المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته المجلد 9

اشارة

عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته / اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه ؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی .

مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی ‫، 1419ق . ‫ = -1377.

مشخصات ظاهری : ‫ج.

فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.

شابک : ‫دوره ‫ 964-444-179-6 : ؛ ‫دوره ‫ 978-964-444-179-0: ؛ ‫1430000 ریال (دوره، چاپ دوم)‮ ؛ ‫25000 ریال ‫: ج. 1 ‫ 964-444-180-X : ؛ ‫30000 ریال ‫: ج. 2 ‫ 964-444-256-3 : ؛ ‫32000 ریال ‫: ج. 3 ‫ 964-444-371-3 : ؛ ‫67000 ریال (ج. 10) ؛ ‫ج.12 ‫ 978-964-971-136-2 : ؛ ‫ج.19 ‫ 978-600-06-0028-0 : ؛ ‫ج.21 ‫ 978-964-971-484-4 : ؛ ‫ج.28 ‫978-964-971-991-7 : ؛ ‫ج.30 ‫ 978-600-06-0059-4 : ؛ ‫1280000 ریال ‫: ج.36 ‫ 978-600-06-0267-3 : ؛ ‫950000 ریال ‫: ج.37 ‫ 978-600-06-0309-0 : ؛ ‫1050000 ریال ‫: ج.39 ‫ 978-600-06-0444-8 : ؛ ‫1000000 ریال ‫: ج.40 ‫ 978-600-06-0479-0 : ؛ ‫ج.41 ‫ 978-600-06-0496-7 : ؛ ‫ج.43 ‫ 978-600-06-0562-9 :

يادداشت : عربی .

يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.

يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.

يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.

يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...

يادداشت : ج . 2 (چاپ اول : 1420ق . = 1378).

يادداشت : ج . 3 (چاپ اول: 1421ق . = 1379).

يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).

يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).

يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).

يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).

يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).

يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).

يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).

يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.

يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).

يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).

يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).

يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).

مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س

موضوع : قرآن -- واژه نامه ها

Qur'an -- Dictionaries

موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها

Qur'an -- Encyclopedias

شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی ، محمدِ، ‫1385-1304.

شناسه افزوده : سبحانی تبریزی ، جعفر، ‫ 1308 -

شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar

شناسه افزوده : نجفی ، ناصر، ‫1322 -

شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا

شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن

شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی

رده بندی کنگره : ‫ BP66/4 ‫ ‮ /م57 1377

رده بندی دیویی : ‫ 297/13

شماره کتابشناسی ملی : 582410

اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا

ص: 1

اشارة

ص: 2

ص: 3

ص: 4

المؤلفون

الأستاذ محمّد واعظزاده الخراسانيّ

ناصر النّجفيّ

قاسم النّوريّ

محمّد حسن مؤمن زاده

حسين خاك شور

السيّد عبد الحميد عظيمي

السيّد جواد سيّدي

السيّد حسين رضويان

علي رضا غفراني

محمّد رضا نوري

السيّد علي صبّاغ دارابي

أبو القاسم حسن پور

خضر فيض اللّه

محمّد ملكوتي نسب

و قد فوّض عرض الآيات و ضبطها إلى أبي الحسن الملكيّ و مقابلة النصوص إلى محمّد جواد الحويزيّ و عبد الكريم الرّحيميّ و تنضيد الحروف إلى حسين الطّائيّ في قسم الكمبيوتر.

ص: 5

ص: 6

المحتويات

المقدّمة 9

ج ب ن 11

ج ب ه 17

ج ب ي 25

ج ث ث 47

ج ث م 53

ج ث و-ي 63

ج ح د 73

ج ح م 89

ج د ث 99

ج د د 105

ج د ر 135

ج د ل 149

ج ذ ذ 235

ج ذ ع 247

ج ذ و 261

ج ر ح 271

ج ر د 295

ج ر ر 303

ج ر ز 321

ج ر ع 339

ج ر ف 349

ج ر م 359

ج ر ي 403

ج ز أ 429

ج ز ع 445

ج ز ي 461

ج س د 577

ج س س 595

ج س م 609

ج ع ل 623

ج ف أ 653

ج ف ن 661

ج ف و 669

ج ل ب 679

ج ل د 699

ج ل س 729

ج ل ل 741

ج ل و-ي 761

ج م ح 787

ج م د 795

ج م ع 805

ج م ل 869

الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و أسماء كتبهم 895

الأعلام المنقول عنهم بالواسطة 902

ص: 7

ص: 8

بسم اللّه الرّحمن الرّحيم

المقدّمة

نحمد اللّه تعالى على نعمائه كلّها،و نصلّي و نسلّم على رسوله المصطفى نبيّنا محمّد و على آله الطّيّبين الطّاهرين و صحبه المنتجبين.

نشكره تعالى على أن وفّقنا لتأليف المجلّد التّاسع من موسوعتنا القرآنيّة:«المعجم في فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته»،و تقديمه إلى روّاد العلوم القرآنيّة،و المختصّين بمعرفة لغاته،و أسرار بلاغته،و رموز إعجازه،و طرائف تفسيره.

و قد اشتمل هذا الجزء على شرح(42)مفردة قرآنيّة من حرف الجيم،ابتداء من (ج ب ن)و انتهاء ب(ج م ل)،و أوسع المواد فيه بحثا و تنقيبا هي(ج ز ي).

ثمّ نسأله تعالى،و نبتهل إليه أن يتمّ علينا نعمته و يكمل لنا رحمته و يساعدنا و يأخذ بأيدينا،و يسدّد خطانا بما يضارع الأمل في استمرار العمل،إنّه خير ظهير، و بالإجابة جدير.

محمّد واعظزاده الخراسانيّ

مدير قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلاميّة

ص: 9

ص: 10

ادامة حرف الجيم

ج ب ن

اشارة

الجبين

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجبنّ،مثقّل،الّذي يؤكل،و تجبّن اللّبن:

صار كالجبنّ.

و رجل جبان و امرأة جبانة،و رجال جبناء و نساء جبانات.

و أجبنته:حسبته جبانا.

و الجبين:حرف الجبهة ما بين الصّدغين،منفصلا عن النّاحية،كلّ ذلك جبين واحد،و بعضهم يقول:هما جبينان.

و الجبّانة:واحدة،و الجبابين كثيرة.(6:153)

المفضّل الضّبّيّ: العرب تقول:فلان جبان الكلب،إذا كان نهاية في السّخاء.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 11:123)

ابن شميّل: الجبّانة:ما استوى من الأرض و ملس و لا شجر فيه،و فيه آكام و جلاه،و قد تكون مستوية لا آكام فيها و لا جلاه،و لا تكون«الجبّانة»في الرّمل و لا في الجبل،و قد تكون في القفاف و الشّقائق.و كلّ صحراء:جبّانة.(الأزهريّ 11:124)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قاتلته فما أجبنته،و سألته فما أبخلته.(1:126)

أبو زيد :امرأة جبان و جبانة.(الأزهريّ 11:124)

اللّحيانيّ: و الجبين مذكّر لا غير،و الجمع:أجبن و أجبنة و جبن.(ابن سيده 7:465)

ابن السّكّيت: رجل جبان و قوم جبناء و جبن، و قد جبن الرّجل؛و يقال:جبن بالفتح.(176)

و يقال:جبن و جبنة،بضمّ الجيم و الباء و تسكينها أيضا.و بعضهم يضمّ الجيم و الباء و يثقّل النّون،فيقول:

جبن و جبنّة،و بعضهم يضمّ أوّلها و يسكّن ثانيها.

(إصلاح المنطق:118)

شمر:قال أبو خيرة:الجبّان:ما استوى من الأرض

ص: 11

في ارتفاع،و يكون كريم المنبت.(الأزهريّ 11:124)

الدّينوريّ: الجبابين:كرام المنابت،و هي مستوية في ارتفاع،الواحدة:جبّانة.(ابن سيده 7:465)

الأزهريّ: في الحديث:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم احتضن أحد ابني بنته،و هو يقول:«إنّكم لتجبّنون و تبخّلون، و تجهّلون،و إنّكم لمن ريحان اللّه».

يقال:جبّنت الرّجل،و بخّلته،و جهّلته،إذا نسبته إلى الجبن،و البخل،و الجهل.و أجبنته،و أبخلته، و أجهلته،إذا وجدته جبانا بخيلا جاهلا.

يريد:أنّ الولد لمّا صار سببا لجبن الأب عن الجهاد، و إنفاق المال،و الافتتان به،كان كأنّه نسبه إلى هذه الخلال،و رماه بها،و كانت العرب تقول:«الولد مجنبة (1)مبخلة».[و نقل كلام اللّيث ثمّ قال:]

قلت:و على هذا كلام العرب،و الجبهة بين الجبينين.

و يقال:اجتبن فلان اللّبن،إذا اتّخذه جبنّا.

(11:123)

الصّاحب:الجبنّ مثقّل:ما يؤكل،و تجبّن اللّبن.

و رجل جبان،و امرأة جبانة و جبان.و أجبنته:

وجدته جبانا.و رجال جبناء و أجبان،و نسوة جبائن و جبناء.و يقال للجبان:جبّان،بالتّشديد.

و الجبين:حرف الجبهة ما بين الصّدغين،متّصلا بحذاء النّاصية،و جمعه:جبائن.(7:132)

الجوهريّ: الجبن:هذا الّذي يؤكل،و الجبنة أخصّ منه،و الجبن أيضا:صفة الجبان.و الجبن،بضمّ الجيم و الباء لغة فيهما و بعضهم يقول:جبن و جبنّة،بالضّمّ، و التّشديد.

و قد جبن فهو جبان،و جبن أيضا بالضّمّ فهو جبين.

و قالوا:امرأة جبان،كما قالوا:حصان و رزان،عن ابن السّرّاج.

و أجبنته:وجدته جبانا.و جبّنته تجبينا:نسبته إلى الجبن.

و يقال:«الولد مجبنة مبخلة»لأنّه يحبّ البقاء و المال لأجله.

و الجبّان و الجبّانة بالتّشديد:الصّحراء.

و تجبّن الرّجل:غلظ.

و الجبين فوق الصّدغ،و هما جبينان عن يمين الجبهة و شمالها.(5:2090)

ابن فارس: الجيم و الباء و النّون ثلاث كلمات لا يقاس بعضها ببعض.فالجبن:الّذي يؤكل،و ربّما ثقّلت نونه مع ضمّ الباء.و الجبن:صفة الجبان، و الجبينان:ما عن يمين الجبهة و شمالها،كلّ واحد منهما جبين.(1:503)

أبو سهل الهرويّ: الجبن:للّذي يؤكل بضمّ الباء، و كذبت من الجبن،و هو الفزع.(التّلويح:61)

ابن سيده: الجبان من الرّجال:الّذي يهاب التّقدّم على كلّ شيء ليلا كان أو نهارا.سيبويه:و الجمع:جبناء شبّهوه ب«فعيل»لأنّه مثله في العدّة و الزّيادة.و الأنثى:

جبان و جبانة.

و قد جبن يجبن،و جبن جبنا،و جبانة.

و أجبنه:وجده جبانا،أو حسبه إيّاه.

و حكى سيبويه:هو يجبّن،أي يرمى بذلك و يقال له.ة.

ص: 12


1- عند الجوهريّ و غيره:مجبنة.

و الجبينان:حرفان مكتنفا الجبهة من جانبيها فيما بين الحاجبين،مصعدا إلى قصاص الشّعر.

و قيل:هما ما بين القصاص إلى الحاجبين.

و قيل:حروف الجبهة:ما بين الصّدغين متّصلا عداء النّاصية،كلّ ذلك جبين واحد.

و الجبن و الجبن:الّذي يؤكل،و الواحدة من كلّ ذلك بالهاء.

و تجبّن اللّبن:صار كالجبن.

و الجبّان،و الجبّانة:المقبرة.و هو عند سيبويه اسم كالقذاف.(7:465)

الرّاغب: وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ الصّافّات:103، فالجبينان جانبا الجبهة.و الجبن:ضعف القلب عمّا يحقّ أن يقوى عليه،و رجل جبان و امرأة جبان، و أجبنته:وجدته جبانا و حكمت بجبنه،و الجبن:

ما يؤكل،و تجبّن اللّبن صار كالجبن.(87)

الزّمخشريّ: رجل جبان،و رجال جبناء،و في حديث خالد:«فلا نامت أعين الجبناء»و امرأة جبان، و نساء جبانات.[ثمّ استشهد بشعر]

كقولهم:امرأة جواد،و يقال:جبانة.سمع بعض العرب يقول:الضّبع جبانة لا تقبل على الصّفير،إذا صفر بها فرّت.

و أجبنت فلانا و أبخلته:وجدته كذلك.و عن عمرو ابن معد يكرب:«قاتلناكم فما أجبنّاكم».و جبّنته:

نسبته إلى الجبن.و خرجوا إلى الجبّانة و الجبّان،و هي الصّحراء.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل صلت الجبين.و تجبّن اللّبن و تكبّد:صار كالجبن و الكبد.

و من المجاز:فلان شجاع القلب،جبان الوجه أي حييّ.(أساس البلاغة:51)

[ذكر حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم المتقدّم عن الأزهريّ و قال:]

معناه:إنّ الولد يوقع أباه في الجبن،خوفا من أن يقتل فيضيع ولده بعده،و في البخل إبقاء على ماله له، و في الجهل شغلا به عن طلب العلم.(الفائق 1:185)

ابن الأثير: في حديث الشّفاعة:«فلمّا كنّا بظهر الجبّان»الجبّان و الجبّانة:الصّحراء،و تسمّى بهما المقابر،لأنّها تكون في الصّحراء،تسمية للشّيء بموضعه.و قد تكرّر في الحديث ذكر الجبن و الجبان،هو ضدّ الشّجاعة و الشّجاع.(1:237)

الفيّوميّ: جبن جبنا وزان:قرب قربا،و جبانة بالفتح،و في لغة من باب«قتل»فهو جبان،أي ضعيف القلب،و امرأة جبان أيضا،و ربّما قيل:جبانة،و جمع المذكّر:جبناء،و جمع المؤنّث:جبانات.

و أجبنته:وجدته جبانا.

و الجبن:المأكول،فيه ثلاث لغات،رواها أبو عبيدة عن يونس بن حبيب سماعا عن العرب،أجودها سكون الباء،و الثّانية ضمّها للإتباع،و الثّالثة-و هي أقلّها- التّثقيل.و منهم من يجعل التّثقيل من ضرورة الشّعر.

و الجبين:ناحية الجبهة من محاذاة النّزعة إلى الصّدغ،و هما جبينان عن يمين الجبهة و شمالها،قاله الأزهريّ و ابن فارس و غيرهما،فتكون الجبهة بين جبينين.و جمعه:جبن،بضمّتين مثل بريد و برد،و أجبنة

ص: 13

مثل أسلحة.

و الجبّانة مثقّل الباء و ثبوت الهاء أكثر من حذفها، هي المصلّى في الصّحراء،و ربّما أطلقت على المقبرة،لأنّ المصلّى غالبا تكون في المقبرة.(1:91)

الفيروزآباديّ: الجبن:بالضّمّ و بضمّتين و كعتلّ:

معروف،و قد تجبّن اللّبن:صار كالجبن.

و رجل جبان كسحاب و شدّاد و أمير:هيوب للأشياء لا يقدم عليها،جمعها:جبناء،و هي جبان و جبانة و جبين،و قد جبن ككرم جبانة و جبنا بالضّمّ و بضمّتين.

و أجبنه وجده أو حسبه جبانا كاجتبنه،و هو يجبّن تجبينا يرمى به.

و الجبينان:حرفان مكتنفا الجبهة من جانبيها،فيما بين الحاجبين مصعدا إلى قصاص الشّعر،أو حروف الجبهة ما بين الصّدغين متّصلا بحذاء النّاصية كلّه جبين، جمعه:أجبن و أجبنة و جبن بضمّتين.

و الجبّان و الجبّانة مشدّدتين:المقبرة و الصّحراء و المنبت الكريم،أو الأرض المستوية في ارتفاع.

و اجتبن اللّبن:اتّخذه جبنا.

و هو جبان الكلب:نهاية في الكرم.(4:210)

الطّريحيّ: في الدّعاء:«نعوذ باللّه من الجبن،لأنّه يمنع الإغلاظ على العصاة».الجبن بالضّمّ فالسّكون:

صفة الجبان.

و منه حديث عليّ عليه السّلام:«لا تجزي صلاة لا يصيب الأنف فيها ما يصيب الجبينين».

قال بعض الشّارحين:

يجوز نصب الأنف و الجبينين معا بالمفعوليّة،و رفعهما بالفاعليّة،و نصب الأوّل و رفع الثّاني،و عكسه.(6:224)

محمود شيت:الجبان:ضعيف القلب خرقا،و هي صفة من أرذل صفات العسكريّ.

الجبن:اللّبن الجامد الّذي يقدّم طعاما للعسكريّين.

(1:135)

العدنانيّ: الخبز و الجبن و الجبن و الجبنّ.

و يقولون:يأكل الفقراء خبزا و جبنا.و الصّواب:

جبنا أو جبنا أو جبنّا.و تسمّى القطعة من الجبن:جبنة.

و الجبن:جمع الجبين.

و الجبن:ضعف القلب من شدّة الخوف،فالرّجل جبان،أو جبّان،أو جبين.و المرأة جبان و جبانة، و الجمع:جبانات،و هم:جبناء.

(معجم الأخطاء الشّائعة:54)

المصطفويّ: الأصل الواحد فيها هو ما يقابل الشّجاعة،و يعبّر عنه بالمهابة في الإقدام و التّقدّم إلى أمر، و يلازم التّأخّر و الحذر و الاتّقاء.

و بمناسبة هذا المعنى يطلق على«الجبين»فإنّه وراء الجبهة،و الرّجل الشّجاع يقدّم جبهته،فكأنّ الجبين جبان و متأخّر عن جبهة البراز،مضافا إلى أنّ الشّجاعة تتجلّى في الجبهة،كما أنّ الجبن يتجلّى في الجبين.

و أمّا الجبن:فإنّه ما يتأخّر و يتجمّع و يتحصّل من اللّبن،فكأنّه في الجبهة المتأخّرة.و لا يبعد أن نقول:إنّ هذه الكلمة بهذا المعنى مأخوذة من العبريّة،فإنّ الأصل فيها هو ما يؤكل و يتحصّل من اللّبن.

قاموس عبريّ-عربيّ-(جبن)-أحدب،أحنى

ص: 14

ظهره،صنع الجبن.

(جبان)-صانع الجبن،بائع الجبن.

فيكون لفظ«الجبن»بمعنى ما يؤكل،مأخوذا من اللّغة العبريّة لا من مادّة«جبن»عربيّة،بمعنى ما يقابل الشّجاعة.[ثمّ ذكر الآيات](2:50)

النصوص التّفسيريّة

الجبين

فلمّا اسلما و تلّه للجبين.الصّافّات:103

الطّبريّ: يقول:و صرعه للجبين،الجبينان،ما عن يمين الجبهة،و عن شمالها،و للوجه جبينان،و الجبهة بينهما.(23:80)

نحوه الماورديّ(5:61)،و الطّوسيّ(8:517)، و الواحديّ(3:530).

الآلوسيّ: الجبين:أحد جانبي الجبهة،و شذّ جمعه على:أجبن،و قياسه في القلّة:أجبنة ككثيب و أكثبة، و في الكثرة جبنان و جبن ككثبان و كثب،و اللاّم لبيان ما خرّ عليه،كما في قوله تعالى: وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ الإسراء:109.و قوله:

*و خرّ صريعا لليدين و للفم*

و ليست للتّعدية.(23:130)

نحوه الطّباطبائيّ(17:152)،و عبد المنعم الجمّال (4:2623).

مكارم الشّيرازيّ: قال البعض:إنّ المراد من عبارة تَلَّهُ لِلْجَبِينِ هو أنّه وضع جبين ولده طبقا لاقتراحه على الأرض حتّى لا تقع عيناه على وجه ابنه، فتتهيّج عنده عاطفة الأبوّة،و تمنعه من تنفيذ الأمر الإلهيّ.(14:333)

راجع«ت ل ل».

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجبن،ضدّ الشّجاعة، يقال:جبن الرّجل يجبن جبنا و جبنا،فهو جبان و هم جبناء،و هي جبان و جبانة و هنّ جبانات،و جبن يجبن جبانة فهو جبين.و أجبنه:وجده جبانا،أو حسبه إيّاه، و جبّنه تجبينا:نسبه إلى الجبن،و فلان يجبّن:يرمى بالجبن و يقال له،و يقال:الولد مجبنة مبخلة،لأنّه يحبّ البقاء و المال لأجله.

و الجبين ما بين القصاص إلى الحاجبين،و قيل:فوق الصّدغ،و هما جبينان عن يمين الجبهة و شمالها.

و القول الأوّل أقرب إلى الاستعمال،لأنّه يقال:

عرق جبينه و انبسط،و قطّب جبينه،فبينه و بين «الجبهة»ترادف،كما أنّه أقرب إلى هذا الأصل أيضا، لأنّه ينقبض و ينكمش عند الخوف،و هي صفة الجبان.

و الجبن و الجبن و الجبنّ:الّذي يؤكل،لأنّ اللّبن يتجمّع و يتضامّ عند ما يصير جبنّا؛يقال:تجبّن اللّبن، أي صار كالجبن،و اجتبن فلان اللّبن:اتّخذه جبنا، و يقال مجازا:تجبّن الرّجل،أي غلظ.

و منه الجبّان و الجبّانة:الصّحراء،و تسمّى بهما المقابر أيضا،لأنّها تكون في الصّحراء،تسمية للشّيء بموضعه.و هو من هذا الباب،لأنّ الصّحراء مظنّة التّيه،

ص: 15

فينتاب سالكها الخوف،فيهاب التّقدّم لاجتيازها و قطعها،و تنتاب هذه الحالة كذلك من يدخل المقابر و يزورها،فهي قفراء موحشة.

و الجبّان و الجبّانة أيضا:ما استوى من الأرض في ارتفاع،و يكون كريم المنبت،و هذا المعنى مأخوذ من كرامة الجبين و علوّه في وجه الإنسان و الحيوان.

2-و لا نستبعد بتاتا أن يكون«الجبين»أصلا برأسه هنا؛إذ هو ليس صفة على«فعيل»بمعنى«فاعل»أو «مفعول»،بل اسم صريح،و يدلّ على ذلك عدم اشتقاقه من فعل،أو اشتقاق لفظ منه،و كذا جمعه على:أجبن و أجبنة و جبن،فهي صيغ تستعمل للأسماء دون الصّفات غالبا.

كما ورد هذا المعنى في العبريّة بلفظ«جبن»، و ما يقاربه في الآراميّة و السّريانيّة بلفظ«جبينا»،أي الحاجب.و هذا ما حمل بعض المستشرقين على القول بأنّ«الجبين»دخيل في العربيّة،و أنّه دخل هذه اللّغة من الآراميّة و السّريانيّة (1)،و هو ليس بشيء.كما ذهب بعض المسلمين إلى أنّ الجبن:الّذي يؤكل،لفظ عبريّ، و هو قول-كسابقه-لا يؤبه به.

الاستعمال القرآنيّ

فَلَمّا أَسْلَما وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ الصّافّات:103 لاحظ«ت ل ل».

ص: 16


1- لاحظ(جبين)من«المفردات الدّخيلة في القرآن الكريم»- «آرثر جفري».

ج ب ه

اشارة

جباههم

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجبهة:مستوى ما بين الحاجبين إلى النّاصية.

و الأجبه:العريض الجبهة.و الجبه:مصدره.[ثمّ استشهد بشعر]

و جبهته:استقبلته بكلام فيه غلظ.

و الجبهة:اسم يقع على الخيل لا يفرد.

و الجبهة:النّجم الّذي يقال له:جبهة الأسد.

(3:395)

الضّبّيّ: جاءتنا جبهة من النّاس،يعنون جماعة.

(ابن السّكّيت:40)

الكسائيّ: جبهنا الماء جبها،إذا وردته و ليست عليه قامة و لا أداة.(الأزهريّ 6:66)

أبو عبيدة :في الحديث:«ليس في الجبهة و لا في النّخّة صدقة»الجبهة:الخيل.(الأزهريّ 6:66)

الأصمعيّ: الجبهة هي موضع السّجود.

(الفيّوميّ 1:91)

أبو عبيد: «إنّ اللّه قد أراحكم من الجبهة و السّجّة و البجّة»هذه آلهة كانوا يعبدونها في الجاهليّة.

(الأزهريّ 6:66)

ابن الأعرابيّ: قال بعض العرب:«لكلّ جابه جوزة،ثمّ يؤذّن»،أي لكلّ من ورد علينا سقيه ثمّ منع من الماء.(الأزهريّ 6:67)

ابن السّكّيت: جبهه يجبهه جبها.(442)

و قد جبهته،إذا صككت جبهته.

(إصلاح المنطق:370)

وردنا ماء له جبيهة،إمّا كان ملحا فلم ينضح ما لهم الشّرب،و إمّا كان آجنا،و إمّا كان بعيد القعر غليظا سقيه،شديدا أمره.(الأزهريّ 6:66)

ابن أبي اليمان :الجبهة:جبهة الإنسان،

ص: 17

و الجبهة:من منازل القمر،و الجبهة:القطعة من الخيل.

(670)

ابن دريد :جبهة الرّجل:معروفة،و الجمع:جباه.

و جبهة القوم:سيّدهم.

و رجل أجبه:عريض الجبهة،و الأنثى:جبهاء.

و الجابه:الّذي يلقاك بوجهه من الطّير و الوحش يتشاءم به،و هو النّاطح أيضا.

و في الحديث:«ليس في الجبهة صدقة»يريد الخيل، و اللّه أعلم.

و جبهت الرّجل بالكلام،إذا لقيته بما يكرهه، و لا يكون إلاّ بقبيح.(1:215)

الأزهريّ: أبو سعيد الضّرير:الجبهة:الرّجال الّذين يسعون في حمالة أو مغرم أو جبر فقير،فلا يأتون أحدا إلاّ استحيا من ردّهم،فتقول العرب في الرّجل يعطي في مثل هذه الحقوق:رحم اللّه فلانا فقد كان يعطي في الجبهة.

و تفسير قوله:«ليس في الجبهة صدقة»أنّ المصدّق إن وجد في أيدي هذه الجبهة إبلا تجب فيها الصّدقة لم يأخذ منها الصّدقة،لأنّهم جمعوها لمغرم أو حمالة.

سمعت أبا عمرو الشّيبانيّ يحكيها عن العرب،و هي الجمّة و البركة.

قال أبو سعيد: و أمّا قوله:«إنّ اللّه أراحكم من الجبهة و السّجّة»،فالجبهة هاهنا:المذلّة،قال:و السّجّة:

السّجاج،و هو المذيق من اللّبن...

و في النّوادر:اجتبهت ماء كذا و كذا اجتباها،إذا أنكرته و لم تستمرئه.(6:66)

الصّاحب: [نحو الخليل و الكسائيّ و أضاف:]

و جبهنا الماء جبها:وردناه و ليس عليه قامة و لا أداة.

و الاجتباه:الاستجفاء،و الخوف أيضا.

و التّجبيه:أن يحمل الزّانيان على حمار يقابل بين أقفائهما.

و جاءنا جبهة من النّاس،أي جماعة،و قيل:

سيّدهم.و كذلك الجماعة من الخيل،و منه الحديث:

«ليس في الجبهة صدقة».و هي المذلّة أيضا.

و الجابه:ضدّ القعيد من الظّباء.

و اجتبهت البلد و الإنسان:كرهته و استوهلته.

(3:384)

الجوهريّ: الجبهة للإنسان و غيره.و رجل أجبه بيّن الجبه،أي عظيم الجبهة،و امرأة جبهاء،و بتصغيره سمّي جبيهاء الأشجعيّ.

و الجبهة:جبهة الأسد،و هي أربعة أنجم ينزلها القمر.

و الجبهة من النّاس:الجماعة.

و جبهته:صككت جبهته.

و جبهته بالمكروه،إذا استقبلته به.

و جبهنا الماء جبها:وردناه و ليست عليه أداة الاستقاء.(6:2229)

ابن فارس: الجيم و الباء و الهاء كلمة واحدة،ثمّ يشبّه بها،فالجبهة:الخيل،و الجبهة من النّاس:

الجماعة.و الجبهة:كوكب،يقال:هو جبهة الأسد.

و من الباب قولهم:جبهنا الماء،إذا وردناه و ليست عليه قامة و لا أداة.و هذا من الباب لأنّهم قابلوه و ليس

ص: 18

بينهم و بينه ما يستعينون به على السّقي.

و العرب تقول:«لكلّ جابه جوزة،ثمّ يؤذّن».

فالجابه ما ذكرناه،و الجوزة:قدر ما يشرب ثمّ،و يجوز.

(1:503)

ابن سيده: الجبهة:موضع السّجود،و قيل:هي مستوى ما بين الحاجبين إلى النّاصية.و وجدت بخطّ عليّ ابن حمزة في المصنّف:«فإذا انحسر الشّعر عن حاجبي جبهتيه»و لا أدري كيف هذا إلاّ أن يريد الجانبين.

و جبهة الفرس:ما تحت أذنيه و فوق عينيه،و جمعها:

جباه.

و رجل أجبه:واسع الجبهة حسنها،و الاسم:

الجبه.و قيل:الجبه:شخوص الجبهة.

و فرس أجبه:شاخص الجبهة،مرتفعها عن قصبة الأنف.

و جبهه جبها:صكّ جبهته.

و الجابه:الّذي يلقاك بوجهه أو بجبهته من الطّير و الوحش،و هو يتشاءم به،و استعار بعض الأغفال الجبهة للقمر.[ثمّ استشهد بشعر]

و جبهة القوم:سيّدهم،على المثل.

و جاءتنا جبهة من النّاس،أي جماعة.

و جبه الرّجل يجبهه جبها:ردّه عن حاجته، و استقبله بما يكره.و الجبهة:صنم كان يعبد من دون اللّه تعالى.

و رجل جبّه،كجبّإ:جبان...(4:175)

و الأجبه:الواسع الجبهة الحسنها،أو الضّخم الجبهة المتأخّر منابت الشّعر،و الأنثى:جبهاء،و الجمع:جبه، و قد جبه كفرح،و الجباهيّ:العظيم الجبهة.

(الإفصاح 1:22)

جبهه بالكلام يجبهه جبها:لقيه بما يكره،و التّجبيه:

أن يحمّر وجوه الزّانيين و يحملا على بعير أو حمار، و يخالف بين وجوههما.(الإفصاح 1:193)

الرّاغب: الجبهة:موضع السّجود من الرّأس،قال اللّه تعالى: فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ التّوبة:

35،و النّجم يقال له:جبهة تصوّرا أنّه كالجبهة للمسمّى بالأسد،و يقال لأعيان النّاس:جبهة،و تسميتهم بذلك كتسميتهم بالوجوه.(87)

الزّمخشريّ: جبهة ذات بهجة.و رجل أجبه:

عريض الجبهة.و جبهته:ضربت جبهته

و من المجاز:هو جبهة قومه،كما يقال:وجههم، و جاءني جبهة بني فلان:لسرواتهم،و جاءت جبهة الخيل:لخيارها.[ثمّ استشهد بشعر]

و جبهه:لقيه بما يكره.و لقيت منه جبهة،أي مذلّة و أذى،و جبهنا الماء:وردناه و لا آلة سقي،فلم يكن منّا إلاّ النّظر إلى وجه الماء،و منه جبهنا الشّتاء:جاءنا و لم نتهيّأ له.(أساس البلاغة:51)

«أخرجوا صدقاتكم،فإنّ اللّه تعالى قد أراحكم من الجبهة و السّجّة و البجّة»الجبهة:المذلّة،من جبهه،إذا استقبله بالأذى.(الفائق 1:184)

المدينيّ: في الحديث:«أنّه سأل اليهود عن حدّ الزّاني عندهم،فقالوا:التّجبية.فقال:و ما التّجبية؟ قالوا:أن تحمّم وجوه الزّانيين،و يحملا على بعير، و يخالف بين وجوههما».

ص: 19

أصل التّجبية:أن يحمل اثنان على دابّة،و يجعل قفا أحدهما إلى قفا الأخر،كذا ذكروه.

و القياس:أن يقابل بين وجوههما،لأنّه مأخوذ من الجبهة.

و ذكر صاحب«التّتمّة»أنّه يشبه أن يكون أصله الهمز،و أنّه التّجبئة،و هي الرّدع و الزّجر.يقال:جبأته فجبأ،أي ردعته فارتدع.و التّجبية أيضا:أن ينكّس رأسه،فيحتمل أنّ من فعل به ذلك نكّس رأسه استحياء،فسمّي ذلك الفعل تجبئة.

و يحتمل أن يكون تجبيها من الجبه،و هو الاستقبال بالمكروه،و أصله:إصابة الجبهة.يقال:جبهته،إذا أصبت جبهته،كما يقال:رأسته.(1:294)

ابن الأثير: في حديث الزّكاة:«ليس في الجبهة صدقة»الجبهة:الخيل.و قال أبو سعيد الضّرير قولا فيه بعد و تعسّف.(1:237)

الفيّوميّ: الجبهة من الإنسان،تجمع على:جباه، مثل كلبة و كلاب.

و جبهته أجبهه بفتحتين:أصبت جبهته،و الجبهة أيضا:الجماعة من النّاس،و الخيل.(1:91)

الفيروزآباديّ: الجبهة:موضع السّجود من الوجه،أو مستوى ما بين الحاجبين إلى النّاصية،و سيّد القوم،و منزل للقمر،و الخيل،و لا واحد لها،و سروات القوم،أو الرّجال السّاعون في حمالة و مغرم،فلا يأتون أحدا إلاّ استحيا من ردّهم،و المذلّة،و اسم صنم، و القمر.

و الأجبه:الأسد،و الواسع الجبهة الحسنها أو الشّاخصها،و هي جبهاء،و الاسم:الجبه محرّكة.

و جبهه كمنعه:ضرب جبهته و ردّه،أو لقيه بما يكره،و الماء:ورده و لا آلة سقي،فلم يكن منه إلاّ النّظر إلى وجه الماء،و الشّتاء القوم:جاءهم و لم يتهيّئوا له.

و الجابه:الّذي يلقاك بوجهه أو جبهته من طائر أو وحش و يتشاءم به.

و الجبّه كسكّر:الجبّاء.

و اجتبه الماء و غيره:أنكره و لم يستمرئه.

و التّجبية:أن يحمّر وجوه الزّانيين و يحملا على بعير أو حمار،و يخالف بين وجوههما،و كان القياس أن يقابل بين وجوههما،لأنّه من الجبهة.

و التّجبية أيضا:أن ينكّس رأسه.و يحتمل أن يكون من هذا،لأنّ من فعل به ذلك ينكّس رأسه خجلا،أو من جبهه:أصابه بمكروه.(4:284)

الجزائريّ: الجبهة:مسجد الرّجل الّذي يصيبه ندب السّجود.و الجبينان:يكتنفانها من كلّ جانب جبين.(78)

محمود شيت: الجبهة:هي عدّة مناطق حركات داخلة في حدود جغرافيّة معيّنة.و منطقة الحركات:هي قسم من ساحة الحركات.و ساحة الحركات:هي السّاحة الّتي يتمكّن أحد الخصمين من القتال فيها،و هي قسم من ساحة الحرب.و ساحة الحرب:هي جميع البلاد الّتي يحتمل أن يقاتل فيها الفريقان المتخاصمان في البرّ و البحر.

في الفتح الإسلاميّ مثلا،كانت ساحة الحرب في أيّام عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه،هي البلاد الّتي يقاتل

ص: 20

فيها الجيش الإسلاميّ في العراق و في أرض الشّام و في بلاد فارس و في مصر...

و كانت ساحة الحرب،فيها عدّة ساحات حركات:

ساحة حركات العراق،و ساحة حركات أرض الشّام، و ساحة حركات بلاد فارس،و ساحة حركات مصر...

و كان في ساحة حركات العراق مثلا عدّة جبهات:

جبهة حركات محور ديالى،و جبهة حركات محور دجلة، و جبهة حركات محور الفرات...إلخ.

و كان في كلّ جبهة من هذه الجبهات مناطق حركات،فمثلا ساحة حركات دجلة حتّى الموصل شمالا، كان هناك منطقة حركات تكريت،و منطقة حركات الموصل.(1:136)

العدنانيّ: جبهة و جبين

و يخطئون عند ما يظنّون أنّ الجبهة و الجبين اسمان لمسمّى واحد.ف«الجبهة»هي:مستوى ما بين الحاجبين إلى مقدّم شعر الرّأس.بينما«الجبين»هو ناحية فوق الصّدغ،و هما«جبينان»عن يمين الجبهة و شمالها.

و يجمع الجبين على:أجبن و أجبنة و جبن.

أمّا جمع جبهة فهو جباه و جبهات.

جاء في الآية(103)من سورة الصّافّات وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ تلّه:صرعه على وجهه.

و جاء في الآية(35)من سورة التّوبة فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ.

جبهت عدوّي

و يقولون:جابهت عدوّي،أي:استقبلته بكلام فيه غلظة-الغين مثلّثة-و أصبته بما يكره.

و الصّواب:جبهت عدوّي،أي لقيته بمكروه،و هو مجاز.

و قال ابن سيده في«المحكم»:جبهته،إذا استقبلته بكلام فيه غلظة.و جبهته بالمكروه،إذا استقبلته به.

أقابل المخاطر وجها لوجه

(لا)أجابهها

و يقولون:أجابه المخاطر وجها لوجه.و الصّواب:

أقابل المخاطر وجها لوجه.فيستعملون«جابه»قياسا على عاين و واجه و شافه.و هذا لم يسمع عن العرب.

فلو صحّ أنّ المعنى المقصود بالمجابهة هو المقابلة جبهة لجبهة،لكان ذكرنا وجها لوجه حشوا سخيفا.فكيف به،و هو لا يصحّ؟!(معجم الأخطاء الشّائعة:54)

المصطفويّ: ظهر أنّ الأصل الواحد فيها:هو موضع السّجود من الرّأس،و قلنا في الجبن:أنّ ظهور الشّجاعة و تجلّي التّشخّص يكون في الجبهة،و بهذا الاعتبار يطلق على من كان موجّها و مقدّما من الأفراد أو من الجماعة،و يطلق أيضا على الخيل مطلقا،أو إذا كان في مقدّم الجماعة.و أمّا قولهم:جبهت و أمثاله،فمن الاشتقاق الانتزاعيّ.(2:52)

النّصوص التّفسيريّة

جباههم

يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ. التّوبة:35

ص: 21

الطّوسيّ: (جباههم)جمع جبهة،و هي صفحة أعلى الوجه فوق الحاجبين.و جبهه بالمكروه يجبهه جبها،إذا استقبله به.(5:248)

الميبديّ: خصّ المواضع الثّلاث من البدن،و هي الجبهة و الجنب و الظّهر بالكيّ،لأنّ البخيل إذا سأله السّائل زوى جبهته ثمّ أعرض عنه ثمّ وليه ظهره.

(4:133)

ابن عطيّة: قرأ قوم (جباهم) بالإدغام،و أشمّوها الضّمّ.(3:29)

أبو حيّان :خصّت هذه المواضع بالكيّ.قيل:لأنّه في الجبهة أشنع و في الجنب و الظّهر أوجع.و قيل:لأنّها مجوّفة فيصل إلى أجوافها الحرّ،بخلاف اليد و الرّجل.

(5:37)

أبو السّعود :لأنّ جمعهم لها و إمساكهم كان لطلب الوجاهة بالغنى و التّنعّم بالمطاعم الشّهيّة و الملابس البهيّة،أو لأنّهم ازورّوا عن السّائل و أعرضوا عنه و ولّوه ظهورهم،أو لأنّها أشرف الأعضاء الظّاهرة فإنّها المشتملة على الأعضاء الرّئيسة الّتي هي الدّماغ و القلب و الكبد،أو لأنّها أصول الجهات الّتي هي مقاديم البدن و مآخره و جنباه.(3:144)

نحوه البروسويّ.(3:418)

الكاشانيّ: إنّ الجباه كناية عن مقاديم البدن.

(2:340)

الآلوسيّ: [نحو ما تقدّم عن أبي السّعود و أضاف:]

و يبقى عليه نكتة الاقتصار على هذه الأربع من بين الجهات السّتّ،و تكلّف لها بعضهم بأنّ الكانز وقت الكنز لحذره من أن يطّلع عليه أحد يلتفت يمينا و شمالا و أماما و وراء،و لا يكاد ينظر إلى فوق أو يتخيّل أنّ أحدا يطّلع عليه من تحت،فلمّا كانت تلك الجهات الأربع مطمح نظره و مظنّة حذره دون الجهتين الأخريين اقتصر عليها دونهما،و هو مع ابتنائه على اعتبار الدّفن في الكنز في حيّز المنع،كما لا يخفى.

و قيل:إنّما خصّت هذه المواضع،لأنّ داخلها جوف بخلاف اليد و الرّجل،و فيه أنّ البطن كذلك،و في جمعه مع الظّاهر لطافة أيضا.

و قيل:لأنّ الجبهة محلّ الوسم لظهورها،و الجنب محلّ الألم،و الظّهر محلّ الحدود،لأنّ الدّاعي للكانز على الكنز و عدم الإنفاق خوف الفقر الّذي هو الموت الأحمر، حيث إنّه سبب للكدّ و عرق الجبين و الاضطراب يمينا و شمالا،و عدم استقرار الجنب لتحصيل المعاش مع خلوّ المتّصف به عمّا يستند إليه و يعوّل في المهمّات عليه، فلملاحظة الأمن من الكدّ و عرق الجبين تكوى جبهته، و لملاحظة الأمن من الاضطراب و الطّمع في استقرار الجنب يكوى جنبه،و لملاحظة استناد الظّهر و الاتّكال على ما يزعم أنّه الرّكن الأقوى و الوزر الأوقى يكوى ظهره،و قيل:غير ذلك،و هي أقوال يشبه بعضها بعضا، و اللّه تعالى أعلم بحقيقة الحال.(10:88)

الطّباطبائيّ: و لعلّ تخصيص الجباه و الجنوب و الظّهور،لأنّهم خضعوا لها،و هو السّجدة الّتي تكون بالجباه،و لاذوا إليها و اللّواذ بالجنوب،و اتّكئوا عليها و الاتّكاء بالظّهور،و قيل:غير ذلك،و اللّه أعلم.(9:252)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجبهة،و هي مستوى

ص: 22

ما بين الحاجبين إلى النّاصية،و الجمع جباه،يقال:جبهه يجبهه جبها،أي صكّ جبهته.و الجبه:شخوص الجبهة، و الأجبه:العريض الجبهة،يقال:رجل أجبه بيّن الجبه، أي واسع الجبهة حسنها،و امرأة جبهاء:عريضة الجبهة.

و فرس أجبه:شاخص الجبهة مرتفعها عن قصبة الأنف، و جبهة الفرس:ما تحت أذنيه و فوق عينيه.

و الجابه:الّذي يلقاك بوجهه أو بجبهته من الطّير و الوحش،و هو يتشاءم منه.

و الجبهة:سيّد القوم،و الجماعة من أعيان النّاس، يقال:جاءتنا جبهة من النّاس،و هي أيضا الرّجال الّذين يسعون في حمالة أو مغرم أو جبر فقير،لا يكاد أحد يردّهم،و تقول العرب في الرّجل الّذي يعطي في مثل هذه الحقوق:رحم اللّه فلانا،فقد كان يعطي في الجبهة.

و الجبهة:النّجم الّذي يقال له:جبهة الأسد،و هي أربعة أنجم ينزلها القمر.

و منه قولهم:جبه الرّجل يجبهه جبها،أي ردّه عن حاجته و استقبله بما يكره،و جبه فلانا:استقبله بكلام فيه غلظة،و هو من:جبهه جبها،أي صكّ جبهته.

و يقال أيضا:اجتبهت ماء كذا اجتباها،أي أنكرته و لم استمرئه،و ورد ماء له جبيهة،أي بعيد القعر،غليظ سقيه،شديد أمره،و جبه الماء جبها،أي ورده و ليست عليه قامة و لا أداة للاستسقاء.

2-و ليس منه:رجل جبّه،أي جبان،لأنّه مبدل من الهمز،نظير أرقت الماء و هرقته،و أصله جبّا؛يقال:

جبأت عن الأمر،أي هبته و ارتدعت عنه.

و كذلك التّجبية،فأصله«التّجبئة»،و هو أن يحمل رجل على دابّة فينكّس رأسه،أو يحمل رجلان عليها،و يجعل قفا أحدهما إلى قفا الآخر،و هذا لا ينقاس على الأصل،فاحتمل بعضهم له وجوها.

و قد تنبّه لذلك المدينيّ،فقال:«و القياس أن يقابل بين وجوههما،لأنّه مأخوذ من الجبهة.و ذكر صاحب (التّتمّة)أنّه يشبه أن يكون أصله الهمز،و أنّه (التّجبئة)،و هي الرّدع و الزّجر،يقال:جبأته فجبأ،أي ردعته فارتدع.و التّجبية أيضا:أن ينكّس رأسه، فيحتمل أنّ من فعل به ذلك نكّس رأسه استحياء، فسمّي ذلك الفعل تجبئة».

الاستعمال القرآنيّ

جاءت الجبهة مرّة واحدة،في سورة مدنيّة:و قد مضت.

يلاحظ أوّلا:قال الكاشانيّ:إنّ«الجباه»كناية عن مقاديم البدن،و لا شاهد له،بل إردافها ب«الجنوب و الظّهور»كالتّصريح بأنّ المراد بها معناها المشهور،و هو أعلى الوجه فوق الحاجبين إلى قصاص الشّعر،و هو أوفق بكونها علامة،كما سيأتي.

ثانيا:ذكروا لاختصاص المواضع الثّلاثة بالكيّ وجوها:

1-أنّ البخيل إذا سأله السّائل زوى عنه جبهته،ثمّ أعرض عنه بجنبه،ثمّ ولاّه ظهره،فتكوى بها هذه الأعضاء عقوبة لما صدر عنها.

2-أنّ الكيّ في الجبهة شنيع إذ يراه كلّ من نظر إليه، و في الجنب و الظّهر أوجع،لأنّهما مجوّفتان فيصل الحرّ إلى الجوف،بخلاف اليد و الرّجل و الجبهة.

3-أنّ الّذي يكنز الذّهب و الفضّة و الأموال

ص: 23

و لا ينفقها في سبيل اللّه إنّما يطلب بها الوجاهة و التّنعّم بالغنى،و بالمطاعم الشّهيّة و الملابس البهيّة،فتكوى جباههم لإزالة الوجاهة،و جنوبهم و ظهورهم لإزالة أثر تلك المطاعم و الملابس.

4-أنّها أشرف الأعضاء المشتملة على الأعضاء الرّئيسيّة الّتي هي الدّماغ و القلب و الكبد،و لأنّها أصول الجهات الأربع الّتي هي مقاديم البدن و مآخره و جنباه.

5-أنّ الّذي يكنزها لحذره من أن يطّلع عليه أحد يلتفت يمينا و شمالا،و أماما و وراء.

و لا يكاد ينظر إلى فوق،أو يتخيّل أنّ أحدا يطّلع عليه من تحت،فلمّا كانت تلك الجهات الأربع مطمح نظره و مظنّة حذره،دون الجهتين الآخرتين من الجهات السّتّ اقتصر عليها دونهما.

6-إنّ الجهة موضع الوسم لظهورها،و الجنب موضع الألم،و الظّهر موضع الحدود.

7-إنّ إمساكه عن إنفاقها نشأ عن خوفه الفقر الّذي هو الموت الأحمر،لأنّه سبب الكدّ و عرق الجبين، و الاضطراب يمينا و شمالا،و عدم استقرار الجنب لتحصيل المعاش،مع خلوّه عمّا يستند إليه ظهره، و يعوّل عليه في الملمّات،فتكوى بها جزاء لما يخافه من الكدّ و الاضطراب،و عدم الاعتماد في هذه الأعضاء.

8-لأنّهم خضعوا لتلك الأموال بالجباه،لاذوا إليها بالجنوب،و اتّكئوا عليها بالظّهور.

9-و هذه الوجوه متقاربة لا يخلو شيء منها من لطف،كما لا يخلو من ضعف.و يخطر بالبال وجه آخر:

و هو أنّ الكيّ في هذه الأعضاء للّذين يكنزون الذّهب و الفضّة كالعلامة لهؤلاء في جهنّم من بين أهلها،كما أنّ اللّون الأحمر على ظهر الماشية و رأسها و عقبها علامة لصاحبها،و قد جاء في الرّوايات علامات لكلّ طائفة من أهل النّار.فالكيّ عذاب و علامة لهم معا،و بذلك جمع اللّه لهم بين العذاب الجسمانيّ و الروحانيّ.

ثالثا: اَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ في الآية عطف على صدر الآية: إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النّاسِ بِالْباطِلِ... التّوبة:34.

و لعلّها بيان و علّة لها بمنزلة الكبرى للصّغرى،أي إنّ هؤلاء الأحبار و الرّهبان من أظهر مصاديق الّذين يكنزون الذّهب و الفضّة،و هم باعتبار منصبهم الّذي يحاكي الزّهد و الإعراض عن الدّنيا يخفون الأموال الّتي اكتسبوها بالباطل،و يكنزونها ذهبا و فضّة لئلاّ يطّلع عليها أتباعهم،فينكشف سرّهم،و يظهر خبث باطنهم، و يعرف أهل ملّتهم دغلهم و حيلهم،فشخّصهم اللّه بهذه العلامات من بين أهل النّار،و قد وبّخهم تهكّما في ذيل الآيتين ب فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ الانشقاق:24، و فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ التّوبة:35،و بذلك جمع لهم بين الألم الجسمانيّ و الألم الرّوحيّ مرّة أخرى.

رابعا:يبدو أنّ اختصاص هؤلاء بلفظ«الجباه»مرّة واحدة،في سورة مدنيّة-و المدينة موطن اليهود،و قد خصّ اللّه حوالي مائة من آيات سورة البقرة بهم-يكاد يكون إفشاء لسرّهم للمؤمنين و لأهل ملّتهم معا، ليجتنبوا دسائسهم،لاحظ«ح ب ر»،و«ر ه ب».

ص: 24

ج ب ي

اشارة

9 ألفاظ،12 مرّة:8 مكّيّة،4 مدنيّة

في 12 سورة:10 مكّيّة،2 مدنيّة

يجبى 1:1 اجتبينا 1:-1

اجتباه 3:2-1 اجتبيناهم 1:1

اجتباكم 1:-1 يجتبي 2:1-1

اجتبيتها 1:-1 يجتبيك 1:1

الجواب 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :جبيت الخراج جباية،أي جمعته و حصّلته.و جبى المستقي الماء في الحوض جبيا و جبى.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الجبى:محفر البئر.و الجبى:نثيلة البئر،و هي ترابها الّذي حولها.تراها من بعيد،تقول:أرى جبى بئر و جبى حوض.

و الجابية:حوض ضخم واسع،تشرب منه الإبل في مركوّ من الأرض.

و التّجبية:ركوع كركوع المصلّي.و التّجبية:أن يجبّى الرّجل على وجهه باركا.

و اجتبى الرّجل الرّجل،إذا قرّبه،قال اللّه تعالى:

فَاجْتَباهُ رَبُّهُ القلم:50،أي:قرّبه.(6:192)

الأخفش الأكبر:الإجباء:بيع الحرث قبل صلاحه.

(الأزهريّ 11:214)

الكسائيّ: يقال منه:جبيت الماء في الحوض أجبيه جبى،مقصور.(الأزهريّ 11:214)

جبيت الماء في الحوض و جبوته،أي جمعته.

(الجوهريّ 6:2297)

أبو زيد :الجابية:الحوض.(63)

الأصمعيّ: الجبا،مقصور:ما حول البئر و الجبا بكسر الجيم:ما جمعت في الحوض من الماء،و يقال له أيضا:جبوة و جباوة.(الأزهريّ 11:214)

نحوه القاليّ.(2:248)

ص: 25

ابن الأعرابيّ: العرب تقول:«إذا جاءت السّنة جاء معها الجابي و الحابي»فالجابي:الجراد،و الحابي:

الذّئب،و لم يهمزهما.(الأزهريّ 11:214)

الجبى:أن يتقدّم السّاقي للإبل قبل ورودها بيوم فيجبي لها الماء في الحوض،ثمّ يوردها من الغد.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 7:511)

أبو عبيد: الإجباء:بيع الحرث قبل أن يبدو صلاحه،و قيل:«من أجبى فقد أربى»أي من عيّن فقد أربى.(الأزهريّ 11:215)

في حديث ابن مسعود في ذكر القيامة حين ينفخ في الصّور،قال:«فيقومون فيجبّون تجبية رجل واحد قياما لربّ العالمين».

التّجبية تكون في حالين:أحدهما:أن يضع يديه على ركبتيه و هو قائم،و الآخر:أن ينكبّ على وجهه باركا،و هو السّجود.(الجوهريّ 6:2298)

ابن السّكّيت: المقراة:الحوض العظيم يقرى فيه الماء،أي يجمع،و هي الجابية.يقال:قريت الماء،أي جمعته و جبيته أيضا مثله،و منه قول اللّه تعالى: وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ سبأ:13.(الأضداد:173)

شمر: جبيت أجبي جيبا،و جبوت أجبو جبوا و جباية و جباوة.و الجابي:الجراد.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 11:214)

الدّينوريّ: الجبايا:الرّكايا الّتي تحفر و تنصب فيها قضبان الكرم.(ابن سيده 7:511)

ابن أبي اليمان :و الاجتباء:الاختيار،قال اللّه جلّ ثناؤه: فَاجْتَباهُ رَبُّهُ القلم:50.(49) المبرّد: سمعت أعرابيّة تنشد:

نفى الذّمّ عن رهط المحلّق جفنة

كجابية الشّيخ العراقيّ تفهق

«جابية السّبح»تريد النّهر الّذي يجري على جابيته،فماؤها لا ينقطع لأنّ النّهر يمدّه.(1:4)

ابن دريد :جبى الخراج يجبيه و يجباه جبيا و جباية.

و الجبى:الحوض الّذي يجبى فيه الماء،أي يجمع، و الماء الّذي يجبى فيه الجبى.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجبى:ما حول البئر،لغة يمانيّة،و يجمع:أجباء، و الجباء:الماء الّذي يجتمع بعينه.و الجابية:الحوض العظيم.[ثمّ استشهد بشعر](3:199)

نفطويه: الجوابي:جمع الجابية،و هي حفيرة كالحوض و نحوه.(الهرويّ 1:316)

ابن الأنباريّ: [الجبى]هو جمع جبية.و الجبى:

ما حول الحوض يكتب بالياء.و الجبا:موضع.

(الأزهريّ 11:214)

القاليّ: الجابية:الحوض الّذي يجبى فيه الماء،أي يجمع،و جمعها:جواب،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ سبأ:13.(2:300)

الأزهريّ: [بعد نقل كلام الأصمعيّ قال:]

الجبى:ما جمع في الحوض من الماء الّذي يستقى من البئر.

جباية الخراج:جمعه و تحصيله،مأخوذة منه.

(11:214،215)

الصّاحب:جبى الخراج يجبي جباية و جبية،و يجبو

ص: 26

جباوة و يجباه.

و جبى المستقي يجبي جبيا في الحوض،و يجبو جبوا و جبيا و جباوة و جبية.

و الجبى:محفر البئر تراه من بعيد،و الجميع:الأجباء.

و الجابية:حوض ضخم واسع،تشرب منه الإبل.

و الجباة-غير مهموز-من الأرض:ما تطامن منها، و الجميع:جبى.و جبّى يجبّي،إذا ركع.و التّجبية:أن تضع يديك على ركبتيك و أنت قائم،و أن يجبّى باركا على وجهه.

و المجبّي:الملحّ في الجري المسرع.

و لعبة للعرب تسمّى:جبّى جعل.و جعل:اسم رجل.

(7:198)

الجوهريّ: الجبا بالفتح،مقصور:نثيلة البئر،و هي ترابها الّذي حولها تراه من بعيد،و منه:امرأة جبأى على «فعلى»مثال و حمى،إذا كانت قائمة الثّديين.

و الجبى بالكسر،مقصورا:الماء المجموع في الحوض للإبل،و كذلك الجبوة و الجباوة.

و الجابية:الحوض الّذي يجبى فيه الماء للإبل.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمع:الجوابي،و منه قوله تعالى: وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ سبأ:13.

و الجابية:مدينة بالشّام.

و جبيت الخراج جباية و جبوته جباوة،و لا يهمز، و أصله الهمز.

و الإجباء:بيع الزّرع قبل أن يبدو صلاحه،و في الحديث:«من أجبى فقد أربى»و أصله الهمز.

و التّجبية:أن يقوم الإنسان قيام الرّاكع.(6:2297)

ابن فارس: الجيم و الباء و ما بعده من المعتلّ أصل واحد،يدلّ على جمع الشّيء و التّجمّع،يقال:جبيت المال أجبيه جباية،و جبيت الماء في الحوض.و الحوض نفسه:جابية.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجبا،مقصور:ما حول البئر.و الجبا بكسر الجيم:

ما جمع من الماء في الحوض أو غيره،و يقال له:جبوة و جباوة.(1:503)

الهرويّ: وَ اجْتَبَيْناهُمْ أي اخترناهم،مأخوذ من:جبيت الماء في الحوض،إذا جمعته.و يقال:جبيت المال،إذا حصّلته لنفسك.

يقال:و الجبا:مفتوح الجيم:ما حول البئر،و منه الحديث:«قعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على جباها،فسقينا و استقينا».

و الجبا،بالكسر:ما جمعت فيه من الماء.

و في حديث سعد:«نبطيّ في جبوته»

و يقال:جبيت الخراج و جبوته،و هو حسن الجبية و الجبوة.[ثمّ نقل قول أبي عبيد في معنى التّجبية و أضاف:]

و قد حمله بعض النّاس على قوله:«فيخرّون سجودا لربّ العالمين»فجعل السّجود هو التّجبية.(1:316)

الشّريف المرتضى:الإجباء في اللّغة العربيّة:هو أن يباع الزّرع قبل أن يبدو صلاحه،يقال:أجبى الرّجل يجبي إجباء،إذا فعل ذلك.

فمعنى ما روي عنه عليه السّلام«من أجبى فقد أربى»أنّ من باع الزّرع قبل أن يبدو صلاحه-و قد نهى عن ذلك

ص: 27

و حظر عليه-يجري مجرى من أربى،لأنّه فاعل لمعصية محظورة عليه،و إن لم يكن بيع ما لم يبد صلاحه ربا في الحقيقة و لا معناه،غير أنّه جار مجراه في الحظر و المعصية، و جار مجرى قول القائل:«من زنى فقد سرق»أي هو عاص مخالف للّه تعالى،كما أنّ ذاك بهذه الحال.

(2:398)

ابن سيده: جبيت الخراج جباية،و جباوة،الأخير نادر.

و جبيته من القوم،و جبيته القوم.[ثمّ استشهد بشعر]

و جبى الماء في الحوض جبيا،و جبى،و جبى:جمعه.

و حكى سيبويه:جبى يجبى،و هي عنده ضعيفة.

و الجبى:محفر البئر.

و الجبى:شفة البئر،عن أبي ليلى.

و الجابية:الحوض الضّخم.[ثمّ استشهد بشعر]

و جبّى الرّجل:وضع يديه على ركبتيه في الصّلاة أو على الأرض،و هو أيضا انكبابه على وجهه.[ثمّ استشهد بشعر]

و اجتبى الشّيء:اختاره،و قوله تعالى: قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها الأعراف:203،معناه عند ثعلب:جئت بها من نفسك.

و الإجباء:بيع الزّرع قبل أن يبدو صلاحه.

و الجابية:جماعة القوم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجابي:الجراد الّذي يجبي كلّ شيء.[ثمّ استشهد بشعر]

و باب الجابية:بدمشق.

و إنّما قضينا أنّ هذا كلّه من الياء لظهور الياء،و لأنّها لام،و اللاّم ياء أكثر منها واوا.(7:511)

الرّاغب: يقال:جبيت الماء في الحوض:جمعته، و الحوض الجامع له:جابية،و جمعها:جواب،قال اللّه تعالى: وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ سبأ:13،و منه استعير جبيت الخراج جباية،و منه قوله تعالى: يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ القصص:57.

و الاجتباء:الجمع على طريق الاصطفاء،قال عزّ و جلّ: فَاجْتَباهُ رَبُّهُ القلم:50،و قال تعالى:

وَ إِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها الأعراف:

203،أي يقولون:هلاّ جمعتها،تعريضا منهم بأنّك تخترع هذه الآيات و ليست من اللّه.

و اجتباء اللّه العبد:تخصيصه إيّاه بفيض إلهيّ، يتحصّل له منه أنواع من النّعم،بلا سعي من العبد،و ذلك للأنبياء و بعض من يقاربهم من الصّدّيقين و الشّهداء.

[ثمّ ذكر الآيات](87)

الزّمخشريّ: جبى الخراج جباية:جمعه يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ القصص:57،و جبى الماء في الحوض،و اسقوني من جبى حوضكم.

و لفلان قدر كالخابية،و جفنة كالجابية وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ سبأ:13.

و جبّى تجبية،إذا ركع،و فلان لا يجبّى:لا يصلّي.

و من المجاز:فلان يجتبي جبي المجد،أي يقوم بالمجد، و يجمعه لنفسه.[ثمّ استشهد بشعر]

و اجتباه:اختاره،مستعار منه،لأنّ من جمع شيئا لنفسه فقد اختصّه و اصطفاه،و هو من جبوة اللّه

ص: 28

و صفوته.(أساس البلاغة:51)

[ذكر حديث ابن مسعود المتقدّم عن أبي عبيد و أضاف:]

قيل لكلّ واحد من الرّاكع و السّاجد:مجبّ،لأنّه يجمع بانحنائه بين أسفل بطنه و أعالي فخذيه.

(الفائق 1:187)

المدينيّ: في حديث الحديبيّة:«فقعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على جباها»الجبا مقصور:ما حول البئر،و الجبا:

الماء،و الحوض الّذي فيه الماء.و الجبى بالكسر:

ما جمعت فيه من الماء،و القياس الفتح أيضا.

و في حديث جابر:«كانت اليهود تقول:إذا نكح الرّجل امرأته مجبّية جاء الولد أحول»التّجبية:أن يأتيها من خلفها،من قولهم:جبّى الرّجل،إذا أكبّ على وجهه، و جبّى يجبّى إذا ركع،أو وضع يديه على ركبتيه قائما أو باركا.(1:295)

ابن برّيّ: جبيت الخراج و جبوته،لا أصل له في الهمز سماعا و قياسا.أمّا السّماع فلكونه لم يسمع فيه الهمز،و أمّا القياس فلأنّه من«جبيت»أي جمعت و حصّلت،و منه:جبيت الماء في الحوض و جبوته.

و الجابي:الّذي يجمع المال (1)للإبل،و الجباوة:اسم الماء المجموع.

الجبا بالفتح:الحوض،و الجبا بالكسر:الماء.[ثمّ استشهد بشعر](ابن منظور 14:128،129)

ابن الأثير: و في حديث ثقيف:«أنّهم اشترطوا ألاّ يعشروا و لا يحشروا و لا يجبّوا،فقال:لكم ألاّ تعشروا، و لا تحشروا،و لا خير في دين ليس فيه ركوع».

أصل التّجبية:أن يقوم الإنسان قيام الرّاكع،و قيل:

هو أن يضع يديه على ركبتيه و هو قائم،و قيل:هو السّجود.و المراد بقولهم:«لا يجبّوا»أنّهم لا يصلّون.

و لفظ الحديث يدلّ على الرّكوع،لقوله في جوابهم:

و لا خير في دين ليس فيه ركوع،فسمّى الصّلاة ركوعا، لأنّه بعضها.

و منه حديث الرّؤيا:«فإذ أنا بتلّ أسود عليه قوم مجبّون ينفخ في أدبارهم بالنّار».و في حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه:«كيف أنتم إذا لم تجتبوا دينارا و لا درهما».

الاجتباء:«افتعال»من الجباية،و هو استخراج الأموال من مظانّها.

و منه حديث سعد رضي اللّه عنه:«نبطيّ في جبوته» الجبوة و الجبية:الحالة من جبي الخراج و استيفائه.

و فيه:«إنّه اجتباه لنفسه»أي اختاره و اصطفاه.

(1:238)

الفيّوميّ: جبيت المال و الخراج أجبيه جباية:

جمعته،و جبوته أجبوه جباوة مثله.(1:91)

الفيروزآباديّ: جبى الخراج كرمى و سعى جباية و جباوة بكسرهما،و القوم و منهم،و الماء في الحوض جبا مثلّثة و جبيا:جمعه.

و الجبا كالعصا:محفر البئر و شفتها،و أن يتقدّم ساقي الإبل بيوم قبل ورودها فيجبي لها ماء في الحوض ثمّ يوردها.

و الجابية:حوض ضخم،و الجماعة،و قرية بدمشق، و باب الجابية من أبوابها.ء.

ص: 29


1- الظّاهر:الماء.

و الجابي:الجراد.

و الجبايا:الرّكايا تحفر و تنصب فيها قضبان الكرم.

و اجتباه:اختاره.

و جبّى تجبية:وضع يديه على ركبتيه أو على الأرض،و انكبّ على وجهه.

و الإجباء:أن يغيّب الرّجل إبله عن المصدّق،و بيع الزّرع قبل بدوّ صلاحه.

و التّجبية:أن تقوم قيام الرّاكع.

و جبا كسعى و رمى جبوة و جبا و جباوة و جباية بكسرهنّ،و جبا و الجباوة و الجبوة و الجباة و الجبا بكسرهنّ و الجباوة:ما جمع في الحوض من ماء.

و الجبا:الحوض،أو مقام من يستقي على الطّيّ، و ما حول البئر،الجمع:أجباء.(4:312)

مجمع اللّغة :جبى الماء و الخراج يجبيه جبيا و جباية:جمعه.

و اجتبى الشّيء:افتعله و اخترعه.

و اجتبى الشّخص:استخلصه و اصطفاه.

و يقال:للحوض الّذي يجمع فيه الماء:جابية، و جمعه:جواب.(1:181)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:101)

محمود شيت:الجابي:الموظّف الّذي يجبي المال من العسكريّين،يقال:جابي دار الضّبّاط،جابي جمعيّة مساكن الضّبّاط.

الجابية:حوض سقي الدّوابّ،يقال:جابية المعسكر.

الجابية السّفريّة:الجابية الّتي تستعمل في معسكرات العراء في التّدريب،أو في المراحل.

(1:138)

المصطفويّ: و الظّاهر من موارد الاستعمال أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الجمع بقيد الانتخاب و الاستخراج و إطلاق هذه المادّة إذا أريد منها هذا القيد، فيقال:جبيت الخراج،إذا حصّلته و أخرجته من أموالهم.و جبيت المال،إذا استخرجته و جمعته من الأموال و تراب حول البئر،باعتبار استخراجه من البئر.

و الجبا هو الماء الّذي يجمع و يستحصل من المياه،و هكذا نظائرها.

و أمّا الاجتباء:فمعناه الجبي بإضافة خصوصيّة الصّيغة،فإنّها تدلّ على الدّقّة و الامتياز الخاصّ.[ثمّ ذكر الآيات](2:53)

النّصوص التّفسيريّة

يجبى

...أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً... القصص:57

ابن عبّاس: يحمل إليه ألوان كلّ شيء من الثّمرات.(328)

أي يجمع إليه ثمرات كلّ أرض و بلد.

(القرطبيّ 13:300)

نحوه الماورديّ(4:260)،و الطّبرسيّ(4:260)

الفرّاء: ذكّرت(يجبى)و إن كانت«الثّمرات»مؤنّثة لأنّك فرّقت بينهما ب(إليه).[ثمّ استشهد بشعر](2:308)

ص: 30

أبو عبيدة: مجازه يجمع كما يجبى الماء في الجابية فيجمع للواردة.(2:108)

الطّبريّ: يجمع إليه و هو من قولهم:جبيت الماء في الحوض،إذا جمعته فيه،و إنّما أريد بذلك:يحمل إليه ثمرات كلّ بلد.(20:94)

أبو زرعة: قرأ نافع: (تجبى إليه) بالتّاء،لتأنيث الثّمرات.و قرأ الباقون بالياء،لأنّ تأنيث الثّمرات غير حقيقيّ،فإذا كان كذلك كان بمنزلة الوعظ و الموعظة إذا ذكّرت جاز،و كذلك إذا أنّثت.(548)

الطّوسيّ: أي يجلب إلى هذا الّذي جعلناه حرما ثمرات كلّ شيء.فمن قرأ بالتّاء فلتأنيث الثّمرات،و من قرأ بالياء،فلأنّ التّأنيث غير حقيقيّ.(8:165)

البغويّ: قرأ أهل المدينة (تجبى) بالتّاء لأجل الثّمرات،و الآخر بالياء للحائل بين الاسم المؤنّث و الفعل،أي يجلب و يجمع.(3:540)

الزّمخشريّ: تجلب و تجمع.قرئ بالياء و التّاء، و قرئ (تجنى) بالنّون من الجني،و تعديته ب«إلى»كقوله:

يجنى إلى فيه و يجنى إلى الخافة.(3:185)

نحوه ابن عطيّة(4:293)،و النّسفيّ(3:241).

الفخر الرّازيّ: يجمع،من قولهم:جبيت الماء في الحوض،إذا جمعته.قرأ أهل المدينة (تجبى) بالتّاء،و أهل الكوفة و أبو عمرو بالياء،و ذلك أنّ تأنيث«الثّمرات» تأنيث جمع و ليس بتأنيث حقيقيّ،فيجوز تأنيثه على اللّفظ و تذكيره على المعنى.(25:3)

البيضاويّ: يحمل إليه و يجمع فيه...(2:197)

نحوه الشّربينيّ(3:110)،و أبو السّعود(5:130)، و الكاشانيّ(4:98).

البروسويّ: يحمل إلى ذلك الحرم و يجمع فيه،من قولك:جبيت الماء في الحوض،أي جمعته،و الحوض الجامع له:جابية.(6:417)

نحوه الآلوسيّ.(20:97)

عبد الكريم الخطيب :تحمل إليهم ممّا في أيديها من ثمرات و خيرات،كما تحمل إليهم ممّا في قلوبها من توقير و تكريم.(10:367)

مكارم الشّيرازيّ: اللّه الّذي جعل هذه الأرض المالحة و المليئة بالصّخور و الخالية من الأشجار و الأنهار، جعلها حرما تهفو إليه القلوب،و يؤتى إليه بالثّمرات من مختلف نقاط العالم،كلّ ذلك بيد قدرته القاهرة.

(12:240)

اجتباه

1- شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَ هَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. النّحل:121

ابن عبّاس: اصطفاه بالنّبوّة و الإسلام.(232)

أبو عبيدة :اختاره.(1:369)

نحوه القمّيّ(1:391)،و الواحديّ(3:90)، و البغويّ(3:101)،و القرطبيّ(10:198).

الطّبريّ: اصطفاه و اختاره لخلّته.(14:191)

نحوه الطّوسيّ(6:438)،و ابن كثير(4:234)، و الميبدىّ(5:468)،و طه الدّرّة(7:544).

الزّمخشريّ: اختصّه و اصطفاه للنّبوّة.(2:434) مثله النّسفيّ(2:304)،و النّيسابوريّ(14:129)،

ص: 31

و نحوه شبّر(3:455)،و القاسميّ(10:3875).

ابن عطيّة: تخيّره.(3:431)

الفخر الرّازيّ: أي اصطفاه للنّبوّة.و الاجتباء هو أن تأخذ الشّيء بالكلّيّة،و هو«افتعال»من جبيت، و أصله:جمع الماء في الحوض،و الجابية هي الحوض.

(20:135)

العكبريّ: يجوز أن يكون حالا،و«قد»معه مرادة،و أن يكون خبرا ثانيا ل(إنّ)و أن يكون مستأنفا.

(2:809)

الشّربينيّ: أي اصطفاه للنّبوّة،و اختاره لخلقه.

(2:269)

نحوه شبّر.(3:455)

البروسويّ: اختاره للنّبوّة.(5:94)

نحوه المراغيّ.(14:158)

الآلوسيّ: أصل الاجتباء:الجمع على طريق الاصطفاء،و يطلق على تخصيص اللّه تعالى العبد بفيض إلهيّ،يتحصّل له منه أنواع من النّعم بلا سعي منه، و يكون للأنبياء عليهم السّلام و من يقاربهم.(14:250)

الطّباطبائيّ: الاجتباء من الجباية،و هو الجمع، و اجتباء اللّه الإنسان هو إخلاصه لنفسه،و جمعه من التّفرّق في المذاهب المختلفة.(12:368)

عبد الكريم الخطيب :أي و كان شاكرا لأنعم ربّه إذ اجتباه ربّه،أي اصطفاه لرسالته،و أخرجه من عالم الكفر المتكاثف حوله،و هداه إلى الحقّ و الخير و الإيمان.

(7:392)

2- ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى. طه:122

ابن عبّاس: اصطفاه.(267)

الفرّاء: اختاره.(2:194)

ابن قتيبة :ليس الاجتباء الاختيار،تقول العرب:اجتبت فلانا إلى مودّتي،و فلان يجتبي فلانا إلى نفسه،إذا قرّبه و أدناه،فمعنى اجتباه ربّه قرّبه إلى رحمته، و الدّليل على ذلك قوله: فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى.

(ابن أبي اليمان:50)

الطّبريّ: اصطفاه ربّه من بعد معصيته إيّاه،فرزقه الرّجوع إلى ما يرضى عنه،و العمل بطاعته.(16:224)

البغويّ: اختاره و اصطفاه.(3:278)

مثله الميبديّ(6:184)،و ابن عطيّة(4:68)، و الشّربينيّ(2:489)،و فضل اللّه(15:167).

الزّمخشريّ: فإن قلت:ما معنى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ ؟ قلت:ثمّ قبله بعد التّوبة و قرّبه إليه،من جبى إلى كذا فاجتبته.و نظيره:جليت على العروس فاجتليتها،و منه قوله عزّ و جلّ: وَ إِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها الأعراف:203،أي هلاّ جبيت إليك فاجتبيتها.و أصل الكلمة:الجمع،و يقولون:اجتبت الفرس نفسها،إذا اجتمعت نفسها راجعة بعد النّفار.(2:557)

الطّبرسيّ: أي اصطفاه اللّه تعالى و اختاره للرّسالة.

(4:34)

نحوه النّيسابوريّ.(16:166).

البيضاويّ: اصطفاه و قرّبه بالحمل على التّوبة و التّوفيق لها،من جبى إليّ كذا فاجتبيته،مثل جليت على

ص: 32

العروس فاجتليتها.و أصل معنى الكلمة:الجمع.(2:63) نحوه النّسفيّ(3:68)،و أبو حيّان(6:286)، و أبو السّعود(4:314)،و البروسويّ 5:439).

الآلوسيّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]

فالمجتبى كأنّه في الأصل من جمعت فيه المحاسن حتّى اختاره غيره و قرّبه.(16:275)

الطّباطبائيّ: بمعنى الجمع على طريق الاصطفاء، ففيه جمعه تعالى عبده لنفسه لا يشاركه فيه أحد،و جعله من المخلصين بفتح اللاّم.و على هذا المعنى يتفرّع عليه قوله: فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى كأنّه كان ذا أجزاء متفرّقة متشتّتة،فجمعها من هنا و هناك إلى مكان واحد،ثمّ تاب عليه و رجع إليه و هداه،و سلك به إلى نفسه.

(14:223)

3- فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحِينَ. القلم:50

ابن عبّاس: فاصطفاه ربّه بالتّوبة.(482)

ردّ اللّه إليه الوحي و شفعه في قومه.(أبو حيّان 8:317)

الطّبريّ: فاجتبى صاحب الحوت ربّه،يعني اصطفاه و اختاره لنبوّته.(29:45)

نحوه ابن عطيّة(5:354)،و القرطبيّ(18:254)

الطّوسيّ: اختار اللّه يونسا.(10:91)

الواحديّ: استخلصه و اصطفاه.(4:342)

الميبديّ: أي جدّدنا اجتباءه و أعدنا اصطفاءه بعد المحنة،كقوله في آدم: وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى* ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ طه:121،122.

و قيل: فَاجْتَباهُ رَبُّهُ أي اختاره لرسالته.(10:198)

الزّمخشريّ: فجمعه إليه و قرّبه بالتّوبة عليه،كما قال: ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى طه:122.

(4:148)

الطّبرسيّ: أي اختاره اللّه نبيّا.(5:341)

نحوه الشّربينيّ.(4:366)

البيضاويّ: بأن ردّ الوحي إليه،أو استنبأه،إن صحّ أنّه لم يكن نبيّا قبل هذه الواقعة.(2:498)

النّسفيّ: اصطفاه لدعائه و عذره.(4:284)

أبو السّعود :عطف على مقدّر،أي فتداركته نعمة من ربّه.[ثمّ قال نحو البيضاويّ](6:291)

الكاشانيّ: بأن ردّ إليه الولاية.(5:215)

البروسويّ: عطف على مقدّر،أي فتداركته نعمة و رحمة من ربّه،فجمعه إليه،و قرّبه بالتّوبة عليه بأن ردّ إليه الوحي،و أرسله إلى مائة ألف أو يزيدون.يقال:

جبيت الماء في الحوض:جمعته،الجامع له:جابية، و الاجتباء:الجمع على طريق الاصطفاء.

و قيل:استنبأه،إن صحّ أنّه لم يكن نبيّا قبل هذه الواقعة.

و من أنكر الكرامات و الإرهاص لا بدّ أن يختار القول الأوّل،لأنّ احتباسه في بطن الحوت و عدم موته هناك لمّا لم يكن إرهاصا و لا كرامة لا بدّ أن يكون معجزة؛ و ذلك يقتضي أن يكون رسولا قبل هذه الواقعة

(10:126)

نحوه الآلوسيّ(29:37)،و المراغيّ(29:47).

مكارم الشّيرازيّ: فقد حمّله اللّه مسئوليّة

ص: 33

قومه مرّة أخرى،و عاد إليه يبلّغهم رسالة ربّه،ممّا كانت نتيجته أن آمن قومه جميعا،و قد منّ اللّه تعالى عليهم بألطافه و نعمه و إفضاله لفترة طويلة.(18:511)

اجتباكم

وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ... الحجّ:78

ابن عبّاس: اختاركم لدينه.(284)

نحوه ابن قتيبة(295)،و الزّجّاج(3:439)، و الماورديّ(4:42)،و الواحديّ(3:281)،و البغويّ (3:354)،و الطّبرسيّ(4:97).

ابن زيد :هو هداكم.(الطّبريّ 17:205)

الطّبريّ: هو اختاركم لدينه،و اصطفاكم لحرب أعدائه،و الجهاد في سبيله.(17:205)

الطّوسيّ: فالاجتباء هو اختيار الشّيء لما فيه من الصّلاح.و قيل:معناه اختاركم لدينه و جهاد أعدائه، و الحقّ يجتبى،و الباطل يتّقى.و لا بدّ أن يكون ذلك خطابا متوجّها إلى من اختاره اللّه بفعل الطّاعات،دون أن يكون ارتكب الكبائر الموبقات،و إن كان سبق منه جهاد في سبيل اللّه.(7:344)

الميبديّ: أي اختاركم لدينه و لجهاد عدوّه و نصرة نبيّه،و اختاركم من سائر الأمم.(6:406)

نحوه الزّمخشريّ.(3:24)

الفخر الرّازيّ: معناه أنّ التّكليف تشريف من اللّه تعالى للعبد،فلمّا خصّكم بهذا التّشريف فقد خصّكم بأعظم التّشريفات،و اختاركم لخدمته و الاشتغال بطاعته،فأيّ رتبة أعلى من هذا،و أيّ سعادة فوق هذا، و يحتمل في اجتبائكم:خصّكم بالهداية و المعونة و التّيسير.(23:73)

القرطبيّ: أي اختاركم للذّبّ عن دينه،و التزام أمره،و هذا تأكيد للأمر بالمجاهدة،أي وجب عليكم أن تجاهدوا،لأنّ اللّه اختاركم له.(12:100)

مثله طه الدّرّة.(9:269)

البيضاويّ: أي اختاركم لدينه و نصرته،و فيه تنبيه على المقتضي للجهاد و الدّاعي إليه.(2:101)

نحوه النّسفيّ(3:112)،و أبو السّعود(4:399)، و البروسويّ(6:64)،و النّيسابوريّ(17:124)

أبو حيّان :أي اختاركم لتحمّل تكليفاته،و في قوله:

(هو)تفخيم و اختصاص،أي هو لا غيره.(6:391)

الشّربينيّ: أي اختاركم لدينه و لنصرته،و جعل الرّسالة فيكم و الرّسول منكم،و جعله أشرف الرّسل و دينه أشرف الأديان،و كتابه أعظم الكتب،و جعلكم -لكونكم أتباعه-خير الأمم.(2:568)

نحوه المراغيّ.(17:148)

فضل اللّه :و اختاركم من بين خلقه لتكونوا الأمّة المرحومة الدّاعية المجاهدة،الّتي تحمل من خلال الرّسول محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم رسالة الإسلام للنّاس كافّة،و حمّلكم مسئوليّة ذلك،و تلك كرامة إلهيّة لا تفوقها كرامة، تفرض عليكم رعايتها و تحريكها في الاتّجاه الّذي يحبّه اللّه.(16:126)

ص: 34

اجتبيتها

وَ إِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. الأعراف:203

ابن عبّاس: هلاّ تكلّفتها من اللّه،و يقال:تخلّقتها من تلقاء نفسك.(144)

لو لا تلقّيتها.

لو لا أحدثتها فأنشأتها.(الطّبريّ 9:161)

نحوه السّدّيّ(277)،و البغويّ(2:262).

لو لا تقبّلتها من اللّه.(الطّبريّ 9:161)

معناه اختلقتها،و اقتلعتها من قبل نفسك.

(الطّوسيّ 5:78)

مجاهد :لو لا اقتضبتها،قالوا:تخرجها من نفسك.

(الطّبريّ 9:161)

الضّحّاك: لو لا أخذتها أنت،فجئت بها من السّماء.

(الطّبريّ 9:161)

قتادة :أي لو لا أتيتنا بها من قبل نفسك.هذا قول كفّار قريش.

لو لا جئت بها من نفسك.

لو لا تلقّيتها من ربّك.(الطّبريّ 9:161)

ابن زيد :لو لا تقوّلتها،جئت بها من عندك.

(الطّبريّ 9:161)

الفرّاء: هلاّ اقتلعتها.و هو كلام العرب،جائز أن يقال:اختار الشّيء،و هذا اختياره.(1:402)

اجتبيت الكلام و اختلقته و ارتجلته،إذا افتعلته من قبل نفسك.(الطّبريّ 9:161)

الطّبريّ: هلاّ اخترتها و اصطفيتها،من قول اللّه تعالى: وَ لكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ آل عمران:179،يعني:يختار و يصطفي.

ثمّ اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك،فقال بعضهم:معناه هلاّ افتعلتها من قبل نفسك و اختلقتها؟ بمعنى هلاّ اجتبيتها اختلاقا؟كما تقول العرب:لقد اختار فلان هذا الأمر،و تخيّره اختلاقا.

و قال آخرون:معنى ذلك:هلاّ أخذتها من ربّك، و تقبّلتها منه.

و أولى التّأويلين بالصّواب في ذلك،تأويل من قال تأويله:هلاّ أحدثتها من نفسك،لدلالة قول اللّه: ...قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ...، يبيّن ذلك أنّ اللّه إنّما أمر نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم بأن يجيبهم بالخبر عن نفسه،أنّه إنّما يتّبع ما ينزل عليه ربّه،و يوحيه إليه،لا أنّه يحدث من قبل نفسه قولا،و ينشئه،فيدعو النّاس إليه.(9:160)

الزّجّاج: أي هلاّ اختلقتها،أي هلاّ أتيت بها من نفسك،فأعلمهم صلّى اللّه عليه و سلّم أنّ الآيات من قبل اللّه جلّ ثناؤه.

(2:397)

نحوه الخازن.(2:271)

الماورديّ: هلاّ اخترتها لنفسك.(2:290)

الميبديّ: أي هلاّ تقوّلتها من نفسك،و اخترعتها من عندك.تقول:اجتبيت الشّيء و اخترعته و اختلقته، بمعنى.(3:826)

الزّمخشريّ: هلاّ اجتمعتها افتعالا من عند نفسك، لأنّهم كانوا يقولون: ما هذا إِلاّ إِفْكٌ مُفْتَرىً سبأ:

ص: 35

43،أو هلاّ أخذتها منزلة عليك مقترحة.(2:139)

ابن عطيّة: و معنى اللّفظة في كلام العرب:تخيّرتها و اصطفيتها.و قال ابن عبّاس و قتادة و مجاهد و ابن زيد و غيرهم:المراد بهذه اللّفظة:هلاّ اخترتها و اختلقتها من قبلك و من عند نفسك.

و المعنى أنّ كلامك كلّه كذلك على ما كانت قريش تزعمه.و قال ابن عبّاس أيضا و الضّحّاك:المراد:هلاّ تلقّيتها من اللّه و تخيّرتها عليه؛إذ تزعم أنّك نبيّ و أنّ منزلتك عنده منزلة الرّسالة،فأمره اللّه عزّ و جلّ أن يجيب بالتّسليم للّه تعالى،و أنّ الأمر في الوحي إليه ينزله متى شاء،لا معقّب لحكمه في ذلك.(2:493)

الفخر الرّازيّ: [نحو الفرّاء و ابن زيد ثمّ قال:]

لأنّهم كانوا يقولون:إن هذا إلاّ إفك مفترى،أو يقال:هلاّ اقترحتها على إلهك و معبودك إن كنت صادقا في أنّ اللّه يقبل دعاءك و يجيب التماسك،و عند هذا أمر رسوله أن يذكر الجواب الشّافي،و هو قوله: قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي. (15:101)

نحوه النّيسابوريّ.(9:111)

البيضاويّ: هلاّ جمعتها تقوّلا من نفسك كسائر ما تقرؤه،أو هلاّ طلبتها من اللّه.(1:382)

نحوه النّسفيّ(2:92)،و الشّربينيّ(1:549)، و أبو السّعود(3:71)و الكاشانيّ(2:261).

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ ثمّ أضاف:]

و ممّا ذكرنا يعلم أنّ ل«اجتبى»معنيين:جمع و أخذ، و يختلف المراد حسب الاختلاف في تفسير الآية.[ثمّ ذكر اختلاف اللّغويّين في أصله و قال:]

و من جعل الأصل شيئا لا ينكر الاستعمال في الآخر مجازا،كما لا يخفى.(9:149)

الطّباطبائيّ: كلام منهم جار مجرى التّهكّم و السّخريّة،و المعنى على ما يعطيه السّياق:أنّك إذا أتيتهم بآية كذّبوا بها،و إذا لم تأتهم بآية كما لو أبطأت فيها قالوا:لو لا اجتبيت ما تسمّيه آية و جمعتها من هنا و هناك فأتيت بها.(8:382)

اجتبيناهم

...وَ اجْتَبَيْناهُمْ وَ هَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.

الأنعام:87

مجاهد :أخلصناهم.(الطّبريّ 7:262)

أبو عبيدة :أي اخترناهم،يقال:اجتبى فلان كذا لنفسه،أي اختار.(1:200)

نحوه الطّوسيّ.(4:212)

الطّبريّ: و اخترناهم لديننا و بلاغ رسالتنا إلى من أرسلناهم إليه،كالّذي اخترنا ممّن سمّينا،يقال منه:

اجتبى فلان لنفسه كذا،إذا اختاره و اصطفاه،يجتبيه اجتباء.(7:262)

الزّجّاج: مثل اخترناهم،و هو مأخوذ من جبيت الماء في الحوض،إذا جمعته.(2:269)

القمّيّ: أي اختبرناهم.(1:209)

البغويّ: اخترناهم و اصطفيناهم.(2:142)

مثله الخازن.(2:129)

الميبديّ: أي استخلصناهم بالنّبوّة.(3:416)

ابن عطيّة: معناه تخيّرناهم و أرشدناهم

ص: 36

و ضممناهم إلى خاصّتنا،و أرشدناهم إلى الإيمان و الفوز برضى اللّه تعالى.(2:318)

الفخر الرّازيّ: يفيد النّبوّة،لأنّ الاجتباء إذا ذكر في حقّ الأنبياء عليهم السّلام لا يليق به إلاّ الحمل على النّبوّة و الرّسالة.(13:67)

الطّباطبائيّ: [نقل قول الرّاغب في اللّغة ثمّ قال:]

و الّذي ذكره من معنى الاجتباء،و إن كان كذلك على ما يفيده موارد وقوعه في كلامه تعالى،لكنّه لازم المعنى الأصليّ بحسب انطباقه على صنعه فيهم.و الّذي يعطيه سياق الآيات أنّ العناية تعلّقت بمعنى الكلمة الأصليّ،و هو الجمع من مواضع و أمكنة مختلفة متشتّتة، فيكون تمهيدا لما يذكر بعده من الهداية إلى صراط مستقيم،كأنّه يقول:و جمعناهم على تفرّقهم حتّى إذا اجتمعوا و انضمّ بعضهم إلى بعض،هديناهم جميعا إلى صراط كذا و كذا.(7:247)

و بهذا المعنى جاء قوله: اَللّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ... الشّورى:13،و قوله: وَ مِمَّنْ هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا... مريم:58.

يجتبى

1- ...وَ ما كانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَ لكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ... آل عمران:179

مجاهد :يخلصهم لنفسه.(الطّبريّ 4:188)

أبو عبيدة :يختار.(1:109)

الزّجّاج: سببه أنّ قوما قالوا:هلاّ جعلنا اللّه أنبياء؟ فأخبر اللّه تعالى أنّه يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ، و(من)في الآية لتبيين الصّفة لا للتّبعيض،لأنّ الأنبياء كلّهم مجتبون.(الطّوسيّ 3:63)

الواحديّ: أي يختار لمعرفة ذلك.(1:526)

نحوه الميبديّ.(2:362)

الزّمخشريّ: فيخبره ببعض المغيبات فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ آل عمران:179،بأن تقدّروه حقّ قدره، و تعلموه وحده مطلعا على الغيوب،و أن تنزلوهم منازلهم بأن تعلموهم عبادا مجتبين لا يعلمون إلاّ ما علّمهم اللّه،و لا يخبرون إلاّ بما أخبرهم اللّه به من الغيوب،و ليسوا من علم الغيب في شيء.(1:483)

ابن عطيّة: معناه:يختار و يصطفي،و هي من جبيت الماء و المال.(1:546)

نحوه أبو حيّان.(3:126)

الطّبرسيّ: أي يختار من يشاء فيطلعه على الغيب، أي يوقفه على علم الغيب و يعرّفه إيّاه.(1:545)

الفخر الرّازيّ: أي و لكنّ اللّه يصطفي من رسله من يشاء،فخصّهم بإعلامهم أنّ هذا مؤمن و هذا منافق.

و يحتمل:و لكنّ اللّه يجتبي من رسله من يشاء فيمتحن خلقه بالشّرائع على أيديهم حتّى يتميّز الفريقان بالامتحان،و يحتمل أيضا أن يكون المعنى:و ما كان اللّه ليجعلكم كلّكم عالمين بالغيب،من حيث يعلم الرّسول حتّى تصيروا مستغنين عن الرّسول،بل اللّه يخصّ من يشاء من عباده بالرّسالة،ثمّ يكلّف الباقين طاعة هؤلاء الرّسل.(9:111)

أبو السّعود :و التّعرّض للاجتباء للإيذان بأنّ الوقوف على أمثال تلك الأسرار الغيبيّة لا يتأتّى إلاّ ممّن

ص: 37

رشّحه اللّه تعالى لمنصب جليل،تقاصرت عنه همم الأمم،و اصطفاه على الجماهير لإرشادهم.

و تعميم الاجتباء لسائر الرّسل عليهم السّلام،للدّلالة على أنّ شأنه عليه السّلام في هذا الباب أمر متين،له أصل أصيل جار على سنّة اللّه تعالى المسلوكة فيما بين الرّسل الخالية عليهم السّلام.

(2:71)

نحوه الآلوسيّ(4:138)،و المراغيّ(4:143).

حسنين مخلوف:من الاجتباء بمعنى الاختيار.

و اجتباء اللّه العبد:تخصيصه إيّاه بفيض إلهيّ،يحصل له منه أنواع من النّعم بلا كسب منه.(1:134)

مكارم الشّيرازيّ: أي أنّه يختار في كلّ عصر من بين أنبيائه من يطلعهم على شيء من تلك الغيوب، و يوقفهم على بعض الأسرار،بحكم احتياج القيادة الرّساليّة إلى ذلك.(3:20)

نحوه فضل اللّه.(6:408)

يجتبيك

وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ. يوسف:6

عكرمة :يصطفيك.(الطّبريّ 12:153)

نحوه الطّبريّ.(12:153)

الحسن :بالنّبوّة.(الماورديّ 3:8)

مقاتل:بالسّجود لك.(القرطبيّ 9:138)

الفرّاء: جواب لقوله: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً يوسف:4،[إلى أن قال:]و(يجتبيك):

يصطفيك.(2:36)

أبو عبيدة:أي يختارك.(1:302)

نحوه ابن قتيبة.(212)

الزّجّاج: معناه يختارك و يصطفيك،و هو مشتقّ من جبيت الشّيء،إذا حصّلته لنفسك،و منه جبيت الماء في الحوض.(3:91)

نحوه ابن عطيّة(3:220)،و الشّربينيّ(2:90).

عبد الجبّار: مسألة:قالوا:ثمّ ذكر تعالى بعدها ما يدلّ على أنّه يختصّ بالطّاعة بعض عباده،فقال:

وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ.

و الجواب عن ذلك قد سلف في نظائره،و لأنّ الاجتباء هو الاختصاص،و لم يقل تعالى:إنّه خصّه بخلق الطّاعة فيه،فالمراد إذا أنّه اختاره و اختصّه بأن حمّله الرّسالة،و كان يعقوب عليه السّلام يعلم أنّه تعالى سيبعثه رسولا و يختصّه بذلك،فقال ما قال،و بيّن أنّه يعلّمه من تأويل الأحاديث،و يعني بذلك كلام اللّه،لأنّها الأحاديث الّتي يعرف تأويلها الأنبياء عليهم السّلام.

(متشابه القرآن 1:390)

الماورديّ: فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها:بحسن الخلق و الخلق.

الثّاني:بترك الانتقام.

الثّالث:[قول الحسن المتقدّم](3:8)

الطّوسيّ: هذه حكاية ما قال يعقوب لابنه يوسف عليه السّلام،و قوله له:إنّ اللّه يجتبيك و يختارك، و يصطفيك و يكرمك بذلك،كما أكرمك بأن أراك في منامك هذه الرّؤية.

ص: 38

فوجه التّشبيه و هو إعطاء الرّؤيا بإعطاء الاجتباء، مع ما انضاف إليه من الصّفات الكريمة المحمودة الّتي ذكرها.و الاجتباء:اختيار معالي الأمور للمجتبى،مثل ما اختاره اللّه تعالى ليوسف من الخصال الكريمة و الأمور السّنيّة.(6:98)

نحوه البغويّ(3:215)،و الزّمخشريّ(2:303).

الميبديّ: أي كما أراك ربّك هذه الرّؤيا،كذلك يخصّك و يصطفيك بالنّبوّة.(5:8)

نحوه أبو حيّان.(5:281)

البيضاويّ: للنّبوّة و الملك أو لأمور عظام، و الاجتباء:من جبيت الشّيء،إذا حصّلته لنفسك.

(1:487)

نحوه النّسفيّ.(2:212)

البروسويّ: (و كذلك)أي مثل اجتبائك و اختيارك من بين إخوتك لمثل هذه الرّؤيا العظيمة، الدّالّة على شرف و عزّ و كبرياء شأنك.فالكاف في محلّ النّصب على أنّه صفة مصدر محذوف يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ يختارك و يصطفيك لما هو أعظم منها كالنّبوّة،و يبرز مصداق تلك الرّؤيا في عالم الشّهادة؛إذ لا بدّ لكلّ صورة مرئيّة في عالم المثال حقيقة واقعة في عالم الشّهادة.

(4:215)

الطّباطبائيّ: في معنى الاجتباء:جمع أجزاء الشّيء و حفظها من التّفرّق و التّشتّت،و فيه سلوك و حركة من الجابي نحو المجبيّ،فاجتباه اللّه سبحانه عبدا من عباده،هو أن يقصده برحمته و يخصّه بمزيد كرامته، فيجمع شمله و يحفظه من التّفرّق في السّبل المتفرّقة الشّيطانيّة المفرّقة للإنسان،و يركبه صراطه المستقيم، و هو أن يتولّى أمره و يخصّه بنفسه،فلا يكون لغيره فيه نصيب،كما أخبر تعالى بذلك في يوسف عليه السّلام إذ قال:

إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ يوسف:24.

(11:79)

عبد الكريم الخطيب :أي كما بدأ اللّه بلطفه بك و تكريمه إيّاك صغيرا،فإنّه سيتولاّك برعايته،و يفيض عليك من نعمه كبيرا،فيجتبيك،أي يختارك، و يصطفيك للرّسالة و النّبوّة.(6:1236)

الجواب

يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ وَ قُدُورٍ راسِياتٍ... سبأ:13

ابن عبّاس: قطاع كالجواب كحياض الإبل لا تتحرّك.(360)

مجاهد :حياض الإبل.(الطّبريّ 22:71)

نحوه الضّحّاك(الطّبريّ(22:71)،و الحسن (الطّبريّ 22:72)،و الفرّاء(2:356).

قتادة :جفان كجوبة الأرض من العظم،و الجوبة من الأرض:يستنقع فيها الماء.(الطّبريّ 22:71)

السّدّيّ: كالحائط.(الماورديّ 4:439)

أبو عبيدة :واحدتها:جابية،و هي الحوض الّذي يجبى فيه الماء.[ثمّ استشهد بشعر](2:144)

نحوه الطّبريّ(22:71)،و الطّوسيّ(8:383)، و البغويّ(5:234).

ابن قتيبة :(الجوابي)،الحياض،جمع جابية.[ثمّ

ص: 39

استشهد بشعر](354)

أبو عليّ: إثبات الياء مع الألف و اللاّم أجود، و حذفها يجوز.(الطّوسيّ 8:383)

الزّجّاج: أكثر القرّاء على الوقف بغير ياء،و كان الأصل الوقف بالياء،إلاّ أنّ الكسرة تنوب عنها، و كانت بغير ألف و لام الوقف عليها بغير ياء،تقول:هذه جواب،فأدخلت الألف و اللاّم،و ترك الكلام على ما كان عليه قبل دخولهما.و الجوابي:جمع جابية، و الجابية:الحوض الكبير.[ثمّ استشهد بشعر](4:246)

أبو زرعة: قرأ ابن كثير(كالجوابي)بالياء في الوصل و الوقف،على الأصل.و الجوابي:جمع جابية و هي الحوض الكبير.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ أبو عمرو و ورش(كالجوابي)بالياء في الوصل، و حذفا في الوقف تبعا الأصل في الدّرج،و تبعا المصحف في الوقف.

و قرأ الباقون:بحذف الياء في الحالين:اجتزءوا عن الكسر بالياء.(584)

الواحديّ: جمع الجبيّة،و هي الحوض الكبير يجبي الماء،أي يجمعه.قال المفسّرون:يعني قصاعا في العظم كحياض الإبل،يجتمع على القصعة الواحدة ألف رجل يأكلون منها.(3:489)

نحوه الميبديّ.(8:124)

الزّمخشريّ: الجوابي:الحياض الكبار.[ثمّ استشهد بشعر]

لأنّ الماء يجبى فيها،أي يجمع،جعل الفعل لها مجازا، و هي من الصّفات العالية كالدّابّة.قيل:كان يقعد على الجفنة ألف رجل.و قرئ بحذف الياء اكتفاء بالكسرة، كقوله تعالى: يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ القمر:6.(3:282)

نحوه البيضاويّ(2:257)،و النّيسابوريّ(22:

44)،و أبو السّعود(5:251)،و البروسويّ(7:275).

الطّبرسيّ: أي صحاف كالحياض الّتي يجبى فيها الماء،أي يجمع،و كان سليمان عليه السّلام يصلح طعام جيشه في مثل هذه الجفان،فإنّه لم يمكنه أن يطعمهم في مثل قصاع النّاس لكثرتهم.(4:383)

الآلوسيّ: أي كالحياض العظام،جمع جابية،من الجباية،أي الجمع.فهي في الأصل مجاز في الطّرف أو النّسبة،لأنّها يجبى إليها لا جابية،ثمّ غلبت على الإناء المخصوص غلبة الدّابّة في ذوات الأربع،و جاء تشبيه الجفنة بالجابية في كلامهم.[ثمّ استشهد بشعر]

(22:119)

بنت الشّاطئ: الجفان:جمع جفنة،و الجوابي:

جمع جابية،وحيدتان في القرآن.

و تفسير الجفان بالحياض تقريب،مع ملاحظة أنّ الجفان تتّخذ للطّعام على وجه الاختصاص-و يشهد له بيت طرفة (1)-على حين يغلب أن تكون الحياض للماء.

و كذلك تفسير الجوابي بالواسعة،هو على وجه التّقريب،و يبقى للجوابي دلالة العمق مع السّعة،حين يكون الاتّساع أحيانا بغير عمق.(311)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجبى،و هو الجمع،يقال:

ص: 40


1- *كالجوابي لا تني مترعة لقرى الأضياف أو للمحتضر*

جبى السّاقي الماء في الحوض يجبيه و يجباه جبى و جبى و جبى و جبيا و جباية،أي جمعه.و استعمل هذا المعنى في جمع الخراج و تحصيله أيضا يقال:جبى الخراج و الشّيء يجبيه و يجباه جباية،و هو جاب.

و الجابية:الحوض الضّخم،و الجماعة أيضا،و الجمع:

الجوابي.

و من المجاز:اجتبى الرّجل الرّجل:اختاره و اصطفاه،من قولهم:جبى الشّيء،أي خلّصه لنفسه.

و جبّى الرّجل تجبية:وضع يديه على ركبتيه،أو على الأرض،أو انكبّ على وجهه،فكأنّه يجمع بين أعضائه في هذه الأحوال.

2-و بين«جبى»اليائيّ و«جبا»الواويّ اشتقاق أكبر؛إذ يقال من الثّاني:«جبا الماء و الحوض و الخراج يجبوه جبوا و جبوة و جباوة،أي جمعه و حصّله، و الجباوة:اسم الماء المجموع،و الجبوة و الجبوة و الجباوة و الجبا و الجبا:ما جمع في الحوض من الماء.

و لذا عدّهما اللّغويّون قاطبة مادّة واحدة،تبعا لسيبويه؛حيث قال:«أدخلوا الواو على الياء لكثرة دخول الياء عليها،و لأنّ للواو خاصّة كما أنّ للياء خاصّة.إلاّ الفيروزآباديّ،فقد فرّق بينهما،و لكنّه رغم ذلك خلط بعض مشتقّات الواويّ باليائيّ و بالعكس، و تبعه الزّبيديّ شارح القاموس،دون أن يستدرك عليه.

3-كما خلط آخرون المهموز بهذين الأصلين، كالجابئ،أي الجراد،نقل صاحب اللّسان عن التّهذيب:

«سمّي الجراد الجابئ لطلوعه؛يقال:جبأ علينا فلان،أي طلع،و الجابئ:الجراد،يهمز و لا يهمز».و حينما ترك الهمز لكثرة الاستعمال،حسبه بعضهم من«جبى»،قال ابن سيده:«الجابي:الجراد الّذي يجبي كلّ شيء».

و الإجباء:بيع الزّرع قبل أن يبدو صلاحه أو يدرك، أو هو أن يغيّب الرّجل إبله عن المصدّق،من:أجبأته، أي واريته،و في الحديث:«و من أجبى فقد أربى».قال ابن الأثير:«و الأصل في هذه اللّفظة الهمز،و لكنّه روي هكذا غير مهموز،فإمّا أن يكون تحريفا من الرّاوي،أو يكون ترك الهمز للازدواج بأربى».

و الجبأ:التّراب،و عدّه الجوهريّ من«ج ب و»، فقال:«الجبا:نثيلة البئر،و هو ترابها الّذي حولها،تراها من بعيد»،و تعقّبه الزّبيديّ بقوله:«أصله الهمز».

الاستعمال القرآنيّ

جاءت(12)مرّة:مجرّدا مرّتين:(1)و(12)، و مزيدا من باب الافتعال عشر مرّات:

1- وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ

القصص:57

2- أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَ إِسْرائِيلَ وَ مِمَّنْ هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا مريم:58

3- وَ مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ وَ إِخْوانِهِمْ وَ اجْتَبَيْناهُمْ وَ هَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ الأنعام:87

4- ما كانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ ما كانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَ لكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ وَ إِنْ تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ

ص: 41

4- ما كانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ ما كانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَ لكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ وَ إِنْ تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ

آل عمران:179

5- شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ الشّورى:13

6- ...وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى* ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى طه:121،122

7- إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَ لَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَ هَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ النّحل:120،121

8- وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ عَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ يوسف:6

9- لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَ هُوَ مَذْمُومٌ* فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحِينَ

القلم:49،50

10- وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ... الحجّ:78

11- وَ إِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ الأعراف:203

12- يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ وَ قُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ سبأ:13

يلاحظ أوّلا:أنّه جاء مجرّدا بالمعنى اللّغويّ الأصليّ مرّتين فعلا و اسما:

الأولى في(1): يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ و فيها بحوث:

1-وهب اللّه أهل مكّة-و هي أرض قفر غير ذي زرع-جباية الثّمار إليهم من أطراف البلاد،كما وهبهم جوار البيت الحرام و التّوطّن في البلد الآمن قديما، و خصّهم بنعمة النّبوّة حديثا.و قد اعتذروا لرفضهم هذه النّبوّة-و هي الهدى-بأنّهم لو اتّبعوا الهدى مع النّبيّ، و آمنوا بما جاء به من الكتاب يتخطّفون من أرضهم، فأبان اللّه لهم بأنّه كما جبى إليهم الثّمرات من بلاد بعيدة -و هي نعم مادّيّة-و لم يتخطّفوا من أرضهم،كذلك آتاهم ثمرات شجرة النّبوّة-و هي النّعم المعنويّة-الّتي وهبها اللّه الرّسل بصور شتّى،فجمعها لهم تماما-على فترة من الرّسل و شذوذ من الهدى-في هذا الدّين الحنيف.

فيبدو أنّه مثّل هذه الموهبة المعنويّة العظمى بتلك النّعم المادّيّة الصّغرى،فردّ اعتذارهم الباطل بأنّه تعالى خصّهم فضلا عن هذه الثّمرات بجوار البيت الحرام، و بأنّهم من ذرّيّة إبراهيم عليه السّلام،فاختصاصهم بالهدى أولى بهم و أليق من تلك الثّمرات،فأين ثمار الأشجار من ثمار الإيمان؟

ص: 42

2-قولهم: إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا، يعلن خطورة مصاحبتهم للنّبيّ في دعوته، لأنّه يدعو إلى التّوحيد،و النّاس مشركون،فيقابلونهم بإخراجهم من أرضهم،كما أخرجوا جماعة ممّن آمن به من ذي قبل،و كادوا أن يخرجوا النّبيّ منها،و قد فرض اللّه الهجرة على المؤمنين لئلاّ تمنعهم علاقتهم بأرضهم من الهدى.

3-جاء(يجبى)مجهولا إيماء إلى كثرة تلك الثّمار، و أنّها تجبى إليهم من كلّ مكان،و بأياد كثيرة لا تحصى.

4-قد سبق أنّ أصل المادّة يدلّ على جمع الماء في الحوض،فهي تمثّل لنا أنّ آثار الإيمان و الهداية كالأنهار الجارية،تجمع في جابية الشّريعة.

5-الجمع بين الثّمرات و الحرم الآمن يمثّل لنا أنّ القلوب تهفوا إلى البيت من كلّ بلد كما تجبى إليه الثّمرات منها.

الثّانية في(12): وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ ف(الجواب) جمع الجابية.و أصلها:(الجوابي)-و قد قرئت بها-و هي ظرف يجمع فيه الماء للإبل.و هذه جاءت وفق متن اللّغة بلا إيماء و كناية،و الأولى جاءت كناية و تمثيلا.

ثانيا:جاء الفعل من باب«الافتعال»في غيرهما من الآيات،و أريد به اختيار الرّسل للرّسالة في ثمان منها:

(2-9)،و اختيار هذه الأمّة لدعوتها إلى الإسلام مرّة في (10)،و أريد به الاختلاق في(11)،و فيها جهات من البحث:

1-باب«الافتعال»له معان أقربها و ألصقها بهذه الآيات المبالغة في الفعل،مثل اكتسب،أي بالغ في الكسب،فالاجتباء هو المبالغة في الجمع،و اجتباء الرّسل،هو المبالغة في جمع القيم فيهم،و اختصاصهم بالنّبوّة من بين النّاس،و قد عبّروا عنه ب اخترناهم، اصطفيناهم،أخلصناهم و نحوها.

قال الفخر الرّازيّ: «الاجتباء إذا ذكر في حقّ الأنبياء عليهم السّلام لا يليق به إلاّ الحمل على النّبوّة و الرّسالة».

و قال الآلوسيّ: «المجتبى كأنّه في الأصل من جمعت فيه المحاسن حتّى اختاره غيره و قرّبه».

و قال الطّباطبائيّ: «في معنى الاجتباء جمع أجزاء الشّيء و حفظها من التّفرّق و التّشتّت،و فيه حركة من الجابي نحو الجبى،فاجتباء اللّه عبدا من عباده،هو أن يقصده برحمته و يخصّه بمزيد كرامته فيجمع شمله، و يحفظه من التّفرّق في السّبل المتفرّقة الشّيطانيّة المفرّقة للإنسان،و يركبه الصّراط المستقيم،و هو أن يتولّى أمره و يخصّه بنفسه،فلا يكون لغيره فيه نصيب».

فقد لاحظوا فيه«الجمع»إلاّ أنّ الآلوسيّ اعتبر جمع المحاسن و القيم في النّبيّ،و الطّباطبائيّ اعتبر جمع النّبيّ من التّفرّق و اختصاصه باللّه فيتولّى أمره،و من ذلك ظهر أنّ الاختيار و الاصطفاء و الإخلاص و نحوها كلّها لازم للمعنى،و كناية عن المبالغة في جمع القيم في الرّسل.

و يظهر من بعضهم أنّ الاجتباء هو مطاوعة الجبي، قال البيضاويّ:من«جبى إليّ كذا فاجتبيته،مثل جلبت عليّ العروس فاجتبيتها»و أصل معنى الكلمة«الجمع» و تبعه غيره.و الأوّل هو الأقرب.

2-آيات اجتباء الرّسل صنفان:صنف منها يعمّ الأنبياء كافّة،فهم نخبة من البشر،جمع اللّه فيهم القيم.

ص: 43

و هذا في(2-5)،و صنف منها يخصّ نبيّا من الأنبياء، ابتداء بآدم أبي البشر(6)،ثمّ إبراهيم(7)ثمّ يوسف(8) ثمّ يونس(9).

3-و قد اجتبى اللّه آدم بعد أن عصى ربّه و تاب اللّه عليه و هداه(6).و كذلك اجتبى يونس(9)بعد أن صدر عنه ما شانه فتداركته رحمة من ربّه،أمّا غيرهما من الأنبياء فاجتباهم ابتداء من غير سبق ما يشينهم،نعمة منه إليهم.

4-قد جمع اللّه(الهدى)و ضمّها إلى الاجتباء في(2) و(3)و(5)و(6)و(7)،و هذا نصّ في أنّ الأنبياء أكرموا بالنّبوّة مع الهداية،و الهداية مقدّمة النّبوّة،فاللّه يهدي الأنبياء ثمّ يجتبيهم لوحيه و رسالته.

5-ربط اللّه في(4)بين الاطّلاع على الغيب و بين الرّسالة،رمزا إلى أنّه لا يعلم الغيب إلاّ اللّه،و الرّسل يعلمونه من اللّه و بوحي منه.

6-خصّت الآية(10)و هي خطاب إلى المؤمنين الأوائل بأنّ اللّه اجتباهم لهذه الدّعوة،و هي ملّة أبيهم إبراهيم عليه السّلام،بعد أن وصفه في(7)بأنّه كان أمّة،قانتا للّه،حنيفا،و لم يكن من المشركين،شاكرا لأنعمه، فاجتباه و جمع فيه هذه القيم الكبرى،و هداه إلى صراط مستقيم.

و الاجتباء فيها هو أنّه تعالى جمع فيهم من الصّفات و الخصال ما يعدّهم لتلقّي هذه الدّعوة بقلوبهم،و لنشرها بين الأمم بجهادهم و جهودهم،و رفع عنهم الحرج في دينهم،فقال: وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ الحجّ:78،و قد وصفهم ب وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً البقرة:

143،فقد منّ عليهم و بالغ فيهم فاجتباهم لهذه الدّعوة، كما اجتبى رسله بالنّبوّة.

و منه نستشعر بأنّ العرب الإبراهيميّة كانت مستعدّة لها أكثر من غيرها من الشّعوب،فالآية نظير الآية(8) حيث قال تعالى ليوسف: وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ عَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ، و مثلها(2)و(3)و(5)حيث أكّدت الوراثة في النّبوّة عن الآباء.

7-جاء في(11)خطاب الكفّار للنّبيّ عليه السّلام قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها، و قد فسّروها ب:تكلّفتها،تخلّقتها، أحدثتها،اختلعتها،تقوّلتها،افتعلتها،اخترعتها،جئت بها من نفسك،اصطنعتها افتعالا من نفسك و نحوها، و مآلها واحد،أي أنّهم كانوا يتّهمونه بأنّه يفتري على اللّه،و يتقوّل الآيات من عند نفسه،كما قالوا: ما هذا إِلاّ إِفْكٌ مُفْتَرىً سبأ:43،فهذا تعريض منهم له بأنّك لم تقوّل على اللّه آية،كما كنت تتقوّل عليه الآيات قبلها؟

و الحقّ أنّ اجتبى جاء هنا بمعناه الشّائع،و هو الاختيار،و الاختلاق و التّكلّف و نحوها،لازم المعنى يستفاد من السّياق،أي إذا أنت تختار الآية و تسندها إلى اللّه فقد اختلقتها.

و فسّره آخرون ب(لو لا تلقّيتها من ربّك)أي إذا أنت تزعم أنّك نبيّ و أنّ منزلتك عنده منزلة الرّسالة، فهلاّ اقترحتها على ربّك إن كنت صادقا في أنّ اللّه يقبل دعاءك،و يجيب طلبك.

ص: 44

و حاصل الوجهين أنّ الأمر في لَوْ لا اجْتَبَيْتَها يدور بين التّقوّل من عند نفسه،و بين الأخذ من ربّه،أي بين الافتراء على اللّه و الاقتراح عليه،و كلاهما تعريض للنّبيّ عليه السّلام،فالأوّل تعريض له بأنّه يفتري على اللّه، و الثّاني تعريض له بأنّه يدّعي القرب من اللّه بالرّسالة فيجيبه متى دعاه و يقبل منه ما اقترح عليه فلم لا يدعوه الآن ليجيبه فينزّل عليه الآية؟

و قد حكى الطّبريّ القولين،و فضّل الأوّل استنادا إلى ما بعده: قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي و عندنا أنّه ليس صريحا في نفي الافتراء،بل يحتمله كما يحتمل نفي الاقتراح،أي إنّي لا اقترح على اللّه الآيات، بل اتّبع ما أوحي إليّ من ربّي الّذي ربّاني و علّمني و هداني بالوحي،من دون أن أقترح عليه شيئا.و يؤيّده ذيل الآية: هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ...

و الآية بعدها: وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا....

ثالثا:توجد علاقة بين الاجتباء و البعث،بشأن الأنبياء،لاحظ«ب ع ث».

رابعا:الآيات كلّها مكّيّة سوى آية آل عمران(4) فهي خطاب للمؤمنين بأنّه سوف يختبرهم و يميّز بين الخبيث و الطّيّب منهم لاختلاطهم بالمنافقين في المدينة، و في نفس الوقت دفع لشبهة علم النّبيّ بالغيب،و لعلّ اليهود هم الّذين طرحوها و ألقوها بين المؤمنين.و أمّا آية سورة الحجّ(10)فمردّدة بين المكّيّة و المدنيّة،كما سبقت منّا مرارا.

و سرّ اختصاصها بمكّة هو إصرار أهلها على إنكار النّبوّات رأسا فاحتاجوا إلى التّأكيد لها مرارا.

ص: 45

ص: 46

ج ث ث

اشارة

اجتثّت

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجثّ:قطعك الشّيء من أصله، و الاجتثاث أوحى (1)منه،و اللاّزم:انجثّ و اجتثّ أيضا.

و شجرة مجتثّة:لا أصل لها في الأرض.

و المجتثّ من«العروض»«مستفعلن فاعلات» مرّتين.و لا يجيء من هذا النّحو أنقص منه و لا أطول إلاّ بالزّحاف.[إلى أن قال:]

و الجثّة:خلق البدن الجسيم.

و جثثت منه و جئثت،و رجل مجثوث و مجئوث،أي قد جثّ،يعني أفزع.(6:12)

الأخفش الأكبر:الجثيثة:ما تساقط من أصول النّخل.(الأزهريّ 10:472)

الكسائيّ: جئث الرّجل جأثا،و جثّ جثّا،فهو مجئوث،و مجثوث،إذا فزع و خاف.(الأزهريّ 10:472)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الجثيثة:النّخلة الّتي كانت نواة فحفر لها و حملت بجرثومتها،و قد جثّت جثّا.

(الأزهريّ 10:472)

الأصمعيّ: في صغار النّخل أوّل ما يقلع منها شيء من أمّه:فهو الجثيث و الوديّ و الهراء و الفسيل.

(الأزهريّ 10:471)

أبو عبيد: منه حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في المغاري،في أوّل يوم ما رأى جبريل عليه السّلام قال:«فجثيت منه فرقا» و بعضهم يقول:«جئثت».قال الكسائيّ:هما جميعا من الرّعب،يقال:رجل مجئوث و مجثوث.(1:246)

ابن الأعرابيّ: جثّ المشتار،إذا أخذ العسل بجثّه و محارينه،و هو ما مات من النّحل في العسل.

(الأزهريّ 10:471)

و جثّ الجراد:ميّته.(ابن سيده 7:194)

ص: 47


1- أسرع منه في القطع.

ابن السّكّيت:و جثّ منّي فرقا،امتلأ منّي رعبا.

(182)

ابن أبي اليمان :الجثّ:القلع.(226)

الزّجّاج: و معنى اجتثّت في اللّغة:أخذت جثّته بكمالها.(3:161)

ابن دريد :جثثت الشّجر و غيرها جثّا،إذا انتزعتها من أصلها،و فسّر قوله جلّ ثناؤه: اُجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ إبراهيم:26،من هذا، و اللّه أعلم.و المجثّة و المجثاث:حديدة يقلع بها الفسيل،و الفسيلة:جثيثة.[ثمّ استشهد بشعر](1:43)

و الجثّ:ما ارتفع من الأرض حتّى يكون له شخص، مثل الأكيمة الصّغيرة و نحوها.[ثمّ استشهد بشعر]

و أحسب أنّ جثّة الرّجل من هذا اشتقاقها.و قال قوم من أهل اللّغة:لا تسمّى جثّة إلاّ أن يكون قاعدا أو نائما.فأمّا القائم فلا يقال:جثّته إنّما يقال:قمّته.

و زعموا أنّ أبا الخطّاب الأخفش كان يقول:لا أقول:جثّة الرّجل إلاّ لشخصه على سرج أو رحل،و يكون معتمّا، و لم يسمع عن غيره.(1:44)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و الجثيث:الوادئ من النّخل،و قيل:هي الّتي جثّت،أي نقلت.و الجثيثة:الثّقيلة من الفسلان.

و الجثّة:خلق البدن،و الجماعة من النّاس، و الجميع:جثث.

و المجتثّ من«العروض»:«مستفعلن فاعلاتن» مرّتين.

و الجثّ:خرشاء العسل من شمعه و ما فيه من ميّت النّحل.و قيل:جثّ النّحل:دويّها.

و جثّ فلان بغائطه:رمى به.

و جثّه بالعصا:ضربه بها.[إلى أن قال:]

و يقولون:وقعت منه في جثّة،أي في بلاء.

و الجثيث:ما تساقط في أصول الشّجر.(6:398)

الجوهريّ: الجثّة:شخص الإنسان قاعدا أو نائما.

و جثّه:قلعه،و اجتثّه:اقتلعه.

و الجثيث من النّخل:الفسيل،و الجثيثة:الفسيلة.

و لا تزال جثيثة حتّى تطعم،ثمّ هي نخلة.

و المجثّة و المجثاث:حديدة يقطع بها الفسيل.

و الجثّ بالفتح:الشّمع،و يقال:هو كلّ قذى خالط العسل،من أجنحة النّحل و أبدانها.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:277)

ابن فارس: الجيم و الثّاء يدلّ على تجمّع الشّيء، و هو قياس صحيح.فالجثّة:جثّة الإنسان،إذا كان قاعدا أو نائما،و الجثّ:مجتمع من الأرض مرتفع كالأكمة.قال ابن دريد:«و أحسب أنّ جثّة الرّجل من هذا».

و يقال:الجثّ:قذى يخالط العسل.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:الجثّ:الشّمع،و القياس واحد و يقال:نبت جثاجث:كثير،و لعلّ«الجثجاث»من هذا.و جثثت من الرّجل،إذا فزعت،و ذلك أنّ المذعور يتجمّع.

فإن قال قائل:فكيف تقيس على هذا جثثت الشّيء و اجتثثته إذا قلعته،و الجثيث من النّخل:الفسيل، و المجثّة:الحديدة الّتي تقتلع بها الشّيء؟

فالجواب:أنّ قياسه قياس الباب،لأنّه لا يكون

ص: 48

مجثوثا إلاّ و قد قلع بجميع أصوله و عروقه،حتّى لا يترك منه شيء.فقد عاد إلى ما أصّلناه.(1:425)

أبو هلال :الفرق بين الشّخص و الجثّة:أنّ الجثّة أكثر ما تستعمل في النّاس،و هو شخص الإنسان إذا كان قاعدا أو مضطجعا،و أصله:الجثّ،و هو القطع،و منه قوله تعالى: اُجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ.

و المجثاث:الحديدة الّتي يقلع بها الفسيل،و يقال للفسيل:الجثيث،فيسمّى شخص القاعد:جثّة،لقصره كأنّه مقطوع (1).(131)

ابن سيده: الجثّ:القطع،و قيل:انتزاع الشّجر من أصوله.جثّه يجثّه جثّا و اجتثّه،فانجثّ،و اجتثّ.

و المجتثّ:ضرب من«العروض»،على التّشبيه بذلك،كأنّه اجتثّ من الخفيف،أي قطع.

و قال أبو إسحاق:سمّي مجتثّا،لأنّك اجتثثت أصل الجزء الثّالث،و هو«مف»فوقع ابتداء البيت من «عولات مس».

و الجثيث:أوّل ما يقلع من الفسيل من أمّه،واحدته:

جثيثة.[ثمّ استشهد بشعر]

و المجثّة،و المجثاث:ما جثّ به الجثيث.

و الجثيث:ما يسقط من العنب في أصول الكرم.

و جثّة الإنسان:شخصه متّكئا أو مضطجعا، و جمعها:جثث،و أجثاث.الأخيرة على طرح الزّائد، كأنّه جمع:جثّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد يجوز أن يكون«أجثاث»جمع:جثث الّذي هو جمع:جثّة،فيكون على هذا جمع جمع.

و الجثّ:ما أشرف من الأرض فصار له شخص.

و الجثّ:خرشاء العسل،و هو ما كان عليها من فراخها أو أجنحتها.

و الجثّ:غلاف الثّمرة.

و جثّ الرّجل جثّا:فزع.(7:193)

الجثّ:كلّ قذى يخالط العسل من أجنحة النّحل و أبدانها و فراخها و موتاها،و غير ذلك.

(الإفصاح 1:465)

الجثّ:الرّمل اليابس الخشن.(الإفصاح 2:1053)

معنى اجتثّ الشّيء في اللّغة:أخذ جثّته بكمالها، جثثته أجثّه جثّا.و اجتثثته:اقتلعته و قطعته،فانجثّ الشّيء و اجتثّ.(الإفصاح 2:1355)

الرّاغب: يقال:جثثته فانجثّ و جسسته فاجتسّ، قال اللّه عزّ و جلّ: اُجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ أي اقتلعت جثّته.

و المجثّة:ما يجثّ به.

و جثّة الشّيء:شخصه النّاتئ.و الجثّ:ما ارتفع من الأرض كالأكمة،و الجثيثة سمّيت به،و لما يأتي جثّته بعد طحنه.

و الجثجاث:نبت.(88)

الزّمخشريّ: فلان صغير الجثّة،و هي شخصته قاعدا،و لهم همم دقاق إلى جثث ضخام.و جثّه و اجتثّه:

استأصله اُجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ.

و شجر مجتثّ:لا أصل له في الأرض.

(أساس البلاغة:51)

[و في حديث المبعث«فجئثت منه فرقا»]م.

ص: 49


1- و الشّخص:ما ارتفع من الأجسام.

جئث الرّجل:قلع من مكانه فزعا.و الثّاء بدل من فاء جئف الشّيء بمعنى جعف،إذا قلع من أصله.[ثمّ استشهد بشعر]

و روي:«فجثثت»و هو أيضا من جثّ و اجتثّ،إذا قلع.(الفائق 1:183)

ابن الأثير: و في حديث أبي هريرة:«قال رجل للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«ما نرى هذه الكمأة إلاّ الشّجرة الّتي اجتثّت من فوق الأرض،فقال:بل هي من المنّ»اجتثّت،أي قطعت،و الجثّ:القطع.

و في حديث أنس:«اللّهمّ جاف الأرض عن جثّته» أي جسده.(1:238)

الصّغانيّ: الانجثاث:الانقلاع.

و جثّ الرّجل،على ما لم يسمّ فاعله:إذا فزع و خاف.و الجثّة:البلاء.

و الجثّ:الدّويّ.

و جثّت النّحل تجثّ:إذا سمعت لها دويّا.(1:355)

الفيّوميّ: الجثّة:للإنسان إذا كان قاعدا أو نائما، فإن كان منتصبا فهو طلل،و الشّخص يعمّ الكلّ.

و جثثت الشّيء أجثّه من باب«قتل»و اجتثثته:

اقتلعته.(1:91)

الفيروزآباديّ: الجثّ:القطع،أو انتزاع الشّجر من أصله،و بالضّمّ:ما أشرف من الأرض حتّى يكون كأكمة صغيرة،و خرشاء العسل،و ميّت الجراد،و غلاف الثّمرة، و الشّمع،أو كلّ قذى خالط العسل من أجنحة النّحل.

و المجثّة و المجثاث:ما جثّ به الجثيث،و هو ما غرس من فراخ النّخل.

و جثّة الإنسان بالضّمّ:شخصه،و بالكسر:البلاء.

و جثّ:فزع و ضرب،و النّحل:رفعت دويّها.

و بحر المجتثّ وزنه:مستفعلن فاعلاتن فاعلاتن.

(1:169)

المصطفويّ: «الجثّ»يدلّ على الجمع بطريق القلع،كما أنّ«الجبي»كان الجمع بطريق الانتخاب، و«الجبّ»بمعنى مطلق التّجمّع.

و الجثّة وزان فعلة:ما يتجمّع بعنوان جسد الإنسان، بحيث يلاحظ فيه هذا العنوان فقط كالجثّ.

و الجثيث:باعتبار تجمّعه و انقلاعه و استخراجه من الأرض على أطراف النّخل.و صدق هذا العنوان مشروط في الأوّل بالنّوم أو القعود،و في الثّاني بعدم الاستقلال حتّى يقال:إنّه نخل.(2:54)

النّصوص التّفسيريّة

اجتثّت

وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ. إبراهيم:26

ابن عبّاس: اقتلعت.(213)

مثله الماوردي(3:134)،و الطّوسيّ(6:293).

