذلك فتحبط أعمالكم، و المعنى لئلاّ تحبط أعمالكم.فالمعنى معنى اللاّم في(ان) و هذه اللاّم لام الصّيرورة،و هي كاللاّم في قوله:

فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً القصص:8،و المعنى فالتقطه آل فرعون ليصير أمرهم إلى ذلك،لا أنّهم قصدوا أن يصير إلى ذلك.و لكنّه في المقدار فيما سبق من علم اللّه أنّ سبب الصّير التقاطهم إيّاه،و كذلك لا ترفعوا أصواتكم،فيكون ذلك سببا لأن تحبط أعمالكم.(5:32)

عبد الجبّار: أمّا قوله تعالى: وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ... أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ... فإنّه يدلّ على أنّ ثواب الإنسان ينحبط بما يستحقّه من العقاب على الكفر و الفسق،على ما نذهب إليه في الإحباط و التّكفير،و ذلك يبطل قول من ينفي ذلك من المرجئة.(متشابه القرآن 2:622)

الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:أن تحبط أعمالكم،الثّاني:لئلاّ تحبط أعمالكم.(5:327)

ص: 686

نحوه الواحديّ(4:151)،و البغويّ(4:253).

الطّوسيّ: و المعنى يحبط ثواب ذلك العمل،لأنّهم لو أوقعوه على وجه الاستحقاق لاستحقّوا به الثّواب، فلمّا فعلوه على خلاف ذلك استحقّوا عليه العقاب، وفاتهم ذلك الثّواب،فذاك إحباط أعمالهم،فلا يمكن أن يستدلّ بذلك على صحّة الإحباط في الآية على ما يقوله أصحاب الوعيد،لأنّه تعالى علّق الإحباط في الآية بنفس العمل،و أكثر من خالفنا يعلّقه بالمستحقّ على الأعمال؛و ذلك خلاف الظّاهر.(9:341)

الزّمخشريّ: أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ منصوب الموضع،على أنّه مفعول له،و في متعلّقه وجهان:

أحدهما:أن يتعلّق بمعنى النّهي،فيكون المعنى:

انتهوا عمّا نهيتم عنه لحبوط أعمالكم،أي لخشية حبوطها،على تقدير حذف المضاف،كقوله تعالى:

يُبَيِّنُ اللّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا النّساء:176.

و الثّاني:أن يتعلّق بنفس الفعل،و يكون المعنى:

أنّهم نهوا عن الفعل الّذي فعلوه لأجل الحبوط،لأنّه لمّا كان بصدد الأداء إلى الحبوط،جعل كأنّه فعل لأجله و كأنّه العلّة.و السّبب في إيجاده على سبيل التّمثيل، كقوله تعالى: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا القصص:8.

فإن قلت:لخّص الفرق بين الوجهين.

قلت:تلخيصه أن يقدّر الفعل في الثّاني مضموما إليه المفعول،كأنّهما شيء واحد،ثمّ يصبّ النّهي عليهما جميعا صبّا.و في الأوّل يقدّر النّهي موجّها على الفعل على حياله،ثمّ يعلّل له منهيّا عنه.

فإن قلت:بأيّ النّهيين تعلّق المفعول له؟

قلت:بالثّاني عند البصريّين مقدّرا إضماره عند الأوّل،كقوله تعالى: آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْراً الكهف:

96،و بالعكس عند الكوفيّين.و أيّهما كان فمرجع المعنى إلى أنّ الرّفع و الجهر كلاهما منصوص أداؤه إلى حبوط العمل.و قراءة ابن مسعود (فتحبط اعمالكم) أظهر نصّا بذلك،لأنّ ما بعد الفاء لا يكون إلاّ مسبّبا عمّا قبله، فيتنزّل الحبوط من الجهر منزلة الحلول من الطّغيان،في قوله تعالى: فَيَحِلَّ عَلَيْكُمْ غَضَبِي طه:81.

و الحبوط من حبطت الإبل،إذا أكلت الخضر فنفخ بطونها و ربّما هلكت،و منه قوله عليه الصّلاة و السّلام:

«و إنّ ممّا ينبت الرّبيع لما يقتل حبطا أو يلمّ».و من أخواته:حبجت الإبل،إذا أكلت العرفج فأصابها ذلك، و أحبض عمله مثل أحبطه،و حبط الجرح و حبر،إذا غفر،و هو نكسه و تراميه إلى الفساد.

جعل العمل السّيّئ في إضراره بالعمل الصّالح كالدّاء و الحرض لمن يصاب به،أعاذنا اللّه من حبط الأعمال و خيبة الآمال.

و قد دلّت الآية على أمرين هائلين:

أحدهما:أنّ فيما يرتكب من يؤمن من الآثام ما يحبط عمله.

و الثّاني:أنّ في آثامه ما لا يدري أنّه محبط و لعلّه عند اللّه كذلك،فعلى المؤمن أن يكون في تقواه كالماشي في طريق شائك لا يزال يحترز و يتوقّى و يتحفّظ.(3:555)

نحوه النسفيّ[اكتفى بالوجه الأوّل للزّمخشريّ](4:

166)،و أبو السّعود(6:112)،و البروسويّ(9:64).

ابن عطيّة: و قوله تعالى:(ان تحبط)مفعول من

ص: 687

أجله،أي مخافة أن تحبط.و الحبط:إفساد العمل بعد تقرّره،يقال:حبط بكسر الباء و أحبطه اللّه.

و هذا الحبط إن كانت الآية معرّضة بمن يفعل ذلك استخفافا و استحقارا و جرأة،فذلك كفر،و الحبط معه على حقيقته.

و إن كان التّعريض للمؤمن الفاضل الّذي يفعل ذلك غفلة و جريا على طبعه،فإنّما يحبط عمله البرّ في توقير النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و غضّ الصّوت عنده أن لو فعل ذلك،فكأنّه قال:أن تحبط الأعمال الّتي هي معدّة أن تعملوها فتؤجروا عليها.

و يحتمل أن يكون المعنى:أن تأثموا،و يكون ذلك سببا إلى الوحشة في نفوسكم،فلا تزال معتقداتكم تتجرّد القهقرى حتّى يؤول ذلك إلى الكفر،فتحبط الأعمال حقيقة.

و ظاهر الآية أنّها مخاطبة لفضلاء المؤمنين الّذين لا يفعلون ذلك احتقارا؛و ذلك أنّه لا يقال لمنافق يعمل ذلك جرأة و أنت لا تشعر،لأنّه ليس له عمل يعتقده هو عملا.(5:145)

الطّبرسيّ: أي كراهة أن تحبط أو لئلاّ تحبط أعمالكم.و قيل:إنّه في حرف عبد اللّه(فتحبط اعمالكم).(5:130)

الفخر الرّازيّ: فيه وجهان مشهوران:أحدهما:

لئلاّ تحبط،و الثّاني:كراهة أن تحبط.

و يحتمل هاهنا وجها آخر،و هو أن يقال معناه:

و اتّقوا اللّه و اجتنبوا أن تحبط أعمالكم.و الدّليل على هذا أنّ الإضمار لمّا لم يكن منه بدّ فما دلّ عليه الكلام الّذي هو فيه أولى أن يضمر،و الأمر بالتّقوى قد سبق في قوله تعالى:(و اتّقوا).

و أمّا المعنى،فنقول:قوله:(ان تحبط)إشارة إلى أنّكم إن رفعتم أصواتكم و تقدمتكم تتمكّن منكم هذه الرّذائل و تؤدّي إلى الاستحقار،و أنّه يفضي إلى الانفراد و الارتداد المحبط.(28:114)

نحوه النّيسابوريّ.(26:57)

أبو حيّان :[نحو ابن عطيّة ثمّ قال:]

و أَنْ تَحْبَطَ مفعول له،و العامل فيه (و لا تجهروا)على مذهب البصريّين في الاختيار، و(لا ترفعوا)على مذهب الكوفيّين في الاختيار.و مع ذلك فمن حيث المعنى حبوط العمل علّة في كلّ من الرّفع و الجهر.

و قرأ عبد اللّه و زيد بن عليّ (فتحبط) بالفاء،و هو مسبّب عن ما قبله.(8:106)

الشّربينيّ: (ان)أي كراهة أن تحبط أي تفسد فتسقط(اعمالكم)الّتي هي الأعمال بالحقيقة،و هي الحسنات كلّها، وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ أي بأنّها حبطت.

فإنّ ذلك إذا اجترأ الإنسان عليه استخفّ به،و إذا استخفّ واظب عليه،و إذا واظب عليه أوشك أن يستخفّ بالمخاطب،فيكفر و هو لا يشعر.(4:61)

الآلوسيّ: قد دلّت الآية على أمرين هائلين:

أحدهما:أنّ فيما يرتكب من الآثام ما يحبط عمل المؤمن، و الثّاني:أنّ في أعماله ما لا يدري أنّه محبط،و لعلّه عند اللّه تعالى محبط.

و أجاب عن ذلك ابن المنير عليه الرّحمة:بأنّ المراد

ص: 688

في الآية:النّهي عن رفع الصّوت على الإطلاق،و معلوم أنّ حكم النّهي الحذر ممّا يتوقّع في ذلك من إيذاء النّبيّ صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم،و القاعدة المختارة أنّ إيذاءه عليه الصّلاة و السّلام يبلغ مبلغ الكفر المحبط للعمل باتّفاق،فورد النّهي عمّا هو مظنّة لأذى النّبيّ صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم سواء وجد هذا المعنى أو لا،حماية للذّريعة و حسما للمادّة.

ثمّ لمّا كان المنهيّ عنه منقسما إلى ما يبلغ مبلغ الكفر و هو المؤذي له عليه الصّلاة و السّلام،و إلى ما لا يبلغ ذلك المبلغ،و لا دليل يميّز أحد القسمين عن الآخر،لزم المكلّف أن يكفّ عن ذلك مطلقا،خوف أن يقع فيما هو محبط للعمل،و هو البالغ حدّ الأذى؛إذ لا دليل ظاهرا يميّزه،و إن كان فلا يتّفق تمييزه في كثير من الأحيان، و إلى التباس أحد القسمين بالآخر وقعت الإشارة بقوله سبحانه: أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ.

و إلاّ فلو كان الأمر على ما يعتقده الزّمخشريّ لم يكن لقوله سبحانه: وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ موقع؛إذ الأمر منحصر بين أن يكون رفع الصّوت مؤذيا،فيكون كفرا محبطا قطعا،و بين أن يكون غير مؤذ،فيكون كبيرة محبطة على رأيه قطعا،فعلى كلا حاليه الإحباط به محقّق إذن،فلا موقع لإدعام الكلام بعدم الشّعور مع أنّ الشّعور ثابت مطلقا.

ثمّ قال عليه الرّحمة:و هذا التّقدير يدور على مقدّمتين كلتاهما صحيحة:

إحداهما:أنّ رفع الصّوت من جنس ما يحصل به الأذى،و هذا أمر يشهد به النّقل و المشاهدة،حتّى أنّ الشّيخ ليتأذّى برفع التّلميذ صوته بين يديه،فكيف برتبة النّبوّة و ما تستحقّه من الإجلال و الإعظام.

ثانيتهما:أنّ إيذاء النّبيّ صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم كفر،و هذا ثابت قد نصّ عليه أئمّتنا،و أفتوا بقتل من تعرّض لذلك كفرا و لا تقبل توبته،فما أتاه أعظم عند اللّه تعالى و أكبر،انتهى.

و حاصل الجواب أنّه لا دليل في الآية على ما ذهب إليه الزّمخشريّ،لأنّه قد يؤدّي إلى الإحباط إذا كان على وجه الإيذاء أو الاستهانة،فنهاهم عزّ و جلّ عنه، و علّله بأنّه قد يحبط و هم لا يشعرون.

و قيل:يمكن نظرا للمقام أن ينزل أذاهم رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم برفع الصّوت منزلة الكفر تغليظا،إجلالا لمجلسه صلوات اللّه تعالى عليه و سلامه، ثمّ يرتّب عليه ما يرتّب على الكفر الحقيقيّ من الإحباط، كقوله تعالى: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ إلى قوله سبحانه: وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ آل عمران:97.

و معنى وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ عليه:و أنتم لا تشعرون أنّ ذلك بمنزلة الكفر المحبط و ليس كسائر المعاصي،و لا يتمّ بدون الأوّل.

و جاز كما في«الكشف»أن يكون المراد ما فيه استهانة،و يكون من الباب فَلا تَكُونَنَّ ظَهِيراً لِلْكافِرِينَ القصص:86 ممّا الغرض منه التّعريض، كيف و هو قول منقول عن الحسن كما حكاه في «الكشّاف».

و قال أبو حيّان:إن كانت الآية بمن يفعل ذلك

ص: 689

استخفافا،فذلك كفر يحبط معه العمل حقيقة،و إن كانت للمؤمن الّذي يفعله غلبة و جريا على عادته فإنّما يحبط عمله البرّ في توقير النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و غضّ الصّوت عنده إن لو فعل ذلك،كأنّه قيل:مخافة أن تحبط الأعمال الّتي هي معدّة أن تعملوها فتؤجروا عليها.

و لا يخفى ما في الشّقّ الثّاني من التّكلّف البارد،ثمّ إنّ من الجهر ما لم يتناوله النّهي بالاتّفاق،و هو ما كان منهم في حرب أو مجادلة معاند أو إرهاب عدوّ أو ما أشبه ذلك،ممّا لا يتخيّل منه تأذّ أو استهانة.[ثمّ ذكر أحاديث](26:136)

الطّباطبائيّ: أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ أي لئلاّ تحبط أو كراهة أن تحبط أعمالكم، و هو متعلّق بالنّهيين جميعا،أي إنّما نهيناكم عن رفع الصّوت فوق صوته و الجهر له بالقول كجهر بعضكم لبعض لئلاّ تبطل أعمالكم بذلك من حيث لا تشعرون، فإنّ فيهما الحبط،و قد تقدّم القول في«الحبط»في الجزء الثّاني من الكتاب.

و جوّز بعضهم كون أَنْ تَحْبَطَ إلخ،تعليلا للمنهيّ عنه و هو الرّفع و الجهر،و المعنى:فعلكم ذلك لأجل الحبوط منهيّ عنه،و الفرق بين تعليله للنّهي و تعليله للمنهيّ عنه:أنّ الفعل المنهيّ عنه معلّل على الأوّل و الفعل المعلّل منهيّ عنه على الثّاني،و فيه تكلّف ظاهر.

و ظاهر الآية أنّ رفع الصّوت فوق صوت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الجهر له بالقول معصيتان موجبتان للحبط فيكون من المعاصي غير الكفر ما يوجب الحبط.

و قد توجّه الآية بأنّ المراد بالحبط فقدان نفس العمل للثّواب،لا إبطال العمل ثواب سائر الأعمال كما في الكفر.

قال في«مجمع البيان»:و قال أصحابنا:إنّ المعنى في قوله:

أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ أنّه ينحبط ثواب ذلك العمل، لأنّهم لو أوقعوه على وجه تعظيم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و توقيره لاستحقّوا الثّواب،فلمّا أوقعوه على خلاف ذلك الوجه استحقّوا العقاب.وفاتهم ذلك الثّواب،فانحبط عملهم، فلا تعلّق لأهل الوعيد بهذه الآية.و لأنّه تعالى علّق الإحباط في هذه الآية بنفس العمل،و هم يعلّقونه بالمستحقّ على العمل،و ذلك خلاف الظّاهر،انتهى.

و فيه:أنّ الحبط المتعلّق بالكفر الّذي لا ريب في تعلّقه بثواب الأعمال أيضا متعلّق في كلامه بنفس الأعمال،كما في هذه الآية،فلتحمل هذه على ما حملت عليه ذلك من غير فرق،و كونه خلاف الظّاهر ممنوع، فإنّ بطلان العمل بطلان أثره المترتّب عليه.

و قد توجّه الآية أيضا بالبناء على اختصاص الحبط بالكفر،بأنّ رفع الصّوت فوق صوت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و الجهر له بالقول ليسا بمحبطين من حيث أنفسهما بل من حيث ادّائهما أحيانا إلى إيذائه صلّى اللّه عليه و آله و إيذاؤه كفر،و الكفر محبط للعمل.

قال بعضهم:المراد في الآية النّهي عن رفع الصّوت مطلقا،[ثمّ ذكر ملخّصا ما حكاه الآلوسيّ عن ابن المنير إلى قوله:«مع أنّ الشّعور ثابت مطلقا»ثم قال:]

و فيه أنّ ظهور قوله: لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ في النّهي النّفسيّ دون النّهي المقدّميّ أخذا

ص: 690

بالاحتياط،ممّا لا ريب فيه.لكن كلاّ من الفعلين ممّا يدرك كونه عملا سيّئا عقلا قبل ورود النّهي الشّرعيّ عنه كالافتراء و الإفك،و كان الّذين يأتون بهما المؤمنين، كما صدر النّهي بقوله: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا و هم و إن أمكن أن يسامحوا في بعض السّيّئات بحسبانه هيّنا،لكنّهم لا يرضون ببطلان إيمانهم و أعمالهم الصّالحة من أصله.

فنبّه سبحانه بقوله: أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ على أنّكم لا تشعرون بما لذلك من الأثر الهائل العظيم،فإنّما هو إحباط الأعمال،فلا تقربوا شيئا منهما أن تحبط أعمالكم و أنتم لا تشعرون.(18:308)

عبد الكريم الخطيب :حبط الأعمال:إبطالها، و حرمان أصحابها الثّمرة المرجوّة منها.

و السّؤال هنا:كيف تحبط أعمالهم بعمل يعملونه و لا يشعرون بالآثار المترتّبة عليه؟و هل يؤاخذ الإنسان على ما يعمله عن غفلة و جهل؟

و الجواب على هذا-و اللّه أعلم-أنّ هذا تحذير من أن يكون من المؤمنين شيء من هذا المنهيّ عنه مستقبلا، بعد أن نهاهم اللّه سبحانه و تعالى عنه.فالمؤاخذة على ما نهوا عنه،إنّما تبدأ من بعد تلقّيهم هذا النّهي،و لأنّ مثل رفع الصّوت،و الجهر بالقول،ممّا قد يكون من بعض النّاس طبيعة لازمة،أو عادة متحكّمة.فقد جاء هذا التّحذير ليتنبّه المؤمنون و هم بين يدي النّبيّ،و ليحرسوا أنفسهم من أن ينزلقوا،تحت حكم الطّبيعة،أو العادة، إلى هذا المنزلق الّذي تضيع فيه أعمالهم الطّيّبة،من غير أن يشعروا أنّهم يأتون منكرا،أو يقصدون إساءة أدب في حضرة الرّسول.

و هذا،و إن كان من غير قصد،هو مزلق إلى ما يكون عن قصد،و وعي،بعد أن يصبح ذلك عادة مألوفة.(13:435)

فضل اللّه :أي حذرا من أن تحبط أعمالكم إذا أسأتم احترام النّبيّ،ممّا قد يؤدّي إلى الاستهانة به و بأمره و نهيه؛فيقودكم ذلك إلى الابتعاد عن خطّ الإيمان بطريقة تلقائيّة لا شعوريّة،تبعا لما تتركه بعض الأوضاع من تأثير على بعضها الآخر،فالنّاحية السّلوكيّة قد تترك تأثيرها على النّاحية النّفسيّة،و تؤدّي بالتّالي إلى لون معيّن من الانحراف في اتّجاه آخر.(21:136)

[لاحظ:«ش رك»]

احبط

أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللّهُ أَعْمالَهُمْ وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً. الأحزاب:19

ابن عبّاس: فأبطل اللّه بسيّئاتهم حسناتهم.

(352)

مقاتل:أبطل اللّه جهادهم،لأنّه لم يكن في إيمان.

(الواحديّ 3:464)

الطّوسيّ: يعني نفع أعمالهم على وجوه لا يستحقّ عليها الثّواب،لأنّهم لا يقصدون بها وجه اللّه.(8:326)

نحوه القرطبيّ.(14:154)

الزّمخشريّ: فإن قلت:هل يثبت للمنافق عمل حتّى يرد عليه الإحباط؟

قلت:لا،و لكنّه تعليم لمن عسى يظنّ أنّ الإيمان باللّسان إيمان و إن لم يواطئه القلب،و أنّ ما يعمل المنافق

ص: 691

من الأعمال يجدي عليه،فبيّن أنّ إيمانه ليس بإيمان و أنّ كلّ عمل يوجد منه باطل.

و فيه بعث على إتقان المكلّف أساس أمره و هو الإيمان الصّحيح،و تنبيه على أنّ الأعمال الكثيرة من غير تصحيح المعرفة كالبناء على غير أساس،و أنّهما ممّا يذهب عند اللّه هباء منثورا.(3:255)

ابن عطيّة: أي إنّها لم تقبل قطّ فكانت كالمحبطة.

(4:376)

الطّبرسيّ: لأنّها لم تقع على الوجوه الّتي يستحقّ عليها الثّواب؛إذ لم يقصدوا بها وجه اللّه تعالى.و في هذا دلالة على صحّة مذهبنا في«الإحباط»لأنّ المنافقين ليس لهم ثواب فيحبط،فليس إلاّ أنّ جهادهم الّذي لم يقارنه إيمان لم يستحقّوا عليه ثوابا.(4:348)

الفخر الرّازيّ: يعني لم يؤمنوا حقيقة و إن أظهروا الإيمان لفظا،فأحبط اللّه أعمالهم الّتي كانوا يأتون بها مع المسلمين.

و قوله: وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً إشارة إلى ما يكون في نظر النّاظر،كما في قوله تعالى: وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ الرّوم:27،و ذلك لأنّ الإحباط:إعدام و إهدار، و إعدام الأجسام إذا نظر النّاظر يقول الجسم بتفريق أجزائه،فإنّ من أحرق شيئا يبقى منه رماد؛و ذلك لأنّ الرّماد إن فرّقته الرّيح يبقى منه ذرّات،و هذا مذهب بعض النّاس.

و الحقّ هو أنّ اللّه يعدم الأجسام و يعيد ما يشاء منها، و أمّا العمل فهو في العين معدوم و إن كان يبقى؛يبقى بحكمه و آثاره،فإذا لم يكن له فائدة و اعتبار فهو معدوم حقيقة و حكما،فالعمل إذا لم يعتبر فهو معدوم في الحقيقة،بخلاف الجسم.(25:202)

البيضاويّ: فأظهر بطلانها؛إذ لم تثبت لهم أعمال فتبطل،أو أبطل تصنّعهم و نفاقهم.(2:242)

نحوه أبو السّعود.(5:217)

أبو حيّان :[نحو ابن عطيّة ثمّ نقل قول الزّمخشريّ و قال:]

و في كلامه استعمال(عسى)صلة(لمن)و هو لا يجوز.

(7:220)

البروسويّ: أي أظهر بطلانها؛إذ لم يثبت لهم أعمال فتبطل،لأنّهم منافقون.و في هذا دلالة على أنّ المعتبر عند اللّه هو العمل المبنيّ على التّصديق،و إلاّ فهو كبناء على غير أساس.(7:155)

الآلوسيّ: أي أظهر بطلانها،لأنّها باطلة منذ عملت؛إذ صحّتها مشروطة بالإيمان و الإخلاص،و هم مبطنون الكفر.(21:166)

عبد الكريم الخطيب :أي لم يتقبّل اللّه منهم عملا،حتّى ما كان صالحا،لأنّ الإيمان هو المدخل الّذي تدخل منه الأعمال الصّالحة إلى مواطن القبول من اللّه، و هؤلاء لم يكونوا مؤمنين،فلا عمل يقبل منهم أبدا، و لا يقوم لهم بنيان،و لا يصلح لهم أمر ممّا يبيّتون و يدبّرون.(11:675)

2- ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ.

محمّد:9

ابن عبّاس: فأبطل حسناتهم و نفقاتهم يوم

ص: 692

بدر.(427)

الطّبريّ: فأبطل أعمالهم الّتي عملوها في الدّنيا، و ذلك عبادتهم الآلهة،لم ينفعهم اللّه بها في الدّنيا و لا في الآخرة،بل أوبقهم بها،فأصلاهم سعيرا.و هذا حكم اللّه جلّ جلاله في جميع من كفر به،من أجناس الأمم.

(26:46)

الواحديّ: لأنّها لم تكن في إيمان.(4:121)

الميبديّ: فلم ينالوا بها خيرا.(9:181)

ابن عطيّة: جعلها من العمل الّذي لا يزكو و لا يعتدّ به،فهي لذلك كالّذي أحبط.(5:112)

النّيسابوريّ: الّتي لا استناد لها إلى القرآن أو السّنّة.(26:24)

الخازن :يعني فأبطل أعمالهم الّتي عملوها في غير طاعة اللّه،و لأنّ الشّرك محبط العمل.(6:147)

الشّربينيّ: أي أبطل إبطالا لا صلاح معه.(4:25)

البروسويّ: (فاحبط)لأجل ذلك(اعمالهم) الّتي عملوها حال إيمانهم من الطّاعات،أو بعد ذلك من أعمال البرّ الّتي لو عملوها حال الإيمان لانتفعوا بها فالكفر و المعاصي سبب لإحباط الأعمال،و باعث على العذاب و النّكال.(8:519)

الآلوسيّ: (فاحبط)لاجل ذلك(اعمالهم)الّتي لو كانوا عملوها مع الإيمان لأثيبوا عليها.و ذكر الإحباط مع ذكر الإضلال المراد هو منه إشعارا بأنّه يلزم الكفر بالقرآن،و لا ينفكّ عنه بحال.(26:45)

القاسميّ: كعبادتهم لأوثانهم؛حيث لم تنفعهم،بل أوبقهم بها،فأصلاهم سعيرا.(15:5378)

نحوه المراغيّ.(26:52)

مغنيّة: و الإضلال و الإحباط بمعنى واحد،و هو الضّياع و عدم الجدوى من العمل،و كرّر سبحانه ليشير إلى أنّ ضياع العمل لا ينفكّ عن الكفر بالقرآن و كراهيته.(7:66)

عبد الكريم الخطيب :و إحباط الأعمال هو إفسادها،و وأدها في مهدها.(13:322)

فضل اللّه :و أبطلها،حتّى لم يبق منها أيّ شيء،و لم ينتج عن الجهد المبذول فيها أيّ ثواب،يرجوه العاملون عادة من أعمالهم،لا في الدّنيا و لا في الآخرة،فتحوّلت إلى رماد اشتدّت به الرّيح في يوم عاصف،لا يقدرون على شيء ممّا كسبوا.

و تلك هي القاعدة الّتي ترتكز عليها إنتاجيّة الأعمال الصّالحة الّتي يقوم بها النّاس في الدّنيا،فإنّ كلّ عمل لا ينطلق من الإيمان الدّاخليّ العميق باللّه و يمتدّ إلى الواقع على هذا الأساس،لا يملك عمقا في رضى اللّه و لا امتدادا في قضيّة المصير.

فلا بدّ من أن ينفتح الإنسان على محبّة ما أنزله اللّه ليتجذّر الحبّ في الوجدان،و يتجسّد حركة في الواقع، ليكون عمله صالحا منتجا،و إلاّ كان الإحباط في العمل.

(21:57)

و بهذا المعنى جاء: فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ محمّد:9، 28.

سيحبط

إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ شَاقُّوا

ص: 693

اَلرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللّهَ شَيْئاً وَ سَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ. محمّد:32

ابن عبّاس: يبطل حسناتهم و نفقاتهم يوم بدر، و هم المطعمون يوم بدر.(430)

الطّبريّ: و سيذهب أعمالهم الّتي عملوها في الدّنيا، فلا ينفعهم بها في الدّنيا و لا الآخرة،و يبطلها إلاّ ممّا يضرّها.(26:62)

الطّوسيّ: و يستحقّون عليها العقاب.(9:308)

الواحديّ: و سيحبط اللّه أعمالهم فلا يرون لها في الآخرة ثوابا.(4:129)

نحوه البغويّ(4:218)،و الخازن(5:154)

الزّمخشريّ: وَ سَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ الّتي عملوها في دينهم يرجون بها الثّواب،لأنّها مع كفرهم برسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم باطلة،و هم قريظة و النّضير.أو سيحبط أعمالهم الّتي عملوها و المكائد الّتي نصبوها في مشاقّة الرّسول،أي سيبطلها فلا يصلون منها إلى أغراضهم بل يستنصرون بها،و لا يثمر لهم إلاّ القتل و الجلاء عن أوطانهم.

و قيل:هم رؤساء قريش و المطعمون يوم بدر.

(3:538)

نحوه البيضاويّ(2:398)،و النّسفيّ(4:155)، و أبو السّعود(6:93)،و البروسويّ(8:523)، و الآلوسيّ(26:79)،و المراغيّ(26:74).

ابن عطيّة: وَ سَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ أمّا على قول من يرى أنّ أعمالهم الصّالحة من صلة رحم و نحوه تكتب،فيجيء الاحباط فيها متمكّنا.و أمّا على قول من لا يرى ذلك،فمعنى وَ سَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ أنّها عبارة عن إعدامه أعمالهم و إفسادها،و أنّها لا توجد شيئا منتفعا به،فذلك إحباط على تشبيه و استعارة.(5:121)

الطّبرسيّ: وَ سَيُحْبِطُ اللّه أَعْمالَهُمْ فلا يرون لها في الآخرة ثوابا.و في هذه الآية دلالة على أنّ هؤلاء الكفّار كانوا قد تبيّن لهم الهدى فارتدّوا عنه، فلم يقبلوه عنادا،و هم المنافقون.

و قيل:إنّهم أهل الكتاب،ظهر لهم أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله، فلم يقبلوه.

و قيل:هم رؤساء الضّلالة جحدوا الهدى،طلبا للجاه و الرّئاسة،لأنّ العناد يضاف إلى الخواصّ.

(5:107)

الطّباطبائيّ: أي مساعيهم لهدم أساس الدّين، و ما عملوه لإطفاء نور اللّه.

و قيل:المراد إحباط أعمالهم و إبطالها،فلا يثابون في الآخرة على شيء من أعمالهم.

و المعنى الأوّل أنسب للسّياق،لأنّ فيه تحريض المؤمنين و تشجيعهم على قتال المشركين،و تطييب نفوسهم أنّهم هم الغالبون،كما تفيده الآيات التّالية...

(18:244)

عبد الكريم الخطيب :أي يفسد تدبيرهم، و لا يقبل لهم أيّ عمل،و لو كان من الأعمال الحسنة في ذاتها.(13:373)

مكارم الشّيرازيّ: و إحباط أعمالهم:إمّا أن يكون إشارة إلى أعمال الخير الّتي قد يقومون بها أحيانا كإقراء الضّيف،و الإنفاق،و معونة ابن السّبيل؛أو أن

ص: 694

يكون إشارة إلى عدم تأثير خطط هؤلاء،و مؤامراتهم ضدّ الإسلام.(16:359)

فضل اللّه :فتنتهي إلى الخيبة و السّقوط،فلا يبقى لهم أيّة قوّة أو سلطة.(21:76)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحبط،أي إفراط الدّابّة في الأكل حتّى ينتفخ بطنها،يقال:حبط البعير يحبط حبطا، أي أصاب مرعى طيّبا فأفرط في أكله حتّى انتفخ،فهو حبط،و إبل حباطى و حبطة.و حبطت الشّاة حبطا:

انتفخ بطنها عن أكل الذّرق،و هو عشب برّيّ.

و الحبط:الانتفاخ أين كان،من داء و غيره.يقال:

حبط بطن فلان يحبط حبطا،أي انتفخ فهو حبط،و حبط جلده:ورم.و فرس حبط القصيرى:منتفخ الخاصرتين.

و الإحباط:أن تذهب ماء الرّكيّة فلا يعود كما كان.

يقال:حبطت البئر حبطا،أي ذهب ماؤها.و حمل عليه قولهم:حبط دم القتيل يحبط حبطا،أي هدر،و حبط حبطا و حبوطا:عمل عملا ثمّ أفسده،فهو حبط و اللّه أحبطه.

2-و احبنطأ الرّجل و احبنطى:انتفخ جوفه،فهو محبنطئ و محبنطى،و رجل حبنطأ و حبنطاة و حبنطى:

قصير سمين ضخم البطن.

و قد أصرّ اللّغويّون قاطبة على أنّ هذا الحرف من هذه المادّة،لاتّحاد المعنى و زيادة النّون و الهمزة أو الألف.

بيد أنّ الجوهريّ تردّد فيه،فتارة جعله في باب«الطّاء»، و أخرى في باب«الهمزة»،رغم قوله بزيادتها.

و لعلّ ذلك إشارة إلى القول بأصالة الهمزة،كأن يكون هذا المعنى من«ح ط أ»مثلا،و منه:الحطيئة:

الرّجل القصير.

و لعلّ«الباء»زائدة فيه أيضا كالهمزة،فيكون من «ح ن ط»،و منه:الحنطئ:القصير،و عنز حنطئة:

عريضة ضخمة.

الاستعمال القرآنيّ

اشارة

جاء منها الماضي المجرّد المفرد الغائب مذكّرا 3 مرّات،و مؤنّثا 6 مرّات،و المضارع مرّتين،و من باب «الإفعال»ماضيا 3 مرّات،و مضارعا مرّة،في 16 آية:

حبط الأعمال:

1- ...وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَ هُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ المائدة:5

2- ذلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ وَ لَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ الأنعام:88.

3- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها نُوَفِّ إِلَيْهِمْ أَعْمالَهُمْ فِيها وَ هُمْ فِيها لا يُبْخَسُونَ* أُولئِكَ الَّذِينَ لَيْسَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ إِلاَّ النّارُ وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ هود:15،16

4- وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ البقرة:217

5- إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ... أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ ما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ آل عمران:21،22

ص: 695

6- فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ... حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَأَصْبَحُوا خاسِرِينَ المائدة:52،53

7- وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ

الأعراف:147

8- ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَ فِي النّارِ هُمْ خالِدُونَ التّوبة:17

9- وَعَدَ اللّهُ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْكُفّارَ...

*... أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ وَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ التّوبة:68،69

10- أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فَلا نُقِيمُ لَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَزْناً

الكهف:105

11- وَ لَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَ إِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ

الزّمر:65

12- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ الحجرات:2

إحباط الأعمال:

13- ...أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللّهُ أَعْمالَهُمْ وَ كانَ ذلِكَ عَلَى اللّهِ يَسِيراً الأحزاب:19

14- اَلَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ* ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا ما أَنْزَلَ اللّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ

محمّد:8،9

15- ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللّهَ وَ كَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ محمّد:28

16- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ شَاقُّوا الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدى لَنْ يَضُرُّوا اللّهَ شَيْئاً وَ سَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ محمّد:32

و يلاحظ أوّلا:أنّ الحبط أو الإحباط تعلّق بأعمال الكفّار أو العصاة إلاّ أنّ بينهما تفاوتا من جهات ثلاث:

الفعل اللاّزم و المتعدّي،صيغة الماضي و المضارع،علّة

الحبط و الإحباط:

أمّا الأولى ف(حبط و حبطت)لازم،فاعله(عمله) و(ما كانوا يعملون)و(ما صنعوا)في(1-3)،و(اعمالهم) و(اعمالكم)في(4-10 و 12)،و(عملك)في(11).

و(أحبط)متعدّ فاعله(اللّه)،و معلوم أنّ«حبط الأعمال»فيها جميعا فعل اللّه إلاّ أنّ ثقل الكلام في(حبط) على الحبط فقط،و في(أحبط)على الحبط و فاعله، و لا ريب أنّ الثّاني أشدّ تهويلا و انذارا من الأوّل، لاستناده إلى اللّه تعالى صريحا،و لكنّ الأوّل آكد و أصرم وقوعا؛حيث أفاد أنّ الأعمال تحبط و تسقط رأسا بمجرّد الكفر و الشّرك،أو العصيان.

و أمّا الثّانية:فقد جاء مضارعا في ثلاث منها (11 و 12 و 16):اثنتين من(حبط)و واحدة من (الإحباط): أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ و لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ و سَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ، و جاء ماضيا في الباقى.و ربّما يخطر بالبال أنّ الماضي خاصّ بالدّنيا، و المضارع بالآخرة.و لكنّه خطأ،لأنّه جاء في بعضها

ص: 696

(4 و 5 و 9)(حبط أعمالهم في الدّنيا و الآخرة)و هذا مراد في الباقي قطعا،إلاّ أنّ ذكر الدّنيا و الآخرة فيها أعمّ تهويلا و أشدّ إنذارا.

و مع ذلك ففي كلّ من هذه الثّلاث نكتة.أمّا في(12) أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ فقد جاء في وصف المؤمنين الّذين أعمالهم مقبولة طبعا،و لكن جهرهم بالقول للنّبيّ عليه السّلام و سوء أدبهم معه تسقط تلك الأعمال المقبولة فلا وزن لها بعده في الميزان،فالحبط متأخّر عنه،فجاء مضارعا.

و أمّا في(11) لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ فقد جاء خطابا للنّبيّ عليه السّلام-و أعماله كلّها مقبولة-و شركه لم يقع و لن يقع-بل هو مجرّد فرض ليعتبر به المؤمنون، فالمضارع وقع في محلّه،و معناه أنّه لو أشرك-فرضا-في المستقبل ليحبطنّ عمله البتّة.

و أمّا في(16) لَنْ يَضُرُّوا اللّهَ شَيْئاً وَ سَيُحْبِطُ أَعْمالَهُمْ فجاء مضارعا متناسقا ل لَنْ يَضُرُّوا اللّهَ شَيْئاً مع أنّ المراد ب(اعمالهم)هنا-كما يأتي- أعمالهم المستمرّة في الإضرار بالرّسول،دون ما صدر منهم من الخير كما في غيرها.فالمضارع يفيد أنّهم يديمون أعمالهم الخاسرة،و يستمرّون عليها،و لكنّها لن تضرّ اللّه شيئا ممّا يريدون.

و أمّا الثّالثة-و هي ما علّل به الحبط و وصف به الّذين يحبط أعمالهم-فأمور:

أ-الكفر في خمس منها:

(1) وَ مَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ

و(5) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ... أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ

و(10) أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ لِقائِهِ فَحَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ

و(14) اَلَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْساً لَهُمْ وَ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ

و(16)«ان الذين كفروا لن يضروا الله شيئا و سيحبط اعمالهم»

ب-الشّرك في ثلاث منها:

(2) وَ لَوْ أَشْرَكُوا لَحَبِطَ عَنْهُمْ ما كانُوا يَعْمَلُونَ

و(8) ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللّهِ شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ

و(11) لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ

ج-الارتداد في اثنتين منها:

(4) وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ

(15) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ... وَ كَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ

د-تكذيب آيات اللّه في واحدة منها:

(7) وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ

ه-النّفاق في ثلاث منها:

(6) فَتَرَى الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ... وَ يَقُولُ الَّذِينَ آمَنُوا أَ هؤُلاءِ الَّذِينَ أَقْسَمُوا بِاللّهِ جَهْدَ أَيْمانِهِمْ إِنَّهُمْ لَمَعَكُمْ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ

(9) وَعَدَ اللّهُ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْكُفّارَ... ...أُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ

ص: 697

(13) فَإِذا ذَهَبَ الْخَوْفُ سَلَقُوكُمْ بِأَلْسِنَةٍ حِدادٍ أَشِحَّةً عَلَى الْخَيْرِ أُولئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللّهُ أَعْمالَهُمْ

و-إرادة الدّنيا و زينتها في واحدة منها:

(3) مَنْ كانَ يُرِيدُ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها... وَ حَبِطَ ما صَنَعُوا فِيها وَ باطِلٌ ما كانُوا يَعْمَلُونَ

ز-الجهر بالقول للنّبيّ في واحدة منها:

(12) وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ

ثانيا:هذه الأمور-سوى رفع الصّوت و الجهر بالقول في آية الحجرات،و سنبحثها-ترجع إلى أمر واحد،و هو الكفر و عدم الإيمان،مع أنّ الكفر مذكور أو مراد في كثير منها:فجاء في(2)مع الشّرك في آية بعدها فَإِنْ يَكْفُرْ بِها هؤُلاءِ... و في(3)إرادة الحياة الدّنيا خطابا للكفّار،و في(4) وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ، و في(6) اَلَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ و هو نوع من النّفاق،و هو كفر.

فقد جمع اللّه المنافقين و الكافرين في العقاب في آيات،منها إِنَّ اللّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَ الْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً النّساء:140،و كذا الكلام في(13) الخاصّة بالنّفاق،و في(7)تكذيب آيات اللّه و هو كفر، و في(8) شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ، و في(9) وَعَدَ اللّهُ الْمُنافِقِينَ وَ الْمُنافِقاتِ وَ الْكُفّارَ، و في(11) جاء في الشّرك لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ، و قبلها وَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ اللّهِ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ فجمع اللّه بين المشرك و الكافر في الخسران.

و في(15) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلى أَدْبارِهِمْ مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى محمّد:25،المراد بالارتداد بقرينة السّياق،هو البقاء على الكفر،دون الرّجوع عن الإيمان،و الشّاهد عليه قوله: وَ كَرِهُوا رِضْوانَهُ.

ثالثا:و قد ثبت بما ذكرنا أنّ«حبط الأعمال»خصّ بالكفر و عدم الإيمان في الآيات،سوى في(12)فقد جاء عقيب أمرين ليسا كفرا،بل معصية؛حيث قال خطابا للمؤمنين: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ* يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَرْفَعُوا أَصْواتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَ لا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ* إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوى لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ أَجْرٌ عَظِيمٌ* إِنَّ الَّذِينَ يُنادُونَكَ مِنْ وَراءِ الْحُجُراتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ* وَ لَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ الحجرات:1-5، و يشهد بذلك:

أ-بدء الآيات بالخطاب إلى المؤمنين دالّ على أنّ ارتكابهم ما فيها من الخلاف،و منها جهر أصواتهم فوق صوت النّبيّ،و الجهر له بالقول كان خطأ و معصية صدرت عن المؤمنين دون من لا إيمان لهم.

ب-أنّ لسان الآيات هو التّأديب و الموعظة وصولا إلى التّقوى و كمال الإيمان،كما قال: أُولئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللّهُ قُلُوبَهُمْ...، دون التّشريع و التّفريق بين المؤمن و الكافر،بل بين الجاهلين غير المتأدّبين بأدب الإسلام،كما قال: وَ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ و بين العقلاء

ص: 698

المتأدّبين منهم،و كلّهم يعدّون من المؤمنين.

ج-التّصريح بحبط أعمالهم و هم لا يشعرون،فلم يكن صدوره منهم عن قصد و عمد،حتّى يلحقوا بالكفّار.

د-قوله في ذيلها وَ اللّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ و هذا خاصّ بالمؤمن العاصي دون الكافر المعتدي.

ه-و من هنا يتبيّن لنا أنّ الخطاب في هذه السّورة المدنيّة و إن كان لعامّة المؤمنين إلاّ أنّ الذّمّ متوجّه إلى الأعراب الّذين دخلوا في الإسلام جديدا غير متأدّبين بآدابه،دون المهاجرين و الأنصار الّذين أطراهم في آيات كثيرة،فإنّهم كما تحكي عنهم السّيرة كانوا يراعون أدبهم مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و هم الّذين قال فيهم: إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْواتَهُمْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ... اللّهمّ إلاّ الشّاذّ النّادر.

و يؤيّده قوله في آخر السّورة: قالَتِ الْأَعْرابُ آمَنّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَ لكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنا وَ لَمّا يَدْخُلِ الْإِيمانُ فِي قُلُوبِكُمْ... و يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ... الحجرات:14،17.

و لهذا قال الطّباطبائيّ: «و ظاهر الآية أنّ رفع الصّوت فوق صوت النّبيّ عليه السّلام و الجهر له بالقول معصيتان موجبتان للحبط،فيكون من المعاصي غير الكفر ما يوجب الحبط».ثمّ حكى قول بعضهم بالفرق بين:

الحبط بالكفر و الحبط بالعصيان،بأنّ العصيان في هذه الآية يحبط به ثواب ذلك العمل،و الكفر يحبط به ثواب سائر الأعمال.و ردّه بأنّ الحبط بالكفر تعلّق في الآيات بنفس الأعمال أيضا.

و حكى وجها آخر لإلحاق العصيان في هذه الآية بالكفر،و هو أنّ رفع الصّوت فوق صوته و الجهر له بالقول ليسا محبطين بنفسهما،بل من حيث ادّائهما أحيانا إلى إيذائه،و إيذاؤه كفر،فنهى عنهما مطلقا،لأنّهما مظنّة الكفر،و إن كان منهما ما لا يؤذيه،لكن يلتبس أحدهما بالآخر،كما قال: أَنْ تَحْبَطَ أَعْمالُكُمْ وَ أَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ.

و ردّه أيضا بأنّ ظاهر الآية النّهي النّفسيّ عنهما دون المقدّميّ أخذا بالاحتياط و حذرا عن القسم المؤذي، و الّذين كانوا يأتون بهما مؤمنون،كما قال: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا و هم و إن أمكن أن يسامحوا في بعض السّيّئات بحسبانه هيّنا،لكنّهم لا يرضون ببطلان إيمانهم و أعمالهم الصّالحة من أصله.لاحظ نصّ الآلوسيّ و الطّباطبائيّ.

رابعا:الحبط لغة،كما تقدّم:نفخ البطن و استعير-كما قال الرّضيّ-للفساد و الهلاك و البطلان و نحوها،و قد شاع فيها كالمعنى الحقيقيّ و لا سيّما في الآيات.و قد تعلّق الحبط فيها جميعا بالأعمال،و قد فسّروها ب«بطل ثوابها، بطل عمله»يبطل و تسقط لا يستحقّون عليها ثوابا،فسد أعمالهم،ليس شيئا عند اللّه،لا يحصلون عنها على نتيجة،بطلت أعمالهم و ردّت حسناتهم،صارت بمنزلة ما لم يكن،صارت أعمالهم فاسدة كأن لم يكن،سقوط العمل عن التّأثير و نحوها،و المعنى واحد و إن اختلفت ألفاظهم،و مع ذلك فقد اختلفوا في أمور:

الأوّل:أنّ أكثرهم خصّ حبط الأعمال بالكفر،و قد سبق أنّ آية الحجرات(12)دلّت على الحبط بالعصيان.

الثّاني:يظهر منهم أنّه خاصّ بالأعمال العباديّة

ص: 699

و القربيّة الّتي كان المرتدّ عملها و أتى بها حال الإيمان، و عمّها الطّباطبائيّ لمطلق الأفعال الّتي يريد الإنسان بها سعادة الحياة،مستندا إلى ورود الحبط فيمن لا عبادة له و لا عمل قربيّ كالكفّار و المنافقين،في جملة من تلك الآيات.و قد أصرّ هو في كلام طويل على أنّ حبطها عبارة عن سقوطها عن التّأثير في سعادة الإنسان في الدّنيا و الآخرة،فلاحظ.

الثّالث:اختلفوا في بقاء أعمال المرتدّ معلّقة إلى حين الموت،لقوله في(4) وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ، أو سقوطها رأسا حين الارتداد،و كذلك في عودتها لو رجع إلى الإيمان بعد الارتداد،فعن الشّافعيّ:

أنّ الرّدّة لا تحبط الأعمال حتّى يموت عليها،و عن أبي حنيفة:أنّها تحبطها و إن رجع مسلما لا تعود،و عند الطّباطبائيّ:أنّ هذا النّزاع باطلة من أصله من أجل ما اختاره من أنّ حبط الأعمال هو بطلانها،من حيث التّأثير في سعادته الدّنيويّة و الأخرويّة-كما سبق-لكن يرجى ذلك للمرتدّ إن لم يمت على الرّدّة،و إن مات على الرّدّة حتم له الحبط،و كتب عليه الشّقاوة،فكلامه يشعر بالتّعليق أيضا.

الرّابع:قالت المعتزلة استنادا إلى هذه الآيات بالإحباط و التّكفير،و الإحباط عندهم:أنّ الأعمال تبطل بعضها بعضا،فكلّ سيّئة لا حقة تبطل الحسنة السّابقة كلاّ أو بقدر ما يوازنها من السّيّئة على خلاف بينهم،و كذلك بالعكس كلّ حسنة لاحقة تذهب السّيّئة السّابقة كلاّ أو بما يوازيها،و يبقى الباقي سليما عن المنافي في الطّرفين.قال الطّباطبائيّ:«و لازم القولين جميعا أن لا يكون عند الإنسان من أعماله إلاّ نوع واحد حسنة أو سيّئة لو كان عنده شيء منهما».

و قد ردّ عليهم مخالفوهم من الأشاعرة و الإماميّة و غيرهما بعد اعترافهم بالتّكفير-كما يأتي-بأنّ قوله تعالى: وَ آخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلاً صالِحاً وَ آخَرَ سَيِّئاً عَسَى اللّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ التّوبة:102،ظاهر في اختلاف الأعمال و بقائها إلى أن تلحقها توبة من اللّه.

و بأنّه تعالى جرى في المجازاة على ما جرى عليه العقلاء في أمورهم.و هو احتساب كلّ من الحسنة و السّيّئة على حدّهما،و هذا هو المقبول في حساب الأعمال و مجازاتها حسب ما ثبت في كتب أعمال العباد يوم القيامة،و لو لا ذلك لاستلزم حبط الأعمال كلّها- بلا موازنة-كما قال به بعضهم:الظّلم بالعباد وَ ما رَبُّكَ بِظَلاّمٍ لِلْعَبِيدِ فصّلت:46.

نعم،الحسنة تكفّر السّيّئة،كما قال: إِنْ تَتَّقُوا اللّهَ يَجْعَلْ لَكُمْ فُرْقاناً وَ يُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ الأنفال:29، و إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ النّساء:31،بل بعض الأعمال يبدّل السّيّئة حسنة،كما قال: إِلاّ مَنْ تابَ وَ آمَنَ وَ عَمِلَ عَمَلاً صالِحاً فَأُوْلئِكَ يُبَدِّلُ اللّهُ سَيِّئاتِهِمْ حَسَناتٍ الفرقان:70.

و يبدو أنّ كلاّ من التّكفير و التّبديل يقع عقيب التّوبة عن السّيّئة لا بمجرّد عمل الحسنة،و لا ريب أنّ التّوبة تمحي السّيّئات،لاحظ«ت و ب»و للبحث حول الإحباط مجال واسع عند المتكلّمين.

الخامس:فرّع الطّباطبائيّ مسألة الإحباط و مسألة

ص: 700

أعمال المرتدّ على مسألة أخرى كأصل لهم،اختلفوا فيها و هي-كما قال-البحث عن وقت الاستحقاق و موطنه، فقيل:إنّه وقت العمل،و قيل:حين الموت،و قيل:

الآخرة،و قيل:وقت العمل و الموافاة،بمعنى أنّه لو لم يدم على ما هو عليه حال العمل إلى حين الموت و موافاته لم يستحقّ ذلك،إلاّ أن يعلم اللّه ما يؤول إليه حاله و يستقرّ عليه،فيكتب ما يستحقّه حال العمل.

ثمّ قال:«و قد استدلّ أصحاب كلّ قول بما يناسبه من الآيات،فإنّ فيها ما يناسب كلاّ من هذه الأوقات بحسب الانطباق،و ربّما استدلّ بوجود عقليّة ملفّقة».

ثمّ عالج المسألة بما اختاره في حبط الأعمال و جزائها، من سقوط أثرها في النّفس و تحوّل النّفس بها،كذلك تحوّل الإنسان بالطّاعة و المعصية،و ترتّب الثّواب و العقاب عليهما،كلّ ذلك ما دام الحياة و انعدامها بالموت، فلازمها تعلّق ذلك كلّه حتّى الموت و لا يتنجّز شيء منها حال الحياة،و له في هذا البحث كلام طويل،فلاحظ، و قد فرّع عليه أمورا:

1-أنّ في جميع تلك الأقوال في هذه المسألة انحرافا من الحقّ لبنائهم البحث على غير ما ينبغي أن يبنى عليه -و هو ما اختاره من أنّ معنى الحبط:سقوط أثر العمل في سعادة الإنسان،دون أصل العمل أو ثوابه.

2-أنّ كلاّ من الثّواب و العقاب يلحق الإنسان من حيث الاستحقاق بمجرّد العمل،لكنّه قابل للتّحوّل.

3-أنّ حبط الأعمال مثل الاستحقاق لجزائها، يتحقّق عند العمل و يتحتّم عند الموت.

4-أنّ الحبط كما يتعلّق بالأعمال الأخرويّة يتعلّق بالأعمال الدّنيويّة.

5-أنّ التّحابط بين الأعمال باطل،بخلاف التّكفير و نحوه-أي التّبديل-بحجّة فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزّلزال:7 و 8.

و عندنا أنّه لا مانع من بقاء كلّ آية على ظاهرها،و أن تكون معاملة اللّه مع العباد حسب مشيئته و حكمته، و حسب أحوال العباد على أنحاء بحسب تلك الأقوال الأربعة.

على أنّ هذه الأبحاث شغلت قسطا كبيرا من مجادلات المتكلّمين من دون جدوى لها في عمل العباد.

و القرآن دائما يوجّه و يدعو إلى ما يقرّب النّاس من الطّاعة و يبعّدهم عن المعصية،و هذه الأبحاث المبهمة الّتي لا تنتهي إلى نتيجة صارمة ربّما تحجب العباد بعد الاطّلاع عليها عن الطّاعة.

خامسا:بناء على اختلافهم في أعمال المرتدّ هل تسقط بمجرّد الرّدّة أو تبقى معلّقة حتّى الموت؟

اختلفت الفقهاء في حجّ المسلم إذا ارتدّ ثمّ أسلم، فقال مالك:يلزمه الحجّ لقوله:بسقوط أعماله بمجرّد الرّدّة،فهو بعد الرّجوع عن ردّته إلى الإسلام كأنّه لم يحجّ.و قال الشّافعيّ القائل بالتّعليق لا يلزمه الحجّ،لأنّ حجّه السّابق لم يسقط رأسا،و احتجّ بأنّ قوله تعالى في (4) وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فيها شرطان لسقوط أعماله:الارتداد و الموت كافرا،فاجتمع مطلق و مقيّد-أي الارتداد مطلق قيّده الموت كافرا- فنأخذ بالمقيّد.و لإسناد هذا الحكم إلى الآية مجال للنّظر.

سادسا:جاءت في جملة من الآيات حبط الأعمال

ص: 701

في الدّنيا و الآخرة،فعن بعضهم أنّ حبطها في الدّنيا:بقاء الذّمّ و اللّعنة عليهم،و في الآخرة:كونها هباء منبثّا لا يثابون عليها،و خصّوها بالأعمال الحسنة الّتي تصدر من الكفّار بلا خلوص.

و عند الطّباطبائيّ-كما سبق-أنّ الحبط:سقوط أثر العمل-سواء ما جاء تقرّبا و عبادة أو غيرها-في سعادة الإنسان و شقاوته في الدّنيا و الآخرة،كما قال تعالى:

مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ النّحل:97،و قال: وَ مَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَ نَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَعْمى طه:124، فكلّ من حياة طيّبة و معيشة ضنك من آثار أعماله الحسنة و السّيّئة في الدّنيا،و كذلك الجزاء في الآخرة.قال:

و قد جمع الجميع و دلّ على سبب هذه السّعادة و الشّقاوة،قوله تعالى: ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَ أَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ محمّد:11.

و لفضل اللّه نظر في هذا التّحليل الدّقيق،و هو أنّ تفسير«الحبط»ببطلان أثر الأعمال مع الكفر و الارتداد، في سعادة الإنسان في الدّنيا و الآخرة صحيح،و لكن تفسيره السّعادة في الدّنيا بالحياة الرّوحيّة الّتي يعيش الإنسان المؤمن فيها النّور في أفعاله،دون الكافر الّذي يفقدها لفقدان صلته باللّه الّذي يدخل البهجة إلى قلبه و السّلوة عند حزنه،و الاكتفاء عند حبّه،ليس دقيقا، فإنّ ذلك قد يحقّق للإنسان الشّعور بالسّعادة و الطّمأنينة من حيث تأثير الإيمان في ذلك،كما هو مدلول الآيات الّتي استشهد بها.

و لكن الظّاهر من الأعمال في هذه الآية أي: وَ مَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَيَمُتْ وَ هُوَ كافِرٌ فَأُولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَ الْآخِرَةِ الأعمال الّتي يستحقّ بها الإنسان العناية من اللّه بما يعطي عباده المؤمنين النّتائج الإيجابيّة في أعمالهم الخيّرة،و إن لم يتقرّبوا بها إليه،بل كان جارية على حسب الخطّ الإيمانيّ الّذي تتحرّك فيه حياته من خلال انتمائه إلى رسالات اللّه-إلى أن قال بعد كلام طويل-:

فليست السّعادة الّتي يتطلّبها الإنسان شيئا يعشيه في حياته الدّاخليّة من موقع الثّقة الّتي يفرضها الإيمان، بل هو شيء يحصل عليه من خلال عطاء اللّه له،لأنّ اللّه يعطي الثّواب في الدّنيا كما في الآخرة،و سينزل العذاب في الدّنيا كما ينزله في الآخرة،و هذا هو جوّ الآية،و اللّه العالم.

و نقول:إنّ العلاّمة فسّر الآية على ما يقتضيه ذوقه الفلسفيّ من أنّ كلاّ من السّعادة و الشّقاوة في الدّنيا و الآخرة ناشئ عن باطن الإنسان و شاكلته الرّوحيّة،كما قال تعالى: كُلٌّ يَعْمَلُ عَلى شاكِلَتِهِ الإسراء:84، و له و للفلاسفة الإسلاميّين نظرة خاصّة في الحياة النّفسانيّة الأخرويّة،و أنّها بنفسها نار أو جنّة للفريقين.

سابعا:في بعض الآيات اختلاف في القراءة،مثل قراءة أبي السّمّال (حبط) بفتح الباء في جميع الآيات، و قراءة بعضهم بدل (ليحبطنّ) معلوما:في(11):

(ليحبطنّ)مجهولا،(لنحبطنّ)بنون المتكلّم من باب «الإفعال»،و الأوّل مرجعه إلى اختلاف اللّهجات، و الثّاني إلى التّذوّق النّحويّ لبعض القرّاء،دون اللّهجات،لاحظ المدخل بحث القراءات.

ص: 702

ثامنا:من هذه الآيات السّتّ عشرة:خمس مكّيّة، و كلّها بشأن المشركين أو الكفّار،و هم المخاطبون للقرآن بمكّة،و هي(2،3،7،10،11)،و الباقي مدنيّة،و أكثره بشأن المنافقين،أو المرتدّين،أو الكفّار،و واحدة و هي (12)في العصاة،و كلّهم كانوا مخاطبين للقرآن بالمدنيّة.

ص: 703

ص: 704

ح ب ك

اشارة

الحبك

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :حبكته بالسّيف حبكا:و هو ضرب في اللّحم دون العظم.

و يقال:هو محبوك العجز و المتن،إذا كان فيه استواء مع ارتفاع.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحباك:رباط الحظيرة بقصبات تعرّض ثمّ تشدّ، كما تحبك عروش الكرم بالحبال.

و احتبكت إزاري:شددته.

و الحبيكة:كلّ طريقة في الشّعر،و كلّ طريقة في الرّمل تحبكه الرّياح إذا جرت عليه،و يرى نحو ذلك في البيض من الحديد.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحبك:جماعة الحبيك،و يقال:كذلك خلقه وجه السّماء.

و يقال:«ما طعمنا عنده حبكة و لا لبكة»،و يقال:

عبكة.فالعبكة و الحبكة معا:الحبّة من السّويق، و اللّبكة:اللّقمة من الثّريد و نحوه.(3:66)

ابن المبارك: جعلت سواكي في حبكتي،أي في حجزتي.(الأزهريّ 4:109)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الحبك:العمل،تقول للرّجل الطّريف:ما حبكت بمثله قطّ.(1:190)

الفرّاء: الحبك:تكسّر كلّ شيء كالرّملة إذا مرّت بها الرّيح السّاكنة،و الماء القائم إذا مرّت به الرّيح،و الدّرع درع الحديد لها حبك أيضا،و الشّعرة الجعدة تكسّرها حبك،و واحد الحبك:حباك،و حبيكة.(3:82)

أبو زيد :يقال:حبكته بالسّيف حبكا،إذا ضربته به.(الأزهريّ 4:108)

ابن الأعرابيّ: كلّ شيء أحكمته و أحسنت عمله فقد احتبكته.(الجوهريّ 4:1578)

حبكه بالسّيف يحبكه و يحبكه حبكا،ضرب عنقه.

(ابن سيده 3:49)

ص: 705

أبو عبيد:في حديث الدّجّال:«رأسه حبك».

يقال:هي الطّرائق،و منه قوله تعالى: وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ الذّاريات:7.(1:453)

روي عن عائشة: «أنّها كانت تحتبك تحت درعها في الصّلاة».قال الأصمعيّ:«الاحتباك:الاحتباء لم يعرف إلاّ هذا».

و ليس ل«الاحتباء»هاهنا معنى،و لكنّ الاحتباك:

شدّ الإزار و إحكامه،أراد أنّها كانت لا تصلّي إلاّ مؤتزرة.و كلّ شيء أحكمته و أحسنت عمله فقد احتبكته.

و يقال للدّابّة إذا كان شديد الخلق:محبوك.

(الأزهريّ 4:109)

شمر:دابّة محبوكة،إذا كانت مدمجة الخلق.

(الأزهريّ 4:108)

الحبكة:الحجزة،و منها أخذ الاحتباك بالباء،و هو شدّ الإزار.(الأزهريّ 4:109)

المبرّد: المحبوك:الّذي فيه طرائق؛واحدها:

حباك،و الجماعة:حبك.يقال لطرائق الماء:حبك، و كذلك الطّرائق الّتي على جناح الطّائر.و من ذلك قول اللّه تبارك و تعالى: وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ.

(1:29)

الزّجّاج: أهل اللّغة يقولون:ذات الحبك:ذات الطّرائق الحسنة،و المحبوك في اللّغة:ما أجيد عمله،و كلّ ما تراه من الطّرائق في الماء و في الرّمل إذا أصابته الرّيح فهو حبك؛و واحدها:حباك،مثل:مثال و مثل،و تكون واحدتها أيضا:حبيكة،مثل:طريقة و طرق.(5:52)

ابن دريد :و الحبك:مصدر حبكه يحبكه حبكا، و هو أثر حسن الصّنعة في الشّيء و استوائها.

و فرس محبوك الظّهر،إذا استبان فيه الصّقال و حسن الصّنعة.

و الحباك:أن تجمع خشب كالحظيرة ثمّ يشدّ في وسطه بحبل يجمعه،فذلك الحبل:الحباك.

و تحبّكت المرأة بنطاقها،إذا شدّته في وسطها.

و كذلك تحبّك الرّجل بثيابه،إذا تلبّب بها.

و احتبكت إزاري،إذا شددته عليك.

و حبكه بالسّيف يحبكه و يحبكه،إذا ضربه على وسطه.

و قال قوم من أهل اللّغة:بل حبكه بالسّيف،إذا قطع اللّحم دون العظم،و كذلك حبك عروش الكرم،إذا قطعها.

و الحبيكة:كلّ طريقة من خصل الشّعر.و كذلك جاء في صفة الدّجّال:«إنّ شعره حبك»،و اللّه أعلم.

و طرائق آثار الرّيح في الرّمل:الحبائك.

و حبك بيضة الحديد:الطّرائق الّتي تراها فيه، و كذلك حبك الماء،إذا جرت عليه الرّيح.(1:227)

و الحبكة:الخطّ على جناح الحمام يخالف لونه.

(3:301)

الأزهريّ: فرس محبوك الكفل،أي مدمجه.[ثمّ استشهد بشعر]

[و]الّذي رواه أبو عبيد عن الأصمعيّ في «الاحتباك»أنّه الاحتباء غلط،و الصّواب:الاحتياك بالياء.يقال:احتاك يحتاك احتياكا،و تحوّك بثوبه،إذا احتبى به،هكذا رواه ابن السّكّيت و غيره عن الأصمعيّ بالياء.

ص: 706

و الّذي يسبق إلى وهمي أنّ أبا عبيد كتب هذا الحرف عن الأصمعيّ بالياء،فزلّ في النّقط و توهّمه باء،و العالم و إن كان غاية في الضّبط و الإتقان فإنّه لا يكاد يخلو من زلّة.

[و قيل:]التّحبيك:التّوثيق،و قد حبّكت العقدة، أي وثّقتها.[ثمّ نقل كلام اللّيث (1)و قال:]

و لم أسمع حبكة بمعنى«عبكة»لغير اللّيث،و قد طلبته في باب العين و الحاء لأبي تراب فلم أجده.

و المعروف:«ما في نحيه عبكة و لا عبقة»أي لطخ من السّمن أو الزّيت،من عبق به و عبك به،أي لصق به.

(4:108-110)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و حبكت الثّوب،و حباكه:كفافه.

و جاد ما حبك النّاسج الثّوب.

و الحبك:اللّئيم.

و الحبكّ:الشّديد.و حبكته بالشّتم،و الحبل،أي شددته.و حبكته في البيع و حبكني،أي رادّني.

و حبك بها و حبج،أي ضرط.

و الحبكة:القارورة الضّيّقة الفم؛و جمعها:حبك.

و حباك الحمامة:السّواد الّذي قد جاز ما فوق الجناحين.

و حباك اللّبد:الخيوط السّود الّتي تخاط بها أطرافه.

(2:385)

ابن سيده: الحبك:الشّدّ.و احتبك بإزاره:احتبى به و شدّه إلى بدنه.

و الحبكة،أن ترخي من أثناء حجزتك من بين يديك،لتحمل فيه الشّيء،ما كان.و قيل:هي الحجزة بعينها.و تحبّك:شدّ حجزته،و تحبّكت المرأة نطاقها:

شددته في وسطها.

و الحبكة:الحبل يشدّ به على الوسط.

و الحباك:أن يجمع خشب كالحظيرة،ثمّ يشدّ في وسطه بحبل يجمعه.

و الحبكة و الحباك:القدّة الّتي تضمّ الرّأس إلى الغراضيف من القتب و الرّحل.و قد تقدّمتا بالنّون عن «أبي عبيد»و أراه منه سهوا.

و الجمع:حبك و حبك،فحبك:جمع حبكة،و حبك:

جمع حباك.

و حبك الرّمل:حروفه و أسناده؛واحدها:حباك، و كذلك حبك الماء و الشّعر الجعد المتكسّر.

و الحبيكة:كلّ طريقة من خصل الشّعر،أو البيضة؛ و الجمع:حبيك و حبائك و حبك،كسفينة و سفين و سفائن و سفن.

و حبك السّماء:طرائقها،و قوله تعالى: وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ الذّاريات:7،أهل اللّغة يقولون:إنّها ذات الطّرائق الحسنة،و جاء في التّفسير:أنّها ذات الخلق الحسن.و الواحد كالواحد.

و فرس محبوك المتن و العجز:فيه استواء مع ارتفاع.

و جاد ما حبكه،إذا أجاد نسجه.

و حبك الثّوب و غيره يحبكه و يحبكه حبكا، و احتبكه،كلاهما:حسّن أثر الصّنعة فيه.

و ثوب حبيك:محبوك،و كذلك الوتر.ل.

ص: 707


1- قد سبق عن الخليل.

و حبكه بالسّيف:ضربه على وسطه،و قيل:هو إذا قطع اللّحم فوق العظم.

و حبك عروش الكرم:قطعها.و الحبك و الحبكة جميعا:الأصل من أصول الكرم.

و الحبكة:الحبّة من السّويق،يقال:«ما ذقنا عنده حبكة»،و يقال:عبكة.(3:48)

حبك الثّوب يحبكه حبكا،و حبكه و احتبكه:ثنى طرفه و خاطه.و حباك الثّوب:ما ثني و خيط من أطرافه.

[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](الإفصاح 1:382)

الرّاغب: ...و أصله[الحبك]من قولهم:بعير محبوك القري،أي محكمه،و الاحتباك:شدّ الإزار.(106)

الزّمخشريّ: و للرّيح من الماء و الرّمل حبك و حبائك و حبيك،أي طرائق؛الواحد:حبيكة و حباك.

و ما أحسن ما حبّكتها الرّياح!

و كساء محبّك:مخطّط،و كأنّ خطّه و شىء محبوك، و ذهب مسبوك،و للشّعر الجعد:حبك.

و ما أملح حباك هذه الحمامة،و هو الخطّ الأسود على جناحها.

و جوّد حباك الثّوب،أي كفافه،و حبكت الثّوب:

كففته،و حبكت الحبل:شددته.

و بناء محبّك:موثّق.و حبّكت العقدة:وثّقتها.

و فرس محبوك القرا.

و احتبك بالإزار:احترم به.

و هم في أمّ حبوكرى،و هي الدّاهية؛سمّيت لشدّتها و قوّتها،و الرّاء مضمومة إلى حروف«حبك».و تقول:

«وقعوا في أمّ حبوكرى،فلم يحبوا كرى».[و استشهد بالشّعر 3 مرّات](أساس البلاغة:72)

الفيّوميّ: احتبك،بمعنى احتبى.و قيل:الاحتباك شدّ الإزار،و منه«كانت عائشة رضي اللّه عنها في الصّلاة تحتبك بإزار فوق القميص».(1:119)

الفيروزآباديّ: (الحبك):الشّدّ و الإحكام، و تحسين أثر الصّنعة في الثّوب يحبكه و يحبكه كاحتبكه، فهو حبيك و محبوك،و القطع،و ضرب العنق.

و احتبك بإزاره:احتبى.

و الحبكة بالضّمّ:الحجزة.

و تحبّك:شدّها أو تلبّب بثيابه،و المرأة بنطاقها:

تنطّقت،و الحبل:يشدّ به على الوسط،و القدّة الّتي تضمّ الرّأس إلى الغراضيف من القتب كالحباك ككتاب،الجمع كصرد و كتب.

و حبك الرّمل بضمّتين:حروفه؛الواحدة ككتاب، و من الماء و الشّعر:الجعد المتكسّر منهما،و من السّماء:

طرائق النّجوم،و الحبيكة:واحدها،و الطّريقة،من خصل الشّعر أو البيضة،الجمع:حبيك و حبائك و حبك.

و الحبكة محرّكة:الأصل من أصول الكرم كالحبك و ليس بتصحيف،و الحبّة من السّويق،لغة في«العبكة».

و الحبكّ كخدبّ:اللّئيم،و كعتلّ:الشّديد.

و حبك بها:حبق،و فلانا في البيع:رادّه،و الثّوب:

أجاد نسجه.

و حباك الحمام:سواد ما فوق جناحيه.

و المحبوك:الفرس القويّ.

و التّحبيك:التّوثيق و التّخطيط.

و في صفة الدّجّال محبّك الشّعر،أي مجعّده،و يروى

ص: 708

حبك بمعناه.(3:307)

العدنانيّ: الحبك القصصيّ لا الحبكة القصصيّة.

و يقولون:الحبكة القصصيّة في هذه المسرحيّة جيّدة.و الصّواب:الحبك القصصيّ...جيّد،اعتمادا على الصّحاح،و المختار،و اللّسان،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و الحبك فيها جميعها:مصدر من الفعل:حبك الحائك الثّوب يحبكه أو يحبكه حبكا:أجاد نسجه.و هذا يجعل استعمال الحبك القصصيّ هنا مجازيّا.

أمّا الحبكة فهي الحبل يشدّ به على الوسط:اللّسان، و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و من معاني الحبكة أيضا:

1-مكان التّكّة من السّراويل.

2-القارورة الضّيّقة الفم.

3-أن ترخي من معقد الإزار طرفا لتحمل به ما تشاء.

و تجمع الحبكة على حبك.(143)

محمود شيت: حبك القائد الخطّة:أحكم إعدادها،و الموضع الدّفاعيّ:أحكم تنظيمه.

الحباك:ملاجئ الجنود للاستراحة،أثناء التّدريب الإجماليّ و الحرب،و ملاجئ العسكريّين على النّهر أو البحر المبنيّة من القصب و الخوص.

المحبوك:يقال:حصان محبوك:قويّ شديد.(1:168)

المصطفويّ: إنّ حقيقة معنى هذه المادّة:هو المفهوم المركّب من الإحكام و الامتداد،كالطّرائق المنظّمة،و السّبل المستقيمة المحكمة،و شدّ ما يمتدّ، و إحكام النّسج في جهة ممتدّة،و أمثالها.

و لا يبعد أن يكون لفظ الحبك إشارة إلى مسير الكواكب و أفلاك السّيّارات المنظّمة و دوائر النّجوم المرتّبة؛بحيث لا يعرض لها اختلاف و لا يعتريها الانحراف، وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ.

و يمكن أن يكون المراد:مطلق المسالك و الطّرق و الامتدادات،في جهة مسير الكواكب و مسير أنوارها، و جريان الجاذبة و الدّافعة و غيرها.(2:169)

النّصوص التّفسيريّة

وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ. الذّاريات:7

الإمام عليّ عليه السّلام:الحسن و الزّينة.

مثله سعيد بن جبير،و مجاهد،و قتادة.

(الماورديّ 5:362)

ابن عبّاس: ذات الحسن و الجمال و الاستواء و الطّرق.(441)

ذات الخلق الحسن.

مثله قتادة و الرّبيع.(الطّبريّ 26:189،190)

حسنها و استواؤها.

نحوه سعيد بن جبير.(الطّبريّ 26:189)

سعيد بن جبير: ذات الزّينة.

مثله الضّحّاك.(الطّبريّ 26:189،190)

مجاهد :المتقن البنيان.(الطّبريّ 26:190)

عكرمة :ذات الخلق الحسن،أ لم تر إلى النّسّاج إذا

ص: 709

نسج الثّوب قال:ما أحسن ما حبكه.(الطّبريّ 26:190)

الضّحّاك: أي ذات الطّرائق الحسنة.لكنّا لا نرى تلك الحبك لبعدها عنّا.

مثله الحسن.(الطّبرسيّ 5:153)

الحسن :حبكت بالخلق الحس،حبكت بالنّجوم.

(الطّبريّ 26:189)

قتادة :ذات الخلق الشّديد.(الواحديّ 4:174)

نحوه أبو صالح.(الماورديّ 5:362)

السّدّيّ: ذات الجمال و البهاء،و الحسن و الاستواء.

(444)

الكلبيّ: ذات الطّرائق.

مثله مقاتل.(الواحديّ 4:174)

ابن زيد :الشّدّة،حبكت:شدّت، وَ بَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً النّبأ:12.(الطّبريّ 26:190)

الإمام الرّضا عليه السّلام:[في حديث:]هي[السّماء] محبوكة إلى الأرض و شبّك بين أصابعه.

فقلت:كيف تكون محبوكة إلى الأرض،و اللّه يقول:

(رفع السّماء بغير عمد ترونها)فقال:سبحان اللّه! أ ليس اللّه يقول:(بغير عمد ترونها)؟فقلت:بلى،فقال:

ثمّ عمد و لكن لا ترونها.

قلت:كيف ذلك جعلني اللّه فداك،فبسط كفّه اليسرى ثمّ وضع اليمنى عليها،فقال:هذه أرض الدّنيا و السّماء الدّنيا عليها،فوقها قبّة...» (1)(القمّيّ 2:328)

ابن جنّيّ: طرائق الغيم و نحو هذا.

(ابن عطيّة 5:172)

أبو عبيدة :الطّرائق،و منها سمّي حباك الحائط:

الإطار،و حباك الحمام:طرائق على جناحيه،و طرائق الماء:حبكه.[ثمّ استشهد بشعر](2:225)

الاستواء و حسن الصّنعة.(ابن دريد 1:227)

نحوه الأخفش.(الماورديّ 5:362)

الطّبريّ: و السّماء ذات الخلق الحسن.و عنى بقوله:

ذاتِ الْحُبُكِ ذات الطّرائق.و تكسير كلّ شيء:

حبكه،و هو جمع حباك و حبيكة،يقال لتكسير الشّعرة الجعدة:حبك،و للرّملة إذا مرّت بها الرّيح السّاكنة،و الماء القائم،و الدّرع من الحديد لها،حبك.[ثمّ استشهد بشعر](26:189)

الماورديّ: الصّفاقة،قاله خصيف.(5:362)

الطّوسيّ: أي ذات حسن الطّرائق،و حبك الماء:

طرائقه.[ثمّ استشهد بشعر]

و تحبّكت المرأة بنطاقها،إذا شدّته في وسطها؛و ذلك زينة لها،و حبك السّيف،إذ اقطع اللّحم دون العظم.

(9:380)

نحوه القشيريّ.(6:28)

الواحديّ: ذات الخلق الحسن المستوي.(4:174)

الرّاغب: هي ذات الطّرائق،فمن النّاس من تصوّر منها الطّرائق المحسوسة بالنّجوم و المجرّة،و منهم من اعتبر ذلك بما فيه من الطّرائق المعقولة المدركة بالبصيرة، و إلى ذلك أشار بقوله تعالى: اَلَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِياماً الآية،191:آل عمران.(106)

الزّمخشريّ: عن الحسن:حبكها:نجومها،و المعنى أنّها تزيّنها،كما تزيّن الموشّى طرائق الوشي.ة.

ص: 710


1- الحديث طويل أخذنا منه موضع الحاجة.

و قيل:حبكها:صفاتها و إحكامها،من قولهم:فرس محبوك المعاقم،أي محكمها.

و إذا أجاد الحائك الحياكة قالوا:ما أحسن حبكه! و هو جمع حباك كمثال و مثل،أو حبيكة كطريقة و طرق.

و قرئ (الحبك) بوزن القفل،و (الحبك) بوزن السّلك،و (الحبك) بوزن الجبل،و (الحبك) بوزن البرق، و (الحبك) بوزن النّعم،و (الحبك) بوزن الإبل.(4:14)

ابن عطيّة: [نقل المعاني اللّغويّة و أضاف:]

قال منذر بن سعيد:إنّ في السّماء في تألّق جرمها هي هكذا لها حبك؛و ذلك لجودة خلقتها و اتقان صنعتها.[ثمّ استشهد بقول ابن عبّاس و سعيد بن جبير و الحسن،ثمّ قال:]

و واحد الحبك:حباك،و يقال للضّفيرة الّتي يشدّ بها حظار القصب و نحوه-و هي مستطيلة تمنع في ترجيب الغرسات المصطفّة-:حباك.و قد يكون واحد الحبك:

حبيكة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ جمهور النّاس: (الحبك) بضمّ الحاء و الباء.

و قرأ الحسن بن أبي الحسن و أبو مالك الغفّاريّ بضمّ الحاء و سكون الباء تخفيفا،و هي لغة بني تميم كرسل في رسل، و هي قراءة أبي حيوة و أبي السّمال.

و قرأ الحسن أيضا و أبو مالك الغفّاريّ: (الحبك) بكسر الحاء و الباء،على أنّها لغة كإبل و إطل.

و قرأ الحسن أيضا (الحبك) بكسر الحاء و سكون الباء،كما قالوا على جهة التّخفيف:إبل و إطل،بسكون الباء و الطّاء.

و قرأ ابن عبّاس: (الحبك) بفتح الحاء و الباء،و قرأ الحسن أيضا فيما روي عنه: (الحبك) بكسر الحاء و ضمّ الباء،و هي لغة شاذّة غير متوجّهة،و كأنّه أراد كسرهما ثمّ توهّم (الحبك) قراءة الضّمّ بعد أن كسر الحاء فضمّ الباء،و هذا على تداخل اللّغات و ليس في كلام العرب هذا البناء.

و قرأ عكرمة: (الحبك) بضمّ الحاء و فتح الباء،جمع حبكة،و هذه كلّها لغات و المعنى ما ذكرنا.

و الفرس المحبوك:الشّديد الخلقة الّذي له حبك في مواضع من منابت شعره،و ذلك دليل على حسن بنيته.

(5:172)

الفخر الرّازيّ: قيل:الطّرائق،و على هذا فيحتمل أن يكون المراد:طرائق الكواكب و ممرّاتها،كما يقال في المحابك.

و يحتمل أن يكون المراد:ما في السّماء من الأشكال بسبب النّجوم،فإنّ في سمت كواكبها طريق التّنين و العقرب و النّسر الّذي يقول به أصحاب الصّور، و منطقة الجوزاء،و غير ذلك كالطّرائق؛و على هذا فالمراد به:السّماء المزيّنة بزينة الكواكب،و مثله قوله تعالى وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ البروج:1.و قيل:حبكها:

صفاتها،يقال في الثّوب الصّفيق:حسن الحبك؛و على هذا فهو كقوله تعالى: وَ السَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ الطّارق:11،لشدّتها و قوّتها.(28:197)

البيضاويّ: ذات الطّرائق،و المراد:إمّا الطّرائق المحسوسة الّتي هي مسير الكواكب،أو المعقولة الّتي تسلكها النّظّار و يتوصّل بها إلى المعارف.[ثمّ أدام نحو الزّمخشريّ](2:419)

ص: 711

نحوه أبو السّعود(6:134)،و طنطاويّ(23:113).

أبو حيّان :[ذكر الأقوال في معاني(ذات الحبك) و القراءات فيها نحو ابن عطيّة و أضاف:]

و الأحسن عندي أن تكون ممّا أتبع فيه حركة الحاء لحركة(ذات)في الكسرة.و لم يعتدّ باللاّم السّاكنة،لأنّ السّاكن حاجز غير حصين.(8:134)

نحوه الآلوسيّ.(27:4)

ابن كثير :[نقل الأقوال ثمّ قال:]

و كلّ هذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد و هو الحسن و البهاء،كما قال ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:فإنّها من حسنها مرتفعة شفّافة صفيقة،شديدة البناء متّسعة الأرجاء أنيقة البهاء،مكلّلة بالنّجوم الثّوابت، و السّيّارات موشّحة بالشّمس و القمر،و الكواكب الزّاهرات.(6:415)

سيّد قطب :يقسم بالسّماء المنسّقة المحكمة التّركيب،كتنسيق الزّرد المتشابك المتداخل الحلقات.

و قد تكون هذه إحدى هيئات السّحب في السّماء حين تكون موشّاة كالزّرد،مجعّدة تجعّد الماء و الرّمل إذا ضربته الرّيح.و قد يكون هذا وضعا دائما لتركيب الأفلاك و مداراتها المتشابكة المتناسقة.(6:3375)

مغنيّة:في تفسيرها أقوال،أرجحها:أنّه الخلق الحسن،بفتح الخاء،أي إنّ في خلق السّماء إحكاما و نظاما و زينة و جمالا.(7:143)

الطّباطبائيّ: (الحبك)بمعنى الحسن و الزّينة، و بمعنى الخلق المستوي،و يأتي جمعا لحبيكة أو حباك، بمعنى الطّريقة،كالطّرائق الّتي تظهر على الماء إذا تثنّى و تكسّر من مرور الرّياح عليه.