قتادة :استؤصلت من فوق الأرض.

(الطّبريّ 13:212)

مثله الزّجّاج(3:161)،و ابن القيّم(332)، و فضل اللّه(13:107)

مؤرّج السّدوسيّ: أخذت جثّتها و هي نفسها، و الجثّة:شخص الإنسان قاعدا أو قائما.

(القرطبيّ 9:362)

ص: 50

ابن قتيبة: أي استؤصلت و قطعت.(232)

مثله الخازن.(4:34)

الطّبريّ: استؤصلت،يقال منه:اجتثثت الشّيء أجتثّه اجتثاثا،إذا استأصلته.(13:212)

البغويّ: انقلعت.(3:38)

الميبديّ: أي استؤصلت جثّته و قلعت بتمامها، لأنّ عروقها قريبة من الظّاهر لا تثبت زمانا،بخلاف النّخلة و كثير من سائر الأشجار،كذلك الكافر ليس لقوله و لا لعمله أصل يستقرّ على الأرض،و لا فرع يصعد إلى السّماء.(5:253)

الزّمخشريّ: في مقابلة قوله: أَصْلُها ثابِتٌ و معنى اجتثّت استؤصلت،و حقيقة الاجتثاث:أخذ الجثّة كلّها.(2:377)

مثله الفخر الرّازيّ(19:121)،و النّسفيّ(2:261)، و النّيسابوريّ(13:126)،و المراغيّ(13:147)، و الحجازيّ(13:63)،و نحوه البيضاويّ(1:530)، و البروسويّ(4:415)،و الآلوسيّ(13:214).

الطّبرسيّ: أي اقتطعت و استؤصلت و اقتلعت جثّته من الأرض.(3:313)

القرطبيّ: جثّه:قلعه،و اجتثّه:اقتلعه من فوق الأرض،أي ليس لها أصل راسخ يشرب بعروقه من الأرض.(9:362)

ابن عطيّة: [ذكر أقوال المتقدّمين و قال:]

و الظّاهر عندي أنّ التّشبيه وقع بشجرة غير معيّنة إذا وجدت فيها هذه الأوصاف.فالخبث،هو أن تكون العضاه،أو كشجر السّموم أو نحوها،إذا اجتثّت-أي اقتلعت،حيث جثّتها بنزع الأصول و بقيت في غاية الوهاء و الضّعف-لتقلبها أقلّ ريح.فالكافر يرى أنّ بيده شيئا و هو لا يستقرّ و لا يغني عنه،كهذه الشّجرة الّتي يظنّ بها على بعد أو للجهل بها أنّها شيء نافع و هي خبيثة الجني غير باقية.(3:336)

أبو حيّان :و اُجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مقابل لقوله: أَصْلُها ثابِتٌ أي لم يتمكّن لها أصل و لا عرق في الأرض،و إنّما هي نابتة على وجه الأرض.

(5:423)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجثّ،أي قطع أصل الشّجر،ثمّ عمّم في كلّ قطع،يقال:جثّه يجثّه جثّا، و جثثته و اجتثثته فانجثّ،و اجتثّ الشّيء:أخذت جثّته بكمالها،و شجرة مجتثّة:ليس لها أصل في الأرض.

و الجثيث:أوّل ما يقلع من الفسيل من أمّه،واحدته:

جثيثة،أي الفسيلة،و لا تزال جثيثة حتّى تطعم،ثمّ هي نخلة.

و المجثّة و المجثاث:حديدة يقلع بها الفسيل.

و الجثّ:الشّمع،و الجراد الميّت،و ما مات من النّحل في العسل،يقال:جثّ المشتار،أي أخذ العسل بجثّه و محارينه،أي ما مات فيه من النّحل.

2-و لقد أبعد ابن فارس في هذا الأصل كثيرا؛إذ جعل الأصل لهذا الباب:تجمّع الشّيء،و زعم أنّه قياس صحيح،و قاس عليه جثّة الإنسان،و الجثّ،أي مجتمع الأرض المرتفع،و الجثّ،و هو ما يجتمع في العسل، و الشّمع.و دعم هذا القياس بقوله:«نبت جثاجث:

كثير،و لعلّ الجثجاث من هذا»،و«جثثت من الرّجل،

ص: 51

إذا فزعت منه،و ذلك أنّ المذعور يتجمّع»!

و نحن نكرّر عليه سؤاله:«فكيف تقيس على هذا جثثت الشّيء و اجتثثته،إذا قلعته،و الجثيث من النّخل:

الفسيل،و المجثّة:الحديدة الّتي يقتلع بها الشّيء»؟

و لا نقتنع بقوله:«قياسه قياس الباب،لأنّه لا يكون مجثوثا إلاّ و قد قلع بجميع أصوله و عروقه،حتّى لا يترك منه شيء،فقد عاد إلى ما أصّلناه»لأنّه تمحّل بيّن.

ثمّ إنّ أصل ما أصّل عليه ليس من هذا الباب،لأنّ «الجثاجث»و«الجثجاث»من مادّة«ج ث ج ث»، و معنى الفزع من المهموز،قال ابن السّكّيت:«قد جئف الرّجل و جئث و زئد،إذا فزع»،و قال الحربيّ في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«فجثثت منه»أراد«جئثت»فجعل مكان الهمزة ثاء.و الجثّة:شخص الشّيء،و الجثّ:الأرض المرتفعة،و غلاف الثّمرة،من«الجفّة»و«الجفّ»،فالثّاء بدل عن الفاء،و الفاء أكثر ما يعتري الثّاء من سائر الحروف عند الإبدال،مثل:الجدف و الجدث،و الفناء و الثّناء،و الفوم و الثّوم،و غيرها كثير.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت مرّة واحدة،في سورة مكّيّة:و قد سبقت يلاحظ أوّلا:أنّ(اجتثّت)جاءت وصفا لشجرة خبيثة نبتت على سطح الأرض لا قرار لها،مثلا لكلمة خبيثة لا بقاء لها،و مقابلة لكلمة«طيّبة»الّتي هي كشجرة طيّبة لها قرار ثابت في تخوم الأرض.

ثانيا:تمثيل الكلمة طيّبها و خبيثها بالشّجرة بنوعيها،من أجل نموّها و سرايتها و أثرها الباقي و الزّائل.

لاحظ«ك ل م»و«ش ج ر».

ثالثا:جاء في جانب الكلمة«الطّيّبة»أنّها شجرة طيّبة أصلها ثابت و فرعها في السّماء.أمّا الكلمة«الخبيثة» فاجتثّت من فوق الأرض،فلا فرع لها،كما لا أصل لها، فلهذا سكت عن أصلها و فرعها و اكتفى بأنّها اجتثّت من فوق الأرض.

رابعا:جاءت(اجتثّت)ماضيا مؤنّثا مجهولا من باب«الافتعال»الدّالّ على الضّعف مرّة واحدة،تقليلا و تحقيرا لها،كأنّها انفعلت و غابت عن الأذهان و اختفت عن الآذان و الأبصار،كأن لم تكن شيئا مذكورا،و هذا يحكي منتهى ضعفها،كما أنّ الكلمة الطّيّبة لها أصل في تخوم الأرض و فرعها في السّماء،ترتفع بلا حدود و إلى غير نهاية،و هذا يحكي منتهى قوّتها.

خامسا:جاءت الكلمة بنوعيها في آيتين،ثمّ طبّقهما اللّه في آية بعدها على فريقين:على المؤمنين الّذين وصفهم بأنّ اللّه يثبّتهم بإيمانهم الصّادق بالقول الثّابت في الحياة الدّنيا و الآخرة،و على الظّالمين الّذين يضلّهم اللّه بظلمهم البالغ و يفعل بهم ما يشاء.فلم يذكر الحياتين بشأنهم اكتفاء بما سبق،و تعميما لحال الظّالمين بأنّ اللّه يفعل بهم ما يشاء من الذّلّ و الهوان و العذاب في جميع الأحوال،و هي تشمل الدّنيا و الآخرة،إلاّ أنّ إهمال حالهم أبلغ من اختصاصها بالدّنيا و الآخرة.

سادسا:وصف في هذه أهل«الكلمة الطّيبة» بالمؤمنين الّذين يثبّتهم اللّه بالقول الثّابت،و أهل«الكلمة الخبيثة»بالظّالمين الّذين يضلّهم اللّه،و البحث في الهداية و الإضلال المنسوبتين إلى اللّه،يأتي في«ض ل ل» و«ه د ي»،فانتظر.

ص: 52

ج ث م

اشارة

جاثمين

لفظ واحد،5 مرّات مكّيّة،في 3 سور مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

عكرمة: المجثّمة:الشّاة،ترمى بالنّبل حتّى تقتل.

(الأزهريّ 11:26)

الخليل :جثم يجثم جثوما،أي لزم مكانا لا يبرح.

و في بعض الوصف:إذا شرب على العسل،جثم على المعدة،ثمّ قذف بالدّاء.

و الجاثوم:الكابوس،أي الدّيثان.

و الجثّامة:الرّجل البليد،و السّيّد الحليم.

و الجثمان بمنزلة الجسمان،جامع لكلّ شيء،تريد جسمه و ألواحه.

و الجثوم للطّير كالرّبوض للغنم.

و«نهى عن المجثّمة»و هي المصبورة من الطّير و الأرانب و أشباههما،ممّا يجثم بالأرض إذا لزمتها و لبدت عليها.فإن حبسها إنسان قيل:جثّمها فهي مجثّمة،أي محبوسة،فإن فعلت هي،قيل:جثمت فهي جاثمة.

(6:100)

اللّيث: و الجثمة و الحثمة:كلاهما الأكمة،و هي الجثوم.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 11:27)

أبو زيد :الجثمان:الجسمان،يقال:ما أحسن جثمان الرّجل و جسمانه!أي جسده.[ثمّ استشهد بشعر] (الجوهريّ 5:1882)

الأصمعيّ: جثمت و جثوت واحد.

(الأزهريّ 11:27)

الجثمان:الشّخص،و الجسمان:الجسم.[ثمّ استشهد بشعر](الجوهريّ 5:1882) أبو عبيد:أمّا المجثّمة الّتي نهي عنها،فإنّها المصبورة أيضا،و لكنّها لا تكون إلاّ في الطّير و الأرانب و أشباه ذلك ممّا يجثم،لأنّ الطّير يجثم في الأرض و غيرها

ص: 53

إذا لزمته و لبدت عليه،فإن حبسها إنسان قيل:قد جثّمت،أي فعل ذلك بها،و هي مجثّمة،و هي المحبوسة، فإذا فعلت هي من غير فعل أحد قيل:قد جثمت تجثم جثوما فهي جاثمة.(1:155)

ابن الأعرابيّ: الجاثوم:هو الكابوس،و هو الدّيثان.(الأزهريّ 11:26)

شمر: المجثّمة:هي الشّاة الّتي ترمى بالحجارة حتّى تموت،ثمّ تؤكل.

و الشّاة لا تجثم،إنّما الجثوم للطّير،و لكنّه استعير.

و يقال:جثم فلان بالأرض يجثم جثوما،إذا لصق بها و لزمها،فهو جاثم.[ثمّ استشهد بشعر]

و جثمت العذوق،إذا عظمت فلزمت مكانها.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:جثمانيّة الماء:وسطه و مجتمعه و مكانه.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال للّذي يقع على الإنسان و هو نائم:جاثوم و جثم و جثمة،و رازم،و ركّاب،و جثّامة.و هو هذا النّجث الّذي يقع على النّائم.(الأزهريّ 11:26)

الدّينوريّ: الجثم:العذق إذا عظم بسره شيئا، و الجمع:جثوم.(ابن سيده 7:375)

المبرّد: [قال]الحطيئة:

أبوا غير ضرب يجثم الهام وقعه

و طعن كأفواه المزفّتة الحمر

«يجثم الهام وقعه»إنّما هو مثل.يقال:جثم الطّائر كما يقال:برك الجمل،و ربض البعير.(1:232)

ثعلب :و جثّم اللّيل جثوما:انتصف.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 7:374)

ابن دريد :و جثم الطّائر يجثم و يجثم جثما و جثوما،إذا ألصق صدره بالأرض،و موقعه:

مجثمه،و كذلك السّبع،و ربّما استعير لغير السّبع و الطّير.[ثمّ استشهد بشعر]

و جثمان كلّ شيء:جسمه،يقال:أتانا بثريد كجثمان القطاة،أي كشخصها.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:جثّمت الطّين أو التّراب،إذا جمعته،و هي الجثمة.

و في الحديث:«نهي عن المجثّمة»قال بعضهم:هي الشّاة تشدّ ثمّ ترمى حتّى تقتل،و جثمت الطّائر،إذا رميته و هو جاثم.

و الجاثوم:الّذي يسقط على النّاس في النّوم.

(2:33)

الجوهريّ: جثم الطّائر،أي تلبّد بالأرض،يجثم و يجثم جثوما،و كذلك الإنسان.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:رجل جثمة و جثّامة:للنّئوم الّذي لا يسافر.

و المجثّمة:المصبورة إلاّ أنّها في الطّير خاصّة و الأرانب و أشباه ذلك،تجثم ثمّ ترمى حتّى تقتل؛و قد نهي عن ذلك.

و يقال:جاءنا بثريد مثل جثمان القطاة.(5:1882)

ابن فارس: الجيم و الثّاء و الميم أصل صحيح،يدلّ على تجمّع الشّيء.فالجثمان:شخص الإنسان،و جثم،إذا لطئ بالأرض،و جثم الطّائر يجثم.و في الحديث:«نهي عن المجثّمة»و هي المصبورة على الموت.(1:505)

الهرويّ: و الجثوم للنّاس و الطّيور بمنزلة البروك

ص: 54

للإبل.(1:319)

الأزهريّ: [و قيل:]الجثّامة:الرّجل الّذي لا يبرح بيته؛و هو اللّبد (1)أيضا.(11:27)

الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]

و الجثمان:بمنزلة الجسمان،و هو معظم كلّ شيء.

و الجاثوم:الكابوس،و كذلك الجثمة.

و تجثّم الطّائر تجثّما،إذا سفد و نزا.

و دارة الجثوم:لبني الأضبط بن كلاب،و الجثوم:ماء لهم.

و إذا استقلّ الزّرع من الأرض شيئا سمّي:جثما، يقال:جثّم الزّرع.(7:79)

ابن سيده: جثم الإنسان و الطّائر و النّعامة و الخشف و الأرنب و اليربوع يجثم،و يجثم جثما و جثوما،فهو جاثم:لزم مكانه فلم يبرح.و قيل:هو أن يقع على صدره.

و جمع الجاثم:جثوم.

و الجثام،و الجاثوم:الدّيثان و الكابوس،يجثم على الإنسان.

و الجثّامة:السّيّد الحليم.

و المجثّمة:المحبوسة،و في الحديث:«أنّه نهي عن المجثّمة».قال بعضهم:لا يكون إلاّ في الطّائر و الأرنب.

و جثّم الطّين و التّراب و الرّماد:جمعها،و هي الجثمة.

و الجثم و الجثم:الزّرع إذا ارتفع عن الأرض شيئا، و استقلّ نباته.و قد جثم يجثم.

و جثمت العذوق تجثم،بضمّ الثّاء،جثوما:عظم بسرها شيئا.

و الجثمان:الجسم.(7:374)

و الجثوم:جبل.[ثمّ استشهد بشعر]

[ثمّ قال مقلوبه:«ث ج م»سرعة الصّرف عن الشّيء،و«م ث ج»:مثج بالشّيء:غذي به]

(7:374)

الطّوسيّ: الجثوم:السّقوط على الوجوه،و قيل:

هو القعود على الرّكب،يقال:جثم على القلب،إذا ثقل عليه.(6:22)

الرّاغب: و الجثمان:شخص الإنسان قاعدا.

و رجل جثمة و جثّامة:كناية عن النّئوم و الكسلان.

(88)

الزّمخشريّ: جثم الطّائر،و هذا مجثمة،«و نهي عن المجثّمة»و هي المصبورة،و جاء بثريدة كجثمان القطاة،و رأيت تمرا مثل جثمان الجزور.

و من المجاز:فلان جثّامة:لا ينهض للمكارم.

(أساس البلاغة:51)

«نهي عن المجثّمة»هي البهيمة تجثّم،ثمّ ترمى حتّى تقتل.(الفائق 1:190)

«ثمّ تجثّمها لينكحها»تجثّمها:من تجثّم الطّائر أنثاه، إذا علاها للسّفاد.(الفائق 1:222)

ابن الأثير: فيه:«أنّه نهي عن المجثّمة»هي كلّ حيوان ينصب و يرمى ليقتل،إلاّ أنّها تكثر في الطّير و الأرانب و أشباه ذلك ممّا يجثم في الأرض،أي يلزمها و يلتصق بها.و جثم الطّائر جثوما،و هو بمنزلة البروك للإبل.(1:239)ه.

ص: 55


1- من لا يسافر و لا يترك منزله.

الفيّوميّ: جثم الطّائر و الأرنب يجثم من باب «ضرب»جثوما،و هو كالبروك من البعير،و ربّما أطلق على الظّباء و الإبل.

و الفاعل:جاثم و جثّام مبالغة،ثمّ استعير الثّاني مؤكّدا بالهاء للرّجل الّذي يلازم الحضر و لا يسافر، فقيل:فيه جثّامة،و زان:علاّمة و نسّابة،ثمّ سمّي به.

(1:91)

الفيروزآباديّ: جثم الإنسان و الطّائر و النّعام و الخشف و اليربوع يجثم جثما و جثوما،فهو جاثم و جثوم:لزم مكانه فلم يبرح،أو وقع على صدره،أو تلبّد بالأرض.

و اللّيل جثوما:انتصف،و الزّرع:ارتفع عن الأرض و استقلّ نباته،و هو جثم و يحرّك.

و العذق جثوما:عظم بسره و هو جثم.

و الطّين و التّراب و الرّماد:جمعه،و هي الجثمة بالضّمّ.

و كغراب:الكابوس كالجاثوم.

و الجثّامة:البليد،و السّيّد الحليم،و نوّام لا يسافر كالجاثوم و الجثمة كهمزة و صرد.

و الجثمان:بالضّمّ:الجسم،و الشّخص،و جثمانيّة الماء في قول الفرجيّة:

و باتت بجثمانيّة الماء نيبها

إلى ذات زجل كالمآتم حسّرا

أرادت الماء نفسه أو وسطه أو مجتمعه.و الجثوم بالضّمّ:ماء لهم،و جبل،و الأكمة كالجثمة محرّكة،و دارة الجثوم:لبني الأضبط.(4:88)

مجمع اللّغة:جثم يجثم جثوما:لزم مكانه لاصقا بالأرض لا يبرح،فهو جاثم و هم جاثمون.(1:182)

محمّد إسماعيل إبراهيم:جثم الطّائر،وقع على صدره،أو لزم مكانه.

و جثم الإنسان:لزم مكانه فلم يبرح،أو لصق بالأرض فهو جاثم،و الجمع:جاثمون.(1:102)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو التّجمّع من جهة الاستقرار و السّكون،و التّثبّت على المكان،فهي قريبة من الجثّ و الجبيّ و الجبّ.(2:55)

النّصوص التّفسيريّة

جاثمين

1- فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ.

الأعراف:78

ابن عبّاس: ميّتين لا يتحرّكون.(131)

نحوه ابن زيد(الطّبريّ 8:233)،و النّيسابوريّ(8:

167).

خامدين ميّتين لا يتحرّكون.(الواحديّ 2:384)

نحوه البيضاويّ.(1:357)

الإمام الصّادق عليه السّلام: [في حديث طويل يقول في آخره:]

فلمّا كان نصف اللّيل أتاهم جبرئيل عليه السّلام،فصرخ عليهم صرخة خرقت تلك الصّرخة أسماعهم،و فلقت قلوبهم،و صدعت أكبادهم،و قد كانوا في تلك الثّلاثة الأيّام قد تحنّطوا و تكفّنوا،و علموا أنّ العذاب نازل بهم،

ص: 56

فماتوا أجمعين في طرفة عين صغيرهم و كبيرهم،فلم يبق لهم ثاغية و لا راغية و لا شيء إلاّ أهلكه اللّه،فأصبحوا في ديارهم و كانت مضاجعهم موتى أجمعين،ثمّ أرسل اللّه عليهم مع الصّيحة النّار من السّماء،فأحرقتهم أجمعين.

(العروسيّ 2:49)

أبو عبيدة :أي بعضهم على بعض جثوم،و له موضع آخر:جثوم على الرّكب.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:218)

الطّبريّ: يعني سقوطا صرعى لا يتحرّكون،لأنّهم لا أرواح فيهم قد هلكوا،و العرب تقول للبارك على الرّكبة:جاثم.[ثمّ استشهد بشعر](8:233)

ابن الأنباريّ: قال المفسّرون:معنى جاثمين بعضهم على بعض،أي عند نزول العذاب بهم:سقط بعضهم على بعض كما يجثم الطّير.(الواحديّ 2:384)

الماورديّ: و في الجاثم قولان:

أحدهما:أنّه البارك على ركبتيه،لأنّهم أصبحوا موتى على هذه الحال.

و الثّاني:معناه أنّهم أصبحوا كالرّماد الجاثم،لأنّ الصّاعقة أحرقتهم.

و قيل:إنّه كان بعد العصر.(2:236)

الطّوسيّ: و معنى(جاثمين)باركين على ركبهم موتى.(4:485)

نحوه الطّباطبائيّ.(8:183)

الرّاغب: استعارة للمقيمين من قولهم:جثم الطّائر، إذا قعد و لطئ بالأرض.(88)

الزّمخشريّ: (جاثمين)هامدين لا يتحرّكون موتى، يقال:النّاس جثم،أي قعود لا حراك بهم و لا ينبسون نبسة،و منه المجثّمة الّتي جاء النّهي عنها،و هي البهيمة تربط و تجمع قوائمها لترمى.(2:91)

نحوه النّسفيّ.(2:62)

الطّبرسيّ: أي صرعى ميّتين،ساقطين لا حركة بهم.(2:441)

الفخر الرّازيّ: [ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]

فثبت أنّ الجثوم عبارة عن السّكون و الخمود.ثمّ اختلفوا،فمنهم من قال:لمّا سمعوا الصّيحة العظيمة تقطّعت قلوبهم و ماتوا جاثمين على الرّكب،و قيل:بل سقطوا على وجوههم،و قيل:وصلت الصّاعقة إليهم فاحترقوا و صاروا كالرّماد،و قيل:بل عند نزول العذاب عليهم سقط بعضهم على بعض،و الكلّ متقارب.(14:165)

القرطبيّ: أي لا صقين بالأرض على ركبهم و وجوههم،كما يجثم الطّائر،أي صاروا خامدين من شدّة العذاب،و أصل الجثوم للأرنب و شبهها،و الموضع مجثم.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:احترقوا بالصّاعقة فأصبحوا ميّتين،إلاّ رجلا واحدا كان في حرم اللّه،فلمّا خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه.(7:242)

أبو حيّان :و قيل:معناه حمما محترقين كالرّماد الجاثم.ذهب هذا القائل إلى أنّ الصّيحة اقترن بها صواعق محرقة.(4:331)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و المراد كونهم كذلك عند ابتداء نزول العذاب بهم من غير اضطراب و لا حركة،كما يكون عند الموت

ص: 57

المعتاد،و لا يخفى ما فيه من شدّة الأخذ و سرعة البطش، اللّهمّ إنّا بك نعوذ من نزول سخطك و حلول غضبك.

و(جاثمين)خبر ل(اصبحوا)و الظّرف متعلّق به، و لا مساغ لكونه خبرا و جاثمين حالا،لإفضائه إلى كون الإخبار بكونهم في دارهم مقصودا بالذّات،و كونهم جاثمين قيدا تابعا له غير مقصود بالذّات.(2:512)

نحوه البروسويّ(3:192)،و الآلوسيّ(8:165).

رشيد رضا :الجثوم للإنسان و الطّير كالبروك للإبل،فالأوّل:وقوع النّاس على ركبهم و خرورهم على وجوههم،و الثّاني:وقوع الطّير لاطئة بالأرض في حال سكونها باللّيل،أو قتلها في الصّيد.

و المعنى أنّهم لم يلبثوا و قد وقعت الصّاعقة بهم أن سقطوا مصعوقين،و جثموا هامدين خامدين.(8:507)

المراغيّ: أي لم يلبثوا أن سقطوا مصعوقين جثثا هامدة،حين نزلت بهم الصّيحة في أرضهم.(8:202)

مكارم الشّيرازيّ: و جاثم في الأصل:مشتقّ من مادّة«جثم»بمعنى القعود على الرّكب،و التّوقّف في مكان واحد.و لا يبعد أن يكون هذا التّعبير إشارة إلى أنّ الزّلزلة و الرّجفة جاءتهم و هم في حالة نوم هنيئة، فجلسوا على أثرها فجأة،و بينما كانوا قاعدين على ركبهم لم تمهلهم الرّجفة بل ماتوا و هم على هذه الهيئة،إمّا خوفا،و إمّا بسبب انهيار الجدران عليهم،و إمّا بفعل الصّاعقة الّتي رافقت الزّلزال.(5:94)

و بهذا المعنى جاءت الآية(91)من سورة الأعراف.

2- وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ. هود:67

ابن زيد :مبيّتين،لأنّ الصّيحة كانت بياتا في اللّيل.(الماورديّ 2:480)

الطّبريّ: قد جثمتهم المنايا،و تركتهم خمودا بأفنيتهم.(12:68)

الماورديّ: في(جاثمين) وجهان:أحدهما:[قول ابن زيد المتقدّم]،الثّاني:هلكى بالجثوم.

و في الجثوم تأويلان:أحدهما:أنّه السّقوط على الوجه،الثّاني:أنّه القعود على الرّكب.(2:481)

نحوه الطّوسيّ.(6:22)

البغويّ: صرعى هلكى.(2:455)

مثله الخازن.(3:196)

الميبديّ: ميّتين صرعى،و الجثوم:السّقوط على الوجه،فأماتهم اللّه إلاّ رجلا كان في حرم اللّه،فمنعه حرم اللّه من عذاب اللّه.و جاء في الخبر أنّه أبو ثقيف.

(4:412)

ابن عطيّة: أي باركين قد صعق بهم،و هو تشبيه بجثوم الطّير،و بذلك يشبه جثوم الأثافي و جثوم الرّماد.

(3:187)

الطّبرسيّ: أي ميّتين واقعين على وجوههم، و يقال:(جاثمين)أي قاعدين على ركبهم.(3:175)

الفخر الرّازيّ: الجثوم هو السّكون،يقال للطّير إذا باتت في أوكارها:إنّها جثمت،ثمّ إنّ العرب أطلقوا هذا اللّفظ على ما لا يتحرّك من الموت،فوصف اللّه تعالى هؤلاء المهلكين بأنّهم سكنوا عند الهلاك،حتّى كأنّهم ما كانوا أحياء.(18:22)

ص: 58

القرطبيّ: أي ساقطين على وجوههم،قد لصقوا بالتّراب كالطّير إذا جثمت.(9:62)

الشّربينيّ: أي باركين على الرّكب ميّتين.

(2:68)

أبو السّعود :(جاثمين)هامدين موتى لا يتحرّكون، و المراد كونهم كذلك عند ابتداء نزول العذاب بهم من غير اضطراب و حركة،كما يكون ذلك عند الموت المعتاد،و لا يخفى ما فيه من الدّلالة على شدّة الأخذ و سرعته،اللّهمّ إنّا نعوذ بك من حلول غضبك.

(3:330)

نحوه الآلوسيّ(12:91)،و القاسميّ(9:3463).

البروسويّ: [مثل أبي السّعود و أضاف:]

و جثومهم:سقوطهم على وجوههم،أو الجثوم:

السّكون.[ثمّ قال نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]

قال في«بحر العلوم»:يقال:النّاس جثم،أي قعود لا حراك بهم و لا ينبسون نبسة،و منه المجثّمة الّتي نهى الشّرع عنها،و هي البهيمة تربط و تجمع قوائمها لترمى.

(4:160)

رشيد رضا :أي ساقطين على وجوههم مصعوقين، لم ينج منهم أحد،شبّهوا بالطّير في لصوقها بالأرض.

يقال:جثم الطّائر و الأرنب من باب«ضرب»جثوما، و هو كالبروك من البعير.(12:126)

مكارم الشّيرازيّ: الجاثم من مادّة جثم،على وزن«ردم»و معناه المصدريّ:الجلوس على الفخذ،كما يأتي بمعنى السّقوط للوجه.

و يستفاد طبعا من التّعبير ب(جاثمين)أنّ الصّيحة من السّماء كانت السّبب في موتهم،إلاّ أنّ أجسادهم كانت ملقاة على الأرض.لكن يستفاد من بعض الرّوايات أنّ الصّاعقة أحرقتهم بنارها،و لا منافاة بين الأمرين،لأنّ أثر الصّوت الموحش للصّاعقة يتّضح فورا.و أمّا آثار حرقها،و خاصّة لمن هم داخل العمارات،فيظهر بعدئذ.

(6:550)

و بهذا المعنى جاءت الآيتان هود(94)،و العنكبوت (37).

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجثوم،و هو التّجمّع، يقال:جثم الطّائر يجثم و يجثم جثما و جثوما فهو جاثم، أي تلبّد بالأرض و لزق،و جثّمت الطّير فهي مجثّمة،أي حبست.و من ثمّ استعير لسائر الحيوان و الإنسان و الأشياء،يقال:جثمت الأرنب تجثم جثوما،فهي جثوم،و مكانها مجثم.

و جثم فلان بالأرض يجثم جثوما:لصق بها و لزمها، و هو جاثم،و الجمع جثوم.و الجاثم:البارك على رجليه كما يجثم الطّير،و الجاثمة:الّذي لا يبرح بيته،و رجل جثمة و جثّامة:النّئوم الّذي لا يسافر.

و جثم العسل على المعدة يجثم جثوما:لصق بها، يقال:إذا شربت العسل جثم على رأس المعدة،ثمّ قذف الدّاء.

و جثم فلان الطّين و التّراب و الرّماد:جمعها،و هي الجثمة،و الجثمة و الجثوم:الأكمة.

و الجثم:العذق إذا عظم بسره،و الجمع:جثوم؛يقال:

ص: 59

جثمت العذوق تجثم جثوما،أي عظمت فلزمت مكانها.

و الجثمان:الجسم،يقال:ما أحسن جثمان الرّجل و جسمانه!و الجثمان أيضا:الشّخص،يقال:جاءني بثريد مثل جثمان القطاة،أي كشخصها.

و جثمانيّة الماء:وسطه و مجتمعه و مكانه.

و الجاثوم و الجثام و الجثّامة و الجثم و الجثمة:

الكابوس يجثم على الإنسان.

و الجثّامة:البليد،و السّيّد الحليم،و هما من هذا الباب؛فالأوّل فدم ثقيل الفهم،و الثّاني يقبض يده عند الغضب،و لا يبطش بخصمه،رغم قدرته على ذلك.

و جثم اللّيل جثوما:انتصف،فكأنّه جمع بين نصفيه،أوّل اللّيل و آخره.

2-و بين«ج ث م»و«ج ث و»اشتقاق أكبر؛يقال للرّجل:إنّه لعظيم الجثوة و الجثّة.و جثوة الرّجل:

جسده،و الجثوة:مثل الجثمة،و هو التّراب المجتمع، و جثا يجثوا:جلس على ركبتيه فهو جاث،كالجاثم،و هو البارك على رجليه كما يجثم الطّير.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد(5)مرّات في ثلاث سور مكّيّة:

1- فَعَقَرُوا النّاقَةَ وَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَ قالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ* فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ الأعراف:77،78

2- فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا وَ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ* وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ هود:66،67

3- وَ قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ* فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ الأعراف:90،91

4- وَ لَمّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا وَ أَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ هود:94

5- وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ وَ ارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ* فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ

العنكبوت:36،37

يلاحظ أوّلا:أنّه لم يأت منها إلاّ(جاثمين)خمس مرّات وصفا للعذاب الواقع على قومي صالح و شعيب بسياق واحد فَأَصْبَحُوا... جاثِمِينَ.

ثانيا:قالوا في معناه:ميّتين لا يتحرّكون،صرعى لا يتحرّكون،هامدين خامدين،لاصقين بالأرض على ركبهم،باركين على ركبهم موتى،مبيّتين،لأنّ الصّيحة كانت بياتا باللّيل،أصبحوا كالرّماد الجاثم،لأنّ الصّاعقة أحرقتهم،صرعى هلكى،ساكتين،سقط بعضهم على بعض،ساقطين على الوجوه،قاعدين على الرّكب و نحوها،و أكثرها-أي غير الأخيرين-تفسير بلازم المعنى،لأنّ الجثوم لغة كما حدّده الماورديّ:«السّقوط على الوجه أو القعود على الرّكب،فهو كناية عن الهلاك بذلّة.

ثالثا:(جاثمين)خبر(اصبحوا)،و ليس حالا كما قيل،و الجارّ متعلّق به،قدّم عليه رعاية لرويّ الآيات،

ص: 60

و لأنّها أصبحت مثلا قرآنيّا لهؤلاء،فجاءت بلفظ واحد.

رابعا:جاءت(1)و(2)بشأن قوم صالح،و في إحداهما فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ، و في الأخرى وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ و معلوم أنّ الصّيحة تعقبها الرّجفة،فالصّيحة و الرّجفة متلازمتان،فلم يخل ما نزل بشأن القومين عنهما و هذا من لطائف القرآن.

خامسا:كلّما ذكرت الرّجفة،ذكر معها(دارهم) مفردا،و كلّما ذكرت الصّيحة ذكر معها(ديارهم)جمعا، تأكيدا لمزيد أثر الصّيحة الّتي كانت سبب الرّجفة،فهي تحطّم الدّيار و السّاكنين فيها جميعا.

سادسا:و أيضا كلّما ذكرت الصّيحة،جاء معها اَلَّذِينَ ظَلَمُوا تعليقا على الوصف و تعليلا بظلمهم الّذي جلب عليهم الصّيحة بما لها من الأثر البالغ.

سابعا:جاءت في الجميع(فاصبحوا)تفريعا بالفاء على ما قبلها،لكن جاءت فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ بالفاء وَ أَخَذَتِ... اَلصَّيْحَةُ بالواو،و السّرّ فيهما أنّ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ جاءت عقيب ما صدر عنهم من التّكذيب و الإعراض،مثل فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ في(5)و نظيرها في(1)و(3).أمّا وَ أَخَذَتِ... اَلصَّيْحَةُ فهي عطف على صدر الآيتين (3)و(4): فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا، و ليست تفريعا على ما قبلها فلاحظ.

ثامنا:الآيات كلّها مكّيّة كأكثر ما نزلت بشأن القومين:عاد و ثمود،و كانا من العرب البائدة،أسلاف العرب العرباء،لاحظ«ثمود و شعيب»فهي ككثير من القصص أنسب بأهل مكّة،و ألصق بابتداء الدّعوة.

ص: 61

ص: 62

ج ث و-ي

اشارة

لفظان،3 مرّات مكّيّة،في سورتين مكّيّتين

جاثية 1:1 جثيّا 2:2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجثوة:تراب مجموع كهيئة القبر.

و الجثو:مصدر الجاثي،و الجثوّ أيضا.(6:172)

ابن شميّل: يقال للرّجل:إنّه لعظيم الجثوة، و الجثّة.و جثوة الرّجل:جسده،و الجميع:الجثى.[ثمّ استشهد بشعر]

و القبر:جثوة،و ما ارتفع من الأرض،نحو ارتفاع القبر:جثوة.(الأزهريّ 11:172)

أبو عمرو الشّيبانيّ: ناقة ضخمة الجثوة،إذا كانت ضخمة البركة.(1:119)

و الجثوة:التّراب المجتمع.(الأزهريّ 11:172)

الفرّاء: جثوة من النّار،و جذوة،و جثوة و جذوة.

و الجثى:تراب مجموعة،واحدتها:جثوة.

(الأزهريّ 11:171)

ابن الأعرابيّ: الجاذي:على قدميه،و الجاثي:

على ركبتيه،و جثا على ركبتين،و هو الانتصاب.

(الحربيّ 3:1171)

و الجثوة:البدن و الوسط.(ابن سيده 7:540)

ابن دريد :و جثا الرّجل يجثوا جثوّا و جثيّا و جثوا، إذا برك على ركبتيه.و الجثوة و الجثوة و الجثوة:ثلاث لغات،من التّراب و غيره ما جمعته،و الجمع:جثى،و به سمّي القبر جثوة.[ثمّ استشهد بشعر](2:34)

الأزهريّ: و في الحديث:«فلان من جثى جهنّم».

و له معنيان فيما فسّر أبو عبيد:

أحدهما:أنّه ممّن يجثو على الرّكب فيها.

و الآخر:أنّه من جماعات أهل جهنّم،على رواية من روى«جثى»بالتّخفيف.

و من رواه«من جثيّ جهنّم»بتشديد الياء،فهو جمع الجاثي،قال اللّه تعالى: ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا مريم:68.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 63

و يقال:جثا فلان على ركبتيه،يجثو جثوّا و جثيّا.

(11:171)

الصّاحب: الجثوّ:مصدر الجاثي،و هم جثيّ و جثيّ.

و جثوت الإبل و الغنم:جمعتهما،و جثيتهما:نحوه.

و نعم مجثّ.

و في الحديث:«من دعا دعاء الجاهليّة فهو من جثى جهنّم»أي من جماعتها،و يروى«من جثيّ جهنّم»و هو جمع:جاث.

و الجثوة:تراب مجموع كهيئة القبر.

و يقال:جثوة و جثوة و جثوة من النّار،أي قطعة منها؛و كذلك من الشّجرة إذا قطعتها فأبقيت أصلها.

و الجثى:الأنصاب الّتي تذبح عليها الذّبائح.

و الجثى:الجاثوم باللّيل.

و الجثاء:الشّخص كالجماء،و الجثاء كذلك.

و الجثاء:الجزاء أيضا و القدر؛جثاء القوم كذا،أي زهاؤهم.(7:168)

الجوهريّ: الجثوة و الجثوة و الجثوة،ثلاث لغات:الحجارة المجموعة.

و جثى الحرم بالضّمّ و جثى الحرم أيضا بالكسر:

ما اجتمع فيه من حجارة الجمار.

و جثا على ركبتيه يجثو و يجثي جثيّا و جثوّا،على «فعول»فيهما،و أجثاه غيره.

و قوم جثيّ أيضا،مثل جلس جلوسا و قوم جلوس، و منه قوله تعالى: (وَ نَذَرُ الظّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) مريم:72، و(جثيّا)أيضا بكسر الجيم لما بعدها من الكسرة.

و جاثيته ركبتي إلى ركبته،و تجاثوا على الرّكب.

و سورة الجاثية:الّتي تلي الدّخان.(6:2298)

الهرويّ: قوله تعالى: (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) (1)مريم:68 جثيّ:جمع جاث،و هو الّذي يجثو على الرّكبة.

و في الحديث:«من دعا دعاء الجاهليّة فهو من جثى جهنّم»واحدة الجثا:جثوة،بضمّ الجيم،أي من جماعات جهنّم،نعوذ باللّه منها.

و الجثوة:الشّيء المجموع.(319)

ابن سيده: جثا يجثو جثوّا و جثيّا:جلس على ركبتيه للخصومة و نحوها.[ثمّ استشهد بشعر]

و قوم جثيّ،و جثيّ.

و قد تجاثوا في الخصومة مجاثاة،و جثاء،و هما من المصادر الآتية على غير أفعالها.

و جثا جثوا و جثوّا،كجذا جذوا و جذوّا،إذا قام على أطراف أصابعه،و عدّه أبو عبيد في البدل.و أمّا ابن جنّيّ فقال:ليس أحد الحرفين بدلا من صاحبه،بل هما لغتان.

و الجثوة،و الجثوة،و الجثوة:حجارة من تراب مجتمع كالقبر.و الجثوة:القبر،سمّي بذلك.و قيل:هي الرّبوة الصّغيرة،و قيل:هو الكومة من التّراب.[إلى أن قال:]

و الجثوة،و الجثوة،و الجثوة:لغة في الجذوة، و الجذوة،و الجذوة.و زعم يعقوب:أنّ الثّاء هنا بدل من الذّال.(7:539)

الرّاغب: جثى على ركبتيه جثوّا و جثيّا فهو جاث،ة.

ص: 64


1- هذه قراءة.

نحو عتا يعتو عتوّا و عتيّا.و جمعه:جثيّ،نحو باك و بكيّ، و قوله عزّ و جلّ: (وَ نَذَرُ الظّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) مريم:72، يصحّ أن يكون جمعا نحو:بكيّ،و أن يكون مصدرا موصوفا به.

و«الجاثية»في قوله عزّ و جلّ: وَ تَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً الجاثية:28،فموضوع موضع الجمع،كقولك:

جماعة قائمة و قاعدة.(88)

الطّوسيّ: و الجثوّ:البروك على طرف الأصابع، فهو أبلغ من«الجثو».(9:261)

الزّمخشريّ: جثا على ركبتيه جثوّا،و رأيته جاثيا بين يديه وَ تَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً الجاثية:28، و رأيتهم جثيّا عنده.

و في الحديث:«أنا أوّل من يجثو للخصومة بين يدي اللّه تعالى يوم القيامة»

و تجاثوا على الرّكب،و جاثى خصمه مجاثاة.

و صار فلان جثوة من تراب.[ثمّ استشهد بشعر]

(أساس البلاغة:52)

[نحو الهرويّ و أضاف:]

و الجثوة:ما جمع من تراب و غيره،فاستعيرت.

و روي جثيّ،و هو جمع جاث،من قوله تعالى:

حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا مريم:68.(الفائق 1:190)

الطّبرسيّ: الجثيّ:جمع الجاثي،و هو الّذي برك على ركبتيه.و أصله:جثوّ«فعول»من جثا يجثو.

(3:522)

المدينيّ: في حديث عامر:«رأيت قبور الشّهداء جثا»الجثا:جمع جثوة،و هي الحجر أو التّراب المجموع.

و في حديث آخر:«فإذا لم نجد حجرا جمعنا جثوة من تراب»أي قطعة تجمع فتكون كومة،و يقال:الجثوة، بضمّ الجيم و كسرها و فتحها.فجمع الأوليين:جثا و جثا،بضمّ الجيم و كسرها،و جمع المفتوحة:جثوات.

و منه الحديث:«من دعا دعاء الجاهليّة فهو من جثا جهنّم»أي جماعاتها؛و جثوت الإبل و الغنم،و جثيتها:

جمعتها.

و قيل:«هو من جثيّ جهنّم»جمع جاث،فعلى هذا يجوز بكسر الجيم و ضمّها كالعصيّ و العصيّ،أي من الّذين يجثون في جهنّم.

و في حديث إتيان المرأة في رواية:«مجثّاة»بدل مجبّية»،لو صحّ نقله،كأنّه أراد مجثّاة للرّكبة،يقال:

جثيته و أجثيته فجثا.

و منه حديث ابن عمر رضي اللّه عنهما:«إنّ النّاس يصيرون يوم القيامة جثا،كلّ أمّة تتبع نبيّها»،أي جماعة،و تروى هذه اللّفظة:«جثيّ»بتشديد الياء،جمع جاث،و هو الّذي يجلس على ركبتيه.(1:296)

الفيّوميّ: جثا على ركبته جثيّا و جثوّا،من بابي «علا ورمى»فهو جاث،و قوم جثيّ على«فعول».

(91)

الفيروزآباديّ: الجثوة،مثلّثة:الحجارة المجموعة، و الجسد،و الجذوة،و الوسط.

و جثا الحرم بالضّمّ و الكسر:ما اجتمع فيه من الحجارة الّتي توضع على حدود الحرم،أو الأنصاب تذبح عليها الذّبائح؛و وهم الجوهريّ.

و جثا كدعا ورمى،جثوّا و جثيّا بضمّهما:جلس على

ص: 65

ركبتيه،أو قام على أطراف أصابعه،و أجثاه غيره،و هو جاث:جمع جثيّ بالضّمّ و الكسر.

و جاثيت ركبتي إلى ركبته،و تجاثوا على الرّكب.

و الجثاء كسحاب:الشّخص،و يضمّ،و الجزاء،و القدر، و الزّهاء.و كسميّ:جبل.

و جثوت الإبل و جثيتها:جمعتها.(4:312)

الطّريحيّ: و في حديث عليّ عليه السّلام:«أنا أوّل من يجثو للخصومة»أي يجلس على الرّكب و أطراف الأصابع عند الحساب.

و الجثوّ و الجثيّ،بالضّمّ فيهما،بمعنى،و الفعل«جثا» كدعا ورمى.(1:81)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ حقيقة«الجثى (1)»قريبة من:الجذو و الجثم و الجثّ،بمعنى أنّ مفهومه مأخوذ من مفاهيم هذه الكلمات،فمعناه التّجمّع في مكان،على حالة بين القيام و القعود،و يعبّر عنها بالاستيفاز.

و هذه الهيئة تدلّ على الانتظار و التّرقّب و فقدان الاطمينان،و هذه حالة من لم يتعيّن له ثواب و لا عقاب، و هو ينتظر صدور الحكم في حقّه.

و«الجثيّ»بالكسر تبعا للعين و الياء،و الأصل على وزان«جلوس»جمعا،أي جاثمين مستوفزين،و صيغة جمع التّكسير تدلّ على التّحقير.(2:56)

النّصوص التّفسيريّة

جاثية

وَ تَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً... الجاثية:28

سلمان الفارسيّ: إنّ في يوم القيامة ساعة هي عشر سنين،يخرّ النّاس فيها جثاء على ركبهم،حتّى إنّ إبراهيم عليه السّلام ينادي:نفسي،لا أسألك إلاّ نفسي.

(الواحديّ 4:100)

ابن عبّاس: جامعة.(422)

مجتمعة.(الماورديّ 5:267)

الجاثية:المجتمعة للحساب المترقّبة لما يعمل بها.

(النّيسابوريّ 25:79)

مجاهد :على الرّكب مستوفزين.

(الطّبريّ 25:154)

نحوه مجاهد،و النّحّاس.(النّحّاس 6:431)

الضّحّاك: على الرّكب عند الحساب.

(الطّبريّ 25:154)

نحوه الحسن(الماورديّ 5:267)،و ابن زيد (الطّبريّ 25:154).

عكرمة :متميّزة.(الماورديّ 5:267)

مؤرّج السّدوسيّ: خاضعة،بلغة قريش.

(الماورديّ 5:267)

يحيى بن سلاّم:أنّه للكفّار خاصّة.

(الماورديّ 5:267)

ابن عيينة: مستوفزين،و لا يكون المستوفز إلاّ على ركبتيه،و أطراف أصابعه.(النّحّاس 6:431)

الفرّاء: مجتمعة للحساب.(3:48)

ابن قتيبة :باركة على الرّكب.يراد:أنّها غير مطمئنّة.(405)

ص: 66


1- الظّاهر:الجثو.

الطّبريّ: مجتمعة مستوفزة على ركبها من هول ذلك اليوم.(25:154)

السّجستانيّ: باركة على الرّكب،و تلك جلسة المخاصم و المجادل؛و منه قول عليّ بن أبي طالب رضوان اللّه عليه:«أنا أوّل من يجثو للخصومة».(171)

الماورديّ: أنّه عامّ للمؤمن و الكافر انتظارا للحساب.(5:267)

الواحديّ: جالسة على الرّكب عند الحساب كما يجثي بين يدي الحاكم،ينتظر القضاء.(4:100)

نحوه البغويّ(4:188)،و الميبديّ(9:135)، و النّسفيّ(4:138).

الزّمخشريّ: باركة مستوفزة على الرّكب.و قرئ (جاذية) ،و الجذو أشدّ استيفازا من الجثو،لأنّ الجاذي هو الّذي يجلس على أطراف أصابعه.(3:513)

نحوه البيضاويّ(2:383)،و أبو السّعود(6:63).

الشّربينيّ: أي مجتمعة لا يخالطها غيرها،و هي مع ذلك باركة على الرّكب،رعبا و استيفازا لما لعلّها تؤمر به جلسة المخاصم بين يدي الحاكم،تنتظر القضاء الحاكم و الأمر الجازم اللاّزم،لشدّة ما يظهر لها من هول ذلك اليوم.(3:600)

نحوه البروسويّ.(8:453)

الآلوسيّ: باركة على الرّكب مستوفزة،و هي هيئة المذنب الخائف المنتظر لما يكره.(25:155)

نحوه المراغيّ.(25:161)

القاسميّ: أي باركة،مستوفزة على الرّكب لا حراك بها،شأن الخائف المنتظر لما يكره؛و ذلك عند الحساب أو في الموقف الأوّل،وقت البعث قبل الجزاء.(14:5328)

مغنيّة: يحشر سبحانه النّاس يوم القيامة باركين على الرّكب ينتظرون الحساب و الجزاء.و غير بعيد أن يكون هذا كناية عن هول المطّلع،و روعة الفزع.(7:

31)

عزّة دروزة :(جاثية)من الجثوّ،و هو الجلوس على الرّكب جلسة المتقاضي أمام قاضيه،أو الجلوس جلسة القرفصاء،جلسة الانتظار لقضاء اللّه.

و ذكر بعض المفسّرين أنّ معناها متجمّعة إلى بعضها،منتظرة قضاء اللّه في أمرها.(5:266)

عبد الكريم الخطيب :و الجثوّ:الإناخة على الرّكب؛حيث تنحلّ عزائم النّاس من الهول المحيط بهم في هذا اليوم،فلا تحملهم أرجلهم،فيجثون على ركبهم،أي في هذا اليوم ترى كلّ قد اجتمعت،و جثت على ركبها.

(13:252)

مكارم الشّيرازيّ: يستفاد من بعض التّعابير الّتي وردت في كلمات المفسّرين الكبار أنّ أصحاب الدّعوى في الماضي كانوا يجلسون على هذه الهيئة في مجلس القضاء،ليميّزوا عن الآخرين،و سيجثو الجميع يوم القيامة في تلك المحكمة الكبرى لتتمّ محاكمتهم.

و يمكن أيضا أن يكون هذا التّعبير علامة على استعدادهم،لتقبّل أيّ أمر أو حكم يصدر بحقّهم،لأنّ الّذين يكونون على أهبة الاستعداد يجثون على الرّكب، أو أنّه إشارة إلى ضعف هؤلاء و عجزهم،و خوفهم و اضطرابهم الّذي سيعانونه.و جمع كلّ هذه المعاني في مفهوم الآية ممكن أيضا.

ص: 67

و للجاثية معان أخرى،من جملتها:الجمع الكثير المتراكم،أو جماعة جماعة،و يمكن أن تكون إشارة إلى تراكم البشر و ازدحامهم في محكمة العدل الإلهيّ،أو جلوس كلّ أمّة و فئة على حدة،و بمعزل عن الأمم الأخرى،إلاّ أنّ المعنى الأوّل هو الأنسب و الأشهر.

(16:211)

جثيّا

فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَ الشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا. مريم:68

ابن عبّاس: جميعا.(258)

يعني القعود.(الطّبريّ 16:107)

جماعات،جمع جثوة.(البغويّ 3:242)

نحوه الأخفش و الكلبيّ.(الماورديّ 3:383)

مجاهد :أي على ركبهم.(النّحّاس 4:346)

الضّحّاك: جمع جاث،أي جاثين على الرّكب.

مثله الحسن.(البغويّ 3:242)

نحوه الميبديّ(6:73)

العوفيّ: بروكا على الرّكب.(الماورديّ 3:383)

ابن زيد:الجثيّ: شرّ الجلوس.(ابن عطيّة 4:26)

السّدّيّ: أي قياما.(343)

قائمين على الرّكب لضيق المكان.(البغويّ 3:242)

الطّبريّ: و الجثيّ:جمع الجاثي.(16:106)

الزّجّاج: و(جثيّا)بالضّمّ و الكسر جميعا،و معنى جثيّا على ركبهم،لا يستطيعون القيام ممّا هم فيه.و جثيّ:

جمع جاث و جثى،مثل قاعد و قعود،و بارك و بروك.

و الأصل ضمّ الجيم،و جائز كسرها،إتباعا لكسرة الياء،و(جثيّا)منصوب على الحال.(3:338)

نحوه السّجستانيّ.(118)

النّحّاس: إنّهم لشدّة ما هم فيه،لا يقدرون على القيام.(4:347)

الطّوسيّ: جمع الجاثي،و هو الّذي برك على ركبتيه.

(7:141)

الزّمخشريّ: فإن قلت:ما معنى إحضارهم جثيّا؟

قلت:أمّا إذا فسّر الإنسان بالخصوص،فالمعنى أنّهم يقبلون من المحشر إلى شاطئ جهنّم عتلا على حالهم الّتي كانوا عليها في الموقف،جثاة على ركبهم غير مشاة على أقدامهم؛و ذلك أنّ أهل الموقف وصفوا بالجثوّ،قال اللّه تعالى: وَ تَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً الجاثية:28،على العادة المعهودة في مواقف المقاولات و المناقلات،من تجاثى أهلها على الرّاكب،لما في ذلك من الاستيفاز و القلق و إطلاق الجثا و خلاف الطّمأنينة،أو لما يدهمهم من شدّة الأمر الّتي لا يطيقون معها القيام على أرجلهم فيحبون على ركبهم حبوا.

و إن فسّر بالعموم،فالمعنى أنّهم يتجاثون عند موافاة شاطئ جهنّم.على أنّ(جثيّا)حال مقدّرة كما كانوا في الموقف متجاثين،لأنّه من توابع التّواقف للحساب،قبل التّوصّل إلى الثّواب و العقاب.(2:519)

نحوه البيضاويّ(2:38)،و أبو السّعود(4:252).

ابن عطيّة: جمع جاث،كقاعد و قعود و جالس و جلوس.و أصله«جثوو»و ليس في كلام العرب واو متطرّفة قبلها ضمّة،فوجب لذلك أن تعلّ،و لم يعتدّ

ص: 68

هاهنا بالسّاكن الّذي بينهما لخفّته و قلّة حوله،فقلبت ياء،فجاء«جثويا»فاجتمع الواو و الياء،و سبقت إحداهما بالسّكون،فقلبت ياء،ثمّ أدغمت،ثمّ كسرت التّاء للتّناسب بين الكسرة و الياء.

و قرأ الجمهور (جِثِيًّا) و (صِلِيًّا) مريم:70،بضمّ الجيم و الصّاد.و قرأ ابن وثّاب و طلحة و الأعمش (جثيّا) و (صليّا) ذاته بكسر الجيم و الصّاد.

و أخبر اللّه تعالى أنّه يحضر هؤلاء المنكرين للبعث مع الشّياطين،فيجثون حول جهنّم،و هي قعدة الخائف الذّليل على ركبتيه كالأسير.(4:26)

الطّبرسيّ: و المعنى يجثون حول جهنّم متخاصمين و يتبرّأ بعضهم من بعض،لأنّ المحاسبة تكون بقرب جهنّم.و قيل:جثيّا أي جماعات جماعات عن ابن عبّاس، كأنّه قيل:زمرا.و هو جمع جثوة،و جثوة هي المجموع من التّراب و الحجارة.(3:523)

الفخر الرّازيّ: و هذا الإحضار يكون قبل إدخالهم جهنّم،ثمّ إنّه تعالى يحضرهم على أذلّ صورة،لقوله تعالى: (جِثِيًّا) لأنّ البارك على ركبتيه صورته صورة الذّليل أو صورته صورة العاجز.

فإن قيل:هذا المعنى حاصل للكلّ،بدليل قوله تعالى: وَ تَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً الجاثية:28،و السّبب فيه جريان العادة أنّ النّاس في مواقف المطالبات من الملوك يتجاثون على ركبهم،لما في ذلك من الاستنظار و القلق،أو لما يدهمهم من شدّة الأمر الّذي لا يطيقون معه القيام على أرجلهم،و إذا كان هذا عامّا للكلّ فكيف يدلّ على مزيد ذلّ الكفّار؟

قلنا:لعلّ المراد أنّهم يكونون من وقت الحشر إلى وقت الحضور في الموقف على هذه الحالة،و ذلك يوجب مزيد الذّلّ في حقّهم.(21:241)

نحوه النّيسابوريّ.(16:75)

القرطبيّ: جمع:جاث،يقال:جثا على ركبتيه يجثو و يجثي جثوّا و جثيّا على«فعول»فيهما،و أجثاه غيره.

و قوم جثيّ أيضا،مثل جلس جلوسا و قوم جلوس، و«جثى»أيضا بكسر الجيم لما بعدها من الكسر.

و قال ابن عبّاس: (جثيّا)جماعات،و قال مقاتل:

جمعا جمعا،و هو على هذا التّأويل:جمع جثوة و جثوة و جثوة،ثلاث لغات،و هي الحجارة المجموعة و التّراب المجموع.[إلى أن قال:]

و قال الحسن و الضّحّاك: جاثية على الرّكب،و هو على هذا التّأويل:جمع جاث،على ما تقدّم؛و ذلك لضيق المكان،أي لا يمكنهم أن يجلسوا جلوسا تامّا.

و قيل:جثيّا على ركبهم للتّخاصم،كقوله تعالى:

ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ الزّمر:31.

(11:133)

النّسفيّ: (جثيّا)حال،جمع جاث،أي بارك على الرّكب،و وزنه«فعول»لأنّ أصله«جثوو»كسجود و ساجد،أي يعتلون من المحشر إلى شاطئ جهنّم عتلا على حالهم الّتي كانوا عليها في الموقف،جثاة على ركبهم غير مشاة على أقدامهم.(3:42)

الشّربينيّ: (جثيّا)حال مقدّرة من مفعول لَنُحْضِرَنَّهُمْ و هو جمع جاث،جمع على«فعول»نحو قاعد و قعود و جالس و جلوس،و أصله«جثوو»بواوين

ص: 69

أو«جثوي»من:جثا يجثو و يجثى،لغتان.[ثمّ أدام نحو الفخر الرّازيّ](2:439)

البروسويّ: أي جالسين على الرّكب،لما يعرضهم من شدّة الأمر الّتي لا يطيقون معها القيام على أرجلهم.

(5:349)

نحوه القاسميّ.(11:4157)

الآلوسيّ: و قرأ غير واحد من السّبعة بضمّها،و هو جمع«جاث»في القراءتين.و جوّز الرّاغب كونه مصدرا، نظير ما قيل في«بكيّ»و قد مرّ.و لعلّ إحضار الكفرة بهذه الحال إهانة لهم،أو لعجزهم عن القيام لما اعتراهم من الشّدّة.

و قال بعضهم:إنّ المحاسبة تكون حول جهنّم، فيجثون لمخاصمة بعضهم بعضا،ثمّ يتبرّأ بعضهم من بعض،و قال السّدّيّ:يجثون لضيق المكان بهم.فالحال على القولين مقدّرة،بخلافه على ما تقدّم.و قيل:إنّها عليه مقدّرة أيضا،لأنّ المراد الجثيّ حول جهنّم.

و من جعل الضّمير للكفرة و غيرهم قال:إنّه يحضر السّعداء و الأشقياء حول جهنّم ليرى السّعداء ما نجّاهم اللّه تعالى منه فيزدادوا غبطة و سرورا،و ينال الأشقياء ما ادّخروا لمعادهم،و يزدادوا غيظا من رجوع السّعداء عنهم إلى دار الثّواب،و شماتتهم بهم و يجثون كلّهم،ثمّ لما يدهمهم من هول المطّلع،أو لضيق المكان،أو لأنّ ذلك من توابع التّواقف للحساب،و التّقاول قبل الوصول إلى الثّواب و العقاب.

و قيل:إنّهم يجثون على ركبهم إظهارا للذّلّ في ذلك الموطن العظيم،و يدلّ على جثيّ جميع أهل الموقف ظاهر قوله تعالى: وَ تَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً.

(16:118)

الطّباطبائيّ: الجثيّ في أصله على«فعول»جمع الجاثي،و هو البارك على ركبتيه.و نسب إلى ابن عبّاس أنّه جمع«جثوة»و هو المجتمع من التّراب و الحجارة، و المراد أنّهم يحضرون زمرا و جماعات متراكما بعضهم على بعض،و هذا المعنى أنسب للسّياق.(14:88)

مغنيّة:بعد أن يخرجوا من قبورهم على أسوأ حال تقعدهم الملائكة على الرّكب حول جهنّم لينظروا إليها، فيزدادوا حسرات و أنّات.(5:193)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ هذه الآية توحي بأنّ محكمة الأفراد الكافرين و المجرمين قريبة من جهنّم.

و التّعبير بالجثيّ-مع العلم أنّ(جثيّا)جمع:جاث،و هو الّذي يجثو على ركبتيه-ربّما كان إشارة إلى ضعف و عجز و ذلّة هؤلاء،حتّى إنّهم لا قدرة لهم على الوقوف أحيانا.

إنّ لهذه الكلمة معاني أخرى أيضا،فمن جملتها أنّهم فسّروا(جثيّا)بمعنى جماعة جماعة،و بعضهم فسّرها بمعنى الكثرة و ازدحام بعضهم على بعض كالحجارة و التّراب،إلاّ أنّ التّفسير الأوّل هو الأنسب و الأشهر.

(9:431)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: جثيّا على وجهين:

فوجه منها:جثيّا يعني جميعا،قوله: ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا مريم:68 يعني جميعا.

و الوجه الثّاني:جثيّا يعني جاثين على ركبهم،قوله:

ص: 70

وَ تَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً الجاثية:28،يعني جاثين على ركبهم.(230)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجثوّ،و هو تجمّع الشّيء، يقال:جثا فلان يجثو جثوّا و جثيّا،أي جلس على ركبتيه،و أجثاه غيره،و هو جاث،و الجمع:جثيّ و جثيّ و جثى،و الجاثية:مؤنّث الجاثي،يوضع موضع الجمع، يقال:جماعة جاثية.و تجاثوا على الرّكب مجاثاة و جثاة، و جاثيت ركبتي إلى ركبته.و جثا جثوا و جثوّا،أي قام على أطراف أصابعه،أو على قدمه،أو أقعى،و هو-كما يبدو-على التّوسّع.

و الجثوة:الجسد،يقال للرّجل:إنّه لعظيم الجثوة و الجثّة،و الجمع جثى،و جثى الحرم:ما اجتمع فيه من الحجارة،و هو القبر،و التّراب المجتمع.

و الجثوة:القبر،و الرّبوة الصّغيرة،و هو الجثوة أيضا.

2-و أمّا قول الفرّاء:«جذوة من النّار و جثوة»،فهو على البدل كما قال ابن السّكّيت،و الأصل فيه«الذّال» لأنّه مشتقّ من جذية الشّجرة،أي أصلها،كما سيأتي في «ج ذ و».

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظان:(جاثية)مرّة،و(جثيّا)مرّتين:

1- وَ تَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ الجاثية:28

2- فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَ الشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا مريم:68

3- ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ نَذَرُ الظّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا مريم:72

و يلاحظ أوّلا:أنّه«جثو»قريب من«جثم»في أحد معنييه،و هو القعود على الرّكبة،و هذا يحكي نهاية الذّلّة و العجز و انتظار السّوء،و الفرق بينهما أنّ«جثم» جاء في القرآن بشأن ما وقع من العذاب بقوم صالح و شعيب في الدّنيا،فليس فيه انتظار،و«جثو»جاء بشأن الآخرة حيث ينتظر النّاس أن يحيق بهم السّوء، فتشعر بشيء من الانتظار.

ثانيا:جاءت(جاثية)بشأن الأمم كافّة صالحها و طالحها،فقال: وَ تَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، و أمّا (جثيّا)بضمّ الجيم و كسره-جمع جاث-فجاء بشأن الكفّار و الشّياطين.

ثالثا:هذه المادّة اختصّت بسورتين مكّيّتين:مريم و الجاثية،فلعلّها كانت لغة أهل مكّة،أمّا«جثم»و إن غلبت عليه المكّيّة إلاّ أنّ واحدة من آياتها كانت مدنيّة، فلاحظ.

ص: 71

ص: 72

ج ح د

اشارة

3 ألفاظ،12 مرّة مكّيّة،في 10 سور مكّيّة

جحدوا 2:2 يجحد 3:3

يجحدون 7:7

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجحود:ضدّ الإقرار كالإنكار و المعرفة.

و الجحد:من الضّيق و الشّحّ،و رجل جحد:قليل الخير.[ثمّ استشهد بشعر](3:72)

أبو عمرو الشّيبانيّ: إنّه لجحد النّبت،إذا كان بخيلا،و إنّه لجحد النّائل،و إنّه لمجحد،إذا قلّ نائله.

(1:116)

الجحاديّ و الجخاديّ:الضّخم.(الإبدال:99)

أجحد الرّجل و جحد،إذا أنفض و ذهب ماله.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:125)

الفرّاء: الجحد و الجحد:الضّيق في المعيشة.

(الأزهريّ 4:125)

أبو زيد :جحدله جحدلة،إذا ضربه بالعصا فصرعه،وقذه أو لم يقذه.(95)

أبو عبيد: فرس جحد:و الأنثى جحدة،و الجميع:

جحاد،و هو الغليظ القصير.(الأزهريّ 4:125)

ابن السّكّيت: يقال:جحد الرّجل جحدا،و هو القليل الخير.و أرض جحدة،و هي اليابسة الّتي ليس بها خير.(19)

رجل جحد و مجحد،و هو الأنكد،القليل خيرا، الضّيّق مسكا،و قد جحد الرّجل يجحد جحدا.و أجحد، إذا قلّ خيره.[ثمّ استشهد بشعر](74)

الجحد:مصدر جحدت و الجحد:مصدر جحد النّبت،إذا قلّ و لم يطل.و يقال:كدأ النّبت.و يقال:رجل جحد و مجحد،إذا كان قليل الخير.و يقال:نكدا له و جحدا له.(إصلاح المنطق:50)

و الجحد و الجحد من قلّة الخير،يقال:رجل جحد و جحد.[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:86)

و يقال:أجحد الرّجل فهو مجحد،إذا كان ضيّقا قليل

ص: 73

الخير.و حكى لنا أبو عمرو عن بعضهم:هو الأنكد، القليل الخير،الضّيّق مسكا.و يقال أيضا في هذا المعنى:

قد جحد يجحد جحدا.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد جحدت الشّيء أجحده جحدا.

(إصلاح المنطق:267)

شمر: الجحاديّة:قربة ملئت لبنا،أو غرارة ملئت تمرا أو حنطة.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:125)

الزّجّاج: جحد الرّجل و أجحد،إذا قلّ خيره.

(فعلت و أفعلت:8)

أجحدته:صادفته بخيلا.(الصّغانيّ 2:205)

ابن دريد :استعمل منها:جحد الرّجل يجحد جحودا،إذا أنكر ما عليه من حقّ.

و عام جحد:قليل المطر،و رجل جحد:فقير.

و الجحد:القلّة من كلّ شيء.و سمّت العرب:جحادة.

(2:53)

الأزهريّ: جحد عيشهم جحدا،إذا ضاق و اشتدّ.

[ثمّ استشهد بشعر](4:125)

الصّاحب: الجحود:ضدّ الإقرار.

و الجحد:الضّيق.و الشّحّ.

و رجل جحد:قليل الخير،يقال منه:جحد و أجحد،و الجحد:لغة فيه.

و الجحاديّ: الضّخم،و الخاء لغة فيه.

و الجحاديّة:قربة أو سقاء ملآن،أو غرارة مملوءة تمرا.

و الجحّاد:البطيء الإنزال.(2:395)

الجوهريّ: الجحود:الإنكار مع العلم،يقال:

جحده حقّه و بحقّه،جحدا و جحودا.

و الجحد أيضا:قلّة الخير،و كذلك الجحد بالضّمّ.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الجحد بالتّحريك مثله،يقال:نكدا له و جحدا.

و جحد الرّجل بالكسر جحدا،فهو جحد،إذا كان ضيّقا قليل الخير.و أجحد،مثله.[ثمّ استشهد بشعر]

و عام جحد:قليل المطر.

و جحد النّبت،إذا قلّ و لم يطل.

و جحادة:اسم رجل.(2:451)

ابن فارس: الجيم و الحاء و الدّال أصل يدلّ على قلّة الخير،يقال:عام جحد:قليل المطر.و رجل جحد:

فقير،و قد جحد و أجحد.[إلى أن قال:]

و من هذا الباب:الجحود،و هو ضدّ الإقرار، و لا يكون إلاّ مع علم الجاحد به أنّه صحيح،قال اللّه تعالى: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ النّمل:

14،و ما جاء جاحد بخير قطّ.(1:425)

أبو هلال :الفرق بين الإنكار و الجحد:أنّ الجحد أخصّ من الإنكار،و ذلك أنّ الجحد إنكار الشّيء الظّاهر،و الشّاهد قوله تعالى: بِآياتِنا يَجْحَدُونَ فصّلت:28،فجعل الجحد ممّا تدلّ عليه الآيات، و لا يكون ذلك إلاّ ظاهرا.و قال تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها النّحل:83،فجعل الإنكار للنّعمة، لأنّ النّعمة قد تكون خافية.

و يجوز أن يقال:الجحد هو إنكار الشّيء مع العلم به، و الشّاهد قوله: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ النّمل:14،فجعل الجحد مع اليقين،و الإنكار يكون مع

ص: 74

العلم و غير العلم.

الفرق بين قولك:جحده و جحد به:أنّ قولك:

جحده يفيد أنّه:أنكره مع علمه به،و جحد به يفيد أنّه جحد ما دلّ عليه،و على هذا فسّر قوله تعالى:

وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ أي جحدوا ما دلّت عليه من تصديق الرّسل.

و نظير هذا قولك،إذا تحدّث الرّجل بحديث:كذّبته و سمّيته كاذبا،فالمقصود المحدّث.و إذا قلت:كذّبت به، فمعناه كذّبت بما جاء به،فالمقصود هاهنا الحديث.

و قال المبرّد:لا يكون الجحود إلاّ بما يعلمه الجاحد، كما قال اللّه تعالى: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ الأنعام:33.

الفرق بين الجحد و الكذب:أنّ الكذب هو الخبر الّذي لا مخبر له على ما هو به،و الجحد:إنكارك الشّيء الظّاهر،أو إنكارك الشّيء مع علمك به،فليس الجحد له إلاّ الإنكار الواقع على هذا الوجه،و الكذب يكون في إنكار و غير إنكار.(33)

ابن سيده: الجحد:نقيض الإقرار،جحده يجحده جحدا و جحودا،و جحده إيّاه.

و قوله تعالى: وَ جَحَدُوا بِها النّمل:14،عدّاه بالباء،لأنّه في معنى كفروا،و كذلك قوله تعالى:

وَ ما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ الأعراف:51،أي بكفرهم بآياتنا.

و الجحد و الجحد و الجحد:قلّة الخير.و قد جحد جحدا،فهو جحد و جحد و أجحد.

و أرض جحدة:يابسة لا خير فيها،و قد جحدت.

و جحد النّبات:قلّ و نكد.

و الجحد:القلّة من كلّ شيء،و قد جحد.و رجل جحد و جحد،كقولهم:نكد و نكد.

و نكدا له و جحدا،و نكدا له و جحدا،و نكدا و جحدا:دعاء عليه.(3:63)

الجحد:جحد النّبت يجحد جحدا:لم يطل،فهو جحد.(الإفصاح 2:1088)

الجحد و الجحد:قلّة الخير،و قيل:قلّة المال،و قيل:

القلّة من كلّ شيء.

جحد العيش يجحد جحدا و جحودا:ضاق و اشتدّ، فهو جحد و أجحد.

و أجحد فلان:ذهب ماله،و قلّ خيره.

(الإفصاح 2:1244)

الرّاغب: الجحود:نفي ما في القلب إثباته،و إثبات ما في القلب نفيه،يقال:جحد جحودا و جحدا،قال عزّ و جلّ: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ النّمل:14،و قال عزّ و جلّ: بِآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ المؤمن:63.

و«يجحد»يختصّ بفعل ذلك،يقال:رجل جحد، شحيح قليل الخير يظهر الفقر،و أرض جحدة:قليلة

النّبت،يقال:جحدا له و نكدا،و أجحد:صار ذا جحد.

(88)

الزّمخشريّ: جحده حقّه و بحقّه،جحدا و جحودا.

و ما أنت إلاّ جاحد جحد،أي قليل الخير،و فيك جحد و جحد كعدم و عدم،و قد جحد فلان و أجحد.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 75

و قلّة الخير على معنيين:الشّحّ و الفقر.و يقال:قد جحد عامنا،و عام جحد.(أساس البلاغة:52)

المدينيّ: الجحد:ضدّ الإقرار،و لا يكون جحدا إلاّ مع علم الجاحد به،بخلاف الإنكار،و كذلك الجحود.

و الجحد:قلّة الشّيء.(1:298)

الصّغانيّ: الجحاديّ،بالضّمّ و تشديد الياء:

الضّخم من كلّ شيء.[ثمّ ذكر مثل قول شمر و أبي عبيد و أضاف:]

الجحّاد:البطيء الإنزال.(2:205)

الفيّوميّ: جحده حقّه و بحقّه جحدا و جحودا:

أنكره،و لا يكون إلاّ على علم من الجاحد به.(1:91)

الفيروزآباديّ: جحده حقّه و بحقّه كمنعه جحدا و جحودا:أنكره مع علمه،و فلانا:صادفه بخيلا و كفرح:

قلّ و نكد،و النّبت:لم يطل.

و الجحد بالفتح و الضّمّ و التّحريك:قلّة الخير.

و جحد كفرح فهو جحد و جحد و أجحد.

و الجحّاد:البطيء الإنزال.

و الجحاديّ بالضّمّ:الضّخم من كلّ شيء،و بهاء:

القربة المملوءة لبنا،و الغرارة المملوءة تمرا أو حنطة.

و فرس جحد ككتف:غليظ قصير،و هي بهاء.

جمعه:ككتاب.

الجخاديّ بالضّمّ و تشديد الياء:الصّحن يحلب فيه، و الضّخم من الإبل،أو من كلّ شيء.(1:290)

الطّريحيّ: و الجحود،هو الإنكار مع العلم،يقال:

جحد حقّه جحدا و جحودا،أي أنكره مع علمه بثبوته.

(3:20)

مجمع اللّغة: جحد الحقّ أو الدّين يجحد جحودا:

أنكرهما،و هو يعلم.

و جحد بالنّعم أو بالآيات:كفر بهما.(1:182)

محمّد إسماعيل إبراهيم:جحد الأمر و به:

أنكره مع علمه به،و جحده حقّه و بحقّه:لم يعترف به، و جحد النّعمة:كفر بها،و الجحد في اللّغة:إنكارك بلسانك ما تستيقنه نفسك.(1:102)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ما يقابل الاعتراف و إظهار الوفاق،و يعبّر عنه ب«الإنكار».و هذا المعنى يختلف باختلاف الموضوعات و الموارد.

فإذا كان العام خلاف ما هو المتوقّع منه،و خلاف ما هو جار في الأعوام الماضية،فيقال:عام جحد.

و كذلك إذا كان الرّجل بعيدا عن الجريان الطّبيعيّ في أموره و معيشته،فيقال:رجل جحد،أي فقير في ضيق العيش،و هكذا النّبت إذا توقّف عن جريانه.

و أمّا قلّة الخير فهي من لوازم هذه المعاني.

و أمّا إطلاق«الجحد»على صيغة مستقبل دخلت عليها حرف«لم»أو«لمّا»؛فباعتبار مطلق الإنكار،سواء كان مع علم الجاحد أم لا.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

فتحصّل أنّ الإنكار أعمّ من أن يكون باللّسان أو بالطّبيعة أو بالحال.(2:57)

النّصوص التّفسيريّة

جحدوا

1- وَ تِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ عَصَوْا رُسُلَهُ وَ اتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبّارٍ عَنِيدٍ. هود:59

ص: 76

1- وَ تِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ عَصَوْا رُسُلَهُ وَ اتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبّارٍ عَنِيدٍ. هود:59

ابن عبّاس: كذّبوا أنبياء اللّه.(الواحديّ 2:579)

الطّوسيّ: و الجحد:الخبر بأنّ المعنى ليس بكائن على صحّة،فعلى هذا جحدوا هؤلاء الكفّار بآيات اللّه، أي أخبروا بأنّ المعنى لا نعرف صحّته،و النّفي خبر بعدمه.(6:14)

الفخر الرّازيّ: المراد:جحدوا دلالة المعجزات على الصّدق،أو الجحد،و دلالة المحدثات على وجود الصّانع الحكيم،إن ثبت أنّهم كانوا زنادقة.(18:15)

القرطبيّ: أي كذّبوا بالمعجزات و أنكروها.(9:54)

البيضاويّ: كفروا بها.(1:472)

أبو حيّان :أي أنكروها،و أصل«جحد»أن يتعدّى بنفسه،لكنّه أجري مجرى«كفر»فعدّي بالباء،كما عدّي «كفر»بنفسه في قوله: أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ هود:

60،إجراء له مجرى جحد.(5:235)

نحوه القاسميّ.(9:3459)

أبو السّعود :كفروا بها بعد ما استيقنوها.(3:326)

البروسويّ: كفروا بآيات ربّهم بعد ما استيقنوها، يعني أنّهم كانوا يعرفون أنّها حقّ،لكنّهم جحدوها كما يجحد المودع الوديعة و يستمرّ على جحوده و لا يرعوي.

(4:151)

رشيد رضا :أي كفروا بجنس الآيات الّتي يؤيّد بها رسله بجحود ما جاءهم به رسولهم منها.

...و الجحود بالآيات:تكذيب الدّلائل الواضحة عنادا في الظّاهر دون الباطن،كما قال في قوم فرعون:

وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا النّمل:14.(12:119)

2- وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ. النّمل:14

الإمام الصّادق عليه السّلام: الكفر في كتاب اللّه على خمسة أوجه:فمنها كفر الجحود على وجهين.[إلى قوله:]

و أمّا الوجه الآخر من الجحود على معرفة،و هو أن يجحد الجاحد و هو يعلم أنّه حقّ قد استقرّ عنده،و قد قال اللّه عزّ و جلّ: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا. (العروسيّ 4:75)

ابن جريج: الجحود:التّكذيب بها.

(الطّبريّ 19:140)

الطّبريّ: و كذّبوا بالآيات التّسع أن تكون من عند اللّه.(19:140)

نحوه البيضاويّ(2:172)،و الآلوسيّ(19:

168)،و القاسميّ(13:4662).

الطّوسيّ: و المعنى أنّهم عرفوها و علموها بقلوبهم،لكنّهم جحدوا بها بألسنتهم طلبا للعلوّ و التّكبّر،ففي ذلك دلالة على أنّهم كانوا معاندين،إذ جحدوا ما عرفوا.

و قال الرّمّانيّ: لا تدلّ على ذلك،لأنّ معرفتهم كانت بوقوعها على الحقيقة،فأمّا الاستدلال على أنّها من فعل اللّه و من قبله ليدلّ بها على صدق من أعطاها إيّاه،فبعد العلم بوقوعها.

و قال أبو عبيدة:الباء زائدة،و المعنى و جحدوها.

[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 77

و قيل:إنّهم جحدوا ما دلّت عليه من تصديق الرّسول،كما تقول:كذّبت به،أي بما جاء به.(8:81)

البغويّ: أي أنكروا الآيات،و لم يقرّوا أنّها من عند اللّه.(3:492)

نحوه ابن الجوزيّ.(6:158)

الميبديّ: لا يكون الجحود إلاّ من علم من الجاحد،و قيل:لا يكون الجحود إلاّ بعد الإقرار بما عرف،و أصل الجحد:قلّة الخير.

و في الباء قولان:

أحدهما:زيادة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّاني:باء السّبب،أي أزالوا الخير عنهم بسبب ردّهم آيات اللّه،و تكذيبهم حاملها.(7:183)

القرطبيّ: أي تيقّنوا أنّها من عند اللّه،و أنّها ليست سحرا،و لكنّهم كفروا بها،و تكبّروا أن يؤمنوا بموسى.

و هذا يدلّ على أنّهم كانوا معاندين.(13:163)

النّسفيّ: قيل:الجحود لا يكون إلاّ من علم من الجاحد.و هذا ليس بصحيح،لأنّ الجحود هو الإنكار، و قد يكون الإنكار للشّيء للجهل به،و قد يكون بعد المعرفة تعنّتا،كذا ذكر في«شرح التّأويلات»و ذكر في «الدّيوان»يقال:جحد حقّه و بحقّه بمعنى.(3:204)

الشّربينيّ: أي أنكروا كونها آيات موجبات لصدقه مع علمهم بإبطالهم،لأنّ الجحود:الإنكار مع العلم.(3:45)

البروسويّ: كذبوا بألسنتهم كونها آيات إلهيّة.

و الجحود:إنكار الشّيء بعد المعرفة و الإيقان تعنّتا، و أريد هنا التّكذيب لئلاّ يلزم استدراك قوله:

وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ. (6:324)

المراغيّ: أي و كذّبوا بألسنتهم و أنكروا دلالتها على صدقه،و أنّه رسول من ربّه.لكنّهم علموا في قرارة نفوسهم أنّها حقّ من عنده،فخالفت ألسنتهم قلوبهم، ظلما للآيات؛إذ حطّوها عن مرتبتها العالية و سمّوها سحرا،ترفّعا عن الإيمان بها،كما قال في آية أخرى:

فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً عالِينَ المؤمنون:47

و الخلاصة:إنّهم تكبّروا عن أن يؤمنوا بها،و هم يعلمون أنّها من عند اللّه.(19:125)

عبد الكريم الخطيب :الجحد و الجحود:الإنكار القائم على المكابرة،و التّحدّي للحقّ و الواقع.

(10:223)

مكارم الشّيرازيّ: يستفاد من هذا التّعبير أنّ الإيمان له حقيقة و واقعيّة غير العلم و اليقين،و يمكن أن يقع الكفر جحودا و إنكارا،بالرّغم من العلم بالشّيء.

و بعبارة أخرى:إنّ حقيقة الإيمان هي الإذعان و التّسليم في الباطن و الظّاهر للحقّ،فبناء على ذلك إذا كان الإنسان مستيقنا بشيء ما إلاّ أنّه لا يذعن له في الباطن أو الظّاهر فليس له إيمان،بل هو ذو كفر جحوديّ،و هذا هو ما نتحدّث عنه و نمرّ عليه في هذا البحث.

لذلك فإنّنا نقرأ حديثا عن الإمام الصّادق عليه السّلام يذكر فيه ضمن عدّه أقسام الكفر الخمسة:كفر الجحود،و يبيّن بعض شعبه بالتّعبير التّالي:هو أن يجحد الجاحد و هو يعلم أنّه حقّ قد استقرّ عنده.

و ممّا ينبغي الالتفات إليه أنّ القرآن يعدّ الباعث على

ص: 78

إنكار فرعون و قومه أمرين:الأوّل:الظّلم،و الثّاني:

العلوّ ظُلْماً وَ عُلُوًّا. (12:23)

فضل اللّه : وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا فلم يكن جحودهم الّذي بدر منها منطلقا من حالة فكريّة تبرّر لهم ذلك،ممّا يمكن أن يكونوا قد اكتشفوه في هذه الآيات من نقاط ضعف، و ما عرضه موسى في رسالته من مواقع رفض،بل كان منطلقا من مشاعر الظّلم العدوانيّ،الّذي يرفض أن يقف فيه الإنسان عند حدّه و حجمه الطّبيعيّ،و من طبيعة الاستعلاء الذّاتيّ أن يمنع الإنسان من القبول بالحقيقة الّتي يتحدّث بها النّاس،الّذين هم أقلّ منه قدرا و طبقة،في ما هي الموازين المألوفة لدى المجتمع في تقدير الأفراد، تبعا لقوّة المال و الجاه و النّسب.

و هذا هو الّذي يفسّر جحود الكثيرين من النّاس لحقائق الحياة و الإيمان،في طبيعة الموقف،في الوقت الّذي نلمح فيه الحقيقة في مواقع اليقين المشرق بالعمق الإيمانيّ،المتفجّر بينابيع النّور.

و ما ذا كانت النّتيجة؟هل استطاعوا أن يطمئنّوا إلى كفرهم و جحودهم و كبريائهم في مواقع السّلطة؟لم يبق لهم شيء من ذلك،فأغرقهم اللّه و أسقط كلّ دورهم الكافر و الظّالم،و تمّت كلمة ربّك صدقا و عدلا.

(17:191)

يجحد

وَ كَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ مِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ. العنكبوت:47

قتادة :إنّما يكون الجحود بعد المعرفة.

(الطّبريّ 21:4)

الطّبريّ: و ما يجحد بأدلّتنا و حججنا إلاّ الّذي يجحد نعمنا عليه،و ينكر توحيدنا و ربوبيّتنا على علم منه، عنادا لنا.(21:4)

الإسكافيّ: وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ... وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظّالِمُونَ العنكبوت:

47،49،للسّائل أن يسأل عن تسمية الجاحدين في الآية الأولى بالكافرين و في الثّانية بالظّالمين،و أولئك ظالمون كما أنّ هؤلاء كافرون،فلما ذا اختصاص الأولى بتلك الصّفة و الثّانية بهذه الصّفة؟

و الجواب:أنّ من جحد آيات اللّه فقد كفر نعمته، و هذا أوّل ما يفعله،لأنّ ذلك متعلّق بما قبله ممّن تولّى خلقه و أنعم عليه بما استوجب به شكره،فأوّل فعله:كفر نعم اللّه،ثمّ إنّه مسيء إلى نفسه،ظالم بأن أبدلها من النّعيم الّذي عرض له عذابا لا يطيقه؛فكفره أوّل في الذّكر و ظلمه ثان،لأنّه فوّت نفسه عظيم الأجر آخرا في العمل،فقدّم الكافرين على الظّالمين لذلك.(353)

الطّوسيّ: لأنّ كلّ من جحد بآيات اللّه من المكلّفين فهو كافر،معاندا كان أو غير معاند.(8:215)

البغويّ: و ذلك أنّ اليهود و أهل مكّة عرفوا أنّ محمّدا نبيّ و القرآن حقّ فجحدوا.(3:563)

الميبديّ: [مثل البغويّ و أضاف:]

و الجحود أكثر ما يقال في إنكار اللّسان و القلب عارف.(7:396)

ص: 79

الزّمخشريّ: وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا مع ظهورها و زوال الشّبهة عنها إلاّ المتوغّلون في الكفر المصمّمون عليه.(3:208)

الطّبرسيّ: أي و ما ينكر دلالاتنا إلاّ الكافرون و لا يضرّك جحودهم.(4:287)

الفخر الرّازيّ: وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ تنفيرا لهم عمّا هم عليه،يعني أنّكم آمنتم بكلّ شيء، و امتزتم عن المشركين بكلّ فضيلة،إلاّ هذه المسألة الواحدة،و بإنكارها تلتحقون بهم و تبطلون مزاياكم، فإنّ الجاحد بآية يكون كافرا.(25:76)

البروسويّ: الجحد:نفي ما في القلب إثباته،أو إثبات ما في القلب نفيه.(6:478)

الآلوسيّ: و فسّر[الجحد]هنا بالإنكار عن علم، فكأنّه قيل:و ما ينكر آياتنا مع العلم بها. إِلاَّ الْكافِرُونَ. (21:4)

المراغيّ: أي و ما يكذّب بآياتنا و يجحد حقّها إلاّ من يستر الحقّ بالباطل،و يغطّي ضوء الشّمس بالوصائل،و يغمط حقّ النّعمة عليه،و ينكر التّوحيد عنادا و استكبارا.(21:6)

مكارم الشّيرازيّ: و مع الالتفات إلى أنّ مفهوم الجحود،هو أن يعتقد الإنسان بشيء ما و ينكره بلسانه، فإنّ مفهوم الجملة المتقدّمة أنّ الكفّار يعترفون في قلوبهم بعظمة هذه الآيات،و يرون علامات الصّدق عليها، و خطّة النّبيّ طريقته و حياته النّقيّة،و أنّ أتباعه هم المخلصون،و يعدّون كلّ ذلك دليلا على أصالته،إلاّ أنّهم ينكرون ذلك عنادا و تعصّبا،و تقليدا أعمى لأسلافهم و لآبائهم،و لحفظ منافعهم الشّخصيّة العابرة.

و على هذا فإنّ القرآن يحدّد مواقف الأمم المختلفة إزاء هذا الكتاب،و يصنّفهم إلى قسمين:

فقسم هم أهل الإيمان،و هم أعمّ من أن يكونوا علماء اليهود و النّصارى،أو المؤمنين بصدق أو المشركين العطاشى إلى الحقّ،و عرفوا الحقّ فتعلّقت قلوبهم به.

و قسم آخر هم المنكرون المعاندون،الّذين رأوا الحقّ إلاّ أنّهم أنكروه و أخفوا أنفسهم عنه كالخفّاش، لأنّ ظلمة الكفر كانت جزء من نسيج وجودهم،فهم يستوحشون من نور الإيمان.

و ممّا ينبغي الالتفات إليه أنّ هذا القسم-أو هذه الطّائفة-كانوا كفرة من قبل،و لكن التّأكيد على كفرهم ممكن أيضا؛و ذلك لأنّهم لم تتمّ الحجّة عليهم من قبل، و لكنّهم بعد أن تمّت عليهم الحجّة،فقد أصبحوا كافرين كفرا حقيقيّا،و حادوا بعلمهم و اطّلاعهم عن الصّراط المستقيم،و خطوا في دروب الضّلال.(12:381)

و بهذا المعنى جاءت الآية(49)من سورة العنكبوت،و الآية(32)من سورة لقمان.فلاحظ.

يجحدون

1- قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ.

الأنعام:33

ابن عبّاس: كذّبهم قومهم كما كذّبك قومك.

(108)

قتادة :يعلمون أنّك رسول اللّه

ص: 80

و يجحدون.(الطّبريّ 7:181)

السّدّيّ: لمّا كان يوم بدر قال الأخنس بن شريق لبني زهرة:إنّ محمّدا ابن أختكم،فأنتم أحقّ من كفّ عنه،فإنّه إن كان نبيّا لم تقاتلوه اليوم،و إن كان كاذبا كنتم أحقّ من كفّ عن ابن أخته.قفوا هاهنا،حتّى ألقى أبا الحكم،فإن غلب محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم رجعتم سالمين،و إن غلب محمّد فإنّ قومكم لا يصنعون بكم شيئا-فيومئذ سمّي الأخنس،و كان اسمه أبيّ-فالتقى الأخنس و أبو جهل، فخلا الأخنس بأبي جهل،فقال:يا أبا الحكم،أخبرني عن محمّد؟أ صادق أم كاذب،فإنّه ليس هاهنا من قريش أحد غيري و غيرك يسمع كلامنا؟فقال أبو جهل:

ويحك،و اللّه إنّ محمّدا لصادق،و ما كذب محمّد قطّ، و لكن إذا ذهب بنو قصيّ باللّواء،و الحجابة و السّقاية و النّبوّة،فما ذا يكون لسائر قريش؟و قوله تعالى:

بِآياتِ اللّهِ: هي محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(241)

ابن قتيبة :يريد:أنّهم كانوا لا ينسبوك إلى الكذب و لا يعرفونك به،فلمّا جئتهم بآيات اللّه جحدوها،و هم يعلمون أنّك صادق.

و الجحد يكون ممّن علم الشّيء فأنكره،يقول اللّه عزّ و جلّ: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا النّمل:14.(تأويل مشكل القرآن:322)

الزّمخشريّ: المعنى:أنّ تكذيبك أمر راجع إلى اللّه،لأنّك رسوله المصدّق بالمعجزات،فهم لا يكذّبونك في الحقيقة،و إنّما يكذّبون اللّه بجحود آياته،فاله عن حزنك لنفسك و إن هم كذّبوك و أنت صادق،و ليشغلك عن ذلك ما هو أهمّ و هو استعظامك بجحود آيات اللّه تعالى و الاستهانة بكتابه،و نحوه قول السّيّد لغلامه إذا أهانه بعض النّاس:إنّهم لم يهينوك و إنّما أهانوني،و في هذه الطّريقة قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ الفتح:10.

و قيل:فإنّهم لا يكذّبونك بقلوبهم و لكنّهم يجحدون بألسنتهم،و قيل:فإنّهم لا يكذّبونك لأنّك عندهم الصّادق الموسوم بالصّدق،و لكنّهم يجحدون بآيات اللّه.

و عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يسمّى الأمين،فعرفوا أنّه لا يكذب في شيء و لكنّهم كانوا يجحدون.و كان أبو جهل يقول:ما نكذّبك،لأنّك عندنا صادق،و إنّما نكذّب ما جئتنا به.(2:15)

ابن عطيّة: يَجْحَدُونَ، حقيقته في كلام العرب:الإنكار بعد معرفة،و هو ضدّ الإقرار،و معناه على تأويل من رأى الآية في«المعاندين»مترتّب على حقيقته،و هو قول قتادة و السّدّي و غيرهما،و على قول من رأى أنّ الآية في«الكفّار»قاطبة دون تخصيص أهل العناد،يكون في اللّفظة تجوّز،و ذلك أنّهم لمّا أنكروا نبوّته و راموا تكذيبه بالدّعوى الّتي لا تعضدها حجّة، عبّر عن إنكارهم بأقبح وجوه الإنكار،و هو الجحد، تغليظا عليهم و تقبيحا لفعلهم؛إذ معجزاته و آياته نيّرة يلزم كلّ مفطور أن يعلمها و يقرّبها.

و جميع ما في هذه التّأويلات من نفي التّكذيب إنّما هو عن اعتقادهم،و أمّا أقوال جميعهم فمكذّبة،إمّا له و إمّا للّذي جاء به.

و كفر العناد جائز الوقوع بمقتضى النّظر،و ظواهر القرآن تعطيه،كقوله: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ النّمل:14،و غيرها.و ذهب بعض المتكلّمين إلى المنع من جوازه،و ذهبوا إلى أنّ المعرفة تقتضي الإيمان،و الجحد يقتضي الكفر،و لا سبيل إلى اجتماعهما،و تأوّلوا ظواهر القرآن،فقالوا في قوله تعالى:

ص: 81

و كفر العناد جائز الوقوع بمقتضى النّظر،و ظواهر القرآن تعطيه،كقوله: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ النّمل:14،و غيرها.و ذهب بعض المتكلّمين إلى المنع من جوازه،و ذهبوا إلى أنّ المعرفة تقتضي الإيمان،و الجحد يقتضي الكفر،و لا سبيل إلى اجتماعهما،و تأوّلوا ظواهر القرآن،فقالوا في قوله تعالى:

وَ جَحَدُوا بِها إنّها في أحكام التّوراة الّتي بدّلوها كآية الرّجم و غيرها.

و دفع ما يتصوّر العقل و يعقل من جواز كفر العناد على هذه الطّريقة صعب،أمّا أنّ كفر العناد من العارف باللّه و بالنّبوّة،فبعيد،لأنّه لا داعية إلى كفر العناد إلاّ الحسد،و من عرف اللّه و النّبوّة و أنّ محمّدا يجيئه ملك من السّماء،فلا سبيل إلى بقاء الحسد مع ذلك.أمّا أنّه جائز فقد رأى أبو جهل على رأس النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فحلا عظيما من الإبل قد همّ بأبي جهل،و لكنّه كفر مع ذلك.

و الّذي عندي في كفر حييّ بن أخطب و من جرى مجراه،أنّهم كانوا يرون صفات النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و يعرفونها أو أكثرها،ثمّ يرون من آياته زائدا على ما عندهم، فيتعلّقون في مغالطة أنفسهم بكلّ شبهة بأضعف سبب، و تتخالج ظنونهم فيقولون مرّة:هو ذلك،و مرّة:عساه ليسه،ثمّ ينضاف إلى هذا حسدهم و فقدهم الرّئاسة، فيتزايد و يتمكّن إعراضهم و كفرهم و هم على هذا،و إن عرفوا أشياء و عاندوا فيها،فقد قطعوا في ذلك بأنفسهم عن الوصول إلى غاية المعرفة و بقوا في ظلمة الجهل،فهم جاهلون بأشياء،معاندون في أشياء غيرها،و أنا أستبعد العناد مع المعرفة التّامّة.(2:286)

الطّبرسيّ: أي بالقرآن و المعجزات،يجحدون بغير حجّة سفها و جهلا و عنادا.و دخلت الباء في بِآياتِ اللّهِ و الجحد يتعدّى بغير الجارّ و المجرور،لأنّ معناه هنا التّكذيب،أي يكذّبون بآيات اللّه.

و قال أبو عليّ: الباء تتعلّق ب(الظّالمين)و المعنى و لكنّ الظّالمين بردّ آيات اللّه أو إنكار آيات اللّه يجحدون ما عرفوه من صدقك و أمانتك،و مثله قوله سبحانه:

وَ آتَيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها الإسراء:

59،أي ظلموا بردّها أو الكفر بها.(2:295)

ابن شهرآشوب:و هل الجحد بآياته إلاّ تكذيب نبيّه،نفى تكذيبهم بقلوبهم تديّنا و اعتقادا و إن كانوا يظهرون بأفواههم التّكذيب،كما قال: وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ البقرة:146.

قال أبو زيد المدنيّ: لقي أبو جهل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فصافحه أبو جهل،فقيل له في ذلك،فقال:و اللّه أعلم أنّه نبيّ، و لكن متى كنّا تبعا لبني عبد مناف،فأنزل اللّه الآية.

و قال الأخنس-و قد سئل عن النّبيّ بالسّرّ-:و اللّه إنّ محمّدا لصادق و ما كذب قطّ،و لكن إذا ذهب بنو قصيّ باللّواء و الحجابة و السّقاية و النّدوة و النّبوّة ما ذا يكون لقريش. فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ: لا يفعلون ذلك بحجّة، و لا يتمكّنون من إبطال ما جئت به،يقال:فلان لا يستطيع أن يكذّبني و لا يدفع قولي.(لا يكذّبونك):

لا يلقونك متقوّلا،كما تقول:قاتلته فما أحييته و حادثته فما أكذبته.قال الكسائيّ:أي لا ينسبونك إلى الكذب فيما أتيت به،لأنّه كان عندهم أمينا.قوله: وَ كَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَ هُوَ الْحَقُّ الأنعام:66،و لم يقل:و كذّبك قومك،المعنى في قوله:(لا يكذّبونك)إنّ تكذيبك راجع إليّ و عائد عليّ،و لست المختصّ به،لأنّه رسول اللّه،فمن

ص: 82

كذّبه كذّب اللّه لا يُكَذِّبُونَكَ في الأمر الّذي توافق فيه كتبهم و إن كذّبوك في غيره.

و قال المرتضى:لا يكذّبونك جميعهم و إن كذّبوك بعضهم،و هم الظّالمون الّذين ذكروا في الآية إنّهم يجحدون بآيات اللّه.و هذا تسلية للنّبيّ أنّه إن كذّبك بعضهم فإنّ فيهم من يصدّقك.(2:11)

نحوه الشّربينيّ(1:417)،و رشيد رضا(7:372).

الفخر الرّازيّ: ظاهر هذه يقتضي أنّهم لا يكذّبون محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم،و لكنّهم يجحدون بآيات اللّه.

و اختلفوا في كيفيّة الجمع بين هذين الأمرين على وجوه:

الوجه الأوّل:أنّ القوم ما كانوا يكذّبونه في السّرّ و لكنّهم كانوا يكذّبونه في العلانيّة و يجحدون القرآن و النّبوّة.ثمّ ذكروا لتصحيح هذا الوجه روايات:

إحداها:أنّ الحرث بن عامر من قريش قال:

يا محمّد،و اللّه ما كذبتنا قطّ،و لكنّا إن اتّبعناك نتخطّف من أرضنا،فنحن لا نؤمن بك لهذا السّبب.

و ثانيها:[رواية الأخنس،و قد مرّ ذكرها]

إذا عرفت هذا فنقول:معنى الآية على هذا التّقدير:

أنّ القوم لا يكذّبونك بقلوبهم و لكنّهم يجحدون نبوّتك بألسنتهم و ظاهر قولهم و هذا غير مستبعد،و نظيره قوله تعالى في قصّة موسى: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا.

الوجه الثّاني أنت في تأويل الآية:أنّهم لا يقولون:

إنّك أنت كذّاب،لأنّهم جرّبوك الدّهر الطّويل و الزّمان المديد،و ما وجدوا منك كذبا،البتّة،و سمّوك بالأمين فلا يقولون فيك:إنّك كاذب و لكن جحدوا صحّة نبوّتك و رسالتك،إمّا لأنّهم اعتقدوا أنّ محمّدا عرض له نوع خبل و نقصان،فلأجله تخيّل من نفسه كونه رسولا من عند اللّه.و بهذا التّقدير:لا ينسبونه إلى الكذب،أو لأنّهم قالوا:إنّه ما كذب في سائر الأمور،بل هو أمين في كلّها إلاّ في هذا الوجه الواحد.

الوجه الثّالث:في التّأويل:إنّه لمّا ظهرت المعجزات القاهرة على وفق دعواه،ثمّ إنّ القوم أصرّوا على التّكذيب،فاللّه تعالى قال له:إنّ القوم ما كذّبوك،و إنّما كذّبوني،و نظيره:أنّ رجلا إذا أهان عبدا لرجل آخر، فقال هذا الآخر:أيّها العبد إنّه ما أهانك،و إنّما أهانني، و ليس المقصود منه نفي الإهانة عنه بل المقصود تعظيم الأمر و تفخيم الشّأن و تقريره:أنّ إهانة ذلك العبد جارية مجرى إهانته،و نظيره قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ الفتح:10.

و الوجه الرّابع في التّأويل،و هو كلام خطر بالبال:

هو أن يقال:المراد من قوله: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ أي لا يخصّونك بهذا التّكذيب بل ينكرون دلالة المعجزة على الصّدق مطلقا،و هو المراد من قوله: وَ لكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ، و المراد أنّهم يقولون في كلّ معجزة:إنّها سحر،و ينكرون دلالة المعجزة على الصّدق على الإطلاق،فكان التّقدير:أنّهم لا يكذّبونك على التّعيين بل القوم يكذّبون جميع الأنبياء و الرّسل،و اللّه أعلم.(12:204)

نحوه المراغيّ.(7:109)

البيضاويّ: و لكنّهم يجحدون بآيات اللّه

ص: 83

و يكذّبونها،فوضع(الظّالمين)موضع الضّمير للدّلالة على أنّهم ظلموا بجحودهم،أو جحدوا لتمرّنهم على الظّلم،و الباء لتضمين الجحود معنى التّكذيب.

(1:308)

الخازن :يعني في العلانية؛و ذلك أنّهم جحدوا القرآن بعد معرفة الصّدق الّذي أنزل عليه،لعنادهم و كفرهم،كما قال اللّه تعالى في حقّ غيرهم: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا النّمل:14.

و قيل:ظاهر الآية يدلّ على أنّهم لم يكذّبوا محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم،و إنّما جحدوا آيات اللّه،و هي القرآن الدّالّ على صدقه.فعلى هذا يكون المعنى فإنّهم لا يكذّبونك، لأنّهم قد عرفوا صدقك،و إنّما جحدوا صحّة نبوّتك و رسالتك.(2:107)

أبو السّعود :أي و لكنّهم بآياته تعالى يكذّبون.

فوضع المظهر موضع المضمر،تسجيلا عليهم بالرّسوخ في الظّلم الّذي يعتبر جحودهم هذا فنّا من فنونه، و الالتفات إلى الاسم الجليل لتربية المهابة و استعظام ما أقدموا عليه من جحود آياته تعالى،و إيراد الجحود في مورد التّكذيب للإيذان بأنّ آياته تعالى من الوضوح؛ بحيث يشاهد صدقها كلّ أحد،و أنّ من ينكرها فإنّما ينكرها بطريق الجحود الّذي هو عبارة عن الإنكار مع العلم بخلافه،كما في قوله تعالى: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ النّمل:14،و هو المعنيّ بقول من قال:إنّ نفي ما في القلب إثباته،أو إثبات ما في القلب نفيه.

و الباء متعلّقة ب(يجحدون)و يقال:جحد حقّه و بحقّه،إذا أنكره و هو يعلمه.و قيل:هو لتضمين الجحود معنى التّكذيب،و أيّا ما كان فتقديم الجارّ و المجرور للقصر.(2:375)

نحوه البروسويّ.(3:25)

الآلوسيّ: و إيراد الجحود في مورد التّكذيب للإيذان بأنّ آياته سبحانه من الوضوح؛بحيث يشاهد صدقها كلّ أحد،و أنّ من ينكرها فإنّما ينكرها بطريق الجحود،و هو كالجحد:نفي ما في القلب إثباته أو إثبات ما في القلب نفيه.

و الباء متعلّق ب«يجحدون»و الجحد يتعدّى بنفسه و بالباء،فيقال:جحده حقّه و بحقّه،و هو الّذي يقتضيه ظاهر كلام الجوهريّ و الرّاغب.و قيل:إنّما يتعدّى بنفسه،و الباء هاهنا لتضمينه معنى التّكذيب.

و أيّا ما كان فتقديم الجارّ و المجرور مراعاة لرءوس الآي أو للقصر.و نقل الطّبرسيّ عن أبي عليّ:أنّ الجارّ متعلّق ب(الظّالمين)و فيه خفاء.

و يحتمل أن يكون المعنى أنّه يحزنك قولهم،لأنّه تكذيب لي،فأنت لم تحزن لنفسك بل لما هو أهمّ و أعظم، و لا يخفى أنّ هذا خلاف المتبادر.

و قيل:معنى الآية فإنّهم لا يكذّبونك بقلوبهم و لكنّهم يجحدون بألسنتهم.

و قيل:المعنى أنّهم ليس قصدهم تكذيبك،لأنّك عندهم موسوم بالصّدق،و إنّما يقصدون تكذيبي و الجحود بآياتي،و نسب هذا إلى الكسائيّ.

و اعترض الرّضيّ هذا القول:بأنّه لا يجوز أن يصدّقوه صلّى اللّه عليه و سلّم في نفسه و يكذّبوا ما أتى به،لأنّ من المعلوم

ص: 84

أنّه عليه الصّلاة و السّلام كان يشهد بصحّة ما أتى به و صدقه،و أنّه الدّين القيّم و الحقّ الّذي لا يجوز العدول عنه،فكيف يجوز أن يكون صادقا في خبره و يكون الّذي أتى به فاسدا،بل إن كان صادقا فالّذي أتى به صحيح و إن كان الّذي أتى به فاسدا فلا بدّ أن يكون كاذبا فيه.

و قال مولانا سنان: إنّ حاصل المعنى أنّهم لا يكذّبونك في نفس الأمر،لأنّهم يقولون:إنّك صادق، و لكن يتوهّمون أنّه اعترى عقلك-و حاشاك-نوع خلل،فخيّل إليك أنّك نبيّ و ليس الأمر بذاك،و ما جئت به ليس بحقّ.

و قال الطّيّبيّ: مرادهم أنّك لا تكذب لأنّك الصّادق الأمين،و لكن ما جئت به سحر،و يعلم من هذا الجواب عن اعتراض الرّضيّ فتدبّر.

و قيل:معنى الآية أنّهم لا يكذّبونك فيما وافق كتبهم و إن كذّبوك في غيره.

و قيل:المعنى لا يكذّبك جميعهم و إن كذّبك بعضهم و هم الظّالمون المذكورون في هذه الآية.و على هذا لا يكون ذكر(الظّالمين)من وضع المظهر موضع المضمر، و قيل:غير ذلك،و لا يخفى ما هو الأليق بجزالة التّنزيل.

(7:135)

الطّباطبائيّ: كان ظاهر السّياق أن يقال:

و لكنّهم،فالعدول إلى الظّاهر للدّلالة على أنّ الجحد منهم إنّما هو عن ظلم منهم لا عن قصور و جهل و غير ذلك،فليس إلاّ عتوّا و بغيا و طغيانا،و سيبعثهم اللّه ثمّ إليه يرجعون.

و لذلك وقع الالتفات في الكلام من التّكلّم إلى الغيبة،فقيل: بِآياتِ اللّهِ و لم يقل:بآياتنا،للدّلالة على أنّ ذلك منهم معارضة مع مقام الألوهيّة و استعلاء عليه،و هو المقام الّذي لا يقوم له شيء.

و قد قيل في تفسير معنى الآية وجوه أخرى:

أحدها:ما عن الأكثر أنّ المعنى:لا يكذّبونك بقلوبهم اعتقادا،و إنّما يظهرون التّكذيب بأفواههم عنادا.

و ثانيها:أنّهم لا يكذّبونك و إنّما يكذّبونني،فإنّ تكذيبك راجع إليّ و لست مختصّا به.و هذا الوجه غير ما قدّمناه من الوجه و إن كان قريبا منه،و الوجهان جميعا على قراءة التّشديد.

و ثالثها:أنّهم لا يصادفونك كاذبا،تقول العرب:

قاتلناهم فما أجبناهم،أي ما صادفناهم جبناء،و الوجه ما تقدّم.(7:62)

2- اَلَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَ لَعِباً وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَ ما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ. الأعراف:51

ابن عبّاس: يكفرون.(128)

الطّبريّ: يكذّبون،و لا يصدّقون بشيء من ذلك.

(8:202)

الطّوسيّ: الجحد:إنكار معنى الخبر،و أمّا إنكار المنكر،فبكلّ ما يصرف عن فعله إلى تركه،و(ما)في الموضعين مع ما بعدها بمنزلة المصدر،و التّقدير:

كنسيانهم لقاء يومهم هذا،و كونهم جاحدين لآياتنا.

(4:448)

ص: 85

الخازن:يعني و نتركهم في النّار كما كانوا بدلائل وحدانيّتنا يكذّبون.(2:194)

الشّربينيّ: أي و ما كانوا منكرين أنّها من عند اللّه تعالى.(1:479)

أبو السّعود : وَ ما كانُوا... عطف على(ما نسوا) أي و كما كانوا منكرين بأنّها من عند اللّه تعالى إنكارا مستمرّا.(2:497)

الآلوسيّ: كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا... ذهب غير واحد إلى أنّ الكاف للتّعليل متعلّق بما عنده لا للتّشبيه إذ يمنع منه قوله تعالى: وَ ما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ لأنّه عطف على(ما نسوا)و هو يستدعي أن يكون مشبها به النّسيان مثله.

و تشبيه النّسيان بالجحود غير ظاهر،و من ادّعاه قال:المراد نتركهم في النّار تركا مستمرّا كما كانوا منكرين أنّ الآيات من عند اللّه تعالى إنكارا مستمرّا.

و قال القطب:الجحود في معنى النّسيان،و ظاهر كلام كثير من المفسّرين أنّ كلام أهل الجنّة إلى وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا لا أنّ اللّه حرّمهما على الكافرين فقط.

و قال بعضهم:إنّه ذلك لا غير،و عليه فيجوز أن يكون(الّذين)مبتدأ،و جملة فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ خبره، و الفاء فيه مثلها في قولك:الّذي يأتيني فله درهم،كما قيل.(8:127)

الطّباطبائيّ: الجحد:النّفي و الإنكار.(8:134)

فضل اللّه :و لم يكن لهم في جحودهم لها من حجّة أو برهان،بل كانت الحجّة للّه عليهم في ما أرسله من رسله،و ما أنزله من كتبه.(10:135)

و بهذا المعنى جاءت هذه الآيات:النّحل:71، و المؤمن:63،و فصّلت:15 و 28،و الأحقاف:126.

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجحود،أي قلّة الخير، يقال:جحد الرّجل يجحد جحدا و جحدا و جحدا و جحودا،أي شحّ و قلّ خيره،و أجحدته:صادفته بخيلا،فهو جحد و جحد و أجحد و مجحد،و إنّه لجحد النّبت،أي بخيل،و إنّه لجحد النّائل،و إنّه لمجحد،أي قلّ نائله.

و جحد عيشه جحدا و جحدا و جحدا:ضاق و اشتدّ، و جحد،و أجحد:أنفض و ذهب ماله،فهو جحد،أي فقير.

و رجل جحد و جحد:مثل نكد و نكد وزنا و معنى، يقال:نكدا له و جحدا،و هو دعاء عليه.

و أرض جحدة:يابسة لا خير فيها،و قد جحدت، و جحد النّبت:قلّ و لم يطل،و عام جحد:قليل المطر.

و جحده حقّه و بحقّه يجحده جحدا و جحودا:أنكره و هو يعلمه،و كأنّه يفعل ذلك لقلّة خيره و شحّة طبعه.

2-و عدّ ابن السّكّيت (1):الجحاديّ و الجخاديّ:

الضّخم،من البدل،و نظيره الجحاديّة:القربة الّتي ملئت لبنا،أو الغرارة الّتي ملئت تمرا أو حنطة،و كذا فرس جحد:غليظ قصير،و الجمع:جحاد،و الأنثى جحدة؛إذ فيه معنى الغلظة و الضّخامة.

ص: 86


1- انظر اللّسان 3:107.

و ذكر صاحب«القاموس»:جحد فلانا،أي صادفه بخيلا،و تبعه شارحه صاحب«التّاج»،و لم يعزه إلى قائله،و لكنّ المشهور عند أرباب اللّغة:أجحده،كما ذكرناه.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت فعلا ماضيا في(1)و(2)و مضارعا في الباقي في(12)آية:

1- وَ تِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ عَصَوْا رُسُلَهُ وَ اتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبّارٍ عَنِيدٍ هود:59

2- وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ النّمل:14

3- وَ كَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ مِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ العنكبوت:47

4- بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظّالِمُونَ العنكبوت:49

5- وَ إِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاّ كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ لقمان:32

6- قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ

الأنعام:33

7- اَلَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَ لَعِباً وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَ ما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ الأعراف:51

8- كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ المؤمن:63

9- فَأَمّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ قالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنّا قُوَّةً أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ فصّلت:15

10- ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللّهِ النّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ فصّلت:28

11- وَ لَقَدْ مَكَّنّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنّاكُمْ فِيهِ وَ جَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَ أَبْصاراً وَ أَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَ لا أَبْصارُهُمْ وَ لا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللّهِ وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ

الأحقاف:26

12- وَ اللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَ فَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ النّحل:71

يلاحظ أوّلا:أنّ سياقها يعطي أنّ الجحود:هو الإنكار عن علم،و به فسّره ابن فارس،فقال:

«و لا يكون إلاّ مع علم الجاحد به أنّه صحيح واضح، و احتجّ ب(2): وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ.

ثانيا:أنّه تعلّق بالآيات إلاّ في(12)فتعلّق فيها بالنّعمة،و فيها إشعار بأنّ الآيات حسب مادّتها حقائق ساطعة و أعلام لامعة،لا سبيل إلى إنكارها إلاّ بعد العلم بها،فلهذه المادّة-من وجهة نظر القرآن-علاقة بالآيات و بالنّعمة،و الأولى هي الغالبة عليها لما ذكر.و أمّا النّعمة فشكرها حسن بل واجب عقلا،فجحدها كجحد الآيات البيّنات في القبح.

ص: 87

ثالثا:الآيات كلّها مكّيّة،فهل معنى ذلك أنّ(جحد) كان لغة أهل مكّة،أو يدلّ على شدّة عناد أهلها للنّبيّ عليه السّلام،و كان ذلك معروفا منهم فخصّهم القرآن به.

رابعا:وصف الجاحدون الآيات بأوصاف،تعليلا لجحودهم،و هي:اتّبعوا كلّ جبّار عنيد،مفسدين كافرين،ظالمين،ختّار كفور،اتخذوا دينهم لهوا و لعبا، يؤفكون،استكبروا بغير الحقّ،أعداء اللّه يستهزءون بآيات اللّه.

خامسا:أشكل الجمع بين إنكار الحقّ و العلم بأنّه حقّ،و كذا الجمع بين تصديق النّبيّ،و تكذيب الآيات على كثير منهم،و أوّلوا ما دلّ على ذلك بوجوه لا نرى تكرارها،فلاحظ النّصوص.

ص: 88

ج ح م

اشارة

3 ألفاظ،26 مرّة:20 مكّيّة،6 مدنيّة

في 18 سورة:13 مكّيّة،5 مدنيّة

جحيم 2:2 الجحيم 23:17-6

جحيما 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجحيم:النّار الشّديدة التّأجّج و الالتهاب،جحمت تجحم جحوما.

و جاحم الحرب:شدّة القتل في معركتها.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجحمة:العين،بلغة حمير.[ثمّ استشهد بشعر]

و جحمتا الأسد:عيناه بكلّ لغة.

و الأجحم:الشّديد حمرة العين مع سعتها،و المرأة جحماء،و نساء جحم و جحماوات.(3:87)

اللّيث: كلّ نار توقد على نار:جحيم.

و الجمر بعضه على بعض:جحيم،و هي نار جاحمة.

(الأزهريّ 4:170)

أبو عمرو الشّيبانيّ: أجحم العينين:الجاحظ العينين.(1:119)

جحمت ناركم،تجحم،إذا كثر جمرها،و هي جحيم،و جاحمة.(1:120)

ابن الأعرابيّ: الجحام:داء معروف.

و الجحم:القليلو الحياء.(الأزهريّ 4:170)

الحربيّ: جحيم:نار،لأنّ الجحيم من أسماء النّار، قال اللّه تعالى: لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ التّكاثر:6،و هو أيضا شدّة القتل.[ثمّ استشهد بشعر](3:907)

ابن دريد :جحمت النّار،إذا اضطرمت،تجحم جحما و جحما.

و جمر جاحم،إذا اشتدّ اشتعاله،و منه اشتقاق «الجحيم»و اللّه أعلم بكتابه.

و جحّم الرّجل،إذا فتح عينه كالشّاخص،و العين جاحمة،و به سمّي الرّجل أجحم.

ص: 89

و الجحام:داء يصيب الإنسان في عينه فترم عيناه.

و الجحمة:العين،لغة يمانيّة.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:59)

الأزهريّ: يقال:للنّار جاحم،أي توقّد و التهاب، و رأيت جحمة النّار،أي توقّدها.

و أخبرني المنذريّ عن أبي طالب في قولهم:فلان جحّام،و هو يتجاحم علينا،أي يتضايق،و هو مأخوذ من«جاحم الحرب»و هو ضيقها و شدّتها.

و قال بعضهم:هو يتجاحم،أي يتحرّق حرصا و بخلا،و هو من«الجحيم».(4:170)

الصّاحب:الجحيم:النّار الشّديدة التّأجّج.

و جاحم الحرب:شدّة القتل.و يقولون:ذاق فلان جاحما من الحرب فبرد،يقال ذلك للمحتمي في الحرب.

و الجحمة:العين،بلغة حمير.

و الأجحم:شديد حمرة العين مع سعتها،و المرأة:

جحماء،و نساء جحم و جحماوات.

و المجحّم:الّذي ينظر نظرا شديدا يجحظ فيه.

و رجل أجحم العين:مدوّرها.

و الجحام:داء يأخذ في رءوس الكلاب.

و رجل جحّام:ضيّق بخيل،من«جاحم الحرب».

و جحمت النّار جحوما:اضطرمت.(2:417)

الجوهريّ: الجحيم:اسم من أسماء النّار،و كلّ نار عظيمة في مهواة فهي جحيم،من قوله تعالى: قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ الصّافّات:97.

و الجاحم:المكان الشّديد الحرّ.

و الجحمة:العين،بلغة حمير.[ثمّ استشهد بشعر]

و جحم الرّجل:فتح عينيه كالشّاخص،و العين جاحمة.

و جحّمني بعينيه تجحيما:أحدّ إليّ النّظر.

و الأجحم:الشّديد حمرة العين مع سعتها،و المرأة جحماء.

و الجحام:داء يصيب الإنسان فترم عيناه.

و أجحم عن الشّيء:كفّ عنه،مثل أحجم.

(5:1883)

ابن فارس: الجيم و الحاء و الميم عظمها،به الحرارة و شدّتها.فالجاحم:المكان الشّديد الحرّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و به سمّيت الجحيم جحيما.و من هذا الباب-و ليس ببعيد منه-الجحمة:العين،و يقال:إنّها بلغة اليمن.و كيف كان فهي من هذا الأصل،لأنّ العينين سراجان متوقّدان.[ثمّ استشهد بشعر]

قالوا:جحمتا الأسد:عيناه في اللّغات كلّها.و هذا صحيح،لأنّ عينيه أبدا متوقّدتان.

[ثمّ ذكر مثل الجوهريّ إلى أن قال:]

فأمّا قولهم:أجحم عن الشّيء،إذا كعّ عنه،فليس بأصل،لأنّ ذلك مقلوب عن«أحجم»،و قد ذكر في بابه.(1:429)

الهرويّ: يقال:جحّم فلان النّار،إذا عظّمها.

و يقال لعين الأسد:جحمة،لشدّة توقّدها.و رأيت جحمة النّار،و هي شدّة توقّدها.(322)

الثّعالبيّ: إذا اشتدّ تأجّجها[النّار]فهي جاحمة.

(308)

ص: 90

ابن سيده: أجحم عنه:كفّ،كأحجم.

و أجحم الرّجل:دنا أن يهلكه.

و الجحيم:النّار الشّديدة التّأجّج.

و قال الزّجّاج: الجحيم:كلّ نار بعضها فوق بعض، و هي مؤنّثة كجميع أسماء النّار،و كذلك الجحمة و الجحمة.[ثمّ استشهد بشعر]

و جحم النّار:أوقدها،و جحمت هي جحوما:

عظمت و تأجّجت.و جحمت جحما و جحما:اضطرمت.

و جمر جاحم:شديد الاشتعال.

و جاحم الحرب:معظمها،و قيل:شدّة القتل في معركتها.

و الجحام:داء يصيب الإنسان في عينه فترم،و قيل:

هو داء يصيب الكلب يكوى منه بين عينيه.

و جحمتا الأسد:عيناه.

و جحمتا الإنسان:عيناه،بلغة أهل اليمن خاصّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّجحيم:الاستثبات في النّظر لا تطرف عينه.[ثمّ استشهد بشعر]

و عين جاحمة:شاخصة.

و الأجحم:الشّديد حمرة العينين مع سعتها، و الأنثى:جحماء،من نسوة جحم و جحمى.

و الجوحم:الورد الأحمر،و الأعرف تقديم الحاء.

(3:96)

الرّاغب: الجحمة:شدّة تأجّج النّار،و منه «الجحيم».

و جحم وجهه من شدّة الغضب:استعارة من جحمة النّار،و ذلك من ثوران حرارة القلب.

و جحمت الأسد:عيناه لتوقّدهما.(88)

الزّمخشريّ: نار جاحمة:شديدة الحرّ مضطرمة، و مكان جاحم،و منه قيل لعيني الأسد:جحمتاه تزرّان، لتوقّدهما.

و من المجاز:اصطلى فلان بجاحم الحرب.

و ذاق جاحم الحرب فبرد،أي فتر و سكنت حفيظته.[ثمّ استشهد بشعر](52)

المدينيّ: في حديث بعض النّساء:«أنّه كان لها كلب يقال له:مسمار،فأخذه داء يقال له:الجحام، فقالت:وا رحمتاه لمسمار».

الجحام:داء يأخذ الكلب في رأسه،يكوى منه ما بين عينيه،و قد يصيب الإنسان أيضا في عينيه فيرمان،و الكلب منه مجحوم.(1:299)

ابن الأثير: فيه ذكر«الجحيم»في غير موضع،هو اسم من أسماء جهنّم،و أصله:ما اشتدّ لهبه من النّيران.

(1:241)

الفيروزآباديّ: أجحم عنه:كفّ،و فلانا:دنا أن يهلكه.

و الجحيم:النّار الشّديدة التّأجّج.

و كلّ نار بعضها فوق بعض كالجحمة و يضمّ،و كلّ نار عظيمة في مهواة.

و المكان الشّديد الحرّ كالجاحم.

و جحمها كمنعها:أو قدها فجحمت ككرمت جحوما.

و جحم كفرح جحما و جحما و جحوما:اضطرمت.

ص: 91

و الجاحم:الجمر الشّديد الاشتعال،و من الحرب:

معظمها،و شدّة القتل في معركتها.

و كغراب:داء في العين أو في رءوس الكلاب.

و كشدّاد:البخيل،و كصرد:طائر،و كعنق:القليلو الحياء.و جحّمني بعينه تجحيما:استثبت في نظره لا تطرف عينه،أو أحدّ النّظر.

و عين جاحمة:شاخصة.

و الأجحم:الشّديد حمرة العينين مع سعتهما،و هي جحماء،جمع:جحم ككتب و سكرى.و الجوحم:

الحوجم.

و تجحّم:تحرّق حرصا و بخلا و تضايق.

و الجحمة:العين.و جحم كمنع:فتحها كالشّاخص، و العين جاحمة.(4:88)

عزّة دروزة :إنّ الجحيم أو النّار أو جهنّم أو السّعير،كلّها مترادفة...(1:80)

المصطفويّ: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو شدّة الحرارة و التّوقّد،و بهذا الاعتبار يطلق على النّار المتوقّدة،و على محلّ يتوقّد فيها النّار.ثمّ إنّ النّار إمّا محسوسة مادّيّة و إمّا متحصّلة من سوء الأعمال و النّيّات،فهي من سنخ ما فوق الطّبيعة.[ثمّ ذكر بعض الآيات و أضاف:]

و ليس في ما بين المعنيين مانعة جمع،و نظرنا إلى تشقيق الشّقوق الممكنة،فإنّ معارف القرآن المجيد لا يحصر في المادّيّات و العوالم المحسوسة.

مع أنّ النّار الرّوحانيّة متحصّلة في النّفس، و متحقّقة في قلب الإنسان،معلومة مدركة لمن كان له أدنى بصيرة،فوجودها مقطوعة.(2:58)

النّصوص التّفسيريّة

جحيم

إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَ إِنَّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ.

الانفطار:13،14

ابن عبّاس: في نار.(504)

الإمام الصّادق عليه السّلام:النّعيم:المعرفة و المشاهدة، و الجحيم:ظلمات الشّهوات.[و هذا تأويل لطيف]

(النّيسابوريّ 30:44)

الماورديّ: فيه قولان:

أحدهما:في الآخرة،فيكون نعيم الأبرار في الجنّة بالثّواب،و جحيم الفجّار في النّار بالعقاب.

و القول الثّاني:أنّه في الدّنيا،فعلى هذا فيه أربعة أوجه ذكرها أصحاب الخواطر.

أحدها:النّعيم:القناعة،و الجحيم:الطّمع.

الثّاني:النّعيم:التّوكّل،و الجحيم:الحرص.

الثّالث:النّعيم:الرّضا بالقضاء،و الجحيم:السّخط فيما قدّر و قضى.

الرّابع:النّعيم:بالطّاعة،و الجحيم:بالمعصية.

(6:223)

القشيريّ: في ضيق قلوبهم و تسخّطهم على التّقدير،و في ظلمات تدبيرهم،و ضيق اختيارهم.

(6:266)

الواحديّ: عظيم من النّار.(4:438)

ص: 92

نحوه الميبديّ(10:407)،و الطّبرسيّ(5:450).

النّيسابوريّ: و قال العارفون:النّعيم:الاشتغال باللّه،و الجحيم:الاشتغال بما سواه.[و هذا تأويل منهم]

(30:44)

الشّربينيّ: أي نار محرقة تتوقّد غاية التّوقّد،فهم فيها أبد الآبدين.(4:498)

أبو السّعود :استئناف مسوق لبيان نتيجة الحفظ و الكتاب من الثّواب و العقاب.و في تنكير النّعيم و الجحيم من التّفخيم و التّهويل ما لا يخفى.(6:391)

نحوه الآلوسيّ.(30:66)

البروسويّ: أي النّار و عذابها،و التّنوين للتّهويل.

و الجملتان بيان لما يكتبون لأجله،و هو أنّ الغاية إمّا النّعيم و إمّا الجحيم،و فيه إشارة إلى نعيم الذّكر و الطّاعة و المعرفة و الشّهود و الحضور و الوصال،و إلى جحيم الغفلة و المعصية و الجهل و الاحتجاب و الغيبوبة و الفراق.

قال الخواصّ رحمه اللّه:طاب النّعيم إذا كان منه،و طاب الجحيم إذا كان به.(10:362)

مكارم الشّيرازيّ: (جحيم)من الجحمة،و هي شدّة تأجّج النّار،و تطلق الآيات القرآنيّة«الجحيم» على جهنّم عادة.(19:438)

الجحيم

1- إِنّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَ نَذِيراً وَ لا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ. البقرة:119

الطّبريّ: (الجحيم)هي النّار بعينها إذا شبّت وقودها.[ثمّ استشهد بشعر](1:517)

الواحديّ: (الجحيم):النّار المتلظّية العظيمة، يقال:جحمت النّار تجحم جحوما،فهي جاحمة و جحيم.

(1:200)

البغويّ: (الجحيم):معظم النّار.(1:160)

ابن عطيّة: (الجحيم):إحدى طبقات النّار.

(1:204)

البيضاويّ: (الجحيم):المتأجّج من النّار.

(1:79)

نحوه أبو السّعود.(1:189)

الخازن :أي عن أهل النّار،سمّيت النّار جحيما لشدّة تأجّجها.(1:87)

القاسميّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و(الجحيم):من أسماء النّار،و تطلق على النّار الشّديدة التّأجّج،و على كلّ نار بعضها فوق بعض، و على كلّ نار عظيمة في مهواة،و على المكان الشّديد الحرّ.(2:240)

و بهذا المعنى جاءت آيات:الصّافّات:55 و 68 و 163،و الطّور:18،و الحديد:19،و النّازعات:36 و 39،و التّكوير:12،و المطفّفين:16،و التّكاثر:6.

2- وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ. المائدة:10

الطّبريّ: يعني أهل النّار،الّذين يخلدون فيها، و لا يخرجون منها أبدا.(6:143)

الطّوسيّ: أنّهم يخلدون في النّار،لأنّ المصاحبة تقتضي الملازمة،كما يقال:أصحاب الصّحراء،بمعنى الملازمين لها.(3:463)

ص: 93

نحوه الطّبرسيّ.(2:169)

الفخر الرّازيّ: أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ يفيد الحصر.[ثمّ ذكر نحو الطّوسيّ].(11:182)

نحوه الخازن.(2:20)

الشّربينيّ: أي النّار الّتي اشتدّ توقّدها فاشتدّ احمرارها،فلا يراها أحد إلاّ أجحم عنها،فيلقون فيها ثمّ يلازمونها،فلا ينفكّون عنها،كما هو شأن الصّاحب.

(1:360)

أبو السّعود :ملابسوها ملابسة مؤبّدة،من السّنّة السّنيّة القرآنيّة شفع الوعد بالوعيد،و الجمع بين التّرغيب و التّرهيب،إيفاء لحقّ الدّعوة بالتّبشير و الإنذار.(2:244)

الآلوسيّ: أي ملابسو النّار الشّديدة التّأجّج ملابسة مؤبّدة.و الموصول مبتدأ أوّل،و اسم الإشارة مبتدأ ثان،و ما بعده خبره،و الجملة خبر الأوّل.

(6:84)

رشيد رضا :و(الجحيم):النّار العظيمة،كما يؤخذ من قوله حكاية عن قوم إبراهيم صلّى اللّه عليه و سلّم: قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ الصّافّات:97، و معلوم عن الآيات الأخرى أنّهم جعلوا في ذلك البنيان نارا عظيمة.(6:276)

طه الدّرّة: و أضاف(اصحاب)إلى(الجحيم) لملازمة الكفّار لنار جهنّم،فلا يخرجون منها.(3:230)

3- ..فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ. الصّافّات:23

ابن عبّاس: دلّوهم إلى طريق النّار.

(البغويّ 6:17)

الطّبريّ: قيل:إنّ(الجحيم)الباب الرّابع من أبواب النّار.(23:47)

الماورديّ: أي طريق النّار.(5:43)

ابن عطيّة: (الجحيم):طبقة من طبقات جهنّم، يقال:إنّها الرّابعة.(4:469)

القرطبيّ: أي سوقوهم إلى النّار.(15:72)

أبو حيّان :أي عرّفوهم و قودوهم إلى طريق النّار حتّى يصطلوها،و(الجحيم):طبقة من طبقات جهنّم.

(7:356)

4- قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ.

الصّافّات:97

ابن قتيبة :أي في النّار،و(الجحيم):الجمر.

(372)

الطّبريّ: و(الجحيم)عند العرب:جمر النّار بعضه على بعض،و النّار على النّار.(23:75)

الطّوسيّ: بمعنى اطرحوه في النّار الّتي أجّجوها له.

(8:514)

الفخر الرّازيّ: و الألف و اللاّم في(الجحيم)يدلّ على النّهاية،و المعنى في جحيمه،أي في جحيم ذلك البنيان.(26:150)

البيضاويّ: في النّار الشّديد،من الجحمة،و هي شدّة التّأجّج،و اللاّم بدل الإضافة،أي جحيم ذلك البنيان.(2:296)

نحوه أبو السّعود.(5:333)

5- ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ. الحاقّة:31

ص: 94

الطّوسيّ: ف(الجحيم)هي النّار الغليظة،لأنّ النّار قد تكون كنار السّراج و نار القدح،و قد تكون قويّة كنار الحريق،فلا يقال لنار السّراج:جحيم.و هو اسم علم، على نار جهنّم الّتي أعدّها اللّه للكفّار و العصاة.

(10:105)

الزّمخشريّ: ثمّ لا تصلّوه إلاّ الجحيم،و هي النّار العظمى،لأنّه كان سلطانا يتعظّم على النّاس.(4:153)

نحوه الفخر الرّازيّ(30:114)،و البيضاويّ(2:

501)،و الخازن(7:121).

أبو السّعود :أي لا تصلّوه إلاّ الجحيم،و هي النّار العظيمة،ليكون الجزاء على وفق المعصية،حيث كان يتعاظم على النّاس.(5:297)

نحوه البروسويّ.(10:145)

الآلوسيّ: أي لا تصلّوه إلاّ الجحيم،و هي النّار العظيمة الشّديدة التّأجّج،لعظم ما أوتي به من المعصية، و هي الكفر باللّه تعالى العظيم.(29:49)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: الجحيم على وجهين:

فوجه منها:الأتّون في الدّنيا بناه نمرود لإبراهيم، قوله: قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ الصّافّات:97،يعني في الأتّون.

و الوجه الثّاني:الجحيم:النّار الّتي وعدها اللّه للكافرين،قوله: وَ إِنَّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ الانفطار:

14،و نظائرها كثيرة.(223)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجحوم،و هو شدّة تأجّج النّار و توقّدها،يقال:جحمت النّار تجحم،و جحمت تجحم،و جحمت تجحم جحوما و جحما و جحما،أي اضطرمت و كثر جمرها و توقّدها.و جحم فلان النّار:

أوقدها،و هي جحيم و جاحمة،و الجحمة:التّوقّد.

و الجاحم:المكان الشّديد الحرّ،و جمر جاحم:شديد الاشتعال،و جاحم الحرب:شدّة القتل في معركتها،و منه أخذ:هو يتجاحم علينا،أي يتحرّق و يتضايق.

و عين جاحمة:شاخصة،يقال:جحم الرّجل عينيه،و هو أجحم،أي شاخص العينين،و فلان جحّمني بعينه تجحيما:أحدّ إليّ النّظر،و الجحم:القليلو الحياء.

و الأجحم:الشّديد حمرة العين مع سعتها،أو الجاحظ العينين،و الأنثى جحماء من نسوة جحم و جحمى.

و الجحمة:العين،يقال:جحمتا الإنسان،و جحمتا الأسد،أي عيناهما،لأنّهما متوقّدتان دائما.

و الجحام:داء يصيب الكلب،يكوى منه بين عينيه.

و منه أيضا:الجوحم،أي الورد الأحمر،و هو «فوعل»منه،تشبيها بلون الجمر المتوقّد.

2-و الجحيم«فعيل»بمعنى«فاعل»كما تقدّم،يقال:

نار جحيم،بدون هاء،أي جاحمة،ثمّ استعمله القرآن اسما للنّار؛إذ يبدو أنّه لم يكن كذلك قبل الإسلام، و لا يعتدّ بما أنشده الأصمعيّ:

*و ضالّة مثل الجحيم الموقد*

لأنّه مجهول القائل.

ص: 95

و نظير الجحيم«السّعير»وزنا و معنى،إلاّ أنّ السّعير بمعنى«مفعول».يقال:نار سعير،بدون هاء،أي مسعورة،و هو من الألفاظ الّتي استعملها القرآن اسما للنّار أيضا.و كان الجاهليّون يستعملونه اسما لصنم كان لعنزة خاصّة كما ذكر ابن الكلبيّ،قال رشيد بن رميض:

حلفت بمائرات حول عوض

و أنصاب تركن لدى السّعير

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد(جحيم)«26»مرّة:واحدة في نار الدّنيا،و الباقي في نار الآخرة:

1- إِنّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَ نَذِيراً وَ لا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ البقرة:119

2- وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ المائدة:10

3- وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ المائدة:86

4- ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ التّوبة:113

5- وَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ الحجّ:51

6- وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَ الشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَ نُورُهُمْ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ

الحديد:19

7- وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ الشّعراء:91

8- وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى النّازعات:36

9- خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ

الحاقّة:30،31

10- فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ* وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ

الواقعة:93،94

11- إِلاّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ الصّافّات:68

12- ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (المطفّفين:16

13- ...فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَ قِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ المؤمن:7

14- لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى وَ وَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ الدّخان:56

15- فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَ وَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ الطّور:18

16- وَ ما كانُوا يَعْبُدُونَ* مِنْ دُونِ اللّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ الصّافّات:22،23

17- فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ

الصّافّات:55

18- خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ

الدّخان:47

19- إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ

الصّافّات:64

20- ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ الصّافّات:68

21- وَ إِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ التّكوير:12

22- إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَ إِنَّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ الانفطار:13،14

ص: 96

23- لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ التّكاثر:6

24- إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَ جَحِيماً المزّمّل:12

25- فَأَمّا مَنْ طَغى* وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى النّازعات:37،39

26- قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ

الصّافّات:97

يلاحظ أوّلا:أنّ(جحيم)فيها معرفة،إلاّ في ثلاث (10)و(22)و(24)فنكرة رعاية للرّويّ.

ثانيا:و منه يعلم أنّه ليس علما لجهنّم،بل اللاّم للعهد الذّهنيّ،أو للنّهاية على قول الفخر الرّازيّ،و إن شئت قلت:إنّه صار علما لها بالغلبة.

ثالثا:جاء في(1-6) أَصْحابِ الْجَحِيمِ فصار تعبيرا قرآنيّا شائعا مثل أَصْحابُ النّارِ و أَصْحابُ الْجَنَّةِ. لاحظ«ص ح ب:أصحاب».

رابعا:وصفت الجحيم في(7)و(8)ب(برّزت)و في (21)ب(سعّرت)،و أضيفت إليها(عذاب)ثلاث مرّات:

(13)و(14)و(15)،و(صراط)مرّة:(16)و(سواء) مرّتين:(17)و(18)،و(اصل)مرّة:(19)في سياق التّشديد و التّهديد.

خامسا:قورنت كعلّة لاستحقاقها بالكفر و التّكذيب في(2)و(3)و(6)و بنظائرها من السّعي في آيات اللّه معاجزين،و الشّرك،و الغواية،و الفجور، و الظّلم،و الضّلال،و نحوها في الباقي،فلاحظ.

سادسا:جاءت في(16) فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ في سياق يتداعى: اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ تهكّما و سخريّة بأصحاب الجحيم.

سابعا:جاءت مع«الصّلي و التّصلية»أربع مرّات:

(9) (ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) و(10) (وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) و(11) (إِلاّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) و(12) (ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ) .

و أصل الصّلي مقاساة النّار،و ملازمتها،و قد جاءت بصيغ مختلفة في القرآن:(26)مرّة،كلّها مع النّار أو الجحيم أو السّعير،لاحظ«ص ل ي».

ثامنا:جاءت مع(انكال)مرّة:(24) إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَ جَحِيماً، و الأنكال هي الأغلال و القيود، و هي تشدّد عذاب أصحاب الجحيم.

تاسعا:و إذا لاحظنا أنّ الخليل و من تبعه قالوا:

الجحيم:النّار الشّديدة التّأجّج و الالتهاب،نعرف أنّ القرآن قارنها بكلّ ما يناسبها من المتعلّقات.

عاشرا:-و تلك عشرة كاملة-:كلّ ما سبق إنّما هي ملازمات(الجحيم)في الآخرة،و قد جاءت تعبيرا عن نار الدّنيا مرّة في(25)و تلك هي نار سعّرت للنّبيّ إبراهيم عليه السّلام بأمر نمرود الطّاغية،و قد بالغ في وصفها القصّاصون.

ص: 97

ص: 98

ج د ث

اشارة

الاجداث

لفظ واحد،3 مرّات مكّيّة،في ثلاث سور مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الأجداث:القبور،واحدها:جدث.

(6:73)

مثله ابن قتيبة(366)،و السّجستانيّ(155)، و الزّجّاج(4:290)،و الماورديّ(5:23)،و الطّباطبائيّ (17:98)،و نحوه مجمع اللّغة(1:183)،و محمّد إسماعيل إبراهيم(1:103).

الفرّاء: العرب تعقب بين الفاء و الثّاء في اللّغة؛ فيقولون:جدف و جدث،و هي الأجداث و الأجداف.

(الجوهريّ 4:1335)

الأصمعيّ: يقال:جدف و جدث:للقبر.

(الإبدال:125)

نحوه ابن السّكّيت(الأزهريّ 10:634)،و القاليّ (2:184).

اليزيديّ: الأجداث:واحدها:جدث،و بعضهم يقول:جدف،و هي القبور.(312)

نحوه الرّاغب.(89)

ابن دريد :الجدث:القبر،و هو الجدف أيضا.

(2:32)

نحوه الهرويّ.(1:325)

الصّاحب: الجدث:القبر،و الجميع:الأجداث.

و المجتدث:الّذي يحفر الجدث.و يكوّم التّراب عليه.

و الجدثة:صوت الحافر و الخفّ،و المضغ للّحم.

(7:36)

الجوهريّ: الجدث:القبر،و الجمع:أجدث و أجداث.[ثمّ استشهد بشعر]

و اجتدث،أي اتّخذ جدثا.(1:277)

مثله ابن سيده(الإفصاح 1:657)،و نحوه الرّازيّ (109)،و الطّريحيّ(2:243).

ابن فارس: الجيم و الدّال و الثّاء كلمة واحدة،

ص: 99

الجدث:القبر،و جمعه:أجداث.(1:436)

ابن سيده: الجدث:القبر.و الجمع:أجداث.

و قد قالوا:جدف،فالفاء بدل من الثّاء لأنّهم قد أجمعوا في الجمع على:أجداث و لم يقولوا:أجداف.

و أجدث:موضع.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد نفى سيبويه أن يكون«أفعل»من أبنية الواحد، فيجب أن يعدّ هذا فيما فاته من أبنية كلام العرب،إلاّ أن يكون جمع«الجدث»الّذي هو القبر على أجدث،ثمّ سمّى به الموضع.و يروى:«أجدف»بالفاء.(7:307)

الزّمخشريّ: غيّبوه في الجدث،أي في القبر.

و تقول:شرّ الأحداث،نزول الأجداث.

(أساس البلاغة:52)

ابن الأثير: في حديث عليّ رضي اللّه عنه:«في جدث ينقطع في ظلمته آثارها».

الجدث:القبر،و يجمع على أجداث.

و منه الحديث:«نبوّئهم أجداثهم»،أي ننزلهم قبورهم.(1:243)

القرطبيّ: يقال:جدث و جدف،و اللّغة الفصيحة:

الجدث بالثّاء.[ثمّ قال مثل الجوهريّ](15:40)

أبو حيّان :الجدث:القبر،و سمع فيه«جدف» بإبدال الثّاء فاء،كما قالوا:فمّ في ثمّ،و كما أبدلوا من الفاء ثاء،قالوا في معفور:معثور،و هو ضرب من الكمأة.

(7:322)

نحوه الحلبيّ.(5:488)

الفيّوميّ: الجدث:القبر،و الجمع أجداث،مثل سبب و أسباب.و هذه لغة تهامة.و أمّا أهل نجد فيقولون:جدف،بالفاء.(1:92)

الفيروزآباديّ: الجدث محرّكة:القبر،جمعه:

أجدث و أجداث.

و الجدثة:صوت الحافر و الخفّ،و مضغ اللّحم.

و اجتدث:اتّخذ جدثا.(1:169)

المصطفويّ: ظهر أنّ«الجدث»معناه الحقيقيّ هو القبر،و أمّا القبر فهو حقيقة في السّتر و الدّفن و الإخفاء.

و هذا جهة التّعبير في مختلف الموارد بأحد اللّفظين:

[جدث و جدف]بمناسبة المقام،فيقال: ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ عبس:21، حَتّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ التّكاثر:

1،و لا يصحّ أن يقال:مجدث و مجادث.[ثمّ ذكر الآيات]

(2:59)

النّصوص التّفسيريّة

الاجداث

1- فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ.

يس:51

ابن عبّاس: من القبور.(372)

مثله قتادة(الطّبريّ 32:15)،و الواحديّ(3:

516)،و ابن عطيّة(4:457)،و النّسفيّ(4:10)، و شبّر(5:232)،و المراغيّ(23:20)،و الشّوكانيّ(4:

468)،و القاسميّ(4:5011).

الطّبريّ: يعني من أجداثهم،و هي قبورهم، واحدها:جدث،و فيها لغتان:فأمّا أهل العالية فتقوله بالثّاء:جدث،و أمّا أهل السّافلة فتقوله بالفاء:

ص: 100

جدف.(23:15)

نحوه الطّوسيّ(8:466)،و الطّبرسيّ(4:428).

الزّمخشريّ: القبور،و قرئ بالفاء.(3:325)

نحوه البيضاويّ(2:283)،و أبو السّعود(5:

303)،و الآلوسيّ(23:31).

الفخر الرّازيّ: أين يكون في ذلك الوقت «أجداث»و قد زلزلت الصّيحة الجبال؟

نقول:يجمع اللّه أجزاء كلّ واحد في الموضع الّذي قبر فيه،فيخرج من ذلك الموضع،و هو جدثه.

(26:88)

نحوه الشّربينيّ(3:355)،و البروسويّ(7:

411).

بنت الشّاطئ: و سأل نافع عن قوله تعالى: مِنَ الْأَجْداثِ، فقال ابن عبّاس:القبور.[ثمّ استشهد بشعر]

الكلمة جاءت ثلاث مرّات.[ثمّ ذكرت الآيات و قالت:]

و يبدو تفسير(الاجداث)بالقبور قريبا،و مثله في «النّهاية»لابن الأثير،و في المعاجم.و اقتصر الرّاغب في «المفردات»على الأجداث:جمع الجدث،يقال:جدث و جدف.

و لا يفوتنا،مع ما يبدو من قرب تفسير(الاجداث) بالقبور،أنّ القرآن قصر(الاجداث)في آياتها الثّلاث، على المخرج إلى الحشر يوم القيامة،و كلّها كذلك،في سياق الوعيد و النّذير للمكذّبين باليوم الموعود.

و هذا الملحظ الدّلاليّ،يفرق بين(الاجداث)في الاستعمال القرآنيّ،و بين(القبور)الّتي تأتي بدلالة عامّة:

في سياق البعث(الحجّ:7،الانفطار:4،العاديات:9).

للإنسان بعامّة.

كما تأتي في سياق مضجع الموتى،قبل البعث و النّشور،في مثل آيات:عبس:19-22،في الإنسان:

مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ* ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ* ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ* ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ. التّوبة:84،في المنافقين:

وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ. فاطر:22: وَ ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ.

الممتحنة:13: قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ. و معها(المقابر)في آية التكاثر:1، 2: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ* حَتّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ.

و العربيّة-كما لحظ الرّاغب-تقول:جدث و جدف.

و نصّ في«القاموس»في مادّة«جذف»على أنّ الدّال المهملة لغة فيها.و من معاني«الجذف»بالمعجمة:القطع و الحسم و الإسراع و تقصير الخطو،و«الدّال»لغة في الكلّ.و من معاني«الجدف»بالمهملة:ما يرمى به عن الشّراب من زبد،و التّجديف:الكفر بالنّعم،و المجدّف عليه في الرّزق:المضيّق.

فهل تؤنس هذه المعاني،من ضيق و كفر و نبذ و قطع،إلى ملحظ اختصاص الأجداث،بدلالة قرآنيّة إسلاميّة،على مخرج الجاحدين المكذّبين الملعونين،إلى يومهم العسر الّذي كانوا يوعدون؟ما أراه بعيدا،و اللّه أعلم.(الإعجاز البيانيّ:453)

مكارم الشّيرازيّ: «أجداث»:جمع جدث،و هو القبر،و التّعبير يشير بوضوح إلى أنّ للمعاد جنبة

ص: 101

جسمانيّة بالإضافة إلى الجنبة الرّوحيّة،و أنّ الجسد يعاد بناؤه جديدا من نفس الموادّ السّابقة.(14:190)

و بهذا المعنى جاء(الاجداث)في سورة القمر:7.

2- يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ. المعارج:43

الشّربينيّ: أي القبور الّتي صاروا بتغييبهم فيها تحت وقع الحوافر و الخفّ،فهم بحيث لا يدفعون شيئا يفعل بهم،بل هم كلحم في فم ماضغ.فإنّ الجدث:القبر، و الجدثة:صوت الحافر و الخفّ،و مضغ اللّحم.

(4:388)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجدث،و هو القبر، و الجمع:أجداث و أجدث،يقال:اجتدث الرّجل،أي اتّخذ جدثا.و في حديث عليّ عليه السّلام:«و ما أصنع بفدك و غير فدك،و النّفس مظانّها في غد جدث»،و في حديث آخر له أيضا:«و أصبحت مساكنهم أجداثا».

2-و تبدل«الفاء»من«الثّاء»هنا كما هو مطّرد في ألفاظ كثيرة،و لغة«الثّاء»هي المشهورة في قبائل العرب -و لا سيّما تميم-و في القرآن أيضا،و أطلق عليها الطّبريّ لغة«أهل العالية».و تكاد تقتصر لغة«الفاء» على أهل نجد،و سمّاها الطّبريّ لغة«أهل السّافلة».

و بها قرئ قوله تعالى: فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ يس:51،على القراءة غير المشهورة، و قوله: وَ فُومِها وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها البقرة:61،على القراءة المشهورة،كما قال الكسائيّ و غيره.

و يشهد لأصالة«الثّاء»ورودها في بعض اللّغات السّاميّة كالعبريّة،فيطلق على«الجدث»فيها لفظ «جدش»و«جاديش»؛إذ تبدل«الثّاء»في هذه اللّغة «شينا»دائما.

و أصرّ بعض على منع جمع«الجدف»المبدل من الجدث،معلّلا رأيه بضعف البديل،فيمنعه ذلك من التّصرّف.و هذا أشبه القياس،و هو لا يثبت بوجود السّماع،فقد روى الجوهريّ عن الفرّاء قوله:«جدف و جدث،و هي الأجداث و الأجداف».

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد:«الأجداث»توصيفا حال خروج الأموات من القبور:

1- وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ يس:51

2- خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ القمر:7

3- يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ المعارج:43

يلاحظ أوّلا:قالوا:الأجداث في القبور،واحدتها:

الجدث،و الفرق بينها و بين القبر من منظار القرآن،كما نبّهت عليه الدّكتورة بنت الشّاطئ:أنّها قصرت على مخرج الأموات من القبور يوم القيامة،و أنّه لم يأت منها سوى(الاجداث)،و قد جاءت القبر و القبور و المقابر إضافة إلى(اقبر)من باب«الإفعال»،و هي تعمّ الحالات

ص: 102

جميعا،من دون قصر على المخرج منها.

ثانيا:انحصارها بسور مكّيّة،و هي الغالبة على آيات القبور أيضا،إلاّ أنّه جاء في التّوبة:(84) وَ لا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ، و في الحجّ:(7)-على اختلاف فيها- وَ أَنَّ اللّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، فيبدو أنّ (الاجداث)كانت لغة أهل مكّة،و يؤيّدها قول الفيّوميّ:

«و هذه لغة تهامة،و أمّا أهل نجد فيقولون:جدف بالفاء»،و قول الطّبريّ:«و فيها لغتان:فأمّا أهل العالية فتقوله بالثّاء:جدث،و أمّا أهل السّافلة فتقوله بالفاء:

جدف».لاحظ«ق ب ر».

ص: 103

ص: 104

ج د د

اشارة

4 ألفاظ،10 مرّات:9 مكّيّة،1 مدنيّة

في 8 سور:7 مكّيّة،1 مدنيّة

جديد 6:5-1 جدد 1:1

جديدا 2:2 جدّ 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :جدّ الرّجل:بخته،و جدّ ربّنا:عظمته، و يقال:غناه.

و الجدّ:نقيض الهزل.

و جدّ فلان في أمره و سيره،أي انكمش عنه بالحقيقة.

و الجدّة:مصدر الجديد،و فلان أجدّ ثوبا و استجدّه.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الجديد يستوي فيه الذّكر و الأنثى،لأنّه«مفعول» بمعنى مجدّد،و يجيء«فعيل»بمعنى«المفعول»المخالف للّفظ،من تصريف المفعّل و المفعل.

و الجدّة:جدّة النّهر،أي ما قرب من الأرض.

و الجدد و الجديد:وجه الأرض.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجديدان:اللّيل و النّهار.

و جديدتا السّرج:اللّبد الّذي يلزق بالسّرج أو الرّحل من الباطن.

و يقال:الزم الطّريق الجدد.

و الجدود:كلّ انثى يبس لبنها،و الجمع:الجدائد و الجداد.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجدّاد:صاحب الحانوت الّذي يبيع الخمر.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجدّة:ساحل البحر بمكّة.

و جدود:موضع بالبادية.

و المجادّة:المحاقّة في الأمر.

و من قال:أ جدّك،بكسر الجيم،فإنّه يستحلفه بجدّه و حقيقته،و إذا فتح الجيم،استحلفه بجدّه،أي ببخته.

ص: 105

و الجادّة:الطّريق،بالتّخفيف و يثقّل أيضا.و أمّا التّخفيف فاشتقاقه من الطّريق الجواد،أخرجه على «فعلة»و الطّريق مضاف إليه.

و التّشديد مخرجه من الطّريق الجدد،أي الواضح...

و رجل جدّ،أي ذو جدّ.

و الجدّاء:مفازة يابسة،و كذلك سنة جدّاء، و لا يقال:عام أجدّ.

و شاة جدّاء:يابسة اللّبن،و ناقة جدّاء.

و الجدّاء:الشّاة المقطوعة الأذن.

و جداد النّخل:صرامه،و قد جدّه يجدّه.

و الجدّ:البئر تكون في موضع الكلإ.

و كساء مجدّد:فيه خطوط مختلفة،يقال له:الجدّ.

و جدّ ثدي أمّك؛إذ دعي عليه بالقطيعة.(6:7)

سيبويه :يقولون:رجل جدّ:للعظيم الجدّ، فلا يجمعونه إلاّ بالواو و النّون،كما لم يجمعوا«صنع»إلاّ كذلك؛يقولون:جدّون.و صار«فعل»أقلّ من«فعل» في الصّفات إذا كان أقلّ منه في الأسماء.(3:630)

أ جدّك:مصدر،كأنّه قال:أ جدّا منك،و لكنّه لا يستعمل إلاّ مضافا،و قالوا:هذا عربيّ جدّا،نصبه على المصدر،لأنّه ليس من اسم ما قبله،و لا هو هو.

(ابن سيده 7:188)

الكسائيّ: هو الجداد و الجداد،و الحصاد و الحصاد، و القطاف و القطاف،و الصّرام و الصّرام.

(الأزهريّ 10:457)

ابن شميّل: الجدد:ما استوى من الأرض و أصحر.

و الصّحراء:جدد،و الفضاء:جدد،لا وعث فيه و لا جبل و لا أكمة،و يكون واسعا،و قليل السّعة،و هي أجداد الأرض.(الأزهريّ 10:463)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الجدود:الحائل.(1:116)

رأى جدّة من الأمر،أي رأى رأيا مثل جدد الثّوب، أي خطط.(1:118)

الجدّاد:الطّلع الصّغار أوّل ما ينبت،و الواحدة:

جدّادة.(1:121)

و قال التّميميّ: إنّه لجديد،إذا كان ذا جدّ في المال و السّلطان.(1:126)

كنّا عند أمير،فقال جبلة بن مخرمة:كنّا عند جدّ النّهر،فقلت:جدّ النّهر،فما زلت أعرفها فيه.

و الجدّ،بلا«هاء»:البئر الجيّدة الموضع من الكلأ.

(الأزهريّ 10:459)

أ جدّك،و أ جدّك،معناهما:مالك.

(الأزهريّ 10:463)

يقال:صرّحت جدّاء غير منصرف،و صرّحت بجدّى غير منصرف،و بجدّ غير منصرف و بجدّان و بجذّان،و بقدّان،و بقذّان و...كلّ هذا في الشّيء،إذا وضح بعد التباسه.(الأزهريّ 10:464)

أبو زيد :تقول:هو رجل جديد،إذا كان ذا جدّ.

(98)

قالوا:قد جدّ بالخير يجدّ جدّا،إذا حظي بالخير أو بالشّرّ.

و جددت به أجدّ به جدّا،إذا حظيت به،و كذلك إن كان جدّه بالشّرّ،و إنّه لعظيم الجدّ و شقيّ الجدّ.(197)

يقال:رجل جديد،إذا كان ذا حظّ من الرّزق،

ص: 106

و رجل مجدود:مثله،و فلان أجدّ من فلان،و أحظّ منه.

(الأزهريّ 10:456)

نعجة جدود،إذا ذهب لبنها إلاّ قليلا،و جمعها:

جدائد،فإذا يبس ضرعها فهي جدّاء.

و الجدود من الأتن (1):الّتي قد انقطع لبنها.

(الأزهريّ 10:460)

و الجديدان،و الأجدّان:اللّيل و النّهار.

(الأزهريّ 10:462)

الأصمعيّ: يقال:لفلان أرض جادّ مائة وسق،أي تخرج مائة وسق إذا زرعت،و هو كلام عربيّ فصيح.

(الأزهريّ 10:457)

يقال:كنّا عند جدّة النّهر بالهاء،و أصله نبطيّ:كدّ، فأعرب.

يقال للأرض المستوية الّتي ليس فيها رمل و لا اختلاف:جدد.

أجدّ الرّجل في أمره يجدّ،إذا بلغ فيه جدّه،و جدّ:

لغة،و منه يقال:جادّ مجدّ،أي مجتهد،و قد أجدّ يجدّ،إذا صار ذا جدّ و اجتهاد.(الأزهريّ 10:459)

يقال:جدّت أخلاف النّاقة،إذا أصابها شيء يقطع أخلافها.و ناقة جدود،و هي الّتي انقطع لبنها.

الجدّاء:النّاقة الّتي قد انقطع لبنها.

و المجدّدة:المصرّمة الأطباء،و أصل الجدّ:القطع.

يقال:جدّ ثدي أمّه؛و ذلك إذا دعي عليه بالقطيعة.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 10:460)

يقال للنّاقة:إنّها لمجدّة بالرّحل،إذا كانت جادّة في السّير.

أجدّ فلان أمره بذلك،أي أحكمه.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال للرّجل إذا لبس ثوبا جديدا،أبل و أجد، و احمد الكاسي.

و يقال:بلي بيت فلان ثمّ أجدّ بيتا.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجدّ الطّريق،إذا صار جددا.(الأزهريّ 10:462)

أ جدّك؟معناه:أ بجدّ هذا منك؟(الأزهريّ 10:463)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«اللّهمّ لا مانع لما أعطيت و لا معطي لما منعت و لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ».

الجدّ:بفتح الجيم لا غير،و هو الغنى و الحظّ في الرّزق،و منه قيل:لفلان في هذا الأمر جدّ،إذا كان مرزوقا منه.فتأويل قوله:«لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ» أي لا ينفع ذا الغنى منك غناه،إنّما ينفعه العمل بطاعتك، و هذا كقوله تبارك و تعالى: لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ* إِلاّ مَنْ أَتَى اللّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ الشّعراء:88،89،و كقوله:

وَ ما أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاّ مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً سبأ:37،و مثله كثير.

و كذلك حديثه الآخر:«قمت على باب الجنّة فإذا عامّة من يدخلها الفقراء،و إذا أصحاب الجدّ محبوسون» يعني ذوي الحظّ في الدّنيا و الغنى.

و قد روي عن الحسن و عكرمة في قوله تبارك و تعالى: وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا الجنّ:3،قال أحدهما:

غناه،و قال الآخر:عظمته.

عن ابن عبّاس قال:لو علمت الجنّ أنّ في الإنس جدّا ما قالت: تَعالى جَدُّ رَبِّنا. يذهب ابن عبّاس إلىة.

ص: 107


1- جمع أتان و هي الحمارة و يقال:أتانة.

أنّ«الجدّ»إنّما هو الغنى،و لم يكن يرى أنّ أبا الأب جدّ إنّما هو عنده أب،و يقال منه للرّجل إذا كان له جدّ في الشّيء:رجل مجدود،و رجل محظوظ،من«الحظّ»قالهما أبو عمرو.

و قد زعم بعض النّاس أنّه إنّما هو:«و لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ»بكسر الجيم.و الجدّ:إنّما هو الاجتهاد بالعمل.

و هذا التّأويل خلاف ما دعا اللّه عزّ و جلّ إليه المؤمنين و وصفهم به،لأنّه قال في كتابه: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَ اعْمَلُوا صالِحاً المؤمنون:51،فقد أمرهم بالجدّ و العمل الصّالح،و قال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ إِنّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً الكهف:30،و قال: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ المؤمنون:1،2 إلى آخر الآيات، و قال: جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ الواقعة:24،في آيات كثيرة،فكيف يحثّهم على العمل و ينعتهم به و يحمدهم عليه،ثمّ يقول:إنّه لا ينفعهم.(1:156)

الجدّ:البئر الّتي تكون في الكلاء.(2:146)

و نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن:جداد اللّيل،هو أن يجدّ النّخل ليلا،و الجداد:الصّرام.(الأزهريّ 10:457)

ابن السّكّيت: الجدّ:القطع،و الجدّ:أبو الأب و أبو الأمّ،و الجدّ:العظمة،من قوله تعالى: (جَدُّ رَبِّنا) أي عظمة ربّنا،و الجدّ:الحظّ و البخت،و منه قوله:«لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ».

و الجدّ،بكسر الجيم:الانكماش في الأمر،يقال:

جددت في الأمر فأنا أجدّ فيه جدّا،و أجدّ جدّا أيضا.

(إصلاح المنطق:22)

جداد النّخل و جداد،إذا رفع الزّرع.[بمعنى واحد]

(إصلاح المنطق:104)

تقول:هذه ثياب جدد،و لا يقال:جدد،إنّما الجدد الطّرائق،قال اللّه جلّ و عزّ: وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ فاطر:27،أي طرائق.(إصلاح المنطق:167)

و الجدود:النّعجة الّتي قلّ لبنها من غير بأس،و يقال للعنز:مصور،و لا يقال:جدود.

و الجدّاء:الّتي ذهب لبنها من عيب.

(إصلاح المنطق:313)

و تقول:فلان مجدود في كذا و كذا،و فلان محظوظ، و فلان جدّ حظّ،و فلان جدي حظي،و فلان جديد حظيظ،إذا كان له جدّ.(إصلاح المنطق:374)

شمر: رجل جدّ،بضمّ الجيم،أي مجدود،و قوم جدّون.(الأزهريّ 10:456)

الجدّاء:الشّاة الّتي انقطع أخلافها.

(الأزهريّ 10:464)

ابن أبي اليمان :[نحو ابن السّكّيت في«إصلاح المنطق:22»و أضاف:]

و الجدّ:ضدّ الهزل،و الجدّ:البئر.(300)

المبرّد: الجدّ:الحظّ،و الجدّ و الجدّة مفتوحان،فإذا أردت المصدر من:جددت في الأمر،قلت:أجدّ جدّا، مكسور الجيم.و يقال:جددت النّخل أجدّه جدّا،إذا صرمته.(2:105)

الزّجّاج: كلّ طريقة:جدّة و جادّة.

(الأزهريّ 10:458)

يقال:جدّ في الأمر و أجدّ فيه،إذا ترك الهوينا و لزم

ص: 108

فيه القصد و الاستواء،و من هذا قيل:جادّ يجادّ.

(فعلت و أفعلت:8)

ابن دريد :جدّ الشّيء يجدّه جدّا،إذا قطعه، و الجدّ:أبو الأب.

و الجدّ للّه تبارك و تعالى:العظمة،و منه حديث أنس:

«كان الرّجل منّا إذا حفظ البقرة و آل عمران جدّ فينا» أي عظم في أعيننا.

و الجدّ للنّاس:الحظّ،فلان ذو جدّ في كذا و كذا،أي ذو حظّ فيه.

و الجدّ:ضدّ الهزل.

و الجدّ:الرّكيّ الجيّدة الموضع من الكلاء.

و الجدّة:شاطئ النّهر.(1:50)

جددت في الأمر أجدّ و أجددت أجدّ،لغتان فصيحتان.

و جددت الحبل أجدّه جدّا،إذا قطعته.

و أبل و أجدّ:يدعى للرّجل إذا لبس الجديد.

و جددت يا فلان:صرت ذا جدّة.(3:443)

السّجستانيّ: و الجدائد،الواحدة:جدود:الأتن لا ألبان لها.(ثلاثة كتب في الأضداد:91)

القاليّ: و الجدّ و الجدّة و الجدّ:شاطئ النّهر.

(2:183)

الأزهريّ: تقول العرب:سعي بجدّ فلان،و عدي بجدّه،و أدرك بجدّه،إذا كان جدّه جيّدا.(10:455)

و قول العرب:فلان صاعد الجدّ،معناه:البخت و الحظّ في الدّنيا.

و الجدّ:أب الأب معروف،و جمعه:جدود و جدودة و أجداد.(10:456)

و جادّة الطّريق:سمّيت جادّة،لأنّها خطّة مستقيمة ملحوبة،و جمعها:الجوادّ بتشديد الدّال.[ثمّ قال:]

و قد غلط اللّيث في الوجهين معا.[حينما قال:

«الجادّة»تخفّف و تثقّل]

أمّا التّخفيف في«الجادّة»فما علمت أحدا من أئمّة اللّغة أجازه،و لا يجوز أن يكون«فعلة»من الجوادّ بمعنى السّخيّ.

و أمّا قوله:إنّه إذا شدّد فهو من الأرض الجدد،فغير صحيح،إنّما سمّيت المحجّة المسلوكة جادّة،لأنّها ذات جدّة (1)و جدّة،و هي طرقاتها و شركها المخطّطة في الأرض.

(10:458)

و الجدّة أيضا:شاطئ النّهر،إذا حذفوا الهاء كسروا الجيم،فقالوا:جدّ و جدّة.و منه الجدّة:ساحل البحر بحذاء مكّة.

و العرب تقول:هذا طريق جدد،إذا كان مستويا، لا حدب فيه و لا وعوثة.

و هذا الطّريق أجدّ الطّريقين،أي أوطؤهما و أشدّهما استواء،و أقلّهما عدواء.(10:459)

و الجدود من الأتن:الّتي قد انقطع لبنها.

(10:460)

و قال الأصمعيّ: يقال للنّاقة:إنّها لمجدّة بالرّحل، إذا كانت جادّة في السّير.

قلت:لا أدري،قال:مجدّة أو مجدّة؟فمن قال:مجدّة،ة.

ص: 109


1- الصّحيح ذات جدد و جدّة.

فهي من جدّ يجدّ.و من قال:مجدّة،فهي من أجدّت.

و كساء مجدّد:فيه خيوط مختلفة،و يقال:كبر فلان ثمّ أصاب فرحة و سرورا فجدّ جدّة،كأنّه صار جديدا.

و العرب تقول:ملاءة جديد بغير«هاء»،لأنّها بمعنى مجدودة،أي مقطوعة،و ثوب جديد:جدّ حديثا، أي قطع.(10:461)

قال بعض النّحويّين: معنى أ جدّك:أ تجدّ جدّك؟و هو ضدّ اللّعب،و لذلك نصبه.(10:463)

و في كتاب اللّيث: الجدّاد:صاحب الحانوت الّذي يبيع الخمر.

يقال:ركب فلان جدّة من الأمر،أي طريقة و رأيا رآه.

و الجدّة:الطّريقة في السّماء و الجبل.(10:464)

الصّدوق: قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«من جدّد قبرا أو مثّل مثالا فقد خرج من الإسلام».

و اختلف مشايخنا في معنى هذا الخبر،فقال محمّد بن الحسن الصّفّار رحمه اللّه:هو جدّد بالجيم لا غير،و كان شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي اللّه عنه يحكي عنه[عن الصّفّار]أنّه قال:لا يجوز تجديد القبر و لا تطيين جميعه بعد مرور الأيّام عليه،و بعد ما طيّن في الأوّل.و لكن إذا مات ميّت و طيّن قبره فجائز أن يرمّ سائر القبور،من غير أن يجدّد.

و ذكر عن سعد بن عبد اللّه رحمه اللّه أنّه كان يقول:

إنّما هو من حدّد قبرا-بالحاء غير المعجمة-يعني به من سنّم قبرا.

و ذكر عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقيّ أنّه قال:إنّما هو:من جدث قبرا (1)،و تفسير الجدث:القبر، فلا ندري ما عنى به.و الّذي أذهب إليه أنّه«جدّد» بالجيم،و معناه نبش قبرا،لأنّ من نبش قبرا فقد جدّده و أحوج إلى تجديده،و قد جعله جدثا محفورا.

و أقول:إنّ«التّجديد»على المعنى الّذي ذهب إليه محمّد بن الحسن الصّفّار،و«التّحديد»-بالحاء غير المعجمة-الّذي ذهب إليه سعد بن عبد اللّه،و الّذي قاله البرقيّ من أنّه«جدث»كلّه داخل في معنى الحديث،و أنّ من خالف الإمام عليه السّلام في التّجديد و التّسنيم و النّبش و استحلّ شيئا من ذلك،فقد خرج من الإسلام.

و الّذي أقوله في قوله عليه السّلام:«من مثّل مثالا»يعني به أنّه من أبدع بدعة و دعا إليها،أو وضع دينا،فقد خرج من الإسلام،و قولي في ذلك قول أئمّتي عليهم السّلام،فإن أصبت فمن اللّه على ألسنتهم،و إن أخطأت فمن عند نفسي.

(من لا يحضره الفقيه 1:191)

الصّاحب:الجدّ:أبو الأب،و البخت،و الحظّ،من قولهم:«لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ»،و العظمة في قوله تعالى: تَعالى جَدُّ رَبِّنا الجنّ:3،و الغنى،و القطع،من قولهم:جددت الشّيء أجدّه جدّا.

و رجل جديد و حظيظ،و قد جددت،و هو أجدّ منه.و في المثل:«جدّ امرئ وقايته»و«إنّ من جدّك موضع حقّك».

و في المثل:«صرّحت بجدّان»و«بجدّاء»:و هو إذاق]

ص: 110


1- هذا كلام ابن الوليد نفسه،و قبله ما حكاه عن غيره،و من (أقول)يبدأ كلام الصّدوق.[لاحظ في الهامش كلام المحشّي المحقّق]

أبدى الرّجل أقصى ما يريد.

و المجادّة:المحاقّة في الأمر.

و قوله:أ جدّك:يستحلفه بجدّه و حقيقته،و يفتح الجيم.

و قوله:و جدّك:يستحلفه ببخته.

و قيل:معنى أ جدّك:ما لك.

و الجدّ:نقيض الهزل،جدّ في أمره،و أجدّ:بمعنى.

و أجدّ في السّير:انكمش فيه.و جدّ يجدّ و يجدّ، و مصدره الجداد.

و أجدّت قروني من ذلك الأمر:إذا أنت تركته و رفضته.

و لفلان جادّ مائة وسق،أي مقداره.

و الجدّة:مصدر الجديد،و أجدّ ثوبا و استجدّ، و أصبحت خلقانهم جدودا،أي جددا.

و الجدّة:جدّة النّهر و حافّته،و هو ما قلب من الأرض.

و جدّة:ساحل البحر بمكّة.

و جانب كلّ شيء جدّة،نحو جدّة المزادة.

و الجدّة:الطّرّة المحمرّة عند طلوع الشّمس،و الطّريق الواضح بين رملتين.

و الجدد:وجه الأرض،و كذلك الجديد و الجدّاد.

و مثل:«من سلك الجدد أمن العثار».و أجددنا:صرنا في الجدد،و أجدّ الطّريق:صار جددا.

و جدد الطّريق:ملكه،و جدّتاه:ناحيتاه.

و الجدّة:الخلق من الثّياب،أتانا و ما عليه جدّة.

و الجدّة:السّير الّذي يعلّق من أطراف وتر القوس، كي يمسك الوتر أن لا ينحطّ،و جمعها:جدد.

و الجديدان:اللّيل و النّهار.

و الجديدتان للسّرج:اللّبد الّذي يلزق بالسّرج و الرّحل من الباطن.

و الجدّاد:صاحب الحانوت الّذي يبيع الخمر و يعالجها.

و الجدود:كلّ أنثى يبس لبنها،و الجميع:الجدائد و الجداد.و شاة جدّاء،و نوق جداد.

و ناقة جدود:مقطوعة الأذن.و من الأوّل:جدّت تجدّ جدادا.

و جدّت النّاقة تجدّ جددا،إذا أصابها عنب (1)فيبست أخلافها،و نوق جدّ.

و الطّريق الجادّة:تخفّف و تثقّل.و التّشديد هو من الطّريق الجداد،و هي الواضح.

و الجدّاء:المفازة اليابسة،و كذلك السّنة الجدّاء، و هي من النّساء:الصّغيرة الثّدي.

و جداد النّخل:صرامه،و أجدّ النّخل:حان جداده.

و الجدّ:البئر تكون في الكلإ،و الجميع:الأجداد، و ما كنت جدّا،و لقد أجدّت.

و الجدّ:المكان الّذي لا نبت فيه.

و الجدّاد:هي الخيوط المعقّدة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجدّ أيضا:ثمر من ثمر الشّجر غير المطعّم،كثمر الطّلح و السّمر.و كذلك العود الّذي يلفّ عليه الغزل، و هو أيضا:كلّ خال ترى منه الضّوء.

و أجدّت السّماء:أصحّت.ّ.

ص: 111


1- الظّاهر:عنت كما أوردها المدينيّ.

و أجددنا:أصحرنا.

و الجدّ:البدن،و السّمن،و الجدود من الأتن:

السّمينة.(6:391)

الخطّابيّ: الجديدان:اللّيل و النّهار،و هما الفتيان أيضا،و يقال لهما:الملوان.(1:307)

[في حديث أبي بكر]«جادّ عشرين وسقا»،أي نخلا،يجدّ منه ما يبلغ عشرين وسقا.و الجادّ هاهنا:بمعنى المجدود،فاعل بمعنى مفعول.

يقال:جددت النّخل أجدّه جدّا و جدادا،إذا صرمته.(2:43)

الجدد:المستوي من الأرض،و فيه صلابة،و منه قول أكثم بن صيفيّ:«من سلك الجدد أمن العثار».[ثمّ استشهد بشعر](2:404)

أجدّ،إذا صار إلى الجدد.(3:77)

الجوهريّ: الجدد:الأرض الصّلبة،و في المثل:

«من سلك الجدد أمن العثار».

و قد أجدّ القوم،إذا صاروا إلى الجدد،و أجدّ الطّريق:صار جددا.

و الجادّة:معظم الطّريق،و الجمع:جوادّ.

و الجدّ:نقيض الهزل،تقول منه:جدّ في الأمر يجدّ بالكسر جدّا.

و جدّ فلان في عيني يجدّ جدّا بالفتح:عظم.

و الجدّ:الاجتهاد في الأمور،تقول منه:جدّ في الأمر يجدّ جدّا بالفتح،و يجدّ.و أجدّ في الأمر،مثله.

و قولهم:أجدّ بها أمرا،أي أجدّ أمره بها،نصب «الأمر»على التّمييز،كقولك:قررت به عينا،أي قرّت عيني به.

و جادّه في الأمر،أي حاقّه.

و فلان محسن جدّا،و لا تقل:جدّا.

و هو على جدّ أمر،أي عجلة أمر.

و قولهم:في هذا خطر جدّ عظيم،أي عظيم جدّا.

و قولهم:أ جدّك و أ جدّك،بمعنى.و لا يتكلّم به إلاّ مضافا.

و الجدّ بالضّمّ:البئر الّتي تكون في موضع كثير الكلإ.

[ثمّ استشهد بشعر]

و جدّة:بلد على السّاحل.

و الجدّة:الخطّة الّتي في ظهر الحمار تخالف لونه.

و الجدّة:الطّريقة،و الجمع:جدد،قال تعالى:

وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ فاطر:27،أي طرائق تخالف لون الجبل،و منه قولهم:ركب فلان جدّة من الأمر،إذا رأى فيه رأيا.

و كساء مجدّد:فيه خطوط مختلفة.

و الجدّاد:الخلقان من الثّياب،و هو معرّب«كداد» بالفارسيّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و كلّ شيء تعقّد بعضه في بعض من الخيوط و أغصان الشّجر فهو جدّاد.[ثمّ استشهد بشعر]

و جدّ الشّيء يجدّ بالكسر جدّة:صار جديدا،و هو نقيض الخلق.

و جددت الشّيء أجدّه بالضّمّ جدّا:قطعته.

و ثوب جديد،و هو في معنى مجدود،يراد به حين جدّه الحائك،أي قطعه.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه قيل:ملحفة جديد،بلا«هاء»،لأنّها بمعنى

ص: 112

«مفعولة».

و ثياب جدد،مثل سرير و سرر.

و تجدّد الشّيء:صار جديدا.و أجدّه،و استجدّه، و جدّده،أي صيّره جديدا.و بهي بيت فلان فأجدّ بيتا من شعر.

و يقال لمن لبس الجديد:أبل و أجدّ و احمد الكاسي.

و الجديد:وجه الأرض.

و قولهم:لا أفعله ما اختلف الجديدان،و ما اختلف الأجدّان،يعنى به اللّيل و النّهار.

و جديدة السّرج:ما تحت الدّفّتين من الرّفادة و اللّبد الملزق.و هما جديدتان،و هو مولّد.و العرب تقول:

جدية السّرج و جديّة السّرج.

و جدّ النّخل يجدّه،أي صرمه.و أجدّ النّخل:حان له أن يجدّ.و هذا زمن الجداد و الجداد،مثل الصّرام و القطاف،فكأنّ«الفعال و الفعال»مطّردان في كلّ ما كان فيه معنى وقت الفعل،مشبّهان في معاقبتهما بالإوان و الأوان.و المصدر من ذلك كلّه على«الفعل»مثل الجدّ و الصّرم و القطف.

و جدّت أخلاف النّاقة،إذا أضرّ بها الصّرار و قطعها،فهي ناقة مجدودة الأخلاف.

و امرأة جدّاء:صغيرة الثّدي.و فلاة جدّاء:لا ماء بها.

و تجدّد الضّرع:ذهب لبنه.

و جدود:موضع فيه ماء يسمّى الكلاب،و كانت به وقعة مرّتين.و يقال للكلاب الأول:يوم جدود،و هو لتغلب على بكر بن وائل.(2:452)

ابن فارس: الجيم و الدّال أصول ثلاثة:الأوّل العظمة،و الثّاني الحظّ،و الثّالث القطع.

فالأوّل:العظمة،قال اللّه جلّ ثناؤه إخبارا عمّن قال: وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا الجنّ:3،و يقال:جدّ الرّجل في عيني،أي عظم.

و الثّاني:الغنى و الحظّ.[ثمّ ذكر حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم]

و فلان أجدّ من فلان و أحظّ منه،بمعنى.

و الثّالث:يقال:جددت الشّيء جدّا،و هو مجدود و جديد،أي مقطوع.[ثمّ استشهد بشعر]

و ليس ببعيد أن يكون الجدّ في الأمر و المبالغة فيه من هذا،لأنّه يصرمه صريمة و يعزمه عزيمة،و من هذا قولك:أ جدّك تفعل كذا،أي أ جدّ منك أ صريمة منك أ عزيمة منك؟[ثمّ استشهد بشعر]

و الجدّ:البئر،من هذا الباب،و القياس واحد،لكنّها بضمّ الجيم.[ثمّ استشهد بشعر]

و البئر:تقطع لها الأرض قطعا.

و من هذا الباب الجدجد:الأرض المستوية.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجدد مثل الجدجد،و العرب تقول:«من سلك الجدد أمن العثار».و يقولون:«رويد يعلون الجدد»، و يقال:أجدّ القوم،إذا صاروا في الجدد.

و الجديد:وجه الأرض.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجدّة من هذا أيضا،و كلّ جدّة:طريقة.

و الجدّة:الخطّة تكون على ظهر الحمار.

و من هذا الباب الجدّاء:الأرض الّتي لا ماء بها،كأنّ الماء جدّ عنها،أي قطع.و منه الجدود و الجدّاء من

ص: 113

الضّأن،و هي الّتي جفّ لبنها و يبس ضرعها.

و من هذا الباب الجداد و الجداد،و هو صرام النّخل.

و جادّة الطّريق:سواؤه،كأنّه قطع عن غيره،و لأنّه أيضا يسلك و يجدّ،و منه الجدّة.و جانب كلّ شيء:

جدّة،نحو جدّة المزادة.و ذلك هو مكان القطع من أطرافها.

و قولهم:ثوب جديد،و هو من هذا،كأنّ ناسجه قطعه الآن.

هذا هو الأصل،ثمّ سمّي كلّ شيء لم تأت عليه الأيّام:جديدا،و لذلك يسمّى اللّيل و النّهار الجديدين و الأجدّين،لأنّ كلّ واحد منهما إذا جاء فهو جديد.

و الأصل في«الجدّة»ما قلناه.(1:406)

أبو هلال العسكريّ: الفرق بين الجدّ و الانكماش:

أنّ الانكماش:سرعة السّير،يقال:انكمش سيره،إذا أسرع فيه.ثمّ استعمل في كلّ شيء تصحّ فيه السّرعة، فتقول:انكمش على النّسخ و الكتابة و ما يجري مع ذلك.

و الجدّ:صدق القيام في كلّ شيء،تقول:جدّ في السّير و جدّ في إغاثة زيد و في نصرته،و لا يقال:انكمش في إغاثة زيد و نصرته؛إذ ليس ممّا تصحّ فيه السّرعة.

(212)

الهرويّ: و في حديث ابن سيرين:«كان يختار الصّلاة على الجدّ إن قدر عليه».الجدّ:شاطئ النّهر، و الجدّة أيضا،و به سمّيت جدّة،لأنّها ساحل البحر.

و كلّ طريقة من سواد أو بياض فهي جدّة.

و في الحديث:«كان لا يبالي أن يصلّي في المكان الجدد»يريد المستوي من الأرضين.(327)

أبو سهل الهرويّ: و الجدّ في الأمر،مكسور:ضدّ الهزل،و هو الانكماش و ترك التّواني.

و الجدّ في النّسب:أبو الأب و أبو الأمّ،و الجدّ:الحظّ و هو الّذي تسمّيه العامّة البخت،مفتوحان.[ثمّ استشهد بشعر]

و ما أتاك في الشّعر من قوله:أ جدّك؟فهو بالكسر يعني كسر الجيم و فتح الدّال،و هو ضدّ الهزل،و معناه أ جدّا منك؟و نصبه على المصدر.و إذا أتاك و جدّك،فهو مفتوح،مفتوح الجيم مكسور الدّال،و هذه الواو للقسم فلذلك خفض الدّال،و معناه الحلف بجدّه الّذي هو أبو أبيه أو بحظّه.(56)

و ثياب جدد بضمّ الدّال:للّتي لم تبتذل باللّباس، واحدها:جديد.(60)

ابن سيده: الجدّ:أبو الأب،و أبو الأمّ.و الجمع:

أجداد،و جدود.

و الجدّ:البخت و الحظوة.

و الجدّ:الحظّ و الرّزق،يقال:فلان ذو جدّ في كذا، أي ذو حظّ فيه،و في الدّعاء:«و لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ»أي من كان له حظّ في الدّنيا لم ينفعه ذلك منك في الآخرة.و الجمع:أجداد.و أجدّ،و جدود عن سيبويه.

و رجل جدّ:عظيم الجدّ.قال سيبويه:«و الجمع جدّون»و لا يكسّر.

و كذلك:جدّ،و جدّيّ،و مجدود،و جديد،و قد جدّ،و هو أجدّ منك،أي أحظّ.فإن كان هذا من «مجدود»فهو غريب،لأنّ التّعجّب في معتاد الأمر إنّما هو من«الفاعل»لا من«المفعول»و إن كان من«جديد»

ص: 114

-و هو حينئذ في معنى المفعول-فكذلك أيضا.

و أمّا إن كان«جديد»في معنى«فاعل»فهذا هو الّذي يليق به التّعجّب،أعني أنّ التّعجّب إنّما هو من الفاعل في غالب الأمر،كما قلنا.

و جددت بالأمر جدّا:حظيت به خيرا كان أو شرّا.

و الجدّ:العظمة،و في التّنزيل: وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا الجنّ:3،قيل:جدّه:عظمته،و قيل:غناه.و في حديث أنس:«إنّه كان الرّجل منّا إذا حفظ البقرة و آل عمران جدّ فينا»أي عظم في أعيننا.

و خصّ بعضهم ب«الجدّ»عظمة اللّه عزّ و جلّ،و قول أنس هاهنا يردّ هذا،لأنّه قد أوقعه على الرّجل.

و جدّة النّهر،و جدّته:ما قرب منه من الأرض.

و الجدّ،و الجدّة:ساحل البحر بمكّة.

و جدّة:اسم موضع قريب من مكّة،مشتقّ منه.

و جدّة كلّ شيء:طريقته.

و جدّ كلّ شيء:جانبه.

و الجدّ،و الجدّ،و الجديد،و الجدد،كلّه:وجه الأرض.

و قيل:الجدد:الأرض الغليظة،و قيل:المستوية، و في المثل:«من سلك الجدد أمن العثار»يريد:من سلك طريق الإجماع،فكنى عنه بالجدد.

و الجدد من الرّمل:ما استرقّ منه و انحدر.

و أجدّ القوم:علوا جديد الأرض أو ركبوا جدد الرّمل.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجدّت لك الأرض،إذا انقطع عنك الخبار و وضحت.

و جادّة الطّريق:مسلكه و ما وضح منه.

و الجدّ:البئر الجيّدة الموضع من الكلإ،مذكّر،و قيل:

هي البئر المغزرة،و قيل:الجدّ:البئر القليلة الماء.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:الجدّ:الماء القليل،و قيل:هو الماء يكون في طرف الفلاة.و الجمع من ذلك كلّه:أجداد.

و مفازة جدّاء:يابسة.[ثمّ استشهد بشعر]

و سنة جدّاء:محلة.

و شاة جدّاء:قليلة اللّبن،يابسة الضّرع،و كذلك:

النّاقة و الأتان.

و قيل:الجدّاء من كلّ حلوبة:الذّاهبة اللّبن عن عيب.

و الجدود:القليلة اللّبن من غير عيب،و الجمع:

جدائد،و جداد.

و امرأة جدّاء:صغيرة الثّدي.

و جدّ الشّيء يجدّه جدّا:قطعه.

و الجدّاء من الغنم و الإبل:المقطوعة الأذن.

و حبل جديد:مقطوع.[ثمّ استشهد بشعر]

و ملحفة جديد،و جديدة:حين جدّها الحائك،أي قطعها.

و الجدّة:نقيض البلى،يقال:شيء جديد،و الجمع:

أجدّة،و جدد،و جدد.

و قد قالوا:ملحفة جديدة،قال سيبويه:و هي قليلة.

و قال أبو عليّ: جدّ الثّوب يجدّ:صار جديدا،و عليه وجّه قول سيبويه:ملحفة جديدة،لا على ما ذكرنا من

ص: 115

«المفعول».

و أجدّ ثوبا،و استجدّه:لبسه جديدا.[ثمّ استشهد بشعر]

و أصل ذلك كلّه القطع.فأمّا ما جاء منه في غير ما يقبل القطع فعلى المثل بذلك،كقولهم:جدّد الوضوء و العهد.

و الأجدّان:و الجديدان:اللّيل و النّهار؛و ذلك لأنّهما لا يبليان أبدا.و يقال:لا أفعل ذلك ما اختلف الأجدّان و الجديدان،أي اللّيل و النّهار.

و الجديد:ما لا عهد لك به،و لذلك وصف الموت بالجديد.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجدّ:حان أن يجدّ.

و الجداد،و الجداد:أوان الصّرام.

و ما عليه جدّة،و جدّة،أي خرقة.

و جديدتا السّرج و الرّحل:اللّبد الّذي يلزق بهما من الباطن.

و الجدّ:نقيض الهزل،جدّ يجدّ،و يجدّ جدّا.

و أجدّ:حقّق.و عذاب جدّ:محقّق مبالغ فيه،و في القنوت:«و نخشى عذابك الجدّ».

و جدّ في أمره يجدّ،و يجدّ جدّا،و أجدّ:حقّق.

و المجادّة:المحاقّة.

و جدّ به الأمر:اشتدّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و أ جدّك لا تفعل كذا،و أ جدّك،إذا كسر استحلفه بحقيقته،و إذا فتح استحلفه ببخته.[ثمّ حكى قول سيبويه و قد سبق]

و قالوا:هذا العالم جدّ العالم،و هذا عالم جدّ عالم:

يريد بذلك التّناهي،و أنّه قد بلغ الغاية فيما يصفه به من الخلال.

و صرّحت بجدّ،و جدّان،و جدّاء:يضرب هذا مثلا للأمر إذا بان.

و الجدّاد:صغار العضاه.

و الجدّاد:صاحب الحانوت الّذي يبيع الخمر و يعالجها.

و الجدّاد:الخيوط المعقّدة،يقال لها:كداد، بالنّبطيّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و جدّاء:موضع.[ثمّ استشهد بشعر](7:183)

الطّوسيّ: و الجدّ:أب بواسطة،و لا يطلق عليه صفة أب،و إنّما يجوز ذلك بقرينة تدلّ على أنّه أب بواسطة الابن،و جدّ الأب:أب بواسطتين.(6:140)

و الجديد:المقطوع عنه العمل في ابتداء أمره،قبل حال خلوّ فيه،و أصله:القطع،يقال:جدّه يجدّه جدّا، إذا قطعه.و الجدّ:أب الأب،لانقطاعه عن الولادة بالأب.

و الجدّ ضدّ الهزل،و الجدّ:الحظّ.(6:287)

الرّاغب: الجدّ:قطع الأرض المستوية،و منه:جدّ في سيره يجدّ جدّا،و كذلك جدّ في أمره و أجدّ:صار ذا جدّ.

و تصوّر من:جددت الأرض:القطع المجرّد،فقيل:

جددت الثّوب،إذا قطعته على وجه الإصلاح،و ثوب جديد:أصله المقطوع،ثمّ جعل لكلّ ما أحدث إنشاؤه، قال تعالى: بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ق:15، إشارة إلى النّشأة الثّانية؛و ذلك قولهم: أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا

ص: 116

تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ق:3.

و قوبل الجديد ب«الخلق»لما كان المقصود بالجديد:

القريب العهد بالقطع من الثّوب،و منه قيل للّيل و النّهار:

الجديدان و الأجدّان،قال تعالى: وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ فاطر:27،جمع:جدّة،أي طريقة ظاهرة،من قولهم:طريق مجدود،أي مسلوك مقطوع،و منه جادّة الطّريق.

و الجدود و الجدّاء من الضّأن:الّتي انقطع لبنها.

و جدّ ثدي أمّه،على طريق الشّتم.

و سمّي الفيض الإلهيّ: جدّا،قال تعالى: وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا الجنّ:3،أي فيضه،و قيل:عظمته، و هو يرجع إلى الأوّل،و إضافته إليه على سبيل اختصاصه بملكه.

و سمّي ما جعل اللّه تعالى للإنسان من الحظوظ الدّنيويّة:جدّا،و هو البخت،فقيل:جددت و حظظت، و قوله عليه السّلام:«لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ»أي لا يتوصّل إلى ثواب اللّه تعالى في الآخرة بالجدّ،و إنّما ذلك بالجدّ في الطّاعة،و هذا هو الّذي أنبأ عنه قوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ...* وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى لَها سَعْيَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً الإسراء:18،19،و إلى ذلك أشار بقوله: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ الشّعراء:88.

و الجدّ:أبو الأب و أبو الأمّ.و قيل:معنى«لا ينفع ذا الجدّ»:لا ينفع أحدا نسبه و أبوّته،فكما نفى نفع البنين في قوله: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ، كذلك نفى نفع الأبوّة في هذا الحديث.(88)

الزّمخشريّ: رجل مجدود و جدّ:ذو جدّ،و هو أجدّ من فلان،و يقال:أعطي فلان جدّا،فلو بال لجدّ ببوله،أي لكان الجدّ في بوله أيضا.

و جدّ في عيني:عظم.و سلك الجدد.و قد أجددت فسر،و مشى على الجادّة،و امشوا على الجوادّ.

و جدّ في الأمر و أجدّ،و أجدّ المسير.و أ جادّ أنت أم هازل؟و أ جدّك تفعل كذا.

و أرض جدّاء:لا ماء بها.و شاة جدّاء و جدود:لا لبن لها.

و على ظهره جدّة،و في السّماء جدّة،و هي الطّريقة.

و لا أفعل ما كرّ الجديدان و الأجدّان.

و هذا زمن الجداد و الجداد،و أجدّ النّخل.

و ملحفة جديد.و أجدّ ثوبا و استجدّه،بمعنى.

و من المجاز:جدّ به الأمر،و جدّ جدّه،و هو على جدّ أمر.و ركب جدّة من الأمر،أي طريقة،و رأى رأيا.

و هذه نخل جادّ مائة وسق،أي تجدّها،كما تقول:

ناقة حالبة علبتين،و تحلب علبتين.

(أساس البلاغة:53)

[في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم]

الجدّ:الحظّ،و الإقبال في الدّنيا.

و الجدّ بالضّمّ:الصّفة،و مثله الحلو و المرّ،و ناقة عبر أسفار.

و منه قوله صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم:«قمت على باب الجنّة فإذا عامّة من يدخلها الفقراء،و إذا أصحاب الجدّ محبوسون».[إلى أن قال:]

و المعنى:المجدود لا ينفعه منك الجدّ الّذي منحته،و إنّما

ص: 117

ينفعه أن تمنحه اللّطف و التّوفيق في الطّاعة،أو لا ينفع من جدّه منك جدّه،و إنّما ينفعه التّوفيق منك.

(الفائق 1:192)

«نهى صلّى اللّه عليه و سلّم عن جداد اللّيل و عن حصاد اللّيل».هو بالفتح و الكسر:صرام النّخل،و كانوا يجدّون باللّيل و يحصدون خشية حضور المساكين،و فرارا من التّصدّق عليهم،فنهوا عن ذلك بقوله تعالى: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ الأنعام:141.

أوصى من خيبر بجادّ مائة وسق للأشعريّين،و بجادّ مائة وسق للشّنائيّين (1)،أي بنخل يجدّ منه مائة وسق من التّمر،و هو من باب قولهم:ليل نائم.و منه حديثه:

اربطوا الفرس فمن ربط فرسا فله جادّ مائة و خمسين وسقا.(الفائق 1:192)

و الجديد:يوصف به المؤنث بغير علامة،فيقال:

ملحفة جديد.و عند الكوفيّين«فعيل»بمعنى«مفعول» فهو في حكم قولهم:امرأة قتيل،و دابّة عقير.و عند البصريّين بمعنى«فاعل»كعزيز و ذليل،لأنّك تقول:جدّ الثّوب،فهو جديد،كعزّ و ذلّ.و لكن قيل في المؤنّث:

جديد.كما قال اللّه تعالى: إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ الأعراف:56.(الفائق 2:310)

الطّبرسيّ: الجديد:القريب العهد بانقطاع العمل عنه،و أصله من القطع.(4:403)

واحد الجدد:جدّة.و أمّا الجدد فجمع جديد.

(4:406)

الجدّ:أصله القطع،و منه الجدّ:العظمة،لانقطاع كلّ عظمة عنها لعلوّها عليه،و منه الجدّ:أبو الأب،لانقطاعه بعلوّ أبوّته.و كلّ من فوقه لهذا الولد أجداد.

و الجدّ:الحظّ،لانقطاعه بعلوّ شأنه.و الجدّ:خلاف الهزل،لانقطاعه عن السّخف،و منه الجديد،لأنّه حديث عهد بالقطع في غالب الأمر.(5:367)

المدينيّ: في حديث ابن عمر:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذا جدّ به السّير جمع بين الصّلاة»أي انكمش و أسرع،يقال:جدّ في السّير و الأمر،يجدّ بضمّ الجيم و كسرها،و أجدّ فيه أيضا،و جدّ به الأمر و السّير بمعناه، و هو على جدّ أمر،أي على عجلته.

في الحديث:«لا يضحّى بجدّاء».الجدّاء:ما لا لبن لها من كلّ حلوبة،من آفة أيبست ضرعها.

و جدّت النّاقة تجدّ جددا،إذا يبست أخلافها من عنت أصابها،فهي جدّاء،و الجمع:الجدّ.

و الجدّاء أيضا:الصّغيرة الثّديين في النّساء،و منه حديث عليّ رضي اللّه عنه في صفة المرأة:«إنّها جدّاء» قال اليزيديّ:هي القصيرة الثّديين.

و الجدّاء أيضا:المفازة اليابسة،و كذا السّنة الجدّاء.

في حديث أبي سفيان:«جدّ ثديا أمّك».أي قطعا، دعاء عليه.و الجدّ:القطع،و الجديد:المقطوع.

في حديث رؤيا عبد اللّه بن سلام:«و إذا جوادّ منهج عن يميني».الجوادّ:الطّرق.و المنهج:الواضح.

و جادّة الطّريق:سواؤه و وسطه:و قيل:الجادّة:

الطّريق الأعظم الّذي يجمع الطّرق،و لا بدّ من المرور عليه.ن.

ص: 118


1- في الهامش:في اللّسان:للشّيبيّين.و لعلّ أصله الشّيبانيّين.

في الحديث:«ما على جديد الأرض».أي ما على وجهها.

في الحديث:«لا يأخذنّ أحدكم متاع أخيه لاعبا جادّا»لا يأخذه على سبيل الهزل،ثمّ يحبسه فيصير ذلك جدّا.

في قصّة حنين:«كإمرار الحديد على الطّست الجديد»الجديد يوصف به المؤنّث بلا علامة...

(1:301)

ابن الأثير: في حديث الدّعاء:«تبارك اسمك و تعالى جدّك»أي علا جلالك و عظمتك.

و الجدّ:الحظّ و السّعادة و الغنى.

و في الحديث:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذا جدّ في السّير جمع بين الصّلاتين»أي إذا اهتمّ به و أسرع فيه.يقال:

جدّ يجدّ و يجدّ بالضّمّ و الكسر،و جدّ به الأمر و أجدّ.

و جدّ فيه و أجدّ،إذا اجتهد.

و منه حديث أحد:«لئن أشهدني اللّه مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قتال المشركين ليرينّ اللّه ما أجدّ»أي ما أجتهد.

(1:244)

الصّغانيّ: يقال:أجدّت قروني من ذلك الأمر،إذا أنت تركته و رفضته.

و الجدّ:ثمر من ثمر الشّجر غير المطعم كثمر الطّلح و السّمر.

و الجدّ:البدن،و السّمن،و الجدود من الإبل:

السّمينة.(2:207)

الفيّوميّ: جدّ الشّيء يجدّ بالكسر جدّة فهو جديد،و هو خلاف القديم.

و جدّد فلان الأمر و أجدّه و استجدّه،إذا أحدثه فتجدّد هو.و قد يستعمل«استجدّ»لازما.

و جدّه جدّا من باب«قتل»:قطعه،فهو جديد «فعيل»بمعنى«مفعول».

و هذا زمن الجداد و الجداد،و أجدّ النّخل بالألف:

حان جداده،و هو قطعه.[إلى أن قال:]

و جدّ في كلامه جدّا من باب«ضرب»ضدّ هزل، و الاسم منه:الجدّ بالكسر،و منه قوله عليه الصّلاة و السّلام:«ثلاث جدّهنّ جدّ و هزلهنّ جدّ»لأنّ الرّجل كان في الجاهليّة،يطلّق أو يعتق أو ينكح ثمّ يقول:كنت لاعبا و يرجع،فأنزل اللّه قوله تعالى: وَ لا تَتَّخِذُوا آياتِ اللّهِ هُزُواً البقرة:231،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«ثلاث جدّهنّ جدّ»إبطالا لأمر الجاهليّة و تقريرا للأحكام الشّرعيّة...(92)

الفيروزآباديّ: الجدّ:أبو الأب و أبو الأمّ،الجمع:

أجداد و جدود و جدودة،و البخت و الحظّ،و الحظوة، و الرّزق،و العظمة،و شاطئ النّهر كالجدّ و الجدّة بكسرهما،و الجدّة بالضّمّ،و وجه الأرض كالجدّة بالكسر و الجديد و الجدد.

و الرّجل العظيم الحطّ كالجدّ و الجدّيّ بضمّهما، و الجديد و المجدود،و و كف البيت و هذه عن المطرّز و يكسر،و القطع،و ثوب جديد كما جدّه الحائك،الجمع:

جدد كسرر.

و صرام النّخل كالجداد و الجداد،و أجدّ:حان أن يجدّ.

و بالضّمّ:ساحل البحر بمكّة كالجدّة،و جدّة لموضع

ص: 119

بعينه منه،و جانب كلّ شيء،و السّمن و البدن،و ثمر كثمر الطّلح،و البئر في موضع كثير الكلإ،و البئر و المغزرة و القليلة الماء ضدّ،و الماء القليل،و الماء في طرف فلاة، و الماء القديم.

و بالكسر:الاجتهاد في الأمر،و ضدّ الهزل،و قد جدّ يجدّ و يجدّ و أجدّ،و العجلة،و التّحقيق،و المحقّق المبالغ فيه،و و كفان البيت جدّ يجدّ.

و الجدّة:أمّ الأمّ و أمّ الأب،و بالضّمّ:الطّريقة و العلامة،و الخطّة في ظهر الحمار تخالف لونه،و موضع.

و ركب جدّة الأمر،إذا رأى فيه رأيا.و بالكسر:

قلادة في عنق الكلب،و ضدّ البلى جدّ يجدّ فهو جديد، و أجدّه و جدّده و استجدّه:صيّره جديدا،فتجدّد و أجدّ بها أمرا،أي أجدّ أمره بها.

و كرمّان:خلقان الثّياب،و كلّ متعقّد بعضه في بعض من خيط أو غصن،و الجبال الصّغار.

و ككتّان:بائع الخمر و معالجها،و ككتاب:جمع جديد للأتان السّمينة.

و الجديدان و الأجدّان:اللّيل و النّهار.

و الجدّاء:الصّغيرة الثّدي،و المقطوعة الأذن، و الذّاهبة اللّبن،و الفلاة بلا ماء،و قرية بالحجاز.

و صرّحت جدّاء و بجدّ،و بجدّ ممنوعة،و بجدّان:يقال في شيء وضح بعد التباسه،و هو على الجملة اسم موضع بالطّائف ليّن مستو كالرّاحة لا خمر فيه يتوارى به، و التّاء عبارة عن القصّة أو الخطّة.

و الجدود:النّعجة قلّ لبنها،و موضع.

و تجدّد الضّرع:ذهب لبنه.

و الجدد محرّكة:ما استرقّ من الرّمل:و شبه السّلعة بعنق البعير،و الأرض الغليظة المستوية،و أجدّ:سلكها، و الطّريق:صار جددا.

و عالم جدّ عالم بالكسر:متناه بالغ الغاية،و جادّه:

حاققه.

و ما عليه جدّة بالكسر و الضّمّ:خرقة.

و أجدّت قروني منه:تركته.

و الجديد:الموت،و نهر باليمامة.

و أ جدّك لا تفعل:لا يقال إلاّ مضافا،و إذا كسر استحلفه بحقيقته،و إذا فتح استحلفه ببخته،و اذا قلت بالواو فتحت:و جدّك لا تفعل.

و الجادّة:معظم الطّريق،الجمع:جوادّ.(1:291)

الطّريحيّ: و في الحديث:«تبارك اسمك و تعالى جدّك»أي جلالك و عظمتك،و المعنى تعاليت بجلالك و عظمتك أن توصف بما لا يليق لك...

و قيل:المراد بالجدّ الحظّ،و هو الّذي يسمّيه العامّة:

البخت.و منه:«أتعس اللّه جدودكم»أي أهلك حظوظكم،و مثله:«عيبك مستور ما أسعد جدّك»أي بختك.

و منه الحديث:«إذا مات الميّت فجدّ في جهازه، و عجّل في تجهيزه و لا تقصّر،و لا تؤخّره».

و فلان محسن جدّا،أي نهاية و مبالغة.

و في دعاء الاستسقاء:«اسقنا مطرا جدّا طبقا» و فسّر الجدّ بالمطر العامّ.

و الجادّة:وسط الطّريق،و معظمه الّذي يجمع الطّرق،و لا بدّ من المرور عليه،و الجمع:جوادّ،مثل دابّة

ص: 120

و دوابّ.

و طريق جدد،أي سهل.

و الجدد بالتّحريك:المستوي من الأرض،و منه:

«أسألك باسمك الّذي يمشى به على جدد الأرض».

و تجدّد الضّرع:يبس لبنه،و منه الخبر:«لا تصحّ بجدّا»و هي الّتي لا لبن لها من كلّ حلوبة،لأنّه أيبست ضرعها.

و جديد الأرض:وجهه،و منه قولهم:«جلاه عن جديد الأرض»أي نفاه عنها.(3:21)

محمّد إسماعيل إبراهيم:جدّ فلان في أعين النّاس:عظم شأنه،و جدّ الثّوب جدّة:صار جديدا، و جدّ جدّا:اجتهد،و جدّ جدّا:صار ذا جدّ،أي خطر، و تعالى جدّ ربّنا:تنزّه سبحانه عن كلّ ما لا يليق بجلاله.

و الجدّة:العلامة و الطّريقة،و الجمع:جدد،و هي اللّون المستطيل في الشّيء يخالف ما بجانبه،و يقال:في الجبل جدّة سواء،أي لون أسود ممتدّ كالطّريق.(103)

العدنانيّ: هو جادّ في أمره و مجدّ فيه.

و يخطّئ المنذر من يقول:فلان مجدّ في الأمر،و يقول:

إنّ الصّواب هو:فلان جادّ في الأمر،لأنّ الفعل-حسب رأيه و رأي المصباح المنير-هو:جدّ في الأمر.و الحقيقة هي أنّ هنالك فعلين هما:جدّ في الأمر فهو جادّ فيه، و أجدّ في الأمر فهو مجدّ فيه:الأصمعيّ،و التّهذيب، و الصّحاح،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و مختار الصّحاح،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و المتن،و الوسيط.

و فعله الثّلاثيّ هو:

جدّ في الأمر يجدّ أو يجدّ جدّا و جدّا.

لذا قل:

أ-فلان جادّ في الأمر.

ب-أو فلان مجدّ فيه.

الجديد:الحديث و المقطوع.

جاء في التّضادّ:الجديد:ضدّ الخلق،و الجديد أيضا:

الحبل الخلق المقطّع.و الصّواب هو أنّ معنى جدّ الشّيء:

قطعه،و ليس:أبلاه.

و في اللّغة العربيّة: جدّ الشّيء يجدّه جدّا:قطعه.

و القطع لا يفرض علينا أن يكون ما نقطعه باليا.فقد نجدّ (نقطع)جزء من نسيج حديث،و نصنع منه ثوبا أو قميصا.فهذا الجزء الحديث نسجه هو مجدود(مقطوع)من جزء أكبر منه،حديث نسجه أيضا.فالجزء المجدود هو جديد«فعيل»بمعنى«المفعول».و هذا الجديد(المقطوع) حديث،لا بال.لذا لم يقل ابن الأنباريّ في كتابه «الأضداد»إنّ الجديد هو البالي،بل قال:الجديد هو المقطوع،و استشهد ببيت الوليد بن يزيد:

أبى حبّي سليمى أن يبيدا

و أضحى حبلها خلقا جديدا

و فسّر الجديد فيه بمعنى المقطوع.و لو كان معنى الجديد هو البالي،لما اضطرّ الشّاعر إلى أن يضع«خلقا» أي باليا،قبل«جديد».و نحن قد نجدّ الشّيء الحديث، فيصبح جديدا(مقطوعا)،و قد نجدّ القديم البالي،فيصبح جديدا(مقطوعا)أيضا.

ثمّ ذكر ابن الأنباريّ أنّ بعض اللّغويّين قالوا:

«معناه:و أضحى حبلها خلقا عندها،جديدا عندي في

ص: 121

قلبي،لأنّي لم أملّها كما ملّتني،و لو لم أنو قطيعتها كما نوت قطيعتي».

فقد أراد أولئك اللّغويّون أن يبعدوا معنى«البلى» عن«جديد»،فقالوا:إنّ الشّاعر يعني به الحديث.

و يؤيّد رأيي هذا أنّ المعاجم و الكتب الآتية قالت:

أ-إنّ الجديد هو(المقطوع)،و لم تقل إنّه(البالي).

ب-إنّ الجديد هو(الحديث).

ابن الأنباريّ،و الأزهريّ،و معجم مقاييس اللّغة، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و المحيط-الّذي قال:ثوب جديد:كما جدّه الحائك-و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و المتن،و الوسيط.

و ممّا قاله اللّسان:«الجدّة:نقيض البلى،يقال:شيء جديد،و الجمع:أجدّة،و جدد،و جدد»و قال أيضا:

«ثوب جديد:مجدود،يراد به حين جدّه الحائك أي قطعه».و هل يقطع الحائك ثوبا قديما؟

و قيل:ملحفة جديد(مقطوعة)لأنّها بمعنى «مفعولة».و لكنّ ابن سيده يجيز:ملحفة جديد و جديدة،و قال سيبويه:ملحفة جديدة قليلة.و أنا أرى أنّ جديدة هنا صواب،لأنّها بمعنى«الفاعل»من جدّ الشّيء يجدّ جدّة:صار جديدا،نقيض خلقا.

أمّا أصل معنى هذه المادّة«الجدّ»في اللّغات السّاميّة، فهو القطع،و قد ذكر التّضادّ العبريّة و السّريانيّة.

و لست أرى«الجديد»من الأضداد،و أرى أنّ معناه هو:

أ-الحديث.

ب-المقطوع(المجدود)حديثا من الثّوب،و لا تعني الثّوب المقطّع.لذا أنصح باستعمال(الجديد)بمعنى (الحديث).فالقرآن الكريم لم يأت بهذه الكلمة الّتي ذكرت فيه ثماني مرّات،إلاّ بمعنى(الحديث)،كما جاء في الآية(16)من سورة فاطر: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ. (114)

المصطفويّ: و الّذي يظهر من التّحقيق في تلك المعاني و موارد استعمالاتها:أنّ الأصل الواحد فيها هو المقام المتحصّل من الجلال و العظمة و القدرة،و إطلاقها على أب الأب و الأمّ باعتبار كونهم سبب مجد و عظمة للرّجل،و كونهم معظّمين و ممجّدين عنده،و لهم جلال و قدرة و مقام.

و إلى هذا المعنى يرجع مفهوم:الحظّ و الغنى،فإنّه نوع جلال و عظمة و مقام قدرة.و لا يبعد أن يكون المراد من مفهوم«القطع»هاهنا هو المقطوعيّة،بمعنى رفع التّرديد و الشّكّ و التّزلزل و الاحتمال،و إطلاقها على القطع الظّاهريّ بهذا الاعتبار،و بملاحظة حصول هذا المعنى.

و يقرب منه مفهوم(الجدّ)في الأمر و المبالغة و العزم.

و هكذا مفهوم جادّة الطّريق،أي وسطه المتبيّن المستقيم المحفوظ عن الضّلال.

و أمّا مفهوم(الجديد)فليس هو في مقابل القديم مطلقا،بل ما كان متجدّدا و حادثا مع إضافة عظمة و خصوصيّة ممتازة بالنّسبة إلى سابقه،و تظهر هذه الخصوصيّة في موارد استعماله في الكتاب الكريم.

إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ إبراهيم 19،أي ممتازا عظيما.

أَ إِذا كُنّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً الإسراء:49، أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَ إِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ السّجدة:10،أي خلقا ممتازا فوق الخلق السّابق،و بعد هذا الاندراس و الضّلال.

ص: 122

أَ إِذا كُنّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً الإسراء:49، أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَ إِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ السّجدة:10،أي خلقا ممتازا فوق الخلق السّابق،و بعد هذا الاندراس و الضّلال.

وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا الجنّ:3،أي مقام جلاله و عظمته.

وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ فاطر:27،أي خطوط داخليّة و ذخائر مكوّنة،و كنوز و معادن مختلفة ألوانها.

و ليس المراد الطّرق الظّاهريّة و المعابر في سطوح الجبال.

فكلمة«الجدد»إشارة إلى التّجدّد و التّكوّن و الثّروة و المنزلة و العظمة.

و لا يخفى أنّ«الجدد»جمع جدّة،و هي على«فعلة» كاللّقمة،فمعناها على مقتضى صيغتها،هو ما يجدّ به،أي ما يستغنى و يستفاد به.

فظهر لطف التّعبير بمشتقّات هذه المادّة في موارد استعمالاتها.

في القاموس العبريّ-العربيّ-(جدا)-(أراميّة):

حظّ،بخت.

(جادد):قطع،قصّ،قطف.

فلا يبعد أن نقول:إنّ«الجدّ»بمعنى القطع-إن كان مطلقا-قد أخذ من اللّغة العبريّة،فلا يلتزم بالتّناسب بين المعاني.(2:61)

النّصوص التّفسيريّة

جديد

وَ إِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَ إِذا كُنّا تُراباً أَ إِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ. الرّعد:5

قتادة :عجب الرّحمن تبارك و تعالى من تكذيبهم بالبعث بعد الموت.(الطّبريّ 13:104)

الطّبريّ: و إن تعجب يا محمّد من هؤلاء المشركين المتّخذين ما لا يضرّ و لا ينفع آلهة يعبدونها من دوني، فعجب قولهم: أَ إِذا كُنّا تُراباً و بلينا فعدمنا أَ إِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ إنّا لمجدّد إنشاؤنا و إعادتنا خلقا جديدا، كما كنّا قبل وفاتنا؟تكذيبا منهم بقدرة اللّه،و جحودا للثّواب و العقاب،و البعث بعد الممات.(13:103)

الشّريف الرّضي:(جديد)هاهنا استعارة،لأنّ أصله هاهنا مأخوذ من الجدّ،و هو القطع،يقال:قد جدّ الثّوب،فهو جديد بمعنى مجدود،إذا قطع من منسجه أو قطع لاستعمال لابسه.و المراد-و اللّه أعلم-إنّا لفي خلق جديد،أي قد فرغ من استئنافه،و أعيد إلى موضع ثوابه و عقابه،فصار كالثّوب الّذي قطع منسجه بعد الفراغ من عمله.(تلخيص البيان:63)

القشيريّ: استبعادهم النّشأة الثّانية-مع إقرارهم بالخلق الأوّل،و هما في معنى واحد-موضع التّعجّب؛إذ هو صريح في المناقضة.(3:217)

ص: 123

البغويّ: أي نعاد خلقا جديدا،كما كنّا قبل الموت.

(3:7)

نحوه الخازن.(4:4)

لاحظ سائر الآيات في«خ ل ق»

جدد

...وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِيبُ سُودٌ. فاطر:27

ابن عبّاس: طرائق.(الإتقان 2:99)

الفرّاء: الخطط و الطّرق تكون في الجبال كالعروق، بيض و سود و حمر،واحدها:جدّة.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:369)

نحوه الطّبريّ(22:131)،و الطّوسيّ(8:426)، و البغويّ(3:693).

الأخفش: و«الجدد»واحدتها:جدّة،و الجدد هي ألوان الطّرائق الّتي فيها مثل الغدّة و جماعتها الغدد،و لو كانت جماعة«الجديد»لكانت«الجدد».(2:665)

الزّجّاج: [نحو الفرّاء و أضاف:]

و كلّ طريقة جادّة و جدّة.(4:269)

أبو مسلم الأصفهانيّ: الجدد:القطع،مأخوذ من جددت الشّيء،إذا قطعته.(الماورديّ 4:470)

الطّوسيّ: (جدد)واحده:جدّة نحو مدّة و مدد، و أمّا جمع جديد:فجدد بضمّ الدّال،مثل سرير و سرر.

و الجدد:الطّرائق.(8:426)

الزّمخشريّ: بمعنى و من الجبال ذو جدد بيض و حمر و سود حتّى يؤول إلى قولك:و من الجبال مختلف ألوانه،كما قال: ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها فاطر:27.

(3:307)

نحوه البيضاويّ(2:271)،و أبو السّعود(5:

280)،و القاسميّ(14:4982)،و مكارم الشّيرازيّ (14:69).

ابن عطيّة: جمع جدّة و هي الطّريقة،تكون من الأرض و الجبل،كالقطعة العظيمة المتّصلة طولا.[ثمّ استشهد بشعر]

و حكى أبو عبيدة في بعض كتبه:أنّه يقال:(جدد) في جمع جديد،و لا مدخل لمعنى الجديد في هذه الآية.

و قرأ الزّهريّ (جدد) بفتح الجيم.(4:437)

العكبريّ: (جدد)بفتح الدّال:جمع جدّة،و هي الطّريقة.و يقرأ بضمّها و هو جمع جديد.(2:1075)

القرطبيّ: الجدد:جمع جدّة،و هي الطّرائق المختلفة الألوان و إن كان الجميع حجرا أو ترابا.(14:342)

نحوه النّسفيّ.(3:339)

أبو حيّان :قرأ الجمهور (جُدَدٌ) بضمّ الجيم و فتح الدّال،جمع:جدّة.قال ابن بحر:قطع،من قولك:

جددت الشّيء:قطعته،و قرأ الزّهريّ كقراءة الجمهور.

قال صاحب«اللّوامح»:جمع جدّة،و هي ما تخالف من الطّريق في الجبال لون ما يليها،و عنه أيضا بضمّ الجيم و الدّال جمع:جديدة؛و جدد و جدائد،كما يقال في الاسم:سفينة و سفن و سفائن.[ثمّ استشهد بشعر]

و عنه أيضا بفتح الجيم و الدّال،و لم يجزه أبو حاتم في المعنى،و لا صحّحه أثرا.و قال غيره:هو الطّريق الواضح المبين.وضعه موضع الطّرائق و الخطوط الواضحة،

ص: 124

المنفصل بعضها من بعض.و قال صاحب«اللّوامح»:

(جدد)جمع جديد بمعنى آثار جديدة واضحة الألوان.

(7:311)

البروسويّ: مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ مبتدأ و خبر.

و الجدد:جمع جدّة بالضّمّ،بمعنى الطّريقة الّتي يخالف لونها ما يليها،سواء كانت في الجبل أو في غيره،و الخطّة في ظهر الحمار تخالف لونه،و قد تكون للظّبي جدّتان مسكيّتان تفصلان بين لوني ظهره و بطنه.

و لمّا لم يصحّ الحكم على نفس الجدد بأنّها من الجبال احتيج إلى تقدير المضاف في المبتدإ،أي و من الجبال ما هو ذو جدد،أي خطط و طرائق متلوّنة،يخالف لونها لون الجبل.فيؤوّل المعنى إلى أنّ من الجبال ما هو مختلف ألوانه،لأنّ(بيض)صفة(جدد).(7:342)

الآلوسيّ: و(جدد):جمع جدّة بالضّمّ،و هي الطّريقة،من جدّه،إذا قطعه.

و قال أبو الفضل:هي من الطّرائق ما يخالف لونه لون ما يليه،و منه جدّة الحمار للخطّ الّذي في وسط ظهره يخالف لونه.[إلى أن قال:]

و قال أبو عبيدة:لا مدخل لمعنى«الجديدة»في هذه الآية.و لعلّ من يقول بتجدّد حدوث الجبال و تكوّنها من مياه تنبع من أرض،و تتحجّر أوّلا فأوّلا،ثمّ تنبع من موضع قريب ممّا تحجر فتتحجّر أيضا و هكذا،حتّى يحصل جبل لا يأبى حمل الآية على هذه القراءة على ما ذكر.

و الظّاهر من الآيات و الأخبار أنّ الجبال أحدثها اللّه تعالى بعيد خلق الأرض لئلاّ تميد بسكّانها.و الفلاسفة يزعمون أنّها كانت طينا في بحار انحسرت ثمّ تحجّرت.

و قد أطال الإمام الكلام على ذلك في كتابه«المباحث المشرقيّة»و استدلّ على ذلك بوجود أشياء بحريّة كالصّدف بين أجزائها،و هذا عند تدقيق النّظر هباء و أكثر الأدلّة مثله،و من أراد الاطّلاع على ما قالوا فليرجع إلى كتبهم.

و روي عنه أيضا أنّه قرأ (جدد) بفتحتين.و لم يجز ذلك أبو حاتم،و قال:إنّ هذه القراءة لا تصحّ من حيث المعنى.و صحّحها غيره،و قال:الجدد:الطّريق الواضح المبين،إلاّ أنّه وضع المفرد موضع الجمع،و لذا وصف بالجمع.

و قيل:هو من باب نطفة أمشاج و ثوب أخلاق، لاشتمال الطّريق على قطع.(22:189)

جدّ

وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً.

الجنّ:3

ابن عبّاس: ملك ربّنا.(488)

نحوه الأخفش.(البغويّ 5:159)

فعله و أمره و قدرته.(الطّبريّ 29:103)

سعيد بن جبير: أي تعالى ربّنا.

(الماورديّ 6:110)

مجاهد :جلال ربّنا.(الطّبريّ 29:104)

نحوه عكرمة و قتادة(الطّبريّ 29:104)،و الفرّاء (3:192)،و الزّجّاج(5:234)،و الواحديّ(4:

363).

ص: 125

ذكره.(الطّبريّ 29:105)

و المعنى تعالى جلال ربّنا و عظمته عن اتّخاذ الصّحابة و الولد.(الطّبرسيّ 5:368)

نحوه الحسن(الطّبرسيّ 5:368)،و قتادة(الطّبريّ 29:104).

الضّحّاك: نعم ربّنا على خلقه.(الماورديّ 6:110)

نحوه البغويّ.(5:159)

الحسن :غنى ربّنا.(الطّبريّ 29:104)

بلاء ربّنا.(البغويّ 5:159)

قتادة :أمر ربّنا.(الطّبريّ 29:103)

نحوه السّدّيّ(463)،و ابن زيد(الطّبريّ 29:

103)

الامام الصّادق عليه السّلام:شيء كذبه الجنّ فقصّه اللّه، كما قال.(القمّيّ 2:388)

أبو عبيدة :ملك ربّنا و سلطانه.(2:272)

الجبّائيّ: معناه جلّ ربّنا في صفاته،فلا تجوز عليه صفات الأجسام و الأعراض.(الطّبرسيّ 5:368)

الطّبريّ: [بعد أن استعرض الأقوال قال:]و أولى الأقوال في ذلك عندنا بالصّواب،قول من قال:عني بذلك:تعالت عظمة ربّنا و قدرته و سلطانه.و إنّما قلنا ذلك أولى بالصّواب،لأنّ للجدّ في كلام العرب معنيين:

أحدهما:الجدّ الّذي هو أبو الأب أو أبو الأمّ،و ذلك غير جائز أن يوصف به هؤلاء النّفر،الّذين وصفهم اللّه بهذه الصّفة؛و ذلك أنّهم قد قالوا: فَآمَنّا بِهِ وَ لَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً الجنّ:2،و من وصف اللّه بأنّ له ولدا أو جدّا،هو أبو أب أو أبو أمّ،فلا شكّ أنّه من المشركين.

و المعنى الآخر:الجدّ الّذي بمعنى«الحظّ»يقال:فلان ذو جدّ في هذا الأمر،إذا كان له حظّ فيه،و هو الّذي يقال له بالفارسيّة:«البخت»،و هذا المعنى الّذي قصده هؤلاء النّفر من الجنّ بقيلهم: وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا ان شاء اللّه.

و إنّما عنوا أنّ حظوته من الملك و السّلطان و القدرة و العظمة عالية،فلا تكون له صاحبة و لا ولد،لأنّ الصّاحبة إنّما تكون للضّعيف العاجز،الّذي تضطرّه الشّهوة الباعثة إلى اتّخاذها،و أنّ الولد إنّما يكون عن شهوة أزعجته إلى الوقاع الّذي يحدث منه الولد؛فقال النّفر من الجنّ:علا ملك ربّنا و سلطانه و قدرته و عظمته، أن يكون ضعيفا ضعف خلقه الّذين تضطرّهم الشّهوة إلى اتّخاذ صاحبة،أو وقاع شيء يكون منه ولد.

و قد بيّن عن صحّة ما قلنا في ذلك إخبار اللّه عنهم، أنّهم إنّما نزّهوا اللّه عن اتّخاذ الصّاحبة و الولد بقوله:

وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً يقال منه:رجل جدّيّ و جديد،و مجدود،أي ذو حظّ فيما هو فيه.[ثمّ استشهد بشعر](29:105)

الطّوسيّ: معناه:تعالى عظمة ربّنا،لانقطاع كلّ شيء عظمة عنها لعلوّها عليه،و منه الجدّ أبو الأب، و الجدّ:الحظّ،لانقطاعه بعلوّ شأنه.

و الجدّ:ضدّ الهزل،لانقطاعه عن السّخف.و منه الجديد لأنّه حديث عهد بالقطع في غالب الأمر.

و في رواية عن الحسن:تعالى غنى ربّنا،و كلّ ذلك يرجع إلى معنى وصفه بأنّه عظيم غنيّ.(10:147)

نحوه الطّبرسيّ.(5:368)

ص: 126

القشيريّ: الجدّ:العظمة،و العظمة استحقاق نعوت الجلال.(6:206)

و يجوز إطلاق لفظ«الجدّ»في حقّ اللّه تعالى؛إذ لو لم يجز لما ذكر في القرآن،غير أنّه لفظ موهم فتجنّبه أولى.(القرطبيّ 19:8)

الزّمخشريّ: عظمته،من قولك:جدّ فلان في عيني،أي عظم...أو ملكه و سلطانه أو غناه،استعارة من «الجدّ»الّذي هو الدّولة و البخت،لأنّ الملوك و الأغنياء هم المجدودون.و المعنى:وصفه بالتّعالي عن الصّاحبة و الولد،لعظمته أو لسلطانه و ملكوته أو لغناه،و قوله:

مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً بيان لذلك.

و قرئ (جدا ربّنا) على التّمييز،و (جدّ ربّنا) بالكسر،أي صدق ربوبيّته و حقّ إلهيّته عن اتّخاذ الصّاحبة و الولد؛و ذلك أنّهم لمّا سمعوا القرآن و وفّقوا للتّوحيد و الإيمان،تنبّهوا على الخطإ فيما اعتقده كفرة الجنّ،من تشبيه اللّه بخلقه و اتّخاذه صاحبة و ولدا، فاستعظموه و نزّهوه عنه.(4:167)

نحوه البيضاويّ(2:509)،و النّيسابوريّ(29:

65)،و الشّربينيّ(4:399)،و الكاشانيّ(5:234)، و البروسويّ(10:190)،و الآلوسيّ(29:84).

ابن عطيّة: قرأ جمهور النّاس (جَدُّ رَبِّنا) بفتح الجيم و ضمّ الدّال و إضافته إلى الرّبّ،و قال جمهور المفسّرين:

معناه عظمته.[ثمّ ذكر بعض الأقوال و قال:]

كلّه متّجه،لأنّ«الجدّ»هو حظّ المجدود،من الخيرات و الأوصاف الجميلة؛فجدّ اللّه تعالى هو الحظّ الأكمل من السّلطان الباهر و الصّفات العليّة و العظمة.

[إلى أن قال:]

و قرأ محمّد بن السّميقع اليمانيّ (جدّ ربّنا) و هو من الجدّ و النّفع.

و قرأ عكرمة (جدّ ربّنا) بفتح الجيم و ضمّ الدّال و تنوينه و رفع الرّبّ،كأنّه يقول:تعالى عظيم هو ربّنا، ف«ربّنا»بدل،و الجدّ:العظيم في اللّغة.

و قرأ حميد بن قيس (جدّ ربّنا) بضمّ الجيم،و معناه ربّنا العظيم،حكاه سيبويه.و بإضافته إلى«الرّبّ» فكأنّه قال:عظيم،و هذه إضافة تجديد،يوقع النّحاة هذا الاسم إذا أضيفت الصّفة إلى الموصوف،كما تقول:

جاءني كريم زيد:تريد زيدا الكريم،و يجري مجرى هذا عند بعضهم.(5:379)

نحوه أبو حيّان.(8:347)

الفخر الرّازيّ: و فيه مسائل:

المسألة الأولى:في«الجدّ»قولان:

الأوّل:الجدّ في اللّغة:العظمة،يقال:جدّ فلان،أي عظم،و منه الحديث:«كان الرّجل إذا قرأ سورة البقرة جدّ فينا»أي جلّ قدره و عظم،لأنّ الصّاحبة تتّخذ للحاجة إليها،و الولد للتّكثّر به و الاستئناس.و هذه من سمات الحدوث،و هو سبحانه منزّه عن كلّ نقص.

القول الثّاني:الجدّ:الغنى،و منه الحديث:«لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ».قال أبو عبيدة،أي لا ينفع ذا الغنى منك غناه،و كذلك الحديث الآخر:«قمت على باب الجنّة فإذا عامّة من يدخلها الفقراء،و إذا أصحاب الجدّ محبوسون» يعني أصحاب الغنى في الدّنيا،فيكون المعنى و أنّه تعالى غنيّ عن الاحتياج إلى الصّاحبة و الاستئناس بالولد.

ص: 127

و عندي فيه قول ثالث:و هو أنّ جدّ الإنسان:أصله الّذي منه وجوده،فجعل الجدّ مجازا عن الأصل،فقوله تعالى: (جَدُّ رَبِّنا) معناه:تعالى أصل ربّنا،و أصل حقيقته المخصوصة الّتي لنفس تلك الحقيقة،من حيث إنّها هي تكون واجبة الوجود.فيصير المعنى:أنّ حقيقته المخصوصة متعالية عن جميع جهات التّعلّق بالغير،لأنّ الواجب لذاته يجب أن يكون واجب الوجود من جميع جهاته،و ما كان كذلك استحال أن يكون له صاحبة و ولد.[ثمّ أدام نحو الزّمخشريّ](30:154)

أبو السّعود : وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا بالفتح، قالوا:هو و ما بعده من الجمل المصدّرة ب«أنّ»في أحد عشر موضعا،عطف على محلّ الجارّ و المجرور في فَآمَنّا بِهِ الجنّ:2،كأنّه قيل:فصدّقناه و صدّقنا أنّه تعالى جدّ ربّنا،أي ارتفع عظمته،من جدّ فلان في عيني،أي عظم تمكّنه أو سلطانه أو غناه،على أنّه مستعار من الجدّ:

الّذي هو البخت،و المعنى وصفه بالاستغناء عن الصّاحبة و الولد لعظمته أو لسلطانه لغناه،و قرئ بالكسر،و كذا الجمل المذكورة عطفا على المحكيّ بعد القول،و هو الأظهر لوضوح اندراج كلّها تحت القول،و أمّا اندراج الجمل الآتية تحت الإيمان و التّصديق كما يقتضيه العطف على محلّ الجارّ و المجرور ففيه إشكال.(6:314)

سيّد قطب :و الجدّ:الحظّ و النّصيب،و هو القدر و المقام،و هو العظمة و السّلطان،و كلّها إشعاعات من اللّفظ تناسب المقام.و المعنى الإجماليّ منها في الآية هو التّعبير عن الشّعور باستعلاء اللّه سبحانه و بعظمته و جلاله،عن أن يتّخذ صاحبة-أي زوجة-و ولدا بنين أو بنات.(6:3727)

بنت الشّاطئ: الكلمة وحيدة الصّيغة في القرآن، و معها فيه من مادّتها«جديد»ثماني مرّات،كلّها صفة لخلق و(جدد)في آية فاطر:27 وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها.

و تفسير (جَدُّ رَبِّنا) بعظمته،ممّا تحتمله الدّلالة اللّغويّة،فمن معاني«الجدّ»في العربيّة:أبو الوالدين، و أحد الأجدادين و الجدود،و البخت و الحظّ،و الحظوة، و الرّزق،و العظمة.و الجدّة:ضدّ البلى،و جدّد الشّيء صيّره جديدا،و الجادّة:الطّريق المسلوك الممهّد،و الجدّ:

الاجتهاد،و الجديدان:اللّيل و النّهار،بما في تعاقبهما من تجدّد آيتهما.

على أنّ الرّاغب فسّر«الجدّ»في الآية المسئول عنها بالفيض الإلهيّ تَعالى جَدُّ رَبِّنا أي فيضه،و قيل:

عظمته.و إضافته إليه تعالى على سبيل الاختصاص بملكه.و سمّي ما جعل اللّه من الحظوظ الدّنيويّة«جدّا» و هو البخت.

و في حديث الدّعاء:«تبارك اسمك و تعالى جدّك» قال ابن الأثير:أي علا جلالك و عظمتك.

و لعلّ وجه التّقريب في تفسير«الجدّ»بالعظمة،جاء من لمح ما في الجدّ من دلالة على ما أبدع سبحانه من نظام الكون،و ما هدى إلى نهج الطّريق السّويّ.

و الملحظ في البيان القرآنيّ أنّه لا يستعمل«الجديد» إلاّ في النّشأة الأخرى بعد الموت و البلى،فكلّ خلق جديد في القرآن،لهذه النّشأة الأخرى.أمّا النّشأة الأولى فيعبّر عنها القرآن بالخلق،إبداعا و تكوينا؛و ذلك

ص: 128

كلّه من آيات القدرة الإلهيّة و عظمتها.

و سياق الآية يؤنس إلى ما في الجدّ من عظمة و تفرّد، بتمام آيته.(الإعجاز البيانيّ:352)

الطّباطبائيّ: فسّر«الجدّ»بالعظمة و فسّر بالحظّ، و الآية في معنى التّأكيد،لقولهم: وَ لَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً الجنّ:2.(20:40)

عبد الكريم الخطيب : جَدُّ رَبِّنا: ملكه و سلطانه و مجده.و أصل الجدّ:الحظّ و النّصيب الّذي يصيبه الإنسان في حياته من حظوظ الدّنيا.فجدّه هو كلّ ما له من مال و متاع،و بنين و علم و جاه و سلطان.

و قوله تعالى: وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا هو معمول لفعل محذوف،معطوف على قوله تعالى: إِنّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً الجنّ:1،أي سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً و علمنا ممّا سمعنا أنّه تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً.

و هكذا كلّ ما جاء على لسان الجنّ بعد هذا،هو معمول لفعل مترتّب على استماعهم لما استمعوا من آيات اللّه،و ما كشفت لهم من حقّ و هدى.

و قولهم: تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً أي عظم مجده و تعالى سلطانه،و تنزّهت عزّته عن أن يتّخذ صاحبة أو ولدا.فإنّ اتّخاذ الصّاحبة أو الولد،إنّما يكون عن حاجة إليهما؛بحيث لو افتقد الإنسان وجودهما بين يديه تطلّعت إليهما نفسه،و شغل بهما قلبه، و اللّه سبحانه في غنى عن كلّ شيء،فكلّ شيء هو منه، و له و إليه.(15:1222)

مكارم الشّيرازيّ: و بعد إظهار الإيمان و نفي الشّرك باللّه تعالى ينتقل كلامهم إلى تبيان صفات اللّه تعالى: وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً.

جدّ:لها معان كثيرة في اللّغة،منها:العظمة و الشّدّة، و الجدّ و القسمة و النّصيب و غير ذلك.و أمّا المعنى الحقيقيّ لها-كما يقول الرّاغب في«المفردات»-فهو القطع،و تأتي بمعنى«العظمة»إذا كان هناك كائن عظيم منفصل بذاته عن بقيّة الكائنات،و كذلك يمكن الأخذ بما يناسب بقيّة المعاني التّابعة لها.و إذا ما أطلقنا لفظة«الجدّ»على والديّ الأبوين فإنّما يعود ذلك إلى كبر مقامهما أو عمرهما.

و ذكر آخرون معاني محدودة لهذه الكلمة،فقد فسّروها بالصّفات و القدرة و الملك و الحاكميّة و النّعمة و الاسم،و تجتمع كلّ هذه المعاني في معنى«العظمة».

و هناك ادّعاء في أنّ المقصود هنا هو الأب الأكبر «الجدّ».و تشير الرّوايات إلى أنّ الجنّ لقلّة معرفتهم اختاروا هذا التّعبير غير المناسب.و هذا إشارة إلى نهيهم عن ذكر مثل هذه التّعابير.

و يمكن أن يكون هذا الحديث التفاتا منهم إلى أمور كهذا الادّعاء،و إلاّ لم يذكر القرآن هذا التّعبير و التّوافق عليه،و قد ذكر هذا الأسلوب في التّعبير أيضا في«نهج البلاغة»،كما في الخطبة(191):«الحمد للّه الفاشي في الخلق حمده،و الغالب جنده،و المتعالي جدّه».

و ورد في بعض الرّوايات أنّ أنس بن مالك قد قال:

كان الرّجل إذا قرأ سورة البقرة جدّ في أعيننا.

على كلّ حال فإنّ استعمال هذه اللّفظة في المجد و العظمة مطابق لما في نصوص اللّغة،و من الملاحظ أنّ خطباء الجنّ معتقدون بأنّ اللّه غير متّخذ لنفسه صاحبة

ص: 129

و لا ولدا،و يحتمل أن يكون هذا التّعبير نفي للخرافة المتداولة بين العرب؛حيث قالوا:إنّ للّه بنات لزوجة من الجنّ قد اتّخذها لنفسه،و ورد هذا الاحتمال في تفسير الآية(158)من سورة الصّافّات وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً. (19:77)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الجدّ،أي أبو الأب و أبو الأمّ،و الجمع:أجداد و جدود،و مؤنّثه:الجدّة،و هي أمّ الأمّ و أمّ الأب،و الجمع:جدّات.و قضينا بأصالته هنا لأنّه مغرس الذّرّيّة،و هم مجتناه المصروم.

و منه:جداد النّخل و جداته،و هو صرامه و ما يقطع منه و يستأصل،يقال:جدّ النّخل يجدّه جدّا و جدادا و جدادا،أي صرمه،و أجدّ النّخل:حان له أن يجدّ، و الجداد و الجداد:أوان الصّرام.

و الجدّاء من الغنم و الإبل:المقطوعة الأذن،يقال:

جدّ الشّيء يجدّه جدّا،أي قطعه،و الجدّ أيضا:الشّاة و النّاقة المقطوعتا الأخلاف؛يقال:جدّت أخلاف النّاقة، أي أضرّ بها الصّرار و قطعها،فهي ناقة مجدّدة الأخلاف.

ثمّ أطلق الجدّاء على كلّ ذات ضرع انقطع لبنها، و هي جدود و جدودة،يقال:تجدّد الضّرع،أي ذهب لبنه،و جدّ الثّدي يجدّ جددا:يبس،فهو ثدي أجدّ،و جدّ ثدي أمّه،إذا دعي عليه بالقطيعة.

و يقال توسّعا:امرأة جدّاء،أي صغيرة الثّدي، و فلاة جدّاء:لا ماء بها،و سنة جدّاء:محلة،و كذا عام أجدّ.و الجدّ و الجدّ:البئر القليلة الماء.

و ثوب جديد:مجدود،يراد به حين جدّه الحائك، أي قطعه،و كذا ملحفة جديد و جديدة،و ملاءة جديد، بغير هاء،لأنّها بمعنى مجدودة،أي مقطوعة،و حبل جديد:مقطوع.

و الجدد:الأرض الصّلبة أو المستوية،و كأنّها اقتطعت من سائر الأرض،يقال:هذا طريق جدد،أي مستو،لا حدب فيه و لا وعوثة،و أجدّ الطّريق:صار جددا،و أجدّ القوم:صاروا إلى الجدد،و هذا الطّريق أجدّ الطّريقين،أي أوطؤهما و أشدّهما استواء و أقلّهما عدواء.و الجدد من الرّمل:ما استرق منه،و أجدّت لك الأرض:انقطع عنك الخبار و وضحت،و أجدّ القوم:

ركبوا جدد الرّمل،أو علوا جديد الأرض،أي وجهها، و هو الجدّ و الجدّ و الجدد.

و جادّة الطّريق:مسلكه و ما وضح منه،و الجمع:

جوادّ،سمّيت بذلك لأنّها ذات جدّة و جدود،و هي طرقاتها و شركها المخطّطة في الأرض.

و الجدّة:الخطّة السّوداء في متن الحمار،و الطّريقة في السّماء و الجبل،و الجمع:جدد.و جدّة النّهر و جدّته و جدّه و جدّه:ضفّته و شاطئه.و يقال مجازا:ركب فلان جدّة من الأمر،أي طريقة و رأيا رآه.

و الجدّة:نقيض البلى،من قولهم:ثوب جديد،أي قريب القطع،و الجمع:أجدّة و جدد و جدد؛يقال:جدّ الثّوب و الشّيء يجدّ جدّة و تجدّد،أي صار جديدا،و أجدّ ثوبا و جدّده و استجدّه:صيّره جديدا،و الأجدّان و الجديدان:اللّيل و النّهار،لأنّهما لا يبليان أبدا،يقال:لا أفعل ذلك ما اختلف الأجدّان و الجديدان،أي اللّيل و النّهار.

ص: 130

و الجدّ:نقيض الهزل،يقال:جدّ في الأمر يجدّ و يجدّ جدّا و أجدّ،أي حقّق و صار ذا جدّ و اجتهاد،و هو جادّ و مجدّ.و هو من هذا الباب أيضا،لأنّه-كما قال ابن فارس-يصرمه صريمة و يعزمه عزيمة،و جادّه في الأمر:

حاقّه،و جدّ السّير و فيه:انكمش فيه،و هو على جدّ أمر،أي عجلة أمر،و جدّ به الأمر و أجدّ:اجتهد، و عذاب جدّ:محقّق مبالغ فيه.

و الجدّ:الحظّ و الغنى و العظمة،و الجمع:أجداد و أجدّ و جدود،لأنّه ممّا جعله اللّه للإنسان و أقطعه إيّاه،يقال:

فلان ذو جدّ في كذا،أي ذو حظّ،و فلان صاعد الجدّ:

صاعد الحظّ في الدّنيا.و رجل جدّ:مجدود عظيم الجدّ، و قد جدّ،و هو أجدّ منك،أي أحظّ،و الجمع:جدّون.

و رجل جديد و مجدود:ذو حظّ من الرّزق،و هم يجدّون بهم و يحظون بهم:يصيرون ذا حظّ و غنى،و جددت بالأمر جدّا:حظيت به.

2-و ليس منه:جديدة السّرج و الرّحل،أي اللّبد الّذي يلزق بهما من الباطن،لأنّها من«ج د ي»كما أفاده الجوهريّ،و قال:«و لا تقل:جديدة،و العامّة تقولها».

و لا الجدّاد،أي صاحب الحانوت الّذي يبيع الخمر و يعالجها،لأنّه مصحّف«الحدّاد»كما نبّه عليه الأزهريّ.

و كذا الجدّاد،أي الخيوط المعقّدة،فقيل:هو بالنّبطيّة«كدّاد»،و لم نعثر على ما يعتدّ به في هذا المعنى، غير أنّه ورد في السّريانيّة بلفظ«جدودا»،فلعلّه سريانيّ الأصل.

و الجدّاد أيضا:الخلقان من الثّياب،قالوا:أصله فارسيّ،و هو كذلك؛إذ جاء في هذه اللّغة بلفظ«گداد»، و بلفظ«كراد»و«كزاد»و«كزاد»و«كراده»و«كراده» و«كراره»أيضا.

و قيل أيضا:جدّ النّهر و جدّه و جدّته-أي شاطئه- نبطيّ الأصل،و لكنّنا لم نعثر في المظانّ على ما يفيد ذلك، كما لم يرد هذا المعنى في سائر اللّغات السّاميّة.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها ثلاثة ألفاظ:جدّ مرّة،و جديد(8)مرّات و جدد مرّة:

1- وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً

الجنّ:3

2- وَ إِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَ إِذا كُنّا تُراباً أَ إِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ... الرّعد:5

3- وَ قالُوا أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَ إِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ السّجدة:10

4- وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ

سبأ:7

5- وَ قالُوا أَ إِذا كُنّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً الإسراء:49

6- ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَ قالُوا أَ إِذا كُنّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً

الإسراء:98.

7- أَ فَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ق:15

8- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ

ص: 131

إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ إبراهيم:19

9- إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ

فاطر:16

10- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِيبُ سُودٌ. فاطر:27

يلاحظ أوّلا:أنّ (جَدُّ رَبِّنا) فسّر بملك ربّنا و سلطانه،أمره و قدرته،جلاله و عظمته،نعمه،غناه، بلاءه،صفاته،فيضه،حظّه من الملك و السّلطان و العزّة و العظمة.

قال الزّمخشريّ: «هو استعارة من الجدّ الّذي هو الدّولة و البخت».و حكى الفخر الرّازيّ قولين:العظمة و الغنى،ثمّ قال:«و عندي فيه قول ثالث،و هو أنّ جدّ الإنسان أصله الّذي منه وجوده فجعل(الجدّ)مجازا عن الأصل،أي تعالى أصل ربّنا»و وضّحه بأنّه واجب الوجود،و هو فوق كلّ موجود.

و قال سيّد قطب بعد ذكر بعض الوجوه: «فكلّها إشعاعات من اللّفظ تناسب المقام،و المعنى الإجماليّ منها هو التّعبير عن الشّعور باستعلاء اللّه سبحانه،و بعظمته و جلاله عن أن يتّخذ صاحبة و ولدا».

و عندنا أنّ الأنسب بسياق الآية هو الجلال و العزّة و العظمة و نحوها،دون المعاني الأخر،و أبعدها(الجدّ) بمعنى أب الأب،ثمّ الحظّ،و إن أمكن إرجاعها إليه كما تقدّم في الأصول اللّغويّة.

ثانيا:جاء(جديد)وصفا ل(خلق)في(6)آيات:

(2-7)تبيينا لبعث الأموات،و المراد به تجديد حياة الموتى و إعادتهم مرّة أخرى،و هذا هو الرّكن الثّالث للإيمان بعد التّوحيد و الرّسالة،و كان المشركون العرب يستبعدوه و ينكرونه أشدّ الإنكار،و قد تكرّر انكارهم في الخمسة الأولى بلسان التّعجّب،كأنّهم سمعوا أمرا محالا.و قد أجابهم اللّه و ناقضهم بالخلق الأوّل في(7):

أَ فَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ أي أنتم تعترفون بأنّ اللّه خلقكم ثمّ تنكرون خلقا جديدا و تستحيلونه!!ثمّ نبّه على أنّهم التبس عليهم الأمر فضلّوا عن الخلق الجديد، و لم يؤمنوا به،و قد احتجّ اللّه عليهم بالخلق الأوّل مرّات منها: وَ هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ الرّوم:27.

ثالثا:جاء في(8 و 9): إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ و الخلق الجديد فيهما هو خلق جماعة أخرى مكان الّذين يذهبهم دون إعادتهم،فمغزى الآيتين عكس تلك الآيات الّتي أكّدت على قدرته على إعادتهم بعد موتهم،فهما تؤكّدان على قدرته على إذهابهم و على خلق جديد مكانهم،لأنّ من قدر على بناء الشّيء كان على هدمه و بناء شيء آخر مثله أقدر.

رابعا:كلمة(خلق)في الآيتين بمعنى المخلوق،أمّا في تلك الآيات فتحتمله،و لا سيّما في(5 و 6) أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً أي مخلوقا جديدا أو هو مصدر مفعول لما يفهم من(مبعوثون)أي مخلوقون خلقا جديدا، أمّا في خَلْقٍ جَدِيدٍ فكونه مصدرا أقرب،و أقرب منه أن يقال:جاء فيها «خَلْقٍ جَدِيدٍ» صفة و موصوفة منكّرتين إيهاما و إعظاما بثلاثة صور(فى خَلْقٍ جَدِيدٍ) و (مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) و (خَلْقاً جَدِيداً) بسياق واحد،

ص: 132

و لغاية واحدة سواء من قول المنكرين في(2-6)أو في قول اللّه في(7)،و هذا يقتضي وحدة المعنى من«خلق» في الجميع مصدرا أو اسم مفعول،و الثّاني هو الظّاهر، و لا سيّما بملاحظة(8 و 9)فإنّ المراد بهما«نأت بمخلوق جديد)،لاحظ«خ ل ق».

خامسا:في(10) جُدَدٌ بِيضٌ جدد جمع جدّة، نحو:الغدّة و الغدد،و المدّة و المدد.و قد فسّروها ب«الخطط و القطع»،فالأولى هي العروق المتلوّنة من الجبال،و الثّانية هي القطع المتلوّنة من الأحجار فيها، و كلاهما موجودان،إلاّ أنّ الثّانية أشبه بالثّمرات و الغرابيب،فإنّ الثّمرات و الغرابيب ألوانها مختلفة تماما، و ليس فيها خطوط متلوّنة.لاحظ«ب ي ض».

سادسا:الآيات كلّها مكّيّة سوى(2)لأنّ أكثرها في إنكار المعاد،و كان إنكاره في مكّة أكثر و أشدّ.

ص: 133

ص: 134

ج د ر

اشارة

4 ألفاظ،4 مرّات:2 مكّيّتان،2 مدنيّتان

في 3 سور:1 مكّيّة،2 مدنيّتان

أجدر 1:-1 الجدار 1:1

جدر 1:-1 جدارا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجدر:ضرب من النّبات،الواحدة بالهاء.

و من الشّجر:الدّقّ،ينبت في القفاف و الصّلاب.

فإذا أطلعت رءوسها في أوّل الرّبيع،يقال:أجدرت الشّجرة و أجدرت الأرض،فهو جدر،[و في نسخة:

مجدر]حتّى يطول،فإذا طال تفرّقت أسماؤه.

و الجدار:جمعه جدر.

و الجدير:مكان بني حواليه جدار مجدور.

و الجدريّ: معروف،و صاحبه مجدور و مجدّر،و هو قروح تنفط عن الجلد.

و الجدر:انتبار في عنق الحمار،و ربّما كان من آثار الكدم،و جدرت عنقه جدرا،إذا انتبرت أعراضه.

و فلان جدير لذاك،و قد جدر جدارة،و أجدر به أن يفعله،أي خليق.

و الجدر:شدّة الشّرب.

و امرأة جيدرة:قصيرة،و رجل جيدر و جيدرة أيضا.(6:74)

ابن شميّل: الجدرة:غددة تكون في عنق البعير، يسقيها عرق في أصلها نحو السّلعة برأس الإنسان،و جمل أجدر،و ناقة جدراء.(الأزهريّ 10:636)

أبو عمرو الشّيبانيّ: و الجادر،حين طلع ورقه، فقد جدر،و هو الجدر.(1:133)

أبو زيد :[الجديرة]كنيف البيت مثل الحجرة يجمع من الشّجر،و هي الحظيرة أيضا.و الحظار:ما حظر على نبات بشجر.

فإذا كانت الحظيرة من حجارة فهي جديرة،فإن كان من طين فهو جدار.(الأزهريّ 10:636)

ص: 135

الأصمعيّ: الجيدر:القصير،و المجدّر بالدّال:

القصير أيضا.(الأزهريّ 10:636)

اللّحيانيّ: إنّه لجدير أن يفعل ذاك،و إنّهما لجديران،و إنّهم لجديرون.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال للمرأة:إنّها لخليقة و جديرة أن تفعل ذاك، و إنّهنّ لجديرات و جدائر أن يفعلن ذاك.

(الأزهريّ 10:635)

و إنّه لمجدرة أن يفعل،و كذلك:الاثنان و الجميع.

و إنّها لمجدرة بذلك و بأن تفعل ذلك،و كذلك:الاثنتان و الجميع.(ابن سيده 7:308)

و الجدر:السّلع تكون بالإنسان،أو البثور النّابتة، واحدتها:جدرة.و الجدر:آثار ضرب مرتفعة على جلد الإنسان،الواحدة:جدرة.فمن قال:الجدريّ،نسبة (1)إلى الجدر،و من قال:الجدريّ،نسبة إلى الجدر.

(ابن سيده 7:309)

ابن الأعرابيّ: الجدرة:الحبّة من الطّلع.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجدر و الجدار:معروفان.

و أجدر الشّجر،و جدّر،إذا أخرج ثمره كأنّه الحمّص.

و الجدرة:الورمة في أصل لحي البعير.

(الأزهريّ 10:634-636)

أبو عبيد: في حديث الزّبير بن العوّام رحمه اللّه:أنّه خاصم رجلا من الأنصار في سيول شراج الحرّة إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«يا زبير احبس الماء حتّى يبلغ الجدر»...

و أمّا الجدر فهو الجدار،و منه قول ابن عبّاس رحمه اللّه حين سئل عن«الحطيم»فقال:هو الجدر.

فيقول:احبس الماء في أرضك حتّى ينتهي إلى الجدار،ثمّ أرسله إلى من هو أسفل منك.(2:160)

ابن السّكّيت: يقال:إنّه لخليق أن يفعل كذا و كذا،و قد خلق خلاقة.و مخلقة منه كذا و كذا،و هو بيّن الخلاقة،و إنّه لجدير أن يفعل كذا و كذا،و قد جدر جدارة،و مجدرة منه أن يفعل كذا و كذا.(511)

الدّينوريّ: و أجدر الوليع،و جادر:اسمرّ و تغيّر.

(ابن سيده 7:309)

الجدر كالحلمة غير أنّه صغير يتربّل،و هو من نبات الرّمل ينبت مع المكر،و جمعه:جدور.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 7:311)

الحربيّ: قمن و خليق و جدير و حريّ،أي قريب.

(2:459)

المبرّد: و تأويل:قمين و حقيق و جدير و خليق واحد،أي قريب من ذاك،هذه حقيقته.(2:19)

ثعلب :و جدر الرّجل:توارى بالجدار.

(ابن سيده 7:310)

ابن دريد :الجدر:مصدر جدرت الجدار جدرا،إذا حوّطته.و في الحديث:«حتّى يبلغ الماء الجدر»أي أصل الجدار.

و الجدرة:حيّ من الأزد،بنوا جدار الكعبة،فسمّوا الجدرة،منهم سعد بن سيل جدّ قصيّ بن كلاب،أبو فاطمة بنت سعد بن سيل.

و الجدريّ و الجدريّ: معروف.و شاة جدراء،إذا».

ص: 136


1- كذا في الموردين،و الظّاهر«نسبه».

تقوّب جلدها من داء يصيبها،و ليس من الجدريّ.

و الجديرة:حظيرة تعمل للبهم مثل الصّيرة من أحجار،و الجمع:الجدائر،الصّيرة:الحظيرة.

و فلان جدير بكذا و كذا،أي حريّ به.و فلان مجدر بكذا و كذا،أي جدير به،و ما أجدره به!

و الجدرة:سلعة تظهر في الجسد،و الجمع:أجدار.

و به سمّي عامر الأجدار أبو قبيلة من كلب،كانت به سلع، فسمّي بذلك.(2:64)

القاليّ: يقال:إنّه لخليق لكذا و كذا و قد خلق خلاقة،و إنّه لجدير بكذا و كذا و قد جدر جدارة...

و يقال في هذا كلّه:ما أخلقه و أجدره و أحراه و أعساه و أقمنه و أحجاه و ما أقرنه،و يقال في هذا كلّه:أفعل به، أعس به،أقرف به.(1:96)

الأزهريّ: في حديث الزّبير[المتقدّم]أراد بالجدر:

ما رفع من أعضاد المزرعة لتمسك الماء كالجدار.

و يقال:جدر الكرم يجدر جدرا،إذا حبّب و همّ بالإيراق.(10:634،636)

الصّاحب:الجدر:ضرب من النّبات و الشّجر الدّقّ،يقال:أجدرت الأرض و الشّجر،فهي جدر،حتّى تطول.

و جدر الشّجر يجدر جدورا،و أجدر أيضا بالألف، إذا حبّب قبل أن يورق.

و أوّل ما يكون في جوف الطّلع:الوليع،ثمّ الجدر.