و المعنى على الأوّل:أقسم بالسّماء ذات الحسن و الزّينة،قوله تعالى: إِنّا زَيَّنَّا السَّماءَ الدُّنْيا بِزِينَةٍ الْكَواكِبِ الصّافّات:6،و على الثّاني:أقسم بالسّماء ذات الخلق المستوي،نظير قوله: وَ السَّماءَ بَنَيْناها بِأَيْدٍ الذّاريات:47،و على الثّالث:أقسم بالسّماء ذات الطّرائق،نظير قوله: وَ لَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ المؤمنون:17.

و لعلّ المعنى الثّالث أظهر لمناسبته لجواب القسم الّذي هو اختلاف النّاس و تشتّت طرائقهم،كما أنّ الأقسام السّابقة: وَ الذّارِياتِ ذَرْواً الذّاريات:1، كانت مشتركة في معنى الجري و السّير مناسبة لجوابها إِنَّما تُوعَدُونَ الذّاريات:5،المتضمّن لمعنى الرّجوع إلى اللّه،و السّير إليه.(18:366)

مكارم الشّيرازيّ: [نقل معانيها اللّغويّة ثمّ قال:]

و أمّا تطبيق هذا المعنى على السّماء و وصفها بها وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ هو إمّا لنجومها ذات المجاميع المختلفة و صورها الفلكيّة«تطلق على مجموعات النّجوم الثّابتة الّتي لها شكل خاصّ بالصّورة الفلكيّة»و إمّا للأمواج الجميلة الّتي ترتسم في السّحب،و قد تكون جميلة إلى درجة بحيث تحدق العين فيها لفترة طويلة.

أو لمجرّاتها العظيمة الّتي تبدو و كأنّها تجاعيد الشّعر على صفحة السّماء و خاصّة صورها الّتي التقطت بالتّلسكوب أو المجهر،إذ تشبه هذه الصّور التّجاعيد في الشّعر تماما:فعلى هذا يكون معنى وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ أنّ القرآن يقسم بالسّماء و مجرّاتها العظيمة الّتي لم تكتشفها يومئذ العيون الحادّة ببصره،و لا علم الإنسان يومئذ أيضا.

ص: 712

و مع ملاحظة أنّ الجمع بين المعاني المتقدّمة ممكن و لا منافاة فيه،فيحتمل أن تكون هذه المعاني كلّها مجتمعة في القسم.و نقرأ في الآية:17 من سورة «المؤمنون»أيضا قوله تعالى: وَ لَقَدْ خَلَقْنا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرائِقَ.

كما يجدر الالتفات إلى هذه«اللّطيفة»و هي أنّ الجذر الأصليّ للحبك:يمكن أن يكون إشارة إلى استحكام السّماء و ارتباط الكرات بعضها ببعض،كالكواكب السّيّارة و المجموعة أو المنظومة الشّمسيّة الّتى ترتبط بقرص الشّمس.(17:74)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحبكة،أي الحجزة،و هو موضع شدّ الإزار من الوسط،و الجمع:حبك.يقال:

تحبّك الرّجل،أي شدّ حجزته،و تحبّك بثيابه:تلبّب بها، و تحبّكت المرأة بنطاقها:شدّته في وسطها،و احتبكت إزاري:شددته،و حبّكت العقدة:وثّقتها.

و الحبكة:القدّة الّتي تضمّ الرّأس،إلى الغراضيف من القتب و الرّحل،و هي الحباك أيضا.

و الحباك:الحظيرة بقصبات تعرّض ثمّ تشدّ،يقال:

حبكت الحظيرة بقصبات،و الجمع:حبك.

و المحبوك:ما أجيد عمله،يقال:حبك الثّوب يحبكه و يحبكه حبكا،أي أجاد نسجه و حسّن أثر الصّنعة فيه، و هو حبيك أيضا.و المحبوك:الشّديد الخلق من الفرس و غيره،يقال:دابّة محبوكة،أي مدمجة الخلق،و كلّ شيء أحكمته و أحسنت عمله فقد احتبكته.

و الحبيكة:الطّريقة في الرّمل و نحوه،و كلّ طريقة من خصل الشّعر أو البيضة،و هي طريقة حديدها،و الجمع:

حبيك و حبائك و حبك.

و الحبك:الشّعر الجعد المتكسّر،و حبك الرّمل:

حروفه و أسناده،و كذلك حبك الماء،و حبك السّماء:

طرائقها:تشبيها بحبك الرّمل.

و الحبك:الضّرب بالسّيف على الوسط كأنّه على الحبكة.يقال:حبكه بالسّيف يحبكه و يحبكه حبكا،أي قطع اللّحم فوق العظم،أو ضرب عنقه.

و الحبك أيضا:قطع عروش الكرم،تشبيها بالضّرب بالسّيف،يقال:حبك عروش الكرم،و الحبك و الحبكة:الأصل من أصول الكرم،و هو أشبه بالاسم «الحبك».

2-و قولهم:احتبك بإزاره،أي احتبى به و شدّه إلى يديه،و هو من«ح و ك»يقال منه:احتاك يحتاك احتياكا،و تحوّك بثوبه:احتبى به.

قال الأزهريّ: هكذا رواه ابن السّكّيت و غيره عن الأصمعيّ،و قال:و الّذي يسبق إلى وهمي أنّ أبا عبيد كتب هذا الحرف عن الأصمعيّ بالياء،فزلّ في النّقط و توهّمه«باء»قال:و العالم و إن كان غاية في الضّبط

و الإتقان،فإنّه لا يكاد يخلو من خطأة بزلّة،و اللّه أعلم.

و قولهم:ما ذقنا عنده حبكة و لا لبكة،ليس من هذه المادّة،بل هو مبدل من العين.يقال:«ما ذقت عنده عبكة و لا لبكة».و العبكة:الحبّ من السّويق و نحوه، و اللّبكة:اللّقمة من الثّريد.و هذا الضّرب من الإبدال

ص: 713

سيغ في اللّغة،راجع«ح ب س».

الاستعمال القرآنيّ

وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ* إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ

الذّاريات:7،8

يلاحظ أوّلا:أنّها من أقسام القرآن،و للبحث فيها مجال واسع،تعرّضنا قسما منها في محالّها من كلّ مادّة جاءت قسما،و لكنّا سنستوفيها في«ق س م»فانتظر.

ثانيا:اختلفوا في معنى(الحبك):الحسن و الزّينة و الجمال و البهاء و الخلق الحسن المستوي،الطّرق و الطّرق الحسنة و الطّرائق الحسنة،المتقن البنيان و الخلق الشّديد،الاشتباك بالأرض،الكثيرة،المنطقة و الضّفائر الّتي يشدّ بها.

و من قال:إنّها الطّرائق احتمل أن تكون طرائق الكواكب و ممرّاتها،أو ما في السّماء من الأشكال بسبب النّجوم-كما يقول به أصحاب الصّور و أرباب النّجوم-أو أنّها قسمان:الطّرائق المحسوسة و هي مسير الكواكب، و المعقولة الّتي يتوصّل بها المنجّمون إلى معارفهم.و قد استدلّ لكلّ منها بآية مثل: وَ السَّماءِ ذاتِ الْبُرُوجِ البروج:1،مشيرا إلى أشكال النّجوم،و وَ السَّماءِ ذاتِ الرَّجْعِ الطّارق:11،و وَ بَنَيْنا فَوْقَكُمْ سَبْعاً شِداداً النّبأ:12،مشيرا إلى شدّتها و قوّتها،و رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها الرّعد:2،مشيرا إلى اشتباكها.و قد أرجعها ابن كثير إلى شيء واحد،و هو الحسن و البهاء،تبعا لابن عبّاس.

و عندنا أنّه ينبغي أن تكون بين المقسم به و المقسم له-و هو جواب القسم-مناسبة،كما تعرّضنا لها في كلّ من الأقسام القرآنيّة،و سنجمعها إن شاء اللّه-كما سبق- في«ق س م»و بناء عليه فهذا القسم مع جوابه جاء بعد عدّة أقسام بأنواع الرّياح.لإثبات البعث؛حيث قال:

وَ السَّماءِ ذاتِ الْحُبُكِ* إِنَّكُمْ لَفِي قَوْلٍ مُخْتَلِفٍ، و الجواب هو اختلافهم في البعث،الاختلاف الّذي يؤفك عنه من أفك،أي يصرف به عن الحقّ من استمع إلى هذا الخلاف،مع ما فيها من أقوال باطلة،و هي ما قاله الخرّاصون كما قال: قُتِلَ الْخَرّاصُونَ* اَلَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ* يَسْئَلُونَ أَيّانَ يَوْمُ الدِّينِ...

الذّاريات:10-12،فهذا القسم تأكيد اختلافهم في البعث كاختلاف طرائق السّماء،دون حسنها و جمالها و غيره ممّا سبق،و لو قيل:إنّها جميعا يرجع إلى شيء واحد،و هو اختلاف طرائق السّماء و بعد بعضها عن بعض،لكان أقرب إلى الصّواب.

ثالثا:قد تعدّدت القراءات-حسب ما جاءت في نصّ الزّمخشريّ و ابن عطيّة-في حركات(حبك)بضمّ الحاء و الباء-و هو القراءة المشهورة-أو سكون الباء ك«القفل»،أو بكسرهما ك«الإبل»،أو بكسر الحاء و سكون الباء ك«السّلك»أو بفتحهما ك«الجبل»،أو بكسر الحاء و ضمّ الباء-و هو شاذّ-أو بضمّ الحاء و فتح الباء ك«عمر»،أو بفتح الحاء و سكون الباء ك«البرق»، أو بكسر الحاء و فتح الباء ك«النّعم»،و كلّ واحدة منها لغة قبيلة،و هذا من مصاديق ما قيل:إنّ اختلاف القراءات أكثره مستند إلى اختلاف اللّهجات،لاحظ «المدخل»بحث القراءات.

ص: 714

ح ب ل

اشارة

لفظان،7 مرّات:4 مكّيّة،3 مدنيّة

في 5 سور:4 مكّيّة،1 مدنيّة

حبل 5:2-3 حبالهم 2:2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحبل:الرّسن،و الحبل:العهد و الأمان، و الحبل:التّواصل،و الحبل:الرّمل الطّويل الضّخم.

و الحبل:موضع بالبصرة على شاطئ النّهر.

و الحبل:مصدر حبلت الصّيد و احتبلته،أي أخذته؛ و الجميع من هذه الأسماء كلّها:الحبال.

و الحبالة:المصيدة.

و حبائل الموت:أسبابه،و احتبله الموت.

و حبل العاتق:وصلة ما بين العاتق و المنكب.

و حبل الوريد:عرق يدرّ في الحلق.

و الوريد:عرق ينبض من الحيوان لا دم فيه.

و فلان الحبليّ: منسوب إلى حيّ من اليمن.[ثمّ استشهد بشعر]

و حبلت المرأة حبلا فهي حبلى،و شاة حبلى،و سنّورة حبلى؛و جمع الحبلى:حبالى.

و الحبلة:طاقة من قضبان الكرم.

و الحبل:نوع من الشّجر مثل السّمر.

و حبل الحبلة:ولد الولد الّذي في البطن،و كانت العرب ربّما تبايعوا على«حبل الحبلة»فنهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن بيع المضامين و الملاقيح و حبل الحبلة.(3:236)

المفضّل الضّبّيّ: الحبل:انتفاخ البطن من كلّ (1)الشّراب و النّبيذ و الماء و غيره،و رجل حبلان و امرأة حبلانة؛و به سمّي حمل المرأة حبلا.

و فلان حبلان على فلان،أي غضبان،و به حبل،أي غضب و غمّ.و أصله من:حبل المرأة.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:83)

أبو عمرو الشّيبانيّ: و التّحبيل:تحبيل الخرجين.

(1:88)

ص: 715


1- كذا و الظّاهر من أكل.

حبلهم الماء،أي دعاهم فلم يجدوا من إتيانه بدّا.

[ثمّ استشهد بشعر](1:141)

الحبلة:العلّف في الطّلح،و هو مثل الباقلاّء،و في الرّمث الحبلة،و هي ثمرة الرّمث حمراء،يقال:قد أحبل الرّمث.(1:144)

و الحبالّة:تقول:أتاني على حبالّة انطلاق منّي،أي على عجلة منّي،خفّفها أبو العوّام،و شدّدها أبو قطريّ.

(1:197)

أبو عبيدة :الحبل:موقف خيل الحبلة قبل أن تطلق،يقال:الخيل واقفة في الحبل،أي في الموضع الّذي توقف فيه؛و به سمّي حبل البصرة،و هو رأس ميدان زياد.

و مثل من أمثالهم«أنا بين حابل و نابل»يضربه الرّجل إذا كان في دار مخافة يخاف من أقطارها.

و المحبل:الكتاب.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن دريد 1:228)

أبو زيد :و يقال:«جعل القوم حبولهم على غواربهم».و الحبول:واحدها حبل،و هي الأرسان.

(83)

يقال:حبلى في كلّ ذات ظفر.[ثمّ استشهد بشعر]

(الجوهريّ 4:665)

من أمثالهم:«إنّه لواسع الحبل و أنّه لضيّق الحبل» كقولك:هو ضيّق الخلق و واسع الخلق.

(الأزهريّ 5:83)

ينسب إلى الحبلى:حبلويّ و حبليّ و حبلاويّ.

و بنو الحبلى:من الأنصار.(الأزهريّ 5:82)

الأصمعيّ: من أمثالهم في تسهيل الحاجة و تقريبها:«هو على حبل ذراعك»أي لا يخالفك.و حبل الذّراع:عرق في اليد،و حبال الفرس:عروق.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:79)

الحبلة:حلي كان يجعل في القلائد في الجاهليّة.

(الأزهريّ 5:81)

مثله ابن السّكّيت.(657)

الأخفش: الحبل:جبل عرفة.[ثمّ استشهد بشعر]

(المدينيّ 1:393)

أبو عبيد: [في الحديث]«أنّه نهى عن حبل الحبلة» فإنّه ولد ذلك الجنين الّذي في بطن النّاقة.قال ابن عليّة:

هو نتاج النّتاج.(1:128)

في حديث سعد:«...و ما لنا طعام إلاّ الحبلة و السّمر...».و أمّا قول سعد في«الحبلة و السّمر»فإنّهما نوعان من الشّجر أو النّبات.(2:172)

في حديث عبد اللّه رحمه اللّه:«عليكم بحبل اللّه فإنّه كتاب اللّه».

أراد تأويل قوله: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا آل عمران:103،يقول:فالاعتصام بحبل اللّه هو ترك الفرقة،و اتّباع القرآن.

و أصل الحبل في كلام العرب ينصرف على وجوه، فمنها:العهد و هو الأمان؛و ذلك أنّ العرب كان يخيف بعضها بعضا في الجاهليّة،فكان الرّجل إذا أراد سفرا أخذ عهدا من سيّد القبيلة،فيأمن به ما دام في تلك القبيلة حتّى ينتهي إلى الأخرى،و يفعل مثل ذلك أيضا،يريد بذلك الأمان.

ص: 716

فمعنى الحديث أنّه يقول:عليكم بكتاب اللّه و ترك الفرقة،فإنّه أمان لكم و عهد من عذاب اللّه و عقابه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحبل أيضا:المواصلة.[ثمّ استشهد بشعر]

و هو كثير في الشّعر.و الحبل أيضا من الرّمل:المجتمع الكثير العالي.(2:219)

ابن الأعرابيّ: الحبل:الرّجل العالم الفطن الدّاهي.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 5:78)

الحبلة:ثمر السّمر شبه اللّوبياء،و هو العلّف من الطّلح،و السّنف من المرخ.(الأزهريّ 5:82)

رجل حبلان،إذا امتلأ غيظا،و منه:حبل المرأة، و هو امتلاء رحمها..

يقال للموت:حبيل براح.

و الأحبل و الحنبل:اللّوبياء.و الحبل:الثّقل.

و الحبال:الشّعر الكثير،و الحبال:انتفاخ البطن من الشّراب و النّبيذ.(الأزهريّ 5:83)

ابن السّكّيت: «التبس الحابل بالنّابل»يقال في الاختلاط.و الحابل:السّدى من سدى الثّوب،و النّابل:

اللّحمة.(92)

و يقال للرّاعي الحسن الرّعية:إنّه لبلو من أبلائها.

[ثمّ استشهد بشعر]

و إنّه لحبل من أحبالها...(605)

و الحبل:حبل العاتق،و الحبل أيضا من الرّمل:رمل يستطيل،و الحبل أيضا:واحد الحبال،و الحبل أيضا:

الوصال.

و الحبل بالكسر:الدّاهية؛و جمعها:حبول.[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:5)

ضبّ حابل ساح:يرعى الحبلة و السّحاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و المحبل:موضع الحبل.(الأزهريّ 5:82)

الأمويّ: أتيته على حبالّة ذلك،أي على حين ذلك،و على ربّانه.(الخطّابيّ 1:476)

أبو حاتم: ينسب الرّجل من بني الحبلى-و هم رهط عبد اللّه ابن أبيّ المنافق-حبليّ.(الأزهريّ 5:82)

شمر:يقال:حبلة و حبلة،يثقّل و يخفّف.

قال يزيد بن مرّة:«نهى عن حبل الحبلة»،جعل في «الحبلة»هاء،و قال:هي الأنثى الّتي هي حبل في بطن أمّها،فينتظر أن تنتج من بطن أمّها،ثمّ ينتظر بها حتّى تشبّ،ثمّ يرسل عليها الفحل فتلقح،فله ما في بطنها، و يقال:«حبل الحبلة»،للإبل و غيرها.(الأزهريّ 5:81)

ثعلب :و حبل القفار:عرق ينقاد من أوّل الظّهر إلى آخره.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 3:358)

الحابل:أرض.(ابن سيده 3:361)

ابن دريد :و الحبل:معروف،يقال لكلّ أنثى حبلت من الإنس و غيرهم،و ربّما سمّي ما في البطن بعينه حبلا؛و الجمع:أحبال.[ثمّ استشهد بشعر]

و المحبل:وقت الحبل،كان ذلك في محبل فلانة، أي في وقت حبلها.

و بنو الحبلى:بطن من العرب.

و الحبل:العهد،و الحبل:الأمان.و أخذت بحبل من فلان،أي عهدا و أمانا.[ثمّ استشهد بشعر]

و حبل الذّراع:معروف،و يقال:هذا الأمر على

ص: 717

حبل ذراعك،أي ممكن لك.

و الحبالة:شرك الصّائد؛و الجمع:الحبائل.و الصّيد محبول و محتبل،إذا وقع في الحبالة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:رجل حبيل براح،إذا كان شجاعا؛و يسمّى به الأسد أيضا.

و حبل العاتق:عصبتاه.

و شعر محبّل:مضفور.

و الحابول الكرّ الّذي يصعد به إلى النّخل،و يسمّى بالفارسيّة:أفروند،و بالنّبطيّة:التّبليا.

و الحبل:الكرم؛و الحبلة:ضرب يصاغ من الحليّ.

و نهي في الحديث عن«حبل الحبلة»و هو أن يباع ما يكون في بطن النّاقة الّتي هي في بطن أمّها.

و الحبل:موضع.

و الأحبل:الّذي يسمّى اللّوبياء،لغة يمانيّة.و يسمّيه أهل الحجاز:الدّجر.

و الحبل:الدّاهية؛و الجمع:حبول.(1:228)

و فلانة على حبالّة الطّلاق،أي مشرفة عليه.

(3:410)

الأزهريّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أوصيكم بالثّقلين:كتاب اللّه و عترتي،أحدهما أعظم من الآخر، و هو كتاب اللّه حبل ممدود من السّماء إلى الأرض».

قلت:و في الحديث اتّصال كتاب اللّه جلّ و عزّ به و إن كان يتلى في الأرض و ينسخ و يكتب.و معنى الحبل الممدود:نور هداه،و العرب تشبّه النّور بالحبل و الخيط، قال اللّه: حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ... البقرة:

187.

فالخيط الأبيض هو نور الصّبح إذا تبيّن للإبصار و انفلق،و الخيط الأسود دونه في الإنارة،لغلبة سواد اللّيل عليه،و لذلك نعت بالأسود،و نعت الآخر بالأبيض.

و الخيط و الحبل قريبان من السّواء.(5:80)

و الحبل:مصدر حبلت الصّيد و احتبلته،إذا نصبت له حبالة فنشب فيها و أخذته.

و الحبالة:جمع الحبل،يقال:حبل و حبال و حبالة، مثل جمل و جمال و جمالة،و ذكر و ذكار و ذكارة.

(5:79)

و المحتبل من الدّابّة:رسغها،لأنّه موضع الحبل الّذي يشدّ فيه إذا ربط.[ثمّ استشهد بشعر]

رجل حبلان من الماء و الشّراب،إذا امتلأ ريّا.

و في الحديث جاء فيه ذكر الدّجّال لعنه اللّه:«أنّه محبّل الشّعر»كأنّ كلّ قرن من قرون رأسه«حبل»لأنّه جعله تقاصيب لجعودة شعره و طوله.(5:83)

الصّاحب:الحبل:الرّسن؛و الجميع:الحبال.

و«المحبّل»في شعر رؤبة (1):الحبل.

و المحتبل في قول لبيد:*صاحب غير طويل المحتبل*

الرّسغ و موضع الحبل.

و الحابول:الحبل.

و رجل محبّل الشّعر:مجعّده كالحبل.[ثمّ ذكر نحو الخليل و أضاف:]

و حبال الأيدي:عروقها و عصبها.ا*

ص: 718


1- يعني قوله:*كلّ جلال يملأ المحبّلا*

و من أمثالهم في برّ الرّجل بصاحبه و قلّة الخلاف عليه:«هو على حبل ذراعك».

و حبل الزّرع:صار السّنبلة في الكمّ.

و الحبل:الدّاهية؛و جمعه:حبول،و كذلك حبول على«فعول».[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال للرّجل الحسن الرّعية:أنّه لحبل من أحبالها.

و المحبل:الكتاب الأوّل في قول المتنخّل:*خطّ له ذلك في المحبل*

و قيل:هو حلقة الرّحم.

و أتيته على حبالّة انطلاق،أي حينه.

و حبل من الشّراب،و به حبل و هو حبلان،إذا امتلأ بطنه،و كذلك إذا امتلأ غضبا.

و الحبلة،بضمّ الحاء:ضرب من الحليّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و هو أيضا:ثمر العضاه.

و الحابل:السّاحر؛و الحبلة:السّحرة.

و من أمثالهم في استحكام البلاء:«التبس الحابل بالنّابل»يريد الاختلاط؛و الحابل:من السّدى، و النّابل:اللّحمة.و قيل:الحابل:صاحب الحبالة، و النّابل:صاحب النّبل.

و إذا زجرت الشّاة قلت:حبل حبل.(3:108)

الخطّابيّ: [و في قصّة بدر...]«صعدنا على حبل» الحبل:من حبال الرّمل،و هو قطعة من الرّمل ضخمة ممتدّة على وجه الأرض.(1:679)

في حديث عثمان:«ويحك أ لست ترعى معوتها و بلّتها و فتلتها و برمتها و حبلتها»؟

و الحبلة:ثمر العضاه،و منه قول بعض الصّحابة:لقد رأيتنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و ما لنا طعام إلاّ الحبلة و ورق السّمر.(2:140)

[في حديث]:«إنّ ناسا من قوم يتحبّلونها[الضّبع] فيأكلونها».

قوله:يتحبّلونها،أي يصطادونها بالحبالة،يقال:

تحبّلت الصّيد و احتبلته.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحابل:الّذي ينصب الحبالة للصّيد.[ثمّ استشهد بشعر](3:40)

الجوهريّ: الحبل:الرّسن،و يجمع على حبال و أحبل.

و الحبل:العهد،و الحبل:الأمان،و هو مثل الجوار.

و الحبل:الوصال.

و يقال للرّمل يستطيل:حبل.

و حبل العاتق:عصب،و حبل الوريد:عرق في العنق.

و حبل الذّراع:في اليد،و في المثل:«هو على حبل ذراعك»أي في القرب منك.

و الحبلة،بالضّمّ:ثمر العضاه،و في حديث سعد رضي اللّه عنه:«لقد رأيتنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و ما لنا طعام إلاّ الحبلة و ورق السّمر».

و يقال:ضبّ حابل:يرعى الحبلة.

و الحبلة أيضا:حلي يجعل في القلائد.

و الحبل بالكسر:الدّاهية؛و الجمع:الحبول.

و يقال للواقف مكانه كالأسد لا يفرّ:حبيل براح.

و الحبل:الحمل،و قد حبلت المرأة فهي حبلى،

ص: 719

و نسوة حبالى و حباليات،لأنّه ليس لها«أفعل»،ففارق جمع الصّغرى.

و الأصل:حبالي بكسر اللاّم،لأنّ كلّ جمع ثالثه ألف انكسر الحرف الّذي بعدها،نحو مساجد و جعافر، ثمّ أبدلوا من الياء المنقلبة من ألف التّأنيث ألفا،فقالوا:

حبالى بفتح اللاّم،ليفرّقوا بين الألفين،كما قلناه في «الصّحاري»،و ليكون الحبالى كحبلى في ترك صرفها، لأنّهم لو لم يبدلوا لسقطت الياء لدخول التّنوين،كما تسقط في«جوار».

و النّسبة إلى حبلى حبليّ و حبلويّ و حبلاويّ.

و يقال:كان ذلك في محبل فلان،أي في وقت حبل أمّه به.

و حبل الحبلة:نتاج النّتاج و ولد الجنين،و في الحديث:«نهي عن حبل الحبلة».

و أحبله،أي ألقحه.

و الحبلة أيضا بالتّحريك:القضيب من الكرم،و ربّما جاء بالتّسكين.

و الحبالة:الّتي يصاد بها.

و الحابل:الّذي ينصب الحبالة للصّيد.

و في المثل:«اختلط الحابل بالنّابل»،و يقال الحابل:

السّدى في هذا الموضع،و النّابل:اللّحمة.

و المحبول:الوحشيّ الّذي نشب في الحبالة.

و الحابول:الكرّ،و هو الحبل الّذي يصعد به النّخل.

و احتبله،أي اصطاده بالحبالة.

و محتبل الفرس:أرساغه.

و حبال:اسم رجل من أصحاب طليحة بن خويلد الأسديّ،أصابه المسلمون في الرّدّة.

و الحنبل:الرّجل القصير،و الفر و أيضا،و اسم رجل.

[و استشهد بالشّعر 6 مرّات](4:1665)

نحوه الرّازيّ.(137)

ابن فارس: الحاء و الباء و اللاّم أصل واحد،يدلّ على امتداد الشّيء.

ثمّ يحمل عليه،و مرجع الفروع مرجع واحد.

فالحبل:الرّسن،معروف؛و الجمع:حبال،و الحبل:حبل العاتق،و الحبل:القطعة من الرّمل يستطيل.

و المحمول عليه الحبل،و هو العهد.

و الحبالة:حبالة الصّائد،و يقال:احتبل الصّيد،إذا صاده بالحبالة.

و يقال للواقف مكانه لا يفرّ:حبيل براح،كأنّه محبول،أي قد شدّ بالحبال.و زعم ناس أنّ الأسد يقال له:حبيل براح.

و من المشتقّ من هذا الأصل:الحبل بكسر الحاء، و هي الدّاهية.

و وجهه عندي أنّ الإنسان إذا دهي فكأنّه قد حبل، أي وقع في الحبالة،كالصّيد الّذي يحبل.و ليس هذا ببعيد.

و من الباب:الحبل،و هو الحمل؛و ذلك أنّ الأيّام تمتدّ به.و أمّا الكرم فيقال له:حبلة و حبلة،و هو من الباب،لأنّه في نباته كالأرشية.و أمّا الحبلة فثمر العضاه.

[ثمّ ذكر حديث سعد عند الجوهريّ و أضاف:]

و فيما أحسب أنّ الحبلة،و هي حلي يجعل في القلائد، من هذا؛و لعلّه مشبّه بثمره.[ثمّ استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(2:130)

ص: 720

الثّعالبيّ: [في تفصيل الرّمال قال:]العذاب:

ما استرقّ من الرّمل،و الحبل:ما استدقّ منه.(291)

[في فصل العموم و الخصوص قال:]الحبل عامّ.

و الكرّ:الحبل الّذي يصعد به إلى النّخل،خاصّ.(312)

ابن سيده: الحبل:الرّباط؛و الجمع:أحبل و أحبال و حبال و حبول.و حبل الشّيء حبلا شدّه بالحبل.

و من أمثالهم:«يا حابل اذكر حلاّ»أي يا من يشدّ الحبل اذكر وقت حلّه.و رواه اللّحيانيّ:يا حامل بالميم، و هو تصحيف.

قال ابن جنّيّ: و ذاكرت بنوادر اللّحيانيّ شيخنا «أبا عليّ»فرأيته غير راض بها،و كان يكاد يصلّي بنوادر «أبي زيد»إعظاما لها.قال:و قال لي وقت قراءتي إيّاها عليه:ليس فيها حرف،إلاّ و لأبي زيد تحته غرض ما.

قال ابن جنّيّ:و هو كذلك لأنّها محشوّة بالنّكت و الأسرار.

و الحبل:الرّسن،و جمعه:حبول،و هو المحبّل.

و الحابول:الكرّ الّذي يصعد به على النّخل.

و الحبل:العهد و الذّمّة و الأمان.

و الحبل:التّواصل.

و حبل العاتق:عصبة بين العنق و المنكب.

و قيل:حبل العاتق:الطّريقة الّتي بين العنق و رأس الكتف،و حبل الذّراع ينقاد من الرّسغ حتّى ينغمس في المنكب.

«و هذا على حبل ذراعك»أي ممكن لك لا يحال بينكما،و هو على المثل.

و قيل:حبال الذّراعين:العصب الظّاهر عليهما، و كذلك هي من الفرس.و حبال السّاقين:عصبهما، و حبائل الذّكر:عروقه.

و الحبالة:المصيدة،ممّا كانت.و حبل الصّيد حبلا و احتبله:أخذه بالحبالة،أو نصبها له.و حبلته الحبالة:

علقته.و استعاره«الرّاعي»للعين،و أنّها علقت القذى كما علقت الحبالة الصّيد.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:المحبول:الّذي نصبت له الحبالة و إن لم يقع فيها،و المحتبل:الّذي أخذ فيها.

و الأحبول:الحبالة.

و حبائل الموت:أسبابه،و قد احتبلهم الموت.

و الحبل:الرّمل المستطيل،شبّه بالحبل.

و فلان حبيل براح،أي شجاع،و منه قيل للأسد:

حبيل براح.

و شعر محبّل:مضفور.

و الحبل:الدّاهية؛و جمعها:حبول.

و يقال للدّاهية من الرّجال:إنّه لحبل من أحبالها، و كذلك يقال في القائم على المال.

و ثار حابلهم على نابلهم،إذا أوقدوا الشّرّ بينهم.

و التبس الحابل بالنّابل،الحابل:سدى الثّوب، و النّابل:اللّحمة،يقال ذلك في الاختلاط.

و حوّل حابله على نابله،أي أعلاه على أسفله.

و اجعل حابله نابله،و حابله على نابله كذلك.

و الحبلة و الحبلة:الكرم،و قيل:الأصل من أصول الكرم.

و الحبل:شجر العنب؛واحدته:حبلة.

و حبلة عمرو:ضرب من العنب بالطّائف،بيضاء

ص: 721

محدّدة الأطراف متداحضة العناقيد.

و الحبل:الامتلاء،و حبل من الشّراب:امتلأ.

و رجل حبلان و امرأة حبلى:ممتلئان من الشّراب.و قال أبو حنيفة:إنّما هو رجل حبلان،و امرأة حبلى.

و الحبلان أيضا:الممتلئ غضبا.

و الحبل:الحمل،و هو من ذلك لأنّه امتلاء الرّحم، و قد حبلت حبلا.و الحبل يكون مصدرا و اسما؛و الجمع:

أحبال.

و امرأة حابلة،من نسوة حبلة،نادر؛و حبلى من نسوة حبليات و حبالى.و كان الأصل:حبال،كدعا و تكسير دعوى.

و قد قيل:امرأة حبلانة،و منه قول بعض نساء الأعراب:أجد عيني هجّانة،و شفتي ذبّانة،و أراني حبلانة.

و اختلف في هذه الصّفة،أ عامّة للإناث أم خاصّة لبعضها،فقيل:لا يقال لشيء من غير الحيوان:«حبلى» إلاّ في حديث واحد:«نهي عن بيع حبل الحبلة»و هو أن يباع ما في بطن النّاقة.

و قيل:معنى حبل الحبلة:حمل الكرمة قبل أن تبلغ، و جعل حملها قبل أن تبلغ حبلا،و هذا كما نهي عن بيع ثمر النّخل قبل أن يزهي.

و قيل:حبل الحبلة:ولد الولد الّذي في البطن، و كانت العرب في الجاهليّة تتبايع على حبل الحبلة في أولاد أولادها،في بطون الغنم و الحوامل.

و قيل:كلّ ذات ظفر حبلى.

و المحبل:أوان الحبل،و المحبل:موضع الحبل من الرّحم.

و حبل الزّرع:قذف بعضه على بعض.

و الحبلة:بقلة لها ثمرة،كأنّها فقر العقرب،تسمّى:

شجرة العقرب،يأخذها النّساء يتداوين بها،تنبت بنجد في السّهولة.

و الحبلة:ثمر السّلم و السّيال و السّمر،و هي سنفة معقّفة،فيها حبّ صغار أسود كأنّه العدس.

و قيل:الحبلة:ثمر عامّة العضاه،و قيل:هو وعاء ثمر السّلم و السّمر.و أمّا جميع العضاه بعد،فإنّ لها مكان الحبلة السّنفة،و قد أحبل العضاه.

و الحبلة:ضرب من الحليّ،يصاغ على شكل هذه الثمرة،يوضع في القلائد.

و الحبلة:شجرة تأكلها الضّباب،و ضبّ حابل:

يرعى الحبلة.

و الحبلة:بقلة طيّبة من ذكور البقل.و الإحبل:

اللّوبياء.

و الحبالة:الانطلاق،و حكى اللّحيانيّ:أتيته على حبالّة انطلاق.

و أتيته على حبالّة ذلك،أي على حين ذاك و ربّانه.

و هي على حبالّة الطّلاق،أي مشرفة عليه.و كلّ ما كان على«فعالّة»مشدّدة اللاّم،فالتّخفيف فيها جائز، كحمارة القيظ و حمارّته،و صبارة البرد و صبارّته،إلاّ حبالّة ذاك،فإنّه ليس في لامها إلاّ التّشديد،رواه اللّحيانيّ.

و المحبل:الكتاب الأوّل.

و بنو الحبلى:بطن،النّسب إليه حبليّ على القياس،

ص: 722

و حبليّ على غيره.

و الحبل:موضع بالبصرة.(3:357)

الحابل:سدى:الثّوب،و النّابل:لحمة الثّوب،يقال:

«اختلط الحابل بالنّابل»أي اضطربت الأمور.

[و استشهد بالشّعر 10 مرّات](الإفصاح 1:171)

الرّاغب: الحبل معروف،قال عزّ و جلّ: فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ اللّهب:5،و شبّه به من حيث الهيئة:حبل الوريد،و حبل العاتق.و الحبل المستطيل من الرّمل،و استعير للوصل و لكلّ ما يتوصّل به إلى شيء، قال عز و جلّ: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً آل عمران:103،فحبله هو الّذي معه التّوصّل به إليه، من القرآن و العقل و غير ذلك،ممّا إذا اعتصمت به أدّاك إلى جواره.

و يقال للعهد:حبل.[إلى أن قال:]

و الحبالة:خصّت بحبل الصّائد؛جمعها:حبائل، و روي:«النّساء حبائل الشّيطان».و المحتبل و الحابل:

صاحب الحبالة.

و قيل:وقع حابلهم على نابلهم.

و الحبلة:اسم لما يجعل في القلادة.(107)

الزّمخشريّ: نصب حبالته و حبائله.و حبل الصّيد و احتبله:أخذه.

و كأنّها كفّة حابل،و هي حبلى بيّنة الحبل،و هنّ حبالى،و أحبلها زوجها،و كان ذلك في محبل فلان،أي حين حبلت به أمّه.

و من المجاز:جازوا حبلي زرود،و هما رملتان مستطيلتان.[ثمّ استشهد بشعر]

و نزلوا في حبال الدّهناء و هو أقرب إليه من حبل الوريد،و هو على حبل ذراعك،أي ممكن لك مستطاع.

و كانت بينهم حبال فقطعوها،أي عهود و وصل.

و هو يحطب في حبل فلان،إذا أعانه و نصره.

و إنّه لواسع الحبل و ضيّق الحبل،يعنون الخلق.

و إنّه لحبالة للإبل:ضابط لها لا تنفلت منه.

و فلان نصب حبائله و بثّ غوائله؛و احتبله الموت.

و احتبلته فلانة و حبلته:شغفته.و هو محتبل مختبل، و محبول مخبول.

و فرس طويل المحتبل،تراد أرساغه،و أصله في الطّائر إذا احتبل.

و كأنّه حبيل براح،و هو الأسد،كأنّما حبل عن البراح،لأنّه لا يبرح مكانه لجرأته.

و حبلت العين القذى،إذا لزمته و لم ترم به.

و حبل فلان من الشّراب،إذا امتلأ،و به حبل منه، و هو أحبل و حبلان.

و حبل الزّرع،إذا اكتنز السّنبل بالحبّ،و اللّؤلؤ حبل للصّدف،و الخمر حبل للزّجاجة،و كلّ شيء صار في شيء فالصّائر حبل للمصير فيه.

و له حبلة تغلّ صيعانا و هي الكرمة،شبّهت قضبان الكرم بالحبال،فقيل للكرمة:الحبلة بزيادة التّاء،و قد تفتح الباء.و أمّا الحبلة بالضّمّ:فثمر العضاه.

(أساس البلاغة:72)

الحبلة:الكرمة.

و منه الحديث:لمّا خرج نوح عليه السّلام من السّفينة غرس الحبلة.

ص: 723

و منه حديث أنس رضي اللّه عنه:«إنّه كانت له حبلة تحمل كرّا»و كان يسمّيها أمّ العيال.(الفائق 1:254)

المدينيّ: في حديث عروة بن مضرّس:«أتيتك من جبلي طيّئ،ما تركت من حبل إلاّ وقفت عليه».

الحبل:المستطيل من الرّمل،و قيل:هو الضّخم منه؛ و جمعه:حبال.و قيل:الحبال في الرّمل كالجبال في غير الرّمل.و جبلا طيّئ يقال لهما:أجأ و سلمى.

و منه في حديث بدر:«صعدنا على حبل»أي قطعة من الرّمل ضخمة ممتدّة على وجه الأرض،يعني لننظر إلى المشركين.

في صفة الجنّة:«فإذا فيها حبائل اللّؤلؤ»يعني مواضع مرتفعة كحبال الرّمل،و كأنّه جمع على غير قياس،لأنّ الحبائل:جمع الحبالة.

و منه الحديث:«النّساء حبائل الشّيطان»أي مصايده؛و الحبالة:المصيدة من أيّ شيء كانت،و حبائل الموت:أسبابه.

في حديث أبي قتادة:«فضربته على حبل عاتقه».

قال الأصمعيّ: هو موضع الرّداء من العنق.و قيل:

هو وصلة ما بين العنق إلى المنكب،و قيل:هو عرق هناك،و قيل:عصبة.

و حبال الأيدي و غيرها من الأعضاء:عروقها و عصبها،كأنّها حبال تشدّ بها الأعضاء.

في الحديث:«بيننا و بين القوم حبال»أي عهود و مواثيق.[ثمّ استشهد بشعر]

في حديث الرّجم:«إذا كان الحبل أو الاعتراف» يقال:حبلت المرأة حبلا،فهي حبلى،إذا حملت،أي إذا لم يكن لها زوج فحملت،فصار حملها بمنزلة البيّنة على زناها.(1:392)

ابن الأثير: في صفة القرآن:«كتاب اللّه حبل ممدود من السّماء إلى الأرض»أي نور ممدود،يعني نور هداه.و العرب تشبّه النّور الممتدّ بالحبل و الخيط،و منه قوله تعالى: حَتّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ البقرة:187،يعني نور الصّبح من ظلمة اللّيل.

و في حديث آخر:«و هو حبل اللّه المتين»أي نور هداه،و قيل:عهده و أمانه الّذي يؤمّن من العذاب.

و الحبل:العهد و الميثاق.

و منه حديث ابن مسعود رضي اللّه عنه:«عليكم بحبل اللّه»أي كتابه،و يجمع الحبل على حبال.

و منه الحديث«بيننا و بين القوم حبال»أي عهود و مواثيق.

و منه حديث دعاء الجنازة:«اللّهمّ إنّ فلان ابن فلان في ذمّتك و حبل جوارك».

كان من عادة العرب أن يخيف بعضها بعضا،فكان الرّجل إذا أراد سفرا أخذ عهدا من سيّد كلّ قبيلة،فيأمن به ما دام في حدودها حتّى ينتهي إلى الأخرى،فيأخذ مثل ذلك،فهذا حبل الجوار،أي ما دام مجاورا أرضه،أو هو من الإجارة:الأمان و النّصرة.

و في حديث الدّعاء:«يا ذا الحبل الشّديد»هكذا يرويه المحدّثون بالباء،و المراد به:القرآن،أو الدّين،أو السّبب.و منه قوله تعالى: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا آل عمران:103،وصفه بالشّدّة،لأنّها من صفات الحبال.و الشّدّة في الدّين:الثّبات و الاستقامة.

ص: 724

قال الأزهريّ: الصّواب:الحيل بالياء و هو القوّة، يقال:حول و حيل بمعنى.

و منه حديث الأقرع و الأبرص و الأعمى:«أنا رجل مسكين قد انقطعت بي الحبال في سفري»أي الأسباب، من الحبل:السّبب.

و منه الحديث:«و جعل حبل المشاة بين يديه»أي طريقهم الّذي يسلكونه في الرّمل.و قيل:أراد صفّهم و مجتمعهم في مشيهم،تشبيها بحبل الرّمل.

و في حديث قيس بن عاصم: «يغدو النّاس بحبالهم، فلا يوزع رجل عن جمل يخطمه»يريد الحبال الّتي تشدّ بها الإبل،أي يأخذ كلّ إنسان جملا يخطمه بحبله و يتملّكه.قال الخطّابيّ:رواه ابن الأعرابيّ:«يغدو النّاس بجمالهم»و الصّحيح بحبالهم.

و في حديث ذي المشعار:«أتوك على قلص نواج، متّصلة بحبائل الإسلام»أي عهوده و أسبابه،على أنّها جمع الجمع،كما سبق.

و في حديث عبد اللّه السّعديّ: «سألت ابن المسيّب عن أكل الضّبع،فقال:أو يأكلها أحد؟فقلت:إنّ ناسا من قومي يتحبّلونها فيأكلونها»أي يصطادونها بالحبالة.

و فيه:«لقد رأيتنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و ما لنا طعام إلاّ الحبلة و ورق السّمر»الحبلة بالضّمّ و سكون الباء:ثمر السّمر يشبه اللّوبياء،و قيل:هو ثمر العضاه.

و منه حديث عثمان رضي اللّه عنه:«أ لست ترعى معوتها و حبلتها»و قد تكرّر في الحديث.

و فيه:«لا تقولوا للعنب:الكرم،و لكن قولوا:العنب و الحبلة»الحبلة،بفتح الحاء و الباء،و ربّما سكّنت:

الأصل،أو القضيب من شجر الأعناب.و منه الحديث:

«لمّا خرج نوح من السّفينة غرس الحبلة».

و حديث ابن سيرين:«لمّا خرج نوح من السّفينة فقد حبلتين كانتا معه،فقال له الملك:ذهب بهما الشّيطان»يريد ما كان فيهما من الخمر و السّكر.

و منه حديث أنس رضي اللّه عنه:«كانت له حبلة تحمل كرّا،و كان يسمّيها أمّ العيال»أي كرمة.

و فيه:«أنّه نهى عن حبل الحبلة»الحبل بالتّحريك:

مصدر سمّي به المحمول،كما سمّي بالحمل،و إنّما دخلت عليه التّاء للإشعار بمعنى الأنوثة فيه؛فالحبل الأوّل:يراد به ما في بطون النّوق من الحمل،و الثّاني:حبل الّذي في بطون النّوق.

و إنّما نهي عنه لمعنيين:

أحدهما:أنّه غرر و بيع شيء لم يخلق بعد،و هو أن يبيع ما سوف يحمله الجنين الّذي في بطن النّاقة،على تقدير أن تكون أنثى،فهو بيع نتاج النّتاج.

و قيل:أراد بحبل الحبلة:أن يبيعه إلى أجل ينتج فيه الحمل الّذي في بطن النّاقة،فهو أجل مجهول، و لا يصحّ.

و منه حديث عمر رضي اللّه عنه:«لمّا فتحت مصر أرادوا قسمتها،فكتبوا إليه،فقال:لا،حتّى يغزو منها حبل الحبلة»يريد حتّى يغزو منها أولاد الأولاد، و يكون عامّا في النّاس و الدّوابّ،أي يكثر المسلمون فيها بالتّوالد،فإذا قسمت لم يكن قد انفرد بها الآباء دون الأولاد،أو يكون أراد المنع من القسمة؛حيث علّقه على أمر مجهول.

ص: 725

و في حديث قتادة في صفة الدّجّال:«أنّه محبّل الشّعر»أي كأنّ كلّ قرن من قرون رأسه حبل.و يروى بالكاف،و قد تقدّم.

و فيه:«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أقطع مجّاعة بن مرارة الحبل»هو بضمّ الحاء و فتح الباء:موضع باليمامة.(1:332)

الفيّوميّ: الحبل معروف؛و الجمع:حبال،مثل سهم و سهام.

و الحبل:الرّسن؛جمعه:حبول،مثل فلس و فلوس.

و الحبل:العهد و الأمان و التّواصل.

و الحبل من الرّمل:ما طال و امتدّ و اجتمع و ارتفع.

و حبل العاتق:وصل ما بين العاتق و المنكب.

و حبل الوريد:عرق في الحلق.

و الحبل إذا أطلق مع اللاّم فهو حبل عرفة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحبال إذا أطلقت مع اللاّم فهي حبال عرفة أيضا.

[ثمّ استشهد بشعر]

و حبالة الصّائد بالكسر،و الأحبولة بالضّمّ مثله، و هي الشّرك و نحوه؛و جمع الأولى:حبائل،و جمع الثّانية:أحابيل.

و حبلته حبلا،من باب«قتل»و احتبلته،إذا صدته بالحبالة.

و حبلت المرأة و كلّ بهيمة تلد حبلا،من باب «تعب»إذا حملت بالولد،فهي حبلى،و شاة حبلى و سنّورة حبلى،و الجمع:حبليات على لفظها،و حبالى.

و«حبل الحبلة»بفتح الجميع:ولد الولد الّذي في بطن النّاقة و غيرها،و كانت الجاهليّة تبيع أولاد ما في بطون الحوامل،فنهى الشّرع عن بيع حبل الحبلة،و عن بيع المضامين و الملاقيح.

و قال أبو عبيد: «حبل الحبلة:ولد الجنين الّذي في بطن النّاقة»و لهذا قيل:الحبلة بالهاء،لأنّها أنثى،فإذا ولدت فولدها«حبل»بغير هاء.

و قال بعضهم:الحبل مختصّ بالآدميّات،و أمّا غير الآدميّات من البهائم و الشّجر،فيقال فيه:حمل بالميم.

و رجل حنبل،أي قصير،و يقال:ضخم البطن في قصر.(1:119)

الفيروزآباديّ: الحبل:الرّباط،جمعه:أحبل و أحبال و حبال و حبول.و في الحديث:«حبائل اللّؤلؤ» كأنّه جمع على غير قياس،أو هو تصحيف،و الصّواب:

حنابذ.

و حبله:شدّه به،و في المثل«يا حابل اذكر حلاّ».

و الحبل:الرّسن كالمحبّل كمعظّم،جمعه:حبول، و الرّمل المستطيل،و العهد،و الذّمّة،و الأمان،و الثّقل، و الدّاهية،و الوصال،و التّواصل،و العاتق أو الطّريقة الّتي بين العنق و رأس الكتف،أو عصبة بين العنق و المنكب،و عرق في الذّراع و في الظّهر،و موضع بالبصرة يعرف برأس ميدان زياد و يكسر،أو هما موضعان،و اسم عرفة،و موقف خيل الحلبة قبل أن تطلق.

و حبلة:بلدة قرب عسقلان.

و الحابول:حبل يصعد به على النّخل.

و الحبال في السّاق:عصبها،و في الذّكر:عروقه.

و ككتابة:المصيدة كالأحبول و الأحبولة.

ص: 726

و حبل الصّيد و احتبله:أخذه بها أو نصبها له.

و المحبول:من نصبت له و إن لم يقع بعد،و المحتبل:

من وقع فيها.

و حبائل الموت:أسبابه.

و هو حبيل براح كأمير:شجاع،و هو اسم للأسد.

و كزبير:محمّد بن الفضل بن أبي حبيل المحدّث.

و الحبل بالكسر:الدّاهية و يفتح كالحبول؛جمعه:

حبول،و العالم الفطن العاقل.

و أنّه لحبل من أحبالها:للدّاهية من الرّجال،و للقائم على المال الرّقيق بسياسته.

و ثار حابلهم على نابلهم:أوقدوا الشّرّ بينهم، و الحابل:السّدى،و النّابل:اللّحمة.و حوّل حابله على نابله:جعل أعلاه أسفله.

و الحبلة بالضّمّ:الكرم أو أصل من أصوله و يحرّك، و ثمر السّلم،و السّيال،و السّمر،أو ثمر العضاه عامّة، جمعه:كقفل و صرد،و ضرب من الحلي،و بقلة،و ضبّ حابل:يأكلها.

و الحبل محرّكة:شجر العنب و ربّما سكّن،و الامتلاء كالحبال كغراب،حبل من الشّراب و الماء كفرح فهو حبلان و هي حبلى و قد يضمّان،و الغضب،و هو حبلان و هي حبلانة،و به حبل:غضب و غمّ.

و حبل حبل:زجر للشّاء و الجمل.

حبلت كفرح حبلا:مصدر و اسم،و الجمع:أحبال، فهي حابلة من حبلة،و حبلى من حبليات و حبالى،و قد جاء حبلانة،و النّسبة حبليّ و حبلويّ و حبلاويّ.

و نهي عن بيع حبل الحبلة بتحريكهما،أي ما في بطن النّاقة،أو حمل الكرمة قبل أن يبلغ،أو ولد الولد الّذي في البطن،و كانت العرب تفعله.

و كمقعد:أوان الحبل،و الكتاب الأوّل.

و كمنزل:المهبل.

و حبل الزّرع تحبيلا:قذف بعضه على بعض.

و الإحبل كإثمد و أحمد.

و الحنبل كقنفذ:اللّوبياء.

و الحبالّة،بشدّ اللاّم:الانطلاق،و زمان الشّيء و حينه،و الثّقل.

و كلّ فعالّة مشدّدة جائز تخفيفها،كحمارّة الغيظ و صبارّة البرد،إلاّ الحبالّة فإنّها لا تخفّف.

و الحبلى:لقب سالم بن غنم بن عوف لعظم بطنه،من ولده بنو الحبلى:بطن من الأنصار،و هو حبليّ بالضّمّ و بضمّتين و كجهنيّ.

و الحابل:السّاحر،و أرض.

و الحبليل بالضّمّ:دويبّة تموت ثمّ بالمطر تعيش.

و محتبل الفرس:أرساغه.

و أحبله:ألقحه،و العضاه:تناثر وردها و عقّد.

و كمعظّم:المجعّد من الشّعر شبه الجثل.

(3:364)

الطّريحيّ: و في حديث وصف القرآن:«هو حبل ممدود من السّماء إلى الأرض»أي نور ممدود،يعني نور هداه.و العرب تشبّه النّور الممتدّ بالحبل و الخيط...

و الحبل:الرّسن،و جمعه:حبول،كفلس و فلوس.

و الحبل:عرق في الذّراع و في الظّهر.

و الحبال في السّاق:عصبها،و في الذّكر:عروقه.

ص: 727

و يقال:هي في حبال فلان،أي مرتبطة بنكاحه كالمربوط في الحبال.

و في الحديث:«فوجدناه في حبال اللّه»يعني وجدناه مريضا.

و الحبائل:عروق ظهر الإنسان،و منه حديث ما يخرج من البلل بعد الاستبراء«إنّما ذلك من الحبائل».

و منه:«الإمام مطرود عنه حبائل إبليس و جنوده».

و حبلت المرأة بالكسر حبلا،إذا حملت الولد.

و الحبلى:لقب رجل سمّي به لعظم بطنه.

و بنو الحبلى:بطن من الأنصار.

و في الخبر:«نهي عن بيع حبل الحبلة».و الحبل بالتّحريك:مصدر،سمّي به المحمول الثّاني،و التّاء للتّأنيث،فأريد بالأوّل ما في بطون النّوق من الحمل و بالثّاني،الحبل الّذي في بطون النّوق.و نهي عنه،لأنّ بيع ما لم يخلق غرر.

و في حديث العبّاس بن عبد المطّلب:«كانت له حبلة،قلت:و ما الحبلة؟قال:الكرم».[و قد تركنا كثيرا من كلامه حذرا من التّكرار](5:347)

مجمع اللّغة :الحبل:الرّباط الّذي يشدّ به،و يجمع على:حبال.

و قد يشبّه به من حيث الشّكل،كما في تسميتهم عرق الوريد في العنق بحبل الوريد.

و قد يستعار للوصل المعنويّ،فيقال لما يتوصّل به إلى الجمع و التّواثق:حبل.(1:235)

محمّد إسماعيل إبراهيم:الحبل:ما فتل من ليف أو جلد أو غيره،و الحبل:الرّباط،و الجمع:حبال.

و حبل اللّه:دينه و عهده و قرآنه.

و حبل الوريد:شريان في العنق،و يضرب به المثل في القرب.

و حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ أي حبل مفتول فتلا شديدا من لحاء شجر باليمن يسمّى المسدّ.(1:123)

محمود شيت:أ-الأحبول،الأحبولة:المصيدة، و مصيدة الألغام و نحوها.

ب-الحابل:اختلط الحابل بالنّابل في الانسحاب:

ارتبك،و هو يعني عدم النّظام و الارتباك في الأعمال العسكريّة.

ج-الحابول:حبل يصعد به على الأسوار في أثناء الحصار.

و-حبل يصعد به للأغراض العسكريّة.

د-الحبل:يقال:حبل التّنظيف:حبل ينظّف به السّلاح.

ه-المحتبل:رسغ الدّابّة الّذي يربط فيه الحبل.

(1:169)

العدنانيّ: يقولون:وقع في حبالة الصّيّاد.

و الصّواب:وقع في حبالة الصّيّاد.

و الحبالة هي المصيدة؛و جمعها:حبائل و حبالات.

و الحابل هو الّذي ينصب الحبالة للصّيد.

و المحبول هو الحيوان الّذي نشب في الحبالة.

(معجم الأخطاء الشّائعة:61)

المصطفويّ: التّحقيق:أنّ الحبل عبارة عن شيء ممتدّ طويل،يتوسّل إليه للوصول إلى غرض،أو شدّ شيء و تحكيمه،و ذلك المعنى إمّا في المادّيّات أو في

ص: 728

المعنويّات.

و أمّا معنى الحمل للولد:فإنّ تكوّن الولد كالحبل الممتدّ بين الزّوج و الزّوجة،و هو يشدّهما و يحكم أمر ازدواجهما،و يربط الزّوجة بالزّوج،و لا وسيلة أحسن و أقوى في إيجاد الرّبط الكامل بينهما.

و لذا ترى اختصاص ذلك الإطلاق بالإنسان دون البهائم،لعدم حصول الرّبط بتكوّن الولد بينهما،فيقال:

إنّه حمل الولد.

و أمّا مفهوم الدّاهية:فإنّها كالحبل تشدّ صاحبه و تمتدّ في أطرافه.(2:171)

النّصوص التّفسيريّة

حبل

1- وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا وَ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ... آل عمران:103

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:كتاب اللّه،هو حبل اللّه الممدود،من السّماء إلى الأرض.(الطّبريّ 4:31)

إنّي تارك فيكم الثّقلين:كتاب اللّه تعالى:حبل ممدود من السّماء إلى الأرض،و عترتي أهل بيتي.

(الفخر الرّازيّ 8:173)

ابن مسعود:حبل اللّه:الجماعة.

إنّ الصّراط محتضر،تحضره الشّياطين،ينادون:

يا عبد اللّه،هلمّ هذا الطّريق ليصدّوا عن سبيل اللّه، فاعتصموا بحبل اللّه،فإنّ حبل اللّه،هو كتاب اللّه.

(الطّبريّ 4:31)

حبل اللّه:القرآن.

مثله الضّحّاك و قتادة.(الطّبريّ 4:31)

و أبو سعيد الخدريّ.(الطّبرسيّ 1:482)

ابن عبّاس: تمسّكوا بدين اللّه و كتابه.(53) أبو العالية :اعتصموا بالإخلاص للّه وحده.

(الطّبريّ 4:31)

الإمام زين العابدين عليه السّلام:الإمام منّا لا يكون إلاّ معصوما،و ليست العصمة في ظاهر الخلقة فيعرف بها، و لذلك لا يكون إلاّ منصوصا.

فقيل له:يا ابن رسول اللّه[صلّى اللّه عليه و آله]فما معنى المعصوم؟

فقال:هو المعتصم بحبل اللّه،و حبل اللّه هو القرآن، و القرآن يهدي إلى الإمام؛و ذلك قول اللّه عزّ و جلّ: إِنَّ هذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ الإسراء:9.

(الكاشانيّ 1:338)

مجاهد :بعهد اللّه.(الطّبريّ 4:31)

الإمام الباقر عليه السّلام:آل محمّد صلوات للّه عليهم هم حبل اللّه المتين،الّذي أمر بالاعتصام به،فقال:

وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً. (الكاشانيّ 1:337)

عطاء:العهد.(الطّبريّ 4:31)

قتادة :بعهد اللّه و أمره.(الطّبريّ 4:31)

السّدّيّ: كتاب اللّه.(الطّبريّ 4:31)

ابن زيد :الإسلام.(الطّبريّ 4:32)

الإمام الكاظم عليه السّلام:عليّ بن أبي طالب عليه السّلام حبل اللّه المتين.(الكاشانيّ 1:338)

ابن قتيبة :أي بدينه و عهده.(108)

أي:بعهد اللّه أو بكتابه،يريد:تمسّكوا به،لأنّه

ص: 729

وصلة لكم إليه و إلى جنّته.

و يقال للأمان أيضا:حبل،لأنّ الخائف مستتر مقموع،و الآمن منبسط بالأمان متصرّف،فهو له حبل إلى كلّ موضع يريده.(تأويل مشكل القرآن:464)

الطّبريّ: الحبل،فإنّه السّبب الّذي يوصل به إلى البغية و الحاجة،و لذلك سمّي الأمان:حبلا،لأنّه سبب يوصل به إلى زوال الخوف،و النّجاة من الجزع و الذّعر.

[ثمّ استشهد بشعر]

و منه قول اللّه عزّ و جلّ: إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النّاسِ آل عمران:112.(4:30)

نحوه البغويّ(1:480)،و الخازن(1:321)

القمّيّ: الحبل:التّوحيد و الولاية.

(الكاشانيّ 1:337)

الماورديّ: [نقل بعض الأقوال المتقدّمة ثمّ قال:]

و سمّي ذلك حبلا،لأنّ الممسك به ينجو مثل المتمسّك بالحبل ينجو من بئر أو غيرها.(1:414)

نحوه الطّوسيّ.(2:545)

القشيريّ: الاعتصام بحبله:التّمسّك بآثار الواسطة-العزيز صلوات اللّه عليه-و ذلك بالتّحقّق و التّعلّق بالكتاب و السّنّة.

و يصحّ أن يقال:الخواصّ يقال لهم: (وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ) و خاصّ الخاصّ قيل لهم: وَ اعْتَصَمُوا بِاللّهِ و لمن رجع عند سوانحه إلى اختياره و احتياله،أو فكرته و استدلاله،أو معارفه و أشكاله،و التجأ إلى ظلّ تدبيره،و استضاء بنور عقله و تفكيره،فمرفوع عنه ظلّ العناية،و موكول إلى سوء حاله.(1:279)

الزّمخشريّ: اجتمعوا على التّمسّك بعهده إلى عباده،و هو الإيمان و الطّاعة،أو بكتابه لقول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

«القرآن حبل اللّه المتين،لا تنقضي عجائبه و لا يخلق عن كثرة الرّدّ،من قال به صدق،و من عمل به رشد،و من اعتصم به هدي إلى صراط مستقيم».(1:450)

نحوه النّسفيّ.(1:173)

ابن عطيّة: و الحبل في هذه الآية مستعار لما كان السّبب الّذي يعتصم به،وصلة ممتدّة بين العاصم و المعصوم و نسبة بينهما،شبّه ذلك بالحبل الّذي شأنه أن يصل شيئا بشيء،و تسمّى العهود و المواثيق:حبالا.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النّاسِ آل عمران:112.

و اختلفت عبارة المفسّرين في المراد في هذه الآية.

[ثمّ نقلها و قال:]

و قيل غير هذا ممّا هو كلّه قريب بعضه من بعض.

(1:483)

الطّبرسيّ: [نقل بعض الأقوال،و قال:]

و الأولى حمله على الجميع،و الّذي يؤيّده ما رواه أبو سعيد الخدريّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أنّه قال:«أيّها النّاس إنّي قد تركت فيكم حبلين إن أخذتم بهما لن تضلّوا بعدي؛أحدهما أكبر من الآخر:كتاب اللّه:حبل ممدود من السّماء إلى الأرض،و عترتي أهل بيتي،ألا و إنّهما لا يفترقان حتّى يردا عليّ الحوض».(1:482)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ كلّ من يمشي على طريق دقيق يخاف أن تزلق رجله،فإذا تمسّك بحبل مشدود

ص: 730

الطّرفين بجانبي ذلك الطّريق أمن من الخوف.

و لا شكّ أنّ طريق الحقّ طريق دقيق،و قد انزلق رجل الكثير من الخلق عنه،فمن اعتصم بدلائل اللّه و بيّناته،فإنّه يأمن من ذلك الخوف،فكان المراد من الحبل هاهنا:كلّ شيء يمكن التّوصّل به إلى الحقّ في طريق الدّين.

و هو أنواع كثيرة،فذكر كلّ واحد من المفسّرين واحدا من تلك الأشياء،فقال ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:المراد بالحبل هاهنا:العهد المذكور في قوله:

وَ أَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ البقرة:40،و قال:

إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النّاسِ آل عمران:

112،أي بعهد،و إنّما سمّي العهد حبلا،لأنّه يزيل عنه الخوف من الذّهاب إلى أيّ موضع شاء،و كان كالحبل الّذي من تمسّك به زال عنه الخوف.[ثمّ ذكر الأقوال، و قال:]

هذه الأقوال كلّها متقاربة،و التّحقيق ما ذكرنا:أنّه لمّا كان النّازل في البئر يعتصم بحبل تحرّزا من السّقوط فيها،و كان كتاب اللّه و عهده و دينه و طاعته و موافقته لجماعة المؤمنين حرزا لصاحبه من السّقوط في قعر جهنّم، جعل ذلك حبلا للّه و أمروا بالاعتصام به.(8:173)

القرطبيّ: و الحبل لفظ مشترك،و أصله في اللّغة:

السّبب الّذي يوصل به إلى البغية و الحاجة.[و ذكر معاني الحبل في اللّغة و منه«العهد»ثمّ قال:]

و كلّها ليس مرادا في الآية،إلاّ الّذي بمعنى العهد،عن ابن عبّاس.[ثمّ نقل قولي ابن مسعود و غيره في أنّه:

القرآن،و الجماعة،و أضاف:]

و المعنى كلّه متقارب متداخل،فإنّ اللّه تعالى يأمر بالألفة و ينهى عن الفرقة،فإنّ الفرقة هلكة،و الجماعة نجاة.(4:158)

البيضاويّ: بدينه الإسلام أو بكتابه،لقوله عليه الصّلاة و السّلام:«القرآن حبل اللّه المتين».استعار له الحبل من حيث إنّ التّمسّك به سبب للنّجاة من الرّدى، كما أنّ التّمسّك بالحبل سبب للسّلامة من التّردّي.

و للوثوق به و الاعتماد عليه الاعتصام ترشيحا للمجاز.

(1:175)

نحوه المشهديّ.(2:184)

النّيسابوريّ: حال كونكم مجموعين،و قولهم:

اعتصمت بحبله،يجوز أن يكون تمثيلا لاستظهاره به، و وثوقه بعنايته باستمساك المتدلّي من مكان مرتفع بحبل وثيق يأمن انقطاعه،لأنّ وجه الشّبه وصف غير حقيقيّ و منتزع من عدّة أمور.

و يجوز أن يكون«الحبل»استعارة للعهد و الاعتصام،لوثوقه بالعهد،بناء على أنّ في الكلام تشبيهين.

و يجوز أن تفرض الاستعارة في الحبل فقط،و يكون الاعتصام ترشيحا لها.

و الحاصل أنّ طريق الحقّ دقيق،و السّائر عليه غير مأمون أن تزلّ قدمه عن الجادّة،فيراد بالحبل هاهنا:

ما يتوصّل به إلى الثّبات على الحقّ،و إن كانت عبارات المفسّرين متخالفة.[ثمّ ذكرها](4:25)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

إمّا تمثيل للحالة الحاصلة من استظهارهم به

ص: 731

و وثوقهم بحمايته،بالحالة الحاصلة من تمسّك المتدلّي من مكان رفيع بحبل وثيق مأمون الانقطاع،من غير اعتبار مجاز في المفردات.

و إمّا استعارة للحبل لما ذكر من الدّين أو الكتاب،أو الاعتصام ترشيح لها،أو مستعار للوثوق به و الاعتماد عليه.(2:12)

الكاشانيّ: [نحو البيضاويّ،ثمّ ذكر روايات في معنى«حبل اللّه»و أضاف:]

و مآل الكلّ واحد،يفسّره قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:«حبلين ممدودين،طرف منهما بيد اللّه و طرف بأيديكم،و أنّهما لن يفترقا».(1:338)

البروسويّ: أي بدين الإسلام أو بكتابه،فلفظ الحبل مستعار لأحد هذين المعنيين،فإنّ كلّ واحد منهما يشبه الحبل في كونه سببا للنّجاة من الرّدى،و الوصول إلى المطلوب.فإنّ من سلك طريقا صعبا يخاف أن تزلق رجله فيه،فإذا تمسّك بحبل مشدود الطّرفين بجانبي ذلك الطّريق،أمن من الخوف.

كذلك طريق السّعادة الأبديّة و مرضاة الرّبّ، طريق زلق،و دواعي الضّلال عنها متكثّرة،زلق رجل أكثر الخلق فيها،فمن اعتصم بالقرآن العظيم و بقوانين الشّرع القويم و بيّنات الرّبّ الكريم،فقد هدي إلى صراط مستقيم،و أمن من الغواية المؤدّية إلى نار الجحيم،كما يأمن المتمسّك بالحبل من العذاب الأليم.

(2:72)

الآلوسيّ: في الكلام استعارة تمثيليّة بأن شبّهت الحالة الحاصلة للمؤمنين من استظهارهم بأحد ما ذكر، و وثوقهم بحمايته بالحالة الحاصلة من تمسّك المتدلّي من مكان رفيع بحبل وثيق مأمون الانقطاع،من غير اعتبار مجاز في المفردات،و استعير ما يستعمل في المشبّه به من الألفاظ للمشبّه.

و قد يكون في الكلام استعارتان مترادفتان؛بأن يستعار«الحبل»للعهد مثلا،استعارة مصرّحة أصليّة، و القرينة الإضافة،و يستعار«الاعتصام»للوثوق بالعهد و التّمسّك به،على طريق الاستعارة المصرّحة التّبعيّة، و القرينة اقترانها بالاستعارة الثّانية.

و قد يكون في اِعْتَصِمُوا مجاز مرسل تبعيّ بعلاقة الإطلاق و التّقييد،و قد يكون مجازا بمرتبتين،لأجل إرسال المجاز.

و قد تكون الاستعارة في«الحبل»فقط،و يكون «الاعتصام»باقيا على معناه ترشيحا لها على أتمّ وجه.

و القرينة قد تختلف بالتّصرّف،فباعتبار قد تكون مانعة،و باعتبار آخر قد لا تكون،فلا يرد أنّ احتمال المجازيّة يتوقّف على قرينة مانعة عن إرادة الموضع له، فمع وجودها كيف يتأتّى إرادة الحقيقة ليصحّ الأمران في اِعْتَصِمُوا.

و قد تكون الاستعارتان غير مستقلّتين،بأن تكون الاستعارة في«الحبل»مكنيّة،و في«الاعتصام»تخييليّة، لأنّ المكنيّة مستلزمة للتّخييليّة،قاله الطّيّبيّ،و لا يخفى أنّه أبعد من العيّوق.(4:19)

القاسميّ: الحبل:إمّا بمعنى العهد،كما في الآية بعدها: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النّاسِ آل عمران:112،أي بعهد

ص: 732

و ذمّة،و إمّا بمعنى القرآن،كما في صحيح مسلم عن زيد ابن أرقم،أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«ألا و إنّي تارك فيكم ثقلين:أحدهما كتاب اللّه و هو حبل اللّه،من اتّبعه كان على الهدى،و من تركه كان على ضلالة...»الحديث.

و الوجهان متقاربان،فإنّ عهده،أي شرعه و دينه و كتابه حرز للمتمسّك به من الضّلالة كالحبل الّذي يتمسّك به خشية السّقوط.(4:914)

رشيد رضا :[نقل الأقوال و أضاف:]

قالوا:إنّ العبارة استعارة تمثيليّة،شبّهت فيها حالة المسلمين في اهتدائهم بكتاب اللّه أو في اجتماعهم و تعاضدهم و تكاتفهم بحالة استمساك المتدلّي من مكان عال بحبل متين،يأمن معه من السّقوط.

و صوّر الأستاذ الإمام التّمثيل بما هو أظهر من هذا، قال ما معناه:الأشبه أن تكون العبارة تمثيلا،كأنّ الدّين في سلطانه على النّفوس و استيلائه على الإرادات و ما يترتّب على ذلك من ريان الأعمال على حسب هديه:حبل متين يأخذ به الآخذ فيأمن السّقوط،كأنّ الآخذين به قوم على نشر من الأرض يخشى عليهم السّقوط منه،فأخذوا بحبل موثّق،جمعوا به قوّتهم، فامتنعوا من السّقوط.

و أقول:إنّ المختار هو ما ورد في الحديث المرفوع من تفسير(حبل اللّه):بكتابه،و من اعتصم به كان آخذا بالإسلام.و لا يظهر تفسيره بالجماعة و الاجتماع؛و إنّما عليه نجتمع،و به نتّحد،لا بجنسيّات نتّبعها،و لا بمذاهب نبتدعها،و لا بمواضعات نضعها،و لا بسياسيات نخترعها، ثمّ نهانا عن التّفرّق و الانفصام،بعد هذا الاجتماع و الاعتصام،لما في التّفرّق من زوال الوحدة،الّتي هي معقد العزّة و القوّة،و بالعزّة يعتزّ الحقّ فيعلو في العالمين، و بالقوّة يحفظ هو و أهله من هجمات المواثبين و كيد الكائدين،فهذا الأمر و النّهي في معنى الأمر و النّهي في قوله تعالى: وَ أَنَّ هذا صِراطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَ لا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ الأنعام:

153؛فحبل اللّه هو صراطه المستقيم.(4:20)

المراغيّ: (حبل اللّه):كتابه،من اعتصم به كان مستمسكا بأقوى سبب،متحرّزا من السّقوط في قعر جهنّم.(4:14)

الطّباطبائيّ: إنّ التّمسّك بآيات اللّه و برسوله-الكتاب و السّنّة-اعتصام باللّه،مأمون معه المتمسّك المعتصم،مضمون له الهدى و التّمسّك بذيل الرّسول تمسّك بذيل الكتاب،فإنّ الكتاب هو الّذي يأمر بذلك،في مثل قوله: وَ ما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَ ما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا... الحشر:7.

و قد بدّل في هذه الآية الاعتصام المندوب إليه في تلك الآية بالاعتصام بحبل اللّه،فأنتج ذلك أنّ(حبل اللّه) هو الكتاب المنزل من عند اللّه،و هو الّذي يصل ما بين العبد و الرّبّ،و يربط السّماء بالأرض.و إن شئت قلت:

إنّ(حبل اللّه)هو القرآن و النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،فقد عرفت أنّ مآل الجميع واحد.

و القرآن و إن لم يدع إلاّ إلى حقّ التّقوى و الإسلام الثّابت،لكن غرض هذه الآية غرض الآية السّابقة الآمرة بحقّ التّقوى و الموت على الإسلام،فإنّ الآية السّابقة تتعرّض لحكم الفرد،و هذه الآية تتعرّض لحكم

ص: 733

الجماعة المجتمعة،و الدّليل عليه قوله:(جميعا)،و قوله:

(و لا تفرّقوا)فالآيات تأمر المجتمع الإسلاميّ بالاعتصام بالكتاب و السّنّة،كما تأمر الفرد بذلك.(3:369)

المصطفويّ: أي توجّهوا إليه تعالى و توسّلوا جميعا إلى ما يوصلكم إليه،و يوجد الارتباط بينه و بينكم.(2:171)

مكارم الشّيرازيّ: ما المقصود من(حبل اللّه)في هذه الآية؟فقد ذهب المفسّرون فيه إلى احتمالات مختلفة،فمنهم من قال:بأنّه القرآن،و منهم من قال:بأنّه الإسلام،و منهم من قال:بأنّهم الأئمّة المعصومون من آل الرّسول و أهل بيته المطهّرين.

و قد وردت كلّ هذه المعاني في روايات منقولة عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و الأئمّة من أهل بيته عليهم السّلام.

ففي تفسير«الدّرّ المنثور»عن النّبيّ الأكرم صلّى اللّه عليه و آله و في كتاب«معاني الأخبار»عن الإمام السّجّاد،أنّهما قالا:

«كتاب اللّه:حبل ممدود من السّماء».

و روي عن الإمام الباقر عليه السّلام أنّه قال:«آل محمّد عليهم السّلام هم حبل اللّه الّذي أمرنا بالاعتصام به،فقال:

وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا».

و لكنّه ليس هناك-في الحقيقة-أيّ اختلاف و تضارب بين تلك الأقوال و الأحاديث،لأنّ المراد من الحبل الإلهيّ هو كلّ وسيلة للارتباط باللّه تعالى سواء كانت هذه الوسيلة هي الإسلام،أم القرآن الكريم،أم النّبيّ و أهل بيته الطّاهرين.

و بعبارة أخرى فإنّ كلّ ما قيل يدخل بأجمعه في مفهوم ما يحقّق«الارتباط باللّه»سبحانه-الواسع- و الّذي يستفاد من معنى(حبل اللّه).

التّعبير ب(حبل اللّه)لما ذا؟

إنّ النّقطة الجديرة بالاهتمام في هذه الآية،هو التّعبير عن هذه الأمور ب(حبل اللّه)فهو إشارة إلى حقيقة لطيفة و هامّة،و هي أنّ الإنسان سيبقى في حضيض الجهل، و الغفلة،و في قاع الغرائز الجامحة إذا لم تتوفّر له شروط الهداية،و لم يتهيّأ له الهادي و المربّي الصّالح،فلا بدّ للخروج من هذا القاع،و الارتفاع من هذا الحضيض، من حبل متين يتمسّك به ليخرجه من بئر المادّيّة و الجهل و الغفلة،و ينقذه من أسر الطّبيعة.و هذا الحبل ليس إلاّ حبل اللّه المتين،و هو الارتباط باللّه عن طريق الأخذ بتعاليم القرآن الكريم و القادة الهداة الحقيقيّين، الّتي ترتفع بالنّاس من حضيض الحضيض إلى أعلى الذّرى،في سماء التّكامل المادّيّ و المعنويّ.

(2:472)

فضل اللّه :[بعد ذكر قول الطّبرسيّ قال:]

قد يؤيّد هذا الوجه أنّ أهل البيت عليهم السّلام قد قالوا في كثير من رواياتهم:«إنّا إذا حدّثنا،حدّثنا بموافقة الكتاب،فلا تقبلوا علينا حديثا إلاّ ما وافق كتاب اللّه».

ممّا يعني أنّ كلامهم ينطلق من خلال كتاب اللّه لفظا و مضمونا؛بحيث يكون التّمسّك بهم من خلال الالتزام بكلامهم،تمسّكا بكتاب اللّه تعالى.(6:194)

2- ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النّاسِ... آل عمران:112

ابن عبّاس: إلاّ بالإيمان باللّه: وَ حَبْلٍ مِنَ النّاسِ: عهد من الأمراء بالجزية.(54)

ص: 734

فهو عهد من اللّه،و من النّاس،كما يقول الرّجل:ذمّة اللّه،و ذمّة رسوله صلّى اللّه عليه و سلّم،فهو الميثاق.(الطّبريّ 4:48)

مجاهد :بعهد من اللّه و عهد من النّاس لهم.

مثله قتادة و عكرمة و الضّحّاك و الرّبيع و السّدّيّ (الطّبريّ 4:48)،و الحسن(الطّبرسيّ 1:488).

الإمام الصّادق عليه السّلام:الحبل من اللّه:كتاب اللّه، و الحبل من النّاس:عليّ بن أبي طالب صلوات اللّه عليه.

(الكاشانيّ 1:343)

ابن زيد :إلاّ بعهد،و هم يهود،و الحبل:العهد؛ و ذلك قول أبي الهيثم بن التّيّهان لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حين أتته الأنصار في العقبة:أيّها الرّجل،إنّا قاطعون فيك حبالا بيننا و بين النّاس،يقول:عهودا،و اليهود لا يأمنون في أرض من أرض اللّه إلاّ بهذا الحبل.(الطّبريّ 4:48)

الفرّاء: إلاّ أن يعتصموا بحبل من اللّه،فأضمر ذلك.

[ثمّ استشهد بشعر](1:230)

ابن قتيبة :أي بلسان و عهد.(108)

الطّبريّ: و أمّا الحبل الّذي ذكره اللّه في هذا الموضع،فإنّه السّبب الّذي يأمنون به على أنفسهم من المؤمنين،و على أموالهم و ذراريّهم،من عهد و أمان،تقدّم لهم عقده قبل أن يثقفوا في بلاد الإسلام...

و اختلف أهل العربيّة في المعنى الّذي جلب الباء في قوله: إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النّاسِ فقال بعض نحويّي الكوفة:الّذي جلب الباء في قوله:(بحبل)فعل مضمر قد ترك ذكره،قال:و معنى الكلام:ضربت عليهم الذّلّة أينما ثقفوا،إلاّ أن يعتصموا بحبل من اللّه،فأضمر ذلك،و استشهد لقوله ذلك بقول الشّاعر:

رأتني بحبليها فصدّت مخافة

و في الحبل روعاء الفؤاد فروق

فأوجب إعمال فعل محذوف،و إظهار صلته و هو متروك؛و ذلك في مذاهب العربيّة ضعيف،و من كلام العرب بعيد.

و أمّا ما استشهد به لقوله من الأبيات،فغير دالّ على صحّة دعواه،لأنّ في قول الشّاعر:«رأتني بحبليها»دلالة بيّنة في أنّها رأته بالحبل ممسكا.ففي إخباره عنها أنّها رأته بحبليها،إخبار منه أنّها رأته ممسكا بالحبلين.فكان فيما ظهر من الكلام مستغنى عن ذكر الإمساك،و كانت الباء وصلة لقوله:«رأتني»،كما في قول القائل:أنا باللّه، مكتف بنفسه؛و معرفة السّامع معناه أن تكون الباء محتاجة إلى كلام يكون لها جالبا غير الّذي ظهر،و أنّ المعنى أنا باللّه مستعين.

و قال بعض نحويّي البصرة:قوله: إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ استثناء خارج من أوّل الكلام،قال:و ليس ذلك بأشدّ من قوله: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاّ سَلاماً مريم:62.

و قال آخرون من نحويّي الكوفة:هو استثناء متّصل،و المعنى:ضربت عليهم الذّلّة أينما ثقفوا،أي بكلّ مكان،إلاّ بموضع(حبل من اللّه)كما تقول:ضربت عليهم الذّلّة في الأمكنة إلاّ في هذا المكان.

و هذا أيضا طلب الحقّ،فأخطأ المفصّل؛و ذلك أنّه زعم أنّه استثناء متّصل،و لو كان متّصلا كما زعم، لوجب أن يكون القوم إذا ثقفوا بحبل من اللّه و حبل من النّاس،غير مضروبة عليهم المسكنة،و ليس ذلك صفة اليهود،لأنّهم أينما ثقفوا بحبل من اللّه،و حبل من النّاس،

ص: 735

أو بغير حبل من اللّه عزّ و جلّ،و غير حبل من النّاس، فالذّلّة مضروبة عليهم،على ما ذكرنا عن أهل التّأويل قبل.

فلو كان قوله: إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النّاسِ استثناء متّصلا،لوجب أن يكون القوم إذا ثقفوا بعهد و ذمّة،ألاّ تكون الذّلّة مضروبة عليهم؛و ذلك خلاف ما وصفهم اللّه به من صفتهم،و خلاف ما هم به من الصّفة،فقد تبيّن أيضا بذلك فساد قول هذا القائل أيضا.

و لكنّ القول عندنا:أنّ الباء في قوله: إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ أدخلت،لأنّ الكلام الّذي قبل الاستثناء مقتض في المعنى الباء.و ذلك أنّ معنى قوله: ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا: ضربت عليهم الذّلّة بكلّ مكان ثقفوا،ثمّ قال: إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النّاسِ على غير وجه الاتّصال بالأوّل،و لكنّه على الانقطاع عنه.و معناه:و لكن يثقفون بحبل من اللّه و حبل من النّاس،كما قيل: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّ خَطَأً النّساء:92.