و الجدر:انتبار في عنق الحمار،و ربّما كان من آثار الكدم.و تسمّى الضّواة الّتي تخرج بلهازم البعير:جدرة.

و الجدار:معروف،و جمعه:جدر،و كذلك الجدر، و هو أيضا الحاجز بين المشارتين.و سمّي الجدار،لأنّه جدر فارتفع،كما يجدر الجدريّ و الشّجرة.

و الجديرة:مكان قد بني حواليه جدار مجدور،و هي أيضا الحظيرة من الحجارة،و الحوض.

و الجدريّ: قروح تنفط عن الجلد،ممتلئة ماء،ثمّ تقيّح.و رجل مجدور و مجدّر.

و فلان جدير لذاك،أي خليق له،و ما كان جديرا و لقد جدر جدارة،و أجدر به!و جدرته أنا:جعلته جديرا به.

و الجيدر:القصير من الرّجال،و المرأة:جيدرة، و جمعه:جيادر.

و المجدور من الرّجال:القليل اللّحم على الفطام.

و اجدرّ بمعنى اجترّ.(7:36)

الجوهريّ: الجدر و الجدار:الحائط.و جمع الجدار:

جدر،و جمع الجدر:جدران،مثل بطن و بطنان.

و الجدر أيضا:نبت،و قد أجدر المكان.و الجدر:أثر الكدم بعنق الحمار.[ثمّ استشهد بشعر]

و شاة جدراء،إذا تقوّب جلدها من داء يصيبها.

و الجدريّ بضمّ الجيم و فتح الدّال،و الجدريّ بفتحهما:لغتان،تقول:جدّر الرّجل فهو مجدّر،و أرض مجدّرة:ذات جدريّ.

و يقال أيضا:هذا الأمر مجدرة لذلك،أي محراة.

و فلان جدير بكذا،أي خليق،و أنت جدير أن تفعل كذا.و الجمع:جدراء و جديرون.

و الجدير:مكان قد بني حواليه جدار.

و يقال للحظيرة من صخر:جديرة.

ص: 137

و جدر:قرية بالشّام تنسب إليها الخمر.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجدرة:خرّاج،و هي السّلعة،و الجمع:جدر.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجدرة أيضا:حيّ من الأزد،و يقال:سمّوا بذلك، لأنّهم بنوا جدار الكعبة.

و جندرت الكتاب،إذا أمررت القلم على ما درس منه ليتبيّن،و كذلك الثّوب إذا أعدت وشيه بعد ما كان ذهب.و أظنّه معرّبا.(2:609)

نحوه الرّازيّ.(110)

ابن فارس: جدر:الجيم و الدّال و الرّاء أصلان:

فالأوّل:الجدار،و هو الحائط،و جمعه:جدر و جدران.و الجدر أصل الحائط،و في الحديث:«اسق يا زبير و دع الماء يرجع إلى الجدر».

و من هذا الباب قولهم:هو جدير بكذا،أي حريّ به.و هو ممّا ينبغي أن يثبت و يبني أمره عليه،و يقولون:

الجديرة:الطّبيعة.

و الأصل الثّاني:ظهور الشّيء،نباتا و غيره.

فالجدريّ معروف،و هو الجدريّ أيضا.و يقال:شاة جدراء،إذا كان بها ذاك.

و الجدر:سلعة تظهر في الجسد.

و الجدر:النّبات،يقال:أجدر المكان و جدر،إذا ظهر نباته.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجدر:أثر الكدم بعنق الحمار.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:431)

أبو هلال :الفرق بين قولك:هو قمين به،و قولك:

هو حريّ به و خليق به و جدير به:أنّ«القمين»يقتضي مقاربة الشّيء و الدّنوّ منه حتّى يرجى تحقّقه،و لذلك قيل:خبز قمين،إذا بدا ينكرح،كأنّه دنا من الفساد.

و يقال للقودح الّذي تتّخذ منه الكوامخ:القمن.

و قولك:حريّ به يقتضي أنّه مأواه،فهو أبلغ من القمين.و من ثمّ قيل لمأوى الطّير:حراها،و لموضع بيضها:الحريّ،و إذا رجا الإنسان أمرا و طلبه قيل:

تحرّاه،كأنّه طلب مستقرّه و مأواه.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا خليق به بيّن الخلاقة،فمعناه أنّ ذلك مقدّر فيه، و أصل الخلق:التّقدير.و أمّا قولهم:جدير به،فمعناه أنّ ذلك يرتفع من جهته و يظهر من قولك:جدر الجدار،إذا بني و ارتفع،و منه سمّي الحائط جدارا.(249)

أبو سهل الهرويّ: الجدريّ و الجدريّ،بضمّ الجيم و فتحها،و هو بثر معروف يظهر بجسد الإنسان.(88)

ابن سيده: هو جدير بكذا،و لكذا:أي خليق.

و الجمع:جديرون،و جدراء.

و الأنثى:جديرة.

و قد جدر جدارة.

و هذا الأمر مجدرة لذلك(و مجدرة منه:أي مخلقة).

و مجدرة منه أن يفعل كذا:أي هو جدير بفعله.

و حكى اللّحيانيّ عن أبي جعفر الرّؤاسيّ: إنّه لمجدور أن يفعل ذلك،جاء به على لفظ المفعول و لا فعل له.

و حكى:ما رأيت من جدارته،و لم يزد على ذلك.

و الجدريّ،و الجدريّ:قروح في البدن تنفّط و تقيّح.

و قد جدر جدرا،و جدّر.

ص: 138

و روى اللّحيانيّ(جدر يجدر جدرا).

و أرض مجدرة:ذات جدريّ.

و الجدر،و الجدر:سلع تكون في البدن خلقة،و قد تكون من الضّرب و الجراحات.

واحدتها:جدرة و جدرة،و هي الأجدار.

و قيل:الجدر إذا ارتفعت عن الجلد،و إذا لم ترتفع عنه فهي ندب.و قد تدعى النّدب جدرا،و لا تدعى الجدر ندبا.[ثمّ ذكر قول اللّحيانيّ الأخير و قال:]

و ليس بالحسن.

و جدر ظهره جدرا:ظهرت فيه جدر.

و الجدرة في عنق البعير:السّلعة.و قيل:هي من البعير جدرة،و من الإنسان سلعة و ضواة.

و الجدر:ورم يأخذ في الحلق.

و شاة جدراء:تقوّب جلدها عن داء و ليس من جدريّ.

و الجدر:انتبار في عنق الحمار،و ربّما كان من الكدم.

و قد جدرت عنقه جدورا.

و عامر الأجدار:أبو قبيلة من كلب؛سمّي بذلك لسلع كانت في بدنه.

و جدر النّبت و الشّجر،و جدر جدارة،و جدّر، و أجدر:طلعت رءوسه في أوّل الرّبيع.و ذلك يكون عشرا أو نصف شهر.

و أجدرت الأرض:كذلك.

و شجر جدر.

و جدر العرفج و الثّمام يجدر:إذا خرج في كعوبه و متفرّق عيدانه مثل أظافير الطّير.

و جدّر العنب:صار حبّه فويق النّفض.

و الجدرة-بفتح الدّال-:حظيرة تصنع للغنم من حجارة و الجمع:جدر.

و الجديرة:زرب الغنم.

و الجديرة:كنيف يتّخذ من حجارة يكون للبهم و غيرها.فإن كان من طين فهو جدار.

و الجدار:الحائط.و الجمع:جدر.

و جدرات:جمع الجمع،قال سيبويه:و هو ممّا استغنوا فيه ببناء أكثر العدد عن بناء أقلّه فقالوا:ثلاثة جدر.

و قول عبد اللّه بن عمر أو غيره:إذا اشتريت اللّحم يضحك جدر البيت،يجوز أن يكون جدر:لغة في جدار.

و الصّواب عندي:تضحك جدر البيت،و هو جمع جدار،و هذا مثل،و إنّما يريد أنّ أهل الدّار يفرحون.

و جدره يجدره جدرا:حوّطه.

و اجتدره:بناه.[ثمّ استشهد بشعر]

و جدّره:شيّده.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجدرة:حيّ من الأزد بنوا جدار الكعبة فسمّوا:

الجدرة،لذلك.

و الجدر:أصل الجدار،و في الحديث:«حتّى يبلغ الماء جدره»أي أصله،و الجمع:جدور،و قال اللّحيانيّ:هي الجوانب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجدور:الحواجز الّتي بين الدّيار الممسكة الماء.

و الجدير:المكان يبنى حوله جدار.[ثمّ استشهد بشعر]

و جدور العنب:حوائطه،واحدها:جدر.

ص: 139

و جدر الكظامة:حافتاها.و قيل:طين حافتيها.

و الجدر:نبات،واحدته:جدرة.

و جدر:موضع بالشام.[ثمّ استشهد بشعر]

و خمر جيدريّة:(منسوب إليها)على غير قياس.

[ثمّ استشهد بشعر]

و قد قيل:إنّ جيدرا:موضع هنالك أيضا.

فإن كانت الخمر الجيدريّة منسوبة إليه فهو نسب قياسيّ.

و الجيدر،و الجيدريّ،و الجيدران:القصير،و قد يقال له:جيدرة على المبالغة،و قال الفارسيّ:و هذا كما قالوا له:دحداحة،و دنّبة و حنزقرة،و امرأة جيدرة، و جيدريّة.[ثمّ استشهد بشعر](7:308)

و التّجدير:القصر،و لا فعل له.[ثمّ استشهد بشعر]

الجدر:جدرت الشّاة تجدر جدرا:ظهرت في جلدها جدر.و الشّاة:تقوّب جلدها من داء يصيبها،و ليس من الجدريّ.(الإفصاح 2:795)

الرّاغب: الجدار:الحائط،إلاّ أنّ الحائط يقال اعتبارا بالإحاطة بالمكان،و الجدار يقال اعتبارا بالنّتوّ و الارتفاع،و جمعه:جدر.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و في الحديث:«حتّى يبلغ الماء الجدر».

و جدرت الجدار:رفعته،و اعتبر منه معنى«النّتوء» فقيل:جدر الشّجر،إذا خرج ورقه كأنّه حمّص،و سمّي النّبات النّاتئ من الأرض جدرا،الواحد:جدرة.

و أجدرت الأرض:أخرجت ذلك،و جدر الصّبيّ و جدر،إذا خرج جدريّه تشبيها بجدر الشّجر.

و قيل:الجدريّ و الجدرة:سلعة تظهر في الجسد، و جمعها:أجدار،و شاة جدراء.

و الجيدر:القصير،اشتقّ ذلك من الجدار،و زيد فيه حرف على سبيل التّهكّم،حسبما بيّنّاه في أصول الاشتقاق.

و الجدير:المنتهى،لانتهاء الأمر إليه انتهاء الشّيء إلى الجدار،و قد جدر بكذا فهو جدير،و ما أجدره بكذا! و أجدر به!(89)

الزّمخشريّ: ناداه من وراء الجدار.

و للحجر ثلاثة أسام:الحجر،و الحطيم،و الجدر؛و هو أصل الجدار،سمّي بذلك لأنّ جداره،مستوطئ.

و هو جدير بكذا،و ما كنت جديرا به.[ثمّ استشهد بشعر]

و لقد جدر به،و ما أجدره بالخير!و هو أجدر به.

و جدر الصّبيّ،و جدّر،و هو مجدور الوجه،و مجدّر.

(أساس البلاغة:53)

الطّبرسيّ: و أجدر:مأخوذ من جدر الحائط بسكون الدّال،و هو أصله و أساسه.(3:62)

المدينيّ: [ذكر حديث الزّبير ثمّ قال:]

الجدر هاهنا:المسنّاة،و هي للأرضين كالجدار للدّار.

و قيل:الجدر:الجدار،و قيل:أصل الجدار.

و رواه بعضهم:«حتّى يبلغ الجدر»و هو جمع:

جدار.و بعضهم يرويه الجذر،بالذّال المعجمة،يريد مبلغ تمام الشّرب من جذر الحساب.

و الجذر،بفتح الجيم و كسرها و بالذّال المعجمة:

أصل كلّ شيء،و المحفوظ بالدّال المهملة.

في حديث مسروق:«أتينا عبد اللّه في مجدّرين و محصّبين»فالمجدّر:الّذي به الجدريّ،و هي بثرات

ص: 140

تخرج في البدن،يقال لصاحبها:مجدور.

فإن بالغت قلت:فجدّر،و يقال:جدريّ أيضا بفتح الجيم،منسوب إلى جدر العضاة،و هي كالبثرات،أو إلى الجدرة.و هي ورم كالسّلعة في الحلق و غيره.

و إذا ضممت الجيم،يكون من تغيير النّسب.

(1:303)

السّهيليّ: الجدر:الحاجز يحبس الماء،و جمعه:

جدور،مثل فلس و فلوس.(الفيّوميّ 1:93)

ابن الأثير: [ذكر حديث الزّبير ثمّ قال:]

و منه قوله لعائشة رضي اللّه عنها:«أخاف أن يدخل قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت»يريد الحجر،لما فيه من أصول حائط البيت.

و فيه:«الكمأة جدريّ الأرض»شبّهها بالجدريّ، و هو الحبّ الّذي يظهر في جسد الصّبيّ،لظهورها من بطن الأرض،كما يظهر الجدريّ من باطن الجلد،و أراد به ذمّها.

[و ذكر حديث مسروق و قال:]أي جماعة أصابهم الجدريّ و الحصبة.و الحصبة:شبه الجدريّ تظهر في جلد الصّغير.

و فيه ذكر«ذي الجدر»بفتح الجيم و سكون الدّال:

مسرح على ستّة أميال من المدينة،كانت فيه لقاح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لمّا أغير عليها.(1:246)

الصّغانيّ: الجدرة،بالتّحريك:الحبّة من الطّلع.

و جدر الشّجر،و أجدر،إذا خرج ثمره،كأنّه الحمّص.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجدر الشّجر،أيضا،إذا طال.

و الجديرة،و الجديلة:الطّبيعة.

و الجيدر:القصير،و امرأة جيدرة.

و جدر الكرم،بالكسر،يجدر جدرا،بالتّحريك،إذا حبّب و همّ بالإيراق.

و جدر البعير،فهو أجدر،و النّاقة:جدراء،من الجدرة.

و جدرت يده تجدر،مثل:نصرت تنصر،إذا مجلت،عن ابن بزرج.

و المجدار:شيء ينصب في المزارع مزجرة للسّباع و الطّير.[ثمّ استشهد بشعر](2:444)

الفيّوميّ: الجدار:الحائط،و الجمع:جدر،مثل كتاب و كتب.و الجدر:لغة في الجدار،و جمعه:جدران.

و قوله في الحديث:«اسق أرضك حتّى يبلغ الماء الجدر».

[ثمّ ذكر قول الأزهريّ و السّهيليّ في معنى«الجدر» و قال:]

و الجدريّ،بفتح الجيم و ضمّها،و أمّا الدّال فمفتوحة فيهما:قروح تنفط عن الجلد ممتلئة ماء،ثمّ تنفتح.

و صاحبها:جدير مجدّر،و يقال:أوّل من عذّب به قوم فرعون.

و هو جدير بكذا،بمعنى خليق و حقيق.(1:93)

نحوه الطّريحيّ.(3:244)

الفيروزآباديّ: الجدر:الحائط كالجدار،جمعه:

جدر و جدر و جدران،و نبت رمليّ،جمعه:جدور،و قد أجدر المكان،و حطيم الكعبة،و أصل الجدار و جانبه، و خروج الجدريّ بضمّ الجيم و فتحها لقروح في البدن تنفّط و تقيّح،و قد جدر و جدر كعني و يشدّد،و هو

ص: 141

مجدور و مجدّر.

و أرض مجدرة:كثيرته.

و الجدر بالكسر:نبات،الواحدة بهاء،و بالتّحريك:

سلع تكون في البدن خلقة أو من ضرب أو من جراحة كالجدر كصرد واحدتهما بهاء،الجمع:الأجدار،و ورم يأخذ في الحلق و انتبار،أو أثر كدم في عنق الحمار،و قد جدر جدورا،و حبّ الطّلع،و أن يخرج بالإنسان جدر، و همّ الكرم بالإيراق،و فعلهما كفرح.

و الجدير:مكان بني حواليه جدار،و الخليق،الجمع:

جديرون و جدراء،و قد جدر ككرم جدارة،و إنّه لمجدرة أن يفعل و مجدور،أي مخلقة.

و جدره:جعله جديرا.

و الجديرة:الحظيرة،و الطّبيعة.

و ككتابة:واد بالحجاز فيه قرى.

و جدر محرّكة:بلدة بين حمص و سلميّة،و النّسبة جدريّ و جيدريّ.

و الجدرة محرّكة:حيّ من الأزد،سمّوا به لأنّهم بنوا جدار الكعبة عظّمها اللّه تعالى،أو حجرها.

و بلا(لام):واردة قصيّ بن كلاب.

و جدر الشّجر:خرج ثمره كالحمّص،و النّبت:

طلعت رءوسه كأنّه الجدريّ.كجدر ككرم و أجدر و جدّر فيهما،و اليد:مجلت،و الجدار:حوّطه،و الرّجل:

توارى بالجدار.و اجتدر بناه،و جدّره تجديرا:شيّده.

و الجيدر:القصير كالجيدري و الجيدران.

و المجدور:القليل اللّحم.

و ذو جدر:مسرح قرب المدينة.

و المجدار:ما ينصب في الزّرع مزجرة للسّباع.

و عامر بن جدرة محرّكة:أوّل من كتب بخطّنا.

و عامر الأجدار:أبو حيّ لأنّه كان عليه جدرة.

و جدرة بالضّمّ:ابن سبرة صحابيّ.

و جندر الكتاب:أمرّ القلم على ما درس منه، و الثّوب:أعاد وشيه بعد ذهابه.(1:401)

مجمع اللّغة :جدر فلان بكذا يجدر جدارة:صار خليقا به و أهلا له.

و الجدار:الحائط،و جمعه:جدر.(1:184)

محمّد إسماعيل إبراهيم:جدر فلان بالتّكريم:

كان أهلا له،فهو جدير به.و فلان أجدر،أي أحقّ و أولى.

و اجتدر الحائط:بناه و شيّده،و الجدار:الحائط.

و الجمع:جدر.(1:103)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو النّتوّ و الظّهور و الارتفاع.و إطلاق الجدار على الحائط باعتبار ارتفاعه و ظهوره على الأرض؛فليس كلّ جدار حائطا.و يمكن أن يكون الجدار في وسط ملكه لغرض،أو باقيا من طرف حائط.

و أمّا الجدير بمعنى الحريّ:فباعتبار وقوعه في مقام عال ظاهر،بالنّسبة إلى موضوع أو حكم معيّن،فيكون هو أحقّ و أولى بكذا.فكونه حريّا من جهة ارتفاع مقامه و نتوّ أمره،فهذا القيد محفوظ في موارد استعماله.و بهذا القيد يظهر الفرق بينه و بين الحريّ و القمين و الحقيق و الخليق.

اَلْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا التّوبة:97،أي فهم من الجهالة و عدم المعرفة في مقام

ص: 142

عال،و مرتبة مرتفعة ظاهرة.

فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ الكهف:77،أي كالحائط المرتفع في ملكهم.

إِلاّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ الحشر:14،أي من وراء المرتفعات يتحصّنون بها، و يقاتلون من ورائها.

فظهر لطف التّعبير بالجدار و الجدر دون الحائط و أمثاله.(2:63)

النّصوص التّفسيريّة

اجدر

اَلْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. التّوبة:97

ابن عبّاس: (اجدر):أحرى.(165)

قتادة :أقلّ علما بالسّنن.(الطّبريّ 11:4)

الفرّاء: أحرى،و أخلق.(1:449)

مثله البغويّ(2:380)،و الخازن(3:112).

الطّبريّ: و أخلق.(11:3)

الزّجّاج: «أن»في موضع نصب،لأنّ الباء محذوفة من«أن»،المعنى أجدر بترك العلم،تقول:أنت جدير أن تفعل كذا،و بأن تفعل كذا،كما تقول:أنت خليق أن تفعل،أي هذا الفعل ميسّر فيك.

فإذا حذفت(الباء)لم يصلح إلاّ ب«أن»،و إن أتيت ب(الباء)صلح ب«أن»و غيره،تقول:أنت جدير أن تقوم و جدير بالقيام.

فإذا قلت:أنت جدير القيام،كان خطأ،و إنّما صلح مع«أن»لأنّ«أن»تدلّ على الاستقبال،فكأنّها عوض من المحذوف.(2:265)

النّحّاس: و أخلق بترك ما أنزل اللّه على رسوله.

(3:244)

الماورديّ: و معنى(اجدر)أي أقرب،مأخوذ من الجدار الّذي يكون بين مسكني المتجاورين.(2:393)

الطّوسيّ: و(اجدر)معناه أخلق و أولى و أقرب...

و(اجدر)مأخوذ من جدار الحائط.(5:328)

الواحديّ: (و اجدر):و أولى.(2:519)

الميبديّ: أقرب و أولى.(4:195)

الزّمخشريّ: و أحقّ.(2:209)

ابن عطيّة: أحرى،و أقمن.(3:73)

الطّبرسيّ: أي و هم أحرى و أولى.(3:63)

[و لباقي المفسّرين كلام مثل ما ذكرناه]

جدارا

...فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ...

الكهف:77

لاحظ«ق ض ض»

جدر

لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ... الحشر:14

ابن عبّاس: أو بينكم و بينهم حائط.(465)

ص: 143

الفرّاء:قرأ ابن عبّاس (جدار) و سائر القرّاء (جدر) على الجمع.(3:146)

الطّبريّ: أو من خلف حيطان.و اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء الكوفة و المدينة (او من وراء جدر) على الجماع،بمعنى الحيطان،و قرأه بعض قرّاء مكّة و البصرة (من وراء جدار) على التّوحيد،بمعنى الحائط.

و الصّواب من القول عندي في ذلك أنّهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب.(28:47)

الزّجّاج: و قرئت (او من وراء جدار) على الواحد، و قرئت بتسكين الدّال.فمن قرأ (جدر) فهو جمع جدار، مثل حمار و حمر،و من قرأ بتسكين الدّال حذف الضمّة لثقلها،كما قالوا:صحف و صحف.و من قرأ (جدار) فهو الواحد.

فأعلم اللّه عزّ و جلّ أنّهم إذا اجتمعوا على قتالكم لما قذف اللّه في قلوبهم من الرّعب،لا يبرزون لحربكم،إنّما يقاتلون متحصّنين بالقرى و الجدران.(5:148)

أبو زرعة: قرأ ابن كثير و أبو عمرو (من وراء جدار) بالألف،و قرأ الباقون (جدر) و هو جمع جدار، مثل:حمار و حمر،و كتاب و كتب.

و حجّتهم أنّه أتى عقيب قوله: إِلاّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ فأخرجوا القرى بلفظ الجمع،ثمّ عطفوا بقوله: أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ فكان الجمع أشبه بلفظ ما تقدّمه من التّوحيد،ليأتلف الكلام على نظم واحد.

و من قرأ(جدار)فهو واحد يؤدّي عن معنى الجمع.(705)

الطّوسيّ: أي من وراء الحيطان،فالجدار:الحائط.

فمن قرأ على التّوحيد،فلأنّه اسم جنس يقع على القليل و الكثير.و من قرأ على الجمع،فلاختلاف الجدران.

(9:569)

القشيريّ: أو من وراء جدران.(6:131)

نحوه الطّبرسيّ.(5:264)

الواحديّ: إنّما يقاتلون متحصّنين بالقرى و الجدران.و من قرأ(جدار)فالمراد بالإفراد الجمع أيضا، لأنّه يعلم أنّهم لا يقاتلونهم من وراء جدار واحد.

(4:276)

الزّمخشريّ: دون أن يصحروا لكم و يبارزوكم، لقذف اللّه الرّعب في قلوبهم،و أنّ تأييد اللّه تعالى و نصرته معكم.

و قرئ (جدر) بالتّخفيف و (جدار) ،و (جدر) و (جدر) :و هما الجدار.(4:85)

نحوه أبو السّعود.(5:153)

ابن عطيّة: قرأ ابن كثير و أبو عمرو و كثير من المكّيّين (جدار) على معنى الجنس.و قرأ كثير من المكّيّين و هارون عن ابن كثير (جدر) بفتح الجيم و سكون الدّال، و معناه أصل بنيان كالسّور و نحوه.و قرأ الباقون من القرّاء (جدر) بضمّ الجيم و الدّال،و هو جمع جدار.و قرأ أبو رجاء و أبو حيوة (جدر) بضمّ الجيم و سكون الدّال، و هو تخفيف في جمع جدار.و يحتمل أن يكون من جدر النّخل،أي من وراء نخلهم؛إذ هي ممّا يتّقى به عند المضايقة.(5:289)

ص: 144

نحوه أبو الفتوح الرّازيّ(19:131)،و ابن الجوزيّ (8:218)،و الآلوسيّ(28:58).

القرطبيّ: [نحو ابن عطيّة،و أضاف:]

و قرئ «جدر» بضمّ الجيم و إسكان الدّال جمع الجدار.

و يجوز أن تكون الألف في الواحد[جدار]كألف كتاب،و في الجمع كألف ظراف.و مثله ناقة هجان و نوق هجان،لأنّك تقول في التّثنية:هجانان،فصار لفظ الواحد و الجمع مشتبهين في اللّفظ مختلفين في المعنى،قاله ابن جنّيّ.(18:35)

النّيسابوريّ: لا مبارزين مكشوفين في الأراضي المستوية.(28:33)

الشّربينيّ: أي محيط بهم،سواء كان بقرية أم بغيرها لشدّة خوفهم،و قد أخرج هذا ما حصل من بعضهم عن ضرورة كالأسير،و من كان ينزل من أهل خيبر من الحصن يبارز و نحو ذلك،فإنّه لم يكن عن اجتماع،أو يكون هذا خاصّا ببني النّضير في هذه الكرّة.

(4:252)

البروسويّ: دون أن يحضروا لكم و يبارزوكم، أي يشافهوكم بالمحاربة لفرط رهبتهم.جمع جدار،و هو كالحائط إلاّ أنّ الحائط يقال اعتبارا بالإحاطة بالمكان، و الجدار يقال اعتبارا بالنّتوّ و الارتفاع،و لذا قيل:جدر الشّجر،إذا خرج ورقه كأنّه حمّص،و جدر الصّبيّ،إذا خرج جدريّه،تشبيها بجدر الشّجر.(9:441)

الطّباطبائيّ: بيان لأثر رهبتهم و جبنهم جميعا، و المعنى:لا يقاتلوكم بنو النّضير و المنافقون جميعا بأن يبرزوا،بل في قرى حصينة محكمة،أو من وراء جدر من غير بروز.(19:212)

مكارم الشّيرازيّ: (جدر):جمع جدار،بمعناه المتعارف عليه،و الأساس الأصليّ لهذه الكلمة بمعنى الارتفاع.

نعم،و لأنّهم خارجون عن حصن الإيمان و التّوكّل على اللّه،فإنّهم بغير الالتجاء و الاتّكاء على الجدران و القلاع المحكمة،ليسوا بأصحاب جرأة و قوّة على مقابلة المؤمنين.

ثمّ يوضح أنّ هذا ليس ناتجا عن جهل بمعرفة فنون الحرب،أو قلّة في عددهم و عدّتهم،أو عجز في رجالهم، و لكن بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ الحشر:14.

إلاّ أنّ المشهد الّذي عرض يتغيّر أمامكم،و يسيطر عليهم الرّعب و الاضطراب بصورة مذهلة.و طبيعيّ أنّ هذا الأمر تقريبا يمثّل أصلا كلّيّا؛حيث إنّ في مورد اقتتال جميع العناصر غير المؤمنة فيما بينهم،و من ثمّ الاقتتال بين المؤمنين.

و نشاهد مصاديق هذا المعنى بصورة متكرّرة أيضا في التّاريخ المعاصر؛حيث نلحظ عند اشتباك مجموعتين غير مؤمنتين مع بعضهما شدّة الفتك ببعضهما،و قسوة الانتقام لكلّ منهما،و شراسة المواجهة بينهما،بصورة لا تدعو للشّكّ في قوّة كلّ منهما.إلاّ أنّ المسألة لو تغيّرت بشكل آخر،و أصبحت المواجهة بين مجموعة غير مؤمنة باللّه و أخرى مؤمنة مستعدّة للشّهادة في سبيل اللّه،عند ذلك نرى أعداء الحقّ يلوذون إلى القلاع المحكمة، و يخفون أنفسهم في المواضع و وراء المتاريس و خلف

ص: 145

الأسلحة،و يسيطر عليهم الخوف و يهيمن عليهم الرّعب و يملأ كلّ وجودهم.و الحقيقة أنّ المسلمين إذا جعلوا إيمانهم و قيمهم الإسلاميّة هي الأساس،فإنّهم سيكونون هم الأعلون و المنتصرون.(18:192)

الوجوه و النّظائر

الفيروزآباديّ: و قد ورد في القرآن على ثلاثة أوجه:

الأوّل:بمعنى حصار بني قريظة و النّضير أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ الحشر:14.

الثّاني:جدار موسى و الخضر يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ الكهف:77.

الثّالث:سرّ الجدار في حقّ اليتيمين وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ الكهف:82.

(بصائر ذوي التّمييز 2:372)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجدار،أي الحائط، و الجمع جدر،و هو الجدر أيضا و جمعه جدران،و الجدرة و جمعه جدر،و الجديرة.يقال:جدر الجدار يجدره جدرا،أي حوّطه،و جدّر الجدار و اجتدره:شيّده و بناه، و جدر الرّجل:توارى بالجدار،و الجدير:مكان قد بني حواليه جدار مجدور.

و الجدرة:حظيرة تصنع للغنم من حجارة،و الجمع جدر،و كذا الجديرة.

و الجدرة:ورم يأخذ في الحلق،أو يكون في البدن خلقة،و قد يكون من الضّرب و الجراحات،و غدد تكون في عنق البعير،نحو السّلع برأس الإنسان، و الجمع جدر،و هو الجدرة،و الجمع جدر،و كلّ ذلك تشبيه بجدر الأرض،يقال:جدرت عنق الحمار جدورا و جدرت جدرا،أي انتبرت و تورّمت،و جدر مهره جدرا:ظهرت فيه جدر،و يقال:جمل أجدر،و ناقة جدراء.

و الجدرة:الحبّة من الطّلع،و الجمع جدر،و هو على التّشبيه أيضا.يقال:أجدر الوليع و جادر،أي اسمرّ و تغيّر.و جدّر النّبت و الشّجر،و جدر جدارة،و جدّر و أجدر:طلعت رءوسه في أوّل الرّبيع،و هو شجر جدر، و جدر الكرم يجدر جدرا:حبّب و همّ بالإيراق، و أجدرت الأرض:ظهر نباتها.

و الجدريّ و الجدريّ:المرض المعروف،و هو تشبيه بجدر النّبات،و قد جدر جدرا و جدّر،و صاحبه جدير و مجدّر،و جدر يجدر جدرا أيضا،و أرض مجدرة:ذات جدريّ.

و منه أيضا قولهم:هو جدير بكذا و لكذا،أي خليق له،و قد جدر جدارة،لأنّه-على قول ابن فارس-ممّا ينبغي أن يثبت و يبني أمره عليه،أو الجدير:المنتهى- على قول الرّاغب-لانتهاء الأمر إليه انتهاء الشّيء إلى الجدار.

2-و لم يعرف من مشتقّات هذه المادّة في اللّغات السّاميّة الأخرى سوى الجدار،و لذا رجّحناه أصلا لهذه المادّة،و كذا فعل ابن فارس،إلاّ أنّه ثنّاه بظهور الشّيء.

و نزع بعضهم إلى جعل الصّفة أصلا،و الموصوف-و هو

ص: 146

الجدار-مشتقّا منه.قال الصّاحب:«سمّي الجدار لأنّه جدر فارتفع كما يجدر الجدريّ و الشّجرة»،و قال الرّاغب:«الجدار يقال اعتبارا بالنّتوّ و الارتفاع».

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها(أجدر)مرّة،و(جدار)مفردا و جمعا(3) مرّات:

1- اَلْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ

التّوبة:97

2- فَانْطَلَقا حَتّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً الكهف:77

3- وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَ يَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَ ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً الكهف:82

4- لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَ قُلُوبُهُمْ شَتّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ الحشر:14

يلاحظ أوّلا:أنّ(اجدر)في(1)اسم تفضيل كالأشدّ-و قد عطف عليه-من قولهم:هو جدير بكذا، و قد أرجعه ابن فارس إلى«الجدار»لأنّ الجدير ممّا ينبغي أن تبني عليه كالجدار،و كذلك أبو هلال ربطه به لارتفاع الجدار،و أصل المادّة:الجدار و لازمه الارتفاع،لاحظ الأصول اللّغويّة.

ثانيا:هذه الآية من جملة آيات من سورة التّوبة، نزلت في المنافقين من الأعراب و من أهل المدينة، فأعلنت بأنّ الأعراب-لبلادتهم و أمّيّتهم و انعزالهم عن الثّقافة و المعرفة الشّائعة في المدن-أشدّ كفرا و نفاقا، و أجدر من غيرهم بالجهل بحدود ما أنزل اللّه،فالجهل و التّأخّر الثّقافيّ،العقلانيّ يضاعفان الكفر و النّفاق،و هذا مشعر بأنّ الكفر و النّفاق من آثار الجهل و التّأخّر،فكلّما كانا أوفر،كان الكفر و النّفاق أشدّ و أرسخ.

و قد اعتبر اللّه الواقع فلم يحكم على الأعراب كافّة بالكفر و النّفاق بل استثنى المؤمنين منهم: وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ... التّوبة:99، ثمّ جمع بين المنافقين من الأعراب و من أهل المدينة:

وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ... التّوبة:101،و ذلك بعد أن مدح السّابقين من المهاجرين و الأنصار و الّذين اتّبعوهم بإحسان،لئلاّ يشتبهوا بالمنافقين.و هذا باب واسع من تقويم القرآن للنّاس الّذين أحاطوا بالنّبيّ عليه السّلام، حتّى أنّه فرّق بين المصرّين على النّفاق،و بين المعترفين منهم بالذّنوب،لاحظ الآيات قبلها و بعدها من هذه السّورة.

ثالثا:جاء(الجدار)مفردا في آيتين من سورة الكهف بشأن الجدار الّذي أقامه العبد الصّالح الّذي لازمه موسى في قرية أبى أهلها أن يضيّفوهما،فواجه اعتراض موسى.و الجدار في(2)نكرة،و في(3)معرفة، و التّعريف فيه للعهد الذّكريّ،فقد كرّر هذا اللّفظ في تلك

ص: 147

القصّة المباركة مرّتين تشريفا له.[لاحظ«موسى»] رابعا:الآية(4)من قصّة بني النّضير:طائفة من يهود المدينة،و قد هاجمهم النّبيّ عليه السّلام،فأجلاهم منها إلى خيبر،و كانت جماعة المنافقين أتباع عبد اللّه بن أبيّ و عدوهم النّصر فكذّبهم اللّه،و وصف الفريقين بأنّهم -أي اليهود و أصدقاءهم من المنافقين-لا يقاتلون المؤمنين إلاّ في قرى محصّنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد،و بذلك أعلن أنّهم ضعفاء متفرّقون قلبا، و لا ينجحون في قتالهم المؤمنين،و يخافون الحضور في ساحة المعركة،بل يحاربونهم في قرى محصّنة أو من وراء جدر.

و الجمع في(قرى)و(جدر)و إن كان لتعميم الجنس إلاّ أنّه يومئ إلى شدّة خوفهم؛حيث لا يكتفون بحصن و جدار واحد بل يستترون خلف حصون و جدر.

خامسا:قسّم اللّه هذه المادّة بين المكّيّ و المدنيّ بالسّويّة مثنى مثنى كما هو ظاهر.

ص: 148

ج د ل

اشارة

17 لفظا،29 مرّة:18 مكّيّة،11 مدنيّة

في 16 سورة:10 مكّيّة،6 مدنيّة

جدلا 2:2 يجادلونك 2:1-1

جادلوا 1:1 ليجادلوكم 1:1

جادلوك 1:-1 تجادل 2:1-1

جادلتنا 1:1 تجادلك 1:-1

جادلتم 1:-1 تجادلوا 1:1

يجادل 6:3-3 أ تجادلونني 1:1

يجادلنا 1:1 جادلهم 1:1

يجادلون 5:3-2 جدال 1:-1

جدالنا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :رجل جدل مجدال،أي خصم مخصام، و الفعل:جادل يجادل مجادلة.

و جدلته جدلا،مجزوم،فانجدل صريعا.و أكثر ما يقال:جدّلته تجديلا،أي صرعته.

و يقال للذّكر العرد:إنّه لجدر جدل.

و جدول الإنسان:قصب اليدين و الرّجلين.

و إنسان مجدول الخلق،أي لطيف القصب.

و جديل النّاقة:زمامها إذا كان مجدول الفتل.

و الجديلة:شريجة الحمام.

و جديلة:قبيلة.

و الأجدل:من صفة الصّقر،و رجل أجدل المنكب، أي فيه تطأطؤ خلاف الأشرف من المناكب.

و يقال للطّائر إذا كان كذلك:أجدل المنكبين،فإذا جعلته نعتا قلت:صقر أجدل،و صقور جدل.

و إذا تركته اسما للصّقر،قلت:هذه أجدل و هذه أجادل،لأنّ الأسماء الّتي على«أفعل»تجمع على «أفاعل»و النّعت إذا كان على«أفعل»يجمع على«فعل».

و الجديل:نهر يأخذ من دجلة.

و الجدول:نهر الحوض،و نحوه من الأنهار الصّغار.

ص: 149

و المجدل:القصر المنيف،و يجمع مجادل.(6:79)

اللّيث:جمع الجدلاء:جدل،و قد جدلت الدّروع، إذا أحكمت.

الجدل:الصّرع.

الجديلة:الرّهط،و هي من أدم يأتزر بها الصّبيان، و الحيّض من النّساء.(الأزهريّ 10:649،651)

سيبويه :و كذلك أجادل:اسم رجل،إذا حقّرته.

[لم تصرفه]لأنّه يصير أجيدل،مثل أميلح.[ثمّ قال:]

هذا باب ما كان من«أفعل»صفة في بعض اللّغات، و اسما في أكثر الكلام.و ذلك:أجدل و أخيل و أفعى.

فأجود ذلك أن يكون هذا النّحو اسما،و قد جعله بعضهم صفة؛و ذلك لأنّ«الجدل»شدّة الخلق،فصار «أجدل»عندهم بمنزلة شديد.(3:200)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قال الأسديّ:الجدول:كلّ عظم لم يكسر،فهو جدل.(1:122)

و قال أبو زياد:الجدلاء،من المعزى في أذنها،هي أقصر من الطّويلة.(1:123)

و قال التّميميّ: الجديلة:سير يرصّع فتتّخذه المرأة و تعلّقها،بمنزلة الوشاح.

و الجديلة:العرافة،تقول:أقطع بنو فلان جديلتهم بني فلان،إذا عزلوا عرافتهم عن أصحابها،و قطعوها.

(1:127)

الفرّاء: [فسّر«شاكلته»ب«ناحيته»ثمّ قال:]

و هي الطّريقة و الجديلة.

و سمعت بعض العرب من قضاعة يقول:و عبد الملك إذ ذاك على جديلته،و ابن الزّبير على جديلته.و العرب تقول:فلان على طريقة صالحة،و خيدبة صالحة، و سرجوجة.(2:130)

الأصمعيّ: فإذا قوي[ولد النّاقة]و مشى،فهو راشح و هي المرشح،و هي المطفل ما دام ولدها صغيرا، فإذا ارتفع عن الرّشح،فهو الجادل...

(الكنز اللّغويّ: 142)

و كلّ عظم لا يكسر و لا يخلط به غيره فهو جدل.

(الكنز اللّغويّ: 216)

إذا اخضرّ حبّ طلع النّخل و استدار قبل أن يشتدّ، فإنّ أهل نجد يسمّونه الجدال.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 10:650)

ابن الأعرابيّ: الجدالة فوق البلحة؛و ذلك إذا جدلت نواتها،أي اشتدّت،و اشتقّ«جدول»ولد الظّبية من ذلك.(ابن سيده 7:322)

أبو عبيد: الجدلاء و المجدولة من الدّروع نحو الموضونة،و هي المنسوجة.(الأزهريّ 10:649)

الأجادل:الصّقور،فإذا ارتفع عنه فهو جادل.و في حديث مطرف:«يهوي هويّ الأجادل»هي الصّقور، واحدها:أجدل،و الهمزة فيه زائدة.

و الأجدل:اسم فرس أبي ذرّ الغفّاريّ،رحمه اللّه، على التّشبيه بما تقدّم.(ابن منظور 11:104)

ابن السّكّيت: المجدول:الحسن الخلق،الشّديد فتل اللّحم.(209)

فإذا كان العضو تامّا لم يكسر منه شيء فهو جدل و إرب؛يقال:قطّعه جدولا و آرابا،و قطّعه إربا إربا، و جدلا جدلا،و عضوا عضوا.فإذا كسر العضو باثنين

ص: 150

فهو كسر.(607)

الجاحظ: الجدلة:الأرض،و لذلك يقال:ضربه فجدّله،أي ألزقه بالأرض،أي بالجدالة.[ثمّ استشهد بشعر](6:155)

شمر: سمّيت الدّروع جدلاء و مجدلة لإحكام حلقها،كما يقال:حبل مجدول:مفتول،و قد جدلت جدلا،أي أحكمت إحكاما.(الأزهريّ 10:649)

المنجدل:السّاقط،و المجدّل:الملقى بالجدالة و هي الأرض.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 10:652)

أبو الهيثم: يقال لصاحب الجديلة:جدّال، و يقال:رجل جدّال بدّال،منسوب إلى الجديلة الّتي فيها الحمام.

و يقال:رجل جدّال:للّذي يأتي بالرّأي السّخيف، و هذا رأي الجدّالين.

و يقال:القوم على جديلة أمرهم،أي على حالهم الأوّل.(الأزهريّ 10:650)

الدّينوريّ: جدل الحبّ في السّنبل يجدل:وقع فيه.(ابن سيده 7:324)

المبرّد: الجدل:جمع جديل،و هو الزّمام المجدول، كما تقول:قتيل و مقتول،و أدنى العدد أجدلة،كقولك:

قضيب و قضب و أقضبة.(1:247)

الأجدل:المائل العنق،يقال:قوس جدلاء،إذا اعوجّت سبتها.[ثمّ استشهد بشعر](1:277)

الجدل:العظم يفصل بما عليه من اللّحم.

(الفائق 1:196)

ابن دريد :الجدل:مصدر جدلت الحبل أجدله و أجدله،إذا فتلته،و الحبل مجدول و جديل،و ربّما خصّ زمام البعير بهذا الاسم فسمّي:جديلا.

و رجل مجدول و امرأة مجدولة،و هو القضيف خلقة لا هزالا.

و يقال:غلام جادل،إذا ترعرع و اشتدّ،و كذلك:

فصيل جادل.

و جادلت الرّجل مجادلة و جدالا،إذا خاصمته، و الاسم:الجدل.

و رجل جدل:شديد الجدال.

و الجدال:الخلال بلغة أهل نجد،و الواحدة:جدالة.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الأجدل:الصّقر،و الجمع:أجادل.

و المجدل:القصر،و الجمع:مجادل.

و الجدول:نهير صغير،الواو زائدة.

و جديل:فحل(1) معروف كان لمهرة بن حيدان.[ثمّ استشهد بشعر]

و شدقم أيضا:فحل(2) كان لطيّئ.

و الجدالة:الأرض ذات الرّمل الرّقيق.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:طعنه فجدّله،إذا ألصقه بالأرض.

و بنو جديلة:بطن من قيس،و بنو جديلة أيضا في طيّئ.(2:67)

القاليّ: مجدول:مفتول.(1:193)

و الجديل:زمام مجدول،أي مضفور.(2:67)

و جدّل:ألقاها على الجدالة،و الجدالة:الأرض.[ثمّ

ص: 151


1- فحل من الإبل.
2- فحل من الإبل.

استشهد بشعر](2:259)

يقال:تركت فلانا مجدّلا،أي ساقطا على الجدالة.

(2:273)

و الجدل:العضو،و جمعه:جدول.(2:296)

الأزهريّ: الجدل:شدّة الفتل،يقال:إنّه لحسن الأرم و حسن الجدل،إذا كان حسن أسر الخلق.

و جدلت الحبل جدلا،إذا شددت فتله،و منه قيل لزمام النّاقة:الجديل.

[و نقل قول الخليل: «رجل أجدل المنكب،فيه تطأطؤ،و هو خلاف الأشرف من المناكب»ثمّ قال:]

قلت:هذا عندي خطأ،إنّما الصّواب:«رجل أحدل المنكب»هكذا روي لنا عن أبي عبيد عن أبي عمرو قال:الأجدل:الّذي في منكبيه و رقبته انكباب على صدره،و قد مرّ في بابه...[ثمّ نقل قول اللّيث في الجدل و قال:]

و قال غيره: الجدل:أن يضرب عرض الحديد حتّى يدملج،و هو أن يضرب حروفه حتّى يستدير.

و يقال:جادلت الرّجل فجدلته جدلا،إذا غلبته.

و رجل جدل،إذا كان ألوى في الخصام.

و في الحديث أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«أنا خاتم النّبيّين في أمّ الكتاب و إنّ آدم لمنجدل في طينته».

(10:649-652)

الصّاحب: جدل:خصم،شديد الجدل.و مجدال:

مخصام.

و الجدل:الصّرع،جدلته فانجدل،و هو مجدول، و جدّلته تجديلا أيضا.

و جدّلت الشّاة:قطعتها جدلا جدلا،أي عضوا عضوا.

و يقال للذّكر العرد:إنّه لجدل جدل.

و جدول الإنسان:قصب اليدين و الرّجلين.

و المجدول:اللّطيف الخلق.

و جديل النّاقة:حبل زمامها إذا كان مجدول الفتل؛ و جدله:فتله.

و جديلة:قبيلة من بني أسد.

و جديل:اسم فحل.

و الجديلة:مثل الرّهط الّذي تلبسه المرأة أيّام حيضها،و شريجة الحمام و نحوها.

و الجدّال:بيّاع الحمام،و اللاّعب به.

و الأجدل:من صفة الصّقر.

و رجل أجدل المنكب:فيه تطأطؤ،و كذلك الطّائر؛ حتّى يقال:صقورة جدل.

و الجدول:نهر الحوض و غيره من الأنهار،و الجميع الجداول.و هو أيضا:حدّ بين أرضين،و الدّبرة من دبار الأرض.

و يقولون:استقام جدول القوم على كذا،أي رأيهم.

و ركب جديلة رأيه،أي عزيمته.

و ذهبت على جدلائي،أي على وجهي.

و القوم على جديلة أمرهم،أي على حالهم.

و فلان على جدلائه و على جديلته،أي على ناحيته و قبيلته.

و المجدل:القصر،و جمعه:مجادل.

و إذا اخضرّ التّمر و استدار قبل أن يشتدّ فهو

ص: 152

الجدال،و هو البلح.و الجدّال:بيّاعه.

و الجدالة:الأرض.و جدّله:ضربه بالجدالة.

و الجدل:القبر.

و الجدالة:النّمل الصّغار ذات القوائم،و الجميع:

الجدال.

و جدل سنبل الزّرع يجدل،إذا اشتدّ ما فيه من الحبّ.

و جدل ولد البقرة يجدل جدولا،إذا مشى مع الأمّ، فهو جادل.و هو أيضا الّذي غلظ.

و ظبية مجدل.

و شاة جدلاء بيّنة الجدل،و هو انثناء أذنها.

و شقشقة جدلاء،أي مائلة.

و الجدلة:مدّقة المهراس.(7:42)

الخطّابيّ:في حديث عليّ: «أنّه وقف على طلحة يوم الجمل،و هو صريع،فقال:أعزز عليّ أبا محمّد أن أراك مجدّلا تحت نجوم السّماء،إلى اللّه أشتكي عجري و بجري».

قوله:«مجدّلا»أي صريعا مطرّحا،يقال:جدّلت الرّجل فانجدل.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:إنّ التّجديل مشتقّ من الجدالة،و هي وجه الأرض،فإذا قيل:جدّلت الرّجل،كان معناه ضربته بالجدالة.[إلى أن قال:]

عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«إنّي عند اللّه مكتوب خاتم النّبيّين،و إنّ آدم لمنجدل في طينته...»

قوله:«و إنّ آدم منجدل في طينته»أي مطروح على وجه الأرض صورة من طين،لم تجر فيه الرّوح بعد.

(2:155) في حديث عائشة،أنّها قالت في العقيقة:«تذبح يوم السّابع و تقطع جدولا،و لا يكسر لها عظم».الجدول:

جمع جدل،و هو العضو،و مثله الكسر و الوصل و الإرب و الشّلو.[ثمّ استشهد بشعر](2:580)

جاء في الحديث:«القضاة ثلاثة:رجل علم فعدل، فذلك الّذي يحرز أموال النّاس و يحرز نفسه في الجنّة.

و رجل علم فجدل،فذلك الّذي يهلك النّاس و يهلك نفسه في النّار،و ذكر الثّالث».

قوله:جدل:أي جار و ظلم،و يقال:إنّه لجدل غير عدل.(3:215)

الجوهريّ: الجدل:العضو،و الجمع:الجدول.

و الأجدل:الصّقر.

و المجدل:القصر.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجدال:البلح إذا اخضرّ و استدار قبل أن يشتدّ، بلغة أهل نجد،الواحدة:جدالة.

و الجدالة:الأرض.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال:طعنه فجدّله،أي رماه بالأرض،فانجدل،أي سقط.

و جادله،أي خاصمه،مجادلة و جدالا،و الاسم الجدل،و هو شدّة الخصومة.

و جدلت الحبل أجدله جدلا،أي فتلته فتلا محكما، و منه جارية مجدولة الخلق:حسنة الجدل.

و المجدول:القضيف لا من هزال.

و غلام جادل:مشتدّ.

و جدل الحبّ في سنبله:قوي.

و الجديل:الزّمام المجدول من أدم.[ثمّ استشهد

ص: 153

بشعر]

و ربّما سمّى الوشاح جديلا.[ثمّ استشهد بشعر]

و جديل و شدقم:فحلان من الإبل كانا للنّعمان بن المنذر.

و الجديلة:الشّاكلة،و الجديلة:القبيلة و النّاحية.

و جديلة:حيّ من طيّئ،و هو اسم أمّهم،و هي جديلة بنت سبيع بن عمرو،من حمير،إليها ينسبون؛ و النّسبة إليهم جدليّ،مثل ثقفيّ.

و الجدلاء من الدّروع:المنسوجة،و كذلك المجدولة، و هي المحكمة.

و الجندل:الحجارة،و منه سمّي الرّجل.

و الجندل بفتح النّون و كسر الدّال:الموضع فيه حجارة.

و الجدول:النّهر الصّغير.(4:1653)

الهرويّ: وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:

125،الجدل:مقابلة الحجّة بالحجّة،و المناظرة:أن يدفع الحجّة بنظيرتها.

و قال بعضهم:الجدل:اللّدد في الخصام،و رجل جدل.و أصله من جدل الحبل،و هو شدّة الفتل،و منه يقال للحبل الّذي يجعل في رأس البعير:جديل.و رجل مجدول الخلق:شديده.

و قوله تعالى: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّهِ المؤمن:4، هذا جدال دفع لها،و ردّ.و منه قول النّبيّ عليه السّلام:«لا تماروا في القرآن فإنّ مراء فيه كفر».[و ذكر الرّوايات المتقدّمة عنه صلّى اللّه عليه و سلّم](1:330)

الثّعالبيّ: ضربه فجدّله،إذا ألقاه على الأرض.(209)

فصل في تقسيم النّسج:نسج الثّوب،رمل الحصير، سفّ الخوص،ضفر الشّعر،فتل الحبل،جدل السّير، مسد الجلد.(243)

فصل في الحبال المختلفة الأجناس:

الجرير:من أدم،الشّريط:من خوص،الجديل:من جلود،المرسة:من كتّان...(259)

ابن سيده: جدل الشّيء يجدله،و يجدله جدلا:

أحكم فتله.

و الجديل:حبل مفتول من أدم أو شعر،يكون في عنق البعير أو النّاقة،و الجمع:جدل،و هو من ذلك.

و الجدل،و الجدل:كلّ عظم موفّر كما هو،لا يكسر و لا يخلط به غيره.و كلّ عضو:جدل،و الجمع:أجدال، و جدول.

و رجل مجدول:لطيف القصب،محكم الفتل.

و ساق مجدولة،و جدلاء:حسنة الطّيّ.

و ساعد أجدل:كذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و جدل ولد الظّبية و النّاقة يجدل جدولا:قوي و تبع أمّه.

و الجادل من الإبل:فوق الرّاشح،و كذلك:من أولاد الشّاء.

و جدل الغلام يجدل جدولا،و اجتدل:كذلك.

و الأجدل:الصّقر،صفة غالبة،و أصله:من الجدل الّذي هو الشّدّة.و هي الأجادل،كسّروه تكسير الأسماء لغلبة الصّفة،و لذلك جعله سيبويه ممّا يكون صفة في بعض الكلام،و اسما في بعض اللّغات.

ص: 154

و قد يقال للأجدل:أجدليّ،و نظيره:أعجم و أعجميّ.و قد أبنت هذا الضّرب في الكتاب المخصّص.

و الأجدل:اسم فرس أبي ذرّ الغفّاريّ،على التّشبيه بما تقدّم.

و جدالة الخلق:عصبه و طيّه.

و رجل مجدول،و امرأة مجدولة.

و الجدالة:الأرض لشدّتها.و قيل:هي أرض ذات رمل دقيق.[ثمّ استشهد بشعر]

و جدله:جدلا،و جدّله فانجدل،و تجدّل:صرعه على الجدالة.

و الجدالة:البلحة إذا اخضرّت و استدارت.

و الجمع:جدال.[ثمّ استشهد بشعر]

قال ابن الأعرابيّ: الجدالة فوق البلحة،و ذلك إذا جدلت نواتها،أي اشتدّت،و اشتقّ جدول ولد الظّبية من ذلك.و لا أدري كيف قال:«إذا جدلت نواتها»لأنّ الجدالة لا نواة لها.

و قال مرّة:سمّيت البسرة جدالة،لأنّها تشتدّ نواتها و تستتمّ قبل أن تزهي،شبّهت بالجدالة،و هي الأرض.

و المجدل:القصر،لوثاقة بنائه.

و درع جدلاء،و مجدولة:محكمة النّسج.[ثمّ استشهد بشعر]

و أذن جدلاء:طويلة ليست بمنكسرة،و قيل:هي كالصّمعاء إلاّ أنّها أطول،و قيل:هي الوسط من الآذان.

و الجدل:ذكر الرّجل،و قد جدل جدولا،فهو جدل،و جدل،أي عرد،و أرى جدلا على النّسب.

و ركب جديلة رأيه،أي عزيمته.

و الجدل:اللّدد في الخصومة و القدرة عليها،و له حدّ لا يليق بهذا الكتاب.و قد جادله مجادلة،و جدالا.

و رجل جدل،و مجدل،و مجدال:شديد الجدل.

و سورة المجادلة:سورة«قد سمع اللّه»لقوله: قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها المجادلة:1.

و هما يتجادلان في ذلك الأمر،و قوله تعالى:

وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ البقرة:197،قال أبو إسحاق:

قالوا:معناه لا ينبغي للرّجل أن يجادل أخاه فيخرجه الجدال إلى ما لا ينبغي.

و المجدل:الجماعة من النّاس،أراه لأنّ الغالب عليهم إذا اجتمعوا أن يتجادلوا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجديلة:شريجة الحمام،و الجدّال:الّذي يحصر الحمام في الجديلة.و حمام جدليّ:صغير ثقيل الطّيران لصغره.

و جديلة الرّجل،و جدلاؤه:ناحيته.

و القوم على جديلة أمرهم،أي على حالهم.و ما زال على جديلة واحدة،أي على حال واحدة و طريقة واحدة.

و الجديلة:الرّهط،و هي من أدم كانت تصنع في الجاهليّة،يأتزر بها الصّبيان و النّساء الحيّض.

و رجل أجدل المنكب:فيه تطأطؤ،و هو خلاف الأشرف من المناكب-قال الأزهريّ:و هذا تصحيف، و إنّما هو الأحدل،بالحاء غير المعجمة،عن أبي زيد، و منه قولهم:قوس مجدلة و جدلاء-و كذلك:الطّائر،قال بعضهم:به سمّي الأجدل،و الصّحيح ما قدّمت من كلام سيبويه.

ص: 155

و الجديلة:النّاحية،و القبيلة.

و جديلة:بطن من قيس،منهم فهم و عدوان.

و جديلة،أيضا:في طيّئ.

و جديل:فحل لمهرة بن حيدان.فأمّا قولهم في الإبل:جدليّة فقيل:هي منسوبة إلى هذا الفحل.و قيل:

إلى جديلة طيّئ،و هو القياس.

و الجدول:النّهر الصّغير.و حكى ابن جنّيّ:جدول، بكسر الجيم،على مثال:خروع.و الجدول،أيضا:نهر معروف.(7:322)

الجدول:جدل الحبّ في السّنبل يجدل جدولا:نزل فيه،أو قوي.(الإفصاح 2:1085)

الطّوسيّ: حقيقة المجادلة:المقابلة بما يقبل الخصم من مذهبه بالحجّة أو شبهها،و هو من«الجدل»لشدّة الفتل،و يقال للصّقر:أجدل،لأنّه أشدّ الطّير.

و الفرق بين الجدال و الحجاج:أنّ المطلوب بالحجاج:

ظهور الحجّة،و المطلوب بالجدال:الرّجوع عن المذهب.

و المراء مذموم،لأنّه مخاصمة في الحقّ بعد ظهور الحقّ،كمريء الضّرع بعد دروره،و ليس كذلك الجدال.(5:546)

نحوه الطّبرسيّ.(3:157)

الرّاغب: الجدال:المفاوضة على سبيل المنازعة و المغالبة،و أصله من:جدلت الحبل،أي أحكمت فتله، و منه:الجديل،و جدلت البناء:أحكمته،و درع مجدولة.

و الأجدل:الصّقر المحكم البنية.

و المجدل:القصر المحكم البناء،و منه:الجدال، فكأنّ المتجادلين يفتل كلّ واحد الآخر عن رأيه.

و قيل:الأصل في الجدال:الصّراع،و إسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة،و هي الأرض الصّلبة.[ثمّ ذكر الآيات](89)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:373)

الزّمخشريّ: جدل الحبل:فتله،و زمام مجدول و هو الجديل.تقول:كأنّ في الجديل،إحدى بنات جديل.و طعنه فجدّله:ألقاه على الجدالة،و هي الأرض.

و تقول:إن وقفن فمجادل،و إن مررن فأجادل:إن وقفن فقصور و إن مررن فصقور.[ثمّ استشهد بشعر]

و كان فلان جدّالا فصار تمّارا،و هو بائع الجدال و هو البلح،سمّي لاشتداده،أو بائع الحمام في الجديلة و هي الشّريجة.و شاد قصره بصمّ الجندل،و بصمّ الجنادل، الواحدة:جندلة،و النّون مزيدة،و الوزن«فنعلة»من الجدل.

و من المجاز:امرأة مجدولة الخلق:قضيفة.و درع مجدولة و جدلاء:محكمة.و عمل على جديلته،أي على شاكلته الّتي جدل عليها.و ركب جديلته،أي عزيمة رأيه.و استقام جدول القوم،إذا انتظم أمرهم،كالجدول إذا اطّرد و تتابع جريه.و نظر أعرابيّ إلى قافلة الحاجّ متتابعة،فقال:أمّا الحاجّ فقد استقام جدولهم.

(أساس البلاغة:53)

المجدّل:المطروح.

معاوية قال لصعصعة بن صوحان:أنت رجل تتكلّم بلسانك،فما مرّ عليك جدّلته،و لم تنظر في أرز (1)الكلام و لا استقامته...م.

ص: 156


1- التئام الكلام.

أراد أنّه يتكلّم بكلّ ما يعنّ له من غير رويّة،فشبّهه بالصّائد الّذي يرمي،فيجدّل كلّ ما أكثبه من الوحش المارّة عليه.[ثمّ ذكر حديث عائشة في العقيقة و قد مرّ]

(الفائق 1:196)

المدينيّ: في الحديث:«كتب عمر رضي اللّه عنه، في العبد إذا غزا على جديلته،لا ينتفع مولاه بشيء من خدمته فأسهم له».

قال الأزهريّ في«التّهذيب»:الجديلة:الحالة الأولى،يقال:القوم على جديلة أمرهم،أي على حالهم الأولى،و على جدلائهم كذلك،و الجديلة:النّاحية.

و ركب جديلة رأيه:أي عزيمته،و ما زال على جديلة واحدة،أي على طريقة،و هو على جديّته أيضا، أي على ناحيته.

و الجديلة:العرافة،يقال:قطع بنو فلان جديلتهم عن بني فلان،إذا عزلوا عرافتهم عنهم.(1:304)

ابن الأثير: فيه:«ما أوتي قوم الجدل إلاّ ضلّوا» الجدل:مقابلة الحجّة بالحجّة،و المجادلة:المناظرة و المخاصمة.

و المراد به في الحديث:الجدل على الباطل،و طلب المغالبة به.فأمّا الجدل لإظهار الحقّ فإنّ ذلك محمود، لقوله تعالى: وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:

125.[ثمّ ذكر الرّوايات المتقدّمة](1:247)

الفيّوميّ: جدل الرّجل جدلا فهو جدل،من باب «تعب»إذا اشتدّت خصومته.و جادل مجادلة و جدالا، إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحقّ و وضوح الصّواب، هذا أصله.

ثمّ استعمل على لسان حملة الشّرع في مقابلة الأدلّة لظهور أرجحها،و هو محمود إن كان للوقوف على الحقّ و إلاّ فمذموم.و يقال:أوّل من دوّن«الجدل»أبو عليّ الطّبريّ.

و الجدول«فعول»هو النّهر الصّغير،و الجمع:

الجداول.

و الجدالة بالفتح:الأرض،و جدّلته تجديلا:ألقيته على الجدالة،و طعنه فجدّله.(1:93)

الفيروزآباديّ: جدله يجدله و يجدله:أحكم فتله.

و الجديل:الزّمام المجدول من أدم،و حبل من أدم أو شعر في عنق البعير،و الوشاح،جمعه:ككتب.

و الجدل و يكسر:الذّكر الشّديد،و قصب اليدين و الرّجلين،و كلّ عضو و كلّ عظم موفّر لا يكسر و لا يخلط به غيره،الجمع:أجدال و جدول.

و رجل مجدول:لطيف القصب محكم الفتل.

و ساعد أجدل و ساق مجدولة و جدلاء:حسنة الطّيّ،و من الدّروع المحكمة،الجمع:جدل بالضّمّ.

و جدل ولد الظّبية و غيرها:قوي و تبع أمّه.

و الأجدل:الصّقر كالأجدليّ،جمعه:أجادل، و كمنبر:القصر،جمعه:مجادل،و كسحابة:الأرض،أو ذات رمل رقيق،و البلح إذا اخضرّ و استدار قبل أن يشتدّ،و النّمل الصّغار ذات القوائم.

و جدل الحبّ في السّنبل:وقع.

و جدله و جدّله فانجدل و تجدّل:صرعه على الجدالة.

و جدل جدولا فهو جدل ككتف و عدل:صلب.

ص: 157

و الجدل محرّكة:اللّدد في الخصومة،و القدرة عليها، جادله فهو جدل و مجدل كمنبر و محراب،و كمقعد:

الجماعة منّا،و كمنبر:موضع.

و الجديلة:القبيلة،و الشّاكلة،و النّاحية،و شريجة الحمام و نحوها،و صاحبها جدّال،و الحال و الطّريقة، و شبه أنب من أدم يأتزر به الصّبيان،و الحيّض.

و جديلة بنت سبيع بن عمرو من حمير أمّ حيّ، و النّسبة جدليّ،و كغراب:بلدة بالموصل.

و مجادل:بلدة بالخابور.

و الجدول كجعفر و خروع:النّهر الصّغير،و نهر معروف.

و جدلاء:كلبة،و من الشّاء المتثنّية الأذن.

و شقشقة جدلاء:مائلة.

و الجدلة:مدقّة المهراس.

و الجدل:القبر.

و ذهب على جدلائه:على وجهه و ناحيته.

و كأمير:فحل للنّعمان بن المنذر.

و أجدلت الظّبية:مشى معها ولدها.(3:357)

الطّريحيّ: [بعد ذكر آية النّحل:125،قال:]

فالجدال منه قبيح و حسن و أحسن.

فما كان لتبيين الحقّ من الفرائض فهو أحسن، و ما كان له من غير ذلك فحسن،و ما كان لغير ذلك قبيح.

و جدلت الحبل أجدله جدلا،أي فتلته محكما، و منه حديث نوق الجنّة:«خطمها جديل الأرجوان» الجديل:الزّمام،و الأرجوان:الأحمر.و منه جارية مجدولة الخلق.

و الجندل:الحجارة،و الجمع:الجنادل،و قد جاء في الحديث.

الجندل بفتح النّون و كسر الدّال:الموضع الّذي فيه حجارة.

و المجدّل:المرميّ الملقى على الأرض قتيلا.

و الجدول:النّهر الصّغير.

و الجدول:حساب مخصوص مأخوذ من تسيير القمر و مرجعه إلى عدّ شهر تامّا و شهر ناقصا في جميع أيّام السّنة،مبتدأ بالتّامّ من المحرّم،كذا قرّره الشّهيد الثّاني رحمه اللّه.

و منه كلام الفقهاء:و لا اعتبار بالجدول،يعني في حساب الشّهر.

و الأجدل:الصّقر،و هي صفة غالبة عليه.

(5:334)

الجزائريّ: «الجدال و المراء»قيل:هما بمعنى،غير أنّ المراء مذموم،لأنّه مخاصمة في الحقّ بعد ظهوره، و ليس كذلك الجدال.

«الجدال و الحجاج»الفرق بينهما:أنّ المطلوب بالحجاج هو ظهور الحجّة،و المطلوب بالجدال:الرّجوع عن المذهب،فإنّ أصله من«الجدل»و هو شدّة الفتل، و منه«الأجدل»لشدّة قوّته من بين الجوارح،و يؤيّده قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا هود:32، وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:125،و ذلك لأنّ دأب الأنبياء كان ردع القوم عن المذاهب الباطلة و إدخالهم في دين اللّه ببذل القوّة و الاجتهاد،في إيراد الأدلّة و الحجج.

ص: 158

هذا و قد يراد ب«الجدال»مطلق المخاصمة،و منه ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ النّساء:109،و يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ المؤمن:35.

و أمّا قوله تعالى: فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَ جاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ هود:74، فقيل:إنّه قال للملائكة:بأيّ شيء استحقّوا عذاب الاستئصال،و هل ذلك واقع لا محالة أم تخويف ليرجعوا إلى الطّاعة،و بأيّ شيء يهلكون؟و كيف ينجي اللّه المؤمنين؟فسمّي ذلك السّؤال المستقصى جدالا.

فالمراد:يجادل رسلنا،و تلك المجادلة إنّما كانت من رقّة قلبه و رحمته،و في إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ هود:75،إشارة إلى هذا.(78)

مجمع اللّغة :جدل الرّجل جدلا فهو جدل:

خاصم.و الجدل:المنازعة في الرّأي،و يطلق على شدّة الخصومة و اللّدد فيها.

و جادل مجادلة و جدالا:خاصم،و قد يكون الجدال بالباطل ليصرف عن الحقّ،و قد يكون بالحقّ ليدحض الباطل،و المقام هو الّذي يعيّن المراد.

(1:184)

محمّد إسماعيل إبراهيم: جدل الحبل جدلا:

فتله،و جدل الرّجل جدلا:اشتدّت خصومته،و الجدل:

شدّة الخصومة.و أصلها من«الجدل»و هو شدّة الفتل.

و تجادل القوم:تعاودوا و تخاصموا و تضاغنوا، و جادل:ناقش بالحجّ و الأدلّة.(104)

العدنانيّ: الجدولة.

و يخطّئون من يقول:جدول يجدول جدولة،لأنّ المعجمات لا تذكر هذا الفعل و مضارعه و مصدره.

و لكن:جاء في الجزء الثّاني،من المجلّد الحادي و الخمسين،من مجلّة مجمع اللّغة العربيّة بدمشق ربيع الآخر 1396 ه.نيسان(أبريل)1976 م،ما يأتي:

«كان مجلس المجمع وافق على قرار يتضمّن:«تجاز كلمة الجدولة،أخذا بجواز الاشتقاق من أسماء الأعيان، و يستبقى الحرف الزّائد،و هو«الواو»من الاشتقاق أخذا بتوهّم أصالة الزّيادة في الحرف؛و ذلك بعد دراسة قرار لجنة الألفاظ و الأساليب،و قد جاء فيه:

يشيع في الاستعمال المعاصر لفظ«الجدولة»في معنى عرض التّفاصيل لموضوع ما،وفق نظام معيّن في جدول.و قد درست اللّجنة هذا اللّفظ،ثمّ انتهت إلى إجازته،بدليلين:

الأوّل:أنّه مأخوذ من الجدول إتباعا لمبدإ الاشتقاق،من أسماء الأعيان الّذي أخذ به المجمع من قبل.

الثّاني:أنّه جاء على أساس الأخذ بمبدإ توهّم أصالة الحرف،الّذي سبق للمجمع إقراره.و على هذا تكون «الواو»في الجدول أصليّة،و الفعل منها:جدول يجدول.هذا إلى أنّ الفعل«جدول»قد جاء في عبارات لبعض المتأخّرين من علماء النّحو،كالأشمونيّ و الصّبّان.

و بعد نقاش حول قرار المجلس،و لفظة التّوهّم الواردة فيه،أجمع المؤتمرون على إجازة القرار بعد تعديله على الصّيغة الآتية:«تجاز كلمة الجدولة،أخذا بجواز الاشتقاق من أسماء الأعيان،و يستبقى الحرف الزّائد،

ص: 159

و هو(الواو)في الاشتقاق،أخذا بجواز اعتبار الزّيادة أصليّة».

و كان ذلك في الدّورة الثّانية و الأربعين،لمؤتمر مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة،المنعقد في المدّة الواقعة بين تاريخ 23 صفر سنة 1396 ه،الموافق 23 شباط 1976 م.

و تاريخ 7 ربيع الأوّل 1396 ه،الموافق 8 آذار 1976 م.

الضّفيرة لا الجديلة.

خصل الشّعر،المنسوج بعضها على بعض،بثلاث طاقات فما فوقها،يسمّونها:جديلة،و الصّواب:

ضفيرة،و جمعها:ضفائر و ضفر.

أمّا الجديلة فمن معانيها:

1-القبيلة،الرّهط.

2-النّاحية«مجاز».

3-الشّاكلة و الطّريقة.

4-قفص يصنع من القصب للحمام و نحوه.

5-ركب جديلة رأيه:عزيمته«مجاز».

6-هم على جديلة أمرهم:على حالهم الأوّل «مجاز».

7-جديلة:اسم لعدّة قبائل من العرب،و النّسبة إليها:جدليّ.(116)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الاستحكام،سواء كان بطريق الفتل أو غيره،و سواء كان في الكلام أو في غيره،و سواء كان عن حقّ أو باطل و زور،و سواء كان في نفسه أو بمخاصمة و مقابلة.

و المجادلة و الجدال على مقتضى صيغة«المفاعلة» تدلّ على إدامة الجدل،و تطلق في الغالب على تحكيم الكلام،و إدامته في مقام الخصومة و الغلبة على الطّرف المقابل،حتّى يمنع عن ظهور الحقّ.

و قيد الاستحكام الخاصّ محفوظ في جميع موارد استعمالها:كالفتل،و الزّمام المفتول المستحكم، و الأعضاء المستحكمة الظّريفة كقصب اليدين،و مجدول الخلق،و الجدول للماء المستجمع الجاري،و الرّجل قضيف الخلقة،و الصّقر،و الأرض الصّلبة.

[في القاموس العبريّ-العربيّ: ]

(جادل)-نما،زاد،عظم،طالت،اشتدّ.

وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لقمان:

20، اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ المؤمن:35، وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ المؤمن:5،يريد الإصرار في إدامة الكلام و استحكامه ظاهرا،من دون توجّه إلى الحقّ،فالنّظر في الجدال إلى إثبات كلامه و مرامه بأيّ نحو كان،من دون أن يتوجّه إلى الحقيقة.

وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ العنكبوت:46، وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:

125،بأن يكون الجدال مع التّوجّه إلى الحقّ و محو الباطل و بلطيف الخطاب،من دون خشونة و عصبيّة.

وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً الكهف:54، فإنّ الإنسان مفطور بحبّ النّفس،و على هذا فهو يدافع دائما عن نفسه،و لا يحبّ أمرا إلاّ لحبّه نفسه،و يجادل لتثبيت مرامه و الدّفاع عن خلاف مراده،إلاّ من وفّقه اللّه تعالى،و ترك هوى نفسه،و لم يبق في قلبه إلاّ حبّ اللّه و رضاه تعالى.(2:65)

ص: 160

النّصوص التّفسيريّة

جدلا

1- ..وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً. الكهف:54

ابن عبّاس: جدلا في الباطل،و يقال:ليس شيء أجدل من الإنسان.(249)

ابن زيد :الجدل:الخصومة،خصومة القوم لأنبيائهم،و ردّهم عليهم ما جاءوا به.

(الطّبريّ 15:266)

الطّبريّ: و كان الإنسان أكثر شيء،مراء و خصومة، لا ينيب لحقّ،و لا ينزجر لموعظة.(15:266)

الزّجّاج: فإن قال قائل:و هل يجادل غير الإنسان؟

فالجواب في ذلك أنّ إبليس قد جادل،و أنّ كلّ ما يعقل من الملائكة و الجنّ يجادل،و لكنّ الإنسان أكثر هذه الأشياء جدلا.(3:296)

الماورديّ: قوله تعالى: وَ لَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ يحتمل وجهين:أحدهما:

ما ذكره لهم من العبر في القرون الخالية،الثّاني:ما أوضحه لهم من دلائل الرّبوبيّة.فيكون على الوجه الأوّل جزاء، و على الثّاني بيانا. وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً.

يحتمل وجهين:أحدهما:عنادا،و هو مقتضى الوجه الأوّل،الثّاني:حجاجا،و هو مقتضى القول الثّاني.

(3:317)

الطّوسيّ: أي خصومة،و الجدل:شدّة الفتل عن المذهب،بطريق الحجاج.و أصله:الشّدّة،و منه الأجدل:الصّقر لشدّته،و سير مجدول:شديد الفتل.(7:60)

نحوه أبو الفتوح الرّازيّ.(12:370)

القشيريّ: الجدل في اللّه محمود مع أعدائه، و الجدل مع اللّه شرك،لأنّه صرف إلى مخالفة توهم أنّ أحدا يعارض التّقدير،و تجويز ذلك انسلاخ عن الدّين.

و من أمارات السّعادة للمؤمن فتح باب العمل عليه، و إغلاق باب الجدل دونه.(4:75)

البغويّ: (جدلا):خصومة في الباطل.(3:200) مثله الخازن(4:177)،و الكاشانيّ(3:247).

الميبديّ: أي جدالا و حجاما و خصاما.[ثمّ ذكر نحو الزّجّاج](5:705)

الزّمخشريّ: أكثر الأشياء الّتي يتأتّى منها الجدل، إن فصّلتها واحدا بعد واحد خصومة و مماراة بالباطل و انتصاب(جدلا)على التّمييز،يعني أنّ جدل الإنسان أكثر من جدل كلّ شيء و نحوه.(2:489)

مثله النّسفيّ.(3:17)،و نحوه أبو حيّان(6:138).

ابن عطيّة: الجدل:الخصام و المدافعة بالقول، فالإنسان أكثر جدلا من كلّ ما يجادل من ملائكة و جنّ و غير ذلك إن فرض.و في قوله: وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً تعليم تفجّع ما على النّاس.(3:524)

الفخر الرّازيّ: أي أكثر الأشياء الّتي يتأتّى منها الجدل.و انتصاب قوله:(جدلا)على التّمييز.

قال بعض المحقّقين:و الآية دالّة على أنّ الأنبياء عليهم السّلام جادلوهم في الدّين حتّى صاروا هم مجادلين،لأنّ المجادلة لا تحصل إلاّ من الطّرفين؛و ذلك يدلّ على أنّ القول بالتّقليد باطل.(21:140)

ص: 161

نحوه الشّربينيّ.(2:386)

القرطبيّ: أي جدالا و مجادلة...

و روى أنس أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:يؤتى بالرّجل يوم القيامة من الكفّار،فيقول اللّه له:ما صنعت فيما أرسلت إليك؟

فيقول:ربّ آمنت بك و صدّقت برسلك و عملت بكتابك.

فيقول اللّه له:هذه صحيفتك ليس فيها شيء من ذلك.

فيقول:يا ربّ إنّي لا أقبل ما في هذه الصّحيفة.

فيقال له:هذه الملائكة الحفظة يشهدون عليك.

فيقول:و لا أقبلهم يا ربّ،و كيف أقبلهم ولاهم من عندي و لا من جهتي؟

فيقول اللّه تعالى:هذا اللّوح المحفوظ أمّ الكتاب قد شهد بذلك.

فقال:يا ربّ أ لم تجرني من الظّلم؟قال:بلى،فقال:

يا ربّ لا أقبل إلاّ شاهدا عليّ من نفسي.

فيقول اللّه تعالى:الآن نبعث عليك شاهدا من نفسك.

فيتفكّر من ذا الّذي يشهد عليه من نفسه فيختم على فيه،ثمّ تنطق جوارحه بالشّرك،ثمّ يخلّى بينه و بين الكلام فيدخل النّار،و إنّ بعضه ليلعن بعضا.

يقول لأعضائه:لعنكنّ اللّه فعنكنّ كنت أناضل.

فتقول أعضاؤه:لعنك اللّه،أ فتعلم أنّ اللّه تعالى يكتم حديثا،فذلك قوله تعالى: وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً، أخرجه مسلم بمعناه،من حديث أنس أيضا.

(11:5)

البيضاويّ: خصومة بالباطل،و انتصابه على التّمييز.(2:16)

مثله المشهديّ(6:71)،و نحوه شبّر(4:85)، و طنطاوي(9:134).

النّيسابوريّ: [نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]

فقوله: (أَكْثَرَ شَيْءٍ) كقوله: (أَوَّلَ مَرَّةٍ) و قد مرّ في الأنعام،و كثرة جدل الإنسان لسعة مضطربه،فيما بين أوج الملكيّة إلى حضيض البهيميّة،فليس له في جانبي التّصاعد و التّسافل مقام معلوم.(15:143)

ابن جزيّ: أي مخاصمة و مدافعة بالقول،و يقتضي سياق الكلام ذمّ الجدل.(2:190)

ابن كثير :الإنسان كثير المجادلة و المخاصمة و المعارضة للحقّ بالباطل،إلاّ من هدى اللّه و بصّره لطريق النّجاة.(4:400)

السّيوطيّ: الجدل:الخصومة،خصومة القوم لأنبيائهم،و ردّهم عليهم ما جاءوا به.و كلّ شيء في القرآن من ذكر الجدل فهو من ذلك الوجه،فيما يخاصمونهم من دينهم،يردّون عليهم ما جاءوا به،و اللّه أعلم.(الدّرّ المنثور 4:228)

أبو السّعود :أي أكثر الأشياء الّتي يتأتّى منها الجدل،و هو هاهنا شدّة الخصومة بالباطل و المماراة،من الجدل الّذي هو الفتل.

و المجادلة:الملاواة،لأنّ كلاّ من المجادلين يلتوي على صاحبه،و انتصابه على التّمييز.و المعنى أنّ جدله أكثر من جدل كلّ مجادل.(4:198)

نحوه الآلوسيّ.(15:300)

ص: 162

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

قال في«التّأويلات النّجميّة»:من طبيعة الإنسان المجادلة و المخاصمة،و بها يقطعون الطّريق على أنفسهم، فتارة مع الأنبياء يجادلون لا يقبلون بالنّبوّة و الرّسالة حتّى يقاتلونهم،و تارة يجادلون في الكتب المنزلة و يقولون:ما أنزل اللّه على بشر من شيء،و تارة يجادلون في محكماتها،و تارة يجادلون في متشابهاتها،و تارة يجادلون في ناسخها و منسوخها،و تارة يجادلون في تفسيرها و تأويلها،و تارة يجادلون في أسباب نزولها، و تارة يجادلون في قراءتها،و تارة يجادلون في قدمها و حدوثها،على هذا حتّى لم يفرغوا من المجادلة إلى المجاهدة و من المخاصمة إلى المعاملة و من المنازعة إلى المطاوعة و من المناظرة إلى المواصلة،فلهذا قال تعالى:

وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً. (5:259)

القاسميّ: أي مجادلة و مخاصمة و معارضة للحقّ بالباطل.(11:4073)

المراغيّ: الجدل:المنازعة بالقول،و يراد به هنا المماراة و الخصومة بالباطل.

و خلاصة ذلك:أنّ جدل الإنسان أكثر من جدل كلّ مجادل.لما أوتيه من سعة الحيلة،و قوّة المعارضة، و اختلاف النّزعات و الأهواء،و قوّة العزيمة إلى غير حدّ، فلواتّجه إلى سبل الخير،و تاقت نفسه إلى سلوك طريقه، ارتقى إلى حظيرة الملائكة،و لو نزعت نفسه إلى اتّباع وساوس الشّيطان،انحطّ إلى الدّرك الأسفل و لحق بأنواع الحيوان،يفعل ما يشاء،غير مقيّد بوازع من الدّين، و لا زمام من العقل و صادق العزيمة.(15:165)

مغنيّة:المراد بالجدل هنا:الخصومة بالباطل، بدليل قوله تعالى في الآية التّالية: وَ يُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ الكهف:56.

أمّا القرآن الكريم فهو كتاب اللّه إلى عباده،يهديهم بدلائله و مواعظه،و يحثّهم على التّمسّك بأحكامه و تعاليمه.و قد أوضح سبحانه هذه المواعظ و الدّلائل بشتّى الأساليب،و ضرب عليها من أجل ذلك الكثير من الأمثال،منها الرّجلان المذكوران في الآية(32)، و تشبيه الحياة بالماء في الآية(45)من هذه السّورة.

و لكنّ أكثر النّاس لا يعقلون و يخاصمون في أوضح الواضحات،و يحاولون إبطال الحقّ و دحضه بالمماراة و الأكاذيب.(5:139)

الطّباطبائيّ: الجدل:الكلام على سبيل المنازعة و المشاجرة،و الآية-إلى تمام ستّ آيات-مسوقة للتّهديد بالعذاب بعد التّذكيرات السّابقة.(13:331)

عبد الكريم الخطيب :الجدل و المراء آفة الإنسان،و الحجاز الّذي يحجز عقله عن أن يميز الخبيث من الطّيّب،و يفرّق بين النّور و الظّلام وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً، فتلك هي بليّة الإنسان،و مضلّة الضّالّين،و مهلك الهالكين،من أبناء آدم.(8:635)

مكارم الشّيرازيّ: الجدل تعني محادثة الآخرين على أساس المنازعة و إظهار نزعة التّسلّط على الآخرين،و لهذا فإنّ المجادلة تعني قيام شخصين بإطالة الحديث في حالة من التّشاجر.و هذه الكلمة في الأصل مأخوذة-و كما يقول الرّاغب في«المفردات»-من جدلت الحبل،أي ربطت الحبل بقوّة،و هي كناية عن أنّ

ص: 163

الشّخص المجادل يستهدف من خلال جدله أن يحرّف الشّخص الآخر بالقوّة عن أفكاره.

البعض قال:إنّ أصل الجدال هو بمعنى المصارعة و إسقاط الآخر على الأرض،و هي تستعمل أيضا في الدّلالة على الشّجار اللّفظيّ.

في كلّ الأحوال،إنّ المقصود ب«النّاس»في الآية هم تلك الفئة الّتي لا تقوم في وجودها و ممارساتها على أصول التّربية الإسلاميّة و قواعدها.و قد أكثر القرآن في استعمال هذه التّعابير،و قد شرحنا هذه الحالة مفصّلا في نهاية الحديث،عن الآية 12:من سورة«يونس».

(9:271)

2- وَ قالُوا أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ. الزّخرف:58

ابن عبّاس: إلاّ للجدال و الخصومة.(415)

السّدّيّ: هو قول قريش لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،تزعم كلّ شيء عبد من دون اللّه في النّار،فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى و عزير و الملائكة،هؤلاء قد عبدوا من دون اللّه.(الماورديّ 5:234)

مقاتل: ما وصفوا لك ذكر عيسى إلاّ ليجادلوك به، لأنّهم قد علموا أنّ المراد بحصب جهنّم ما اتّخذوه من الموات.(الواحديّ 4:79)

نحوه القرطبيّ.(16:104)

الطّبريّ: ما مثّلوا لك هذا المثل يا محمّد،و لا قالوا لك هذا القول إلاّ جدلا و خصومة يخاصمونك به.عن أبي أمامة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلاّ أوتوا الجدل»،[ثمّ]قرأ:

ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً الآية.(25:88)

الزّجّاج: أي طلبا للمجادلة،لأنّهم قد علموا أنّ المعنى في حصب جهنّم هاهنا،أنّه يعني به الأصنام و هم.

(4:416)

نحوه ابن الجوزيّ.(7:324)

الطّوسيّ: (ما ضربوه)يعني المسيح مثلا(الاّ جدلا) أي خصومة لك و دفعا لك عن الحقّ،لأنّ المجادلة لا تكون إلاّ و أحد المجادلين مبطلا.و المناظرة قد تكون بين المحقّين،لأنّه قد يعارض ليظهر له الحقّ.

(9:210)

نحوه الطّبرسيّ.(5:53)

القشيريّ: و ذلك أنّهم قالوا:إن قال:آلهتكم خير،فقد أقرّ بأنّها معبودة،و إن قال:عيسى خير من آلهتكم،فقد أقرّ بأنّ عيسى يصلح لأنّ يعبد،و إن قال:

ليس واحد منهم خيرا،فقد نفى ذلك عن عيسى عليه السّلام.

هم راموا بهذا الكلام أن يجادلوه،و لم يكن سؤالهم للاستفادة،فكان جواب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:أنّ عيسى عليه السّلام خير من آلهتكم و لكنّه لا يستحقّ أن يعبد؛إذ ليس كلّ ما هو خير من الأصنام بمستحقّ أن يكون معبودا من دون اللّه.

و هكذا بيّن اللّه سبحانه لنبيّه أنّهم قوم جدلون،و أنّ حجّتهم داحضة عند ربّهم.(5:371)

البغويّ: خصومة بالباطل،و قد علموا أنّ المراد من قوله: وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ الأنبياء:98،هؤلاء الأصنام.(4:165)

الميبديّ: أي أنّهم قد علموا أنّك لا تريد منهم أن

ص: 164

ينزلوك منزلة المسيح،و ما قالوا هذا القول إلاّ جدلا،أي خصومة بالباطل.(9:73)

الزّمخشريّ: إلاّ لأجل الجدل و الغلبة في القول، لا لطلب الميز بين الحقّ و الباطل.(3:493)

مثله البيضاويّ(2:370)،و النّسفيّ(4:122)، و النّيسابوريّ(25:58)،و المراغيّ(25:103)، و الكاشانيّ(4:396)،و المشهديّ(9:355)،و شبّر (5:427)،و نحوه الفخر الرّازيّ(27:221).

ابن عطيّة: أي ما مثّلوا هذا التّمثيل إلاّ جدلا منهم و مغالطة،و نسوا أنّ عيسى لم يعبد برضى منه و لا عن إرادة،و لا له في ذلك ذنب.

و الجدال عند العرب:المحاورة بمغالطة أو تحقيق أو ما اتّفق من القول.إنّما المقصد به أن يغلب صاحبه في الظّاهر إلاّ أن يتطلّب الحقّ في نفسه.

[ثمّ ذكر حديث أبي أمامة المتقدّم](5:61)

نحوه أبو الفتوح الرّازيّ.(17:180)

ابن جزيّ: أي ما ضربوا لك هذا المثال إلاّ على وجه الجدل،و هو أن يقصد الإنسان أن يغلب من يناظره سواء غلبه بحقّ أو بباطل.فإنّ ابن الزّبعري و أمثاله ممّن لا يخفى عليه أنّ عيسى عليه السّلام لم يدخل في قوله تعالى:

حَصَبُ جَهَنَّمَ و لكنّهم أرادوا المغالطة.فوصفهم اللّه ب بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ. (4:31)

أبو حيّان :أي ما مثّلوا هذا التّمثيل إلاّ لأجل الجدل و الغلبة و المغالطة،لا لتمييز الحقّ و اتّباعه.

و انتصب جدلا على أنّه مفعول من أجله.و قيل:مصدر في موضع الحال.

و قرأ ابن مقسم (جدالا) بكسر الجيم و ألف.

(8:25)

نحوه أبو السّعود(6:39)،و القاسميّ(14:5279).

ابن كثير :أي مراء،و هم يعلموه أنّه ليس بوارد على الآية،لأنّها لما لا يعقل،و هي قوله تعالى: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ الأنبياء:98،ثمّ هي خطاب لقريش،و هم إنّما كانوا يعبدون الأصنام و الأنداد،و لم يكونوا يعبدون المسيح حتّى يوردوه، فتعيّن أنّ مقالتهم إنّما كانت جدلا منهم،ليسوا يعتقدون صحّتها.(6:234)

الشّربينيّ: أي خصومة بالباطل لعلمهم أنّ لفظ (ما)لغير العاقل،فلا يتناول من ذكروه.(3:569)

البروسويّ: الجدل:فتل الخصم عن قصده،لطلب صحّة قوله و إبطال غيره،و هو مأمور به على وجه الإنصاف،و إظهار الحقّ بالاتّفاق.و انتصاب(جدلا) على أنّه مفعول له للظّرف.[ثمّ نقل كلام القشيريّ و أبي السّعود](8:382)

الآلوسيّ: أي ما ضربوا لك ذلك إلاّ لأجل الجدال و الخصام لا لطلب الحقّ،فإنّه في غاية البطلان،بل هم قوم لدّ شداد الخصومة،مجبولون على المحك،أي سؤال الخلق و اللّجاج.[ثمّ نقل كلام أبي حيّان](25:93)

عزّة دروزة :و جملة ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ تدلّ على ما كان من قوّة و شدّة حجاج و لجاج نبهاء المشركين في أثناء جدالهم مع النّبيّ عليه السّلام،و في حجاجهم الّذي شرحناه في صدد عيسى مثل على ذلك،فضلا عن أمثلة عديدة من ذلك مرّت في

ص: 165

السّور السّابقة.

و لقد روى المفسّرون في سياق هذه الجملة حديثا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في صيغ مختلفة،كلّها عن أبي أمامة رضي اللّه عنه،منها حديث رواه التّرمذيّ و مسلم في سياق تفسير الجملة،جاء فيه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلاّ أوتوا الجدل»ثمّ تلا ما ضَرَبُوهُ لَكَ...

و منها حديث رواه الطّبريّ عن أبي كريب عن أحمد ابن عبد الرحمن عن عبّاد بن عبّاد عن جعفر بن القاسم عن أبي أمامة،جاء فيه:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم خرج عليهم و هم يتنازعون في القرآن،فغضب غضبا شديدا حتّى كأنّما صبّ على وجهه الخلّ،ثمّ قال:«لا تضربوا كتاب اللّه بعضه ببعض فإنّه ما ضلّ قوم قطّ إلاّ أوتوا الجدل»ثمّ تلا ما ضَرَبُوهُ لَكَ....

و المتبادر أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أراد من الجدل الّذي غضب منه و نهى عنه:ما يكون مقصودا به اللّجاج و الحجاج و العناد و التّعنّت،و أراد من تعبير«لا تضربوا كتاب اللّه بعضه ببعض»:لا تتجادلوا في آيات قد يبدو ظاهرها مناقضا لظاهر آيات أخرى جدالا يؤدّي إلى تكذيب آيات اللّه ببعضها.[ثمّ بحث حول أنّه لا اختلاف و لا تناقض في القرآن«لاحظ القرآن»](5:220)

مغنيّة:إنّ نقض المشركين عليك يا محمّد بالمسيح ما هو بقصد إحقاق الحقّ و إظهاره،كلاّ بل للتّهرّب منه بالكذب و التّمويه،و إلاّ فإنّهم على علم اليقين بأنّ المراد من وَ ما تَعْبُدُونَ أصنامهم بالذّات.(6:555)

عبد الكريم الخطيب :أي ما ضربوا هذا المثل الّذي يوقع الشّبه بينهم و بين أتباع المسيح الّذين يعبدونه من جهة،و بين آلهتهم الّتي يعبدونها،و بين المسيح من جهة أخرى،ما ضربوا هذا المثل إلاّ جدلا، أي لأجل الجدل الّذي يصرف عن الحقّ،و يعمي السّبل عنه.و هذا شأن القوم في أكثر أمورهم،فهم قوم خصمون،أي شديد و الجدل في الخصومة.(13:151)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ هؤلاء يعلمون جيّدا أنّ الّذين يردون جهنّم من آلهة هم الّذين كانوا راضين بعبادة عابديهم،كفرعون الّذي كان يدعوهم إلى عبادته،لا كالمسيح عليه السّلام الّذي كان و لا يزال رافضا لعملهم هذا،و متبرّئا منه.(16:77)

جادلوا

...وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ... المؤمن:5

ابن عبّاس: خاصموا الرّسل بالشّرك.(393)

الطّبريّ: خاصموا رسولهم بالباطل من الخصومة.

(24:43)

نحوه أبو الفتوح الرّازيّ(17:8)،و البروسويّ(8:

154).

الطّوسيّ: أي خاصموا في دفع الحقّ بباطل من القول.و في ذلك دليل على أنّ الجدال إذا كان بحقّ كان جائزا.(9:55)

الواحديّ: خاصموا رسولهم فقالوا: ما أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا يس:15،و هلاّ أرسل اللّه إلينا ملائكة؟ و أمثال هذا من القول.(4:5)

مثله الطّبرسيّ.(4:514)

ص: 166

الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال تعالى: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مع أنّ الّذين آمنوا يجادلون أيضا فيها؟هل هي منسوخة أم محكمة؟و هل فيها مجاز أم كلّها حقيقة؟و هل هي مخلوقة أم قديمة؟و غير ذلك.

قلنا:المراد:الجدال فيها بالتّكذيب و دفعها بالباطل، و الطّعن بقصد إدحاض الحقّ و إطفاء نور اللّه تعالى.

(303)

الخازن :يعني خاصموا.(6:74)

ابن كثير :أي ماحلوا بالشّبهة ليردّوا الحقّ الواضح الجليّ.(6:123)

المراغيّ: أي و خاصموا رسولهم بالباطل بإيراد الشّبهة الّتي لا حقيقة لها،كقولهم: ما أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا يس:15.(24:45)

عبد الكريم الخطيب :أي و أقبلوا بالباطل الّذي معهم ليبطلوا به الحقّ الّذي بين يدي النّبيّ،و يقيموا لهذا الباطل حججا من السّفه و الضّلال.(12:1206)

مكارم الشّيرازيّ: لجئوا إلى الكلام الباطل لأجل القضاء على الحقّ و محوه،و أصرّوا على إضلال النّاس و حرفهم عن شريعة اللّه.(15:172)

جادلوك

وَ إِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ. الحجّ:68

ابن عبّاس: خاصموك في أمر الذّبيحة و التّوحيد، لقولهم:إنّ ما ذبح اللّه أحلّ ممّا تذبحون أنتم بسكاكينكم.

(283)

نحوه الخازن.(5:22)

مجاهد: قول أهل الشّرك:أما ما ذبح اللّه بيمينه فَقُلِ.... الطّبريّ 17:199)

الطّبريّ: و إن جادلك يا محمّد هؤلاء المشركون باللّه في نسكك فقل اللّه أعلم بما تعملون و نعمل.

(17:199)

الطّوسيّ: إن جادلوك على وجه المراء و التّعنّت الّذي يعمله السّفهاء،فلا تجادلهم على هذا الوجه، و ادفعهم بهذا القول: فَقُلِ.... و هذا أدب من اللّه حسن ينبغي أن يأخذ به كلّ أحد.

(7:338)

الواحديّ: خاصموك في أمر الذّبيحة.(3:279)

مثله ابن الجوزيّ.(5:449)

الميبديّ: وَ إِنْ جادَلُوكَ بباطلهم مراء و تعنّتا فادفعهم بقولك: اَللّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ من التّكذيب و الكفر.

فإن قيل:كيف وجّه الجمع بين هذه الآية و بين قوله: وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:125؟

قلنا:إنّهم كانوا يجادلون مجادلة شغب و تعنّت،و كان ذلك يزري بالنّبيّ.فيبيّن بهذه الآية أنّه لا يجوز مجادلة المتعنّت المتعسّف،و بيّن بتلك الآية جواز مجادلة المسترشد المستمع.(6:400)

الزّمخشريّ: أي و إن أبوا للجاجهم إلاّ المجادلة بعد اجتهادك أن لا يكون بينك و بينهم تنازع فادفعهم بأنّ اللّه أعلم بأعمالكم.(3:21)

مثله أبو حيّان.(6:388)

ابن عطيّة: الآية موادعة محضة نسختها آية

ص: 167

السّيف،و باقي الآية وعيد.(4:132)

نحوه ابن جزيّ.(3:46)

الطّبرسيّ: أي إن خاصموك في أمر الذّبيحة فقل:

اللّه أعلم بتكذيبكم،فهو يجازيكم به،و هذا قبل الأمر بالقتال.

و قيل:معناه و إن جادلوك على سبيل المراء و التّعنّت بعد لزوم الحجّة فلا تجادلهم على هذا الوجه،و ادفعهم بهذا القول.

و قيل:معناه و إن نازعوك في نسخ الشّريعة فحاكمهم إلى اللّه.(4:94)

الفخر الرّازيّ: و المعنى:فإن عدلوا عن النّظر في هذه الأدلّة إلى طريقة المراء و التّمسّك بالعادة،فقد بيّنت و أظهرت ما يلزمك فَقُلِ اللّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ.

(23:65)

القرطبيّ: أي خاصموك يا محمّد،يريد مشركي مكّة.(12:94)

نحوه طه الدّرّة.(9:255)

النّسفيّ: مراء و تعنّتا،كما يفعله السّفهاء بعد اجتهادك أن لا يكون بينك و بينهم تنازع و جدال.

(3:110)

الشّربينيّ: أي في أمر الدّين بعد أن ظهر الحقّ و لزمت الحجّة.(2:564)

مثله الآلوسيّ.(17:197)

البروسويّ: و خاصموك بعد ظهور الحقّ و لزوم الحجّة.و أصله من:جدلت الحبل،أي حكمت فتله، فكأنّ المجادلين يفتل كلّ واحد منهما الآخر عن رأيه.(6:58)

المراغيّ: أي و إن جادلك هؤلاء المشركون في نسكك بعد أن ظهر الحقّ و لزمتهم الحجّة،فقل لهم على سبيل التّهديد و الوعيد:اللّه عليم بما تعملون و بما أعمل، و مجاز كلاّ بما هو له أهل.(17:140)

الطّباطبائيّ: سياق الآية يؤيّد أنّ المراد بهذا الجدال:المجادلة و المراء،في أمر اختلاف منسكه صلّى اللّه عليه و سلّم مع الشّرائع السّابقة،بعد الاحتجاج عليه بنسخ الشّرائع، و قد أمر صلّى اللّه عليه و سلّم بإرجاعهم إلى حكم اللّه،من غير أن يشتغل بالمجادلة معهم بمثل ما يجادلون.

و قيل:المراد بقوله: إِنْ جادَلُوكَ مطلق الجدال في أمر الدّين.و قيل:الجدال في أمر الذّبيحة،و السّياق السّابق لا يساعد عليه.(14:406)

عبد الكريم الخطيب :هو تأكيد للأمر الّذي أمر به النّبيّ بالدّعوة إلى ربّه،بالكتاب المستقيم الّذي معه؛ دون التفات إلى ما في أيدي أهل الكتاب،و دون استماع لما يلقون إليه من مسائل،يريدون بها إثارة الجدل و بعث الشّكوك عند المنافقين،و من في قلوبهم مرض.

(9:1094)

جادلتنا-جدالنا

قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ. هود:32

ابن عبّاس: خاصمتنا و دعوتنا إلى دين غير دين آبائنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا خصومتنا و دعاءنا.(184)

مجاهد :ماريتنا.(الطّبريّ 12:31)

ص: 168

الكلبيّ: دعوتنا.(أبو حيّان 5:218)

الأخفش: قال بعضهم:(جدلنا)و هما لغتان.

(2:576)

الطّبريّ: قد خاصمتنا،فأكثرت خصومتنا.

(12:31)

نحوه الخازن.(3:187)

الزّجّاج: و يقرأ (فاكثرت جدلنا) .و الجدل و الجدال:المبالغة في الخصومة و المناظرة،و هو مأخوذ من «الجدل»و هو شدّة الفتل.و الصّقر يقال له:أجدل،لأنّه من أشدّ الطّير.(3:49)

الطّوسيّ: أي خاصمتنا و حاججتنا فأكثرت مجادلتنا،و روي: (فاكثرت جدلنا) ،و المعنى واحد.

و في الآية دلالة على حسن الجدال في الدّين،لأنّه لو لم يكن حسنا لما استعمله نوح مع قومه،لأنّ الأنبياء لا يفعلون إلاّ ما يحسن فعله.(5:546)

الواحديّ: خاصمتنا في الدّين.(2:571)

البغويّ: خاصمتنا.(2:446)

مثله النّسفيّ(2:186)،و الكاشانيّ(2:441)، و طنطاوي(6:151).

الميبديّ: أي بالغت في خصومتنا،و معنى الجدال:فتل الخصم عن رأيه بالحجاج.(4:378)

الزّمخشريّ: معناه:أردت جدالنا و شرعت فيه فأكثرته،كقولك:جاد فلان فأكثر و أطاب.(2:267)

نحوه النّيسابوريّ.(12:23)

ابن عطيّة: معناه:قد طال منك هذا الجدال،و هو المراجعة في الحجّة و المخاصمة و المقابلة بالأقوال حتّى تقع الغلبة،و هو مأخوذ من«الجدل»و هو شدّة الفتل، و منه:حبل مجدول،أي ممرّ،و منه قيل للصّقر:أجدل، لشدّة بنيته و فتل أعضائه.

و الجدال«فعال»مصدر(فاعل)و هو يقع من اثنين، و مصدر فاعل يجيء على:فعال و فيعال و مفاعلة، فتركت الياء من«فيعال»و رفضت.

و من الجدال ما هو محمود،و ذلك إذا كان مع كافر حربيّ في منعته،و يطمع في الجدال أن يهتدي،و من ذلك هذه الآية،و منه وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:

125،إلى غير ذلك من الأمثلة.

و من الجدال ما هو مكروه،و هو ما يقع بين المسلمين بعضهم في بعض،في طلب علل الشّرائع،و تصوّر ما يخبر الشّرع به من قدرة اللّه.و قد نهى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عن ذلك،و كرهه العلماء،و اللّه المستعان.

و قرأ ابن عبّاس (قد جادلتنا فاكثرت جدلنا) بغير ألف،و بفتح الجيم،ذكره أبو حاتم.(3:166)

الطّبرسيّ: قَدْ جادَلْتَنا أي خاصمتنا و حاججتنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا أي زدت في مجادلتنا على مقدار الكفاية.و في بعض الرّوايات عن ابن عبّاس (فاكثرت جدلنا)و المعنى واحد.(3:157)

نحوه شبّر.(3:213)

الفخر الرّازيّ: هذا يدلّ على أنّه عليه السّلام كان قد أكثر في الجدال معهم،و ذلك الجدال ما كان إلاّ في إثبات التّوحيد و النّبوّة و المعاد.و هذا يدلّ على أنّ«الجدال»في تقرير الدّلائل و في إزالة الشّبهات حرفة الأنبياء،و على أنّ التّقليد و الجهل و الإصرار على الباطل حرفة

ص: 169

الكفّار.(17:218)

نحوه القرطبيّ(9:27)،و الشّربينيّ(2:54).

العكبريّ: قَدْ جادَلْتَنا الجمهور على إثبات الألف،و كذلك(جدالنا)،و قرئ (جدلتنا فاكثرت جدلنا) بغير ألف فيهما،و هو بمعنى غلبتنا بالجدل.

(2:696)

البيضاويّ: خاصمتنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا:

فأطلته،أو أتيت بأنواعه.(1:467)

مثله المشهديّ(4:464)،نحوه البروسويّ(4:

120).

ابن جزيّ: الجدال هو المخاصمة و المراجعة في الحجّة.(2:104)

أبو حيّان :(قد جادلتنا)الظّاهر المبالغة في الخصومة و المناظرة.و قيل:و عظتنا،و قيل:أتيت بأنواع الجدال و فنونه فما صحّ دعواك.[إلى أن قال:]

و إنّما كثرت مجادلته لهم،لأنّه أقام فيهم ما أخبر اللّه به ألف سنة إلاّ خمسين عاما،و هو كلّ وقت يدعوهم إلى اللّه و هم يجيبونه بعبادتهم أصنامهم.(5:218)

ابن كثير :أي حاججتنا فأكثرت من ذلك و نحن لا نتّبعك.(3:549)

أبو السّعود :[مثل البيضاويّ و أضاف:]فإنّ إكثار الجدال يتحقّق بعد وقوع أصله،فلذلك عطف عليه بالفاء.أو أردت ذلك فأكثرته.(3:308)

الآلوسيّ: أي خاصمتنا و نازعتنا[إلى أن قال:]

فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا عطف على ما قبله،على معنى شرعت في جدالنا فأطلته،أو أتيت بنوع من أنواع الجدال فأعقبه بأنواع أخر.فالفاء على ظاهرها، و لا حاجة إلى تأويل(جادلتنا):ب«أردت جدالنا»-كما قاله الجمهور-في فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ النّحل:98،و نظير ذلك:جادل فلان فأكثر،و جعل بعضهم مجموع ذلك كناية عن التّمادي و الاستمرار.

و قرأ ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما (جدلنا) و هو-كما قال ابن جنّيّ-اسم بمعنى الجدال.(12:45)

المراغيّ: قد حاججتنا فأكثرت جدالنا و استقصيت فيه،فلم تدع حجّة إلاّ ذكرتها حتّى مللنا و سئمنا،و لم يبق لدينا شيء نقوله،كما قال في سورة نوح:5،حكاية عنه: قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَ نَهاراً.... (12:31)

طه الدّرّة: [نحو ابن عطيّة و أضاف:]

و قرئ (جدلنا) .و الجدل في الدّين محمود،و لهذا جادل نوح و الأنبياء أقوامهم حتّى يظهر الحقّ،فمن قبله نجح و أفلح،و من ردّه خاب و خسر.

و أمّا الجدال لغير الحقّ حتّى يظهر الباطل في صورة الحقّ فمذموم،و صاحبه في الدّارين ملوم.

و قد يسمّى الجدال مماراة كما في الآية(23)من سورة الكهف.(6:278)

جادلتم-يجادل

ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ... النّساء:109

ابن عبّاس: خاصمتم عنهم فَمَنْ يُجادِلُ اللّهَ يخاصم اللّه عنهم.(79)

ص: 170

نحوه الواحديّ(2:113)،و البغويّ(1:699)، و الميبديّ(2:675).

إنّ نفرا من الأنصار غزوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في بعض غزواته،فسرقت درع لأحدهم،فأظنّ بها رجل من الأنصار،فأتى صاحب الدّرع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال:إنّ طعمة بن أبيرق سرق درعي.فلمّا رأى السّارق ذلك عمد إليها فألقاها في بيت رجل بريء،و قال لنفر من عشيرته:إنّي غيّبت الدّرع و ألقيتها في بيت فلان و ستوجد عنده.فانطلقوا إلى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ليلا،فقالوا:

يا نبيّ اللّه إنّ صاحبنا بريء و إنّ صاحب الدّرع فلان، و قد أحطنا بذلك علما،فأعذر صاحبنا على رءوس النّاس،و جادل عنه،فإنّه إن لم يعصمه اللّه بك يهلك.

فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فبرّأه و عذّره على رءوس النّاس، فأنزل اللّه: إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً*...

وَ لا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ... النّساء:

105-107.(ابن كثير 2:385)

الطّبريّ: ها أنتم الّذين جادلتم يا معشر من جادل، عن بني أبيرق في الحياة الدّنيا.و الهاء و الميم في قوله:

(عنهم)من ذكر الخائنين. فَمَنْ يُجادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يقول:فمن ذا يخاصم اللّه عنهم يوم القيامة،أي يوم يقوم النّاس من قبورهم لمحشرهم،فيدافع عنهم،ما اللّه فاعل بهم،و معاقبهم به.

و إنّما يعني بذلك أنّكم أيّها المدافعون عن هؤلاء الخائنين أنفسهم،و إن دافعتم عنهم في عاجل الدّنيا، فإنّهم سيصيرون في آجل الآخرة إلى من لا يدافع عنهم عنده أحد،فيما يحلّ بهم من أليم العذاب،و نكال العقاب.

(5:272)

نحوه الطّوسيّ.(3:320)

الزّجّاج: يعني به من احتجّ عن هذا السّارق فَمَنْ يُجادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أي في اليوم الّذي يؤخذ فيه بالحقائق،و أمر الدّنيا يقوم بالشّهادات في الحقوق.

و جائز أن تكون الشّهادة غير حقيقة،فكأنّه-و اللّه أعلم-قيل لهم:إن يقم الجدال في الدّنيا و التّغييب عن أمر هذا السّارق،فيوم القيامة لا ينفع فيه جدال و لا شهادة.(2:102)

القشيريّ: أي ندفع عنهم-بحرمتك-لأنّك فيهم، فكيف حالهم يوم القيامة،إذ زالت عنهم بركاتكم أيّها المؤمنون؟!(2:55)

الزّمخشريّ: هبوا أنّكم خاصمتم عن طعمة و قومه في الدّنيا،فمن يخاصم عنهم في الآخرة إذا أخذهم اللّه بعذابه.(1:562)

نحوه أبو الفتوح(6:106)،و الفخر الرّازيّ(11:

36)،و النّيسابوريّ(5:140)،و الخازن(1:495)، و أبو السّعود(2:194)،و البروسويّ(2:280)، و الآلوسيّ(5:141)،و القاسميّ(5:1539).

و مثله النّسفيّ(1:250)،و طنطاوي(3:78).

ابن عطيّة: المجادلة:المدافعة بالقول،و هي من فتل الكلام وليّه؛إذ الجدل:الفتل،و قوله تعالى: فَمَنْ يُجادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وعيد محض،أي إنّ اللّه يعلم حقيقة الأمر فلا يمكن أن يلبس عليه بجدال و لا غيره،كما فعلتم بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إذ هو بشر يقضي على نحو

ص: 171

ما يسمع.(2:110)

الطّبرسيّ: أي خاصمتم و دافعتم(عنهم)عن الخائنين.

فَمَنْ يُجادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ استفهام يراد به النّفي،لأنّه في معنى التّقريع و التّوبيخ،أي لا مجادل عنهم و لا شاهد على براءتهم بين يدي اللّه يوم القيامة.

و في هذه الآية النّهي عن الدّفع عن الظّالم و المجادلة عنه.

(2:107)

أبو حيّان :الخطاب للّذين يتعصّبون لأهل الرّيب و المعاصي،و يندرج في هذا العموم أهل النّازلة.و الأظهر أن يكون ذلك خطابا للمتعصّبين في قصّة طعمة، و يندرج فيه من عمل عملهم،و يقوّي ذلك أنّ(هؤلاء) إشارة إلى حاضرين.و قرأ عبد اللّه(عنه)في الموضعين، أي عن طعمة.

و في قوله: فَمَنْ يُجادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ و عيد محض،أي أنّ اللّه يعلم حقيقة الأمر فلا يمكن أن يلبس عليه بجدال و لا غيره.و معنى هذا الاستفهام النّفي،أي لا أحد يجادل اللّه عنهم يوم القيامة إذا حلّ بهم عذابه.(3:345)

ابن كثير :أي هب أنّ هؤلاء انتصروا في الدّنيا بما أبدوه أو أبدي لهم عند الحكّام الّذين يحكمون بالظّاهر و هم متعبّدون بذلك،فما ذا يكون صنيعهم يوم القيامة بين يدي اللّه تعالى الّذي يعلم السّرّ و ما أخفى؟(2:388)

المراغيّ: أي يا هؤلاء أنتم جادلتم عنهم،و حاولتم تبرئتهم في الحياة الدّنيا،فمن يجادل اللّه عنهم يوم القيامة،يوم يكون الخصم و الحاكم هو اللّه تعالى المحيط بأعمالهم و احوالهم و احوال الخلق كافّة؟

أي فلا يمكن أن يجادل هناك أحد عنهم،و لا أن يكون وكيلا بالخصومة لهم،فعلى المؤمنين أن يراقبوا اللّه تعالى في مثل ذلك،و لا يظنّوا أنّ من أمكنه أن ينال الفوز و الحكم له و أخذه من قضاة الدّنيا بغير الحقّ،يمكنه أن يظفر به في الآخرة يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ الانفطار:19.

في الآية إيماء إلى أنّ حكم الحاكم في الدّنيا لا يجيز للمحكوم له أن يأخذ به إذا علم أنّه حكم له بغير حقّه، كما أنّ فيها توبيخا و تقريعا لأولئك الّذين أرادوا مساعدة بني أبيرق على اليهوديّ.(5:150)

الطّباطبائيّ: بيان لعدم الجدوى في الجدال عنهم، و أنّهم لا ينتفعون بذلك في صورة الاستفهام،و المراد أنّ الجدال عنهم لو نفعهم فإنّما ينفعهم في الحياة الدّنيا، و لا قدر لها عند اللّه.و أمّا الحياة الأخرويّة الّتي لها عظيم القدر عند اللّه،أو ظرف الدّفاع فيها يوم القيامة، فلا مدافع هناك عن الخائنين،و لا مجادل عنهم.بل لا وكيل يومئذ يتكفّل تدبير أمورهم و إصلاح شئونهم.

(5:74)

عبد الكريم الخطيب :هو استدعاء لأولئك الّذين يتولّون الظّالمين،و يمكنون لهم من إمضاء مكرهم السّيّئ، و تغطية ما ينكشف عنه،و ذلك بالدّفاع عنهم،و تبرير أعمالهم المنكرة،و التماس التّأويلات الكاذبة لها.

فهؤلاء الّذين يقومون وراء الظّالمين هم شركاء لهم في هذا الجرم،و هم مدعوّون إلى ساحة المحاكمة و القصاص بين يدي أحكم الحاكمين.و في هذا الموقف تخرس ألسنة هؤلاء الأولياء المدافعين عن الظّلم

ص: 172

و الظّالمين،و يتعرّى أولئك الظّالمون من كلّ قوّة تدفع عنهم سوء ما عملوا.(3:891)

مكارم الشّيرازيّ: بعد ذلك تتوجّه الآية بالحديث عن شخص السّارق الّذي تمّ الدّفاع عنه،و تقول بأنّه على فرض أن يتمّ الدّفاع عن هؤلاء في الدّنيا فمن يستطيع الدّفاع عنهم يوم القيامة،أو من يقدر أن يكون لهؤلاء وكيلا ليرتّب أعمالهم و يحلّ مشاكلهم؟!حيث تقول الآية: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً. و لذلك فإنّ الدّفاع عن هؤلاء الخونة في الدّنيا ليس له أثر إلاّ القليل،لأنّهم سوف لا يجدون أبدا من يدافع عنهم أمام اللّه،في الحياة الآخرة الخالدة.

و الحقيقة هي أنّ الآيات الثّلاث الأخيرة تحمل في البداية إرشادات إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و إلى كلّ قاض يريد أن يحكم بالحقّ،بأن ينتبهوا حتّى يفوّتوا الفرصة على أولئك الّذين يريدون انتهاك حقوق الآخرين،عبر وسائل مصطنعة و شهود مزوّرين.بعد ذلك تحذّر الآية الخائنين و من يدافع عنهم،بأن ينتظروا عواقب سيّئة لأعمالهم في هذه الدّنيا و في الآخرة أيضا.

و في تلك الآيات سرّ من أسرار البلاغة القرآنيّة؛ حيث إنّها أحاطت جميع جوانب القضيّة،و أعطت الإرشادات و التّحذيرات اللاّزمة في كلّ مورد،مع أنّ موضوع القضيّة يبدو موضوعا صغيرا بحسب الظّاهر؛إذ يدور حول درع مسروقة أو موادّ غذائيّة،أو يهوديّ من أعداء الإسلام.

و قد تناولت الآية أيضا الإشارة إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم الّذي يعتبر إنسانا معصوما عن الخطإ،كما أشارت إلى الأفراد الّذين يحترفون الخيانة،أو الّذين يدافعون عن الخائنين اندفاعا وراء عصبيّات قبليّة،إشارات تتناسب و منزلة الأشخاص المشار إليهم،في الآيات المذكورة.

(3:385)

يجادل
اشارة

1- ...وَ يُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ... الكهف:56

ابن عبّاس: و يخاصم.(249)

الطّبريّ: و يخاصم الّذين كذّبوا باللّه و رسوله بالباطل،و ذلك كقولهم للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:أخبرنا عن حديث فتية ذهبوا في أوّل الدّهر لم يدر ما شأنهم،و عن الرّجل الّذي بلغ مشارق الأرض و مغاربها،و عن الرّوح، و ما أشبه ذلك،ممّا كانوا يخاصمونه به،يبتغون إسقاطه، تعنيتا له صلّى اللّه عليه و سلّم.(15:267)

نحوه المراغيّ.(15:167)

الطّوسيّ: أي يناظر الكفّار دفعا عن مذاهبهم بالباطل.و ذلك أنّهم ألزموه أن يأتيهم أو يريهم العذاب على ما توعّدهم ما هو لاحق بهم،إن أقاموا على كفرهم.

(7:61)

نحوه أبو الفتوح.(12:371)

الواحديّ: جدالهم بالباطل:أنّهم ألزموه أن يأتي بالآيات على أهوائهم،على ما كانوا يقترحون.

(3:154)

نحوه ابن الجوزيّ.(5:159)

ص: 173

الزّمخشريّ: و جدالهم:قولهم للرّسل: ما أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا يس:15، وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً المؤمنون:24،و ما أشبه ذلك.(2:489)

مثله أبو حيّان(6:139)،و نحوه النّسفيّ(3:17)، و الخازن(4:177).

الطّبرسيّ: أي و يناظر الكفّار دفعا عن مذاهبهم بالباطل.(3:477)

القرطبيّ: كانوا يجادلون في الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،فيقولون:

ساحر و مجنون و شاعر و كاهن،كما تقدّم.(11:6)

البيضاويّ: باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات، و السّؤال عن قصّة أصحاب الكهف و نحوها تعنّتا.

(2:17)

مثله أبو السّعود(4:198)،و المشهديّ(6:72).

الشّربينيّ: أي يجدّدون الجدال كلّما أتاهم أمر من قبلنا.(2:387)

الكاشانيّ: مثل قولهم للأنبياء: ما أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا يس:15، وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً المؤمنون:24،و اقتراحهم الآيات بعد ظهور المعجزات إلى غير ذلك.(3:247)

الآلوسيّ: [نحو الكاشانيّ و أضاف:]

و تقييد الجدال بالباطل لبيان المذموم منه،فإنّه-كما مرّ غير بعيد-عامّ لغة،لا خاصّ بالباطل،ليحمل ما ذكر على التّجريد.و المراد به هنا معناه اللّغويّ،و ما يطلق عليه اصطلاحا ممّا يصدق عليه ذلك.(15:302)

طنطاوي: [نحو البيضاويّ و أضاف:]

مع أنّ الأنبياء لم يرسلوا لهذا،أي لم يرسلوا للبحث عن غرائب التّاريخ و لا غيرها.و لكنّهم جاءوا ليدرّبوا النّاس على العلم من طرقه،و طرقه هي النّظر في الّذي فوق هذه الأرض من عجائب،فليدرسوها و لا يتّخذوها للشّهوات فحسب،ثمّ ليتزوّدوا من الدّنيا ليسافروا إلى الآخرة.هذا هو المقصود و قد تقدّم ذلك، فهؤلاء الكافرون يجادلون بالباطل.(9:134)

مغنيّة:أوضح اللّه الحقّ،و أثبته بالبيّنات و الدّلائل،و لكنّ الّذين كفروا خاصموه و جادلوا فيه، و حاولوا إبطاله و دحضه بالمماراة و الأكاذيب،و بالهزء و السّخريّة.(5:140)

عبد الكريم الخطيب :بيان لموقف المعاندين الضّالّين،من دعوة الرّسل،و أنّهم يلقون رسالة اللّه، و دعوة الرّسل بالمراء و الجدل،و ليس بين أيديهم في هذا الجدل إلاّ الباطل،يرمون به في وجه الحقّ،يريدون به أن يدحضوه،أي يوقعوه و يهزموه.(8:637)

مكارم الشّيرازيّ: و من أجل طمأنة الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم في مقابل صلافة و عناد أمثال هؤلاء،تقول الآية:

وَ ما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ الكهف:56.

ثمّ تقول الآية:إنّ هذه القضيّة ليست جديدة،بل إنّ من واقع هؤلاء الأشخاص المعارضة و الاستهزاء بآيات اللّه: وَ يُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَ اتَّخَذُوا آياتِي وَ ما أُنْذِرُوا هُزُواً.

و في الحقيقة أنّ هذه الآية تشبه الآيات(42-45) من سورة الحجّ الّتي تقول: وَ إِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ عادٌ وَ ثَمُودُ... إلى آخر الآيات.

ص: 174

و يحتمل في تفسير الآية أنّ اللّه تبارك و تعالى يريد أن يقول:إنّ عمل الأنبياء لا يقوم على الإجبار و الإكراه، بل إنّ مسئوليّتهم التّبشير و الإنذار،و القرار النّهائيّ مرتبط بنفس النّاس،حتّى يفكّروا بعواقب الكفر و الإيمان معا،حتّى يؤمنوا عن تصميم و إرادة و بيّنة،لا أن يلجئوا إلى الإيمان الاضطراريّ عند نزول العذاب الإلهيّ.

لكن،مع الأسف أن يساء استخدام هذه الحرّيّة و الاختيار،و الّذي هو وسيلة لتكامل الإنسان و رقيّه، عند ما يقوم أنصار الباطل بالجدال في مقابل أنصار الحقّ؛ إذ يريدون القضاء على الحقّ عن طريق الاستهزاء أو المغالطة.و لكن هناك قلوبا مستعدّة لقبول الحقّ دوما و التّسليم له،و إنّ هذا الصّراع بين الحقّ و الباطل كان و سيبقى على مدى الحياة.(9:272)

2- وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ. الحجّ:3

ابن عبّاس: النّضر بن الحارث يخاصم في دين اللّه و كتابه.(277)

نحوه سهل بن عبد اللّه.(الماورديّ 4:6)

يريد الوليد و عتبة بن ربيعة.(الواحديّ 3:258)

أنّها نزلت في النّضر بن الحارث،كان يكذّب بالقرآن،و يزعم أنّه أساطير الأوّلين،و يقول:ما يأتيكم به محمّد كما كنت أحدّثكم به عن القرون الماضية.

(الفخر الرّازيّ 23:5)

ابن جريج: نزلت في النّضر بن الحارث،و أبيّ بن خلف.(ابن عطيّة 4:107)

مقاتل: أنّه[النّضر بن الحارث]زعم أنّ الملائكة بنات اللّه.(ابن الجوزيّ 5:405)

أبو سليمان الدّمشقيّ: أنّه[النّضر بن الحارث] قال:لا يقدر اللّه على إحياء الموتى.

(ابن الجوزيّ 5:405)

الطّبريّ: من يخاصم في اللّه،فيزعم أنّ اللّه غير قادر على إحياء من قد بلي و صار ترابا،بغير علم منه، بل بجهل منه بما يقول.(17:115)

نحوه القاسميّ.(12:4323)

الماورديّ: فيه قولان:أحدهما:قول سهل بن عبد اللّه[و قد تقدّم].الثّاني:أن يرد النّصّ بالقياس.

(4:6)

الطّوسيّ: أي يخاصم في اللّه فيما يدعوهم إليه من توحيد اللّه،و نفي الشّرك عنه،بغير علم منه بل للجهل المحض.[إلى أن قال:]

و ذلك يدلّ على أنّ المجادل في نصرة الباطل مذموم، و أنّ من جادل بعلم و وضع الحجّة موضعها بخلافه.

(7:290)

نحوه الطّبرسيّ.(4:71)

القشيريّ: المجادلة للّه مع أعداء الحقّ و جاحدي الدّين.من موجبات القربة،و المجادلة في اللّه،و المماراة مع أوليائه،و الإصرار على الباطل بعد ظهور الدّلائل من أمارات الشّقوة،و ما كان بوساوس الشّيطان و نزغاته فقصاراه النّار.(4:201)

الواحديّ: قال المفسّرون:نزلت في النّضر بن الحارث،كان كثير الجدال،و كان ينكر أنّ اللّه قادر على

ص: 175

إحياء من بلي.[إلى أن قال:]

و المعنى أنّه يخاصم في قدرة اللّه،و يزعم أنّه غير قادر على البعث بغير علم في ذلك.(3:258)

نحوه القرطبيّ.(12:5)

البغويّ: نزلت في النّضر بن الحارث،و كان كثير الجدل،و كان يقول:الملائكة بنات اللّه،و القرآن أساطير الأوّلين،و كان ينكر البعث و إحياء من صار ترابا.

(3:324)

مثله أبو الفتوح(13:298)،و البيضاويّ(2:85)، و النّسفيّ(3:93)،و الخازن(5:3)،و الكاشانيّ(3:

362)،و المشهديّ(6:461)،و طه الدّرّة(9:148، و نحوه الميبديّ(6:331).

الزّمخشريّ: [نحو البغويّ و أضاف:]

و هي عامّة في كلّ من تعاطى الجدال فيما يجوز على اللّه،و ما لا يجوز من الصّفات و الأفعال،و لا يرجع إلى علم و لا يعضّ فيه بضرس قاطع،و ليس فيه اتّباع للبرهان و لا نزول على النّصفة،فهو يخبط خبط عشواء، غير فارق بين الحقّ و الباطل.(3:5)

نحوه ابن عطيّة(4:107)،و أبو حيّان(6:351)، و أبو السّعود(4:366)،و البروسويّ(6:4)،و الآلوسيّ (17:114)،و المراغيّ(17:85،86).

الفخر الرّازيّ: في قوله: وَ مِنَ النّاسِ وجهان:

الأوّل:أنّهم الّذين ينكرون البعث،و يدلّ عليه قوله: أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ... يس:

77،و أيضا فإنّ ما قبل هذه الآية وصف البعث و ما بعدها في الدّلالة على البعث،فوجب أن يكون المراد من هذه المجادلة هو المجادلة في البعث.

الثّاني:أنّها نزلت في النّضر بن الحارث.[إلى أن قال:]

المسألة الثّانية:هذه الآية بمفهومها تدلّ على جواز المجادلة الحقّة،لأنّ تخصيص المجادلة مع عدم العلم بالدّلائل يدلّ على أنّ المجادلة مع العلم جائزة،فالمجادلة الباطلة هي المراد من قوله: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً الزّخرف:58،و المجادلة الحقّة هي المراد من قوله:

وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:125.(23:5)

النّيسابوريّ: ثمّ أراد أن يحتجّ على منكري البعث،فقدّم لذلك مقدّمة تشمل أهل الجدال كلّهم، فقال: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ نظيره وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ البقرة:8،و قد مرّ إعرابه في أوّل البقرة.

و معنى(فى اللّه)في شأن اللّه،و فيما يجوز عليه و ما لا يجوز من الصّفات و الأفعال،و يفهم من قوله:(بغير علم)أنّ المعارف كلّها ليست ضروريّة،و أنّ المذموم من الجدال هو هذا القسم،و أمّا الجدال الصّادر عن العلم و التّحقيق فمحمود،مأمور به في قوله: وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:125.(17:77)

ابن جزيّ: نزلت في النّضر بن الحارث،و قيل:في أبي جهل،و هي تتناول كلّ من اتّصف بذلك.(3:35)

ابن كثير :يقول تعالى ذامّا لمن كذّب بالبعث و أنكر قدرة اللّه على إحياء الموتى،معرضا عمّا أنزل اللّه على أنبيائه،متّبعا في قوله و إنكاره و كفره كلّ شيطان مريد من الإنس و الجنّ.و هذا حال أهل البدع و الضّلال المعرضين عن الحقّ المتّبعين للباطل،يتركون ما أنزله اللّه

ص: 176

على رسوله من الحقّ المبين،و يتّبعون أقوال رءوس الضّلالة الدّعاة إلى البدع بالأهواء و الآراء،و لهذا قال في شأنهم و أشباههم: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، أي علم صحيح.(4:613)

الشّربينيّ: وَ مِنَ النّاسِ أي المذبذبين مِنَ لا يسعى في إعلاء نفسه و تهذيبها فيكذّب،فيؤبق بسوء عمله،لأنّه يُجادِلُ فِي اللّهِ أي في قدرته على ذلك اليوم و في غير ذلك،بعد أن جاءه العلم بها اجتراء على سلطانه العظيم.(2:537)

عزّة دروزة :و في هاتين الآيتين[الحجّ 3 و 4] إشارة تنديديّة إلى الّذين يجادلون في وجود اللّه و ربوبيّة الشّاملة،و استحقاقه وحده للعبادة بغير علم و لا برهان،اتّباعا لوسوسة كلّ شيطان متمرّد،يضلّ من يتّبعه عن طريق الحقّ،و يوصله إلى عذاب السّعير.

و قد روى المفسّرون أنّ الآيتين نزلتا في النّضر بن الحارث،أحد أشدّاء مجادلي كفّار قريش.و هذا الشّخص تكرّر اسمه في مناسبة كثير من المواقف الجدليّة الّتي حكتها الآيات المكّيّة.

و أسلوب الآيتين تنديديّ عامّ من جهة،و فيهما قرينة على أنّ التّنديد فيهما موجّه إلى فريق من الكفّار الّذين يسيرون في مواقفهم الجحوديّة و الجدليّة،وراء تلقين زعماء كفّار من جهة ثانية.و هما تعقيب بيانيّ على المطّلع فيما هو المتبادر من جهة ثالثة.فقد احتوى المطّلع هتافا بالنّاس ليتّقوا اللّه من اليوم العظيم،فجاءت الآيتان تذكر موقف بعض النّاس الضّالّين الّذين يجادلون في اللّه، و يستمعون إلى وساوس الشّياطين.

و فيهما على كلّ حال صورة من صور المواقف الجدليّة التّعجيزيّة الّتي لا يسندها منطق و لا حقّ و لا برهان،و الّتي كان يقفها الكفّار من الدّعوة النّبويّة، بتأثير زعماء الضّلال و المناوأة الّذين يمكن أن يكونوا قصدوا في جملة«كلّ شيطان مريد»من جهة رابعة.

و هذا لا يمنع بالطّبع أن يكون في الآيتين إشارة إلى شخص وقف موقفا جدليّا تعجيزيّا قبل نزول السّورة، فكان ذلك مناسبة لهذه الإشارة.

و لقد انطوى في الآيتين مع خصوصيّتهما الزّمنيّة تلقين قويّ مستمرّ المدى و الشّمول،بتقبيح من يتّصف بالصّفات المذكورة فيهما و تقبيح هذه الصّفات،و الحثّ على اجتنابها ممّا تكرّر في مناسبات عديدة مماثلة.

(7:75)

الطّباطبائيّ: المجادلة في اللّه بغير علم:التّكلّم فيما يرجع إليه تعالى من صفاته و أفعاله بكلام مبنيّ على الجهل بالإصرار عليه.(14:342)

مكارم الشّيرازيّ: بعد أن أعطت الآيات السّابقة صورة لرعب النّاس حين وقوع زلزلة القيامة،أبانت الآيات اللاحقة حالة أولئك الّذين نسوا اللّه،و كيف غفلوا عن مثل هذا الحدث العظيم،فقالت: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ.

نجد هؤلاء النّاس يجادلون مرّة في أساس التّوحيد و وحدانيّة الحقّ تبارك و تعالى،و في إنكار وجود شريك له.و مرّة يجادلون في قدرة اللّه على إحياء الموتى، و في البعث و النّشور،و لا دليل لهم على ما يقولون.

قال بعض المفسّرين:إنّ هذه الآية نزلت في النّضر

ص: 177

ابن الحارث الّذي كان من المشركين المعاندين،و كان يصرّ على القول بأنّ الملائكة بنات اللّه،و أنّ القرآن مجموعة من أساطير السّلف تنسب إلى اللّه،كما كان ينكر الحياة بعد الموت.

و البعض الآخر من المفسّرين يعتقد أنّ هذه الآية إشارة إلى جميع المشركين الّذين يجادلون في التّوحيد و في قدرة اللّه.

إلاّ أنّ سبب النّزول لا يمكنه أن يضيّق مفهوم هذه الآية،فهذان القولان يصبّان في معنى واحد،يشمل جميع الّذين يشتركون في جدال مع اللّه تعالى،إمّا عن تقليد أعمى،و إمّا عن عصبيّة،أو لاتّباع الخرافات أو الأهواء النّفسيّة.

ملاحظات:
1-الجدال أمام الحقّ و الباطل

رغم أنّ كلمة«المجادلة»تعني في عرف النّاس البحث غير المنطقيّ،فإنّ أصلها اللّغويّ ليس كذلك بل تعني أيّ نقاش كان،لهذا نرى القرآن يوصي النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بقوله:

وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:125،أي جادل مخالفيك بأفضل أسلوب.

2-جدال الباطل سبيل الشّيطان

يرى بعض كبار المفسّرين أنّ عبارة يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ إشارة إلى جدال المشركين الّذي يفتقد السّند و الدّليل،و عبارة وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ إشارة إلى برامج المشركين الخاطئة.

و يرى آخرون أنّ العبارة الأولى تشير إلى اعتقاداتهم الفاسدة و الخرافيّة.أمّا العبارة الثّانية فتشير إلى برامجهم الخاطئة و المنحرفة.

و بما أنّ الآية الّتي تسبق و الّتي تلي هذه الآية،تناولتا الأسس الاعتقاديّة،فلا يستبعد أنّهما تشيران إلى حقيقة واحدة،أو بتعبير آخر:تتضمّنان طرفي موضوع واحد-نفيه و اثباته-فالعبارة الأولى تقول: يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ أي يجادل في اللّه و قدرته تقليدا لأحد،أو عصبيّة،أو هوى نفس.و العبارة الثّانية تشير إلى أنّ هذا المشرك لا يتّبع العلم و المعرفة،إذن فمن الطّبيعيّ أنّه يتّبع كلّ شيطان طاغ عنيد.(10:249)

3- وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ. الحجّ:8

ابن عبّاس: يخاصم في دين اللّه و كتابه.(277)

إنّه أبو جهل بن هشام.(الزّمخشريّ 3:6)

مثله القمّيّ.(2:79)

نحوه البروسويّ.(6:9)

الطّبريّ: و من النّاس من يخاصم في توحيد اللّه و إفراده بالألوهة بغير علم منه بما يخاصم به.[إلى أن قال:]

و ذكر أنّه عني بهذه الآية و الّتي بعدها النّضر بن الحارث،من بني عبد الدّار.(17:120)

أبو مسلم:الآية الأولى[الحجّ:3]واردة في الأتباع المقلّدين،و هذه الآية واردة في المتبوعين المقلّدين،فإنّ كلا المجادلين جادل بغير علم و إن كان أحدهما تبعا و الآخر متبوعا.(الفخر الرّازيّ 23:11)

نحوه ابن كثير(4:618)،و أبو السّعود(4:370).

ص: 178

الطّوسيّ: من يخاصم و يجادل في اللّه و صفاته بغير علم بل للجهل المحض.

(وَ لا هُدىً) أي و لا حجّة، (وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ) أي و لا حجّة كتاب ظاهر.

و هذا يدلّ أيضا على أنّ الجدال بالعلم صواب، و بغير العلم خطأ،لأنّ الجدال بالعلم يدعو إلى الاعتقاد الحقّ،و بغير العلم يدعو إلى الاعتقاد الباطل،و لذلك قال تعالى: وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:125.

(7:294)

البغويّ: يعني النّضر بن الحارث.(3:325)

مثله أبو الفتوح.(13:301)،و الخازن(5:4)

الميبديّ: أي في صفاته،فيصفه بغير ما هو له.

نزلت في النّضر بن الحارث،و قيل:في أبي جهل،و قيل:

في المشركين.(6:335)

نحوه النّسفيّ.(3:94)

الزّمخشريّ: قيل:كرّر كما كرّرت سائر الأقاصيص.و قيل:الأوّل[الحجّ:3]في المقلّدين،و هذا في المقلّدين.(3:6)

نحوه النّيسابوريّ.(17:81)

ابن عطيّة: الإشارة بقوله: وَ مِنَ النّاسِ إلى القوم المتقدّم ذكرهم[في الآية الثّالثة]

و حكى النّقّاش عن محمّد بن كعب أنّه قال:نزلت الآية في الأخنس بن شريق،و كرّر هذه على جهة التّوبيخ،فكأنّه يقول:فهذه الأمثال في غاية الوضوح و البيان، وَ مِنَ النّاسِ مع ذلك مَنْ يُجادِلُ فكأنّ الواو واو الحال،و الآية المتقدّمة[الحجّ:3]الواو فيها واو عطف جملة الكلام على ما قبلها،و الآية على معنى الإخبار،و هي هاهنا مكرّرة للتّوبيخ.(4:109)

الفخر الرّازيّ: اختلفوا في أنّ المراد بقوله: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ... من هم؟على وجوه:

أحدها:[ذكر قول أبي مسلم و أضاف:]

و بيّن ذلك قوله: وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ فإنّ مثل ذلك لا يقال في المقلّد،و إنّما يقال فيمن يخاصم بناء على شبهة.

فإن قيل:كيف يصحّ ما قلتم و المقلّد لا يكون مجادلا.

قلنا:قد يجادل تصويبا لتقليده،و قد يورد الشّبهة الظّاهرة إذا تمكّن منها و إن كان معتمده الأصليّ هو التّقليد.

ثانيها:إنّ الآية الأولى[الحجّ:3]نزلت في النّضر ابن الحارث،و هذه الآية في أبي جهل.

ثالثها:إنّ هذه الآية نزلت أيضا في النّضر،و هو قول ابن عبّاس رضي اللّه عنهما،و فائدة التّكرير المبالغة في الذّمّ،و أيضا ذكر في الآية الأولى[الحجّ:3]اتّباعه للشّيطان تقليدا بغير حجّة،و في الثّانية[الحجّ:8] مجادلته في الدّين و إضلاله غيره بغير حجّة.و الوجه الأوّل أقرب لما تقدّم.

المسألة الثّانية:الآية دالّة على أنّ الجدال مع العلم و الهدى و الكتاب المنير حقّ حسن على ما مرّ تقريره.

[في الحجّ:3](23:11)

الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال تعالى في حقّ النّضر ابن الحارث: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ... لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ و هو ما كان غرضه في جداله الضّلال عن

ص: 179

سبيل اللّه،فكيف علّل جداله به و ما كان أيضا مهتديا، حتّى إذا جادل خرج بالجدال من الهدى إلى الضّلال؟

قلنا:هذه لام العاقبة و الصّيرورة،و قد سبق ذكرها غير مرّة،و لمّا كان الهدى معرضا له فتركه و أعرض عنه و أقبل على الجدال بالباطل،جعل كالخارج من الهدى إلى الضّلال.(مسائل الرّازيّ:232)

القرطبيّ: أي نيّر بيّن الحجّة.نزلت في النّضر بن الحارث،و قيل:في أبي جهل بن هشام،قاله ابن عبّاس.

و المعظم على أنّها نزلت في النّضر بن الحارث كالآية الأولى،فهما في فريق واحد.

و التّكرير للمبالغة في الذّمّ؛كما تقول للرّجل تذمّه و توبّخه:أنت فعلت هذا،أنت فعلت هذا.

و يجوز أن يكون التّكرير،لأنّه وصفه في كلّ آية بزيادة،فكأنّه قال:إنّ النّضر بن الحارث يجادل في اللّه بغير علم و يتّبع كلّ شيطان مريد،و النّضر بن الحارث يجادل في اللّه من غير علم و من غير هدى و كتاب منير، ليضلّ عن سبيل اللّه.و هو كقولك:زيد يشتمني و زيد يضربني،و هو تكرار مفيد،قاله القشيريّ.و قد قيل:

نزلت فيه بضع عشرة آية.

فالمراد بالآية الأولى:إنكاره البعث،و بالثّانية:

إنكاره النّبوّة،و أنّ القرآن منزل من جهة اللّه.

و قد قيل:كان من قول النّضر بن الحارث:أنّ الملائكة بنات اللّه،و هذا جدال في اللّه تعالى.

(من)في موضع رفع بالابتداء.و الخبر في قوله:

(وَ مِنَ النّاسِ) .(12:15)

البيضاويّ: تكرير للتّأكيد،و لما نيط به من الدّلالة بقوله: وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ على أنّه لا سند له من الاستدلال أو وحي،أو الأوّل[الحجّ:3]في المقلّدين و هذا في المقلّدين.(2:86)

نحوه شبّر.(4:228)

ابن جزيّ: نزلت فيمن نزلت فيه الأولى[الحجّ:

3].و قيل:في الأخنس بن شريق.(3:36)

أبو حيّان :[نحو القرطبيّ و نقل كلام ابن عطيّة و أضاف:]

و لا يتخيّل أنّ الواو في وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ واو حال،و على تقدير الجملة الّتي قدّرها قبله لو كان مصرّحا بها لم يتقدّر باد فلا تكون للحال،و إنّما هي للعطف،قسّم المخذولين إلى مجادل في اللّه بغير علم متّبع لشيطان مريد،و مجادل بغير علم و لا هدى و لا كتاب منير إلى آخره،و عابد ربّه على حرف.و المراد بالعلم:

العلم الضّروريّ،و بالهدى:الاستدلال و النّظر،لأنّه يهدي إلى المعرفة،و بالكتاب المنير:الوحي،أي يجادل بغير واحد من هذه الثّلاثة.(6:354)

الشّربينيّ: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ أي بغاية جهده، فِي اللّهِ أي في قدرته،و ما يجمعه هذا الاسم الشّريف من صفاته بعد هذا البيان الّذي لا مثل له و لا خفاء فيه.(2:539)

الآلوسيّ: نزلت على ما روي عن محمّد بن كعب في الأخنس بن شريق،و على ما روي عن ابن عبّاس في أبي جهل،و على ما ذهب إليه جمع في النّضر كالآية السّابقة[الحجّ:3].فإذا اتّحد المجادل في الآيتين فالتّكرار مبالغة في الذّمّ،أو لكون كلّ من الآيتين مشتملة على

ص: 180

زيادة ليست في الأخرى.[ثمّ نقل قول ابن عطيّة و قال:] «و هو كما ترى».(17:122)

القاسميّ: أي يجادل في شأنه تعالى من غير تمسّك بعلم ضروريّ،و لا باستدلال و نظر صحيح يهدي إلى المعرفة،و لا بوحي مظهر للحقّ،أي بمجرّد الرّأي و الهوى.

و هذه الآية في حال الدّعاة إلى الضّلال من رءوس الكفر المقلّدين-بفتح اللاّم-كما أنّ ما قبلها[الحجّ:3]في حال الضّلاّل الجهّال المقلّدين-بكسر اللاّم-فلا تكرار.

أو أنّهما في الدّعاة المضلّين،و اعتبر تغاير أوصافهم فيها، فلا تكرار أيضا.(12:4326)

نحوه المراغيّ.(17:91)

عزّة دروزة :في هذه الآيات إشارة تنديديّة أخرى إلى فريق آخر من النّاس يجادل و يكابر في اللّه و آياته.[إلى أن قال:]

و قد روى المفسّرون أنّ هذه الآيات نزلت في النّضر بن الحارث،و منهم من روى أنّها نزلت في أبي جهل،و منهم من روى أنّها عنتهما.

و المتبادر أنّها استمرار في السّياق،و قد احتوت صورة الفريق الّذي يصدّ غيره و يوسوس لغيره،بينما احتوت الآيتان(3،4)صورة الفريق الّذي يتّبع غيره و يتأثّر بوسوسة غيره.و أسلوبها تنديديّ كأسلوب الآيتين المذكورتين.

و هذا لا يمنع بطبيعة الحال أن تكون احتوت،إشارة إلى موقف جدليّ خاصّ وقفه أحد زعماء الكفّار قبل نزول السّورة،بل لا بدّ من أن يكون الأمر كذلك،لأنّها تنطوي على مشهد واقعيّ.

و مع خصوصيّة الآيات،فإنّها هي الأخرى تحتوي تلقينات جليلة مستمرّة المدى و عامّة الشّمول،بتقبيح المكابرة في الحقّ،و الاستكبار عليه،و صدّ النّاس عنه، و تقبيح المتّصفين بهذه الصّفات.(7:78)

الطّباطبائيّ: [نحو أبي مسلم و أضاف:]

و هو كذلك بدليل قوله هنا ذيلا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ و قوله هناك: وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ.

و الإضلال من شأن المقلّد بفتح اللاّم،و الاتّباع من شأن المقلّد بكسر اللاّم.(14:348)

مكارم الشّيرازيّ: تتحدّث هذه الآيات أيضا عمّن يجادلون في المبدإ و المعاد جدالا خاويا لا أساس له...في البداية يقول القرآن المجيد: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ....

و عبارة وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ هي ذاتها الّتي ذكرت في الآية السّابقة،و إعادتها تبيّن لنا أنّ العبارة الأولى إشارة إلى مجموعة من النّاس،و الثّانية إلى مجموعة أخرى.فبعض المفسّرين يرى أنّ الفرق بين هاتين المجموعتين من النّاس هو أنّ الآية السّابقة الذّكر دالّة على وضع الضّالّين الغافلين،في وقت تكون فيه هذه الآية دالّة على قادة هذه المجموعة الضّالّة.

و عبارة لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ تبيّن منهج هذه المجموعة،ألا و هو تضليل الآخرين،و هذا دليل واضح على الفرق بينهما،مثلما توضح هذا المعنى عبارة يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ في الآيات السّابقة الّتي تتحدّث عن اتّباع الشّياطين.(10:260)

ص: 181

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ

لقمان:20.

4- ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ. المؤمن:4

ابن عبّاس: ما يكذّب بمحمّد عليه الصّلاة و السّلام و القرآن.(393) أبو العالية :آيتان ما أشدّهما على الّذين يجادلون في القرآن: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا، و وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ البقرة:176.(البغويّ 4:104)

السّدّيّ: ما يماري فيها.(الماورديّ 5:143)

يحيى بن سلاّم:ما يجحد بها.(الماورديّ 5:143)

الطّبريّ: ما يخاصم في حجج اللّه و أدلّته على وحدانيّته بالإنكار لها،إلاّ الّذين جحدوا توحيده.

(24:42)

مثله القاسميّ.(14:5155)

الماورديّ: في الفرق بين المجادلة و المناظرة وجهان:

أحدهما:أنّ المجادلة لا تكون إلاّ بين مبطلين،أو مبطل و محقّ،و المناظرة بين محقّين.

الثّاني:أنّ المجادلة فتل الشّخص عن مذهبه محقّا أو مبطلا،و المناظرة التّوصّل إلى الحقّ في أيّ من الجهتين كان.

و قيل:إنّه أراد بذلك الحارث بن قيس السّهميّ، و كان أحد المستهزئين.(5:143)

نحوه الميبديّ.(8:449)

الطّوسيّ: معناه لا يخاصم في دفع حجج اللّه و إنكارها و جحدها إلاّ الّذين يجحدون نعم اللّه و يكفرون بآياته و أدلّته.(9:55)

نحوه الطّبرسيّ(4:514)،و أبو الفتوح(17:8)، و المشهديّ(9:94).

الواحديّ: ما يخاصم فيها بالتّكذيب و في دفعها بالباطل إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا. (4:4)

نحوه ابن الجوزيّ.(7:207)

البغويّ: في دفع آيات اللّه بالتّكذيب و الإنكار إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا. (4:104)

نحوه النّسفيّ(4:70)،و الخازن(6:73)،و طه الدّرّة(12:507).

الزّمخشريّ: سجّل على المجادلين في آيات اللّه بالكفر،و المراد:الجدال بالباطل من الطّعن فيها،و القصد إلى إدحاض الحقّ و إطفاء نور اللّه،و قد دلّ على ذلك في قوله: وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ.

فأمّا الجدال فيها لإيضاح ملتبسها و حلّ مشكلها، و مقادحة أهل العلم في استنباط معانيها،و ردّ أهل الزّيغ بها و عنها،فأعظم جهاد في سبيل اللّه.و قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ جدالا في القرآن كفر»و إيراده منكّرا،و إن لم يقل:إنّ الجدال تمييز منه بين جدال و جدال.(3:414)

نحوه القرطبيّ(15:292)،و البيضاويّ(2:330).

ابن عطيّة: يريد جدالا باطلا،لأنّ الجدال فيها يقع من المؤمنين لكن في إثباتها و شرحها.(4:546)

ص: 182

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه تعالى لمّا قرّر أنّ القرآن كتاب أنزله ليهتدى به في الدّين،ذكر أحوال من يجادل لغرض إبطاله و إخفاء أمره،فقال: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا و فيه مسائل:

المسألة الأولى:أنّ الجدال نوعان:جدال في تقرير الحقّ،و جدال في تقرير الباطل.

أمّا الجدال في تقرير الحقّ،فهو حرفة الأنبياء عليهم السّلام، قال تعالى لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم: وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:125،و قال حكاية عن الكفّار أنّهم قالوا لنوح عليه السّلام: يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا هود:32.

و أمّا الجدال في تقرير الباطل،فهو مذموم،و هو المراد بهذه الآية؛حيث قال: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا، و قال: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ الزّخرف:58،و قال: وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ المؤمن:5،و قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ جدالا في القرآن كفر».

فقوله:إنّ«جدالا»على لفظ التّنكير يدلّ على التّمييز بين جدال و جدال،و اعلم أنّ لفظ الجدال في الشّيء:مشعر بالجدال الباطل،و لفظ الجدال عن الشّيء:مشعر بالجدال لأجل تقريره و الذّبّ عنه، قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ جدالا في القرآن كفر»،و قال:«لا تماروا في القرآن فإنّ المراء فيه كفر».

المسألة الثّانية:الجدال في آيات اللّه،هو أن يقال مرّة:إنّه سحر و مرّة إنّه شعر و مرّة إنّه قول الكهنة و مرّة أساطير الأوّلين و مرّة إنّما يعلّمه بشر،و أشباه هذا ممّا كانوا يقولونه من الشّبهات الباطلة،فذكر تعالى أنّه لا يفعل هذا إلاّ الّذين كفروا و أعرضوا عن الحقّ.

(27:29)

نحوه النّيسابوريّ(24:26)،و أبو حيّان(7:449).

ابن كثير :يقول تعالى:ما يدفع الحقّ و يجادل فيه بعد البيان و ظهور البرهان إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا.

(6:123)

الشّربينيّ: أي يخاصم و يماري أي يفتل الأمور إلى مراده فِي آياتِ اللّهِ أي في إبطال أنوار الملك الأعظم، المحيط بصفات الكمال،الدّالّ كالشّمس على أنّه تعالى إليه المصير،بأن يغشّ نفسه بالشّكّ في ذلك إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا. (3:268)

أبو السّعود :أي بالطّعن فيها،و استعمال المقدّمات الباطلة لإدحاض الحقّ،كقوله تعالى: وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ. (5:407)

نحوه شبّر.(5:332)

الكاشانيّ: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّهِ بالطّعن فيها و إدحاض الحقّ، إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا.

في«الإكمال»عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«لعن المجادلون في دين اللّه على لسان سبعين نبيّا و من جادل في آيات اللّه فقد كفر»ثمّ تلا هذه الآية.

و روي عنه صلّى اللّه عليه و سلّم«أنّ جدالا في القرآن كفر».و إنّما نكّر لجواز الجدال،لحلّ عقده و استنباط حقائقه،و قطع تشبّث أهل الزّيغ به،و ردّ مطاعنهم فيه.(4:334)

البروسويّ: الجدال:المفاوضة على سبيل المنازعة و المغالبة،و أصله من جدلت الحبل:أحكمت فتله،فكأنّ

ص: 183

المتجادلين يفتل كلّ واحد الآخر عن رأيه.

و المعنى ما يخاصم في آيات اللّه بالطّعن فيها،بأن يقول في حقّها سحرا و شعرا و أساطير الأوّلين أو نحو ذلك،و باستعمال المقدّمات الباطلة لإدحاضه و إزالته و إبطاله،لقوله تعالى: وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فحمل المطلق على المقيّد،و أريد الجدال بالباطل إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بها،و أمّا الّذين آمنوا فلا يخطر ببالهم شائبة شبهة منها فضلا عن الطّعن فيها.

و أمّا الجدال فيها لحلّ مشكلاتها و استنباط حقائقها و إبطال شبه أهل الزّيغ و الضّلال،فمن أعظم الطّاعات كجهاد في سبيل اللّه،و لذلك قال عليه السّلام:«إنّ جدالا في القرآن كفر»بتنكير«جدالا»الدّالّ على التّنويع للفرق بين جدال و جدال.

و ممّا حرّره حضرة شيخي و سندي في مجموعة من مجموعات هذا الفقير في ذيل هذه الآية،قوله:فكفّار الشّريعة يجادلون في آيات القرآن الرّسميّ،فيكون جدالهم رسميّا،لكونه في الآيات الرّسميّة،فهم كفّار الرّسوم كما أنّهم كفّار الحقائق.و كفّار الحقيقة يجادلون في آيات القرآن الحقيقيّ،فيكون جدالهم حقيقيّا،لكونه في الآيات الحقيقيّة فهم كفّار الحقائق فقط لا كفّار الرّسوم.

فعليك يا ولدي الحقّيّ-سمّي الذّبيح-بترك الكفر و الجدال مطلقا حتّى تكون عند اللّه و عند النّاس مؤمنا حقّا و مسلما صدقا.(8:153)

الآلوسيّ: [نحو ما تقدّم عن الزّمخشريّ و أضاف:]

و التّحقيق كما في«الكشف»أنّ المجادلة في الشّيء تقتضي أن يكون ذلك الشّيء إمّا مشكوكا عند المجادلين أو أحدهما أو منكرا كذلك،و أيّا ما كان فهو مذموم،اللّهمّ إلاّ إذا كان من موحّد لخارج عن الملّة أو من محقّق لزائغ إلى البدعة،فهو محمود بالنّسبة إلى أحد الطّرفين.

و أمّا ما قيل:إنّ البحث فيها لإيضاح الملتبس و نحوه جدال عنها لا فيها،فإنّ الجدال يتعدّى ب«عن»إذا كان للمنع و الذّبّ عن الشّيء،و ب«في»لخلافه كما ذكره الامام،و ب«الباء»أيضا،كما في قوله تعالى: وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:125،ففيه بحث.

و في قوله تعالى: فِي آياتِ اللّهِ دون«فيه» بالضّمير العائد إلى الكتاب،دلالة على أنّ كلّ آية منه يكفي كفر المجادلة،فكيف بمن ينكره كلّه و يقول فيه ما يقول!و فيه أنّ كلّ آية منه آية أنّه من اللّه تعالى الموصوف بتلك الصّفات،فيدلّ على شدّة شكيمة المجادل في الكفر،و أنّه جادل في الواضح الّذي لا خفاء به،و ممّا ذكر يظهر اتّصال هذه الآية بما قبلها،و ارتباط قوله:

فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ بها.(24:43)

عزّة دروزة :و جملة ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا في الآية الرّابعة تضمّنت تقرير كون الّذين يجادلون في آيات اللّه و ينكرونها هم الّذين تعمّدوا العناد،و بيّتوا الكفر و المكابرة فقط؛حيث انطوى في ذلك معنى محكم يصحّ أن يزال على ضوئه إشكال ما يرد مطلقا في آيات أخرى،و انطوى فيه تبعا لذلك تحميل الكافرين مسئوليّة موقفهم الّذي يقفونه عن عمد و باطل.

و قد انطوى في هذا و ذاك في الوقت نفسه تسلية و تطمين للنّبيّ عليه السّلام،و تعنيف قارع للكفّار،و كلّ هذا ممّا

ص: 184

استهدفته الآيات.و في السّور السّابقة آيات و عبارات انطوى فيها ذلك ممّا يصحّ أن يعدّ من المبادئ القرآنيّة المحكمة.

و يلفت النّظر إلى ما بين هذه المقدّمة و بين آيات السّورة السّابقة الأخيرة من تساوق تأكيديّ في صدد غفران الذّنوب و قبول التّوبة،و تقرير كون كلمة العذاب إنّما حقّت على الكافرين المكابرين،الكاذبين على اللّه المكذّبين بآياته،ممّا يمكن أن يكون قرينة ما على صحّة ترتيب نزول هذه السّورة بعد سورة الزّمر.(5:104)

الطّباطبائيّ: لمّا ذكر تنزيل الكتاب و أشار إلى الحجّة الباهرة على حقّيّته،المستفادة من صفاته الكريمة المعدودة في الآيتين،الدّالّة على أنّه منزّل بعلمه الّذي لا يشوبه جهل،و بالحقّ الّذي لا يدحضه باطل،تعرّض لحال الّذين قابلوا حججه الحقّة بباطل جدالهم،فلوّح إلى أنّ هؤلاء أهل العقاب و ليسوا بفائتين و لا مغفولا عنهم، فإنّهم كما نزّل الكتاب ليغفر الذّنب و يقبل التّوب،كذلك نزّله ليعاقب أهل العقاب فلا يسوؤنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم جدالهم و لا يغرّنّه ما يشاهده من حالهم.

فقوله: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّهِ لم يقل:ما يجادل فيه،أي في القرآن،ليدلّ على أنّ الجدال في الحقّ الّذي تدلّ عليه الآيات بما هي آيات،على أنّ طرف جدالهم هو النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و هو داع إلى الحقّ تدلّ عليه الآيات، فجدالهم لدفع الحقّ لا للدّفاع عن الحقّ؛على أنّ الجدال في الآية التّالية مقيّدة بالباطل لإدحاض الحقّ.

فالمراد بالمجادلة في آيات اللّه هي المجادلة لإدحاضها و دفعها و هي المذمومة،و لا تشمل الجدال لإثبات الحقّ و الدّفاع عنه،كيف؟و هو سبحانه يأمر نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم بذلك إذا كان جدالا بالّتي هي أحسن،قال تعالى: وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:125.(17:305)

مكارم الشّيرازيّ: «يجادل»مشتقّة من«جدل» و هي في الأصل تعني لفّ الحبل و إحكامه،ثمّ عمّ استخدامها في الأبنية و الحديد و ما شابه،و لهذا فإنّ كلمة «مجادلة»تطلق على الّذين يقفون في قبال أحدهم الآخر؛ إذ يريد كلّ شخص أن يلقي حجّته،و يثبت كلامه، و يغلب خصمه.

و لكن ينبغي الانتباه إلى أنّ كلمة«المجادلة»لا تعتبر مذمومة دائما من وجهة اللّغة العربيّة،بل إنّها تعتبر إيجابيّة و مطلوبة إذا كانت المجادلة في طريق الحقّ، و تستند على المنطق و تهدف إلى تبيين الحقائق و إرشاد الأشخاص الجهلة،أمّا إذا كانت على أسس واهية من أسباب التّعصّب و الجهل و الغرور،و تستهدف خداع هذا و ذاك،فتكون عند ذلك مذمومة.

القرآن الكريم استخدم كلمة«المجادلة»في كلا مورديها،إذ نقرأ في الآية:«125»من سورة النّحل قوله تعالى: وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.

إلاّ أنّه في موارد أخرى،كما في الآية أعلاه و فيما بعدها،فقد وردت«المجادلة»بمعنى الذّمّ...

المجادلة في القرآن الكريم:
اشارة

لقد وردت كلمة«المجادلة»خمس مرّات في هذه السّورة المباركة،و هي جميعا تختصّ بالمجادلة السّلبيّة الباطلة،و الآيات الّتي اشتملت على ذكر المجادلة هي «4،5،35،56،69»و بهذه المناسبة لا بأس بالتّعرّض

ص: 185

إلى بحث عن«الجدال»ينطلق من وجهة النّظر القرآنيّة.

«الجدال»و«المراء»موضوعان وردا كثيرا في الآيات القرآنيّة،و في الأحاديث و الرّوايات الإسلاميّة أيضا.و كتوطئة للبحث ينبغي أوّلا أن نميّز أقسام الجدال «الجدال الإيجابيّ و الجدال السّلبيّ»و ما هو المقصود من كلّ واحد منهما،و علائم كلّ واحد منهما،و أخيرا أضرار «الجدال السّلبيّ»و العوامل الّتي تقود إلى الغلبة في «الجدال الإيجابيّ».

و في هذا الصّدد أمامنا النّقاط و العناوين الآتية:

أ-مفهوم«جدال»و«مراء»

الجدال و المراء و الخصام ثلاث كلمات متقاربة من حيث المعنى،في نفس الوقت الّذي يوجد ثمّة اختلاف بينها.

فالجدال يعني في الأصل اللّغويّ:لفّ الحبل،ثمّ أخذ يطلق بعد ذلك على الطّرف المقابل،و على الكلام الّذي يقال لأجل الغلبة.

«مراء»على وزن«حجاب»و تعني الكلام في شيء ما فيه مرية أو شكّ.

أمّا الخصومة و المخاصمة فهي تعني في الأصل إمساك شخصين كلّ منهما للآخر من خاصرته،ثمّ أطلقت بعد ذلك على التّشاجر اللّفظيّ و الأخذ و الرّدّ في الكلام.

و كما يقول العلاّمة المجلسيّ في«بحار الأنوار»:فإنّ الجدال و المراء أكثر ما يستخدمان في القضايا العلميّة، في حين تستخدم المخاصمة في الأمور و التّعاملات الدّنيويّة.

و يحدّد بعضهم الاختلاف بين الجدال و المراء في أنّ هدف«المراء»هو إظهار الفضل و الكمال،في حين أنّ «الجدال»يستهدف تعجيز و تحقير الطّرف المقابل.

و قالوا أيضا في الفرق بينهما:إنّ الجدال في القضايا العلميّة،و المراء أعمّ من ذلك.

و قالوا أخيرا:إنّ المراء ذو طابع دفاعيّ في قبال هجوم الخصم،بينما الجدال ذو طبيعة هجوميّة و دفاعيّة.

ب-الجدال السّلبيّ و الإيجابيّ:

يظهر من الآيات القرآنيّة أنّ للفظ«الجدال»معاني واسعة،و هو يشمل كلّ أنواع الحديث و الكلام الحاصل بين الطّرفين،سواء كان إيجابيّا أم سلبيّا،ففي الآية:

«125»من سورة«النّحل»نقرأ أمر الخالق تبارك و تعالى لرسوله الكريم صلّى اللّه عليه و سلّم في قوله تعالى: وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.

و في الآية:«74»من سورة«هود»نقرأ عن إبراهيم عليه السّلام: فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَ جاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ و الآية تشير إلى النّوع الإيجابيّ من المجادلة.

و لكن أغلب الإشارات القرآنيّة حول المجادلة تشير إلى النّوع السّلبيّ منها،كما نرى ذلك واضحا في سورة «المؤمن»الّتي نحن بصددها؛حيث أشارت إلى«المجادلة» بمعناها السّلبيّ خمس مرّات.

و في كلّ الأحوال يتبيّن أنّ البحث و الكلام و الاستدلال و المناقشة لأقوال الآخرين،إذا كان لإحقاق الحقّ و إبانة الطّريق و إرشاد الجاهل،فهو عمل مطلوب يستحقّ التّقدير،و قد يندرج أحيانا في قسم الوجوب.

ص: 186

فالقرآن لم يعارض أبدا البحث و النّقاش الاستدلاليّ و الموضوعيّ الّذي يستهدف إظهار الحقّ،بل حثّ ذلك في العديد من الآيات القرآنيّة.و في مواقف معيّنة طالب القرآن المعارضين بالإتيان بالدّليل و البرهان،فقال:

هاتُوا بُرْهانَكُمْ البقرة:111.

و في المواقف الّتي كانت تتطلّب إظهار البرهان و الدّليل،ذكر القرآن أدلّة مختلفة،كما نقرأ ذلك في آخر سورة«يس»حين جاء ذلك الرّجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و هو يمسك بيده عظما،فقال له سائلا: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ يس:78،فذكر القرآن عددا من الأدلّة على لسان الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم في قضيّة المعاد و قدرة الخالق على إحياء الموتى.

و في القرآن نماذج أخرى واضحة على الجدال الإيجابيّ،كما في الآية(258)من سورة البقرة،الّتي تعكس كلام إبراهيم عليه السّلام و أدلّته القاطعة أمام نمرود، و الآيات(47-54)من سورة«طه»تعكس تحاجج موسى و فرعون.

القرآن إذا ملئ بالأدلّة المختلفة الّتي أقامها الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم في مقابل عبدة الأصنام و المشركين و أصحاب الذّرائع.

و في الجانب الآخر يذكر القرآن الكريم نماذج أخرى من مجادلات أهل الباطل،لإثبات دعاواهم الباطلة من خلال استخدام السّفسطات الكلاميّة و الحجج الواهية، الّتي استهدفوا من خلالها إبطال الحقّ و غواية عوامّ النّاس.

إنّ السّخريّة و الاستهزاء و التّهديد و الافتراء و الإنكار الّذي لا يقوم على دليل،هي مجموعة من الأساليب الّتي يعتمدها الظّالمون الضّالّون إزاء الأنبياء و دعواتهم الكريمة،أمّا الاستدلال الممزوج بالعاطفة و الحبّ و الرّأفة بالنّاس،فهو أسلوب الأنبياء،رسل السّماء إلى الأرض.

في الرّوايات الإسلاميّة و التّاريخ الإسلاميّ آثار كثيرة و غنيّة عن مناظرات الرّسول الأكرم صلّى اللّه عليه و سلّم و أئمّة أهل البيت عليهم السّلام مع المعارضين،و إذا ما توفّر جهد معيّن على جمعها و تصنيفها فإنّها ستشكّل كتابا كبيرا و ضخما للغاية.و قد قام العلاّمة الشّيخ الطّبرسيّ (1)بجمع بعضها في كتابه«الاحتجاج».

و بالطّبع لم ينحصر مقام المجادلة بالّتي هي أحسن، و مناظرة الخصوم على المعصومين و حسب،و إنّما برزت قابليّات كبيرة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أئمّة أهل البيت عليهم السّلام،ممّن كانت حججهم ترعب الخصوم.

و نلاحظ هنا أنّ الأئمّة عليهم السّلام كانوا يحثّون من يجدون فيه القدرة الكافية و المنطق القويّ المتين للقيام بهذه الوظيفة،و بدون أسلوب المجادلة الإيجابيّ قد تضعف جبهة الحقّ و يقوى عود خصومها،و يجدون في أنفسهم الجرأة في مواجهة الحقّ و التّمادي في عنادهم.

و في هذا الاتّجاه نقرأ في حديث،أنّ أحد أصحاب الإمام الصّادق عليه السّلام يلقّب ب«الطّيّار»و يدعى حمزة بن محمّد جاء إلى الإمام الصّادق و قال له:«بلغني أنّك كرهت مناظرة النّاس»فأجابه الإمام عليه السّلام بقوله:«أمّا.

ص: 187


1- ليس هو أمين الإسلام صاحب مجمع البيان المتوفّى عام 548 ه و إنّما هو أحمد بن عليّ الطّبرسيّ المتوفّى 560 ه.

مثلك فلا يكره،من إذا طار يحسن أن يقع،و إن وقع يحسن أن يطير،فمن كان هذا لا نكرهه».

كلام جميل يشير بوضوح كاف إلى القوّة و المتانة في قدرة الاستدلال و المناظرة لدى الشّخص المعنيّ «الطّيّار»،و في الكلام أيضا إشارة إلى ضرورة الاستعداد و بذل الجهد لمن يريد خوض المناظرة مع الخصوم،كي يكون بمقدوره استخلاص النّتائج و إنهاء البحث، و التّهيّؤ لكافّة الاحتمالات المتوقّعة من الخصم،بمستوى من السّيطرة الكاملة على الموقف من البحوث الاستدلاليّة،حتّى لا يحسب ضعف منطقهم بأنّه بسبب ضعف دينهم و مذهبهم.

ج-الآثار السّيّئة للجدال السّلبيّ:

صحيح أنّ البحث و النّقاش هو مفتاح لحلّ المشاكل، إلاّ أنّ هذا الأمر يصحّ في حال رغبة الطّرفين في نشدان الحقّ و البحث عن الطّريق الصّحيح،أو على الأقلّ يكون أحد الطّرفين متمسّكا بالحقّ و مستهدفا السّبيل إليه فيما يخوض من نقاش و مناظرة.

أمّا أن يكون النّقاش و الجدل بين الطّرفين بهدف التّفاخر و استعراض القوّة،و فرض الرّأي على الطّرف الثّاني عن طريق إثارة الضّجّة،فإنّ عاقبة هذا الأمر لا تكون سوى الابتعاد عن الحقّ و عشعشة الظّلمة في القلوب،و تجذّر العداء و الحقد لا غير؛و لهذا السّبب نهت الرّوايات و الأحاديث الإسلاميّة عن المراء و الجدال الباطل،و في هذه المرويّات إشارات كبيرة المعنى إلى الآثار السّيّئة لهذا النّوع من الجدال.

ففي حديث عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب نقرأ قوله عليه السّلام:«من ضنّ بعرضه فليدع المراء»لأنّ في هذا النّوع من النّقاش سوف ينحدر بالكلام تدريجيّا،ليصل إلى مناحي الاستهانة و عدم الاحترام و تبادل الكلام المبتذل القبيح،و ترامي الاتّهامات الباطلة.

و في حديث آخر عن أمير المؤمنين أيضا نقرأ وصيّته عليه السّلام؛إذ يقول:«إيّاكم و المراء و الخصومة فإنّهما يمرضان القلوب على الإخوان،و ينبت عليهما النّفاق».

إنّ مثل هذا النّوع من الجدال و الّذي يكون عادة فاقدا للالتزام بالأصول الصّحيحة للبحث و الاستدلال، سيقوّي روح اللّجاجة و التّعصّب و العناد لدى الأشخاص؛بحيث يستخدم كلّ طرف-بهدف التّغلّب على خصمه و الانتصار لنفسه-كلّ الأساليب حتّى تلك الّتي تنطوي على الكذب و التّهمة،و مثل هذا العمل لا يمكن أن تكون عاقبته إلاّ السّوء و الحقد،و تنمية جذور النّفاق في الصّدور.

إنّ واحدة من المفاسد الكبيرة الأخرى للجدال السّلبيّ المنهيّ عنه،هو تمسّك الطّرفين بانحرافاتهم و أخطائهم و إصرارهم على اشتباهاتهم،في موقف عنيد بعيد عن الحقّ و الصّواب؛ذلك لأنّ كلّ طرف يحاول ما استطاع التّمسّك بأيّ دليل و التّشبّث بالباطل، لفرض رأيه و إثبات كلامه،و هو في ذلك مستعدّ لأن يتجاهل الكلام الحقّ الّذي يصدر من خصمه،أو أنّه ينظر إليه بعدم الرّضا و القبول.و هذا بحدّ ذاته يزيد من الانحراف و الاشتباه و الخطأ.

د-أسلوب المجادلة بالّتي هي أحسن:

لا يستهدف«الجدال الإيجابيّ»تحقير الطّرف الآخر

ص: 188

أو الانتصار عليه،من خلال إحراز التّفوّق أو الغلبة،بل هو يهدف الدّخول إلى عمق أفكاره و روحه،لهذا فإنّ أسلوب المجادلة بالّتي هي أحسن يختلف كلّيّا عن الجدال السّلبيّ أو الباطل.

و لكي يؤثّر الطّرف المجادل معنويّا على الطّرف الآخر،عليه الاستفادة من الأساليب الآتية الّتي أشار إليها القرآن الكريم بشكل جميل:

1-ينبغي عدم الإصرار على الطّرف المقابل بقبول الكلام على أنّه هو الحقّ،بل على المجادل إذا استطاع أن يجعل الطّرف المقابل يعتقد بأنّه هو الّذي توصّل إلى هذه النّتيجة،و هذا الأسلوب سيكون أكثر تأثيرا.بعبارة أخرى:من المفيد للطّرف المقابل أن يعتقد بأنّ النّتيجة أو الفكرة نابعة من أعماقه و هي جزء من روحه،كي يتمسّك بها أكثر و يذعن لها بشكل كامل.

و قد يكون هذا الأمر هو سرّ ذكر القرآن للحقائق المهمّة كالتّوحيد و نفي الشّرك و غير ذلك على شكل استفهام،أو أنّه بعد أن ينتهي من استعراض و ذكر أدلّة التّوحيد يقول: أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ النّمل:60.

2-يجب الامتناع عن كلّ ما يثير صفة العناد و اللّجاجة لدى الطّرف الآخر؛إذ يقول القرآن الكريم:

وَ لا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ الأنعام:108 كي لا يصرّ هؤلاء على عنادهم و يهينوا الخالق جلّ و علا بتافه كلامهم.

3-يجب مراعاة منتهى الإيضاح في النّقاش مع أيّ شخص أو أيّ مجموعة،كي يشعر الطّرف المقابل بأنّ المتحدّث إليه يبغي حقّا توضيح الحقائق لا غير،فعند ما يتحدّث القرآن عن مساوئ الخمر و القمار،فهو لا يتجاهل المنافع الثّانويّة المادّيّة و الاقتصاديّة الّتي يمكن أن يحصل عليها البعض منهما،فيقول: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما البقرة:219،إنّ هذا الطّراز من الحديث يحمل آثارا إيجابيّة كبيرة على المستمع.

4-يجب عدم الرّدّ بالمثل حيال المساوئ و الأحقاد الّتي قد تطفح من الخصم،بل يجب سلوك طريق الرّأفة و الحبّ و العفو ما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلا؛إذ إنّ الرّدّ بهذا الأسلوب الودود يحمل في مثل هذه الحالات تأثيرا كبيرا على معنويّات الطّرف الآخر و نفسيّته،و قد يدفع إلى تليين قلوب الأعداء المعاندين،كما يقول القرآن الكريم و يحثّ على ذلك: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ فصّلت:34.

إنّ الخلاصة الّتي يمكن أن ينتهي إليها القول،هي أنّ أيّ بحث متأمّل و فاحص في أسلوب نقاشات الأنبياء عليهم السّلام مع الأعداء و الظّالمين و الجبّارين،كما يعكسها القرآن الكريم،أو كما تعكسها تلك المناظرات العقائديّة بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أو أئمّة أهل البيت المعصومين و بين أعدائهم و خصومهم،ينتهي إلى دروس تربويّة في هذا المجال تطوي في تضاعيفها أدقّ الأساليب و الوسائل النّفسيّة الّتي تسهّل لنا النّفوذ إلى أعماق الآخرين.و بهذا الخصوص ينقل العلاّمة المجلسيّ في «بحار الأنوار» (1)رواية مفصّلة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم7.

ص: 189


1- 9:257.

يضمّنها مناظرة طويلة بين الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و بين خمسة مجاميع مخاصمة هي:اليهود و النّصارى و الدّهريّين و الثّنويّين-أتباع عقديّة التّثنية في التّالية-و مشركي العرب،تنتهي بسبب الأسلوب الحكيم الجميل و المؤثّر الّذي استخدمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى قبول هؤلاء بالحقّ، و إذعانهم و تسليمهم له.

إنّ هذه المناظرة بوصفها نموذجا،يمكن أن تكون لنا درسا بنّاء في مناظراتنا و أساليب جدلنا،و مناقشاتنا مع الآخرين.(15:171-181)

يجادلنا

فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَ جاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ. هود:74

ابن عبّاس: يخاصمنا في هلاك قوم لوط.(188)

نحوه مجاهد.(الطّبريّ 12:78)

قال الملك لإبراهيم:إن كان فيها خمسون يصلّون، رفع عنهم العذاب.(الطّبريّ 12:79)

سعيد بن جبير: لمّا جاء جبرئيل و من معه قالوا لإبراهيم: إِنّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ العنكبوت:31،قال لهم إبراهيم:أ تهلكون قرية فيها أربعمائة مؤمن؟قالوا:لا،قال:أ فتهلكون قرية فيها ثلاثمائة مؤمن؟قالوا:لا،قال:أ فتهلكون قرية فيها مائتا مؤمن؟قالوا:لا،قال:أ فتهلكون قرية فيها أربعون مؤمنا؟قالوا:لا،قال:أ فتهلكون قرية فيها أربعة عشر مؤمنا؟قالوا:لا،و كان إبراهيم يعدّهم أربعة عشر بامرأة لوط،فسكت عنهم و اطمأنّت نفسه.(الطّبريّ 12:79)

نحوه قتادة(الطّبريّ 12:79)،و السّدّيّ(303)، و النّحّاس(3:366)،و القرطبيّ(9:79).

الحسن :يجادل رسلنا من الملائكة.و إنّه جادل الملائكة بأن قال لهم: إِنَّ فِيها لُوطاً العنكبوت:32، كيف تهلكونهم؟فقالت له الملائكة: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَ أَهْلَهُ العنكبوت:32.(الطّوسيّ 6:35)

الإمام الصّادق عليه السّلام: إنّ اللّه بعث أربعة أملاك بإهلاك قوم لوط:جبرئيل،و ميكائيل،و إسرافيل، و كرّوبيل،فمرّوا بإبراهيم عليه السّلام و هم متعمّمون،فسلّموا عليه فلم يعرفهم،و رأى هيئة حسنة،فقال:لا أخدم هؤلاء إلاّ أنا بنفسي.و كان صاحب أضياف،فشوى لهم عجلا سمينا حتّى أنضجه،ثمّ قرّبه إليهم،فلمّا وضعه بين أيديهم و رأى أيديهم لا تصل إليه،نكرهم و أوجس منهم خيفة.فلمّا رأى ذلك جبرئيل عليه السّلام حسر العمامة عن وجهه،فعرفه إبراهيم،فقال له:أنت هو؟قال:نعم.

و مرّت امرأته سارة،فبشّرها بإسحاق،و من وراء إسحاق يعقوب،قالت ما قال اللّه،و أجابوها بما في الكتاب.

فقال إبراهيم عليه السّلام:فيما جئتم؟قالوا:في هلاك قوم لوط،فقال لهم:إن كان فيها مائة من المؤمنين أ تهلكونهم؟ فقال له جبرئيل عليه السّلام:لا،قال:فإن كانوا خمسين؟قال:

لا،قال:فإن كانوا ثلاثين؟قال:لا،قال:فإن كانوا عشرين؟قال:لا،قال:فإن كانوا عشرا؟قال:لا، قال:فإن كانوا خمسة؟قال:لا،قال:فإن كان واحدا؟ قال:لا. قالَ إِنَّ فِيها... الآية.(العيّاشيّ 2:314)

ابن جريج:قال إبراهيم:أ تهلكونهم إن وجدتم فيها مائة مؤمن ثمّ تسعين،حتّى هبط إلى خمسة،قال:

ص: 190

و كان في قرية لوط أربعة آلاف.(الطّبريّ 12:80)

ابن إسحاق :إبراهيم جادل عن قوم لوط،ليردّ عنهم العذاب،فيزعم أهل التّوراة أنّ مجادلة إبراهيم إيّاهم،حين جادلهم في قوم لوط،ليردّ عنهم العذاب، إنّما قال للرّسل فيما يكلّمهم به:أ رأيتم إن كان فيهم مائة مؤمن أ تهلكونهم؟قالوا:لا،قال:أ فرأيتم إن كانوا تسعين؟قالوا:لا،قال:أ رأيتم إن كانوا ثمانين؟قالوا:لا، قال:أ فرأيتم إن كانوا سبعين؟قالوا:لا،قال:أ فرأيتم إن كانوا ستّين؟قالوا:لا،قال:أ فرأيتم إن كانوا خمسين؟ قالوا:لا،قال:أ فرأيتم إن كان رجلا واحدا مسلما؟ قالوا:لا،قال:فلمّا لم يذكروا لإبراهيم أنّ فيها مؤمنا واحدا: قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً... الآية،قالوا:

يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا هود:76.

(الطّبريّ 12:79)

نحوه حذيفة بن أبي اليمان.(أبو حيّان 5:245)

الفرّاء: لم يقل:جادلنا،و مثله في الكلام لا يأتي إلاّ بفعل ماض،كقولك:فلمّا أتاني أتيته.و قد يجوز:فلمّا أتاني أثب عليه،كأنّه قال:أقبلت أثب عليه.

و جداله إيّاهم أنّه حين ذهب عنه الخوف قال:

ما خطبكم أيّها المرسلون؟فلمّا أخبروه أنّهم يريدون قوم لوط،قال:أ تهلكون قوما فيهم لوط؟قالوا:نحن أعلم بمن فيها.(2:23)

الأخفش: (يجادلنا)بمعنى جادلنا.

(الطّوسيّ 6:35)

الجبّائيّ: جادلهم ليعلم بأيّ شيء استحقّوا عذاب الاستئصال،و هل ذلك واقع بهم لا محالة أم على سبيل الإخافة،ليرجعوا إلى الطّاعة؟(الطّوسيّ 6:36)

الطّبريّ: يخاصمنا.و زعم بعض أهل العربيّة من أهل البصرة أنّ معنى قوله:(يجادلنا)يكلّمنا،و قال:

لأنّ إبراهيم لا يجادل اللّه،إنّما يسأله و يطلب منه.و هذا من الكلام جهل،لأنّ اللّه تعالى ذكره،أخبرنا في كتابه أنّه يجادل في قوم لوط،فقول القائل:إبراهيم لا يجادل، موهما بذلك أنّ قول من قال في تأويل قوله: يُجادِلُنا:

يخاصمنا،أنّ إبراهيم كان يخاصم ربّه،جهل من الكلام، و إنّما كان جداله الرّسل على وجه المحاجّة لهم.و معنى ذلك:و جاءته البشرى يجادل رسلنا،و لكنّه لمّا عرف المراد من الكلام حذف الرّسل.(12:78)

الزّجّاج: يُجادِلُنا حكاية حال قد مضت، لأنّ(لمّا)جعلت في الكلام،لما قد وقع لوقوع غيره.

تقول:«لمّا جاء زيد جاء عمرو»و يجوز لمّا جاء زيد يتكلّم و عمرو،على ضربين:

أحدهما:أنّ«إن» (1)لمّا كانت شرطا للمستقبل وقع الماضي فيها في معنى المستقبل،نحو إن جاء زيد جئت.

و الوجه الثّاني-و هو الّذي أختاره-أن يكون حالا لحكاية قد مضت.

المعنى فلمّا ذهب عن إبراهيم الرّوع و جاءته البشرى أخذ يجادلنا في قوم لوط،و أقبل يجادلنا.

و لم يذكر في الكلام:أخذ و أقبل،لأنّ في كلّ كلام يخاطب به المخاطب معنى أخذ و أقبل إذا أردت حكاية الحال، لأنّك إذا قلت:قام زيد،دللت على فعل ماض،و إذات.

ص: 191


1- فيه تشبيه«لمّا»ب«إن»الشّرطيّة،كما يأتي في كلام الزّمخشريّ،و أبي البركات.

قلت:أخذ زيد يقول،دللت على حال ممتدّة،من أجلها ذكرت أخذ و أقبل.و كذلك جعل زيد يقول:كذا و كذا، و كرب يقول كذا و كذا.[إلى أن قال:]

و يروى أنّ مجادلته في قوم لوط أنّه قال للملائكة و قد أعلموه أنّهم مهلكوهم،فقال:أ رأيتم إن كان فيها خمسون من المؤمنين أ تهلكونهم معهم إلى أن بلغ خمسة، فقالوا:لا،فقال اللّه عزّ و جلّ: فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الذّاريات:36.(3:64)

الطّوسيّ: يُجادِلُنا تقديره:جعل يجادلنا، فجواب(لمّا)محذوف لدلالة الكلام عليه،لأنّ لمّا تقتضيه،و الفعل خلف منه.[إلى أن قال:]

و قوله:(يجادلنا)يحتمل معنيين:

أحدهما:يجادل رسلنا من الملائكة،في قول الحسن.

الثّاني:يسألنا في قوم لوط.و المعنى أنّه سأل اللّه،إلاّ أنّه استغنى بلفظ يُجادِلُنا لأنّه حرص في السّؤال حرص المجادل.(6:35)

نحوه أبو الفتوح الرّازيّ.(10:306)

الواحديّ: أي أقبل و أخذ يجادل رسلنا من الملائكة.[ثمّ نقل نحو ما مضى عن ابن إسحاق و أضاف:]

فهذا معنى جدال إبراهيم فى قوم لوط.(2:582)

نحوه البغويّ(2:457)،و الميبديّ(4:416)، و النّسفيّ(2:198)،و الخازن(3:198).

الزّمخشريّ: قوله: يُجادِلُنا كلام مستأنف دالّ على الجواب،و تقديره:اجترأ على خطابنا أو فطن لمجادلتنا أو قال:كيت و كيت،ثمّ ابتدأ فقال: يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ.

و قيل:في يُجادِلُنا هو جواب(لمّا)و إنّما جيء به مضارعا لحكاية الحال.

و قيل:إنّ(لمّا)تردّ المضارع إلى معنى الماضي،كما تردّ(إن)الماضي إلى معنى الاستقبال.[ثمّ قال نحو الواحديّ](2:282)

نحوه البيضاويّ(1:475)،و ابن جزيّ(2:109)، و القاسميّ(9:3467).

ابن عطيّة: [نحو الزّجّاج و أضاف:]

و قد عدّ[إبراهيم]في بيت لوط امرأته فوجدهم ستّة بها،فطمع في نجاتهم،و لم يشعر أنّها من الكفرة، و كان ذلك من إبراهيم حرصا على إيمان تلك الأمّة و نجاتها.

و قد كثر اختلاف رواة المفسّرين لهذه الأعداد في قول إبراهيم عليه السّلام،و المعنى كلّه نحو ما ذكرته،و كذلك ذكروا أنّ قوم لوط كانوا أربعمائة ألف في خمس قرى.

و قالت فرقة:يجادلنا في مؤمني قوم لوط،و هذا ضعيف،و أمره بالإعراض عن المجادلة يقتضي أنّها إنّما كانت في الكفرة،حرصا عليهم.(3:192)

الطّبرسيّ: [نقل قول قتادة و الجبّائيّ ثمّ قال:]

و لمّا سألهم سؤال مستقص سمّي ذلك السّؤال:

جدالا،لأنّه خرج مخرج الكشف عن شيء غامض.

(3:180)

أبو البركات: و يُجادِلُنا جملة فعليّة في موضع نصب على الحال من الضّمير الّذي في«أقبل» و هو ضمير إبراهيم.

و قيل: يُجادِلُنا هو جواب(لمّا)و كان حقّ

ص: 192

الكلام:جادلنا،لأنّ جواب(لمّا)إنّما يكون ماضيا، فأقام المستقبل مقام الماضي،كما يجعل الماضي مقام المستقبل في الشّرط و الجزاء،و إن كان حقّه أن يكون مستقبلا.

و قيل:إنّما أقيم المضارع مقام الماضي على طريق حكاية،كقوله تعالى: وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ الكهف:18؟فأعمل«باسطا»و هو لما مضى،لأنّه أراد حكاية الحال.(2:24)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ قوله: يُجادِلُنا أي يجادل رسلنا.

فإن قيل:هذه المجادلة إن كانت مع اللّه تعالى فهي جراءة على اللّه،و الجراءة على اللّه تعالى من أعظم الذّنوب،و لأنّ المقصود من هذه المجادلة إزالة ذلك الحكم،و ذلك يدلّ على أنّه ما كان راضيا بقضاء اللّه تعالى و أنّه كفر.و إن كانت هذه المجادلة مع الملائكة فهي أيضا عجيبة،لأنّ المقصود من هذه المجادلة أن يتركوا إهلاك قوم لوط.فإن كان قد اعتقد فيهم أنّهم من تلقاء أنفسهم يجادلون في هذا الإهلاك فهذا سوء ظنّ بهم،و إن اعتقد فيهم أنّهم بأمر اللّه جاءوا،فهذه المجادلة تقتضي أنّه كان يطلب منهم مخالفة أمر اللّه تعالى،و هذا منكر.

و الجواب من وجهين:

الوجه الأوّل:-و هو الجواب الإجماليّ-أنّه تعالى مدحه عقيب هذه الآية،فقال: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ هود:75،و لو كان هذا الجدل من الذّنوب لما ذكر عقيبه ما يدلّ على المدح العظيم.

و الوجه الثّاني:-و هو الجواب التفصيليّ-أنّ المراد من هذه المجادلة سعي إبراهيم في تأخير العذاب عنهم، و تقريره من وجوه:

الوجه الأوّل:أنّ الملائكة قالوا: إِنّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ فقال إبراهيم:أ رأيتم لو كان فيها خمسون رجلا من المؤمنين أ تهلكونها؟قالوا:لا،قال:فأربعون؟ قالوا:لا،قال:فثلاثون؟قالوا:لا،حتّى بلغ العشرة قالوا:لا،قال:أ رأيتم إن كان فيها رجل مسلم أ تهلكونها؟قالوا:لا،فعند ذلك قال:إنّ فيها لوطا.و قد ذكر اللّه تعالى هذا في سورة العنكبوت،فقال: وَ لَمّا أَنْ جاءَتْ....

ثمّ قال: وَ لَمّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَ ضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَ قالُوا لا تَخَفْ وَ لا تَحْزَنْ إِنّا مُنَجُّوكَ وَ أَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ العنكبوت:33.فبان بهذا أنّ مجادلة إبراهيم عليه السّلام إنّما كانت في قوم لوط،بسبب مقام لوط فيما بينهم.

الوجه الثّاني:يحتمل أن يقال:إنّه عليه السّلام كان يميل إلى أن تلحقهم رحمة اللّه بتأخير العذاب عنهم،رجاء أنّهم ربّما أقدموا على الإيمان و التّوبة عن المعاصي،و ربّما وقعت تلك المجادلات بسبب أنّ إبراهيم كان يقول:إنّ أمر اللّه ورد بإيصال العذاب.و مطلق الأمر لا يوجب الفور بل يقبل التّراخي فاصبروا مدّة أخرى،و الملائكة كانوا يقولون:إنّ مطلق الأمر يقبل الفور،و قد حصلت هناك قرائن دالّة على الفور،ثمّ أخذ كلّ واحد منهم يقرّر مذهبه بالوجوه المعلومة،فحصلت المجادلة بهذا السّبب، و هذا الوجه عندي هو المعتمد.

الوجه الثّالث في الجواب:لعلّ إبراهيم عليه السّلام سأل عن

ص: 193

لفظ ذلك الأمر،و كان ذلك الأمر مشروطا بشرط، فاختلفوا في أنّ ذلك الشّرط هل حصل في ذلك القوم أم لا فحصلت المجادلة بسببه،و بالجملة نرى العلماء في زماننا يجادل بعضهم بعضا عند التّمسّك بالنّصوص، و ذلك لا يوجب القدح في واحد منها،فكذا هاهنا.

(18:29)

نحوه النّيسابوريّ.(12:46)

أبو حيّان :[ذكر كلام الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و قيل:الجواب(يجادلنا)وضع المضارع موضع الماضي،أي جادلنا،و جاز ذلك لوضوح المعنى،و هذا أقرب الأقوال.

و قيل:(يجادلنا)حال من إبراهيم، وَ جاءَتْهُ حال أيضا أو من ضمير في(جاءته)،و جواب(لمّا) محذوف،تقديره:قلنا:يا إبراهيم أعرض عن هذا، و اختار هذا التّوجيه أبو عليّ.و قيل:الجواب محذوف، تقديره:ظلّ أو أخذ يجادلنا،فحذف اختصارا لدلالة ظاهر الكلام عليه.

و المجادلة قيل:هي سؤاله العذاب واقع بهم لا محالة أم على سبيل الإخافة ليرجعوا إلى الطّاعة.و قيل:تكلّما على سبيل الشّفاعة،و المعنى تجادل رسلنا.(5:245)

أبو السّعود :أي جادل رسلنا في شأنهم.و عدل إلى صيغة الاستقبال لاستحضار صورتها.أو طفق يجادلنا ظاهرة.و أمّا إن فسّرت ببشارة الولد أو بما يعمّها،فلعلّ سببيّتها لها من حيث إنّها تفيد زيادة اطمئنان قلبه،بسلامته و سلامة أهله كافّة.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن ابن إسحاق](3:335)

البروسويّ: أي جادل و خاصم رسلنا،لأنّه صرّح في سورة العنكبوت بكون المجادلة مع الرّسل.

و جيء بجواب(لمّا)مضارعا مع أنّه ينبغي أن يكون ماضيا،لكونها موضوعة للدّلالة على وقوع أمر في الماضي لوقوع غيره فيه،على سبيل الحكاية الماضية فِي قَوْمِ لُوطٍ في شأنهم و حقّهم،لرفع العذاب، جدال الضّعيف مع القويّ لا جدال القويّ مع الضّعيف بل جدال المحتاج الفقير مع الكريم الغنيّ،و جدال الرّحمة و المعاطفة و طلب النّجاة للضّعفاء و المساكين الهالكين.

و كان لوط ابن أخيه،و هو لوط بن آزور ابن آزر و إبراهيم بن آزر،و يقال:ابن عمّه،و سارة كانت أخت لوط،فلمّا سمعا بهلاك قوم لوط اغتمّا لأجل لوط، فطفق إبراهيم يجادل الرّسل حين قالوا:إنّا مهلكو أهل هذه القرية،فقال:أ رأيتم لو كان فيها خمسون رجلا.[و ذكر الأربعين و الثّلاثين حتّى بلغ]خمسة،قالوا:

لا،قال:أ رأيتم إن كان فيها رجل واحد مسلم أ تهلكونها؟قالوا:لا،فعند ذلك قال: إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَ أَهْلَهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ التّوبة:114،غير عجول على الانتقام ممّن أساء إليه،اواه:كثير التّأوّه على الذّنوب و التّأسّف على النّاس.[إلى أن قال:]

فتبيّن أنّ رقّة القلب حملته على المجادلة فيهم رجاء أن يرفع عنهم العذاب و يمهلوا لعلّهم يحدثون التّوبة و الإنابة،كما حملته على الاستغفار لأبيه.

يقول الفقير:دلّت الآية على أنّ المجادلة وقعت في قوم لوط،و دلّت التّفاسير على أنّها وقعت في لوط نفسه

ص: 194

و المؤمنين معه.و لا تنافي بينهما،فإنّ عموم الرّحمة الّتي حملته عليها نشأة الأنبياء عليهم السّلام لا يميّز بين شخص و شخص،فإنّ الأمّة بالنّسبة إلى النّبيّ كالأولاد بالنّسبة إلى الأب،و كفرهم لا يرفع الرّحمة في حقّهم.و يدلّ عليه حال نوح مع ابنه كنعان كما وقفت عليه فيما سبق،و إنّما مجيء البشرى في حقّ قومه فقط فبقي الألم في حقّ الغير على حاله،و اتّصال القرابة بين إبراهيم و لوط يقتضي أن يكون قوم لوط في حكم قوم إبراهيم،فافهم.(4:164)

الآلوسيّ: أي يجادل رسلنا في حالهم و شأنهم، ففيه مجاز للإسناد،و كانت مجادلته عليه السّلام لهم ما قصّه اللّه سبحانه في قوله،في سورة العنكبوت: وَ لَمّا جاءَتْ... الآية،فقوله عليه السّلام: إِنَّ فِيها لُوطاً مجادلة، و عدّ ذلك مجادلة،لأنّ مآله على ما قيل:كيف تهلك قرية فيها من هو مؤمن غير مستحقّ للعذاب؟و لذا أجابوه بقولهم: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ... هذا القدر من القول هو المتيقّن.[ثمّ نقل قول حذيفة المتقدّم و أضاف:]

و روي نحو ذلك عدّة روايات،اللّه تعالى أعلم بصحّتها.و فسّر بعضهم المجادلة بطلب الشّفاعة،و قيل:

هي سؤاله عن العذاب هل هو واقع بهم لا محالة أم على سبيل الإخافة ليرجعوا إلى الطّاعة؟

و أيّا ما كان ف(يجادلنا)جواب(لمّا)و كان الظّاهر «جادلنا»إلاّ أنّه عبّر بالمضارع لحكاية الحال الماضية و استحضار صورتها.و قيل:إنّ(لمّا)ك«لو»تقلب المضارع ماضيا،كما أنّ(إن)تقلب الماضي مستقبلا.

و قيل:الجواب محذوف،و هذه الجملة في موضع الحال من فاعله،أي أخذ أو أقبل مجادلا لنا.و آثر هذا الوجه الزّجّاج و لكنّه جعله مع حكاية الحال وجها واحدا.[و ذكر قوله في معنى الآية و أضاف:]

و صنيع الزّمخشريّ يدلّ على أنّهما وجهان،و تحقيقه على ما في«الكشف»أنّه إذا أريد استمرار الماضي فهو كما ذكره الزّجّاج،و إن أريد التّصوير المجرّد فلا.

و قيل:الجواب محذوف و الجملة مستأنفة استئنافا نحويّا أو بيانيّا و هي دليل عليه،و التّقدير:اجترأ على خطابنا أو فطن بمجادلتنا و قال:كيت و كيت،و اختاره في «الكشّاف».

و قيل:إنّ هذه الجملة-و كذا الجملة الّتي قبلها-في موضع الحال من(ابراهيم)على التّرادف أو التّداخل، و جواب(لمّا)قلنا:يقدّر قبل يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا هود:76،و أقرب الأقوال أوّلها.(12:103)

المراغيّ: و هذه المجادلة قد فصّلت في سورة العنكبوت 31 و 32،فجاء فيها: وَ لَمّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ [إلى الغابرين].

كما جاءت هذه المجادلة في الفصل الثّامن عشر من سفر التّكوين من التّوراة،ففيه:«إنّ الرّبّ ظهر لإبراهيم و هو جالس في باب الخيمة،فظهر له ثلاثة رجال فاستضافهم،و أتى لهم بعجل و خبز ملّة فأكلوا و بشّروه بالولد.فسمعت امرأته سارة فضحكت و تعجّبت لكبرها و انقطاع عادة النّساء عنها.فقال الرّبّ لإبراهيم:لما ذا ضحكت سارة،هل يستحيل على الرّبّ شيء؟ و انصرف الرّجال«أي الملائكة»من هناك و ذهبوا نحو سدوم«قرية قوم لوط»و إبراهيم لم يزل قائما أمام الرّبّ،فتقدّم إبراهيم و قال:أ فتهلك البارّ مع الأثيم؟

ص: 195

عسى أن يكون هناك خمسون بارّا في المدينة،أ فتهلك المكان و لا تصفح عنه من أجل الخمسين بارّا الّذين فيه؟ فقال الرّبّ:إن وجدت في سدوم خمسين بارّا فإنّي أصفح عن المكان كلّه من أجلهم،ثمّ كلّمه إبراهيم مثل هذا في خمسة و أربعين،ثمّ في أربعين ثمّ في ثلاثين ثمّ في عشرين ثمّ في عشرة،و الرّبّ يعده في كلّ من هذه الأعداد بأنّه من أجلهم لا يهلك القوم.و ذهب الرّبّ عند ما فرغ من الكلام مع إبراهيم إلى مكانه».

(12:61)

مغنيّة: قال جمهور المفسّرين و منهم الرّازيّ و صاحب«المنار»:لم يجادل إبراهيم من أجل قوم لوط، و إنّما جادل من أجل لوط،و أنّه خاف أن يصيبه ما يصيب قومه من العذاب،و استدلّ المفسّرون على ذلك بالآية:(32)من سورة العنكبوت: قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَ أَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ و الصّحيح أنّ هذه الآية لا تمتّ إلى مجادلة إبراهيم بصلة،و إنّما هي مجرّد إخبار منه بأنّ فيها لوطا،و لذا قالوا له:نحن أعلم بمن فيها.و الآية الّتي نفسّرها نصّ في المجادلة من أجل قوم لوط،لا من أجل لوط،بالإضافة إلى قوله تعالى: وَ إِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ هود:76،فالضّمير في(انّهم)و(آتيهم) يعودان إلى قوم لوط الّذين جادل إبراهيم فيهم و من أجلهم.

و لكنّ المفسّرين قالوا:إنّ المجادلة في قوم لوط جرأة على اللّه و إبراهيم عليه السّلام معصوم عن الذّنب،فلا بدّ أن تكون المجادلة في لوط،لا في قومه.

و يلاحظ أوّلا:لا فرق بين المجادلة في لوط،و في قومه،فإن كانت هذه جرأة فكذلك تلك.

ثانيا:إنّ المجادلة مع اللّه في دفع العذاب عن عباده أو تأخيره ليست من الذّنب و المعصية في شيء،بل العكس هو الصّحيح،لأنّ هذه المجادلة لا مخالفة فيها و لا نزاع، و إنّما هي من باب طلب الرّحمة من القويّ للضّعيف، و هذا الطّلب يدلّ على الحلم و الرّأفة،و لذا أثنى اللّه على إبراهيم بأجمل الثّناء،و وصفه بأنّه(حليم اوّاه منيب)بعد أن سأله الرّفق بقوم لوط.

ثالثا:إنّ إبراهيم جادل في قوم لوط ليكون على يقين من أنّهم بلغوا من التّمرّد الحدّ الّذي لا يرجى معه صلاحهم و هدايتهم،تماما كقوله: بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي البقرة:260،و يؤكّد إرادة هذا المعنى قوله سبحانه: يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَ إِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ هود:76،أي لا تسألني يا إبراهيم في قوم لوط،فإنّهم مهلكون لا محالة، لإصرارهم على الشّرك و الفساد،و أيأس منهم و من توبتهم.(4:250)

عبد الكريم الخطيب :التّقدير:فلمّا ذهب عن إبراهيم الرّوع،أي الخوف،و جاءته البشرى ها هو ذا يجادلنا في قوم لوط!و في هذا إنكار على إبراهيم أن يقف في هذا الموقف،فيجادل عن قوم قد بلغوا من السّوء ما أنكرته الأرض عليهم.

ثمّ لا يكاد إبراهيم يأخذ في المجادلة حتّى يجيئه أمر اللّه يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا هود:76.

و لو جاء جواب(لمّا)فعلا ماضيا هكذا«جادلنا»

ص: 196

لما كان لهذا الأمر،في قوله تعالى: يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا هذا الوقع الصّادع على نفس إبراهيم، و لأفلت من يده ما كان ممسكا به من المجادلة،لأنّه كان قد جادل فعلا،و انتهى الأمر.

أمّا في هذه الحالة،فهو لا يزال يسأل ربّه العفو و الرّحمة لهؤلاء القوم،و لا تزال الكلمات على شفتيه.

فإذا سمع أمر اللّه بالإعراض عن هذا،أمسك لسانه و ابتلع ما كان يجري عليه من كلمات.

و في التّعبير عن مراجعة إبراهيم ربّه في قوم لوط بالجدل و تسميته جدلا،إشارة إلى أنّ ما كان من إبراهيم هو مجرّد جدل،و أنّ الجدل لا يثمر ثمرا نافعا،و لا يبلغ بصاحبه غاية.

و قد أشار القرآن الكريم إلى ما كان من إبراهيم في هذا المقام،فقال تعالى: وَ لَمّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ... [إلى نحن أعلم بمن فيها]

و أنت ترى أنّ إبراهيم كان مجادلا للملائكة، و لم يكن مجادلا للّه.و لكنّهم إذ كانوا رسل اللّه،و الأمناء على ما أرسلوا به،فقد جعل جدله للملائكة جدلا للّه سبحانه و تعالى.و في هذا تكريم لرسل اللّه،و إضافة لهم إلى اللّه ربّ العالمين.(6:1174)

طه الدّرّة: يُجادِلُنا مضارع و الفاعل يعود إلى إبراهيم،و(نا)مفعول به،(فى قوم)متعلّقان بما قبلهما، و(قوم)مضاف،و(لوط)مضاف إليه،و جملة يُجادِلُنا... في محلّ نصب خبر ل«أخذ»محذوفا، و هو من أفعال الشّروع.أو هي في محلّ نصب حال، عامله محذوف،التّقدير:أقبل يجادلنا...و على هذين التّقدير فالجملة الفعليّة جواب(لمّا)لا محلّ لها.هذا و قيل:إنّ الجواب هو جملة يُجادِلُنا... على تأويل المضارع بالماضي،و(لمّا)و مدخولها كلام مستأنف لا محلّ له.(6:342)

مكارم الشّيرازيّ: إيضاح:هذه الصّفات المذكورة لإبراهيم في المجادلة تشير إلى أنّ مجادلته كانت ممدوحة؛و ذلك لأنّ إبراهيم لم يتّضح له أنّ أمر العذاب صادر من قبل اللّه بصورة قطعيّة،بل كان يحتمل أنّه لا يزال لهم حظّ في النّجاة،و يحتمل أنّهم سيرتدّون عن غيّهم و يتّعظون.و من هنا فما زال هناك مجال للشّفاعة لهم،فكان راغبا في تأخير العذاب و العقاب عنهم،لأنّه كان حليما،و مشفقا و أوّاها و منيبا إلى اللّه.

فعلى هذا قال بعضهم:إذا كانت مجادلة إبراهيم مع اللّه فلا معنى لها،و إذا كانت مع رسله فهم أيضا لا يستطيعون أن يفعلوا شيئا من أنفسهم،فعلى كلّ حال فالمجادلة هذه غير صحيحة.

و الجواب أنّه لا كلام في الحكم القطعيّ.أمّا لو كان الحكم غير قطعيّ فمع تغيير الظّروف و تبدّل الأوضاع يمكن تغييره،لأنّ طريق الرّجوع لم يزل مفتوحا، و بتعبير آخر فإنّ الأوامر في هذه الحالة مشروطة لا مطلقة.

و أمّا من احتمل أنّ المجادلة كانت مع الرّسل في شأن نجاة المؤمنين،استشهدوا على هذا القول بالآيتين(31، 32)من سورة العنكبوت وَ لَمّا جاءَتْ رُسُلُنا....

فهذا الاحتمال غير صحيح و لا ينسجم مع الآية الّتي تأتي بعدئذ،و هي محلّ بحثنا.

ص: 197

و تقول الآية:إنّ الرّسل قالوا لإبراهيم-مباشرة- أن أعرض عن اقتراحك،لأنّ أمر ربّك قد تحقّق، و العذاب نازل لا محالة يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَ إِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ هود:76.

و التّعبير ب(ربّك)يدلّ على أنّ هذا العذاب ليس فيه جهة انتقاميّة فحسب،بل يدلّ أيضا على أنّه علامة لتربية العباد و إصلاح المجتمع الإنسانيّ.

[ثمّ ذكر رواية مجادلة إبراهيم عليه السّلام لرسل اللّه و أضاف:]

فمثل هذه الرّواية لا تدلّ بوجه مطلق على أنّ «المجادلة»كانت مثل هذا الكلام،بل هي في شأن المؤمنين،و هي منفصلة عن الكلام في الكافرين،و من هنا يتّضح أنّ الآيات الّتي وردت في سورة العنكبوت لا تنافي هذا التّفسير أيضا،فتأمّلوا بدقّة.(7:14)

يجادلون

1- ..وَ يُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللّهِ وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ. الرّعد:13

ابن عبّاس: يخاصمون في دين اللّه مع محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم(206)

يكذّبون بعظمة اللّه.(الواحديّ 3:10)

أنس بن مالك: إنّها نزلت في رجل من الطّغاة جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يجادله،فقال:يا محمّد،ممّ ربّك أ من لؤلؤ أم ياقوت أم من ذهب أم من فضّة؟فأرسل اللّه عليه صاعقة،فذهبت بقحفه.(الطّوسيّ 6:231)

مثله مجاهد و عبد الرّحمن صحار العبديّ.(الطّوسيّ 6:231).و نحوه البغويّ(3:11).

قتادة: ذكر لنا أنّ رجلا أنكر القرآن و كذّب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فأرسل اللّه عليه صاعقة فأهلكته،فأنزل اللّه عزّ و جلّ فيه: وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللّهِ وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ. (الطّبريّ 13:126)

الطّبريّ: و هؤلاء الّذين أصابهم اللّه بالصّواعق، أصابهم في حال خصومتهم في اللّه عزّ و جلّ لرسوله صلّى اللّه عليه و سلّم.

(13:126)

الزّجّاج: جائز أن يكون(الواو)واو حال،فيكون المعنى:فيصيب بها من يشاء في حال جداله في اللّه، و ذلك أنّه أتى في التّفسير أنّ رجلا من الجاهليّة يقال له:

«أربد»سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال:أخبرني عن ربّنا أ من نحاس أم حديد؟فأنزل اللّه عليه صاعقة فقتلته؛فعلى هذا يجوز أن يكون(الواو)واو حال.

و يجوز أن يكون:لمّا تمّم اللّه أوصاف ما يدلّ على توحيده و قدرته على البعث،قال بعد ذلك وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللّهِ وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ. (3:143)

نحوه النّحّاس(3:483)،و النّيسابوريّ(13:75).

الطّوسيّ: يعني هؤلاء الجهّال مع مشاهدتهم لهذه الآيات يخاصمون أهل التّوحيد،و يحاولون فتلهم عن مذهبهم بجدالهم و الجدال:فتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج.(6:231)

نحوه الطّبرسيّ.(3:283)

الزّمخشريّ: وَ هُمْ يعني الّذين كفروا و كذّبوا رسول اللّه،و أنكروا آياته يُجادِلُونَ فِي اللّهِ حيث ينكرون على رسوله ما يصفه به من القدرة على البعث، و إعادة الخلائق،بقولهم: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ يس:78،و يردّون الوحدانيّة باتّخاذ الشّركاء و الأنداد،و يجعلونه بعض الأجسام المتوالدة،بقولهم:

ص: 198

الزّمخشريّ: وَ هُمْ يعني الّذين كفروا و كذّبوا رسول اللّه،و أنكروا آياته يُجادِلُونَ فِي اللّهِ حيث ينكرون على رسوله ما يصفه به من القدرة على البعث، و إعادة الخلائق،بقولهم: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ يس:78،و يردّون الوحدانيّة باتّخاذ الشّركاء و الأنداد،و يجعلونه بعض الأجسام المتوالدة،بقولهم:

الملائكة بنات اللّه،فهذا جدالهم بالباطل،كقوله:

وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ المؤمن:5.

و قيل:(الواو)للحال،أي فيصيب بها من يشاء في حال جدالهم]

(2:353)

نحوه البيضاويّ(1:516)،و النّسفيّ(2:244)، و أبو حيّان(5:375)،و المشهديّ(5:90)، و طنطاوي(7:82).

ابن عطيّة: روي عن عبد الرّحمن بن صحار العبديّ أنّه بلغه أنّ جبّارا من جبابرة العرب بعث إليه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ليسلم.فقال:أخبروني عن إله محمّد أ من لؤلؤ هو أو من ذهب؟فنزلت عليه صاعقة،و نزلت الآية فيه.

و قال مجاهد:إنّ بعض اليهود جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم...ثمّ ذكر القصّة.

و قوله: وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللّهِ يجوز أن تكون إشارة إلى جدال اليهوديّ المذكور،و تكون(الواو)واو حال،أو إلى جدال الجبّار المذكور.

و يجوز-إن كانت الآية على غير سبب-أن يكون قوله: وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللّهِ إشارة إلى جميع الكفرة من العرب و غيرهم،الّذين جلبت لهم هذه التّنبيهات.

(3:304)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه تعالى لمّا ذكر هذه الدّلائل الأربعة (1)قال: وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللّهِ و المراد أنّه تعالى بيّن دلائل كمال علمه في قولهم: يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى الرّعد:8،و بيّن دلائل كمال القدرة في هذه الآيات.ثمّ قال: وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللّهِ يعني هؤلاء الكفّار مع ظهور هذه الدّلائل يجادلون في اللّه،و هو يحتمل وجوها:

أحدها:أن يكون المراد الرّدّ على الكافر الّذي قال:

أخبرنا عن ربّنا أ من نحاس أم من حديد؟

و ثانيها:أن يكون المراد الرّدّ على جدالهم في إنكار البعث و إبطال الحشر و النّشر.

و ثالثها:أن يكون المراد الرّدّ عليهم في طلب سائر المعجزات.

و رابعها:أن يكون المراد الرّدّ عليهم في استنزال عذاب الاستئصال.

و في هذه(الواو)قولان:

الأوّل:أنّها للحال،و المعنى:فيصيب بالصّاعقة من يشاء في حال جداله في اللّه؛و ذلك أنّ أربد لمّا جادل في اللّه أحرقته الصّاعقة.

و الثّاني:أنّها(واو)الاستئناف،كأنّه تعالى لمّا تمّم ذكر هذه الدّلائل قال بعد ذلك: وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللّهِ. (19:27)

النّيسابوريّ: و لمّا بيّن دلائل كمال العلم في قوله:

اَللّهُ يَعْلَمُ الرّعد:8.و دلائل كمال القدرة في هذه الآية،قال: وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللّهِ لأنّ إنكار المدلول بعد وضوح الدّليل جدال بالباطل و عناد محض.

و يحتمل أن تكون(الواو)للحال،أي فيصيب بها).

ص: 199


1- المذكورة في الآيتين:12 و 13 من سورة الرّعد و هي (البرق و السّحاب و الرّعد و الصّواعق).

من يشاء في حال جدالهم،و يؤكّده ما روي عن ابن عبّاس في رواية أبي صالح و ابن جريج و ابن زيد:أنّ عامر بن الطّفيل و أربد بن ربيعة أخا لبيد بن ربيعة أقبلا يريدان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال رجل من أصحابه:يا رسول اللّه هذا عامر بن الطّفيل قد أقبل نحوك،فقال:دعه،فإن يرد اللّه به خيرا يهده،فأقبل حتّى قام عليه،فقال:

يا محمّد ما لي إن أسلمت؟فقال:لك ما للمسلمين و عليك ما عليهم،قال:تجعل لي الأمر بعدك؟قال:لا،ليس ذلك إليّ إنّما ذلك إلى اللّه يجعله حيث يشاء،قال:فتجعلني على الوبر و أنت على المدر؟قال:لا،قال:فما ذا تجعل لي؟ قال:أجعل لك أعنّة الخيل تغز عليها،قال:أو ليس ذلك إليّ اليوم؟و كان أوصى إلى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلّمه فدر عليه من خلفه فاضربه بالسّيف.

فجعل يخاصم رسول اللّه و يراجعه و يجادل في اللّه، يقول:أخبرني عن ربّك أ من نحاس هو أم من حديد؟ فدار أربد خلف النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ليضربه،فاخترط من سيفه شبرا ثمّ حبسه اللّه،فلم يقدر على سلّه،و جعل عامر يومئ إليه،فالتفت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فرأى أربد و ما يصنع بسيفه،فقال:اللّهمّ اكفنيهما بما شئت،فأرسل اللّه على أربد صاعقة في يوم صائف صاح فأحرقته،و ولّى عامر هاربا.و قال:يا محمّد دعوت ربّك،فقتل أربد،و اللّه لأملأنّها عليك خيلا جردا و فرسانا مردا،فقال رسول اللّه:يمنعك اللّه من ذلك و أبناء قيلة،يريد الأوس و الخزرج.

فنزل عامر بيت امرأة سلوليّة،فلمّا أصبح ضمّ عليه سلاحه و خرج،و هو يقول:«و اللاّت لئن أصحر إليّ محمّد و صاحبه،يعني ملك الموت،لأنفذتهما برمحي، فأرسل اللّه إليه ملكا فلطمه بجناحه فأزراه في التّراب، و خرجت على ركبته غدّة-في الوقت-عظيمة،فعاد إلى بيت السّلوليّة،و هو يقول:أ غدّة كغدّة البعير و موت في بيت السّلوليّة،ثمّ مات على ظهر فرسه،و أنزل اللّه الآية في هذه القصّة.(13:75)

ابن كثير :أي يشكّون في عظمته،و أنّه لا إله إلاّ هو.(4:79)

الشّربينيّ: حيث يكذّبون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و التّكذيب:التّشديد في الخصومة.[ثمّ جاء برواية ابن عبّاس عند النّيسابوريّ](2:151)

نحوه الكاشانيّ.(3:62)

أبو السّعود :أي في شأنه تعالى؛حيث يفعلون ما يفعلون من إنكار البعث و استعجال العذاب استهزاء و اقتراح الآيات،ف(الواو)لعطف الجملة على ما قبلها، من قوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ... الرّعد:

12،أو على قوله: اَللّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ... الرّعد:8.

و أمّا العطف على قوله تعالى: وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا الرّعد:7-كما قيل-فلا مجال له،لأنّ قوله تعالى: اَللّهُ يَعْلَمُ.. استئناف لبيان بطلان قولهم ذلك، و نظائره من استعجال العذاب و إنكار البعث قاطع لعطف ما بعده على ما قبله.

و قيل:للحال،أي فيصيب بالصّواعق من يشاء و هم في الجدال.(3:444)

نحوه القاسميّ.(9:3660)

البروسويّ: أي هؤلاء الكفّار مع ظهور هذه

ص: 200

الدّلائل يُجادِلُونَ فِي اللّهِ حيث يكذّبون رسوله فيما يصفه به من العظمة و التّوحيد و القدرة التّامّة،و الجدال:

شدّة الخصومة،من«الجدل»و هو الفتل.(4:353)

نحوه الآلوسيّ(13:121)،و طه الدّرّة(7:117).

شبّر: (الواو)حاليّة أو عاطفة،أي هؤلاء الجهّال مع مشاهدتهم الآيات يخاصمون في التّوحيد و المعاد.

(3:324)

المراغيّ: أي يجادلون في شأنه تعالى،و فيما وصفه به الرّسول الكريم،من كمال العلم و القدرة و التّفرّد بالألوهيّة،و إعادة النّاس للجزاء على أعمالهم يوم العرض و الحساب.

و في هذا تسلية لرسوله صلّى اللّه عليه و سلّم،فإنّه لمّا نعى على كفّار قريش عنادهم في اقتراحهم الآيات الحسّيّة كآيات موسى و عيسى عليهما السّلام،و إنكارهم كون الّذي جاء به عليه السّلام آية،سلاّه بما ذكر،كأنّه قال له:إنّ هؤلاء لم يقصروا جحدهم و إنكارهم على النّبوّة بل تخطّوه إلى الألوهيّة، أ لا تراهم مع ظهور الآيات البيّنات على التّوحيد يجادلون في اللّه باتّخاذ الشّركاء و إثبات الأولاد له،و مع إحاطة علمه و شمول قدرته ينكرون البعث و الجزاء و العرض للحساب،و مع شديد بطشه و عظيم سلطانه يقدمون على المكايدة و العناد،فهوّن عليك،و لا تذهب نفسك عليهم حسرات.(13:82)

مغنيّة: ضمير(هم)يعود إلى المشركين،و المعنى أنّ هؤلاء يجادلون في قدرة اللّه و عظمته،و في محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و نبوّته،و البعث و إمكانه،يجادلون و يكابرون مع ظهور الدّلائل على قدرة اللّه،و المعجزات الباهرة على نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و نزول العذاب على من جحد و أنكر البعث و الحساب.(4:389)

الطّباطبائيّ: و الجدل:المفاوضة و المنازعة في القول،على سبيل المغالبة.[إلى أن قال:]

معناه-و اللّه أعلم-أنّ الوثنيّين-و إليهم وجّه الكلام في إلقاء هذه الحجج-يجادلون في ربوبيّته تعالى،بتلفيق الحجّة على ربوبيّة أربابهم كالتّمسّك بدأب آبائهم.

(11:317)

عبد الكريم الخطيب :الضّمير(هم)يراد به المشركون باللّه،الّذين لا يرجون رحمة اللّه،و لا يخشون عذابه.فلا يحمدون اللّه على تلك النّعم الّتي أفاضها عليهم،مع أنّ هذه النّعم ذاتها تسبّح اللّه و تحمده،أن جعلها رسول خير للنّاس،و مصدر حياة لهم.فكيف لا يحمدها،و لا يشكر للّه من أجلها،من كانت حياتهم معلّقة بها،و وجودهم رهن بوجودها؟أ ليس ذلك ضلالا و سفها و كفرا؟بلى،إنّه الضّلال و السّفه و الكفر.

ثمّ إذا كان الملائكة،و هم ما هم عند اللّه يخافون ربّهم،و يسبّحون بحمده،و يشكرون له،فكيف بهؤلاء المشركين الضّالّين لا يخشون اللّه،و لا يخافون بأسه و عقابه؟لقد غرّهم باللّه الغرور إنّهم يجادلون في اللّه، جدال من ينكره،و يجحد نعمه،و يستخفّ ببأسه و هو سبحانه آخذ بناصيتهم،إنّه ذو الحول و الطّول،شديد العقاب،لن يفلتوا منه،و لن يخلصوا من عقابه.(7:85)

2- اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ وَ عِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ. المؤمن:35

ص: 201

2- اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ وَ عِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ. المؤمن:35

ابن عبّاس: يكذّبون بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و القرآن.(396)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل المؤمن من آل فرعون:[و ذكر الآية ثمّ قال:]

فقوله:(الّذين)مردود على(من)في قوله: مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ المؤمن:34،و تأويل الكلام:كذلك يضلّ اللّه أهل الإسراف و الغلوّ في ضلالهم بكفرهم باللّه، و اجترائهم على معاصيه،المرتابين في أخبار رسله، الّذين يخاصمون في حججه الّتي أتتهم بها رسله، ليدحضوها بالباطل من الحجج.(24:63)

الزّجّاج: (الّذين)في موضع نصب على الرّدّ على (من)أي كذلك اللّه يضلّ الّذين يجادلون في آيات اللّه بغير حجّة أتتهم.

و يجوز أن يكون موضع(الّذين)رفعا على معنى:من هو مسرف مرتاب هم الّذين يجادلون.(4:374)

نحوه الطّوسيّ(9:76)،و الطّبرسيّ(4:523)، و أبو الفتوح الرّازيّ(17:31)،و أبو البركات(2:331).

القمّيّ: يعني بغير حجّة يخاصمون.(2:257)

الزّمخشريّ: اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ بدل من مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ.

فإن قلت:كيف جاز إبداله منه و هو جمع و ذاك موحّد؟قلت:لأنّه لا يريد مسرفا واحدا،فكأنّه قال:

كلّ مسرف.

فإن قلت:فما فاعل(كبر)؟قلت:ضمير (مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ) .

إن قلت:أ ما قلت:هو جمع و لهذا أبدلت منه (الَّذِينَ يُجادِلُونَ) ؟قلت:بل هو جمع في المعنى و أمّا اللّفظ فموحّد، فحمل البدل على معناه،و الضّمير الرّاجع إليه على لفظه،و ليس ببدع أن يحمل على اللّفظ تارة و على المعنى أخرى،و له نظائر.

و يجوز أن نرفع اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ على الابتداء، و لا بدّ في هذا الوجه من حذف مضاف يرجع إليه الضّمير في(كبر)تقديره:جدال الّذين يجادلون كبر مقتا.

و يحتمل أن يكون اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ مبتدأ و بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ خبرا،و فاعل(كبر)قوله:

(كذلك)أي كبر مقتا مثل ذلك الجدال،و يَطْبَعُ اللّهُ كلام مستأنف.و من قال:كبر مقتا عند اللّه جدالهم،فقد حذف الفاعل،و الفاعل لا يصحّ حذفه.(3:427)

نحوه النّسفيّ.(4:78)

العكبريّ: قوله تعالى: اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ فيه أوجه:

أحدها:أن يكون خبر مبتدإ محذوف،أي هم الّذين،و(هم)يرجع على قوله: مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ؛ لأنّه في معنى الجمع.

و الثّاني:أن يكون مبتدأ و الخبر يَطْبَعُ اللّهُ و العائد محذوف،أي على كلّ قلب متكبّر منهم.

و كَذلِكَ خبر مبتدإ محذوف،أي الأمر كذلك، و ما بينهما معترض مسدّد.

و الثّالث:أن يكون الخبر كَبُرَ مَقْتاً أي كبر قولهم مقتا.

و الرّابع:أن يكون الخبر محذوفا،أي معاندون، و نحو ذلك.

ص: 202

و الخامس:أن يكون منصوبا بإضمار أعني.

(2:1119)

أبو حيّان :و جوّزوا في اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ أن تكون صفة ل(من)و بدلا منه،أي معناه جمع و مبتدأ على حذف مضاف،أي جدال الّذين يجادلون،حتّى يكون الضّمير في(كبر)عائدا على ذلك،أو لا أو على حذف مضاف،و الفاعل ل(كبر)ضمير يعود على«الجدال» المفهوم من قوله:(يجادلون)،أو ضمير يعود على(من) على لفظها على أن يكون(الّذين)صفة،أو بدلا أعيد،أو لا على لفظ(من)في قوله: هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ، ثمّ جمع(الّذين)على معنى(من)ثمّ أفرد في قوله:(كبر)على لفظ(من).[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

و هذا الّذي أجازه لا يجوز أن يكون مثله في كلام فصيح،فكيف في كلام اللّه،لأنّ فيه تفكيك الكلام بعضه من بعض،و ارتكاب مذهب الصّحيح خلافه.أمّا تفكيك الكلام فالظّاهر أنّ بِغَيْرِ سُلْطانٍ متعلّق ب يُجادِلُونَ و لا يتعقّل جعله خبرا ل(الّذين)لأنّه جار و مجرور،فيصير التّقدير:الّذين يجادلون في آيات اللّه كائنون أو مستقرّون(بغير سلطان)أي في غير سلطان،لأنّ الباء إذ ذاك ظرفيّة،خبر عن الجثّة.

(7:464)

ابن كثير :أي الّذين يدفعون الحقّ بالباطل، و يجادلون الحجج بغير دليل و حجّة معهم من اللّه تعالى.

(6:139)

الشّربينيّ: اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ هو مبتدأ،أي يخاصمون خصاما شديدا.[إلى أن قال:]

و يجوز في(الّذين)أوجه أيضا،منها:أنّه بدل من قوله تعالى: مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ، و إنّما جمع اعتبارا بمعنى «من».

و منها:أن يكون بيانا له.

و منها:أن يكون صفة له،و جمع على معنى من:

أيضا.

و منها:أن ينصب بإضمار أعني.(3:482)

نحوه الآلوسيّ.(24:68)

البروسويّ: اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بدل من الموصول الأوّل،لأنّه بمعنى الجمع؛إذ لا يريد مسرفا واحدا بل كلّ مسرف،و المراد بالمجادلة:ردّ الآيات و الطّعن فيها.(8:181)

نحوه طنطاوي.(19:18)

المراغيّ: أي إنّ المسرفين المرتابين هم الّذين يخاصمون في حجج اللّه الّتي أتتهم بها رسله ليدحضوها بالباطل من الحجج الّتي لا مستساغ لها من عقل و لا نقل، فيتمسّكون بتقليد الآباء و الأجداد،و يتمسّكون بترّهات الأباطيل الّتي لا يتقبّلها ذوو الحصافة و الرّأي.

(24:69)

نحوه مغنيّة.(6:451)

الطّباطبائيّ: وصف لكلّ مسرف مرتاب،فإنّ من تعدّى طوره بالإعراض عن الحقّ و اتّباع الهوى، و استقرّ في نفسه الارتياب،فكان لا يستقرّ على علم، و لا يطمئنّ إلى حجّة تهديه إلى الحقّ،جادل في آيات اللّه بغير برهان،إذا خالفت مقتضى هواه.(17:331)

طه الدّرّة:أي الّذين يدفعون الحقّ بالباطل،

ص: 203

و يجادلون الحجج بغير دليل و حجّة معهم من اللّه تعالى، و المراد فرعون و من على شاكلته من الضّالّين الفاسدين المفسدين،في كلّ زمان و مكان.(12:560)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: وَ يَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ الشّورى:35

3- إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ...

المؤمن:56

ابن عبّاس: يكذّبون بمحمّد عليه السّلام و القرآن و هم اليهود،و كانوا أيضا يجادلون مع محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم بصفة الدّجّال و عظمته،و رجوع الملك إليهم عند خروج الدّجّال.

(397)

القرطبيّ: يخاصمون...و المراد المشركون،و قيل:

اليهود.فالآية مدنيّة على هذا،كما تقدّم أوّل السّورة.

و المعنى:إن تعظّموا عن اتّباع محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و قالوا:إنّ الدّجّال سيخرج عن قريب فيردّ الملك إلينا،و تسير معه الأنهار،و هو آية من آيات اللّه،فذلك كبر لا يبلغونه، فنزلت الآية فيهم،قاله أبو العالية و غيره،و قد تقدّم في آل عمران أنّه يخرج و يطأ البلاد كلّها إلاّ مكّة و المدينة.

و قد ذكرنا خبره مستوفى في كتاب«التّذكرة».و هو يهوديّ و اسمه صاف و يكنّى أبا يوسف.

و قيل:كلّ من كفر بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و هذا حسن،لأنّه يعمّ.(15:324)

نحوه الآلوسيّ.(24:78)

البيضاويّ: عامّ في كلّ مجادل مبطل و إن نزل في مشركي مكّة أو اليهود.(2:339)

نحوه أبو السّعود(5:424)،و شبّر(5:353)،و طه الدّرّة(12:591).

4- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ أَنّى يُصْرَفُونَ. المؤمن:69

ابن عطيّة: ظاهر الآية أنّها في الكفّار المجادلين في رسالة محمّد و الكتاب الّذي جاء به،بدليل قوله:

اَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ، و هذا قول ابن زيد و الجمهور من المفسّرين.

و قال محمّد بن سيرين و غيره: هي إشارة إلى أهل الأهواء من الأمّة،و روت هذه الفرقة في نحو هذا حديثا، و قالوا:هي في أهل القدر و من جرى مجراهم.

(4:568)

البيضاويّ: تكرير ذمّ المجادلة لتعدّد المجادل أو المجادل فيه أو للتّأكيد.(2:341)

نحوه النّسفيّ(4:84)،و الشّربينيّ(3:496).

أبو حيّان :[كقول ابن عطيّة ثمّ قال:]

و يلزم قائلي هذه المقالة أن يجعل قوله: اَلَّذِينَ كَذَّبُوا المؤمن:70،كلاما مستأنفا في الكفّار،و يكون اَلَّذِينَ كَذَّبُوا مبتدأ و خبره فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ.

و أمّا على الظّاهر ف(الّذين)بدل من(الّذين)أو خبر مبتدإ محذوف،أو منصوبا على الذّمّ و(اذ)ظرف لما مضى فلا يعمل فيه المستقبل،كما لا يقول:سأقوم أمس.

(7:474)

مكارم الشّيرازيّ: من الضّروريّ أن نشير أوّلا

ص: 204

إلى أنّ السّورة الّتي بين أيدينا تحدّثت أكثر من مرّة عن اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ جاء ذلك في الآيتين (35)و(56)و هذه الآية.و نستفيد من القرائن أنّ المقصود ب(آيات اللّه)هي دلائل النّبوّة و علائمها على الأكثر،بالإضافة إلى ما تحويه الكتب السّماويّة.و طالما تتضمّن الكتب السّماويّة آيات التّوحيد،و المسائل الخاصّة بالمبدإ و المعاد،لذا فإنّ هذه القضايا مشمولة بجدال القوم و خصومتهم للحقّ.

هل يستهدف التّكرار تأكيد قضيّة هذا الموضوع؟ أم أنّ كلّ آية تختصّ بطرح و موضوع يختلف عن موضوع أختها؟

إنّنا هنا نميل إلى الاحتمال الثّاني؛إذ يلاحظ،أنّ لكلّ آية موضوع خاصّ.

فالآية:(56)تتحدّث عن دواعي المجادلة و أهدافها، أي الكبر و الغرور،في حين تتحدّث الآية:(35)عن عقابهم الدّنيويّ،متمثّلا بأن ختم اللّه على قلوبهم.

أمّا الآية الّتي نتحدّث عنها الآن فهي تتحدّث عن العقاب الأخرويّ،و أوصافهم في النّار ذات السّعير.

من الضّروريّ أن نشير أيضا إلى أنّ(يجادلون)فعل مضارع يدلّ على الاستمرار.و هذه إشارة إلى أنّ مثل هؤلاء الأفراد الّذين يكذّبون بآيات اللّه لتبرير عقائدهم و أعمالهم السّيّئة المشينة،إنّما يقومون بالمجادلة بشكل مستمرّ من خلال الأقوال و الذّرائع الواهية.(15:292)

يجادلونك

1- ...حَتّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ. الأنعام:25

ابن عبّاس: يسألونك ما ذا أنزل من القرآن.

(107)

هم المشركون يجادلون المسلمين في الذّبيحة، يقولون:أمّا ما ذبحتم و قتلتم فتأكلون،و أمّا ما قتل اللّه فلا تأكلون،و أنتم تتّبعون أمر اللّه تعالى.

(الطّبريّ 7:171)

الحسن :إنّهم كانوا يجادلونه بما ذكره اللّه تعالى من قوله عنهم: إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ.

(الماورديّ 2:104)

الطّبريّ: يخاصمونك.(7:171)

نحوه القمّيّ(1:196)،و الواحديّ(2:261)، و الخازن(2:104).

الطّوسيّ: يعني أنّهم إذا دخلوا إليه بالنّهار إنّما يجيئون مجيء مخاصمين مجادلين رادّين مكذّبين، و لم يكونوا يجيئون مجيء من يريد الرّشاد و النّظر في الدّلالة،الدّالّة على توحيد اللّه و نبوّة نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و كانوا يريدون ذلك بأن يقولوا:هذا أساطير الأوّلين.

(4:111)

نحوه الطّبرسيّ.(2:286)

الزّمخشريّ: و المعنى:أنّه بلغ تكذيبهم الآيات إلى أنّهم يجادلونك و يناكرونك.و فسّر مجادلتهم بأنّهم يقولون: إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ. (2:12)

مثله النّسفيّ(2:8)،و نحوه الفخر الرّازيّ(12:

188)،و النّيسابوريّ(7:89)،و أبو السّعود(2:368)، و القاسميّ(6:2276).

ص: 205

ابن عطيّة: [نقل قول ابن عبّاس في«مجادلتهم»ثمّ قال:]

و هذا جدال في حكم،و الّذي في الآية إنّما هو جدال في مدافعة القرآن،فلا تتفسّر الآية عندي بأمر الذّبح.

(2:280)

أبو حيّان :(يجادلونك)أي يخاصمونك في الاحتجاج،و بلغ تكذيبهم في الآيات إلى المجادلة،و هذا إشارة إلى القرآن،و جعلهم إيّاه من أساطير الأوّلين، قدح في أنّه كلام اللّه.

قيل:كان النّضر يعارض القرآن بأخبار اسفنديار و رستم.

و قال ابن عبّاس:مجادلتهم قولهم:تأكلون ما قتلتم و لا تأكلون ما قتل اللّه.

و هذا فيه بعد،و ظاهر المجادلة أنّه في المسموع الّذي هم يستمعون إلى الرّسول بسببه و هو القرآن،و المعنى أنّهم في الاحتجاج انتهى أمرهم إلى المجادلة و الافتراء دون دليل.(4:98)

ابن كثير :أي يحاجّونك و يناظرونك في الحقّ و الباطل.(3:14)

شبّر:يخاصمونك و يردّون عليك قولك.(2:247)

الآلوسيّ: [له كلام سيأتي في ج ي ء](7:126)

طه الدّرّة:(يجادلونك)فعل و فاعل و مفعول به، و الجملة الفعليّة في محلّ نصب حال من واو الجماعة، و الرّابط الضّمير فقط.(4:104)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: وَ لا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ... النّساء:107

2- يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ. الأنفال:6

ابن عبّاس: يخاصمونك.(145)

لمّا شاور النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في لقاء اليوم،و قال له سعد بن عبادة ما قال،و ذلك يوم بدر،أمر النّاس فتعبّوا للقتال.

و أمرهم بالشّوكة،و كره ذلك أهل الإيمان،فأنزل اللّه:

كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ* يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ....

نحوه ابن إسحاق.(الطّبريّ 9:183)

مجاهد : كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ كذلك يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ القتال.(الطّبريّ 9:181)

ابن زيد :هؤلاء المشركون جادلوك في الحقّ، كأنّما يساقون إلى الموت،حين يدعون إلى الإسلام، وَ هُمْ يَنْظُرُونَ. و ليس هذا من صفة الآخرين،هذه صفة مبتدأة لأهل الكفر.(الطّبريّ 9:183)

الفرّاء: يسألونك عن الأنفال كما جادلوك يوم بدر، فقالوا:أخرجتنا للغنيمة و لم تعلمنا قتالا فنستعدّ له، فذلك قوله: يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ لهم.

(1:403)

الطّبريّ: [نقل قول بعض المفسّرين ثمّ قال:]

و الصّواب من القول في ذلك ما قاله ابن عبّاس و ابن إسحاق:من أنّ ذلك خبر من اللّه عن فريق من المؤمنين، أنّهم كرهوا لقاء العدوّ،و كان جدالهم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن قالوا:لم يعلمنا أنّا نلقي العدوّ،فنستعدّ لقتالهم،و إنّما خرجنا للعير.و ممّا يدلّ على صحّة قوله: وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَ تَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ الأنفال:7،ففي ذلك الدّليل الواضح لمن فهم عن اللّه،أنّ القوم قد كانوا للشّوكة كارهين،و أنّ جدالهم كان في القتال،كما قال مجاهد:

ص: 206

و الصّواب من القول في ذلك ما قاله ابن عبّاس و ابن إسحاق:من أنّ ذلك خبر من اللّه عن فريق من المؤمنين، أنّهم كرهوا لقاء العدوّ،و كان جدالهم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن قالوا:لم يعلمنا أنّا نلقي العدوّ،فنستعدّ لقتالهم،و إنّما خرجنا للعير.و ممّا يدلّ على صحّة قوله: وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَ تَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ الأنفال:7،ففي ذلك الدّليل الواضح لمن فهم عن اللّه،أنّ القوم قد كانوا للشّوكة كارهين،و أنّ جدالهم كان في القتال،كما قال مجاهد:

كراهية منهم له،و أن لا معنى لما قال ابن زيد،لأنّ الّذي قبل قوله: يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ خبر عن أهل الإيمان، و الّذي يتلوه خبر عنهم،فأن يكون خبرا عمّ،أولى منه بأن يكون خبرا عمّن لم يجر له ذكر.(9:183)

الزّجّاج: وعدهم اللّه جلّ و عزّ في غزاة بدر أنّهم يظفرون بأهل مكّة و بالعير و هي الإبل،لكراهتهم القتال،فجادلوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و قالوا:إنّما خرجنا إلى العير.

(2:401)

الطّوسيّ: اختلفوا في المؤمنين الّذين كرهوا القتال و جادلوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم[و نقل قول ابن عبّاس و ابن زيد ثمّ قال:]

و قول ابن عبّاس هو الظّاهر،و عليه أكثر المفسّرين،و هو أنّ هذا صفة للمؤمنين لكن كرهوا ذلك كراهية الطّبع،لكونهم غير مستعدّين للقتال،و لقلّتهم و كثرة المشركين،و يقوّي ذلك قوله بعد هذه الآية:

وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ... فبيّن بذلك أنّهم كانوا يودّون العير دون الحرب.(5:94)

نحوه الطّبرسيّ.(2:520)

القشيريّ: جحود الحقّ بعد وضوح برهانه علم لاستكبار صاحبه.(2:299)

الواحديّ: قال المفسّرون:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه خرجوا لطلب عير قريش.فمنعت قريش عيرها بالنّفير،فالتقوا و أمروا بالقتال،و لم يكونوا أعدّوا له أهبة فشقّ ذلك عليهم،و قالوا:هلاّ أخبرتنا،فكنّا نعدّ له،و جادلوه طلبا للرّخصة في ترك القتال.(2:445)

نحوه البغويّ(2:269)،و القرطبيّ(7:369)، و النّسفيّ(2:95)،و الزّمخشريّ(2:144)،و الخازن (3:7)،و ابن جزيّ(2:61)،و الشّربينيّ(1:558)، و أبو السّعود(3:79)،و البروسويّ(3:316)، و الآلوسيّ(9:171)،و المراغيّ(9:169).

ابن الجوزيّ: [نحو ما تقدّم عن الواحديّ و أضاف:]

و في المجادلين قولان:

أحدهما:أنّهم طائفة من المسلمين،قاله ابن عبّاس و الجمهور.

و الثّاني:أنّهم المشركون،قاله ابن زيد،فعلى هذا يكون جدالهم في الحقّ الّذي هو التّوحيد،لا في القتال.

(3:323)

مغنيّة: و تسأل أنّ المسلمين يقدّسون البدريّين، و يرفعونهم إلى المكان الأعلى،و ها هو القرآن يدين بعضهم صراحة،و أنّهم جادلوا النّبيّ على رغم بيان الحقّ لهم و وضوحه عندهم،لأنّ الوحي نزل به و أخبرهم عنه الرّسول الأعظم صلّى اللّه عليه و سلّم؟

الجواب:إنّ هذا لا يحطّ من شأنهم،و لا يمسّ من إيمانهم باللّه و رسوله،أنّهم بشر تهتزّ نفوسهم إذا رأوا الموت برغم إيمانها و اطمئنانها،هذا إلى أنّها غمامة صيف عرضت،ثمّ تقشّعت.و مضوا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و واجهوا الموت بعزم و ثبات.(3:454)

عبد الكريم الخطيب :في هذا إشارة إلى ما وقع

ص: 207

في نفوس فريق من المؤمنين-لا كلّ المؤمنين-من مشاعر الكراهية،حين عدل بهم عن وجهتهم الّتي اتّجهوا إليها لاقتناص العير،و الاستيلاء على ما تحمل من مال و متاع،إلى حيث يلقون قريشا و جيشها الجرّار في ميدان القتال،و لهذا كان منهم هذا الجدال الّذي تعلّلوا به للنّكوص عن لقاء العدوّ،فقال قائلهم:ما خرجنا للقتال،و لا أخذنا أهبتنا له،و لا صحبنا إخواننا الّذين خلّفناهم وراءنا إليه.

و السّؤال هنا:كيف يجادلون في الحقّ بعد ما تبيّن لهم؟و كيف يكونون مؤمنين مع هذا؟و هل من شأن المؤمن أن يجادل في الحقّ إذا عرف وجهه،و استبان له طريقه؟

و الجواب:أنّ الحقّ-و هو قتال المشركين-كان أمره ظاهرا لهم،بعد أن أفلتت منهم العير؛إذ كان اللّه سبحانه قد وعدهم على لسان نبيّه الكريم بأنّهم سيظفرون بإحدى الطّائفتين،إمّا العير،و إمّا النّفير.

فلمّا أفلتت منهم العير،لم يبق إلاّ النّفير و الحرب.فهذا حقّ مستيقن لهم،لا خفاء فيه.

و لكن يقوم إلى هذا الحقّ،تلك الرّغبة القويّة الّتي كانت مستولية على المؤمنين من قبل،و هي الاستيلاء على العير؛و ذلك شأن النّفس دائما حين يكون خيارها بين أمرين:أحدهما محبوب،و الآخر مكروه.فإنّها حينئذ لا تلتفت إلى غير المحبوب،حتّى ليصبح المكروه عندها كأنّه غير مفترض أصلا،فتنساه،أو تتناساه.

فإذا فاجأها هذا المكروه الّذي أخرجته من حسابها و تقديرها،كان وقعه شديدا عليها،حتّى لكأنّه حدث طارئ لم تكن تتوقّعه.و من هنا يكون إنكارها أو تنكّرها له.(5:568)

طه الدّرّة: جملة يُجادِلُونَكَ... مستأنفة لا محلّ لها،و جوّز اعتبارها حالا من كاف الخطاب،أو من ضمير المستتر في لَكارِهُونَ و الرّابط على الاعتبارين الضّمير فقط.(6:189)

ليجادلوكم

وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَ إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ. الأنعام:121

راجع«ذ ك ر»و«ش طن»

تجادل

يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَ تُوَفّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ. النّحل:111

راجع«ن ف س»

تجادلك

قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَ تَشْتَكِي إِلَى اللّهِ... المجادلة:1

عائشة: تبارك الّذي وسع سمعه كلّ شيء،إنّي لأسمع كلام خولة ابنة ثعلبة،و يخفى عليّ بعضه،و هي تشتكي زوجها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و هي تقول:يا رسول اللّه،أكل شبابي و نثرت له بطني،حتّى إذا كبر سنّي، و انقطع ولدي،ظاهر منّي،اللّهمّ إنّي أشكو إليك.قالت:

ص: 208

فما برحت حتّى نزل جبرئيل عليه السّلام بهؤلاء الآيات قَدْ سَمِعَ اللّهُ... قال[يعني عروة بن الزّبير]:زوجها أوس ابن الصّامت.(الطّبريّ 28:5)

نحوه قتادة.(الطّبريّ 28:2)

ابن عبّاس: تخاصمك و تكلّمك.(260)

[و نحو عائشة إلاّ أنّه قال في أوّله:خولة بنت الصّامت](الطّبريّ 28:3)

[و نحو عائشة أيضا إلاّ أنّه قال:خولة بنت ثعلبة بن مالك](الطّبريّ 28:6)

عروة بن الزّبير: أنّه كتب إلى عبد الملك بن مروان:كتبت إليّ تسألني عن خويلة ابنة أوس بن الصّامت،و إنّها ليست بابنة أوس بن الصّامت و لكنّها امرأة أوس،و كان أوس امرأ به لمم،و كان إذا اشتدّ به لممه تظاهر منها،و إذا ذهب عنه لممه لم يقل من ذلك شيئا،فجاءت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم تستفتيه،و تشتكي إلى اللّه، فأنزل اللّه ما سمعت،و ذلك شأنهما.(الطّبريّ 28:5) أبو العالية :إنّ خويلة ابنة الدّليج أتت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و عائشة تغسل شقّ رأسه،فقالت:يا رسول اللّه،طالت صحبتي مع زوجي،و نفضت له بطني،و ظاهر منّي،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:حرمت عليه،فقالت:أشكو إلى اللّه فاقتي.ثمّ قالت:يا رسول اللّه،طالت صحبتي،و نفضت له بطني،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:حرمت عليه.فجعل إذا قال لها:حرمت عليه،هتفت و قالت:أشكو إلى اللّه فاقتي.فنزل الوحي،و قد قامت عائشة تغسل شقّ رأسه الآخر،فأومأت إليها عائشة أن اسكتي،قالت:

و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذا نزل عليه الوحي أخذه مثل السّبات،فلمّا قضى الوحي،قال:ادعي زوجك، فتلاها عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قَدْ سَمِعَ اللّهُ....

(الطّبريّ 28:1)

نحوه ابن الكعب،و القرظيّ،و أبو إسحاق.[إلاّ أنّهما قالا:خولة ابنة ثعلبة و زوجها أوس بن الصّامت]

(الطّبريّ 28:4)

تراجعك في أمر زوجها.(الطّبرسيّ 5:247)

مجاهد :تجادل محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم،فهي تشتكي إلى اللّه عند كبره و كبرها،حتّى انتفض و انتفض رحمها.

(الطّبريّ 28:5)

الفرّاء: [نحو عائشة و أضاف:]

و هي في قراءة عبد اللّه: (قد يسمع اللّه) ، (و اللّه قد يسمع تحاوركما) ،و في قراءة عبد اللّه: (قول الّتي تحاورك في زوجها) حتّى ذكر الكفّارة في الظّهار،فصارت عامّة.

(3:138)

الطّبريّ: و الّتي كانت تجادل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في زوجها امرأة من الأنصار.و اختلف أهل العلم في نسبها و اسمها،فقال بعضهم:خولة بنت ثعلبة،و قال بعضهم:

اسمها خويلة بنت ثعلبة،و قال آخرون:هي خويلة بنت خويلد.و قال آخرون:هي خويلة بنت الصّامت،و قال آخرون:هي خويلة ابنة الدّليج.

و كانت مجادلتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في زوجها،و زوجها أوس بن الصّامت،مراجعتها إيّاه في أمره،و ما كان من قوله لها:أنت عليّ كظهر أمّي،و محاورتها إيّاه في ذلك، و بذلك قال أهل التّأويل،و تظاهرت به الرّواية.

(28:1)

ص: 209

الطّوسيّ: [ذكر معنى الجدال و قد مرّ في النّصوص اللّغويّة ثمّ قال:]

فمجادلة المرأة لرسول اللّه كان مراجعتها إيّاه في أمر زوجها،و ذكرها:أن كبرت سنّي و دقّ عظمي، و النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يقول:بنت منه-على ما رواه أبو العالية- لأنّه لم يكن نزل عليه في ذلك وحي و لا حكم.

(9:541)

البغويّ: تخاصمك و تحاورك و تراجعك في زوجها.

(5:39)

الزّمخشريّ: [ذكر شأن النّزول كما تقدّم عن المفسّرين](4:69)

البروسويّ: المراد هنا المكالمة،و مراجعة الكلام، أي معاودته،و المعنى قد أجاب اللّه دعاء المرأة الّتي تكالمك في حقّ زوجها استفتاء،و تراجعك الكلام في شأنه و فيما صدر عنه في حقّها من ظهاره إيّاها،بغير وجه مشروع و سبب مقبول.(9:388)

الآلوسيّ: أي تراجعك الكلام في شأنه و فيما صدر عنه في حقّها من الظّهار،و قرئ (تحاورك) و المعنى على ما تقدّم،و تحاورك:أي تساؤلك.(28:2)

أ تجادلوننى

...أَ تُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ... الأعراف:71

ابن عبّاس: أ تخاصمونني.(130)

نحوه الطّبريّ.(8:223)

الطّوسيّ: أ تنازعونني.(4:478)

الطّبرسيّ: أ تناظرونني و تخاصمونني.(2:437)

الآلوسيّ: إنكار و استقباح لإنكارهم مجيئه عليه السّلام داعيا لهم إلى عبادة اللّه تعالى وحده،و ترك ما كان يعبد آباؤهم من الأصنام.(8:159)

جادلهم

اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ. النّحل:125

مجاهد :أعرض عن أذاهم إيّاك.

(الطّبريّ 14:194)

الطّبريّ: و خاصمهم بالخصومة الّتي هي أحسن من غيرها،أن تصفح عمّا نالوا به عرضك من الأذى، و لا تعصه في القيام بالواجب عليك من تبليغهم رسالة ربّك.(14:194)

الواحديّ: أقبل على المشركين،و اصرفهم عمّا هم عليه من الشّرك.(3:91)

البغويّ: و خاصمهم و ناظرهم بالخصومة الّتي هي أحسن،أي أعرض عن أذاهم و لا تقصّر في تبليغ الرّسالة و الدّعاء إلى الحقّ.نسختها آية القتال.

(3:103)

الطّبرسيّ: أي ناظرهم بالقرآن و بأحسن ما عندك من الحجج،و تقديره:بالكلمة الّتي هي أحسن.

و المعنى أقبل المشركين و أصرفهم عمّا هم عليه من الشّرك بالرّفق و السّكينة و لين الجانب في النّصيحة، ليكونوا أقرب إلى الإجابة.فإنّ الجدل هو فتل الخصم

ص: 210

عن مذهبه بطريق الحجاج.

و قيل:هو أن يجادلهم على قدر ما يحتملونه،كما جاء في الحديث:«أمرنا معاشر الأنبياء أن نكلّم النّاس على قدر عقولهم».(3:392)

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ الدّعوة إلى المذهب و المقالة لا بدّ و أن تكون مبنيّة على حجّة و بيّنة، و المقصود من ذكر الحجّة،إمّا تقرير ذلك المذهب و ذلك الاعتقاد في قلوب المستمعين،و إمّا أن يكون المقصود إلزام الخصم و إفحامه.

أمّا القسم الأوّل:فينقسم أيضا إلى قسمين،لأنّ الحجّة إمّا أن تكون حجّة حقيقيّة يقينيّة قطعيّة مبرأة عن احتمال النّقيض،و إمّا أن لا تكون كذلك،بل تكون حجّة تفيد الظّنّ الظّاهر و الإقناع الكامل،فظهر بهذا التّقسيم انحصار الحجج في هذه الأقسام الثّلاثة:

أوّلها:الحجّة القطعيّة المفيدة للعقائد اليقينيّة، و ذلك هو المسمّى بالحكمة،و هذه أشرف الدّرجات و أعلى المقامات،و هي الّتي قال اللّه في صفتها: وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً البقرة:269.

و ثانيها:الأمارات الظّنيّة و الدّلائل الإقناعيّة، و هي الموعظة الحسنة.

و ثالثها:الدّلائل الّتي يكون المقصود من ذكرها إلزام الخصوم و إفحامهم،و ذلك هو الجدل،ثمّ هذا الجدل على قسمين:

القسم الأوّل:أن يكون دليلا مركّبا من مقدّمات مسلّمة في المشهور عند الجمهور،أو من مقدّمات مسلّمة عند ذلك القائل،و هذا الجدل هو الجدل الواقع على الوجه الأحسن.

و القسم الثّاني:أن يكون ذلك الدّليل مركّبا من مقدّمات باطلة فاسدة إلاّ أنّ قائلها يحاول ترويجها على المستمعين بالسّفاهة و الشّغب،و الحيل الباطلة،و الطّرق الفاسدة.و هذا القسم لا يليق بأهل الفضل إنّما اللاّئق بهم هو القسم الأوّل؛و ذلك هو المراد بقوله تعالى:

وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فثبت بما ذكرنا انحصار الدّلائل و الحجج في هذه الأقسام الثّلاثة المذكورة في هذه الآية.

إذا عرفت هذا فنقول:أهل العلم ثلاث طوائف:

الكاملون الطّالبون للمعارف الحقيقيّة و العلوم اليقينيّة،و المكالمة مع هؤلاء لا تمكن إلاّ بالدّلائل القطعيّة اليقينيّة و هي الحكمة.

و القسم الثّاني:الّذين تغلب على طباعهم المشاغبة و المخاصمة لا طلب المعرفة الحقيقيّة و العلوم اليقينيّة، و المكالمة اللاّئقة بهؤلاء المجادلة الّتي تفيد الإفحام و الإلزام.و هذان القسمان هما الطّرفان؛فالأوّل:هو طرف الكمال،و الثّاني:طرف النّقصان.

و أمّا القسم الثّالث:فهو الواسطة،و هم الّذين ما بلغوا في الكمال إلى حدّ الحكماء المحقّقين،و في النّقصان و الرّذالة إلى حدّ المشاغبين المخاصمين،بل هم أقوام بقوا على الفطرة الأصليّة و السّلامة الخلقيّة،و ما بلغوا إلى درجة الاستعداد لفهم الدّلائل اليقينيّة و المعارف الحكميّة،و المكالمة مع هؤلاء لا تمكن إلاّ بالموعظة الحسنة،و أدناها المجادلة.و أعلى مراتب الخلائق الحكماء المحقّقون،و أوسطهم عامّة الخلق و هم أرباب السّلامة،

ص: 211

و فيهم الكثرة و الغلبة.و أدنى المراتب،الّذين جبلوا على طبيعة المنازعة و المخاصمة،فقوله تعالى: اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ معناه ادع الأقوياء الكاملين إلى الدّين الحقّ بالحكمة،و هي البراهين القطعيّة اليقينيّة، و عوامّ الخلق بالموعظة الحسنة،و هي الدّلائل اليقينيّة الإقناعيّة الظّنّيّة،و التّكلّم مع المشاغبين بالجدل على الطّريق الأحسن الأكمل.

و من لطائف هذه الآية أنّه قال: اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ فقصر الدّعوة على ذكر هذين القسمين،لأنّ الدّعوة إن كانت بالدّلائل القطعيّة فهي الحكمة،و إن كانت بالدّلائل الظّنّيّة فهي الموعظة الحسنة.أمّا الجدل فليس من باب الدّعوة،بل المقصود منه غرض آخر مغاير للدّعوة،و هو الإلزام و الإفحام،فلهذا السّبب لم يقل:ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة و الموعظة الحسنة و الجدل الأحسن،بل قطع الجدل عن باب الدّعوة تنبيها على أنّه لا يحصّل الدّعوة، و إنّما الغرض منه شيء آخر،و اللّه أعلم.