فالخطأ و إن كان منصوبا بما عمل فيما قبل الاستثناء، فليس قوله باستثناء متّصل بالأوّل بمعنى(الاّ خطأ)،فإنّ له قتله كذلك.و لكن معناه:و لكن قد يقتله خطأ، فكذلك قوله: أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ و إن كان الّذي جلب الباء الّتي بعد(الاّ)الفعل الّذي يقتضيها قبل(الاّ)،فليس الاستثناء بالاستثناء المتّصل بالّذي قبله بمعنى أنّ القوم إذا لقوا،فالذّلّة زائلة عنهم،بل الذّلّة ثابتة بكلّ حال،و لكن معناه ما بيّنّا آنفا.(4:48)

الرّمّانيّ: و ما ذكره الفرّاء ضعيف من وجهين:

أحدهما:حذف الموصول؛و ذلك لا يجوز عند البصريّين في شيء من الكلام،لأنّه إذا احتاج إلى صلة تبيّن عنه،فالحاجة إلى البيان عنه بذكره أشدّ.و إنّما يجوز حذف الشّيء للاستغناء بدلالة غيره عليه،فلو دلّ دليل عليه،لحذف مع صلته،لأنّه معها بمنزلة شيء واحد.

و الوجه الآخر:أنّ الكلام إذا صحّ معناه من غير حذف،لم يجز تأويله على الحذف.(الطّوسيّ 2:561)

الطّوسيّ: [ذكر بعض الأقوال ثمّ قال:]

و سمّي العهد:حبلا،لأنّه يعقد به الأمان،كما يعقد بالحبل من حيث يلزم به الشّيء،كما يلزم بالحبل.[ثمّ استشهد بشعر]

و العامل في الباء من قوله: إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ يحتمل أن يكون العامل محذوفا،و المعنى إلاّ أن تعتصموا بحبل من اللّه،على قول الفرّاء.[ثمّ استشهد بشعر.و نقل كلام الرّمّانيّ و أضاف:]

(الاّ بحبل...)قيل:في هذا الاستثناء قولان:

أحدهما:أنّه منقطع،لأنّ الدّلالة لازمة لهم على كلّ حال،فيجري مجرى قوله: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّ خَطَأً فعامل الإعراب موجود،و المعنى على الانقطاع،و مثله لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا تَأْثِيماً* إِلاّ قِيلاً سَلاماً الواقعة:25،26،و كلّ انقطاع فيه فإنّما هو لإزالة الإيهام الّذي فيه يلحق الكلام،فقوله:

لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً قد يتوهّم أنّه من حيث لا يسمعون فيها كلاما،فقيل لذلك: إِلاّ قِيلاً سَلاماً و كذلك وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً قد بتوهّم أنّه لا يقتل مؤمن مؤمنا على وجه،فقيل لذلك:(الاّ

ص: 736

خطأ)،و كذلك ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ قد يتوهّم أنّه من غير جواز موادعة،فقيل: إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ.

الثّاني:أنّ الاستثناء متّصل،لأنّ عزّ المسلمين عزّ لهم بالذّمّة،و هذا لا يخرجه من الذّلّة في أنفسهم،و قوله:

وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ أي رجعوا بغضب اللّه الّذي هو عقابه و لعنه.و قوله: وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ قيل:أريد بالمسكنة:الذّلّة،لأنّ المسكين لا يكون إلاّ ذليلا فسمّي الذّليل مسكينا.و قيل:لأنّ اليهود أبدا يتفاقرون و إن كانوا أغنياء لما رماهم اللّه به من الذّلّة.و قد بيّنّا فيما تقدّم أنّ قوله: وَ يَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ لا يدلّ على أنّ قتلهم يكون بحقّ،و إنّما المراد أنّ قتلهم لا يكون إلاّ بغير حقّ،كما قال: وَ مَنْ يَدْعُ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ لا بُرْهانَ لَهُ بِهِ المؤمنون:117،و المراد أنّ ذلك لا يكون إلاّ بغير برهان.[ثمّ استشهد بشعر](2:

560)

البغويّ: يعني:أينما وجدوا و استضعفوا و قتلوا أو سبوا فلا يأمنون إِلاّ بِحَبْلٍ: عهد من اللّه تعالى بأن يسلموا، وَ حَبْلٍ مِنَ النّاسِ من المؤمنين ببذل جزية أو أمان،يعني:إلاّ أن يعصموا بحبل اللّه،فيأمنوا على أنفسهم و أموالهم.(1:496)

الميبديّ: العهد و الذّمّة و الأمان الّذي يأخذونه من المؤمنين بإذن اللّه،و(النّاس)هاهنا خاصّ بالمؤمنين.

(2:247)

الزّمخشريّ: بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ في محلّ نصب على الحال،بتقدير:إلاّ معتصمين أو متمسّكين أو ملتبسين بحبل من اللّه،و هو استثناء من أعمّ عامّ الأحوال.

و المعنى:ضربت عليهم الذّلّة في عامّة الأحوال إلاّ في حال اعتصامهم بحبل اللّه و حبل النّاس،يعني ذمّة اللّه و ذمّة المسلمين،أي لا عزّ لهم قطّ إلاّ بهذه الواحدة، و هي التجاؤهم إلى الذّمّة لما قبلوه من الجزية.

(1:455)

نحوه البيضاويّ(1:177)،و الآلوسيّ(4:29)، و القاسميّ(4:939).

ابن عطيّة: (الاّ بحبل):استثناء منقطع،و هو نظير قوله تعالى: وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّ خَطَأً... النّساء:92.

لأنّ بادي الرّأي يعطي أنّ له أن يقتل خطأ،و أنّ الحبل من اللّه و من النّاس يزيل ضرب الذّلّة.و ليس الأمر كذلك،و إنّما الكلام محذوف،يدركه فهم السّامع النّاظر في الأمر،و تقديره في آياتنا:فلا نجاة من الموت (إلاّ بحبل).(1:491)

الفخر الرّازيّ: في الآية مسائل:[ذكر المسألة الأولى ثمّ قال:]المسألة الثّانية:المراد:إلاّ بعهد من اللّه و عصمة و ذمام من اللّه و من المؤمنين،لأنّ عند ذلك تزول الأحكام،فلا قتل و لا غنيمة و لا سبي.[إلى أن قال:]

و اعلم أنّه لا يمكن أن يقال:المراد من الذّلّة هي الجزية فقط،أو هذه المهانة فقط،لأنّ قوله: إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ يقتضي زوال تلك الذّلّة عند حصول هذا الحبل.و الجزية و الصّغار و الدّناءة لا يزول شيء منها عند حصول هذا الحبل،فامتنع حمل الذّلّة على الجزية فقط.

و بعض من نصر هذا القول أجاب عن هذا السّؤال،

ص: 737

بأن قال:إنّ هذا الاستثناء منقطع،و هو قول محمّد بن جرير الطّبريّ،فقال:اليهود قد ضربت عليهم الذّلّة سواء كانوا على عهد من اللّه أو لم يكونوا،فلا يخرجون بهذا الاستثناء من الذّلّة إلى العزّة،فقوله: إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ تقديره:لكن قد يعتصمون بحبل من اللّه و حبل من النّاس.

و اعلم أنّ هذا ضعيف،لأنّ حمل لفظ(الاّ)على «لكن»خلاف الظّاهر،و أيضا إذا حملنا الكلام على أنّ المراد:لكن قد يعتصمون بحبل من اللّه و حبل من النّاس، لم يتمّ هذا القدر،فلا بدّ من إضمار الشّيء الّذي يعتصمون بهذه الأشياء لأجل الحذر عنه،و الإضمار خلاف الأصل، فلا يصار إلى هذه الأشياء إلاّ عند الضّرورة،فإذا كان لا ضرورة هاهنا إلى ذلك كان المصير إليه غير جائز.

بل هاهنا وجه آخر،و هو أن يحمل الذّلّة على كلّ هذه الأشياء،أعني القتل و الأسر،و سبي الذّراريّ و أخذ المال و إلحاق الصّغار و المهانة،و يكون فائدة الاستثناء هو أنّه لا يبقى مجموع هذه الأحكام؛و ذلك لا ينافي بقاء بعض هذه الأحكام،و هو أخذ القليل من أموالهم الّذي هو مسمّى بالجزية،و بقاء المهانة و الحقارة و الصّغار فيهم،فهذا هو القول في هذا الموضع.

المسألة الثّالثة: إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ فيه وجوه:

الأوّل:قال الفرّاء:التّقدير:إلاّ أن يعتصموا بحبل من اللّه،و أنشد على ذلك:

رأتني بحبلها فصدّت مخافة

و في الحبل روعاء الفؤاد فروق

و اعترضوا عليه،فقالوا:لا يجوز حذف الموصول و إبقاء صلته،لأنّ الموصول هو الأصل،و الصّلة فرع، فيجوز حذف الفرع لدلالة الأصل عليه،أمّا حذف الأصل و إبقاء الفرع فهو غير جائز.

الثّاني:أنّ هذا الاستثناء واقع على طريق المعنى، لأنّ معنى ضرب الذّلّة لزومها إيّاهم على أشدّ الوجوه بحيث لا تفارقهم و لا تنفكّ عنهم،فكأنّه قيل:لا تنفكّ عنهم الذّلّة،و لن يتخلّصوا عنها إلاّ بحبل من اللّه و حبل من النّاس.

الثّالث:أن تكون الباء بمعنى«مع»كقولهم:اخرج بنا نفعل كذا،أي معنا،و التّقدير:إلاّ مع حبل من اللّه.

المسألة الرّابعة:المراد من(حبل اللّه):عهده.و قد ذكرنا فيما تقدّم أنّ العهد إنّما سمّي بالحبل،لأنّ الإنسان لمّا كان قبل العهد خائفا،صار ذلك الخوف مانعا له من الوصول إلى مطلوبه،فإذا حصل العهد توصّل بذلك العهد إلى الوصول إلى مطلوبه،فصار ذلك شبيها بالحبل الّذي من تمسّك به تخلّص من خوف الضّرر.

فإن قيل:إنّه عطف على حبل اللّه حبلا من النّاس، و ذلك يقتضي المغايرة،فكيف هذه المغايرة؟

قلنا:قال بعضهم:(حبل اللّه)هو الإسلام،و(حبل النّاس)هو العهد و الذّمّة.و هذا بعيد،لأنّه لو كان المراد ذلك،لقال:أو حبل من النّاس.

و قال آخرون:المراد بكلا الحبلين:العهد و الذّمّة و الأمان،و إنّما ذكر تعالى الحبلين،لأنّ الأمان المأخوذ من المؤمنين هو الأمان المأخوذ بإذن اللّه،و هذا عندي أيضا ضعيف.

و الّذي عندي فيه:أنّ الأمان الحاصل للذّمّيّ

ص: 738

قسمان:أحدهما:الّذي نصّ اللّه عليه و هو أخذ الجزية، و الثّاني:الّذي فوّض إلى رأي الإمام،فيزيد فيه تارة و ينقص بحسب الاجتهاد؛فالأوّل:هو المسمّى بحبل اللّه، و الثّاني:هو المسمّى بحبل المؤمنين،و اللّه أعلم.

(8:195)

العكبريّ: (الاّ بحبل)في موضع نصب على الحال، تقديره:ضربت عليهم الذّلّة في كلّ حال إلاّ في حال عقد العهد لهم؛فالباء متعلّقة بمحذوف،تقديره:إلاّ متمسّكين بحبل.(1:285)

القرطبيّ: استثناء منقطع ليس من الأوّل،أي لكنّهم يعتصمون بحبل من اللّه و حبل من النّاس،يعني الذّمّة الّتي لهم.(4:174)

النّيسابوريّ: يعني ذمّة اللّه و ذمة المسلمين،فهما في حكم واحد،أي لا عزّ لهم قطّ إلاّ هذه الواحدة،و هي التجاؤهم إلى الذّمّة بقبول الجزية؛فحينئذ يكون دمهم محقونا،و ما لهم مصونا،و هو نوع من العزّة.

و قيل:(حبل اللّه):الإسلام،و«حبل النّاس»:

الذّمة،فعلى هذا يكون«الواو»بمعنى«أو».

و قيل:ذمّة اللّه:الجزية المنصوص عليها،و ذمّة النّاس:ما يزيد الإمام عليها أو ينقص بالاجتهاد.و إنّما صحّ الاستثناء المفرّغ من الموجب نظرا إلى المعنى،لأنّ ضرب الذّلّة عليهم معناه لا تنفكّ عنهم.(4:42)

نحوه الخازن(1:340)،و الشّربينيّ(1:240).

أبو حيّان :[ذكر كلام ابن عطيّة و قال:]

و على ما قدّره لا يكون استثناء منقطعا،لأنّه مستثنى من جملة مقدّرة،و هي قوله:فلا نجاة من الموت و هو متّصل،على هذا التّقدير:فلا يكون استثناء منقطعا من الأوّل،ضرورة أنّ الاستثناء الواحد لا يكون منقطعا متّصلا،و الاستثناء المنقطع كما قرّر في علم النّحو على قسمين:منه ما يمكن أن يتسلّط عليه العامل،و منه ما لا يمكن فيه ذلك.و منه هذه الآية على تقدير الانقطاع؛ إذ التّقدير:لكن اعتصامهم بحبل من اللّه و حبل من النّاس ينجيهم من القتل و الأسر و سبي الذّراريّ و استئصال أموالهم،و يدلّ على أنّه منقطع الأخبار بذلك،في قوله تعالى في سورة البقرة:61 وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَ الْمَسْكَنَةُ وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ فلم يستثن هناك.[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ و قال:]

و هو متّجه.و شبّه العهد بالحبل لأنّه يصل قوما بقوم،كما يفعل الحبل في الأجرام.و الظّاهر في تكرار «الحبل»أنّه أريد حبلان،و فسّر حبل اللّه بالإسلام و حبل النّاس بالعهد و الذّمّة.

و قيل:حبل اللّه هو الّذي نصّ اللّه عليه من أخذ الجزية،و الثّاني هو الّذي فوّض إلى رأي الإمام،فيزيد فيه و ينقص بحسب الاجتهاد.

و قيل:المراد حبل واحد؛إذ حبل المؤمنين هو حبل اللّه و هو العهد.(3:32)

نحوه السّمين.(2:188)

أبو السّعود :استثناء من أعمّ الأحوال،أي ضربت عليهم الذّلّة ضرب القبّة على من هي عليه في جميع الأحوال،إلاّ حال كونهم معتصمين بذمّة اللّه أو كتابه الّذي أتاهم،و ذمّة المسلمين أو بذمّة الإسلام،و اتّباع سبيل المؤمنين.(2:19)

ص: 739

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و الفخر الرّازيّ]

(2:79)

الطّباطبائيّ: و الحبل:السّبب الّذي يوجب التّمسّك به العصمة،و قد استعير لكلّ ما يوجب نوعا من الأمن و العصمة و الوقاية كالعهد و الذّمّة و الأمان، و المراد-و اللّه أعلم-أنّ الذّلّة مضروبة عليهم كضرب السّكّة على الفلزّ أو كضرب الخيمة على الإنسان،فهم مكتوب عليهم أو مسلّط عليهم الذّلّة إلاّ بحبل و سبب من اللّه،و حبل و سبب من النّاس.

و قد كرّر لفظ الحبل بإضافته إلى اللّه و إلى النّاس، لاختلاف المعنى بالإضافة،فإنّه من اللّه القضاء و الحكم تكوينا أو تشريعا،و من النّاس البناء و العمل.

(3:383)

عبد الكريم الخطيب :الحبل:العهد و العقد، و المعنى:ضربت عليهم الذّلّة أبدا،إلاّ أن يدخلوا مع المسلمين في عهد اللّه،و ذمّة المسلمين،فيكونوا بذلك من أهل الذّمّة،و تفرض عليهم الجزية،فيعطونها عن يد و هم صاغرون.و هنا يرفع عنهم المسلمون الأذى و الذّلّة الّتي أخذوهم بها.

و لكن مع هذا لا يتخلّى عنهم روح الذّلّة المتسلّط عليهم من داخل أنفسهم،لأنّ ذلك طبيعة فيهم،و لعنة من لعنات اللّه صبّها عليهم.(2:557)

المصطفويّ: أي إنّ الذّلّة و المسكنة ثابتة لهم،إلاّ أن ترتفع بوسيلتين:التّوسّل إلى حبل اللّه و التّوجّه إليه، أو التّوسّل إلى حبل النّاس و التّمسّك إلى من له قدرة و شوكة و عظمة مادّيّة.و الأوّل:حبل معنويّ،و الثّاني:

وسيلة مادّيّة.

و أمّا غضب اللّه و سخطه عليهم فهو ثابتة لا يرتفع عنهم ما داموا في هذا المسلك،و ما لم يؤمنوا و لم يتنبّهوا، و هذا من معجزات كلام اللّه العزيز،فتأمّل فيها.

(2:172)

مكارم الشّيرازيّ: و أمّا التّعبير بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النّاسِ و إن ذهب المفسّرون فيه إلى احتمالات عديدة،بيد أنّ ما قد ذكر قريبا يمكن أن يقال بأنّه أنسب إلى الآية من بقيّة الاحتمالات،لأنّه عند ما يوضع«حبل اللّه»في قبال وَ حَبْلٍ مِنَ النّاسِ يتبيّن أنّ هناك معنى متقابلا متفاوتا لهما،لا أنّ الأوّل بمعنى الإيمان باللّه،و الثّاني بمعنى العهد المعطى لهم من جانب المسلمين،على وجه الأمان و الذّمّة.

و على هذا تكون خلاصة المفهوم من هذه الآية هي:

أنّ على اليهود أن يعيدوا النّظر في برنامج حياتهم، و يعودوا إلى اللّه،و يمسحوا عن أدمغتهم كلّ الأفكار الشّيطانيّة،و كلّ النّوايا الشّرّيرة،و يطرحوا النّفاق و البغضاء للمسلمين جانبا،أو أن يستمرّوا في حياتهم النّكدة المزيجة بالنّفاق،مستعينين بهذا أو ذاك.

فإمّا الإيمان باللّه و الدّخول تحت مظلّته و في حصنه الحصين،و إمّا الاعتماد على معونة النّاس الواهية و الاستمرار في الحياة التّعسة.(2:496)

فضل اللّه :إلاّ بحبل من اللّه،في ما تقدّره من ارتباط المسبّبات بأسبابها،و حبل من النّاس في ما يهيّئونه لهم من وسائل القوّة الخارجيّة السّياسيّة و العسكريّة،و غير ذلك.(6:225)

ص: 740

3- ..وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ... ق:16

ابن عبّاس: و هو العرق الّذي بين العلباء و الحلقوم،و ليس في الإنسان أقرب إليه منه.و الحبل و الوريد واحد.(439)

عرق العنق.(الطّبريّ 26:157)

مجاهد :الّذي يكون في الحلق.(الطّبريّ 26:157)

أبو عبيدة :و الحبل:حبل العاتق.[ثمّ استشهد بشعر]

فأضافه إلى(الوريد)كما يضاف الحبل إلى العاتق.

(2:223)

ابن قتيبة :و الوريدان:عرقان بين الحلقوم و العلباوين،و الحبل هو الوريد،فأضيف إلى نفسه لاختلاف لفظي اسميه.(418)

مثله الطّبريّ(26:157)،و نحوه البغويّ(4:

272)،و الميبديّ(9:279)،و القرطبيّ(17:9).

الطّوسيّ: و هما وريدان في العنق:من عن يمين و شمال،و كأنّه العرق الّذي يرد إليه ما ينصبّ من الرّأس، فسبحان اللّه الخلاّق العليم الّذي أحسن الخلق و التّدبير، و جعل حبل الوريد العاتق،و هو يتّصل من الحلق إلى العاتق.هذا العرق الممتدّ للإنسان من ناحيتي حلقه إلى عاتقه،و هو الموضع الّذي يقع الرّداء عليه،لأنّه يطلق الرّداء من موضعه.[ثمّ استشهد بشعر](9:363)

نحوه الطّبرسيّ.(5:144)

الزّمخشريّ: حبل الوريد مثل في فرط القرب، كقولهم:هو منّي مقعد القابلة و مقعد الإزار.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحبل:العرق شبّه بواحد الحبال،أ لا ترى إلى قوله:

*كأنّ وريديه رشا أخلب*[إلى أن قال:]

فإن قلت:ما وجه إضافة الحبل إلى الوريد،و الشّيء لا يضاف إلى نفسه؟

قلت:فيه وجهان:أحدهما أن تكون الإضافة للبيان،كقولهم:بعير سانية.

و الثّاني أن يراد حبل العاتق،فيضاف إلى الوريد، كما يضاف إلى العاتق،لاجتماعهما في عضو واحد،كما لو قيل:حبل العلباء مثلا.(4:5)

نحوه البيضاويّ(2:414)،و النّسفيّ(4:177)، و أبو حيّان(8:123)،و الشّربينيّ(4:84)،و الكاشانيّ (5:60)و أبو السّعود(6:125)،و المشهديّ(9:

638)،و البروسويّ(9:113).

ابن عطيّة: و الحبل:اسم مشترك فخصّه بالإضافة إلى(الوريد)،و ليس هذا بإضافة الشّيء إلى نفسه بل هي كإضافة الجنس إلى نوعه،كما تقول:لا يجوز حيّ الطّير بلحمه.(5:159)

الفخر الرّازيّ: [لاحظ«قرب»](28:163)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و الحبل معروف،و المراد به هنا:العرق لشبهه به.

و إضافته إلى(الوريد)و هو عرق مخصوص-كما ستعرفه- للبيان كشجر الأراك،أو لاميّة،كما في غيره من إضافة العامّ إلى الخاصّ.فإن أبقي الحبل على حقيقته فإضافته كما في:لجين الماء.(26:178)

عبد الكريم الخطيب :هو عرق في صفحة العنق، و سمّي العرق حبلا،لأنّه يشبه الحبل في امتداده

ص: 741

و استدارته،و سمّي وريدا،لأنّه يستورد الدّم النّقيّ من القلب،و يصبّه في الأوعية الدّمويّة الّتي يتغذّى منها الجسم.(13:478)

مكارم الشّيرازيّ: و أيّ تعبير بليغ و مثير هذا الّذي عبّر عنه القرآن الكريم؟فحياتنا الجسمانيّة متعلّقة بعصب يوصل الدّم إلى القلب،و يخرجه منها بصورة منتظمة و ينقله إلى جميع أعضاء البدن.و لو توقّف هذا العمل لحظة واحدة لمات الإنسان؛فاللّه أقرب إلى الإنسان من هذا العصب المسمّى ب(حبل الوريد).

(17:25)

فضل اللّه :هو عرق متفرّق في البدن،فيه مجاري الدّم،كما قيل.أو هو العرق الّذي في الحلق،كما قيل.

و هو تعبير كنائيّ عن القرب الإلهيّ من الإنسان بالمستوى الّذي لا يدنو فيه إليه أقرب أعضائه الممتزج بمجاري دمه،ممّا يجعل معرفة اللّه بالإنسان في داخله الفكريّ و الشّعوريّ،أمرا في الدّرجة العليا من الوضوح.

(21:179)

4- فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ. اللّهب:5

ابن عبّاس: سلسلة من حديد،و يقال:في عنقها رسن من ليف،الّذي اختنقت به و ماتت.(521)

إنّها حبال تكون بمكّة.(ابن الجوزيّ 9:262)

ابن المسيّب:كانت قلادة فاخرة من جوهر، فقالت:و اللاّت و العزّى لأنفقنّها في عداوة محمّد، و يكون ذلك عذابا في جيدها يوم القيامة.

(القرطبيّ 20:242)

الشّعبيّ: إنّه حبل من ليف النّخل.

(الماورديّ 6:368)

مجاهد :سلسلة ذرعها سبعون ذراعا تدخل من فيها و تخرج من أسفلها و يلوى سائرها على عنقها.

مثله عروة بن الزّبير.(القرطبيّ 20:242)

عود البكرة من حديد.(الطّبريّ 30:341)

الضّحّاك: حبل من شجر،و هو الحبل الّذي كانت تحتطب به.(الطّبريّ 30:340)

عكرمة :إنّه الحديدة الّتي في وسط البكرة.

(الطّبريّ 30:341)

الحسن :إنّه حبل ذو ألوان من أحمر و أصفر، تتزيّن به في جيدها.(الماورديّ 6:368)

قتادة :قلادة من ودع.(الطّبريّ 30:341)

الثّوريّ: حبل في عنقها في النّار مثل طوق،طوله سبعون ذراعا.(الطّبريّ 30:340)

ابن زيد :حبال من شجر تنبت في اليمن لها مسد.

(الطّبريّ 30:340)

ابن قتيبة :أي فتل منه،يقال:هو السّلسلة الّتي ذكرها اللّه في«الحاقّة».(542)

الطّبريّ: [نقل الأقوال و قال:]

و أولى الأقوال في ذلك عندي بالصّواب،قول من قال:هو حبل جمع من أنواع مختلفة،و لذلك اختلف أهل التّأويل في تأويله على النّحو الّذي ذكرنا.[ثمّ استشهد بشعر](30:341)

الماورديّ: فيه سبعة أقاويل[نقل بعضها و قال:]

السّادس:أنّه إشارة إلى الخذلان،يعني أنّها مربوطة

ص: 742

عن الإيمان بما سبق لها من الشّقاء،كالمربوطة في جيدها بحبل من مسد.

السّابع:أنّه لمّا حملت أوزار كفرها صارت كالحاملة لحطب نارها الّتي تصلى بها.(6:367)

الميبديّ: سلسلة من حديد،ذرعها سبعون ذراعا،تدخل في فيها و تخرج من دبرها،و يلوى سائرها في عنقها.و أصله من المسد،و هو الفتل،فالمسد:ما فتل و أحكم من أيّ شيء كان.يعني السّلسلة الّتي في عنقها فتلت من الحديد فتلا محكما.(10:658)

ابن عطيّة: قال عروة بن الزّبير و سفيان و مجاهد و غيرهم:هذا الكلام استعارة،و المراد سلسلة من حديد في جهنّم ذرعها سبعون ذراعا،و نحو هذا من العبارات.

[ثمّ نقل بعض الأقوال و قال:]

فإنّما عبّر عن قلادتها ب حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ على جهة التّفاؤل له،و ذكر تبرّجها في هذا السّعي الخبيث.

(5:535)

الطّبرسيّ: حبل من ليف،و إنّما وصفها بهذه الصّفة تخسيسا لها و تحقيرا.

و قيل:حبل يكون له خشونة اللّيف و حرارة النّار و ثقل الحديد،يجعل في عنقها زيادة في عذابها.(5:559)

الخازن :و قيل:هو حبل من ليف؛و ذلك الحبل هو الّذي كانت تحتطب به.فبينما هي ذات يوم حاملة الحزمة أعيت،فقعدت على حجر تستريح أتاها ملك،فجذبها من خلفها فأهلكها.[ثمّ نقل بعض الأقوال المتقدّمة]

(7:264)

أبو السّعود :و المعنى في عنقها حبل ممّا مسد من الحبال،و أنّها تحمل تلك الحزمة من الشّوك و تربطها في جيدها،كما يفعل الحطّابون،تخسيسا بحالها،و تصويرا لها بصورة بعض الحطّابات من المواهن،لتمتعض من ذلك و يتمعّض بعلها،و هما في بيت العزّ و الشّرف.

قال مرّة الهمدانيّ: كانت أمّ جميل تأتي كلّ يوم بإبالة (1)من حسك (2)،فتطرحها على طريق المسلمين، فبينا هي ذات ليلة حاملة حزمة أعيت،فقعدت على حجر تستريح،فجذبها الملك من خلفها،فاختنقت بحبلها.(6:486)

نحوه البروسويّ(10:535)،و الآلوسيّ(30:264).

المصطفويّ: و هو يربط جيدها و يشدّها أشدّ الرّبط؛بحيث لا تقدر أن تتوجّه إلى ما هو خير و سعادة لها.(2:171)

فضل اللّه :و هو الحبل المفتول من اللّيف،الّذي كانت تشدّ به على الحطب لتربطه به،فسيتحوّل إلى حبل يشتدّ على عنقها ليخنق أنفاسها،في نار جهنّم.

(24:478)

حبالهم

قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى. طه:66

الطّبريّ: في هذا الكلام متروك،و هو:فألقوا ما معهم من الحبال و العصيّ،فإذا حبالهم؛ترك ذكره استغناء بدلالة الكلام الّذي ذكر عليه عنه.(16:185)

ص: 743


1- حزمة.
2- نبات شوكيّ.

نحوه البغويّ.(3:267)

الزّمخشريّ: يقال في(اذا)هذه«إذا»المفاجأة، و التّحقيق فيها أنّها«إذا»الكائنة بمعنى الوقت،الطّالبة ناصبا لها،و جملة تضاف إليها،خصّت في بعض المواضع بأن يكون ناصبها فعلا مخصوصا،و هو فعل المفاجأة، و الجملة ابتدائيّة لا غير،فتقدير قوله تعالى:«فإذا حبالهم و عصيّهم»ففاجأ موسى وقت تخييل سعي حبالهم و عصيّهم.

و هذا تمثيل،و المعنى على مفاجأته حبالهم و عصيّهم مخيّلة إليه السّعي.(2:543)

نحوه النّسفيّ(3:58)،و الشّوكانيّ(3:469).

ابن عطيّة: و الظّاهر من الآيات و القصص في كتب المفسّرين:أنّ الحبال و العصيّ كانت تنتقل بحيل السّحر و بدسّ الأجسام الثّقيلة الميّاعة فيها،و كان تحرّكها يشبه تحرّك الّذي له إرادة كالحيوان،و هو السّعي،فإنّه لا يوصف بالسّعي إلاّ من يمشي من الحيوان.

و ذهب قوم إلى أنّها لم تكن تتحرّك لكنّهم سحروا أعين النّاس،و كان النّاظر يخيّل إليه أنّها تتحرّك و تنتقل، و هذا يحتمل،و اللّه أعلم أيّ ذلك كان.(4:51)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:قال ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:ألقوا حبالهم و عصيّهم ميلا من هذا الجانب و ميلا من هذا الجانب،فخيّل إلى موسى عليه السّلام أنّ الأرض كلّها حيّات، و أنّها تسعى،فخاف.فلمّا قيل له: وَ أَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا طه:69،ألقى موسى عصاه فإذا هي أعظم من حيّاتهم،ثمّ أخذت تزداد عظما حتّى ملأت الوادي،ثمّ صعدت و علت حتّى علقت ذنبها بطرف القبّة،ثمّ هبطت فأكلت كلّ ما عملوا في الميلين،و النّاس ينظرون إليها لا يحسبون إلاّ أنّه سحر.ثمّ أقبلت نحو فرعون لتبتلعه فاتحة فاها ثمانين ذراعا،فصاح بموسى عليه السّلام فأخذها،فإذا هي عصا كما كانت.

و نظرت السّحرة فإذا هي لم تدع من حبالهم و عصيّهم شيئا إلاّ أكلته،فعرفت السّحرة أنّه ليس بسحر،و قالوا:أين حبالنا و عصيّنا لو لم تكن سحرا لبقيت،فخرّوا سجّدا و قالوا: آمَنّا بِرَبِّ الْعالَمِينَ* رَبِّ مُوسى وَ هارُونَ الأعراف:121،122.(22:82)

نحوه الخازن.(4:221)

البيضاويّ: أي فألقوا فإذا حبالهم،و هي للمفاجأة،فالتّحقيق أنّها ظرفيّة تستدعي متعلّقا ينصبها و جملة تضاف إليه،لكنّها خصّت بأن يكون المتعلّق فعل المفاجأة،و الجملة ابتدائيّة.و المعنى فألقوا ففاجأ موسى عليه الصّلاة و السّلام وقت تخييل سعي حبالهم و عصيّهم من سحرهم،و ذلك بأنّهم لطخوها بالزّئبق،فلمّا ضربت عليها الشّمس اضطربت،فخيّل إليه أنّها تتحرّك.(2:54)

نحوه أبو السّعود(4:292)،و الشّربينيّ(2:471)، و الكاشانيّ(3:311).

أبو حيّان :[نقل كلام الزّمخشريّ ثمّ قال:]

فقوله:«و التّحقيق فيها إذا كانت الكائنة بمعنى الوقت»هذا مذهب الرّياشيّ أنّ«إذا»الفجائيّة ظرف زمان،و هو قول مرجوح،و قول الكوفيّين:أنّها حرف، قول مرجوح أيضا.

ص: 744

و قوله:«الطّالبة ناصبا لها»صحيح.

و قوله:«و جملة تضاف إليها»هذا عند أصحابنا ليس بصحيح،لأنّها إمّا أن تكون هي خبر المبتدإ،و إمّا معمولة لخبر المبتدإ.و إذا كان كذلك استحال أن تضاف إلى الجملة،لأنّها:إمّا أن تكون بعض الجملة،أو معمولة لبعضها،فلا تمكن الإضافة.

و قوله:«خصّت في بعض المواضع بأن يكون ناصبها فعلا مخصوصا و هو فعل المفاجأة»قد بيّنّا النّاصب لها.

و قوله:«و الجملة ابتدائيّة لا غير»هذا الحصر،ليس بصحيح بل قد نصّ الأخفش في«الأوسط»على أنّ الجملة المصحوبة ب«قد»تليها،و هي فعليّة،تقول:

خرجت فإذا قد ضرب زيد عمروا.و بني على ذلك مسألة الاشتغال:خرجت فإذا زيد قد ضربه عمرو، برفع زيد و نصبه.

و أمّا قوله:«و المعنى على مفاجأته حبالهم و عصيّهم مخيّلة إليه السّعي»فهذا بعكس ما قدّر،بل المعنى على مفاجأة حبالهم و عصيّهم إيّاه.فاذا قلت:خرجت فإذا السّبع،فالمعنى أنّه فاجأني السّبع و هجم ظهوره.

(6:259)

الآلوسيّ: الفاء فصيحة،معربة عن مسارعتهم إلى الإلقاء،كما في قوله تعالى: فَقُلْنَا اضْرِبْ بِعَصاكَ الْحَجَرَ فَانْفَجَرَتْ البقرة:60،أي فألقوا فإذا حبالهم،و هي في الحقيقة عاطفة لجملة المفاجأة على الجملة المحذوفة.

و(اذا)فجائيّة،و هي عند الكوفيّين حرف،و هو مذهب مرجوح عند أبي حيّان،و ظرف زمان عند الرّياشيّ،و هو كذلك عنده أيضا،و ظرف مكان عند المبرّد،و هو ظاهر كلام سيبويه و مختار أبي حيّان، و العامل فيها هنا(القوا)عند أبي البقاء.و ردّ بأنّ الفاء تمنع من العمل.[ثمّ أدام نحو أبي حيّان](16:226)

عبد الكريم الخطيب :لقد ألقى القوم بكلّ كيدهم،و إذا حبالهم و عصيّهم،بما عمل فيها من حيل، يخيّل للنّاظر إليها أنّها حيّات تسعى.(8:84)

مكارم الشّيرازيّ: لقد ذكر كثير من المفسّرين أنّ هؤلاء كانوا قد جعلوا في هذه الحبال و العصيّ موادّ، كالزّئبق الّذي إذا مسّته أشعّة الشّمس و ارتفعت حرارته و سخن،فإنّه يولّد لهؤلاء-نتيجة لشدّة فورانه- حركات مختلفة و سريعة.

إنّ هذه الحركات لم تكن سيرا و سعيا حتما،إلاّ أنّ إيحاءات السّحرة الّتي كانوا يلقّنونها النّاس،و المشهد الخاصّ الّذي كان قد ظهر هناك،كان يظهر لأعين النّاس و يجسّد لهم أنّ هذه الموجودات الميتة قد و لجتها الرّوح، و هي تتحرّك الآن...(10:26)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَ عِصِيَّهُمْ الشّعراء:44.

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحبل:الرّباط،و جمعه:

أحبل و حبال و حبول.يقال:حبل الشّيء يحبل حبلا، أي شدّة بالحبل،و في المثل:«يا حابل اذكر حلاّ»أي يا من يشدّ الحبل اذكر وقت حلّه.

و الحبالة:المصيدة،و الجمع:حبائل و هي الأحبول أيضا،و الحابل:الّذي ينصب الحبالة للصّيد،و المحبول:

ص: 745

الّذي تنصب له الحبالة.يقال:حبل الصّيد حبلا، و احتبله،أي أخذه و صاده بالحبالة،أو نصبها له، و حبلته الحبالة:علقته،و احتبلت الصّيد:نصبت له حبالة فنشب فيها و أخذته،فهو محتبل.و في المثل:

«التبس الحابل بالنّابل»الحابل:صاحب الحبالة، و النّابل:صاحب النّبل،يقال ذلك في الاختلاط.

و فيه أيضا:«قد ثار حابلهم على نابلهم»،أي أوقدوا الشّرّ بينهم،و«اجعل حابله نابله،و حابله على نابله»أي أعلاه على أسفله،و«أنا بين حابل و نابل»،أي في دار مخافة يخاف من أقطارها.

و محتبل الفرس:أرساغه،لأنّها موضع الحبل الّذي يشدّ فيها.

و الحابول:الكرّ الّذي يصعد به على النّخل،لأنّه يعمل من الحبل.

و قالوا تشبيها بالحبل:حبل العاتق:عصبة بين العنق و المنكب،و حبل الوريد:عرق في العنق،و حبل الذّراع:

عرق في اليد،و في المثل:«هو على حبل ذراعك»أي في القرب منك،و حبل الفقار:عرق في الظّهر،و حبال الفرس:عروق قوائمه،و حبال السّاقين:عصبهما، و حبائل الذّكر:عروقه.

و الحبل:الرّسن،يقال:جعل القوم حبولهم على غواربهم،جمع حبل،و هي الأرسان.

و الحبلة:القضيب من شجر الأعناب،و الجمع:

حبل،لأنّه ينبت كالحبال.

و الحبال:الشّعر الكثير،و شعر محبّل:مضفور.

و حبيل براح:الشّجاع،يقال:فلان حبيل براح، أي يقف مكانه كالأسد لا يفرّ،و كأنّه محبول،أي قد شدّ بالحبال.

و منه:الحبل:الحمل،لأنّ الجنين يتّصل بالسّرر، و هو الحبل السّرّيّ الواصل بين سرّته و المشيمة.يقال:

حبلت المرأة تحبل حبلا،و هو مصدر و اسم،و الجمع:

أحبال،و امرأة حابلة من نسوة حبلة،و امرأة حبلى من نسوة حبليات و حبالى.و المحبل:موضع الحبل من الرّحم،و المحبل:أوان الحبل.يقال:كان ذلك في محبل فلانة،أي في وقت حبلها.و الحبل:ولد الولد،و هو مصدر سمّي به المحمول،كما سمّي به الحمل.

و الحبل:امتلاء البطن،تشبيها بانتفاخ بطن الحبلى.

يقال:حبل من الشّراب،أي امتلأ فهو حبلان و هي حبلى.و هو الحبال أيضا،أي انتفاخ البطن من الشّراب و النّبيذ و الماء و غيره،و رجل حبلان و امرأة حبلى.

و الحبلة:ثمر السّلم و السّيال و السّمر و عامّة العضاه، تشبيها بالحبل،لأنّ بعضا منها قرنيّ يشبه اللّوبياء، و بعضا منتفخ،و كان يجعل في القلائد في الجاهليّة.

و الحبلة أيضا:بقلة طيّبة،و شجرة يأكلها الضّباب.يقال:

ضبّ حابل،أي يرعى الحبلة.

و الحبلة:بقلة لها ثمرة كأنّها فقر العقرب،تسمّى شجرة العقرب،تأخذها النّساء يتداوين بها بنجد في السّهولة.

و قالوا مجازا:فلان حبلان على فلان،أي ممتلئ غضبا،و به حبل،أي غضب.

و الحبل و الحبل:الدّاهية،لأنّ الإنسان-كما قال ابن فارس-إذا دهي فكأنّه قد حبل،أي وقع في الحبالة،

ص: 746

كالصّيد الّذي يحبل.

و الحبل:الخلق،و في المثل:«إنّه لواسع الحبل»أي واسع الخلق،و«إنّه لضيّق الحبل»أي ضيّق الخلق.

و الحبل:العهد و الميثاق و الأمان و الوصال،لأنّه يتوصّل به إلى ذلك.

و حبائل الموت:أسبابه،و قد احتبلهم الموت.

2-و أمّا الحبل:الرّجل العالم الفطن الدّاهي،فهو الحبر،من«ح ب ر»على الإبدال،و نظيره:هدل الحمام و هدر،و سهم أملط و أمرط،و رثد المتاع و لثد،إذا جمع.

و الحبلان:اللّيل و النّهار،و إن صحّ فهما سبب الهرم، و يتوصّل بهما إلى الموت.و لعلّه«الخابلان»،لأنّهما لا يأتيان على أحد إلاّ خبلاه بهرم،انظر«خ ب ل».

3-و جاء«الحبل»في سائر اللّغات السّاميّة بمعنى الرّباط و ما يشدّ به أيضا،فاتّخذ بعض المستشرقين ذلك ولجة للتّشكيك في عربيّته،فزعم بعض أنّه أكّديّ الأصل،و ادّعى بعض آخر أنّه آراميّ المنشأ (1).

الاستعمال القرآنيّ

جاءت بمعنى واحد حقيقة و مجازا،كلّ منهما في ثلاث آيات،مفردا خمس مرّات،و جمعا مرّتين في 6 آيات:

الحبل و الحبال

1- وَ امْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ* فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ اللّهب:4،5

2- فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَ عِصِيَّهُمْ وَ قالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ الشّعراء:44

3- فَإِذا حِبالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى طه:66

حبل الوريد

4- ...وَ نَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ ق:16 حبل اللّه

5- وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا...

آل عمران:103

6- ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ ما ثُقِفُوا إِلاّ بِحَبْلٍ مِنَ اللّهِ وَ حَبْلٍ مِنَ النّاسِ وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ...

آل عمران:112

يلاحظ أوّلا:أنّ المعنى الحقيقيّ للحبل-و هو الرّسن- جاء مفردا مرّة في(1) فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ، و جمعا مرّتين في(2 و 3) فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَ عِصِيَّهُمْ في قصّتين من خصوم الحقّ:إحداهما في هذه الأمّة،و هي قصّة أبي لهب و امرأته في عداوة نبيّ الإسلام عليه السّلام، و الأخرى في بني إسرائيل:قصّة فرعون و أتباعه في مواجهة موسى عليه السّلام.

ثانيا:في القصّة الأولى بحوث:

1-جاء فيها«حبل»مفردا نكرة مزيدا في التّحقير و التّخسيس و الإهانة اللاّتي وصفت امرأة أبي لهب من أجلها بوصفين موهنين: وَ امْرَأَتُهُ حَمّالَةَ الْحَطَبِ* فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ:

فالوصف الأوّل(حمّالة الحطب)ينبئ عن شغل رديء للفقراء و ذوي الحاجة للسّفلة من النّاس،لكن

ص: 747


1- انظر«الحبل»في«المفردات الدّخيلة في القرآن الكريم».

امرأة أبي لهب لم تشتغل بذلك للحاجة،بل وصفت بذلك لأنّها كانت تحمل في كلّ ليلة رزمة حطب ترميها في طريق النّبيّ عليه السّلام،فوصف حَمّالَةَ الْحَطَبِ إشارة إلى تكرّر هذا العمل منها،و في نفس الوقت يخطر بالبال أنّها كانت تعيش بها لحاجتها،كما أنّها إشارة أيضا إلى شدّة سعيها و محاولتها اضطرارا،كمن كان شغله ذلك لدفع الحاجة،و أكلة من الطّعام.

و يزيد في الوهن بها وصفها بذلك عقيب ذمّ زوجها مباشرة بأخسّ الأوصاف تعبيرا عنها ب(امراته)دون اسمها«أمّ جميل».

و الوصف الثّاني لها فِي جِيدِها حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ تجسيما لحالتها الدّنيئة و المضطرّة حين حمل الحطب، و هي أنّ الحبل الّذي كانت تحمل به الحطب على ظهرها يمسّ جيدها بخشونة،و هو موضع القلادة و الزّينة للنّساء،فبدّل موضع الزّينة و الجمال و العزّة و الفرح إلى موضع القبح و العيب و الذّلّة و الحزن.

2-قالوا في حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ: حبل من ليف النّخل،حبل من شجر،حبل له خشونة اللّيف و حرارة النّار و ثقل الحديد،حبل ذو ألوان،حبل جمع من أنواع مختلفة تتزيّن به-و هو أولى بالصّواب عند الطّبريّ- حبل ممّا مسّد من الحبال قلادة من ودع،حبال من شجر تنبت في اليمن لها مسد،سلسلة من حديد،الحديدة الّتي وسط البكرة.و لا شاهد لشيء منها و كلّ محتمل.

3-بعضهم جعل هذا الحبل نفس ما كانت تحتطب به، و بعضهم عدّها قلادة لها تحقيرا بدل قلادة من ذهب و نحوه،و بعضهم عدّها خبرا غيبيّا أنّها اختنقت به و ماتت،و آخرون جعلوها وعيدا بعذابها في الآخرة؛ حيث قالوا:كانت لها قلادة فاخرة من جوهر فقالت:

و اللاّت و العزّى لأنفقنّها في عداوة محمّد،و يكون ذلك عذابا في جيدها يوم القيامة،أو أنّها نفس ...سِلْسِلَةٍ ذَرْعُها سَبْعُونَ ذِراعاً فَاسْلُكُوهُ الحاقّة:32،تدخل من فيها،و تخرج من أسفلها،و يلوى سائرها على أعناقها.

و هذا-أي كونها وعيدا لها-يتناسق مع صدر السّورة تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَ تَبَّ بناء على أنّه دعاء على أبي لهب،فليكن ذيلها دعاء على امرأته السّاعية معه في إيذاء النّبيّ عليه السّلام.

ثالثا:جاءت في القصّة الثّانية آيتان بلفظ واحد حِبالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ و فيه بحوث أيضا:

1-كلّ منهما مسبوقة و ملحوقة بآيات تشرح مقابلة فرعون لموسى مستعينا بالسّحرة،و إبطال سحرهم من قبل موسى إذ واعدوا موسى لميقات يوم معلوم-و هو يوم الزّينة-في حفل من النّاس.

فجاء في(3) قالُوا -أي السحرة - يا مُوسى إِمّا أَنْ تُلْقِيَ وَ إِمّا أَنْ نَكُونَ أَوَّلَ مَنْ أَلْقى* قالَ بَلْ أَلْقُوا فَإِذا حِبالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى* فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُوسى* قُلْنا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنْتَ الْأَعْلى* وَ أَلْقِ ما فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ ما صَنَعُوا... طه:

65-69.

و جاء في(2) قالَ لَهُمْ مُوسى أَلْقُوا ما أَنْتُمْ مُلْقُونَ* فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَ عِصِيَّهُمْ وَ قالُوا بِعِزَّةِ فِرْعَوْنَ إِنّا لَنَحْنُ الْغالِبُونَ* فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ الشّعراء:43-45

ص: 748

و يبدو أنّ القرآن حكى القصّة كما في غيرها نقلا بالمعنى،فجاء في كلّ من سورتي طه و الشّعراء قسط من القصّة بألفاظ متفاوتة،و لكنّ موضع الكلام و هو فَأَلْقَوْا حِبالَهُمْ وَ عِصِيَّهُمْ، فَإِذا حِبالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ واحد.

2-إنّ السّحرة اتّخذوا آلة سحرهم الحبال و العصيّ؛ حيث تحرّكتا كالأفاعي فسحروا بها أعين النّاس حتّى أوجس موسى خيفة في نفسه،فكانت لهم حبال و عصيّ لا حبل أو عصا واحدة،أمّا موسى فألقى عصاه-و هي واحدة-فإذا هي تلقف دفعة و بسرعة ما كانوا يأفكون بسعي جماعيّ دائم.

3-جاءت«العصا»في القرآن مرّات في قصص موسى عليه السّلام،و جاءت«العصيّ»مع«الحبال»جمعا في قصصه أيضا،لاحظ«ع ص ي».

4-جاءت(اذا)الفجائيّة فيهما في ناحيتين:في الأولى في ناحية عمل السّحرة؛حيث قال: فَإِذا حِبالُهُمْ وَ عِصِيُّهُمْ يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِنْ سِحْرِهِمْ أَنَّها تَسْعى، و في الثّانية في ناحية عمل موسى عليه السّلام؛حيث قال: فَأَلْقى مُوسى عَصاهُ فَإِذا هِيَ تَلْقَفُ ما يَأْفِكُونَ، فيبدو أنّ عملهما كان مفاجأة لا يترقّب وقوعه،و لكن فيهما تفاوت،فإنّ فعل السّحرة كان سحرا و خيالا لا حقيقة، و عمل موسى كان معجزة و حقيقة لا خيالا،و هذا هو الفرق بين السّحر و المعجزة،لاحظ«س ح ر».

رابعا:جاء المعنى المجازيّ استعارة مرّة،و كناية ثلاث مرّات.

أمّا الاستعارة ففي(4)(حبل الوريد)و فيها بحوث:

1-أطلق فيها«الحبل»على عرق«الوريد»تشبيها له بالحبل في طوله و اتّصاله.و قد أضيف«حبل»إلى «الوريد»-و هو عرق في العاتق-و هو إمّا من قبيل إضافة الشّيء إلى نفسه بيانا،كقولهم:«بعير سائبة»أو «شجر الأراك»،أو أريد به:حبل العاتق،فيضاف إلى «الوريد»كما يضاف إلى«العاتق»لاجتماعهما في عضو واحد-ذكرهما الزّمخشريّ-أو هو من قبيل إضافة الجنس إلى نوعه بناء على كون«الحبل»مشتركا-كما قيل-فخصّص هنا بالوريد-ذكره ابن عطيّة-فهذه ثلاثة وجوه؛و الأوّل هو الأرجح عندنا.

2-أريد بها إحاطة علم اللّه بأعمال الإنسان لشدّة قربه بالإنسان،و هي من هذه الجهة الحيث كناية،لأنّه أريد بهذا التّشبيه لازمه،و هو قربه من الإنسان،فمن قال:إنّها استعارة أراد نفس(حبل الوريد)و من قال:

إنّها كناية أراد الجملة.قال فضل اللّه مشيرا إلى صدر الآية وَ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ وَ نَعْلَمُ ما تُوَسْوِسُ بِهِ نَفْسُهُ: و هو تعبير كنائيّ عن القرب الإلهيّ من الإنسان بالمستوى الّذي لا يدنو فيه إليه أقرب أعضائه الممتزج بمجاري دمه،ممّا يجعل معرفة اللّه بالإنسان في داخله الفكريّ و الشّعوريّ أمرا في الدّرجة العليا من الوضوح.

3-و يبدو من بعضهم إشارة أو تصريحا أنّ المراد بها أنّ اللّه أقرب إليكم من أنفسكم،لأنّ حبل الوريد عصب يوصل الدّم إلى القلب،و حياتنا متعلّقة به،و أنّ اللّه أقرب إلينا من هذا العصب الممدّ لحياتنا،فهو أقرب إلى أنفسنا منّا،و لهذا قال الطّبرسيّ:«و قيل:هو عرق متعلّق بالقلب،يعني نحن أقرب إليه من قلبه،عن الحسن.

ص: 749

و قيل:نحن أعلم به ممّن كان منه بمنزلة حبل الوريد في القرب.و قيل:نحن أملك له من حبل وريده مع استيلائه عليه و قربه منه.و قيل:نحن أقرب إليه بالإدراك من حبل الوريد لو كان مدركا».

و أمّا الكناية ففي(5 و 6)و فيهما بحوث:

1-الاعتصام ب(حبل اللّه)في(5)كناية أو استعارة أو تمثيل،كما جاء في التّفاسير؛فقيل:إنّها شبّهت المعتصم بحبل اللّه بمن تمسّك بحبل يوصله إلى بغيته،أو بمن يمشي على طريق دقيق يخاف أن تنزلق رجله فيتمسّك بحبل يأمن به من الانزلاق،أو بمن نزل بئرا أو تدلّى من مكان عال يعتصم بحبل تحرّزا من السّقوط،أو بمن سقط في البئر فيتمسّك بحبل ألقي إليه للنّجاة منها.و كلّ محتمل فلفظ«حبل»استعارة،و«الاعتصام»ترشيح للمجاز عند البيضاويّ و غيره.

و جوّز النّيسابوريّ فيها تشبيهين في«الحبل»و في «الاعتصام»،و عند أبي السّعود هي إمّا تمثيل أو استعارة،و عند الآلوسيّ إنّها استعارة تمثيليّة،أو فيها استعارتان مترادفتان،بأن يستعار الحبل للعهد مثلا استعارة مصرّحة أصليّة،و القرينة الإضافة،و يستعار الاعتصام للوثوق استعارة مصرّحة تبعيّة،و القرينة اقترانها بالاستعارة الثّانية،أو الاعتصام مجاز مرسل تبعيّ بعلاقة الإطلاق و التّقييد،أو مجاز،بمرتبتين لأجل إرسال المجاز.

و هذه كلّها اصطلاحات بلاغيّة لا يفهمها النّاس و لا يتذوّقونها،بل يتذوّقها من له إلمام بعلم البلاغة، لاحظ النّصوص،و لا سيّما نصّ الآلوسيّ و رشيد رضا.

2-قالوا في(حبل اللّه):إنّه القرآن،أو الكتاب و السّنّة،أو الإسلام،أو أهل البيت عليهم السّلام،أو العهد و نحوها،و لكلّ شاهد من الكتاب و السّنّة و اللّغة، و الصّواب كما اعترف به بعضهم:إرادة العامّ،و هذه مصاديقه،و أقواها حجّة:الكتاب،و العترة،استنادا إلى حديث الثّقلين الّذي عبّر عنهما ب«حبلين».

3-و عند الطّباطبائيّ أنّ وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا تكليف جماعيّ للأمّة بقرينة جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا، و قبلها اِتَّقُوا اللّهَ حَقَّ تُقاتِهِ وَ لا تَمُوتُنَّ إِلاّ وَ أَنْتُمْ مُسْلِمُونَ تكليف فرديّ لآحاد الأمّة بقرينة(و لا تموتنّ)لأنّ الموت أمر فرديّ لا جماعيّ، و هذه نكتة لطيفة لا تنافي وحدة الخطاب في صدر الآية يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كما يخطر بالبال،لأنّ الخطاب إلى المؤمنين عامّة واحد،و ما أمروا به متعدّد،ابتداء بالأمر الفرديّ و انتهاء بالأمر الجماعيّ،أي اعتصموا بحبل اللّه مجتمعين،فالحبل واحد و المتمسّكون به جماعة مجتمعون و مشاركون في التّمسّك به.

4-قال القشيريّ:«يقال للخواصّ: وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ و لخاصّ الخاصّ (اعْتَصَمُوا بِاللّهِ) أي أنّهم اتّصلوا باللّه مباشرة و رفع عنهم الحجاب فيعتصمون به بلا واسطة،و هذا لمن وكّل أمره إلى اللّه تماما و لا يكل إلى اختياره و تدبيره فيضلّ،إلاّ أن يتمسّك بحبل من حبال اللّه فينجو.

و قال غيره:«إنّ الإنسان سيبقى في حضيض الجهل و الغفلة،و لا يخرج منهما إلاّ بحبل متين،و ليس إلاّ بحبل اللّه تبارك و تعالى».

ص: 750

5-قالوا:(حبل من اللّه):الإيمان به،و(حبل من النّاس):عهد من الأمراء بالجزية،لأنّ الخطاب لليهود:

و قد كرّر(حبل)لاختلاف المعنى.و قيل:هما حبل واحد.لأنّ حبل المؤمنين هو حبل اللّه،فالحبل هنا هو:

العهد من اللّه و من المسلمين،و قد جاء الحبل بمعنى العهد كما تقدّم في النّصوص لحصول الأمن به،و المعنى:ضربت عليهم الذّلّة إلاّ أن يعتصموا بحبل من اللّه أو من النّاس، فالباء تعلّقت بمحذوف،و الاستثناء متّصل.

و قيل:إنّه منقطع خارج من أوّل الكلام،نظير لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً إِلاّ سَلاماً مريم:62، و وَ ما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاّ خَطَأً، و الصّواب عندنا الأوّل.

و قال الزّمخشريّ: «إنّها في محلّ نصب على الحال، أي إلاّ معتصمين،أو متمسّكين،أو متلبّسين بحبل اللّه».

لاحظ النّصوص،فقد طوّلوا الكلام في هذا الاستثناء مع وضوح المعنى.

6-قال فضل اللّه:«إلاّ بحبل من اللّه في ما تقدّره من ارتباط المسبّبات بأسبابها،و حبل من النّاس فيما يهيّئونه لهم من وسائل القوّة الخارجيّة السّياسيّة و العسكريّة و غير ذلك».

و يبدو منه أنّ الاستثناء متّصل،أي إنّ اليهود في ذلّة إلاّ أن يقدّر اللّه سببا لخروجهم من الذّلّة،أو يتّخذ اليهود أنفسهم تدبيرا لخلاصهم.و هذا تأمين و تبشير لليهود، و لا يتناسق لسان الآية،فإنّها تخويف و تهويل فما بعدها وَ باؤُ بِغَضَبٍ مِنَ اللّهِ وَ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللّهِ وَ يَقْتُلُونَ الْأَنْبِياءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذلِكَ بِما عَصَوْا وَ كانُوا يَعْتَدُونَ.

ص: 751

ص: 752

ح ت م

اشارة

حتما

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحتم:إيجاب القضاء،و الحاتم:القاضي.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الحاتم:الغراب الأسود،و يقال:بل غراب البين، أحمر المنقار و الرّجلين.

و الحتامة:ما يبقى على الخوان من سقاط الطّعام.

و التّحتّم:أن تأكل شيئا،فكان في فيك هشّا.

(3:195)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الحاتم:المشئوم،و الحاتم:

الأسود من كلّ شيء.(الأزهريّ 4:451)

الفرّاء: التّحتّم:أكل الحتامة،و هي فتات الخبز.

و جاء في الخبر:«من أكل و تحتّم فله كذا و كذا من الثّواب».

و التّحتّم أيضا:تفتّت الثؤلول (1)إذا جفّ،و التّحتّم:

تكسّر الزّجاج بعضه على بعض.

و الحتمة:القارورة المفتّتة.(الأزهريّ 4:451)

أبو عبيدة :الحاتم:الغراب.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:450)

أبو زيد :الحتامة:ما فضل من الطّعام على الطّبق الّذي يؤكل عليه فهو الحتامة.(الأزهريّ 4:451)

اللّحيانيّ: [الحاتم]هو الّذي يولع بنتف ريشه.

و هو يتشاءم به.(ابن سيده 3:279)

ابن دريد :الحتم؛من قولهم:حتم اللّه كذا و كذا،إذا قضاه.و قضاء اللّه:حتم لا يردّ.(2:5)

الأزهريّ: [نقل كلام أبي عمرو و قال:]

و قال غيره:سمّي الغراب الأسود حاتما،لأنّه يحتم عندهم بالفراق إذا نعب،أي يحكم.

ص: 753


1- -خراج ناتئ صلب مستدير.

و الحاتم:الحاكم الموجب للحكم.

و في نوادر الأعراب يقال:تحتّمت له بخير،أي تمنّيت له خيرا و تفاءلت له.

و يقال:هو الأخ الحتم،أي المحض الحقّ.[ثمّ استشهد بشعر](4:451)

الصّاحب:الحاتم:القاضي،و منه الحتم.

و الحاتم:الغراب الأسود.

و الحتامة:ما بقي من الطّعام على المائدة.

و حامض حتم:شديد الحتومة،أي الحموضة.

و التّحتّم:أكل شيء هشّ.

و الحتم اليابس:الهشيم من النّبات.(3:56)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه:«أنّه لا عن بين عويمر و امرأته،ثمّ قال:انظروا،فإن جاءت به أسحم أحتم،فلا أحسب عويمرا إلاّ قد كذب عليها...»

الأسحم:الأسود،و السّحمة:السّواد.و الأحتم:

الخالص السّواد.و أراه شبّه بلون الغراب،لأنّ الغراب يسمّى حاتما.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:إنّه سمّي حاتما،لأنّه في مذهبهم يحتم بالفراق،كما سمّوه:غراب البين.(1:371)

الجوهريّ: الحتم:إحكام الأمر،و الحتم:القضاء؛ و الجمع:الحتوم.[ثمّ استشهد بشعر]

و حتمت عليه الشّيء:أوجبت.

و الحاتم:القاضي،و الحاتم:الغراب الأسود.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحتامة:ما بقي على المائدة من الطّعام.

و التّحتّم:الهشاشة،يقال:هو ذو تحتّم،و هو غضّ المتحتّم.(5:1894)

ابن فارس: الحاء و التّاء و الميم،ليس عندي أصلا،و أكثر ظنّي أنّه أيضا من باب إبدال التّاء من الكاف.إلاّ أنّ الّذي فيه من إحكام الشّيء يقال:حتم عليه،و أصله على ما ذكرناه:حكم،و قد مضى تفسيره.

و الحاتم:الّذي يقضي الشّيء.فأمّا تسميتهم الغراب حاتما فمن هذا،لأنّهم يزعمون أنّه يحتم بالفراق،و هو كالحكم منه.[ثمّ استشهد بشعر]

و في الباب كلمة أخرى و يقرب أيضا من باب الإبدال،و يقولون:الحتامة:ما بقي من الطّعام على المائدة.و هذا عندي من باب«الطّاء»لأنّه شيء يتحتّم، أي يتفتّت و يتكسّر،و قد مرّ تفسيره.(2:134)

أبو هلال :الفرق بين الحتم و الفرض:أنّ الحتم:

إمضاء الحكم على التّوكيد و الإحكام،يقال:حتم اللّه كذا و كذا و قضاه قضاء حتما،أي حكم به حكما مؤكّدا.

و ليس هو من الفرض و الإيجاب في شيء،لأنّ الفرض و الإيجاب يكونان في الأوامر،و الحتم يكون في الأحكام و الأقضية.

و إنّما قيل للفرض:فرض حتم على جهة الاستعارة، و المراد:أنّه لا يردّ كما أنّ الحكم الحتم لا يردّ.و الشّاهد أنّ العرب تسمّي الغراب حاتما،لأنّه يحتم عندهم بالفراق،أي يقضي به،و ليس يريدون أنّه يفرض ذلك أو يوجبه.(185)

ابن سيده: الحتم:إيجاب القضاء،و في التّنزيل:

كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا مريم:71؛و جمعه:

حتوم.

ص: 754

و حتم اللّه الأمر يحتمه حتما:قضاه.

و الحاتم:القاضي،و الحاتم:غراب البين،لأنّه يحتم بالفراق،و هو أحمر المنقار و الرّجلين.

و قيل:الحاتم:الغراب الأسود.

و تحتّم:جعل الشّيء عليه حتما.

و الحتامة:ما بقي على المائدة من الطّعام،أو ما سقط منه إذا أكل.

و تحتّم الرّجل:أكل شيئا هشّا في فيه.

و الحتمة:السّواد،و الأحتم:الأسود.

و تحتم:موضع.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات]

(3:279)

الرّاغب: الحتم:القضاء المقدّر،و الحاتم:الغراب الّذي يحتم بالفراق فيما زعموا.(107)

الزّمخشريّ: حتم اللّه الأمر:أوجبه.و غراب البين يحتم بالفراق،و لذلك قيل له:الحاتم.

و حتم الحاتم بكذا،أي حكم الحاكم.و تقول:هذا حتم مقضيّ،و حكم مرضيّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و هذا أخ حتم،كقولك:ابن عمّ لحّ.و أنت لي بمنزلة الولد الحتم،و هو ولد الصّلب.[ثمّ استشهد بشعر]

(أساس البلاغة:73)

في الحديث:«من أكل و تحتّم دخل الجنّة».هو من الحتامة،و هي دقاق الخبز و غيره السّاقط على الخوان.(الفائق 1:260)

[في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:]«أسحم أحتم» (1).

و الأحتم:الغربيب،من الحاتم،و هو الغراب.و يجوز أن يكون قولهم في الأدهم:الأتحميّ،و التّحمة:

الدّهمة،مقلوبا من هذا.(الفائق 2:160)

ابن الأثير: في حديث الوتر:«الوتر ليس بحتم كصلاة المكتوبة»الحتم:اللاّزم الواجب الّذي لا بدّ من فعله.(1:338)

الفيّوميّ: حتم عليه الأمر حتما،من باب «ضرب»:أوجبه جزما.و انحتم الأمر و تحتّم:وجب وجوبا لا يمكن إسقاطه.

و كانت العرب تسمّي الغراب:حاتما،لأنّه يحتم بالفراق على زعمهم،أي يوجبه بنعاقه،و هو من الطّيرة، و نهي عنه.(120)

الفيروزآباديّ: الحتم:الخالص،قلب المحت، و القضاء،و إيجابه،و إحكام الأمر؛جمعه:حتوم،و قد حتمه يحتمه.

و الحاتم:القاضي؛جمعه:حتوم،و الغراب الأسود، و غراب البين،و هو أحمر المنقار و الرّجلين.

و تحتّم:جعل الشّيء حتما،و أكل شيئا هشّا في فيه.

و الحتمة بالضّمّ:السّواد،و بالتّحريك:القارورة المفتّتة.

و الحتامة:ما يبقى على المائدة من الطّعام،أو ما سقط منه إذا أكل.

و تحتّم:أكلها،و لفلان بخير:تمنّى له خيرا و تفاءل له،و لكذا:هشّ،و هو ذو تحتّم:هشّاش،و هو غضّ المتحتّم..

و الحتومة:الحموضة.

و احتأمّ كاطمأنّ:قطع.ّ.

ص: 755


1- قد سبق عن الخطّابيّ.

و الأحتم:الأسود.(4:94)

الطّريحيّ: حتم عليه الأمر حتما:أوجبه جزما.

و حتم اللّه الأمر:أوجبه.

و الحتم:إحكام الأمر،و الحتم:إيجاب القضاء.

و الحتم:الأمر.و تحتّم:وجب وجوبا لا يمكن إسقاطه،و منه الأمر المحتوم.(6:32)

مجمع اللّغة :حتم اللّه الأمر يحتمه حتما:أوجبه.

و الحتم أيضا:اللاّزم الّذي لا بدّ من فعله.(1:235)

العدنانيّ: «حتم عليه السّفر،لا حتّمه».

و يقولون:حتّم فلان عليه السّفر.و الصّواب:حتم عليه السّفر:أوجبه.«الصّحاح،و الأساس،و المختار، و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ، و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط».

و فعله:حتمه يحتمه حتما.

و يجوز أن نقول:حتم بالأمر:قضى و حكم.أمّا انحتم الأمر و تحتّم،فمعناه وجب وجوبا لا يمكن إسقاطه.

تحتّم فلان:أكل الحتامة،و هي ما بقي من الطّعام على المائدة:تحتّم الأمر:جعله عليه حتما.حاتم لا حاتم

جاء في كتاب«الملمّع»للنّمريّ: قال أبو حاتم السّجستانيّ:و يلفظ كثير من المذيعين بهذا الاسم بفتح التّاء:حاتم.

و الصّواب:قال أبو حاتم؛بكسر التّاء لا بفتحها،كما جاء في جميع كتب الأعلام،و المعجمات،و كتب الأدب الّتي لديّ.

و حسبنا أن نرجع إلى اسم سيّد أجواد العرب،حاتم الطّائيّ،الّذي نضرب المثل بكرمه،لكي نعرف أنّ الصّواب في هذا الاسم هو كسر تائه لا فتحها.

و الحاتم هو القاضي،و هو اسم فاعل من الفعل «حتم»الّذي يعني حتم بكذا يحتم حتما:قضى و حكم.

حتم الأمر:أحكمه.

حتم عليه الأمر:أوجبه،فهو حتم؛و الجمع:حتوم.

[ثمّ استشهد بشعر](143)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ المعنى الحقيقيّ لهذا اللّفظ هو الجزم،و البتّ في حكم أو عمل،و ليس بمعنى الحكم أو القضاء أو الإيجاب،بل بضميمة الجزم و البتّ.

و الإبدال فيه غير معلوم،نعم،إنّه من باب الاشتقاق.

(2:172)

النّصوص التّفسيريّة

حتما

وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا.

مريم:71

ابن مسعود:قسما واجبا.

نحوه قتادة.(الطّبريّ 16:114)

ابن عبّاس: قضاء كائنا واجبا أن يكون.(258)

مجاهد :قضاء.(الطّبريّ 16:114)

الطّبريّ: قد قضى ذلك و أوجبه في أمّ الكتاب.

(16:108)

نحوه الخازن.(4:208)

الطّوسيّ: معناه أنّ ورودهم إلى جهنّم-على ما فسّرناه-حتم من اللّه و قضاء قضاه،لا بدّ من كونه.

ص: 756

و الحتم:القطع بالأمر؛و ذلك حتم من اللّه قاطع.

و الحتم و الجزم و القطع بالأمر،معناه واحد.

و المقضيّ: الّذي قضي بأنّه يكون.(7:143)

الميبديّ: حتم ذلك،و قضى قضاء لا محيص عنه.

(6:74)

الزّمخشريّ: الحتم:مصدر،حتم الأمر،إذا أوجبه،فسمّي به الموجب،كقولهم:خلق اللّه و ضرب الأمير.

أي كان ورودهم واجبا على اللّه،أوجبه على نفسه، و قضى به،و عزم على أن لا يكون غيره.(2:520)

نحوه النّسفيّ(3:42)،و البروسويّ(5:349).

ابن عطيّة: و الحتم:الأمر المنفذ المجزوم.

(4:27)

الطّبرسيّ: أي كائنا واقعا لا محالة،قد قضى بأنّه يكون(على)كلمة وجوب،فمعناه أوجب اللّه ذلك على نفسه.

و فيه دلالة على أنّه يجب عليه سبحانه أشياء من طريق الحكمة،خلافا لما يذهب إليه أهل الجبر.

(3:526)

ابن الجوزيّ: و الحتم:إيجاب القضاء،و القطع بالأمر.و المقضيّ:الّذي قضاه اللّه تعالى،و المعنى أنّه حتم ذلك و قضاه على الخلق.(5:257)

نحوه القرطبيّ.(11:141)

الفخر الرّازيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و احتجّ من أوجب العقاب عقلا،فقال:إنّ قوله:

كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا يدلّ على وجوب ما جاء من جهة الوعيد و الإخبار،لأنّ كلمة(على) للوجوب،و الّذي ثبت بمجرّد الإخبار لا يسمّى واجبا.

و الجواب:أنّ وعد اللّه تعالى لمّا استحال تطرّق الخلف إليه،جرى مجرى الواجب.(21:244)

النّيسابوريّ: أي محتوما،مصدر بمعنى المفعول.

(16:77)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:أقسم عليه.(4:253)

القاسميّ: أي حكما جزما مقطوعا به.

(11:4157)

الطّباطبائيّ: [نحو الطّوسيّ و قال:]

و إنّما قضى ذلك نفسه على نفسه إذ لا حاكم يحكم عليه.(14:92)

المصطفويّ: أي إنّ كلّ نفس عند الحشر و البعث لا بدّ و أن يتعلّق ببدنه الجسمانيّ المحدود،و يجعل في مضيق الجسمانيّة،ثمّ ننجّي الّذين اتّقوا.

فهذا الجريان في البعث كان على ربّك حتما مقضيّا.

و أمّا خصوصيّات هذا الورود و تفصيل مراحل البعث، فلا سبيل لنا إلى تحقيقها.(2:172)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحتم،أي القضاء؛ و الجمع:حتوم.يقال:حتم اللّه الأمر يحتمه،أي قضاه، و حتمت عليه الشّيء:أوجبته،و تحتّم:جعل الشّيء عليه حتما.و الحاتم:القاضي،و غراب البين،لأنّه يحتم بالفراق عند العرب إذا نعب،و اسم سمّي به،و أشهر مسمّاه

ص: 757

حاتم الطّائيّ،و هو الّذي يضرب به المثل في الجود.

و تحتّمت له بخير:تمنّيت له خيرا و تفاءلت له،كأنّي جعلت له حتما مقضيّا و هو الأخ الحتم:المحض الحقّ، كأنّه قضى على نفسه.

2-و لم يعدّ ابن فارس هذه المادّة أصلا،و كاد يجزم أنّ تاءها مبدل من الكاف،فأصلها عنده(ح ك م).

و لكنّ ما ذهب إليه بعيد،لأنّ بين مشتقّات «ح ت م»و«ح ك م»خلافا في الوزن و التّعدّي و اللّزوم.يقال:حكم عليه و له و به و بينهم يحكم حكما،أي قضى فهو حاكم.

و الفعل«حتم»-كما تقدّم-من باب«فعل يفعل»، و مصدره على وزن«فعل»،و هو متعدّ أيضا و لا يضاهيه إلاّ بالمعنى،فبينهما اشتقاق أكبر.ثمّ لم يعهد في اللّغة إبدال الكاف حاء أو بالعكس،و ما ذكره يجانب الصّواب.

بيد أنّ«الحاء»في بعض مشتقّاتها مبدل من العين، نحو الحتمة،أي السّواد،و هو بديل«العتمة»،أي سواد اللّيل و ظلامه.و هذا إبدال سائغ في اللّغة،انظر«ح ب س».

و بعضها مبدل من«الهاء»،نحو:الحتامة،أي ما فضل من الطّعام على الخوان أو الطّبق الّذي يؤكل عليه،و هو بديل«الهتامة»،أي ما تكسّر من الشّيء،و التّهتّم:

التّكسّر.و هذا الإبدال سائغ أيضا،كقولهم:هو يتفيهق في كلامه و يتفيحق،أي توسّع فيه و تنطّع.

و لعلّ الحتامة معرّب من اللّفظ السّريانيّ«حتاما»، فألحق بهذه المادّة،و اللّه أعلم.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد في سورة مكّيّة:

وَ إِنْ مِنْكُمْ إِلاّ وارِدُها كانَ عَلى رَبِّكَ حَتْماً مَقْضِيًّا مريم:71

و يلاحظ أوّلا:أنّهم فسّروها ب:قسما واجبا، قضاء كائنا واجبا،قد قضى ذلك و أوجبه،حتم من اللّه و قضاء قضاه،حتم ذلك و قضى قضاء لا محيص عنه، كان ورودهم واجبا على اللّه أوجبه على نفسه و قضى به، و عزم أن لا يكون غيره،كائنا واقعا لا محالة،حتم ذلك و قضاه على الخلق،حكما جزما مقطوعا به،و نحوها فتارة جعلوه قسما واجبا،و أخرى قضاء واجبا و حكما مقطوعا،و ثالثة كائنا واجبا،و هو الأقرب،لأنّ القضاء مذكور في«مقضيّا»فينبغي الفرق بينهما.و أمّا القسم فليس منه ذكر في الآية.

ثانيا:(حتما)خبر(كان)و اسمه الضّمير الرّاجع إلى «الورود»المستفاد من(واردها)،و هو مصدر جاء بمعنى الفاعل،أي واجبا قاطعا كما مرّ،أو بمعنى المفعول،أي محتوما كما عن الزّمخشريّ و غيره نظير«خلق اللّه و ضرب الأمير»،و هو يناسب«مقضيّا»لأنّه اسم مفعول أيضا.

ثالثا:قال الطّبرسيّ: «(على)كلمة وجوب،أي أوجب اللّه على نفسه،و فيه دلالة على أنّه يجب عليه سبحانه أشياء من طريق الحكمة خلافا لما يذهب إليه أهل الجبر».

ص: 758

و قال الفخر الرّازيّ: «و احتجّ به من أوجب العقاب عقلا،و أجاب بأنّه لمّا استحال الخلف على اللّه يجري مجرى الواجب».

و قال الطّباطبائيّ: «و إنّما قضى ذلك نفسه على نفسه إذ لا حاكم يحكم عليه»،فكأنّه أنكر حكم العقل بوجوب العقاب،و هو الصّواب:و البحث فيه موكول إلى «ق ض ي»فانتظر.

ص: 759

ص: 760

ح ث ث

اشارة

حثيثا

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :حثثت (1)فلانا فهو حثيث محثوث،و قد احتثّ.

و امرأة حثيثة في موضع حاثّة،و امرأة حثيث في موضع محثوثة.

و الحثّيثى من«الحثّ»،قال:«اقبلوا دلّيلى ربّكم و حثّيثاه إيّاكم»يعني ما يدلّكم و يحثّكم.

و الحثحثة:اضطراب البرق في السّحاب،و انتخال المطر و الثّلج.

و الحثوث و الحثحوث:السّريع.

قال زائدة: الحثحثة:طلب الشّيء و حركته،يقال:

حثحث الأمر ليتحرّك.و حثحث القوم،أي سلهم عن الأمور.(3:23)

اللّيث: الحثّ:الإعجال في الاتّصال؛و الحثّيثى:

الاسم نفسه.(الأزهريّ 3:427)

نحوه الحربيّ.(3:1215)

سيبويه :أمّا الحثّيثى:فكثرة الحثّ،كما أنّ الرّمّيّا كثرة الرّمي،و لا يكون من واحد.(4:41)

أبو عمرو الشّيبانيّ: تقول بنو أسد:الحثاث:النّوم.

(1:183)

و الحثّ:النّوى اليابس.(1:190)

قرب حثحاث و ثحثاح و حذحاذ و منحّب،أي شديد.

و حثّث الرّجل،إذا نام.(الأزهريّ 3:428)، معزى حثحوث:منكرة،و الحثحوث:الكثير.

(الصّغانيّ 1:357)

الفرّاء: ما جعلت في عينيّ حثاثا،أي نوما قليلا،

ص: 761


1- في الأصل«حثيث»و هو خطأ.

بالكسر.(ثعلب:44)

الأصمعيّ: يقال:قرب حثحاث و حذحاذ،إذا كان سريعا.(القاليّ 2:121)

خمس حثحاث،و حذحاذ،و قسقاس،كلّ ذلك السّير الّذي لا وتيرة فيه.(الأزهريّ 3:428)

الحثّ بالضّمّ:حطام التّبن،و الرّمل الخشن.

(الجوهريّ 1:278)

ابن الأعرابيّ: جاءنا بتمر فذّ،و فضّ،و حثّ، أي لا يلزق بعضه ببعض.(الأزهريّ 3:427)

أبو عبيد: يقال:ما ذقت حثاثا و لا حثاثا،أي ما ذقت نوما.(الأزهريّ 3:428)

الحثّ:الخبز القفار (1).(الجوهريّ 1:278)

الزّبير:الحثحاث و الحثحوث:النّوم.

(ابن سيده 2:515)

ابن أبي اليمان :الحثيث:السّريع.(232)

ابن دريد :حثّ يحثّ حثّا،إذا استعجل.

و الحثّ:حطام التّبن،و الحثّ أيضا من الرّمل:

اليابس الخشن.[ثمّ استشهد بشعر]

و تمر حثّ:لا يلزق بعضه ببعض،و الحثّ:الطّعام، غير مأدوم.(1:44)

الحثحثة هي الحركة المتداركة،حثحثت الميل في العين،إذا حرّكته فيها.

و الرّجل الحثحوث:الدّاعي بسرعة و انزعاج.[ثمّ استشهد بشعر](1:131)

الأزهريّ: قال زيد بن كثوة:ما جعلت في عيني حثاثا،عند تأكيد السّهر.

و الحثحوث:السّريع،يقال:حثحثوا ذلك الأمر، أي حرّكوه.

و حيّة حثحاث و فضفاض (2):ذو حركة دائمة.

و الحثّ:المدقوق من كلّ شيء.

و سويق حثّ:غير ملثوث.(3:428)

الصّاحب:الحثّ:الإعجال في اتّصال؛و الحثّيثى:

الاسم منه.

حثثته فاحتثّ،و هو حثيث محثوث و حثوث:جادّ سريع.و قوم حثاث.

و الحثحثة:طلب الشّيء أو حركته،و اضطراب البرق في السّحاب،و انتخال المطر من غير انهمار.

و الحثحوث:السّريع،و قيل:الكثير.

و معزى حثحوث:منكرة.

و قرب حثحاث:سريع.

و سويق حثّ:غير ملتوت؛و ذكر في التّاء.

و الحثّ:حطام التّبن،و اليابس من الرّمل الخشن، و الخالص من كلّ شيء.

و الحثاثة:حرّ في العين و خشونة.

و ما اكتحلت حثاثا بالفتح،و ما ذاقت العين حثاثا بالكسر،أي نوما.

و المحثّث:النّائم.(2:310)

ابن جنّيّ: أمّا قول من قال في قول تأبّط شرّا:

كأنّما حثحثوا حصّا قوادمه

أو أمّ خشف بذي شثّ و طبّاق.ح.

ص: 762


1- الّذي لا أدم له.
2- و في«اللّسان»:«نضناض»و هو الصّحيح.

إنّه أراد:«حثّثوا»،فأبدل من الثّاء الوسطى حاء.

فمردود عندنا،و إنّما ذهب إلى هذا البغداديّون.

و سألت أبا عليّ عن فساده،فقال:العلّة أنّ أصل القلب في الحروف إنّما هو فيما تقارب منها؛و ذلك نحو الدّال و الطّاء و التّاء،و الظّاء و الذّال و الثّاء،و الهاء و الهمزة،و الميم و النّون،و غير ذلك ممّا تدانت مخارجه.

و أمّا الحاء فبعيد عن الثّاء،و بينهما تفاوت يمنع من قلب إحداهما إلى أختها.(ابن سيده 2:515)

الجوهريّ: حثّه على الشّيء و استحثّه بمعنى،أي حضّه عليه،فاحتثّ،و حثّثه تحثيثا و حثحثه بمعنى.

و ولّى حثيثا،أي مسرعا حريصا.

و لا يتحاثّون على طعام المسكين،أي لا يتحاضّون.

و الحثّيثى:الحثّ،و كذلك الحثحوث.

و قرب حثحاث،أي سريع ليس فيه فتور.

و فرس جواد المحثّة،أي إذا حثّ جاءه جري بعد جري.

و قولهم:ما اكتحلت حثاثا،أي ما نمت.و قال الأصمعيّ:حثاثا بالكسر.

قال أبو عبيد:و هو بالفتح أصحّ.

و سويق حثّ،أي غير ملتوت.(1:278)

ابن فارس: الحاء و الثّاء أصلان:أحدهما:الحضّ على الشّيء،و الآخر:يبيس من يبيس الشّيء.

فالأوّل:قولهم:حثثته على الشّيء أحثّه،و منه:

الحثيث.يقال:ولّى حثيثا،أي مسرعا.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه الحثحثة،و هو اضطراب البرق في السّحاب.

و أمّا الآخر:فالحثّ،و هو الحطام اليبيس،و يقال:

الحثّ:الرّمل اليابس الخشن.[ثمّ استشهد بشعر](2:29)

ابن سيده: الحثّ:الإعجال في اتّصال،و قيل:هو الاستعجال ما كان؛حثّه يحثّه حثّا،و استحثّه و احتثّه.