و اعلم أنّ هذه المباحث تدلّ على أنّه تعالى أدرج في هذه الآية هذه الأسرار العالية الشّريفة مع أنّ أكثر الخلق كانوا غافلين عنها،فظهر أنّ هذا الكتاب الكريم لا يهتدي إلى ما فيه من الأسرار إلاّ من كان من خواصّ أولي الأبصار.(20:138)

أبو السّعود :أي ناظر معانديهم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ بالطّريقة الّتي هي أحسن طرق المناظرة و المجادلة،من الرّفق و اللّين،و اختيار الوجه الأيسر، و استعمال المقدّمات المشهورة تسكينا لشغبهم،و إطفاء للهبهم،كما فعله الخليل عليه السّلام إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ الّذي أمرك بدعوة الخلق إليه،و أعرض عن قبول الحقّ بعد ما عاين من الحكم و المواعظ و العبر وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ إليه بذلك،و هو تعليل لما ذكر من الأمرين.

و المعنى-و اللّه تعالى أعلم-أسلك في الدّعوة و المناظرة الطّريقة المذكورة،فإنّه تعالى هو أعلم بحال من لا يرعوي عن الضّلال،بموجب استعداده المكتسب، و بحال من يصير أمره إلى الاهتداء،لما فيه من خير جليّ،فما شرعه لك في الدّعوة هو الّذي تقتضيه الحكمة، فإنّه كاف في هداية المهتدين و إزالة عذر الضّالّين.أو ما عليك إلاّ ما ذكر من الدّعوة و المجادلة بالأحسن،و أمّا حصول الهداية أو الضّلال و المجازاة عليهما فإلى اللّه سبحانه؛إذ هو أعلم بمن يبقى على الضّلال و بمن يهتدي إليه،فيجازي كلاّ منهما بما يستحقّه.(4:104)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و الآية دليل على أنّ المناظرة و المجادلة في العلم جائزة إذا قصد بها إظهار الحقّ.

قال الشّيخ السّمرقنديّ في تفسيره في هذه الآية، تنبيه على المدعوّ إلى الحقّ فرق ثلاث:فإنّ المدعوّ إلى اللّه بالحكمة قوم و هم الخواصّ،و بالموعظة قوم و هم العوامّ، و بالمجادلة قوم و هم أهل الجدال،و هم طائفة ذوو كياسة تميّزوا بها عن العوامّ،و لكنّها ناقصة مدنّسة بصفات رديئة من خبث و عناد و تعصّب و لجاج و تقليد ضالّ، تمنعهم عن إدراك الحقّ و تهلكهم،فإنّ الكياسة النّاقصة شرّ من البلاهة بكثير،أ لم تسمع أنّ أكثر أهل الجنّة البله،

ص: 212

فليستعمل كلّ منها مع ما يناسبها،فإنّه لو استعمل الحكمة للعوامّ لم يفد شيئا؛حيث لم يفهموها،لسوء بلادتهم و عدم فطنتهم.(5:97)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و استدلّ-كما قيل-أرباب المعقول بالآية على أنّ المعتبر في الدّعوة من بين الصّناعات الخمس إنّما هو البرهان و الخطابة و الجدل،حيث اقتصر في الآية على ما يشير إليها.و إنّما تفاوتت طرق دعوته عليه الصّلاة و السّلام لتفاوت مراتب النّاس.

فمنهم خواصّ،و هم أصحاب نفوس مشرقة قويّة الاستعداد لإدراك المعاني،قويّة الانجذاب إلى المبادئ العالية،مائلة إلى تحصيل اليقين على اختلاف مراتبه، و هؤلاء يدعون بالحكمة بالمعنى السّابق.

و منهم عوامّ أصحاب نفوس كدرة ضعيفة الاستعداد، شديدة الألف بالمحسوسات،قويّة التّعلّق بالرّسوم و العادات،قاصرة عن درجة البرهان،لكن لا عناد عندهم،و هؤلاء يدعون بالموعظة الحسنة بالمعنى المتقدّم.

و منهم من يعاند و يجادل بالباطل،ليدحض به الحقّ لما غلب عليه من تقليد الأسلاف،و رسخ فيه من العقائد الباطلة،فصار بحيث لا تنفعه المواعظ و العبر بل لا بدّ من إلقامه الحجر بأحسن طرق الجدال،لتلين عريكته و تزول شكيمته،و هؤلاء الّذين أمر صلّى اللّه عليه و سلّم بجدالهم بالّتي هي أحسن.

و إنّما لم تعتبر المغالطة و الشّعر،لأنّ فائدة المغالطة تغليط الخصم و الاحتراز عن تغليطه إيّاه،و مرتبة الرّسول عليه الصّلاة و السّلام تنافي أن يغلّط و تتعالى أن يغلّط،و الشّعر و إن كان مفيدا للخواصّ و العوامّ،فإنّ النّاس في باب الإقدام و الإحجام أطوع للتّخييل منهم للتّصديق،إلاّ أنّ مداره على الكذب،و من ثمّة قيل:

«الشّعر أكذبه أعذبه»فلا يليق بالصّادق المصدوق،كما يشهد به قوله تعالى: وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَ ما يَنْبَغِي لَهُ يس:69.

لا يقال:الشّعر الّذي هو أحد الصّناعات قياس مؤلّف من مقدّمات مخيّلة،و الشّعر الّذي مداره على الكذب هو الكلام الموزون المقفّى،و هو الّذي نفى تعليمه عنه صلّى اللّه عليه و سلّم.

لما قيل:كون الشّعر مذموما،ليس لكونه كلاما موزونا مقفّى بل لاشتماله على تخيّلات كاذبة،فهما من واد واحد،ذكر ذلك بعض المتأخّرين.

و قد ذهب غير واحد إلى أنّ فيها إشارة إلى تفاوت مراتب المدعوّين،إلاّ أنّه خالف في بعض ما تقدّم،ففي «الكشف»بعد أن ذكر أنّ كلام الزّمخشريّ يدلّ على أنّه عليه الصّلاة و السّلام ينبغي أن يجمع في الدّعوة بين الثّلاث،فيكون الكلام في نفسه حسن التّأليف منتجا لما علق به من الغرض،و مع ذلك مقصودا به المناصحة لمن خوطب به،و يكون المتكلّم حسن الخلق في ذلك، معلّما ناصحا شفيقا رفيقا ما نصّه:و الأحسن على ما ذهب إليه المحقّقون أنّه تعميم للدّعوة حسب مراتب المدعوّين في الفهم و الاستعداد،فمن دعا بلسان الحكمة ليفاد اليقين العيانيّ أو البرهانيّ هم السّابقون،و من دعا بالموعظة الحسنة و هي الإقناعات الحكميّة لا الخطابات المشهورة طائفة دون هؤلاء،و من دعا بالمجادلة الحسنة

ص: 213

هم عموم أهل الإسلام و الكفّار أيضا اه.و لا أرى ما يوجب نفي أن يكون المراد بالموعظة الحسنة:الخطابات المشهورة،و كونها مركّبة من مقدّمات مظنونة أو مقبولة، من شخص معتقد فيه،و لا يليق بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم استعمال الظّنّيّات،أو أخذ كلام الغير و الدّعوة به هو الموجب لذلك لا يخفى ما فيه،فتدبّر.

و ذكر الأحسائيّ رئيس الفرقة الظّاهرة في زماننا المسمّاة ب«الكشفيّة»في كتابه«شرح الفوائد» ما محصّله:أنّ المدعوّين من المكلّفين ثلاثة أنواع،و كذا الأدلّة الّتي أشارت إليها الآية،فإن كانوا من الحكماء العقلاء و العلماء النّبلاء فدعوتهم إلى الحقّ الّذي يريده اللّه تعالى منهم من معرفته،بدليل الحكمة،و هو الدّليل الذّوقيّ العيانيّ الّذي يلزم منه العلم الضّروريّ بالمستدلّ عليه،لأنّه نوع من المعاينة،كقولنا في ردّ من زعم أنّ حقائق الأشياء كانت كامنة في ذاته تعالى بنحو أشرف، ثمّ أفاضها:إنّه لا بدّ و أن يكون لذاته سبحانه قبل الإفاضة حال مغاير لما بعدها،سواء كان التّغيّر في نفس الذّات أو فيما هو في الذّات.فإن حصل التّغيّر في الذّات لزم حدوثها،و إن حصل فيما هو في الذّات-أعني حقائق الأشياء الكامنة-لزم أن تكون الذّات محلاّ للمتغيّر المختلف،و يلزم من ذلك حدوثها.

و كقولنا في إثبات أنّه سبحانه أظهر من كلّ شيء:إنّ كلّ أثر يشابه صفة مؤثّرة،و أنّه قائم بفعله قيام صدور كالأشعّة بالنّيّرات و الكلام بالمتكلّم،فالأشياء هي ظهور الواجب بها لها،لأنّه سبحانه لا يظهر بذاته و إلاّ لاختلفت حالتاه،و لا يكون شيء أشدّ ظهورا من الظّاهر في ظهوره لأنّ الظّاهر أظهر من ظهوره،و إن كان لا يمكن التّوصّل إلى معرفته إلاّ بظهوره،مثل القيام فإنّ القائم أظهر في القيام من القيام،و القاعد أظهر في القعود من القعود،و إن كان لا يمكن التّوصّل إلى معرفتهما إلاّ بالقيام و القعود،فتقول:يا قائم و يا قاعد،و المعنى لك إنّما هو القائم و القاعد،لا القيام و القعود،لأنّه بظهوره لك بذلك غيّب عليك مشاهدته،و إن التفتّ إليه احتجب عنك القائم و القاعد،و هو آلة لمعرفة المعارف الحقّيّة، كالتّوحيد و ما يلحق به،و مستنده الفؤاد و هو نور اللّه تعالى المشار إليه،بقوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور اللّه تعالى»و النّقل من الكتاب و السّنّة.

و شرطه الّذي يتوقّف عليه فتح باب النّور ثلاثة أشياء:

أحدها:أن تنصف ربّك و تقبل منه سبحانه قوله، و لا تتّبع شهوة نفسك.

و ثانيها:أن تقف عند بيانك و تبيّنك،و تبيينك على قوله تعالى: وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً الإسراء:36.

و ثالثها:أن تنظر في تلك الأحوال،أعني البيان و ما بعده بعينه تعالى،و هي العين الّتي هي وصف نفسه لك،أعني وجودك من حيث كونه أثرا و نورا،لا بعينك الّتي هي أنت من حيث-أنّك أنت-أنت،فإنّك لا تعرف بهذه العين إلاّ الحادثات المحتاجة الفانية.

و إن كانوا من العلماء ذوي الألباب و أرباب القلوب، فدعوتهم إلى الحقّ الّذي يريده سبحانه منهم من اليقين

ص: 214

الحقيقيّ في اعتقاداتهم،بدليل الموعظة الحسنة،و هي الدّليل العقليّ اليقينيّ الّذي يلزم منه اليقين في الإيمان به سبحانه و بغيره ممّا أمرهم بالإيمان به،و هو آلة لعلم الطّريقة و تهذيب الأخلاق و علم اليقين و التّقوى-و هذه العلوم و إن كانت قد تستفاد من غيره،و لكن بدون ملاحظته لا يوقف على اليقين و الاطمئنان الّذي هو أصل علم الأخلاق،و مستنده القلب و النّقل،و شرط صحّته و الانتفاع به اتّصاف عقلك به بأن تلزم ما ألزمك به و لا تظلمه،و هو كقوله تعالى: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ فصّلت:52،و قوله تعالى: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ كَفَرْتُمْ بِهِ وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَ اسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ الأحقاف:10،إلى غير ذلك ممّا لا يحصى كثرة.

و إن كانوا من العلماء أصحاب الرّسوم كالمتكلّمين و نظائرهم،فدعوتهم إلى الحقّ الّذي يريده سبحانه من اليقين الرّسميّ،بمقتضى طبيعتهم القاصرة،بدليل المجادلة بالّتي هي أحسن و هي الدّليل العلميّ القطعيّ الّذي يلزم منه العلم فيما ذكر،و هو آلة لعلم الشّريعة،و مستنده العلم و النّقل،و شرطه إنصاف الخصم بأن يقيمه على النّحو المقرّر في علم الميزان،و قد ذكره العلماء في كتبهم الأصوليّة و الفروعيّة بل لا يكاد يسمع منهم غير هذا الدّليل،و هو محلّ المناقشات و المعارضات.

و أمّا الدّليلان الأوّلان فليس فيهما مناقشة و لا معارضة،فإذا اعترض عليهما معترض فقد اعترض فيهما بغيرهما اه المراد منه و هو كما ترى،و إنّما ذكرته لتعلم حال المرءوس من حال الرّئيس،و لقد رأيت مشايخ هذه الطّائفة يتكلّمون بما هو كشوك القنافذ و يحسبونه كريش الطّواويس.

و جوّز أن يراد بالحكمة و الموعظة الحسنة:القرآن المجيد فإنّه جامع لكلا الأمرين،فكأنّه قيل:ادع بالقرآن الّذي هو حكمة و موعظة حسنة،و قيل غير ذلك،و منه أنّ الحكمة:النّبوّة و ليس من الحكمة،و فسّر بعضهم المجادلة الحسنة:بالإعراض عن أذاهم و ادّعى أنّ الآية منسوخة بآية السّيف،و الجمهور على أنّها محكمة و أنّ معنى الآية ما تقدّم،و لكون الحكمة أعلى الدّلائل و أشرفها و المدعوّون به الكاملون الطّالبون للمعارف الإلهيّة و العلوم الحقيقيّة،و قليل ما هم جيء بها أوّلا، و لكون الجدل أدنى الدّلائل إذ ليس المقصود منه سوى إلزام الخصم و إفحامه،و لا يستعمل إلاّ مع النّاقصين الّذين تغلب عليهم المشاغبة و المخاصمة،و ليسوا بصدد تحصيل هاتيك العلوم ذكر أخيرا،و لكون الموعظة الحسنة دون الحجّة و فوق الجدل،و المدعوّون بها المتوسّطون الّذين لم يبلغوا في الكمال حدّ الحكماء المحقّقين،و لم يكونوا في النّقصان بمرتبة أولئك المشاغبين، وسطت بين الأمرين،و كأنّه إنّما لم يقل:ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة و الموعظة و الجدال الأحسن.لما أنّ الجدال ليس من باب الدّعوة بل المقصود منه غرض آخر مغاير لها،و هو الإلزام و الإفحام،كما قاله الإمام،فليفهم.

(14:254)

الطّباطبائيّ: و الجدال هو الحجّة الّتي تستعمل لفتل الخصم عمّا يصرّ عليه و ينازع فيه،من غير أن

ص: 215

يريد به ظهور الحقّ بالمؤاخذة عليه،من طريق ما يتسلّمه هو و النّاس،أو بتسلّمه هو وحده،في قوله أو حجّته.فينطبق ما ذكره تعالى من الحكمة و الموعظة و الجدال بالتّرتيب على ما اصطلحوا عليه في فنّ الميزان، بالبرهان و الخطابة و الجدل.

غير أنّه سبحانه قيّد الموعظة بالحسنة،و الجدال بالّتي هي أحسن.ففيه دلالة على أنّ من الموعظة ما ليست بحسنة،و من الجدال ما هو أحسن و ما ليس بأحسن و لا حسن،و اللّه تعالى يأمر من الموعظة بالموعظة الحسنة،و من الجدال بأحسنه.

و لعلّ ما في ذيل الآية من التّعليل بقوله: إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ يوضّح وجه التّقييد،فمعناه أنّه سبحانه أعلم بحال أهل الضّلال في دينه الحقّ،و هو أعلم بحال المهتدين فيه،فهو يعلم أنّ الّذي ينفع في هذا السّبيل هو الحكمة و الموعظة الحسنة و الجدال الأحسن،لا غير.

و الاعتبار الصّحيح يؤيّد ذلك،فإنّ سبيله تعالى هو الاعتقاد الحقّ و العمل الحقّ.و من المعلوم أنّ الدّعوة إليه بالموعظة مثلا ممّن لا يتّعظ بما يعظ به دعوة عملا إلى خلاف ما يدعو إليه القول،و الدّعوة إليه بالمجادلة مثلا بالمسلّمات الكاذبة الّتي يتسلّمها الخصم لإظهار الحقّ، إحياء لحقّ بإحياء باطل،و إن شئت فقل:إحياء حقّ بإماتة حقّ،إلاّ أن يكون الجدال على سبيل المناقضة.

و من هنا يظهر أنّ حسن الموعظة إنّما هو من حيث حسن أثره في الحقّ الّذي يراد به،بأن يكون الواعظ نفسه متّعظا بما يعظ،و يستعمل فيها من الخلق الحسن ما يزيد في وقوعها من قلب السّامع موقع القبول،فيرقّ له القلب،و يقشعرّ به الجلد،و يعيه السّمع،و يخشع له البصر.

و يتحرّز المجادل ممّا يزيد في تهييج الخصم على الرّدّ و العناد،و سوقه إلى المكابرة و اللّجاج،و استعمال المقدّمات الكاذبة و إن تسلّمها الخصم إلاّ في المناقضة، و يحترز سوء التّعبير و الإزراء بالخصم و بما يقدّسه من الاعتقاد و السّبّ و الشّتم،و أيّ جهالة أخرى،فإنّ في ذلك إحياء للحقّ بإحياء الباطل،أي إماتة الحقّ كما عرفت.

و الجدال أحوج إلى كمال الحسن من الموعظة، و لذلك أجاز سبحانه من الموعظة حسنتها،و لم يجز من المجادلة إلاّ الّتي هي أحسن.

ثمّ إنّ في قوله: بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أخذا بالتّرتيب من حيث الأفراد،فالحكمة مأذون فيها بجميع أفرادها،و الموعظة منقسمة إلى حسنة و غير حسنة،و المأذون فيها منهما هي الموعظة الحسنة،و المجادلة منقسمة إلى حسنة و غير حسنة،ثمّ الحسنة إلى الّتي هي أحسن و غيرها، و المأذون فيها منها الّتي هي أحسن.و الآية ساكتة عن توزيع هذه الطّرق بحسب المدعوّين بالدّعوة،فالملاك في استعمالها من حيث المورد حسن الأثر و حصول المطلوب،و هو ظهور الحقّ.

فمن الجائز أن يستعمل في مورد جميع الطّرق الثّلاث، و في آخر طريقان أو طريق واحد حسب ما تستدعيه الحال و يناسب المقام.(12:371)

ص: 216

مكارم الشّيرازيّ: [ذكر الخطوة الأولى و الثّانية في طريق الدّعوة إلى اللّه بالحكمة و الموعظة الحسنة ثمّ قال:]

الخطوة الثّالثة تختصّ بتخلية أذهان الطّرف المخالف من الشّبهات العالقة فيه و الأفكار المغلوطة،ليكون مستعدّا لتلقّي الحقّ عند المناظرة.

و بديهيّ أن تكون المجادلة و المناظرة ذات جدوى إذا كانت بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي أن يحكمها الحقّ و العدل و الصّحّة و الأمانة و الصّدق.و تكون خالية من أيّة إهانة أو تحقير أو تكبّر أو مغالطة،و بعبارة شاملة:أن تحافظ على كلّ الأبعاد الإنسانيّة السّليمة عند المناظرة.

(8:329)

لاحظ«ح س ن»

تجادلوا

وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ... العنكبوت:46

ابن عبّاس: لا تخاصموا اليهود و النّصارى إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ يعني بالقرآن.(336)

إنّ«التى هى احسن»قول لا إله إلاّ اللّه.

(الماورديّ 4:286)

مجاهد :الكفّ عنهم عند بذل الجزية منهم، و قتالهم إن أبوا.(الماورديّ 4:286)

إن قالوا شرّا،فقولوا خيرا.(الطّبريّ 21:1)

نحوه ابن أبي نجيح.(الماورديّ 4:286)

هي محكمة،فيجوز مجادلة أهل الكتاب بالّتي هي أحسن على معنى الدّعاء لهم إلى اللّه عزّ و جلّ،و التّنبيه على حججه و آياته،رجاء إجابتهم إلى الإيمان،لا على طريق الأغلاظ و المخاشنة.(القرطبيّ 13:350)

قتادة : وَ لا تُجادِلُوا... ثمّ نسخ بعد ذلك،فأمر بقتالهم في سورة براءة،و لا مجادلة أشدّ من السّيف أن يقاتلوا حتّى يشهدوا أن لا إله إلاّ اللّه،و أنّ محمّدا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،أو يقرّوا بالخراج.(الطّبريّ 21:2)

ابن زيد :ليست بمنسوخة،لا ينبغي أن تجادل من آمن منهم،لعلّهم يحسنون شيئا في كتاب اللّه،لا تعلمه أنت،فلا تجادله،و لا ينبغي أن تجادل إلاّ الّذين ظلموا، المقيم منهم على دينه.هو الّذي يجادل و يقال له بالسّيف.و هؤلاء يهود.و لم يكن بدار الهجرة من النّصارى أحد،إنّما كانوا يهودا هم الّذين كلّموا و حالفوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و غدرت النّضير يوم أحد،و غدرت قريظة يوم الأحزاب.(الطّبريّ 21:2)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره: وَ لا تُجادِلُوا أيّها المؤمنون باللّه و برسوله،اليهود و النّصارى،و هم أَهْلَ الْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ يقول:إلاّ بالجميل من القول،و هو الدّعاء إلى اللّه بآياته،و التّنبيه على حججه.

(21:1)

نحوه الواحديّ.(3:422)

الزّجّاج: لا تجادلوا أهل الجزية إلاّ بالّتي هي أحسن،و قاتلوا الّذين ظلموا.و قيل:إنّ الآية منسوخة بقوله: قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ إلى قوله: حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ التّوبة:29،فكان الصّغار خارجا من الّتي هي أحسن،

ص: 217

فالأشبه أن تكون منسوخة.و جائز أن يكون الصّغار أخذ الجزية منهم و إن كرهوا،فالّذين تؤخذ منهم الجزية بنصّ الكتاب اليهود و النّصارى،لأنّهم أصحاب التّوراة و الإنجيل،فأمّا المجوس فأخذت منهم الجزية لقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«سنّوا بهم سنّة أهل الكتاب».و اختلف النّاس فيمن سوى هؤلاء من الكفّار مثل عبدة الأوثان و من أشبههم،فهم عند مالك بن أنس يجرون هذا المجرى.

تؤخذ منهم الجزية كانوا عجما أو عربا،و أمّا أهل العراق فقالوا:نقبل الجزية من العجم غير العرب إذا كانوا كفّارا، و إن خرجوا من هذه الأصناف أعني اليهود و النّصارى و المجوس،نحو الهند و التّرك و الدّيلم،فأمّا العرب عندهم فإذا خرجوا من هذه الثّلاثة الأصناف لم تقبل منهم جزية،و كان القتل في أمرهم إن أقاموا على ملّة غير اليهوديّة و النّصرانيّة و المجوسيّة،و بعض الفقهاء لا يرى إلاّ القتل في عبدة الأوثان و الأصنام و من أشبههم.

(4:170)

النّحّاس: قول قتادة[هي منسوخة...]أولى بالصّواب،لأنّ السّورة مكّيّة و إنّما أمر بالقتال بعد الهجرة،و أمر بأخذ الجزية بعد ذلك بمدّة طويلة،و أيضا فإنّه قال: وَ هُمْ صاغِرُونَ. (5:230)

الماورديّ: [نقل التّأويلات في الآية و أضاف:]

و يحتمل تأويلا رابعا:و هو أن يحتجّ لشريعة الإسلام و لا يذمّ ما تقدّمها من الشّرائع.(4:286)

الطّوسيّ: قال قتادة:الآية الأولى منسوخة بالجهاد و القتال.و قال غيره:هي ثابتة،و هو الأولى، لأنّه لا دليل على ما قاله،فكيف و قد أمر بالجدال بالّذي هو أحسن،و هو الواجب الّذي لا يجوز غيره كما قال:

وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فالآية خطاب من اللّه تعالى لنبيّه و جميع المؤمنين ينهاهم أن يجادلوا أهل الكتاب!من اليهود و النّصارى إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ و قيل:معناه إلاّ بالجميل من القول في التّنبيه على آيات اللّه و حججه،و الأحسن الأعلى في الحسن من جهة تقبّل العقل له.و قد يكون الأعلى في الحسن من جهة تقبّل الطّبع له،و قد يكون في الأمرين.و الجدال:فتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج فيه.و في ذلك دلالة على حسن المجادلة،لأنّها لو كانت قبيحة على كلّ حال،لما قال: إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.

و أصل الجدال شدّة الفتل،يقال:جدلته أجدله جدلا إذا فتله فتلا شديدا،و منه الأجدل:للصّقر لشدّة فتل بدنه.و قيل:إنّه يجوز أن يغلظ المحقّ في الجدل على الظّالم فيه،بتأديب اللّه تعالى في الآية في قوله: إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ فاستثنى الظّالم عن المجادلة بالّتي هي أحسن.

فإن قيل:لم استثنى الّذين ظلموا؟و كلّهم ظالم لنفسه بكفره!قيل:لأنّ المراد إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا في جدالهم أو في غيره ممّا يقتضي الإغلاظ لهم،و لهذا يسع الإنسان أن يغلظ على غيره،و إلاّ فالدّاعي إلى الحقّ يجب أن يستعمل الرّفق في أمره.(8:214)

البغويّ: [نحو الطّبريّ و أضاف:]

و أراد من قبل الجزية منهم.(3:561)

الزّمخشريّ: بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ بالخصلة الّتي هي أحسن،و هي مقابلة الخشونة باللّين و الغضب

ص: 218

بالكظم و السّورة بالأناة،كما قال: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. (3:207)

ابن عطيّة: [نقل بعض الأقوال ثمّ قال:]

و الّذي يتوجّه في معنى الآية إنّما يتّضح مع معرفة الحال في وقت نزول الآية،و ذلك أنّ السّورة مكّيّة من بعد الآيات العشر الأول،و لم يكن في ذلك الوقت قتال مفروض و لا طلب جزية و لا غير ذلك،و كانت اليهود بمكّة و فيما جاورها،فربّما وقع بينهم و بين بعض المؤمنين جدال و احتجاج في أمر الدّين و تكذيب،فأمر اللّه تعالى المؤمنين ألاّ يجادلوهم بالمحاجّة إلاّ بالحسنى دعاء إلى اللّه تعالى و ملاينة...ثمّ استثنى من ظلم منهم المؤمنين إمّا بفعل،و إمّا بقول،و إمّا بإذاية محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و إمّا بإعلان كفر فاحش كقول بعضهم:عزير بن اللّه و نحو هذا،فإنّ هذه الصّنيفة استثنى لأهل الإسلام مقارضتها بالتّغيير عليها و الخروج معها عن الّتي هي أحسن،ثمّ نسخ هذا بعد بآية القتال و الجزية،و هذا قول قتادة.(4:320)

الطّبرسيّ: وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ و هم نصارى بني نجران،و قيل:اليهود و النّصارى إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي بالطّريق الّتي هي أحسن،و إنّما يكون أحسن إذا كانت المناظرة برفق و لين،لإرادة الخير و النّفع بها،و مثله قوله: فَقُولا لَهُ قَوْلاً لَيِّناً لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشى طه:44،و الأحسن الأعلى في الحسن من جهة قبول العقل له،و قد يكون أيضا أعلى في الحسن من جهة قبول الطّبع،و قد يكون في الأمرين جميعا،و في هذا دلالة على وجوب الدّعاء إلى اللّه تعالى على أحسن الوجوه و ألطفها،و استعمال القول الجميل في التّنبيه على آيات اللّه و حججه.(4:287)

الفخر الرّازيّ: لمّا بيّن طريقة إرشاد المشركين و نفع من انتفع،و حصل اليأس ممّن امتنع بيّن طريقة إرشاد أهل الكتاب فقال: وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ قال بعض المفسّرين:المراد منه لا تجادلوهم بالسّيف و إن لم يؤمنوا إلاّ إذا ظلموا و حاربوا،أي إذا ظلموا زائدا على كفرهم،و فيه معنى ألطف منه،و هو أنّ المشرك جاء بالمنكر على ما بيّنّاه فكان اللاّئق أن يجادل بالأخشن و يبالغ في تهجين مذهبه و توهين شبهه،و لهذا قال تعالى في حقّهم: صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ البقرة:17،و قال: لَهُمْ أَعْيُنٌ لا يُبْصِرُونَ بِها وَ لَهُمْ آذانٌ لا يَسْمَعُونَ بِها الأعراف:179،إلى غير ذلك.و أمّا أهل الكتاب فجاءوا بكلّ حسن إلاّ الاعتراف بالنّبيّ عليه السّلام،فوحّدوا و آمنوا بإنزال الكتب و إرسال الرّسل و الحشر،فلمقابلة إحسانهم يجادلون أوّلا بالأحسن،و لا تستخفّ آراؤهم و لا ينسب إلى الضّلال آباؤهم،بخلاف المشرك،ثمّ على هذا فقوله:

إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا تبيين له حسن آخر،و هو أن يكون المراد إلاّ الّذين أشركوا منهم بإثبات الولد للّه و القول بثالث ثلاثة.فإنّهم ضاهوهم في القول المنكر فهم الظّالمون،لأنّ الشّرك ظلم عظيم،فيجادلون بالأخشن من تهجين مقالتهم و تبيين جهالتهم،ثمّ إنّه تعالى بيّن ذلك الأحسن فقدّم محاسنهم بقوله: وَ قُولُوا آمَنّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ إِلهُنا وَ إِلهُكُمْ واحِدٌ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ العنكبوت:46،فيلزمنا اتّباع ما قاله لسكنه بين رسالتي في كتبكم فهو دليل مضيء.(25:75)

ص: 219

القرطبيّ: ..قيل:المعنى لا تجادلوا من آمن بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم من أهل الكتاب المؤمنين كعبد اللّه بن سلاّم و من آمن معه، إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ أي بالموافقة فيما حدّثوكم به من أخبار أوائلهم و غير ذلك.و قوله على هذا التّأويل: إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا يريد به من بقي على كفره منهم،كمن كفر و غدر من قريظة و النّضير و غيرهم،و الآية على هذا أيضا محكمة.و قيل:هذه الآية منسوخة بآية القتال.[إلى أن قال:]

و قول مجاهد: [هذه الآية محكمة]حسن،لأنّ أحكام اللّه عزّ و جلّ لا يقال فيها إنّها منسوخة إلاّ بخبر يقطع العذر،أو حجّة من معقول.(13:350)

أبو حيّان :قرأ الجمهور«إلاّ»حرف استثناء،و ابن عبّاس«ألا»حرف تنبيه و استفتاح،و تقديره:ألا جادلوهم بالّتي هي أحسن.و قُولُوا آمَنّا هذا من المجادلة بالأحسن.(7:155)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

على وجه لا يدلّ على الضّعف و لا يؤدّي إلى إعطاء الدّنيّة.و قيل:منسوخ بآية السّيف.(5:156)

نحوه البروسويّ.(6:477)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:المعنى و لا تجادلوا الدّاخلين في الذّمّة المؤدّين للجزية إلاّ بالّتي هي أحسن،إلاّ الّذين ظلموا فنبذوا الذّمّة و منعوا الجزية فإنّ أولئك مجادلتهم بالسّيف.[إلى أن قال:]

و قيل:يجوز أن يكون القائل بذلك ذاهبا إلى أنّ الآية مدنيّة،و مكّيّة السّورة باعتبار أغلب آياتها،أو ممّن يقول:بأنّ الحرب شرّع بمكّة في آخر الأمر،و السّورة آخر ما نزل بها إلاّ أنّه لم يقع،و عدم الوقوع لا يدلّ على عدم المشروعيّة.[إلى أن قال:]

و قال بعض الأجلّة: إنّ المجادلة بالحسنى في أوائل الدّعوة،لأنّها تتقدّم القتال فلا يلزم النّسخ و لا عدم القتال بالكلّيّة،و أمّا كون النّهي يدلّ على عموم الأزمان فيلزم النّسخ،فلا يتمّ ما ذكر،فيدفعه أنّ من يقاتل كمانع الجزية داخل في المستثنى فلا نسخ،و إنّما هو تخصيص بمتّصل،و كون ذلك يقتضي مشروعيّة القتال بمكّة ليس بصحيح،لأنّه مسكوت عنه فتأمّل.(21:2)

الطّباطبائيّ: لمّا أمر في قوله: اُتْلُ ما أُوحِيَ إِلَيْكَ إلخ،بالتّبليغ و الدّعوة من طريق تلاوة الكتاب، عقّبه ببيان كيفيّة الدّعوة،فنهى عن مجادلة أهل الكتاب،و هم على ما يقتضيه الإطلاق اليهود و النّصارى،و يلحق بهم المجوس و الصّابئون-إلاّ بالمجادلة -الّتي هي أحسن المجادلة.

و المجادلة إنّما تحسن إذا لم تتضمّن إغلاظا و طعنا و إهانة،فمن حسنها أن تقارن رفقا و لينا في القول لا يتأذّى به الخصم،و أن يقترب المجادل من خصمه و يدنو منه حتّى يتّفقا و يتعاضدا لإظهار الحقّ من غير لجاج و عناد،فإذا اجتمع فيها لين الكلام و الاقتراب بوجه زادت حسنا على حسن فكانت أحسن.

(16:137)

مكارم الشّيرازيّ: اتّبعوا أحسن الأساليب في البحث و الجدال:

كان أكثر الكلام في الآيات المتقدّمة في كيفيّة

ص: 220

التّعامل مع عبدة الأصنام اللّجوجين،و كان مقتضى الحال أن يكون الكلام شديد اللّهجة حادّا،و أن يعدّ ما يعبدون من دون اللّه أوهى من بيت العنكبوت،أمّا في هذه الآيات-محلّ البحث-فيقع الكلام في شأن مجادلة أهل الكتاب الّذين ينبغي أن يكون الكلام معهم لطيفا إذ أنّهم-على الأقلّ-قد سمعوا قسما ممّا جاء به الأنبياء و الكتب السّماويّة،و لديهم استعداد أكثر للتّعامل المنطقيّ،إذ ينبغي أن يكلّم كلّ شخص بمقدار علمه و ميزانه الخلقيّ و العقليّ!

فيقول القرآن في هذا الصّدد أوّلا: وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.

وَ لا تُجادِلُوا مشتقّ هذا اللّفظ من«الجدال» الّذي معناه في الأصل فتل الحبل و إحكامه،كما تستعمل هذه الدّلالة و«الخصوصيّة»في البناء المحكم و ما أشبهه، و حين يتناقش اثنان في بحث معيّن فكلّ واحد منهما-في الحقيقة-يريد أن يلوي صاحبه عن عقيدته و فكرته.

لذا فقد سمّي هذا النّقاش جدالا.كما يرد هذا التّعبير في النّزاع أيضا،و على كلّ حال فإنّه المراد من قوله:

وَ لا تُجادِلُوا المناقشات المنطقيّة.

و التّعبير ب«التى هى احسن»تعبير جامع يشمل الأساليب و الطّرق الصّحيحة و المناسبة للتّباحث أجمع، سواء كان ذلك في الألفاظ أو المحتوى،و سواء كان في طريقة الكلام أو الحركات و الإشارات الّتي تصاحبه.

فعلى هذا يكون مفهوم الجملة المتقدّمة:إنّ ألفاظكم ينبغي أن تكون بطريقة مؤدّبة و الكلام ذا مودّة و المحتوى ذا استدلال،و صوتكم هادئا غير خشن،و لا متجاوز لحدود الأخلاق أو مقتض لهتك الحرمة و كذلك بالنّسبة لحركات الأيدي و العيون و الحواجب الّتي تكمّل البيان، ينبغي أن تكون هذه الحركات ضمن هذه الطّريقة المؤدّبة.و كم هو جميل هذا التّعبير القرآنيّ إذ أوجز عالما من المعاني الخفيّة في جملة قصيرة.

كلّ هذه الأمور لأجل أنّ الهدف من وراء النّقاش و البحث ليس هو طلب التّفوّق و جعل الطّرف الآخر خجلا مندحرا،بل الهدف منه أن يكون الكلام ذا تأثير حتّى ينفذ في القلب و في أعماق الطّرف الآخر.و خير السّبل للوصول إلى هذا الهدف هو هذا الأسلوب القرآنيّ.

و كثيرا ما يتّفق أنّه لو استطاع الإنسان أن يعكس قول الحقّ بصورة يراها الطّرف الآخر من فكره و طريقته،فسرعان ما ينعطف إليه و منسجم معه،لأنّ الإنسان ذو علاقة بفكره كما هو ذو علاقة بأبنائه.

و هكذا فإنّ القرآن الكريم يثير كثيرا من المسائل على صورة السّؤال و الاستفهام ليستحصل على جوابه من داخل فكر المخاطب فيراه منه.(12:377)

فضل اللّه : وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ بالكلمة الحلوة الهادئة المعبّرة الواضحة، و الأسلوب الحكيم الّذي يرصد المشاعر و الأحاسيس ليحترمها،و يدرس الذّهنيّة لدى الطّرف الآخر للحوار ليتعامل معها من خلال نقاط الضّعف و القوّة،و الجوّ الملائم الّذي يدرس الظّروف المحيطة بالمسألة،ليحشد فيه كلّ ما يمكن أن يثير التّفكير،و يبعد الانفعال، و يقرّب من الاقتناع الهادئ العميق،لتكون المسألة

ص: 221

مسألة فكر يصارع فكرا في أجواء الرّغبة في الوصول إلى الحقيقة الّتي تسمح بالتّراجع عن الخطأ،و تقود للانفتاح على الصّواب،بعيدا عن مسألة تأكيد الذّات،كما هو الحال عند مجتمعات التّخلّف الّتي تفهم الخلاف في الرّأي، قضيّة ذات تصارع ذاتا،ممّا يجعل الانفعال هو طابع الحوار.

فهذا هو الأسلوب الأحسن الّذي يقود الآخرين إلى احترام فكر الإسلام،و يقرّبهم من أجواء الوصول إلى النّتائج الإيجابيّة السّليمة،و يحوّل الأعداء إلى أصدقاء، أمّا الأسلوب الّذي هو الأسوأ،فإنّ الإسلام يرفضه مع كلّ النّاس،لأنّه يعقّد الأمور بدلا من أن يحلّ مشاكلها، و ذلك مثل السّباب و الاتّهامات الظّالمة،و الافتراءات الباطلة،و الكلمات الخشنة،و الأساليب المتشنّجة، و الأجواء الانفعاليّة،و التّأكيد على مواطن الخلاف بدلا من مواطن اللّقاء،و غير ذلك ممّا يثير التّعقيد و التّشنّج و الارتباك على أكثر من صعيد،و يحوّل السّاحة إلى ساحة قتال بدلا من ساحة سلام.(18:63)

جدال

اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ... البقرة:197

ابن مسعود:أنّه لا مراء بالسّباب و الأعصاب على جهة المحكّ،و اللّجاج.

مثله ابن عبّاس و الحسن.(الطّوسيّ 2:164)

الجدال هنا مماراة المسلم حتّى يغضب،فأمّا في مذاكرة العلم فلا نهي عنها.(أبو حيّان 2:87)

ابن عبّاس: المراء و الملاحاة حتّى تغضب أخاك و صاحبك،فنهى اللّه عن ذلك.(الطّبريّ 2:273)

أن تماري صاحبك حتّى تغضبه.

نحوه مجاهد و الرّبيع و عمرو بن دينار و الضّحّاك و عطاء.(الطّبريّ 2:272)

الجدال:السّباب.

نحوه ابن عمر و قتادة.(الطّبريّ 2:273)

المراء بالحجّ.(الطّبريّ 2:275)

نحوه مجاهد و الحسن(الطّبريّ 2:272)،و ابن قتيبة(79).

ابن عمر:الجدال في الحجّ:السّباب،و المراء، و الخصومات.(الطّبريّ 2:273)

سعيد بن جبير: أن تمحن صاحبك حتّى تغضبه.

أن تصخب صاحبك.(الطّبريّ 2:272)

النّخعيّ: كانوا يكرهون الجدال.(الطّبريّ 2:273)

مجاهد :قد استقام الحجّ و لا جدال فيه.

هو شهر معلوم،لا تنازع فيه.

(الطّبريّ 2:274،275)

إنّه لا جدال في أنّ الحجّ قد استدار في ذي الحجّة، لأنّهم كانوا ينسون الشّهور،فيقدّمون و يؤخّرون،فربّما اتّفق في غيره.

مثله السّدّيّ.(الطّوسيّ 2:164)

بيّن اللّه أمر الحجّ و معالمه،فليس فيه الكلام.

(الطّبريّ 2:275)

كانوا يحجّون في ذي الحجّة عامين،و في المحرّم عامين،ثمّ حجّوا في صفر عامين،و كانوا يحجّون في كلّ

ص: 222

سنة و في كلّ شهر عامين،ثمّ وافقت حجّة أبي بكر من العامين في ذي القعدة قبل حجّة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بسنة،ثمّ حجّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من قابل في ذي الحجّة،فذلك حين يقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السّماوات و الأرض».(الطّبريّ 2:275)

عكرمة :الجدال:الغضب،أن تغضب عليك مسلما،إلاّ أن تستعتب مملوكا،فتعظه من غير أن تغضبه،و لا أمر عليك إن شاء اللّه تعالى في ذلك.

(الطّبريّ 2:273)

الجدال:أن تماري صاحبك حتّى يغضبك أو تغضبه.

(2:273)

القاسم بن محمّد: الجدال في الحجّ أن يقول بعضهم:الحجّ اليوم،و يقول بعضهم:الحجّ غدا.

(الطّبريّ 2:274)

ابن كعب القرظيّ: الجدال:كانت قريش إذا اجتمعت بمنى قال هؤلاء:حجّنا أتمّ من حجّكم،و قال هؤلاء:حجّنا أتمّ من حجّكم.(الطّبريّ 2:274)

قتادة :الجدال هو الصّخب و المراء و أنت محرم.

مثله الزّهريّ.(الطّبريّ 2:273)

أبو جعفر عليه السّلام: عن الرّجل المحرم قال لأخيه:

لا لعمري.قال:ليس هذا بجدال،إنّما الجدال:لا و اللّه، و بلى و اللّه.(العيّاشيّ 1:206)

الإمام الصّادق عليه السّلام: الجدال:قول الرّجل:لا و اللّه،و بلى و اللّه،و المفاخرة.(العيّاشيّ 1:204)

إذا حلف ثلاث أيمان متتابعات صادقا فقد جادل، فعليه دم،و إذا حلف بواحدة كاذبا فقد جادل، فعليه دم.(العيّاشيّ 1:204)

مقاتل: هو أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال لهم في حجّة الوداع و قد أحرموا بالحجّ:«اجعلوا إهلالكم بالحجّ عمرة إلاّ من قلّد الهدي».قالوا:كيف نجعلها عمرة و قد سمّينا الحجّ؟ فهذا جدالهم.(البغويّ 1:252)

مالك بن أنس: الجدال في الحجّ،أنّ قريشا كانوا يقفون عند المشعر الحرام في المزدلفة بقزح،و كان غيرهم يقفون بعرفات،و كانوا يتجادلون،يقول هؤلاء:نحن أصوب،و يقول هؤلاء:نحن أصوب،قال اللّه تعالى:

لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنا مَنْسَكاً هُمْ ناسِكُوهُ فَلا يُنازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَ ادْعُ إِلى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلى هُدىً مُسْتَقِيمٍ* وَ إِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ الحجّ:67،68،هذا هو الجدال فيما يروى و اللّه أعلم.(الفخر الرّازيّ 5:181)

ابن زيد :كانوا يقفون مواقف مختلفة يتجادلون، كلّهم يدّعي أنّ موقفه موقف إبراهيم،فقطعه اللّه حين أعلم نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم بمناسكهم.(الطّبريّ 2:274)

الفرّاء: إنّ الرّفث:الجماع،و الفسوق:السّباب، و الجدال:المماراة في الحج:فالقرّاء على نصب ذلك كلّه بالتّبرئة إلاّ مجاهدا فإنّه رفع الرّفث و الفسوق و نصب الجدال،و كلّ ذلك جائز.

فمن نصب أتبع آخر الكلام أوّله،و من رفع بعضا و نصب بعضا فلأنّ التّبرئة فيها وجهان:الرّفع بالنّون، و النّصب بحذف النّون.و لو نصب الفسوق و الجدال بالنّون لجاز ذلك في غير القرآن؛لأنّ العرب إذا بدأت بالتّبرئة فنصبوها لم تنصب بنون،فإذا عطفوا عليها ب«لا»كان فيها وجهان،إن شئت جعلت«لا»معلّقة

ص: 223

يجوز حذفها فنصبت على هذه النّيّة بالنّون،لأنّ«لا»في معنى صلة،و إن نويت بها الابتداء كانت كصاحبتها، و لم تكن معلّقة فتنصب بلا نون.(1:120)

أبو عبيدة :أي لا شكّ فيه أنّه لازم في ذي الحجّة، هذا فيمن قال:(جدال)،و من قال:(لا جدال فى الحجّ):

من المجادلة.(1:70)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في ذلك،فقال بعضهم:معنى ذلك النّهي عن أن يجادل المحرم أحدا.ثمّ اختلف قائلو هذا القول،فقال بعضهم:نهى عن أن يجادل صاحبه حتّى يغضبه.

و قال آخرون منهم:الجدال في هذا الموضع معناه السّباب.

و قال آخرون منهم:بل عنى بذلك خاصّا من الجدال و المراء،و إنّما عنى الاختلاف فيمن هو أتمّ حجّا من الحجّاج.

و قال آخرون منهم:بل ذلك اختلاف كان يكون بينهم في اليوم الّذي فيه الحجّ،فنهوا عن ذلك.

و قال آخرون:بل اختلافهم ذلك في أمر مواقف الحجّ أيّهم المصيب موقف إبراهيم.

و قال آخرون:بل وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ خبر من اللّه تعالى عن استقامة وقت الحجّ على ميقات واحد، لا يتقدّمه و لا يتأخّره،و بطول فعل النّسيء.

و أولى هذه الأقوال في قوله: وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ بالصّواب،قول من قال:معنى ذلك قد بطل الجدال في الحجّ و وقته.و استقام أمره و وقته على وقت واحد، و مناسك متّفقة غير مختلفة،و لا تنازع فيه،و لا مراء؛ و ذلك أنّ اللّه تعالى ذكره أخبر أنّ وقت الحجّ أشهر معلومات،ثمّ نفى عن وقته الاختلاف الّذي كانت الجاهليّة في شركها تختلف فيه.

و إنّما اخترنا هذا التّأويل في ذلك،و رأيناه أولى بالصّواب ممّا خالفه،لما قد قدّمنا من البيان آنفا في تأويل قوله:(و لا فسوق)أنّه غير جائز أن يكون اللّه خصّ بالنّهي عنه في تلك الحال مطلق مباح في الحال الّتي يخالفها،و هي حال الإحلال؛و ذلك أنّ حكم ما خصّ به من ذلك حكم حال الإحرام إن كان سواء فيه حال الإحرام و حال الإحلال،فلا وجه لخصوصه به حالا دون حال،و قد عمّ به جميع الأحوال.

و إذ كان ذلك كذلك،و كان لا معنى لقول القائل في تأويل قوله: وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ أنّ تأويله:لا تمار صاحبك حتّى تغضبه،إلاّ أحد معنيين:

إمّا أن يكون أراد لا تماره بباطل حتّى تغضبه،فذلك ما لا وجه له،لأنّ اللّه عزّ و جلّ قد نهى عن المراء بالباطل في كلّ حال،محرما كان المماري أو محلاّ،فلا وجه لخصوص حال الإحرام بالنّهي عنه،لاستواء حال الإحرام و الإحلال في نهي اللّه عنه.

أو يكون أراد:لا تماره بالحقّ؛و ذلك أيضا ما لا وجه له،لأنّ المحرم لو رأى رجلا يروم فاحشة،كان الواجب عليه مراءه في دفعه عنها،أو رآه يحاول ظلمه و الذّهاب منه بحقّ له قد غصبه عليه،كان عليه مراؤه فيه و جداله،حتّى يتخلّصه منه.

و الجدال و المراء لا يكون بين النّاس إلاّ من أحد وجهين:إمّا من قبل ظلم،و إمّا من قبل حقّ.فإذا كان

ص: 224

من أحد وجهيه غير جائز فعله بحال،و من الوجه الآخر غير جائز تركه بحال.فأيّ وجوهه الّتي خصّ بالنّهي عنه حال الإحرام؟و كذلك لا وجه لقول من تأوّل ذلك أنّه بمعنى السّباب،لأنّ اللّه تعالى ذكره قد نهى المؤمنين بعضهم عن سباب بعض على لسان رسوله عليه الصّلاة و السّلام في كلّ حال،فقال صلّى اللّه عليه و سلّم:«سباب المسلم فسوق، و قتاله كفر».فإذا كان المسلم عن سبّ المسلم منهيّا في كلّ حال من أحواله،محرما كان أو غير محرم،فلا وجه لأن يقال:لا تسبّه في حال الإحرام إذا أحرمت.

(2:271-276)

الزّجّاج: و قالوا في قوله: وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ قولين:قالوا: وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ: لا شكّ في الحجّ، و قالوا:لا ينبغي للرّجل أن يجادل أخاه فيخرجه الجدال إلى ما لا ينبغي تعظيما لأمر الحجّ،و كلّ صواب،و يجوز:

(فلا رفث و لا فسوق و لا جدال فى الحجّ) ...و بعضهم يقرأ-و هو أبو عمرو- (فلا رفث و لا فسوق و لا جدال فى الحجّ) و كلّ صواب.

و قد شرحنا أنّ«لا»تنصب النّكرات بغير تنوين، و بيّنّا حقيقة نصبها.و زعم سيبويه و الخليل أنّه يجوز أن ترفع النّكرات بتنوين.[إلى أن قال:]

و حقيقة ما ارتفع بعدها-عند بعض أصحابه-على الابتداء،لأنّه إذا لم تنصب فإنّما يجري ما بعدها كما يجري ما بعد«هل»أي لا تعمل فيه شيئا،فيجوز أن يكون (لا رفث)على ما قال سيبويه،و يجوز أن يكون على الابتداء كما وصفنا،و يكون(فى الحجّ)هو خبر لهذه المرفوعات،و يجوز إذا نصبت ما قبل المرفوع بغير تنوين و أتيت بما بعده مرفوعا أن يكون عطفا على الموضع، و يجوز أن يكون رفعه على ما وصفنا،فأمّا العطف على الموضع إذا قلت:لا رجل و غلام في الدّار،فكأنّك قلت:

ما رجل و لا غلام في الدّار.(1:270)

القمّيّ: الجدال:الخصومة،و هي قول:لا و اللّه و بلى و اللّه.(1:69)

القفّال: يدخل في هذا النّهي ما جادلوا فيه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حين أمرهم بفسخ الحجّ إلى العمرة،فشقّ عليهم ذلك،و قالوا:نروح إلى منى و مذاكيرنا تقطر منيّا؟فقال عليه الصّلاة و السّلام:«لو استقبلت من أمري ما استدبرت ما سقت الهدي و لجعلتها عمرة»،و تركوا الجدال حينئذ.(الفخر الرّازيّ 5:181)

الجصّاص :جميع ما ذكر من هذه المعاني[في الرّفث،و الفسوق،و الجدال]عن المتقدّمين جائز أن يكون مراد اللّه تعالى،فيكون المحرم منهيّا عن السّباب و المماراة في أشهر الحجّ،و في غير ذلك.[إلى أن قال:]

و يكون تخصيصه إيّاها بحال الإحرام تعظيما للإحرام،و إن كانت محظورة في غيره...

وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ قد تضمّن النّهي عن مماراة صاحبه و رفيقه و إغضابه به،و حظر الجدال في وقت الحجّ على ما كان عليه أمر الجاهليّة،لأنّه قد استقرّ على وقت واحد،و أبطل به النّسيء الّذي كان أهل الجاهليّة عليه،و هو معنى قوله عليه السّلام:«ألا إنّ الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق السّماوات و الأرض»يعني عود الحجّ إلى الوقت الّذي جعله اللّه له،و اتّفق ذلك في حجّة النّبيّ عليه السّلام.

ص: 225

و قوله: فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ و إن كان ظاهره الخبر،فهو نهي عن هذه الأفعال.و عبّر بلفظ النّفي عنها،لأنّ المنهيّ عنه سبيله أن يكون منفيّا غير مفعول،و هو كقوله في الأمر: وَ الْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَّ.. .يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ البقرة:233،234، و ما جرى مجراه صيغته صيغة الخبر،و معناه الأمر.

(1:308)

الطّوسيّ: وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ فالّذي رواه أصحابنا أنّه قول:لا و اللّه،و بلى و اللّه،صادقا و كاذبا.

[إلى أن قال:]

و من نصب«الثّلاثة»أخرج اللّفظ مخرج عموم النّفي، للمبالغة في معنى النّفي.و من رفع بعضا و نصب بعضا، فلاختلاف المعنى،لأنّ الأوّل على معنى النّهي و الثّاني بمعنى الإخبار عن زمان الحجّ:قد استدار في ذي الحجّة، فكان أحقّ بالنّصب،لعموم النّفي.فأمّا الأوّل،فقد يقع من الخاطئ،فلا يصحّ فيه عموم النّفي،هذا قول النّحويّين.

و الصّحيح أنّ الكلّ معناه النّهي،و إن خرج مخرج النّفي و الإخبار،و المراد به النّهي بلا خلاف.(2:164)

نحوه الطّبرسيّ.(1:294)

الواحديّ: هو أن يجادل صاحبه و يماريه حتّى يغضبه،نهي المحرم عن هذا.و ذكرنا وجه انتصاب قوله: فَلا رَفَثَ عند قوله: لا رَيْبَ فِيهِ البقرة:2.

و من قرأ بالرّفع شبّه«لا»ب«ليس»[ثمّ استشهد بشعر]

و لم يختلفوا في نصب وَ لا جِدالَ و ذلك أنّ معنى الأوّلين:النّهي،كأنّه قيل:لا ترفثوا و لا تفسقوا،و معنى الثالث:الخبر،لأنّ معناه:لا جدال في أنّ الحجّ في ذي الحجّة.و هذا قول مجاهد و أبي عبيدة،قالا:معناه:

و لا شكّ في الحجّ أنّه في ذي الحجّة،إبطالا للنّسيء الّذي كان يفعله أهل الجاهليّة.و أرادوا الفرق بين اللّفظين، ليكون مخالفة ما بينهما في اللّفظ،كمخالفة ما بينهما في المعنى.(1:301)

الزّمخشريّ: و لا مراء مع الرّفقاء،و الخدم و المكّارين،و إنّما أمر باجتناب ذلك-و هو واجب الاجتناب في كلّ حال-لأنّه في الحجّ أسمج،كلبس الحرير في الصّلاة،و التّطريب في قراءة القرآن،و المراد بالنّفي وجوب انتفائها و أنّها حقيقة بأن لا تكون.

و قرئ المنفيّات الثّلاث بالنّصب و بالرّفع.و قرأ أبو عمر و ابن كثير الأوّلين بالرّفع و الآخر بالنّصب، لأنّهما حملا الأوّلين على معنى النّهي،كأنّه قيل:

فلا يكوننّ رفث و لا فسوق،و الثّالث على معنى الإخبار بانتفاء الجدال،كأنّه قيل:و لا شكّ و لا خلاف في الحجّ؛ و ذلك أنّ قريشا كانت تخالف سائر العرب،فتقف بالمشعر الحرام و سائر العرب يقفون بعرفة،و كانوا يقدّمون الحجّ سنة و يؤخّرونه سنة و هو النّسيء،فردّ إلى وقت واحد و ردّ الوقوف إلى عرفة،فأخبر اللّه تعالى أنّه قد ارتفع الخلاف في الحجّ،و استدلّ على أنّ المنهيّ عنه هو الرّفث و الفسوق دون الجدال،بقوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«من حجّ فلم يرفث و لم يفسق خرج كهيئة يوم ولدته أمّه»و أنّه لم يذكر الجدال.(1:346)

نحوه البيضاويّ(1:108)،و النّسفيّ(1:101)، و الشّربينيّ(1:131)،و أبو السّعود(1:250)، و الآلوسيّ(2:86).

ص: 226

ابن الأنباريّ: اختلف القرّاء فيها،فمنهم من قرأها كلّها بالفتح،و منهم من قرأ (لا رفث و لا فسوق) بالرّفع،و قرأ (لا جدال) بالفتح.

فأمّا من قرأها كلّها بالفتح،جعل النّكرة مبنيّة مع (لا)كما قدّمنا في قوله تعالى: لا رَيْبَ فِيهِ البقرة:2، و(لا)مع النّكرة فيها كلّها في موضع مبتدإ،و(فى الحجّ) الخبر عنها كلّها.

و من قرأ (لا رفث و لا فسوق) بالرّفع، (و لا جدال) بالفتح،لم يبن الفكرة مع فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ لمكان العطف،و رفعها بالابتداء،و الخبر مقدّر،و تقديره:(فى الحجّ).و بنى(لا جدال)على الفتح،لأنّه أراد أن يفرّق بين الرّفث و الفسوق،و بين الجدال،لأنّ المراد بقوله:

فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ لا ترفثوا و لا تفسقوا،و المراد بقوله: وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ أي لا شكّ في وقت الحجّ.

فعلى هذا يكون قوله:(فى الحجّ)خبرا عن قوله:

(لا جدال)فقط دون ما قبله لاختلافهما؛إذ لا يجوز الجمع بين خبرين في خبر واحد.(1:147)

الفخر الرّازيّ: ذكر المفسّرون وجوها في هذا الجدل.[ثمّ ذكر قول الحسن و ابن كعب و مالك و القاسم ابن محمّد،ثمّ قال:]

و ذلك أنّهم أمروا أن يجعلوا حساب الشّهور على رؤية الأهلّة،و آخرون كانوا يجعلونه على العدد،فبهذا السّبب كانوا يختلفون،فبعضهم يقول:هذا اليوم يوم العيد،و بعضهم يقول:بل غدا،فاللّه تعالى نهاهم عن ذلك،فكأنّه قيل لهم:قد بيّنّا لكم أنّ الأهلّة مواقيت للنّاس و الحجّ،فاستقيموا على ذلك و لا تجادلوا فيه من غير هذه الجهة.[ثمّ نقل قول القفّال و ابن زيد و أضاف:]

السّابع:[بعد أن ذكر أقوالا ستّة في المراد فيها قال:] أنّهم كانوا مختلفين في السّنين،فقيل لهم:لا جدال في الحجّ،فإنّ الزّمان استدار و عاد إلى ما كان عليه الحجّ في وقت إبراهيم عليه السّلام،و هو المراد بقوله عليه الصّلاة و السّلام في حجّة الوداع:«ألا إنّ الزّمان قد استدار كهيئته يوم خلق اللّه السّماوات و الأرض»فهذا مجموع ما قاله المفسّرون في هذا الباب.

و ذكر القاضي كلاما حسنا في هذا الموضع،فقال:

«قوله تعالى: فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ يحتمل أن يكون خبرا،و أن يكون نهيا،كقوله:

لا رَيْبَ فِيهِ البقرة:2،أي لا ترتابوا فيه».

و ظاهر اللّفظ للخبر،فإذا حملناه على الخبر كان معناه أنّ الحجّ لا يثبت مع واحدة من هذه الخلال بل يفسد لأنّه كالضّدّ لها،و هي مانعة من صحّته.و على هذا الوجه لا يستقيم المعنى،إلاّ أن يراد بالرّفث الجماع المفسد للحجّ،و يحمل الفسوق على الزّنا،لأنّه يفسد الحجّ، و يحمل الجدال على الشّكّ في الحجّ و وجوبه،لأنّ ذلك يكون كفرا فلا يصحّ معه الحجّ.

و إنّما حملنا هذه الألفاظ الثّلاثة على هذه المعاني حتّى يصحّ خبر اللّه،بأنّ هذه الأشياء لا توجد مع الحجّ.

فإن قيل:أ ليس أنّ مع هذه الأشياء يصير الحجّ فاسدا،و يجب على صاحبه المضيّ فيه،و إذا كان الحجّ باقيا معها لم يصدق الخبر،بأنّ هذه الأشياء لا توجد مع الحجّ.

قلنا:المراد من الآية حصول المضادّة بين هذه

ص: 227

الأشياء و بين الحجّة الّتي أمر اللّه تعالى بها ابتداء،و تلك الحجّة الصّحيحة لا تبقى مع هذه الأشياء،بدليل أنّه يجب قضاؤها،و الحجّة الفاسدة الّتي يجب عليه المضيّ فيها شيء آخر سوى تلك الحجّة الّتي أمر اللّه تعالى بها ابتداء.

و أمّا الجدال الحاصل بسبب الشّكّ في وجوب الحجّ، فظاهر أنّه لا يبقى معه عمل الحجّ،لأنّ ذلك كفر و عمل الحجّ مشروط بالإسلام؛فثبت أنّا إذا حملنا اللّفظ على الخبر،وجب حمل الرّفث و الفسوق و الجدال على ما ذكرناه.

أمّا إذا حملناه على النّهي،و هو في الحقيقة عدول عن ظاهر اللّفظ،فقد يصحّ أن يراد بالرّفث الجماع و مقدّماته و قول الفحش،و أن يراد بالفسوق جميع أنواعه، و بالجدال جميع أنواعه،لأنّ اللّفظ مطلق و متناول لكلّ هذه الأقسام،فيكون النّهي عنها نهيا عن جميع أقسامها.

و على هذا الوجه تكون هذه الآية كالحثّ على الأخلاق الجميلة،و التّمسّك بالآداب الحسنة،و الاحتراز عمّا يحبط ثواب الطّاعات.(5:181)

العكبريّ: و يقرأ: فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ بالفتح فيهنّ،على أنّ الجميع اسم(لا)الأولى، و(لا)مكرّرة للتّوكيد في المعنى،و الخبر(فى الحجّ).

و يجوز أن تكون(لا)المكرّرة مستأنفة،فيكون(فى الحجّ)خبر(لا جدال)و خبر(لا)الأولى و الثّانية محذوف،أي فلا رفث في الحجّ،و لا فسوق في الحجّ، و استغنى عن ذلك بخبر الأخيرة.

و نظير ذلك قولهم:زيد و عمر و بشر قائم،فقائم خبر بشر،و خبر الأوّلين محذوف،و هذا في الظّرف أحسن.

و تقرأ بالرّفع فيهنّ على أن تكون(لا)غير عاملة، و يكون ما بعدها مبتدأ و خبر.و يجوز أن تكون(لا)عاملة عمل ليس،فيكون(فى الحجّ)في موضع نصب.

و قرئ برفع الأوّلين و تنوينهما،و فتح الأخير.و إنّما فرّق بينهما،لأنّ معنى فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ لا ترفثوا و لا تفسقوا،و معنى(و لا جدال)أي لا شكّ في فرض الحجّ.و قيل:(لا جدال)أي لا تجادلوا و أنتم محرمون.

و الفتح في الجميع أقوى لما فيه من نفي العموم.

(1:161)

القرطبيّ: قرئ (فلا رفث و لا فسوق) بالرّفع و التّنوين فيهما،و قرئا بالنّصب بغير تنوين،و أجمعوا على الفتح في (و لا جدال) و هو يقوّي قراءة النّصب فيما قبله، و لأنّ المقصود النّفي العامّ من الرّفث و الفسوق و الجدال، و ليكون الكلام على نظام واحد في عموم المنفيّ كلّه؛ و على النّصب أكثر القرّاء.و الأسماء الثّلاثة في موضع رفع،كلّ واحد مع(لا)،و قوله: فِي الْحَجِّ خبر عن جميعها.

و وجه قراءة الرّفع أنّ(لا)بمعنى«ليس»فارتفع الاسم بعدها،لأنّه اسمها،و الخبر محذوف تقديره:

فليس رفث و لا فسوق في الحجّ،دلّ عليه(فى الحجّ) الثّاني الظّاهر،و هو خبر(لا جدال).و قال أبو عمرو بن العلاء:الرّفع بمعنى فلا يكوننّ رفث و لا فسوق،أي شيء يخرج من الحجّ،ثمّ ابتدأ النّفي،فقال:(و لا جدال).

قلت:فيحتمل أن تكون«كان»تامّة مثل قوله:

«و ان كان ذو عسرة»فلا تحتاج إلى خبر،و يحتمل أن تكون ناقصة و الخبر محذوف،كما تقدّم آنفا.و يجوز أن

ص: 228

يرفع(رفث و فسوق)بالابتداء،و(لا)للنّفي،و الخبر محذوف أيضا.و قرأ أبو جعفر بن القعقاع بالرّفع في الثّلاثة، و رويت عن عاصم في بعض الطّرق،و عليه يكون (فِي الْحَجِّ) خبر الثّلاثة،كما قلنا في قراءة النّصب؛و إنّما لم يحسن أن يكون(فى الحجّ)خبر عن الجميع مع اختلاف القراءة،لأنّ خبر(ليس)منصوب،و خبر (و لا جدال)مرفوع،لأنّ(و لا جدال)مقطوع من الأوّل، و هو في موضع رفع بالابتداء،و لا يعمل عاملان في اسم واحد.و يجوز «فلا رفث و لا فسوق» تعطفه على الموضع.[ثمّ استشهد بشعر]

و يجوز في الكلام «فلا رفث و لا فسوقا و لا جدالا في الحجّ» عطفا على اللّفظ على ما كان يجب في«لا».[ثمّ استشهد بشعر]

و قال أبو رجاء العطارديّ: «فلا رفث و لا فسوق» بالنّصب فيهما،«و لا جدال»بالرّفع و التّنوين.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:إنّ معنى فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ النّهي،أي لا ترفثوا و لا تفسقوا،و معنى(و لا جدال)النّفي،فلمّا اختلفا في المعنى خولف بينهما في اللّفظ.

قال القشيريّ: و فيه نظر؛إذ قيل:«و لا جدال»نهي أيضا،أي لا تجادلوا،فلا فرق بينهما.(2:408)

الفاضل المقداد: (فلا رفث)إلى آخره،قيل:

الرّفث:الفحش من الكلام،و الفسوق:الخروج عن أحكام الشّرع،و الجدال:المراء.و المنفيّات الثّلاث منهيّات في المعنى لما تقدّم من إقامة الخبر مقام النّهي، و إنّما أبرزها في صورة النّفي لينفي حقائقها من البين، و خصّها بالحجّ،و إن كانت واجبة الاجتناب في كلّ حال،إلاّ أنّه في الحجّ أسمج،كلبس الحرير في الصّلاة و التّطريب بقراءة القرآن.

هذا و روى أصحابنا:أنّ الرّفث:الجماع،و الفسوق:

الكذب،و الجدال:الحلف بقول:لا و اللّه و بلى و اللّه.

و قيل:الرّفث:المواعدة للجماع باللّسان و الغمز بالعين له،و قيل:الجماع و مقدّماته.و الفسوق:التّنابز بالألقاب أو السّباب،لقوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«سباب المؤمن فسوق».و أنّ الجدال هو المراء بإغضاب على وجه اللّجاج و المماحكة.

[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

و استدلّ على أنّ المنهيّ عنه هو الرّفث و الفسوق دون الجدال،بقوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«من حجّ و لم يرفث و لم يفسق خرج كهيئة يوم ولدته أمّه»و أنّه لم يذكر الجدال.

و فيه نظر،لأنّه إذا حمل على الإخبار عن عدم الخلاف لزم الكذب،لأنّه كم من خلاف قد وقع بين الفقهاء و غيرهم في الحجّ،فإنّ نفي الماهيّة يستلزم نفي جميع جزئيّاتها.

و الأولى أن يقال:إنّما نصب الثّالث،لأنّ الاهتمام بنفي الجدال أشدّ من الأوّلين،لأنّ الرّفث عبارة عن قضاء الشّهوة،و الفسوق:مخالفة أمر اللّه،و الجدال مشتمل عليهما.فإنّ المجادل يشتهي تمشية قوله و لا ينقاد للحقّ، مع أنّه يشتمل على أمر زائد،و هو الإقدام على الإيذاء المؤدّي إلى العداوة.و أمّا الحديث المذكور فلا ينافي ما ذكرناه،و لأنّه مركّب من المنفيّين.(1:301)

[لاحظ:ر ف ث]

ص: 229

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجدل،و هو شدّة الفتل، و كذا في سائر اللّغات السّاميّة،يقال:جدلت الحبل أجدله و أجدله جدلا،أي شددت فتله و فتلته فتلا محكما.و الجديل:الزّمام أو الحبل المفتول من أدم أو شعر، و الجمع:جدل.

و درع جدلاء و مجدولة:محكمة النّسج،و الجمع:

جدل،و قد جدلت الدّروع جدلا:أحكمت.

و الجدل و الجدل:العضو و كلّ عظم موفّر،و الجمع:

أجدال و جدول.و جدول الإنسان:قصب اليدين و الرّجلين،يقال:رجل مجدول الخلق،أي لطيف القصب،محكم الفتل.

و غلام جادل:مشتدّ،يقال:جدل الغلام يجدل جدولا و اجتدل،إذا قوي.و الجادل من الإبل:الّذي قد قوي و مشى مع أمّه،يقال:جدل ولد النّاقة و الظّبية يجدل جدولا،أي قوي و تبع أمّه.

و الأجدل:الصّقر،و الجمع:أجادل،من«الجدل» أي الشّدّة.

و الجدالة:فوق البلحة؛و ذلك إذا جدلت نواتها،أي اشتدّت،و الجمع:جدال.و جدل الحبّ في السّنبل يجدل:قوي.

و الجدالة أيضا:الأرض لشدّتها،يقال:جدله جدلا و جدّله،فانجدل و تجدّل،أي صرعه على الجدالة،و هو مجدول.و قيل للصّريع:مجدّل،لأنّه يصرع على الجدالة.

و منه أيضا:الجدل،أي شدّة الخصومة و القدرة عليها،و قد جادله مجادلة و جدالا:خاصمه.و رجل جدل و مجدل و مجدال:شديد الجدل،يقال:جادلت الرّجل فجدلته جدلا،أي غلبته.

و المجدل:الجماعة من النّاس،لأنّ الغالب عليهم إذا اجتمعوا أن يتجادلوا.

و الجديلة:شريجة الحمام و نحوها،و صاحبها جدّال، لأنّها تنسج من القصب.

و الجديلة أيضا:الشّاكلة و الحالة الأولى،كما يطلق على النّسق و الأسلوب المنوال،و هو في الأصل خشبة الحائك،يقال:القوم على جديلة أمرهم،أي حالتهم الأولى،و ما زال على جديلة واحدة:حالة واحدة و طريقة واحدة،و ركب جديلة رأيه،و رأيت جديلة رأيه،أي عزيمته.

و الجدول:النّهر الصّغير،و الجمع:جداول،تشبيها بالجديل،أي الحبل المفتول،لامتداده و قوّة مائه،إلاّ أنّه أغزر مادّة من الجديل،و لذا زيدت«الواو»فيه،إمعانا في تكثير معناه.

2-و ألحق بعضهم حرفين بهذه المادّة،فقالوا:رجل أجدل المنكب،أي فيه تطأطؤ،و هو خلاف الأشرف من المناكب.قال الأزهريّ:«هذا عندي خطأ،إنّما الصّواب رجل أحدل المنكب».و يقال للطّائر إذا كان كذلك:أجدل المنكبين.

و قالوا أيضا:قوس جدلاء،إذا اعوجّت سيتها، و هو بالحاء أيضا،يقال:قوس محدلة و حدلاء بيّنة الحدل و الحدولة:حدرت إحدى سيتيها و رفعت الأخرى.

ص: 230

الاستعمال القرآنيّ

جاءت فعلا ماضيا(4)مرّات،و مضارعا(16) مرّة،و أمرا مرّة،و نهيا مرّتين،و مصدرا(4)مرّات،في (27)آية:

1- ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً

النّساء:109

2- قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ هود:32

3- كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ الْأَحْزابُ مِنْ بَعْدِهِمْ وَ هَمَّتْ كُلُّ أُمَّةٍ بِرَسُولِهِمْ لِيَأْخُذُوهُ وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فَأَخَذْتُهُمْ فَكَيْفَ كانَ عِقابِ المؤمن:5

4- وَ إِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ

الحجّ:68

5- قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَ تَشْتَكِي إِلَى اللّهِ وَ اللّهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ المجادلة:1

6- قالَ قَدْ وَقَعَ عَلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ رِجْسٌ وَ غَضَبٌ أَ تُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ فَانْتَظِرُوا إِنِّي مَعَكُمْ مِنَ الْمُنْتَظِرِينَ

الأعراف:71

7- وَ ما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ وَ يُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَ اتَّخَذُوا آياتِي وَ ما أُنْذِرُوا هُزُواً الكهف:56

8- وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ الحجّ:3

9 و 10- وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ الحجّ:8،لقمان:20

11- ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ المؤمن:4

12- يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَ تُوَفّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ النّحل:111

13- فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَ جاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ هود:74

14- وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَ إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ الأنعام:121

15- وَ يُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَ الْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَ يُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللّهِ وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ الرّعد:13

16- اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ وَ عِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ المؤمن:35

17- إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ المؤمن:56

18- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ أَنّى يُصْرَفُونَ المؤمن:69

19- وَ يَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ الشّورى:35

20- وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً وَ إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ الأنعام:25

ص: 231

20- وَ مِنْهُمْ مَنْ يَسْتَمِعُ إِلَيْكَ وَ جَعَلْنا عَلى قُلُوبِهِمْ أَكِنَّةً أَنْ يَفْقَهُوهُ وَ فِي آذانِهِمْ وَقْراً وَ إِنْ يَرَوْا كُلَّ آيَةٍ لا يُؤْمِنُوا بِها حَتّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ الأنعام:25

21- يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ الأنفال:6

22- اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ

النّحل:125

23- وَ لا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كانَ خَوّاناً أَثِيماً النّساء:107

24- وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَ قُولُوا آمَنّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنا وَ أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَ إِلهُنا وَ إِلهُكُمْ واحِدٌ وَ نَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ

العنكبوت:46

25- وَ لَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً الكهف:54

26- وَ قالُوا أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ الزّخرف:58

27- اَلْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلا رَفَثَ وَ لا فُسُوقَ وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ البقرة:197

يلاحظ أوّلا:أنّ المادّة-كما تقدّم-أصلها«فتل الحبال»ثمّ توسّعت إلى غيرها،ثمّ استعيرت لفتل الكلام و شاعت فيه حتّى أشبه الحقيقة و نسي أصلها.

هذا في أصل اللّغة،أمّا في القرآن فلم يأت إلاّ بهذا المعنى المستعار،و الغالب عليه أنّه عمل مذموم.و قد أكّد في(3)و(7)ب وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَ يُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ، و في(8)و(9)و(10)ب يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ.

ثانيا:يستفاد من بعضها أنّ الجدال ممدوح:

1-فقد قيل في(2): قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا... أنّه مدح،لأنّهم نسبوه إلى نوح، مع أنّه لا دلالة فيه على المدح لو لا دلالته على الذّمّ، لأنّهم أرادوا بذلك أنّ نوح تشبّث بعمل المجادلة بالباطل، مع أنّه جادلهم بالحقّ مقابلة لباطلهم.

2-و مثله يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ، فإنّ إبراهيم كان يدافع عن لوط و قومه من دون علم بما قضى اللّه فيهم،ففيه تعريض لإبراهيم و ليس مدحا له،إلاّ بقدر دفاعه عن لوط نبيّ اللّه،و ابن أخيه.

3- وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

4- وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ

و استفادوا من الآيتين أنّ«الجدال»نوعان:حسن و قبيح،و قد جاء هذا في بعض الرّوايات أيضا.و الحقّ أنّ المجادلة في أمثالها هي مقابلة الجدل بمثله،و نظيرها وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللّهُ وَ اللّهُ خَيْرُ الْماكِرِينَ آل عمران:

54،و يدلّ عليه أنّ«المفاعلة»فعل بين اثنين مثل «ضارب زيد عمرا»أي تقابلا في الضّرب،فالجدال أصله مذموم،لكن مقابلته بالأحسن و بالحقّ ممدوح، دفعا للقبيح بالحسن.

و أيضا جاء الأمر بالمجادلة في(22)بعد الأمر بالدّعوة بالحكمة و الموعظة الحسنة،أي إذا لم تؤثّر فيهم الحكمة و الموعظة و وقفوا أمامك موضع المجادلة،فجادلهم بالّتي هي أحسن،و قد جاءت في النّصوص أبحاث

ص: 232

وافية حول هذه الآية،فلاحظ.

و في ذلك يقول القشيريّ: «الجدل في اللّه محمود مع أعدائه،و الجدل مع اللّه شرك...»

ثالثا:جاء الفعل منها على أربعة أساليب:

1-مع(في)في(11)و(16)إلى(19) يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ و في(8)و(9)و(10)و(15) يُجادِلُونَ فِي اللّهِ.

2-مع(عن)في(1)و(12)و(23)مثل جادَلْتُمْ عَنْهُمْ.

3-مع(ب)في(3)و(7)مثل وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ

4-متعدّية إلى المفعول بدون كلمات:(في)و(عن) و(ب)أو معها في(2)و(4)و(5)و(6)و(13)و(14) و(20)و(21)و(22)و(24).

و الفرق بينها أنّ الفعل إذا جاء مع(عن)فقد أشرب معنى الدّفاع،أمّا الأساليب الأخرى فتفيد التّخاصم، دون الدّفاع و إن لا يخلو التّخاصم غالبا عن الدّفاع عن شخص أو عن شيء.

رابعا:جاء المصدر منها من باب«المفاعلة»:(جدال) كأفعالها مرّتين في(2)و(27)-و هما مدنيّتان-و من المجرّد(جدل)مرّتين أيضا:في(25)و(26)-و هما مكّيّتان-أمّا الأفعال فكلّها من«المفاعلة»و ثمان منها مدنيّة-لو كانت سورة الحجّ مدنيّة-و إلاّ فستّ،و هي ربع الأفعال،فالغلبة فيها للمكّيّات،لأنّ المجادلة كانت فيها أشدّ،مع أنّ قصص الأنبياء فيها أكثر،و الجدال كان الغالب على أممهم.

ص: 233

ص: 234

ج ذ ذ

اشارة

لفظان مرّتان،في سورتين مكّيّتين

مجذوذ 1:1 جذاذا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجذّ:القطع المستأصل الوحي.

و الجذاذ:قطع ما كسر،الواحدة:جذاذة،كما جعلت الأصنام جذاذا و قطع أطرافها،فتلك القطع:الجذاذ.

و الجذاذ:قطع الفضّة الصّغار.

و الجذيذ:السّويق،و الجذيذة،الجشيشة إذا اتّخذت من السّويق الغليظ.

و جذذت الحبل فانجذّ،أي تقطّع،فهو مجذوذ.

(6:11)

اللّيث: السّويق الجذيذ:الكثير الجذاذ.

(الأزهريّ 10:470)

الكسائيّ: يقال لحجارة الذّهب:جذاذ،لأنّها تكسّر.(الجوهريّ 2:561)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قال العذريّ:الجذاذ:حجر الأثافيّ،ثلاثة أجذّة.(1:122)

الجذيذ من الجبل،مثل:الظّرب.(1:135)

الفرّاء: يقال:رحم جذّاء و حذّاء،بالجيم و الحاء ممدودان؛و ذلك إذا لم توصل.(الجوهريّ 2:561)

أبو زيد :يقال:جذرت الأمر عنّي أجذره جذرا، و جذذته أجذّه جذّا و هما سواء،و ذلك أن تقطعه عنك.

[ثمّ استشهد بشعر](192)

الأصمعيّ: فيما روى ابن الفرج:الجذّان و الكذّان:

حجارة رخوة،الواحدة:جذّانة،و كذّانة،و من أمثالهم السّائرة في الّذي يقدم على اليمين الكاذبة«جذّها جذّ البعير الصّلّيانة»أرادوا أنّه أسرع إليها.

(الأزهريّ 10:470)

اللّحيانيّ: و جذّ النّخل يجذّه جذّا و جذاذا و جذاذا، إذا صرمه.(ابن سيده 7:192)

ابن الأعرابيّ: المجذّ:طرف المرود،و هو الميل.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 10:470)

ص: 235

ابن السّكّيت: جذّه،معناه قطعه.(104)

الحربيّ: إنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال يوم حنين:«جذّوهم جذّا».

الجذّ:القطع،جذذت الحبل فانجذّ.(3:1170)

عن محمّد بن سيرين: «أتيت منزل أنس يوم الشّكّ فوجدته قد شرب جذيذته و خرج إلى حوائجه»،يريد السّويق.(3:1171)

المبرّد: يقال:جذذته جذّا،و تركت الشّيء جذاذا:

إذا قطعته قطعا.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

و يقال:كم جذاذ نخلك،أي كم تصرم منها.

(2:105)

ابن دريد :جذّ الشّيء يجذّه جذّا،إذا استأصله قطعا.(1:50)

الجذذ:الفرق.(3:187)

الأزهريّ: و روي عن أنس:«أنّه كان يأكل جذيذة قبل أن يغدو في حاجته»أراد بالجذيذة:شربة من سويق،سمّيت جذيذة لأنّها تجذّ،أي تكسر،و تجشّ إذا طحنت.

و يقال لحجارة الذّهب:جذاذ،لأنّها تكسّر، و تسحل.[ثمّ استشهد بشعر](10:469)

الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]

و الجذاذ:فضل الشّيء على الشّيء،و هي الجذاذة أيضا.

و التّجذيذ:أن تستنجد القوم فلا يتبعك منهم أحد.

و الجذاذ:حجارة الفضّة.

و فم أجذّ،و به جذذ.و سنّ جذّاء:متهتّمة قصيرة.

و رحم جذّاء:لم توصل.

و جذّ الرّجل في المشي:أسرع.

و الجذّان:الحجارة الرّخوة كالكذّان،الواحدة:

جذّانة.

و الجذذ:الفرق.(6:397)

الجوهريّ: جذذت الشّيء:كسّرته و قطّعته.

و الجذاذ و الجذاذ:ما تقطّع منه،و ضمّه أفصح من كسره.

و الجذاذات:القراضات.

و الانجذاذ:الانقطاع.

و ما عليه جذّة،أي شيء من الثّياب.

و الجذيذة:السّويق.(2:561)

ابن فارس: الجيم و الذّال أصل واحد،إمّا كسر و إمّا قطع.يقال:جذذت الشّيء:كسرته،و جذذته:

قطعته.

و يقال:ما عليه جذّة،أي شيء يستره من ثياب، كأنّه أراد خرقة و ما أشبهها.

و من الباب:الجذيذة،و هي الحبّ يجذّ و يجعل سويقا.

و يقال لحجارة الذّهب:جذاذ،لأنّها تكسّر و تحلّ.

[ثمّ استشهد بشعر]

فأمّا المجذوذيّ فليس يبعد أن يكون من هذا،و هو اللاّزم الرّحل لا يفارقه،منتصبا عليه.يقال:اجذوذى، لأنّه إذا كان كذا،فكأنّه انقطع عن كلّ شيء،و انتصب لسفره على رحله.[ثمّ استشهد بشعر](1:409)

ابن سيده: الجذّ:كسر الشّيء الصّلب.

ص: 236

و الجذّ:القطع الوحيّ المستأصل،و قيل:هو القطع المستأصل فلم يقيّد بوحاء.

جذّه يجذّه جذّا،فهو مجذوذ،و جذيذ.

و جذّذه فانجذّ،و تجذّذ.

و الجذاذ،المقطّع المكسّر.و الجذاذ:القطع المتكسّرة منه.

و قيل:هو جمع:جذيذ،و هو من الجمع العزيز.

و جذاذات الفضّة:قطعها.

و الجذذ:الفرق.

و سويق جذيذ:مجذوذ.

و الجذيذة:جشيشة تعمل من السّويق الغليظ، لأنّها تجذّ،أي تقطع قطعا و تجشّ.

و جذّ الأمر عنّي يجذّه جذّا:قطعه.

و ما عليه جذّة،أي ما عليه ثوب.(7:192)

الجذاذة:عرق الذّهب و الفضّة في الحجر،و قيل:

حجارة الذّهب الّتي تكسر.(الإفصاح 2:1037)

الجذاذات:القراضات.(الإفصاح 2:1038)

و الجذاذ،مثلّثة الجيم:القطع المتكسّرة،قال تعالى في الأصنام الّتي كسّرها سيّدنا إبراهيم عليه السّلام: فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاّ كَبِيراً لَهُمْ الأنبياء:58.

(الإفصاح 2:1359)

الرّاغب: الجذّ:كسر الشّيء و تفتيته،و يقال لحجارة الذّهب المكسورة و لفتات الذّهب:جذاذ،و منه قوله تعالى: فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً الأنبياء:58،و عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ هود:108،أي غير مقطوع عنهم و لا مخترع.

و قيل:ما عليه جذّة،أي متقطّع من الثّياب.(90)

ابن القطّاع:و جذّ الشّيء جذّا:قطعه،و أيضا فتّته، و الجذاذ منه.

و أجذّ السّير،مثل أغذّه.(كتاب الأفعال 1:181)

الزّمخشريّ: جذّ الحبل،و عطاء غير مجذوذ، و جعله جذاذا،و سقاهم الجذيذ،و الشّراب اللّذيذ،و هو السّويق.(أساس البلاغة:54)

«أمر نوفا (1)البكاليّ أن يأخذ من مزوده جذيذا».

هو السّويق،لأنّه يجذّ،أي يكسّر و يجشّ،و الشّربة منه:جذيذة.(الفائق 1:200)

المدينيّ: في الحديث:«قال يوم حنين:جذّوهم جذّا»أي استأصلوهم،و أصل الجذّ:القطع.(1:308)

ابن الأثير: و منه حديث مازن«فثرت إلى الصّنم فكسرته أجذاذا»أي قطعا و كسرا،واحدها:جذّ.

و منه حديث عليّ رضي اللّه عنه:«أصول بيد جذّاء»أي مقطوعة،كنّي به عن قصور أصحابه و تقاعدهم عن الغزو،فإنّ الجند للأمير كاليد،و يروى بالحاء المهملة.

و حديثه الآخر عليّ رضي اللّه عنه«رأيت عليّا رضي اللّه عنه يشرب جذيذا حين أفطر».(1:250)

الصّغانيّ: الجذاذ:فضل الشّيء على الشّيء، كالرّيم.

و الجذّان،و الكذّان:حجارة رخوة،الواحدة:

جذّانة،و كذّانة.

و المجذّ:طرف المرود،و هو الميل.[ثمّ استشهد بشعر]م.

ص: 237


1- هو صاحب عليّ عليه السّلام.

جذّ:أسرع.

و سنّ جذّاء:متهتّمة.

و التّجذيذ:أن تستتبع القوم فلا يتبعك أحد.

و جذّاء:موضع.

و جذيذ:موضع قرب مكّة،حرسها اللّه تعالى.

و جذ،إذا قطع.(2:372)

الفيّوميّ: جذذت الشّيء جذّا من باب«قتل»:

قطعته،فهو مجذوذ فانجذّ،أي انقطع،و جذذته:كسرته.

و يقال لحجارة الذّهب و غيره الّتي تكسّر:جذاذ، بضمّ الجيم و كسرها.(1:94)

الفيروزآباديّ: الجذّ:الإسراع و القطع المستأصل كالجذجذة و الكسر،و الاسم الجذاذ مثلّثة.

و الجذاذ بالفتح:فصل الشّيء عن الشّيء كالجذاذة، و بالضّمّ:حجارة الذّهب.

و الجذاذات:القراضات.

و الجذّان:حجارة رخوة،الواحدة بهاء.

و جذّاء:موضع.

و رحم جذّاء:لم توصل،و سنّ جذّاء:متهتّمة.

و ما عليه جذّة بالضّمّ،أي شيء.

و الجذيذ:السّويق كالجذيذة،و بلا لام:موضع قرب مكّة.

و التّجذيذ:أن تستتبع القوم فلا يتّبعك أحد.

و انجذّ:انقطع.(1:364)

الطّريحيّ: فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً الأنبياء:58،بضمّ الجيم،أي فتاتا،أي مستأصلين مهلكين،و هو جمع لا واحد له مثل الحصاد،يقال:جذّ اللّه دابرهم،أي استأصلهم.

قوله: عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ هود:108،أي غير مقطوع،من قولهم:جذذت الشّيء جذّا،من باب «قتل»:كسرته و قطعته،فهو مجذوذ.

و الجذاذ،ضمّا و كسرا و الضّمّ أفصح:قطع ما يكسر،و الجذّ:القطع.

و في حديث عليّ عليه السّلام:«فطفقت أرتئي بين أن أصول بيد جذّاء أو أصبر على طخية عمياء»أي جعلت أفكّر في أمري هل أصول عليهم بيد جذّاء بالذّال و الدّال.قال في«النّهاية»:و الجيم أشبه،أي مقطوع،و هي كناية عن عدم النّاصر له.«أو أن أصبر على طخية عمياء»أي ظلمة لا يهتدى فيها للحقّ.

و كنّي بها عن التباس الأمور في أمر الخلافة،كذا ذكره الفاضل المتبحّر ميثم رحمه اللّه.

و في حديث الأضحيّة«نهى عن الجذّاء»و هي المقطوعة الأذن،كما وردت به الرّواية.

و الجذاذ بالكسر:صرام النّخل،لغة في الجذاذ.

(3:178)

محمّد إسماعيل إبراهيم: جذّ الشّيء:كسره و قطعه،و المجذوذ:المقطوع،و الجذاذ:ما كسر من الشّيء و هو القطع و الفتات،و(جذاذا):قطعا و كسرا،جمع مفرده:جذاذة.(1:104)

مجمع اللّغة :جذّ الشّيء يجذّه جذّا:قطعه فالشّيء مجذوذ.

و جذّه:كسّره و فتّته.

و الجذاذ:القطع المكسّرة.(1:186)

ص: 238

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الاستئصال و تفريق الأجزاء حتّى تنمحي الهيئة التّركيبيّة.و بهذا تفترق هذه المادّة عن موادّ:الجبّ و الجدّ و الجدع و الجذم و الجزم و الجزّ.

فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً الأنبياء:58،أي استأصلهم، و فرّق أعضاءهم.

عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ هود:108،أي عطاء تماما كاملا غير متفرّق تركيبه.

و بهذا يظهر لطف التّعبير في الآيتين،بهذه المادّة دون أخواتها.(2:66)

النّصوص التّفسيريّة

مجذوذ

وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ.

هود:108

ابن عبّاس: غير منقوص و غير مقطوع.(191)

نحوه مجاهد و الضّحّاك(الطّبريّ 12:121)، و الواحديّ(2:591)،و الشّربينيّ(2:80)،و مغنيّة (4:270)،و حسنين مخلوف(1:357). أبو العالية :غير منقطع.

مثله قتادة.(الطّبريّ 12:122)

الإمام الصّادق عليه السّلام: في رواية أخرى(عطاء غير مجدود)بالدّال.(البحرانيّ 5:177)

ابن زيد :غير منزوع منهم.(الطّبريّ 12:122)

الطّبريّ: يعني عطاء من اللّه غير مقطوع عنهم،من قولهم:جذذت الشّيء أجذّه جذّا،إذا قطعته.[ثمّ استشهد بشعر](12:121)

نحوه الطّبرسيّ(3:196)،و القرطبيّ(9:103).

الماورديّ: فيه وجهان:أحدهما:غير مقطوع، الثّاني:غير ممنوع.(2:507)

الزّمخشريّ: غير مقطوع،و لكنّه ممتدّ إلى غير نهاية،كقوله: لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ الانشقاق:25.

(2:294)

نحوه أبو حيّان(5:264)،و البروسويّ(4:189)، و القاسميّ(9:3486).

الفخر الرّازيّ: فيه مسألتان:

المسألة الأولى:جذّه يجذّه جذّا،إذا قطعه،و جذّ اللّه دابرهم،فقوله: غَيْرَ مَجْذُوذٍ أي غير مقطوع، و نظيره قوله تعالى في صفة نعيم الجنّة: لا مَقْطُوعَةٍ وَ لا مَمْنُوعَةٍ الواقعة:33.

المسألة الثّانية:اعلم أنّه تعالى لمّا صرّح في هذه الآية أنّه ليس المراد من هذا الاستثناء كون هذه الحالة منقطعة،فلمّا خصّ هذا الموضع بهذا البيان و لم يذكر ذلك في جانب الأشقياء،دلّ ذلك على أنّ المراد من ذلك الاستثناء هو الانقطاع.(18:67)

البيضاويّ: غير مقطوع،و هو تصريح بأنّ الثّواب لا ينقطع،و تنبيه على أنّ المراد من الاستثناء في الثّواب ليس الانقطاع،و لأجله فرّق بين الثّواب و العقاب في التّأبيد.(1:483)

النّيسابوريّ: رعاية للمطابقة،كأنّه قال:إنّه

ص: 239

يفعل بأهل النّار ما يريد من العذاب،كما يعطي أهل الجنّة عطاءه الّذي لا انقطاع له،و الجذّ:القطع.

(12:66)

البروسويّ: لا انقطاع له و لا تغيير فيه.(4:190)

الآلوسيّ: أي غير مقطوع عنهم و لا مخترم، و مصدره:الجذّ،و قد جاء:جذذت و جددت،بالذّال المعجمة و الدّال،كما قال ابن قتيبة،و بالمعجمة أكثر.

(12:146)

رشيد رضا :أي دائما غير مقطوع،من جذّه يجذّه،من باب«نصر»،إذا قطعه أو كسره،فهو كقوله تعالى: لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ الانشقاق:25.

و الفرق بين هذا التّذييل و ما قبله عظيم،فكلّ من الجزاءين منه تعالى،و مقيّد دوامه بمشيئته،و لكنّه ذيّل هذا بأنّه هبة منه و إحسان دائم غير مقطوع.و لو كان الأوّل مثله غير مقطوع لما كان فضلا و إحسانا.

و قد تكرّر وعد اللّه للمؤمنين المحسنين بأنّه يجزيهم بالحسنى و بأحسن ممّا عملوا،و بأنّه يزيدهم من فضله، و بأنّه يضاعف لهم الحسنة بعشر أمثالها،و بأكثر من ذلك إلى سبعمائة ضعف.و لم يعد بزيادة جزاء الكافرين و المجرمين على ما يستحقّون،بل كرّر الوعد بأنّه يجزيهم بما عملوا و بأنّ السّيّئة بمثلها و هم لا يظلمون،و بأنّه لا يظلم أحدا،دع ما ورد من الآيات في سعة رحمته،و في الأحاديث الصّحيحة من سبقها لغضبه.

و ما قاله العلماء في حلّ الإشكال غير ظاهر، و خلاصته أنّ عذاب النّار الشّديد الأبديّ لا نهاية له،إنّما كان جزاء لأهلها بمثل ما عملوا في سنين أو أشهر معدودة،باعتبار أنّهم كانوا عازمين على الاستمرار على كفرهم و ظلمهم و فسقهم لو كانوا خالدين في الدّنيا،فهو إذن جزاء لهم على نيّتهم و عزمهم.(12:161)

نحوه المراغيّ.(12:87)

عبد الكريم الخطيب :العطاء غير المجذوذ،أي غير النّاقص،أي عطاء كاملا،و نعمة سابغة،لا يدخل عليها ما يكدر صفوها،أو يذهب بشيء من لذّاتها الّتي وجدوها في أنفسهم لها.(6:1201)

مكارم الشّيرازيّ: أي غير منقطع،و هو دليل على أنّ الجملة الاستثنائيّة لبيان قدرته فحسب.

(7:67)

فضل اللّه :أي غير مقطوع،إشارة إلى استمرار البقاء في الجنّة،على أساس ما يوحيه عدم الانقطاع في عطاء الرّحمة و الرّضوان و النّعيم.(12:131)

عبد المنعم الجمّال:أعطاهم اللّه عطاء كاملا لا نقص فيه و لا انقطاع.(2:1465)

جذاذا

فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ.

الأنبياء:58

ابن عبّاس: كسرا.(272)

حطاما.(الطّبريّ 17:38)

مجاهد :كالصّريم.(الطّبريّ 17:38)

الضّحّاك: قطعا مقطوعة.(الماورديّ 3:451)

نحوه قتادة.(الطّبريّ 17:38)

الفرّاء: قرأها يحيى بن وثّاب (جذاذا) ،و قراءة

ص: 240

النّاس بعد (جذاذا) بالضّمّ.فمن قال:(جذاذا)فرفع الجيم فهو واحد،مثل الحطام و الرّفات.و من قال: (جذاذا) بالكسر فهو جمع،كأنّه جذيذ و جذاذ مثل خفيف و خفاف.(2:206)

ابن قتيبة :أي فتاتا،و كلّ شيء كسرته:فقد جذذته،و منه قيل للسّويق:جذيذ.(286)

الطّبريّ: اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء الأمصار،سوى يحيى بن وثّاب و الأعمش و الكسائيّ فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً (1)بمعنى جمع جذيذ، كأنّهم أرادوا به جمع جذيذ و جذاذ،كما يجمع الخفيف خفاف،و الكريم كرام.

و أولى القراءتين في ذلك عندنا بالصّواب:قراءة من قرأه(جذاذا)بضمّ الجيم،لإجماع قرّاء الأمصار عليه، و أنّ ما أجمعت عليه فهو الصّواب،و هو إذا قرئ كذلك مصدر مثل الرّفات،و الفتات،و الدّقاق،لا واحد له.

و أمّا من كسر الجيم فإنّه جمع للجذيذ،و الجذيذ:هو «فعيل»صرف من مجذوذ إليه،مثل كسير،و هشيم، و المجذوذة:المكسورة قطعا.(17:37)

الزّجّاج: و(جذاذا)تقرأ بالضّمّ و الكسر،فمن قرأ (جذاذا) فإنّ بنية كلّ ما كسّر و قطّع على«فعال»نحو الجذاذ و الحطام و الرّفات،و من قال:(جذاذ)فهو جمع جذيذ و جذاذ،نحو ثقيل و ثقال،و خفيف و خفاف.

و يجوز (جذاذا) على معنى القطاع و الحصاد،و يجوز «جذذ»على معنى جذيذ و جذذ،مثل جديد و جدد.

(3:396)

أبو زرعة:قرأ الكسائيّ: (فجعلهم جذاذا) بالكسر،جمع ل«جذيذ»،و جذيذ معدول عن «مجذوذ»،مثل قتيل و مقتول،ثمّ جمع الجذيذ:جذاذا، كما جمع الخفيف خفافا،و الكبير كبارا،و الصّغير صغارا، و كان قطرب يذهب إلى المصدر يقول:جذذته جذاذا مثل ضرمته ضراما.

و قرأ الباقون: (جُذاذاً) بالضّمّ،قال اليزيديّ:

واحدها:جذاذة،مثل زجاجة و زجاج.و قال الفرّاء:

«الجذاذ»مثل الحطام،فهو عند اليزيديّ جمع،و عند الفرّاء في تأويل مصدر،مثل الرّفات و الفتات،لا واحد له.(468)

نحوه الطّوسيّ(7:257)،و البغويّ(3:292)، و الميبديّ(6:263).

الماورديّ: قراءة الجمهور بضمّ الجيم،و قرأ الكسائيّ وحده بكسرها،و فيه وجهان:

أحدهما:حطاما،قاله ابن عبّاس،و هو تأويل من قرأ بالضّمّ.

الثّاني:قطعا مقطوعة،قال الضّحّاك:هو أن يأخذ من كلّ عضوين عضوا و يترك عضوا.و هذا تأويل من قرأ بالكسر،مأخوذ من«الجذّ»و هو القطع.[ثمّ استشهد بشعر](3:451)

الواحديّ: الجذّ:القطع و الكسر،و الجذاذ:قطع ما كسر،الواحد:جذاذة،و هو مثل الحطام و الرّفاتم.

ص: 241


1- في العبارة هنا قصور،و لعلّ بها سقطا،و سيوضّحها المؤلّف في كلامه الآتي بعدها.و الحاصل أنّ قراءة عامّة القرّاء (جُذاذاً) بضمّ الجيم،قيل:هو مفرد كحطام،و قيل: من الجمع العزيز،و قرأ ابن وثّاب و جماعة بالكسر،و هو جذيذ،و نظيره كريم و كرام.

و الدّقاق.

و قرأ الكسائيّ بكسر الجيم على أنّه جمع«جذيذ» مثل ثقيل و ثقال،و خفيف و خفاف.و الجذيذ:بمعنى المجذوذ،و هو المكسور.(3:242)

نحوه البيضاويّ(2:75)،و الخازن(4:242).

الزّمخشريّ: قطاعا من الجذّ،و هو القطع.و قرئ بالكسر و الفتح،و قرئ (جذاذا) جمع جذيذ،و (جذذا) جمع جذّة.(2:576)

نحوه النّسفيّ(3:82)،و البروسويّ(5:493).

ابن عطيّة: (جذاذا) معناه قطعا صغارا،و الجذّ:

القطع،و قرأ الجمهور (جذاذا) بضمّ الجيم و قرأ الكسائيّ وحده بكسرها،و قرأ ابن عبّاس و أبو نهيك و أبو السّمال بفتحها،و هي لغات،و المعنى واحد.(4:86)

مثله الطّبرسيّ.(4:52)

العكبريّ: (جذاذا) يقرأ بالضّمّ و الفتح و الكسر، و هي لغات.و قيل:الضّمّ على أن واحده جذاذة، و الكسر على أنّ واحده جذاذة بالكسر،و الفتح على المصدر كالحصاد،و التّقدير:ذوي جذاذ.

و يقرأ بضمّ الجيم من غير ألف،و واحده:جذّة، كقبّة و قبب.و يقرأ كذلك إلاّ أنّه بضمّ الذّال الأولى، و واحده:جذيذ،كقليب و قلب.(2:920)

ابن جزيّ: أي فتاتا،و يجوز فيه الضّمّ و الكسر و الفتح،و هو من«الجذّ»بمعنى القطع.(3:28)

أبو حيّان :(جذاذا)أي مفكوكة الأجزاء.

(النّهر المادّ 4:147)

السّمين: قرأ العامّة بضمّ الجيم،و الكسائيّ بكسرها،و ابن عبّاس و أبو نهيك و أبو السّمال بفتحها.

قال قطرب:هي في لغاتها كلّها مصدر فلا يثنّى و لا يجمع و لا يؤنّث.

و الظّاهر أنّ المضموم اسم للشّيء المكسّر كالحطام و الرّفات و الفتات،بمعنى الشّيء المحطّم و المفتّت.

و قال اليزيديّ: المضموم جمع:جذاذة بالضّمّ،نحو زجاج في زجاجة،و المكسور جمع:جذيذ نحو كرام في كريم.و قال بعضهم:المفتوح مصدر بمعنى«المفعول»أي مجذوذين.و يجوز على هذا أن يكون على حذف مضاف، أي ذوات جذاذ.

و قيل:المضموم جمع جذاذة بالضّمّ،و المكسور جمع جذاذة بالكسر،و المفتوح مصدر.

و قرأ ابن وثّاب (جذذا) بضمّتين دون ألف بين الذّالين،و هو جمع جذيذ كقليب و قلب.

و قرئ بضمّ الجيم و فتح الذّال و فيها وجهان:

أحدهما:أن يكون أصلها ضمّتين و إنّما خفّفت بإبدال الضّمّة،نحو سرر،و ذلل في جمع سرير و ذليل، و هي لغة لبني كلب.

و الثّاني:أنّه جمع«جذّة»نحو قبب في قبّة و درر في درّة،و الجذّ:القطع و التّكسير.[ثمّ استشهد بشعر]

(5:94)

نحوه أبو السّعود(4:344)،و الشّوكانيّ(3:517)، و الآلوسيّ(17:61).

عزّة دروزة :قطعا صغيرا.(6:171)

ص: 242

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجذّ،و هو القطع،يقال:

جذذت الشّيء أجذّه جذّا فانجذّ،أي قطعته و كسرته، فهو مجذوذ و جذيذ،و سويق جذيذ:مجذوذ أو كثير الجذاذ،و جذّذته فتجذّذ،و جذّ النّخل يجذّه جذّا:

صرمه.

و الجذاذ و الجذاذ و الجذاذ:القطع المتكسّرة، و واحدها بالهاء.

و الجذاذ:قطع الفضّة الصّغار،و حجارة الذّهب، لأنّها تكسر و تسحل،و هو حجر الأثافيّ أيضا.

و الجذاذ:حجر الأثافيّ،و الجمع:أجذّة.

و الجذاذات:القراضات،يقال:جذاذات الفضّة، أي قطعها.

و الجذيذة:جشيشة تعمل من السّويق الغليظ لأنّها تجذّ،أي تقطع قطعا و تجشّ.

و الجذّان:الحجارة الرّخوة،الواحدة:جذّانة،و كذا الكذّان و الكذّانة،و هما على وزن«فعلان».

و المجذّ:طرف المرود،و هو الميل،لأنّه يبضع الجلد و اللّحم.

و يقال مجازا:ما عليه جذّة و ما عليه قزاع،أي ما عليه ثوب يستره،كأنّه أراد خرقة و ما أشبهها،و جذّ الأمر عنّي يجذّه جذّا:قطعه،و رحم جذّاء و حذّاء،إذا لم توصل.

2-و لقد شفع بعض اللّغويّين الاستئصال و الإسراع بهذه المادّة،و هذا لا يستقيم البتّة،لأنّ الكسر سهيم القطع فيها،كما تقدّم،فكيف يصحّ استئصال ما لا أصل له كقطع الفضّة و حجارة الذّهب مثلا؟و هو يتحقّق في حروف أخرى كالاجتثاث و البتّ و غيرهما.

كما نجم عن الخلط بين مادّتي«ج ذ ذ»و«ح ذ ذ» معنى الإسراع و الوحيّ هنا؛إذ الحذّ:القطع السّريع المستأصل،يقال:أمر أحذّ،أي سريع المضاء.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت مرّتين:وصفا و مفعولا:

1- وَ أَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ هود:108

2- فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاّ كَبِيراً لَهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ الأنبياء:58

يلاحظ أوّلا في(1):أنّهم فسّروا: عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ ب:غير منقوص،غير مقطوع،غير منقطع، غير ممنوع،ممتدّ إلى غير النّهاية،لا انقطاع له و لا تغيير فيه،غير مقطوع عنها و لا مختوم،غير منزوع عنهم، غير النّاقص،أي عطاء كاملا،إشارة إلى استمرار البقاء في الجنّة و نحوها،و هي متقاربة،و نظيرها: لا مَقْطُوعَةٍ وَ لا مَمْنُوعَةٍ الواقعة:33.إلاّ أنّ الأقرب إلى مساق اللّغة هو استئصال الشّيء بتمامه و بأجزائه،و المراد في الآية نفي الانقطاع و التّأكيد،للبقاء أي الخلود.

ثانيا:هذه الآية وصف للّذين سعدوا في الجنّة بإزاء وصف الّذين شقوا في النّار،تفصيلا لقوله قبلهما: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ هود:105.و قد أكّد فيهما خلود الفريقين في الجنّة أو النّار بسياق واحد: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ فأكّد الخلود فيهما ب ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ و هذا تعبير قرآنيّ لم يأت إلاّ في هاتين الآيتين،أخذا من الدّوام في الدّنيا حيث يعبّر عنه ب ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ، و إلاّ فليس في الآخرة سماوات و لا أرض مثل ما في الدّنيا.

ص: 243

ثانيا:هذه الآية وصف للّذين سعدوا في الجنّة بإزاء وصف الّذين شقوا في النّار،تفصيلا لقوله قبلهما: فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَ سَعِيدٌ هود:105.و قد أكّد فيهما خلود الفريقين في الجنّة أو النّار بسياق واحد: خالِدِينَ فِيها ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ فأكّد الخلود فيهما ب ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ و هذا تعبير قرآنيّ لم يأت إلاّ في هاتين الآيتين،أخذا من الدّوام في الدّنيا حيث يعبّر عنه ب ما دامَتِ السَّماواتُ وَ الْأَرْضُ، و إلاّ فليس في الآخرة سماوات و لا أرض مثل ما في الدّنيا.

و أمّا الاستثناء إِلاّ ما شاءَ رَبُّكَ فيهما فتأكيد لحرّيّته تعالى في الإرادة و المشيئة،و أنّه لا يمنعه مانع عنهما.أمّا وقوع هذا الاستثناء بإخراج الفريقين من الجنّة و النّار،فأمر مرجوّ منه تعالى في حقّ المؤمنين الّذين كانت لهم سيّئات،فدخلوا النّار تطهيرا لهم.أمّا العكس و هو إخراج بعض أهل الجنّة منها،فلم نقف على نصّ حول ذلك في القرآن و لا في الأخبار،فيبدو أنّه أمر موقوف في حدّ الإمكان دون الوقوع،و أنّه جاء مقابلا لحال الّذين شقوا توصيفا لا وقوعا.لاحظ«خ ل د».

ثالثا:مع وحدة السّياق في ذلك بين الفريقين خصّ أهل النّار بأمرين:

1- لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَ شَهِيقٌ هود:106،أوردها في آية واحدة،ثمّ عقّبها في آية أخرى بقوله: خالِدِينَ فِيها... تأكيدا لشدّة عذابهم.

2-ختم هذه الآية بقوله: إِنَّ رَبَّكَ فَعّالٌ لِما يُرِيدُ إرجاء لإخراجهم بعد العذاب من النّار،و لم يأت بها في أهل الجنّة بل أكّد دوام رحمته لهم ب عَطاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ فسمّاه(عطاء)تقديرا و إكراما لهم،و لو كان مقطوعا لما كان عطاء،و بذلك نبّه-كما قال الفخر الرّازيّ-على أنّه ليس المراد بهذا الاستثناء في أهل الجنّة الانقطاع،كما هو كذلك في جانب أهل النّار.

و قال صاحب المنار:«و الفرق بين هذا التّنزيل و ما قبله عظيم.فكلّ من الجزاءين منه تعالى و مقيّد بمشيئته،و لكنّه ذيّل هذا بأنّه هبة منه و إحسان دائم غير مقطوع.و لو كان الأوّل مثله غير مقطوع،لما كان فضلا و إحسانا».

رابعا:قرئت(مجدودا)بالدّال المهملة،نسبها البحرانيّ إلى الإمام الصّادق عليه السّلام.و لم يثبت تواتره، و لا ذكرها غيره فلا يقرأ بها،و لعلّه كان تفسيرا منه لا قراءة؛إذ جاء(جدّ)بمعنى قطع،فلاحظ.

خامسا:هناك فرق آخر بين الفريقين في رويّ الآيات،فكان الرّويّ قبلها(مشهود)و(معدود)فتغيّر فيها إلى(سعيد،و شهيق،و يريد)بشأن الفريق الأوّل، و لمّا انتقل إلى حال الفريق الثّاني-و هم الّذين سعدوا- رجع إلى الرّويّ الأوّل في آيتين: غَيْرَ مَجْذُوذٍ و غَيْرَ مَنْقُوصٍ تفريقا بينهما في التّعبير،كما فرّق بينهما في المصير.

سادسا:فسّروا(جذاذا)في(2)ب كسرا،قطعا، فتاتا-مصدرا-و بقطعا-جمعا-و الأصل فيه اختلاف القراءة،فقد قرئت بضمّ الجيم و كسرها و فتحها، و لم يذكر الطّبريّ سوى الضّمّ و الكسر،و اختار الضّمّ، لإجماع قرّاء الأمصار عليه.ثمّ قال:«إنّه مصدر مثل الرّفات،و الفتات،و الدّقاق،لا واحد له»أمّا(جذاذا) بالكسر فقال:«إنّه جمع جذيذ كخفيف و خفاف،و كريم و كرام».

و أجاز الزّجّاج الفتح كالقطاع و الحصاد،و كذلك الضّمّ على أنّه جمع جذيذ أيضا،مثل جديد و جدد،

ص: 244

فيدور الأمر بين المصدر و الوصف،إلاّ أنّ الوصف جمعا هو المناسب،لكونه مفعولا ثانيا ل(جعلهم)أي جعل الأصنام قطعا قطعا.

سابعا:قد عبّر أوّلا عن الأصنام بضمير ذوي العقول(جعلهم)تماشيا و تعاطفا معهم،لأنّهم سمّوها آلهة،كما تكرّرت في هذه الآيات.لكن عبّر عنهم ذيلا بقطع جماد بلا شعور،ففي فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً وصفا، لطف ليس في المصدر.

ثامنا:مجيئها في آيتين مكّيّتين إن دلّ على أنّها لغتهم،فهو،و إلاّ فهي مساعدة لجوّها المليء بالشّرك، و لا سيّما الثّانية منهما.

ص: 245

ص: 246

ج ذ ع

اشارة

لفظان،3 مرّات مكّيّة،في سورتين مكّيّتين

جذع 2:2 جذوع 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجذع من الدّوابّ:قبل أن يثني بسنة، و من الأنعام:هو أوّل ما يستطاع ركوبه.

و الأنثى:جذعة،و يجمع على:جذاع و جذعان و أجذاع أيضا.

و الدّهر يسمّى جذعا،لأنّه جديد.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

و إذا طفئت الحرب من القوم،يقال:إن شئتم أعدناها جذعة،أي أوّل ما يبتدأ بها،و فلان في هذا الأمر جذع،أي أخذ فيه حديثا.

و الجذع:النّخلة،و هو غصنها.(1:220)

ابن شميّل: يقال:ذهب القوم جذع مذع،إذا تفرّقوا في كلّ وجه.(الأزهريّ 1:353)

قطرب:كلّ خشبة في أصل شجرة فهي جذع.

(الفخر الرّازيّ 21:205)

أبو زيد :[ذكر أسنان الغنم و قال:]

إذا أتى عليها الحول فالذّكر:تيس،و الأنثى:عنز، ثمّ يكون جذعا في السّنة الثّانية،و الأنثى:جذعة،ثمّ ثنيّا في الثّالثة،ثمّ رباعيّا في الرّابعة...

(الأزهريّ 1:352)

[و قال في الإبل:]و يدخل في السّنة الخامسة فهو حينئذ:جذع،و الأنثى:جذعة،و هي الّتي تؤخذ في الصّدقة إذا جاوزت الإبل سنتين (1)،ثمّ ليس شيء في الصّدقة سنّ من الأسنان من الإبل فوق الجذعة.

فلا يزال كذلك حتّى تمضي الخامسة،فإذا مضت الخامسة و دخلت السّنة السّادسة و ألقى ثنيّته فهو حينئذ:

ثنيّ،و الأنثى:ثنيّة،و هو أدنى ما يجوز من أسنان الإبل في النّحر.

ص: 247


1- في الأصل ستّين!!

هذا من الإبل و البقر و المعز،لا يجزئ منها في الأضاحيّ إلاّ الثّنيّ فصاعدا.و أمّا الضّأن خاصّة فإنّه يجزئ منه الجذع لحديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في ذلك...

مثله أبو زياد الكلابيّ،و الأصمعيّ.

(أبو عبيد 1:409)

الأصمعيّ: إذا طلع قرن العجل و قبض عليه فهو عضب،ثمّ بعد ذلك جذع،و بعده ثنيّ،و بعده رباع.

(الأزهريّ 1:352)

الجذع من المعز لسنة،و من الضّأن لثمانية أشهر أو تسعة.(الأزهريّ 1:353)

فإذا أتت عليه[ابن اللّبون]سنة بعد حقّ فهو جذع، يقال:قد أجذع يجذع إجذاعا.و الجذوعة:وقت من الزّمن ليس بوقوع سنّ.(الكنز اللّغويّ:76)

و تدخل الهاء الأنثى في الرّباعيّة و الثّنيّة و الجذعة.

[ثمّ استشهد بشعر](الكنز اللّغويّ:78)

الجذع من المعز لستّة أشهر،و من الضّأن لثمانية أشهر أو تسعة.(المدينيّ 1:308)

ابن الأعرابيّ: جذع الرّجل عياله،إذا حبس عنهم خيرا.(الأزهريّ 1:351)

إذا استتمّ الفرس سنتين و دخل في الثّالثة فهو جذع، و إذا استتمّ الثّالثة و دخل في الرّابعة فهو ثنيّ.

الإجذاع:وقت و ليس بسنّ.و الجذع من الغنم لسنة،و من الخيل لسنتين،و من الإبل لأربع سنين.

و العناق تجذع لسنة،و ربّما أجذعت العناق قبل تمام السّنة للخصب،و تسمن فيسرع إجذاعها،فهي جذعة لسنة،و ثنيّة لتمام سنتين.(الأزهريّ 1:352)

الجذع من الضّأن،إن كان ابن شابّين أجذع لستّة أشهر إلى سبعة أشهر،و إن كان ابن هرمين أجذع لثمانية أشهر إلى عشرة أشهر.(ابن منظور 8:44)

مثله الحربيّ.(الأزهريّ 1:352)

ابن السّكّيت: الجذع:حبس الدّابّة على غير علف.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجذع:جذع النّخلة.(إصلاح المنطق:27)

مثله ابن أبي اليمان.(532)

الرّياشيّ: المجذوع:الّذي يحبس على غير مرعى، و هو الجذع.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 1:351)

ثعلب :الجذع من قولهم:الأزلم الجذع:كلّ يوم و ليلة.(ابن منظور 8:44)

الجاحظ:فإذا أتى عليه[الجدي]الحول فالذّكر:

تيس،و الأنثى:عنز،ثمّ يكون جذعا في السّنة الثّانية، و الأنثى جذعة.(5:498)

ابن دريد :الجذع من الدّوابّ معروف،و الجمع:

جذاع و جذعان،و المصدر:الإجذاع،و ليس بوقوع سنّ،إنّما هو وقت.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجذع من النّخل معروف،و الجمع:أجذاع و جذوع،و جذعت الشّيء أجذعه جذعا،إذا عفسته و دلكته.[ثمّ استشهد بشعر]

و من أمثالهم:«خذ من جذع ما أعطاك»و هو اسم رجل له حديث.

و قد سمّوا جذيعا و جذعا.(2:72)

و الحمل من الضّأن معروف،و هو الجذع فما دونه.

[ثمّ استشهد بشعر](2:188)

ص: 248

جذع بيّن الجذوعة.(3:467)

القاليّ: فإذا استكمل[ولد النّاقة]الرّابعة و دخل في الخامسة فهو جذع،و الأنثى جذعة،فإذا دخل في السّادسة فهو ثنيّ و الأنثى ثنيّة.(1:22)

جذع البصيرة،أي فتيّ الاستبصار.(2:193)

القفّال:الجذع من النّخلة هو الأسفل و ما دون الرّأس،الّذي عليه الثّمرة.(الفخر الرّازيّ 21:205)

الأزهريّ: ...أمّا الجذع فإنّه يختلف في أسنان الإبل و الخيل و البقر و الشّاء.[و بسط القول فيها ثمّ قال:]

و الجذع:جذع النّخلة،و لا يتبيّن لها جذع حتّى يتبيّن ساقها.

و الجذاع:أحياء من بني سعد،معروفون بهذا اللّقب.

و جذعان الجبال:صغارها.[ثمّ استشهد بشعر]

و روي عن عليّ رضي اللّه عنه أنّه قال: «أسلم أبو بكر و أنا جذعمة»أراد:و أنا جذع،أي حدث السّنّ غير مدرك،فزاد في آخرها ميما كما زادوها في ستهم للعظيم الاست،و زرقم للأزرق،و كما قالوا للابن:ابنم.

و في النّوادر:جذعت بين البعيرين،إذا قرنتهما في قرن،أي حبل.(1:351-353)

الصّاحب: الجذع من الدّوابّ و الأنعام:قبل أن تثني بسنة،و الجميع:جذاع و جذعان،و هو بيّن الجذوعة.

و الدّهر لجدّته أبدا يسمّى:جذعا،و كذلك يقال:هو جذع في هذا الأمر.

و الجذع:حبس الدّابّة على غير علف.

و المجذّع و المجذع أيضا:أكل ما لا أصل له و لا نبات.

و خروف متجاذع:دان من الإجذاع.

و أمّ الجذع:الدّاهية.

و الجذاع:أحياء من تميم.

و الجذع:جذع النّخلة،و اسم رجل،و المثل:«خذ من جذع ما أعطاك».(1:246)

الجوهريّ: الجذع قبل الثّنيّ،و الجمع:جذعان و جذاع،و الأنثى:جذعة،و الجمع:جذعات.[و بسط القول فيها إلى أن قال:]

و الأزلم الجذع:الدّهر.[ثمّ استشهد بشعر]

و قولهم:فلان في هذا الأمر جذع،إذا كان أخذ فيه حديثا.

و جذعت الدّابّة:حبستها على غير علف.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجذعته:سجنته،و بالدّال أيضا غير معجمة.

و الجذع:واحد جذوع النّخل.

و جذع أيضا:اسم رجل،و في المثل:«خذ من جذع ما أعطاك».و أصله أنّه كان أعطى بعض الملوك سيفه رهنا،فلم يأخذه منه،و قال:اجعل هذا في كذا من أمّك! فضربه به فقتله.(3:1194)

ابن فارس: الجيم و الذّال و العين ثلاثة أصول:

أحدها يدلّ على حدوث السّنّ و طراوته؛فالجذع من الشّاء:ما أتى له سنتان،و من الإبل:الّذي أتت له خمس سنين.

و يسمّى الدّهر:الأزلم الجذع؛لأنّه جديد.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 249

و يقال:هو في هذا الأمر جذع،إذا كان أخذ فيه حديثا.

و الأصل الثّاني:جذع الشّجرة.

و الثّالث:الجذع،من قولك:جذعت الشّيء،إذا دلكته.[ثمّ استشهد بشعر]

و قولهم في الأمثال:«خذ من جذع ما أعطاك»فإنّه اسم رجل.(1:437)

الهرويّ: في حديث المبعث:«أنّ ورقة بن نوفل قال:يا ليتني فيها جذع»،قوله:«فيها»يعني في نبوّة محمّد عليه السّلام،يقول:ليتني كنت شابّا فيها،يعني حين تظهر نبوّته،حتّى أبالغ في نصرته.

و الأصل في الجذع:سنو الدّوابّ،و هو قبل أن تثني بسنة.

و الدّهر جذع أبدا،أي شابّ لا يهرم.[إلى أن ذكر حديث عليّ عليه السّلام نحو الأزهريّ](1:333)

نحوه ابن الأثير.(1:250)

ابن سيده: الجذع:الصّغير السّنّ.و قيل:الجذع من الغنم،تيسا كان أو كبشا:الدّاخل في السّنة الثّانية.

[إلى أن قال:]

و قيل لابنة الخسّ:«هل يلقح الجذع؟قالت:لا، و لا يدع».

و الجمع:جذعان،و جذعان،و جذاع،و الأنثى:

جذعة،و قد أجذع.و الاسم:الجذوعة.و قيل:

الجذوعة في الدّوابّ و الأنعام:قبل أن يثني بسنة،و هو زمن،ليس بسنّ تسقط و تعاقبها أخرى.[إلى أن قال:]

و أعدت الأمر جذعا،أي جديدا كما بدأ،و فرّ الأمر جذعا،أي بدئ.و فرّ الأمر جذعا:أي ابدأه.

و تجاذع الرّجل:أرى أنّه جذع،على المثل.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجذع،و الأزلم الجذع جميعا:الدّهر،لجدّته.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال ثعلب:الجذع من قولهم:الأزلم الجذع:كلّ يوم و ليلة.هكذا حكاه و لا أدري وجهه.و قيل:هو الأسد،و هذا القول خطأ.

و الجذع:ساق النّخلة.و الجمع:أجذاع،و جذوع.

و جذع الشّيء يجذعه جذعا:عفسه و دلكه.و جذع الرّجل يجذعه جذعا:حبسه،و قد تقدّم في الدّال.

و الجذع:حبس الدّابّة على غير علف.[ثمّ استشهد بشعر]

و جذاع الرّجل:قومه،لا واحد لها.[ثمّ استشهد بشعر]

و جذع،و جذيع:اسمان.(1:308)

و أجذع الفصيل:صار جذعا،و المصدر:الجذوعة.

(الإفصاح 2:721)

الرّاغب: الجذع:جمعه جذوع،قال: فِي جُذُوعِ النَّخْلِ طه:71.

جذعته:قطعته قطع الجذع.و الجذع من الإبل:

ما أتت لها خمس سنين،و من الشّاة:ما تمّت له سنة.

و يقال للدّهر:الجذع،تشبيها بالجذع من الحيوانات.(90)

الزّمخشريّ: صلب في جذع نخلة،و هي ساقها، و به سمّي سهم السّقف جذعا.

ص: 250

و أجذع المهر:صار جذعا.و لا تستوي الجذعان و الثّنيان.

و الخروف المتجاذع:الدّاني من الإجذاع.

و من المجاز:فلان في هذا الأمر جذع،إذا أخذ فيه حديثا.و أهلكهم الأزلم الجذع،أي الدّهر.[ثمّ استشهد بشعر]

و طفئت حرب بين قوم فقال أحدهم:إن شئتم أعدناها جذعة.

و يقال:فرّ له الأمر جذعا،إذا عاوده من الرّأس.

و غرّق الآل جذعان الجبال.(أساس البلاغة:54)

المدينيّ: في الحديث:«ضحّينا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بالجذع».

الجذع من الدّوابّ:شوابّها،و لكلّ واحد من الجذعان حدّ بحسب اختلاف أنواعها،فمن الإبل ما له خمس سنين،و من الشّاء:ما تمّت له سنة،و قيل ذلك لولد الضّأن خاصّة،لأنّه ينزو فيلقح،فإذا كان من المعزى لم يلقح حتّى يصير ثنيّا.

و ولد المعزى الذّكر أوّل سنة جدي،و الأنثى:عناق، فإذا تمّت له السّنة فالذّكر تيس،و الأنثى عنز،ثمّ جذع في السّنة الثّانية،ثمّ ثنيّ،ثمّ رباع.

و ذكر الخرقيّ عن أبيه،أنّه سأل بعض أهل البادية:

كيف تعرفون الضّأن إذا أجذع؟قالوا:لا تزال الصّوفة قائمة في ظهره ما دام حملا،فإذا نامت الصّوفة على ظهره علم أنّه قد أجذع.

و قيل:الجذع:ما تمّت له ستّة أشهر،و دخل في السّابع،و من الإبل:إذا دخلت في الخامسة جذعة، لأنّها تجذع،أي تسقط سنّها،و البقر يسمّى جذعا إذا خرج قرنه،و هو الّذي دخل في السّنة الثّانية.[ثمّ ذكر قول ابن الأعرابيّ و الأصمعيّ و قال:]

قال سيّدنا حرسه اللّه (1):و اختلاف أقوالهم في ذلك يدلّك على اختلاف الأحوال و الطّبائع،و اعتمادهم في ذلك على الوجدان،كما ذكرناه في الثّنيّ.(1:308)

نحوه ابن الأثير.(1:250)

الفيّوميّ: الجذع:بالكسر:ساق النّخلة،و يسمّى سهم السّقف جذعا،و الجمع:جذوع و أجذاع.

و الجذع بفتحتين:ما قبل الثّنيّ،و الجمع:جذاع مثل جبل و جبال،و جذعان بضمّ الجيم و كسرها،و الأنثى:

جذعة،و الجمع:جذعات،مثل قصبة و قصبات.

و أجذع ولد الشّاة في السّنة الثّانية،و أجذع ولد البقرة و الحافر في الثّالثة،و أجذع الإبل في الخامسة،فهو جذع.[إلى أن قال:]

و من الضّأن إذا كان من شابّين يجذع لستّة أشهر إلى سبعة،و إذا كان من هرمين أجذع من ثمانية إلى عشرة.(1:94)

الفيروزآباديّ: الجذع محرّكة:قبل الثّنيّ،و هي بهاء،اسم له في زمن و ليس بسنّ تنبت أو تسقط، و الشّابّ الحدث،جمعه:جذاع و جذعان بالضّمّ.

و الأزلم الجذع:الدّهر و الأسد.

و أمّ الجذع:الدّاهية.

و الدّهر جذع أبدا:شابّ لا يهرم.

و الجذعمة:الصّغيرة،و أصلها:جذعة.ظ.

ص: 251


1- شيخه أبو القاسم إسماعيل بن محمّد بن الفضل الحافظ.

و جذع الدّابّة كمنع:حبسها على غير علف،و بين البعيرين قرنهما في قرن.

و ككتاب:أحياء من بني سعد.

و جذعان الجبال بالضّمّ:صغارها.