و المطاوع من كلّ ذلك:احتثّ؛و الاسم:الحثّيثى، و حثحثه كحثّه.[إلى أن قال:]

و رجل حثيث و محثوث:جادّ سريع في أمره،كأنّ نفسه تحثّه.

و امرأة حثيثة:حاثّة.و حثيث:محثوثة.

و الطّائر يحثّ جناحيه في الطّيران:يحرّكهما.

و ما اكتحلت حثاثا و حثاثا،أي نوما.

و قد يوصف به فيقال:نوم حثاث،أي قليل،كما يقال:قوم غرار.

و ما كحلت عيني بحثاث،أي بنوم.

و الحثاثة بالكسر:الحرّ و الخشونة،يجدها الإنسان في عينيه.

قال راوية«أمالي ثعلب»:لم يعرفها أبو العبّاس.

و الحثّ:الرّمل الغليظ اليابس الخشن.

و سويق حثّ:ليس بدقيق الطّحن،و كحل حثّ مثله،و كذلك مسك حثّ.

و الحثّ:حطام التّبن.

و الحثحثة:الاضطراب،و خصّ بعضهم به اضطراب البرق في السّحاب،و انتخال البرد و الثّلج.

و الحثحثة:الحركة المتداركة.

و حثحث الميل في العين:حرّكه.

و الحثحوث:الدّاعي بسرعة،و هو أيضا السّريع

ص: 763

ما كان.

و الحثحوث:الكتيبة أرى.[و استشهد بالشّعر 4 مرّات](2:515)

الحثّ:حثّه على الشّيء يحثّه حثّا و أحثّه،و استحثّه و احتثّه و حثحثه:حضّه و حرّضه و أعجله،فاحتثّ.

و تحاثّوا:حثّ بعضهم بعضا.

و الحثوث و الحثيث:السّريع.(الإفصاح 1:282)

و ناقة حثيث،بغير هاء.(الإفصاح 2:752)

الحثّ:غثاء السّيل إذا خلّفه،و نضب عنه حتّى يجفّ.(الإفصاح 2:956)

الرّاغب (1):الحثّ:السّرعة.[و ذكر الآية](218)

الزّمخشريّ: حثّه على الأمر و احتثّه و حثحثه، و فلان محثوث على الخير.

و حثّ دابّته و حثحثها بالسّوط و الزّجر.[ثمّ استشهد بشعر]

و حثحث الميل في العين:حرّكه.

و فرس حثيث السّير،و مضى حثيثا.

و ما جعلت في عيني حثاثا،أي غماضا.

و التّقوى أفضل ما تحاثّ النّاس عليه،و تداعوا إليه.

(73)

ابن الأثير: في حديث سطيح:«كأنّما حثحث من حضني ثكن»أي حثّ و أسرع.يقال:حثّه على الشّيء، و حثحثه بمعنى.و قيل:الحاء الثّانية بدل من إحدى الثّاءين.(1:339)

الصّغانيّ: الحثّ بالضّمّ:الخفيّ المتفرّق من الرّمل و التّراب،و ليس بطينة صمغة.

و حثّ الرّجل-على ما لم يسمّ فاعله-فهو محثوث، أي ذعر فهو مذعور،بالحاء مثل جثّ بالجيم.

و احتثّ،أي حثّ،و هو لازم و متعدّ.

و الأحثّ:موضع.[و قد تركنا بعض كلامه حذرا من التّكرار](1:356)

الفيّوميّ: حثثت الإنسان على الشّيء حثّا-من باب قتل-و حرّضته عليه،بمعنى.

و ذهب حثيثا،أي مسرعا.

و حثثت الفرس على العدو:صحت به أو وكزته برجل أو ضرب،و استحثثته كذلك.(1:121)

الفيروزآباديّ: حثّه عليه و استحثّه و أحثّه و احتثّه و حثّثه و حثحثه:حضّه فاحتثّ،لازم و متعدّ.

و الحثحوث:الكثير،و السّريع،و المنكرة من المعزى،و الحضّ كالحثّ،و الحثّيثى،و الكتيبة.

و الحثوث:السّريع كالحثيث و الحثحاث.

و التّحاثّ:التّحاضّ.

و ما اكتحل حثاثا بالفتح و بالكسر:ما نام.

و الحثّ بالضّمّ:حطام التّبن،و المترقرق من الرّمل و التّراب،أو اليابس الخشن من الرّمل،و الخبز القفار، و ما لم يلت من السّويق.

و حثحث:حرّك،و البرق:اضطرب في السّحاب.

و الأحثّ:موضع.(1:170)

مجمع اللّغة :حثّه على الشّيء يحثّه حثّا:مثل حضّه،وزنا و معنى.

و طلبه حثيثا،أي مسرعا حريصا.(1:235)م.

ص: 764


1- طباعة دار القلم.

المصطفويّ: [راجع النّصوص التّفسيريّة]

(2:175)

النّصوص التّفسيريّة

حثيثا

...ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً... الأعراف:54

ابن عبّاس: سريعا يجيء و يذهب.(129)

يطلب اللّيل النّهار،لا غفلة له.(الواحديّ 2:376)

السّدّيّ: يذهب اللّيل بضوء النّهار،و يطلبه سريعا حتّى يدركه.(263)

الطّبريّ: يعني سريعا.(8:205)

مثله القمّيّ(1:236)،و السّجستانيّ(66)،و ابن الجوزيّ(3:214).

الماورديّ: لأنّ سرعة تعاقب اللّيل و النّهار تجعل كلّ واحد منهما كالطّالب لصاحبه(2:230)

نحوه البغويّ.(2:198)

الطّوسيّ: معناه أنّه يستمرّ على منهاج واحد و طريقة واحدة،من غير فتور يوجب الاضطراب،كما يكون في السّوق الحثيث.

و قيل:إنّ معنى الحثيث:السّريع بالسّوق.(4:453)

الواحديّ: المعنى أنّ اللّيل يستمرّ في طلب النّهار على منهاج،من غير فتور يوجب التّأخّر عن وقته.

(2:376)

ابن عطيّة: (حثيثا)معناه سريعا.(2:409)

الطّبرسيّ: أي يتلوه فيدركه سريعا.و هذا توسّع يريد أن يأتي في أثره،كما يأتي الشّيء في أثر الشّيء طالبا له.(2:428)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه سبحانه وصف هذه الحركة بالسّرعة و الشّدّة؛و ذلك هو الحقّ،لأنّ تعاقب اللّيل و النّهار إنّما يحصل بحركة الفلك الأعظم،و تلك الحركة أشدّ الحركات سرعة و أكملها شدّة،حتّى أنّ الباحثين عن أحوال الموجودات،قالوا:الإنسان إذا كان في العدو الشّديد الكامل،فإلى أن يرفع رجله و يضعها يتحرّك الفلك الأعظم ثلاثة آلاف ميل.

و إذا كان الأمر كذلك كانت تلك الحركة في غاية الشّدّة و السّرعة،فلهذا السّبب قال تعالى: يَطْلُبُهُ حَثِيثاً و نظير هذه الآية قوله سبحانه: لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لاَ اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَ كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ يس:40،فشبّه ذلك السّير و تلك الحركة بالسّباحة في الماء،و المقصود:التّنبيه على سرعتها و سهولتها،و كمال إيصالها.(14:118)

القرطبيّ: أي يطلبه دائما من غير فتور.[إلى أن قال:]

حَثِيثاً بدل من طالب المقدّر أو نعت له،أو نعت لمصدر محذوف،أي يطلبه طلبا سريعا.

و الحثّ:الإعجال و السّرعة،و ولّى حثيثا،أي مسرعا.[لاحظ«غ ش ي:يغشى»و«ط ل ب:يطلبه»]

(7:221)

البيضاويّ: يعقبه سريعا كالطّالب له،لا يفصل بينهما شيء.

ص: 765

و الحثيث«فعيل»من الحثّ،و هو صفة مصدر محذوف،أو حال من الفاعل بمعنى حاثّا،أو المفعول بمعنى محثوثا.(1:352)

مثله أبو السّعود(2:498)،و البروسويّ(3:

175)،و نحوه الشّربينيّ(1:480).

ابن كثير :أي يذهب ظلام هذا بضياء هذا، و ضياء هذا بظلام هذا،و كلّ منهما يطلب الآخر طلبا حثيثا،أي سريعا لا يتأخّر عنه.بل إذا ذهب هذا جاء هذا،و عكسه.(3:178)

الآلوسيّ: [راجع«غ ش ي:يغشى»](8:136)

الطّباطبائيّ قوله: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ و يستره به يَطْلُبُهُ أي يطلب اللّيل النّهار ليغشيه و يستره حَثِيثاً أي طلبا حثيثا سريعا.

و فيه إشعار بأنّ الظّلمة هي الأصل،و النّهار الّذي يحصل من إنارة الشّمس ما يواجهها ممّا حولها،عارض للّيل الّذي هو الظّلمة المخروطيّة،اللاّزمة لأقلّ من نصف كرة الأرض،المقابل للجانب المواجه للشّمس،كأنّ اللّيل يعقبه و يهجم عليه.(8:150)

المصطفويّ: أي يجعل اللّيل غاشيا على النّهار، و النّهار يطلب اللّيل،حال كون النّهار حريصا متحاضّا طالبا،و مسرعا إلى اللّيل.

فالمفعول الأوّل هو الآخذ الغاشي،و الضّمير في «يطلب»راجع إلى القريب و هو النّهار،و كذا في «الحثيث»فهو حال عن الطّالب.فيدلّ على أصالة النّهار و النّور و الشّمس،ثمّ اللّيل و الظّلمة الطّارئة تغشاه بعروض موانع و حجب عن انتشار النّور و وصوله.

و طلب النّهار:اقتضاؤه الشّديد و سوقه إليه بسرعة،حتّى يتمّ العيش و تدوم الحياة،و تتجدّد القوى للموجودات الحيّة،فالنّهار يجرّ اللّيل إليه و يسوقه، بحيث يتعاقبان في الحركة و الجريان،آنا فآنا.

فالحثّ و الرّغبة لا بدّ و أن يكون من جانب الموضوع و المعروض.

ثمّ إنّ«الحثّ»يدلّ على البعث في السّير و السّوق و غيرهما،و«الحضّ»لا يكون في سير و لا سوق،كما في «مقاييس اللّغة»«حضّ»عن الخليل.

فالتّعبير بالحثيث في الآية الكريمة،إشارة إلى أنّ (النّهار)هو السّائق و السّائر ب(الليل)في عقبه؛فكون النّهار حثيثا بهذا المعنى.(2:175)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحثّ:الحضّ،و الحثّ:

الرّمل الخشن (1).

يقال من الأوّل:حثّه يحثّه حثّا،و استحثّه و احتثّه و حثّثه،أي حضّه و أعجله،و حثثت فلانا فاحتثّ،فهو حثيث و محثوث،و رجل حثيث و محثوث:حادّ سريع في أمره،كأنّ نفسه تحثّه.يقال:ولىّ حثيثا،أي مسرعا حريصا.و الطّائر يحثّ جناحيه في الطّيران:يحرّكهما.

و الحثّيثى:الاسم من الحثّ،يقال:اقبلوا دلّيلى ربّكم و حثّيثاه إيّاكم،أي الدّليل و الحثّ.

ص: 766


1- و هكذا فعل ابن فارس،لتعذّر القول بالأصل الواحد هنا، أمّا من دأب هذا المذهب-كالمصطفويّ-فقد طوى عن اللّغة كشحه،و انكفأ على التّفسير.

و الحثاث و الحثاث:النّوم القليل،كأنّه يحثّ النّائم على الاستيقاظ.يقال:ما ذقت حثاثا و حثاثا، و ما اكتحلت حثاثا و حثاثا،و ما كحلت عيني بحثاث، و ما جعلت في عيني حثاثا،تأكيد للسّهر،و حثّث الرّجل:نام.

و من الثّاني،أي الحثّ:النّوى اليابس،و حطام التّبن،و الخبز القفار،أي غير المأدوم،تشبيها بخشونة الرّمل.يقال:سويق حثّ،أي ليس بدقيق الطّحن، و كذا كحل حثّ،و مسك حثّ.و الحثاثة:الحرّ و الخشونة يجدها الإنسان في عينيه.

2-و قولهم:تمر حثّ،أي لا يلزق بعضه ببعض،لعلّه تصحيف«حتّ»أو بديل«فذّ»مثل:الجذوة و الجثوة، أي الجمرة الملتهبة،يقال:جاء بتمر حثّ و فذّ و فضّ، أي لا يلزق بعضه ببعض.

و كذلك عدم خلط السّويق بالسّمن،فهو إمّا من باب إبدال العين حاء،كما في بعض الموادّ السّابقة.يقال:

أطعمني سويقا حثّا و عثّا،أي غير ملتوت بدسم.

و إمّا من إبدال الفاء ثاء،و هو كثير في اللّغة،مثل:

الفناء و الثّناء:ساحة الدّار.يقال:سويق حافّ،أي غير ملتوت بسمن و لا زيت.

و ربّما هو مصحّف«حتّ»،كما ذكره صاحبا«المحيط و القاموس المحيط»و لا إبدال ثمّت؛لأنّه لا يبدل التّاء من الثّاء في اللّغة بتاتا،و يقال منه:سويق حتّ،أي غير ملتوت.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها كلمة واحدة،في سورة مكّيّة:

إِنَّ رَبَّكُمُ اللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ فِي سِتَّةِ أَيّامٍ ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ يَطْلُبُهُ حَثِيثاً وَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ وَ النُّجُومَ مُسَخَّراتٍ بِأَمْرِهِ أَلا لَهُ الْخَلْقُ وَ الْأَمْرُ تَبارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعالَمِينَ الأعراف:54

يلاحظ أوّلا:قال جماعة منهم: يَطْلُبُهُ حَثِيثاً يطلب اللّيل النّهار سريعا حتّى يدركه،يطلب اللّيل النّهار لا غفلة له،سريعا يجيء و يذهب،يتلوه فيدركه سريعا،يعقبه سريعا كالطّالب له،يذهب ظلام هذا بضياء هذا و ضياء هذا بظلام هذا،و كلّ منهما يطلب الآخر سريعا لا يتأخّر عنه،بل إذا ذهب هذا جاء هذا و عكسه،السّريع بالسّوق،وصف هذه الحركة بالسّرعة و الشّدّة يطلبه دائما من غير فتور،و نحوها.

و قال آخرون:يستمرّ على منهاج واحد و طريقة واحدة من غير فتور يوجب الاضطراب و نحوه،فقيّدوا فيه السّرعة و الاستمرار على منهاج واحد،و المعنى قريب.

ثانيا:قال الطّبرسيّ: «هذا توسّع يريد أن يأتي في أثره،كما يأتي الشّيء في أثر الشّيء طالبا له»،و قال الفخر الرّازيّ تعليلا للسّرعة:«لأنّ تعاقب اللّيل و النّهار إنّما يحصل بحركة الفلك الأعظم و تلك الحركة أشدّ الحركات سرعة و أكملها شدّة...و نظيرها لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَ لاَ اللَّيْلُ سابِقُ النَّهارِ وَ كُلٌّ فِي

ص: 767

فَلَكٍ يَسْبَحُونَ يس:40،فشبّه ذلك السّير و تلك الحركة بالسّباحة في الماء،و المقصود التّنبيه على سرعتها و سهولتها و كمال إيصالها».لاحظ«ف ل ك،و س ب ح».

و قال الطّباطبائيّ: «و فيه إشعار بأنّ الظّلمة هي الأصل،و النّهار الّذي يحصل من إنارة الشّمس ما يواجهها ممّا حولها،عارض للّيل الّذي هو الظّلمة المخروطيّة،اللاّزمة لأقلّ من نصف كرة الأرض،المقابل للجانب المواجه للشّمس،كأنّ اللّيل يعقبه و يهجم عليه».لاحظ«و ل ج:يولج».

و قال المصطفويّ: «فيدلّ على أصالة النّهار و النّور و الشّمس،ثمّ اللّيل و الظّلمة الطّارئة تغشاه بعروض موانع و حجب،عن انتشار النّور و وصوله.[إلى أن قال:]

فالتّعبير بالحثيث إشارة إلى أنّ النّهار هو السّائق و السّائر باللّيل في عقبه...

فهما قد اختلفا في أصالة الظّلمة أو النّور،و ظاهر يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ هو أصالة النّور،فلاحظ.

ثالثا:«الحثيث»«فعيل»من الحثّ،و هو صفة مصدر محذوف،أي طلبا حثيثا،أو حال من فاعل (يطلبه)أي يطلبه حاثّا،أو من مفعوله،أي محثوثا؛ و الأوّل هو الأولى.

ص: 768

ح ج ب

اشارة

4 ألفاظ،8 مرّات،في 8 سور:7 مكّيّة،1 مدنيّة

محجوبون 1:1 الحجاب 1:1

حجاب 4:3-1 حجابا 2:2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الحجب:كلّ شيء منع شيئا من شيء فقد حجبه حجبا.

و الحجابة:ولاية الحاجب.

و الحجاب،اسم:ما حجبت به شيئا عن شيء؛ و يجمع على:حجب.

و جمع حاجب:حجبة.

و حجاب الجوف:جلدة تحجب بين الفؤاد و سائر البطن.

و الحاجب:عظم العين من فوق يستره بشعره و لحمه.

و حاجب الفيل:اسم شاعر.

و يسمّى رءوس عظم الوركين و ما يلي الحرقفتين:

حجبتين و ثلاث حجبات؛و جمعه:حجب.[ثمّ استشهد بشعر](3:86)

اللّيث:و احتجب فلان،إذا اكتنّ من وراء الحجاب.(الأزهريّ 4:162)

ابن شميّل: [في حديث ابن مسعود رضي اللّه عنه]:«من اطّلع الحجاب واقع ما وراءه»إذا مات الإنسان واقع ما وراء الحجابين:حجاب الجنّة،و حجاب النّار،لأنّهما قد خفيا.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال أبو عدنان عن خالد:اطّلاع الحجاب:مدّ الرّأس،و المطالع يمدّ رأسه ينظر من وراء السّتر.

و الحجاب:السّتر.(الأزهريّ 4:163)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الحجبات:ما يلي المآكم.[ثمّ استشهد بشعر](1:187)

الحجاب:ما أشرف من الجبل.(الأزهريّ 4:162)

أبو زيد :في الجبين،الحاجبان،و هما منبت شعر الحاجبين من العظم؛و الجميع:الحواجب.

(الأزهريّ 4:163)

ص: 769

الأصمعيّ: إنّ امرأة قدّمت إلى رجل خبزة أو قرصا،فجعل يأكل من وسطه،فقالت:كل من حواجبه،أي من نواحيه.و يقال:بدا حاجب من الشّمس،أي بدت ناحية منها.[ثمّ استشهد بشعر]

و«حاجب العين»من هذا اشتقاقه،لأنّه يحجب عنها شعاع الشّمس.(ابن دريد 1:205)

ابن دريد :حجبت الشّيء أحجبه حجبا،إذا سترته.

و الحجاب:السّتر،و كلّ شيء حجبك فقد سترك.

و احتجبت الشّمس في السّحاب،إذا استترت فيه.

و حاجب كلّ شيء:حرفه.

و الحجيب:الأجمة.[ثمّ استشهد بشعر](1:205)

الحجبة:رأس الورك.(2:399)

و يجمع«فاعل»على«فواعل»و هو قليل،مثل فارس و فوارس،و حاجب و حواجب.(3:508)

الأزهريّ: الحجاب:الحرّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:احتجبت الحامل بيوم من تاسعها،و بيومين من تاسعها،يقال ذلك للمرأة الحامل إذا مضى يوم من تاسعها.

يقولون:أصبحت محتجبة بيوم من تاسعها،هذا كلام العرب.

و في حديث أبي ذرّ:«أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:إنّ اللّه يغفر للعبد ما لم يقع الحجاب،قيل:يا رسول اللّه و ما الحجاب؟ قال:أن تموت النّفس و هي مشركة».[إلى أن قال:]

و امرأة محجوبة:قد سترت بستر.(4:162)

الخطّابيّ: [في الحديث]«...قالت بنو قصيّ:فينا الحجابة،..».الحجابة:حجابة البيت،و هي في بني عبد الدّار.(1:450)

الصّاحب:الحاجب:معروف؛و جمعه:الحجّاب و الحجبة.و الحجابة:ولايته.

و الحجاب:اسم ما حجبت به شيئين؛و جمعه:

حجب.

و حجبه عن الأمر:حجزه.

و احتجب فلان:اكتنّ من وراء الحجاب.

و حجاب الجوف:بين الفؤاد و سائر البطن.

و الحاجبان:العظمان فوق العينين بشعرهما و جمعه:

حواجب.

و الحجبتان:رءوس عظام الوركين؛و الجميع:

الحجب.

و الحجب:مجرى النّفس،حجب صدره:ضاق.

و حاجب الفيل:شاعر.

و الحجاب:الجبل؛و جمعه:حجبان.

و الحجيب:الأجمة.(2:414)

الجوهريّ: الحجاب:السّتر.

و حجاب الجوف:ما يحتجب بين الفؤاد و سائره.

و حجبه،أي منعه عن الدّخول.

و الإخوة يحجبون الأمّ عن الثّلث.

و المحجوب:الضّرير.

و حاجب العين:جمعه حواجب،و حاجب الأمير:

جمعه حجّاب.

و استحجبه:ولاّه الحجبة.

و حواجب الشّمس:نواحيها.

ص: 770

و قوس حاجب،هو حاجب بن زرارة التّميميّ.

و احتجب الملك عن النّاس،و ملك محجّب.

و الحجبة بالتّحريك:رأس الورك،و هما حجبتان تشرفان على الخاصرتين.(1:107)

ابن فارس: الحاء و الجيم و الباء أصل واحد،و هو المنع.يقال:حجبته عن كذا،أي منعته.

و حجاب الجوف:ما يحجب بين الفؤاد و سائر الجوف.

و الحاجبان:العظمان فوق العينين بالشّعر و اللّحم.

و هذا على التّشبيه،كأنّهما تحجبان شيئا يصل إلى العينين.

و كذلك حاجب الشّمس،إنّما هو مشبّه بحاجب الإنسان،و كذلك الحجبة:رأس الورك،تشبيه أيضا لإشرافه.(2:143)

أبو هلال :الفرق بين السّتر و الحجاب و الغطاء:

أنّك تقول:حجبني فلان عن كذا،و لا تقول:سترني عنه و لا غطّاني.و تقول:احتجبت بشيء،كما تقول:تستّرت به؛فالحجاب هو المانع و الممنوع به،و السّتر هو المستور به.

و يجوز أن يقال:حجاب الشّيء:ما قصد ستره.

أ لا ترى أنّك لا تقول لمن منع غيره من الدّخول إلى الرّئيس داره من غير قصد المنع له:إنّه حجبه،و إنّما يقال:حجبه،إذا قصد منعه.

و لا تقول:احتجبت بالبيت،إلاّ إذا قصدت منع غيرك عن مشاهدتك.أ لا ترى أنّك إذا جلست في البيت و لم تقصد ذلك،لم تقل:إنّك قد احتجبت.

و فرق آخر أنّ السّتر لا يمنع من الدّخول على المستور،و الحجاب يمنع.(238)

ابن سيده: حجب الشّيء يحجبه حجبا و حجابا، و حجّبه:ستره،و قد احتجب و تحجّب.و الحاجب:

البوّاب،صفة غالبة؛و جمعه:حجبة و حجّاب،و خطّته الحجابة.

و الحجاب ما احتجب به.

و كلّ ما حال بين شيئين:حجاب؛و الجمع:حجب لا غير،و قوله تعالى: وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ فصّلت:5 معناه:و من بيننا و بينك حاجز في النّحلة و الدّين،و هو مثل قوله: قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ فصّلت:5، إلاّ أنّ معنى هذا أنّا لا نوافقك في مذهب.

و الحجاب:لحمة رقيقة كأنّها جلدة قد اعترضت، مستبطنة بين الجنبين،تحول بين السّحر و القصب.

و كلّ شيء منع شيئا فقد حجبه،كما تحجب الأمّ الإخوة عن فريضتها.

و الحاجبان:العظمان اللّذان فوق العينين،بلحمهما و شعرهما،صفة غالبة.

و قيل:الحاجب:الشّعر النّابت على العظم،سمّي بذلك لأنّه يحجب عن العين شعاع الشّمس.قال اللّحيانيّ:هو مذكّر لا غير.و حكى:أنّه لمزجّج الحواجب،كأنّهم جعلوا كلّ جزء منه حاجبا،قال:

و كذلك يقال في كلّ ذي حاجب.

و حاجب الشّمس:ناحية منها.

و حاجب كلّ شيء:حرفه.

و الحجاب:منقطع الحرّة.

ص: 771

و الحجبتان:حرفا الورك اللّذان يشرفان على الخاصرة.

و الحجبتان:العظمان فوق العانة،المشرفان على مراق البطن،من يمين و شمال.

و الحجبتان من الفرس:ما أشرف على صفاق البطن من وركيه.

و حاجب:اسم.و حاجب الفيل:اسم شاعر.

و الحجيب:موضع.(3:92)

الحجاب:السّتر،لأنّه يمنع المشاهدة.

و إطلاق الحجاب على«التّعويذة»مجاز سائغ،لما فيه من منع الضّرر عن المريض،في زعمهم.[استشهد بالشّعر 4 مرّات](الإفصاح 1:549)

الطّوسيّ: و الحجاب،هو الحاجز المانع من الإدراك،و منه قيل للضّرير:محجوب،و حاجب الأمير،و حاجب العين.

و حجبه عنه،أي منعه من الوصول إليه.(4:439)

الرّاغب: الحجب و الحجاب:المنع من الوصول، يقال:حجبه حجبا،و حجابا.

و حجاب الجوف:ما يحجب عن الفؤاد.[ثمّ ذكر آيات إلى أن قال:]

و الحاجب:المانع عن السّلطان.

و الحاجبان في الرّأس،لكونهما كالحاجبين للعين في الذّبّ عنهما.

و حاجب الشّمس،سمّي لتقدّمه عليها تقدّم الحاجب للسّلطان.(108)

الزّمخشريّ: حجبه عن كذا،و الإخوة تحجب الأمّ عن الثّلث،و هو محجوب عن الخير.

و ضرب الحجاب على النّساء.

و له دعوات تخرق الحجب،أي تبلغ العرش، و ما لدعوة المظلوم دون اللّه حجاب.

و فلان يحجب الأمير،أي هو حاجبه،و إليه الخاتم و الحجابة.

و قد استحجب المأمون بشرا.

و هو حسن الحجبة.

و هم حجبة البيت.

و ملك محجوب،و محتجب،و قد احتجب عن النّاس.

و فرس مشرف الحجب،و الحجبات.

و الحجبة:رأس الورك.

و من المجاز:بدا حاجب الشّمس و هو حرفها،شبّه بحاجب الإنسان.

و لاحت حواجب الصّبح:أوائله.[و استشهد لهذا و ما قبله بشعر]

و نظرت أعرابيّة إلى رجل يأكل وسط الرّغيف، فقالت:عليك بحواجب الرّغيف.

و احتجبت الشّمس في السّحاب.

و اقعد في ظلّ الحجاب،أي في ظلّ الجبل.

و هتك الخوف حجاب قلبه،و هو جلدة تحجب بين الفؤاد و البطن.و هذا خوف يهتك حجب القلوب.

(أساس البلاغة:73)

المدينيّ: في الحديث:«قالت بنو قصيّ:فينا الحجابة»يعني حجابة بيت اللّه تعالى الحرام الكعبة،و هم بنو عبد الدّار بن قصيّ،منهم شيبة بن عثمان الحجبيّ،

ص: 772

و هم الّذين بأيديهم مفتاح الكعبة الآن،و يقال لهم:

الشّيبيّون.

قيل:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،أراد أن يأخذه منهم، فأنزل اللّه تعالى: إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَماناتِ إِلى أَهْلِها النّساء:58،فتركه في أيديهم،فهو إلى يوم قيام السّاعة.(1:400)

ابن الأثير: في حديث الصّلاة:«حين توارت بالحجاب»الحجاب هاهنا:الأفق،يريد حين غابت الشّمس في الأفق و استترت به،و منه قوله تعالى: حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ص:32.(1:340)

الصّغانيّ: الحجاب:ما اطّرد من الرّمل و طال.

و حجاب الشّمس:ضوؤها.[ثمّ استشهد بشعر]

و امرأة محجّبة،شدّد للمبالغة،كما قالوا مخبّأة، و مخدّرة.

و الحجب:الأجمة.

و ذو الحاجب،و يقال:ذو الحاجبين:من قوّاد الفرس.(1:97)

الفيّوميّ: حجبه حجبا،من باب«قتل»:منعه، و منه قيل للسّتر:حجاب،لأنّه يمنع المشاهدة.و قيل للبوّاب:حاجب،لأنّه يمنع من الدّخول.

و الأصل في الحجاب:جسم حائل بين جسدين.

و قد استعمل في المعاني،فقيل:العجز:حجاب بين الإنسان و مراده،و المعصية:حجاب بين العبد و ربّه.

و جمع الحجاب:حجب،مثل كتاب و كتب.و جمع الحاجب:حجّاب،مثل كافر و كفّار.(1:121)

الجرجانيّ: الحجاب:كلّ ما يستر مطلوبك،و هو عند أهل الحقّ:انطباع الصّور الكونيّة في القلب المانعة لقبول تجلّي الحقّ.

و حجاب العزّة:هو العمى و الحيرة؛إذ لا تأثير للإدراكات الكشفيّة في كنه الذّات،فعدم نفوذها فيه حجاب،لا يرتفع في حقّ الغير أبدا.(37)

الفيروزآباديّ: حجبه حجبا و حجابا:ستره كحجّبه،و قد احتجب و تحجّب.

و الحاجب:البوّاب؛جمعه:حجبة و حجّاب، و خطّته:الحجابة.

و الحجاب:ما احتجب به؛جمعه:حجب،و منقطع الحرّة،و ما اطّرد من الرّمل و طال،و ما أشرف من الجبل، و من الشّمس:ضوؤها أو ناحيتها،و ما حال بين شيئين، و لحمة رقيقة مستبطنة بين الجنبين تحول بين السّحر و القصب،و جبل دون جبل قاف،و أن تموت النّفس مشركة.و منه:يغفر للعبد ما لم يقع الحجاب.

و الحجب محرّكة:مجرى النّفس.

و ككتف:الأكمة،و الحاجبان:العظمان فوق العينين بلحمهما و شعرهما،أو الحاجب:الشّعر النّابت على العظم؛جمعه:حواجب،و من كلّ شيء:حرفه،و من الشّمس:ناحية منها.

و حاجب الفيل:شاعر،و ابن يزيد،و ابن زيد، و عطارد بن حاجب صحابيّون.

و المحجوب:الضّرير.

و ذو الحاجبين:قائد فارسيّ.

و الحجبتان محرّكة:حرفا الورك المشرفان على الخاصرة،أو العظمان فوق العانة المشرفان على مراقّ

ص: 773

البطن من يمين و شمال،و من الفرس:ما أشرف عن صفاق البطن من وركيه.

و الحجيب:عين.

و استحجبه:ولاّه الحجابة.

و احتجبت المرأة بيوم مضى:يوم من تاسعها.

(1:54)

الطّريحيّ: و في وصفه تعالى:«حجابه النّور» و يشير بذلك إلى أنّ حجابه خلاف الحجب المعهودة،فهو تعالى محتجب عن الخلق بأنوار عزّه و جلاله و سعة عظمته و كبريائه؛و ذلك هو الحجاب الّذي تدهش دونه العقول و تذهب الأبصار و تنحسر البصائر.

و لو كشف ذلك الحجاب فتجلّى بما وراءه من حقائق الصّفات و عظمة الذّات،لم يبق مخلوق إلاّ احترق و لا معظور (1)إلاّ اضمحلّ.

و أصل الحجاب:السّتر الحائل بين الرّائي و المرئيّ، و هو هناك راجع إلى منع الأبصار من الإبصار بالرّؤية له بما ذكر،فقام ذلك المنع مقام السّتر الحائل،فعبّر به عنه.

و«محمّد صلّى اللّه عليه و آله حجاب اللّه»أي ترجمانه؛و جمعه:

حجب،ككتاب و كتب.

و«احتجب اللّه دون حاجته»احتجاب اللّه:أن يمنع حوائجه و يخيّب آماله في الدّنيا.

و في الحديث:«حجبت الجنّة بالمكاره و النّار بالشّهوات»يعني لا يوصل إلى الجنّة إلاّ بارتكاب المكروهات،و النّار إلاّ بالشّهوات.

و حجبه حجبا من باب«قتل»:منعه،و منه:«كلّما حجب اللّه علمه عن العباد فهو موضوع عنهم».

و في وصفه صلّى اللّه عليه و آله«أزجّ الحواجب»و لم يقل:

الحاجبين،فهو على معنى من يوقع على التّثنية الجمع، و يحتجّ له بقوله تعالى: وَ كُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ الأنبياء:78،و يريد سليمان و داود.

و حاجب بن زرارة أتى كسرى في جدب أصابهم بدعوة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يستأذنه لقومه أن يصيروا في ناحية من بلاده،فقال:إنّكم معاشر العرب غدر حرص،فإن أذنت لكم أفسدتم البلاد و أغرتم على العباد.قال حاجب:إنّي ضامن للملك أن لا يفعلوا.قال:فمن لي بأن تفي؟قال:أرهنك قوسي.قال:فضحك من حوله.فقال كسرى ما كان ليسلّمها أبدا،فقبلها منه و أذن لهم.فلمّا مات حاجب ارتحل ابنه عطارد إلى كسرى فطلب قوس أبيه،فردّها عليه و كساه حلّة،فلمّا رجع أهداها إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فباعها من يهوديّ بأربعة آلاف درهم.

و منه حديث عليّ بن الحسين عليهما السّلام و قد جاءه رجل من مواليه،يستقرضه عشرة آلاف درهم إلى ميسرة، فقال:«و لكن أريد وثيقة»قال:فنتف له من ردائه هدبة،فقال:هذه الوثيقة.قال:فكأنّ مولاه كره ذلك فغضب،و قال:أنا أولى بالوفاء أم حاجب بن زرارة؟ فقال:أنت أولى بذلك منه.قال:فكيف حاجب بن زرارة يرهن قوسا و إنّما هي خشبة على مائة جمالة و هو كافر فيفي،و أنا لا أفي بهدبة ردائي؟

و في الحديث:«تصلّي المغرب حين تغيب الشّمس حين يغيب حاجبها».قيل يريد بحاجبها:طرفها الأعلى من قرصها.قيل:سمّي بذلك،لأنّه أوّل ما يبدو منهاق.

ص: 774


1- المعظور:سيّئ الخلق.

كحاجب الإنسان.

«و الحجبة»جمع حاجب:البيت،و هو المانع عن رؤية المحجوب عنه.

و في الحديث:«و إنّما يستحبّ الهدي إلى الكعبة، لأنّه يصير إلى الحجبة»كذا في أكثر النّسخ،و في بعضها:

«و إنّما لا يستحبّ»و هو أقرب.

و في الدّعاء:«عبادك المحتجبون بغيبك»يريد بهم:

الملائكة.(2:34)

مجمع اللّغة :حجبه يحجبه حجبا:ستره و منعه.

و الحجاب:السّتر،حسّيّا كان أو معنويّا.

و المحجوب؛و جمعه:محجوبون،هو الممنوع المستور، اسم مفعول من:حجبه.(1:236)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:123)

العدنانيّ: فلان غليظ الحاجبين أو غليظ الحواجب؟

و يخطّئون من يقول:فلان غليظ الحواجب،لأنّ الإنسان ليس له سوى حاجبين.

و لكن:روى ابن السّكّيت،و السّيوطيّ في «المزهر»عن الأصمعيّ:جواز ورود الحواجب للمرء بدلا من الحاجبين،فقيل:هو غليظ الحواجب.

و أنا-لغويّا-لا أستطيع أن أخطّئ من يقول:هو غليظ الحواجب بدلا من الحاجبين.و لكنّني أستطيع أن أنصح للأدباء أن يهملوا استعمال هذا الجمع للإنسان في النّثر،بدلا من المثنّى،لأنّ في ذلك خطأ علميّا،يقصينا عن الحقيقة،دون أن يوجد مسوّغ لغويّ لذلك.

أمّا الشّعراء في وسعهم أن يقولوا:غليظ الحواجب، أو غليظة الحواجب:

*إذا أبقت غواني هذه الأيّام لهنّ حواجب*

عند ما تفرض عليهم ذلك الضّرورة الشّعريّة،إقامة لوزن أو مراعاة لقافية.و إن كان هذا يجعل البيت،الّذي ترد فيه كلمة الحواجب بدلا من الحاجبين،ركيكا.

(144)

محمود شيت:الحجاب:السّاتر،يقال:حجاب الدّخان:الدّخان الّذي يستر الجنود عند تقدّمهم إلى العدوّ من النّيران.(1:170)

المصطفويّ: الحجاب هو الحائل الحاجز المانع عن تلاقي شيئين أو أثرهما،سواء كانا مادّيّين أو معنويّين أو مختلفين،و سواء كان الحاجب مادّيّا أو معنويّا.

وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ الأحزاب:53،فكلّ من الطّرفين،و كذلك الحجاب مادّيّ،فالحجاب هو الحاجز عن تلاقي الطّرفين جسما أو نظرا.[ثمّ ذكر الآيات،فراجع النّصوص التّفسيريّة](2:177)

النّصوص التّفسيريّة

محجوبون

كَلاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ.

المطفّفين:15

الإمام عليّ عليه السّلام:[في حديث]«...فإنّما يعني يوم القيامة،إنّهم عن ثواب ربّهم محجوبون.

(العروسيّ 5:532)

ابن عبّاس: عَنْ رَبِّهِمْ عن النّظر إلى ربّهم،

ص: 775

يَوْمَئِذٍ يوم القيامة، لَمَحْجُوبُونَ لممنوعون، و المؤمنون لا يحجبون عن النّظر إلى ربّهم.(505)

نحوه الكلبيّ(الفخر الرّازيّ 31:96)،و أبو السّعود (4:396).

محجوبين عن رحمته.

مثله قتادة،و ابن أبي مليكة.(الزّمخشريّ 4:232)

و زيد بن عليّ.(469)

مجاهد :أي عن كرامته و رحمته ممنوعون.

(القرطبيّ 19:261)

نحوه ابن كيسان.(الزّمخشريّ 4:232)

الحسن :يكشف الحجاب فينظر إليه المؤمنون كلّ يوم غدوة و عشيّة.(الطّبريّ 30:100)

لو علم الزّاهدون و العابدون أنّهم لا يرون ربّهم في المعاد لزهقت أنفسهم في الدّنيا.(الواحديّ 4:446)

هم محجوبون عن إحسانه.

مثله قتادة.(الطّوسيّ 10:300)

ابن أبي مليكة:(انهم):المنّان،و المختال، و الّذي يقتطع أموال النّاس بيمينه بالباطل.

(الطّبريّ 30:100)

قتادة :هو لا ينظر إليهم،و لا يزكّيهم،و لهم عذاب أليم.(الطّبريّ 30:100)

ابن عطاء:الحجاب حجابان:حجاب بعد و حجاب إبعاد،فحجاب البعد لا تقريب فيه أبدا،و حجاب الإبعاد يؤدّب ثمّ يقرّب كآدم عليه السّلام.(البروسويّ 10:369)

مقاتل:يعني أنّهم بعد العرض و الحساب لا ينظرون إليه نظر المؤمنين إلى ربّهم.

(الواحديّ 4:446)

مالك:لمّا حجب أعداءه فلم يروه.تجلّى لأوليائه حتّى رأوه.(الواحديّ 4:446)

الإمام الرّضا عليه السّلام:إنّ اللّه تبارك و تعالى لا يوصف بمكان يحلّ فيه فيحجب عن عباده،و لكنّه يعني أنّهم عن ثواب ربّهم محجوبون.(البحرانيّ 10:230)

الشّافعيّ: لمّا حجب قوما بالسّخط دلّ على أنّ قوما يرونه بالرّضا...و اللّه لو لم يوقن محمّد بن إدريس أنّه يرى ربّه في المعاد لما عبده في الدّنيا.

(الواحديّ 4:446)

الحسين بن الفضل:كما حجبهم في الدّنيا عن توحيده،حجبهم في الآخرة عن رؤيته.

(الواحديّ 4:446)

سهل التّستريّ: حجبهم عن ربّهم قسوة قلوبهم في العاجل و ما سبق لهم من الشّقاوة في الأزل،فلم يصلحوا لبساط القرب و المشاهدة،فأبعدوا و حجبوا.

و الحجاب هو الغاية في البعد و الطّرد.

(البروسويّ 10:369)

الجبّائيّ: المراد أنّهم عن رحمة ربّهم(محجوبون) أي ممنوعون،كما يقال في الفرائض:الإخوة يحجبون الأمّ عن الثّلث.و من ذلك يقال لمن يمنع عن الدّخول:هو حاجب،لأنّه يمنع من رؤيته.(الفخر الرّازيّ 31:95)

الطّبريّ: قد اختلف أهل التّأويل في معنى قوله [تعالى]فقال بعضهم:معنى ذلك أنّهم محجوبون عن كرامته،و قال آخرون:بل معنى ذلك أنّهم محجوبون عن رؤية ربّهم.

ص: 776

و أولى الأقوال في ذلك بالصّواب،أن يقال:إنّ اللّه تعالى ذكره أخبر عن هؤلاء القوم أنّهم عن رؤيته محجوبون.

و يحتمل أن يكون مرادا به الحجاب عن كرامته، و أن يكون مرادا به الحجاب عن ذلك كلّه.

و لا دلالة في الآية تدلّ على أنّه مراد بذلك الحجاب عن معنى منه دون معنى،و لا خبر به عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قامت حجّته.

فالصّواب أن يقال:هم محجوبون عن رؤيته،و عن كرامته؛إذ كان الخبر عامّا،لا دلالة على خصوصه.

(30:100)

الزّجّاج: و في هذه الآية دليل على أنّ اللّه يرى في الآخرة،لو لا ذلك لما كان في هذه الآية فائدة، و لا خسست منزلة الكفّار بأنّهم يحجبون عن اللّه عزّ و جلّ.و قال تعالى في المؤمنين: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ ناضِرَةٌ* إِلى رَبِّها ناظِرَةٌ القيمة:22،23،فأعلم اللّه عزّ و جلّ أنّ المؤمنين ينظرون إلى اللّه،و أنّ الكفّار يحجبون عنه.(5:299)

أبو مسلم الأصفهانيّ: ممنوعون من رحمته، مدفوعون عن ثوابه،غير مقبولين و لا مرضيّين.

(الطّبرسيّ 5:454)

أي غير مقرّبين،و الحجاب:الرّدّ،و هو ضدّ القبول.

و المعنى:هؤلاء المنكرون للبعث غير مقبولين عند اللّه.

و هو المراد من قوله تعالى: وَ لا يُكَلِّمُهُمُ اللّهُ وَ لا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ لا يُزَكِّيهِمْ آل عمران:77.

(الفخر الرّازيّ 31:95)

عبد الجبّار: كَلاّ إِنَّهُمْ... إلخ،لا يدلّ على ما تقوله الحشويّة:في أنّه تعالى يرى يوم القيامة،بأن يرفع عنه الحجب للمؤمنين فيروه،و يحتجب عن غيرهم فيمنعون من رؤيته،لأنّ هذا القول يوجب أن يكون تعالى جسما محدودا في مكان مخصوص،و يجوز عليه السّتر و الحجاب،و يراه قوم دون قوم؛من حيث يظهر في جهة دون جهة.

و المراد بالآية:أنّهم ممنوعون من رحمة اللّه،لأنّ الحجب هو المنع،و لذلك يقال فيمن يمنع الوصول إلى الأمير:إنّه حاجب له،و إن كان الممنوع مشاهدا له.

و قال أهل الفرائض في الإخوة:إنّهم يحجبون الأمّ عن الثّلث،إذا منعوها و إن لم يكن هناك ستر في الحقيقة.

فبيّن بذلك أنّه تعالى يمنعهم بذلك من رحمته و سعة فضله،ليبعث السّامع بذلك على التّمسّك بطاعة اللّه، فيكون يوم القيامة من أهل الرّحمة،لا من المحجوبين عنها.(2:683)

الشّريف الرّضيّ: هذه استعارة مجاز،لأنّ الحجاب لا يطلق إلاّ على من يصحّ عليه الظّهور و البطون، و الاستتار و البروز؛و ذلك من صفة الأجسام المحدثة و الأشخاص المؤلّفة.و المراد بذكر الحجاب هاهنا:أنّهم ممنوعون من ثواب اللّه سبحانه،مذودون عن دخول جنّته و دار مقامته.

و أصل الحجب:المنع،و منه قولنا في الفرائض:

الإخوة يحجبون الأمّ عن الثّلث إلى السّدس،أي يمنعونها من الثّلث و يردّونها إلى السّدس.و من ذلك أيضا قولهم:

حجب فلان عن باب الأمير،أي ردّ عنه،و دفع دونه.

ص: 777

و يجوز أن يكون لذلك معنى آخر،و هو أن يكون المراد:أنّهم غير مقرّبين عند اللّه سبحانه بصالح الأعمال و استحقاق الثّواب،فعبّر سبحانه عن هذا المعنى بالحجاب،لأنّ المبعد المقصى يحجب عن الأبواب و يبعد من الجناب.(تلخيص البيان:233)

القشيريّ: [نحو الحسين بن الفضل و أضاف:]

و دليل الخطاب يوجب أن يكون المؤمنون يرونه غدا،كما يعرفونه اليوم.(6:269)

الميبديّ: أي عن رؤية ربّهم ممنوعون.قال شيخ الإسلام عبد اللّه الأنصاريّ قدّس روحه:أي عن رؤية الرّضا،فإنّ الشّقيّ يريه غضبان حين يتجلّى في المحشر قبل دخول النّاس الجنّة،و في هذا أنّ المصدّق غير محجوب عن ربّه.(10:416)

الزّمخشريّ: و كونهم محجوبين عنه تمثيل للاستخفاف بهم و إهانتهم،لأنّه لا يؤذن على الملوك إلاّ للوجهاء المكرّمين لديهم،و لا يحجب عنهم إلاّ الأدنياء المهانون عندهم.[ثمّ استشهد بشعر](4:232)

نحوه البيضاويّ(2:546)،و الشّربينيّ(4:502).

ابن عطيّة: و الضّمير في قوله: إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ هو للكفّار،[من]قال:بالرّؤية،و هو قول أهل السّنّة.

قال:إنّ هؤلاء لا يرون ربّهم فهم محجوبون عنه.و احتجّ بهذه الآية مالك بن أنس عن مسألة الرّؤية من جهة دليل الخطاب،و إلاّ فلو وجب الكلّ لما أغنى هذا التّخصّص.

و من قال:بأن لا رؤية-و هو قول المعتزلة-قال في هذه الآية:إنّهم محجوبون عن رحمة ربّهم و غفرانه.

(5:452)

الفخر الرّازيّ: احتجّ الاصحاب على أنّ المؤمنين يرونه سبحانه،قالوا:و لو لا ذلك لم يكن للتّخصيص فائدة.

و فيه تقرير آخر،و هو أنّه تعالى ذكر هذا الحجاب في معرض الوعيد و التّهديد للكفّار،و ما يكون وعيدا و تهديدا للكفّار لا يجوز حصوله في حقّ المؤمن،فوجب أن لا يحصل هذا الحجاب في حقّ المؤمن.أجابت المعتزلة عن هذا من وجوه:[ثمّ ذكرها و قال:]

و الجواب:لا شكّ أنّ من منع من رؤية شيء يقال:

إنّه حجب عنه،و أيضا من منع من الدّخول على الأمير يقال:إنّه حجب عنه،و أيضا يقال:الأمّ حجبت عن الثّلث بسبب الإخوة.و إذا وجدنا هذه الاستعمالات، وجب جعل اللّفظ حقيقة في مفهوم مشترك بين هذه المواضع،دفعا للاشتراك في اللّفظ؛و ذلك هو المنع.

ففي الصّورة الأولى حصل المنع من الرّؤية،و في الثّانية حصل المنع من الوصول إلى قربه،و في الثّالثة حصل المنع من استحقاق أخذ الثّلث؛فيصير تقدير الآية:كلاّ إنّهم عن ربّهم يومئذ لممنوعون.

و المنع إنّما يتحقّق بالنّسبة إلى ما يثبت للعبد بالنّسبة إلى اللّه تعالى،و هو إمّا العلم،و إمّا الرّؤية.و لا يمكن حمله على العلم،لأنّه ثابت بالاتّفاق للكفّار،فوجب حمله على الرّؤية.

أمّا صرفه إلى الرّحمة،فهو عدول عن الظّاهر من غير دليل،و كذا ما قاله صاحب الكشّاف:«ترك للظّاهر من غير دليل».ثمّ الّذي يؤكّد ما ذكرناه من الدّليل أقوال

ص: 778

المفسّرين...[و ذكر قول مقاتل و الكلبيّ و مالك و الشّافعيّ](31:95)

النّسفيّ: عن رؤية ربّهم لممنوعون،الحجب:المنع [ثمّ ذكر قول الزّجّاج و الحسين بن الفضل و مالك إلى أن قال:]

الأوّل أصحّ،لأنّ الرّؤية أقوى الكرامات،فالحجب عنها دليل الحجب عن غيرها.(4:340)

الشّربينيّ: أي فلا يرونه،بخلاف المؤمنين فإنّهم يرونه،كما ثبت لك في الأحاديث الصّحيحة.[ثمّ نقل قول الحسن و مالك و أضاف:]

و في قوله تعالى دلالة على أنّ أولياء اللّه يرون اللّه تعالى.و من نفى الرّؤية كالزّمخشريّ،جعله تمثيلا للاستخفاف بهم.(4:502)

البروسويّ: فلا يرونه،لأنّهم بإكسابهم القبيحة صارت مرآة قلوبهم ذات صدإ،و سرت ظلمة الصّدإ منها إلى قوالبهم،فلم يبق محلّ لنور التّجلّي،بخلاف المؤمنين فإنّهم يرونه تعالى،لأنّهم بإكسابهم الحسنة صارت مرائي قلوبهم مصقولة صافية،و سرى نور الصّقالة و الصّفوة منها إلى قوالبهم،فصاروا مستعدّين لانعكاس نور التّجليّ في قلوبهم و قوالبهم،و صاروا وجوها من جميع الجهات كوجود الوجه الباقي بل أبصارا بالكلّيّة.[إلى أن قال:]

قال القاشانيّ: إنّهم عن ربّهم يومئذ(لمحجوبون) لامتناع قبول قلوبهم للنّور،و امتناع عودها إلى الصّفاء الأوّل الفطريّ،كالماء الكبريتيّ مثلا؛إذ لو روق أو صعد لما رجع إلى الطّبيعة المائيّة المبرّدة لاستحالة جوهره، بخلاف الماء المسخّن استحالت كيفيّته دون طبيعته، و لهذا استحقّوا الخلود في العذاب.[ثمّ ذكر قول الرّاغب و الزّمخشريّ و قال:]

و إنّما جعله تمثيلا لا كناية؛إذ لا يمكن إرادة المعنى الحقيقيّ على زعمه من حيث إنّه معتزليّ.

قال بعض المفسّرين:جعل الآية تمثيلا عدول عن الظّاهر و هو مكشوف،فإنّ ظاهر قولهم:هو محجوب عن الأمير،يفيد أنّه ممنوع عن رؤيته،و هو أكبر سبب الإهانة.

و ما نقل عن ابن عبّاس رضي اللّه عنه:لمحجوبون عن رحمته،و عن ابن كيسان:عن كرامته،فالمراد به بيان حاصل المعنى،فإنّ المحجوب عن الرّؤية ممنوع عن معظم الرّحمة و الكرامة،فالآية من جملة أدلّة الرّؤية.فالحمد للّه تعالى على بذل نواله و عطائه،و على شهود جماله و لقائه.(10:368)

الآلوسيّ: لا يرونه سبحانه و هو عزّ و جلّ حاضر ناظر لهم بخلاف المؤمنين،فالحجاب مجاز عن عدم الرّؤية،لأنّ المحجوب لا يرى ما حجب.أو الحجب:

المنع،و الكلام على حذف مضاف،أي عن رؤية ربّهم لممنوعون،فلا يرونه سبحانه.[إلى أن ذكر قول المعتزلة في إنكار الرّؤية و تقدير المضاف،ثمّ قال:]

لكنّهم أرادوا عموم المقدّر للرّؤية و غيرها من ألطافه تعالى.(30:73)

طنطاوي: فلا يرون،و كيف يرونه و قد حالت آراؤهم الضّيّقة و أعمالهم الشّائنة دون المعارف و العلوم الّتي لا يرى اللّه إلاّ من تكمل بها!و كيف ينالون المعارف

ص: 779

و العلوم و القلوب مغلّفة بصدء يحيط بها من الأخلاق الرّديئة و المعاصي المتراكمة!و إذا كانوا يحجبون عن ربّهم بسبب الجهالة و المعاصي و ضيق الفكر حتّى حصروا الحياة في هذه الدّنيا،و قالوا:لا حياة وراءها،فهم إذن ينحطّون إلى أسفل الدّرجات،و لذلك قال: ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ. (25:95)

الطّالقانيّ: (عن):إيماء و إشارة إلى البعيد،و تنبئ إضافة(الرّبّ)عن صفة الرّبوبيّة الخاصّة،أي إنّ هؤلاء هم الّذين أبعدوا في ذلك اليوم عن ربّهم و حجبوا عنه.

و(يومئذ)تكرار لنفس اللّفظ في الآية(10)،و هو إشارة إلى ذلك اليوم،أو إلى(يوم الدّين)أو إلى زمان تكون فيه قلوبهم مظلمة،و تطفح كفّة ما اجترحوا من السّيّئات.

و نقيض هذا المعنى للآية أنّ الصّادقين و المهتدين لا يحجبون عن ربّهم في ذلك اليوم فيرونه،لأنّ رؤية اللّه بالمعنى الشّائع لا تناسب هداية العقل و الدّين،بل هي ممتنعة.

و قدّر بعض المفسّرين لفظا و أضافوه إلى(ربّهم) مثل:الرّحمة،و الإحسان،و الثّواب،و الكرامة.أو اعتبروا هذه الآية تمثيلا لإظهار خساسة هؤلاء، و طردهم من رحاب اللّه تعالى.و هذا الضّرب من التّقدير و التّخريج ناجم من عدم رعاية سياق هذه الآيات و تعبيرها من قبل بعض المفسّرين.

و يفهم من سياق هذه الآية أنّ هؤلاء طردوا و حجبوا عن اللّه،لأنّ سيّئاتهم و رذائلهم الخلقيّة قد أطبقت على قلوبهم،و استوعبت ظلمة آثامهم ضمائرهم.فإن لم يغشّ القلب حجاب كهذا،يستطيع أن يرى جمال الرّبّ بنور الإيمان،و كلّما كان أنور و بصره أحدّ يتجلّى له الرّبّ أكثر.

و هذا النّمط من شهود القلب لا يخالف العقل و الشّرع،و يعضده البرهان العقليّ،و الآيات و الرّوايات، و الأدعية المأثورة.(5:249)

الطّباطبائيّ: كَلاّ إِنَّهُمْ... ردع عن كسب الذّنوب الحائلة بين القلب و إدراك الحقّ،و المراد بكونهم محجوبين عن ربّهم يوم القيامة حرمانهم من كرامة القرب و المنزلة،و لعلّه مراد من قال:إنّ المراد كونهم محجوبين عن رحمة ربّهم.

و أمّا ارتفاع الحجاب بمعنى سقوط الأسباب المتوسّطة بينه تعالى و بين خلقه و المعرفة التّامّة به تعالى، فهو حاصل لكلّ أحد.قال تعالى: لِمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلّهِ الْواحِدِ الْقَهّارِ المؤمن:16،و قال: وَ يَعْلَمُونَ أَنَّ اللّهَ هُوَ الْحَقُّ الْمُبِينُ النّور:25.(20:234)

المصطفويّ: الحجاب بين اللّه المتعال و بين العبد لا بدّ و أن يكون معنويّا؛إذ هو تعالى لا يحتجب بالمادّيّات و لا بالمعنويّات.و أمّا العبد فحجابه بالنّسبة إلى اللّه تعالى معنويّ.

و التّعبير بصيغة المفعول مسندا إليهم،للإشارة إلى أنّ الحجاب لهم،و عليهم و منهم،فهم المحجوبون عن اللّه المتعال،و المحرومون عن لذّة المناجات.و معنى المحجوبيّة:

أن يكون العبد محروما عن التّوجّه القلبيّ و الخشوع و الخشية،و أن ينقطع عن إدراك نوره و عن الارتباط.

(2:177)

مكارم الشّيرازيّ: حجاب الرّوح.

ص: 780

حاول كثير من المفسّرين أن يجعل للآية تقديرا، و احتاروا بين أن يجعلوا التّقدير:الحجاب عن رحمة اللّه، أم الحجاب عن إحسانه،أم كرامته،أم ثوابه...

و لكنّ ظاهر الآية لا يبدو فيه الاحتياج لتقدير، فإنّهم سيحجبون عن ربّهم على الحقيقة،بينما سينعم الصّالحون الطّاهرون بقرب اللّه و جواره،ليفعموا بلذيذ لقاء الحبيب.و الرّؤية الباطنيّة لهذا الحبيب الأمل،بينما الكفرة الفجرة ليس لهم من هذا الفيض العظيم و النّعمة البالغة من شيء.

و بعض المؤمنين المخلصين يتنعّمون بهذا اللّقاء حتّى في حياتهم الدّنيا،في حين لا يجني المجرمون المعميّة قلوبهم سوى الحرمان.فهؤلاء في حضور دائم،و أولئك في ظلام و ابتعاد.

فلمناجاة المؤمنين مع بارئهم حلاوة لا توصف بوصف،و أمّا من اسودّت قلوبهم فتراهم غرقى في بحر ذنوبهم،و تتقاذفهم أمواج الشّقاء،أعاذنا اللّه من ذلك.

و يقول أمير المؤمنين عليه السّلام في دعاء كميل:«فهبني صبرت على عذابك،فكيف أصبر على فراقك!».

(20:31)

فضل اللّه :لأنّ الذّنوب العقيديّة و العمليّة تبعد الإنسان عن اللّه بما تثيره من غضب اللّه عليه،فيطرده اللّه عن رحمته،و يمنعه بذلك عن الانفتاح عليه،حتّى ليحسّ بأنّ هناك حاجزا بينه و بين اللّه،يشبه الظّلمة الّتي تمنع الرّؤية،و الكدر الّذي يمنع الصّفاء.(24:133)

حجاب

1- وَ بَيْنَهُما حِجابٌ وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ... الأعراف:46

ابن عبّاس: سور.(128)

السّدّيّ: و هو السّور،و هو الأعراف.(262)

نحوه الطّبريّ(8:188)،و الواحديّ(2:371).

القشيريّ: ذلك الحجاب الّذي بينهما حصل من الحجاب السّابق،لمّا حجبوا في الابتداء في سابق القسمة عمّا خصّ به المؤمنون من القربة و الزّلفة،حجبوا في الانتهاء عمّا خصّ به السّعداء من المغفرة و الرّحمة.

و يقال:حجاب و أيّ حجاب!لا يرفع بحيلة و لا تنفع معه وسيلة،حجاب سبق به الحكم قبل الطّاعة و الجرم.(2:231)

البغويّ: وَ بَيْنَهُما يعني بين الجنّة و النّار.و قيل:

بين أهل الجنّة و بين أهل النّار حِجابٌ و هو السّور الّذي ذكر اللّه في قوله: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ الحديد:13.(2:194)

نحوه الثّعالبيّ(1:545)،و الزّمخشريّ(2:81)، و ابن عطيّة(2:403)،و النّسفيّ(2:45)،و الخازن(2:

191).

ابن الجوزيّ: [نحو البغويّ و أضاف:]

فسمّي هذا السّور ب(الأعراف)لارتفاعه.

(3:204)

الفخر الرّازيّ: [نحو البغويّ ثمّ قال:]

ص: 781

فإن قيل:و أيّ حاجة إلى ضرب هذا السّور بين الجنّة و النّار،و قد ثبت أنّ الجنّة فوق السّماوات و أنّ الجحيم في أسفل السّافلين؟

قلنا:بعد إحداهما عن الأخرى لا يمنع أن يحصل بينهما سور و حجاب.(14:86)

نحوه النّيسابوريّ.(30:51)

ابن عربيّ: أي بين أصحاب الجنّة و بين أصحاب النّار حجاب،به كلّ منهم محجوب عن صاحبه.

و المراد ب أَصْحابَ الْجَنَّةِ هاهنا:أهل ثواب الأعمال من الأبرار،و الزّهّاد،و العبّاد الّذين جنّتهم جنّة النّفوس،و إلاّ فأهل جنّة القلوب،و الأرواح لا يحجبون عن أصحاب النّار.(1:434)

القرطبيّ: أي بين النّار و الجنّة،لأنّه جرى ذكرهما:حاجز،أي سور.(7:211)

البيضاويّ: أي بين الفريقين...أو بين الجنّة و النّار،ليمنع وصول أثر إحداهما إلى الأخرى.

(1:350)

نحوه الشّربينيّ(1:477)،و أبو السّعود(2:495)، و المشهديّ(3:495).

أبو حيّان : وَ بَيْنَهُما أي بين الفريقين، لأنّهم المحدّث عنهم،و هو الظّاهر.

و قيل:بين الجنّة و النّار،و بهذا بدأ الزّمخشريّ،و ابن عطيّة،و فسّر الحجاب بأنّه المعنيّ بقوله: فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ الحديد:13،و قاله ابن عبّاس.و يقوى أنّه بين الفريقين لفظ(بينهم)،إذ هو ضمير العقلاء، و لا يحيل ضرب السّور بعد ما بين الجنّة و النّار و إن كانت تلك في السّماء،و النّار أسفل السّافلين.(4:301)

نحوه السّمين.(3:274)

البروسويّ: (و بينهما)أي بين الفريقين،أو بين الجنّة و النّار(حجاب)كسور المدينة،حتّى لا يقدر أهل النّار أن يخرجوا إلى الجنّة،و لئلاّ يتأذّى أهل الجنّة بالنّار و لا يتنعّم أهل النّار بنعيم الجنّة،لأنّ الحجاب المضروب بينهما يمنع وصول أثر إحداهما إلى الأخرى، لأنّه قد جاء أنّ الحور العين لو نظرت واحدة منهنّ إلى الدّنيا نظرة لامتلأت الدّنيا من ضوئها و عطرها،و جاء في وصف النّار أنّ شرارة منها لو وقعت في الدّنيا لأحرقتها...(3:166)

الآلوسيّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]

...و إن لم يمنع وصول النّداء،و أمور الآخرة لا تقاس بأمور الدّنيا.(8:123)

عبد الكريم الخطيب :بين أهل الجنّة و أصحاب النّار حجاب،يعزل كلّ فريق عن الآخر عزلة،لا ينفذ منها شيء من نعيم الجنّة إلى أصحاب النّار،كما لا ينفذ منها شيء من لفح جهنّم إلى أهل الجنّة،و لكنّهم-مع هذا-بمرأى و مسمع من بعض.و بين الفريقين سور يشفّ عمّا وراءه و أمامه.(4:404)

الطّباطبائيّ: و الّذي يعطيه التّدبّر في معنى هذه الآية و ما يلحق بها من الآيات،أنّ هذا الحجاب الّذي ذكره اللّه تعالى إنّما هو بين أصحاب الجنّة و أصحاب النّار، فهما مرجع الضّمير في قوله:(و بينهما).و قد أنبأنا اللّه سبحانه بمثل هذا المعنى عند ذكر محاورة بين المنافقين و المؤمنين يوم القيامة،بقوله: يَوْمَ يَقُولُ الْمُنافِقُونَ

ص: 782

وَ الْمُنافِقاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَراءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُوراً فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَ ظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ... الحديد:13.

و إنّما هو حجاب لكونه يفرق بين الطّائفتين، و يحجب إحداهما عن الأخرى،لا أنّه ثوب منسوج مخيط على هيئة خاصّة،معلّق بين الجنّة و النّار.

(8:122)

المصطفويّ: أي بين أصحاب الجنّة و النّار حجاب،فلا يمكن لأحدهما الوصول إلى الآخر، و الحجاب معنويّ أو جسمانيّ.(2:177)

مكارم الشّيرازيّ: يستفاد من الآيات اللاّحقة أنّ الحجاب المذكور هو(الأعراف)و هو مكان مرتفع بين الفريقين،يمنع من رؤية كلّ فريق الفريق الآخر.و لكن وجود مثل هذا الحجاب لا يمنع من أن يسمع كلّ منهما صوت الآخر و نداءه،كما مرّ في الآيات السّابقة.

فلطالما رأينا جيرة يتحادثون من وراء الجدار، و يطّلع بعضهم على حال الآخر،على هذا النّمط، و لكن من دون أن يرى أحدهم الآخر.على أنّ الّذين يقفون على«الأعراف»أي على الأقسام المرتفعة من هذا المكان المرتفع،يرون كلا الفريقين-تأمّلوا رجاء-.

إنّه و إن كان يستفاد من بعض آيات القرآن الكريم -مثل الآية(55)من سورة الصّافّات-أنّ أهل الجنّة ربّما يخرجون رءوسهم من أماكنهم و يشاهدون أهل النّار.

و لكن مثل هذه الموارد الاستثنائيّة لا تنافي ما عليه وضع الجنّة و النّار أساسا،و إنّ ما قلناه أعلاه قريبا يعكس و يصوّر الكيفيّة و الوضع الأصليّ لهذين المكانين،و إن كان لهذا القانون أيضا بعض الاستثناءات،و يمكن أن يشاهد بعض أهل الجنّة أهل النّار في شرائط خاصّة.

إنّ ما يجب أن نذكر به مؤكّدين قبل الخوض في بيان كيفيّة«الأعراف»هو أنّ التّعابير الواردة حول القيامة و الحياة الأخرى لا تستطيع بحال أن تكشف القناع عن جميع خصوصيّات تلكم الحياة،بل للتّعابير أحيانا صفة التّشبيه و التّمثيل.

و أحيانا تكشف بعض تلك التّعابير عن مجرّد شبح في هذا المجال،لأنّ الحياة في ذلك العالم تكون في آفاق أعلى،و هي أوسع بمراتب كثيرة من الحياة في هذا العالم، تماما مثل سعة الحياة الدّنيا هذه بالقياس إلى عالم الرّحم، و عالم الجنين.و على هذا فلا عجب إذا كانت الألفاظ و المفاهيم الّتي نمتلكها لهذا العالم لا تستطيع أن تعكس بصورة كاملة و معبّرة تلك المفاهيم.(5:53)

2- ..وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَ قُلُوبِهِنَّ... الأحزاب:53

جاء في التّفاسير بمعنى السّتر،و لم نجد شيئا آخر نعتدّ به سوى سبب نزول الآية.

مكارم الشّيرازيّ: ثمّ تبيّن الآية الحكم الرّابع في باب الحجاب،فتقول: وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ

قلنا:إنّ هذا الأمر كان و لا يزال متعارفا بين العرب و كثير من النّاس،أنّهم إذا احتاجوا شيئا من لوازم الحياة و وسائلها،فإنّهم يستعيرونها من جيرانهم مؤقّتا،و لم

ص: 783

يكن بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مستثنى من هذا القانون،بل كانوا يأتون إليه سواء كان الوقت مناسبا أم غير مناسب، و يستعيرون من نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله شيئا.و من الواضح أنّ جعل نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله عرضة لأنظار النّاس-و إن كنّ يرتدين الحجاب الإسلاميّ-لم يكن بالأمر الحسن، و لذلك صدر الأمر إلى النّاس أن يأخذوا الأشياء من خلف حجاب أو من خلف الباب.

و المسألة الّتي ينبغي الانتباه إليها هنا هي أنّه ليس المراد من الحجاب في هذه الآية لباس النّساء،بل هو حكم يضاف إلى ما كان خاصّا بنساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله،و هو:

أنّ النّاس مكلّفون إذا ما أرادوا شيئا من نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله أن يأخذوه من وراء حجاب لظروف نساء النّبيّ الخاصّة،و يجب عليهنّ أن لا يخرجن إلى النّاس و يظهرن لهم في مثل هذه الموارد حتّى و إن كنّ محجّبات،و هذا الحكم لم يرد طبعا في شأن النّساء الأخريات،بل يكفيهنّ أن يراعين الحجاب الكافي.

و الشّاهد لهذا الكلام أنّ كلمة«الحجاب»و إن كانت تستعمل في المحادثات اليوميّة بمعنى حجاب المرأة،إلاّ أنّها ليس لها مثل هذا المعنى لا في كتب اللّغة،و لا في تعبيرات فقهائنا.فالحجاب في اللّغة،هو الشّيء الّذي يحول بين شيئين،و لذلك أطلق على الغشاء الموجود بين الأمعاء و القلب و الرّئة اسم:الحجاب الحاجز.

و قد استعمل القرآن الكريم هذه الكلمة بمعنى الحائل أو السّاتر في كلّ موضع،كالآية:45 من سورة الإسراء؛ حيث تقول: جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً، و نقرأ في الآية:32 من سورة ص: حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ، و جاء في الآية:51 من سورة الشّورى: وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ

أمّا في كلمات الفقهاء فقد استعملت كلمة«السّتر» فيما يتعلّق بلباس النّساء،منذ قديم الأيّام و إلى يومنا هذا،و ورد أيضا في الرّوايات الإسلاميّة هذا التّعبير أو ما يشبهه.و استعمال كلمة«الحجاب»في شأن لباس المرأة اصطلاح ظهر في عصرنا على الأكثر،و إذا وجد في التّواريخ و الرّوايات فقليل جدّا.

و الشّاهد الآخر هو ما نقرؤه في الحديث المرويّ عن أنس بن مالك خادم النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله الخاصّ؛حيث يقول:أنا أعلم النّاس بهذه الآية-آية الحجاب-لمّا أهديت زينب إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله-كانت معه في البيت-صنع طعاما، و دعا القوم فقعدوا يتحدّثون،فجعل النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله يخرج ثمّ يرجع و هم قعود يتحدّثون،فأنزل اللّه: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ الأحزاب:51،إلى قوله:

مِنْ وَراءِ حِجابٍ فضرب الحجاب،و قام القوم.

و في رواية أخرى عن أنس أنّه قال:أرخى السّتر بيني و بينه،فلمّا رأى القوم ذلك تفرّقوا.

بناء على هذا فإنّ الإسلام لم يأمر النّساء المسلمات بأن يجلسن خلف السّتور،و لا يبرحن دورهنّ،و ليس لتعبير«المحجّبات»في شأن النّساء أو أمثاله من التّعبيرات صفة إسلاميّة،أو بعد إسلاميّ،بل إنّ ما يلزم المرأة المسلمة هو محافظتها على الحجاب الإسلاميّ،إلاّ أنّ نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قد أمرن بهذا الأمر الخاصّ بسبب وجود أعداء كثيرين،و متتبّعين للعيوب و المغرضين،و كان من

ص: 784

الممكن أن يصبحن عرضة للتّهم،و حربة تقع بيد سود القلوب.

و بتعبير آخر:فإنّ النّاس قد أمروا أن يسألوا نساء النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله الشّيء الّذي يريدون أخذه من وراء حجاب، خاصّة و أنّ التّعبير ب(وراء)يشهد لهذا المعنى،و لذلك بيّن القرآن فلسفة هذا الحكم،فقال: ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَ قُلُوبِهِنَّ.

و بالرّغم من أنّ مثل هذا التّعليل لا ينافي الحكم الاستحبابيّ،إلاّ أنّ ظهور الأمر في جملة فَسْئَلُوهُنَّ لا يتزلزل في دلالته على الوجوب،لأنّ مثل هذا التّعليل قد ورد أحيانا في موارد أحكام واجبة أخرى.

(13:302)

فضل اللّه : فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ و لا تواجهوهنّ وجها لوجه في ما يوحي به ذلك من الانفتاح على الحديث مع الرّجال،و الاختلاط بهم من دون حواجز،لتنطلق النّظرة العابرة فتتحوّل إلى نظرة لاهية فاتنة،فتفسد على القلب طهارته،و على السّلوك عفّته،في بعض الحالات.(18:339)

3- وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ.

فصّلت:5

ابن عبّاس: ستر،غطّوا رءوسهم بالثّياب،ثمّ قالوا:يا محمّد بيننا و بينك حجاب ستر لا نسمع كلامك، استهزاء منهم بك.(400)

مقاتل:إنّ أبا جهل رفع ثوبه بينه و بين النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم، فقال:يا محمّد أنت من ذلك الجانب،و نحن من هذا الجانب.(الواحديّ 4:24)

الفرّاء: بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ فرقة في ديننا،فاعمل في هلاكنا إنّنا عاملون في ذلك منك.و يقال:فاعمل بما تعلم من دينك فإنّنا عاملون بديننا.(3:12)

الطّبريّ: ساتر،لا نجتمع من أجله نحن و أنت، فيرى بعضنا بعضا،و ذلك الحجاب هو اختلافهم في الدّين،لأنّ دينهم كان عبادة الأوثان،و دين محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم عبادة اللّه وحده لا شريك له،فذلك هو الحجاب الّذي زعموا أنّه بينهم و بين نبيّ اللّه،و ذلك هو خلاف بعضهم بعضا في الدّين.(24:92)

الزّجّاج: أي حاجز في النّحلة و الدّين و هو مثل قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ، إلاّ أنّ معنى هذا أنّا لا نجامعك في مذهب.(4:380)

نحوه الواحديّ(4:24)،و البغويّ(4:124)، و الخازن(6:87).

النّحّاس: أي حاجز.(6:242)

الرّمّانيّ: إنّه تمثيل بالحجاب ليؤيسوه من الإجابة.

(الطّبرسيّ 5:4)

الطّوسيّ: قيل:الحجاب:الخلاف الّذي يقتضي أن يكون بمعزل عنك.(9:105)

القشيريّ: قالوا ذلك على الاستهانة و الاستهزاء، و لو قالوه عن بصيرة لكان ذلك منهم توحيدا،فمنوا بالمقت لما فقدوا من تحقيق القلب.(5:320)

الزّمخشريّ: و لتباعد المذهبين و الدّينين كأنّ بينهم و ما هم عليه،و بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و ما هو عليه

ص: 785

حجابا ساترا،و حاجزا منيعا من جبل أو نحوه،فلا تلاقي و لا ترائي.

فإن قلت:هل لزيادة(من)في قوله: وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ فائدة؟

قلت:نعم،لأنّه لو قيل:و بيننا و بينك حجاب، لكان المعنى أنّ حجابا حاصل وسط الجهتين،و أمّا بزيادة«من»فالمعنى أنّ حجابا ابتدأ منّا و ابتدأ منك، فالمسافة المتوسّطة لجهتنا و جهتك مستوعبة بالحجاب، لا فراغ فيها.(3:442)

نحوه في زيادة«من»الرّازيّ(307)،و النّيسابوريّ (24:58)،و الشّربينيّ(3:503).

ابن عطيّة: و الحجاب الّذي أشاروا إليه،هو مخالفته إيّاهم و دعوته إلى اللّه دون أصنامهم،أي هذا أمر يحجبنا عنك،و هذه مقالة تحتمل أن تكون معها قرينة الجدّ في المحاورة و تتضمّن المباعدة،و يحتمل أن تكون معها قرينة الهزل و الاستخفاف.و كذلك قوله: فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ يحتمل أن يكون القول تهديدا،و يحتمل أن يكون متاركة محضة.(5:4)

الفخر الرّازيّ: [ذكر قول الزّمخشريّ في زيادة (من)ثمّ قال:]

و هو في غاية الحسن.(27:96)

القرطبيّ: [نحو الطّبريّ ثمّ ذكر قول بعض المفسّرين و أضاف:]

فالحجاب هنا الثّوب.(15:339)

البيضاويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و هذه تمثيلات لنبوّ قلوبهم عن إدراك ما يدعوهم إليه و اعتقادهم،و مجّ أسماعهم له و امتناع مواصلتهم و موافقتهم للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.(2:344)

نحوه النّسفيّ(4:87)،و أبو السّعود(5:434).

أبو حيّان :[ذكر بعض الأقوال و أضاف:]

و قيل:عبارة عن العداوة.(7:484)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ في زيادة(من)لكن بعبارة أوضح،ثمّ أضاف:]

شبّهوا حال أنفسهم مع رسول اللّه عليه السّلام بحال شيئين، بينهما حجاب عظيم،يمنع من أن يصل أحدهما إلى الآخر،و يراه و يوافقه.و إنّما اقتصروا على ذكر هذه الأعضاء الثّلاثة،لأنّ القلب محلّ المعرفة،و السّمع و البصر أقوى ما يتوسّل به إلى تحصيل المعارف.فإذا كانت هذه الثّلاثة محجوبة،كان ذلك أقوى ما يكون من الحجاب،نعوذ باللّه تعالى.

قال بعضهم:قلوبهم في حجاب من دعوة الحقّ و أسماعهم في صمم من نداء الحقّ و هواتفه،و جعل بينهم و بين الحقّ حجاب من الوحشة و الإبانة،و لذا وقعوا في الإنكار،و منعوا من رؤية الآثار.(8:228)

الآلوسيّ: (حجاب)غليظ يمنعنا عن التّواصل، و(من)للدّلالة على أنّ«الحجاب»مبتدأ من الجانبين؛ بحيث لو استوعب ما بينهما من المسافة،و لم يبق ثمّت فراغ أصلا.

و توضيحه أنّ«البين»بمعنى الوسط،بالسّكون.و إذا قيل:«بيننا و بينك حجاب»،صدق على حجاب كائن بينهما،استوعب أو لا.

و أمّا إذا قيل:«من بيننا»فيدلّ على أنّ مبتدأ

ص: 786

الحجاب من الوسط،أعني طرفه الّذي يلي المتكلّم، فسواء أعيد«من»أو لم يعد،يكون الطّرف الآخر منتهى باعتبار و مبتدأ باعتبار،فيكون الظّاهر الاستيعاب،لأنّ جميع الجهة-أعني البين-جعل مبتدأ الحجاب،فالمنتهى غيره البتّة.

و هذا كاف في الفرق بين الصّورتين،كيف و قد أعيد «البين»لاستئناف الابتداء من تلك الجهة أيضا؛إذ لو قيل:«و من بيننا»بتغليب المتكلّم لكفى،ثمّ ضرورة العطف على نحو«بيني و بينك»إن سلّمت لا تنافي إرادة الإعادة له،فتدبّر.[ثمّ ذكر نحو البيضاويّ](24:96)

الطّباطبائيّ: أي حاجز يحجزنا منك،فلا نجتمع معك على شيء ممّا تريد.فقد أيأسوه صلّى اللّه عليه و آله من قبول دعوته،بما أخبروه أوّلا:بكون قلوبهم في أكنّة،فلا تقع فيها دعوته حتّى يفقهوها،و ثانيا:بكون طرق ورودها إلى القلوب و هي الآذان مسدودة،فلا تلجها دعوة و لا ينفذ منها إنذار و تبشير،و ثالثا:بأنّ بينهم و بينه صلّى اللّه عليه و آله حجابا مضروبا لا يجمعهم معه جامع،و فيه تمام الإياس.

(17:360)

المصطفويّ: أي فواصل و موانع و فروق من جهة العقائد و الأخلاق و الأعمال،و هي الحجاب بيننا و بينك.

(2:177)

مكارم الشّيرازيّ: حال هؤلاء كحال المريض الأبله الّذي يهرب من الطّبيب الحاذق،و يحاول أن يبعد نفسه عنه بشتّى الوسائل و الأساليب.إنّهم يقولون:إنّ عقولنا و أفكارنا موضوعة في علب مغلقة بحيث لا يصلها شيء.

انتبهوا إلى أنّ(اكنّة)جمع«كنان»و تعني السّتار، و الأمر لا يقتصر هنا على ستار واحد،بل هي ستائر من العناد و التّقليد الأعمى،و أمثال ذلك ممّا يحجب القلوب و يطبع عليها.

إضافة إلى ذلك قالوا:إنّنا لا نسمع لما تقول و نكنّه -نستره-و هي منهم إشارة إلى عطل المركز الأصليّ للعمل،و الوسائل المساعدة الأخرى.

و بعد ذلك،فإنّ بيننا و بينك حجاب سميك؛بحيث حتّى لو كانت آذاننا سالمة فإنّنا لا نسمع كلامك،فلما ذا- إذا-تتعب نفسك،لما ذا تصرخ،تحزن،تقوم بالدّعوة ليلا و نهارا؟اتركنا و شأننا،فأنت على دينك و نحن على ديننا.

هكذا بمنتهى الوقاحة و الجهل،يهرب الإنسان بهذا الشّكل الهازل عن جادّة الحقّ.

و الطّريف أنّهم لم يقولوا:«و بيننا و بينك حجاب»بل أضافوا للجملة كلمة«من»فقالوا: وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ و ذلك لبيان زيادة التّأكيد،لأنّ بزيادة هذه الكلمة يصبح مفهوم الجملة هكذا:إنّ جميع الفواصل بيننا و بينك مملوءة بالحجب،و طبيعيّ أن يكون حجاب مثل هذا سميكا عازلا للغاية،ليستوعب كلّ الفواصل بين الطّرفين،و بذلك سوف لا ينفع الكلام مع وجود هذا الحجاب.(15:322)

فضل اللّه :فهناك أثر من حاجز يحجزنا عنك، فلا نلتقي معك على شيء،و لا نجد ما يربطنا لك،فإنّ هناك كثيرا من الموانع الطّبيعيّة و الذّاتيّة و المصلحيّة الّتي تحول بيننا و بينك،فأنت في واد و نحن في واد آخر،

ص: 787

فلا تجرّب دعوتك معنا،بل حاول أن تجرّبها مع آخرين.

(20:90)

4- وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً... الشّورى:51

راجع:و ح ي«وحيا».

بالحجاب

...حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ. ص:32

راجع:و ر ي«توارت».

حجابا
اشارة

1- فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا. مريم:17

ابن عبّاس: سترا،لكي تغتسل فيه من الحيض.(254)

إنّها صارت بمكان يلي المشرق،لأنّ اللّه أظلّها بالشّمس،و جعل لها منها حجابا.(الطّبريّ 16:60)

السّدّيّ: حجابا من الجدران.(339)

مقاتل:وراء جبل.(البغويّ 3:228)

الطّبريّ: فاتّخذت من دون أهلها سترا يسترها عنهم و عن النّاس.(16:60)

نحوه الواحديّ(3:179)،و الطّبرسيّ(3:507)، و ابن الجوزيّ(5:216)،و أبو حيّان(الدّرّ اللّقيط 6:

177)،و أبو السّعود(4:234)،و البروسويّ(5:321).