و ذهبوا جذع مذع،كعنب مبنيّتين بالفتح:تفرّقوا في كلّ وجه.

و الجذع بالكسر:ساق النّخلة،و ابن عمرو الغسّانيّ.

و منه:«خذ من جذع ما أعطاك».كانت غسّان تؤدّي كلّ سنة إلى ملك سليح دينارين من كلّ رجل، و كان يلي ذلك سبطة بن المنذر السّليحيّ،فجاء سبطة يسأله الدّينارين،فدخل جذع منزله فخرج مشتملا بسيفه فضرب به سبطة حتّى برد،و قال:«خذ من جذع ما أعطاك».

أو أعطى بعض الملوك سيفه رهنا فلم يأخذه، و قال:اجعل في كذا من كذا،فضربه به فقتله و قاله، يضرب في اغتنام ما يجود به البخيل.

و تقول لولد الشّاة في السّنة الثّانية و للبقر و ذوات الحافر في الثّالثة،و للإبل في الخامسة:أجذع.

و المجذع كمكرم و معظّم:كلّ ما لا أصل له و لا ثبات.

و خروف متجاذع:و ان.(3:12)

الطّريحيّ: و في«حياة الحيوان»:الجذع من الضّأن:ما له سنة تامّة،هذا هو الصّحيح عند أصحابنا، و هو الأشهر عند أهل اللّغة و غيرهم.

و قيل:ما له ستّة أشهر،و قيل:ما له سبعة،و قيل:

ثمانية،و قيل:عشرة.حكاه القاضي عياض،و هو غريب.(4:310)

مجمع اللّغة :جذع النّخلة:ساقها،و جمعه:

جذوع.(1:186)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:104)

المصطفويّ: إنّ معنى الدّلك و الحبس و العفس لهذه المادّة إنّما جاء من مادّة«جدع»بالاشتقاق أو بالإبدال.

و أمّا الأصل الواحد فيها:فهو الحداثة و الطّراوة و الاستقامة،و باعتبار هذه الخصوصيّة تطلق على ساق النّخلة إذا استقام و استعدّ لحمل الثّمر،و كذلك تطلق على الدّوابّ إذا كانت على هذه الصّفة،و استعدّت للحمل و الرّكوب.(2:68)

النّصوص التّفسيريّة

جذع

1،2- فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ... وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا

مريم:23-25

ابن عبّاس: أصل نخلة يابسة.(255)

فالتجأت إليها لتستند إليها..

نحوه قتادة،و مجاهد،و السّدّيّ.(الطّبرسيّ 3:

511)

إنّها عليها السّلام لمّا اشتدّ عليها الطّلق نظرت إلى أكمة فصعدت مسرعة،فإذا عليها جذع نخلة نخرة ليس عليها سعف.(الآلوسيّ 16:81)

ص: 252

مجاهد: النّخلة.[و في خبر آخر]العجوة.

(الطّبريّ 16:72)

وهب بن منبّه: إنّها كانت شجرة،و لكن لم تكن في إبّان ثمرها.(ابن كثير 4:450)

السّدّيّ: كان جذعا مقطوعا،فهزّته،فإذا هو نخلة.

(340)

الإمام الصّادق عليه السّلام: إنّ نخلة مريم إنّما كانت عجوة و نزلت من السّماء،فما كان من أصلها كان عجوة، و ما كان من لقاط فهو لون...(المشهديّ 6:174)

الطّبريّ: ذكر أنّ الجذع كان جذعا يابسا،و أمرها أن تهزّه،و ذلك في أيّام الشّتاء.

و قال آخرون:بل معنى ذلك:و هزّي إليك بالنّخلة.

و أدخلت الباء في قوله: وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ كما يقال:زوّجتك فلانة،و زوّجتك بفلانة، و كما يقال: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ المؤمنون:20،بمعنى:

تنبت الدّهن.

و إنّما تفعل العرب ذلك،لأنّ الأفعال تكنّى عنها بالباء،فيقال إذا كنّيت عن:ضربت عمرا:فعلت به، و كذلك كلّ فعل،فلذلك تدخل الباء في الأفعال و تخرج، فيكون دخولها و خروجها بمعنى،فمعنى الكلام:و هزّي إليك جذع النّخلة.

و قد كان لو أنّ المفسّرين كانوا فسّروه كذلك:

و هزّي إليك رطبا بجذع النّخلة،بمعنى:على جذع النّخلة،وجها صحيحا،و لكن لست أحفظ عن أحد أنّه فسّره كذلك.(16:71،72)

القشيريّ: كان جذعا يابسا أخرج اللّه تعالى منه في الوقت الثّمرة،و هي الرّطب الجنيّ،و كان في ذلك آية و دلالة لها.فالّذي قدر على فعل مثل هذا قادر على خلق عيسى عليه السّلام من غير أب.(4:97)

نحوه أبو الفتوح.(13:67)

البغويّ: و كانت نخلة يابسة في الصّحراء في شدّة الشّتاء،لم يكن لها سعف.و قيل:التجأت إليها لتستند إليها و تتمسّك بها على وجع الولادة.(3:229)

نحوه الخازن.(4:197)

الميبديّ: يعني ساقتها،لم يكن على رأسه سعف.

و قيل:كان جذعا يابسا قد جيء به ليبتنى به بيت في بيت لحم.و قيل:صارت إلى النّخلة لتتفيّأ به،و قيل:

التجأت إلى النّخلة لتستند إليها و تتقوّى بها على ما هو عادة المرأة الحامل إذا أخذها الطّلق فتطلب موضعا تستند إليه.(6:30)

الزّمخشريّ: طلبت الجذع لتستتر به،و تعتمد عليه عند الولادة،و كان جذع نخلة يابسة في الصّحراء ليس لها رأس و لا ثمرة و لا خضرة،و كان الوقت شتاء.

و التّعريف لا يخلو إمّا أن يكون من تعريف الأسماء الغالبة،كتعريف النّجم و الصّعق،كأنّ تلك الصّحراء كان فيها جذع نخلة متعالم عند النّاس،فإذا قيل:جذع النّخلة فهم منه ذلك دون غيره من جذوع النّخل.

و إمّا أن يكون تعريف الجنس،أي جذع هذه الشّجرة خاصّة،كأنّ اللّه تعالى إنّما أرشدها إلى النّخلة، ليطعمها منها الرّطب الّذي هو خرسة النّفساء الموافقة لها،و لأنّ النّخلة أقلّ شيء صبرا على البرد،و ثمارها إنّما هي من جمّارها،فلموافقتها لها-مع جمع الآيات فيها-

ص: 253

اختارها لها و ألجأها إليها.[إلى أن قال:]

و الباء في بِجِذْعِ النَّخْلَةِ صلة للتّأكيد،كقوله تعالى: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ البقرة:195، أو على معنى افعلي الهزّ به،كقوله:

*بجرح في عراقيبها نصلي*

(2:506)

نحوه البيضاويّ(2:31)،و الشّربينيّ(2:420)، و أبو السّعود(4:236)،و البروسويّ(5:326)،و نحوه ملخّصا النّسفيّ(2:32)،و الكاشانيّ(3:278)، و المشهديّ(6:174).

ابن عطيّة: روي أنّها بلغت إلى موضع كان في جذع نخلة بال يابس في أصله مذود بقرة على جرية ماء،فاشتدّ بها الأمر هناك،و احتضنت الجذع لشدّة الوجع.[إلى أن قال:]

ثمّ أمر بهزّ الجذع اليابس لترى آية أخرى في إحياء موات الجذع،و قالت فرقة:بل كانت النّخلة مطعمة رطبا.و قال السّدّيّ:كان الجذع مقطوعا و أجري النّهر تحتها لحينه.

و الظّاهر من الآية أنّ عيسى هو المكلّم لها،و أنّ الجذع كان يابسا.و على هذا تكون آيات تسلّيها و تسكن إليها.

و الباء في قوله:(بجذع)زائدة مؤكّدة.قال أبو عليّ:

كما يقال:ألقى بيده،أي ألقى يده.و في هذا المثال عندي نظر.(4:10)

الطّبرسيّ: [نحو الزّمخشريّ في دخول الباء على (جذع)و أضاف:]

و الجذع:ساق النّخلة،و الألف و اللاّم دخلت للعهد،لا للجنس،أي النّخلة المعروفة.[إلى أن قال:]

و قالوا:إنّ الجذع كان يابسا لا ثمر عليه؛إذ لو كان عليه ثمر لهزّته من غير أن تؤمر به.و كان في الشّتاء، فصار معجزة بخروج الرّطب في غير أوانه،و بخروجه دفعة واحدة.فإنّ العادة أن يكون نورا أوّلا ثمّ يصير بلحا ثمّ بسرا.

و روي أنّه لم يكن للجذع رأس فضربته برجلها فأورقت و أثمرت و انتثر عليها الرّطب جنيّا،و الشّجرة الّتي لا رأس لها لا تثمر في العادة.

و قيل:إنّ تلك النّخلة كانت برنية،و قيل:كانت عجوة،و هو المرويّ عن أبي عبد اللّه عليه السّلام.(3:509)

ابن الجوزيّ: هو ساق النّخلة،و كانت نخلة يابسة في الصّحراء ليس لها رأس و لا سعف.(5:220)

الفخر الرّازيّ: [نقل قول الزّمخشريّ ثمّ قال:]

فكأنّه تعالى قال:كما أنّ الأنثى لا تلد إلاّ مع الذّكر فكذا النّخلة لا تثمر إلاّ عند اللّقاح،ثمّ إنّي أظهر الرّطب من غير اللّقاح ليدلّ ذلك على جواز ظهور الولد من غير ذكر.[إلى أن قال:]

و أمّا الباء في قوله: بِجِذْعِ النَّخْلَةِ فزائدة، و المعنى:هزّي إليك أي حرّكي جذع النّخلة...

و إذا عرفت هذا فنقول:قد تقدّم أنّ الوقت كان شتاء و أنّ النّخلة كانت يابسة،و اختلفوا في أنّه أثمر الرّطب و هو على حاله أو تغيّر؟و هل أثمر مع الرّطب غيره؟و الظّاهر يقتضي أنّه صار نخلة لقوله: بِجِذْعِ النَّخْلَةِ و أنّه ما أثمر إلاّ الرّطب.(21:203،205)

ص: 254

نحوه القرطبيّ ملخّصا.(11:92،94)

ابن عربيّ: نخلة نفسك،الّتي بسقت في سماع الرّوح،باتّصالك بروح القدس،و اخضرّت بالحياة الحقيقيّة،بعد يبسها بالرّياضة،و جفافها بالحرمان عن ماء الهوى و حياته،و أثمرت المعارف،و المعاني،أي حرّكيها بالفكر.[و هو تأويل صوفيّ](2:14)

أبو حيّان :قيل:نخلة مريم قائمة إلى اليوم،و الظّاهر أنّ النّخلة كانت موجودة قبل مجيء مريم إليها.[إلى أن قال:]

و قالت فرقة: بل كانت النّخلة مطعمة رطبا.و قال السّدّيّ:كان الجذع مقطوعا و أجرى تحته النّهر لجنبه.

و الظّاهر أنّ المكلّم هو عيسى و أنّ الجذع كان يابسا، و على هذا ظهرت لها آيات تسكن إليها،و حزنها لم يكن لفقد الطّعام و الشّراب حتّى تتسلّى بالأكل و الشّرب، و لكن لمّا ظهر في ذلك من خرق العادة حتّى يتبيّن لقومها أنّ ولادتها من غير فحل ليس ببدع من شأنها.

قال ابن عبّاس:كان جذعا نخرا فلمّا هزّت إذ السّعف قد طلع،ثمّ نظرت إلى الطّلع يخرج من بين السّعف،ثمّ اخضرّ فصار بلحا ثمّ احمرّ فصار زهوا،ثمّ رطبا،كلّ ذلك في طرفة عين،فجعل الرّطب يقع من بين يديها لا يتسرّح منه شيء.(2:182،184)

الآلوسيّ: (إلى جذع النّخلة)لتستند إليه عند الولادة،كما روي عن ابن عبّاس و مجاهد و قتادة و السّدّيّ،أو لذلك و لتستر به كما قيل.و الجذع:ما بين العرق و متشعّب الأغصان من الشّجرة،و قد يقال للغصن أيضا:جذع،و النّخلة معروفة.

و التّعريف إمّا للجنس فالمراد واحدة من النّخل لا على التّعيين،أو للعهد فالمراد نخلة معيّنة،و يكفي لتعيّنها تعيّنها في نفسها و إن لم يعلمها المخاطب بالقرآن عليه الصّلاة و السّلام،كما إذا قلت:أكل السّلطان ما أتى به الطّبّاخ،أي طبّاخه،فإنّه المعهود.و قد يقال:إنّها معيّنة له صلّى اللّه عليه و سلّم بأن يكون اللّه تعالى أراها له عليه الصّلاة و السّلام ليلة المعراج.

و زعم بعضهم أنّها موجودة إلى اليوم،و الظّاهر أنّها كانت موجودة قبل مجيء مريم إليها،و هو الّذي تدلّ عليه الآثار،فعن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما أنّها عليها السّلام لمّا اشتدّ عليها الطّلق نظرت إلى أكمة فصعدت مسرعة فإذا عليها جذع نخلة نخرة ليس عليها سعف.

و قيل:إنّ اللّه تعالى خلقها له يومئذ،و ليس بذاك، و كان الوقت شتاء.و لعلّ اللّه تعالى أرشدها إليها ليريها فيما هو أشبه الأشجار بالإنسان من آياته،ما يسكن روعتها كإثمارها بدون رأس،و في وقت الشّتاء الّذي لم يعهد ذلك فيه،و من غير لقاح كما هو المعتاد،و في ذلك إشارة أيضا إلى أنّ أصلها ثابت و فرعها في السّماء،و إلى أنّ ولدها نافع كالثّمرة الحلواء،و أنّه عليه السّلام سيحيي الأموات كما أحيا اللّه تعالى بسببه الموات،مع ما في ذلك من اللّطف بجعل ثمرتها خرسة لها.

و الجارّ و المجرور متعلّق ب(اجاءها)،و على القراءة الأخرى متعلّق بمحذوف وقع حالا،أي مستندة إلى جذع النّخلة.[إلى أن قال:]

في وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ: الفعل هنا منزّل منزلة اللاّزم.[ثمّ استشهد بشعر ثمّ قال:]

ص: 255

أي افعلي الهزّ(بجذع النّخلة)فالباء للآلة،كما في كتبت بالقلم.و قيل:هو متعدّ و المفعول محذوف،و الكلام على تقدير مضاف،أي هزّي الثّمرة بهزّ جذع النّخلة، و لا يخفى ما فيه من التّكلّف.[إلى أن قال:]

و جعل بعضهم بِجِذْعِ النَّخْلَةِ في موضع الحال على تقدير جعل المفعول(رطبا)أو الثّمرة،أي كائنة أو كائنا بجذع النّخلة،و فيه ثمرة ما لا تسمن و لا تغني،و قيل:

الباء مزيدة للتّأكيد مثلها في قوله تعالى: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ البقرة:195.[ثمّ استشهد بشعر ثمّ قال:]

و الوجه الصّحيح الملائم لما عليه التّنزيل من غرابة النّظم كما في«الكشف»هو الأوّل،و قول الفرّاء:«إنّه يقال:هزّه و هزّ به»إن أراد أنّهما بمعنى-كما هو الظّاهر- لا يلتفت إليه،كما نصّ عليه بعض من يعوّل عليه.

(16:81)

الطّباطبائيّ: و التّعبير ب(جذع النّخلة)دون (النّخلة)مشعر بكونها يابسة غير مخضرّة.[إلى أن قال:]

و نسبة الهزّ إلى(الجذع)و المساقطة إلى(النّخلة) لا تخلو من إشعار بأنّ النّخلة كانت يابسة،و إنّما اخضرّت و أورقت و أثمرت رطبا جنيّا لساعتها.(14:42)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(9:382)

المصطفويّ: أي فألجأها إلى جذع يابس من نخلة،و ليس إلاّ جذعا لا ترى فيه خضرة حتّى تطلق عليه النّخلة،و إطلاق الجذع عليه باعتبار ما كان،و على الظّاهر.(2:68)

جذوع

...وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَ لَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَ أَبْقى. طه:71

ابن عبّاس: على جذوع النّخل.(263)

نحوه الطّوسيّ(7:190)،و الواحديّ(3:214)، و البغويّ(3:268)،و ابن الجوزيّ(5:307)،و أكثر المفسّرين.

الفرّاء: يصلح«على»في موضع«في»و إنّما صلحت «في»لأنّه يرفع في الخشبة في طولها فصلحت«في» و صلحت«على»لأنّه يرفع فيها فيصير عليها،و قد قال اللّه: وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ البقرة:102،و معناه في ملك سليمان.(2:186)

نحوه الطّبريّ(16:188)،و الزّجّاج(3:168).

الثّعالبيّ: (في)بمعنى«على»كقوله تعالى:

وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ لأنّ الجذع للمصلوب بمنزلة القبر للمقبور.[ثمّ استشهد بشعر](358)

الزّمخشريّ: شبّه تمكّن المصلوب في الجذع بتمكّن الشّيء الموعى في وعائه،فلذلك قيل: فِي جُذُوعِ النَّخْلِ. (2:546)

نحوه البيضاويّ.(2:55)

ابن عطيّة: قوله: فِي جُذُوعِ النَّخْلِ اتّساع من حيث هو مربوط في الجذع،و ليست على حدّ قولك:

ركبت على الفرس.(4:53)

أبو حيّان :و أراد بالتّقطيع و التّصليب في الجذوع:

التّمثيل بهم،و لمّا كان الجذع مقرّا للمصلوب و اشتمل عليه اشتمال الظّرف على المظروف عدّي الفعل ب(فى)

ص: 256

الّتي للوعاء.و قيل:(فى)بمعنى«على».

و قيل:نقر فرعون الخشب و صلبهم في داخله، فصار ظرفا لهم حقيقة،حتّى يموتوا فيه جوعا و عطشا...

(6:261)

نحوه الشّربينيّ.(2:473)

أبو السّعود :أي عليها،و إيثار كلمة(في)للدّلالة على إبقائهم عليها زمانا مديدا،تشبيها لاستمرارهم عليها باستقرار المظروف المشتمل عليه.(4:295)

نحوه البروسويّ.(5:406)

الآلوسيّ: [نحو البروسويّ و أضاف:]

و فيه استعارة تبعيّة،و الكلام في ذلك شهير.

و قيل:لا استعارة أصلا لأنّ فرعون نقر جذوع النّخل و صلبهم في داخلها ليموتوا جوعا و عطشا، و لا يكاد يصحّ،بل في أصل الصّلب كلام...(16:232)

المصطفويّ: التّعبير بكلمة(فى)فإنّ الصّلب في ذلك الزّمان كان بشدّ المصلوب يديه أو بدنه أو رجليه بالمسمار،على عود مخصوص حتّى يموت.(2:68)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجذع،و هو ساق النّخلة، و كان يطلق-فيما يبدو-على أوّل ما يظهر من ساقها،ثمّ عمّم على سائرها،لأنّهم قالوا:«لا يبين النّخلة جذع حتّى يبين ساقها».و الجمع:أجذاع،و جذوع.

و منه:الجذع:الصّغير السّنّ من الدّوابّ،ففي الإبل ما دخل السّنة الخامسة،و في الضّأن ما دخل الثّانية،و في ذوات الحافر ما دخل الثّالثة،و الأنثى:جذعة،و الجمع:

جذاع و جذعان و جذعان،و قد أجذع.و تجاذع الرّجل:

أرى أنّه جذع على المثل،و يقال على التّشبيه:جذعان الجبال،أي صغارها.

و يقال مجازا:فلان في هذا الأمر جذع،أي أخذ فيه حديثا،و أعدت الأمر جذعا:جديدا كما بدأ،و فرّ الأمر جذعا:بدئ،و فرّ الأمر جذعا:ابدأه.و يسمّى الدّهر جذعا لأنّه جديد،يقال:لا آتيك الأزلم الجذع،أي لا آتيك أبدا،لأنّ الدّهر أبدا جديد،و إذا طفئت حرب بين قوم فقال بعضهم:إن شئتم أعدناها جذعة،أي أوّل ما يبدأ فيها.

2-و قد عرف الجذع في السّريانيّة بلفظ«جزعا» و هو أصل أصيل لهذه المادّة،و ما جاء مخالفا لها فليس منها،كقولهم:جذع الرّجل يجذعه جذعا،أي حبسه، و جذع الرّجل عياله:حبس عنهم خيرا،و جذع الدّابّة:

حبسها على غير علف.

إذ هو من مادّة«ج د ع»يقال:جدعته،أي سجنته و حبسته فهو مجدوع،و جدع الرّجل عياله:حبس عنهم الخير.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها(جذع)مرّتين و(جذوع)مرّة بمعنى واحد:

1 و 2- فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ قالَتْ يا لَيْتَنِي مِتُّ قَبْلَ هذا وَ كُنْتُ نَسْياً مَنْسِيًّا* فَناداها مِنْ تَحْتِها أَلاّ تَحْزَنِي قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا* وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ تُساقِطْ عَلَيْكِ رُطَباً جَنِيًّا

مريم:23-25

ص: 257

3- قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَ لَتَعْلَمُنَّ أَيُّنا أَشَدُّ عَذاباً وَ أَبْقى طه:71

يلاحظ أوّلا:أنّه جاء في(1)و(2)(جذع النّخلة)و اللاّم للعهد الحضوريّ،أي كانت هناك نخلة حاضرة؛إذ لم يسبق ذكر لها و لا سيّما في(1)كي تكون للعهد الذّكريّ،و لا معنى للجنس هنا و إلاّ لكانت نكرة «جذع نخلة».

قالوا:كانت هناك نخلة يابسة،و التجأت مريم إليها من شدّة المخاض.و قد عبّر القرآن عن هذه الحالة بألطف بيان: فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ أي كأنّها أخذت و جلبت إلى النّخلة بغير اختيارها،تعبيرا عن صعوبة مرضها و شدّة وجعها.و قد جاءت(اجاءه) بمعنى اضطرّه و ألجأه-لاحظ ج ي ء-فاخضرّت النّخلة إعجازا،و تساقطت عليها رطبا جنيّا.

و في ذلك يقول الطّباطبائيّ: «التّعبير ب(جذع النّخلة) دون(النّخلة)مشعر بكونها يابسة غير مخضرّة...و نسبة الهزّ إلى الجذع و المساقطة إلى النّخلة لا يخلو من إشعار بأنّ النّخلة كانت يابسة،و إنّما اخضرّت و أورقت و أثمرت رطبا جنيّا لساعتها».

و نقول:جاء في اللّغة«الجذع»من الشّجر تارة بمعنى أصلها و ساقها،و أخرى،بمعنى فرعها و غصنها؛فبأيّ المعنيين تشعر بكونها يابسة!و قد أريد بها معنى واحد في الموردين.فإن جاءت إليها لتعتمد عليها أو لتحتضنها -كما قيل-فالأنسب هو الأوّل،و إن جاءت لتستتر بها، فالثّاني،و لا إشعار في شيء منهما بكونها يابسة،لو لم يشعر الثّاني بكونها مخضرّة؛إذ لا يستتر بنخلة يابسة، و يؤيّده أنّ الهزّ تعلّق بالجذع دون النّخلة،و النّخلة لا تهزّ،لأنّها كبيرة لا تتحرّك بالهزّ،و لا تساقط به رطبا.

و قد أيّدوا كونها يابسة بأنّ ذلك كانت تسلية لمريم في تلك الحالة الشّاقّة جسما و روحا؛حيث كانت مظنّة السّوء فسلاّها اللّه بالنّخلة اليابسة الّتي اخضرّت و أثمرت و ساقطت عليها رطبا فأكلته،فكانت آية لها بأنّ اللّه قادر أن يرزقها ولدا من دون أن يمسّها رجل،و أن يرفع عنها مظنّة السّوء.

إضافة إلى أنّ مواجهتها بتلك الحادثة العجيبة الخارقة للعادة صرفتها طبعا عن قلقها النّفسانيّ و ألمها الجسمانيّ معا،في لحظة هي أمسّ حاجة إليها من كلّ زمان.

و إلى أنّ الرّطب-كما قيل-دواء و علاج للمرأة حال النّفاس-و هي خرسة النّفساء على حدّ تعبير الزّمخشريّ -فعالجها اللّه بذلك جسما و روحا.

و إلى ما نبّه عليه الفخر الرّازيّ:من أنّ الأنثى لا تلد إلاّ بالذّكر،فكذا النّخلة لا تثمر إلاّ عند اللّقاح،فأثمرت تلك النّخلة من غير لقاح لتطمئنّ مريم على أنّها تأتي من اللّه بالولد من غير ذكر.

و إلى ما نبّه عليه الزّمخشريّ:أنّ النّخلة أقلّ شيء صبرا على البرد،و ثمارها إنّما هي من جمّارها،فكذلك الحامل أقلّ شيء صبرا على مخاضها.

و إلى ما نبّه عليه الآلوسيّ من«أنّ اللّه أرشدها إلى النّخلة،ليريها فيما هو أشبه الأشجار بالإنسان من آياته

ص: 258

ما يسكن روعتها:كإثمارها بدون رأس،و في وقت الشّتاء الّذي لم يعهد ذلك فيه،و من غير لقاح كما هو المعتاد،و في ذلك إشارة أيضا إلى أنّ أصلها ثابت و فرعها في السّماء،و إلى أنّ ولدها نافع كالثّمرة الحلواء، و أنّه عليه السّلام سيحيي الأموات،كما أحيا اللّه بسببه الموات، مع ما في ذلك من اللّطف بجعل ثمرتها خرسة لها.[أي طعاما لها]

ثانيا:قالوا:في الباء من وَ هُزِّي إِلَيْكِ بِجِذْعِ النَّخْلَةِ أنّها زائدة،مثل وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ البقرة:195،لكنّا لا نوافق فيها و لا في غيرها أن يكون في القرآن حرف زائد،بلا نكتة،فهذا بعيد عن بلاغة القرآن،و قد ذكروا لها وجوها:

منها قول الطّبريّ أنّها كما يقال:زوّجتك فلانة، و زوّجتك بفلانة،و كما قال: تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ المؤمنون:20،و إنّما تفعل العرب ذلك لأنّ الأفعال تكنّى بها بالباء،فيقال إذا كنيت عن«ضربت عمرا»:فعلت به،و كذلك كلّ فعل،فلذلك تدخل الباء في الأفعال و تخرج،فيكون دخولها و خروجها بمعنى،فمعنى الكلام:

و هزّي إليك جذع النّخلة.ثمّ قال:«و لو فسّروه:و هزّي إليك رطبا بجذع النّخلة،بمعنى على جذع النّخلة،لكان وجها،و لكن لست أحفظ عن أحد فسّره كذلك».

و حاصل ما ذكره وجهان:

أحدهما:أنّ الباء هنا تشعر بالتّكنية عن«الهزّ» بالفعل،كأنّه قال:هزّي إليك جذع النّخلة،و افعلي بها ذلك،فجمع بين التّصريح و التّكنية تأكيدا.

ثانيهما:بالتزام التّقديم و التّأخير فيهما،أي:و هزّي إليك رطبا بجذع النّخلة،أي على جذع النّخلة.

و منها قول الزّمخشريّ و الطّبرسيّ:إنّ الباء وصلة للتّأكيد،كقوله: وَ لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ أو على معنى افعلي الهزّ.و حاصل قولهما وجهان أيضا؛ ثانيهما مثل الوجه الأوّل عند الطّبريّ.و ابن عطيّة اختار الوجه الأوّل منه،و هو الزّيادة تأكيدا،إلاّ أنّه قال في التّمثيل:«و في هذا التّمثيل عندي نظر».

و منها قول الآلوسيّ:إنّ الباء للآلة،كما في«كتبت بالقلم»و قد فضّله على غيره من الوجوه الّتي ذكرها، و لا بأس به،إلاّ أنّه يخطر بالبال أنّ الباء في مثله تشير إلى صعوبة الفعل و أنّه يحتاج إلى الاستعانة عليه بشيء، فلا يصدر إلاّ به.

و ثالثا:و بعد هذا كلّه فعليك بأن تلوك الآيتين مرّة بعد أخرى لتتذوّق بلاغة القرآن،و تدرك جمالها،و تقف على إعجازها.

رابعا:الجذوع في(3)جمع جذع،و جاء(فى جذوع) مكان«على جذوع»فيظهر من ابن عبّاس أنّ(فى)عنده بمعنى«على»و تبعه بعضهم.

و هناك وجوه أخرى:

1-إنّما صلحت(فى)لأنّه يرفع في الخشبة في طولها، فصلحت(فى)و«على»كلاهما،لأنّه يرفع فيها فيصير عليها،و نظيره: وَ اتَّبَعُوا ما تَتْلُوا الشَّياطِينُ عَلى مُلْكِ سُلَيْمانَ البقرة:102.

2-إنّ الجذع للمصلوب بمنزلة القبر للمقبور.

3-شبّه تمكّن المصلوب في الجذع بتمكّن الشّيء المرعى في وعائه،فقال: فِي جُذُوعِ النَّخْلِ.

ص: 259

4-اتّساع من حيث هو مربوط في الجذع،و ليست على حدّ قولك:«ركبت على الفرس».

5-لمّا كان الجذع مقرّا للمصلوب و اشتمل عليه اشتمال الظّرف على المظروف،عدّي الفعل ب(في).

6-إيثار كلمة(فى)للدّلالة على إبقائها عليها زمانا مديدا،تشبيها باستقرار المظروف في الظّرف،فهي استعارة تبعيّة.

7-إنّ فرعون نقر جذوع النّخل و صلبهم في داخلها.

و هذه الوجوه يمكن إرجاع بعضها إلى بعض،و هناك وجه آخر يخطر بالبال،و هو أنّ المصلوب إذا صلب على جذع و اشتمل عليه الجذوع الكثيرة،فيصدق عليه أنّه صلب في جذوع النّخل،و لعلّ بعض تلك الوجوه يرجع إليه.

خامسا:جاء الجذع في الآيات الثّلاث مضافا إلى النّخل فيبدو أنّ بينه و بين النّخل علاقة نشأت من أنّ النّخل-كالزّيتون-هو الشّجرة الغالبة على سواحل البحر المتوسّط،فمريم عليها السّلام التجأت إلى النّخل في فلسطين فبورك بها،و فرعون صلب السّحرة في مصر على جذوع النّخل فتشاءمت به،و إن شئت قلت:إنّ الجذع مفردا مبارك في القرآن،و جمعا مشئوم،مع أنّه مضاف إلى النّخل دائما.

فلاحظ سياق ما جاء بشأن مريم من الحنان، و العفاف و الرّحمة،و ما جاء بشأن فرعون من الطّغيان و السّلطان،و تقطيع الأيدي و التّصليب و التّعذيب.

ص: 260

ج ذ و

اشارة

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :رجل جاذ،و امرأة جاذية،بيّن الجذوّ، و هو القصير الباع.

جذا يجذو جذوّا:مثل جثا يجثو جثوّا،غير أنّ العرب لا تستعمل الجثوّ إلاّ في عمل الإنسان إذا جثا على ركبتيه،للخصومة و نحوها.

و الجذوّ:اللّزوم للموضع،و هو في كلّ شيء،يقال:

جذا القراد في جنب البعير،لشدّة التزامه.و سمّى أبو النّجم منقار الطّائر مجذاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجذوة:قبسة من نار.

و التّجاذي،و الإجذاء:إشالة الجمر و نحوه،أجذيته، و هم يجذونه.(6:171)

الكسائيّ: إذا حمل ولد النّاقة في سنامه شحما، فهو مجذ،و قد أجذى.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 11:166)

يقال:جذوة،و جذوة و جذوة.(الحربيّ 3:1172)

أبو عمرو الشّيبانيّ: يقول الرّجل:تجذّيت يومي أجمع،أي دأبت،و تجذّت المرأة على النّسج يومها أجمع.

(1:119)

قال الخزاعيّ: ثمّ الغاضريّ:أجذيت الحجر:

أشلته،و الحجر:المجذى.(1:120)

و اجذوذى اجذيذاء مثله.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 11:166)

جثا و جذا لغتان،و الجاذي:القائم على أطرافه.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 11:167)

المجذوذيّ: الّذي يلازم الرّحل و المنزل لا يفارقه.

[ثمّ استشهد بشعر](الجوهريّ 6:2301)

الفرّاء: يقال:جذوة من النّار،و جثوة،و جذوة و جثوة؛و كلّ يقول:جذوة.(الأزهريّ 11:167)

أبو عبيدة :جذوة:قطعة غليظة من الحطب،مثل الجذمة من أصل الشّجر.[ثمّ استشهد بشعر]

(الحربيّ 3:1173)

ص: 261

أجذى الشّيء إجذاء،و جذا يجذو،إذا ثبت؛لغتان.

(الأزهريّ 11:166)

جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ... القصص:29،الجذوة:مثل الجذمة،و هي القطعة الغليظة من الخشب،ليس فيها لهب،و الجميع جذى.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 11:167)

أبو زيد :يقال:أكلنا طعاما فجاذى بيننا،و والى بيننا،و تابع بيننا،أي قتل بعضنا على أثر بعض.

و يقال:جذيته عن كذا و كذا،و أجذيته،إذا منعته.

(الأزهريّ 11:168)

الجذوة:أصل الشّجرة الغليظة.(الحربيّ 3:1173)

الأصمعيّ: الجوّاذيّ:الإبل السّراع اللاّتي لا ينبسطن في سيرهنّ،و لكن يجذون و ينتصبن.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 11:166)

الجذوة:عود غليظ،يكون أحد رأسيه جمرة، و الشّهاب دونها في الدّقّة،و الشّعلة ما كان في سراج أو فتيلة.

جثوت و جذوت،و هو القيام على أطراف الأصابع.

[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 11:167)

جذم كلّ شيء،و جذيه:أصله.

(الأزهريّ 11:168)

إذا سمن سنام ولد النّاقة قيل:قد أجذى،و هو مجذ إجذاء؛و إجذاؤه:ارتفاعه.

و أجذى الصّبيّ أبوه على يده،إذا حمله.

(الحربيّ 3:1172)

الجذو:يبس الرّسغ و انتصابه.(الحربيّ 3:1171)

أبو عبيد: و من هذا حديث ابن عبّاس:أنّه مرّ بقوم و هم يتجاذون حجرا،و يروى:يجذون حجرا،فقال:

«عمّال اللّه أقوى من هؤلاء».و كلّ هذا من الرّفع و الإشالة،و هو مثل الرّبع.(1:21)

الإجذاء:إشالة الحجر لتعرف به شدّة الرّجل،يقال:

هم يجذون حجرا و يتجاذونه.(الأزهريّ 11:166)

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«مثل المؤمن مثل الخامة من الزّرع تميّلها الرّيح،مرّة هكذا و مرّة هكذا،و مثل المنافق مثل الأرزة المجذية على الأرض حتّى يكون انجعافها مرّة».

و المجذية:الثّابتة في الأرض أيضا.و فيها لغتان:

جذت تجذو و أجذت تجذي.(1:77)

ابن الأعرابيّ: الجاذي:على قدميه،و الجاثي:

على ركبتيه.(الأزهريّ 11:166)

يقال:جذوة و جذوة و جذوة.

(إصلاح المنطق:116)

ابن السّكّيت: و يقال:رجل جاذ و امرأة جاذية للقصير،و يقال:رجل جاذ،أي قصير الباع،بيّن الجذوّ.

[ثمّ استشهد بشعر](248)

يقال:جذوت و جثوت،و هو القيام على أطراف الأصابع.[ثمّ استشهد بشعر](الإبدال:108)

جذوة من النّار،و جذى،و هو العود الغليظ يؤخذ فيه نار.

و نبت يقال له:الجذاة،يقال:هذه جذاه كما ترى، فإن ألقيت منها الهاء فهو مقصور يكتب بالياء،لأنّ أوّله مكسور.(الأزهريّ 11:167)

ص: 262

الحربيّ: [في قول فضالة]«دخلت على عبد الملك و قد جذا منخراه»أي انتصب و امتدّ.(3:1171)

و قال الكلابيّ: تجذّيت يومي أجمع،أي دأبت، و تجذّت المرأة على النّسج يومها أجمع.

و قال البكريّ: التّجاذي:أن يتجاذى القوم للرّكب للخصومة.

و قوله[ابن عبّاس:]«يجذون حجرا»أي يرفعون ليعلموا أيّهم أقوى.(3:1172)

ثعلب :الجذوّ:على أطراف الأصابع،و الجثوّ:

على الرّكب.(ابن سيده 7:537)

الزّجّاج: أجذى سنام البعير،في أوّل ما يبدو.

(فعلت و أفعلت:46)

ابن دريد :الجذوة و الجذوة و الجذوة جميعا:

الجمرة الملتهبة،و الجمع:جذى و جذوات و جذوات.

(2:73)

الجاذي المقعي منتصب القدمين،و كلّ ثابت على شيء فقد جذا عليه يجذو جذوا و جذوّا،يقال:جذا،إذا انتصب،و ربّما جعل الجاذي و الجاثي سواء.

و الجذوة:الجمرة من النّار،و الجمع:جذى مقصور.

(3:222)

ابن الأنباريّ: المجذى:عود يضرب به.

(الأزهريّ 11:168)

القالي:فإذا حمل[ولد النّاقة]في سنامه شحما،فهو مجذ.(1:22)

يقال:جثا يجثو و جذا يجذو،إذا قام على أطراف أصابعه.(2:121)

الأزهريّ: [نقل قول ابن عبّاس«يجذون حجرا»ثمّ قال:]

«الإجذاء»في حديث ابن عبّاس واقع متعدّ،و هو في هذا الحديث المرفوع (1)لازم غير واقع،يقال:أجذى الشّيء يجذي إجذاء،و جذا يجذو جذوّا،إذا انتصب و استقام.(11:165)

الصّاحب: جذا يجذو:مثل جثا يجثو،فهو جاذ، غير أنّ العرب لا تستعمل الجثوّ إلاّ في عمل الإنسان.

و التّجاذي:أن يتجاذى القوم للرّكب عند الخصومة و الفخار.

و جاذى اللّه بين بني فلان،إذا دعي عليهم أن يقتلوا أو يموتوا.

و جذا الشّيء يجذو،إذا ثبت قائما،و أجذى يجذي:

بمعناه.

و لو جذي به الصّخر لتفلّق،أي لو غرز به غرزا.

و الجذو:اللّزوم للموضع،جذا القراد،و جذت ظلفة الإكاف في جنب الحمار.

و سمّى أبو النّجم منقار الطّائر:مجذاء.

و المجذى:الحجر الّذي يشال،و يمدّ أيضا.و جذوت الحجر أجذوه:أشلته،و يقال:أجذيته.

و المجذاء:عود يضرب به،و هو أيضا:خشبة مدوّرة يلعب بها الأعراب،و هو سلاح يقاتل به.

و(الجذوة)في القرآن،القصص:29،عود تؤخذ فيه النّار،و يقال:جذوة و جذوة.

و الجذاة:نبت،يجمع جذى مقصور.ة.

ص: 263


1- مثل الكافر كمثل الأرزة المجذبة.

و يقال لجذل الشّجرة:جذوة و جذية.

و التّجاذي:الانسلال،و تقول:أجذيتهم،و هم يجذون.

و الحمام يتجذّى للحمامة،و هو أن يمسح الأرض بذنبه إذا هدر.

و الجذوّ و الجذيّ: الاختيال،جذا البعير يجذو جذوّا،و تجذّى تجذّيا.

و جذا في المشي يجذو،إذا قطف.

و تجذّيت يومي أجمع،أي دأبت.

و المجذوذيّ: الّذي لا يفارق الرّحل ملازمة.

و إذا حمل ولد النّاقة شحما في سنامه،فهو مجد و مكعر.و جذا سنامه جذوّا،و أجذى مثله،و حوار مجذ.

(7:164)

ابن جنّيّ: [قال بعد كلام ثعلب:]

ليست الثّاء بدلا من الذّال بل هما لغتان.

(ابن سيده 7:537)

الجوهريّ: الجذوة و الجذوة و الجذوة:الجمرة الملتهبة،و الجمع:جذى و جذى و جذى.

و الجاذي:المقعي منتصب القدمين،و هو على أطراف أصابعه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمع جذاء،مثل نائم و نيام.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجذى و جذا بمعنى،إذا ثبت قائما.

و كلّ من ثبت على شيء فقد جذا عليه.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّجاذي في إشالة الحجر،مثل التّجاثي.

و رجل جاذ،أي قصير الباع،و امرأة جاذية.[ثمّ استشهد بشعر](6:2300)

ابن فارس: الجيم و الذّال و الواو أصل يدلّ على الانتصاب،يقال:جذوت على أطراف أصابعي،إذا قمت.[ثمّ استشهد بشعر]

قال الخليل :يقال:جذا يجذو مثل جثا يجثو،إلاّ أنّ جذا أدلّ على اللّزوم.

و هذا الّذي قاله الخليل فدليل لنا في بعض ما ذكرناه من مقاييس الكلام،و الخليل عندنا في هذا المعنى إمام.

قال:و يقال جذا القراد في جنب البعير،لشدّة التزاقه.و جذت ظلفة الإكاف في جنب الحمار.[ثمّ ذكر حديث مثل المنافق و أضاف:]

و من الباب تجاذى القوم الحجر،إذا تشاولوه.

فأمّا قولهم:رجل جاذ،أي قصير الباع،فهو عندي من هذا،لأنّ الباع إذا لم يكن طويلا ممدودا،كان كالشّيء النّاتئ المنتصب.(1:439)

الهرويّ: يقال:جذوة،و جذوة و جذوة.

و اجذوذت تجذوذي،بمعنى جذت.(1:337)

ابن سيده: جذا الشّيء يجذو جذوا،و جذوّا، و أجذى،كلاهما:ثبت قائما.

و قيل:الجاذي كالجاثي.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجذى الحجر:أشاله.

و أجذى طرفه:نصبه،ورمى به أمامه.[ثمّ استشهد بشعر]

و تجاذوه:ترابعوه ليرفعوه.

و جذا القراد في جنب البعير جذوّا:لصق به و لزمه.

و رجل مجذوذ:متذلّل،عن الهجريّ،و إذا صحّت

ص: 264

اللّفظة عن الهجريّ فهو عندي من هذا،كأنّه لصق بالأرض من ذلّه.

و مجذاء الطّائر:منقاره.

و قال أبو ليلى:الجواذي:الّتي تجذو في سيرها، كأنّها تقلع السّير.و لا أعرف جذا:أسرع،و لا جذا:

قلع.

و الجذوة،و الجذوة،و الجذوة:القبسة من النّار، و قيل:هي الجمرة،و الجمع:جذا،و جذى.

و حكى الفارسيّ: جذاء،ممدود،و هو عندي جمع جذوة،فيطابق الجمع الغالب على هذا النّوع من الآحاد.

و الجذا:أصول الشّجر العظام العاديّة الّتي بلى أعلاها و بقي أسفلها.[ثمّ استشهد بشعر]

واحدته:جذاة،قال أبو حنيفة:ليس هذا بمعروف.

و قد وهم أبو حنيفة،لأنّ ابن مقبل قد أثبته-و هو من هو!!-و قال مرّة:الجذاة من النّبت لم أسمع لها بتحلية، قال:و جمعها:جذا.[ثمّ استشهد بشعر](7:537)

الجذوّ:الإقعاء السّابق،و الجاذي:المقعي منتصب القدمين.جذا يجذو جذوا و جذوّا،فهو جاذ،و الجمع:

جذاء.(الإفصاح 1:295)

الرّاغب: الجذوة و الجذوة:الّذي يبقى من الحطب بعد الالتهاب،و الجمع:جذى و جذى.

يقال:جذا القراد في جنب البعير،إذا شدّ التزاقه به، و أجذت الشّجرة:صارت ذات جذوة،و في الحديث:

«كمثل الأرزة المجذيّة».

و رجل جاذ:مجموع الباع كأنّ يديه جذوة،و امرأة جاذية.(90)

الزّمخشريّ: جذا القراد في جنب البعير،و ظلفة الإكاف في جنب الحمار،إذا ثبت و ارتكز.و منه جذوة الشّجرة:أصلها.[ثمّ استشهد بشعر]

و أتى بجذوة من نار،و هي عود في رأسه نار.

و اجذوذى على الرّحل لا يفارقه،إذا لزمه.[ثمّ استشهد بشعر]

و رأيتهم يتجاذون الحجر:يتشاولونه.و أثقل من مجذى ابن ركانة،و هو الرّبيعة.و الحمام يتجذّى للحمامة، و هو أن يمسح الأرض بذنبه إذا هدر.

و من المجاز:فلان جذوة شرّ.(أساس البلاغة:55)

مرّ[النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم]بناس يتجاذون مهراسا،فقال:

أ تحسبون الشّدّة في حمل الحجارة؟إنّما الشّدّة أن يمتلئ أحدكم غيظا ثمّ يغلبه.

ربع الحجر و ارتباعه و إجذاؤه:رفعه لإظهار القوّة، و سمّي الحجر المربوع:الرّبيعة و المجذى.و في أمثالهم:

أثقل من مجذى ابن ركانة،و هما من ربع بالمكان و جذا فيه،إذا وقف و ثبت،لأنّه عند إشالته الحجر لا بدّ له من ثبات و استمكان في موقفه ذلك.

و التّجاذي«تفاعل»من الإجذاء،أي يجذي المهراس بعضهم مع بعض،هذا ثمّ هذا.(الفائق 2:23)

المدينيّ: في حديث ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:

«فجذا على ركبتيه»أي جثا،يقال:جذا و أجذى،إذا رسخ و ثبت،و جذا يجذو:مثل جثا يجثو،إلاّ أنّ جذا أدلّ على اللّزوم.

و التّجاذي:تجاثى القوم للرّكب عند الخصومة و الفخار.و جذوت على أطراف أصابعي:أي قمت.

ص: 265

و هو من قوله:«مثل المنافق مثل الأرزة المجذية» أي الرّاسخة الثّابتة.(1:313)

ابن الأثير: و منه حديث فضالة:«دخلت على عبد الملك بن مروان و قد جذا منخراه و شخصت عيناه، فعرفنا فيه الموت»أي انتصب و امتدّ.(1:253)

الفيّوميّ: الجذوة:الجمرة الملتهبة،و تضمّ الجيم و تفتح،فتجمع:جذى،مثل مدى و قرى.و تكسر أيضا فتكسر في الجمع،مثل جزية و جزى.(1:94)

الفيروزآباديّ: جذا جذوا بالفتح و كسموّ:ثبت قائما،ك أجذى أو جثا أو قام على أطراف أصابعه، و القراد في جنب البعير:لصق به و لزمه،و السّنام:حمل الشّحم.

و أجذى طرفه:نصبه،ورمى به أمامه،و الجواذي:

الّتي تجذو في سيرها كأنّها تقلّع.

و الجذوة مثلّثة:القبسة من النّار،و الجمرة، و الجذوة:جمعه جذا بالضّمّ و الكسر و كجبال.

و الجذاة:أصول الشّجر العظام،جمعه كجبال، و موضع.

و رجل جاذ:قصير الباع.

و المجذاء كمحراب:خشبة مدوّرة تلعب بها الأعراب سلاح،و المنقار.

و أجذى الفصيل:حمل في سنامه شحما.

و المجذوذي:من يلازم المنزل و الرّحل،ناقص يائيّ.

جذيته عنه و أجذيته:منعته و الجذية بالكسر:

أصل الشّجر،و جذي الشّيء بالكسر:أصله.

و تجاذى:انسلّ،و الحمام يتجذّى بالحمامة،و هو أن يمسح الأرض بذنبه إذا هدر،ناقص واويّ.(4:313)

محمّد إسماعيل إبراهيم: الجذوة:الجمرة الملتهبة،أو هي عود فيه نار بلا لهب،و هي القبس.

(1:104)

المصطفويّ: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو الانتصاب و الثّبوت.و هذا المعنى يختلف باختلاف الموارد؛فالجذو للشّيء:ثبوته قائما،و للرّجل:قيامه منتصبا،و للحجر:إثباته منتصبا،و للشّجر:ثبوت ساقه و انتصابه،و للنّار:وجود عود في طرفه التهاب.

فحقيقة معنى«الجذوة»ليست بجمرة ملتهبة بل عود مستقيم فيه التهاب،و هذه الكلمة إمّا«فعلة»بالفتح للمرّة،أو بالكسر للنّوع،أو بالضّمّ كاللّقمة،بمعنى ما يفعل به.(2:69)

النّصوص التّفسيريّة

جذوة

...قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ.

القصص:29

ابن عبّاس: قطعة.(326)

مثله ابن كثير(5:278)،و مغنيّة(6:63)، و الطّباطبائيّ(16:31)،و عزّة دروزة(3:182)، و فضل اللّه(17:290)،و عبد المنعم الجمّال(3:2364)

إنّها شهاب من نار ذو لهب.(الماورديّ 4:250)

ص: 266

الجذوة:قطعة حطب فيها نار.(ابن الجوزيّ 6:218)

مجاهد :أصل شجرة.(الطّبريّ 20:70)

أي قطعة من الجمر،و هي بلغة جميع العرب.

(الجوهريّ 6:2300)

قتادة :أصل الشّجرة في طرفها النّار،السّعف فيه النّار،أو شعلة من النّار.(الطّبريّ 20:70)

نحوه الطّبرسيّ.(4:251)

زيد بن أسلم:إنّها عود فيه نار ليس له لهب.

(الماورديّ 4:250)

الكلبيّ: إنّها عود في بعضه نار و ليس في بعضه نار.

(الماورديّ 4:250)

ابن زيد :الجذوة:العود من الحطب الّذي فيه النّار،ذلك الجذوة.(الطّبريّ 20:70)

الفرّاء: قرأها عاصم (او جذوة) بالفتح،و القراءة بكسر الجيم أو برفعها.و هي مثل أوطأتك عشوة و عشوة و عشوة،و الرّغوة و الرّغوة و الرّغوة،و منه ربوة و ربوة و ربوة.(2:305)

أبو عبيدة :أي قطعة غليظة من الحطب ليس فيها لهب،و هي مثل الجذمة من أصل الشّجرة،و جماعها:

الجذا.[ثمّ استشهد بشعر](2:102)

الطّبريّ: [نحو أبي عبيدة و قال:]

و في(الجذوة)لغات للعرب ثلاث:جذوة بكسر الجيم،و بها قرأت قرّاء الحجاز و البصرة و بعض أهل الكوفة،و هي أشهر اللّغات الثّلاث فيها،و(جذوة)بفتح الجيم،و بها قرأ أيضا بعض قرّاء الكوفة (1).و هذه اللّغات الثّلاث و إن كنّ مشهورات في كلام العرب،فالقراءة بأشهرها أعجب إليّ،و إن لم أنكر قراءة من قرأ بغير الأشهر منهنّ.(20:70)

نحوه الزّجّاج(4:142)،و الواحديّ(3:398).

أبو زرعة: قرأ عاصم (جذوة من النّار) بالفتح، و قرأ حمزة (جذوة) بالضّمّ،و قرأ الباقون (جذوة) بالكسر.ثلاث لغات مثل ربوة،ربوة،ربوة.

و سمعت الشّيخ أبا الحسين يقول:سمعنا قديما بعض أهل العلم يقول:جذوة:قطعة،و جذوة:جمرة،و جذوة:

شعلة.(543)

نحوه البغويّ(3:533)،و الميبديّ(7:299)، و الشّربينيّ(3:96)،و شبّر(5:20).

الطّوسيّ: [نقل اختلاف القراءات ثمّ قال:]

و الكسر أكثر و أفصح.[ثمّ أدام نحو أبي عبيدة]

(8:144)

نحوه الزّمخشريّ.(3:174)

أبو السّعود : أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ أي عود غليظ سواء كانت في رأسه نار أو لا.[ثمّ استشهد بشعر]

(5:122)

مثله البروسويّ(6:401)،و الآلوسيّ(20:72)، و نحوه الكاشانيّ(4:89)،و القاسميّ(13:4704)، و المراغيّ(20:53).

مكارم الشّيرازيّ: هي القطعة من النّار،و قال بعضهم:بل هي القطعة الكبيرة من الحطب.(12:205)

الحجازيّ: (الجذوة):الجمرة الملتهبة،و قيل:هي القطعة الغليظة من الخشب،سواء كان في طرفه نار أمم.

ص: 267


1- لم يذكر القراءة الثّالثة بضمّ الجيم.

لم يكن.(20:29)

المصطفويّ: أي بعود ملتهب يكفي لنا من اصطلاء مرّة،و إذا فسّر الجذوة بالنّار الملتهب و كانت الصّيغة للواحد،فكيف يعقل أن يصطلوا به مع أنّ ذكر النّار يؤيّد ما ذكرناه.

و قد أحسن البيضاويّ في تفسيرها؛حيث قال:(او جذوة)عود غليظ سواء كان في رأسه نار أو لم يكن، و لذلك بيّنه بقوله:(من النّار)،و قرأ عاصم بالفتح و حمزة بالضّمّ،و كلّها لغات.(2:69)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجذوّ،و هو الثّبوت و اللّزوم،يقال:جذا الشّيء يجذو جذوا و جذوّا، و أجذى يجذي،و اجذوذى اجذيذاء،أي ثبت و استقام،و جذا القراد في جنب البعير جذوّا:لصق به و لزمه،و تجذّيت يومي أجمع:دأبت و لزمت،و كذا تجذّت المرأة على النّسج يومها أجمع.

و الجذوّ أيضا:الإقعاء،و هو الجلوس على الأليتين و نصب السّاقين و الفخذين،يقال:جذا يجذو جذوا و جذوّا،فهو جاذ،و الجمع:جذاء.

و المجذوذي:الّذي يلازم الرّحل و المنزل لا يفارقه.

و المجذي:ولد النّاقة إذا حمل في سنامه شحما، و قد أجذى.

و الجذاء:أصول الشّجر العظام العاديّة الّتي بلي أعلاها و بقي أسفلها،واحدتها:جذاة و جذية.

و رجل جاذ:قصير الباع،و كذا امرأة جاذية،و هو تشبيه بالإقعاء،فكأنّه مقع.

و الجاذية:النّاقة الّتي لا تلبث إذا نتجت أن تغرز،أي يقلّ لبنها،فكأنّها تلزم هذه الحالة.

و الجذوة و الجذوة و الجذوة:الجمرة الملتهبة، و الجمع:جذى و جذى،و هو من جذية الشّجرة،أي أصلها.

و منه أيضا:أجذى الحجر،أي أشاله و رفعه،و الحجر مجذى،و التّجاذي في إشالة الحجر مثل التّجاثي،يقال:

هم يجذون حجرا و يتجاذونه،أي يشيلونه ليعرف به شدّة الرّجل.

2-و قالوا:جثا جثوا و جثوّا،كجذا جذوا و جذوّا، إذا قام على أطراف أصابعه.و عدّه أبو عبيدة من البدل، و أمّا ابن جنّيّ فقال:«ليس أحد الحرفين بدلا من صاحبه،بل هما لغتان».

و يبدو أنّ«الثّاء»من«الذّال»بدل،و قد تقدّم في «ج ث و»،لأنّهما قريبا المخرج،و قريبا المعنى،قال ثعلب:

«الجذوّ على أطراف الأصابع،و الجثوّ على الرّكب»، و قال ابن الأعرابيّ:«الجاذي على قدميه،و الجاثي على ركبتيه»،و قال الجوهريّ:«الجاذي:المقعي،منتصب القدمين و هو على أطراف أصابعه».و قول الجوهريّ يعضد ما ذهبنا إليه،ففيه ثبات و لزوم.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد اسما،في سورة مكّيّة:

فَلَمّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَ سارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ

ص: 268

فَلَمّا قَضى مُوسَى الْأَجَلَ وَ سارَ بِأَهْلِهِ آنَسَ مِنْ جانِبِ الطُّورِ ناراً قالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آنَسْتُ ناراً لَعَلِّي آتِيكُمْ مِنْها بِخَبَرٍ أَوْ جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ لَعَلَّكُمْ تَصْطَلُونَ

القصص:29

يلاحظ أوّلا:أنّ الجذوة قبسة من النّار،و هي المناسب هنا من بين المعاني الأخر-مثل:عود غليظ في رأسه نار،أو قطعة كبيرة من الحطب،أو قطعة غليظة من الخشب،أو عود فيه نار و نحوها-لقوله: جَذْوَةٍ مِنَ النّارِ و الخشب ليس من النّار،و كذلك العود.

ثانيا:قرءوها بثليث الجيم و مثّلوا لها:بعشوة و عشوة و عشوة و رغوة و رغوة و رغوة،و ربوة و ربوة و ربوة، و اعترف بها الطّبريّ،لكنّه رجّح«جذوة»بالكسر، لأنّها أشهر،و القراءة بالأشهر أحبّ إليه من غيرها، و عند الطّوسيّ و الزّمخشريّ أنّها أكثر و أفصح.

ثالثا:و يتراءى منهم أنّ الثّلاث بمعنى واحد،إلاّ أنّ الشّيخ أبا الحسين سمع بعض أهل العلم أنّ جذوة بالكسر:قطعة،و جذوة بالفتح:جمرة،و جذوة بالضّمّ:

شعلة.و لم يثبت،و ليس فيها فرق كثير.

لاحظ«أ ن س»و«ص ل ي».

ص: 269

ج ر ح

اشارة

4 ألفاظ،4 مرّات:2 مكّيّتان،2 مدنيّتان

في 3 سور:2 مكّيّتان،1 مدنيّة

جرحتم 1:1 الجوارح 1:-1

الجروح 1:-1 اجترحوا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :جرحته أجرحه جرحا،و اسمه:الجرح.

و الجراحة:الواحدة من ضربة أو طعنة.

و جوارح الإنسان:عوامل جسده من يديه و رجليه،الواحدة:جارحة.

و اجترح عملا:أي اكتسب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجوارح:ذوات الصّيد من السّباع و الطّير، الواحدة:جارحة،قال اللّه تعالى: وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ المائدة:4.(3:77)

و الجوارح من الطّير و السّباع:ذوات الصّيد، الواحدة:جارحة؛فالبازي جارحة،و الكلب الضّاري جارحة.سمّيت جوارح،لأنّها كواسب أنفسها،من قولك:جرح و اجترح،إذا اكتسب،قال اللّه: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ الجاثية:21.

(الأزهريّ 4:141)

ابن شميّل: جوارح المال:ما ولد،يقال:هذه الجارية،و هذه الفرس و النّاقة و الأتان من جوارح المال، أي أنّها شابّة مقبلة الرّحم و الشّباب،يرجى ولدها.

(الأزهريّ 4:142)

أبو عبيدة :يقال لإناث الخيل:جوارح،واحدتها:

جارحة،لأنّها تكسب أربابها نتاجها،و يقال:ما له جارحة،أي ما له أنثى ذات رحم تحمل،و ما له جارحة، أي ما له كاسب.و فلان يجرح لعياله و يجترح و يقرش و يقترش،بمعنى واحد.(الأزهريّ 4:141)

الأصمعيّ: في حديث عبد الملك بن مروان أنّه قال في خطبته:«و قد و عظتكم فلم تزدادوا على الموعظة إلاّ استجراحا».

ص: 270

ص: 271

قوله:استجراحا،الاستجراح:النّقصان،قال ابن عون:«استجرحت هذه الأحاديث»يعني أنّها كثيرة، و صحيحها قليل.(أبو عبيد 2:449)

ابن السّكّيت: جرحه جرحا،و قد بجّ جرحه يبجّه بجّا،إذا شقّه...

هو رجل جريح و قريح و كليم،و قد جرح القوم فلانا و كلموه و قرحوه.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال للجرح إذا جعل يندى:قد صها يصها،فإن سال منه شيء قيل:فصّ يفصّ فصيصا،و فزّ يفزّ فزيزا، فإن سال ما فيه قيل:قد نجّ ينجّ نجيجا.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:قد جاءت آتية الجرح،و يقال:خرجت غثيثة الجرح،و هي مدّته،و قد أغثّ،إذا أمدّ،و وعا الجرح يعي وعيا،إذا سال قيحه.و المدّة و القيح و الوعي واحد،و يقال:قاح الجرح قيحا،و أمدّ إمدادا، و الصّديد:القيح الّذي كأنّه الماء و فيه شكلة دم.

و القيح:الابيض الخاثر الّذي لا يخالطه دم.فإن فسدت القرحة و تقطّعت قيل:أرضت تأرض أرضا،و تذيّأت تذيّؤا،و تهذّأت تهذّؤا،و يقال:أيهت إيهاتا،إذا أنتن، و قد ثنت يثنت ثنتا،إذا استرخى و أنتن،و يقال للّتي تسمّى الغرب:الغاذّ حيثما كان من الجسد بعد أن يسيل منها الماء.و لم يعرفوا«الغرب»إلاّ في استغراب الدّمع و سيلانه عند البكاء.

و يقال للدّم إذا مات في الجرح:قرت يقرت قروتا، و السّبار:ما أدخلته في الجرح لتنظر إلى قدر غوره، و يقال إذا أدخلت فيه شيئا لتسدّه به:قد دسمته أدسمه دسما،و يقال لذلك الشّيء:الدّسام.[ثمّ استشهد بشعر]

فإذا انتقض و نكس قيل:غفر يغفر غفرا،و زرف زرفا،و غبر يغبر غبرا،و تفلّحت يداه تفلّحا،إذا تشقّقتا،و رجل متفلّح الشّفة،إذا أصابها البرد فتشقّقت.و الّذين يشقّون الأرض يسمّون الفلاّحين، و يقال:ضرا العرق بالدّم،إذا اهتزّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و نعر الجرح بالدّم ينعر،إذا ارتفع دمه،و إذا سكن ورم الجرح قيل:قد حمص يحمص،و انحمص انحماصا، و اسخأتّ اسخئتاتا،فإذا صلح و تماثل قيل:أرك يأرك أروكا،و جلب الجرح يجلب،و هو جرح جالب،إذا كانت عليه قشرة غليظة عند البرء؛و أجلب،لغة.

(103)

ثعلب :و استجرح القوم:ذهب خيارهم.

(ابن سيده 3:74)

ابن دريد :جرحت الرّجل أجرحه جرحا، و الجمع:الجراح و الجروح.

و فلان جارح أهله و جارحة أهله،إذا كان كاسبهم.

و سمّيت الطّير و الكلاب جوارح،لأنّها تجرح لأهلها،أي تكسب لهم.

و جوارح الإنسان من هذا،لأنّهنّ يجترحن له الخير أو الشّرّ،أي يكتسب بهنّ،نحو اليدين و الرّجلين و العينين و الأذنين.

و في التّنزيل أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ الجاثية:21،أي اكتسبوا-و اللّه أعلم-و في الحديث:

«فتطق الجوارح يوم القيامة»و اللّه أعلم.

ص: 272

و يقال:جرح الرّجل الرّجل إذا سبعه بكلام، و جرحه بلسانه،إذا شتمه.(2:54)

القاليّ: «لا أبقى اللّه له سارحا و لا جارحا» السّارحة:الماشية،الإبل و البقر و الغنم،لأنّها تسرح في المرعى.و الجارح:الفرس و الحمار.

و لا يكون البعير جارحا.و إنّما قيل للفرس و الحمار:

جارح،لأنّ الفرس و الحمار تجرح الأرض بوطئها،أي تؤثّر فيها بحوافرها.(ذيل الأمالي و النّوادر 2:59)

الأزهريّ: ...قول اللّيث:«الجراحة:الواحدة...» خطأ،و لكن يقال:جرح و جراح و جراحة،كما يقال:

حجارة و جمالة و حبالة،لجمع الحجر و الحبل و الجمل.

و روي عن بعض التّابعين أنّه قال:«كثرت هذه الأحاديث و استجرحت»أي فسدت،و قلّ صحاحها.

(4:140)

الصّاحب: الجرح:فعل الجارح،جرحته جرحا.

و الجرحة:كلّ ما جرّحت به خصومك و شهودك، و يقول القاضي:قد أقصصتك الجرحة،للخصم إذا أراد أن يوجّه عليه القضاء؛و الجرح:الاسم.[ثمّ أدام نحو الخليل و أضاف:]

و جرح فيهم بعطاء كثير و جزح واحد.(2:401)

الجوهريّ: جرحه جرحا،و الاسم:الجرح بالضّمّ،و الجمع:جروح.و لم يقولوا:أجراح،إلاّ ما جاء في شعر.

و الجراح:جمع جراحة بالكسرة.

و رجل جريح و امرأة جريح،و رجال و نسوة جرحى.

و جرّحه،شدّد للكثرة.

و جرح و اجترح،أي اكتسب.

و الجوارح من السّباع و الطّير:ذوات الصّيد.

و جوارح الإنسان:أعضاؤه الّتي يكتسب بها.

و الاستجراح:العيب و الفساد.(1:358)

نحوه الرّازيّ(113)،و الطّريحيّ(3:345).

ابن فارس: الجيم و الرّاء و الحاء أصلان:أحدهما الكسب،و الثّاني شقّ الجلد.

فالأوّل قولهم:اجترح،إذا عمل و كسب،قال اللّه عزّ و جلّ: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ الجاثية:21.

و إنّما سمّي ذلك اجتراحا،لأنّه عمل بالجوارح،و هي الأعضاء الكواسب.

و الجوارح من الطّير و السّباع:ذوات الصّيد.

و أمّا الآخر فقولهم:جرحه بحديدة جرحا، و الاسم:الجرح.

و يقال:جرح الشّاهد،إذا ردّ قوله بنثا (1)غير جميل.و استجرح فلان،إذا عمل ما يجرح من أجله.

فأمّا قول أبي عبيد في حديث عبد الملك:«قد و عظتكم فلم تزدادوا على الموعظة إلاّ استجراحا»إنّه النّقصان من الخير،فالمعنى صحيح إلاّ أنّ اللّفظ لا يدلّ عليه.

و الّذي أراده عبد الملك ما فسّرناه،أي إنّكم ما تزدادون على الوعظ إلاّ ما يكسبكم الجرح و الطّعن عليكم،كما تجرح الأحاديث،و قال أبو عبيد:يريد أنّها4)

ص: 273


1- لعلّه:بنثّ غير جميل...و جاء في اللّسان:كلام غثّ نثّ. (2:194)

كثيرة،صحيحها قليل.

و المعنى عندنا في هذا كالّذي ذكرناه من قبل،و هو أنّها كثرت حتّى أحوج أهل العلم بها إلى جرح بعضها أنّه ليس بصحيح.(1:451)

أبو هلال :الفرق بين الكسب و الجرح:أنّ الجرح يفيد من جهة اللّفظ أنّه فعل بجارحة،كما أنّ قولك:عنته يفيد أنّه من جهة اللّفظ للإصابة بالعين،و الكسب لا يفيد ذلك من جهة اللّفظ.(112)

الهرويّ: يقال:جرح و اجترح،أي اكتسب.

و سمّيت أعضاء الإنسان جوارح،لأنّها تكسب و تتصرّف،و يقال:فلان جارحة أهله،أي كاسبهم.

و في بعض الحديث:«كثرت هذه الأحاديث و استجرحت»أي فسدت و قلّ صحاحها،كما يستجرح الشّاهد،فلا يقبل.(2:340)

الثّعالبيّ: إذا أصاب الإنسان جرح فجعل يندى، قيل:صهي يصهى.

فإذا سال منه شيء،قيل:فصّ يفصّ و فزّ يفزّ.فإذا سال بما فيه:نجّ ينجّ.

فإذا ظهر فيه القيح،قيل:أمدّ و أغثّ،و هي المدّة و الغثيثة.

فإذا مات فيه الدّم،قيل:قرت يقرت قروتا.

فإن انتقض و نكس،قيل:غفر يغفر غفرا،و زرف زرفا.

إذا سكن ورمه قيل:حمص يحمص.

فإذا صلح و تماثل،قيل:أرك يأرك،و اندمل يندمل.

فإذا علته جلدة للبرء،قيل:جلب يجلب،و أجلب يجلب.

فإذا تقشّرت الجلدة عنه للبرء،قيل:تقشقش.

(150)

ابن سيده: جرحه يجرحه جرحا،أثّر فيه بالسّلاح،و جرّحه:أكثر ذلك فيه،و الاسم:الجرح، و الجمع:أجراح و جروح و جراح.

و الجراحة:اسم الضّربة أو الطّعنة،و الجمع:

جراحات و جراح،على حدّ دجاجة و دجاج.فإمّا أن يكون مكسّرا على طرح الزّائد،و إمّا أن يكون من الجمع الّذي لا يفارق واحده إلاّ بالهاء.

و رجل جريح،من قوم جرحى،و لا يجمع جمع السّلامة،لأنّ مؤنّثه لا تدخله الهاء.

و نسوة جرحى كرجال جرحى.

و جرحه بلسانه:شتمه.[ثمّ استشهد بشعر]

و جرح السّيل الموضع يجرحه:خدّ فيه.

و جرّح الرّجل:غضّ شهادته.

و الاستجراح،النّقصان،و هو منه.

و جرح الشّيء و اجترحه:كسبه،و في التّنزيل:

وَ هُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ الأنعام:60،و فيه: أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ الجاثية:21،و فلان جارح أهله و جارحتهم،أي كاسبهم.

و الجوارح من الطّير و الكلاب:ذوات الصّيد،لأنّها تجرح لأهلها،أي تكسب لهم،و في التّنزيل:

وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ المائدة:4.

و جوارح الإنسان:عوامل جسده،كيديه و رجليه،

ص: 274

واحدتها:جارحة،لأنّهنّ يجرحن الخير أو الشّرّ،أي يكتسبنه.

و جرح له من ماله:قطع له قطعة منه،عن ابن الأعرابيّ.و ردّ عليه ثعلب،ذلك يقال:إنّما هو«جزح» بالزّاي،و كذلك حكاه أبو عبيد.

و قد سمّوا:جرّاحا،و كنوا بأبي الجرّاح.(3:74)

جرح فلانا يجرحه جرحا:شقّ في بدنه شقّا، و الاسم:الجرح و الجراحة.و جمع الجرح:جروح و أجراح و جراح،و قيل:أجراح قليلة.

و الجراحة:الجرح،و جمعها:جراح و جراحات.

و الجرحى:جمع جريح،للمذكّر و المؤنّث،و جرح فلان يجرح جرحا:أصابته جراحة.(الإفصاح 1:538)

الرّاغب: الجرح:أثر داء في الجلد،يقال:جرحه جرحا(1) فهو جريح و مجروح،قال تعالى: وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ المائدة:45.

و سمّي القدح في الشّاهد جرحا(2) تشبيها له.

و تسمّى الصّائدة من الكلاب و الفهود و الطّيور جارحة،و جمعها:جوارح،إمّا لأنّها تجرح و إمّا لأنّها تكسب، وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ المائدة:4.

و سمّيت الأعضاء الكاسبة:جوارح،تشبيها بها لأحد هذين.

و الاجتراح:اكتساب الإثم،و أصله من«الجراحة» كما أنّ الاقتراف من قرف القرحة، أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ الجاثية:21.(90)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:376)

الزّمخشريّ: عن عبد الملك:«...إلاّ استجراحا» هو«استفعال»من الجرح،و هو الطّعن على الرّجل و ردّ شهادته،أي لم تزدادوا إلاّ فسادا،تستحقّون به أن يطعن عليكم،كما يفعل بالشّاهد.

و منه قول ابن عون رحمه اللّه:«استجرحت هذه الأحاديث»أي كثرت حتّى دعت أهل العلم إلى جرح بعضها.(الفائق 1:208)

به جرح و جروح و جراح و جراحة و جراحات و جرائح،و هو جريح و هم جرحى،و جاءوا مجرّحين مكلّمين.

و من المجاز:جرحه بلسانه:سبّه،و جرّحوه بأنياب و أضراس،إذا شتموه و عابوه.

و بئس ما جرحت يداك و اجترحت يداك،أي عملتا و أثّرتا،و هو مستعار من تأثير الجارح،و منه جوارح الإنسان،و هي عوامله من يديه و رجليه، و جوارح الصّيد.

و جرح القاضي الشّاهد،و يقال للمشهود عليه:

هل معك جرحه،و هي ما تجرح به الشّهادة.

و كان يقول حاكم المدينة للخصم إذا أراد أن يوجّه عليه القضاء:قد أقصصتك الجرحة،فإن كان عندك ما تجرح به الحجّة الّتي توجّهت عليك فهلمّها،أي أمكنتك من أن تقصّ ما تجرح به البهنة.

و استجرح فلان:استحقّ أن يجرح.[ثمّ ذكر حديث عبد الملك و ابن عون](أساس البلاغة:55)

ابن الأثير: فيه:«العجماء جرحها جبار»الجرح

ص: 275


1- هكذا في الأصل،و الظّاهر:جرحا.
2- هكذا في الأصل،و الظّاهر:جرحا.

هاهنا بفتح الجيم على المصدر لا غير،قاله الأزهريّ.

فأمّا الجرح بالضّمّ فهو الاسم.

و منه حديث بعض التّابعين«كثرت هذه الأحاديث و استجرحت»أي فسدت و قلّ صحاحها،و هو «استفعل«من جرح الشّاهد،إذا طعن فيه،و ردّ قوله.

أراد أنّ الأحاديث كثرت حتّى أحوجت أهل العلم بها إلى جرح بعض رواتها،و ردّ روايته.(1:255)

الصّغانيّ: جرح فلان فلانا،إذا سبعه،و جرحه بلسانه،إذا شتمه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجرح:خلاف التّعديل،يقال:جرح الحاكم الشّاهد،إذا عثر منه على ما يسقط معه عدالته،من كذب و غيره.

و الجرّاح:من الأعلام.

جرح،إذا أصابته جراحة في بدنه.

و جرح،إذا جرحت شهادته.(2:14)

الفيّوميّ: جرحه جرحا،من باب«نفع».و الجرح بالضّمّ:الاسم،و هو جريح و مجروح و قوم جرحى،مثل قتيل و قتلى.و الجراحة بالكسر:مثل الجرح،و جمعها:

جراح و جراحات.

و جرحه بلسانه جرحا:عابه و تنقّصه،و منه:

جرحت الشّاهد،إذا أظهرت فيه ما تردّ به شهادته.

و جرح و اجترح:عمل بيده و اكتسب،و منه قيل لكواسب الطّير و السّباع:جوارح،جمع جارحة،لأنّها تكتسب بيدها،و تطلق الجارحة على الذّكر و الأنثى كالرّاحلة و الرّاوية.

و استجرح الشّيء:استحقّ أن يجرح.(1:95)

الفيروزآباديّ: جرحه كمنعه:كلمه كجرّحه، و الاسم:الجرح بالضّمّ،جمعه:جروح،و قلّ أجراح.

و الجراح بالكسر:جمع جراحة.و رجل و امرأة جريح، جمعه:جرحى.

و جرح،كمنع:اكتسب كاجترح،و فلانا:سبّه و شتمه،و شاهدا:أسقط عدالته.

و كسمع:أصابته جراحة،و جرحت شهادته.

و الجوارح:إناث الخيل،و أعضاء الإنسان الّتي تكتسب،و ذوات الصّيد من السّباع و الطّير.

و هذه النّاقة و الأتان من جوارح المال،أي شابّة مقبلة الرّحم.

و الاستجراح:العيب و الفساد.و كشدّاد:علم.

(1:225)

مجمع اللّغة :جرحه يجرحه جرحا:أثّر فيه بالسّلاح و نحوه،و الاسم:الجرح بالضّمّ،و يجمع على:

جروح.

و يقال:جرح الشّيء و اجترحه:كسبه و اكتسبه.

و الجوارح من الطّير و السّباع و الكلاب:الّتي تصيد.

و الواحدة:جارحة،لأنّها تجرح ما تصيده،أو لأنّها تكسبه لأهلها.(1:186)

محمّد إسماعيل إبراهيم: جرح يده:أحدث فيها قطعا أو تمزّقا.

و جرح الشّخص بلسانه:عابه و تنقّصه.

و جرح الشّيء و اجترحه:اكتسبه.

و الجروح:إصابات بالقطع في الجلد.

و الجوارح:هي ما يصيد من السّباع و الطّيور

ص: 276

و الكلاب المدرّبة على الصّيد،و سمّيت كذلك لأنّها تجرح ما تصيبه،و هي جمع جارحة.(1:105)

محمود شيت:أ-جرح الجنديّ عدوّه:أصابه بجرح،جرح المدّعي العامّ شهادته:طعن في إفادته.

ب-الجراحة،يقال:قسم الجراحة في المستشفى العسكريّ:القسم الّذي يعمل فيه الجرّاحون.

ج-الجرّاح:الطّبيب الّذي يعالج الجراحة.

د-المجروح:الجنديّ الّذي فيه جرح أو جروح.

(1:139)

العدنانيّ: عمليّة جرحيّة أو جراحيّة.

و يخطّئون من يقول:أجريت لفلان عمليّة جراحيّة في كليته،و يقولون:إنّ الصّواب هو:...عمليّة جرحيّة،لأنّ البصريّين يرون أن ننسب إلى المفرد عند ما نريد النّسب إلى جمع التّكسير،الباقي على دلالة الجمعيّة.فينسبون إلى مدارس و بساتين:مدرسيّ و بستانيّ.[إلى أن قال بعد بحث طويل:]

و هذا يجيز لنا أن نقول:

أ-أجريت لفلان عمليّة جرحيّة.

ب-أو أجريت له عمليّة جراحيّة.

أمّا قاموس حتّي الطّبّيّ فيكتفي بذكر العمليّة الجراحيّة.(119)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة،هو الجرح،بمعنى تأثير أو شقّ في الطّرف يخالف اقتضاء طبعه و ميله.و الكسب يكون في غالب الأوقات بسبب جرح و تصرّف حتّى يتصرّف فيما يريد،و يجعله تحت اختياره،و ذلك الجرح بقول أو بعمل يؤثّر فيه.

و تختلف مراتب الجرح شدّة و ضعفا بحسب اقتضاء الموارد و تحصيل النّتائج،و هذا النّحو من الاكتساب مذموم غالبا لخروجه عن الحالة الطّبيعيّة،و تحقّقه بإيجاد الجرح.

ثمّ إنّ الجرح قد يتحقّق بالنّسبة إلى نفسه،كما في غالب المعاصي،فإنّها مظالم على نفسه،و يؤثّر فيها تأثير سوء،و تكسب بها عقابا و إثما.

فظهر أنّ الجرح لا يستعمل في مطلق الكسب،بل في كسب متحصّل بسبب جرح،و مقدّمة سوء.[و بعد ذكر الآيات و تفسيرها قال:]

فظهر الفرق بين الاكتساب و الاجتراح.و أمّا الاقتراف فهو اكتساب عن طريق الاقتراب و التّصرّف.

(2:70)

النّصوص التّفسيريّة

جرحتم

وَ هُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ... الأنعام:60

ابن عبّاس: ما كسبتم.(111)

مثله مجاهد(الطّوسيّ(4:169)،و أبو عبيدة(1:

194)،و الشّربينيّ(1:425)،و نحوه قتادة(الطّبريّ 7:214)،و الواحديّ(2:281)،و البغويّ(2:130)، و ابن الجوزيّ(3:55)،و الكاشانيّ(2:126).

ما اكتسبتم من الإثم.(الطّبريّ 7:214)

مثله السّدّيّ(243)،و نحوه الزّمخشريّ(2:25)

ص: 277

و النّسفيّ(2:16).

الطّبريّ: يقول:و يعلم ما كسبتم من الأعمال بالنّهار...

و أمّا«الاجتراح»عند العرب فهو عمل الرّجل بيده أو رجله أو فمه،و هي الجوارح عندهم جوارح البدن،فيما ذكر عنهم،ثمّ يقال لكلّ مكتسب عملا:جارح، لاستعمال العرب ذلك في هذه الجوارح،ثمّ كثر ذلك في الكلام،حتّى قيل لكلّ مكتسب كسبا،بأيّ أعضاء جسمه اكتسب:مجترح.(7:214)

الماورديّ: أي ما كسبتم،لأنّه مستفاد بعمل الجارحة،و منه جوارح الطّير،لأنّها كواسب بجوارحها، و جرح الشّهادة هو الطّعن فيها،لأنّه مكسب الإثم.

(2:122)

الطّوسيّ: أي كسبتم،تقول:فلان جارحة أهله، أي كاسبهم،و منه وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ المائدة:4،أي من الكواسب الّتي تكسب على أهلها، و هو قول مجاهد.(4:169)

ابن عطيّة: معناه كسبتم،و منه جوارح الصّيد،أي كواسبه،و منه جوارح البدن،لأنّها كواسب النّفس.

و يحتمل أن يكون(جرحتم)هنا من«الجرح»كأنّ الذّنب جرح في الدّين،و العرب تقول:جرح اللّسان كجرح اليد.

و روي عن ابن مسعود أو سلمان-شكّ ابن دينار- أنّه قال:إنّ هذه الذّنوب جراحات،فمنها شوى و منها مقتلة،ألا و إنّ الشّرك باللّه مقتلة.(2:300)

الطّبرسيّ: أي ما كسبتم من الأعمال على التّفصيل بالنّهار على كثرته و كثرتكم،و فيه إشارة إلى رحمته، حيث يعلم مخالفتهم إيّاه،ثمّ لا يعاجلهم بعقوبة، و لا يمنعهم فضله و رحمته.(2:313)

الفخر الرّازيّ: يريد ما كسبتم من العمل بالنّهار، وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ المائدة:4،و المراد منها:

الكواسب من الطّير و السّباع،واحدتها:جارحة اَلَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ الجاثية:21،أي اكتسبوا،و بالجملة فالمراد منه:أعمال الجوارح.

(13:12)

نحوه أبو حيّان.(4:146)

البيضاويّ: كسبتم فيه،خصّ(الليل)بالنّوم، و(النّهار)بالكسب جريا على المعتاد.(1:314)

نحوه البروسويّ(3:44)،و القاسميّ(6:2347)

أبو السّعود :أي ما كسبتم فيه،و المراد باللّيل و النّهار:الجنس المتحقّق في كلّ فرد من أفرادهما؛إذ بالتّوفّي و البعث الموجودين فيهما يتحقّق قضاء الأجل المسمّى المترتّب عليهما،لا في بعضهما.

و المراد بعلمه تعالى ذلك:علمه قبل الجرح،كما يلوح به تقديم ذكره على البعث،أي يعلم ما تجرحون بالنّهار،و صيغة الماضي للدّلالة على التّحقّق.

و تخصيص التّوفّي باللّيل و الجرح بالنّهار،مع تحقّق كلّ منهما فيما خصّ بالآخر،للجري على سنن العادة.

(2:394)

الآلوسيّ: أي ما كسبتم و عملتم فيه من الإثم،كما أخرج ذلك ابن جرير و ابن المنذر عن ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما و قتادة،و هو الّذي يقتضيه سياق الآية،

ص: 278

فإنّه للتّهديد و التّوبيخ،و لهذا أوثر(يتوفّاكم)على ينيمكم و نحوه،و(جرحتم)على كسبتم إدخالا للمخاطبين الكفرة في جنس جوارح الطّير و السّباع.

و بعضهم يجعل الخطاب عامّا و المراد من اللّيل و النّهار:الجنس المتحقّق في كلّ فرد من أفرادهما؛إذ بالتّوفّى و البعث الموجودين فيهما متحقّق قضاء الأجل المسمّى المترتّب عليهما.و الباء في الموضعين بمعنى«في» كما أشرنا إليه.(7:173)

الطّباطبائيّ: الجرح هو الفعل بالجارحة،و المراد به:الكسب،أي يعلم ما كسبتم بالنّهار.و الأنسب أن يكون«الواو»حاليّة،و الجملة حالا من فاعل (يتوفّاكم).(7:130)

مكارم الشّيرازيّ: (جرحتم)من جرح،و هي هنا بمعنى الاكتساب،أي أنّكم تعيشون تحت ظلّ قدرة اللّه و علمه ليلا و نهارا،و أنّ الّذي يعلم بانفلاق الحبّة و نموّها في باطن الأرض،و يعلم سقوط أوراق الأشجار و موتها في أيّ مكان و زمان،يعلم بأعمالكم أيضا.

(4:296)

الجروح

...وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّارَةٌ لَهُ...

المائدة:45

ابن عبّاس: تقتصّ الجراح بالجراح.

(الطّبريّ 6:259)

ابن زيد :بعضها ببعض.(الطّبريّ 6:259)

أبو زرعة: قرأ ابن كثير و أبو عمرو و ابن عامر وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ...

كلّها بالنّصب (و الجروح) رفعا،و قرأ نافع و عاصم و حمزة جميع ذلك بالنّصب،و قرأ الكسائيّ كلّها بالرّفع.

فمن قرأ(العين)أراد:أنّ العين بالعين،فأضمر«أنّ» و هذا مذهب الأخفش.و مذهب سيبويه:نسق على قوله: أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ.

و حجّة من رفع(الجروح)ذكرها اليزيديّ عن أبي عمرو،فقال:رفع على الابتداء،يعني:و الجروح من بعد ذلك قصاص.

و حجّة أخرى هي إنّما اختاروا الانقطاع عن الكلام الأوّل و الاستئناف ب(الجروح)،لأنّ خبر(الجروح) يتبيّن فيه الإعراب،و خبر الاسم الأوّل مثل خبر الاسم الثّاني و الثّالث و الرّابع و الخامس،فأشبه الكلام بعضه بعضا.ثمّ استأنفوا(الجروح)فقالوا:(و الجروح قصاص)لأنّه لم يكن خبر(الجروح)يشبه أخبار ما تقدّمه،فعدل به إلى الاستئناف.

و حجّة الكسائيّ في ذلك صحّة الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قرأ (و العين بالعين و الانف بالانف) كلّها بالرّفع.قال الزّجّاج:رفعه على وجهين:على العطف على موضع اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ و العامل فيها المعنى «و كتبنا عليهم النّفس»أي قلنا لهم النّفس.و يجوز أن يكون(و العين بالعين)على الاستئناف.

و عند الفرّاء أنّ الرّفع أجود الوجهين؛و ذلك لمجيء الاسم الثّاني بعد تمام خبر الأوّل؛و ذلك مثل قولك:«إنّ عبد اللّه قائم و زيد قاعد».و قد أجمعوا على الرّفع في قوله: إِنَّ الْأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُها مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ

ص: 279

وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ الأعراف:128،فكان إلحاق ما اختلفوا فيه إلى ما أجمعوا عليه أولى.(225)

الطّوسيّ: من نصب جميع ذلك عطفه على المنصوب بواو الاشتراك،ثمّ استأنف فقال:

(وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ) ،و من نصب(الجروح)عطفها على ما قبلها من المنصوبات،و من لم ينصب غير(النّفس) فعلى أنّ ذلك هو المكتوب عليهم.ثمّ ابتدأ ما بعده بيانا مبتدأ.[إلى أن قال:]

و أمّا(الجروح)فإنّه يقتصّ منها إذا كان الجارح مكافئا للمجروح،(النّفس)،و تقتصّ بمثل جراحته:

الموضحة بالموضحة و الهاشمة بالهاشمة و المنقّلة بالمنقّلة (1).

و لا قصاص في المأمومة و هي الّتي[تبلغ]أمّ الرّأس، و لا الجائفة و هي الّتي تبلغ الجوف،لأنّ في القصاص منها تعزيرا بالنّفس.

و لا ينبغي أن يقتصّ من الجراح إلاّ بعد أن تندمل من المجروح،فإذا اندمل اقتصّ حينئذ من الجارح،و إن سرت إلى النّفس كان فيها القود.

و كسر العظم لا قصاص فيه،و إنّما فيه الدّية،و كلّ جارحة كانت ناقصة فإذا قطعت كان فيها حكومة.

و لا يقتصّ لها الجارحة الكاملة كيد شلاّء و عين لا تبصر و سنّ سوداء متأكّلة،فإنّ جميع ذلك حكومة لا تبلغ دية تلك الجارحة.و قد روي أنّ في هذه الأشياء مقدّرا،و هو ثلث دية العضو الصّحيح.و تفصيل أحكام الجنايات و الدّيات استوفيناه في«النّهاية و المبسوط»في الفقه،لا نطول بذكره هاهنا.(3:536)

نحوه الطّبرسيّ.(2:199)

الواحديّ: وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ تعميم بعد التّخصيص،لأنّه ذكر اَلْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ و بعدهما،و هذا من الجروح أيضا.و القصاص في الجروح إنّما يثبت فيما أن يقتصّ فيه،مثل الشّفتين و الذّكر و الأنثيين و القدمين و اليدين.فأمّا ما لا يمكن القصاص فيه من رضّة لحم أو كسر عظم أو جراحة في البطن، ففيه أرش.(2:192)

نحوه البغويّ(2:56)،و ابن عطيّة(2:198)، و الفخر الرّازيّ(12:7)،و الخازن(2:48).

ابن الجوزيّ: يقتضي إيجاب القصاص في سائر الجراحات الّتي استيفاء المثل فيها.(2:368)

البيضاويّ: أي ذات قصاص،و قرأه الكسائيّ أيضا بالرّفع،و وافقه ابن كثير و أبو عمرو و ابن عامر على أنّه إجمال للحكم بعد التّفصيل.(1:277)

أبو حيّان : وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ أي ذات قصاص،و لفظ(الجروح)عامّ و المراد به الخصوص، و هو ما يمكن فيه القصاص،و تعرف المماثلة،و لا يخاف فيها على النّقص،فإن خيف كالمأمومة و كسر الفخذ و نحو ذلك،فلا قصاص فيه.

و مدلول وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ يقتضي أن يكون الجرح بمثله،فإن لم يكن بمثله فليس بقصاص.[إلى أن قال:]

و أمّا الجروح في اللّحم فقال[عطاء]:فقد ذكر بعضه.

ص: 280


1- الموضحة:من الشّجاج الّتي بلغت العظم فأوضحت عنه. و الهاشمة:شجّة تهشم العظم،و المنقّلة:من الشّجاج الّتي تنقّل العظم،أي تكسره.

أهل العلم أنّ القصاص فيها ممكن بأن يقاس بمثل، و يوضع بمقدار ذلك الجرح.(3:497)

شبّر:(و الجروح)غير ما ذكر،أو الأعمّ منه،و رفعه الكسائيّ أيضا،و ابن كثير و أبو عمرو و ابن عامر لما مرّ.

(2:179)

[لاحظ:ق ص ص]

الجوارح

يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ. المائدة:4

الإمام عليّ عليه السّلام:ما قتل من الجوارح مكلّبين، و ذكرت اسم اللّه عليه.فكلوا من صيدهنّ.و ما قتلت الكلاب لم تعلّموا من قبل أن تدركوه،فلا تطعموه.

(العروسيّ 1:591)

الفهد من الجوارح و الكلاب الكرديّة إذا علّمت فهي بمنزلة السّلوقيّة.(البحرانيّ 3:328)

ابن عبّاس: من الكواسب.(88)

يعني ب(الجوارح):الكلاب الضّواري،و الفهود و الصّقور و أشباهها.

الجوارح:الكلاب و الصّقور المعلّمة.(الطّبريّ 6:90)

كلّ شيء صاد فهو جارح.(ابن الجوزيّ 2:291)

الإمام السّجاد عليه السّلام:الباز و الصّقر من الجوارح.

(الطّبريّ 6:90)

مجاهد :صيد الفهد هو من الجوارح.

الطّير و الكلاب.(الطّبريّ 6:89)

مثله ابن عمير.(الطّبريّ 6:90)

الضّحّاك: هي الكلاب.(الطّبريّ 6:90)

نحوه السّدّيّ(233)،و الفرّاء(1:302).

طاوس:من الكلاب و غيرها من الصّقور و البيزان،و أشباه ذلك ممّا يعلّم.(الطّبريّ 6:90)

الحسن :كلّ ما علّم فصاد من كلب أو صقر،أو فهد أو غيره.(الطّبريّ 6:89)

الإمام الصّادق عليه السّلام: إذا أرسلت بازا أو صقرا أو عقابا فلا تأكل حتّى تدركه فتذكّيه،و إن قتل فلا تأكل.

[و عنه عليه السّلام]و قد سئل عن إرسال الكلب و الصّقر فقال:

و أمّا الصّقر فلا تأكل من صيده حتّى تدرك ذكاته، و أمّا الكلب فكل منه إذا ذكرت اسم اللّه عليه،أكل الكلب منه أو لم يأكل.

صيد الكلب إن أرسله صاحبه و سمّى فليأكل كلّ ما أمسك عليه و إن قتل،و إن أكل فكل ما بقي،و إن كان غير معلّم فعلّمه ساعته حين يرسله فليأكل منه،فإنّه معلّم،فأمّا ما خلا الكلب ممّا يصيد:الفهود و الصّقور و أشباه ذلك،فلا تأكل من صيده إلاّ ما تدرك ذكاته،لأنّ اللّه عزّ و جلّ قال:(مكلّبين)فما خلا الكلاب فليس صيده بالّذي يؤكل إلاّ أن تدرك ذكاته.

(الكاشانيّ 2:11)

عن جميل بن درّاج قال سألت أبا عبد اللّه عليه السّلام عن الرّجل يرسل الكلب على الصّيد فيأخذه و لا يكون معه سكّين يذكّيه بها،أ يدعه حتّى يقتله و يأكل منه؟قال:

لا بأس،قال اللّه عزّ و جلّ: فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ.

و لا ينبغي أن يأكل ممّا قتل الفهد.(البحرانيّ 3:326)

ص: 281

أبو عبيدة: أي الصّوائد،و يقال:فلان جارحة أهله،أي كاسبهم،و في آية أخرى(و من يجترح) (1)أي يكتسب،و يقال:امرأة أرملة لا جارح لها،أي لا كاسب لها،و في آية أخرى اِجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ الجاثية:21، كسبوا(ما جرحتم)الأنعام:60،أي ما كسبتم.

(1:154)

الطّبريّ: يعني بذلك جلّ ثناؤه:يسألك يا محمّد أصحابك ما الّذي أحلّ لهم أكله من المطاعم و المآكل؟ فقل لهم:أحلّ لكم منها الطّيّبات،و هي الحلال الّذي أذن لكم ربّكم في أكله من الذّبائح،و أحلّ لكم أيضا مع ذلك صيد ما علّمتم من الجوارح،و هنّ الكواسب من سباع البهائم و الطّير.

سمّيت جوارح لجرحها لأربابها،و كسبها إيّاهم أقواتهم من الصّيد،يقال منه:جرح فلان لأهله خيرا، إذا أكسبهم خيرا،و فلان جارحة أهله،يعني بذلك كاسبهم،و لا جارحة لفلانة،إذا لم يكن لها كاسب.[ثمّ استشهد بشعر]

و ترك من قوله: وَ ما عَلَّمْتُمْ: و صيد ما علّمتم من الجوارح،اكتفاء بدلالة ما ذكر من الكلام على ما ترك ذكره؛و ذلك أنّ القوم فيما بلغنا كانوا سألوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حين أمرهم بقتل الكلاب عمّا يحلّ لهم اتّخاذه منها و صيده،فأنزل اللّه عزّ ذكره فيما سألوا عنه من ذلك هذه الآية،فاستثنى ممّا كان حرّم اتّخاذه منها و أمر بقنية كلاب الصّيد،و كلاب الماشية،و كلاب الحرث،و أذن لهم باتّخاذ ذلك.[إلى أن قال:]

ثمّ اختلف أهل التّأويل في(الجوارح)الّتي عنى اللّه بقوله: وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ فقال بعضهم:

هو كلّ ما علّم الصّيد فتعلّمه،من بهيمة أو طائر.

و قال آخرون:إنّما عنى اللّه جلّ ثناؤه بقوله:

وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ الكلاب دون غيرها من السّباع.[إلى أن قال:]

و أولى القولين بتأويل الآية:قول من قال:كلّ ما صاد من الطّير و السّباع فمن الجوارح،و إنّ صيد جميع ذلك حلال،إذا صاد بعد التّعليم،لأنّ اللّه جلّ ثناؤه عمّ بقوله: وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ كلّ جارحة و لم يخصّص منها شيئا،فكلّ جارحة كانت بالصّفة الّتي وصف اللّه من كلّ طائر و سبع،فحلال أكل صيدها.

و قد روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،بنحو ما قلنا في ذلك خبر، مع ما في الآية من الدّلالة الّتي ذكرنا على صحّة ما قلنا في ذلك،و هو ما حدّثنا[و ذكر السّند إلى]عديّ بن حاتم، قال سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن صيد البازي،فقال:

ما أمسك عليك فكل،فأباح صلّى اللّه عليه و سلّم صيد البازي و جعله من الجوارح.ففي ذلك دلالة بيّنة على فساد قول من قال:

عنى اللّه بقوله: وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ ما علّمنا من الكلاب خاصّة،دون غيرها من سائر الجوارح.

فإن ظنّ ظانّ أنّ في قوله:(مكلّبين)دلالة على أنّ (الجوارح)الّتي ذكرت في قوله: وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ هي الكلاب خاصّة،فقد ظنّ غير الصّواب؛ و ذلك أنّ معنى الآية:قل أحلّ لكم أيّها النّاس في حال مصيركم أصحاب كلاب:الطّيّبات و صيد ما علّمتموه3.

ص: 282


1- و من يجترح:هكذا وردت في الأصول كلّها،و لعلّه يريد الآية: وَ مَنْ يَقْتَرِفْ الشّورى:23.

الصّيد من كواسب السّباع و الطّير،فقوله:(مكلّبين) صفة للقانص،و إن صاد بغير الكلاب في بعض أحيانه.

و هو نظير قول القائل يخاطب قوما:أحلّ لكم الطّيّبات،و ما علّمتم من الجوارح مكلّبين مؤمنين،فمعلوم أنّه إنّما عنى قائل ذلك إخبار القوم أنّ اللّه جلّ ذكره أحلّ لهم في حال كونهم أهل إيمان:الطّيّبات و صيد الجوارح،الّتي أعلمهم أنّه لا يحلّ لهم منه إلاّ ما صادوه بها،فكذلك قوله: أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ لذلك نظير في أنّ التّكليب للقانص، بالكلاب كان صيده أو بغيرها،لا أنّه إعلام من اللّه عزّ ذكره،أنّه لا يحلّ من الصّيد إلاّ ما صادته الكلاب.(6:

88)

الماورديّ: يعني و صيد ما علّمتم من الجوارح، و هي الكواسب من سباع البهائم و الطّير،سمّيت جوارح لكسب أهلها بها،من قولهم:فلان جارحة أهله،أي كاسبهم.[ثمّ استشهد بشعر](2:15)

[سمّيت جوارح]لأنّها تجرح ما تصيد في الغالب.

(ابن الجوزيّ 2:292)

الطّوسيّ: هي الكواسب من سباع الطّير و البهائم.

و لا يجوز أن يستباح عندنا أكل شيء ممّا اصطاده الجوارح من السّباع سوى الكلب،إلاّ ما أدرك ذكاته.

و سمّيت الطّير جوارح،لجرحها أربابها،و كسبها إيّاهم أقواتهم من الصّيد.(3:439)

الواحديّ: يريد:صيد ما علّمتم،فحذفه.

(و الجوارح):الكواسب من الطّير و السّباع،الواحدة:

جارحة.

سمّيت جوارح لأنّها تكسب أربابها الطّعام بصيدها، و هي الكلاب و الفهود و البزاة و الصّقور و الزّمّج و العقاب، فما اصطادت من هذه الجوارح صيدا فقتلته فهو حلال.

(2:156)

البغويّ: يعني:و أحلّ لكم صيد ما علّمتم من الجوارح.

و اختلفوا في هذه الجوارح،فقال الضّحّاك و السّدّيّ:

هي الكلاب دون غيرها،و لا يحلّ ما صاده غير الكلب إلاّ أن يدرك ذكاته.و هذا غير معمول به بل عامّة أهل العلم على أنّ المراد من(الجوارح):الكواسب من سباع البهائم كالفهد و النّمر و الكلب،و من سباع الطّير كالبازي و العقاب و الصّقر،و نحوها ممّا يقبل التّعليم، فيحلّ صيد جميعها.

سمّيت جارحة:لجرحها أربابها أقواتها من الصّيد، أي كسبها،يقال:فلان جارحة أهله،أي كاسبهم.

(2:16)

نحوه الشّربينيّ.(1:355)

الزّمخشريّ: عطف على(الطّيّبات)أي أحلّ لكم الطّيّبات و صيد ما علّمتم،فحذف المضاف.أو تجعل(ما) شرطيّة،و جوابها:(فكلوا).

و الجوارح):الكواسب من سباع البهائم و الطّير، كالكلب و الفهد و النّمر و العقاب و الصّقر و البازي و الشّاهين.(1:594)

ابن عطيّة: وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ تقديره:

و صيد ما علّمتم،أو فاتّخاذ ما علّمتم.

و أعلى مراتب التّعليم أن يشلى الحيوان فينشلي،

ص: 283

و يدعى فيجيب،و يزجر بعد ظفره بالصّيد فينزجر،و أن يكون لا يأكل من صيده.فإذا كان كلب بهذه الصّفات و لم يكن أسود بهيما،فأجمعت الأمّة على صحّة الصّيد به،بشرط أن يكون تعليم مسلم و يصيد به مسلم،هنا انعقد الإجماع.

فإذا انخرم شيء ممّا ذكرنا دخل الخلاف،فإن كان الّذي يصاد به غير كلب كالفهد و ما أشبهه و كالبازي و الصّقر و نحوهما من الطّير،فجمهور الأمّة على أنّ كلّ ما صاد بعد تعليم فهو جارح،أي كاسب،يقال:جرح فلان و اجترح،إذا كسب،و منه وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ الأنعام:60،أي كسبتم من حسنة و سيّئة.

و كان ابن عمر يقول:إنّما يصاد بالكلاب،فأمّا ما صيد به من البزاة و غيرها من الطّير فما أدركت ذكاته فذكّه فهو حلال لك،و إلاّ فلا تطعمه.

هكذا حكى ابن المنذر،قال:و سئل أبو جعفر عن البازي و الصّقر أ يحلّ صيده؟قال:لا إلاّ أن تدرك ذكاته، قال:و استثنى قوم البزاة فجوّزوا صيدها لحديث عديّ ابن حاتم،قال:سألت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن صيد البازي فقال:إذا أمسك عليك فكل.

و قال الضّحّاك و السّدّيّ: وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ هي الكلاب خاصّة،فإن كان الكلب أسود بهيما فكره صيده الحسن بن أبي الحسن و قتادة و إبراهيم النّخعيّ.

و قال أحمد بن حنبل:ما أعرف أحدا يرخّص فيه إذا كان بهيما،و به قال ابن راهويه.فأمّا عوامّ أهل العلم بالمدينة و الكوفة فيرون جواز صيد كلّ كلب معلّم.[إلى أن قال:]

اَلْجَوارِحِ: الكواسر على ما تقدّم،و حكى ابن المنذر عن قوم أنّهم قالوا: اَلْجَوارِحِ مأخوذ من الجارح،أي الحيوان الّذي له ناب و ظفر أو مخلب،يجرح به صيده.(2:156)

الطّبرسيّ: أي و أحلّ لكم أيضا مع ذلك صيد ما علّمتم من الجوارح،أي الكواسب من سباع الطّير و البهائم.فحذف المضاف لدلالة قوله: مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ عليه،و لأنّه جواب عن سؤال السّائل عن الصّيد.

و قيل:(الجوارح)هي الكلاب فقط،عن ابن عمر و الضّحّاك و السّدّيّ،و هو المرويّ عن أئمّتنا عليهم السّلام فإنّهم قالوا:هي الكلاب المعلّمة خاصّة،أحلّه اللّه إذا أدركه صاحبه و قد قتله،لقوله: فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ.

(2:161)

ابن الجوزيّ: في تسميتها بالجوارح قولان:

أحدهما:لكسب أهلها بها،قال ابن قتيبة:أصل الاجتراح:الاكتساب،معر يقال:امرأة لا جارح لها،أي لا كاسب.

و الثّاني:لأنّها تجرح ما تصيد في الغالب،ذكره الماورديّ.

قال أبو سليمان الدّمشقيّ: و علامة التّعليم أنّك إذا دعوته أجاب،و إذا أسّدته استأسد،و مضى في طلبه، و إذا أمسك أمسك عليك لا على نفسه،و علامة إمساكه عليك:أن لا يأكل منه شيئا،هذا في السّباع و الكلاب.

فأمّا تعليم جوارح الطّير فبخلاف السّباع،لأنّ

ص: 284

الطّائر إنّما يعلّم الصّيد بالأكل،و الفهد و الكلب، و ما أشبههما يعلّمون بترك الأكل،فهذا فرق ما بينهما.

(2:292)

الفخر الرّازيّ: فيه مسائل:المسألة الأولى[في إعراب الآية].

المسألة الثّانية:في الجوارح قولان:أحدهما:إنّها الكواسب من الطّير و السّباع،واحدها:جارحة.سمّيت جوارح لأنّها كواسب،من جرح و اجترح،إذا اكتسب، قال تعالى: اَلَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أي اكتسبوا، و قال: وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ أي ما كسبتم.

و الثّاني:أنّ الجوارح هي الّتي تجرح،و قالوا:إنّ ما أخذ من الصّيد فلم يسل منه دم لم يحلّ.

المسألة الثّالثة:نقل عن ابن عمر و الضّحّاك و السّدّيّ:أنّ ما صاده غير الكلاب فلم يدرك ذكاته لم يجز أكله،و تمسّكوا بقوله تعالى: (مُكَلِّبِينَ)، قالوا:لأنّ التّخصيص يدلّ على كون هذا الحكم مخصوصا به.رغم الجمهور:أنّ قوله: وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ يدخل فيه كلّ ما يمكن الاصطياد به،كالفهد و السّباع من الطّير:

مثل الشّاهين و الباشق و العقاب.قال اللّيث:سئل مجاهد عن الصّقر و البازي و العقاب و الفهد و ما يصطاد به من السّباع،فقال:هذه كلّها جوارح.

و أجابوا عن التّمسّك بقوله تعالى: (مُكَلِّبِينَ) من وجوه:

الأوّل:أنّ المكلّب هو مؤدّب الجوارح و معلّمها أن تصطاد لصاحبها،و إنّما اشتقّ هذا الاسم من«الكلب» لأنّ التّأديب أكثر ما يكون في الكلاب،فاشتقّ منه هذا اللّفظ لكثرته في جنسه.

الثّاني:أنّ كلّ سبع فإنّه يسمّى كلبا،و منه قوله عليه الصّلاة و السّلام:«اللّهمّ سلّط عليه كلبا من كلابك، فأكله الأسد».

الثّالث:أنّه مأخوذ من الكلب الّذي هو بمعنى الضّراوة،يقال:فلان كلب بكذا،إذا كان حريصا عليه.

و الرّابع:هب أنّ المذكور في هذه الآية إباحة الصّيد بالكلب،لكن تخصيصه بالذّكر لا ينفي حلّ غيره،بدليل أنّ الاصطياد بالرّمي و وضع الشّبكة جائز،و هو غير مذكور في الآية،و اللّه أعلم.

المسألة الرّابعة:دلّت الآية على أنّ الاصطياد بالجوارح إنّما يحلّ إذا كانت الجوارح معلّمة،لأنّه تعالى قال: وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ، و قال صلّى اللّه عليه و سلّم لعديّ بن حاتم:إذا أرسلت كلبك المعلّم و ذكرت اسم اللّه فكل.[ثمّ ذكر الأمور الّتي يكون فيها الكلب معلّما عنه الشّافعيّ و الحسن البصريّ و أبي حنيفة و غيرهم و أضاف]

المسألة الخامسة:الكلاّب،و المكلّب هو الّذي يعلّم الكلاب الصّيد،فمكلّب صاحب التّكليب كمعلّم صاحب التّعليم،و مؤدّب صاحب التّأديب.قال صاحب «الكشّاف»:و قرئ (مكلّبين) بالتّخفيف،و أفعل و فعّل يشتركان كثيرا.(11:142)

القرطبيّ: أي و صيد ما علّمتم،ففي الكلام إضمار لا بدّ منه،و لولاه لكان المعنى يقتضي أن يكون الحلّ المسئول عنه متناولا للمعلّم من الجوارح المكلّبين، و ذلك ليس مذهبا لأحد.فإنّ الّذي يبيح لحم الكلب

ص: 285

فلا يخصّص الإباحة بالمعلّم،و سيأتي ما للعلماء في أكل الكلب في«الأنعام» (1)إن شاء اللّه.

و قد ذكر بعض من صنّف في أحكام القرآن:أنّ الآية تدلّ على أنّ الإباحة تتناول ما علّمناه من الجوارح،و هو ينتظم الكلب و سائر جوارح الطّير،و ذلك يوجب إباحة سائر وجوه الانتفاع،فدلّ على جواز بيع الكلب و الجوارح و الانتفاع،فدلّ على جواز بيع الكلب و الجوارح و الانتفاع بها بسائر وجوه المنافع،إلاّ ما خصّه الدّليل،و هو الأكل من الجوارح،أي الكواسب،من الكلاب و سباع الطّير.[إلى أن قال:]

أجمعت الأمّة على أنّ الكلب إذا لم يكن أسود، و علّمه مسلم فينشلي إذا أُشلِيَ (2)،و يجيب إذا دعي، و ينزجر بعد ظفره بالصّيد إذا زجر،و أن يكون لا يأكل من صيده الّذي صاده،و أثّر فيه بجرح أو تنييب،و صاد به مسلم و ذكر اسم اللّه عند إرساله أنّ صيده صحيح يؤكل بلا خلاف.

فإن انخرم شرط من هذه الشّروط دخل الخلاف، فإن كان الّذي يصاد به غير كلب كالفهد و ما أشبهه و كالبازي و الصّقر و نحوهما من الطّير،فجمهور الأمّة على أنّ كلّ ما صاد بعد التّعليم فهو جارح كاسب.يقال:

جرح فلان و اجترح،إذا اكتسب،و منه الجارحة لأنّها يكتسب بها،و منه اجتراح السّيّئات.[ثمّ استشهد بشعر]

(6:65)

البيضاويّ: و(الجوارح):كواسب الصّيد على أهلها،من سباع ذوات الأربع و الطّير.(1:263)

النّسفيّ: أي الكواسب للصّيد،من سباع البهائم و الطّير،كالكلب و الفهد و العقاب و الصّقر و البازي و الشّاهين.

و قيل:هي من الجراحة فيشترط للحلّ الجرح.

(1:271)

الخازن :يعني و أحلّ صيد ما علّمتم من الجوارح، فحذف و ذكر الصّيد،و هو مراد في الكلام،لدلالة الباقي عليه،و لأنّهم سألوا عن الصّيد.

و قيل:إنّ قوله:(و ما علّمتم من الجوارح)ابتداء كلام،خبره فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ، و على هذا القول يصحّ معنى الكلام من غير إضمار.

و(الجوارح):جمع جارحة،و هي الكواسب من السّباع و الطّير،كالفهد و النّمر و الكلب و البازي و الصّقر و العقاب و الشّاهين و الباشق من الطّير،ممّا يقبل التّعليم.سمّيت جوارح من الجرح،لأنّها تجرح الصّيد عن إمساكه.

و قيل:سمّيت جوارح،لأنّها تكسب،و الجوارح:

الكواسب من جرح و اجترح،إذا اكتسب،و منه: اَلَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ الجاثية:21،يعني اكتسبوا، و وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ الأنعام:60،أي اكتسبتم.

(2:11)

نحوه القاسميّ.(6:1843)

أبو حيّان :ظاهر(علّمتم)يخالف ظاهر استئناف (مكلّبين)فغلّب الضّحّاك و السّدّيّ و ابن جبير و عطاء لفظ(مكلّبين)،فقالوا:(الجوارح)هي الكلاب خاصّة،ه.

ص: 286


1- راجع ج 7،ص 115.
2- أشليت الكلب على الصّيد:دعوته فأرسلته،و قيل: أغريته.

و كان ابن عمر يقول:إنّما يصطاد بالكلاب.

و قال هو و أبو جعفر:ما صيد بغيرها من باز و صقر و نحوهما،فلا يحلّ إلاّ أن تدرك ذكاته فتذكّيه.و جوّز قوم البزاة،فجوّزوا صيدها لحديث عديّ بن حاتم و غلّب الجمهور ظاهر(و ما علّمتم)و قالوا:معنى(مكلّبين) مؤدّبين و مضرّين و معوّدين،و عمّموا(الجوارح)في كواسر البهائم و الطّير ممّا يقبل التّعليم.

و أقصى غاية التّعليم أن يشلى فيستشلي،و يدعى فيجيب،و يزجر بعد الظّفر فينزجر،و يمتنع من أن يأكل من الصّيد.و فائدة هذه الحال و إن كانت مؤكّدة لقوله:

(علّمتم)فكان يستغنى عنها أن يكون المعلّم مؤتمرا بالتّعليم حاذقا فيه موصوفا به.

و اشتقّت هذه الحال من الكلب و إن كانت جاءت غاية في الجوارح على سبيل التّغليب،لأنّ التّأديب أكثر ما يكون في الكلاب فاشتقّت من لفظه،لكثرة ذلك في جنسه.

قال أبو سليمان الدّمشقيّ: «و إنّما قيل(مكلّبين)لأنّ الغالب من صيدهم أن يكون بالكلاب».و اشتقّت من الكلب،و هي الضّراوة،يقال:هو كلب بكذا،إذا كان ضاريا به.

قال الزّمخشريّ: «أو لأنّ السّبع يسمّى كلبا»،و منه قوله عليه السّلام:«اللّهمّ سلّط عليه كلبا من كلابك فأكله الأسد».و لا يصحّ هذا الاشتقاق،لأنّ كون الأسد كلبا هو وصف فيه،و التّكليب من صفة المعلّم،«الجوارح» هي سباع بنفسها لا بجعل المعلّم.

و ظاهر قوله:(و ما علّمتم)أنّه خطاب للمؤمنين، فلو كان المعلّم يهوديّا أو نصرانيّا فكره الصّيد به، الحسن،أو مجوسيّا فكره الصّيد به،جابر بن عبد اللّه و الحسن و عطاء و مجاهد و النّخعيّ و الثّوريّ و إسحاق.

و أجاز أكل صيد كلابهم مالك و أبو حنيفة و الشّافعيّ إذا كان الصّائد مسلما.قالوا:و ذلك مثل شفرته،و الجمهور على جواز ما صاد الكتابيّ،و قال مالك:لا يجوز،فرّق بين صيده و ذبيحته.

و ما صاد المجوسيّ فالجمهور على منع أكله،عطاء و ابن جبير و النّخعيّ و مالك و أبو حنيفة و اللّيث و الشّافعيّ،و قال أبو ثور:فيه قول إنّهم أهل كتاب،و أنّ صيدهم جائز.

(و ما علّمتم)موضع(ما)رفع على أنّه معطوف على (الطّيّبات)و يكون حذف مضاف،أي و صيد ما علّمتم، و قدّره بعضهم:و اتّخاذ ما علّمتم،أو رفع على الابتداء و(ما)شرطيّة،و الجواب(فكلوا)و هذا أجود،لأنّه لا إضمار فيه.

و قرأ ابن عبّاس و ابن الحنفيّة (و ما علّمتم) مبنيّا للمفعول،أي من أمر الجوارح و الصّيد بها،و قرأ (مكلبين) من«أكلب»و فعّل و أفعل قد يشتركان.

و الظّاهر دخول الكلب الأسود البهيم في عموم (الجوارح)و أنّه يجوز أكل صيده،و به قال الجمهور.

و مذهب أحمد و جماعة من أهل الظّاهر أنّه لا يجوز أكل صيده،لأنّه مأمور بقتله.و ما أوجب الشّرع قتله فلا يجوز أكل صيده.و قال أحمد:لا أعلم أحدا رخّص فيه إذا كان بهيما،و به قال ابن راهويه،و كره الصّيد به الحسن و قتادة و النّخعيّ.[ثمّ ذكر شروط التّعليم في

ص: 287

الكلب و الطّير و الأقوال فيه](3:428)

نحوه ابن كثير.(2:494)

السّمين: مِنَ الْجَوارِحِ في محلّ نصب على الحال،و في صاحبها وجهان:

أحدهما:أنّه الموصول و هو(ما)و الثّاني:أنّه الهاء العائدة على الموصول،و هو في المعنى كالأوّل.

و الجوارح:جمع جارحة،و الهاء للمبالغة.سمّيت بذلك،لأنّها تجرح الصّيد غالبا،أو لأنّها تكسب.

و الجرح:الكسب،و منه يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ الأنعام:60،و الجارحة:صفة،جارية مجرى الأسماء، لأنّها لم يذكر موصوفها.(2:489)

أبو السّعود :عطف على(الطّيّبات)بتقدير المضاف،على أنّ(ما)موصول،و العائد محذوف،أي و صيد ما علّمتموه؛أو مبتدأ،على أنّ(ما)شرطيّة، و الجواب(فكلوا).

و قد جوّز كونها مبتدأ على تقدير كونها موصولة أيضا،و الخبر(كلوا)و إنّما دخلته الفاء تشبيها للموصول باسم الشّرط،و مِنَ الْجَوارِحِ حال من الموصول أو من ضميره المحذوف.

و(الجوارح):الكواسب من سباع البهائم و الطّير، و قيل:سمّيت بها،لأنّها تجرح الصّيد غالبا.(2:238)

نحوه البروسويّ.(2:345)

شبّر:كواسب الصّيد على أهله،من السّباع ذوات الأربع و الطّير.(2:142)

الآلوسيّ: و(الجوارح):جمع جارحة،و الهاء فيها-كما قال أبو البقاء-للمبالغة،و هي صفة غالبا؛إذ لا يكاد يذكر معها الموصوف.و فسّرت بالكواسب من سباع البهائم و الطّير،و هو من قولهم:جرح فلان أهله خيرا،إذا أكسبهم،و فلان جارحة أهله،أي كاسبهم.

و قيل:سمّيت جوارح،لأنّها تجرح الصّيد غالبا.(6:

62)

مغنيّة: و اتّفقت كلمة المذاهب على أنّ صيد الكلب يحلّ أكله بالشّروط الآتية،و اختلفت في صيد غيره كالفهد و الصّقر و ما أشبه إذا كان معلّما يفقه ما يفقهه الكلب،قال الشّيعة:لا يحلّ،و قال غيرهم:يحلّ.

و استدلّ الشّيعة بأنّ لفظ(مكلّبين)خاصّ بصيد الكلب المعلّم،و مهما يكن فلا يحلّ صيد الجوارح إلاّ مع توافر الشّروط التّالية:

1-أن يكون الجارح معلّما إذا أمره صاحبه يأتمر، و إذا زجره ينزجر،و هذا هو معنى: تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ.

2-أن يرسله صاحبه بقصد الصّيد،فلو انطلق من تلقائه،و أتى بالصّيد مقتولا،فلا يحلّ.

3-أن يكون الصّائد مسلما عند الشّيعة.

4-أن يسمّى الصّائد عند إرسال الجارح،فيقول:

اذهب على اسم اللّه،و ما أشبه،و هذا معنى: وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ.

5-أن يدرك الجارح الصّيد حيّا،و أن يسند الموت إلى جرحه،فلو أدركه ميّتا لم يحلّ،و كذا إذا أدركه حيّا، و لكن مات بسبب آخر غير الجارح.(3:17)

الطّباطبائيّ: و(الجوارح):جمع جارحة، و هي الّتي تكسب الصّيد،من الطّير و السّباع كالصّقر

ص: 288

و البازي و الكلاب و الفهود.

قوله:(مكلّبين)حال،و أصل التّكليب:تعليم الكلاب،و تربيتها للصّيد،أو اتّخاذ كلاب الصّيد و إرسالها لذلك.

و تقييد الجملة ب«التّكليب»لا يخلو من دلالة على كون الحكم مختصّا بكلب الصّيد،لا يعدوه إلى غيره من الجوارح.[إلى أن قال:]

و محصّل المعنى أنّ الجوارح المعلّمة بالتّكليب،أي كلاب الصّيد إذا كانت معلّمة و اصطادت لكم شيئا من الوحش الّذي يحلّ أكله بالتّذكية و قد سمّيتم عليه،فكلوا منه إذا قتلته دون أن تصلوا إليه،فذلك تذكية له،و أمّا دون القتل فالتّذكية بالذّبح و الإهلال به للّه يغني عن هذا الحكم.(5:202)

مكارم الشّيرازيّ: تبين الآية أنواع الصّيد الحلال،فتشير إلى الصّيد الّذي تجلبه أو تصيده الحيوانات المدرّبة على الصّيد،فتؤكّد بأنّه حلال،بقولها:

وَ ما عَلَّمْتُمْ....

و عبارة جوارح مشتقّة من المصدر«جرح»الّذي يعني أحيانا«الكسب»و تارة يعني«الجرح»الّذي يصاب به البدن،و لذلك يطلق على الحيوانات المدرّبة على الصّيد-سواء كانت من الطّيور أو من غيرها-اسم «جارحة»و جمعها«جوارح»أي الحيوان الّذي يجرح صيده،أو بالمعنى الآخر الحيوان الّذي يكسب لصاحبه.

و أمّا إطلاق لفظة«الجوارح»على أعضاء الجسم، فلأنّ الإنسان يستطيع بواسطتها إنجاز الأعمال أو الاكتساب.

و جملة وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ تشمل كلّ الحيوانات المدرّبة على الصّيد،و لكن كلمة(مكلّبين) الّتي تعني تدريب الكلاب للقيام بأعمال الصّيد،و المشتقّة من مادّة«كلب»أي الكلب،تقيّد هذه الجملة و تخصّصها بكلاب الصّيد،و لذلك فإنّها لا تشمل الصّيد بحيوانات غير هذه الكلاب،مثل الصّقور المدرّبة على الصّيد،و لذلك ذهب فقهاء الشّيعة إلى تخصيص الصّيد الحلال بما يصاد من قبل كلاب الصّيد.

لكن جمعا من علماء السّنّة و مفسّريهم ذهبوا إلى جواز الكلّ،و أعطوا تفسيرا واسعا لعبارة(مكلّبين) و لم يخصّصوا ذلك بكلاب الصّيد فقط.

إلاّ أنّنا نرى أنّ المصدر الأساس لهذه الكلمة المشتقّة إنّما يدلّ على أنّها مخصّصة بكلاب الصّيد فقط،و بديهيّ أنّ الصّيد الّذي تجلبه حيوانات مدرّبة أخرى،يعتبر حلالا في حالة جلبه حيّا،و ذبحه وفق الطّريقة الشّرعيّة.

(3:534)

اجترحوا

أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَ مَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ. الجاثية:21

الكلبيّ: الّذين أريد بهم هذه الآية عتبة و شيبة ابنا ربيعة،و الوليد بن عتبة.(الماورديّ 5:264)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:أم ظنّ الّذين اجترحوا السّيّئات من الأعمال في الدّنيا،و كذّبوا رسل اللّه،و خالفوا أمر ربّهم،و عبدوا غيره،أن نجعلهم في

ص: 289

الآخرة كالّذين آمنوا باللّه و صدّقوا رسله و عملوا الصّالحات،فأطاعوا اللّه و أخلصوا له العبادة،دون من سواه الأنداد و الآلهة،كلاّ ما كان اللّه ليفعل ذلك.لقد ميّز بين الفريقين،فجعل حزب الإيمان في الجنّة،و حزب الكفر في السّعير.(25:148)

الماورديّ: أي اكتسبوا الشّرك.(5:264)

نحوه ابن عطيّة.(5:85)

الطّوسيّ: الاجتراح:الاكتساب،اجترح السّيّئة اجتراحا،أي اكتسبها من الجراح،لأنّ له تأثيرا كتأثير الجراح،و مثله الاقتراف،و هو مشتقّ من قرف القرحة.

(9:258)

نحوه الطّبرسيّ.(5:77)

الزّمخشريّ: الاجتراح:الاكتساب،و منه الجوارح،و فلان جارحة أهله،أي كاسبهم.(3:511)

مثله الفخر الرّازيّ(27:266)،و نحوه البروسويّ (8:445)،و الآلوسيّ(25:149).

الطّباطبائيّ: و الآية مسوقة سوق الإنكار،و(أم) منقطعة،و المعنى بل أحسب و ظنّ الّذين يكتسبون السّيّئات أن نصيّرهم مثل الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات مستويا محياهم و مماتهم،أي تكون حياة هؤلاء كحياة أولئك و موتهم كموتهم،فيكون الإيمان و التّشرّع بالدّين لغوا لا أثر له في حياة و لا موت،و يستوي وجوده و عدمه.

(18:170)

الوجوه و النّظائر

الفيروزآباديّ: ورد«الجرح»في القرآن على معنيين:

الأوّل:الجرح بمعنى الكسب وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ المائدة:4،أي الكواسب.

الثّاني:بمعنى الجراحة وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ المائدة:

45.(بصائر ذوي التّمييز 2:376)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجراحة،أي أثر الضّرب.

أو الطّعن،و الجمع:جراح و جراحات،و هو الجرح أيضا،و الجمع جروح و جراح؛يقال:جرحه يجرحه جرحا،أي أثّر فيه بالسّلاح،فهو و هي جريح،و هم و هنّ جرحى،و جرّحه:أكثر الجرح فيه.

و منه:جرح الشّيء و اجترحه:كسبه؛يقال:فلان جارح أهله و جارحتهم،أي كاسبهم،لأنّ الكسب نوع من الإصابة على التّوسّع،كما يأتي عن الطّبرسيّ في الاستعمال القرآنيّ.

و الجوارح من الطّير و السّباع و الكلاب:ذوات الصّيد،الواحدة:جارحة،لأنّها تجرح أو تكسب لنفسها،من قولهم:جرح و اجترح.

و يقال لإناث الخيل:جوارح،لأنّها تكسب أربابها نتاجها،يقال:ما له جارحة،أي ما له كاسب.

و جوارح المال:ما ولد؛يقال:هذه الجارية و هذه الفرس و النّاقة و الأتان من جوارح المال،أي شابّة مقبلة الرّحم و الشّباب،يرجى ولدها.

و جوارح الإنسان:أعضاؤه،لأنّها تجرح الخير و الشّرّ،أي تكسبهما؛يقال:جرحه بلسانه،أي شتمه،

ص: 290

اِجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ، أي اكتسبوها.

2-و قد استعمل الجرح في الإسلام للإزراء و الثّلب في موضعين:

الأوّل:الشّهادة؛يقال:استجرح الشّاهد،أي استحقّ أن يطعن فيه،و جرح الحاكم الشّاهد:عثر منه على ما تسقط به عدالته من كذب أو فسق،و هو ما يطلق عليه في الاصطلاح:الجرح المجرّد.

و الثّاني:رواية الحديث؛قال ابن عون:استجرحت هذه الأحاديث،أي فسدت و قلّ صحاحها.و من ثمّ تفرّع من علم رجال الحديث علم آخر يعرف بعلم «الجرح و التّعديل»،و هو علم يبحث فيه عن جرح الرّواة و تعديلهم بألفاظ مخصوصة،و عن مراتب تلك الألفاظ.

و ممّن ألّف في هذا العلم تحت عنوان«الجرح و التّعديل»أبو الحسن أحمد بن عبد اللّه العجليّ الكوفيّ المتوفّى عام(261 ه)و عبد الرّحمن بن أبي حاتم محمّد الرّازيّ المتوفّى عام(327 ه).

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها فعلان بمعنى واحد في سورتين مكّيّتين، و اسمان بمعنيين،في سورة مدنيّة:

1- وَ هُوَ الَّذِي يَتَوَفّاكُمْ بِاللَّيْلِ وَ يَعْلَمُ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ ثُمَّ يَبْعَثُكُمْ فِيهِ لِيُقْضى أَجَلٌ مُسَمًّى ثُمَّ إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ ثُمَّ يُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ الأنعام:60

2- أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ سَواءً مَحْياهُمْ وَ مَماتُهُمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ الجاثية:21

3- وَ كَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَ الْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَ الْأَنْفَ بِالْأَنْفِ وَ الْأُذُنَ بِالْأُذُنِ وَ السِّنَّ بِالسِّنِّ وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ فَمَنْ تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفّارَةٌ لَهُ وَ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِما أَنْزَلَ اللّهُ فَأُولئِكَ هُمُ الظّالِمُونَ المائدة:45

4- يَسْئَلُونَكَ ما ذا أُحِلَّ لَهُمْ قُلْ أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّباتُ وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ تُعَلِّمُونَهُنَّ مِمّا عَلَّمَكُمُ اللّهُ فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ المائدة:4

و يلاحظ:أوّلا:جاء في(1)(جرحتم)و في(2) اِجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ و كلاهما بمعنى الكسب،إلاّ أنّ الاكتساب هو كسب الشّيء بجهد و مشقّة،و هو المناسب لكسب السّيّئات،فإنّه خلاف الفطرة الّتي فطر اللّه النّاس عليها،فكأنّه اكتسبها بتكلّف و مشقّة و جهد كبير،و من غير سبيله المعتاد،و هو توبيخ أيضا على شدّة تصدّيه للسّيّئات،و اهتمامه بها.