القمّيّ: في محرابها.(2:49)

القشيريّ: اعتزلت عنهم لتحصيل[ما]يطهّرها، فاستترت عن أبصارهم.(4:95)

الفخر الرّازيّ: حجابا مستورا،و ظاهر ذلك أنّها لم تقتصر على أن انفردت إلى موضع،بل جعلت بينها و بينهم حائلا من حائط أو غيره.و يحتمل أنّها جعلت بين نفسها و بينهم سترا.و هذا الوجه الثّاني أظهر من الأوّل.(21:196)

الطّباطبائيّ: الحجاب:ما يحجب الشّيء و يستره عن غيره،و كأنّها اتّخذت الحجاب من دون أهلها، لتنقطع عنهم و تعتكف للعبادة،كما يشير إليه قوله:

كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً آل عمران:37.(14:34)

مكارم الشّيرازيّ: و لم تصرّح الآية بالهدف من اتّخاذ هذا الحجاب،فهل أنّه كان من أجل أن تناجي ربّها بحرّيّة أكبر،و تستطيع عند خلوّ هذا المكان من كلّ ما يشغل القلب و الحواسّ أن تتوجّه إلى العبادة و الدّعاء؟ أم أنّها كانت تريد اتّخاذه من أجل الغسل و الاغتسال؟ الآية ساكتة من هذه الجهة.(9:376)

فضل اللّه : فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً لتكتمل لها الخلوة بنفسها،من خلال حاجز خلفه،طبيعيّ أو صناعيّ،أو صنعته بجهدها لهذا الغرض،و أخذت تستسلم لأفكارها،أو لأحلامها،أو لأوضاعها الخاصّة.

و كانت المفاجأة لها بالمرصاد،و كانت المشكلة النّفسيّة الّتي هزّت كيانها بعنف، فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا...

(15:31)

ص: 788

2- وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً. الإسراء:45

الإمام عليّ عليه السّلام:[في حديث:«...و محمّد صلّى اللّه عليه و آله حجب عمّن أراد قتله بحجب خمس،إلى قوله:ثمّ قال:]

وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ... فهذا الحجاب الرّابع» [انظر تمام الحديث في«س ت ر»](العروسيّ 3:169)

ابن عبّاس: حِجاباً مَسْتُوراً: محجوبا.(237)

الحسن :إنّهم لإعراضهم عن قراءتك كمن بينك و بينهم حجابا في عدم رؤيتك.(الماورديّ 3:246)

قتادة :الحجاب المستور:أكنّة على قلوبهم أن يفقهوه،و أن ينتفعوا به،أطاعوا الشّيطان فاستحوذ عليهم.(الطّبريّ 15:93)

نحوه البغويّ.(3:236)

الكلبيّ: نزلت في قوم كانوا يؤذون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذا قرأ القرآن،و هم أبو سفيان،و النّضر بن الحارث، و أبو جهل،و أمّ جميل امرأة أبي لهب،حجب اللّه رسوله عن أبصارهم عند قراءة القرآن،فكانوا يأتونه و يمرّون به،و لا يرونه.(الواحديّ 3:110)

نحوه الزّجّاج.(الماورديّ 3:246)

الفرّاء: (مستورا)بمعنى ساتر،فيجيء مفعول بمعنى فاعل،كما يجيء فاعل بمعنى مفعول،كقولهم:سرّ كاتم، و ماء دافق،أي،سرّ مكتوم،و ماء مدفوق.

(أبو البركات 2:91)

الأخفش: أراد ساترا،و الفاعل قد يكون في لفظ المفعول،كما تقول:إنّه لمشئوم و ميمون،و إنّما هو شائم و يامن.(الواحديّ 3:110)

مثله جعفر شرف الدّين.(5:88)

الطّبريّ: (حجابا)يحجب قلوبهم عن أن يفهموا ما تقرؤه عليهم،فينتفعوا به،عقوبة منّا لهم على كفرهم، و الحجاب هاهنا:هو السّاتر.[ثمّ ذكر نحو ما قاله الأخفش و أضاف:]

و كان غيره من أهل العربيّة يقول:معنى ذلك حجابا مستورا عن العباد،فلا يرونه.

و هذا القول الثاني أظهر بمعنى الكلام أن يكون المستور هو الحجاب،فيكون معناه:أنّ للّه ستر عن أبصار النّاس فلا تدركه أبصارهم،و إن كان للقول الأوّل وجه مفهوم.(15:93)

نحوه الواحديّ.(3:246)

الزّجّاج: قال أهل اللّغة:معنى مَسْتُوراً هاهنا في موضع ساتر،و تأويل الحجاب-و اللّه أعلم-الطّبع الّذي على قلوبهم،و يدلّ على ذلك قوله: وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ الإسراء:46،و الأكنّة:

جمع كنان،و هو ما ستر.[إلى أن قال:]

و قيل:الحجاب:منع اللّه إيّاهم من النّبيّ عليه السّلام،و يجوز أن يكون مَسْتُوراً على غير معنى ساتر،فيكون الحجاب:ما لا يرونه و لا يعلمونه من الطّبع على قلوبهم.

(3:242)

نحوه النّحّاس(4:160)،و الميبديّ(5:561).

أبو مسلم الأصفهانيّ: باعدنا بينك و بينهم في القرآن،فهو لك و للمؤمنين معك شفاء و هدى،و هو للمشركين في آذانهم وقر و عليهم عمى،فهذا هو الحجاب.(الطّبرسيّ 3:418)

ص: 789

القمّيّ: يعني يحجب اللّه عنك الشّياطين.(2:20)

ابن الأنباريّ: إذا قيل:الحجاب:هو الطّبع على قلوبهم،فهو مستور عن الأبصار،فيكون(مستورا)باقيا على لفظه.(ابن الجوزيّ 5:41)

الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:أي جعلنا القرآن حجابا ليسترك عنهم إذا قرأته.

الثّاني:جعلنا القرآن حجابا يسترهم عن سماعه إذا جهرت به.فعلى هذا فيه ثلاثة أوجه:[ثمّ ذكر الأقوال المتقدّمة و قال:]

(مستورا)فيه وجهان:أحدهما:أنّ الحجاب مستور عنكم لا ترونه،الثّاني:أنّ الحجاب ساتر عنكم ما وراءه، و يكون مستور بمعنى ساتر.(3:246)

عبد الجبّار:و ربّما قيل:كيف يصحّ أن يمنعهم من سماع القرآن الّذي فيه الشّفاء و البيان.

و جوابنا:أنّ المراد بذلك-من المعلوم-أنّه لا ينتفع بل يظهر منه الأذى للرّسول،و لذلك قال تعالى:

«اكنة»:و المراد:أنّهم لشدّة انصرافهم عن الانتفاع به صار قلبهم بهذا الوصف و صاروا كالصّمّ،و لذلك قال تعالى: وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً... فبيّن أنّهم لا ينتفعون و يؤذون، و لذلك قال من بعد: إِذْ يَقُولُ الظّالِمُونَ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ رَجُلاً مَسْحُوراً، ثمّ قال: اُنْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثالَ فَضَلُّوا الإسراء:46-48.(229)

قالوا:ثمّ ذكر تعالى ما يدلّ على أنّه تعالى قد يمنع المكلّف من الطّاعة،فقال: وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ....

و الجواب عن ذلك:أنّ هذه الآية ظاهرها يدلّ على ما ليس بقول لأحد،لأنّه لا يجوز عند الجميع أن يمنع تعالى من سماع الأدلّة مع التّكليف،فلو كان تعالى يمنع كلّ من لا يؤمن من سماع قراءته صلّى اللّه عليه و سلّم،لما جاز أن يكلّفهم عند جماعة الأمّة.

و بعد،فقد علمنا أنّ الحال كان بخلاف ذلك، لأنّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان يقرأ القرآن على الكفّار و يتحدّاهم به، و لا يجوز أن يريد تعالى بذلك ما يعلم خلافه،لأنّه منزّه عن الكذب.

و قد علمنا أيضا أنّه لم يكن في الكفّار من إذا أراد سماع قرآنه جعل اللّه بينه و بينه حجابا حادثا،فيجب أن يكون المراد بالآية غير ظاهرها،و هو:أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان يتأذّى ببعض الكفّار بالقول و الفعل إذا هو قرأ القرآن، فشغلهم اللّه عنه بضرب من الشّغل،من مرض أو غيره، و هو المراد ب«الحجاب».

و هذا إنّما يفعله بعد قيام الحجّة و سماعهم القرآن مرّة بعد مرّة،لأنّه إذا علم تعالى-فيمن هذا حاله-أنّه لا مصلحة له في سماع قراءته من بعد،و أنّ فيه تأذّي الرّسول عليه السّلام،جاز أن يمنعهم منه.(متشابه القرآن 2:465)

الطّوسيّ: أي كأنّ بينك و بينهم حجابا من أن يدركوا ما فيه من الحكمة،و ينتفعوا به.[ثمّ ذكر نحو الطّبريّ](6:483)

القشيريّ: أي أدخلناك في إيواء حفظنا،و ضربنا عليك سرادقات عصمتنا،و منعنا الأيدي الخاطئة عنك بلطفنا.(4:22)

الزّمخشريّ: حِجاباً مَسْتُوراً ذا ستر،كقولهم:

سيل مفعم:ذو إفعام.و قيل:هو حجاب لا يرى،فهو

ص: 790

مستور.

و يجوز أن يراد:أنّه حجاب،من دونه حجاب أو حجب،فهو مستور بغيره،أو حجاب يستر أن يبصر، فكيف يبصر المحتجب به.

و هذه حكاية لما كانوا يقولونه: وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ فصّلت:5،كأنّه قال:و إذا قرأت القرآن جعلنا على زعمهم أَنْ يَفْقَهُوهُ كراهة أن يفقهوه، أو لأنّ قوله: وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً فيه معنى المنع من الفقه،فكأنّه قيل:و منعناهم أن يفقهوه.

(2:451)

نحوه البيضاويّ.(1:586)

ابن عطيّة: هذه الآية تحتمل معنيين:

أحدهما:أنّ اللّه تعالى أخبر نبيّه أنّه يحميه من الكفرة أهل مكّة الّذين كانوا يؤذونه في وقت قراءته القرآن و صلاته في المسجد،و يريدون مدّ اليد إليه، و أحوالهم في هذا المعنى مشهورة مرويّة.

و المعنى الآخر:أنّه أعلمه أنّه يجعل بين الكفرة و بين فهم ما يقرؤه محمّد عليه السّلام حجابا،فالآية على هذا التّأويل في معنى الّتي بعدها،و على التّأويل الأوّل هما آيتان لمعنيين.

و قوله:(مستورا)أظهر ما فيه أن يكون نعتا ل«الحجاب»،أي مستورا عن أعين الخلق،لا يدركه أحد برؤية كسائر الحجب،و إنّما هو من قدرة اللّه و كفايته و إضلاله بحسب التّأويلين المذكورين.

و قيل:التّقدير:مستورا به،على حذف العائد.

و قال الأخفش: مَسْتُوراً بمعنى ساتر كمشئوم و ميمون فإنّهما بمعنى شائم و يامن.

و هذا لغير داعية إليه،تكلّف،و ليس مثاله بمسلّم.

و قيل:هو على جهة المبالغة،كما قالوا:شعر شاعر.

و هذا معترض بأنّ المبالغة أبدا إنّما تكون باسم الفاعل و من اللّفظ الأوّل،فلو قال:حجابا حاجبا،لكان التّنظير صحيحا.(3:460)

الطّبرسيّ: [ذكر قول الكلبيّ و الأخفش و قال:]

و قيل:هو على بناء النّسب لا على أنّ المفعول بمعنى الفاعل و الفاعل بمعنى المفعول،و المعنى:حجابا ذا ستر، و هذا هو الصّحيح.

و قيل:حجابا مستورا عن الأعين لا يبصر،إنّما هو من قدرة اللّه تعالى حجب نبيّه بحجاب لا يرونه و لا يراه النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله.[ثمّ ذكر قول أبي مسلم و قال:]

و هذا بعيد،و الأوّل أوجه،لأنّه الحقيقة.(3:418)

الفخر الرّازيّ: فيها قولان:

القول الأوّل:[في حديث:]...و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذا أراد تلاوة القرآن قرأ قبلها ثلاث آيات،و هي قوله:

وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً الأنعام:25، أُولئِكَ الَّذِينَ طَبَعَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ النّحل:108، أَ فَرَأَيْتَ مَنِ اتَّخَذَ إِلهَهُ هَواهُ... الجاثية:23،...فكان اللّه تعالى يحجبه ببركات هذه الآيات عن عيون المشركين و هو المراد من قوله تعالى: جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً.

و فيه سؤال:و هو أنّه كان يجب أن يقال:حجابا ساترا.

ص: 791

و الجواب عنه من وجوه:

الوجه الأوّل:أنّ ذلك الحجاب حجاب يخلقه اللّه تعالى في عيونهم؛بحيث يمنعهم ذلك الحجاب عن رؤية النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و ذلك الحجاب شيء لا يراه أحد،فكان مستورا من هذا الوجه.

احتجّ أصحابنا بهذه الآية على صحّة قولهم:في أنّه يجوز أن تكون الحاسّة سليمة و يكون المرئيّ حاضرا،مع أنّه لا يراه ذلك الإنسان،لأجل أنّ اللّه تعالى خلق في عينيه مانعا يمنعه عن رؤيته،بهذه الآية قالوا:إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان حاضرا،و كانت حواسّ الكفّار سليمة،ثمّ إنّهم ما كانوا يرونه،و أخبر اللّه تعالى أنّ ذلك إنّما كان لأجل أنّه جعل بينه و بينهم حجابا مستورا.

و الحجاب المستور لا معنى له إلاّ المعنى الّذي خلقه اللّه تعالى في عيونهم،و كان ذلك المعنى مانعا لهم من أن يروه و يبصروه.

و الوجه الثّاني في الجواب:أنّه كما يجوز أن يقال:

لابن و تامر،بمعنى ذو لبن و ذو تمر،فكذلك لا يبعد أن يقال:(مستورا)معناه ذو ستر،و الدّليل عليه قولهم:

مرطوب،أي ذو رطوبة،و لا يقال:رطيبة.

و يقال:مكان مهول،أي فيه هول،و لا يقال:هلت المكان،بمعنى جعلت فيه الهول.و يقال:جارية مغنوجة:

ذات غنج،و لا يقال:غنجتها.[ثمّ نقل الوجه الثّالث و هو قول الأخفش و قال:]

و تابعه عليه قوم،إلاّ أنّ كثيرا منهم طعن في هذا القول،و الحقّ هو الجواب الأوّل.

القول الثّاني:أنّ معنى الحجاب:الطّبع الّذي على قلوبهم،و الطّبع و المنع الّذي منعهم عن أن يدركوا لطائف القرآن و محاسنه و فوائده،فالمراد من الحجاب المستور:

ذلك الطّبع الّذي خلقه اللّه في قلوبهم.

(20:221)

أبو حيّان :و الظّاهر أنّ المعنى:جعلنا بين رؤيتك و بين أبصار الّذين لا يؤمنون بالآخرة،كما ورد في سبب النّزول.[ثمّ ذكر قول قتادة و الزّجّاج و أضاف:]

فالمعنى قريب من الآية بعدها،و الظّاهر إقرار (مستورا)على موضوعه من كونه اسم مفعول،أي مستورا عن أعين الكفّار فلا يرونه،أو مستورا به الرّسول عن رؤيتهم.و نسب السّتر إليه لما كان مستورا به،قاله المبرّد،و يؤول معناه إلى أنّه ذو ستر،كما جاء في صيغة:لابن و تامر،أي ذو لبن،و ذو تمر.و قالوا:رجل مرطوب،أي ذو رطبة،و لا يقال:رطبته،و مكان مهول، أي ذو هول،و جارية مغنوجة،و لا يقال:هلت المكان و لا غنجت الجارية.[ثمّ ذكر قول الأخفش و نحوا من قول ابن عطيّة](6:42)

نحوه السّمين.(4:395)

العكبريّ: قوله:(مستورا)أي محجوبا بحجاب آخر فوقه.(2:823)

أبو السّعود :(حجابا)يحجبهم من أن يدركوك على ما أنت عليه من النّبوّة،و يفهموا قدرك الجليل،و لذلك اجترءوا على تفوّه العظيمة الّتي هي قولهم: إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاّ رَجُلاً مَسْحُوراً الإسراء:47.

و حمل«الحجاب»على ما روي عن أسماء بنت أبي

ص: 792

بكر (1)...ممّا لا يقبله الذّوق السّليم و لا يساعده النّظم الكريم.[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ في(مستورا)]

(4:134)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود إلى أن قال:]

و لم يقل:ساترا؛لأنّ الحجاب يستر الواصل عن المنقطع،و لا يستر المنقطع عن الواصل،فيكون الواصل بالحجاب مستورا عن المنقطع،كما في«التّأويلات النّجميّة».

و فيه إشارة أيضا إلى أنّ من تحصّن بكتابه فهو في حصن حصين،و المضيّع لوقته من تحصّن بعلمه أو بنفسه، فيكون هلاكه في موضع أمنه.(5:168)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و أصل الحجاب كالحجب:المنع من الوصول،فهو مصدر،و قد أريد به الوصف،أي حاجبا.[ثمّ أدام البحث نحو أبي حيّان و أضاف:]

ف«مستور»بمعنى ساتر.أو مستورا عن الحسّ،فهو على ظاهره،و يكون بيانا،لأنّه حجاب معنويّ لا حسّيّ.أو مستورا في نفسه بحجاب آخر،فيكون إيذانا بتعدّد الحجب.أو مستورا كونه حجابا حيث لا يدرون أنّهم لا يدرون.و قيل:إنّه على الحذف و الإيصال،أي مستورا به الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.(15:87)

القاسميّ: حِجاباً مَسْتُوراً أي من الجهل و عمى القلب،فيحجب قلوبهم عن أن يفهموا ما تقرؤه عليهم فينتفعوا به،عقوبة منّا لهم على كفرهم.و معنى كون الحجاب مستورا،أي عن العيون،فلا تدركه أبصارهم.(10:3936)

المراغيّ: [نحو القاسميّ و أضاف:]

و نسب جعل الحجاب إلى نفسه،لأنّه خلاّهم و أنفسهم فصارت تلك التّخلية كأنّها السّبب في وقوعهم في تلك الحال،أ لا ترى أنّ السّيّد إذا لم يراقب أحوال مولاه حتّى ساءت حاله،يقول:أنا الّذي أوصلك إلى هذا،إذ ألقيت حبلك على غاربك،و لم أراقبك عن كثب.

و نحو الآية قوله: وَ قالُوا... وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ فصّلت:5.(15:53)

طنطاوي: اعلم أنّ الحجاب خمسة أنواع:حجاب جسميّ،و حجاب خلقيّ،و حجاب عقليّ.و حجاب علميّ،و حجاب دينيّ.

أمّا الحجاب الجسميّ فإنّ الإنسان إذا كان ضعيف الجسم خائر القوّة مريضا،لم يفقه العلم بل تتّجه قواه لإتمام ما نقص من قوّة الجسم،فلا تتفرّغ لعمل و لا تنصت لعلم و لا تستلذّ بالحكمة،و لا تهشّ و لا تبشّ للحكماء، و هذا يفهم من قوله تعالى: وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ، فكأنّ فيه إشارة إلى أنّ بسطة الجسم قد توافق بسطة العلم.

و أمّا الحجاب الخلقيّ فهو ما يعتري النّاس من الشّهوات و أنواع العداوات،فتشغل النّفس عن العلوم و تصدّ عن سبيل المعارف،بما ملئت به من الحسرات على ما فات،و من النّدم و الألم.و هكذا الآمال الكثيرة الّتي تستغرق أمر النّفس و توقعها في اللّبس و تهمكها، و تخرجها عن دائرة الحكمة و سواء السّبيل،و هذا قوله تعالى: بَلْ رانَ عَلى قُلُوبِهِمْ ما كانُوا يَكْسِبُونَ* كَلاّ».

ص: 793


1- راجع التّفاسير في شأن نزول سورة«تبّت».

إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ المطفّفين:14،15.

و أمّا الحجاب العقليّ فهو ذلك النّقص الّذي يخلق مع الإنسان في مبدإ حياته،و أوّل نشأته،بحيث يكون قليل التّمييز ضعيف الفكر لمثل هذا،لا ينفعه تعليم المعلّمين و لا يرفعه تهذيب المهذّبين.و لكن هذا النّوع نادر أو قليل،و هذا معنى قوله تعالى: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لكِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ الفتح:46.

و أمّا الحجاب العلميّ فهو ما يغترّ به الإنسان من الشّهادات الدّراسيّة و المناصب العلميّة و الإجازات الفنّيّة،و مدح النّاس و ثنائهم عليه،و التّصدّر للفتوى و نحو ذلك،فيظنّ أنّه قد كملت نفسه و فاق الأقران علمه.فهنالك لا تكاد تقبل نفسه علم العلماء و لا حكمة الحكماء،و هؤلاء يقول اللّه فيهم: فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ المؤمن:83.

فيا حسرة على من طبع الجهل على قلبه و ختم الغرور على سمعه و بصره فعمي عن حقيقة نفسه،فصار من الجاهلين الهالكين،و اللّه تعالى يقول: سَأَصْرِفُ عَنْ آياتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها الأعراف:146،فإذن أكبر مصيبة و أجلّ رزيّة تغتال النّفوس و تحصد الرّجال:

الشّهادات الدّراسيّة من المعاهد العلميّة و المدارس النّظاميّة،فهي حجاب بين العقول و ارتقاء العلوم.و قد يغترّ المرء بعلم من العلوم كالنّحو و الصّرف و المعاني و البيان و البديع و كالإنشاء و التّاريخ و كالفقه و كالطّبّ و كالهندسة،فيشمخ أحدهم بما حواه من العلم،فيكون في ذلك مصرع نفسه و ذهاب أنسه.

فأمّا الحجاب الدّينيّ فهو ما يعتور القلوب من العمى،بالاغترار بمذهب من المذاهب الدّينيّة،فيظنّ الجهول أنّ دين اللّه إنّما هو في هذا المذهب،فيحصر عقله فيه تقليدا لأستاذ ضيّق العطن قليل الفطن،فيقول:

ما دمت أقرأ مذهب الشّافعيّة أو الحنفيّة أو الزّيديّة أو الشّيعة أو غيرهم فإنّي قد قضيت واجبي و أطعت خالقي.

و ما عرف المسكين أنّ ما قرأه إنّما هو بعض الدّين لا كلّه،و أنّ أصل الدّين:،الوقوف على جمال هذا العالم و نظامه؛إذ ذلك به زيادة التّوحيد و به اليقين و به شكر اللّه تعالى،فلا شكر إلاّ بعلم،و أجلّ العلوم:معرفة هذه الدّنيا.

و ما دروس اللّغات جميعها من عربيّة و فروعها الاثني عشر و نحوها،و من فارسيّة و تركيّة و أورديّة و إنجليزيّة و ألمانيّة و يونانيّة إلاّ مقدّمات للعلوم.فعلوم اللّسان مقدّمات لعلوم الجنان،و علوم الجنان هي علوم نظام هذه الدّنيا من السّماوات و الأرضين.و ما دروس الفقه إلاّ لنظام القضاء بين العباد لنظام هذه الدّنيا،فمن جعل حياته وقفا عليه فقد باء بإثم عظيم،إذا كان عنده استعداد للعلوم.

فهذه كلّها حجب أسدلت على عقول طوائف من المسلمين،منذ تسعة قرون فكان ما كان،و هذا أوان إشراق شمس المعارف في بلاد الشّرق.(14:120)

عزّة دروزة :[ذكر آيات سورة الإسراء:45-48 و أضاف:]و الآيتان الأوليان قد توهمان أنّهما تقرّران بأنّ اللّه عزّ و جلّ يحجب الكفّار الّذين لا يؤمنون بالآخرة و حسابها عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و يغلق قلوبهم و آذانهم دون

ص: 794

فهم القرآن،حينما كان يتلوه عليهم.غير أنّ التّمعّن فيهما و في الآيتين التّاليتين لهما يبيّن أنّهما في الحقيقة في صدد وصف شدّة عنادهم،و غلظ قلوبهم و تصاممهم و نفورهم،فهم في حالة كحالة المضروب بينه و بين الحقّ حجاب فلا يراه،و المغطّى على قلبه فلا يتأثّر به و الأصمّ فلا يسمعه.

و في سورة لقمان:آية يمكن أن تكون قرينة على صحّة هذا التّأويل،و هي وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا وَلّى مُسْتَكْبِراً كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْها كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْراً فَبَشِّرْهُ بِعَذابٍ أَلِيمٍ و وصف الكفّار بوصف «اَلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ» في الآية الأولى،و بوصف«الظّالمين»في الآية الثّالثة،و حكاية قولهم:بأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله مسحور، و التّنديد بهم في الآية الرّابعة،مؤيّد كذلك لهذا التّأويل المتطابق مع تأويل المفسّرين،على اختلاف في الصّيغة و الأسلوب،و مثل هذا ورد بأساليب متنوّعة في سور سابقة،مثل سورتي يس و الأعراف.(3:239)

الطّباطبائيّ: ظاهر توصيف الحجاب بالمستور:

أنّه حجاب مستور عن الحواسّ،على خلاف الحجابات المتداولة بين النّاس المعمولة لستر شيء عن شيء،فهو حجاب معنويّ مضروب بين النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله بما أنّه قارئ للقرآن حامل له،و بين المشركين الّذين لا يؤمنون بالآخرة،يحجبه عنهم،فلا يستطيعون أن يفقهوا حقيقة ما عنده من معارف القرآن و يؤمنوا به،و لا أن يذعنوا بأنّه رسول من اللّه جاءهم بالحقّ،و لذلك تولّوا عنه إذا ذكر اللّه وحده و بالغوا في إنكار المعاد،و رموه بأنّه رجل مسحور،و الآيات التّالية تؤيّد هذا المعنى.[إلى أن قال:]

و عن بعضهم:أنّ ذلك من الإسناد المجازيّ، و المستور بحسب الحقيقة هو ما وراء الحجاب لا نفسه.

و عن بعضهم:أنّه من قبيل الحذف و الإيصال، و أصله:حجابا مستورا به الرّسول صلّى اللّه عليه و آله عنهم.

و قيل:المعنى حجابا مستورا بحجاب آخر،أي بحجب متعدّدة.و قيل:المعنى حجابا مستورا كونه حجابا،بمعنى أنّهم لا يدرون أنّهم لا يدرون.

و الثّلاثة الأخيرة أسخف الوجوه.(13:113)

نحوه عبد الكريم الخطيب.(8:495)

مكارم الشّيرازيّ: و هذا الحجاب و السّاتر هو نفسه التّعصّب و اللّجاجة و الغرور و الجهل؛حيث تقوم هذه الصّفات بصدّ حقائق القرآن عن أفكارهم و عقولهم،و لا تسمح لهم بدرك الحقائق الواضحة مثل التّوحيد و المعاد،و صدق الرّسول في دعوته و غير ذلك.

و فيما يخصّ كلمة«مستور»فإنّها صفة للحجاب،أو لشخص الرّسول صلّى اللّه عليه و آله،أو للحقائق القرآنيّة.و هناك بحث حول هذه الفكرة سنشير إليه في الملاحظات، و سنتناول في الملاحظات أيضا كيفيّة نسبة الحجاب للخالق جلّ و علا.[إلى أن قال:]

ملاحظات:
أوّلا:خلاصة عامّة للآيات

الآيات الآنفة ترسم لنا بدقّة أحوال الضّالّين، و الموانع الّتي تحول دون معرفتهم للهدى،و بشكل عامّ تقول الآيات:إنّ ثمّة ثلاثة موانع لمعرفة هؤلاء للحقّ، بالرّغم من سهولة رؤية طريق الحقّ،هذه الموانع هي:

أ-وجود الحجاب بينك و بينهم،و هذا الحجاب في

ص: 795

حقيقته إن هو إلاّ أحقادهم و حسدهم و بغضهم و العداوة الّتي يضمرونها نحوك،فهذا الحجاب بمكوّناته هو الّذي يمنعهم من النّظر إلى شخصيّتك الرّساليّة،أو أن يدركوا كلامك،حتّى أنّ الحسنات تتحوّل في نظرهم إلى سيّئات.

ب-سيطرة الجهل و التّقليد الأعمى على قلوبهم؛ بحيث إنّهم غير مستعدّين لسماع كلمة الحقّ من أيّ شخص كان.

ج-إنّ حواسّ المعرفة لدى هؤلاء،كالأذن-مثلا- تنفر من كلام الحقّ،و تكون كأنّها صمّاء.أمّا الكلام الباطل فإنّهم يتذوّقونه و يفرحون به،و ينفذ إلى أعماقهم بسرعة،خاصّة و أنّ التّجربة أثبتت أنّ الإنسان إذا لم يكن راغبا بشيء،فسوف لا يسمعه بسهولة.أمّا إذا كان راغبا فيه،فإنّه سيدركه بسرعة،و هذا يدلّ على أنّ الإحساسات الدّاخليّة لها تأثيرها على الحواسّ الظّاهرة،بل و تستطيع أن تطبعها بالشّكل الّذي تريده.

أمّا نتيجة هذه الموانع الثّلاثة فهي:

أوّلا:الهروب من سماع الحقّ،خاصّة عند ما يكون الحديث عن وحدانيّة الخالق،لأنّ هذه الوحدانيّة تتناقض مع أصول اعتقادات المشركين.

ثانيا:اللّجوء إلى توجيهات خاطئة لتبرير انحرافهم،حيث كانوا يصفون الرّسول صلّى اللّه عليه و آله بتهم مختلفة كالسّاحر و الشّاعر و المجنون،و بذلك تكون عاقبة كلّ أعداء الحقّ أنّ أعمالهم الرّذيلة تكون حجابا لهم دون الحقّ و الهدى.

و هنا ينبغي القول:بأنّ من يريد أن يسلك الصّراط المستقيم و أن يأمن من الانحراف،يجب عليه أوّلا و قبل كلّ شيء إصلاح نفسه.يجب تطهير القلب من البغض و الحسد و العناد،و تطهير الرّوح من التّكبّر و الغرور، و بشكل عامّ تطهير النّفس من جميع الصّفات الرّذيلة، لأنّ القلب إذا تطهّر من هذه الرّذائل و أصبح نظيفا نقيّا، فسوف يدرك جميع الحقائق.لهذا السّبب نرى أنّ الأمّيّين و أصحاب القلوب النّقيّة يدركون الحقائق أسرع من العالم الّذي لم يقم بتهذيب نفسه.

ثانيا:لما ذا تنسب الحجب للخالق؟

الآيات تنسب الحجب إلى الخالق،حيث قوله تعالى: وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً، كذلك هناك آيات قرآنيّة أخرى بنفس المضمون.و هذه التّعابير قد يستشمّ منها رائحة«الجبر» في حين أنّها لم تكن سوى صدى لأعمالهم.و لكن هذه الحجب-في الواقع-هي بسبب الذّنوب و الصّفات الرّذيلة لنفس الإنسان،و إن هي إلاّ آثار الأعمال.و نسبة هذه الأمور إلى الخالق يعود إلى أنّه سبحانه و تعالى هو الّذي خلق خواصّ الأمور،و هذه الأعمال الرّذيلة و الصّفات القبيحة لها هذه الخواصّ.و قد تحدّثنا عن هذه الفكرة في البحوث السّابقة،مستفيدين من الشّواهد القرآنيّة الكثيرة.

ثالثا:ما معنى الحجاب المستور؟

هناك آراء كثيرة للمفسّرين حول الحجاب المستور،منها:

أ-(مستور)صفة للحجاب،و نستفيد من ظاهر التّعبير القرآنيّ أنّ هذا الحجاب مخفيّ عن الأنظار.و في

ص: 796

الواقع أنّ حجاب الحقد و العداوة و الحسد لا يمكن رؤيته بالعين،لأنّها في نفس الوقت تضع حجابا سميكا بين الإنسان و الشّخص الّذي يقوم بحسده،و الحقد عليه.

ب-البعض الآخر فسّر(مستور)بمعنى السّاتر،لأنّ اسم«المفعول»قد يأتي بمعنى«الفاعل»،كما فسّر بعض المفسّرين كلمة(مسحور)في هذه الآيات بمعنى السّاحر.

ج-القسم الثّالث من المفسّرين اعتبر(مستور) وصفا مجازيّا،و هم يقولون:بأنّ هذا لا يعني أنّ الحجاب مستور،بل إنّ الحقائق الموجودة خلف هذا الحجاب هي المستورة،مثل شخصيّة الرّسول صلّى اللّه عليه و آله،و صدق دعوته، و عظمة أحاديثه.

و عند التّدقيق في هذه التّفاسير الثّلاثة يظهر أنّ التّفسير الأوّل يتلائم أكثر مع ظاهر الآية.و في بعض الرّوايات نقرأ أنّ أعداء الرّسول صلّى اللّه عليه و آله كانوا يأتونه و هو مع أصحابه يتلو القرآن،إلاّ أنّهم لم يكونوا يرونه، و بذلك يكون بعيدا عن أذاهم.(9:17-20)

فضل اللّه :[ذكر قول الكلبيّ و أبي مسلم الأصفهانيّ،ثمّ قال:]

و لكن هذين الوجهين لا ينسجمان مع جوّ الآية الّذي يؤكّد على العنصر الذّاتيّ في رفض الإيمان،هذا مع ملاحظة أنّ مثل هذه التّفسيرات لا ترتكز على قاعدة، بل تنطلق غالبا من اجتهادات ذاتيّة.فقد يتساءل المتأمّل عن معنى هذا الحجاب بين هؤلاء و بين النّبيّ عند قراءته للقرآن بحيث لا يرونه،فهل المسألة هي حمايته من أنظارهم أو من الاعتداء عليه،و هل القضيّة ذاتيّة بالنّسبة إليه في تلاوته للقرآن،أم أنّها للدّعوة و للحوار و للتّواصل معهم من أجل أن يهتدوا به؟ثمّ ما الوجه في اختصاص هؤلاء بذلك،في الوقت الّذي كان الكثيرون من قريش ممّن يرون رأي هؤلاء و يتصرّفون على طريقتهم؟!

و ما الفائدة-في أجواء التّفسير الثّاني-بالتّأكيد على المباعدة الإلهيّة بين القرآن و بين المشركين ليكون عمى لهم،بينما هو شفاء للمؤمنين،و ذلك بالتّعبير عن المسألة بأنّه حجاب مستور؟!

و لعلّ الأظهر-في معناه-هو الحجاب النّفسيّ الّذي جعله اللّه من خلال حالتهم الدّاخليّة في رفض الإيمان، و مواجهة القرآن بطريقة اللاّمبالاة،ممّا يجعلهم لا يدركون مضامينه في العقيدة و الشّريعة،و لا يلتزمون مفاهيمه في الكون و الحياة،كأيّة حالة داخليّة رافضة في تأثيرها السّلبيّ على وعي الإنسان،للمسألة المرفوضة.[إلى أن قال:]

أمّا توصيف الحجاب بأنّه مستور،مع أنّ المعنى يلائم التّعبير بأنّه ساتر،فقد ذكر البعض أنّ«مفعول» فيه للنّسب أي حجابا ذا ستر،نظير قولهم:رجل مرطوب،و مكان مهول،و جارية مغنوجة،أي ذو رطوبة،و ذو هول،و ذات غنج،و منه قوله تعالى: كانَ وَعْدُهُ مَأْتِيًّا مريم:61،أي ذا إتيان.[ثمّ ذكر قول الأخفش و الطّباطبائيّ و أضاف:]

و لكن قد يرد عليه أنّ جوّ الآية يوحي بأنّ الوصف لتأكيد دور الحجاب في المنع عن الإيمان،من خلال كونه حائلا بين النّاس و بين النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله في الإيمان بالقرآن،ممّا يقرّب معنى السّاتر لا المستور،و يرجّح أنّه وارد على

ص: 797

نحو النّسبة أو الفاعل،فقد لا يكون هناك فائدة كبيرة في بيان خفاء الحجاب عن الأعين،اللّهمّ إلاّ أن يكون ذلك للإيحاء بالعنصر الدّاخليّ المعنويّ للحجاب،في مقابل الحجاب الخارجيّ المادّيّ.[ثمّ ذكر أنّ ما بعده وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً تأكيد للحجاب،لاحظ ك ن ن:

أكنّة](14:134)

جوادي آمليّ: ما كان يقتضي ذكره حول قوله تعالى: وَ إِذا قَرَأْتَ... قد تقدّم آنفا.و«الحجاب المستور»هو أنّ بعض الحجب حاجبة عن الأنظار و محجوبة أيضا،أي أنّه حجاب خفيّ،و هذا الحجاب محجوب.و الذّنب حجاب خفيّ،لا يدع الإنسان أن يرى العالم و يرى باطنه.و المسيء لا يعلم أنّ على قلبه حجابا، لأنّ هذا الحجاب خفيّ،كما أنّ هذا الحجاب ليس بجسم حتّى يرى،فهو خفيّ و مستور.

و يحسب الإنسان أنّه غير محجوب بحجاب،رغم أنّ ذنبه الباطنيّ حجاب خفيّ.و سوف يماط هذا الحجاب ذات يوم،فيرى الإنسان ما قدّم و أخّر،فيصبح حينئذ فارسا في الفراسة،و سائسا في السّياسة،قد أدّبه الملوان،و ثقّفه الجديدان.(تفسير موضوعي 4:237)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحجاب:السّتر؛و الجمع:

حجب.يقال:حجب الشّيء يحجبه حجبا و حجابا و حجّبه،أي ستره،و قد احتجب و تحجّب،إذ اكتنّ من وراء حجاب،و امرأة محجوبة:قد سترت بستر، و احتجبت الشّمس في السّحاب:استترت فيه.

و حجاب الجوف:ما يحجب بين الفؤاد و سائر البطن، و يسمّى الحجاب الحاجز أيضا في الطّبّ.

و الحاجبان:العظمان اللّذان فوق العينين بلحمهما و شعرهما،لأنّهما يحجبان عن العينين شعاع الشّمس؛ و الجمع:حواجب.يقال:إنّه لمزجّج الحواجب،أي دقيقها،كأنّهم جعلوا كلّ جزء منه حاجبا،و هذا كقولهم:فلان عظيم المناكب،و قد تقدّم في«ج ي د».

و الحجبتان:حرفا الورك يشرفان على الخاصرتين،و الحجبتان من الفرس:ما أشرف على صفاق البطن من وركيه؛و الجمع:حجب.

و الحاجب:البوّاب؛و جمعه:حجبة و حجّاب، و ولايته الحجابة.يقال:حجب الحاجب الرّجل يحجب حجبا،أي منعه من الدّخول،و استحجب الأمير الرّجل:

ولاّه الحجبة،و احتجب الملك عن النّاس:استتر عنهم، و هو ملك محجّب.

و حاجب الشّمس:قرنها،و هو ناحية من قرصها حين تبدأ في الطّلوع.يقال:بدأ حاجب الشّمس و القمر، أي ظهر قرنهما.

2-و قد شاع«الحجاب»في عرف المسلمين في ستر المرأة المسلمة-كما سبق في النّصوص التّفسيريّة-و قد أثار الغرب اليوم قضيّة الحجاب هذه و حاربها بلا هوادة؛ إذ أقدمت بعض الدّول أخيرا على طرد المرأة المسلمة المحجّبة من المدارس،و قامت بعضها بفصلها من الوظائف و الأعمال،و لا يزال الغرب إلى يومنا هذا يسنّ قوانين تحدّ من نشاطها و تصادر حرّيّتها.و تمادى في هذا الأمر حتّى طلب من الحكومة التّركيّة هذه الأيّام علنا أن تحذو

ص: 798

حذوه في التّضييق على النّساء المحجّبات!

و لا غرو في ذلك،لأنّ الغرب سعى-و لا يزال-إلى إفساد المجتمعات البشريّة،و بثّ الفساد و الفجور فيها، و استنفد وسعه في محاربة كلّ ما يمتّ إلى الفطرة بصلة، كالحجاب و الشّرف و الحياء و العفّة،كي يستطفّ له استعمار البلدان و نهب ثرواتها،و السّيطرة على الشّعوب و إذلالها.قال الكاتب الفرنسيّ«فرانس فانون»في كتابه «العام الخامس للثّورة الجزائريّة»:«إنّ المرأة الجزائريّة المحجّبة كانت بمثابة صرخة بوجوه المستعمر،و المرأة السّافرة بمثابة استسلام له».

و إضافة إلى ذلك أنّ الغربيّين ينتهجون نهجا ازدواجيّا في حياتهم،فهم يزعمون أنّهم يدينون بدين سماويّ،و لكنّهم يناصبون الأديان السّماويّة العداء، و منها المسيحيّة الّتي ينتمون إليها،لأنّ هذه الأديان دعت إلى ستر المرأة و حجبها،حسب ما أفاده «دورانت»في كتاب«تاريخ الحضارة 12:30».

كما أنّهم يتطرّفون في شئون المرأة-رغم قولهم بإعطائهم الحرّيّة لها-فيفرطون في ممارسة الجنس معها، و يتهوّرون على شخصيّتها بالاغتصاب و الشّذوذ الجنسيّ،و يمتهنونها بالدّعاية إلى إنتاجاتهم بتعريتها و إبراز محاسنها و غير ذلك.

و رغم تبجّحهم بتنظيم أمور حياتهم،فلا زالوا يخبطون خبط عشواء في الجنس و ممارسته،حتّى حاكوا الحيوان في ذلك،بل نزوا عليه و أنزوه على نسائهم أيضا!

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظان:«حجاب»نكرة 7 مرّات بمعنيين:

السّتر مرّتين،و الفاصل 5 مرّات،و«محجوبون»مرّة في 8 آيات:

حجاب:1 السّتر:

1- فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا... مريم:17

2- ...وَ إِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ... الأحزاب:53

حجاب:2 الفاصل:

3- وَ بَيْنَهُما حِجابٌ وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ... الأعراف:46

4- فَقالَ إِنِّي أَحْبَبْتُ حُبَّ الْخَيْرِ عَنْ ذِكْرِ رَبِّي حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ص:32

5- وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ... الشّورى:51

6- ...وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ فصّلت:5

7- جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً الإسراء:45

محجوبون:

8- كَلاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ

المطفّفين:15

يلاحظ أوّلا:إنّ«حجاب»جاء في(1 و 2)بمعنى السّتر:أولاهما قصّة مريم عليها السّلام في سورة مكّيّة،

ص: 799

و الأخرى تشريع بشأن نساء النّبيّ صلوات اللّه عليه و آله في سورة مدنيّة،و فيهما بحوث:

1-قصّة مريم جاءت كاملة في سورتين:سورة مريم -و هي مكّيّة-و سورة آل عمران-و هي مدنيّة-و اختلط قصّتها فيهما بقصّتي زكريّا و ابنه يحيى،و عيسى بن مريم، لاتّصال بينهما و بين قصّة مريم،و اشتراكهما في ولادة يحيى و عيسى بطريقة غير طبيعيّة،يحيى من أمّ عجوزة عاقر،و عيسى من أمّ باكرة بلا أب.

2-جاء في الأولى وَ اذْكُرْ فِي الْكِتابِ مَرْيَمَ إِذِ انْتَبَذَتْ مِنْ أَهْلِها مَكاناً شَرْقِيًّا* فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا فَتَمَثَّلَ لَها بَشَراً سَوِيًّا -إلى أن قال - فَحَمَلَتْهُ فَانْتَبَذَتْ بِهِ مَكاناً قَصِيًّا مريم:16-22 فكان انتباذها-أي اعتزالها-بنفسها قبل الحمل مكانا شرقيّا،و بعيسى بعد الحمل مكانا قصيّا،و للمفسّرين أقوال في المكانين،لاحظ«مريم و مكان».

3-و جاء بعد قوله: مَكاناً شَرْقِيًّا فَاتَّخَذَتْ مِنْ دُونِهِمْ حِجاباً...، و اختلفوا في تفسيره،فأكثرهم قالوا تبعا للطّبريّ:اتّخذت من دون أهلها سترا يسترها عنهم.

و في رواية عن ابن عبّاس أنّ اللّه أظلّها بالشّمس و جعل لها منها حجابا.و عن بعضهم اتّخذت حجابا من الأحجار،أو من وراء جبل،أو في محرابها.و ذكر الفخر الرّازيّ أنّها جعلت بينها و بينهم حائلا من حائط أو غيره أو سترا و قال:إنّه-أي السّتر-أظهر من الأوّل، و عندنا أنّ كلاّ منها محتمل و لا شاهد لتعيينها،و أبعدها احتجابها بالشّمس أو من وراء جبل،و لعلّ أقربها«في محرابها».

4-و أمّا الهدف من احتجابها فقيل لتغتسل،أو لتعتكف للعبادة،و هذا أنسب باحتجابها في محرابها.

5-المراد ب فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ في(2) اتّخاذ السّتر بينهم و بين نساء النّبيّ خاصّة عند ما يواجهونهنّ و يتحدّثونهنّ،و ليست من آيات الحجاب العامّة للمسلمات،بل لم تأت فيهنّ هذه الكلمة على الرّغم من إطلاقها على السّتر تأثّرا بهذه الآية.لاحظ النّصوص و كتاب«مسألة الحجاب»للعلاّمة الشّهيد مرتضى مطهّريّ رحمه اللّه.

ثانيا:جاء«حجاب»بمعنى الفاصل حقيقة في (3 و 4)و فيها بحوث أيضا:

1-المراد به في وَ بَيْنَهُما حِجابٌ الفاصل بين الجنّة و النّار،أو بين الفريقين أهل الجنّة و أهل النّار،و هو عند بعضهم(الأعراف)المذكور بعده وَ عَلَى الْأَعْرافِ رِجالٌ يَعْرِفُونَ كُلاًّ بِسِيماهُمْ أي هؤلاء الرّجال يعرفون كلاّ من أهل الجنّة و النّار بسيماهم،و(الاعراف):

مكان مرتفع واقع بين الجنّة و النّار مشرف عليهما.

و عن بعضهم أنّ(حجاب)هذا هو السّور في فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بابٌ باطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَ ظاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذابُ الحديد:13،و عن بعضهم أنّ هذه السّور نفس الأعراف بعينها.و كلّ محتمل و لا شاهد على أحدها،لاحظ«باب،و الأعراف، و السّور».

و تأويله عند القشيريّ هو الحجاب الّذي حصل بينهما،لما حجبوا في الابتداء في سابق القسمة عمّا خصّ

ص: 800

به المؤمنون من القربة و الزّلفة،حجبوا في الانتهاء عمّا خصّ به السّعداء من المغفرة و الرّحمة،حجاب سبق به الحكم قبل الطّاعة و الجزم.و هذا يوافق مذهب الجبريّة،و عليه فيرجع(حجاب)عن الحقيقة إلى المجاز.

2-(الحجاب)في حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ بمعنى الفاصل،أي توارت الشّمس بالحجاب،و هو استتارها خلف الأفق،أو حتّى توارت الخيل لفاصل أو بعد حصل بينها و بين سليمان.فالفاصل هنا حقيقيّ،و إنّما الاختلاف في مرجع الضّمير في(توارت)أ هي الشّمس المذكورة في التّفاسير أنّ سليمان اشتغل بالخيل حتّى غربت الشّمس و فاتته الصّلاة،أو«الخيل»المذكورة قبله إِذْ عُرِضَ عَلَيْهِ بِالْعَشِيِّ الصّافِناتُ الْجِيادُ ص:31،و هذا أوفق لما بعده رُدُّوها عَلَيَّ فَطَفِقَ مَسْحاً بِالسُّوقِ وَ الْأَعْناقِ ص:33،فكأنّ الخيل أبعدت و حجبت عنه،فقال:

رُدُّوها عَلَيَّ و اشتغل بها مسحا بالسّوق و الأعناق، و لو لا الرّوايات لكان هذا الوجه متعيّنا حسب السّياق.

3-فالحجاب في(3)السّور،و في(4)الأفق أو البعد الفاصل بين الخيل و سليمان.

ثالثا: وَراءِ حِجابٍ في(5)من أقسام الرّابطة بين اللّه و الأنبياء عليهم السّلام؛حيث قال: وَ ما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللّهُ إِلاّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ أي إنّ تكليم اللّه بشرا منحصر بهذه الثّلاثة:الوحي-و هو الإلهام في قلب الرّسول-أو يكلّمه اللّه من وراء حجاب،فيسمع كلامه من دون أن يراه،كما كلّم موسى تكليما،أو يرسل رسولا-و هو ملك الوحي-فيوحي هو إلى الرّسول، فهذا وحي مع الواسطة،و الوجهان قبله وحي بلا واسطة:

أوّلهما إلهام قلبا،و ثانيهما كلام سمعا.و هذه الأقسام موزّعة بين الأنبياء،و مجموعة لنبيّنا صلوات اللّه عليهم أجمعين حسب الآيات و الأحاديث القدسيّة.

و(حجاب)هنا،هو الفاصل الّذي حجب اللّه عن العباد،مردّد بين الحقيقة و المجاز،أي الجسم و غيره، و عند العرفاء أنّ الحجاب بينهما هو العبد نفسه،قال شاعرنا الحافظ الشّيرازيّ:

تو خود حجاب خودى حافظ از ميان برخيز

يخاطب نفسه قائلا:أنت نفسك حجابك عن اللّه فقم من البين.و في الآية بحوث لاحظ«و ح ي».

رابعا:في(6 و 7)أطلق(حجاب)مجازا على الحاجب المعنويّ الّذي حجب الكفّار عن الإيمان،و هو ما كان في قلوبهم من العداوة و البغضاء و العصبيّة،و في أعمالهم من تقليد الآباء و نحوها،و يشهد به سياقهما،و فيهما بحوث:

1-الآيتان مكّيّتان سياقهما الجدال بين المشركين و بين النّبيّ صلوات اللّه عليه و آله بشأن القرآن،فجاء في (6) حم* تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ* كِتابٌ فُصِّلَتْ آياتُهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ* بَشِيراً وَ نَذِيراً فَأَعْرَضَ أَكْثَرُهُمْ فَهُمْ لا يَسْمَعُونَ* وَ قالُوا قُلُوبُنا فِي أَكِنَّةٍ مِمّا تَدْعُونا إِلَيْهِ وَ فِي آذانِنا وَقْرٌ وَ مِنْ بَيْنِنا وَ بَيْنِكَ حِجابٌ فَاعْمَلْ إِنَّنا عامِلُونَ فصّلت:1-5

و في(7) وَ إِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ جَعَلْنا بَيْنَكَ وَ بَيْنَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ حِجاباً مَسْتُوراً* وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً وَ إِذا ذَكَرْتَ رَبَّكَ فِي الْقُرْآنِ وَحْدَهُ وَلَّوْا عَلى أَدْبارِهِمْ نُفُوراً الإسراء:

45،46.

ص: 801

2-فقد اعترفوا في الأولى بأنّ قلوبهم في أكنّة-و هي الأغلفة-و في آذانهم وقر،و بينهم و بينه حجاب،و كلّها كناية عن تلك الحواجب القلبيّة،و أسندت إلى الآذان و الأجسام مجازا تأكيدا شدّة حجابها.

و الثّانية اعتراف من اللّه بأنّ تلك الحواجب الثّلاثة مانعة لهم أن يفقهوا القرآن،داعية لهم على النّفور و الإدبار عنه،و أنّها من صنع اللّه مجازاة لعنادهم و استكبارهم بعد بيان الحقّ لهم،و إبلاغ الدّعوة إليهم، و إتمام الحجّة عليهم،كما جاء في آيات كثيرة حملها المجبّرة خطأ على مذهبهم:أنّ اللّه قدّرها عليهم في ابتداء الخلقة فجبرهم عليها.منها إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَواءٌ عَلَيْهِمْ أَ أَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ* خَتَمَ اللّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَ عَلى سَمْعِهِمْ وَ عَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ عَظِيمٌ البقرة:6،7.و كلّها مجازاة لهم بعد إدبارهم عن الحقّ اختيارا،و ليس تقديرا من اللّه في ابتداء الخلقة جبرا.

لاحظ«الهداية و الإضلال».

3-قد جاء في بعض الأقوال في الآيتين ما يحاكي أنّه كان يوجد بين النّبيّ و الكفّار ستر،و في آذانهم وقر حين يقرأ عليهم القرآن فلا يرونه و لا يسمعونه،فهو حقيقة لا مجاز،و هذا لا ينسجم مع سياق القرآن،بل الأوّل متعيّن.

4-بينهم خلاف واسع في (حِجاباً مَسْتُوراً) أنّه حجاب مستور عن العيون و هو ذلك الحاجب القلبيّ، فالمستور بمعناه،أو المستور بمعنى السّاتر،أي حجابا يسترهم عن فهم القرآن،أو جعلنا القرآن نفسه حجابا يسترهم عن سماعه،و قد جاء المفعول بمعنى الفاعل مبالغة مثل مشئوم و ميمون بمعنى شائم و يامن،أو هو على بناء النّسب أي ذا ستر،و قد قطع به الطّبرسيّ، لاحظ النّصوص هنا،و في«س ت ر».

و لقائل أن يقول: حِجاباً مَسْتُوراً بمعنى«حجابا محجوبا»وصف به مبالغة،مثل:شعر شاعر،و«مستورا» بمعنى ساترا،و إنّما جاء«مستورا»بدل«محجوبا»أو ساترا رعاية للرّويّ،فقبلها(كبيرا و غفورا)و بعدها(نفورا و مسحورا)و الجناس بين(مستورا)و(مسحورا)جليّ تماما.

خامسا:جاء في(8)بشأن الفجّار يوم القيامة كَلاّ إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ، و فيها خلاف بين جمهور أهل السّنّة و بين من خالفهم في مسألة الرّؤية من المعتزلة و الإماميّة و الزّيديّة و الإباضيّة،فقال الأوّلون:الكفّار محجوبون عن رؤية اللّه،و المؤمنون ملتذّون برؤيته.

و قد استدلّوا بآيات هذه من جملتها،و نعمة الرّؤية عندهم من أعظم النّعم،و هي منتهى آمالهم،و عليها تدور كلماتهم نظما و نثرا.قال الشّافعيّ:«لمّا حجب قوما بالسّخط دلّ على أنّ قوما يرونه بالرّضاء،و اللّه لو لم يؤمن محمّد بن إدريس أنّه يرى ربّه في المعاد لما عبده في الدّنيا»و قال غيره:«لو علم الزّاهدون و العابدون أنّهم لا يرون ربّهم في المعاد لزهقت أنفسهم في الدّنيا».

و قد فسّر الآخرون هذه الآية و نحوها في حقّ المؤمنين،بأنّهم يرون ثوابه و رحمته،و في حقّ الكفّار أنّهم محجوبون عن ثوابه و إحسانه و نحوهما.

ص: 802

و الخلاف في أمثال هذه المسألة ناشئ عن تحكيم العقل في تفسير الآيات مستشهدا ب لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ الشّورى:11،أو التّسليم لظاهر الألفاظ كما عليه السّلف.

و ينبغي أن يقال:إنّ أصل النّظر و الرّؤية و اللّقاء و نحوها مقبول لا ينكر،و الاختلاف إنّما هو في الكيفيّة، و مذهب العرفاء هو القول الفاصل،و هو أنّ الرّؤية يومئذ هي الوصل و الشّهود قلبا،كما هو مطلوبهم في الدّنيا،كما اعترف به أمير المؤمنين عليه السّلام،و هو إمام العارفين،«و قد سأله ذعلب اليمانيّ فقال:هل رأيت ربّك يا أمير المؤمنين؟فقال عليه السّلام:أ فأعبد ما لا أرى؟ فقال:و كيف تراه؟فقال:لا تدركه العيون بمشاهدة العيان،و لكن تدركه القلوب بحقائق الإيمان»نهج البلاغة خطبة:179،و هذا يوافق الآيتين(6 و 7)في معنى الحجاب تماما،كما سبق.

و قد مال إليه الفخر الرّازيّ في بعض كلامه،مع إصراره على الرّؤية بالعيون في مواضع عديدة من تفسيره وفقا للأشاعرة،و هو من زمرتهم.

و قال سهل التّستريّ هنا:«حجبهم عن ربّهم قسوة قلوبهم في العاجل و ما سبق لهم من الشّقاوة في الأوّل، فلم يصلحوا لبساط القرب و المشاهدة،فأبعدوا و حجبوا،و الحجاب هو الغاية في البعد و الطّرد».و قد جمع في كلامه هذا بين مسلك العرفاء في الشّهود، و مسلك الأشاعرة في القدر.

و قال ابن عطاء: «الحجاب حجابان:حجاب بعد و حجاب إبعاد،فحجاب البعد لا تقريب فيه أبدا، و حجاب الإبعاد يؤدّب ثمّ يقرّب كآدم عليه السّلام».

و قال الشّريف الرّضيّ بعد أن فسّر الآية بأنّهم ممنوعون من ثوابه:«و يجوز أن يكون لذلك معنى آخر، و هو أن يكون المراد أنّهم غير مقرّبين عند اللّه سبحانه بصالح الأعمال و استحقاق الثّواب،فعبّر عن هذا المعنى بالحجاب،لأنّ المبعد المقصيّ يحجب عن الأبواب و يبعد من الجناب».

و قال الطّباطبائيّ: «كلاّ»ردع عن كسب الذّنوب الحائلة بين القلب و إدراك الحقّ،و المراد بكونهم محجوبين عن ربّهم يوم القيامة حرمانهم من كرامة القرب و المنزلة...».و جاء نظيرها في نصوص المتأخّرين كالطّالقانيّ و المكارم و غيرهما،فلاحظ.

ص: 803

ص: 804

ح ج ج

اشارة

20 لفظا،33 مرّة:10 مكّيّة،23 مدنيّة

في 10 سور:5 مكّيّة،5 مدنيّة

حجّ 1:-1 حاجّك 1:-1

الحاجّ 1:-1 حاجّوك 1:-1

حجّ 1:-1 حاججتم 1:-1

الحجّ 9:-9 يحاجّون 1:1

حجّة 3:1-2 يحاجّوكم 2:-2

الحجّة 1:1 تحاجّون 2:-2

حجّتهم 2:2 أ تحاجّونّى 1:1

حجّتنا 1:1 أ تحاجّوننا 1:-1

حاجّ 1:-1 يتحاجّون 1:1

حاجّه 1:1 حجج 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :قد تكسر الحجّة و الحجّ،فيقال:حجّ و حجّة.

و يقال للرّجل الكثير الحجّ:حجّاج من غير إمالة.

و كلّ نعت على«فعّال»فإنّه مفتوح الألف،فإذا صيّرته اسما يتحوّل عن حال النّعت فتدخله الإمالة،كما دخلت في الحجّاج و العجّاج.

و حجّ علينا فلان،أي قدم.

و الحجّ:كثرة القصد إلى من يعظّم.

حجّوا عمامته،أي عظّموه.

و الحجّة:شحمة الأذن.

و الحجحجة:النّكوص،تقول:حملوا ثمّ حجحجوا، أي نكصوا.

و المحجّة:قارعة الطّريق الواضح.

و الحجّة:وجه الظّفر عند الخصومة،و الفعل:

حاججته فحججته،و احتججت عليه بكذا.

و جمع الحجّة:حجج؛و الحجاج:المصدر.

و الحجاج:العظم المستدير حول العين،و يقال:بل هو الأعلى الّذي تحت الحاجب.

ص: 805

و الحجيج:ما قد عولج من الشّجّة،و هو اختلاط الدّم بالدّماغ،فيصبّ عليه السّمن المغليّ حتّى يظهر الدّم فيؤخذ بقطنة،يقال:حججته أحجّه حجّا.(3:9)

سيبويه :حجّه يحجّه حجّا،كما قالوا:ذكره ذكرا.

و قالوا:حجّة واحدة:يريدون عمل سنة واحدة.

(ابن سيده 2:481)

اللّيث:الحجّ:القصد،و السّير إلى البيت خاصّة، تقول:حجّ يحجّ حجّا.

و الحجّ:قضاء نسك سنة واحدة.

و الحجيج:جماعة الحاجّ.

ذو الحجّة:شهر الحجّ.(الأزهريّ 3:387-389)

الكسائيّ: كلام العرب كلّه على:فعلت فعلة،إلاّ قولهم:حججت حجّة،و رأيته رؤية.(الأزهريّ 3:388)

ابن شميّل: الحجّ:أن تفلق الهامة فينظر هل فيها و كس أو دم.و الوكس:أن يقع في أمّ الرّأس دم أو عظام أو يصيبها عنت.(الأزهريّ 3:389)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قال أبو خليفة الفزاريّ:

ما زال يحجّني في حاجته،أي يختلف إليّ فيها.

و حجّوا شجّته،إذا شقّوا شجّته بعد اندمالها،لينظروا أ فيها عظام أم لا.(1:142)

حجاج الصّخرة:المكان المتكاهف منها.(1:153)

المحجوج:الّذي تنزع عظام شجّته.(1:159)

الأحجّ:الصّلب.(1:172)

الحجوّج:الطّريق الأعوج.(1:184)

الحجيج:الّذي تنقل العظام من شجّته،يقال:

حججته أحجّه.[و استشهد ثلاث مرّات بشعر](1:218)

الحجّة:ثقبة شحمة الأذن.

مثله ابن الأعرابيّ.(الأزهريّ 3:389)

يقال:حجاج العين و حجاجها:للعظم الّذي عليه الحاجب.

مثله الفرّاء.(إصلاح المنطق:104)

قطرب: الحجّ:الحلق،يقال:أحجج شجّتك،و ذلك أن يقطع الشّعر من نواحي الشّجّة،ليدخل المحجاج في الشّجّة.(الفخر الرّازيّ 4:178)

الأصمعيّ: الحجيج من الشّجاج:الّذي قد عولج، و هو ضرب من علاجها.

الحجّ:أن تقدح في العظم بالحديد إذا كان قد هشم، حتّى تقلع الّتي قد جفّت،ثمّ يعالج ذاك،فيقال:قد حجّ حجّا.(الأزهريّ 3:389)

ابن الأعرابيّ: حججت الشّجّة،إذا سبرتها، و سمعت ابن الفقعسيّ يقول:حججتها:قستها.

(الأزهريّ 3:389)

الحجج:الطّرق المحفّرة،و الحجج:الجراح المسبورة.

(الأزهريّ 3:390)

ابن السّكّيت: و الحجّ أن يقدح بالحديد في العظم حتّى يتلطّخ الدّماغ بالدّم،حتّى تقلع القطعة الّتي قد جفّت،ثمّ يعالج بعد ذلك فيلتئم بجلد،و تكون آمّة.

يقال:حجّ يحجّ حجّا،و يقال:شجّة تفيح بالدّم.(98)

و المحجّة:الطّريق الواضح البيّن.(472)

و حججت فلانا،إذا أتيته،و فلان محجوج:يكثر النّاس إتيانه.[ثمّ استشهد بشعر](563)

و يقال:رجل محجوج،و قد حجّ بنو فلان فلانا،إذا

ص: 806

أطالوا الاختلاف إليه.[ثمّ استشهد بشعر]

(إصلاح المنطق:372)

يقال:حجّ حجّا و حجّا.(الأزهريّ 3:388)

الحجاج و الحجاج:العظم المطبق على و قبة العين، و عليه ينبت شعر الحاجب.

و حجاج الشّمس:حاجبها و هو قرنها،يقال:بدا حجاج الشّمس.

و حجاجا الجبل:جانباه.(الأزهريّ 3:390)

ابن أبي اليمان :الحجّة:السّنة،و الحجّة:ذهاب النّاس إلى مكّة،و الحجّة:الاسم.(241)

الحجّ:إيتاؤك من تأتيه،يقال:حججت فلانا أحجّه.على أنّ هذا قلّما يستعمل في النّاس،و ليس هذا إلاّ لبيت اللّه جلّ و عزّ.(245)

الحجاج:عظم الحاجب.

و الحجاج:مصدر حاججت فلانا أحاجّه محاجّة و حجاجا.

و المحجاج:الرّجل الحاضر الحجّة.(251)

المبرّد: الحجّ:جمع حاجّ،كما يقال:تاجر و تجر، و راكب و ركب.(1:323)

ثعلب :حججته،أي قصدته.(الأزهريّ 3:390)

ابن دريد :حجّ العظم يحجّه حجّا،إذا قطعه من الجرح فاستخرجه.

و الحجّ:مصدر حجّ البيت يحجّ حجّا.

و الحجّ،بكسر الحاء:الحجّاج،لغة نجديّة.

و الحجّة:السّنة،و الحجّة:معروفة.

و الحجّة:خرزة أو لؤلؤ،تعلّق في الأذن.و يسمّي الكوفيّون الخرزة:جاجة بجيمين.و هذا غلط،و إنّما سمّيت الخرزة حاجّة باسم الموضع.

و قال قوم:بل شحمة الأذن الّتي يعلّق فيها القرط يقال لها:الحجّة،و ربّما سمّيت حاجّة.[و استشهد بشعر ثلاث مرّات](1:49)

يقال:تحجحج القوم بالمكان،إذا قاموا فيه.يقال:

حجحج الرّجل بالمكان،إذا أقام به.و حجا به و تحجّى مثله.

و قال قوم:بل الحجحجة:التّوقّف عن الشّيء، و الارتداع عنه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحجحجة:مواربتك الأمر و كتمانه.

و قال قوم:حجحج:صاح.(1:132)

يقال:حجّ العظم من الجراحة،إذا قطع فأخرج.

(1:179)

الحجّة بالكسر:السّنة،و بالفتح:الواحدة من الحجّ، حجّ حجّة حسنة.(2:205)

الحجج:الوقرة في العظم.

و حجج:ضرب من زجر الغنم.

و الحجج:جمع حجّة.(3:187)

و حجاج العين:ما نبت عليه الشعر من الحاجب.(3:221)

و الحجّ:قصدك الشّيء و تجريدك له،ثمّ سمّي قصد البيت:حجّا.(3:433)

المنذريّ: سمعت أبا العبّاس يقول:قال الأثرم و غيره:ما سمعنا من العرب حججت حجّة،و لا رأيت رأية،إنّما يقولون:حججت حجّة.

ص: 807

و الحجّ و الحجّ،ليس عند الكسائيّ بينهما فرقان، و غيره يقول:الحجّ:حجّ البيت،و الحجّ:عمل السّنة.

قال أبو العبّاس:حججت فلانا و اعتمرته،أي قصدته.(الأزهريّ 3:388)

القاليّ: يقال:«أقبل الحاجّ و الدّاجّ».فالحاجّ:

الّذين يحجّون،و الدّاجّ:الّذين يدجّون في أثر الحاجّ.

(2:186)

الأزهريّ: أخبرني المنذريّ عن أبي طالب،في قولهم:«ما حجّ و لكنّه دجّ».قال:الحجّ:الزّيارة و الإتيان،و إنّما سمّي حاجّا بزيارة بيت اللّه،و الدّاجّ:

الّذي يخرج للتّجارة.[إلى أن قال:]

حججت فلانا،إذا أتيته مرّة بعد مرّة؛فقيل:«حجّ البيت»لأنّ النّاس يأتونه كلّ سنة.(3:388)

قال ابن بزرج:الحجوّج:الطّريق يستقيم مرّة و يعوجّ أخرى.[إلى أن قال:]

و قيل:في كلّ حجّة،أي في كلّ سنة؛و جمعها:

حجج.

قال أبو الحسن الأعرابيّ: [في معنى الحجيج من الشّجاج]

هو أن يشجّ الرّجل فيختلط الدّم بالدّماغ،فيصبّ عليه السّمن المغلى حتّى يظهر الدّم عليه،فيؤخذ بقطنة، يقال منه:حججته أحجّه حجّا.(3:389)

إنّما سمّيت[الحجّة]حجّة لأنّها تحجّ،أي تقصد،لأنّ القصد لها و إليها،و كذلك محجّة الطّريق هي المقصد و المسلك.

و من أمثال العرب:«لجّ فحجّ»قال بعضهم:معناه لجّ فغلب من لاجّه بحججه.

يقال:حاججته أحاجّه حجاجا و محاجّة،حتّى حججته،أي غلبته بالحجج الّتي أدليت بها.

و قيل:معنى قوله:«لجّ فحجّ»أنّه لجّ و تمادى به لجاجة،أنّه أدّاه اللّجاج إلى أن حجّ البيت الحرام.

و ما أراه أريد إلاّ أنّه هاجر أهله بلجاجه حتّى خرج حاجّا.(3:390)

الصّاحب:الحجّ:السّير إلى البيت خاصّة،و قد يكسر الحاء،و النّصب أحسن.

و الحجّاج:الكثير الحجّ؛و الحجّاج و الحجيج:جماعة الحاجّ،و الحجّ:الحجّاج.[ثمّ استشهد بشعر]

و الحاجج:الحاجّ أيضا.

و يقولون:«الحاجّ أسمعت»لإفشاء الأمر.

و«لجّ فحجّ»مثل.

و ذو الحجّة:شهر الحجّ.

و حجّ علينا فلان:قدم.

و المحجّة:قارعة الطّريق الواضح.

و الحجّة (1):شحمة الأذن.

و الحجّة:الوجه الّذي به يقع الظّفر عند الخصومة، و يقال:حاججته فحججته.

و الحجاج:مصدر،و هو أيضا:العظم المستدير حول العين؛و جمعه:أ حجّة و حجج.و الأحجّ:العظيم الحجاج.

و الحجحجة:النّكوص.

و حججت الشّجّة أحجّها حجّا:أدخلت الميل فيها لتسبرها و الحجيج:المشجوج.ن.

ص: 808


1- بفتح الحاء،و هو أحد الوجهين الصّحيحين.

و فرس أحجّ:كالأحقّ،و هو الّذي يطابق في السّير.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الحجج:الوقرة في العظم.

و المحجاج:حديدة بمنزلة المرّ (1)،تحجّ بها الأرض،أي تشقّ.

و حجّه و شجّه:واحد.

و الحجحج:الفسل من الرّجال.

و حجحج لي بالكلام:جمجم،و لم يبيّنه.

و حجج:زجر للغنم.(2:291)

الجوهريّ: الحجّ:القصد،و رجل محجوج،أي مقصود.و قد حجّ بنو فلان فلانا،إذا أطالوا الاختلاف إليه.[ثمّ استشهد بشعر]

هذا الأصل،ثمّ تعورف استعماله في القصد إلى «مكّة»للنّسك،تقول:حججت البيت أحجّه حجّا،فأنا حاجّ.و ربّما أظهروا التّضعيف في ضرورة الشّعر.

و يجمع على:حجّ مثل بازل و بزل،و عائذ و عوذ.

و الحجّ بالكسر:الاسم.

و الحجّة:المرّة الواحدة،و هو من الشّواذّ،لأنّ القياس بالفتح.

و الحجّة:السّنة؛و الجمع:الحجج.

و ذو الحجّة:شهر الحجّ؛و الجمع:ذوات الحجّة و ذوات القعدة.و لم يقولوا:«ذوو»على واحده.

و الحجّة أيضا:شحمة الأذن.

و الحجيج:الحجّاج،و هو جمع الحاجّ،كما يقال للغزاة:غزي،و للعادين على أقدامهم:عديّ.

و امرأة حاجّة و نسوة حواجّ بيت اللّه عزّ و جلّ بالإضافة،إذا كنّ قد حججن.و إن لم يكنّ حججن قلت:حواجّ بيت اللّه،فتنصب«البيت»لأنّك تريد التّنوين في«حواجّ»إلاّ أنّه لا ينصرف،كما يقال:هذا ضارب زيد أمس و ضارب زيدا غدا،فتدلّ بحذف التّنوين على أنّه قد ضربه،و بإثبات التّنوين على أنّه لم يضربه.

و أحججت فلانا،إذا بعثته ليحجّ.

و قولهم:و حجّة اللّه لا أفعل،بفتح أوّله و خفض آخره:يمين للعرب.

و الحجّة:البرهان،تقول:حاجّه فحجّه،أي غلبه بالحجّة،و في المثل:«لجّ فحجّ».

و هو رجل محجاج،أي جدل.

و التّحاجّ:التّخاصم.

و حججته حجّا،فهو حجيج،إذا سبرت شجّته بالميل لتعالجه.

و المحجاج:المسبار.

و الحجاج و الحجاج،بفتح الحاء و كسرها:العظم الّذي ينبت عليه الحاجب؛و الجمع:أ حجّة.[و استشهد بالشّعر خمس مرّات]

و المحجّة:جادّة الطّريق.

و الحجحجة:النّكوص،يقال:حملوا على القوم حملة ثمّ حجحجوا.

و حجحج الرّجل،إذا أراد أن يقول ما في نفسه ثمّ أمسك،هو مثل المجمجة.(1:303)

أبو هلال :الفرق بين الدّلالة و الحجّة:قال بعضة.

ص: 809


1- المسحاة.

المتكلّمين:الأدلّة تنقسم أقساما،و هي:دلالة العقل، و دلالة الكتاب،و دلالة السّنّة،و دلالة الإجماع،و دلالة القياس.

فدلالة العقل ضربان:

أحدهما:ما أدّى النّظر فيه إلى العلم،بسوى المنظور فيه أو بصفة لغيره.

و الآخر:ما يستدلّ به على صفة له أخرى،و تسمّى:

طريقة النّظر،و لا تسمّى:دلالة،لأنّه يبعد أن يكون الشّيء دلالة على نفسه أو على بعض صفات نفسه، فلا يبعد أن يكون يدلّ على غيره،و كلّ ذلك يسمّى:

حجّة؛فافترقت الحجّة و الدّلالة من هذا الوجه.

و قال قوم:لا يسمّيان حجّة و دلالة إلاّ بعد النّظر فيهما.و إذا قلنا:حجّة اللّه و دلالة اللّه،فالمراد أنّ اللّه نصبهما.و إذا قلنا:حجّة العقل و دلالة العقل،فالمراد أنّ النّظر فيهما يفضي إلى العلم من غير افتقار إلى أن ينصبهما ناصب.

و قال غيره:الحجّة هي الاستقامة في النّظر و المضيّ فيه،على سنن مستقيم من ردّ الفرع إلى الأصل،و هي مأخوذة من:الحجّة،و هي الطّريق المستقيم.و هذا هو فعله المستدلّ،و ليس من الدّلالة في شيء.

و تأثير الحجّة في النّفس كتأثير البرهان فيها،و إنّما تنفصل الحجّة من البرهان،لأنّ الحجّة مشتقّة من معنى الاستقامة في القصد حجّ يحجّ إذا استقام في قصده، و البرهان لا يعرف له اشتقاق،و ينبغي أن يكون لغة مفردة.

الفرق بين الاحتجاج و الاستدلال:أنّ الاستدلال:

طلب الشّيء من جهة غيره،و الاحتجاج هي الاستقامة في النّظر على ما ذكرنا،سواء كان من جهة ما يطلب معرفته أو من جهة غيره.(53)

الفرق بين القصد و الحجّ:أنّ الحجّ هو القصد على استقامة،و من ثمّ سمّي قصد البيت:حجّا،لأنّ من يقصد زيارة البيت لا يعدل عنه إلى غيره،و منه قيل للطّريق المستقيم:محجّة.

و الحجّة:«فعلة»من ذلك،لأنّه قصد إلى استقامة ردّ الفرع إلى الأصل.(103)

الفرق بين السّنة و الحجّة:أنّ الحجّة تفيد أنّها يحجّ فيها،و الحجّة:المرّة الواحدة من حجّ يحجّ،و الحجّة «فعلة»مثل:الجلسة و القعدة،ثمّ سمّيت بها السّنة،كما يسمّى الشّيء باسم ما يكون فيه.(224)

الثّعالبيّ: المحجّة و الجادّة:معظم الطّريق.(61)

المحجّة:وسط الطّريق و معظمه.(289)

ابن سيده: حجّ علينا:قدم،و حجّه يحجّه حجّا:

قصده.

و الحجّ:القصد،للتّوجّه إلى البيت بالأعمال المشروعة،فرضا و سنّة،و أصله من ذلك.

و جاء في التّفسير:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم خطب النّاس فأعلمهم أنّ اللّه قد فرض عليهم الحجّ،فقام رجل من بني أسد فقال:يا رسول اللّه أ في كلّ عام؟فأعرض عنه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فعاد الرّجل ثانية،فأعرض،فعاد ثالثة.

فقال صلّى اللّه عليه و سلّم:«ما يؤمّنك أن أقول:نعم،فتجب،فلا تقومون بها فتكفرون؟»أي تدفعون وجوبها لثقلها فتكفرون.

و أراد صلّى اللّه عليه و سلّم:ما يؤمّنك أن يوحى إليّ أن أقول:نعم،فأقول.

ص: 810

و حجّه يحجّه و هو الحجّ.[إلى أن قال:]

و رجل حاجّ و قوم حجّاج و حجيج.

فأمّا قولهم:«أقبل الحاجّ و الدّاجّ»فقد يكون أن يراد به الجنس،و قد يكون اسما للجمع كالحامل و الباقر.

و الحجّ:الحجّاج.

و احتجّ البيت:كحجّه،عن الهجريّ.

و ذو الحجّة:شهر الحجّ،سمّي بذلك للحجّ فيه.

و الحجّة:السّنة،و الجمع:حجج.

و المحجّة:الطّريق،و قيل:محجّة الطّريق:سننه.

و الحجّة:ما دوفع به الخصم؛و الجمع:حجج و حجاج.

و حاجّه محاجّة و حجاجا:نازعه الحجّة.

و حجّه يحجّه حجّا:غلبه على حجّته،و في الحديث:

«فحجّ آدم موسى».

و احتجّ بالشّيء:اتّخذه حجّة.

و حجّه يحجّه حجّا فهو محجوج و حجيج،إذا قدح بالحديد في العظم حتّى يتلطّخ الدّماغ بالدّم فيقلع الجلدة الّتي جفّت،ثمّ يعالج ذاك فيلتئم بجلد،و تكون آمّة.

و كذلك حجّ الشّجّة يحجّها حجّا.

و قيل:الحجّ:أن يشجّ الرّجل فيختلط الدّم بالدّماغ،فيصبّ عليه السّمن المغلّى أو اللّبن المغلّى، حتّى يظهر الدّم،فيؤخذ بقطنة.

و حجّ العظم يحجّه حجّا:قطعه من الجرح و استخرجه.

و أحجّ الشّيء:صلب.

و الحجاج و الحجاج:العظم النّابت عليه الحاجب.

و قيل:الحجاجان:العظمان المشرفان على غاري العينين.و قيل:هما منبتا شعر الحاجبين من العظم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمع:أ حجّة و حجج.

علىّ:حجج شاذّ،لأنّ ما كان من هذا النّحو لم يكسّر على«فعل»كراهية التّضعيف.

و الحجج:الوقرة في العظم.

و الحجّة و الحاجّة:شحمة الأذن،الأخيرة اسم كالكاهل و الغارب.

و الحجّة أيضا:خرزة لؤلؤة تعلّق في الأذن.

و الحجّاج:اسم رجل،أماله بعض أهل الإمالة في جميع وجوه الإعراب،على غير قياس،في الرّفع و النّصب،و مثل ذلك«النّاس»في الجرّ خاصّة.

و إنّما مثّلته به،لأنّ ألف«الحجّاج»زائدة غير منقلبة،و لا يجاورها مع ذلك ما يوجب الإمالة.و كذلك «النّاس»لأنّ الأصل إنّما هو الأناس فحذفوا الهمزة و جعلوا اللاّم خلفا منها كاللّه،إلاّ أنّهم قد قالوا:الأناس.

و قالوا:مررت بناس،فأمالوا في الجرّ خاصّة، تشبيها للألف بألف«فاعل»،لأنّها ثانية مثلها،و هو نادر،لأنّ الألف ليست منقلبة.فأمّا في الرّفع و النّصب، فلا يميله أحد.

و قد يقولون:حجّاج،بغير ألف و لام،كما يقولون:

العبّاس و عبّاس،و قد تقدّم تعليل ذلك.

و حجج:من زجر الغنم.

و حجحج الرّجل:نكص،و قيل:عجز و قصّر.

ص: 811

و حجحج الرّجل:لم يبد ما في نفسه.

و الحجحجة:التّوقّف عن الشّيء و الارتداع.

و حجحج عن الشّيء:كفّ عنه.

و حجحج:صاح.

و تحجحج القوم بالمكان:أقاموا فيه فلم يبرحوا.

[و استشهد بالشّعر سبع مرّات](2:480)

الحجّة:الدّليل و البرهان.و حاجّه محاجّة و حجاجا:

جادله.

و حجّه يحجّه حجّا:غلبه في الحجّة.

و التّحاجّ:التّخاصم و التّجادل.

(الإفصاح 1:247)

الرّاغب: أصل الحجّ:القصد للزّيارة.

خصّ في تعارف الشّرع بقصد بيت اللّه تعالى إقامة للنّسك،فقيل:الحجّ و الحجّ،فالحجّ:مصدر،و الحجّ:

اسم.

و يوم الحجّ الأكبر:يوم النّحر،و يوم عرفة،و روي:

«العمرة الحجّ الأصغر».

و الحجّة:الدّلالة المبيّنة للمحجّة،أي المقصد المستقيم الّذي يقتضي صحّة أحد النّقيضين.قال تعالى:

قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ الأنعام:149،و قال: لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا البقرة:

150،فجعل ما يحتجّ بها الّذين ظلموا مستثنى من الحجّة و إن لم يكن حجّة.

و يجوز أنّه سمّي ما يحتجّون به:حجّة،كقوله تعالى:

وَ الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ الشّورى:16،فسمّى الدّاحضة:

حجّة،و قوله تعالى: لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ...

الشّورى:15،أي لا احتجاج،لظهور البيان.

و المحاجّة:أن يطلب كلّ واحد أن يردّ الآخر عن حجّته و محجّته.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

و سمّي سبر الجراحة:حجّا.[و استشهد بالشّعر ثلاث مرّات](107)

نحوه الفيروزآباديّ بتفاوت يسير.

(بصائر ذوي التّمييز 2:432)

الزّمخشريّ: احتجّ على خصمه بحجّة شهباء، و بحجج شهب،و حاجّ خصمه فحجّه،و فلان خصمه محجوج،و كانت بينهما محاجّة و ملاجّة.

و سلك المحجّة،و عليكم بالمناهج النّيّرة، و المحاجّ الواضحة.

و أقمت عنده حجّة كاملة،و ثلاث حجج كوامل.

و حجّوا مكّة،و هم حجّاج عمّار كالسّفّار للمسافرين،و«هؤلاء الدّاجّ و ليسوا بالحاجّ».

و الحجيج لهم عجيج.

و فلان تحجّه الرّفاق،أي تقصده.

و من المجاز:بدا حجاج الشّمس كما يقال:حاجبها.

و مرّوا بين حجاجي الجبل،و هما جانباه.[و استشهد بالشّعر مرّتين](أساس البلاغة:74)

الطّبرسيّ: المحاجّة و المجادلة و المناظرة:نظائر، فالمحاجّة:أن يحتجّ كلّ واحد من الخصمين على صاحبه،و الحجّة:الوجه الّذي به يكون الظّفر عند الحجاج،و يقال:حاججته فحججته.

و في الحديث:«فحجّ آدم موسى»،أي غلبه في

ص: 812

الحجّة.

و أصله:من القصد،و منه:الحجّ،و هو القصد إلى بيت اللّه الحرام على وجه مخصوص.فالحجّة هي النّكتة المقصودة في تصحيح الأمور.(1:143)

المدينيّ: في الحديث:«كانت الضّبع و أولادها في حجاج عين رجل من العماليق».

الحجاج: العظم المستدير حول العين الّذي ينبت عليه الحاجب،و قد تفتح حاؤه؛و جمعه:أ حجّة و حجج.

و الأحجّ:العظيم الحجاج.

و في حديث الدّجّال:«إن يخرج و أنا فيكم فأنا حجيجه دونكم،و إلاّ فامرؤ حجيج نفسه،أي يحاجّه و يحاوره».

و يقال:حاججته حجاجا و محاجّة فحججته أحجّه حجّا،أي غلبته.

و الحجّة لإيضاحها الشّيء يمكن أن تكون من المحجّة.

في حديث أبي الطّويل:«لم يترك حاجّة و لا داجّة» أي الجماعة الحاجّة.و الدّاجّة:الّذين معهم من أتباعهم.

و قيل:الدّاجّ:المقيم.[ثمّ استشهد بشعر]

و هو موحّد اللّفظ جمع المعنى،كقوله تعالى: سامِراً تَهْجُرُونَ المؤمنون:67.

في حديث معاوية:«فجعلت أحجّ خصمي»قوله:

أحجّه،أي أغلبه بالحجّة،و أتعلّق بحجّة بعد أخرى.

(1:400)

ابن الأثير: في حديث الحجّ:«أيّها النّاس قد فرض عليكم الحجّ فحجّوا».

الحجّ في اللّغة:القصد إلى كلّ شيء فخصّه الشّرع بقصد معيّن ذي شروط معلومة.

و فيه لغتان:الفتح و الكسر.

و قيل:الفتح:المصدر،و الكسر:الاسم،تقول:

حججت البيت أحجّه حجّا.

و الحجّة بالفتح:المرّة الواحدة على القياس.و قال الجوهريّ:«الحجّة بالكسر:المرّة الواحدة،و هو من الشّواذّ».

و ذو الحجّة بالكسر:شهر الحجّ.

و رجل حاجّ،و امرأة حاجّة،و رجال حجّاج، و نساء حواجّ.و الحجيج:الحجّاج أيضا،و ربّما أطلق الحاجّ على الجماعة مجازا و اتّساعا.[ثمّ ذكر بعض الأحاديث المتقدّمة]

و في حديث الدّعاء:«اللّهمّ ثبّت حجّتي في الدّنيا و الآخرة»أي قولي و إيماني في الدّنيا،و عند جواب الملكين في القبر.

و منه حديث جيش الخبط:«فجلس في حجاج عينه كذا و كذا نفرا»يعني السّمكة الّتي وجدوها على البحر.(1:340)

الصّغانيّ: الحجج:الطّرق المحفّرة.

و حججت عن الأمر،أي كففت،مثل حجحجت.

و فرس أحجّ كالأحقّ.

و حجّاج:قرية من قرى بيهق.

و الحجج:الجراح المسبورة.[تركنا كثيرا من كلامه حذرا من التّكرار](1:411)

الجرجانيّ: الحجّ:القصد إلى الشّيء المعظّم،و في

ص: 813

الشّرع:قصد لبيت اللّه تعالى بصفة مخصوصة،في وقت مخصوص،بشرائط مخصوصة.(36)

الفيروزآباديّ: الحجّ:القصد،و الكفّ،و القدوم، و سبر الشّجّة بالمحجاج للمسبار،و الغلبة بالحجّة، و كثرة الاختلاف،و التّردّد،و قصد مكّة للنّسك،و هو حاجّ و حاجج،جمعه:حجّاج و حجيج و حجّ.

و هي حاجّة من حواجّ،و بالكسر:الاسم.

و الحجّة:المرّة الواحدة شاذّ،لأنّ القياس الفتح، و السّنة،و شحمة الأذن،و يفتح.

و بالفتح:خرزة أو لؤلؤة تعلّق في الأذن،و بالضّمّ:

البرهان.

و المحجاج:الجدل.

و أحججته:بعثته ليحجّ.

و حجّة اللّه لا أفعل،بفتح أوّله و خفض آخره:يمين لهم.

و حجحج:أقام،و نكص،و كفّ،و أمسك عمّا أراد قوله.

و الحجوّج كحزوّر:الطّريق يستقيم مرّة و يعوجّ أخرى.

و الحجج بضمّتين:الطّريق المحفّرة،و الجراح المسبورة.

و الحجاج و يكسر:الجانب،و عظم ينبت عليه الحاجب،و حاجب الشّمس.

و الحجحج:الفسل.

و رأس أحجّ:صلب.

و فرس أحجّ:أحقّ.

و حجّاج:اسم،و قرية ببيهق.

و التّحاجّ:التّخاصم.(1:188)

الطّريحيّ: حجج الدّهور:هم الأئمّة عليهم السّلام،و في الحديث:«لم يخل اللّه خلقه من نبيّ مرسل أو كتاب منزل أو حجّة لازمة أو محجّة قائمة».

و المحجّة بفتح الميم:جادّة الطّريق؛و الجمع:

المحاجّ،بشدّة جيم.

و فيه:«الحجّة قبل الخلق و مع الخلق و بعد الخلق» قيل فيه:لعلّ المراد قبل الخلق:الأجساد في عالم الذّرّ و الأرواح،لقول أمير المؤمنين عليه السّلام في الرّجل الّذي ادّعى أنّه يتولاّه:«ما رأيتك في عالم الأرواح».

و رجل محجوج،أي مقصود.

و قد حجّ بنو فلان فلانا:أطالوا الاختلاف فيه.

(2:287)

مجمع اللّغة :حجّ يحجّ حجّا و حجّا:قصد للزّيارة.و في عرف الشّرع:قصد بيت اللّه الحرام إقامة للنّسك.

و الحاجّ:اسم فاعل من«حجّ»،و قد يكون اسم جنس أو اسم جمع،يراد به غير الواحد.

الحجّة:البيّنة الواضحة المبيّنة للمحجّة و المقصد.

و قد يراد بها ما يحتجّ به الإنسان،و لو كان غير مبيّن.

و قد يراد بالحجّة:المحاجّة و المنازعة،تحاجّا:

تخاصما و تنازعا الحجّة.

الحجّة بكسر الحاء:السّنة،و جمعها:حجج.

(1:236)

العدنانيّ: باهر قويّ الحجّة لا الحجّة

ص: 814

و يسمّون الدّليل و البرهان حجّة،و الصّواب هي:

الحجّة،فنقول:باهر قويّ الحجّة.

أمّا الحجّة فهي الاسم من حجّ،و هي المرّة من الحجّ على غير قياس.و هي السّنة،فنقول:عاش فلان ثمانين حجّة.

و من معاني الحجّة:

1-صكّ البيع.

2-العالم الثّبت.

3-و عند المحدّثين:من أحاط علمه بثلاثمئة ألف حديث متنا و إسنادا،و بأحوال رواته جرحا و تعديلا و تأريخا.

و جمع الحجّة:حجج.و الحجّة:حجج.

الحجّ الأكبر و الحجّ الأصغر

جاء في تفسير ابن الخازن لقوله تعالى في الآية الثّالثة من سورة التّوبة: وَ أَذانٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أنّ الحجّ الأكبر هو ما كانت وقفته يوم الجمعة.

و الحقيقة هي أنّ كلّ حجّ هو أكبر،كما جاء في معجم ألفاظ القرآن الكريم،و غريب القرآن للسّجستانيّ، و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و تفسير الجلالين، و المصحف المفسّر لوجدي،و المدّ،و محيط المحيط، و الوسيط.

و ممّا قاله معجم ألفاظ القرآن الكريم،و غريب القرآن،و مفردات الرّاغب:إنّ الحجّ الأكبر هو يوم النّحر أو يوم عرفة.

و قال ابن كثير في تفسير تلك الآية الكريمة: يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ هو يوم النّحر،أفضل أيّام المناسك، و أظهرها،و أكبرها جميعا.

و قال«تفسير الجلالين»:إنّه يوم النّحر.

و جاء في«المصحف المفسّر»لوجدي: يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ هو يوم العيد،لأنّ فيه تمام الحجّ،و قيل: يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ هو يوم عرفة،و سمّي ذلك بالحجّ الأكبر، لأنّ العمرة تسمّى«الحجّ الأصغر».

و قال«الوسيط»:إنّه اليوم الّذي يسبقه الوقوف بعرفة.

أمّا الحجّ الأصغر فهو العمرة:غريب القرآن للسّجستانيّ،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و المصحف المفسّر لوجدي،و المدّ،و محيط المحيط،و الوسيط الّذي قال:إنّ الحجّ الأصغر هو الّذي ليس فيه الوقوف بعرفة.

ذو الحجّة و ذو الحجّة

و يخطّئون من يطلق على الشّهر الثّاني عشر من السّنة الهجريّة اسم:ذي الحجّة،و يقولون:إنّ الصّواب هو:ذو الحجّة،اعتمادا على اللّيث بن سعد،و الأزهريّ، و الصّحاح،و النّهاية،و المختار،و اللّسان،و محيط المحيط، و أقرب الموارد.

و لكن:

أجاز لنا أن نقول:ذو الحجّة و ذو الحجّة كلّ من القزّاز،و مشارق الأنوار للقاضي عياض السّبتيّ، و مطالع الأنوار على صحاح الآثار لابن قرقول، و المصباح،و مستدرك التّاج،و دوزي،و المتن.

و قال القزّاز،و القاضي عياض،و ابن قرقول، و مستدرك التّاج:إنّ فتح الحاء أشهر،و كسرها قليل.

ص: 815

و قال«المصباح»:إنّ الحاء مكسورة و بعضهم يفتحها.

أمّا صاحب«متن اللّغة»،فإنّه يقول حائرا:

و الكسر في الحاء قليل،أو هو أكثر.

و يجمع ذو الحجّة على:ذوات الحجّة.(144)

المصطفويّ: و التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة،هو القصد الملازم للحركة و العمل.و من مصاديق هذا المفهوم:سبر الشّجّة،و إطالة الاختلاف.

و الحجّة«فعلة»كاللّقمة:ما يقصد به في مقام البحث،و إثبات الدّعوى،و الإتيان للغلبة على الطّرف.

و المحجّة هي الطّريقة الواضحة المستقيمة ظاهريّة أو معنويّة،يقصد إليها و بها،و يسلك فيها للوصول إلى المطلوب.

و أمّا المحاجّة:فصيغتها«مفاعلة»و تدلّ على الدّوام و الاستمرار،و قولنا:حاججت،تدلّ على استمرار القصد مع الحركة،و العمل في مقابل الطّرف المقابل،و هذا المعنى هو الاحتجاج،و البحث،و إدامة المذاكرة.

و الحجّ:هو القصد مع عمل مخصوص و حركة،و هي المناسك،و هذا المعنى الخاصّ،هو الحقيقة الشّرعيّة كالصّلاة و الزّكاة.

فلا يطلق الحاجّ على مطلق من يقصد هذا العمل،بل إذا بلغ إلى حدّ المناسك و عمل بها سالكا لقضائها فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ البقرة:197، أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ التّوبة:

19، وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ الحجّ:97، اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ البقرة:197.

فهذه الآيات و غيرها تدلّ على أنّ الحجّ عبارة عن قضاء المناسك لا القصد المطلق.

و الظّاهر أنّ الحجّ بالفتح:اسم مصدر،و إنّما المصدر هو الحجّ بالكسر،كما عن سيبويه،و تدلّ عليه آية وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ آل عمران:97،فإنّ الواجب عليهم إقامة الحجّ و القصد إليه مع العمل، و لا يصحّ أن يقال:للّه عليهم نفس المناسك،أي ما يحصل من المصدر.

و أمّا الحجّة بمعنى السّنة:فإنّ الزّمان يمرّ بالإنسان و يقدم يوما فيوما و شهرا فشهرا و سنة فسنة،و السّنة حدّ معيّن و مقدار محدود من امتداد الزّمان،و بتجدّدها يتجدّد التّأثير و الحوادث.

عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ القصص:27، مقدار هذا الحدّ من الزّمان،و فيها إشارة إلى أنّ الإجارة في ثماني سنوات تمرّ علينا مع ما يتجدّد فيها من عمل و حادثة و جريان،على ما يقتضيه ذلك الزّمان.

و يمكن أن يكون مقدار السّنة و حدودها مشخّصا في ذلك الزّمان،بقدوم موسم الحجّ،و يدلّ عليه وقوع شهر الحجّ في آخر السّنة.فيكون المراد:قدوم موسم الحجّ ثماني مرّات،و قد كان حجّ البيت معمولا عند سكّان الجزيرة منذ عهد إبراهيم عليه السّلام.و يدلّ عليه وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ الحجّ:27،خطابا لإبراهيم عليه السّلام تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ... الأنعام:83،فالحجّة ما يقصد به الحركة و العمل على من يريد،فهي كالسّلاح

ص: 816

على العدوّ.

قُلْ أَ تُحَاجُّونَنا فِي اللّهِ وَ هُوَ رَبُّنا البقرة:139، أي تديمون البحث و تستمرّون في مقام الاحتجاج و الإتيان بالحجّة،مع أنّه تعالى مربّينا،و فتق أمورنا و رتقها و تدبيرها و نظمها بيده الّتي فوق الأيدي،و أيّ حجّة تكون فوق هذه الحجّة.

قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ الأنعام:149،كيف لا تكون كذلك،و هو أنشأكم،ثمّ سوّاكم،ثمّ خلق لكم ما في الأرض من النّعم و الآلاء العامّة،ثمّ هداكم بإرسال الرّسل و الكتب،ثمّ يكمّل إحسانه و فضله العامّ على من يشاء،فإنّ اللّه لذو فضل على النّاس،و يختصّ برحمته من يشاء،و هو قادر على ما يشاء بما يشاء كيف يشاء، فكيف لا تكون له حجّة بالغة على الخلق.

و هذه هي حقيقة الحجّة الّتي بها يفحم المدّعي المخالف في إثبات الحقّ،و إبطال الباطل.(2:179)

النّصوص التّفسيريّة

حجّ

...فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما... البقرة:158

الطّبريّ: فمن أتاه عائدا إليه بعد بدء،و كذلك كلّ من أكثر الاختلاف إلى شيء،فهو حاجّ إليه.[ثمّ استشهد بشعر]

و إنّما قيل للحاجّ:حاجّ،لأنّه يأتي البيت قبل التّعريف،ثمّ يعود إليه لطواف يوم النّحر بعد التّعريف،ثمّ ينصرف عنه إلى منى،ثمّ يعود إليه لطواف الصّدر، فلتكراره العود إليه مرّة بعد أخرى قيل له:حاجّ.

(2:44)

السّجستانيّ: أي قصد البيت،و يقال:حججت الموضع أحجّه حجّا،إذا قصدته،ثمّ سمّي السّفر إلى البيت حجّا،دون ما سواه.

و الحجّ بفتح الحاء و كسرها:لغتان،أو يقال:الحجّ:

المصدر،و الحجّ:الاسم.

و قوله عزّ و جلّ: يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أي يوم النّحر،و يقال:يوم عرفة،و كانوا يسمّون العمرة:الحجّ الأصغر.(20)

القفّال: في لفظ«الحجّ»أقوال:

الأوّل:الحجّ في اللّغة:كثرة الاختلاف إلى الشّيء و التّردّد إليه.[ثمّ قال نحو الطّبريّ،و نقل القول الثّاني عن قطرب المتقدّم في اللّغة و أضاف:]

و هذا محتمل،لقوله تعالى: لَتَدْخُلُنَّ الْمَسْجِدَ الْحَرامَ إِنْ شاءَ اللّهُ آمِنِينَ مُحَلِّقِينَ رُؤُسَكُمْ وَ مُقَصِّرِينَ الفتح:27،أي حجّاجا و عمّارا،فعبّر عن ذلك بالحلق،فلا يبعد أن يكون الحجّ مسمّى بهذا الاسم لمعنى الحلق.

الثّالث:قال قوم:الحجّ:القصد.يقال:رجل محجوج،و مكان محجوج،إذا كان مقصودا،و من ذلك:

محجّة الطّريق.فكأنّ البيت لمّا كان مقصودا بهذا النّوع من العبادة،سمّي ذلك الفعل حجّا.

و القول الأوّل أشبه بالصّواب،لأنّ قولهم:رجل محجوج،إنّما هو فيمن يختلف إليه مرّة بعد أخرى،

ص: 817

و كذلك:محجّة الطّريق،هو الّذي كثر السّير إليه.

(الفخر الرّازيّ 4:178)

نحوه النّيسابوريّ.(2:40)

الماورديّ: الحجّ فيه قولان:

أحدهما:أنّه القصد،سمّي به النّسك،لأنّ البيت مقصود فيه.[ثمّ استشهد بشعر و قال نحو الطّبريّ]

(1:212)

الطّوسيّ: الحجّ:قصد البيت بالعمل المشروع من الإحرام،و الطّواف،و الوقوف بعرفة،و السّعي بين الصّفا و المروة.و اشتقاقه من الحجّ:الّذي هو القصد على وجه التّكرار و التّردّد.[ثمّ استشهد بشعر](2:42)

نحوه الطّبرسيّ.(1:239)

الواحديّ: أصل الحجّ في اللّغة:زيارة شيء تعظّمه.

(1:242)

الزّمخشريّ: الحجّ:القصد،و الاعتمار:الزّيارة، فغلبا على قصد البيت و زيارته للنّسكين المعروفين، و هما في المعاني كالنّجم و البيت في الأعيان.

(1:324)

نحوه البيضاويّ(1:92)،و أبو حيّان(1:454)، و أبو السّعود(1:222)،و الكاشانيّ(1:187)،و شبّر (1:165).

ابن عطيّة: (حجّ)معناه قصد و تكرّر.(1:229)

نحوه ابن الجوزيّ(1:164)،و القرطبيّ(2:181)، و النّسفيّ(1:85)،و البروسويّ(1:263).

الآلوسيّ: الحجّ لغة:القصد مطلقا،أو إلى معظّم.

و قيّده بعضهم بكونه على وجه التّكرار.

و العمرة:الزّيارة أخذا من العمارة،كأنّ الزّائر يعمر المكان بزيارته.

فغلبا شرعا على المقصد المتعلّق بالبيت و زيارته على الوجهين المخصوصين.(2:25)

المراغيّ: فمن أدّى فريضة الحجّ.(2:27)

عزّة دروزة :الفرق بين العمرة و الحجّ:هو أنّ الحجّ مناسك عديدة تؤدّى في موسم معيّن،و هو فرض على من استطاع من المسلمين،مرّة في العمر.

في حين أنّ العمرة زيارة غير معيّنة الوقت،و ليست فرضا.و مناسكها الطّواف حول الكعبة،و السّعي بين الصّفا و المروة فقط.(7:257)

الحاجّ

أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ... التّوبة:19

راجع:«س ق ي».

حجّ

وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً...

آل عمران:97

ابن عبّاس: الذّهاب إلى البيت.(52)

الإمام الصّادق عليه السّلام: يعني به الحجّ و العمرة جميعا، لانّهما مفروضان.(الكاشانيّ 1:333)

الزّجّاج: يقرأ بفتح الحاء و كسر الحاء،و الأصل:

ص: 818

الفتح.يقال:حججت الشّيء أحجّه حجّا،إذا قصدته.

و الحجّ:اسم العمل،بكسر الحاء.(1:447)

نحوه الواحديّ.(1:467)

البغويّ: قرأ أبو جعفر و حمزة و الكسائيّ و حفص (حجّ البيت)بكسر الحاء،في هذا الحرف خاصّة.و قرأ الآخرون بفتح الحاء،و هي لغة أهل الحجاز،و هما لغتان فصيحتان،و معناهما واحد.

و الحجّ:أحد أركان الإسلام.(1:473)

نحوه الفخر الرّازيّ(8:162)،و البيضاويّ (1:173)،و النّيسابوريّ(4:14).

ابن عطيّة: الحجّ في اللّغة:القصد،لكنّه في بيت اللّه مخصّص بأعمال و أقوال.[ثمّ قال نحو البغويّ و أضاف:]

قال القاضي:بكسر الحاء،يريدون:عمل سنة واحدة.و لم يجيئوا به على الأصل،لكنّه اسم له.

قال أبو عليّ: قوله لم يجيئوا به على الأصل:يريد على الفتح الّذي هو الدّفعة من الفعل،و لكن كسروه فجعلوه اسما لهذا المعنى،كما أنّ غزاة كذلك و لم تجئ فيه الغزوة،و كان القياس.

و أكثر ما التزم كسر الحاء في قولهم:ذو الحجّة،و أمّا قولهم:حجّة الوداع و نحوه،فإنّها على الأصل.(1:477)

الشّربينيّ: أي قصده للزّيارة على وجه مخصوص.[ثمّ قال نحو البغويّ](1:234)

نحوه أبو السّعود(2:7)،و الطّريحيّ(2:285)، و البروسويّ(2:68)،و القاسميّ(4:904).

الآلوسيّ: هو في اللّغة مطلق القصد أو كثرته إلى من يعظّم،و المراد به هنا:قصد مخصوص غلب فيه حتّى صار حقيقة شرعيّة.[ثمّ قال نحو البغويّ](4:7)

الطّباطبائيّ: (الحجّ)بالكسر،و قرئ بالفتح، هو القصد.ثمّ اختصّ استعماله بقصد البيت على نهج مخصوص،بيّنه الشّرع.

و الآية تتضمّن تشريع الحجّ إمضاء لما شرّع لإبراهيم عليه السّلام،كما يدلّ عليه قوله تعالى،حكاية لما خوطب به إبراهيم: وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ الحجّ:

27،و من هنا يظهر أنّ وزان قوله: وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ وزان قوله تعالى: وَ مَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً في كونه إخبارا عن تشريع سابق،و إن كان من الممكن أن يكون إنشاء على نحو الإمضاء،لكنّ الأظهر من السّياق هو الأوّل،كما لا يخفى.(3:355)

الحجّ

1- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَ الْحَجِّ... البقرة:189

راجع«و ق ت».

2- وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ... البقرة:196

ابن مسعود: و أقيموا الحجّ و العمرة إلى البيت، و اللّه لو لا التّحرّج،و إنّي لم أسمع من رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فيها شيئا،لقلت:إنّ العمرة واجبة مثل الحجّ.

(الطّبريّ 2:209)

ابن عبّاس: إتمام الحجّ إلى آخره،و إتمام العمرة إلى البيت.(27)

من أحرم بحجّ أو بعمرة فليس له أن يحلّ حتّى

ص: 819

يتمّها،تمام الحجّ يوم النّحر،إذا رمى جمرة العقبة و زار البيت،فقد حلّ من إحرامه كلّه.(الطّبريّ 2:207)

سعيد بن جبير: إنّ معناه إقامتهما إلى آخر ما فيهما،لأنّهما واجبان.

مثله عطاء،و السّدّيّ.(الطّوسيّ 2:154)

الشّعبيّ: إنّ إتمامهما واجب بالدّخول فيهما.

مثله أبو بردة و ابن زيد و مسروق.

(الماورديّ 1:254)

مجاهد :و أتمّوا الحجّ لمناسكه و سننه،و أتمّوا العمرة بحدودها و سنّتها.(الماورديّ 1:254)

إنّه فعل ما أمر اللّه فيهما.(ابن الجوزيّ 1:204)

مكحول:إتمامهما:إنشاؤهما جميعا من الميقات.

(ابن كثير 1:407)

الإمام الباقر:[في حديث]قال:قلت له:لم سمّي الحجّ حجّا؟قال:حجّ فلان،أي أفلح فلان.

(البحرانيّ 2:110)

السّدّيّ: أقيموا الحجّ و العمرة.(الطّبريّ 2:209)

الإمام الصّادق عليه السّلام:الحجّ:جميع المناسك، و العمرة:لا يجاوز بها مكّة.(العيّاشيّ 1:194)

هما مفروضان.(البحرانيّ 2:111)

أبو حنيفة:إنّ هذا الأمر مشروط،و المعنى أنّ من شرع فيه فليتمّه.(الفخر الرّازيّ 5:152)

ابن زيد :ليس من الخلق أحد ينبغي له إذا دخل في أمر إلاّ أن يتمّه،فإذا دخل فيها لم ينبغ له أن يهلّ يوما أو يومين ثمّ يرجع،كما لو صام يوما لم ينبغ له أن يفطر في نصف النّهار.(الطّبريّ 2:208)

الطّبريّ: [لاحظ«ع م ر»](2:210)

الطّوسيّ: قيل في إتمام الحجّ و العمرة أقوال:

أحدها:أنّه يجب أن يبلغ آخر أعمالهما بعد الدّخول فيهما،و هو قول مجاهد و أبي العبّاس المبرّد و أبي عليّ الجبّائيّ.[ثمّ ذكر القول الثّاني و هو قول سعيد بن جبير و عطاء و السّديّ]

الثّالث:قال طاوس:إتمامهما إفرادهما.

الرّابع:قال قتادة:الاعتمار في غير أشهر الحجّ.

و أصحّ الأقوال الأوّل.

و الحجّ هو القصد إلى البيت الحرام،لأداء مناسك مخصوصة بها في أوقات مخصوصة.

و مناسك الحجّ تشتمل على:المفروض،و المسنون.

و المفروض يشتمل على:الرّكن،و غير الرّكن.

فأركان الحجّ أوّلا:النّيّة،و الإحرام،و الوقوف بعرفة،و الوقوف بالمشعر،و طواف الزّيارة،و السّعي بين الصّفا و المروة.

و الفرائض الّتي ليست بأركان:التّلبية،و ركعتا طواف الزّيارة،و طواف النّساء،و ركعتا الطّواف له.

و المسنونات:الجهر بالتّلبية،و استلام الأركان، و أيّام منى،و رمي الجمار،و الحلق أو التّقصير، و الأضحيّة إن كان مفردا.و إن كان متمتّعا فالهدي واجب عليه،و إلاّ فالصّوم الّذي هو بدل عنه.(2:154)

نحوه الطّبرسيّ.(1:290)

الفخر الرّازيّ: الحجّ في اللّغة:عبارة عن القصد، و إنّما يقال:حجّ فلان الشّيء،إذا قصده مرّة بعد أخرى، و أدام الاختلاف إليه.

ص: 820

و الحجّة بكسر الحاء:السّنة،و إنّما قيل لها:حجّة لأنّ النّاس يحجّون في كلّ سنة.

و أمّا في الشّرع فهو اسم لأفعال مخصوصة،منها أركان،و منها أبعاض،و منها هيئات.فالأركان ما لا يحصل التّحلّل حتّى يأتي به،و الأبعاض هي الواجبات الّتي إذا ترك منها شيء يجبر بالدّم،و الهيئات ما لا يجب الدّم على تاركها.

و الأركان عندنا خمسة:الإحرام،و الوقوف بعرفة، و الطّواف بالبيت،و السّعي بين الصّفا و المروة،و في حلق الرّأس أو تقصيره قولان؛أصحّهما أنّه نسك لا يحصل التّحلّل إلاّ به.

و أمّا الأبعاض فهي الإحرام من الميقات،و المقام بعرفة إلى الغروب في قول،و البيتوتة بمزدلفة ليلة النّحر في قول،و رمي جمرة العقبة،و البيتوتة بمنى ليالي التّشريق في قول،و رمي أيّامها.و أمّا سائر أعمال الحجّ فهي سنّة.(5:152)

نحوه النّيسابوريّ.(2:150)

ابن كثير :من تمامهما أن تفرد كلّ واحد منهما من الآخر،و أن تعتمر في غير أشهر الحجّ.(1:407)

الشّربينيّ: أي أدّوهما بحقوقهما،و في الآية حينئذ دليل على وجوبهما؛إذ الأصل في الأمر الوجوب.

(1:128)

نحوه طه الدّرّة.(1:304)

البيضاويّ: أي ائتوا بهما تامّين مستجمعي المناسك لوجه اللّه تعالى،و هو على هذا يدلّ على وجوبهما،و يؤيّده قراءة من قرأ (اقيموا الحج و العمرة لله) .(1:106)

نحوه الكاشانيّ(1:211)،و المشهديّ(1:459)، و شبّر(1:198).

البروسويّ: المعنى أكملوا أركانهما و شرائطهما و سائر أفعالهما المعروفة شرعا،لوجه اللّه تعالى من غير إخلال منكم بشيء منها،و أخلصوهما للعبادة، و لا تشوبوهما بشيء من التّجارة و الأغراض الدّنيويّة، و اجعلوا النّفقة من الحلال.

و أركان الحجّ خمسة:الإحرام،و الوقوف بعرفة، و الطّواف،و السّعي بين الصّفا و المروة،و حلق الرّأس أو التّقصير.فركن الحجّ ما لا يحصل التّحلّل إلاّ بالإتيان به، و واجباته هو الّذي إذا ترك يجبر بالدّم،و سننه ما لا يجب بتركه شيء.

و كذا أفعال العمرة تشتمل على هذه الأمور الثّلاثة، فأركانها أربعة:الإحرام،و الطّواف بالبيت،و السّعي بين الصّفا و المروة،و الحلق.(1:310)

المراغيّ: أي:و أتوا بالحجّ و العمرة تامّين كاملين، ظاهرا بأداء المناسك على وجهها،و باطنا بالإخلاص للّه تعالى دون قصد الكسب و التّجارة أو الرّياء و السّمعة.

[إلى أن قال:]

و قد كان الحجّ معروفا في الجاهليّة من عهد إبراهيم و إسماعيل،و أقرّه الإسلام بعد أن أزال ما فيه من ضروب الشّرك و المنكرات،و زاد فيه مناسك و عبادات.

(2:96)

مغنيّة: معنى الحجّ في اللّغة:القصد،و في الشّرع:

عبادة خاصّة في مكان مخصوص،في زمن معيّن.و العمرة

ص: 821

في اللّغة:مطلق الزّيارة،و في الشّرع:زيارة بيت اللّه الحرام،على نحو خاصّ.

و الحجّ واجب كتابا و سنّة و إجماعا،بل ثبت وجوبه بالبديهة الدّينيّة،و من أنكره فليس بمسلم تماما،كمن أنكر وجوب الصّوم و الصّلاة.أمّا العمرة فقد أوجبها الإماميّة و الشّافعيّة،و قال باستحبابها الحنفيّة و المالكيّة.

و قوله تعالى:(للّه)أي حجّوا و اعتمروا لوجه اللّه وحده،لا لمقاصد دنيويّة.فقد كانت العرب تقصد الحجّ للاجتماع و التّفاخر و التّنافر،و قضاء الحوائج،و حضور الأسواق،فأمر اللّه بالقصد إليه للعبادة الخالصة من كلّ شائبة.(1:304)

الطّباطبائيّ: و الحجّ هو العمل المعروف بين المسلمين الّذي شرّعه إبراهيم الخليل عليه السّلام و كان بعده بين العرب،ثمّ أمضاه اللّه سبحانه لهذه الأمّة شريعة باقية إلى يوم القيامة.

و يبتدئ هذا العمل بالإحرام،و الوقوف في العرفات،ثمّ المشعر الحرام،و فيها التّضحية بمنى،و رمي الجمرات الثّلاث،و الطّواف و صلاته،و السّعي بين الصّفا و المروة،و فيها أمور مفروضة أخر،و هو على ثلاثة أقسام:حجّ الإفراد،و حجّ القران،و حجّ التّمتّع الّذي شرّعه اللّه في آخر عهد رسول اللّه.

و العمرة عمل آخر،و هو زيارة البيت بالإحرام من أحد المواقيت،و الطّواف و صلاته،و السّعي بين الصّفا و المروة،و التّقصير،و هما-أعني الحجّ و العمرة- عبادتان لا يتمّان إلاّ لوجه اللّه،و يدلّ عليه قوله تعالى:

وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ.... (2:75)

لاحظ«ت م م»و«ع م ر».

3- ..فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ... البقرة:196

ابن عبّاس: إلى أن يحرم بالحجّ.(27)

مثله الكاشانيّ(1:213)،و نحوه طه الدّرّة (1:307).

الواحديّ: هو أن يقدم مكّة محرما فيعتمر في أشهر الحجّ،ثمّ يقيم حلالا بمكّة حتّى ينشئ منها الحجّ،فيحجّ من عامه ذلك،و يكون مستمتعا بمحظورات الإحرام، لأنّه حلّ بالعمرة إلى حرامه بالحجّ،فإذا فعل ذلك وجب عليه دم،و هو قوله: فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ.

(1:299)

الشّربينيّ: أي الإحرام به بأن يكون أحرم بها في أشهره.(1:129)

أبو السّعود :أي فمن انتفع بالتّقرّب إلى اللّه تعالى بالعمرة قبل الانتفاع بتقرّبه بالحجّ في أشهره.

و قيل:من استمتع بعد التّحلّل من عمرته باستباحة محظورات الإحرام إلى أن يحرم بالحجّ.(1:250)

شبّر:انتفع بالتّقرّب بها(الى)اللّه قبل انتفاعه بالتّقرّب بالحجّ،و قوله:(الحجّ)في أشهره،و انتفع بإحلاله منها باستباحة ما حرم عليه إلى أن يحرم بالحجّ.

(1:199)

4- ..فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ...

البقرة:196

ص: 822

راجع«ص و م».

5- اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ... البقرة:197

راجع«ش ه ر».

6- ..فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ... البقرة:197

ابن مسعود:هو الإهلال بالحجّ،و الإحرام به.

(ابن الجوزيّ 1:210)

الإمام عليّ عليه السّلام: إنّه إذا قلّد بدنته فقد أحرم.

و هذا محمول على أنّه قلّدها ناويا للحجّ.

مثله ابن عمر،و الشّعبيّ،و مجاهد.

(ابن الجوزيّ 1:210)

عائشة: لا إحرام إلاّ لمن أهلّ و لبّى.

(أبو حيّان 2:86)

ابن عبّاس: فمن أحرم فيهنّ بالحجّ.(27)

مثله ابن قتيبة.(79)

الفرض:الإحرام.

مثله الضّحّاك و الحسن و عطاء و قتادة و النّخعيّ.

(الطّبريّ 2:262)،و مثله الشّافعيّ(الماورديّ 1:259).

إذا قلّد الهدي و صاحبه يريد العمرة و الحجّ فقد أحرم.(الفخر الرّازيّ 5:178)

فرض الحجّ بالتّلبية.(أبو حيّان 2:86)

نحوه مجاهد و طاوس و عطاء.(الطّبريّ 2:261)

ابن عمر: من أهلّ بحجّ.(الطّبريّ 2:261)

إذا قلّد أو أشعر فقد أحرم.(الفخر الرّازيّ 5:178)

مجاهد :إنّه الإهلال بالتّلبية.

مثله طاوس.(الماورديّ 1:258)

قاسم بن محمّد: إذا اغتسلت و لبست ثوبك و لبّيت فقد فرضت الحجّ.(الطّبريّ 2:261)

الإمام الصّادق عليه السّلام: الفرض:فرض الحجّ:

التّلبية،و الإشعار،و التّقليد،فأيّ ذلك فعل فقد فرض الحجّ،و لا يفرض الحجّ إلاّ في هذه الشّهور الّتي قال اللّه تعالى: اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ. (العيّاشيّ 1:203)

الثّوريّ: الفريضة:الإحرام،و الإحرام:التّلبية.

(الطّبريّ 2:261)

مالك: إنّه ينعقد الإحرام بمجرّد النّيّة،من غير حاجة إلى التّلبية،نعم إنّها سنّة عند النّيّة.

مثله الشّافعيّ و أحمد.(النّيسابوريّ 2:170)

ابن حبيب: أي ألزمه نفسه بالشّروع فيه بالنّيّة قصدا باطنا،و بالإحرام فعلا ظاهرا،و بالتّلبية نطقا مسموعا.(القرطبيّ 2:406)

الطّبريّ: يعني بقوله: فَمَنْ فَرَضَ... فمن أوجب الحجّ على نفسه،و ألزمها إيّاه فيهنّ،يعني في الأشهر المعلومات الّتي بيّنها،و إيجابه إيّاه على نفسه العزم على عمل جميع ما أوجب اللّه على الحاجّ عمله،و ترك جميع ما أمره اللّه بتركه.[ثمّ ذكر قولي أهل التّأويل في فرض الحجّ:الإهلال عند بعض،و إحرامه عند آخرين،و أضاف:]

و هذا القول الثّاني[الفرض:الإحرام]يحتمل أن يكون بمعنى ما قلنا من أن يكون الإحرام كان عند قائله:

الإيجاب بالعزم.

و يحتمل أن يكون كان عنده:بالعزم و التّلبية،كما قال القائلون القول الأوّل.

ص: 823

و إنّما قلنا:إنّ فرض الحجّ:الإحرام،لإجماع الجميع على ذلك.و قلنا:إنّ الإحرام هو إيجاب الرّجل ما يلزم المحرم أن يوجبه على نفسه،على ما وصفنا آنفا،لأنّه لا يخلو القول في ذلك من أحد أمور ثلاثة:إمّا أن يكون الرّجل غير محرم إلاّ بالتّلبية،و فعل جميع ما يجب-على الموجب الإحرام على نفسه-فعله،فإن يكن ذلك كذلك،فقد يجب أن لا يكون محرما إلاّ بالتّجرّد للإحرام و أن يكون من لم يكن له متجرّدا فغير محرم.و في إجماع الجميع على أنّه قد يكون محرما.و إن لم يكن متجرّدا من ثيابه بإيجابه الإحرام،ما يدلّ على أنّه قد يكون محرما، و إن لم يلبّ؛إذ كانت التّلبية بعض مشاعر الإحرام،كما التّجرّد له بعض مشاعره.

و في إجماعهم على أنّه قد يكون محرما بترك بعض مشاعر حجّه،ما يدلّ على أنّ حكم غيره من مشاعره حكمه،أو يكون إذ فسد هذا القول قد يكون محرما،و إن لم يلبّ و لم يتجرّد و لم يعزم العزم الّذي وصفنا،و في إجماع الجميع على أنّه لا يكون محرما من لم يعزم على الإحرام و يوجبه على نفسه إذا كان من أهل التّكليف،ما ينبئ عن فساد هذا القول؛و إذ فسد هذان الوجهان فبيّنة صحّة الوجه الثّالث،و هو أنّ الرّجل قد يكون محرما بإيجابه الإحرام بعزمه،على سبيل ما بيّنّا.و إن لم يظهر ذلك بالتّجرّد و التّلبية،و صنيع بعض ما عليه عمله من مناسكه.و إذا صحّ ذلك صحّ ما قلنا من أنّ فرض الحجّ هو ما مرّ إيجابه بالعزم،على نحو ما بيّنّا قبل.

(2:262)

القفّال: يروى عن جماعة أنّ من أشعر هديه أو قلّد،فقد أحرم.(الفخر الرّازيّ 5:178)

الطّوسيّ: و إنّما يفرض فيهنّ الحجّ،بأن يحرم فيهنّ بالحجّ،بلا خلاف،أو بالعمرة الّتي يتمتّع بها بالحجّ عندنا خاصّة،و في الإحرام بالحجّ وافقنا فيه ابن عبّاس و الحسن و قتادة.

و قال ابن عمر و مجاهد: إنّما يفرض فيهنّ بالتّلبية.

و قال بعض المتأخّرين:يفرض بالعزم على أعمال الحجّ.

(2:163)

نحوه الطّبرسيّ.(1:294).

الواحديّ: أي من أوجب على نفسه الحجّ بالإحرام و التّلبية.(1:301)

البغويّ: [مثل الواحديّ و أضاف:]

و فيه دليل على أنّ من أحرم بالحجّ في غير أشهر الحجّ لا ينعقد إحرامه بالحجّ،و هو قول ابن عبّاس و جابر،و به قال عطاء و طاوس و مجاهد،و إليه ذهب الأوزاعيّ و الشّافعيّ،و قال:ينعقد إحرامه بالعمرة،لأنّ اللّه تعالى خصّ هذه الأشهر بفرض الحجّ فيها،فلو انعقد في غيرها لم يكن لهذا التّخصيص فائدة،كما أنّه علّق الصّلوات بالمواقيت.ثمّ من أحرم بفرض الصّلاة قبل دخول وقته لا ينعقد إحرامه عن الفرض،و ذهب جماعة إلى أنّه ينعقد إحرامه بالحجّ،و هو قول مالك و الثّوريّ و أبي حنيفة.و أمّا العمرة فجميع أيّام السّنة لها وقت إلاّ أن يكون متلبّسا بالحجّ،و روي عن أنس أنّه كان بمكّة، فكان إذا حمّم رأسه خرج فاعتمر.(1:251)

الزّمخشريّ: فمن ألزمه نفسه بالتّلبية أو بتقليد الهدي و سوقه عند أبي حنيفة و عند الشّافعيّ.(1:346)

ص: 824

ابن عطيّة:أي من ألزمه نفسه،و أصل الفرض:

الحزّ الّذي يكون في السّهام و القسيّ و غيرها،و منه فرضة النّهر و الجبل،فكأنّ من التزم شيئا و أثبته على نفسه قد فرضه.و فرض الحجّ هو بالنّيّة و الدّخول في الإحرام،و التّلبية تبع لذلك.(1:271)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ في هذه الآية حذفا، و التّقدير:فمن ألزم نفسه فيهنّ الحجّ،و المراد بهذا الفرض ما به يصير المحرم محرما؛إذ لا خلاف أنّه لا يصير حاجّا إلاّ بفعل يفعله،فيخرج عن أن يكون حلالا،و يحرم عليه الصّيد و اللّبس و الطّيب و النّساء و التّغطية للرّأس، إلى غير ذلك.و لأجل تحريم هذه الأمور عليه سمّي محرما،لأنّه فعل ما حرم به هذه الأشياء على نفسه،و لهذا السّبب أيضا سمّيت البقعة حرما،لأنّه يحرم ما يكون فيها ممّا لولاه كان لا يحرم،فقوله تعالى: فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ يدلّ على أنّه لا بدّ للمحرم من فعل يفعله، لأجله يصير حاجّا و محرما.[ثمّ نقل أقوال الفقهاء و أدلّتها](5:178)

نحوه النّيسابوريّ.(2:170)

أبو حيّان :[نقل أقوال العلماء في«فرض الحجّ»،ثمّ قال:]

و هذه الأقوال كلّها مع اشتراط النّيّة.و ملخّص ذلك أنّه يكون محرما بالنّيّة و الإحرام عند مالك و الشّافعيّ، و بالنّيّة و التّلبية أو سوق الهدي عند أبي حنيفة،أو النّيّة و إشعار الهدي أو تقليده عند جماعة من العلماء.

و(من)شرطيّة أو موصولة،و(فيهنّ)متعلّق ب(فرض)،و الضّمير عائد على(أشهر)و لم يقل:

«فيها»لأنّ(أشهرا)جمع قلّة،و هو جار على الكثير المستعمل،من أنّ جمع القلّة لما لا يعقل يجري مجرى الجمع مطلقا للعاقلات على الكثير المستعمل أيضا،و قال قوم:هما سواء في الاستعمال.(2:86)

ابن كثير :أي أوجب بإحرامه حجّا،فيه دلالة على لزوم الإحرام بالحجّ و المضيّ فيه.(1:419)

البروسويّ: أي أوجبه على نفسه بالتّلبية أو تقليد الهدي؛و ذلك لأنّ الحجّ عبادة لها تحليل و تحريم، فلا يشرع بمجرّد النّيّة كالصّلاة،فلا بدّ من فعل يشرع به فيه،و هو ما ذكرنا من التّلبية أو تقليد الهدي،و هو جعل القلادة في عنقه،و سوقه.(1:314)

نحوه المراغيّ.(2:100)

شبّر:أي أوجب على نفسه فِيهِنَّ الْحَجَّ تمتّعا أو غيره؛بحيث يلزمه إتمامه.(1:202)

الآلوسيّ: فَمَنْ فَرَضَ أي ألزم نفسه فِيهِنَّ الْحَجَّ بالإحرام،و يصير محرما،بمجرّد النّيّة عند الشّافعيّ،لكون الإحرام:التزام الكفّ عن المحظورات،فيصير شارعا فيه بمجرّدها كالصّوم.

و عندنا:لا،بل لا بدّ من مقارنة التّلبية،لأنّه عقد على الأداء فلا بدّ من ذكر،كما في تحريمة الصّلاة.و لمّا كان باب الحجّ أوسع من باب الصّلاة كفى ذكر يقصد به التّعظيم سوى التّلبية-فارسيّا كان أو عربيّا-و فعل كذلك من سوق الهدي أو تقليده،و استدلّ بالآية على أنّه لا يجوز الإحرام بالحجّ إلاّ في تلك الأشهر،كما قاله ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنه،و عطاء،و غيرهما؛إذ لو جاز في غيرها كما ذهب إليه الحنفيّة لما كان لقوله

ص: 825

سبحانه:(فيهنّ)فائدة.

و أجيب بأنّ فائدة ذكر(فيهنّ)كونها وقتا لأعماله من غير كراهية،فلا يستفاد منه عدم جواز الإحرام قبله.فلو قدّم الإحرام انعقد حجّا مع الكراهة،و عند الشّافعيّ رضي اللّه تعالى عنه:يصير محرما بالعمرة، و مدار الخلاف أنّه ركن عنده-و شرط عندنا-فأشبه الطّهارة في جواز التّقديم على الوقت،و الكراهة جاءت للشّبهة،فعن جابر عن النّبيّ صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم:

«لا ينبغي لأحد أن يحرم بالحجّ إلاّ في أشهر الحجّ».

(2:15)

الطّباطبائيّ: في تكرار لفظ(الحجّ)ثلاث مرّات في الآية،على أنّه من قبيل وضع الظّاهر موضع المضمر،لطف الإيجاز.فإنّ المراد بالحجّ الأوّل:زمان الحجّ،و بالحجّ الثّاني:نفس العمل،و بالثّالث:زمانه و مكانه.و لو لا الإظهار لم يكن بدّ من إطناب غير لازم، كما قيل.

و فرض الحجّ جعله فرضا على نفسه بالشّروع فيه، لقوله تعالى: وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ... (2:79)

7- ..فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ...

البقرة:197

ابن عبّاس: في إحرام الحجّ،و يقال:لا جدال في فرضيّة الحجّ.(27)

أبو عبيدة :أي لا شكّ فيه،أنّه لازم في ذي الحجّة.

(1:70)

الشّربينيّ: أي في أيّامه.(1:131)

مثله الكاشانيّ(1:214)،و البروسويّ(1:

314)،و شبّر(1:202).

أبو السّعود :أي في أيّامه،و الإظهار في مقام الإضمار،لإظهار كمال الاعتناء بشأنه،و الإشعار بعلّة الحكم،فإنّ زيارة البيت المعظّم و التّقرّب بها إلى اللّه عزّ و جلّ من موجبات ترك الأمور المذكورة.(1:250)

نحوه الآلوسيّ.(2:86)

لاحظ«ج د ل».

8- وَ أَذانٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَ رَسُولُهُ... التّوبة:3

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله: يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يوم عرفة.

(الطّوسيّ 5:199)

مثله ابن عبّاس(الطّبريّ 10:69)،و ابن المسيّب (الماورديّ 2:339)،و مجاهد و عطاء(الطّبريّ 10:68)،و أبو حنيفة(الطّوسيّ 5:199)،و نحوه ابن الزّبير(الطّبريّ 10:68).

يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يوم النّحر.(الطّوسيّ 5:200)

مثله ابن مسعود،و الإمام عليّ عليه السّلام،و ابن عبّاس، و سعيد بن جبير،و عبد اللّه بن أبي أوفى،و مغيرة بن شعبة(الطّبريّ 10:70)،و النّخعيّ(الطّبريّ 10:71)، و الشّعبيّ(الماورديّ 2:339)،و مجاهد و عكرمة و الزّهريّ(الطّبريّ 10:72)،و الإمام الصّادق عليه السّلام (الطّوسيّ 5:200)،و ابن قتيبة(182)،و نحوه السّدّيّ(287).

الإمام عليّ عليه السّلام:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بعث أبا بكر بن

ص: 826

أبي قحافة رضي اللّه عنه،يقيم للنّاس الحجّ،و بعثني معه بأربعين آية من براءة،حتّى أتى عرفة،فخطب النّاس يوم عرفة،فلمّا قضى خطبته التفت إليّ،فقال:قم يا عليّ و أدّ رسالة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.فقمت فقرأت عليهم أربعين آية من براءة،ثمّ صدرنا حتّى أتينا منى،فرميت الجمرة، و نحرت البدنة،ثمّ حلقت رأسي،و علمت أنّ أهل الجمع لم يكونوا حضروا خطبة أبي بكر يوم عرفة،فطفقت أتتبّع بها الفساطيط،أقرؤها عليهم،فمن ثمّ إخال حسبتم أنّه يوم النّحر،ألا و هو يوم عرفة.

(الطّبريّ 10:67)

عامر بن عبد اللّه: يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يوم يهراق فيه الدّم،و يحلّ فيه الحرام.

نحوه عكرمة.(الطّبريّ 10:71،72)

ابن الزّبير:يوم عرفة:هذا يوم الحجّ الأكبر، فلا يصمه أحد.(الطّبريّ 10:68)

عبد اللّه بن الحارث:يوم الحجّ الأكبر كانت حجّة الوداع،اجتمع فيه حجّ المسلمين و النّصارى و اليهود،و لم يجتمع قبله و لا بعده.(الطّبريّ 10:75)

سعيد بن جبير: الحجّ الأكبر:يوم النّحر،أ رأيت لو أنّ رجلا فاته يوم عرفة،أ كان يفوته الحجّ؟و إذا فاته يوم النّحر فاته الحجّ.(الطّبريّ 10:71)

مجاهد :يوم الحجّ الأكبر:حين الحجّ،أيّامه كلّها.

(الطّبريّ 10:74)

نحوه ابن عيينة.(ابن عطيّة 3:5)

الحجّ الأكبر:القران،و الحجّ الأصغر:إفراد الحجّ.

(الطّبريّ 10:75)

يوم الحجّ الأكبر:أيّام منى كلّها،و مجامع المشركين حيث كانوا بذي المجاز و عكاظ،حين نودي فيهم ألاّ يجتمع المسلمون و المشركون بعد عامهم هذا.

(ابن عطيّة 3:5)

نحوه الثّوريّ.(البغويّ 2:317)

هو جميع أيّام الحجّ.

مثله شعبة.(الطّوسيّ 5:200)

الحسن :إنّما سمّي الحجّ الأكبر،من أجل أنّه يحجّ أبو بكر الحجّة الّتي حجّها،و اجتمع فيها المسلمون و المشركون،فلذلك سمّي الحجّ الأكبر،و وافق أيضا عيد اليهود و النّصارى.(الطّبريّ 10:75)

إنّما سمّي الحجّ الأكبر،لأنّه يوم حجّ فيه أبو بكر، و نبذت فيه العهود.(الطّبريّ 10:75)

الثّوريّ: يوم الحجّ الأكبر:أيّام منى كلّها،مثل يوم صفّين و يوم الجمل و يوم بعاث،يراد به الحين و الزّمان، لأنّ هذه الحروب دامت أيّاما كثيرة.(البغويّ 2:317)

ابن سيرين:يوم الحجّ الأكبر:العام الّذي حجّ فيه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حجّة الوداع،و حجّت معه فيه الأمم.

(القرطبيّ 8:70)

عطاء:الحجّ الأكبر:الحجّ،و الحجّ الأصغر:العمرة.

(الطّبريّ 10:75)

الأكبر:الوقوف بعرفة،و الأصغر:

النّحر.(الفخر الرّازيّ 15:222)

الطّبريّ: [نقل الأقوال السّابقة و قال:]

و أولى الأقوال في ذلك بالصّحّة عندنا،قول من قال:

يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ: يوم النّحر.لتظاهر الأخبار عن

ص: 827

جماعة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّ عليّا نادى بما أرسله به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من الرّسالة إلى المشركين،و تلا عليهم براءة يوم النّحر،هذا مع الأخبار الّتي ذكرناها عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،أنّه قال:يوم النّحر،«أ تدرون أيّ يوم هذا؟هذا يوم الحجّ الأكبر».

و بعد:فإنّ اليوم إنّما يضاف إلى المعنى الّذي يكون فيه،كقول النّاس:يوم عرفة؛و ذلك يوم وقوف النّاس بعرفة،و يوم الأضحى؛و ذلك يوم يضحّون فيه،و يوم الفطر؛و ذلك يوم يفطرون فيه،و كذلك يوم الحجّ،يوم يحجّون فيه.

و إنّما يحجّ النّاس و يقضون مناسكهم يوم النّحر،لأنّ في ليلة نهار يوم النّحر الوقوف بعرفة،كان إلى طلوع الفجر،و في صبيحتها يعمل أعمال الحجّ.فأمّا يوم عرفة فإنّه و إن كان الوقوف بعرفة،فغير فائت الوقوف به إلى طلوع الفجر من ليلة النّحر،و الحجّ كلّه يوم النّحر.

و أمّا ما قال مجاهد:من أنّ يوم الحجّ إنّما هو أيّامه كلّها،فإنّ ذلك و إن كان جائزا في كلام العرب،فليس بالأشهر الأعرف في كلام العرب من معانيه،بل غلب على معنى اليوم عندهم أنّه من غروب الشّمس إلى مثله من الغد،و إنّما محمل تأويل كتاب اللّه على الأشهر الأعرف من كلام من نزل الكتاب بلسانه.

و اختلف أهل التّأويل في السّبب الّذي من أجله قيل لهذا اليوم:يوم الحجّ الأكبر،فقال بعضهم:سمّي بذلك،لأنّ ذلك كان في سنة اجتمع فيها حجّ المسلمين و المشركين.[و نقل الرّوايات في ذلك ثمّ قال:]

و قال آخرون:الحجّ الأكبر:القران،و الحجّ الأصغر:الإفراد.و قال آخرون:الحجّ الأكبر:الحجّ، و الحجّ الأصغر:العمرة.

و أولى هذه الأقوال بالصّواب في ذلك عندي،قول من قال:الحجّ الأكبر:الحجّ،لأنّه أكبر من العمرة بزيادة عمله على عملها،فقيل له:الأكبر لذلك.و أمّا الأصغر فالعمرة،لأنّ عملها أقلّ من عمل الحجّ،فلذلك قيل لها:

الأصغر،لنقصان عملها عن عمله.(10:74-76)

الزّجّاج: قيل:يوم الحجّ الأكبر هو يوم عرفة، و الحجّ الأكبر الوقوف بعرفة،و قيل:الحجّ الأصغر:

العمرة.

و الإجماع على أنّه من فاته الوقوف بعرفة فقد فاته الحجّ.و قال بعضهم:إنّما سمّي يوم الحجّ الأكبر،لأنّه اتّفقت فيه أعياد أهل الملّة،كان اتّفق في ذلك اليوم عيد النّصارى و اليهود و المجوس.و هذا لا يسمّى به يوم الحجّ الأكبر،لأنّه أعياد غير المسلمين،إنّما فيها تعظّم كفر باللّه،فليست من الحجّ الأكبر في شيء.

إجماع المسلمين على أنّ الوقوف بعرفة أكبر الحجّ.

(2:429)

الطّوسيّ: [ذكر الأقوال السّابقة و قال:]

و سمّي بالحجّ الأكبر،لأنّه حجّ فيه المشركون و المسلمون،و لم يحجّ بعدها مشرك.(5:200)

الفخر الرّازيّ: [ذكر الأقوال في يوم الحجّ الأكبر، ثمّ قال:]

و أمّا قول من قال:المراد مجموع تلك الأيّام،فبعيد لأنّه يقتضي تفسير اليوم:بالأيّام الكثيرة،و هو خلاف الظّاهر.[ثمّ ذكر الأقوال في وجه تسمية ذلك بالحجّ

ص: 828

الأكبر،إلى أن قال:]

الثّالث:قال الحسن:سمّي ذلك اليوم بيوم الحجّ الأكبر،لاجتماع المسلمين و المشركين فيه،و موافقته لأعياد أهل الكتاب،و لم يتّفق ذلك قبله و لا بعده،فعظم ذلك اليوم في قلب كلّ مؤمن و كافر.

طعن الأصمّ في هذا الوجه و قال:عيد الكفّار فيه سخط.و هذا الطّعن ضعيف،لأنّ المراد أنّ ذلك اليوم يوم استعظمه جميع الطّوائف،و كان من وصفه بالأكبر أولئك.[ثمّ ذكر باقي الأقوال في ذلك](15:221)

نحوه النّيسابوريّ(10:41)،و الشّربينيّ(1:588).

البيضاويّ: يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ يوم العيد (1)، لأنّ فيه تمام الحجّ و معظم أفعاله،و لأنّ الإعلام كان فيه، و لما روي أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم وقف يوم النّحر عند الجمرات في حجّة الوداع،فقال:«هذا يوم الحجّ الأكبر»،و قيل:يوم عرفة لقوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«الحجّ عرفة».

و وصف الحجّ بالأكبر،لأنّ العمرة تسمّى:الحجّ الأصغر،أو لأنّ المراد بالحجّ:ما يقع في ذلك اليوم من أعماله،فإنّه أكبر من باقي الأعمال،أو لأنّ ذلك الحجّ اجتمع فيه المسلمون و المشركون و وافق عيدهم (2)أعياد أهل الكتاب،أو لأنّه ظهر فيه عزّ المسلمين و ذلّ المشركين.(1:405)

مثله أبو السّعود.(3:121)

الآلوسيّ: [نقل بعض أقوال المفسّرين و قال:]

وصف الحجّ بالأكبر لأنّ العمرة تسمّى الحجّ الأصغر،أو لأنّ المراد بالحجّ:ما وقع في ذلك اليوم من أعماله فإنّه أكبر من باقي الأعمال،فالتّفضيل نسبيّ و غير مخصوص بحجّ تلك السّنة.[إلى أن قال:]

و قيل:لأنّه ظهر فيه عزّ المسلمين و ذلّ المشركين، فالتّفضيل مخصوص بتلك السّنة.و أمّا تسمية الحجّ -الموافق يوم عرفة فيه ليوم الجمعة-بالأكبر فلم يذكروها و إن كان ثواب ذلك الحجّ زيادة،على غيره، كما نقله الجلال السّيوطيّ في بعض رسائله.(10:46)

الطّباطبائيّ: و قد اختلفوا في تعيين المراد بيوم الحجّ الأكبر على أقوال:

منها:أنّه يوم النّحر من سنة التّسع من الهجرة،لأنّه كان يوما اجتمع فيه المسلمون و المشركون،و لم يحجّ بعد ذلك اليوم مشرك،و هو المؤيّد بالأحاديث المرويّة عن أئمّة أهل البيت عليهم السّلام،و الأنسب بأذان البراءة، و الاعتبار يساعد عليه،لأنّه كان أكبر يوم اجتمع فيه المسلمون و المشركون من أهل الحجّ عامّة بمنى.و قد ورد من طرق أهل السّنّة روايات في هذا المعنى غير أنّ مدلول جلّها أنّ الحجّ الأكبر:اسم يوم النّحر،فيتكرّر على هذا كلّ سنة،و لم يثبت من طريق النّقل تسمية على هذا النّحو.

و منها:أنّه يوم عرفة لأنّ فيه الوقوف،و الحجّ الأصغر هو الّذي ليس فيه وقوف و هو العمرة،و هو استحسان لا دليل عليه،و لا سبيل إلى تشخيص صحّته.

و منها:أنّه اليوم الثّاني ليوم النّحر،لأنّ الإمام يخطب فيه.و سقم هذا الوجه ظاهر.

و منها:أنّه جميع أيّام الحجّ،كما يقال:يوم الجمل، و يوم صفّين،و يوم بغاث،و يراد به الحين و الزّمان،ه.

ص: 829


1- و في الأصل:يوم للعيد!
2- و في الأصل:عيده.

و هذا القول لا يقابل سائر الأقوال كلّ المقابلة،فإنّه إنّما يبيّن أنّ المراد باليوم:جميع أيّام الحجّ،و أمّا وجه تسمية هذا الحجّ:بالحجّ الأكبر،فيمكن أن يوجّه ببعض ما في الأقوال السّابقة كما في القول الأوّل.

و كيف كان فالاعتبار لا يساعد على هذا القول،لأنّ وجود يوم بين أيّام الحجّ،يجتمع فيه عامّة أهل الحجّ، يتمكّن فيه من أذان براءة كلّ التّمكّن كيوم النّحر يصرف قوله:«يوم الحجّ الأكبر»إلى نفسه،و يمنع شموله لسائر أيّام الحجّ الّتي لا يجتمع فيها النّاس ذاك الاجتماع.

(9:149)

9- وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ... الحجّ:27

لاحظ«أ ذ ن»

حجّة

1- ...وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ... البقرة:150

ابن قتيبة :هو قول اليهود:كنت و أصحابك تصلّون إلى بيت المقدس،فإن كان ذلك ضلالا فقد مات أصحابك عليه،و إن كان هدى فقد حوّلت عنه.

(65)

الجبّائيّ: إنّ معناه لا تعدلوا عمّا أمركم اللّه به التّوجّه إلى الكعبة،فتكون لهم عليكم حجّة،بأن يقولوا:لو كنتم تعلمون أنّه من عند اللّه لما عدلتم عنه؟

(الطّبرسيّ 1:232)

الطّبريّ: فإن قال قائل:فأيّة حجّة كانت لأهل الكتاب بصلاة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه نحو بيت المقدس،على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه؟

قيل:قد ذكرنا فيما مضى ما روي في ذلك،قيل:إنّهم كانوا يقولون:ما درى محمّد و أصحابه أين قبلتهم حتّى هديناهم نحن،و قولهم:يخالفنا محمّد في ديننا و يتّبع قبلتنا،فهي الحجّة الّتي كانوا يحتجّون بها على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و أصحابه على وجه الخصومة منهم لهم، و التّمويه منهم بها على الجهّال و أهل العناد من المشركين.

و قد بيّنّا فيما مضى أنّ معنى حجاج القوم إيّاه،الّذي ذكره اللّه تعالى ذكره في كتابه،إنّما هي الخصومات و الجدال،فقطع اللّه جلّ ثناؤه ذلك من حجّتهم،و حسمه بتحويل قبلة نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم و المؤمنين به،من قبلة اليهود إلى قبلة خليله إبراهيم عليه السّلام،و ذلك هو معنى قول اللّه جلّ ثناؤه: لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ. (2:31)

نحوه الواحديّ.(1:232)

الطّوسيّ: معنى قوله: لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ هاهنا،قيل:فيه قولان:أحدهما:[قال مثل الجبّائيّ]

الثّاني:لئلاّ يكون لأهل الكتاب عليكم حجّة لو جاء على خلاف ما تقدّمت به البشارة في الكتب السّالفة، من أنّ المؤمنين سيوجّهون إلى الكعبة.(2:26)

القشيريّ: إذا أردت ألاّ يكون لأحد عليك سبيل، و لا يقع لمخلوق عليك ظلّ،و لا تصل إليك بالسّوء يد، فحيثما كنت،و أينما كنت،و كيفما كنت كن لنا و كن منّا، فإنّ من انقطع إلينا لا يتطرّق إليه حدثان.(1:148)

ص: 830

البغويّ: ذلك أنّهم عرفوا أنّ الكعبة قبلة لإبراهيم، و وجدوا في التّوراة أنّ محمّدا سيحوّل إليها،فحوّله اللّه تعالى إليها لئلاّ يكون لهم حجّة،فيقولوا:إنّ النّبيّ الّذي نجده في كتابنا سيحوّل إليها و لم تحوّل أنت،فلمّا حوّل إليها ذهبت حجّتهم.(1:182)

الزّمخشريّ: معناه لئلاّ يكون حجّة لأحد من اليهود إلاّ للمعاندين منهم،القائلين:ما ترك قبلتنا إلى الكعبة إلاّ ميلا إلى دين قومه و حبّا لبلده،و لو كان على الحقّ للزم قبلة الأنبياء.

فإن قلت:أيّ حجّة كانت تكون للمنصفين منهم لو لم يحوّل حتّى احترز من تلك الحجّة،و لم يبال بحجّة المعاندين؟

قلت:كانوا يقولون:ما له لا يحوّل إلى قبلة أبيه إبراهيم،كما هو مذكور في نعته في التّوراة.

فإن قلت:كيف أطلق اسم«الحجّة»على قول المعاندين؟

قلت:لأنّهم يسوقونه سياق الحجّة،و يجوز أن يكون المعنى لئلاّ يكون للعرب عليكم حجّة،و اعتراض في ترككم التّوجّه إلى الكعبة الّتي هي قبلة إبراهيم و إسماعيل أبي العرب إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ و هم أهل مكّة حين يقولون:بدا له فرجع إلى قبلة آبائه، و يوشك أن يرجع إلى دينهم.(1:322)

الطّبرسيّ: قوله: لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ قيل فيه وجوه:

أوّلها:إنّ معناه لأن لا يكون لأهل الكتاب عليكم حجّة إذا لم تصلّوا نحو المسجد الحرام،بأن يقولوا:ليس هذا هو النّبيّ المبشّر به؛إذ ذاك نبيّ يصلّي بالقبلتين.

ثانيها:[قول الجبّائيّ و قد مضى]

ثالثها:ما قاله أبو روق:إنّ حجّة اليهود أنّهم كانوا قد عرفوا أنّ النّبيّ المبعوث في آخر الزّمان قبلته الكعبة،فلمّا رأوا محمّدا يصلّي إلى الصّخرة احتجّوا بذلك،فصرفت قبلته إلى الكعبة لئلاّ يكون لهم عليه حجّة.

(1:232)

ابن الجوزيّ: قال مشركو العرب:قد رجع إلى قبلتكم،و يوشك أن يعود إلى دينكم.

و تسمية باطلهم حجّة على وجه الحكاية عن المحتجّ به،كقوله تعالى: حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ الشّورى:16،و قوله: فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ المؤمن:83.(1:159)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله: لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ ففيه مسائل:

المسألة الأولى:اعلم أيّ هذا الكلام يوهم حجاجا و كلاما،تقدّم من قبل في باب«القبلة»عن القوم،فأراد اللّه تعالى أن يبيّن أنّ تلك الحجّة تزول الآن باستقبال الكعبة.و في كيفيّة تلك الحجّة روايات:

أحدها:أنّ اليهود قالوا:تخالفنا في ديننا و تتّبع قبلتنا.

و ثانيها:قالوا:أ لم يدر محمّدا أين يتوجّه في صلاته حتّى هديناه.

و ثالثها:أنّ العرب قالوا:إنّه كان يقول:أنا على دين إبراهيم،و الآن ترك التّوجّه إلى الكعبة،و من ترك التّوجّه إلى الكعبة فقد ترك دين إبراهيم عليه السّلام،فصارت

ص: 831

هذه الوجوه وسائل لهم إلى الطّعن في شرعه عليه الصّلاة و السّلام.

إلاّ أنّ اللّه تعالى لمّا علم أنّ الصّلاح في ذلك أوجب عليهم التّوجّه إلى بيت المقدس،لما فيه من المصلحة في الدّين،لأنّ قولهم لا يؤثّر في المصالح،و قد بيّنّا من قبل تلك المصلحة،و هي تميّز من اتّبعه بمكّة ممّن أقام على تكذيبه،فإنّ ذلك الامتياز ما كان يظهر إلاّ بهذا الجنس.

و لمّا انتقل عليه الصّلاة و السّلام إلى المدينة،تغيّرت المصلحة،فاقتضت الحكمة تحويل القبلة إلى الكعبة، فلهذا قال اللّه تعالى: لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ يعني تلك الشّبهة الّتي ذكروها،تزول بسبب هذا التّحويل،و لمّا كان فيهم من المعلوم من حاله أنّه يتعلّق عند هذا التّحويل بشبهة أخرى،و هو قول بعض العرب:

إنّ محمّدا عليه الصّلاة و السّلام عاد إلى ديننا في الكعبة و سيعود إلى ديننا بالكلّيّة،و كان التّمسّك بهذه الشّبهة و الاستمرار عليها سببا للبقاء على الجهل و الكفر،و ذلك ظلم على النّفس،على ما قال تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ لقمان:13،فلا جرم قال اللّه تعالى: إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ البقرة:150.

المسألة الثّانية:قرأ نافع(ليلا)بترك الهمزة،و كلّ همزة مفتوحة قبلها كسرة فإنّه يقلبها ياء،و الباقون بالهمزة،و هو الأصل.

المسألة الثّالثة:(لئلاّ)موضعه نصب،و العامل فيه (ولّوا)أي ولّوا لئلاّ.و قال الزّجاج:التّقدير:عرّفتكم ذلك لئلاّ يكون للنّاس عليكم حجّة.

المسألة الرّابعة:قيل:(النّاس)هم أهل الكتاب عن قتادة و الرّبيع،و قيل:هو على العموم.

المسألة الخامسة:هاهنا سؤال،و هو أنّ شبهة هؤلاء الّذين ظلموا أنفسهم ليست بحجّة،فكيف يجوز استثناؤها عن الحجّة؟و قد اختلف النّاس فيه على أقوال:

الأوّل:أنّه استثناء متّصل،ثمّ على هذا القول يمكن دفع السّؤال من وجوه:

الأوّل:أنّ الحجّة كما أنّها قد تكون صحيحة،قد تكون أيضا باطلة،قال اللّه تعالى: حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ الشّورى:16،و قال تعالى: فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ آل عمران:61،و المحاجّة هي أن يورد كلّ واحد منهم على صاحبه حجّة.و هذا يقتضي أن يكون الّذي يورده المبطل يسمّى بالحجّة، و لأنّ الحجّة اشتقاقها من:حجّه،إذا غلبه.فكلّ كلام يقصد به غلبة الغير فهو حجّة.

و قال بعضهم:إنّها مأخوذة من محجّة الطّريق،فكلّ كلام يتّخذه الإنسان مسلكا لنفسه في إثبات أو إبطال فهو حجّة،و إذا ثبت أنّ الشّبهة قد تسمّى حجّة،كان الاستثناء متّصلا.

الوجه الثّاني:في تقرير أنّه استثناء متّصل:أنّ المراد ب(النّاس):أهل الكتاب،فإنّهم وجدوه في كتابهم أنّه عليه الصّلاة و السّلام يحوّل القبلة،فلمّا حوّلت،بطلت حجّتهم.إلاّ الّذين ظلموا بسبب أنّهم كتموا ما عرفوا، عن أبي روق.

الوجه الثّالث:أنّهم لمّا أوردوا تلك الشّبهة على اعتقاد أنّها حجّة:سمّاها اللّه(حجّة)بناء على معتقدهم، أو لعلّه تعالى سمّاها(حجّة)تهكّما بهم.

ص: 832

الوجه الرّابع:أراد ب(الحجّة):المحاجّة، و المجادلة،فقال: لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فإنّهم يحاجّونكم بالباطل.[ثمّ ذكر باقي الأقوال في وجه الاستثناء،فلاحظ](4:156)

نحوه النّيسابوريّ.(2:28)

الرّازيّ: فإن قيل:كيف يكون للظّالمين من اليهود أو غيرهم حجّة على المؤمنين،حتّى قال: لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ؟

قلنا:معناه إلاّ أن يقولوا ظلما و باطلا،كقول الرّجل لصاحبه:ما لك عندي حقّ إلاّ أن تظلم أو تقول الباطل.

و قيل:معناه:و الّذين ظلموا منهم،ف(إلاّ)هنا بمعنى واو العطف،كما في قوله تعالى: إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ إِلاّ مَنْ ظَلَمَ النّمل:10.

و قيل:(إلاّ)فيهما بمعنى«لكن»و حجّتهم أنّهم كانوا يقولون لمّا توجّه النّبيّ عليه الصّلاة و السّلام إلى بيت المقدس:ما درى محمّد أين قبلته حتّى هديناه،و كانوا يقولون أيضا:يخالفنا محمّد في ديننا و يتّبع قبلتنا،فلمّا حوّله اللّه تعالى إلى الكعبة انقطعت هذه الحجّة،فعادوا يقولون:لم تركت قبلة بيت المقدس؟إن كانت باطلة فقد صلّيت إليها زمانا،و إن كانت حقّا فقد انتقلت عنها، فهذا هو المراد به بقوله تعالى: إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ.

و قيل:المراد به قولهم:ما ترك محمّد قبلتنا إلاّ ميلا لدين قومه و حبّا لوطنه.

و قيل:المراد به قول المشركين:قد عاد محمّد إلى قبلتنا لعلمه أنّ ديننا حقّ،و سوف يعود إلى ديننا.

و إنّما سمّى اللّه باطلهم:حجّة،لمشابهته الحجّة في الصّورة،كما قال اللّه تعالى: حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ أي باطلة،و قال: فَرِحُوا بِما عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ المؤمن:83.

(مسائل الرّازيّ:10)

القرطبيّ: حجّتهم:قولهم:راجعت قبلتنا،و قد أجيبوا عن هذا بقوله: قُلْ لِلّهِ الْمَشْرِقُ وَ الْمَغْرِبُ.

و قيل:معنى لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ لئلاّ يقولوا لكم:قد أمرتم باستقبال الكعبة و لستم ترونها، فلمّا قال عزّ و جلّ: وَ حَيْثُ ما كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ زال هذا.[إلى أن قال:]

و المعنى لا حجّة لأحد عليكم إلاّ الحجّة الدّاحضة؛ حيث قالوا:ما ولاّهم،و تحيّر محمّد في دينه،و ما توجّه إلى قبلتنا إلاّ إنّا كنّا أهدى منه،و غير ذلك من الأقوال الّتي لم تنبعث إلاّ من عابد وثن أو يهوديّ أو منافق.

و الحجّة بمعنى المحاجّة الّتي هي المخاصمة و المجادلة.و سمّاها اللّه:حجّة،و حكم بفسادها حيث كانت من ظلمة.(2:168)

البيضاويّ: المعنى أنّ التّولية عن الصّخرة إلى الكعبة،تدفع احتجاج اليهود،بأنّ المنعوت في التّوراة قبلته الكعبة،و أنّ محمّدا يجحد ديننا و يتّبعنا في قبلتنا، و المشركين بأنّه يدّعي ملّة إبراهيم و يخالف قبلته.

[و أدام الكلام نحو الزّمخشريّ](1:90)

نحوه الشّربينيّ(1:103)،و الكاشانيّ(1:183)، و البروسويّ(1:254)،و شبّر(1:161)،و مغنيّة(1:

236).

ص: 833

أبو حيّان: لِلنّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ أي احتجاج.

و(النّاس)قيل:هو عموم في اليهود و العرب و غيرهم.

و قيل:اليهود،و حجّتهم قولهم:يخالفنا محمّد في قبلتنا و قد كان يتّبعها،أو لم ينصرف عن بيت المقدس مع علمه بأنّه حقّ إلاّ برأيه و يزعم أنّه أمر به،أو مادرى محمّد و أصحابه أين قبلتهم حتّى هديناهم.

و قيل:مشركو العرب،و حجّتهم قولهم:قد رجع محمّد إلى قبلتنا و سيرجع إلى ديننا حين صار يستقبل القبلة.

و قيل:(النّاس)عامّ،و المعنى أنّ اللّه وعدهم بأنّه لا يقوم لأحد عليهم حجّة إلاّ حجّة باطلة،و هي قولهم:

يوافق اليهود مع قوله:إنّي حنيف أتّبع ملّة إبراهيم،أو لا يقين لكم و لا تثبتون على دين،أو قالوا:مالك تركت بيت المقدس إن كانت ضلالة فقد دنت بها و إن كانت هدى فقد نقلت عنه.أو قولهم:اشتاق الرّجل إلى بيت أبيه و دين قومه،أو قولهم في التّوراة:إنّه يتحوّل إلى قبلة أبيه إبراهيم،فحوّله اللّه لئلاّ يقولوا:نجده في التّوراة يتحوّل،فما تحوّل،فيكون لهم ذلك حجّة،فأذهب اللّه حجّتهم بذلك.

و اللاّم في(لئلاّ)لام الجرّ دخلت على(أن)و ما بعدها فتتقدّر بالمصدر،أي لانتفاء الحجّة عليكم.و تتعلّق هذه اللاّم،قيل:بمحذوف،أي عرّفناكم وجه الصّواب في قبلتكم،و الحجّة في ذلك لئلاّ يكون.و قيل:تتعلّق ب(ولّوا)و القراءة بالياء،لأنّ الحجّة تأنيثها غير حقيقيّ، و قد حسن ذلك الفصل بين الفعل و مرفوعه بمجرورين فسهل التّذكير جدّا.

و خبر كان قوله:(للنّاس)،و(عليكم)في موضع نصب على الحال،و هو في الأصل صفة للحجّة،فلمّا تقدّم عليها انتصب على الحال،و العامل فيها محذوف، و لا جائز أن يتعلّق ب(حجّة)لأنّه في معنى الاحتجاج، و معمول المصدر المنحلّ لحرف مصدريّ،و الفعل لا يتقدّم على عامله.

و أجاز بعضهم أن يتعلّق(عليكم)ب(حجّة)هكذا نقلوا.و يحتمل أن يكون(عليكم)الخبر و(للنّاس) متعلّق بلفظ(يكون)لأنّ كان النّاقصة قد تعمل في الظّرف و الجارّ و المجرور.

[إلى أن نقل كلام الزّمخشريّ و ابن عطيّة و الخلاف في أنّ الاستثناء متّصل أو منقطع،و قال:]

و مثار الخلاف هو هل الحجّة هو الدّليل و البرهان الصّحيح أو الحجّة هو الاحتجاج و الخصومة؟فإن كان الأوّل فهو استثناء منقطع،و إن كان الثّاني فهو استثناء متّصل.(1:441)

الآلوسيّ: (لئلاّ)و هو و إن كان علّة ل(ولّوا) لا لمحذوف،أي عرّفناكم وجه الصّواب في قبلتكم، و الحجّة في ذلك،كما قيل به،إلاّ أنّه يفهم منه كونه علّة ل(ولّ)،لأنّ انقطاع الحجّة بالتّولية،إذا حصل للأمّة، كان حصوله بها للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم بطريق الأولى،و لو جعل الخطاب عامّا للرّسول صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم و الأمّة،و لم يلتزم تخصيصه بالأمّة-على حدّ خطابات الآية-كان علّة لهما،و إنّما كرّر هذا الحكم لتعدّد علله.

و الحصر المستفاد من (إِلاّ لِنَعْلَمَ...) إضافيّ أو ادّعائيّ.فإنّه تعالى ذكر للتّحويل ثلاث علل:تعظيم

ص: 834

الرّسول صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم بابتغاء مرضاته أوّلا، و جري العادة الإلهيّة على أن يؤتى كلّ أهل ملّة وجهة ثانيا،و دفع حجج المخالفين ثالثا.

فإنّ التّولية إلى الكعبة تدفع احتجاج اليهود،بأنّ المنعوت في التّوراة قبلته الكعبة لا الصّخرة،و هذا النّبيّ يصلّي إلى الصّخرة فلا يكون النّبيّ الموعود،و بأنّه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم يدّعي أنّه صاحب شريعة و يتّبع قبلتنا و بينهما تدافع،لأنّ عادته سبحانه و تعالى جارية بتخصيص كلّ صاحب شريعة بقبلة،و تدفع احتجاج المشركين بأنّه عليه الصّلاة و السّلام يدّعي ملّة إبراهيم و يخالف قبلته.

و ترك سبحانه التّعميم بعد التّخصيص في المرتبة الثّالثة اكتفاء بالعموم المستفاد من العلّة،و زاد مِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ دفعا لتوهّم مخالفة حال السّفر لحال الحضر،بأن يكون حال السّفر باقيا على ما كان،كما في الصّلاة حيث زيد في الحضر ركعتان،أو يكون مخيّرا بين التّوجّهين،كما في الصّوم.

و قد يقال:فائدة هذا التّكرار الاعتناء بشأن الحكم، لأنّه من مظانّ الطّعن و كثرة المخالفين فيه،لعدم الفرق بين النّسخ و البداء.و قيل:لا تكرار فإنّ الأحوال ثلاثة:

كونه في المسجد،و كونه في البلد خارج المسجد،و كونه خارج البلد؛فالأوّل محمول على الأوّل،و الثّاني على الثّاني،و الثّالث على الثّالث،و لا يخفى أنّه مجرّد تشبيه لا يقوم عليه دليل.

إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ إخراج من النّاس،و هو بدل على المختار،و المعنى عند القائلين:بأنّ الاستثناء من النّفي إثبات،لئلاّ يكون لأحد من النّاس عليكم حجّة إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا بالعناد،فإنّ لهم عليكم حجّة،فإنّ اليهود منهم يقولون:ما تحوّل إلى الكعبة إلاّ ميلا لدين قومه و حبّا لبلده،و المشركين منهم يقولون:بدا له فرجع إلى قبلة آبائه،و يوشك أن يرجع إلى دينهم، و تسمية هذه الشّبهة الباطلة حجّة مع أنّها عبارة عن البرهان المثبت للمقصود،لكونها شبيهة بها،باعتبار أنّهم يسوقونها مساقها.

و اعترض بأنّ صدر الكلام لو تناول هذا لزم الجمع بين الحقيقة و المجاز،و إلاّ لم يصحّ الاستثناء،لأنّ الحجّة مختصّة بالحقيقة،و لا محيص سوى أن يراد بالحجّة:

المتمسّك،حقّا كان أو باطلا.

و أجيب بأنّه لم يستثن شبهتهم عن الحجّة بل ذواتهم عن النّاس،إلاّ أنّه لزم تسمية شبهتهم حجّة باعتبار مفهوم المخالفة،فلا حاجة إلى تناول الصّدر إيّاها، و أنت تعلم أنّ مراد المعترض:إنّ الاستثناء و إن كان من النّاس إلاّ أنّه يثبت به ما نفي عن المستثنى منه للمستثنى، بناء على أنّ الاستثناء من النّفي إثبات.فإن كان الصّدر مشتملا على ما أثبت للمستثنى لزم الجمع،و إلاّ لم يتحقّق الاستثناء بمقتضاه،إذ الثّابت للمستثنى منه شيء و للمستثنى شيء آخر.

و لا محيص للتّفصّي عن ذلك،إلاّ أن يراد بالحجّة:

المتمسّك،أو ما يطلق عليه الحجّة في الجملة،فيتحقّق حينئذ الاستثناء بمقتضاه،لأنّ الشّبهة حجّة بهذا المعنى كالبرهان،و لا يلزم الجمع بين الحقيقة و المجاز.

و لك أن تحمل«الحجّة»على الاحتجاج و المنازعة،

ص: 835

كما في قوله تعالى: لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ فأمر الاستثناء حينئذ واضح،إلاّ أنّ صوغ الكلام بعيد عن الاستعمال عند إرادة هذا المعنى.

و قيل:الاستثناء منقطع،و هو من تأكيد الشّيء بضدّه و إثباته بنفيه،و المعنى إن يكن لهم حجّة فهي الظّلم،و الظّلم لا يمكن أن يكون حجّة،فحجّتهم غير ممكنة أصلا فهو إثبات بطريق البرهان على حدّ قوله:

و لا عيب فيهم غير أنّ نزيلهم

يلام بنسيان الأحبّة و الوطن

(2:16)

الطّباطبائيّ: لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ... بيان لفوائد ثلاث في هذا الحكم الّذي فيه أشدّ التّأكيد،على ملازمة الامتثال و التّحذّر عن الخلاف:

إحداها:أنّ اليهود كانوا يعلمون من كتبهم أنّ النّبيّ الموعود تكون قبلته الكعبة دون بيت المقدس،كما قال تعالى: وَ إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ البقرة:144،و في ترك هذا الحكم الحجّة لليهود على المسلمين،بأنّ النّبيّ ليس هو النّبيّ الموعود،لكن التزام هذا الحكم و العمل به يقطع حجّتهم إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ و هو استثناء منقطع،أي لكن الّذين ظلموا منهم باتّباع الأهواء لا ينقطعون بذلك، فلا تخشوهم،لأنّهم ظالمون باتّباع الأهواء،و اللّه لا يهدي القوم الظّالمين،و اخشوني.

و ثانيتها:أنّ ملازمة هذا الحكم يسوق المسلمين إلى تمام النّعمة عليهم بكمال دينهم،و سنبيّن معنى«تمام النّعمة»في الكلام على قوله تعالى: اَلْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَ أَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي المائدة:3.

و ثالثتها:رجاء الاهتداء إلى الصّراط المستقيم،و قد مرّ معنى«الاهتداء»في الكلام على معنى قوله تعالى:

اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ. (1:328)

2- رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ... النّساء:165

السّدّيّ: فيقولوا:ما أرسلت إلينا رسولا.(220)

الجبّائيّ: ذلك مخصوص بمن علم اللّه من حاله أنّ له في بعثة الأنبياء لطفا،لأنّه إذا كان كذلك متى لم يبعث إليهم نبيّا يعرّفهم ما فيه لطفهم،كان في ذلك أتمّ الحجّة عليه تعالى.(الطّوسيّ 3:395)

الطّبريّ: يقول:أرسلت رسلي إلى عبادي مبشّرين و منذرين،لئلاّ يحتجّ من كفر بي،و عبد الأنداد من دوني،أو ضلّ عن سبيلي،بأن يقول،إن أردت عقابه: لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزى طه:134،فقطع حجّة كلّ مبطل ألحد في توحيده،و خالف أمره بجميع معاني الحجج القاطعة عذره،إعذارا منه بذلك إليهم،لتكون للّه الحجّة البالغة عليهم،و على جميع خلقه.(6:30)

الطّوسيّ: [حكى قول الجبّائيّ ثمّ قال:]

و ذلك يفسد قول من قال:في مقدوره من اللّطف ما لو فعله بالكافر لآمن به،لأنّه لو كان الأمر على ما قالوه،لكانت لهم الحجّة بذلك على اللّه تعالى قائمة.

فأمّا من لم يعلم من حاله أنّ له في إنفاذ الرّسل إليه لطفا، فالحجّة قائمة عليه بالعقل،و أدلّته على توحيده،و صفاته

ص: 836

و عدله،و لو لم تقم الحجّة بالعقل و لا قامت إلاّ بإنفاذ الرّسل،لفسد ذلك من وجهين:

أحدهما:أنّ صدق الرّسل لا يمكن العلم به إلاّ بعد تقدّم العلم بالتّوحيد و العدل،فإن كانت الحجّة لم تقم عليه بالعقل،فكيف الطّريق له إلى معرفة النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله و صدقه؟!

و الثّاني:أنّه لو كانت الحجّة لا تقوم إلاّ بالرّسول لاحتاج الرّسول أيضا إلى رسول آخر حتّى تقوم عليه الحجّة.و الكلام في رسوله كالكلام في هذا الرّسول، و يؤدّي ذلك إلى ما لا يتناهى،و ذلك فاسد،فمن استدلّ بهذه الآية على أنّ التّكليف،لا يصحّ بحال إلاّ بعد إنفاذ الرّسل،فقد أبعد على ما قلناه.(3:395)

نحوه الطّبرسيّ.(2:142)

الواحديّ: لأنّه لو لم يبعث الرّسل لكان للنّاس حجّة في ترك الطّاعة و التّوحيد و المعرفة،لأنّ هذه الأشياء إنّما وجبت ببعث الرّسل،و قد قال في آية أخرى: وَ لَوْ أَنّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً طه:134،فبيّن أنّهم كانوا يحتجّون بعدم الرّسل،لو لم تبعث إليهم.(2:140)

نحوه ابن الجوزيّ.(2:256)

البغويّ: فيقولوا:ما أرسلت إلينا رسولا،و لا أنزلت إلينا كتابا،و فيه دليل على أنّ اللّه تعالى لا يعذّب الخلق قبل بعثة الرّسل،قال اللّه تعالى: وَ ما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً الإسراء:15.(1:723)

نحوه القرطبيّ.(6:18)

الزّمخشريّ: فإن قلت:كيف يكون للنّاس على اللّه حجّة قبل الرّسل،و هم محجوجون بما نصبه اللّه من الأدلّة الّتي النّظر فيها موصل إلى المعرفة،و الرّسل في أنفسهم لم يتوصّلوا إلى المعرفة إلاّ بالنّظر في تلك الأدلّة و لا عرف أنّهم رسل اللّه إلاّ بالنّظر فيها؟

قلت:الرّسل منبّهون عن الغفلة و باعثون على النّظر،كما ترى علماء أهل العدل و التّوحيد مع تبليغ ما حملوه من تفصيل أمور الدّين،و بيان أحوال التّكليف و تعليم الشّرائع،فكان إرسالهم إزاحة للعلّة و تتميما لإلزام الحجّة،لئلاّ يقولوا:لو لا أرسلت إلينا رسولا فيوقظنا من سنة الغفلة و ينبّهنا،لما وجب الانتباه له.

(1:583)

نحوه الرّازيّ.(61)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:

المسألة الأولى:في انتصاب قوله:(رسلا)وجوه...

المسألة الثّانية:اعلم أنّ هذا الكلام أيضا جواب عن شبهة اليهود،و تقريره:أنّ المقصود من بعثة الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام أن يبشّروا الخلق على اشتغالهم بعبوديّة اللّه،و أن ينذروهم على الإعراض عن العبوديّة، فهذا هو المقصود الأصليّ من البعثة.فإذا حصل هذا المقصود فقد كمل الغرض و تمّ المطلوب،و هذا المقصود الأصليّ حاصل بإنزال الكتاب المشتمل على بيان هذا المطلوب.

و من المعلوم أنّه لا يختلف حال هذا المطلوب بأن يكون ذلك الكتاب مكتوبا في الألواح أو لم يكن،و بأن يكون نازلا دفعة واحدة أو منجّما مفرّقا،بل لو قيل:

إنّ إنزال الكتاب منجّما مفرّقا أقرب إلى المصلحة لكان

ص: 837

أولى،لأنّ الكتاب إذا نزل دفعة واحدة كثرت التّكاليف و توجّهت بأسرها على المكلّفين فيثقل عليهم قبولها، و لهذا السّبب أصرّ قوم موسى عليه السّلام على التّمرّد و لم يقبلوا تلك التّكاليف.أمّا إذا نزل الكتاب منجّما مفرّقا لم يكن كذلك،بل ينزل التّكاليف شيئا فشيئا و جزء فجزء،فحينئذ يحصل الانقياد و الطّاعة من القوم.

و حاصل هذا الجواب أنّ المقصود من بعثة الرّسل و إنزال الكتب هو الإعذار و الإنذار،و هذا المقصود حاصل سواء نزل الكتاب دفعة واحدة أو لم يكن كذلك، فكان اقتراح اليهود في إنزال الكتاب دفعة واحدة اقتراحا فاسدا.و هذا أيضا جواب عن تلك الشّبهة في غاية الحسن.[إلى أن قال:]

المسألة الثّالثة:احتجّ أصحابنا بهذه الآية على أنّ وجوب معرفة اللّه تعالى لا يثبت إلاّ بالسّمع،قالوا:لأنّ قوله: لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ يدلّ على أنّ قبل البعثة يكون للنّاس حجّة في ترك الطّاعات و العبادات،و نظيره قوله تعالى: وَ ما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً الإسراء:15.و قوله:

وَ لَوْ أَنّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَذِلَّ وَ نَخْزى طه:134.

المسألة الرّابعة:قالت المعتزلة:دلّت هذه الآية على أنّ العبد قد يحتجّ على الرّبّ،و أنّ الّذي يقوله أهل السّنّة من أنّه تعالى لا اعتراض عليه في شيء،و أنّ له أن يفعل ما يشاء كما يشاء ليس بشيء،قالوا:لأنّ قوله: لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ يقتضي أنّ لهم على اللّه حجّة قبل الرّسل؛و ذلك يبطل قول أهل السنّة.

و الجواب:المراد لئلاّ يكون للنّاس على اللّه حجّة، أي ما يشبه الحجّة فيما بينكم.

قالت المعتزلة:و تدلّ هذه الآية أيضا على أنّ تكليف ما لا يطاق غير جائز،لأنّ عدم إرسال الرّسل إذا كان يصلح عذرا فبأن يكون عدم المكنة و القدرة صالحا لأن يكون عذرا،كان أولى،و جوابه المعارضة بالعلم، و اللّه أعلم.(11:110)

نحوه النّيسابوريّ.(6:19)

البيضاويّ: لِئَلاّ يَكُونَ... فيقولوا: لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً طه:134،فينبّهنا و يعلّمنا ما لم نكن نعلم،و فيه تنبيه على أنّ بعثة الأنبياء عليهم الصّلاة و السّلام إلى النّاس ضرورة،لقصور الكلّ عن إدراك جزئيّات المصالح و الأكثر عن إدراك كلّيّاتها.

(1:256)

الخازن :المعنى لئلاّ يحتجّ النّاس على اللّه في ترك التّوحيد و الطّاعة بعد الرّسل،فيقولوا:ما أرسلت إلينا رسولا،و ما أنزلت علينا كتابا.

ففيه دليل على أنّه لو لم يبعث الرّسل لكان للنّاس عليه حجّة في ترك التّوحيد و الطّاعة.

و فيه دليل على أنّ اللّه لا يعذّب الخلق قبل بعثة الرّسل،كما قال تعالى: وَ ما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً الإسراء:15.

و فيه دليل لمذهب أهل السّنّة على أنّ معرفة اللّه تعالى لا تثبت إلاّ بالسّمع،لأنّ قوله: لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ يدلّ على أنّ قبل بعثة الرّسل

ص: 838

تكون لهم الحجّة في ترك الطّاعات و العبادات.[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ](1:520)

أبو حيّان :[نقل كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

و قوله:(لئلاّ)هو كالتّعليل لحالتي التّبشير و الإنذار، و التّبشير هو بالجنّة،و الإنذار هو بالنّار،و ليس الثّواب و العقاب حاكما بوجوبهما العقل و إنّما هو مجوّز لهما، و جاء السّمع فصارا واجبا وقوعهما و لم يستفد وجوبهما إلاّ من البشارة و النّذارة.

فلو لم يبشّر الرّسل بالجنّة لمن امتثل التّكاليف الشّرعيّة،و لم ينذروا بالنّار من لم يمتثل،و كانت تقع المخالفة المترتّب عليها العقاب بما لا شعور للمكلّف بها؛ من حيث أنّ اللّه لا يبعث إليه من يعلّمه بأنّ تلك معصية، لكانت له الحجّة؛إذ عوقب على شيء لم يتقدّم إليه في التّحذير من فعله،و أنّه يترتّب عليه العقاب.

و أمّا ما نصبه اللّه تعالى من الأدلّة العقليّة،فهي موصلة إلى المعرفة،و الإيمان باللّه على ما يجب،و العلل في الآية هو غير المعرفة و الإيمان باللّه،فلا يرد سؤال الزّمخشريّ.(3:398)

أبو السّعود :أي معذرة يعتذرون بها،قائلين:لو لا أرسلت إلينا رسولا فيبيّن لنا شرائعك و يعلّمنا ما لم نكن نعلم من أحكامك،لقصور القوّة البشريّة عن إدراك جزئيّات المصالح،و عجز أكثر النّاس عن إدراك كلّيّاتها، كما في قوله عزّ و جلّ: وَ لَوْ أَنّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ طه:134.

و إنّما سمّيت حجّة-مع استحالة أن يكون لأحد عليه سبحانه حجّة في فعل من أفعاله،بل له أن يفعل ما يشاء، كما يشاء-للتّنبيه على أنّ المعذرة في القبول عنده تعالى بمقتضى كرمه و رحمته لعباده،بمنزلة الحجّة القاطعة الّتي لا مردّ لها،و لذلك قال تعالى: وَ ما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً الإسراء:15.(2:222)

نحوه البروسويّ(2:324)،و الآلوسيّ(6:18)، و القاسميّ(5:1752).

3- ..لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ اللّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ. الشّورى:15

ابن عبّاس: لا خصومة.(407)

مثله مجاهد،و ابن زيد،و الطّبريّ.(الطّبريّ 25:18)

السّدّيّ: و هذه قبل السّيف و قبل أن يؤمر بالجزية.

(الماورديّ 5:199)

الرّمّانيّ: معناه فإنّكم بإظهار العداوة قد عدلتم عن طلب الحجّة.(الماورديّ 5:199)

الماورديّ: في قوله: لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ ثلاثة أوجه:[نقل قول مجاهد و الرّمّانيّ ثمّ قال:]

الثّالث:معناه إنّا قد أعذرنا بإقامة الحجّة عليكم، فلا حجّة بيننا و بينكم نحتاج إلى إقامتها عليكم.

(5:199)

الطّوسيّ: [ذكر قول مجاهد و ابن زيد و قال:]

أي قد ظهر الحقّ فسقط الجدال و الخصومة.

و قيل:معناه إنّ الحجّة لنا عليكم لظهورها،و ليست بيننا بالاشتباه و الالتباس.

و قيل:معناه لا حجّة بيننا و بينكم،لظهور أمركم في

ص: 839

البغي علينا و العداوة لنا و المعاندة،لا على طريق الشّبهة، و ليس ذلك على جهة تحريم إقامة الحجّة،لأنّه لم يلزم قبول الدّعوة إلاّ بالحجّة الّتي يظهر بها الحقّ من الباطل، فإذا صار الإنسان إلى البغي و العداوة سقط الحجاج بينه و بين أهل الحقّ.(9:152)

نحوه الطّبرسيّ.(5:25)

الواحديّ: لا خصومة،و هذا قبل أن أمر بالقتال، و إذا لم يؤمر بالقتال و أمر بالدّعوة لم تكن بينه و بين من لا يجيب خصومة و لا قتال.(4:47)

الزّمخشريّ: أي لا خصومة،لأنّ الحقّ قد ظهر و صرتم محجوجين به،فلا حاجة إلى المحاجّة.و معناه لا إيراد حجّة بيننا،لأنّ المتحاجّين يورد هذا حجّته، و هذا حجّته.(3:464)

نحوه أبو حيّان.(7:513)

ابن عطيّة: أي لا جدال و لا مناظرة،قد وضح الحقّ و أنتم تعاندون.(5:31)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه ليس المراد من قوله:

لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ تحريم ما يجري مجرى محاجّتهم، و يدلّ عليه وجوه:

الأوّل:أنّ هذا الكلام مذكور في معرض المحاجّة،فلو كان المقصود من هذه الآية تحريم المحاجّة،لزم كونها محرّمة لنفسها،و هو متناقض.

و الثّاني:أنّه لو لا الأدلّة لما توجّه التّكليف.

و الثّالث:أنّ الدّليل يفيد العلم،و ذلك لا يمكن تحريمه،بل المراد أنّ القوم عرفوا بالحجّة صدق محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

و إنّما تركوا تصديقه بغيا و عنادا،فبيّن تعالى أنّه قد حصل الاستغناء عن محاجّتهم،لأنّهم عرفوا بالحجّة صدقه، فلا حاجة معهم إلى المحاجّة.البتّة.

و ممّا يقوّي قولنا:إنّه لا يجوز تحريم المحاجّة،قوله:

وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:125.و قوله:

وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ العنكبوت:46،و قوله: يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا هود:32،و قوله: وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ الأنعام:83.(27:159)

نحوه النّيسابوريّ.(25:24)

القرطبيّ: قال ابن عبّاس و مجاهد:الخطاب لليهود، أي لنا ديننا و لكم دينكم،ثمّ نسخت بقوله: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ التّوبة:29.

و قال مجاهد:و معنى لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ لا خصومة بيننا و بينكم،و قيل:ليس بمنسوخ،لأنّ البراهين قد ظهرت،و الحجج قد قامت،فلم يبق إلاّ العناد،و بعد العناد لا حجّة و لا جدال.

قال النّحّاس: و يجوز أن يكون معنى لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ على ذلك القول:لم يؤمر أن يحتجّ عليكم و يقاتلكم،ثمّ نسخ هذا.كما أنّ قائلا لو قال من قبل أن تحوّل القبلة:لا تصلّ إلى الكعبة،ثمّ حوّل النّاس بعد، لجاز أن يقال:نسخ ذلك.(16:13)

البيضاويّ: لا حجاج،بمعنى لا خصومة،إذ الحقّ قد ظهر و لم يبق للمحاجّة مجال،و لا للخلاف مبدأ سوى العناد.(2:355)

نحوه أبو السّعود(6:14)،و الكاشانيّ(4:370)، و المراغيّ(25:29).

ص: 840

البروسويّ: الحجّة في الأصل:البرهان و الدّليل، ثمّ يقال:لا حجّة بيننا و بينكم،أي لا إيراد حجّة بيننا، و يراد به:لا خصومة بيننا،بناء على أنّ إيراد الحجّة من الجانبين لازم للخصومة،فيكنّى بذكر اللاّزم عن الملزوم.

فالمعنى لا محاجّة و لا خصومة،لأنّ الحقّ قد ظهر و لم يبق للمحاجّة حاجة و لا للمخالفة محمل سوى المكابرة.

و فيه إشارة إلى أنّه لا خصومة بالإهداء و المعصية.

(8:300)

نحوه الآلوسيّ.(25:25)

الطّباطبائيّ: لعلّ المراد:أنّه لا حجّة تدلّ على تقدّم بعض على بعض تكون فيما بيننا،يقيمها بعض على بعض،يثبت بها تقدّمه عليه.

و يمكن أن يكون نفي الحجّة كناية عن نفي لازمها و هو الخصومة،أي لا خصومة بيننا بتفاوت الدّرجات، لأنّ ربّنا واحد،و نحن في أنّنا جميعا عباده واحد،و لكلّ نفس ما عملت فلا حجّة في البين،أي لا خصومة حتّى تتّخذ لها حجّة.

و من هنا يظهر أن لا وجه لقول بعضهم في تفسير الجملة:أي لا احتجاج و لا خصومة،لأنّ الحقّ قد ظهر فلم يبق للاحتجاج حاجة و لا للمخالفة محمل سوى المكابرة و العناد،انتهى.

إذ الكلام مسوق لبيان ما أمر به النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله فى نفسه و في أمّته من سنّة التّسوية،لا لإثبات شيء من أصول المعارف حتّى تحمل الحجّة على ما حملها عليه.

(18:34)

مكارم الشّيرازيّ: و ليست لدينا أغراض شخصيّة اتّجاهكم.و عادة لا توجد حاجة إلى الاستدلال و الاحتجاج،لأنّ الحقّ واضح.(15:455)

الحجّة

قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ.

الأنعام:149

الزّجّاج: فحجّته البالغة:تبيينه أنّه الواحد، و إرساله الأنبياء بالحجج الّتي يعجز عنها المخلوقون.

(2:303)

النّحّاس: أي بإرساله الرّسل،و إظهاره البيّنات.

(2:514)

الطّوسيّ: اَلْحُجَّةُ الْبالِغَةُ: يعني الحجّة الّتي احتجّ بها على الكافرين في الآية الأولى،و جميع ما احتجّ به على عباده في صحّة دينه الّذي كلّفهم إيّاه.

و معنى(البالغة):الّتي تبلغ قطع عذر المحجوج، و تزيل كلّ لبس و شبهة عمّن نظر فيها،و استدلّ أيضا بها.و إنّما كانت حجّة اللّه صحيحة بالغة،لأنّه لا يحتجّ إلاّ بالحقّ،و ما يؤدّي إلى العلم.(4:335)

البغويّ: التّامّة على خلقه بالكتاب و الرّسول و البيان.(2:169)

الطّبرسيّ: الحجّة البيّنة الصّحيحة المصحّحة للأحكام،و هي الّتي تقصد إلى الحكم بشهادته،مأخوذة من:حجّ،إذا قصد.[ثمّ قال نحو الطّوسيّ في معنى «البالغة»].(2:380)

الفخر الرّازيّ: تقريره:أنّهم احتجّوا في دفع دعوة الأنبياء و الرّسل على أنفسهم بأن قالوا:كلّ ما حصل فهو

ص: 841

بمشيئة اللّه تعالى،و إذا شاء اللّه منّا ذلك،فكيف يمكننا تركه؟و إذا كنّا عاجزين عن تركه،فكيف يأمرنا بتركه؟ و هل في وسعنا و طاقتنا أن نأتي بفعل على خلاف مشيئة اللّه تعالى؟فهذا هو حجّة الكفّار على الأنبياء،فقال تعالى: قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ و ذلك من وجهين:

الوجه الأوّل:أنّه تعالى أعطاكم عقولا كاملة، و أفهاما وافية،و آذانا سامعة،و عيونا باصرة،و أقدركم على الخير و الشّرّ،و أزال الأعذار و الموانع بالكلّيّة عنكم.فإن شئتم ذهبتم إلى عمل الخيرات،و إن شئتم إلى عمل المعاصي و المنكرات.و هذه القدرة و المكنة معلومة الثّبوت بالضّرورة،و زوال الموانع و العوائق معلوم الثّبوت أيضا بالضّرورة،و إذا كان الأمر كذلك كان ادّعاؤكم أنّكم عاجزون عن الإيمان و الطّاعة دعوى باطلة،فثبت بما ذكرنا أنّه ليس لكم على اللّه حجّة بالغة!بل للّه الحجّة البالغة عليكم.

و الوجه الثّاني:أنّكم تقولون:لو كانت أفعالنا واقعة على خلاف مشيئة اللّه تعالى،لكنّا قد غلبنا اللّه و قهرناه، و أتينا بالفعل على مضادّته و مخالفته؛و ذلك يوجب كونه عاجزا ضعيفا،و ذلك يقدح في كونه إلها.

فأجاب تعالى عنه:بأنّ العجز و الضّعف إنّما يلزم إذا لم أكن قادرا على حملهم على الإيمان و الطّاعة،على سبيل القهر و الإلجاء،و أنا قادر على ذلك،و هو المراد من قوله:

فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ إلاّ أنّي لا أحملكم على الإيمان و الطّاعة على سبيل القهر و الإلجاء،لأنّ ذلك يبطل الحكمة المطلوبة من التّكليف،فثبت بهذا البيان أنّ الّذي يقولونه:من أنّا لو أتينا بعمل على خلاف مشيئة اللّه،فإنّه يلزم منه كونه تعالى عاجزا ضعيفا،كلام باطل.

فهذا أقصى ما يمكن أن يذكر في تمسّك المعتزلة بهذه الآية.

[ثمّ ذكر ما يوافق الأشاعرة،فلاحظ](13:226)

القرطبيّ: أي الّتي تقطع عذر المحجوج،و تزيل الشّكّ عمّن نظر فيها،فحجّته البالغة على هذا:تبيينه أنّه الواحد،و إرساله الرّسل و الأنبياء،فبيّن التّوحيد بالنّظر في المخلوقات،و أيّد الرّسل بالمعجزات،و لزم أمره كلّ مكلّف.

فأمّا علمه و إرادته و كلامه فغيب لا يطّلع عليه العبد،إلاّ من ارتضى من رسول.و يكفي في التّكليف أن يكون العبد بحيث لو أراد أن يفعل ما أمر به لأمكنه.

(7:128)

أبو حيّان :فللّه الحجّة البالغة في الاحتجاج،الغالبة كلّ حجّة؛حيث خلق عقولا يفكّر بها و أسماعا يسمع بها و أبصارا يبصر بها.و كلّ هذه مدارك للتّوحيد و لاتّباع ما جاءت به الرّسل عن اللّه.

قال أبو نصر القشيريّ: اَلْحُجَّةُ الْبالِغَةُ: تبيين للتّوحيد و إبداء الرّسل بالمعجزات،فألزم أمره كلّ مكلّف.فأمّا علمه و إرادته فغيب لا يطّلع عليه العبد؛ و يكفي في التّكليف أن يكون العبد لو أراد أن يفعل ما أمر به مكّنه،و خلاف المعلوم مقدور،فلا يلتحق بما يكون محالا في نفسه،انتهى.و في آخر كلامه نظر.(4:247)

الآلوسيّ: اَلْحُجَّةُ الْبالِغَةُ أي البيّنة الواضحة الّتى بلغت غاية المتانة و القوّة على الإثبات،أو بلغ بها صاحبها صحّة دعواه كعيشة راضية،و المراد بها في المشهور:الكتاب و الرّسول و البيان.

ص: 842

و قال شيخ مشايخنا الكورانيّ: اَلْحُجَّةُ الْبالِغَةُ إشارة إلى أنّ العلم تابع للمعلوم،و أنّ إرادة اللّه تعالى متعلّقة بإظهار ما اقتضاه استعداد المعلوم في نفسه،مراعاة للحكمة جودا و رحمة لا وجوبا.و هي من الحجّ بمعنى القصد،كأنّها يقصد بها إثبات الحكم و تطلبه،أو بمعنى الغلبة و هو المشهور،و الفاء جواب شرط محذوف،أي إذا ظهر أن لا حجّة لكم قل:فللّه الحجّة.(8:51)

الطّباطبائيّ: و المعنى أنّ نتيجة الحجّة قد التبست عليكم بجهلكم و اتّباعكم الظّنّ و خرصكم في المعارف الإلهيّة،فحجّتكم تدلّ على أن لا حجّة لكم في دعوته إيّاكم إلى رفض الشّرك و ترك الافتراء عليه،و إنّ الحجّة إنّما هي للّه عليكم،فإنّه لو شاء لهداكم أجمعين و أجبركم على الإيمان و ترك الشّرك و التّحريم؛و إذ لم يجبركم على ذلك و أبقاكم على الاختيار فله أن يدعوكم إلى ترك الشّرك و التّحريم.

و بعبارة أخرى:يتفرّع على حجّتكم أنّ الحجّة للّه عليكم،لأنّه لو شاء لأجبر على الإيمان فهداكم أجمعين، و لم يفعل بل جعلكم مختارين يجوز بذلك دعوتكم إلى ما دعاكم إليه.

و قد بيّن تعالى في طائفة من الآيات السّابقة أنّه تعالى لم يضطرّ عباده على الإيمان،و لم يشأ منهم ذلك بالمشيئة التّكوينيّة حتّى يكونوا مجبرين عليه،بل أذن لهم في خلافه.و هذا الإذن الّذي هو رفع المانع التّكوينيّ هو اختيار العباد،و قدرتهم على جانبي الفعل و التّرك، و هذا الإذن لا ينافي الأمر التّشريعيّ بترك الشّرك مثلا، بل هو الأساس الّذي يبتني عليه الأمر و النّهي.(7:367)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ اللّه أقام براهين جليّة و دلائل واضحة و صحيحة في صعيد وحدانيّته،و هكذا أقام أحكام الحلال و الحرام سواء بواسطة أنبيائه أو بواسطة العقل؛بحيث لم يبق أيّ عذر لمعتذر: قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ.

و على هذا الأساس لا يمكن أن يدّعي أحد أنّ اللّه أمضى-بسكوته-عقائدهم و أعمالهم الباطلة،و هكذا لا يمكن لهم قطّ أن يدّعوا أنّهم كانوا مجبورين،لأنّهم لو كانوا مجبورين لكان إقامة الدّليل و البرهان،و إرسال الأنبياء و تبليغهم و دعوتهم لغوا،إنّ إقامة الدّليل دليل على حرّيّة الإرادة.

على أنّه يجب الانتباه إلى أنّ(الحجّة)الّذي هو من «حجّ»يعني القصد،و تطلق الحجّة على الطّريق الّذي يقصده الإنسان،و يطلق على البرهان و الدّليل الحجّة أيضا،لأنّ القائل يقصد إثبات مدّعاه للآخرين عن طريقه.

و مع ملاحظة لفظة«بالغة»يتّضح أنّ الأدلّة الّتي أقامها اللّه للبشر عن طريق العقل و النّقل و بواسطة العلم و الفكر،و كذا عن طريق إرسال الأنبياء،واضحة، لا لبس فيها من جميع الجهات؛بحيث لا يبقى أيّ مجال للتّرديد و الشّكّ لأحد،و لهذا السّبب نفسه عصم اللّه سبحانه أنبياءه من كلّ خطإ،و ذلك ليبعّدهم عن أيّ نوع من أنواع التّردّد و الشّكّ،في الدّعوة و الإبلاغ.

(4:467)

ص: 843

حجّتهم-يحاجّون

وَ الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ.... الشّورى:16

ابن عبّاس: يخاصمون في دين اللّه،يعني اليهود و النّصارى.

حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ: خصومتهم باطلة.(407)

نحوه الطّبريّ(25:18)،و البغويّ(4:141).

إنّها نزلت في طائفة من بني إسرائيل همّت بردّ النّاس عن الإسلام و إضلالهم،و مجادلتهم بأن قالوا:

كتابنا قبل كتابكم،و نبيّنا قبل نبيّكم،فديننا أفضل؛ فنزلت الآية في ذلك.

مثله مجاهد.(ابن عطيّة 5:31)

و نحوه قتادة(الطّبريّ 25:19)،و الزّمخشريّ(3:

464).

الطّوسيّ: يجادلون في اللّه بنصرة مذهبهم.[إلى أن قال:]

حُجَّتُهُمْ و هي شبهة،و إنّما سمّاها حجّة على اعتقادهم،فلشبهها بالحجّة أجرى عليها اسمها،من غير إطلاق الصّفة بها.(9:153)

نحوه الطّبرسيّ.(5:26)

الواحديّ: يخاصمون في دين اللّه نبيّه.[إلى أن قال:]

و إنّما قصدوا بما قالوا،دفع ما أتى به محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

(4:47)

ابن عطيّة: معناه في توحيد اللّه،أي يحاجّون فيه بالإبطال و الإلحاد و ما أشبه.(5:31)

الفخر الرّازيّ: يخاصمون في دينه... حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ أي باطلة،و تلك المخاصمة هي أنّ اليهود قالوا:أ لستم تقولون:إنّ الأخذ بالمتّفق أولى من الأخذ بالمختلف؟فنبوّة موسى و حقّيّة التّوراة معلومة بالاتّفاق.

و نبوّة محمّد ليست متّفقا عليها.فإذا بنيتم كلامكم في هذه الآية على أنّ الأخذ بالمتّفق أولى،وجب أن يكون الأخذ باليهوديّة أولى،فبيّن تعالى أنّ هذه الحجّة داحضة.[ثمّ ذكر وجه بطلان حجّتهم،فلاحظ]

(27:159)

نحوه النّيسابوريّ.(25:24)

البروسويّ: وَ الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللّهِ أي يخاصمون في دينه،و هو مبتدأ.[إلى أن قال:]

حُجَّتُهُمْ مبتدأ ثان، داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ خبر الثّاني.و الجملة خبر الأوّل،أي زائلة باطلة،بل لا حجّة لهم أصلا.إنّما عبّر عن أباطيلهم بالحجّة مجاراة معهم على زعمهم الباطل.(8:301)

نحوه الآلوسيّ.(25:25)

الطّباطبائيّ: و المعنى على ما قيل: وَ الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللّهِ أي يحتجّون على نفي ربوبيّته أو على إبطال دينه،من بعد ما استجاب النّاس له و دخلوا في دينه،لظهور الحجّة و وضوح المحجّة،حجّتهم باطلة زائلة عند ربّهم،و عليهم غضب منه تعالى،و لهم عذاب شديد.

(18:35)

2- وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ. الجاثية:25

ابن عبّاس: عذرهم و جوابهم لمحمّد عليه الصّلاة

ص: 844

و السّلام.(421)

الزّجّاج: يجوز في(حجّتهم)الرّفع،فمن رفع جعل (حجّتهم)اسم(كان)،و أَنْ قالُوا خبر(كان).و من نصب(حجّتهم)جعل اسم(كان)(ان)مع صلتها، و يكون المعنى:ما كان حجّتهم إلاّ مقالتهم ائتوا بآبائنا.

(4:434)

الزّمخشريّ: فإن قلت:لم سمّي قولهم حجّة، و ليس بحجّة؟

قلت:لأنّهم أدلوا به كما يدلي المحتجّ بحجّته،و ساقوه مساقها،فسمّيت حجّة على سبيل التّهكّم،أو لأنّه في حسبانهم و تقديرهم حجّة،أو لأنّه في أسلوب قولهم:

«تحيّة بينهم ضرب وجيع»،كأنّه قيل:ما كان حجّتهم إلاّ ما ليس بحجّة،و المراد نفي أن تكون لهم حجّة،البتّة.

(3:513)

نحوه البروسويّ.(8:451)

الفخر الرّازيّ: قرئ (حجّتهم) بالنّصب و الرّفع، على تقديم خبر(كان)و تأخيره.[ثمّ قال نحو الزّمخشريّ](27:270)

نحوه أبو السّعود.(6:62)

حجّتنا

وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ. الأنعام:83

مجاهد :هي: اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ الأنعام:82.

[و في رواية أخرى]قال إبراهيم حين سأل:أيّ الفريقين أحقّ بالأمن؟قال:هي حجّة إبراهيم.

(الطّبريّ 7:259)

الفرّاء: و ذلك أنّهم قالوا له:أ ما تخاف أن تخبلك آلهتنا لسبّك إيّاها؟

فقال لهم:أ فلا تخافون أنتم ذلك منها؛إذ سوّيتم بين الصّغير و الكبير و الذّكر و الأنثى أن يغضب الكبير إذ سوّيتم به الصّغير.

ثمّ قال لهم:أ من يعبد إلها واحدا أحقّ أن يأمن أم من يعبد آلهة شتّى؟

قالوا:من يعبد إلها واحدا،فغضبوا على أنفسهم، فذلك قوله: وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ. (1:341)

الطّبريّ: وَ تِلْكَ حُجَّتُنا قول إبراهيم لمخاصميه من قومه المشركين:أيّ الفريقين أحقّ بالأمن؟أ من يعبد ربّا واحدا مخلصا له الدّين و العبادة،أم من يعبد أربابا كثيرة؟

و إجابتهم إيّاه بقولهم:بل من يعبد ربّا واحدا أحقّ بالأمن،و قضاؤهم له على أنفسهم،فكان في ذلك قطع عذرهم،و انقطاع حجّتهم،و استعلاء حجّة إبراهيم عليهم،فهي الحجّة الّتي آتاها اللّه إبراهيم على قومه.

(7:259)

الماورديّ: في هذه الحجّة الّتي أوتيها ثلاثة أقاويل:

أحدها:قوله لهم: أَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً المائدة:76،أم تعبدون من يملك الضّرّ و النّفع؟فقالوا:مالك الضّرّ و النّفع أحقّ.

ص: 845

[و الثّاني و الثّالث ما تقدّم عن الفرّاء](2:139)

الزّمخشريّ: و(تلك)إشارة إلى جميع ما احتجّ به إبراهيم عليه السّلام على قومه،من قوله: فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ إلى قوله: وَ هُمْ مُهْتَدُونَ الأنعام:76-82.

(2:33)

الطّبرسيّ: أي أدلّتنا.(2:329)

الفخر الرّازيّ: قوله:(تلك)إشارة إلى كلام تقدّم، و فيه وجوه:

الأوّل:أنّه إشارة إلى قوله: لا أُحِبُّ الْآفِلِينَ.

و الثّاني:أنّه إشارة إلى أنّ القوم قالوا له:أ ما تخاف أن تخبلك آلهتنا لأجل أنّك شتمتهم؟فقال لهم:أ فلا تخافون أنتم حيث أقدمتم على الشّرك باللّه و سوّيتم في العبادة بين خالق العالم و مدبّره و بين الخشب المنحوت و الصّنم المعمول؟

و الثّالث:أنّ المراد هو الكلّ.(13:61)

القرطبيّ: (تلك)إشارة إلى جميع احتجاجاته حتّى خاصمهم و غلبهم بالحجّة.[ثمّ نقل قول مجاهد و نحو قول الفرّاء](7:30)

أبو حيّان :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و هذا الظّاهر،و أضافها إليه تعالى على سبيل التّشريف،و كان المضاف إليه بنون العظمة لإيتاء المتكلّم.(4:171)

نحوه أبو السّعود(2:409)،و الطّباطبائيّ(7:204).

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ ثمّ قال:]

الحجّة:عبارة عن الكلام المؤلّف للاستدلال على الشّيء.(3:58)

مغنيّة: أي إنّ تلك الحجج الدّامغة الّتي أفحم بها إبراهيم قومه،نحن ألهمناه إيّاها.و في هذه الآية دلالة واضحة على أنّ الأنبياء،و من اهتدى بهديهم من العلماء هم لسان اللّه و بيانه،و أنّ الرّادّ عليهم رادّ على اللّه بالذّات،كما جاء في الحديث.(3:217)

حاجّ

أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللّهُ الْمُلْكَ... البقرة:258

ابن عبّاس: خاصم إبراهيم...و هو نمروذ بن كنعان.(37)

نحوه الواحديّ(1:371)،و ابن الجوزيّ(1:307).

مجاهد :هو نمروذ بن كنعان.

مثله زيد بن أسلم،و ابن جريج،و ابن إسحاق، و ابن زيد.(الطّبريّ 3:24)

و نحوه السّدّيّ.(162)

هو نمروذ بن كنعان،و هو أوّل من تجبّر و ادّعى الرّبوبيّة.(الطّبرسيّ 1:366)

نحوه قتادة و الرّبيع(الطّبريّ 3:24)،و البغويّ(1:

351).

السّدّيّ: [نقل حكايات و قصص في محاجّة نمرود و إبراهيم](162)

نحوه ابن عطيّة(1:345)،و القرطبيّ(3:284).

الإمام الصّادق عليه السّلام: [في وقت هذه المحاجّة]عند كسر الأصنام قبل إلقائه في النّار،و جعلها عليه بردا و سلاما.(الطّبرسيّ 1:367)

ص: 846

نحوه مقاتل.(الفخر الرّازيّ 7:23)

ابن قتيبة :أي حاجّه لأن آتاه اللّه الملك،فأعجب بنفسه و ملكه.(93)

الطّبريّ: يعني تعالى ذكره بقوله: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أ لم تر يا محمّد بقلبك الّذي حاجّ إبراهيم؟يعني الّذي خاصم إبراهيم،يعني إبراهيم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في ربّه أَنْ آتاهُ اللّهُ الْمُلْكَ، يعني بذلك:

حاجّه فخاصمه في ربّه،لأنّ اللّه آتاه الملك.

و هذا تعجيب من اللّه تعالى ذكره نبيّه محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم،من الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه،و لذلك أدخلت(الى)في قوله: أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ، و كذلك تفعل العرب إذا أرادت التّعجيب من رجل في بعض ما أنكرت من فعله، قالوا:ما ترى إلى هذا؟و المعنى:هل رأيت مثل هذا،أو كهذا؟

و قيل:إنّ الّذي حاجّ إبراهيم في ربّه جبّار كان ببابل، يقال له:نمروذ بن كنعان بن كوش بن سام بن نوح.

و قيل:إنّه نمروذ بن فالخ بن عابر بن شالخ بن أرفخشذ بن سام بن نوح.(3:23)

الماورديّ: في المحاجّة وجهان محتملان:

أحدهما:أنّه معارضة الحجّة بمثلها.

و الثّاني:أنّه الاعتراض على الحجّة بما يبطلها.

(1:329)

ابن عطيّة: (حاجّ)وزنه«فاعل»من الحجّة،أي جاذبه إيّاها.(1:346)

الطّبرسيّ: إنّما أطلق لفظ المحاجّة و إن كانت مجادلة بالباطل و لم تكن له فيه حجّة،لأنّ في زعمه أنّ له فيه حجّة.(1:367)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في وقت هذه المحاجّة.[نقل قول مقاتل ثمّ قال:]

و قيل:بعد إلقائه في النّار.و المحاجّة:المغالبة،يقال:

حاججته فحججته،أي غالبته فغلبته.(7:23)

نحوه الآلوسيّ.(3:15)

أبو حيّان :معنى حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أي عارض حجّته بمثلها،أو أتى على الحجّة بما يبطلها،أو أظهر المغالبة في الحجّة،ثلاثة أقوال.

و اختلفوا في وقت المحاجّة...[ثمّ ذكر القصص في كيفيّة المحاجّة](2:286)

البروسوي:أي جادل و خاصم و قابل بالحجّة.

[إلى أن نقل وقت المحاجّة و كيفيّتها](1:410)

الطّباطبائيّ: المحاجّة:إلقاء الحجّة قبال الحجّة لإثبات المدّعى أو لإبطال ما يقابله.و أصل الحجّة هو القصد،غلب استعماله فيما يقصد به إثبات دعوى من الدّعاوي.و قوله:(فى ربّه)متعلّق ب(حاجّ)و الضّمير ل(إبراهيم)،كما يشعر به قوله تعالى فيما بعد: إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَ يُمِيتُ.

و هذا الّذي حاجّ إبراهيم عليه السّلام في ربّه هو الملك الّذي كان يعاصره و هو نمرود من ملوك بابل،على ما يذكره التّاريخ و الرّواية.(2:348)

حاجّه-أ تحاجّونّى

وَ حاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَ تُحاجُّونِّي فِي اللّهِ وَ قَدْ هَدانِ...

الأنعام:80

ص: 847

ابن عبّاس: خاصمه قومه في آلهتهم و خوّفوه بها لكي يترك دين اللّه. قالَ أَ تُحاجُّونِّي أ تخاصموني في دين اللّه.(113)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و جادل إبراهيم قومه في توحيد اللّه و براءته من الأصنام،و كان جدالهم إيّاه، قولهم:إنّ آلهتهم الّتي يعبدونها خير من إلهه،«قال ابراهيم أ تحاجونى فى الله»يقول:أ تجادلونني في توحيدي اللّه،و إخلاصي العمل له دون ما سواه من آلهة؟

(7:252)

نحوه الزّجّاج.(2:268)

البغويّ: أي خاصمه و جادله قومه في دينه قالَ أَ تُحاجُّونِّي فِي اللّهِ قرأ أهل المدينة و ابن عامر بتخفيف النّون،و قرأ الآخرون بتشديدها إدغاما لإحدى النّونين في الأخرى،و من خفّف حذف إحدى النّونين تخفيفا، يقول:أ تجادلونني في توحيد اللّه،و قد هداني للتّوحيد و الحقّ؟(2:140)

نحوه البروسويّ.(3:57)

الطّبرسيّ: أي خاصموه و جادلوه في الدّين و خوّفوه من ترك عبادة آلهتهم.(2:326)

نحوه الشّربينيّ.(1:432)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ إبراهيم عليه السّلام لمّا أورد عليهم الحجّة المذكورة،فالقوم أوردوا عليه حججا على صحّة أقوالهم،منها:أنّهم تمسّكوا بالتّقليد،كقولهم: إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ الزّخرف:22،و كقولهم للرّسول عليه السّلام: أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ ص:5.

و منها:أنّهم خوّفوه بأنّك لمّا طعنت في إلهيّة هذه الأصنام وقعت من جهة هذه الأصنام في الآفات و البليّات،و نظيره ما حكاه اللّه تعالى في قصّة قوم هود إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ هود:54، فذكروا هذا الجنس من الكلام مع إبراهيم عليه السّلام.

فأجاب اللّه عن حجّتهم بقوله: قالَ أَ تُحاجُّونِّي فِي اللّهِ وَ قَدْ هَدانِ يعني لمّا ثبت بالدّليل الموجب للهداية و اليقين صحّة قولي،فكيف يلتفت إلى حجّتكم العليلة، و كلماتكم الباطلة.

و أجاب عن حجّتهم الثّانية و هي:أنّهم خوّفوه بالأصنام بقوله: وَ لا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ الأنعام:

80،لأنّ الخوف إنّما يحصل ممّن يقدر على النّفع و الضّرّ، و الأصنام جمادات لا تقدر و لا قدرة لها على النّفع و الضّرّ،فكيف يحصل الخوف منها؟(13:58)

نحوه النّيسابوريّ(7:145)،و مغنيّة(3:216).

أبو حيّان :المحاجّة«مفاعلة»من اثنين مختلفين في حكمين،يدلي كلّ منهما بحجّته على صحّة دعواه، و المعنى:و حاجّه قومه في توحيد اللّه و نفي الشّركاء عنه منكرين لذلك.

و محاجّة مثل هؤلاء إنّما هي بالتّمسّك باقتفاء آبائهم تقليدا،و بالتّخويف من ما يعبدونه من الأصنام،كقول قوم هود: إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ هود:54،فأجابهم بأنّ اللّه قد هداه بالبرهان القاطع على توحيده و رفض ما سواه،و أنّه لا يخاف من آلهتهم.

و قرأ نافع و ابن عامر بخلاف عن هشام (أ تحاجّونى) بتخفيف النّون،و أصله بنونين:الأولى علامة الرّفع،

ص: 848

و الثّانية نون الوقاية،و الخلاف في المحذوف منهما مذكور في علم النّحو.و قد لحن بعض النّحويّين من قرأ بالتّخفيف،و أخطأ في ذلك.

و قال مكّيّ: الحذف بعيد في العربيّة قبيح مكروه، و إنّما يجوز في الشّعر للوزن،و القرآن لا يحتمل ذلك فيه؛ إذ لا ضرورة تدعو إليه.و قول مكّيّ ليس بالمرتضى.

و قيل:التّخفيف لغة لغطفان.

و قرأ باقي السّبعة بتشديد النّون،أصله:أ تحاجّونني، فأدغم هروبا من استثقال المثلين متحرّكين،فخفّف بالإدغام،و لم يقرأ هناك بالفكّ و إن كان هو الأصل، و يجوز في الكلام.

و(فى اللّه)متعلّق ب(أ تحاجّونّى)لا بقوله:(و حاجّه قومه)،و المسألة من باب الإعمال إعمال الثّاني،فلو كان متعلّقا بالأوّل لأضمر في الثّاني،و نظيره: يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ النّساء:176.

و الجملة من قوله:(و قد هدان)حاليّة،أنكر عليهم أن تقع منهم محاجّة له،و قد حصلت من اللّه له الهداية لتوحيده،فمحاجّتهم لا تجدي،لأنّها داحضة.(4:169)

أبو السّعود :أي شرعوا في مغالبته في أمر التّوحيد.

(2:406)

نحوه الآلوسيّ.(7:204)

المراغيّ: أي و جادله قومه في أمر التّوحيد،فهو حين أبان لهم بطلان عبادة الأصنام و ربوبيّة الكواكب، و أثبت لهم وحدانيّة اللّه تعالى و وجوب عبادته وحده، حاجّوه ببيان أوهامهم في شركهم؛إذ قالوا:إنّ اتّخاذ الآلهة لا ينافي الإيمان باللّه الفاطر للسّماوات و الأرض، لأنّهم شفعاء عنده،و لمّا لم يجد ذلك معه خوّفوه أن تمسّه آلهتهم بسوء.(7:175)

الطّباطبائيّ: قسّم تعالى حججه إلى قسمين:

أحدهما:ما بدأ به هو فحاجّ النّاس.

و ثانيهما:ما بدأ به النّاس فكلّموه به بعد ما تبرّأ من آلهتهم.و هذا الّذي تعرّض له في الآية و ما بعده هو القسم الثّاني.لم يذكر تعالى ما أوردوه عليه من الحجّة لكنّه لوّح إليه بقوله حكاية عن إبراهيم عليه السّلام:

وَ لا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ فهو الاحتجاج لوجوب عبادة آلهتهم من جهة الخوف.(7:192)

حاجّك

فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ... آل عمران:61

ابن عبّاس: فمن خاصمك.(48)

الطّبريّ: فمن جادلك.(3:297)

مثله البغويّ.(1:449)

الواحديّ: أي جادلك و خاصمك.(1:444)

نحوه ابن عطيّة.(1:447)

أبو حيّان :أي:من نازعك و جادلك،و هو من باب «مفاعلة»الّتي تكون بين الاثنين،و كان الأمر كذلك بينه صلّى اللّه عليه و سلّم و بين وفد نجران.(2:479)

نحوه الآلوسيّ.(3:187)

و بهذا المعنى جاء فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ وَ مَنِ اتَّبَعَنِ... آل عمران:20،و ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ

ص: 849

بِهِ عِلْمٌ وَ اللّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ آل عمران:66.

يحاجّوكم

1- ...قالُوا أَ تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ... البقرة:76

ابن عبّاس: حتّى يخاصموكم.(12)

نحوه مقاتل.(ابن الجوزيّ 1:104)

الحسن :فتظهر له الحجّة عليكم،فيكونوا أولى باللّه منكم.(الماورديّ 1:149)

الزّجّاج: أي لتكون لهم الحجّة في إيمانهم بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم؛ عليكم إذ كنتم مقرّين به تخبرون بصحّة أمره من كتابكم،فهذا يبيّن حجّته عليكم عند اللّه.(1:158)

نحوه الطّبرسيّ.(1:143)

الأصمّ: المراد:يحاجّوكم يوم القيامة و عند التّساؤل،فيكون ذلك زائدا في توبيخكم،و ظهور فضيحتكم على رءوس الخلائق في الموقف،لأنّه ليس من اعترف بالحقّ ثمّ كتم كمن ثبت على الإنكار،فكان القوم يعتقدون أنّ ظهور ذلك ممّا يزيد في انكشاف فضيحتهم في الآخرة.(الفخر الرّازيّ 3:137)

الماورديّ: فيه ثلاثة أوجه:

أحدها: لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ فحذف ذكر الكتاب إيجازا.

و الثّاني:[قول الحسن و قد تقدّم]

و الثّالث: لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ يوم القيامة، كما قال تعالى: ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ الزّمر:31.(1:149)

الواحديّ: ليجادلوكم و يخاصموكم،يعني أصحاب محمّد عليه السّلام،و يقولون لليهود:قد أقررتم أنّه نبيّ حقّ في كتابكم ثمّ لا تتّبعونه.(1:161)

نحوه البغويّ.(1:136)

الزّمخشريّ: ليحتجّوا عليكم بما أنزل ربّكم في كتابه،جعلوا محاجّتهم به،و قولهم:هو في كتابكم هكذا محاجّة عند اللّه،أ لا تراك تقول:هو في كتاب اللّه هكذا و هو عند اللّه هكذا،بمعنى واحد.(1:291)

نحوه البيضاويّ.(1:65)

الفخر الرّازيّ: [نقل بعض الأقوال و أضاف:]

قال القاضي أبو بكر:إنّ المحتجّ بالشّيء قد يحتجّ و يكون غرضه من إظهار تلك الحجّة حصول السّرور بسبب غلبة الخصم،و قد يكون غرضه منه الدّيانة و النّصيحة فقط،ليقطع عذر خصمه،و يقرّر حجّة اللّه عليه،فقال القوم عند الخلوة:قد حدّثتموهم بما فتح اللّه عليكم من حجّتهم في التّوراة،فصاروا يتمكّنون من الاحتجاج به على وجه الدّيانة و النّصيحة،لأنّ من يذكر الحجّة على هذا الوجه قد يقول لصاحبه:قد أوجبت عليك عند اللّه،و أقمت عليك الحجّة بيني و بين ربّي،فإن قبلت أحسنت إلى نفسك،و إن جحدت كنت الخاسر الخائب.

و خامسها:قال القفّال:يقال:فلان عندي عالم،أي في اعتقادي و حكمي،و هذا عند الشّافعيّ حلال و عند أبي حنيفة حرام،أي في حكمهما،و قوله: لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ أي لتصيروا محجوجين بتلك الدّلائل في حكم اللّه.(3:137)

ص: 850

القرطبيّ: قوله تعالى: لِيُحَاجُّوكُمْ نصب بلام كي،و إن شئت بإضمار«أن»و علامة النّصب حذف النّون.[إلى أن قال:]

و معنى لِيُحَاجُّوكُمْ ليعيّروكم،و يقولوا:نحن أكرم على اللّه منكم.

و قيل:المعنى ليحتجّوا عليكم بقولكم،يقولون:

كفرتم به بعد أن وقفتم على صدقه.

و قيل:إنّ الرّجل من اليهود كان يلقى صديقه من المسلمين،فيقول له:تمسّك بدين محمّد فإنّه نبيّ حقّا.

(2:4)

أبو حيّان : لِيُحَاجُّوكُمْ هذه لام«كي»و النّصب ب«أن»مضمرة بعدها،و هي جائزة الإضمار إلاّ أن جاء بعدها«لا»فيجب إظهارها،و هي متعلّقة بقوله:

(أ تحدّثونهم)فهي لام جرّ،و تسمّى لام«كي»بمعنى أنّها للسّبب،كما أنّ«كي»للسّبب،و لا يعنون أنّ النّصب بعدها بإضمار«كي»و إن كان يصحّ التّصريح بعدها ب«كي»فتقول:لكي أكرمك،لأنّ الّذي يضمر إنّما هو «أن»لا«كي».

و قد أجاز ابن كيسان و السّيرافيّ أن يكون المضمر بعد هذه اللاّم«كي»أو«أن»و ذهب الكوفيّون إلى أنّ النّصب بعد هذه اللاّم إنّما هو بها نفسها و أنّ ما يظهر بعدها من«كي و أن»إنّما ذلك على سبيل التّأكيد،و تحرير الكلام في ذلك مذكور في مبسوطات النّحو.

و ذهب بعض المعربين:إلى أنّ«اللاّم»تتعلّق بقوله:

(فتح)و ليس بظاهر،لأنّ المحاجّة ليست علّة للفتح،إنّما المحاجّة ناشئة عن التّحديث،إلاّ أن تكون اللاّم لام الصّيرورة عند من يثبت لها هذا المعنى،فيمكن إذ يصير المعنى:أنّ الّذي فتح اللّه عليهم به حدّثوا به،فآل أمره إلى أن حاجّوهم به،فصار نظيره: فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً القصص:8،لم يلتقطوه لهذا الأمر،إنّما آل أمره إلى ذلك.

و من لم يثبت لام الصّيرورة جعلها لام«كي»على تجوّز،لأنّ النّاشئ عن شيء-و إن لم يقصد-كالعلّة، و لا فرق بين أن يجعلها متعلّقة بقوله:(أ تحدّثونهم)و بين (بما فتح)إلاّ أنّ جعلها متعلّقة بالأوّل أقرب وساطة، كأنّه قال:أ تحدّثونهم فيحاجّوكم،و على الثّاني يكون أبعد إذ يصير المعنى:فتح اللّه عليكم به فحدّثتموهم به فحاجّوكم،فالأولى جعله لأقرب وساطة.(1:273)

الكاشانيّ: بأنّكم قد علمتم هذا و شاهدتموه،فلم لم تؤمنوا به،و لم تطيعوه؟!و قد رأوا بجهلهم أنّهم إن لم يخبروهم بتلك الآيات لم يكن لهم عليهم حجّة في غيرها.(1:131)

الآلوسيّ: لِيُحَاجُّوكُمْ متعلّق بالتّحديث دون الفتح،خلافا لمن تكلّف له،و المراد تأكيد النّكير و تشديد التّوبيخ،فإنّ التّحديث و إن كان منكرا في نفسه،لكنّه لهذا الغرض ممّا لا يكاد يصدر عن العاقل، و المفاعلة هنا غير مرادة،و المراد:ليحتجّوا به عليكم، إلاّ أنّه إنّما أتى بها للمبالغة.

و ذكر ابن تمجيد أنّه لو ذهب أحد إلى المشاركة بين المحتجّ و المحتجّ عليه،بأن يكون من جانب احتجاج و من جانب آخر سماع،لكان له وجه-كما في بايعت زيدا- و قد تقدّم ما ينفعك هنا،فتذكّر.(1:299)

ص: 851

2- ...قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ... آل عمران:73

ابن عبّاس: أو أن يخاصموكم اليهود بهذا الدّين و القبلة.(50)

السّدّيّ: يقول اليهود:فعل اللّه بنا كذا و كذا من الكرامة حتّى أنزل اللّه علينا المنّ و السّلوى،فإنّ الّذي أعطيتكم أفضل،فقولوا:إنّ الفضل بيد اللّه يؤتيه من يشاء.(180)

الزّجّاج: أي ليس يكون لأحد حجّة عند اللّه في الإيمان به لعلم من عنده،إلاّ من كان مثلكم.(1:430)

البغويّ: إلاّ أن يجادلكم اليهود بالباطل،فيقولوا:

نحن أفضل منكم.(1:457)

الزّمخشريّ: عطف على(ان يؤتى)،و الضّمير في (يحاجّوكم)ل(احد)لأنّه في معنى الجميع،بمعنى و لا تؤمنوا لغير أتباعكم أنّ المسلمين يحاجّونكم يوم القيامة بالحقّ،و يغالبونكم عند اللّه تعالى بالحجّة.(1:437)

الفخر الرّازيّ: [مثل الزّمخشريّ،ثمّ قال:]

و عندي أنّ هذا التّفسير ضعيف،و بيانه من وجوه:

الأوّل:إنّ جدّ القوم في حفظ أتباعهم عن قبول دين محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،كان أعظم من جدّهم في حفظ غير أتباعهم و أشياعهم عنه،فكيف يليق أن يوصي بعضهم بعضا بالإقرار.بما يدلّ على صحّة دين محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم عند أتباعهم و أشياعهم،و أن يمتنعوا من ذلك عند الأجانب؟هذا في غاية البعد.

الثّاني:أنّ على هذا التّقدير،يختلّ النّظم،و يقع فيه تقديم و تأخير لا يليق بكلام الفصحاء.[ثمّ ذكر الإشكال الثّالث و الرّابع و الخامس مفصّلا،و قال:]

فقد اجتمع في هذا التّفسير الحذف و الإضمار و سوء النّظم و فساد المعنى.(8:104)

نحوه النّيسابوريّ.(3:226)

أبو حيّان :أي يقيمون الحجّة عليكم عند اللّه؛إذ كتابكم طافح بنبوّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و ملزم لكم أن تؤمنوا به و تتّبعوه.(2:494)

البروسويّ: أَوْ يُحاجُّوكُمْ عطف على(ان يؤتى)و ضمير الجمع عائد إلى(احد)لأنّه في معنى الجمع،أي دبّرتم ما دبّرتم لذلك،و لأنّ يحاجّوكم عند كفركم بما يؤتى أحد من الكتاب مثل كتابكم.(2:50)

الطّباطبائيّ: و المعنى-و اللّه أعلم-أنّ طائفة من أهل الكتاب-و هم اليهود-قالت،أي قال بعضهم لبعض:صدّقوا النّبيّ و المؤمنين في صلواتهم وجه النّهار إلى بيت المقدس،و لا تصدّقوهم في صلواتهم إلى الكعبة آخر النّهار،و لا تثقوا في الحديث بغيركم فيخبروا المؤمنين،أنّ من شواهد نبوّة النّبيّ الموعود تحويل القبلة إلى الكعبة.

فإنّ في تصديقكم أمر الكعبة و إفشائكم ما تعلمونه من كونها من أمارات صدق الدّعوة،محذور أن يؤتى المؤمنون مثل ما أوتيتم من القبلة،فيذهب به سؤددكم و يبطل تقدّمكم في أمر القبلة،و محذور أن يقيموا عليكم الحجّة عند ربّكم أنّكم كنتم عالمين بأمر القبلة الجديدة، شاهدين على حقّيّته،ثمّ لم تؤمنوا.(3:258)

ص: 852

تحاجّون

1- يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَ ما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَ الْإِنْجِيلُ إِلاّ مِنْ بَعْدِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ.

آل عمران:65

ابن عبّاس: تخاصمون.(49)

اجتمعت نصارى نجران و أحبار يهود عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فتنازعوا عنده،فقالت الأحبار:ما كان إبراهيم إلاّ يهوديّا،و قالت النّصارى:ما كان إبراهيم إلاّ نصرانيّا،فأنزل اللّه عزّ و جلّ فيهم: يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَ ما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَ الْإِنْجِيلُ إِلاّ مِنْ بَعْدِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ.

قالت النّصارى:كان نصرانيّا،و قالت اليهود:كان يهوديّا،فأخبرهم اللّه أنّ التّوراة و الإنجيل ما أنزلا إلاّ من بعده،و بعده كانت اليهوديّة و النّصرانيّة.(3:305)

نحوه مجاهد،و قتادة.(الطّبريّ 3:305)،و السّدّيّ (الواحديّ 1:447)،و الفرّاء(1:221)،و الطّبريّ(3:

304)،و الماورديّ(1:399)،و البيضاويّ(1:165)، و أبو السّعود(1:381)،و البروسويّ(2:47)، و الآلوسيّ(3:194).

الزّجّاج: في هذا يبين حجّة على اليهود و النّصارى جميعا،لأنّ اليهود تدّعي أنّ إبراهيم كان يهوديّا و النّصارى تدّعي أنّه كان نصرانيّا،و تدفع اليهود عن دعواهم،و ليس يدفعون اسم صفته أنّه كان مسلما، و أنّه لم يكن اسمه يهوديّا و لا نصرانيّا و لا مشركا، و التّوراة و الإنجيل أنزلا من بعده،و ليس فيهما اسمه بواحد من أديان اليهود و النّصارى و المشركين،و اسم الإسلام له في كلّ الكتب،فدفع بعضهم بعضا أن يكون مسمّى بالأسماء الّتي هي غير الإسلام،دليل بيّن على نقض قولهم،و برهان بيّن في تبرئة إبراهيم من سائر الأديان،إلاّ دين الاسلام.(1:426)

نحوه الطّبرسيّ(1:456)،و الزّمخشريّ(1:

435)،و الفخر الرّازيّ(8:93)،و القرطبيّ(4:107)، و النّيسابوريّ(3:216)،

الطّباطبائيّ: يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ إلى آخر الآية،الظّاهر أنّه مقول القول الواقع في الآية السّابقة،و كذا ما يأتي بعد أربع آيات فيكون مقولا لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و إن كان ظاهر سياق قوله بعد آيتين: إِنَّ أَوْلَى النّاسِ بِإِبْراهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَ هذَا النَّبِيُّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا آل عمران:68،أن يكون الخطاب من اللّه لا من رسوله بإذنه.

و محاجّتهم في إبراهيم عليه السّلام بضمّ كلّ طائفة إيّاه إلى نفسها يشبه أن تكون أوّلا بالمحاجّة لإظهار المحقّيّة،كأن تقول اليهود:إنّ إبراهيم عليه السّلام الّذي أثنى اللّه عليه في كتابه منّا،فتقول النّصارى:إنّ إبراهيم كان على الحقّ،و قد ظهر الحقّ بظهور عيسى معه.ثمّ تتبدّل إلى اللّجاج و العصبيّة فتدّعي اليهود أنّه كان يهوديّا،و تدّعي النّصارى أنّه كان نصرانيّا،و من المعلوم أنّ اليهوديّة و النّصرانيّة إنّما نشأتا جميعا بعد نزول التّوراة و الإنجيل، و قد نزلا جميعا بعد إبراهيم عليه السّلام فكيف يمكن أن يكون عليه السّلام يهوديّا بمعنى المنتحل بالدّين الّذي يختصّ بموسى عليه السّلام،و لا نصرانيّا بمعنى المتعبّد بشريعة عيسى عليه السّلام.فلو قيل في إبراهيم شيء لوجب أن يقال:

ص: 853

إنّه كان على الحقّ حنيفا من الباطل إلى الحقّ مسلما للّه سبحانه،و هذه الآيات في مساق قوله تعالى: أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْراهِيمَ وَ إِسْماعِيلَ وَ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ وَ الْأَسْباطَ كانُوا هُوداً أَوْ نَصارى قُلْ أَ أَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَتَمَ شَهادَةً عِنْدَهُ مِنَ اللّهِ البقرة:140.

(3:251)

2- ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَ اللّهُ يَعْلَمُ وَ أَنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ. آل عمران:66

ابن عبّاس: تخاصمون.(49)

السّدّيّ: أمّا الّذي لهم به علم فما حرّم عليهم و ما أمروا به،و أمّا الّذي ليس لهم به علم فشأن إبراهيم.

(179)

الطّبريّ: يعني بذلك جلّ ثناؤه:ها أنتم هؤلاء القوم الّذين خاصمتم و جادلتم فيما لكم به علم من أمر دينكم،الّذي وجدتموه في كتبكم،و أتتكم به رسل اللّه من عنده،و من غير ذلك ممّا أوتيتموه،و ثبتت عندكم صحّته،(فلم تحاجّون)؟يقول:فلم تجادلون و تخاصمون فيما ليس لكم به علم؟يعني الّذي لا علم لكم به من أمر إبراهيم و دينه،و لم تجدوه في كتب اللّه،و لا أتتكم به أنبياؤكم،و لا شاهدتموه،فتعلموه.(3:306)

نحوه الواحديّ(1:448)،و البغويّ(1:453)، و القرطبيّ(4:108).

الطّبرسيّ: جادلتم و خاصمتم فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ، معناه حاججتم و لكم به علم لوجود اسمه في التّوراة و الإنجيل فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ أي فلم تحاجّون في دينه و شرعه و ليس لكم به علم.لم ينكر اللّه تعالى عليهم محاجّتهم فيما علموه،و إنّما أنكر عليهم محاجّتهم فيما لم يعلموا.(1:457)

الفخر الرّازيّ: المراد من قوله: حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ هو أنّهم زعموا أنّ شريعة التّوراة و الإنجيل مخالفة لشريعة القرآن،فكيف تحاجّون فيما لا علم لكم به؟و هو ادّعاؤكم أنّ شريعة إبراهيم كانت مخالفة لشريعة محمّد عليه السّلام.

ثمّ يحتمل في قوله: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ أنّه لم يصفهم في العلم حقيقة،و إنّما أراد أنّكم تستجيزون محاجّته فيما تدّعون علمه،فكيف تحاجّونه فيما لا علم لكم به البتّة؟!(8:95)

الطّباطبائيّ: الآية تثبت لهم علما في المحاجّة الّتي وقعت بينهم،و تنفي علما و تثبته للّه تعالى،و لذلك ذكر المفسّرون أنّ المعنى:أنّكم حاججتم في إبراهيم عليه السّلام و لكم به علم ما،كالعلم بوجوده و نبوّته،فلم تحاجّون فيما ليس لكم به علم،و هو كونه يهوديّا أو نصرانيّا و اللّه يعلم و أنتم لا تعلمون؟

أو أنّ المراد بالعلم:علم ما بعيسى و خبره،و المعنى:

أنّكم تحاجّون في عيسى و لكم بخبره علم،فلم تحاجّون فيما ليس لكم به علم،و هو كون إبراهيم يهوديّا أو نصرانيّا؟هذا ما ذكروه.

و أنت تعلم أنّ شيئا من الوجهين لا ينطبق على ظاهر سياق الآية:أمّا الأوّل فلأنّه لم تقع لهم محاجّة في وجود إبراهيم و نبوّته،و أمّا الثّاني فلأنّ المحاجّة الّتي وقعت منهم

ص: 854

في عيسى لم يكونوا فيها على الصّواب بل كانوا مخطئين في خبره كاذبين في دعواهم فيه،فكيف يمكن أن يسمّى محاجّة فيما لهم به (1)علم؟و كلامه تعالى على أيّ حال يثبت منهم محاجّة فيما لهم به علم،كما يثبت لهم محاجّة فيما ليس لهم به علم،فما هذه المحاجّة الّتي هي فيما لهم به علم؟

على أنّ ظاهر الآية أنّ هاتين إنّما جرتا جميعا فيما بين أهل الكتاب أنفسهم،لا بينهم و بين المسلمين،و إلاّ كان المسلمون على الباطل في الحجاج الّذي أهل الكتاب فيه على علم،و هو ظاهر.

و الّذي ينبغي أن يقال-و اللّه العالم-:إنّ من المعلوم أنّ المحاجّة كانت جارية بين اليهود و النّصارى في جميع موارد الاختلاف الّتي كانت بينهم،و عمدة ذلك نبوّة عيسى عليه السّلام و ما كانت تقوله النّصارى في حقّه:إنّه اللّه،أو ابنه،أو التّثليث.فكانت النّصارى تحاجّ اليهود في بعثته و نبوّته و هم على علم منه،و كانت اليهود تحاجّ النّصارى،و تبطل ألوهيّته و نبوّته و التّثليث و هم على علم منه،فهذه محاجّتهم فيما لهم به علم.و أمّا محاجّتهم فيما ليس لهم به علم،فمحاجّتهم في أمر إبراهيم أنّه كان يهوديّا أو نصرانيّا.

و ليس المراد بجهلهم به جهلهم بنزول التّوراة و الإنجيل بعده و هو ظاهر،و لا ذهولهم عن أنّ السّابق لا يكون تابعا للاّحق،فإنّه خلاف ما يدلّ عليه قوله تعالى: أَ فَلا تَعْقِلُونَ فإنّه يدلّ على أنّ الأمر يكفي فيه أدنى تنبيه،فهم عالمون بأنّه كان سابقا على التّوراة و الإنجيل،لكنّهم ذاهلون عن مقتضى علمهم،و هو أنّه لا يكون حينئذ يهوديّا و لا نصرانيّا بل على دين اللّه الّذي هو الإسلام للّه.

لكنّ اليهود مع ذلك قالوا:إنّ الدّين الحقّ لا يكون إلاّ واحدا و هو اليهوديّة،فلا محالة كان إبراهيم يهوديّا، و قالت النّصارى مثل ذلك فنصّرت إبراهيم.و قد جهلوا في ذلك أمرا و ليس بذهول،و هو أنّ دين اللّه واحد،و هو الإسلام للّه،و هو واحد مستكمل بحسب مرور الزّمان، و استعداد النّاس من حيث تدرّجهم بالكمال،و اليهوديّة و النّصرانيّة شعبتان من شعب كمال الإسلام الّذي هو أصل الدّين،و الأنبياء عليهم السّلام بمنزلة بناة هذا البنيان،لكلّ منهم موقعه فيما وضعه من الأساس،و ممّا بنى عليه من هذا البنيان الرّفيع.

و بالجملة فاليهود و النّصارى جهلوا أنّه لا يلزم من كون إبراهيم مؤسّسا للإسلام،و هو الدّين الأصيل الحقّ، ثمّ ظهور دين حقّ باسم اليهوديّة أو النّصرانيّة،و هو اسم شعبة من شعب كماله و مراتب تمامه،أن يكون إبراهيم يهوديّا و لا نصرانيّا بل يكون مسلما حنيفا متلبّسا باسم الإسلام الّذي أسّسه،و هو أصل اليهوديّة و النّصرانيّة دون نفسهما،و الأصل لا ينسب إلى فرعه، بل ينبغي أن يعطف الفرع عليه.(3:251)

أ تحاجّوننا

قُلْ أَ تُحَاجُّونَنا فِي اللّهِ وَ هُوَ رَبُّنا وَ رَبُّكُمْ وَ لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ.

البقرة:139

ص: 855


1- في الأصل:له!!

ابن عبّاس: أ تخاصموننا.(19)

مثله مجاهد.(الطّبريّ 1:572)

أ تجادلوننا.(الطّبريّ 1:572)

الحسن :كانت محاجّتهم أن قالوا:نحن أولى باللّه منكم،و قالوا:نحن أبناء اللّه و أحبّاؤه،و قالوا:لن يدخل الجنّة إلاّ من كان هودا أو نصارى،و قالوا:كونوا هودا أو نصارى تهتدوا.(الطّوسيّ 1:486)

الطّبريّ: قل يا محمّد لمعاشر اليهود و النّصارى الّذين قالوا لك و لأصحابك:كونوا هودا أو نصارى تهتدوا،و زعموا أنّ دينهم خير من دينكم،و كتابهم خير من كتابكم،لأنّه كان قبل كتابكم،و زعموا أنّهم من أجل ذلك أولى باللّه منكم:أ تحاجّوننا في اللّه؟!

(1:572)

نحوه البروسويّ.(1:244)

الطّوسيّ: أ تخاصموننا و تجادلوننا فيه،و هو تعالى الّذي خلقنا و أنعم علينا،و خلقكم و أنعم عليكم.

و كانت محاجّتهم له صلّى اللّه عليه و آله أنّهم زعموا أنّهم أولى بالحقّ،لأنّهم راسخون في العلم،و في الدّين لتقدّم النّبوّة فيهم،و الكتاب،فهم أولى بأن يكون الرّسول منهم.

و قال قوم:بل قالوا:نحن أحقّ بالإيمان،لأنّا لسنا من العرب الّذين عبدوا الأوثان،فبيّن اللّه تعالى وجه الحجّة عليهم أنّه ربّنا و ربّهم.(1:486)

نحوه البغويّ(1:173)،و الطّبرسيّ(1:219).

الواحديّ: خاصمت يهود المدينة و نصارى نجران رسول اللّه صلّى اللّه عليه و آله،و قالوا:إنّ أنبياء اللّه كانوا منّا،و نبيّنا هو الأقدم،و كتابنا هو الأسبق،و لو كنت نبيّا كنت منّا، فأنزل اللّه تعالى: قُلْ أَ تُحَاجُّونَنا... أي أ تخاصموننا و تجادلوننا؟!و هذا استفهام معناه التّوبيخ.(1:223)

نحوه الزّمخشريّ(1:316)،و شبّر(1:152).

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في تلك المحاجّة،و ذكروا وجوها:[مضى ثلاثة منها عن الطّوسيّ]

و رابعها: أَ تُحَاجُّونَنا فِي اللّهِ أي أ تحاجّوننا في دين اللّه؟!(4:97)

نحوه النّيسابوريّ(1:471)،و أبو حيّان(1:412)، و الآلوسيّ(1:398).

القرطبيّ: معنى الآية:قل لهم يا محمّد،أي قل لهؤلاء اليهود و النّصارى الّذين زعموا أنّهم أبناء اللّه و أحبّاؤه،و ادّعوا أنّهم أولى باللّه منكم لقدم آبائهم و كتبهم: أَ تُحَاجُّونَنا أي أ تجاذبوننا الحجّة على دعواكم و الرّبّ واحد،و كلّ مجاز بعمله،فأيّ تأثير لقدم الدّين؟!(2:145)

مغنيّة: قُلْ أَ تُحَاجُّونَنا فِي اللّهِ، سبق في تفسير الآية 92-96 فقرة«المصلحة هي السّبب،لا الجنسيّة» أنّ اليهود عارضوا النّبيّ حرصا على مصالحهم،و على المال الّذي كانوا يجمعونه من بذل العرض و إباحته،و من الرّبا و الغشّ،و الخمر و الميسر،و ما إليه ممّا حرّمه الإسلام،و قد برّروا المعارضة بأسباب لا تمتّ إلى الواقع بشبه.من تلك الأسباب ما قاله المفسّرون في تفسير هذه الآية:من أنّ اليهود قالوا للنّبيّ صلّى اللّه عليه و آله:إنّك لست نبيّا،لأنّ اللّه لا يرسل الأنبياء إلاّ من اليهود.و بالمناسبة يزعم اليهود أنّ اللّه لهم وحدهم و أنّه إله قبيلة،و ليس إله العالم.

ص: 856

و أيضا أنكر زعماء النّصارى،و صناديد قريش نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و آله خوفا على مكانتهم و مصالحهم،و تذرّعوا بالأباطيل كما تذرّع اليهود؛حيث قال النّصارى-كما جاء في التّفاسير-:لو أرسل اللّه نبيّا لكان منّا لا من العرب،أمّا صناديد قريش فقالوا:لو أرسله من العرب لاختاره من الطّبقة الثّريّة القويّة،كما أشارت الآية:31 من الزّخرف: لَوْ لا نُزِّلَ هذَا الْقُرْآنُ عَلى رَجُلٍ مِنَ الْقَرْيَتَيْنِ عَظِيمٍ. و الآية:8،من الفرقان: أَوْ يُلْقى إِلَيْهِ كَنْزٌ أَوْ تَكُونُ لَهُ جَنَّةٌ يَأْكُلُ مِنْها.

و كلّ شيء يقبل الخصام و الحجاج،حتّى وجود اللّه إلاّ شيئا واحدا،فإنّه لا يقبل النّقاش أبدا عند المعترفين بوجود اللّه،ألا و هو تخصيص رحمة اللّه و إنعامه على فرد دون فرد: أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ الزّخرف:32.

و لذا أمر اللّه نبيّه محمّدا صلّى اللّه عليه و آله أن يقول للّذين استنكروا إنعام اللّه عليه بالنّبوّة أن يقول لهم:أ تحاجّوننا في اللّه، و أنتم تعلمون أنّه تعالى أعلم بمن يصلح للرّسالة،و بمن لا يصلح لها،فلا تعترضوا على ربّكم...و إنّ علينا و عليكم التّسليم لحكمه،لا المجادلة في إرادته و اختياره، و هذا معنى قوله تعالى: هُوَ رَبُّنا وَ رَبُّكُمْ. (1:214)

الطّباطبائيّ: قُلْ أَ تُحَاجُّونَنا فِي اللّهِ إنكار لمحاجّة أهل الكتاب المسلمين في اللّه سبحانه،و قد بيّن وجه الإنكار،و كون محاجّتهم لغوا و باطلا،بقوله:

وَ هُوَ رَبُّنا وَ رَبُّكُمْ وَ لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ وَ نَحْنُ لَهُ مُخْلِصُونَ البقرة:139.

و بيانه:أنّ محاجّة كلّ تابعين في متبوعهما و مخاصمتهما فيه إنّما تكون لأحد أمور ثلاثة:

إمّا لاختصاص كلّ من التّابعين بمتبوع دون متبوع الآخر،فيريدان بالمحاجّة:كلّ تفضيل متبوعه و ربّه على الآخر،كالمحاجّة بين و ثنيّ و مسلم.

و إمّا لكون كلّ واحد منهما أو أحدهما يريد مزيد الاختصاص به،و إبطال نسبة رفيقه،أو قربه أو ما يشبه ذلك،بعد كون المتبوع واحدا.

و إمّا لكون أحدهما ذا خصائص و خصال لا ينبغي أن ينتسب إلى هذا المتبوع و فعاله ذاك الفعال،و خصاله تلك الخصال،لكونه موجبا لهتكه أو سقوطه أو غير ذلك.

فهذه علل المحاجّة و المخاصمة بين كلّ تابعين؛ و المسلمون و أهل الكتاب إنّما يعبدون إلها واحدا، و أعمال كلّ من الطّائفتين لا تزاحم الأخرى شيئا، و المسلمون مخلصون في دينهم للّه،فلا سبب يمكن أن يتشبّث به أهل الكتاب في محاجّتهم،و لذلك أنكر عليهم محاجّتهم أوّلا،ثمّ نفى واحدا واحدا من أسبابها الثّلاثة ثانيا.(1:313)

مكارم الشّيرازيّ: كان اليهود و غيرهم يحاجّون المسلمين بصور شتّى،كانوا يقولون:إنّ جميع الأنبياء مبعوثون منّا،و إنّ ديننا أقدم الأديان،و كتابنا أعرق الكتب السّماويّة.و كانوا يقولون:إنّ عنصرنا أسمى من عنصر العرب،و نحن المؤهّلون لحمل الرّسالة لا غيرنا، لأنّ العرب أهل أوثان،و كانوا يدّعون أحيانا أنّهم أبناء اللّه و أنّ الجنّة لهم لا لغيرهم.

القرآن يردّ على كلّ هذه الأقاويل،و يقول:

أَ تُحَاجُّونَنا فِي اللّهِ وَ هُوَ رَبُّنا وَ رَبُّكُمْ فاللّه سبحانه

ص: 857

ليس ربّ شعب أو قبيلة معيّنة،إنّه ربّ العالمين.(1:347)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: الحجّة على وجهين:الخصومة، و الحجّة بعينها،و هي الوثيقة.

فوجه منها:الحجّة يعني الخصومة،قوله في سورة البقرة:139: قُلْ أَ تُحَاجُّونَنا أي أ تخاصموننا فِي اللّهِ وَ هُوَ رَبُّنا وَ رَبُّكُمْ، و قال تعالى:حم عسق:16:

لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ مثلها في آل عمران:66: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ أي فلم تخاصمون،و نحوه كثير.

و الوجه الثّاني:الحجّة البالغة،يعني الوثيقة،قوله في سورة الأنعام:149: قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ أي الوثيقة.(284)

الفيروزآباديّ: قد وردت الحجّة في القرآن بمعنى المنافرة و المخاصمة.[و ذكر الآيات ثمّ قال:]

و ورد بمعنى البرهان تارة من المؤمنين مع الكفّار لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ الشّورى:15،و تارة من الكفّار بحسب اعتقادهم الباطل ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا الجاثية:25،و تارة من إبراهيم عليه السّلام في تمهيد قواعد الإيمان وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ الأنعام:83،و تارة من الحقّ إلى الخلق بآيات القرآن و إظهار البرهان قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ الأنعام:149،و لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا البقرة:150،جعل ما يحتجّ بها الّذين ظلموا مستثنى من الحجّة و إن لم يكن حجّة.[ثمّ استشهد بشعر](بصائر ذوي التّمييز 2:431)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الحجّ بمعنى القصد،و الحجّ بمعنى سبر الجرح،فمن الأوّل قولهم:حججت فلانا،أي قصدته،فأنا حاجّ و هو محجوج،و حجّ إلينا فلان:قدم إلينا و قصدنا،و قد حجّ بنو فلان فلانا:أطالوا الاختلاف إليه،و ما زال يحجّني في حاجته:يختلف إليّ فيها.

ثمّ استعمل«الحجّ»في قصد التّوجّه إلى البيت الحرام في مكّة خاصّة،و لعلّه هو الأصل،و القصد منشعب منه.

يقال:حجّ البيت يحجّه حجّا،فهو حاجّ و هم حجّاج و حجيج،و هي حاجّة و هنّ حواجّ،و احتجّ البيت:

حجّه،و أحججت فلانا:بعثته ليحجّ،و أقبل الحاجّ و الدّاجّ:الزّائر و التّاجر،و حجّة اللّه لا أفعل:يمين للعرب،و الحجّة:المرّة من الحجّ،و الحجّ:الاسم منه، و إنّه لحجّاج:كثير الحجّ.

و الحجّ و الحجّة:عمل سنة واحدة و نسكها،و كذا الحجّ و الحجّة،ثمّ أطلق ذلك على السّنة نفسها،نظرا إلى ما يقع فيها كحجّ البيت،و ذو الحجّة:شهر الحجّ،سمّي بذلك للحجّ فيه؛و الجمع:ذوات الحجّة.

و منه:الحجّة،أي البرهان،لأنّها تحجّ،أي تقصد؛ و الجمع:حجج و حجاج.يقال:حاججته أحاجّه حجاجا و محاجّة حتّى حججته،أي نازعته الحجّة فغلبته،بالحجج الّتي أدليت بها،فأنا محاجّ و حجيج «فعيل»بمعنى«فاعل».و احتجّ بالشّيء:اتّخذه حجّة، و من أمثالهم:«لجّ فحجّ»،أي لجّ فغلب من لاجّه

ص: 858

بحججه.و التّحاجّ:التّخاصم،و رجل محجاج:جدل.

و المحجّة:الطّريق،لأنّها المقصد و المسلك، و الحجج:الطّرق المحفّرة،و الحجوّج:الطّريق تستقيم مرّة و تعوّج أخرى.

و الحجج:الوقرة في العظم،و هو تشبيه بالحجج، و مثله الحجّة و الحجّة،و هي ثقبة شحمة الأذن،و الحجّة و الحاجّة:شحمة الأذن،أطلق عليها ذلك للمقاربة، و يسمّى ما يعلّق في الأذن كالخرزة و اللّؤلؤة و أمثالهما حجّة،و ربّما سمّيت حاجّة.

2-و الحجاج و الحجاج:العظم الّذي ينبت عليه الحاجب؛و الجمع:أ حجّة،و حجاج الشّمس:حاجبها، و هو قرنها.يقال:بدا حجاج الشّمس،و حجاجا الجبل و حجاجاه:جانباه،و كلّ ذلك لغة،و الأصل فيه:

الحاجب،كما تقدّم في«ح ج ب».

الاستعمال القرآنيّ

جاءت فعلا و مصدرا و اسم مصدر و اسم فاعل بثلاثة معان:الحجّ 8 مرّات،و كلّها مدنيّة،و السّنة مرّة مكّيّة،و المحاجّة و الحجّة 17 مرّة،مكّيّة و مدنيّة،في 26 آية:

الحجّ:

1- وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ الحجّ:27

2- يَسْئَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ قُلْ هِيَ مَواقِيتُ لِلنّاسِ وَ الْحَجِّ... البقرة:189

3- اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ... البقرة:197

4- ...فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُناحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِما... البقرة:158

5- وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ... فَإِذا أَمِنْتُمْ فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ فَمَا اسْتَيْسَرَ مِنَ الْهَدْيِ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ فِي الْحَجِّ... البقرة:196

6- ...وَ لِلّهِ عَلَى النّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَ مَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعالَمِينَ

آل عمران:97

7- وَ أَذانٌ مِنَ اللّهِ وَ رَسُولِهِ إِلَى النّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ... التّوبة:3

8- أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ... التّوبة:19

حجج:

9- قالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هاتَيْنِ عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ... القصص:27

المحاجّة:

10- وَ حاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَ تُحاجُّونِّي فِي اللّهِ وَ قَدْ هَدانِ... الأنعام:80

11- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْراهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتاهُ اللّهُ الْمُلْكَ... البقرة:258

12- يا أَهْلَ الْكِتابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَ ما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَ الْإِنْجِيلُ إِلاّ مِنْ بَعْدِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ

آل عمران:65

ص: 859

13- ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ حاجَجْتُمْ فِيما لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيما لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ... آل عمران:66

14- فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ ما جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَ أَبْناءَكُمْ... آل عمران:61

15- قُلْ أَ تُحَاجُّونَنا فِي اللّهِ وَ هُوَ رَبُّنا وَ رَبُّكُمْ...

البقرة:139

16- فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلّهِ

آل عمران:20

17- ...أَ تُحَدِّثُونَهُمْ بِما فَتَحَ اللّهُ عَلَيْكُمْ لِيُحَاجُّوكُمْ بِهِ عِنْدَ رَبِّكُمْ... البقرة:76

18- وَ لا تُؤْمِنُوا إِلاّ لِمَنْ تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدى هُدَى اللّهِ أَنْ يُؤْتى أَحَدٌ مِثْلَ ما أُوتِيتُمْ أَوْ يُحاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبِّكُمْ... آل عمران:73

19- وَ الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ عَلَيْهِمْ غَضَبٌ...

الشّورى:16

20- وَ إِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً... المؤمن:47

الحجّة:

21- وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجاتٍ مَنْ نَشاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ الأنعام:83

22- قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ الأنعام:149

23- ...فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ... البقرة:150

24- ...لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ... الشّورى:15

25- ...لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ... النّساء:165

26- ...ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ الجاثية:25

يلاحظ أوّلا أنّ فيها ثلاثة محاور:

المحور الأوّل:الحجّ:العبادة المشهورة في 8 آيات:

أ:أوّلها(1)و فيها حكاية بناء البيت و تشريع الحجّ لإبراهيم عليه السّلام في آيات: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ يَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ وَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ الَّذِي جَعَلْناهُ لِلنّاسِ سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَ الْبادِ وَ مَنْ يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذابٍ أَلِيمٍ* وَ إِذْ بَوَّأْنا لِإِبْراهِيمَ مَكانَ الْبَيْتِ أَنْ لا تُشْرِكْ بِي شَيْئاً وَ طَهِّرْ بَيْتِيَ لِلطّائِفِينَ وَ الْقائِمِينَ وَ الرُّكَّعِ السُّجُودِ* وَ أَذِّنْ فِي النّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجالاً وَ عَلى كُلِّ ضامِرٍ يَأْتِينَ مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ* لِيَشْهَدُوا مَنافِعَ لَهُمْ وَ يَذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ فِي أَيّامٍ مَعْلُوماتٍ عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ فَكُلُوا مِنْها وَ أَطْعِمُوا الْبائِسَ الْفَقِيرَ* ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَ لْيُوفُوا نُذُورَهُمْ وَ لْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ الْعَتِيقِ* ذلِكَ وَ مَنْ يُعَظِّمْ حُرُماتِ اللّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَ أُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعامُ إِلاّ ما يُتْلى عَلَيْكُمْ فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الْأَوْثانِ وَ اجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ*... ذلِكَ وَ مَنْ يُعَظِّمْ شَعائِرَ اللّهِ فَإِنَّها مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ* لَكُمْ فِيها مَنافِعُ إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّها إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ*... وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ لَكُمْ فِيها خَيْرٌ فَاذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْها صَوافَّ [إلى]

ص: 860

وَ بَشِّرِ الْمُحْسِنِينَ الحجّ:25-37،و فيها بحوث:

1-هذه الآيات الثّلاث عشرة أطول آيات الحجّ، و أوّلها نزولا و بها سمّيت سورة الحجّ المردّدة بين المكّيّ و المدنيّ،و المنزلة لدى الهجرة.لاحظ«المدخل»بحث المكّيّ و المدنيّ.

2-بدأ فيها بالّذين يصدّون عن سبيل اللّه و المسجد الحرام الّذي النّاس فيه سواء،تنديدا بالمشركين بإخراج النّبيّ و المؤمنين عن مكّة و منعهم عن الحجّ،ثمّ ذكر تعيين مكان البيت لإبراهيم،و تطهيره للطّائفين،و إعلام النّاس بالحجّ،و جملة من آدابه،و أسراره،و فوائده.

تأكيدا في خلالها مرّات على الهدي،و هو تضحية الأنعام،و على الاجتناب عن الشّرك،ردّا لما أبدع المشركون فيه من أعمال الشّرك.

3-أكّد فيها على أنّ مناسك الحجّ من شعائر اللّه مرّتين و من حرماته مرّة،إيجابا لتعظيمها كشعائر و حرمات.

4-ثمّ أكّد أنّ لكلّ أمّة منسكا كالحجّ للمسلمين، و أنّ فيها جميعا تضحية الأنعام و أكلها.

5-ثمّ أكّد أنّ تضحية الأنعام ذريعة للتّقوى، لا لينال اللّه لحومها و دماءها،فمنافعها للنّاس،لا للّه.

ب:و تلاها نزولا آيات في سورة البقرة(2-5) -تذكارا للحجّ بعد الهجرة مباشرة،و استمرارا للاهتمام به،كما كان قبل الهجرة-بأنّ الأهلّة مواقيت للحجّ،و أنّ الحجّ أشهر معلومات،جملة من محرّمات الإحرام،و ذكر الحجّ و العمرة و آدابهما،و حكم من لم يجد هديا.

ج:و بعدها(7)آية في آل عمران،و فيها تأكيد بالغ على فرض الحجّ لمن استطاع إليه سبيلا،و أنّ تاركه كاد أن يكفر.

د:ثمّ في سورة التّوبة آيتان(7 و 8)بشأن الحجّ الأكبر و سقاية الحاجّ.

هذه آيات جاء فيها لفظ«الحجّ»،و هناك آيات أخرى بشأن الحجّ لم يأت فيها هذا اللّفظ،و فيها بحوث:

1-الحجّ:مصطلح شرعيّ خاصّ ببعض مصاديق معناه اللّغويّ،أي القصد.و لكنّه لم يحدث في الإسلام كالحقائق الشّرعيّة،بل كان شائعا بين العرب قبل الإسلام،فلا ينبغي أن يعدّ من الحقائق الشّرعيّة بالمعنى المصطلح في علم الأصول،و مثله الصّلاة و الزّكاة و نحوهما.

2-قورن الحجّ بالعمرة مرّتين(5 و 6)و يبدو أنّ العمرة كانت معمولة أيضا قبل الإسلام،منصرفة عن معناها اللّغويّ-مطلق الزّيارة-إلى عبادة خاصّة.

3-قد فصّل بينهما بأمور مذكورة في الفقه،أهمّها ما جاء عن الإمام الصّادق عليه السّلام:«الحجّ:جميع المناسك و العمرة لا يجاوز بها مكّة»لأنّ أكثر أعمال الحجّ تقع خارج مكّة في المشاهد.

4-اختلفوا في معنى(5) وَ أَتِمُّوا الْحَجَّ وَ الْعُمْرَةَ لِلّهِ بوجوه ذكرها الطّوسيّ؛أصحّها:أنّ من بدأ بالحجّ و العمرة يجب عليه إتمامهما إلى آخر أعمالهما،و به قالت الإماميّة و الحنفيّة و كثير من المفسّرين.

و عن بعضهم:إتمامهما:إنشاؤهما جميعا من الميقات، أو إتيانهما تقرّبا إلى اللّه،و هذان داخلان في إتمامهما بالمعنى الأوّل.و قال ابن كثير:تمامها أن تفرد كلّ واحد منهما من

ص: 861

الآخر،و أن تعتمر في غير أشهر الحجّ.و هذا لا يستفاد من الآية،بل لعلّه استفاده من السّنّة.

5-و اختلفوا أيضا في وجوب العمرة رأسا كالحجّ، فقال به الإماميّة و الشّافعيّة،استنادا إلى ظاهر القرآن و السّنّة،و قال باستحبابها الحنفيّة و المالكيّة،استنادا إلى السّنّة،و البحث موكول إلى الفقه.

6-و اختلفوا في وجوب فصل العمرة عن الحجّ بعد السّعي للعمرة،فأوجبه الإماميّة لمن كان أهله بعيدا عن مكّة،كما قال: ذلِكَ لِمَنْ لَمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حاضِرِي الْمَسْجِدِ الْحَرامِ و لم يحز الفصل بينهما،أو قال بالتّخيير آخرون.

7-و اختلفوا أيضا في حدّ الاستطاعة باختلاف الرّوايات.

8-و اختلفوا أيضا في«الحجّ الأكبر»أ هو الحجّ بإزاء العمرة-و هي الحجّ الأصغر-أو آخر حجّ اشترك فيه المشركون مع المؤمنين،أو غيرهما حسب اختلاف الرّوايات.

المحور الثّاني:السّنة في(9) عَلى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمانِيَ حِجَجٍ أي ثماني سنين،و فيها بحوث مرّ بعضها في«أ ج ر» و«إحداهما»،و تأتي أشياء في«ن ك ح»و«ث م ن».

المحور الثّالث:المحاجّة و الحجّة،و فيهما مبحثان:

المبحث الأوّل في المحاجّة:جاءت أفعالا في 11 آية (10-20)كلّها من«المفاعلة»إلاّ الأخيرة فمن «التّفاعل»و فيها بحوث:

1-جوّ الآيات جميعا الذّمّ،و لهذا فسّروها بالمخاصمة،لأنّ الّذي يحاجّ غيره في حقّ ينكر الحقّ، فيخاصمه فيه و يجادله في إبطاله.

قال الطّباطبائيّ: «المحاجّة إلقاء الحجّة قبال الحجّة لإثبات المدّعى،أو لإبطال ما يقابله،و أصل الحجّة هو القصد،غلب استعماله فيما يقصد به إثبات دعوى من الدّعاوي».

و قال الماورديّ: «في المحاجّة وجهان محتملان:

أحدهما:أنّه معارضة الحجّة بمثلها،و الثّاني:أنّه الاعتراض على الحجّة بما يبطلها».

و قال الفخر الرّازيّ: «المحاجّة:المغالبة،يقال:

حاججته فحججته،أي غالبته فغلبته».

و قال أبو حيّان: «حَاجَّ إِبْراهِيمَ أي عارض حجّته بمثلها،أو أتى على الحجّة بما يبطلها،أو أظهر المغالبة في الحجّة ثلاثة أقوال».

و قال ابن عطيّة: «(حاجّ)وزنه فاعل من الحجّة أي جاذبه إليها».

و قال الطّبرسيّ: «إنّما أطلق لفظ المحاجّة و إن كانت مجادلة بالباطل،و لم تكن له فيه حجّة،لأنّ في زعمه أنّ له فيه حجّة».

و قال أبو حيّان: «المحاجّة:مفاعلة من اثنين مختلفين في حكمين يدلي كلّ منهما بحجّته على صحّة دعواه».

و في كلّ من هذه الأقوال فائدة،و إن كان مرجعها إلى شيء واحد.

2-أربع من هذه الآيات ترتبط بإبراهيم عليه السّلام:اثنتان (10 و 11)فيمن يحاجّه في اللّه و وحدانيّته،و اثنتان (12 و 13)فيمن يحاجّ النّبيّ عليه السّلام من أهل الكتاب بأنّ إبراهيم كان منهم،فردّ اللّه عليهم بأنّه لم يكن منهم لِمَ

ص: 862

تُحَاجُّونَ فِي إِبْراهِيمَ وَ ما أُنْزِلَتِ التَّوْراةُ وَ الْإِنْجِيلُ إِلاّ مِنْ بَعْدِهِ أَ فَلا تَعْقِلُونَ... ما كانَ إِبْراهِيمُ يَهُودِيًّا وَ لا نَصْرانِيًّا وَ لكِنْ كانَ حَنِيفاً مُسْلِماً وَ ما كانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ آل عمران:66،67.

3-قالوا:الّذي حاجّ إبراهيم هو نمرود بن كنعان، و أنّه أوّل من تجبّر و ادّعى الرّبوبيّة،و أنّه حاجّه لأن آتاه الملك فأعجب بنفسه و ملكه،و أنّه كان جبّارا ب«بابل»، و أطالوا في نسبه و في وقت الاحتجاج،و في غيرها من حكاياته،غلبت عليها صبغة الإسرائيليّات،و ليست لها دخل في فهم الآيات،بل الاشتغال بها يصرف النّاس عنها إلى ما هو أشبه بالأساطير،و ما أكثرها في التّفاسير؟

4-قال الطّباطبائيّ:«قسّم اللّه تعالى حججه عليه السّلام إلى قسمين:أحدهما:ما بدأ به هو فحاجّ النّاس،و ثانيهما:

ما بدأ به النّاس فكلّموه به بعد ما تبرّأ من آلهتهم».

و نقول:ليس في القرآن ابتداء إبراهيم بمحاجّة قومه صريحا إلاّ ما خاطب به أباه: وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ لِأَبِيهِ آزَرَ أَ تَتَّخِذُ أَصْناماً آلِهَةً إِنِّي أَراكَ وَ قَوْمَكَ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ و بعدها بدأ اللّه ببيان ما هدى إبراهيم إلى التّوحيد احتجاجا لنفسه بأفول النّجوم و الشّمس و القمر:

وَ كَذلِكَ نُرِي إِبْراهِيمَ مَلَكُوتَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ -إلى قوله- وَ ما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ الأنعام:75-79.

5-و أمّا الآيتان(10 و 11)فكلاهما محاجّة من قبل قومه إيّاه،و قد مضى الكلام في(11)أنّ الّذي حاجّ إبراهيم هو نمرود.و أمّا(10)فقد جاءت بعد تلك الآيات في سورة الأنعام،كأنّه احتجّ عليهم بأفول النّجوم بعد أن هداه اللّه فجادلوه،ففيها إشارة إلى بدئه بالحجاج،و لعلّه مراد الطّباطبائيّ،و تمامها: وَ حاجَّهُ قَوْمُهُ قالَ أَ تُحاجُّونِّي فِي اللّهِ وَ قَدْ هَدانِ وَ لا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ إِلاّ أَنْ يَشاءَ رَبِّي شَيْئاً وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْماً أَ فَلا تَتَذَكَّرُونَ* وَ كَيْفَ أَخافُ ما أَشْرَكْتُمْ وَ لا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللّهِ ما لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطاناً فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ... وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ...

الأنعام:80-82.

و لم يذكر فيها جدالهم إلاّ أنّ الطّبريّ قال:«و كان جدالهم إيّاه قولهم:إنّ آلهتهم الّتي يعبدونها خير من إلهه».و قال الطّباطبائيّ:«لم يذكر تعالى ما أوردوه عليه من الحجّة،لكنّه لوّح إليه بقوله: وَ لا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ فهو الاحتجاج لوجوب آلهتهم من جهة الخوف».

و قال المراغيّ: «حاجّوه ببيان أوهامهم في شركهم إذ قالوا:إنّ اتّخاذ الآلهة لا ينافي الإيمان باللّه الفاطر للسّماوات و الأرض،لأنّهم شفعاء عنده،و لمّا لم يجد ذلك معه خوّفوه بأن تمسّه آلهتهم بسوء».و هذا مأخوذ من غير هذه الآية،مثل ما حكاه اللّه عن المشركين:

وَ يَقُولُونَ هؤُلاءِ شُفَعاؤُنا عِنْدَ اللّهِ يونس:18.

و أمّا الفخر الرّازيّ فاصطاد حججهم من آيات أخرى كتقليد الآباء: إِنّا وَجَدْنا آباءَنا عَلى أُمَّةٍ الزّخرف:22،و الاستعجاب من توحيد الآلهة أَ جَعَلَ الْآلِهَةَ إِلهاً واحِداً إِنَّ هذا لَشَيْءٌ عُجابٌ ص:5، و إصابته من قبل الآلهة بسوء كما قال قوم هود له: إِنْ نَقُولُ إِلاَّ اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ هود:54،و لكن المذكور منها مرّات في آيات الأنعام هو تخويفهم إيّاه

ص: 863

بالآلهة فقط.

6-و ستّة منها(14-19)حجاج بين أهل الكتاب يهودا و نصارى،أو المشركين،و بين النّبيّ عليه السّلام أو المؤمنين.

فأولاها(14)محاجّة النّصارى إيّاه في ألوهيّة المسيح عليه السّلام كما يستفاد من قبلها: إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ... آل عمران:59، و انتهت إلى المباهلة،لاحظ«ب ه ل».

و الباقي محاجّة أهل الكتاب إيّاه-و أكثرهم اليهود- في نبوّته و دين الإسلام،و الأخيرة(19)محاجّة المشركين إيّاه في التّوحيد.

7-و أمّا(20)فهي تحاجّ آل فرعون بعضهم بعضا في الآخرة يدور بين المستضعفين و المستكبرين منهم،و هم جميعا في النّار: أَدْخِلُوا آلَ فِرْعَوْنَ أَشَدَّ الْعَذابِ* وَ إِذْ يَتَحاجُّونَ فِي النّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنّا نَصِيباً مِنَ النّارِ* قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنّا كُلٌّ فِيها إِنَّ اللّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبادِ المؤمن:46-48.و الجدال بين المستضعفين و المستكبرين و الرّؤساء و الأتباع قد كرّر في القرآن، لاحظ«ض ع ف»و«ك ب ر».

8-و جاء فيها التّحاجّ دون المحاجّة كما في غيرها، لأنّ المحاجّة-و إن كانت بين اثنين أيضا-فهي«مفاعلة» من طرف واحد لغيره،أي أحدهما فاعل للفعل و الآخر مفعول له،لأنّ القائل يقصد بها إثبات مدّعاه للآخرين.

أمّا التّحاجّ:فهو مقاولة بين اثنين لكلّ منهما كلام و كلّ منهما فاعل للفعل بالمشاركة،و الجدال بين الفريقين في الآية-كما ترى-كلاهما يحاجّ الآخر.

المبحث الثّاني:«الحجّة»جاءت سبع مرّات:واحدة سبقت في(19) حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ و ستّ في(21-26) و فيها بحوث أيضا:

1-الحجّة:اسم مصدر من«حجّ».قال الطّبرسيّ:

«و هي الّتي تقصد إلى الحكم بشهادته من حجّ،إذا قصد».و قال غيره:«تطلق الحجّة على الطّريق الّذي يقصده الإنسان،و تطلق على البرهان و الدّليل أيضا».

و الأصل فيها الحقّ،و قد أطلقت على الباطل في الآيات بعناية،كما يأتي.

2-اثنتان منها(21 و 22)حجّة اللّه على عباده، و الحجّة فيهما حقّ طبعا:

فالأولى منهما(21) وَ تِلْكَ حُجَّتُنا آتَيْناها إِبْراهِيمَ عَلى قَوْمِهِ و هي-كما قال الزّمخشريّ و آخرون- جميع ما احتجّ به إبراهيم عليه السّلام على قومه من فَلَمّا جَنَّ عَلَيْهِ اللَّيْلُ -إلى- وَ هُمْ مُهْتَدُونَ الأنعام:76-81، و أرجعها بعضهم إلى أَ تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ ما لا يَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَ لا نَفْعاً المائدة:76،و هو بعيد إلاّ أن ندخلها معنى في المذكورات في هذه الآيات.و خصّها بعضهم بما جاء قبلها مباشرة: اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ لَمْ يَلْبِسُوا إِيمانَهُمْ بِظُلْمٍ و هو أبعد،لأنّها ليست فيها حجّة مع أنّ (تلك)إشارة إلى البعيد و هذا قريب.و خصّها آخرون بما احتجّ عليهم قبلها ردّا لتخويفهم إيّاه بالأصنام أَ تُحاجُّونِّي فِي اللّهِ وَ قَدْ هَدانِ وَ لا أَخافُ ما تُشْرِكُونَ بِهِ....

و الأقرب أنّ(تلك)إشارة إلى جميع ما احتجّ به

ص: 864

إبراهيم على أبيه و قومه في تلك الآيات ابتداء من وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ إلى آخرها.و يدخل فيها ما جاء في آيات أخرى احتجاجا منه على التّوحيد،و رفض الآلهة.

و الثّانية:(22) قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ و البحث فيها في أمور:

أ:الحجّة البالغة،كما قال الطّوسيّ:«البالغة:الّتي تبلغ قطع عذر المحجوج،و تزيل كلّ لبس و شبهة عمّن نظر فيها و استدلّ أيضا بها.و إنّما كانت حجّة اللّه صحيحة بالغة،لأنّه لا يحتجّ إلاّ بالحقّ و ما يؤدّي إلى العلم».

و كما قال الزّمخشريّ:«هي عبارة عن الكلام المؤلّف للاستدلال على الشّيء».فخصّها بالكلام و هي عامّة، فهذا أشبه بالمصطلح في علم المنطق.

و كما قال الطّبرسيّ:«هي الحجّة البيّنة الصّحيحة المصحّحة للأحكام و هي الّتي تقصد إلى الحكم بشهادته».

و كما قال القرطبيّ:«الّتي تقطع عذر المحجوج، و تزيل الشّكّ عمّن نظر فيها».

و كما قال أبو حيّان:«الغالبة كلّ حجّة حيث خلق عقولا يفكّر بها،و أسماعا يسمع بها،و أبصارا يبصر بها، و كلّ هذه مدارك للتّوحيد و لإثبات ما جاءت به الرّسل عن اللّه».

و كما قال الآلوسيّ:«بلغت غاية المتانة و القوّة على الإثبات،أو بلغ بها صاحبها صحّة دعواه،كعيشة راضية».

و كلّها بالغة إلاّ أنّ بعضها أبلغ من بعض،و الصّواب أنّ«البالغة»صفة نفس الحجّة دون صاحبها،و هي لغة:

الكاملة التّامّة،فتترتّب عليها كلّ ما ذكر و ما لم يذكر من الآثار،تسجيلا للحقّ،و تسفيها للباطل.

ب:ما هي هذه الحجّة؟فالسّياق يشهد بأنّها ناظرة إلى ما قبلها: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللّهُ ما أَشْرَكْنا وَ لا آباؤُنا وَ لا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتّى ذاقُوا بَأْسَنا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَ إِنْ أَنْتُمْ إِلاّ تَخْرُصُونَ الأنعام:

148،و قولهم فيها: وَ لا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ بدوره إشارة إلى ما ذكر قبلها في هذه السّورة في الآيات 138-145،من تحريم المشركين أشياء من الأنعام افتراء على اللّه.فقد نسبوا فيها إشراكهم و تحريمهم إلى مشيّة اللّه،كما فعل الّذين من قبلهم،فردّ اللّه عليهم بأنّه إن كان لكم شاهد قادكم إلى العلم بمشيئة اللّه ذلك،فأتوا به،و لكن ليس لهم شاهد و لا علم به،و إن هم إلاّ يظنّون و يخرصون،فلم يجبرهم على ذلك،بل وفّر لهم الاختيار،فلهم أن يختاروا الإيمان، فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ أي أمكنهم من الإيمان.

فهذا بنفسه حجّة بالغة من اللّه عليهم،و أنّهم يفترون على اللّه كمن قبلهم.

ج:و هناك وجوه أخرى:

قال الطّوسيّ: «يعني الحجّة الّتي احتجّ بها على الكافرين في الآية الأولى»-و أضاف-«و جميع ما احتجّ به على عباده في صحّة دينه الّذي كلّفهم إيّاه»،و لكن هذه الإضافة ليست في تلك الآية،بل هي مصطادة من آيات أخرى.

و مثله قول بعضهم:«حجّته البالغة:تبيينه أنّه

ص: 865

الواحد و إرساله الأنبياء بالحجج الّتي يعجز عنها المخلوقون»أو«الحجّة البالغة:تبيين التّوحيد و إبداء الرّسل بالمعجزات،و لزوم أمره كلّ مكلّف»و أشباهها، فإنّها خارجة عن منطوق هذه الآية،و إن تعمّها ملاكا على أنّها توجب فصلها عمّا جاء قبلها مباشرة.

و قد أرجعها مغنيّة إلى الحجج الدّافعة الّتي أفهم بها إبراهيم قومه،و قال:«أي نحن ألهمناه إيّاها،و أنّ الأنبياء هم لسان اللّه و الرّادّ عليهم كالرّادّ على اللّه».

و هذا أيضا يقتضي فصلها مع وجود شاهد الوصل.

و قد أطال الفخر الرّازيّ في بيان الحجّة البالغة بوجهين:

أوّلهما:أنّه أقدركم على الخير و الشّرّ بما أعطاكم من العقل و الفهم و الأبصار و الآذان،فادّعاؤكم أنّكم عاجزون عن الإيمان و الطّاعة دعوى باطلة.

و ثانيهما:أنّكم تقولون:لو وقعت أفعالنا على خلاف مشيئة اللّه لكنّا قد غلبنا اللّه،و للزم عجزه و ضعفه، و القدح فيه.

و الجواب:أنّ العجز و الضّعف إنّما يلزم إذا لم أكن قادرا على حملكم على الإيمان و الطّاعة،و لكنّي قادر على ذلك فلو شئت لهديتكم وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ.

و كلّ هذه الوجوه لا يخلو عن لطف،إلاّ أنّ الموافق للسّياق هو ما قلناه من اتّصالها بما قبلها.

د:جاء في ذيلها وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ و هذا ردّ لادّعائهم فيما قبلها: لَوْ شاءَ اللّهُ ما أَشْرَكْنا وَ لا آباؤُنا وَ لا حَرَّمْنا مِنْ شَيْءٍ و مرادهم أنّ اللّه شاء ذلك منهم و أنّهم مجبورون بالشّرك و التّحريم،و نظيرها: وَ قالَ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شاءَ اللّهُ ما عَبَدْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ نَحْنُ وَ لا آباؤُنا وَ لا حَرَّمْنا مِنْ دُونِهِ مِنْ شَيْءٍ كَذلِكَ فَعَلَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ النّحل:35.

و ذيلها وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ إكمال لتلك الحجّة-و فاء التّفريع تربطها بما قبلها-و بيان لها بأنّ هؤلاء إذا عجزوا عن إقامة حجّة على ما ادّعوه على اللّه من الجبر و الإلجاء،فللّه الحجّة البالغة عليهم في نفي الجبر، بأنّه لو أراد الإلجاء لألجأهم إلى الإيمان و هداهم جميعا، لكنّه لم يفعل ذلك،و إن كان حسنا،فكيف يلجأهم إلى الشّرك و هو قبيح؟و الإلجاء بهما ينافي التّكليف.هذا ما أفاده الطّبرسيّ أيضا.

و أمّا الفخر الرّازيّ: فقد وصله بالوجه الثّاني ممّا ذكره في تقرير حجّتهم،و هو أنّهم ادّعوا عجز اللّه و ضعفه لو غلبوه في مشيئته،فأجاب بأنّ العجز و الضّعف إنّما يلزم إذا لم أكن قادرا على حملهم على الإيمان و الطّاعة إلجاء، و لكنّي قادر عليه،و لا ألجئهم،لأنّه يبطل الحكمة المطلوبة من التّكليف.

فهذان رؤيتان في تفسير الآية قريبتان.

ه:جاءت في الآيتين: سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا -إلى- فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ للّه مشيئتان:إحداهما:ما أثبته المشركون للّه افتراء و كذبا على اللّه،و ثانيتهما:ما أثبته اللّه لنفسه.و قد فرّق الطّبرسيّ ج 2:381،بين المشيئتين بأنّ اللّه أثبت الثّانية و هي مشيئة الاختيار،و نفي الأولى و هي مشيئة الإلجاء.و مراده أنّ مشيئة اللّه هدايتهم ليست جبريّة،فهو مختار في هذه المشيئة،فله أن يشاء هدايتهم و له أن لا يشاء.

ص: 866

و ليس هذا فارقا،لأنّ المشركين لم يدّعوا أيضا أنّ اللّه مجبور في مشيئته الإشراك و التّحريم،بل ادّعوا بمفهوم الآية-لا بمنطوقها-أنّ اللّه أجبرهم بمشيئته على ذلك، و كان له أن لا يجبرهم.و قد قلنا في الثّانية:إنّه لو شاء لهداهم جبرا،و لكنّه لم يشأ إلجاءهم باختياره،و بعبارة أخرى إنّ المشيئتين كلتاهما اختياريّ للّه و قد توجبان الإلجاء للعباد،و لكنّهما جميعا منفيّان،لما سبق من أنّ الإلجاء على الكفر أو الإيمان ينافي التّكليف،و لهذا جاءتا خلف(لو)(لو شاء)و هي لامتناع التّالي لامتناع المقدّم، مع أنّ صدر كلامه و ذيله متضادّان،فلاحظ.

3-هذا تمام البحث في(21 و 22)و الحجّة فيهما للّه و هي حقّ،و أمّا باقي الآيات الأربعة(23-26)فالحجّة فيها لغير اللّه و كلّها باطلة،كما يأتي:

الأولى(23):جاءت بشأن تحويل القبلة عن بيت المقدس إلى الكعبة،و الحجّة فيها لليهود أو للمشركين أو لهم جميعا:

أمّا اليهود،فقالوا:كنت و أصحابك تصلّون إلى بيت المقدس،فإن كان ضلالا فقد مات أصحابك عليه،و إن كان هدى فقد حوّلت عنه.

أو قالوا:مادرى محمّد و أصحابه أين قبلتهم حتّى هديناهم نحن.

أو قالوا:يخالفنا محمّد في ديننا و يتّبع قبلتنا.فقطع اللّه حجّتهم و حسمه بتحويل القبلة من قبلتهم إلى قبلة إبراهيم عليه السّلام.

أو قالوا:إنّ النّبيّ الّذي نجده في كتابنا ليحوّل إلى قبلة إبراهيم،و لم تحوّل أنت؟

أو قالوا:ما توجّه إلى قبلتنا إلاّ أنّا كنّا أهدى منه، و غير ذلك.

و أمّا المشركون فقالوا:إنّه يدّعي ملّة إبراهيم و يخالف قبلته.و أيّا ما كان فبتحويل القبلة بطلت حجّة الفريقين.

أمّا قول بعضهم في حجّة المشركين:إنّهم قالوا:قد رجع إلى قبلتكم و يوشك أن يعود إلى دينكم،فهذا لا يبطل بتحويل القبلة و ليس فيه حجّة.و كذا قول الجبّائيّ إنّ معناه:لا تعدلوا عمّا أمركم اللّه به من التّوجّه إلى الكعبة،فتكون لهم عليكم حجّة بأن يقولوا:لو كنتم تعلمون أنّه من عند اللّه لما عدلتم عنه؟و فول بعضهم:إنّ اليهود قالوا:ما ترك قبلتنا إلى الكعبة إلاّ ميلا إلى دين قومه و حبّا لبلده،و لو كان على الحقّ للزم قبلتنا،فإنّهما لا ينسجمان مع سياق الآية.

4-و هاهنا بحوث:

أ-تسمية باطلهم حجّة،إمّا لأنّهم يسوقونه سياق الحجّة،أو أريد بالحجّة:المحاجّة و الجدال،و أنّ كلّ كلام يقصد به غلبة الغير فهو حجّة،و قد أطلقت على الباطل صراحة في(19): حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ.

ب-الاستثناء في إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ إمّا متّصل،و لازمه أنّ لهؤلاء الظّالمين حجّة و لكنّها حجّة باطلة،كما سبق،و إمّا منقطع فلا يعدّ كلامهم حجّة أصلا لا حقّا و لا باطلا،بل ظلما فقط،فهو كقول الرّجل لصاحبه:«ما لك عندي حقّ إلاّ أن تظلم أو تقول الباطل».

و قيل:(الاّ)بمعنى«لكن»أو«واو العطف»مثل

ص: 867

إِنِّي لا يَخافُ لَدَيَّ الْمُرْسَلُونَ* إِلاّ مَنْ ظَلَمَ النّمل:

10،11،و هذا أقرب.

ج-قال أبو حيّان:«في لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَيْكُمْ حُجَّةٌ: (للنّاس)خبر(يكون)و(عليكم)في موضع نصب على الحال،و هو في الأصل صفة للحجّة،فلمّا تقدّم عليها انتصب على الحال،و العامل فيها محذوف، و لا يجوز أن يتعلّق ب(حجّة)،لأنّه في معنى الاحتجاج، و معمول المصدر المنحلّ بحرف مصدريّ،و الفعل لا يتقدّم على عامله»إلى آخر ما قال.

و هذا تكلّف جاء من قبل البحوث النّحويّة،و الآية واضحة بدونها إذا قدّمنا و أخّرنا،أي لئلاّ تكون حجّة للنّاس عليكم.فكلّ من(للنّاس)و(عليكم)متعلّق ب(حجّة)و(يكون)تامّة،أي لا توجد حجّة لهم عليكم، و تأخيرها لرويّ الآيات.

د-أوّل القشيريّ الآية هكذا:«إذا أردت ألاّ يكون لأحد عليك سبيل،و لا يقع لمخلوق عليك ظلّ،و لا تصل إليك بالسّوء يد،فحيثما كنت و أينما كنت و كيفما كنت،كن لنا،و كن منّا فإنّ من انقطع إلينا لا يتطرّق إليه حدثان».

و ليس هذا تأويلا بل انتقال من الآية إلى معنى عرفانيّ كأكثر تأويلاتهم بمناسبة ذوقيّة،كتتابع الخاطرات من شيء إلى آخر.

ه-استفاد الطّباطبائيّ من لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ إلى آخر الآية ثلاث فوائد:علم اليهود بأنّ النّبيّ الموعود قبلته الكعبة،و أنّ ملازمة المسلمين لهذه القبلة تسوقهم إلى تمام النّعمة،و أنّهم سيهتدون بها إلى الصّراط المستقيم.و للبحث في هذه الآية و كلّ آيات القبلة مجال واسع،لاحظ«ق ب ل:قبلة».

ثانيتها:(24)خطاب المشركون فإنّ السّورة مكّيّة، و استشهد اللّه عليهم بما أوصى به الأنبياء قبله: شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً -إلى- وَ إِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ الشّورى:13،14،ثمّ رجع إلى المشركين و قال:

فَلِذلِكَ فَادْعُ وَ اسْتَقِمْ كَما أُمِرْتَ وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ وَ قُلْ آمَنْتُ بِما أَنْزَلَ اللّهُ مِنْ كِتابٍ وَ أُمِرْتُ لِأَعْدِلَ بَيْنَكُمُ اللّهُ رَبُّنا وَ رَبُّكُمْ لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ اللّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ* وَ الَّذِينَ يُحَاجُّونَ فِي اللّهِ مِنْ بَعْدِ ما اسْتُجِيبَ لَهُ حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ عَلَيْهِمْ غَضَبٌ وَ لَهُمْ عَذابٌ شَدِيدٌ الشّورى:15 و 16.

و عليه فهذه الضّمائر خطابا و غيبة راجعة إلى المشركين،دون اليهود-كما عن ابن عبّاس و مجاهد- فأمر اللّه نبيّه أوّلا بإدامة الدّعوة لهم و الاستقامة في سبيله كما أمر،و نهاه ثانيا عن اتّباع أهواءهم،و أمره ثالثا بأن يقول لهم تسجيلا لدعوته في التّوحيد،و مغزى رسالته، و موقفه من الكتب السّابقة،و في المعاد،و إتماما للحجّة عليهم: وَ قُلْ آمَنْتُ إلى آخرها.

و في خلالها تعرّض للحجّة مرّتين:

1- لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ أي قد ظهر الحقّ فلم يبق مجال لإقامة الحجّة عليكم،أو للبحث و المحاجّة بيننا و بينكم-قاله جماعة-أو الحجّة بمعنى الخصومة،لأنّها لازمها بعد ردّها،أي لا خصومة بيننا و لا قتال،قاله بعضهم،و ادّعى أنّها منسوخة بآيات القتال.

ص: 868

و احتمل الطّباطبائيّ أنّها تعقيب لما قبلها لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ أي لا حجّة تدلّ على تقدّم بعض على بعض يقيمها،فيثبت به تقدّمه عليه،أو لا خصومة بيننا بتفاوت الدّرجات،لأنّ ربّنا واحد...ثمّ ردّ الوجه الأوّل-و هو أنّه لا حاجة إلى الحجّة أو الخصومة لأنّ الحقّ قد ظهر-استنادا إلى أنّ الكلام مسوق لبيان سنّة التّسوية-كما جاء قبلها-لا لإثبات شيء من أصول المعارف.

و عندنا أنّ الأظهر هو الوجه الأوّل بشهادة ما بعدها:«الله يجمع بيننا و بينكم و الذين يحاجون فى الله...»أي لا مجال لإقامة الحجّة على توحيد اللّه بعد وضوحه،و اللّه يحكم بيننا في الآخرة.فهذه محاجّة بين النّبيّ و المشركين،و الحجّة فيها حقّ من طرفه و باطل من طرفهم،و الحاكم هو اللّه في الدّار الآخرة.

2- حُجَّتُهُمْ داحِضَةٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ و هذه بيان بطلان تلك الحجّة من طرفهم،لاحظ«ج و ب:استجيب».

ثالثتها:(25) لِئَلاّ يَكُونَ لِلنّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ و هذه في إثبات الرّسالة و ما قبلها،كما سبق في أصول المعارف،و الرّسالة طريق إليها،و محتواهما واحد.فالآية بعد تسمية جملة من الرّسل،و بيان وظيفتهم،و هي التّبشير و الإنذار رُسُلاً مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ دخلت في صميم الموضوع،و هو ثمرة الرّسالة بأنّها تقطع حجّة الكفّار في ترك المعارف و رفض الطّاعة بأن يقولوا،كما حكى القرآن عنهم مرّتين:

لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً طه:134،و القصص:

47،فالرّسالة حكمة من اللّه لمصلحة عباده من موضع العزّة،و لهذا ذيّلها ب وَ كانَ اللّهُ عَزِيزاً حَكِيماً. و فيها بحوث:

1-احتجّ به جمهور أهل السّنّة غير المعتزلة على أنّ معرفة اللّه لا تثبت إلاّ بالسّمع،و أنّ اللّه لا يعذّب الخلق قبل بعثة الرّسل،كما قال: وَ ما كُنّا مُعَذِّبِينَ حَتّى نَبْعَثَ رَسُولاً الإسراء:15، وَ لَوْ أَنّا أَهْلَكْناهُمْ بِعَذابٍ مِنْ قَبْلِهِ لَقالُوا رَبَّنا لَوْ لا أَرْسَلْتَ إِلَيْنا رَسُولاً فَنَتَّبِعَ آياتِكَ طه:134.

و أمّا المعتزلة القائلون:بأنّ العقل حجّة برأسه، و النّاس محجوجون به للنّظر،فأوّلوها بأنّ الرّسل ينبّهون النّاس عن غفلتهم،و يوقظون عقولهم للنّظر حتّى يصلوا بعقولهم إلى المعارف الإلهيّة،و هذا ما يشهد به قول عليّ عليه السّلام:«فبعث فيهم رسله...و ليثيروا لهم دفائن العقول»نهج البلاغة خ 1.

و بعضهم قالوا:العقل يهدي إلى أصول المعارف الكلّيّة،و أمّا الفروع و الشّرائع فبهداية الأنبياء.

و نقول:صريح الآيات أنّ اللّه لا يعذّب أحدا ما لم يرسل إليه رسولا،و هذا عامّ يشمل الأصول و الفروع و الخواصّ و العوامّ،و لو سلّمنا أنّ العقل يكفي بالأصول للخواصّ،و لكن اللّه بلطفه على العباد لم يكتف به حتّى ضمّ إليه الرّسل ليثيروا ما ارتكز في العقول،و لم يؤاخذ أحدا بها،بل جمع بينهما لتتمّ الحجّة على النّاس جميعا، مع أنّ دليل المعتزلة لمذهبهم،كما حكاه الطّوسيّ من الوجهين مدخولة،فلاحظ.

2-قال الجبّائيّ: إنّ الآية خاصّة بمن علم اللّه من حاله أنّ له في بعثة الأنبياء لطفا،لأنّه لو لم يبعث إليه كان

ص: 869

فيه أتمّ الحجّة لهم على اللّه،و أكملها الطّوسيّ بأنّ من لم يعلم من حاله أنّ له في إنفاذ الرّسل إليه لطفا فالحجّة قائمة عليه بالعقل،و عندنا أنّ ما ذكر تحميل على القرآن، و إبعاد له عن العقول السّليمة إلى وساوس كلاميّة.

3-قالت المعتزلة:دلّت الآية على أنّ العبد قد يحتجّ على الرّبّ،و أنّ قول أهل السّنّة:لا اعتراض على اللّه بشيء باطل،لأنّ عدم الحجّة للنّاس بعد الرّسل يقتضي أنّ لهم حجّة قبل الرّسل.

و أجاب عنه الفخر الرّازيّ بأنّ المراد نفي شبه الحجّة دون الحجّة،و قال أبو السّعود:«إنّما سمّيت حجّة تنبيها على أنّ المعذرة في القبول عنده بمقتضى كرمه و رحمته لعباده بمنزلة الحجّة القاطعة الّتي لا مردّ لها».

و عندنا أنّ اللّه نفى الحجّة للنّاس عليه لو لا إرسال الرّسل إليهم،و قد أرسلهم فلا حجّة،و ليس فيما هو غير واقع،و هو عدم إرسال الرّسل حكم،و هذا كما قبله وسوسة كلاميّة.

4-قال الفخر الرّازيّ ما خلاصته:أنّ هذه الآية جواب عن شبهة اليهود الّتي سبقت في آيات قبلها:

يَسْئَلُكَ أَهْلُ الْكِتابِ أَنْ تُنَزِّلَ عَلَيْهِمْ كِتاباً... النّساء:

153،حيث قالوا للنّبيّ عليه السّلام لما ذا لا ينزل القرآن دفعة في كتاب كالتّوراة؟فردّ اللّه عليهم في هذه الآية بأنّ المطلوب من إرسال الرّسل و إنزال الكتب تبشير النّاس و إنذارهم،و هذا حاصل بإنزال الكتاب،سواء نزل دفعة مكتوبا في الألواح كالتّوراة،أو نزل منجّما و مفرّقا في غير كتاب،كما نزل على النّبيّ عليه السّلام،بل تنجيمه ربّما كان أسهل و أصلح لهم ليتلقّوه في فترات،و يتحمّلوه علما و عملا.

و عندنا أنّ إرجاع هذه الآية إلى تلك الآية لا يلائم السّياق،بل هي و ما قبلها: إِنّا أَوْحَيْنا إِلَيْكَ... بيان لأصل من أصول العقيدة و هي الرّسالة الّتي استمرّت في الأمم السّابقة كسنّة إلهيّة،و هي متّصلة بما قبلها ممّا حكاها عن اليهود من الإيمان و الكفر،و من الطّاعة و المعصية،فلاحظ.

رابعتها:(26) ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا...

و القائلون هم المشركون المنكرون لأصل آخر من أصول العقيدة بعد التّوحيد و الرّسالة،و هو البعث و المعاد،و تمام الآيات: وَ قالُوا ما هِيَ إِلاّ حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَ نَحْيا وَ ما يُهْلِكُنا إِلاَّ الدَّهْرُ وَ ما لَهُمْ بِذلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاّ يَظُنُّونَ* وَ إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُنا بَيِّناتٍ ما كانَ حُجَّتَهُمْ إِلاّ أَنْ قالُوا ائْتُوا بِآبائِنا إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* قُلِ اللّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ الجاثية:24-26،و قد سبقتها من أوّل السّورة آيات في إثبات أصلي التّوحيد و الرّسالة.و فيها بحوث:

1-حقيقة حجّتهم على إنكار البعث و الحياة بعد الممات أنّ هذا،لو جاز أن يقع فيما بعد،لجاز وقوعه الآن، فأحيوا آبائنا حتّى نعترف به،و جوابه مطويّ في ما بعدها: قُلِ اللّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ... أي إذا اعترفتم باللّه الخالق القادر الحكيم العزيز فإنّه يحييكم بعد موتكم بقدرته و حكمته و عزّته.

2-سمّي قولهم:حجّة و ليس بحجّة؟لأنّهم ساقوه مساق الحجّة،أو أنّه في حسبانهم حجّة،أو سمّيت حجّة

ص: 870

-كما احتمله الزّمخشريّ،و هو بعيد-تهكّما،أي ما كان حجّتهم إلاّ ما ليس بحجّة.

3-قالوا:من قرأ (حجّتهم) رفعا جعلها اسم«كان» و(ان قالوا)خبرها،و من قرأها نصبا جعلها خبرا و ما بعدها اسما لها.و لك أن تجعلها تامّة،أي لا توجد حجّة لهم.إلاّ أن قالوا،و لا محلّ للاستثناء من الإعراب لا خبرا و لا اسما ل«كان».

و يلاحظ ثانيا:إنّ ما كانت من الآيات تشريعا كالمحور الأوّل و بعض آيات المحور الثّالث لتحويل القبلة فكلّها مدنيّة،لأنّ المدينة دار التّشريع،و ما كانت قصّة كالمحور الثّاني فمكّيّ،كما هو الغالب في القصص القرآنيّة.

و ما يرجع إلى العقيدة كأكثر آيات المحور الثّالث ففيها المكّيّ و المدنيّ لاشتراكها بين البلدين.

ص: 871

ص: 872

فهرس الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و اسماء كتبهم

الآلوسيّ:محمود(1270) (1)

روح المعاني،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

ابن أبي الحديد:عبد الحميد(665)

شرح نهج البلاغة،ط:إحياء الكتب،بيروت.

ابن أبي اليمان:يمان(284)

التّقفية،ط:بغداد.

ابن الأثير:مبارك(606)

النّهاية،ط:إسماعيليان،قم.

ابن الأثير:عليّ(630)

الكامل،ط:دار صادر،بيروت.

ابن الأنباريّ:محمّد(328)

غريب اللّغة،ط:دار الفردوس،بيروت.

ابن باديس:عبد الحميد(1359)

تفسير القرآن،ط:دار الفكر،بيروت.

ابن حزيّ:محمّد(741)

التّسهيل،دار الكتاب العربيّ،بيروت.

ابن الجوزيّ:عبد الرّحمن(597)

زاد المسير،ط:المكتب الإسلامي،بيروت.

ابن خالويه:حسين(370)

إعراب ثلاثين سورة،ط:حيدرآباد دكّن.

ابن خلدون:عبد الرّحمن(808)

المقدّمة،ط:دار القلم،بيروت.

ابن دريد:محمّد(321)

الجمهرة،ط:حيدرآباد دكّن.

ابن السّكّيت:يعقوب(244)

1-تهذيب الألفاظ،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

2-إصلاح المنطق،ط:دار المعارف بمصر.

3-الإبدال،ط:القاهرة.

4-الأضداد،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن سيده:عليّ(458)

المحكم،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن الشّجريّ:هبة اللّه(542)

الأماليّ،ط:دار المعرفة،بيروت.

ابن شهرآشوب:محمّد(588)

متشابه القرآن،ط:طهران.

ابن عاشور:محمّد طاهر(1393)

ص: 873


1- هذه الأرقام تاريخ الوفيات بالهجريّة.

التّحرير و التّنوير،ط:مؤسّسة التّاريخ،بيروت.

ابن العربيّ:عبد اللّه(543)

أحكام القرآن،ط:دار المعرفة،بيروت.

ابن عربيّ:محيى الدّين(628)

تفسير القرآن،ط:دار اليقظة،بيروت.

ابن عطيّة:عبد الحقّ(546)

المحرّر الوجيز،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن فارس:أحمد(395)

1-المقاييس،ط:طهران.

2-الصّاحبيّ،ط:مكتبة اللّغويّة،بيروت.

ابن قتيبة:عبد اللّه(276)

1-غريب القرآن،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة

2-تأويل مشكل القرآن،ط:المكتبة العلميّة، القاهرة.

ابن القيّم:محمّد(751)

التّفسير القيّم،ط:لجنة التّراث العربي،لبنان.

ابن كثير:إسماعيل(774)

1-تفسير القرآن،ط:دار الفكر،بيروت.

2-البداية و النّهاية،ط:المعارف،بيروت.

ابن منظور:محمّد(711)

لسان العرب،ط،دار صادر،بيروت.

ابن ناقيا:عبد اللّه(485)

الجمان،ط:المعارف،الاسكندريّة.

ابن هشام:عبد اللّه

مغني اللّبيب،ط:المدني،القاهرة.

أبو البركات:عبد الرّحمن(577)

البيان،ط:الهجرة،قم.

أبو حاتم:سهل(248)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

أبو حيّان:محمّد(745)

البحر المحيط،ط:دار الفكر،بيروت.

أبو رزق....(معاصر)

معجم القرآن،ط:الحجازيّ،القاهرة.

أبو زرعة:عبد الرّحمن(403)

حجّة القراءات،ط:الرّسالة،بيروت.

أبو زهرة:محمّد(1395)

المعجزة الكبرى،ط:دار الفكر،بيروت.

أبو زيد:سعيد(215)

النّوادر،ط:الكاثوليكيّة،بيروت.

أبو السّعود:محمّد(982)

إرشاد العقل السّليم،ط:مصر.

أبو سهل الهرويّ:محمّد(433)

التّلويح،ط:التّوحيد،مصر.

أبو عبيد:قاسم(224)

غريب الحديث،ط:دار الكتب،بيروت.

أبو عبيدة:معمر(209)

مجاز القرآن،ط:دار الفكر،مصر.

أبو عمرو الشّيبانيّ:اسحاق(206)

الجيم،ط:المطابع الأميريّة،القاهرة.

ابو الفتوح:حسين(554)

روض الجنان،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

أبو الفداء:إسماعيل(732)

المختصر،ط:دار المعرفة،بيروت.

أبو هلال:حسن(395)

الفروق اللّغويّة،ط:بصيرتي،قم.

أحمد بدوي(معاصر)

من بلاغة القرآن،ط:دار النّهضة،مصر.

الأخفش:سعيد(215)

معاني القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

الأزهريّ:محمّد(370)

تهذيب اللّغة،ط:دار المصر.

الإسكافيّ:محمّد(420)

ص: 874

درّة التّنزيل،ط:دار الآفاق،بيروت.

الأصمعيّ:عبد الملك(216)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

ايزوتسو:توشيهيكو(1371)

خدا و انسان در قرآن،ط:انتشار،طهران.

البحرانيّ:هاشم(1107)

البرهان،ط:مؤسّسة البعثة،بيروت.

البروسويّ:إسماعيل(1127)

روح البيان،ط:جعفريّ،طهران.

البستانيّ:بطرس(1300)

دائرة المعارف،ط:دار المعرفة،بيروت.

البغداديّ(629)

ذيل الفصيح،ط:التّوحيد،القاهرة.

البغويّ:حسين(516)

معالم التّنزيل،ط:دار إحياء التراث العربي، بيروت.

بنت الشّاطئ:عائشة(1378)

1-التّفسير البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

2-الإعجاز البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

بهاء الدّين العامليّ:محمّد(1031)

العروة الوثقى،ط:مهر،قم.

بيان الحقّ:محمود(نحو 555)

وضح البرهان،ط:دار القلم،بيروت.

البيضاويّ:عبد اللّه(685)

أنوار التّنزيل،ط:مصر.

التّستريّ:محمّد تقيّ(1415)

نهج الصّباغة في شرح نهج البلاغة،ط:امير كبير، طهران.

التّفتازانيّ:مسعود(793)

المطوّل،ط:مكتبة الدّاوريّ،قم.

الثّعالبيّ:عبد الملك(429)

فقه اللّغة،ط:مصر.

ثعلب:أحمد(291)

الفصيح،ط:التّوحيد،مصر.

الجرجانيّ:عليّ(816)

التّعريفات،ط:ناصر خسرو،طهران.

الجزائريّ:نور الدّين(1158)

فروق اللّغات،ط:فرهنگ اسلامى،طهران.

الجصّاص:أحمد(370)

أحكام القرآن،ط:دار الكتاب،بيروت.

جمال الدّين عيّاد(معاصر)

بحوث في تفسير القرآن،ط:المعرفة،القاهرة.

الجواليقيّ:موهوب(540)

المعرّب،ط:دار الكتب:مصر.

الجوهريّ:إسماعيل(393)

صحاح اللّغة،ط:دار العلم،بيروت.

الحائريّ:سيّد علي(1340)

مقتنيات الدّرر،ط:الحيدريّة،طهران.

الحجازيّ:محمّد محمود(معاصر)

التّفسير الواضح،ط:دار الكتاب،مصر.

الحربيّ:إبراهيم(285)

غريب الحديث،ط:دار المدنيّ،جدّة.

الحريريّ:قاسم(516)

درّة الغوّاص،ط:المثنّى،بغداد.

حسنين مخلوف(معاصر)

صفوة البيان،ط:دار الكتاب،مصر.

حفنيّ:محمّد شرف(معاصر)

إعجاز القرآن البيانيّ،ط:الأهرام،مصر.

الحمويّ:ياقوت(626)

معجم البلدان،ط:دار صادر،بيروت.

الحيريّ:اسماعيل(431)

وجوه القرآن،ط:مؤسّسة الطّبع للآستانة الرّضويّة

ص: 875

المقدّسة،مشهد.

الخازن،عليّ(741)

لباب التّأويل،ط:التّجاريّة،مصر.

الخطّابيّ:حمد(388)

غريب الحديث،ط:دار الفكر،دمشق.

الخليل:بن أحمد(175)

العين،ط:دار الهجرة،قم.

خليل ياسين(معاصر)

الأضواء،ط:الأديب الجديدة،بيروت.

الدّامغانيّ:حسين(478)

الوجوه و النّظائر،ط:جامعة تبريز.

الرّازيّ:محمّد(666)

مختار الصّحاح،ط:دار الكتاب،بيروت.

الرّاغب:حسين(502)

المفردات،ط:دار المعرفة،بيروت.

الرّاونديّ:سعيد(573)

فقه القرآن،ط:الخيّام،قم.

رشيد رضا:محمّد(1354)

المنار،ط:دار المعرفة،بيروت.

الزّبيديّ:محمّد(1205)

تاج العروس،ط:الخيريّة،مصر.

الزّجّاج:ابراهيم(311)

1-معاني القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

2-فعلت و أفعلت،ط:التّوحيد،مصر.

3-إعراب القرآن،ط:دار الكتاب،بيروت.

الزّركشيّ:محمّد(794)

البرهان،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة.

الزّركليّ:خير الدّين(معاصر)

الأعلام،ط:بيروت.

الزّمخشريّ:محمود(538)

1-الكشّاف،ط:دار المعرفة،بيروت.

2-الفائق،ط:دار المعرفة،بيروت.

3-أساس البلاغة،ط:دار صادر،بيروت.

السّجستانيّ:محمّد(330)

غريب القرآن،ط:الفنّيّة المتّحدة،مصر.

السّكّاكيّ:يوسف(626)

مفتاح العلوم،ط:دار الكتب،بيروت.

سليمان حييم(معاصر)

فرهنگ عبريّ،فارسي،ط:إسرائيل.

السّمين:أحمد.(756)

الدّرّ المصون،ط:دار الكتب العلمية،بيروت.

السّهيليّ:عبد الرّحمن(581)

روض الأنف،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

سيبويه:عمرو(180)

الكتاب،ط:عالم الكتب،بيروت.

السّيوطيّ:عبد الرّحمن(911)

1-الإتقان،ط:رضي،طهران.

2-الدّرّ المنثور،ط:بيروت.

3-تفسير الجلالين،ط:مصطفى البالي،مصر(مع أنوار التّنزيل).

سيّد قطب(1387)

في ظلال القرآن،ط:دار الشّروق،بيروت.

شبّر:عبد اللّه(1342)

الجوهر الثّمين،ط:الألفين،الكويت.

الشّربينيّ:محمّد(977)

السّراج المنير،ط:دار المعرفة،بيروت.

الشّريف الرّضيّ:محمّد(406)

1-تلخيص البيان،ط:بصيرتي،قم.

2-حقائق التّأويل،ط:البعثة،طهران.

الشّريف العامليّ:محمّد(1138)

مرآة الأنوار،ط:آفتاب،طهران.

الشّريف المرتضى:عليّ(436)

ص: 876

الأمالي،ط:دار الكتب،بيروت.

شريعتي:محمّد تقي(1407)

تفسير نوين،ط:فرهنگ اسلامى،طهران.

شوقي ضيف(معاصر)

تفسير سورة الرّحمن،ط:دار المعارف بمصر.

الشّوكانيّ:محمّد(1250)

فتح القدير،دار المعرفة،بيروت.

الصّابونيّ:محمّد عليّ(معاصر)

روائع البيان،ط:الغزاليّ،دمشق.

الصّاحب:إسماعيل(385)

المحيط في اللّغة،ط:عالم الكتب،بيروت.

الصّغانيّ:حسن(650)

1-التّكملة،ط:دار الكتب،القاهرة.

2-الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

صدر المتألهين:محمّد(1059)

تفسير القرآن،ط:بيدار،قم.

الصّدوق:محمّد(381)

التّوحيد،ط:النّشر الإسلاميّ،قم.

طه الدّرّة:محمّد علي

تفسير القرآن الكريم و إعرابه و بيانه،ط:دار الحكمة،دمشق.

الطّباطبائيّ:محمّد حسين(1402)

الميزان،ط:إسماعيليان،قم.

الطّبرسيّ:فضل(548)

مجمع البيان،ط:الإسلاميّة،طهران.

الطّبريّ:محمّد(310)

1-جامع البيان،ط:المصطفى البابي،مصر.

2-أخبار الأمم و الملوك،ط:الاستقامة،القاهرة.

الطّريحيّ:فخر الدّين(1085)

1-مجمع البحرين،ط:المرتضويّة،طهران.

2-غريب القرآن،ط:النّجف.

طنطاوي:جوهريّ(1358)

الجواهر،ط:مصطفى البابيّ،مصر.

الطّوسيّ:محمّد(460)

التّبيان،ط:النّعمان،النّجف.

عبد الجبّار:أحمد(415)

1-تنزيه القرآن،ط:دار النّهضة،بيروت.

2-متشابه القرآن،ط:دار التّراث،القاهرة.

عبد الرّحمن الهمذانيّ(329)

الألفاظ الكتابيّة،ط:دار الكتب،بيروت.

عبد الرّزّاق نوفل(معاصر)

الإعجاز العدديّ،ط:دار الشّعب،القاهرة.

عبد الفتّاح طبّارة(معاصر)

مع الأنبياء،ط:دار العلم،بيروت.

عبد الكريم الخطيب(معاصر)

التّفسير القرآنيّ،ط:دار الفكر،بيروت.

عبد المنعم الجمّال:محمّد(معاصر)

التّفسير الفريد،ط:...بإذن مجمع البحوث الإسلامى،الأزهر.

العدنانيّ:محمّد(1360)

معجم الأغلاط،ط:مكتبة لبنان،بيروت.

العروسيّ:عبد عليّ(1112)

نور الثّقلين،ط:إسماعيليان،قم.

عزّة دروزة:محمّد(1400)

تفسير الحديث،ط:دار إحياء الكتب القاهرة.

العكبريّ:عبد اللّه(616)

التّبيان،ط:دار الجيل،بيروت.

علي أصغر حكمت(معاصر)

نه گفتار در تاريخ أديان،ط:ادبيّات،شيراز.

العيّاشيّ:محمّد(نحو 320)

التّفسير،ط:الإسلاميّة،طهران.

الفارسيّ:حسن(377)

ص: 877

الحجّة،ط:دار المأمون،بيروت.

الفاضل المقداد:عبد اللّه(826)

كنز العرفان،ط:المرتضويّة،طهران.

الفخر الرّازيّ:محمّد(606)

التّفسير الكبير،ط:عبد الرّحمن،القاهرة.

فرات الكوفيّ:ابن إبراهيم

تفسير فرات الكوفيّ،ط:وزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامي،طهران.

الفرّاء:يحيى(207)

معاني القرآن،ط:ناصر خسرو،طهران.

فريد وجديّ:محمّد(1373)

المصحف المفسّر،ط:دار مطابع الشّعب،بيروت.

فضل اللّه:محمّد حسين(معاصر)

من وحي القرآن،ط:دار الملاك،بيروت.

الفيروزآباديّ:محمّد(817)

1-القاموس المحيط،ط:دار الجيل،بيروت.

2-بصائر ذوي التّمييز،ط:دار التّحرير،القاهرة.

الفيّوميّ:أحمد(770)

مصباح المنير،ط:المكتبة العلميّة،بيروت.

القاسميّ:جمال الدّين(1332)

محاسن التّأويل،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة.

القاليّ:إسماعيل(356)

الأمالي،ط:دار الكتب،بيروت.

القرطبيّ:محمّد(671)

الجامع لأحكام القرآن،ط:دار إحياء التّراث، بيروت.

القشيريّ:عبد الكريم(465)

لطائف الإشارات،ط:دار الكتاب،القاهرة.

القمّيّ:عليّ(328)

تفسير القرآن،ط:دار الكتاب،قم.

القيسيّ:مكّيّ(437)

مشكل إعراب القرآن،ط:مجمع اللّغة،دمشق.

الكاشانيّ:محسن(1091)

الصّافيّ،ط:الأعلميّ،بيروت.

الكرمانيّ:محمود(505)

أسرار التّكرار،ط:المحمّديّة،القاهرة.

الكلينيّ:محمّد(329)

الكافي:ط:دار الكتب الإسلاميّة،طهران.

لويس كوستاز(معاصر)

قاموس سريانيّ-عربيّ،ط:الكاثوليكيّة، بيروت.

لويس معلوف(1366)

المنجد في اللّغة،ط:دار المشرق،بيروت.

الماورديّ:عليّ(450)

النّكت و العيون،ط:دار الكتب،بيروت.

المبرّد:محمّد(286)

الكامل،ط:مكتبة المعارف،بيروت.

المجلسيّ:محمّد باقر(1111)

بحار الأنوار،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مجمع اللّغة:جماعة(معاصرون)

معجم الألفاظ،ط:آرمان،طهران.

محمّد إسماعيل(معاصر)

معجم الألفاظ و الأعلام،ط:دار الفكر،القاهرة.

محمّد جواد مغنية(1400)

التّفسير الكاشف،ط:دار العلم للملايين،بيروت.

محمود شيت خطّاب

المصطلحات العسكريّة،ط:دار الفتح،بيروت.

المدنيّ:عليّ(1120)

أنوار الرّبيع،ط:النّعمان،نجف.

المدينيّ:محمّد(581)

المجموع المغيث،ط:دار المدني،جدّه.

المراغيّ:محمّد مصطفى(1364)

1-تفسير سورة الحجرات،ط:الأزهر،مصر.

ص: 878

2-تفسير سورة الحديد،ط:الأزهر،مصر.

المراغيّ:أحمد مصطفى(1371)

تفسير القرآن،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مشكور:محمّد جواد(معاصر)

فرهنگ تطبيقى،ط:كاويان،طهران.

المشهديّ:محمّد(1125)

كنز الدّقائق،مؤسّسة النّشر الإسلاميّ،قم.

المصطفويّ:حسن(معاصر)

التّحقيق،ط:دار التّرجمة،طهران.

معرفت:محمّد هادى(معاصر)

التّفسير و المفسرون،ط:الجامعة الرّضوية، مشهد.

مقاتل:ابن سليمان(150)

الأشباه و النّظائر،ط:المكتبة العربيّة،مصر.

المقدسيّ:مطهّر(355)

البدء و التّاريخ،ط:مكتبة المثنّى،بغداد.

مكارم الشّيرازيّ:ناصر(معاصر)

الأمثل في تفسير كتاب اللّه المنزل،ط:مؤسسة البعثة،بيروت.

الميبديّ:أحمد(520)

كشف الأسرار،ط:أمير كبير،طهران.

الميلانيّ:محمّد هادي(1384)

تفسير سورتي الجمعة و التّغابن،ط:مشهد.

النّحّاس:أحمد(338)

معاني القرآن،ط:مكّة المكرّمة.

النّسفيّ:أحمد(710)

مدارك التّنزيل،ط:دار الكتاب،بيروت.

النّهاونديّ:محمّد(1370)

نفحات الرّحمن،ط:سنگى،علمى[طهران].

النّيسابوريّ:حسن(728)

غرائب القرآن،ط:مصطفى البابي،مصر.

هارون الأعور:ابن موسى(249)

الوجوه و النّظائر،ط:دار الحريّة،بغداد.

هاكس:الإمريكيّ(معاصر)

قاموس كتاب مقدّس،ط:مطبعة الإميريكيّ، بيروت.

الهرويّ:أحمد(401)

الغريبين،ط:دار إحياء التّراث.

هوتسما:مارتن تيودر(1362)

دائرة المعارف الإسلاميّة،ط:جهان،طهران.

اليزيديّ:يحيى(202)

غريب القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

اليعقوبيّ:أحمد(292)

التّاريخ،ط:دار صادر،بيروت.

يوسف خيّاط(؟)

الملحق بلسان العرب،ط:أدب الحوزة،قم.

ص: 879

فهرس الأعلام المنقول عنهم بالواسطة

أبان بن عثمان.(200)

إبراهيم التّيميّ.(؟)

ابن أبي إسحاق:عبد اللّه.(129)

ابن أبي عبلة:إبراهيم.(153)

ابن أبي نجيح:يسار.(131)

ابن إسحاق:محمّد.(151)

ابن الأعرابيّ:محمّد.(231)

ابن أنس:مالك.(179)

ابن برّيّ:عبد اللّه.(582)

ابن بزرج:عبد الرّحمن.(؟)

ابن بنت العراقيّ(704)

ابن تيميّة:أحمد.(728)

ابن جريج:عبد الملك.(150)

ابن جنّيّ:عثمان.(392)

ابن الحاجب:عثمان.(646)

ابن حبيب:محمّد.(245)

ابن حجر:أحمد بن عليّ.(852)

ابن حجر:أحمد بن محمّد.(974)

ابن حزم:عليّ(456)

ابن حلزة:....(؟)

ابن خروف:عليّ.(609)

ابن ذكوان:عبد الرّحمن.(202)

ابن رجب:عبد الرّحمن.(795)

ابن الزّبير:عبد اللّه.(73)

ابن زيد:عبد الرّحمن.(182)

ابن سميقع:محمّد.(؟)

ابن سيرين:محمّد.(110)

ابن سينا:عليّ.(428)

ابن الشّخّير:مطرّف.(542)

ابن شريح:....(؟)

ابن شميّل:نضر.(203)

ابن الشّيخ:....(؟)

ص: 880

ابن عادل.(؟)

ابن عامر:عبد اللّه.(118)

ابن عبّاس:عبد اللّه.(68)

ابن عبد الملك:محمّد.(244)

ابن عساكر(؟)

ابن عصفور:عليّ(696)

ابن عطاء:واصل.(131)

ابن عقيل:عبد اللّه.(769)

ابن عمر:عبد اللّه.(73)

ابن عيّاش:محمّد.(193)

ابن عيينة:سفيان.(198)

ابن فورك:محمّد.(406)

ابن كثير:عبد اللّه.(120)

ابن كعب القرظيّ:محمّد.(117)

ابن الكلبيّ:هشام.(204)

ابن كمال باشا:أحمد.(940)

ابن كمّونة:سعد.(683)

ابن كيسان:محمّد(299)

ابن ماجه:محمّد.(273)

ابن مالك:محمّد.(672)

ابن مجاهد:أحمد.(324)

ابن محيصن:محمّد.(123)

ابن مسعود:عبد اللّه.(32)

ابن المسيّب:سعيد.(94)

ابن ملك:عبد اللطيف.(801)

ابن المنير:عبد الواحد.(733)

ابن النّحّاس:محمّد.(698)

ابن هانئ:....(؟)

ابن هرمز:عبد الرّحمن.(117)

ابن الهيثم:داود.(316)

ابن الورديّ:عمر.(749)

ابن وهب:عبد اللّه.(197)

ابن يسعون:يوسف.(542)

ابن يعيش:عليّ.(643)

أبو بحريّة:عبد اللّه.(80)

أبو بكر الإخشيد:أحمد.(366)

أبو بكر الأصمّ:....(201)

أبو الجزال الأعرابي.(؟)

أبو جعفر القارئ:يزيد.(132)

أبو الحسن الصّائغ.(؟)

أبو حمزة الثّماليّ:ثابت.(150)

أبو حنيفة:النعمان.(150)

أبو حيوة:شريح.(203)

أبو داود:سليمان.(275)

أبو الدّرداء:عويمر.(32)

أبو دقيش:....(؟)

أبو ذرّ:جندب.(32)

أبو روق:عطيّة.(؟)

أبو زياد:عبد اللّه.(؟)

أبو سعيد الخدريّ:سعد.(74)

أبو سعيد البغداديّ:أحمد.(285)

أبو سعيد الخرّاز:أحمد.(285)

ص: 881

أبو سليمان الدمشقيّ:

عبد الرّحمن.(215)

أبو السّمال:قعنب.(؟)

أبو شريح الخزاعيّ.(؟)

أبو صالح.(؟)

أبو الطّيّب اللّغويّ.(؟)أبو العالية:رفيع.(90)

أبو عبد الرّحمن:عبد اللّه.(74)

أبو عبد اللّه:محمّد.(؟)

أبو عثمان الحيريّ:سعيد.(289)

أبو العلاء المعرّيّ:أحمد.(449)

أبو عليّ الأهوازيّ:حسن.(446)

أبو عليّ مسكويه:أحمد.(421)

أبو عمران الجونيّ:عبد الملك.(؟)

أبو عمرو ابن العلاء:زبّان.(154)

أبو عمرو الجرميّ:صالح.(225)

أبو الفضل الرّازيّ.(؟)

أبو قلابة:....(104)

أبو مالك:عمرو.(؟)

أبو المتوكّل:عليّ.(؟)

أبو مجلز:لاحق.(؟)

أبو محلّم:محمّد.(245)

أبو مسلم الأصفهانيّ:

محمّد.(322)

أبو منذر السّلاّم:....(؟)

أبو موسى الأشعريّ:عبد اللّه.(44)

أبو نصر الباهليّ:أحمد.(231)

أبو هريرة:عبد الرّحمن.(59)

أبو الهيثم:....(276)

أبو يزيد المدنيّ:....(؟)

أبو يعلى:أحمد.(307)

أبو يوسف:يعقوب.(182)

أبيّ بن كعب.(21)

أحمد بن حنبل.(24)

الأحمر:عليّ.(194)

الأخفش الأكبر:عبد الحميد.(177)

إسحاق بن بشير.(206)

الأسديّ.(؟)

إسماعيل بن القاضي.(؟)

الأصمّ:محمّد.(346)

الأعشى:ميمون.(148)

الأعمش:سليمان.(148)

إلياس:....(؟)

أنس بن مالك.(93)

الأمويّ:سعيد.(200)

الأوزاعيّ:عبد الرّحمن.(157)

الأهوازيّ:حسن.(446)

الباقلاّنيّ:محمّد.(403)

البخاريّ:محمّد.(256)

براء بن عازب.(71)

البرجيّ:عليّ.(؟)

البرجميّ:ضابئ.(؟)

ص: 882

البقليّ.(؟)

البلخيّ:عبد اللّه.(319)

البلّوطيّ:منذر.(355)

بوست:جورج إدوارد.(1327)

التّرمذيّ:محمّد.(279)

ثابت البنانيّ.(127)

الثّعلبيّ:أحمد.(427)

الثّوريّ:سفيان.(161)

جابر بن زيد.(93)

الجبّائيّ:محمّد.(303)

الجحدريّ:كامل.(231)

جمال الدّين الأفغانيّ.(1315)

الجنيد البغداديّ:ابن محمّد.(297)

جهرم بن صفوان.(128)

الحارث بن ظالم.(22 ق)

الحدّاديّ:....(؟)

الحرّانيّ:محمّد.(560)

الحسن بن يسار.(110)

حسن بن حيّ.(؟)

حسن بن زياد.(204)

حسين بن فضل.(548)

حفص:بن عمر.(246)

حمّاد بن سلمة.(167)

حمزة القارئ.(156)

حميد:ابن قيس.(؟)

الحوفيّ:عليّ.(430)

خصيف:....(؟)

الخطيب التّبريزيّ:يحيى.(502)

الخفاجيّ:عبد اللّه.(466)

خلف القارئ.(299)

الخويّيّ:محمّد.(693)

الخياليّ:أحمد.(862)

الدّقّاق.(؟)

الدّمامينيّ:محمّد.(827)

الدّوانيّ.(918)

الدّينوري:أحمد.(282)

الرّبيع بن أنس.(139)

ربيعة بن سعيد(؟)

الرّضيّ الأستراباديّ.(686)

الرّمّانيّ:عليّ.(384)

رويس:محمّد.(238)

الزّناتيّ.(؟)

الزّبير:بن بكّار.(256)

الزّجّاجيّ:عبد الرّحمن.(337)

الزّهراويّ:خلف(427)

الزّهريّ:محمّد.(128)

زيد بن أسلم.(136)

زيد بن ثابت.(45)

زيد بن عليّ.(122)

السّدّيّ:إسماعيل.(128)

سعد بن أبي وقّاص.(55)

سعد المفتيّ.(؟)

ص: 883

سعيد بن جبير.(95)

سعيد بن عبد العزيز.(167)

السّلميّ القارئ:عبد اللّه.(74)

السّلميّ:محمّد.(412)

سليمان بن جمّاز المدنيّ.(170)

سليمان بن موسى.(119)

سليمان التّيميّ.(؟)

سهل التّستريّ.(283)

السّيرافيّ:حسن.(368)

الشّاذليّ.(؟)

الشّاطبيّ(؟)

الشّافعيّ:محمّد.(204)

الشّبليّ:دلف.(334)

الشّعبيّ:عامر.(103)

شعيب الجبئيّ.(؟)

الشّقيق بن إبراهيم.(194)

الشّلوبينيّ:عمر.(645)

شمر بن حمدويه.(255)

الشّمنّيّ:أحمد(872)

الشّهاب:أحمد.(1069)

شهاب الدّين القرافيّ.(684)

شهر بن حوشب.(100)

شيبان بن عبد الرّحمن.(؟)

شيبة الضّبّيّ.(؟)

شيذلة:عزيزيّ.(494)

صالح المريّ.(؟)

الصّيقليّ:محمّد.(565)

الضّبّيّ:يونس.(182)

الضّحّاك بن مزاحم.(105)

طاوس بن كيسان.(106)

الطّبقجليّ:أحمد.(1213)

طلحة بن مصرّف.(112)

الطّيّبيّ:حسين.(743)

عائشة:بنت أبي بكر.(58)

عاصم الجحدريّ.(128)

عاصم القارئ.(127)

عامر بن عبد اللّه.(55)

عبّاس بن الفضل.(186)

عبد الرّحمن بن أبي بكرة.(96)

عبد العزيز:....(612)

عبد اللّه بن أبي ليلى.(؟)

عبد اللّه بن الحارث.(86)

عبد اللّه الهبطيّ.(؟)

عبد الوهّاب النّجار.(1360)

عبيد بن عمير.(؟)

العتكيّ:عبّاد.(181)

العدويّ:....(؟)

عصام الدّين:عثمان.(1193)

عصمة بن عروة.(؟)

العطاء بن أسلم.(114)

عطاء بن سائب.(136)

عطاء الخراسانيّ:ابن عبد اللّه.(135)

ص: 884

عكرمة بن عبد اللّه.(105)

العلاء بن سيّابة.(؟)

عليّ بن أبي طلحة.(143)

عمارة بن عائد.(؟)

عمر بن ذرّ.(153)

عمرو بن عبيد(144)

عمرو بن ميمون.(؟)

عيسى بن عمر.(149)

العوفيّ:عطيّة.(111)

العينيّ:محمود.(855)

الغزاليّ:محمّد.(505)

الغزنويّ:....(582)

الفارابيّ:محمّد.(339)

الفاسيّ(؟)

الفضل الرّقاشي.(200)

قتادة بن دعامة.(118)

القزوينيّ:محمّد.(739)

قطرب:محمّد.(206)

القفّال:محمّد.(328)

القلانسي:محمّد.(521)

كراع النّمل:عليّ.(309)

الكسائيّ:عليّ.(189)

كعب الأحبار:ابن ماتع.(32)

الكعبيّ:عبد اللّه.(319)

الكفعميّ:إبراهيم(905)

الكلبيّ:محمّد.(146)

كلنبويّ.(؟)

الكيا الطّبريّ(؟)

اللّؤلؤيّ:حسن.(204)

اللّحيانيّ:عليّ.(220)

اللّيث بن المظفّر.(185)

الماتريديّ:محمّد.(333)

المازنيّ:بكر.(249)

مالك بن أنس.(179)

مالك بن دينار.(131)

المالكيّ(؟)

الملويّ.(؟)

مجاهد:جبر.(104)

المحاسبيّ:حارث.(243)

محبوب:....(؟)

محمّد أبي موسى.(؟)

محمّد بن حبيب.(245)

محمّد بن الحسن.(189)

محمد بن شريح الأصفهانيّ.(؟)

محمّد عبده:ابن حسن خير اللّه.(1323)

محمّد الشّيشنيّ.(؟)

مروان بن الحكم.(65)

المسهر بن عبد الملك.(؟)

مصلح الدّين اللاّري:محمّد.(979)

معاذ بن جبل.(18)

معتمر بن سليمان.(187)

المغربيّ:حسين.(418)

ص: 885

المغربيّ:حسين.(418)

المفضّل الضّبّيّ:ابن محمّد.(182)

مكحول بن شهراب.(112)

المنذريّ:محمّد.(329)

المهدويّ:أحمد.(440)

مؤرّج السّدوسيّ:ابن عمر.(195)

موسى بن عمران.(604)

ميمون بن مهران.(117)

النّخعيّ:إبراهيم.(96)

نصر بن عليّ.(؟)

نعّوم بك:بن بشّار.(1340)

نفطويه:إبراهيم.(323)

النقّاش:محمّد.(351)

النّووي:يحيى.(676)

هارون بن حاتم.(728)

الهذليّ:قاسم.(175)

همّام بن حارث.(؟)

الواحديّ:عليّ.(468)

ورش:عثمان.(197)

وهب بن جرير.(207)

وهب بن منبّه.(114)

يحيى بن جعدة.(؟)

يحيى بن سعيد.(؟)

يحيى بن سلاّم.(200)

يحيى بن وثّاب.(103)

يحيى بن يعمر.(129)

يزيد بن أبي حبيب.(128)

يزيد بن رومان.(130)

يزيد بن قعقاع.(132)

يعقوب بن إسحاق.(202)

اليمانيّ:عمر.(؟)

ص: 886

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.