ثانيا:تخصيص النّوم في(1)ب(الليل)و الكسب ب(النّهار)جار على ما هو المعتاد،كما قال: وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ لِباساً* وَ جَعَلْنَا النَّهارَ مَعاشاً النّبأ:10 و 11.

ثالثا:خصّ الآلوسيّ ما جَرَحْتُمْ بِالنَّهارِ بما عملوا من الإثم نقلا عن ابن عبّاس و قتادة،و قال:«و هو الّذي يقتضيه سياق الآية،فإنّه للتّهديد و التّوبيخ،و لهذا أوثر (يتوفّاكم)على(ينيمكم)،و نحوه و(جرحتم)على (كسبتم)إدخالا للمخاطبين الكفرة في جنس جوارح الطّير و السّباع،و بعضهم يجعل الخطاب عامّا».

و الثّاني:هو الأقرب عندنا،و إن كان الأوّل لا يخلو

ص: 291

من لطف،لأنّ سياق عدّة آيات قبلها و إن كان خطابا للكفّار،إلاّ أنّ الآيتين قبلها و بعدها عامّ للنّاس قاطبة؛ فقبلها: وَ عِنْدَهُ مَفاتِحُ الْغَيْبِ لا يَعْلَمُها إِلاّ هُوَ...

الأنعام:59.فركّز علمه تعالى،و بعدها: وَ هُوَ الْقاهِرُ فَوْقَ عِبادِهِ وَ يُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً... الأنعام:61، فركّز قدرته تعالى،و كذلك بعدها: قُلْ مَنْ يُنَجِّيكُمْ مِنْ ظُلُماتِ الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ تَدْعُونَهُ تَضَرُّعاً وَ خُفْيَةً...

الأنعام:63،فركّز رحمته و نعمته و لطفه بالعباد،فسياق الآيات تركيز أوصاف اللّه و توحيده،إنذارا و تخويفا و إرجاء و تبشيرا.

و إيثار(التّوفّي)على(النّوم)للدّلالة على أنّ النّوم بيد اللّه،فهو آية قدرته تعالى،أمّا إيثار(جرحتم)على (كسبتم)فلأنّ العمل يصدر عن الجوارح عادة حسنا كان أو سيّئا،فهذا تنبيه على أنّ الجوارح نعمة من اللّه في البدن،و النّاس عنها غافلون،و يستفيدون بها في غير ما أمر اللّه به،و لا دخل فيه لإدخال العامل في جنس جوارح الطّير.

نعم ما ذكره في إيثار(جرحتم)جار في اِجْتَرَحُوا السَّيِّئاتِ حيث يتداعى منه دخول المسيء في جنس الجوارح،كأنّه صدر:عنه جرح،كما نبّهنا عليه.قال الطّوسيّ:«اجترح السّيّئة اجتراحا،أي اكتسبها من الجراح،لأنّ له تأثيرا كتأثير الجراح،و مثله الاقتراف، و هو مشتقّ من قرف القرحة».

رابعا في(3): (الْجُرُوحَ قِصاصٌ) بحوث:

1-في الآية ثلاث قراءات:نصب(العين)و ما بعدها عطفا على لفظ اَلنَّفْسَ بِالنَّفْسِ، و رفعها عطفا على موضعه،لأنّه في الأصل مبتدأ و خبر أو للاستئناف، و رفع جملة وَ الْجُرُوحَ قِصاصٌ فقط استئنافا،لأنّ خبرها مغاير لخبر ما قبلها،و هو مبالغة،نظير:زيد عدل، و التّقدير:(الجروح ذات قصاص)كما قيل.

و هذا الوجه أجود عند الفرّاء لمجيئها بعد تمام خبر الأوّل،مثل:«إنّ عبد اللّه قائم و زيد قاعد»،لاحظ نصّ أبي زرعة.

2-قيل:لفظ(الجروح)عامّ،و المراد به الخصوص، و هو ما يمكن فيه القصاص،و لا يخاف فيها على نقص زائد على الجرح؛إذ يشترط في القصاص المماثلة للجرح، فإن خيف فلا قصاص فيها بل فيها الدّية،كما جاء في الفقه.

3-و هذا تخصيص بعد تعميم،لأنّ ما قبلها بيان للقصاص في تلك الأعضاء أيضا،و القصاص فيها بمثلها، فهي منضبطة.أمّا سائر الجروح فليست كذلك،و لهذا فصلها عمّا قبلها،لاحظ«ق ص ص».

خامسا:في(4) وَ ما عَلَّمْتُمْ مِنَ الْجَوارِحِ مُكَلِّبِينَ بحوث:

1-الجوارح:جمع جارحة،و هي الحيوان الصّائد، إمّا من الجرح بمعنى الكسب،لأنّها تكسب صيدا لصاحبها،كما أنّ جوارح الإنسان تكسب له ما يحتاج إليه،أو بمعنى الجراحة،لأنّها تجرح ما تصيده غالبا،و هو الأقرب؛و قد أرجعنا الكسب إليها.

2-اختلفوا في(الجوارح)هل هي الكلاب خاصّة، لقوله:(مكلّبين)،أو تعمّ غيرها كالباز و الصّقر و السّباع إذا صادت بعد التّعليم،لعموم اللّفظ،و لأنّه المرويّ عن

ص: 292

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و قد اختاره الطّبريّ لما ذكر،و أجاب عن الاحتجاج للأوّل ب(المكلّبين)بأنّه حال و صفة للقانص، أي في حال مصيركم أصحاب كلاب،فلا يقيّد الصّيد بها،و قيل:كلّ سبع فإنّه يسمّى كلبا.

3-و هناك خلاف آخر في أنّ ما قتلته الجوارح المعلّمة،و لم يدرك صاحبها ذكاته حلال في الجميع،أو أنّه خاصّ بالكلاب،كما اختاره الإماميّة استنادا إلى ما روي عن أئمّتهم عليهم السّلام.

و عندنا أنّ فَكُلُوا مِمّا أَمْسَكْنَ عَلَيْكُمْ ظاهر فيما أدركه حيّا دون ما قتلته الجوارح،فلا يقال فيه:إنّهنّ أمسكنه عليه،فالآية خاصّة بما أدركه حيّا،سواء كان الحيوان كلبا أو غيره،لكن خرج منها ما قتله الكلب بالنّصّ،و عجيب من الطّباطبائيّ أنّه خصّ الآية بما أدركه ميّتا،فلاحظ نصّه.

4-اتّفقوا على أنّ حكم الآية خاصّ بالحيوان المعلّم،و توجد بينهم خلاف في شروط التّعليم،و قد جمعها الشّيخ مغنيّة في ما يأتي:

أ-إذا أمره صاحبه يأتمر،و إذا زجره ينزجر.

ب-أن يرسله صاحبه بقصد الصّيد.

ج-أن يكون الصّائد مسلما.

د-أن يسمّي عند إرساله،كما قال: وَ اذْكُرُوا اسْمَ اللّهِ عَلَيْهِ.

ه-أن يدركه الصّائد حيّا،و هذا في غير الكلب.

سادسا:وزّع الفعل و الاسم بين المكّيّ و المدنيّ بالسّويّة،فخصّ الفعلان بالمكّيّ و الاسمان بالمدنيّ،لأنّهما جاءا في سياق التّشريع الغالب على المدنيّات،و الفعلان جاءا في سياق العقيدة و التّربية الغالب على المكّيّات.

ص: 293

ص: 294

ج ر د

اشارة

لفظان مرّتان،في سورتين مكّيّتين

جراد 1:1 الجراد 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجرد:فضاء لانبات فيه،اسم للفضاء، فإذا نعتّ به قلت:أرض جرداء،و مكان أجرد،و قد جردت جردا،و جرّدها القحط تجريدا.

و رجل أجرد:لا شعر على جسده.

و الأجرد من الخيل و الدّوابّ:القصير الشّعر،حتّى يقال:إنّه لأجرد القوائم،أي قصير شعر القوائم.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:فلان حسن الجردة،و هي العرية.

و المجرّد:الّذي أجرده النّاس فتركوه في مكان واحد.

و الجرد:أخذك الشّيء عن الشّيء جرفا و سحفا، فلذلك سمّي المشئوم:جارودا.[ثمّ استشهد بشعر]

و إذا جدّ الرّجل في سيره فمطى،يقال:انجرد فذهب.

و تجرّد لأمر كذا أو للعبادة،أي أخذ في القيام به.

و إذا خرجت السّنبلة من لفائفها،قيل:تجرّدت.

و امرأة بضّة المتجرّد،أي رخصة ناعمة تحت ثيابها.

و الجريدة:سعفة رطبة جرّد عنها خوصها،كما يقشأ الورق عن القضيب.

و زرع مجرود:أصابه الجراد،و جرد الزّرع.

و الجردان و المجرّد:من أسماء الذّكر.

و الجراد و الجرادة:اسم رمل بالبادية.

و الجرادة و الجراد:اللّحّاسة،معروف.

و الجرد:ثوب خلق،لغة هذيل،و هذيل تقول:

لبس جردة،و أرض مجرودة و مجرد و جردة،أي ليس فيها سترة من شجر و غيره.

و الجريدة:طائفة من الجند.(6:75)

اللّحيانيّ: أرض جردة و مجرودة:قد لحسها الجراد.(الأزهريّ 10:640)

أبو عبيد: إذا أصاب الجراد الزّرع قيل:جرد

ص: 295

الزّرع.(الأزهريّ 10:638)

الجوهريّ: و الجراد معروف،الواحدة:جرادة، يقع على الذّكر و الأنثى.و ليس الجراد بذكر للجرادة، و إنّما هو اسم جنس،كالبقر و البقرة،و التّمر و التّمرة، و الحمام و الحمامة،و ما أشبه ذلك.فحقّ مذكّره أن لا يكون مؤنّثه من لفظه،لئلاّ يلتبس الواحد المذكّر بالجمع.(2:456)

ابن سيده: و الجراد معروف:قال أبو عبيد:قيل:

هو سروة ثمّ دبا ثمّ غوغاء ثمّ خيفان ثمّ كتفان ثمّ جراد.

و قيل:الجراد:الذّكر،و الجرادة:الأنثى،و من كلامهم:«رأيت جرادا على جرادة»كقولهم:«رأيت نعاما على نعامة».قال الفارسيّ:و ذلك موضوع على ما يحافظون عليه،و يتركون غيره بالغالب إليه،من إلزام المؤنّث العلامة المشعرة بالتّأنيث و إن كان أيضا غير ذلك من كلامهم واسعا كثيرا،يعني المؤنّث الّذي لا علامة فيه، كالعين و القدر و العناق،و المذكّر الّذي فيه علامة التّأنيث كالحمامة و الحيّة.

قال أبو حنيفة:قال الأصمعيّ: إذا اصفرّت الذّكور و اسودّت الإناث ذهب عنه الأسماء إلاّ الجراد،يعني أنّها اسم لا يفارقها.

و ذهب أبو عبيد في الجراد إلى أنّه آخر أسمائه،كما تقدّم.(7:315)

الرّاغب: الجراد معروف،قال تعالى: فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَ الْجَرادَ وَ الْقُمَّلَ الأعراف:133، و قال: كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ القمر:7،فيجوز أن يجعل أصلا فيشتقّ من فعله جرد الأرض،و يصحّ أن يقال:سمّي ذلك لجرده الأرض من النّبات،يقال:أرض مجرودة،أي أكل ما عليها حتّى تجرّدت.(90)

الفيروزآباديّ: الجرد محرّكة:فضاء لا نبات فيه، مكان جرد،و أجرد و جرد كفرح،و أرض جرداء و جردة كفرحة،و جردها القحط،و سنة جارود و جرده.

و جرّده:قشره،و الجلد:نزع شعره،و القوم:سألهم فمنعوه أو أعطوه كارهين،و زيدا من ثوبه:عرّاه فتجرّد و انجرد،و القطن:حلجه.

و ثوب جرد:خلق.

و رجل أجرد:لا شعر عليه،و فرس أجرد:قصير الشّعر رقيقه،جرد كفرح و انجرد،و الأجرد:السّبّاق.

و جرد السّيف:سلّه،و الكتاب:لم يضبطه،و الحجّ:

أفرده و لم يقرن.

و لبس الجرود:للخلقان.

و امرأة بضّة الجردة و المجرّد و المتجرّد،أي بضّة عند التّجرّد.و المتجرّد:مصدر فإن كسرت الرّاء أردت الجسم.

و تجرّد العصير:سكن غليانه،و السّنبلة:خرجت من لفائفها،و زيد لأمره:جدّ فيه،و بالحجّ:تشبّه بالحاجّ.

و خمر جرداء:صافية.

و انجرد به السّيل:امتدّ و طال،و الثّوب:انسحق.

و الجرد:الفرج،و الذّكر،و التّرس،و البقيّة من المال،و بالتّحريك:بلدة ببلاد تميم،و عيب معروف في الدّوابّ،أو هو بالذّال.

و الجارود:المشئوم.

و الجريدة:سعفة طويلة رطبة أو يابسة،أو الّتي

ص: 296

تقشّر من خوصها،و خيل لا رجّالة فيها كالجرد، و البقيّة من المال.

و جرادة العيّار:فرس أو العيّار أثرم أخذ جرادة ليأكلها فخرجت من موضع الثّرم بعد مكابدة العناء.

و الجرادتان:مغنّيتان كانتا بمكة أو للنّعمان.

و يوم جريد و أجرد:تامّ.

و المجرّد و الجردان بالضّمّ و الأجرد:قضيب ذوات الحافر أو عامّ،الجمع:جرادين.

و ما رأيته مذ أجردان و جريدان:مذ يومين أو شهرين.

و الجرّاد:جلاّء آنية الصّفر.

و الإجردّ بالكسر كإكبرّ و قد يخفّف كإثمد:نبت يدلّ على الكمأة.

و الجراد معروف للذّكر و الأنثى،و موضع و جبل.

و أرض مجرودة:كثيرته.

و كفرح:شري جلده عن أكله،و كعني:شكا بطنه عن أكله،و الزّرع:أصابه.

و ما أدري أيّ جراد عاره،أي أيّ النّاس ذهب به.

و الجراديّ كغرابيّ: قرية بصنعاء.

و الجرادة بالضّمّ:رملة.و جراد:ماء بديار بني تميم.

و رمي على جرده محرّكة و أجرده،أي ظهره.

و دراب جرد:موضعان...و جرادى كفعالى:موضع، و جردان:واد بين عمقين...و جرود:موضع بدمشق، و أجارد بالضّمّ و جارد:موضعان.(1:292)

و نحوهم مع تفاوت:أبو عبيد(2:188)،و ابن السّكّيت(405)،و(إصلاح المنطق:47)،و ابن دريد (2:64)و(3:389،437)،و القاليّ(1:47)، و الأزهريّ(10:638)،و الصّاحب(7:38)، و الهرويّ(1:341)،و الجوهريّ(2:455)،و ابن فارس(1:452)،و ابن سيده(7:315)،و الزّمخشريّ (أساس البلاغة:56)،و(الفائق 1:24)،و(2:97، 130،175،227،230)،و المدينيّ(1:314)،و ابن الأثير(1:256)،و الفيّوميّ(1:96)،و الطّريحيّ(3:

23)،و مجمع اللّغة(1:187)،و محمّد إسماعيل إبراهيم (1:105)،و العدنانيّ(119).

المصطفويّ: [ذكر بعض أقوال اللّغويّين و أضاف:]

وجه التّسمية بما ذكر غير وجيه،فإنّ التّجرّد لا بدّ و أن يكون صفة لذلك الحيوان لا لمتعلّقاته من الشّجر و الأرض.و الأحسن أن يقال:إنّ الجراد على وزان «جبان»صفة بمعنى المتجرّد الظّاهر،بحيث لا يستره ساتر.و هذا المعنى يصدق عليه إمّا من جهة كونه غير مستور بريش و شعر و لباس من بين الطّيور،و إمّا من جهة ظهوره بغتة حشودا في السّماء،و إمّا من جهة خلوّ بدنه عن العظم و الفقار،و إمّا من جهة فقدان التّعلّق و تجرّده عن جميع العلائق،و كونه أكولا.(2:72)

النّصوص التّفسيريّة

جراد

خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ. القمر:7

الزّمخشريّ: (الجراد)مثل في الكثرة و التّموّج،

ص: 297

يقال في الجيش الكثير المائج بعضه في بعض:جاءوا كالجراد و كالدّبا،منتشر في كلّ مكان لكثرته.(4:37)

نحوه النّسفيّ.(4:202)

الطّريحيّ: قيل:وجه التّشبيه في الآية أنّهم يخرجون حيارى فزعين لا يهتدون،و لا جهة لأحد منهم يقصدونها،كالجراد لا جهة له،فيكون أبدا بعضه على بعض.(3:23)

البروسويّ: أي يشبهن الجراد،و هو بالفارسيّة «ملخ»سمّي بذلك لجرده الأرض من النّبات،يقال:

أرض مجرودة،أي أكل ما عليها حتّى تجرّدت،كما في «المفردات».(9:270)

الطّباطبائيّ: الجراد:حيوان معروف.(19:58)

المصطفويّ: في هذا التّشبيه وجوه من التّناسب، من جهة خروجه من البيض الصّغار الّتي لا تشاهد،و من جهة ظهوره و نشره حشودا حاشدة بغتة،و غيرها.

[لاحظ ن ش ر ](2:72)

الجراد

فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَ الْجَرادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفادِعَ وَ الدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ.

الأعراف:133

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:إنّ مريم بنت عمران سألت ربّها أن يطعمها لحما لا دم له،فأطعمها اللّه الجراد.

(الواحديّ 2:400)

أحلّت لنا ميتتان و دمان:الحوت و الجراد و الكبد و الطّحال.(ابن كثير 3:211)

لا تقاتلوا الجراد فإنّه جند اللّه الأعظم.

(ابن كثير 3:212)

عمر: إنّ اللّه خلق ألف أمّة:ستّمائة في البحر و أربعمائة في البرّ،و إنّ أوّلها هلاكا الجراد.

(ابن كثير 3:212)

سلمان: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن الجراد،فقال:

«أكثر جنود اللّه،لا آكله و لا أحرّمه...»

(ابن كثير 3:211)

نحوه جابر بن عبد اللّه.(الواحديّ 2:401)

أبو هريرة: خرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في حجّ أو عمرة،فاستقبلنا رجل جراد (1)فجعلنا نضربه بالعصيّ و نحن محرمون،فسألنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال:«لا بأس بصيد البحر».(ابن كثير 3:212)

ابن عبّاس: كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لا يأكل الجراد و لا الكلوتين و لا الضّبّ،من غير أن يحرّمها.أمّا الجراد فرجز و عذاب،و أمّا الكلوتان فلقربهما من البول،و أمّا الضّبّ فقال:«أتخوّف أن يكون مسخا».

(ابن كثير 3:211)

و سلّط عليهم بعد ذلك الجراد حتّى أكل ما أنبتت الأرض من النّبات و الثّمار.(136)

ابن عمر: إنّ عمر سئل عن الجراد،فقال:ليت عندنا منه قفعة أو قفعتين نأكله.(ابن كثير 3:211)

البراء: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا وباء مع السّيف و لا لحاء مع الجراد».(ابن كثير 3:212)

جابر بن عبد اللّه: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم كان إذا دعا

ص: 298


1- ابن الأثير:أي جراد كثير.

على الجراد،قال:«اللّهمّ أهلك كباره و اقتل صغاره و أفسد بيضه و اقطع دابره و خذ بأفواهه عن معايشنا و أرزاقنا إنّك سميع الدّعاء».(ابن كثير 3:212)

أنس بن مالك: كان أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يتهادين الجراد على الأطباق.(ابن كثير 3:211)

الأعمش: أنبأنا عامر قال:سئل شريح القاضي عن الجراد،فقال:قبّح اللّه الجرادة،فيها خلقة سبعة جبابرة،رأسها رأس فرس،و عنقها عنق ثور،و صدرها صدر أسد،و جناحها جناح نسر،و رجلاها رجل جمل، و ذنبها ذنب حيّة،و بطنها بطن عقرب.

(ابن كثير 3:212)

الفرّاء: أرسل اللّه عليهم الجراد فأكل ما أنبتت الأرض في تلك السّنة؛و ذاك أنّهم رأوا من غبّ ذلك المطر خصبا لم يروا مثله قطّ،فقالوا:إنّما كان هذا رحمة لنا و لم يكن عذابا،و ضاقوا بالجراد فكان قدر ذراع في الأرض،فسألوه أن يكشف عنهم و يؤمنوا،فكشف اللّه عنهم و بقي لهم ما يأكلون،فطغوا به،و قالوا: لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ الإسراء:90.(1:392)

نحوه الشّوكانيّ.(2:298)

القمّيّ: أنزل اللّه عليهم في السّنة الثّانية الجراد، فجردت كلّ شيء كان لهم من النّبت و الشّجر حتّى كانت تجرد شعرهم و لحيتهم،فجزع من ذلك جزعا شديدا، و قال:يا موسى ادع ربّك أن يكفّ عنّا الجراد أخلّي عن بني إسرائيل و أصحابك.فدعا موسى ربّه،فكفّ عنهم الجراد،فلم يدعه هامان أن يخلّي عن بني إسرائيل.

(1:238)

الزّمخشريّ: بعث اللّه عليهم الجراد فأكلت عامّة زروعهم و ثمارهم،ثمّ أكلت كلّ شيء حتّى الأبواب و سقوف البيوت و الثّياب،و لم يدخل بيوت بني إسرائيل منها شيء،ففزعوا إلى موسى و وعده التّوبة،فكشف عنهم بعد سبعة أيّام،خرج موسى عليه السّلام إلى الفضاء فأشار بعصاه نحو المشرق و المغرب،فرجع الجراد إلى النّواحي الّتي جاء منها،فقالوا:ما نحن بتاركي ديننا.(2:107)

ابن عطيّة: [نحو الفرّاء و أضاف:]

و روى ابن وهب عن مالك أنّه روي:أنّه أكل أبوابهم و أكل الحديد و المسامير و ضيّق عليهم غاية التّضييق،و ترك اللّه من نباتهم ما يقوم به الرّمق،فقالوا لموسى:ادع في كشف الجراد و نحن نؤمن،فدعا فكشف، فرجعوا إلى كفرهم،و رأوا أنّ ما أقام رمقهم قد كفاهم.

(2:444)

نحوه الشّربينيّ.(1:507)

القرطبيّ: [نقل اختلاف الفقهاء في قتل الجراد، فراجع](7:268)

البروسويّ: (الجراد)في التّفسير الفارسيّ:ملخ پرنده،و في«حياة الحيوان»:الجراد البرّيّ إذا خرج من بيضته،يقال له:الدّباء،فإذا بدت فيه الألوان و اصفرّت الذّكور و اسودّت الإناث يسمّى جرادا حينئذ،و في الحديث:«لا تقتلوا الجراد فإنّه جند اللّه الأعظم».و هذا إن صحّ أراد به إذا لم يتعرّض لإفساد الزّرع،فإن تعرّض له جاز دفعه بالقتل،و غيره.

و وقعت بين يدي النّبيّ عليه السّلام جرادة،فإذا مكتوب على جناحيها بالعبرانيّة:نحن جند اللّه الأكبر،و لنا تسع

ص: 299

و تسعون بيضة،و لو تمّت لنا المائة لأكلنا الدّنيا و ما فيها، فقال النّبيّ عليه السّلام:اللّهمّ أهلك الجراد،اقتل كبارها و أمت صغارها و افسد بيضها و سدّ أفواهها عن مزارع المسلمين و عن معايشهم إنّك سميع الدّعاء.فجاء جبرائيل عليه السّلام،فقال:إنّه قد استجيب لك في بعضه.

و عن حسن بن عليّ: كنّا على مائدة نأكل أنا و أخي محمّد بن الحنفيّة و بنو عمّي عبد اللّه و قثم و الفضل بن العبّاس،فوقعت جرادة على المائدة فأخذها عبد اللّه، و قال لي:ما مكتوب على هذه،فقلت:سألت أبي أمير المؤمنين عن ذلك،فقال:سألت عنه رسول اللّه،فقال:

مكتوب عليها:أنا اللّه لا إله إلاّ أنا ربّ الجراد و رازقها، و إن شئت بعثتها رزقا لقوم و إن شئت بعثتها بلاء على قوم،فقال عبد اللّه:هذا من العلم المكنون.و ليس في الحيوان أكثر فسادا لما يقتاته الإنسان من الجراد.

و أجمع المسلمون على إباحة أكله،قال الأربعة:يحلّ أكله سواء مات حتف أنفه أو بذكاة أو باصطياد مجوسيّ أو مسلم،قطع منه شيء أو لا.و الدّليل على عموم حلّه قوله عليه السّلام:«أحلّت لنا ميتتان و دمان:الكبد و الطّحال، و السّمك و الجراد».

و إذا تبخّر إنسان بالجراد البرّيّ نفعه من عسر البول.

و قال ابن سينا:إذا أخذ منها اثنا عشر و نزعت رءوسها و أطرافها،و جعل معها قليل آس يابس،و شرب للاستسقاء نفعه.

و أمّا الجراد البحريّ فهو من أنواع الصّدف،كثير بساحل البحر ببلاد المغرب،و يأكلونها كثيرا مشويّا و مطبوخا،و لحمها نافع للجذام.(3:220) نحوه الآلوسيّ.(9:34)

رشيد رضا :و أمّا الجراد فهو معروف،و قد ذكر في التّوراة بعد الطّوفان.ففيها«بعد ما تقدّم أنّ فرعون قسا قلبه،فلم يطلق بني إسرائيل.فأخبر الرّبّ موسى-كما في الفصل العاشر-بأنّه قسى قلبه و قلوب عبيده، ليريهم آياته و لكي يقصّ موسى على ابنه و ابن ابنه كذا ما فعل بالمصريّين،و أمره بأن ينذره بإرسال الجراد عليهم فيأكل ما سلم من النّبات و الشّجر،فلم يحسّه البرد،و يملأ بيوته و بيوت عبيده و سائر بيوت المصريّين ففعل،فرضي فرعون أن يذهب الرّجال من بني إسرائيل ليعبدوا ربّهم دون النّساء و الأولاد و المواشي.

فمدّ موسى عصاه بأمر الرّبّ على أرض مصر، فأرسل الرّبّ ريحا شرقيّة ساقت الجراد على أرض مصر فغطّى جميع وجه الأرض حتّى أظلمت الأرض، و أكل جميع عشبها و جميع ما تركه البرد من ثمر الشّجر، حتّى لم يبق شيء من الخضرة في الشّجر و لا في عشب الصّحراء في جميع أرض مصر».

و فيه أنّ فرعون استدعى موسى و هارون و اعترف لهما بخطئه،و طلب منهما الصّفح و الشّفاعة إلى الرّبّ إلههما أن يرفع عنه هذه التّهلكة ففعلا،فأرسل اللّه ريحا غربيّة، فحملت الجراد كلّه فألقته في بحر القلزم.(9:91)

نحوه المراغيّ.(9:44)

مغنيّة: (الجراد)جاء بعد الطّوفان بطبيعة الحال، و أكل البقيّة الباقية من كلئهم و زرعهم.(3:385)

مكارم الشّيرازيّ: ثمّ سلّط الجراد على زروعهم و أشجارهم.

ص: 300

و قد جاء في الأحاديث أنّ هجوم أسراب الجراد كان عظيما جدّا إلى درجة أنّها وقعت في أشجارهم و زروعهم أكلا و قضما و إتلافا،حتّى أنّها أفرغتها من جميع الغصون و الأوراق،و حتّى أنّها أخذت تؤذي أبدانهم؛بحيث تعالت صيحاتهم و استغاثاتهم.

و كلّما كان يصيبهم بلاء كانوا يلجئون إلى موسى عليه السّلام و يسألونه أن يطلب من اللّه أن يرفع عنهم ذلك البلاء،فقد فعلوا هذا بعد الطّوفان و الجراد أيضا، و قبل موسى عليه السّلام،و ارتفع عنهم البلاء،و لكنّهم مع ذلك لم يكفّوا عن لجاجهم و تعنّتهم.(5:163)

عبد المنعم الجمّال:(الجراد)حشرة طائرة تنقض على الزّرع و الثّمار فتأكله.(2:1043)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجراد،واحده:جرادة، للذّكر و الأنثى،و هي الحشرة اللّحّاسة،يقال:جرد الجراد الأرض يجردها جردا،أي استأصل ما عليها من النّبات،فلم يبق منها شيئا،و جردت الأرض:أكل الجراد نبتها فهي مجرودة،و أرض جردة:قد لحسها الجراد،و جرد الزّرع:أصابه الجراد.و ما أدري أيّ الجراد عاره:أيّ النّاس ذهب به.

و الجرد:أن يشرى جلد الإنسان من أكل الجراد؛ يقال:جرد الرّجل جردا،أي شري جلده من أكل الجراد فهو جرد؛و جرد الإنسان:أكل الجراد فاشتكى بطنه،فهو مجرود.

و الجرد أيضا:فضاء لا نبت فيه،و الجمع:أجارد، و كذا أرض جرداء و جردة،و قد جردت جردا، و جرّدها القحط تجريدا.و فضاء أجرد:لا نبات فيه، و كذلك مكان أجرد و جرد و جرد،و سماء جرداء:لا غيم فيها.كلّ ذلك تشبيها بأرض استأصل الجراد نباتها.

و الجريدة:السّعفة الّتي تقشعرّ من خوصها كأنّها أصابها الجراد،و لا تسمّى جريدة ما دام عليها الخوص، و إنّما تسمّى سعفة،و الجمع:جريد و جرائد.

و جرد الشّيء يجرده جردا و جرّده:قشره فهو مجرود،و ما قشر فهو جرادة،و جرد الجلد يجرده جردا و جرّده:نزع عنه الشّعر.و رجل أجرد:لا شعر عليه.

و كذا خدّ أجرد.و الأجرد من الخيل و الدّوابّ كلّها:

القصير الشّعر،يقال:إنّه لأجرد القوائم،و قد جرد و انجرد،و هو مدح.و انجردت الإبل من أوبارها:

سقطت عنها.

و تجرّد الرّجل من ثوبه و انجرد:تعرّى،و جرّده من ثوبه و جرّده إيّاه أيضا،يقال:فلان حسن الجردة و المجرّد و المتجرّد،و امرأة بضّة الجردة و المتجرّد و المتجرّد،أي بضّة البشرة إذا جرّدت من ثوبها.

و تجرّدت السّنبلة و انجردت:خرجت من لفائفها، و جرّد السّيف من غمده:سلّه،و جرّد الكتاب و المصحف:عرّاه من الضّبط و الزّيادات و الفواتح،و جرّد فلان الحجّ و تجرّد بالحجّ:أفرده و لم يقرن،و رجل مجرد:

أخرج من ماله.

و الجرد:الخلق من الثّياب قد سقط وبره،و الجمع:

جرود،و قد جرد و انجرد،و شملة جردة:خلقة.

و خيل جريدة:لا رجّالة فيها،يقال:ندب القائد جريدة من الخيل،أي لم ينهض معهم راجلا،و تنقّ إبلا

ص: 301

جريدة:خيارا شدادا،أي أنّها شذّبت و نزعت عن غيرها.

و يوم جريد و أجرد:تامّ،و كذلك الشّهر،و كأنّهما متجرّدان من النّقص،يقال:ما رأيته مذ أجردان و جريدان،أي منذ يومين أو شهرين،و يقال أيضا:عام جريد،أي تامّ.

و سنة جارود:مقحطة شديدة المحل،و رجل جارود:مشئوم منه،كأنّه يقشر قومه.

و الجرد:أخذ الشّيء من الشّيء حرقا و سحقا؛ يقال:جرد القوم يجردهم جردا،أي سألهم فمنعوه،أو أعطوه كارهين.

و الأجرد من الخيل:الّذي يسبقها ينجرد عنها لسرعته،يقال:تجرّد الفرس و انجرد،أي تقدّم.و تجرّد في سيره و انجرد:جدّ فيه،و مثله:تجرّد للأمر،و انجرد به السّير:امتدّ و طال.

و خمر جرداء:منجردة من خثارتها و أثفالها،و تجرّد العصير:سكن غليانه،و كأنّه تجرّد ممّا علق به.

2-و استعمل المولّدون اليوم لفظ«الجرد»بمعنى إحصاء البضائع و أثمانها في مخزن أو حانوت،فيقولون:

جرد المحاسب ما في المخزن أو الحانوت يجرد جردا.و قد أقرّ مجمع اللّغة العربيّة في القاهرة هذا الاستعمال،ملحقا إيّاه بقولهم:جرّده من ثوبه،أي عرّاه،و كأنّ المحاسب يعرّي البضاعة و المال من الزّيادة و النّقصان،فيكشف مقدارهما.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد مرّتين في سورتين مكّيّتين:

1- فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَ الْجَرادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفادِعَ وَ الدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ الأعراف:133

2- خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ القمر:7

يلاحظ أوّلا:أنّ الجراد في(1)جاء معرّفا بلام الجنس في عداد ما ابتلى به قوم فرعون من العذاب و الزّجر توطينا لهم للإيمان بموسى عليه السّلام،فقد جاء فيما قبلها:

وَ لَقَدْ أَخَذْنا آلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَ نَقْصٍ مِنَ الثَّمَراتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ الأعراف:130،فلم يتذكّروا بها بل زادتهم استكبارا،و سألوا موسى أن يدعو ربّه ليكشف عنهم الرّجز حتّى يؤمنوا،فلمّا كشف عنهم الرّجز لم يؤمنوا،فانتقم اللّه منهم بالغرق في اليمّ،كما جاء في الآيات بعدها.فالجراد جاء فيها رمزا للعذاب في الدّنيا.أمّا في(2) فجاء منكّرا كمثل للّذين يخرجون من القبور في الآخرة، كأنّهم جراد منتشر،و التّنكير فيها للتّعمية و التّحقير، فالجراد فيهما مشئوم سواء في الدّنيا أو في الآخرة.

ثانيا:قيل في وجه التّشبيه في(2):إنّهم يخرجون حيارى فزعين لا يهتدون،و لا إلى جهة يقصدون،أو هم كالجراد في الكثرة و التّموّج،أو في ظهوره و نشره حشودا حاشدة بغتة،و نحوها.و أمّا ما قيل فيه من خروجه من البيض الصّغار الّتي لا تشاهد،فليس وجها، لأنّه ليس أمرا ظاهرا يشبّه به،و المشبّه به ينبغي أن يكون شيئا ظاهرا مشاهدا.

ثالثا:لمّا كان الجراد رمز العذاب و الشّؤم و القفر و القهر،ناسب جوّ العنف و الكفر بمكّة،فلم يأت إلاّ في مكّيّتين.

ص: 302

ج ر ر

اشارة

يجرّه

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجرّة:و جمعها الجرار و الجرّ.و الجرارة:

حرفة الجرّار.

و الجرّارة:عقرب صفراء كأنّها تبنة.

و الجارور:نهر يشقّه السّيل،فيتّخذه نهرا.

و الجارور:كلّ مكان ينحطّ إليه الماء من عل و هو من سفل،كأنّه يجرّ إليه الماء.

و الجرور من الحوامل:الّتي تجرّ ولدها إلى أقصى الغاية.[ثمّ استشهد بشعر]

و طعنت فارسا فأجررته الرّمح،إذا مشى به.

و ربّما شقّ وسط لسان الجدي أو الفصيل ثمّ يشدّ فيه خشبة كي لا يرضع،و يسمّى ذلك التّقليد الإجرار.و جرّ الفصيل فهو مجرور،و أجرّ:أنزل به ذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و المجرّة:شرج السّماء.[ثمّ استشهد بشعر]

و المجرّ:الجرّ.

و كان عاما أوّل كذا فهلمّ جرّا إلى اليوم.

و الرّجل يجرّ على نفسه جريرة،أي جناية،و تجمع على:جرائر.

و تقول في معنى«من أجلك»:من جريرك،و من جرّاك.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجرّة:جرّة البعير حين يجترّها،فيقرضها،ثمّ يكظمها.

و الجرور:الفرس الّذي لا ينقاد.

و الجرير:حبل الزّمام.

و الجرّ:المكان الصّلب الّذي قد انحدر عن أن يكون طينا،فهو يحتشّ كذا،أي ينشف.[ثمّ استشهد بشعر]

(6:13)

اللّيث: الجرّ:آنية من خزف،الواحدة:جرّة، و الجميع:جرار.

ص: 303

الجرور من الرّكايا:البعيدة القعر.

و أمّا الإبل الجارّة،فهي العوامل الّتي تجرّ بالأزمّة، و هي«فاعلة»بمعنى«مفعولة».و يجوز أن تكون جارّة في سيرها،و جرّها أن تبطئ و ترتع.

(الأزهريّ 10:473،474)

الفرّاء: «جورّ»إن شئت جعلت الواو فيه زائدة من جررت،و إن شئت جعلته«فعلاّ»من الجور،و يصير التّشديد في الرّاء زيادة،كما شدّدوا:حمارّة الصّيف.

(الأزهريّ 10:482)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الجرّة:العود يدفن للظّبي فيه الكفّة و الحبالة،فإذا نشق ضربه العود حتّى يقوم، و هي الجرر.(1:113)

ناقة جرّارة:لا تكاد تلحق بالإبل،من ثقلها.

(1:116)

و قال العبسيّ: الجرّ:أن تأخذ كرش البعير، فتشرّحه،فتملأه خلعا،و ربّما اتّخذوه من الجلد.

(1:123)

أجررته الدّين الّذي عليه،أي أخّرته عنه.

(1:126)

أبو عبيدة :وقت حمل الفرس من لدن أن يقطعوا عنها السّفاد إلى أن تضعه أحد عشر شهرا،فإن زادت عليها شيئا قالوا:جرّت،و كلّما جرّت كان أقوى لولدها.

و أكثر ما تجرّ بعد أحد عشر شهرا:خمس عشرة ليلة، فهو أكثر أوقاتها.(الأزهريّ 10:481)

الجرور من الخيل:البطيء،و ربّما كان من قطاف.

[ثمّ استشهد بشعر]

و جمعه:جرور.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 10:475)

غرب جورّ:فارض ثقيل.(الأزهريّ 10:482)

في حديث ابن عمر:«أنّه شهد الفتح و معه فرس حرون و جمل جرور»هو الّذي لا ينقاد،«مفول»بمعنى «مفعول».(الهرويّ 1:343)

أبو زيد :غنّاه فأجرّه أغانيّ كثيرة إجرارا،إذا أتبعه صوتا بعد صوت.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 10:481)

الأصمعيّ: بئر جرور،و هي الّتي يستقى منها على بعير.(الأزهريّ 10:473)

كتيبة جرّارة:لا تقدر على السّير إلاّ رويدا،من كثرتها.(الأزهريّ 10:483)

مثله الثّعالبيّ(228)

ابن الأعرابيّ: الجرّ في الإبل:أن تجرّ النّاقة ولدها بعد تمام السّنة شهرا أو شهرين.(الأزهريّ 10:473)

جرّ يجرّ،إذا جنى جناية.

و جرّ يجرّ،إذا ركب ناقة و تركها ترعى.

(الأزهريّ 10:475)

الجرّ:جمع الجرّة،و هي المكّوك الّذي ثقب أسفله يكون فيه البذر،فيمشي به الأكّار و الفدّان،و هو ينهال في الأرض.

و الجرّ:الزّبيل،و الجرّ:أصل الجبل،و الجرّ:أن تزيد النّاقة على عدد شهورها،و الجرّ:الجريرة،و الجرّ:أن تسير النّاقة و ترعى و راكبها عليها،و هو الانجرار.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 10:478)

ص: 304

يقال للمطر الّذي لا يدع شيئا إلاّ أساله و جرّه:

جاءنا جارّ الضّبع،و لا يجرّ الضّبع إلاّ سيل غالب.

و أصابتنا السّماء بجارّ الضّبع.(الأزهريّ 10:481)

الجرور:الّتي تجرّ ثلاثة أشهر بعد السّنة،و هي أكرم الإبل،و لا تجرّ إلاّ مرابيع الإبل.فأمّا المصاييف فلا تجرّ، و إنّما تجرّ من الإبل حمرها و صهبها و رمكها.و لا تجرّ دهمها لغلظها و شدّة لحومها و ضيق أجوافها و جلودها و جسأتها،و الحمر و الصّهب ليست كذلك.

(ابن سيده 7:196)

إنّ الحجّاج سئل رجلا قدم من الحجاز عن المطر، فقال:تتابعت علينا الاسمية حتّى منعت السّفّار و تظالمت المعزى و احتلبت الدّرّة بالجرّة.

احتلاب الدّرّة بالجرّة:أنّ المواشي تتملّأ ثمّ تبرك أو تربض،فلا تزال تجترّ إلى حين الحلب.

(ابن سيده 7:199)

أبو عبيد: الجمل الجرور:الّذي لا ينقاد،و لا يكاد يتّبع صاحبه.(الأزهريّ 10:475)

ابن السّكّيت: و الجرّار:الّذي لا يسير إلاّ زحفا، من كثرته.(44)

و فرس جرور،إذا كان ثقيلا في القياد.و خيل جرر، و الذّكر و الأنثى فيه سواء.(687)

و يقال:أجررت الفصيل،إذا شققت لسانه لئلاّ يرضع.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:قد أجررته رسنه،إذا تركته يصنع ما شاء.

و يقال:جررت الشّيء فأنا أجرّه جرّا.

و قد جرّت النّاقة تجرّ،إذا أتت على مضربها ثمّ جاوزته بأيّام و لم تنتج.

و قد جرّ عليهم جريرة تجرّ جرّا،إذا جنى عليهم جناية.(إصلاح المنطق:257)

سئل ابن لسان الحمّرة عن الضّأن،فقال:مال صدق،قرية لا حمى لها إذا أفلتت من جرّتيها،يعني بجرّتيها:المجرّ في الدّهر الشّديد،و النّشر،و هو أن تنتشر باللّيل،فيأتي عليها السّباع.

(الأزهريّ 10:477)

شمر:امرأة جرور:مقعدة.

و ركيّة جرور:بعيدة القعر.(الأزهريّ 10:476)

الجرير:الحبل،و جمعه:أجرّة،و زمام النّاقة أيضا:

جرير.(الأزهريّ 10:481)

جئتك في مثل مجرّ الضّبع:يريد السّيل قد خرق الأرض،فكأنّ الضّبع جرّت فيه.(الأزهريّ 10:482)

المبرّد: و أجرّه الرّمح فقتله،و معنى أجرّه الرّمح:

طعنه و ترك الرّمح فيه.[ثمّ استشهد بشعر](2:286)

المفضّل بن سلمة:قولهم:هلمّ جرّا،أي تعالوا على هينتكم،كما يسهل عليكم من غير شدّة و لا صعوبة.و أصل ذلك من:الجرّ في السّوق،و هو أن تترك الإبل و الغنم ترعى في مسيرها.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:فعلت ذلك من جرّاك،و من جريرتك،أي من أجلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجرّة:جرّة البعير حين يجترّها،فيقرضها ثمّ يكظمها.(الأزهريّ 10:479)

ثعلب :النّاقة تجرّ ولدها شهرا،يقال:أتمّ ما يكون

ص: 305

الولد إذا جرّت به أمّه.(ابن سيده 7:196)

ابن دريد :جرّ الشّيء يجرّه جرّا،إذا سحبه.و أجرّ الفصيل،إذا ثقب لسانه و أدخل فيه خيط من شعر، ليمنعه أن يرضع أمّه،فيجهدها.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجررته الرّمح،إذا طعنته.[ثمّ استشهد بشعر]

كذا سمع من العرب.

و الجرّ:سفح الجبل حيث علا من السّهل إلى الغلظ.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الجرّ الّذي جاء فيه النّهي:عن نبيذ الجرّ، و المعروف عند العرب في الجرّ:ما اتّخذ من الطّين كالفخّار و نحوه.

و الجرّة:ما يجترّه البعير من كرشه،و مثل من أمثالهم:«ما اختلفت الدّرّة و الجرّة».و أمّا الجرير فله موضع تراه فيه مع نظائره إن شاء اللّه.

و من أمثالهم:«ناوص الجرّة ثمّ سالمها»يقال ذلك للّذي يخالف القوم على رأيهم،ثمّ يرجع إلى أقوالهم.

و الجرّة:خشبة نحو الذّراع،يجعل في رأسها كفّة و في وسطها حبل،فإذا نشب فيه الظّبي ناوصها ساعة و اضطرب فيها،فإذا غلبته استقرّ فيها،فتلك المسالمة.

(1:50)

المنذريّ: من أمثالهم:«هو كالباحث عن الجرّة» و هي عصا تربط إلى حبالة تغيّب في التّراب للظّبي يصطاد بها،فيها وتر،فإذا دخلت يده في الحبالة انعقدت الأوتار في يديه،فإذا وثب ليفلت فمدّ يده،ضرب بتلك العصا يده الأخرى و رجله فكسرها،فتلك العصا هي الجرّة.

و من أمثالهم فيها:«ناوص الجرّة ثمّ سالمها» يضرب مثلا لمن يقع في أمر فيضطرب فيه ثمّ يسكن.

و الجرّة:خشبة قدر ذراع تنصب في رأسها كفّة،و في وسطها حبل يحبل للظّبي،فإذا وقع فيها مارسها لينفلت، فإذا أعيته سكن.(الأزهريّ 10:477)

الهوازنيّ: الجرير:من أدم مليّن يثنى على أنف النّجيبة و الفرس.(الأزهريّ 10:481)

سمعان:أورطت الجرير في عنق البعير،إذا جعلت طرفه في حلقته،و هو في عنقه ثمّ جذبته،و هو حينئذ يخنق البعير.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 10:481)

القاليّ: «حارّ جارّ»فالجارّ الّذي يجرّ الشّيء الّذي يصيبه من شدّة حرارته،كأنّه ينزعه و يسلخه،مثل اللّحم إذا أصابه أو ما أشبهه.(2:217)

ابن بزرج: ما كانت جرورا و لقد أجرّت،و لا جدّا و لقد أجدّت،و لا عدّا و لقد أعدّت.

(الأزهريّ 10:473)

الأزهريّ: قال اللّيث:و الجرّارة:عقيربة صفراء كأنّها تبنة.

قلت:سمّيت جرّارة لجرّها ذنبها،و هي من أخبث العقارب و أقتلها لمن تلدغه.(10:473)

و الجرّ:سفح الجبل،و يجمع جرارا.

و فلان يجرّ الإبل،أي يسوقها سوقا رويدا.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال:جرّها على أفواهها،أي سقها،و هي ترتع و تصيب من الكلإ.

و قوله:«ارفع إذا لم تجد مجرّا»يقول:إذا لم تجد

ص: 306

الإبل مرتعا فارفع في سيرها،و هذا كقوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«إذا سافرتم في الجدب فاستنجوا».(10:474)

[«الجرور»في قول أبي عبيد]فعول بمعنى مفعول، و يجوز أن يكون بمعنى«فاعل».(10:475)

و المجرّ:المجرّة،و من أمثالهم«سطي مجرّ ترطب هجر»يريد:توسّطي يا مجرّة كبد السّماء،فإنّ ذلك وقت إرطاب النّخيل بهجر.

و يقال:كان عاما أوّل كذا و كذا فهلمّ جرّا إلى اليوم، أي امتدّ ذاك إلى اليوم.(10:478)

قال اللّيث: الجرير:حبل الزّمام،و قال غيره:

الجرير:حبل من أدم يخطم به البعير،و في حديث ابن عمر:«من أصبح على غير وتر،أصبح و على رأسه جرير سبعون ذراعا».(10:481)

في بعض الحديث:«أجرّ لي سراويلي»هو من أجررته رسنه،أي دع السّراويل عليّ أجرّه معي.

(المدينيّ 1:317)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،أنّ عائشة قالت:

«نصبت على باب حجرتي عباءة،و على مجرّ بيتي سترا، مقدمه من غزو خيبر أو تبوك،فدخل البيت،فهتك العرص،حتّى وقع إلى الأرض».

و مجرّ البيت هو العرص بعينه،و هو الّذي يقال له:

الجائز،و هو حامل البيت.و أراه مشبّها بالمجرّة لاعتراضها في السّماء،و إنّما عنت بهتك العرص:هتك سماوة البيت الّتي كانت غطّت بها وجه العرص.(1:85)

يقال:أجررت الرّجل الرّمح،إذا طعنته به فتركته فيه.(1:109)

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: أنّ قتادة الأسديّ قال:

يا رسول اللّه،إنّي رجل مغفل فأين أسم؟قال:«في موضع الجرير من السّالفة...»و الجرير:الزّمام، و السّالفة:مقدّم صفحة العنق.(1:116)

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«دخلت امرأة النّار من جرّاء هرّة لم تطعمها حتّى ماتت هزلا».

قوله:من«جرّاء هرّة»يريد من أجل هرّة أو سبب هرّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:فعلت ذاك من أجلك و من جريرك،و من جرّاك.و كلام العامّة:فعلت ذاك مجراك،و هو غلط، و الصّواب:من جرّاك.

و قد يكون جرّى بمعنى الجريرة.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:464)

جاء في الحديث:«أنّ رجلا كان يجرّ الجرير فأصاب صاعين من تمر،فتصدّق بأحدهما،فلمزه المنافقون» الجرير:الحبل،يريد أنّه كان يستقي الماء.(3:203)

الصّاحب:الجرّ:آنية من خزف،الواحدة:جرّة.

و الجرارة:حرفة الجرّار.

و الجرّ:أسفل الجبل،و حجر منقور أيضا.

و الجرّارة:عقيرب صفراء.

و الجارور:نهر يشقّه السّيل فيتخدّد.

و الجرور من الحوامل:ما تجرّ ولدها إلى أقصى الغاية.و هو من الآبار:كلّ بئر بعيدة القعر.

و الجرير:حبل الزّمام،أجررت النّاقة:ألقيت جريرها تجرّه.و في مثل:«أجرّه رسنه»أي دعه و ما يريد.

ص: 307

و أجررته الرّمح،إذا مشى به.

و أجررته الفصيل فهو مجرور،إذا خللت لسانه لئلاّ يرضع.

و غنّاه فلان فأجرّه أغانيّ كثيرة إجرارا،إذا أتبعه بأصوات.

و أجرّت القرحة الفصيل،و هو أن لا يقدر على الرّضاع.

و استجررت لفلان:أمكنته من نفسي فانقدت.

و الإجرار:أن تتبع رأيه رأيك.

و جرّ به،إذا قطع به.

و المجرّة:شرج السّماء،و قيل:هي أيضا المسنّاة.

و المجرّ:الجرّ،و قولهم:«هلمّ جرّا»منه،و قيل:هو من جرّ الإبل و انسياقها،أي هلمّ جارّين،و هو مصدر وضع موضع الحال.

و فعلت ذلك من جرّاك،أي أجلك،و من جريرتك، و من أجل جرّاك،و من جرائك.

و الجريرة:الجناية،فلان يجرّ على نفسه جريرة، و الجمع:الجرائر.

و الجرّة:جرّة البعير يقرضها ثمّ يكظمها،و في المثل:

«لا أفعل ذاك ما خالفت درّة جرّة».و تجرّر البعير:بمعنى اجترّ.

و الجرّيّة من الطّائر:الّتي يكون فيها الماء أو العلف، و جمعها جراريّ.

و الجرّة:خشبة يعقل حبل الكفّة في وسطها.

و الجرّ:الحرث،اجترّوا حبّا:احترثوه.

و الجرّ:أن تدع الإبل تأكل و تسير.

و الجرّة:الجماعة من النّاس الكثيرة،يقيمون و يظعنون.

و جاء يسوق جيش الأجرّين،أي جيشا كثيرا.

و ما له جانّة و لا جارّة،أي ما تجنّ،و ما تحمل المتاع و الطّعام.

و الجرور:البئر الّتي يستقى منها على بعير،و جمعها:

جرائر.و أجرّت البئر:صارت كذلك،و بئار جرر،بفتح الرّاء.

و حارّ جارّ:على الاتباع.

و فلان لا جارّة له،أي لا منفعة له.

و سيل جارّ الضّبع و مطرة جارّة الضّبع،أي تخرج الضّباع من و جرها.

و المجرّ:سمة في أسفل الفخذ ينصبّ حتّى يبلغ السّاق ثمّ يلوى طرفه.(6:400)

الجوهريّ: الجرّة من الخزف،و الجمع:جرّ و جرار.

و الجرّ أيضا:أصل الجبل.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجرّة بالكسر:ما يخرجه البعير للاجترار،و منه قولهم:«لا أفعل ذلك ما اختلفت الجرّة و الدّرّة».

و اختلافهما أنّ الدّرّة تسفل و الجرّة تعلو.

و الجرّيّ: ضرب من السّمك.

و الجرّيّة:الحوصلة.

و الجرّة:خشبة نحو الذّراع في رأسها كفّة،و في وسطها حبل يصاد بها الظّباء،و في المثل:«ناوص الجرّة ثمّ سالمها»و ذلك أنّ الظّبي إذا نشب فيها ناوصها ساعة و اضطرب،فإذا غلبته استقرّ فيها كأنّه سالمها.يضرب لمن خالف،ثمّ اضطرّ إلى الوفاق.

ص: 308

و فرس جرور:يمنع القياد.و بئر جرور:بعيدة القعر يسنى عليها.

و الجارور:نهر السّيل.

و كتيبة جرّارة،أي ثقيلة المسير لكثرتها،و جيش جرّار.

و الجرّارة أيضا:عقيرب تجرّ ذنبها.

و الجرير:حبل يجعل للبعير بمنزلة العذار للدّابّة غير الزّمام،و به سمّي الرّجل جريرا.

و جررت الحبل و غيره أجرّه جرّا.

و المجرّة الّتي في السّماء سمّيت بذلك،لأنّها كأثر المجرّ.

و جرّ عليهم جريرة،أي جنى عليهم جناية.

و يقال:جرّت النّاقة،إذا أتت على مضربها ثمّ جاوزته بأيّام و لم تنتج.

و الجارّة:الإبل الّتي تجرّ بأزمّتها«فاعلة»بمعنى «مفعولة»مثل عيشة راضية بمعنى مرضيّة،و ماء دافق بمعنى مدفوق.

و في الحديث:«لا صدقة في الإبل الجارّة»،و هي ركائب القوم،لأنّ الصّدقة في السّوائم دون العوامل.

و حارّ جارّ:إتباع له،قال أبو عبيد:و أكثر كلامهم:

حار يارّ،بالياء.

و تقول:كان ذلك عام كذا و هلمّ جرّا إلى اليوم.

و فعلت كذا من جرّاك،أي من أجلك،و هو«فعلى» و لا تقل:مجراك.[ثمّ استشهد بشعر]

و ربّما قالوا:من جراك غير مشدّد،و من جرائك بالمدّ،من المعتلّ.

و أجررت لسان الفصيل،أي شققته لئلاّ يرتضع.

[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال أيضا:أجرّه الرّمح،إذا طعنه و ترك الرّمح فيه يجرّه.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجررته رسنه،إذا تركته يصنع ما شاء.و أجررته الدّين،إذا أخّرته له.

و أجرّني فلان أغانيّ،إذا تابعها.

و فلان يجارّ فلانا،أي يطاوله.

و التّجرير:الجرّ،شدّد للكثرة،أو للمبالغة.

و اجترّ،أي جرّه.

و اجترّ البعير،من«الجرّة»،و كلّ ذي كرش يجترّ.

و انجرّ الشّيء:انجذب.(2:611)

ابن فارس: «جرّ»الجيم و الرّاء أصل واحد،و هو مدّ الشّيء،و سحبه،يقال:جررت الحبل و غيره أجرّه جرّا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجرّ:أسفل الجبل،و هو من الباب،كأنّه شيء قد سحب سحبا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجرور من الأفراس:الّذي يمنع القياد.و له وجهان:أحدهما:أنّه«فعول»بمعنى«مفعول»كأنّه أبدا يجرّ جرّا،و الوجه الآخر:أن يكون جرورا على جهته، لأنّه يجرّ إليه قائده جرّا.

و الجرّار:الجيش العظيم،لأنّه يجرّ أتباعه و ينجرّ.

[ثمّ استشهد بشعر]

و من القياس:الجرجور،و هي القطعة العظيمة من الإبل.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجرير:حبل يكون في عنق النّاقة من أدم،و به

ص: 309

سمّي الرّجل جريرا.و من هذا الباب:الجريرة:ما يجرّه الإنسان من ذنب،لأنّه شيء يجرّه إلى نفسه.و من هذا الباب:الجرّة جرّة الأنعام،لأنّها تجرّ جرّا.

و سمّيت مجرّة السّماء مجرّة،لأنّها كأثر المجرّ.

و الإجرار:أن يجرّ لسان الفصيل ثمّ يخلّ لئلاّ يرتضع.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال قوم:الإجرار:أن يجرّ،ثمّ يشقّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أجرّه الرّمح،إذا طعنه و ترك الرّمح فيه يجرّه.

[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:جرّت النّاقة،إذا أتت على وقت نتاجها و لم تنتج إلاّ بعد أيّام،فهي قد جرّت حملها جرّا.و في الحديث:«لا صدقة في الإبل الجارّة»و هي الّتي تجرّ بأزمّتها و تقاد،فكأنّه أراد الّتي تكون تحت الأحمال، و يقال:بل هي ركوبة القوم.

و من هذا الباب:أجررت فلانا الدّين،إذا أخّرته به، و ذلك مثل إجرار الرّمح و الرّسن.و منه أجرّ فلان فلانا أغانيّ،إذا تابعها له.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:كان في الزّمن الأوّل كذا و هلمّ جرّا إلى اليوم،أي جرّ ذلك إلى اليوم لم ينقطع و لم ينصرم.و الجرّ في الإبل أيضا:أن ترعى و هي سائرة تجرّ أثقالها.

و الجارور-فيما يقال-نهر يشقّه السّيل.

و من الباب:الجرّة،و هي خشبة نحو الذّراع تجعل في رأسها كفّة و في وسطها حبل،و تدفن للظّباء فتنشب فيها،فإذا نشبت ناوصها ساعة يجرّها إليه و تجرّه إليها،فإذا غلبته استقرّ فيها.فتضرب العرب بها مثلا للّذي يخالف القوم في رأيهم ثمّ يرجع إلى قولهم، فيقولون:«ناوص الجرّة ثمّ سالمها».

و الجرّة من الفخّار،لأنّها تجرّ للاستقاء أبدا.و الجرّ:

شيء يتّخذ من سلاخة عرقوب البعير،تجعل فيه المرأة الخلع ثمّ تعلّقه عند الظّعن من مؤخّر عكمها،فهو أبدا يتذبذب.[ثمّ استشهد بشعر]

و من الباب:ركيّ جرور،و هي البعيدة القعر يسنى عليها،و هي الّتي يجرّ ماؤها جرّا.

و الجرّة:الخبزة تجرّ من الملّة.[ثمّ استشهد بشعر]

فأمّا الجرجرة،و هو الصّوت الّذي يردّده البعير في حنجرته فمن الباب أيضا،لأنّه صوت يجرّه جرّا،لكنّه لمّا تكرّر قيل:جرجر،كما يقال:صلّ و صلصل.[ثمّ استشهد بشعر](1:410)

الهرويّ: في الحديث:«أنّ عائشة رضي اللّه عنها قالت:نصبت على باب حجرتي عباءة و على مجرّ بيتي سترا».مجرّ البيت:هو الّذي يقال له:الجائز.و أراه مشبّها بالمجرّة،لاعتراضها في السّماء.

و في الحديث: «لا تجارّ أخاك و لا تشارّه»قال الأزهريّ:تجارّ،من الجريرة،المعنى:لا تجن عليه و هو يجني عليك.

و قال غيره:يقول:لا تماطله من الجرّ،و هو أن تلويه بحقّه،تجرّه من محلّه إلى وقت آخر.

و قال بعضهم:إنّما هو:لا تجار أخاك،من الجراء في الخيل،و هو أن يتجارى الرّجلان للمسابقة.يقول:

لا تطاوله و لا تغالبه.

و تشارّه«تفاعله»من الشّرّ.

ص: 310

و في حديث لقيط:«ثمّ بايعه على ألاّ يجرّ عليه إلاّ نفسه»يريد أنّه لا يؤخذ بجريرة غيره،لا والد،و لا ولد، و لا عشيرة.

و هذا كقوله لرجل رأى معه ابنه،فقال:لا يجني عليك و لا تجني عليه،و كقوله تعالى: وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى الأنعام:164.

و في الحديث:«إنّ امرأة دخلت النّار من جرّاء هرّة» أي من أجلها.

و في الحديث:«لا صدقة في الإبل الجارّة»يعني الّتي تجرّ بأزمّتها و تقاد،«فاعلة»بمعنى«مفعولة»،كما يقال:

سرّ كاتم،و ليل نائم،و أرض غامرة،غمرها الماء.أراد:

ليس في الإبل العوامل صدقة.(343)

الثّعالبيّ: عسكر جرّار.[من تقسيم نعوت الكثرة على العساكر](227)

ابن سيده: الجرّ:الجذب،جرّه يجرّه جرّا،و اجترّ، و اجدرّ،قلبوا التّاء دالا؛و ذلك في بعض اللّغات،قال:

فقلت لصاحبي لا تحبسنّا

بنزع أصوله و اجدرّ شيحا

و لا يقاس ذلك،لا يقال في اجترأ:اجدرأ،و لا في اجترح:اجدرح.

و استجرّه،و جرّره و جرّر به.

و تجرّة:«تفعلة»منه.

و جارّ الضّبع:المطر الّذي يجرّ الضّبع عن وجارها من شدّته،و ربّما سمّي بذلك السّيل العظيم،لأنّه يجرّ الضّباع من و جرها أيضا.

و قيل:جارّ الضّبع:أشدّ ما يكون من المطر،كأنّه لا يدع شيئا إلاّ جرّه.

و الجارور:نهر يشقّه السّيل فيجرّه.

و جرّت المرأة ولدها جرّا،و جرت به،و هو أن يجوز ولادها عن تسعة أشهر،فتجاوزها بأربعة أيّام أو ثلاثة، فينضج و يتمّ في الرّحم.

و الجرّ:أن تجرّ النّاقة ولدها بعد تمام السّنة شهرا أو شهرين أو أربعين يوما فقط.

و الجرور من الإبل:الّتي تجرّ ولدها إلى أقصى الغاية أو تجاوزها.[ثمّ نقل قول ابن الأعرابيّ و قال:]

و قيل:هي الّتي يقفّص ولدها فتوثق يداه إلى عنقه عند نتاجها،فيجرّ بين يديها و يستلّ فصيلها،فيخاف عليه أن يموت،فيلبس الخرقة حتّى تعرفها أمّه عليه.

فإذا مات ألبسوا تلك الخرقة فصيلا آخر،ثمّ ظأروها عليه و شدّوا مناخرها،فلا تفتح حتّى يرضعها ذلك الفصيل،فتجد ريح لبنها منه فترأمه.

و جرّت الفرس تجرّ جرّا و هي جرور،إذا زادت على أحد عشر شهرا و لم تضع ما في بطنها،و كلّما جرّت كان أقوى لولدها،و أكثر زمن جرّها خمس عشرة ليلة.

و جرّ النّوء بالمكان:أدام المطر.

و الجرور من الآبار:البعيدة القعر،و قيل:هي الّتي يستقى منها على بعير.و إنّما قيل لها ذلك،لأنّ دلوها تجرّ على شفيرها لبعد قعرها.

و بعير جرور:يسنى به،و جمعه:جرر.

و جرّ الفصيل جرّا،و أجرّه:شقّ لسانه لئلاّ يرضع.

[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:الإجرار:كالتّفليك،و هو أن يجعل الرّاعي

ص: 311

من الهلب مثل فلكة المغزل،ثمّ يثقّب لسان الفصيل فيجعله فيه لئلاّ يرضع.[ثمّ استشهد بشعر]

و استجرّ الفصيل عن الرّضاع:أخذته قرحة في فيه أو في سائر جسده،فكفّ عنه لذلك.

و الجرير:حبل مفتول من أدم يكون في أعناق الإبل،و الجمع:أجرّة،و جرّان.

و أجرّه:ترك الجرير على عنقه.و أجرّه جريره:

خلاّه و سومه،و هو مثل بذلك.و أجرّه الرّمح:طعنه به و تركه فيه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجارّة:الطّريق إلى الماء.

و الجرّ:الحبل الّذي في وسط اللّؤمة إلى المضمدة.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الجرّة:خشبة نحو الذّراع يجعل في رأسها كفّه و في وسطها حبل،فإذا نشب فيها الظّبي ناوصها و اضطرب فيها،فإذا غلبته استقرّ فيها،فتلك المسالمة،و في المثل:

«ناوص الجرّة ثمّ سالمها»يضرب ذلك للّذي يخالف القوم عن رأيهم ثمّ يرجع إلى قولهم.

و الجرّة،أيضا:الخبزة الّتي في الملّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و المجرّة:شرج السّماء،يقال:هي بابها،و هي كهيئة القبّة.

و الجريرة:الذّنب و الجناية يجنيها الرّجل،و قد جرّ على نفسه و غيره جريرة يجرّها جرّا.[ثمّ استشهد بشعر]

و فعلت ذلك من جريرتك،و من جرّاك و من جرّائك،أي من أجلك.[ثمّ استشهد بشعر] و الجرّة:ما يفيض به البعير من كرشه،فيأكله ثانية.

و فلان لا يخنق على جرّته،أي لا يكتم سرّا،و هو مثل بذلك.

«و لا أفعله ما اختلف الدّرّة و الجرّة،و ما خالفت درّة جرّة،و اختلافهما أنّ الدّرّة تسفل إلى الرّجلين،و الجرّة تعلو إلى الرأس.

و الجرّة:الجماعة من النّاس يقيمون و يظعنون.

و عسكر جرّار:كثير.و قيل:هو الّذي لا يسير إلاّ زحفا لكثرته.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجرّارة:عقيرب صفراء على شكل التّبنة.

و الجرّ:سفح الجبل و أصله،و الجرّ:الوهدة من الأرض،و الجرّ أيضا:جحر الضّبع و الثّعلب و اليربوع و الجرذ.و حكى كراع فيهما جميعا:الجرّ بالضّمّ،قال:

و الجرّ أيضا:المسيل.

و الجرّة:إناء من خزف كالفخّار،و جمعها:جرّ، و جرار.

و قولهم:هلمّ جرّا معناه:على هينتك.(7:196)

الجرّ:الجذب و السّحب،جرّ الشّيء يجرّه جرّا، و جرّره مبالغة،و جرّاه على البدل،و اجترّه و استجراه.

و انجرّ:انجذب.

و هلمّ جرّا:تعبير يقال لاستدامة الشّيء و اتّصاله.

(الإفصاح 1:650)

الزّمخشريّ: رأيت مجرّ ذيله،و جرّروا أذيالهم.

و أجرّه الرّمح،إذا طعنه و تركه فيه يجرّه.و جرّ على نفسه جريرة،و كثرت جرائرهم و جرائمهم.و كظم البعير جرّته.و لا أفعل ذلك ما اختلفت الجرّة و الدّرّة.و فعلته

ص: 312

من جرّاك.و كثرت بنصيبين الطّيّارات و الجرّارات، و هي عقارب صفر صغار.و اجتررته فأكلته.و جرجر العود:تضوّر.و جرجر الشّراب في جوفه:جرعه جرعا متداركا له صوت،و في الحديث:«فكأنّما يجرجر في جوفه نار جهنّم».

و من المجاز:داره بجرّ الجبل،أي بأسفله،كما يقال:

بذيل الجبل.و إنّه ليجرّ جيشا كثيرا،و جيش جرّار:يجرّ عتاد الحرب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الإبل الجارّة:العوامل،لأنّها تجرّ الأثقال،أو تجرّ بالأزمّة.و لا جارّة لي في هذا،أي لا منفعة تجرّني إليه و تدعوني.و أجرّ لسانه:منعه من الكلام،و أصله من إجرار الفصيل،و هو أن يشقّ لسانه و يشدّ عليه عود لئلاّ يرتضع،لأنّه يجرّ العود بلسانه.

و أجررت فلانا رسنه:تركته و شأنه.و أجررته الدّين،إذا أخّرته.و أجرّني أغانيّ،إذا غنّاك صوتا،ثمّ أردفه أصواتا متتابعة.[ثمّ استشهد بشعر]

و كان ذلك عام كذا و هلمّ جرّا إلى اليوم.و فلان يجرّ الإبل على أفواهها،إذا سارها سيرا ليّنا و هي تأكل.[ثمّ استشهد بشعر]

و أصابتنا السّماء بجارّ الضّبع،و هو السّيل الّذي يخرجها من وجارها.و هذا مطر جارّ الضّبع.و مطرة جارّة الضّبع.و جرّت الخيل الأرض بسنابكها،إذا خدّتها.و جرّت الحامل،فهي جرور،إذا زادت على وقت حملها.و استجررت لفلان:انقدت له.و ألقاه في جرّيّته،أي أكله،و هي الحوصلة.و فرس جرور ضدّ قوود.و بئر جرور و متوح و نزوع،أي يسنى منها، و يستقى على البكرة،و ينزع بالأيدي.

و في مثل«سطي مجر،ترطب هجر»أي يا مجرّة.و في الحديث:«خلّوا بين جرير و الجرير»و هو زمام من أدم، و كان ينازع على زمام ناقته عليه السّلام،و هو مثل في التّخلية.(أساس البلاغة:56)

«ما من عبد ينام باللّيل إلاّ على رأسه جرير معقود، فإن هو تعارّ،و ذكر اللّه حلّت عقدة،فإن هو قام و توضّأ و صلّى حلّت عقدة».

و في معناه حديث ابن عمر.[و قد مرّ عند الأزهريّ]

و من الجرير قوله صلّى اللّه عليه و سلّم لبني عبد المطّلب،و هم ينزعون على زمزم:«انزعوا على سقايتكم،فلولا أن يغلبكم النّاس عليها لنزعت معكم حتّى يؤثّر الجرير بظهري.[ثمّ ذكر حديث الخطّابيّ:إنّ رجلا كان يجرّ...] (الفائق 1:202)

المدينيّ: في حديث عبد اللّه رضي اللّه عنه:

«طعنت مسيلمة و مشى في الرّمح،فناداني رجل:أن اجرره الرّمح،فلم أفهم،فناداني:ألق الرّمح من يدك،أي اطعنه بالرّمح و اتركه فيه.

يقال:أجررت النّاقة،أي ألقيت جريرها تجرّه.

و الجرير:حبل من أدم،نحو الزّمام.

و قيل:«إنّ الصّحابة نازعوا جرير بن عبد اللّه رضي اللّه عنهم زمامه،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«خلّوا بين جرير و الجرير»،أي دعوا له زمامه.

و أجررته رسنه،أي تركته و ما يريد.

و أجررته الرّمح،أي طعنته به،فمشى و هو يجرّه.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 313

في حديث ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:«المجرّة باب السّماء»المجرّة:هي البياض المعترض في السّماء بين النّسرين.و قيل:أخذت من مجرّ الطّريق،كأنّها طريقة ممدودة،و تسمّى شرج السّماء.و المجرّة أيضا:

المسنّاة.

في حديث بعض التّابعين:«أنّه سئل عن أكل الجرّيّ».و الجرّيّة:سمكة تشبه الحيّة يسمّيها الفصحاء:الجرّيث و الجرجور أيضا.و يسمّى بالفارسيّة «مارماهي».مختلف في أكله،و أهل السّنّة من الكوفيّين يشترطون أكله في السّنة.(1:317)

ابن الأثير: «إنّه خطب على ناقته،و هي تقصع بجرّتها»الجرّة:ما يخرجه البعير من بطنه ليمضغه ثمّ يبلعه، يقال:اجترّ البعير يجترّ.

و منه حديث أمّ معبد:«فضرب ظهر الشّاة فاجترّت و درّت».

و منه حديث عمر رضي اللّه عنه:«لا يصلح هذا الأمر إلاّ لمن لا يحنق على جرّته»أي لا يحقد على رعيّته،فضرب الجرّة لذلك مثلا.

و في حديث الأشربة:«أنّه نهى عن نبيذ الجرّ،و في رواية،نبيذ الجرار»الجرّ و الجرار:جمع جرّة،و هو الإناء المعروف من الفخّار،و أراد بالنّهي عن الجرار المدهونة، لأنّها أسرع في الشّدّة و التّخمير.(1:259)

الصّغانيّ: الجرّ:شيء يتّخذ من سلاخة عرقوب البعير،تجعل فيه المرأة الخلع،ثمّ تعلّقه عند الظّعن من مؤخّر عكمها،فهو أبدا يتذبذب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجرّ،أيضا:حبل يشدّ في أداة الفدّان.

و الجرّ:أن ترعى الإبل و تسير،أو تركب ناقة و تتركها ترعى،الانجرار أيضا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجرّ:الزّبيل.

و فلان يجرّ الإبل جرّا،أي يسوقها سوقا رويدا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجرّة:خبز الملّة تجرّ من النّار.

و جرّ الفصيل جرّا،فهو مجرور،أي شقّ لسانه لئلاّ يرتضع،لغة في أجرّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجرارة،بالكسر:حرفة الجرّار.

و في الحديث:«لا تجارّ أخاك و لا تشارّه».من رواهما مشدّدتين،فمعناهما:أن لا يجني كلّ واحد منهما على صاحبه.

و قيل:المجارّة:المماطلة،و أن يلوي بحقّه و يجرّه من وقت إلى وقت،و المشارّة:من الشّرّ.

استجررت لفلان:أمكنته من نفسي فانقدت.

و الجرّ:الحرث،و اجترّوا:احترثوا.

و جرار:جبل.

و الجرّارة:ناحية من البطيحة،موصوفة بكثرة السّمك.

و الأجرّان:الجنّ و الإنس،كالثّقلين.(2:445)

الفيّوميّ: «جررت الحبل و نحوه جرّا:سحبته فانجرّ،و جرّرته:مبالغة و تكثير،و جرّيته:على البدل.

و الجريرة:ما يجرّه الإنسان من ذنب«فعيلة»بمعنى «مفعولة».

و الجرير:حبل من أدم يجعل في عنق النّاقة؛و به سمّي الرّجل،مع نزع الألف و اللاّم.

ص: 314

و الجرّة بالكسر:لذي الخفّ و الظّلف كالمعدة للإنسان،قال الأزهريّ:الجرّة بالكسر:ما تخرجه الإبل من كروشها فتجترّه.

فالجرّة في الأصل للمعدة،ثمّ توسّعوا فيها حتّى أطلقوها على ما في المعدة،و جمع الجرّة:جرر،مثل سدرة و سدر.

و الجرّة بالفتح:إناء معروف،و الجمع:جرار،مثل كلبة و كلاب،و جرّات و جرّ أيضا،مثل تمرة و تمر.

و بعضهم يجعل الجرّ لغة في الجرّة.

و قولهم:و هلمّ جرّا،أي ممتدّا إلى هذا الوقت الّذي نحن فيه.مأخوذ من أجررت الدّين،إذا تركته باقيا على المديون،أو من أجررته الرّمح،إذا طعنته و تركت فيه الرّمح يجرّه.(96)

الفيروزآباديّ: الجرّ:الجذب كالاجترار و الاجدرار و الاستجرار و التّجرير،و موضع بالحجاز في ديار أشجع،و عين الجرّ:بلد بالشّام،و جمع الجرّة من الخزف كالجرار،و أصل الجبل،أو هو تصحيف للفرّاء، و الصّواب الجراصل كعلابط:الجبل،و الوهدة من الأرض،و جحر الضّبع و الثّعلب،و الزّبيل،و شيء يتّخذ من سلاخة عرقوب البعير،و تجعل المرأة فيه الخلع ثمّ تعلّقه من مؤخّر عكمها فيتذبذب أبدا،و حبل يشدّ في أداة الفدّان،و السّوق الرّويد،و أن ترعى الإبل و تسير، أو أن تركب ناقة و تتركها ترعى كالانجرار فيهما،و شقّ لسان الفصيل لئلاّ يرتضع كالإجرار،و أن تجرّ النّاقة ولدها بعد تمام السّنة شهرا أو شهرين أو أربعين يوما و هي جرور،و أن تزيد الفرس على أحد عشر شهرا و لم تضع،و أن يجوز ولاد المرأة عن تسعة أشهر.

و الجرّة بالكسر:هيئة الجرّ،و ما يفيض به البعير فيأكله ثانية و يفتح،و قد اجترّ و أجرّ،و اللّقمة يتعلّل بها البعير إلى وقت علفه،و الجماعة يقيمون و يظعنون.

و الجرّة بالضّمّ و يفتح:خشيبة في رأسها كفّة يصاد بها الظّباء،و قعبة من حديد مثقوبة الأسفل يجعل فيها بذر الحنطة حين يبذر،و يزيد بن الاخنس بن جرّة صحابيّ.

و بالفتح:الخبزة،أو خاصّ بالّتي في الملّة.

و الجرّيّ بالكسر:سمك طويل أملس لا يأكله اليهود،و ليس عليه فصوص.

و الجرّيّة و الجرّيئة بكسرهما:الحوصلة.

و الجارّة:الإبل تجرّ بأزمّتها،و الطّريق إلى الماء.

و الجرير:حبل يجعل للبعير بمنزلة العذار للدّابّة و الزّمام.

و المجرّ كمردّ:الجائز توضع عليه أطراف العوارض،و بالهاء:باب السّماء أو شرجها.

و مجرّ الكبش:موضع بمنى.

و الجريرة:الذّنب و الجناية،جرّ على نفسه و غيره جريرة يجرّها بالضّمّ و الفتح جرّا.

و فعلت من جرّاك و من جرّائك و يخفّفان،و من جريرتك:من أجلك،و حارّ جارّ:إتباع.

و الجر جار كقرقار:نبت،و من الإبل:الكثير الصّوت كالجرجر،و صوت الرّعد،و بهاء:الرّحى.

و الجراجر:الضّخام من الإبل،واحدها:الجرجور، و بالضّمّ:الصّخّاب منها و الكثير الشّرب،و الماء

ص: 315

المصوّت.

و الجرجر:ما يداس به الكدس و هو من حديد، و الفول و يكسر.

و الأجرّان:الجنّ و الإنس.

و فرس و جمل جرور:يمنع القياد،و بئر بعيدة، و امرأة مقعدة.

و الجارور:نهر السّيل.

و كتيبة جرّارة:ثقيلة السّير لكثرتها.

و الجرّارة كجبّانة:عقيرب تجرّ ذنبها،و ناحية بالبطيحة.

و الجرجر و الجرجير بكسرهما:بقلة.

و أجرّه رسنه:تركه يصنع ما شاء،و الدّين:أخّره له،و فلانا أغانيه:تابعها،و فلانا:طعنه و ترك الرّمح فيه يجرّه.

و الجرجرة:صوت يردّده البعير في حنجرته،و صبّ الماء في الحلق كالتّجرجر،و التّجرجر:أن تجرعه جرعا متداركا.

و جرجر الشّراب:صوّت،و جرجره:سقاه على تلك الصّفة.

و انجرّ:انجذب،و جارّه،ماطله أو حاباه.

و استجررت له:أمكنته من نفسي فانقدت له.

و الجرجور:الجماعة،و من الإبل:الكريمة،و مائة جرجور:كاملة.(1:402)

الطّريحيّ: في الحديث ذكر الجرّيّ بالجيم و الرّاء المشدّدة المكسورتين،و الياء المشدّدة أخيرا:ضرب من السّمك عديم الفلس،و يقال له:الجرّيث بالثّاء المثلّثة.

و فيه:«كلّ شيء يجترّ فسؤره حلال و لعابه حلال» قوله:«يجترّ»هو من الاجتراء،و هو أن يجرّ البعير من الكرش ما أكل إلى الفم فيمضغه مرّة ثانية،و المراد بالحلال:الطّاهر في الظّاهر.

و فيه:«لا صدقة في الإبل الجارّة»أي الّتي تجرّ بأزمّتها«فاعلة»بمعنى«مفعولة»كعيشة راضية.

و الجريرة:هي الجناية و الذّنب،سمّيت بذلك لأنّها تجرّ العقوبة إلى الجاني،و منه الدّعاء:«يا من لم يؤاخذ بالجريرة و لم يهتك السّتر».

و منه:«ضمان الجريرة»و هو أن يضمن سائبة كالمعتق في الواجب،أو حرّ الأصل؛بحيث لا يعلم له قريب.و عقده كأن يقول المضمون:«عاقدتك على أن تنصرني و تدفع عنّي،و تعقل عنّي و أعقل عنك»فيقول:

«قبلت»...(3:244)

المصطفويّ: حقيقة مفهوم هذه المادّة:هو السّحب و المدّ،و المعاني الأخر كلّها إنّما تجيء بمناسبة هذا المفهوم، كما رأيت.(2:73)

النّصوص التّفسيريّة

يجرّه

...وَ أَلْقَى الْأَلْواحَ وَ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ...

الأعراف:150

الجبّائيّ: إنّ موسى عليه السّلام إنّما فعل ذلك مستعظما لفعلهم مفكّرا فيما كان منهم،كما يفعل الإنسان مثل ذلك عند الغضب و شدّة الفكر،فيقبض على لحيته و يعضّ

ص: 316

على شفته،فأجرى موسى عليه السّلام أخاه هارون مجرى نفسه،فصنع به ما يصنع الإنسان بنفسه،عند حالة الغضب و الفكر.(الطّبرسيّ 2:482)

الطّبريّ: فإنّ ذلك من فعل نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،كان لموجدته على أخيه هارون في تركه اتّباعه،و إقامته مع بني إسرائيل في الموضع الّذي تركهم فيه.(9:67)

أبو مسلم الأصفهانيّ: إنّه أنكر على هارون ما بيّنه من قوله: ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا* أَلاّ تَتَّبِعَنِ طه:92،93.(الطّبرسيّ 2:482)

الشّيخ المفيد:إنّه أراد أن يظهر ما اعتراه من الغضب على قومه،لإكباره منهم ما صاروا إليه من الكفر و الارتداد،فصدر ذلك منه للتّألّم بضلالهم،و إعلامهم عظم الحال عنده،لينزجروا عن مثله في مستقبل الأحوال.(الطّبرسيّ 2:482)

الزّمخشريّ: يَجُرُّهُ إِلَيْهِ بذؤابته،و ذلك لشدّة ما ورد عليه من الأمر الّذي استفزّه و ذهب بفطنته،و ظنّا بأخيه أنّه فرّط في الكفّ.(2:119)

الطّبرسيّ: قيل:في معناه وجوه:أحدها:[قول الجبّائيّ المتقدّم]و هذا من الأمور الّتي تختلف أحكامها بالعادات،فيكون ما هو إكرام في موضع استخفافا في غيره،و يكون ما هو استخفاف في موضع إكراما في آخر.

و ثانيها:[قول الشّيخ المفيد المتقدّم]

و ثالثها:أنّه إنّما جرّه إلى نفسه ليناجيه و يستبرئ حال القوم منه،و لهذا أظهر هارون براءة نفسه،و لمّا أظهر هارون براءته دعا له و لنفسه.

و رابعها:أنّه لمّا رأى بهارون مثل ما به من الجزع و القلق أخذ برأسه متوجّعا له مسكّنا،فكره هارون أن يظنّ الجهّال ذلك استخفافا،فأظهر براءته،و دعا له موسى إزالة للتّهمة.

و خامسها:[قول أبي مسلم الأصفهانيّ المتقدّم]

(2:482)

العكبريّ: يَجُرُّهُ إِلَيْهِ يجوز أن يكون حالا من موسى،و أن يكون حالا من الرّأس،و يضعّف أن يكون حالا من أخيه.(1:595)

البيضاويّ: توهّما بأنّه قصّر في كفّهم،و هارون كان أكبر منه بثلاث سنين،و كان حمولا ليّنا،و لذلك كان أحبّ إلى بني إسرائيل.(1:370)

مثله أبو السّعود(3:33)،و البروسويّ(3:245)، و نحوه القاسميّ(7:2861)،و المراغيّ(9:71).

أبو حيّان :[نحو الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و قيل:ذلك الأخذ و الجرّ كان ليسرّ إليه أنّه نزل عليه الألواح في مناجاته،و أراد أن يخفيها عن بني إسرائيل،فنهاه هارون لئلاّ يشتبه سراره على بني إسرائيل بإذلاله.

و قيل:ضمّه ليعلم ما لديه،فكره ذلك هارون لئلاّ يظنّوا إهانته،و بيّن له أخوه أنّهم استضعفوه.

و قيل:كان ذلك على سبيل الإكرام لا على سبيل الإهانة،كما تفعل العرب من قبض الرّجل على لحية أخيه.(4:395)

الآلوسيّ: [نحو أبي حيّان و أضاف:]

و لم يقصد موسى بهذا الأخذ إهانته و الاستخفاف به،بل اللّوم الفعلي على التّقصير المظنون بحكم الرّئاسة

ص: 317

و فرط الحميّة،و القول:بأنّه عليه السّلام إنّما أخذ رأس أخيه ليسارّه و يستكشف منه كيفيّة الواقعة ممّا يأباه الذّوق، كما لا يخفى على ذويه.و مثله القول:بأنّه إنّما كان لتسكين هارون،لمّا رأى به من الجزع و القلق.[ثمّ ذكر قول الجبّائيّ و الشّيخ المفيد و قال:]

و لعلّ ما أشرنا إليه هو الأولى.

و جملة(يجرّه)في موضع الحال من ضمير موسى أو من(راس)أو من(اخيه)لأنّ المضاف جزء منه،و هو أحد ما يجوز فيه ذلك،و ضعّفه أبو البقاء.(9:68)

[لاحظ:غ ض ب]

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجرّ،أي الجذب و السّحب،يقال:جرّ الحبل يجرّه جرّا فانجرّ،أي جذبه فانجذب،و كذا جرّره و جرّر به و اجترّه.و فلان يجرّ الإبل:يسوقها سوقا رويدا.و الجارّة:الإبل الّتي تجرّ بالأزمّة.

و الجرير:حبل من أدم يخطم به البعير،و الجمع:

أجرّة و جرّان.و أجرّه:ترك الجرير على عنقه؛يقال:قد أجررته رسنه،أي تركته يصنع ما شاء.

و ركيّة و بئر جرور:الّتي يستقى منها على بعير، تسمّى ذلك لأنّ دلوها تجرّ على شفيرها لبعد قعرها، و بعير جرور:يستقى عليه،و الجمع:جرر.

و الجرور من الحوامل و الإبل:الّتي تجرّ ولدها إلى أقصى الغاية أو تجاوزها،يقال:جرّت النّاقة و الفرس تجرّ جرّا،و يقال أيضا:جرّت المرأة ولدها جرّا و جرّت به،أي يجوز ولادها عن تسعة أشهر،فيجاوزها بأربعة أيّام أو ثلاثة،فينضج و يتمّ في الرّحم.

و جرّ الفصيل جرّا و أجرّه:شقّ لسانه لئلاّ يرضع، و جرّ الفصيل فهو مجرور،و أجرّ فهو مجرّ،و استجرّ الفصيل عن الرّضاع:أخذته قرحة في فيه أو في سائر جسده،فكفّ عنه لذلك.

و الجرّة:ما يخرجه البعير للاجترار،يقال:اجترّ البعير و النّاقة و الشّاة و أجرّت.

و الجرّة:إناء من خزف كالفخّار،لأنّها تجرّ للاستسقاء أبدا،و الجمع:جرّ و جرار،و الجرّار:الّذي يصنع الجرار؛و حرفته الجرارة.

و الجرّة أيضا:خبز الملّة[الجمر]لأنّه يجرّ من النّار.

و المجرّ:الموضع المعترض في البيت الّذي يوضع عليه أطراف العوارض.

و الجرّة:المكّوك الّذي يثقب أسفله،يكون فيه البذر،و يمشي به الأكّار و الفدّان،و هو ينهال في الأرض، و الجمع:جرّ.

و أجررته الرّمح:طعنته به فمشى و هو يجرّه،كأنّك أنت جعلته يجرّه.

و الجرّ:أصل الجبل و سفحه،كأنّه شيء قد سحب سحبا،و الجمع:جرار.

و جارّ الضّبع:المطر الّذي يجرّ الضّبع عن وجارها من شدّته،يقال:جاءنا جارّ الضّبع،و أصابتنا السّماء بجارّ الضّبع،و لا يجرّ الضّبع إلاّ سيل غالب.

و الجارور:نهر يشقّه السّيل فيجرّه،و هو أيضا كلّ

ص: 318

مكان ينحطّ إليه الماء من عل،و هو في سفل،كأنّه يجرّ إليه الماء.

و الجرّ:المسيل،و الجارّة:الطّريق إلى الماء،و جرّ النّوء المكان:أدام المطر.

و عسكر جرّار:الّذي لا يسير إلاّ زحفا لكثرته، و كتيبة جرّارة:ثقيلة السّير،لا تقدر على السّير إلاّ رويدا من كثرتها،و ناقة جرّارة:لا تكاد تلحق بالإبل من ثقلها.

و الجرّارة:عقرب صفراء صغيرة على شكل التّبنة، سمّيت جرّارة لجرّها ذنبها.

و الجرور من الخيل:البطيء،و جمل و فرس جرور أيضا:اللّذان لا ينقادان،كأنّهما أبدا يجرّان جرّا، و الجمع:جرر.و امرأة جرور:مقعدة،لأنّها تجرّ على الأرض جرّا.

و الجرّ:أن تسير النّاقة و ترعى و راكبها عليها، يقال:جرّ يجرّ جرّا،أي ركب ناقة و تركها ترعى.

و المجارّة:المماطلة و أن يلوي بحقّه و يجرّه من وقت إلى وقت،يقال:فلان يجارّ فلانا.و أجررته الدّين:

أخّرته له.

و المجرّة:شرج السّماء،و هي بابها،و هي كهيئة القبّة،سمّيت بذلك لأنّها كأثر المجرّ.

و الجريرة:الذّنب و الجناية يجنيها الرّجل،لأنّه شيء يجرّه إلى نفسه،و قد جرّ على نفسه و غيره جريرة يجرّها جرّا،أي جنى عليهم جناية،و هي الجرّ أيضا.

و هلمّ جرّا:على هينتك،يقال:كان عاما أوّل كذا و كذا،فهلمّ جرّا إلى اليوم،و أصله من الجذب و السّحب.

2-و ألحق اللّغويّون لفظ«الجرّي»-و هو ضرب من السّمك-بهذه المادّة؛إذ نظروا إلى امتداده و طوله،و هو من مستلزمات هذه المادّة،و لذا يسمّونه في مصر«ثعبان الماء»،و هذه التّسمية ترجمة لاسمه في الفارسيّة،حيث يدعوه الفرس«مارماهي».

و قد ورد في السّريانيّة بلفظ«جريوتا»،و لعلّه هو الأصل،و«الجرّي»معرّب له،و هو على وزن«فعّيل» نظير ألفاظ أعجميّة وردت بهذا الوزن،مثل:سجّيل و تنّين و قسّيس و صفّين،كما جاء بلغتين أخريين،و هما جرّيث و قرّيث على هذا الوزن أيضا.

و لا عبرة بقول من قال:إنّه على وزن«فعليّ»،لأنّ «الياء»على هذا القول إمّا للنّسبة،و إمّا لغيرها مثل «ياء»الكرسيّ و الكراسيّ،و كلاهما لا يناسب معناه، فتأمّل.

3-و ممّا شاب هذه المادّة لفظ«الجرّيّة»،أي حوصلة الطّائر،و هو ليس منها،إذ أصله«جرّيئة»من«ج ر أ»، فسهّلت الهمزة،و شدّدت«الياء»،فأصبحت«جرّيّة»، و حسب بعضهم«الياء»للنّسبة،فعدّه من«ج ر ر».

و يقال لها:قرّيّة أيضا،على البدل.

و قولهم:فعلت ذلك من جراك و جرائك،و من جرّاك و جرّائك،أي من أجلك،لا يبعد أن يكون من «ج ر ي»لأنّ أصل هذه المادّة-كما قال ابن فارس- انسياح الشّيء،فكأنّ القائل يجري بهوى مخاطبه،كما أنّه لا يناسب«ج ر ر»بتاتا.

ص: 319

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة:

وَ لَمّا رَجَعَ مُوسى إِلى قَوْمِهِ غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَ عَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَ أَلْقَى الْأَلْواحَ وَ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ قالَ ابْنَ أُمَّ إِنَّ الْقَوْمَ اسْتَضْعَفُونِي وَ كادُوا يَقْتُلُونَنِي فَلا تُشْمِتْ بِيَ الْأَعْداءَ وَ لا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ الأعراف:150

يلاحظ أوّلا:أنّ فعل موسى بأخيه حيث رأى من بني إسرائيل ما رأى،وقع موقع الآراء؛حيث عدّوه نقصا لموسى نبيّ اللّه،فحملوه على ما يبرّءوه منه بوجوه ذكرها الطّبرسيّ،و بعضها بعيد عن السّياق،و يأباه الذّوق السّليم،مثل:

أنّه لمّا رأى بهارون ما به من الجزع و القلق أخذ برأسه متوجّعا له مسكّنا فكره هارون أن يظنّ الجهّال ذلك استخفافا به،فأظهر براءته و دعا له موسى،إزالة للتّهمة.

أو جرّه إليه ليناجيه،و يستبرئ حال القوم منه، و يستكشف منه حال الواقعة،أو ليسرّ إليه أنّه نزل عليه الألواح في مناجاته،و أراد أن يخفيها عن بني إسرائيل، فنهاه هارون لئلاّ يظنّوا إهانته.

أو أنّه كان على سبيل الإكرام دون الإهانة،كما تفعل العرب من قبض الرّجل على لحية أخيه،و نحوها، فإنّ قوله: غَضْبانَ أَسِفاً قالَ بِئْسَما خَلَفْتُمُونِي مِنْ بَعْدِي أَ عَجِلْتُمْ أَمْرَ رَبِّكُمْ وَ أَلْقَى الْأَلْواحَ... فَلا تُشْمِتْ بِيَ اَلْأَعْداءَ وَ لا تَجْعَلْنِي مَعَ الْقَوْمِ الظّالِمِينَ يأبى هذه الوجوه،و الصّواب:الاعتراف بأنّ ذلك صدر عنه غضبا لتهويل ما صدر عنهم،ظنّا منه أنّ هارون فرّط في كفّهم، كما قال له: ما مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَهُمْ ضَلُّوا* أَلاّ تَتَّبِعَنِ طه:92،93،و مثله يوجد في القرآن في قضايا الأنبياء، حملها على ترك الأولى أولى من المعصية.لاحظ سائر الآيات في هذه القصّة،و كذلك:«غ ض ب»،و«أ س ف».

ثانيا:قيل في: وَ أَخَذَ بِرَأْسِ أَخِيهِ يَجُرُّهُ إِلَيْهِ أنّ (يجرّه)حال من ضمير موسى،أو من(راس اخيه)أو من(اخيه)،و الصّواب:أنّ ضمير الفاعل في(اخذ) و(يجرّه)كليهما يرجع إلى موسى،و أنّ(يجرّه)خبر (اخذ)لأنّه من أفعال المقاربة،و هي كالأفعال النّاقصة، لها اسم و خبر،و خبرها فعل مضارع دائما،يأتي مع (ان)أو بدونها.اللّهمّ إلاّ أن يقال:(اخذ)إنّما يكون من أفعال القلوب إذا لم يتعدّ بشيء مثل«أخذ يقول»و قد تعدّى هنا:«فاخذ براس اخيه»فهو بمعنى«أخذ رأسه» لا«شرع يجرّه»ف(يجرّه)ليس خبرا ل(اخذ)بل حال منه.و لك أن تقول معناه:شرع يجرّه بادئ برأسه.فالباء متعلّق ب(بادئ)دون(اخذ).

ثالثا:كأنّ(الباء)هنا زائدة للتّأكيد مثل: لا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ البقرة:195.

لاحظ(المغني)لابن هشام ج 1:108.

ص: 320

ج ر ز

اشارة

لفظان،مرّتان،في سورتين مكّيّتين

جرزا 1:1 الجرز 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجرز:شدّه الأكل،و جرز يجرز.[ثمّ استشهد بشعر]

و أرض جرز،و جرزت جرزا،أي لم يبق عليها من النّبت شيء إلاّ مأكولا،و أرض مجروزة،و أرض أجراز، و يجمعون على سعة الأرض.

و الجرز:لباس للنّساء من الوبر،أو مسوك الشّاء، و الجميع:الجروز.

و الجرز:من السّلاح،و الجميع:الجرزة.

و الجرزة:الحزمة من قتّ و نحوه.

و سيف جراز:سريع القطع.[ثمّ استشهد بشعر] و يقال:رماه اللّه بشرزة و جرزة،يريد به الهلاك.

و رجل جروز،أي مقتول في المعركة.(6:64)

سيبويه :و قالوا:مدية هذام،و مدية جراز،جعلوا «فعالا»بمنزلة أختها«فعيل».(3:638)

يقال:جرزت الأرض فهي مجروزة،و جرزها الجراد و النّعم،و أرضون أجراز،إذا كان لا شيء فيها.

و يقال للسّنة المجدبة:جرز،و سنون أجراز:

لجدوبها و يبسها و قلّة أمطارها.[ثمّ استشهد بشعر]

(الطّوسيّ 7:10)

نحوه الطّبريّ.(15:196)

الكسائيّ: أرض مجروزة،من الجرز،و هي الّتي لم يصبها المطر..

نحوه الأصمعيّ.(الأزهريّ 10:607)

يقال:جرزت الأرض تجرز،و جرزها القوم يجرزونها،إذا أكلوا كلّ ما جاء فيها من النّبات و الزّرع، فهي مجروزة و جرز.(القرطبيّ 10:356)

أبو عمرو الشّيبانيّ: تقول:لقد أبقى الهزال منه جرزا،أي شدّة و عظما لم ينحف لذاك،و ما يحمل إلاّ بجرز.

ص: 321

و الجرز:الأرض الّتي ليس فيها مرتع و لا شجر.(1:118)

هذه فأس جراز،أي تقطع كلّ شيء.(1:119)

الفرّاء: الجرز:أن تكون الأرض لا نبات فيها، يقال:جرزت الأرض و هي مجروزة،و جرزها الجراد أو الشّاء أو الإبل فأكلن ما عليها.(2:134)

و يقال للنّاقة:إنّها لجراز،إذا كانت تأكل كلّ شيء، و للإنسان:إنّه لجروز،إذا كان أكولا.

و سيف جراز،إذا كان لا يبقي شيئا إلاّ قطعه.

و يقال:أرض جرز و جرز،و أرض جرز و جرز، لبني تميم،كلّ لو قرئ به لكان حسنا،و هو مثل البخل و البخل و البخل و البخل،و الرّغب و الرّهب و الشّغل،فيه أربع مثل ذلك.(2:333)

أهل الحجاز يقولون:أرض جرز،و جرز.و أسد تقول:جرز،و جرز،و تميم تقول:أرض جرز،و جرز، بالتّخفيف.(ابن الجوزيّ 5:106)

جرزت الأرض فهي مجروزة،أي ذهب نباتها بقحط أو جراد.(أبو السّعود 4:170)

أبو زيد :الجرز:القوّة.(47)

يقال:بعير جروز و قد جرز جرازة،إذا اشتدّ أكله.

يقال:جرز ما في الإناء،إذا استنفد ما فيه.و سيف جراز،إذا استوفى الضّريبة.و الأرض الجرز:الّتي كأنّها تأكل نبتها.و الجرزة من البقل:القطعة المستقصى قطعها.

[ثمّ استشهد بشعر]

و المصدر من هذا كلّه:الجرز.(172)

أرض جرز:لا نبات بها كأن انقطع عنها،أو انقطع عنها المطر.(الجوهريّ 3:866)

الجارز:السّعال.(الأزهريّ 10:609)

الأصمعيّ: أرض جرز:لا نبات فيها،و أجرز القوم:وقعوا في أرض جرز.

الجراز من السّيوف:الماضي النّافذ.

(الأزهريّ 10:608)

ناقة جروز،إذا كانت أكولا تأكل كلّ شيء.

(ابن منظور 5:316)

الأخفش: الجرز:كثرة اللّحم.(أبو زيد:47)

سنة جرز،إذا كانت جدبة.(الأزهريّ 10:607)

ابن الأعرابيّ: الجرز:لحم ظهر الجمل،و جمعه:

أجراز.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجرز:القتل.جرزه بالشّتم،إذا ما رماه بكلام سوء.

التّجارز بالكلام،و الفعال.(الأزهريّ 10:609)

و يقال:طوى الحيّة أجرازه،إذا ترحّى،أي طوى جسمه.[ثمّ استشهد بشعر](الصّغانيّ 3:250)

ابن السّكّيت: و يقال:إنّه لذو جرز،إذا كان له خلق عظيم.(129)

و يقال:قطّعه إربا إربا،أي قطعا قطعا،و أوجزه، و بزله،و شرجه،و بشكه،و قطّعه،و جذّمه،و جذّه، و فصله،و جرزه،و منه سيف جراز.(509)

ابن قتيبة :الجرز:الرّغيبة الّتي تنشف مطرا كثيرا.

(الأزهريّ 10:607)

الدّينوريّ: الجراز:نبات يظهر مثال القرعة، بلا ورق،ثمّ يعظم حتّى يكون كأنّه النّاس القعود.فإذا

ص: 322

عظم دقّ رأسه و تفرّق،و نوّر نورا كنور الدّفلي حسنا تبهج منه الجبال،و هي منابته.و لا ينتفع به في شيء من مرعى و لا مأكل،و هو رخو مثل الدّبّاء،يرمى بالحجر فيغيب فيه.(الصّغانيّ 3:250)

المبرّد: [في حديث:«ثمّ لتوجدنّ جرزا...»] أرض جرز و أرضون أجراز،إذا كانت لا تنبت شيئا، و تقدير ذلك:أنّها كأنّها تأكل نبتها فلا تبقي منه شيئا،من الجرز و هو الاستئصال.(الفائق 1:446)

قالت لي أمّ الهيثم من أمثال العرب:«لا ترضى شانئة إلاّ بجرزة»أي باستئصال.(أبو زيد:172)

ابن دريد :رجل ذو جرز،إذا كان غليظا صلبا، و كذلك البعير.

و أرض جرز:لم يصبها مطر،و الجمع:أجراز.

و الجرز:العمود من الحديد،عربيّ معروف، و الجمع:جرزة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجارزة:أرض يابسة غليظة يكتنفها رمل أو قاع، و الجمع:جوارز.و أكثر ما يستعمل ذلك في جزائر البحر.

و امرأة جارز:عاقر.

و رجل جروز،إذا كان أكولا.

و سيف جراز،إذا كان صارما.(2:73)

النّحّاس: الجرز في اللّغة:الأرض الّتي لا نبات فيها.(4:216)

القاليّ: و الجراز:الماضي في الضّريبة.(1:71)

و الأجراز جمع:جرز،و هي الّتي لم يصبها المطر، و يقال:الّتي قد أكل نباتها.(1:185)

الأزهريّ: [أرض مجروزة]:الّتي أكل نباتها.

و قال اللّه: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ السّجدة:27.

قد جرزت الأرض،فهي مجروزة:جرزها الجراد أو الشّاء و الإبل،و نحو ذلك.

و أجرز القوم:وقعوا في أرض جرز.

يقال:رماه اللّه بشرزة و جرزة،يراد به الهلاك.

و يقال:طوى فلان أجرازه،إذا انقبض و انضمّ بعضه إلى بعض،و طوى الحيّة أجرازه،أي ترحّى (1)، و أجرازه:جمع الجرز.

يقال:إنّه لذو جرز،أي ذو خلق شديد.[ثمّ استشهد بشعر]

[و الجرز من السّلاح]هو عمود من حديد.

و يقال للنّاقة:إنّها لجراز للشّجر،أي تأكله و تكسره.(10:607)

الصّاحب: الجرز:شدّة الأكل،جرز يجرز جرزا.

و أرض جرز،إذا لم يبق عليها من النّبت شيء إلاّ مأكولا.و أرض مجروزة و أجراز:لم يصبها المطر.

و سيف جراز:سريع القطع.

و رماه اللّه بشرزة و جرزة:يريد بها الهلاك.

و الجرز:من لباس النّساء من الوبر و غيره، و الجميع:الجروز.

و الجرز:من السّلاح،و الجميع:الجرزة و الأجراز.

و الجارز:السّعال.

و المجارزة:المفاكهة الّتي تشبه السّباب.

و الجرز:القوّة،ما بها جرز.و قيل:فصوصر.

ص: 323


1- :استدار.

المفاصل.

و المفازة المجراز:المجدبة.(7:22)

الخطّابيّ: [في حديث الحجّاج...ثمّ لتوجدنّ جرزا]

و الجرز:الأرض الّتي قد جرز ما عليها،أي أكل و رعي فبقيت صعيدا لا نبات فيها و لا شيء عليها،قال اللّه تعالى: وَ إِنّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً الكهف:8.

يقال:جرزت الأرض،و جرزها الجراد يجرزها جرزا إذا لحسها.(3:174)

الجوهريّ: و فيها أربع لغات:جرز و جرز،مثل عسر و عسر.و جرز و جرز،مثل نهر و نهر.و جمع الجرز:جرزة،مثل حجر و حجرة.و جمع الجرز:أجراز، مثل سبب و أسباب.

تقول منه:أجرز القوم،كما تقول:أيبسوا.

و أرض مجروزة:أكل نباتها.

و الجرز:السّنة المجدبة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قولهم:إنّه لذو جرز أيضا بالتّحريك،أي غلظ.

و الجرز:عمود من حديد.و ثلاثة جرزة،مثل جحر و جحرة.قال يعقوب:و لا تقل:أجرزة.[ثمّ استشهد بشعر]

و جرزه يجرزه جرزا:قطعه.و سيف جراز بالضّمّ، أي قطّاع.و ناقة جراز،أي أكول.

و الجروز:الّذي إذا أكل لم يترك على المائدة شيئا، و كذلك المرأة؛و ناقة جروز أيضا.

و قولهم:«لن ترضى شانئة إلاّ بجرزة»أي أنّها من شدّة بغضائها لا ترضى للّذين تبغضهم إلاّ بالاستئصال.

و الجارز:الشّديد من السّعال.[ثمّ استشهد بشعر]

و أرض جارزة:يابسة غليظة يكتنفها رمل أو قاع، و الجمع:جوارز.

و امرأة جارز،أي عاقر.

و الجرز بالكسر:لبسا من لباس النّساء من الوبر، و يقال:هو الفرو الغليظ.(3:866)

و أجرز القوم:أمحلوا.(ابن منظور 5:317)

ابن فارس: الجيم و الرّاء و الزّاء أصل واحد،و هو القطع،يقال:جرزت الشّيء:قطعته،و سيف جراز،أي قطّاع،و أرض جرز:لا نبت بها،كأنّه قطع عنها.

و الجروز:الرّجل الّذي إذا أكل لم يترك على المائدة شيئا،و كذلك المرأة الجروز،و النّاقة.[ثمّ استشهد بشعر]

و العرب تقول في أمثالها:«لن ترضى شانئة إلاّ بجرزة»أي إنّها من شدّة بغضائها و حسدها لا ترضى للّذين تبغضهم إلاّ بالاستئصال.

و الجارز:الشّديد من السّعال،و ذلك أنّه يقطع الحلق.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أرض جارزة:يابسة غليظة يكتنفها رمل.

و امرأة جارز:عاقر.فأمّا قولهم:ذو جرز،إذا كان غليظا صلبا،و كذلك البعير،فهو عندي محمول على الأرض الجارزة الغليظة.(1:441)

الهرويّ: قوله تعالى: صَعِيداً جُرُزاً الكهف:

8،الجرز:الأرض الّتي لا نبات بها،كأنّه أكل نباتها.

يقال:جرزت الأرض،إذا أكل نباتها.و امرأة جروز،

ص: 324

و رجل جروز،إذا كانا أكولين.و سيف جراز.يأتي على كلّ شيء.(1:346)

الثّعالبيّ: [أرض]جرز:ليس فيها زرع.(90)

فإذا كان[السّيف]قطّاعا،فهو:مقصل،و مخضل، و مخذم،و جراز،و عضب،و حسام،و قاضب،و هذام.

(250)

فإذا لم يصبها[الأرض]المطر،فهي:الفلّ؛و الجرز، و قد نطق به القرآن.(286)

أبو سهل الهرويّ: تقول:جرز،و ثلاثة جرزة.

الجرز:هو العمود من الحديد،و هو من السّلاح.

(97)

ابن سيده: جرز يجرز جرزا:أكل أكلا وحيّا.

و الجروز:الأكول،و قيل:السّريع الأكل و إن كان قتينا،و كذلك:هو من الإبل.و الأنثى:جروز أيضا،و قد جرز جرازة.

و أرض جرز،و جرز،و جرز،و جرز،و مجروزة:

لا تنبت.و قيل:هي الّتي قد أكل نباتها،و قيل:هي الأرض الّتي لم يصبها مطر.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمع:أجراز،و ربّما قالوا:أرض أجراز.

و جرزت جرزا،و أجرزت:صارت جرزا.

و أجرز القوم:أمحلوا.

و أرض جارزة:يابسة غليظة يكتنفها رمل أو قاع، و أكثر ما يستعمل في جزائر البحر.

و امرأة جارز:عاقر.

و الجرزة:الهلاك.

و أجرزت النّاقة،و هي مجرز،إذا هزلت.

و الجرز،و الجرز:العمود من الحديد،معروف، عربيّ،و الجمع:أجراز،و جرزة.

و سيف جراز:قاطع،و كذلك:مدية جراز،كما قالوا فيهما جميعا:هذام.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجرز:لباس النّساء من الوبر و جلود الشّاء، و الجمع:جروز.

و الجرزة:الحزمة من القتّ.

و إنّه لذو جرز،أي قوّة و خلق،يكون للنّاس و الإبل.

و جرز الإنسان:صدره،و قيل:وسطه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجرز:الجسم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجارز:من السّعال.

و جرزه يجرزه جرزا:نخسه.[ثمّ استشهد بشعر]

و جرزه بالشّتم:رماه به.

و التّجارز:يكون بالكلام و الفعال.(7:287)

جرزت الإبل الأرض تجرزها جرزا،أكلت نباتها فلم تترك منه شيئا،و منه قيل للأرض المجدبة الّتي ليس بها نبات:أرض جرز.(الإفصاح 2:744)

الرّاغب: قال عزّ و جلّ: صَعِيداً جُرُزاً الكهف:

8،أي منقطع النّبات من أصله،و أرض مجروزة:أكل ما عليها.

و الجروز:الّذي (1)يأكل على الخوان.

و في مثل:«لا ترضى شانئة إلاّ بجرزة»أي باستئصال.ن.

ص: 325


1- الظّاهر:الّذي يأكل كلّ ما على الخوان.

و الجارز:الشّديد من السّعال،تصوّر منه معنى الجرز.

و الجراز:قطع بالسّيف،و سيف جراز.(91)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:377)

الزّمخشريّ: جرزه الزّمان:اجتاحه.[ثمّ استشهد بشعر]

و أرض مجروزة،و قد جرزت:قطع نباتها.و أرض جرز.و أرضون أجراز،و سنون أجراز:جدبة،و مفازة مجراز.[ثمّ استشهد بشعر]

و سيف جراز.و«لن ترضى شانئة إلاّ بجرزة»مثل في العداوة،و أنّ المبغض لا يرضى إلاّ باستئصال من يبغضه.

و ضربه بالجرز،و خرجوا بأيديهم الجرزة.و جاء بجرزة من قتّ،و بجرز منه،و هي الحزمة.

و من المجاز:رجل جروز:أكول لا يدع على المائدة شيئا.

و امرأة جارز:عاقر.(أساس البلاغة:56)

بينا هو في مسير له نزل بأرض جهاد،و روي:بينا هو يسير على أرض جرز مجدبة مثل الأيم،فقال للنّاس:

«احطبوا،فتفرّق النّاس،فجاء بعود،و جاء ببعرة،حتّى ركموا،فكان سوادا،فقال:هذا مثل ما تحقرون من أعمالكم».

الجهاد و الجرز بمعنى،و هي الّتي لا نبات بها و لا ماء.

(الفائق 1:249)

الطّبرسيّ: يقال:أجرز القوم،إذا صارت أرضهم جرزا،و جرزوا هم أرضهم،إذا أكلوا نباتها كلّه.

(3:450)

ابن الأثير:«إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بينا هو يسير أتى على أرض جرز مجدبة مثل الأيّم (1)»الجرز:الأرض الّتي لا نبات بها و لا ماء،و منه حديث الحجّاج،و ذكر الأرض، ثمّ قال:«لتوجدنّ جرزا لا يبقى عليها من الحيوان أحد».

(1:260)

الصّغانيّ: الجرز،بالفتح:النّخس،و قد جرزه، أي نخسه،و الجرز أيضا:القتل.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجرزة،بالضّمّ:الحزمة من القتّ و نحوه.

المجارزة:المفاكهة الّتي تشبه السّباب.

و الجرز:فصوص المفاصل.و قيل:هو القوّة،يقال:

ما به جرز،أي قوّة.

و مفازة مجراز:مجدبة.

و جرأز:موضع بالبصرة،و جرزة:موضع من أرض اليمامة،و جرزان:من نواحي إرمينية الكبرى، و جرزوان:مدينة من أعمال جوزجان،معرّب «كرزوان».

و ذو الجراز:سيف ورقاء بن زهير.

و التّجارز بالكلام:التّرامي به.(3:250)

الفيروزآباديّ: جرز:أكل أكلا وحيّا (2)،و قتل، و نخس،و قطع.

و الجروز:الأكول أو السّريع الأكل،و كذا الأنثى، و قد جرز ككرم.

و أرض جرز و جرز و أجرز و جرز و مجروزة:

لا تنبت أو أكل نباتها أو لم يصبه المطر،جمعه:أجراز.ا.

ص: 326


1- في فائق الزّمخشريّ:الأيم.
2- أي سريعا.

و يقال:أرض أجراز،و أجرزوا:أمحلوا،و أرض جارزة:

يابسة غليظة،يكتنفها رمل أو قاع.

و الجرزة،محرّكة:الهلاك،و بالضّمّ:الحزمة من القتّ و نحوه.

و أجرزت النّاقة فهي مجرز:هزلت.

و الجرز بالضّمّ:عمود من حديد،جمعه:أجراز و جرزة.

و بالكسر:لباس النّساء من الوبر و جلود الشّاء، جمعه:جروز.

و بالتّحريك:السّنة الجدبة،و الجسم،و صدر الإنسان أو وسطه،و لحم ظهر الجمل.

و الجراز كغراب:السّيف القاطع.و ذو الجراز:سيف ورقاء بن زهير،ضرب به زهير خالد بن جعفر فنبا (1)ذو الجراز.

و كسحاب:نبات يظهر كالقرعة لا ورق له،ثمّ يعظم كإنسان قاعد،ثمّ يرقّ رأسه و ينوّر نورا كالدّفلى تبهج من حسنه الجبال،و لا يرعى و لا ينتفع به.

و رجل ذو جراز:غليظ صلب.

و الجارز:الشّديد السّعال،و المرأة العاقر.

و جرأز كقرطق:موضع بالبصرة.

و مفازة مجراز:مجدبة.

و المجارزة:مفاكهة تشبه السّباب.

و التّجارز:التّشاتم،و الإساءة بالقول،و الفعال.

و جرزان:ناحية بإرمينيّة الكبرى.

و طوت الحيّة أجرازها،أي جسمها.(2:174)

الفيّوميّ: الجرزة:القبضة من القتّ و نحوه،أو الحزمة.و الجمع:جرز،مثل غرفة و غرف.

و أرض جرز بضمّتين:قد انقطع الماء عنها فهي يابسة،لا نبات فيها.(1:96)

مجمع اللّغة :الأرض الجرز:الأرض الجرداء الّتي لا نبات فيها.(1:187)

محمّد إسماعيل إبراهيم:جرزت الأرض:

ذهب نباتها بقحط أو جراد،و صارت جرداء،فهي جرز.(1:105)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ حقيقة مفهوم هذه المادّة هو«الانقطاع الخاصّ»أي كلّ ما كان خارجا عن حالة طبيعيّة،و هي الاخضرار و النّموّ،و جريان الماء، و النّعومة،و رغد العيش؛فيقال:أرض جارزة أو جرز أو مجروزة أو جرز أو جرز،و سنة جرز،أي مجدبة،و سيف جراز باعتبار قطعه تنقم العيش و الحياة،و ناقة جراز باعتبار أكله أرض زراعة حتّى تصير يابسة،و رجل جروز،إذا أكل ما في المائدة و جعلها خالية عن الطّعام، و هكذا.

ثمّ إنّ صيغ:جرز و جرز و جرز و جراز،كلّها من صيغ الصّفات المشبّهة كالجنب و الصّلب و الحسن و الشّجاع.

و لا يخفى أنّ الجرز و الجزّ و الجزع و الجزم قريبة منها في المفهوم الكلّيّ.(2:74)ع.

ص: 327


1- أي كلّ ذو الجراز و لم يقطع.

النّصوص التّفسيريّة

جرزا

وَ إِنّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً. الكهف:8

ابن عبّاس: (جرزا):أملس لا نبات فيها.(244)

نحوه أبو الفتوح.(12:305)

يهلك كلّ شيء عليها و يبيد.(الطّبريّ 15:196)

معناه:نهلك كلّ شيء عليها زينة.(الطّوسيّ 7:10)

مجاهد :بلقعا.(الطّبريّ 15:196)

بلاقع ليس فيها نبات.(الواحديّ 3:137)

الأرض الّتي لا نبات بها.(أبو حيّان 6:99)

نحوه الواحديّ.(3:137)

الإمام الباقر عليه السّلام: خرابا لا نبات فيها.

(القمّيّ 2:31)

عطاء:يريد يوم القيامة يجعل اللّه الأرض جرزا ليس فيها ماء و لا نبات.(الواحديّ 3:137)

قتادة :الأرض الّتي ليس فيها شجر و لا نبات.

(الطّبريّ 15:196)

السّدّيّ: الأملس المستوي.(أبو حيّان 6:99)

مقاتل:ملساء.(الماورديّ 3:286)

ابن إسحاق :يعني:الأرض،إنّ ما عليها لفان و بائد،و إنّ المرجع لإليّ،فلا تأس،و لا يحزنك ما تسمع و ترى فيها.(الطّبريّ 15:196)

نحوه القرطبيّ(10:348)و المراغيّ(15:117).

ابن زيد:الجرز:الأرض الّتي ليس فيها شيء، أ لا ترى أنّه يقول: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً السّجدة:27.

و الجرز:لا شيء فيها،لا نبات و لا منفعة.

(الطّبريّ 15:196)

أبو عبيدة :أي غلظا لا ينبت شيئا،و الجميع:

أرضون أجراز.و يقال للسّنة المجدبة:جرز،و سنون أجراز،لجدوبها و يبسها،و قلّة مطرها.[ثمّ استشهد بشعر](1:393)

ابن قتيبة :الجرز:الّتي لا تنبت شيئا،يقال:

أرض جرز،و أرضون أجراز.(263)

الطّبريّ: و إنّا لمخرّبوها بعد عمارتناها،بما جعلنا عليها من الزّينة،فمصيّروها صعيدا جرزا،لا نبات عليها و لا زرع و لا غرس.و قد قيل:إنّه أريد ب«الصّعيد»في هذا الموضع:المستوي بوجه الأرض؛و ذلك هو شبيه بمعنى قولنا في ذلك.(15:196)

نحوه ابن كثير.(4:367)

الزّجّاج: الجرز:الأرض الّتي لا تنبت شيئا،كأنّها تأكل النّبت أكلا،يقال:أرض جرز،و أرضون أجراز.

(3:269)

ابن الأنباريّ: قال اللّغويّون:الجرز:الأرض الّتي لا يبقى بها نبات،تحرق كلّ نبات يكون بها.

و قال المفسّرون:و هذا يكون يوم القيامة،يجعل اللّه الأرض مستوية لا نبات فيها و لا ماء.(ابن الجوزيّ 5:107)

أبو مسلم الأصفهانيّ: محصورة.

(الماورديّ 3:286)

القمّيّ: يعني خرابا.(2:31)

نحوه الكاشانيّ.(3:231)

ص: 328

أبو سهل الهرويّ: ترابا لا نبات به،كأنّه قطع نباته.(القرطبيّ 10:355)

الماورديّ: أنّها اليابسة الّتي لا نبات بها و لا زرع.

[ثمّ استشهد بشعر](3:386)

الطّوسيّ: و الجرز:الّذي لا نبات عليه و لا زرع و لا غرس.و قيل:إنّه أراد بالصّعيد هاهنا:المستوي من وجه الأرض.(7:9)

البغويّ: جرزا:يابسا أملس لا ينبت شيئا،يقال:

جرزت الأرض،إذا أكل نباتها.(3:173)

الميبديّ: ميّتا لا ينبت شيئا.(5:643)

الزّمخشريّ: صَعِيداً جُرُزاً يعني مثل أرض بيضاء لا نبات فيها،بعد أن كانت خضراء معشبة،في إزالة بهجته و إماطة حسنه و إبطال ما به كان زينة من إماتة الحيوان و تجفيف النّبات و الأشجار،و نحو ذلك.

ذكر من الآيات الكلّيّة تزيين الأرض بما خلق فوقها من الأجناس الّتي لا حصر لها،و إزالة ذلك كلّه كأن لم يكن.(2:473)

نحوه النّسفيّ(3:3)،و النّيسابوريّ(15:103).

ابن عطيّة: أي يرجع كلّ ذلك ترابا غير متزيّن بنبات و نحوه.

و الجرز:الأرض الّتي لا شيء فيها من عمارة و زينة،فهي البلقع،و هذه حالة الأرض العامرة الخالية بالّذين لا بدّ لها من هذا في الدّنيا،جزء جزء من الأرض، ثمّ يعمّها ذلك بأجمعها عند القيامة.

يقال:جرزت الأرض بقحط أو جراد أو نحوه،إذا ذهب نباتها و بقيت لا شيء فيها و لا نفع،و أرضون أجراز.قال الزّجّاج:و الجرز:الأرض الّتي لا تنبت.و إنّما ينبغي أن يقول:الّتي لم تنبت.(3:497)

الطّبرسيّ: و إنّا مخرّبون الأرض بعد عمارتها، و جاعلون ما عليها مستويا من الأرض يابسا،لا نبات عليه.(3:450)

نحوه شبّر.(4:59)

الفخر الرّازيّ: و المعنى أنّه تعالى بيّن إنّما زيّن الأرض لأجل الامتحان و الابتلاء،لا لأجل أن يبقى الإنسان فيها متنعّما أبدا،لأنّه يزهد فيها بقوله: وَ إِنّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها و نظيره قوله: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ الرّحمن:26،و قوله: فَيَذَرُها قاعاً طه:106، و قوله: وَ إِذَا الْأَرْضُ مُدَّتْ الانشقاق:3.

و المعنى أنّه لا بدّ من المجازاة بعد فناء ما على الأرض، و تخصيص الإبطال و الإهلاك بما على الأرض يوهم بقاء الأرض،إلاّ أنّ سائر الآيات دلّت على أنّ الأرض أيضا لا تبقى،و هو قوله: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ إبراهيم:48.(21:81)

القرطبيّ: و الجرز:القطع،و منه سنة جرز.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأرض الجرز:الّتي لا نبات فيها و لا شيء من عمارة و غيرها،كأنّه قطع و أزيل.يعني يوم القيامة،فإنّ الأرض تكون مستوية لا مستتر فيها.(10:355)

البيضاويّ: تزهيد فيه،و الجرز:الأرض الّتي قطع نباتها،مأخوذ من الجرز،و هو القطع.و المعنى إنّا لنعيد ما عليها من الزّينة ترابا مستويا بالأرض،و نجعله كصعيد أملس لا نبات فيه.(2:4)

ص: 329

نحوه الخازن.(4:156)

أبو حيّان :ترابا جرزا لا نبات فيه.و هذا إشارة إلى التّزهيد في الدّنيا و الرّغبة عنها،و تسلية للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم عن ما تضمّنته أيدي المترفين من زينتها؛إذ مآل ذلك كلّه إلى الفناء و المحاق.(6:99)

الشّربينيّ: أي يابسا لا ينبت،و نظيره قوله تعالى:

كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ الرّحمن:26،و قوله: فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً* لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً طه:106،107.

و تخصيص الإهلاك بما على الأرض يوهم بقاء الأرض إلاّ أنّ سائر الآيات على أنّ الأرض أيضا لا تبقى، كما قال تعالى: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ إبراهيم:48.(2:350)

أبو السّعود :ترابا لا نبات فيه،بعد ما كان يتعجّب من بهجته النّظّار،و تتشرّف بمشاهدته الأبصار.يقال:أرض جرز:لا نبات فيها،و سنة جرز:لا مطر فيها.[إلى أن قال:]

و المعنى لا تحزن بما عاينت من القوم من تكذيب ما أنزلنا عليك من الكتاب،فإنّا قد جعلنا ما على الأرض من فنون الأشياء زينة لها،لنختبر أعمالهم فنجازيهم بحسبها و إنّا لمفنون جميع ذلك عن قريب،و مجازون لهم بحسب أعمالهم.(4:170)

البروسويّ: (صعيدا):ترابا،(جرزا):لا نبات فيه، و سنة جرز:لا مطر فيها.(5:217)

الآلوسيّ: أي لا نبات فيه.[إلى أن قال:]

و أخرج ابن أبي حاتم:أنّ الجرز:الخراب،و الظّاهر أنّه ليس معنى حقيقيا،و المعنى الحقيقيّ ما ذكرناه،و قد ذكره غير واحد من أئمّة اللّغة.[إلى أن قال:]

و المراد تصيير ما على الأرض ترابا ساذجا بعد ما كان يتعجّب من بهجته النّظّار،و تستلذّ بمشاهدته الأبصار.

و ظاهر الآية تصيير ما عليها بجميع أجزائه كذلك؛ و ذلك إنّما يكون بقلب سائر عناصر المواليد إلى عنصر التّراب،و لا استحالة فيه لوقوع انقلاب بعض العناصر إلى بعض اليوم.و قد يقال:إنّ هذا جار على العرف،فإنّ النّاس يقولون:صار فلان ترابا،إذا اضمحلّ جسده و لم يبق منه أثر إلاّ التّراب.

و حديث انقلاب العناصر ممّا لا يكاد يخطر لهم ببال، و كذا زعم محقّقي الفلاسفة بقاء صور العناصر في المواليد، و يوشك أن يكون تركّب المواليد من العناصر أيضا كذلك،و هذا الحديث لا تكاد تسمعه عن السّلف الصّالح، و اللّه تعالى أعلم.(15:208)

القاسميّ: أي ترابا مستويا لا نبات فيه،بعد ما كان يبهج النّظّار،لا شيء فيه يختلف،ربى و وهادا،أي نفنيها و ما عليها و لا نبالي.(11:4025)

سيّد قطب :و نهاية هذه الزّينة محتومة،فستعود الأرض مجرّدة منها،و سيهلك كلّ ما عليها،فتصبح قبل يوم القيامة سطحا أجرد خشنا جدبا وَ إِنّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً.

و في التّعبير صرامة،و في المشهد الّذي يوسمه كذلك، و كلمة(جرزا)تصوّر معنى الجدب بجرسها اللّفظيّ،كما أنّ كلمة(صعيدا)ترسم مشهد الاستواء و الصّلادة.

(4:2260)

عزّة دروزة :الصّعيد:الأرض أو التّراب،و الجرز:

الأملس اليابس الّذي لا حياة أو لا نبات فيه.(6:6)

ص: 330

الطّباطبائيّ: الجرز على ما في«المجمع»:الأرض الّتي لا تنبت،كأنّها تأكل النّبت أكلا.[إلى أن قال:]

فإذا انقضى الأجل الّذي أجّله اللّه تعالى لمكثهم في الأرض بتحقّق ما أراده من البلاء و الامتحان،سلب اللّه ما بينهم و بين ما على الأرض من التّعلّق،و محا ما له من الجمال و الزّينة،و صار كالصّعيد الجرز الّذي لا نبت فيه و لا نضارة عليه،و نودي فيهم بالرّحيل و هم فرادى،كما خلقهم اللّه تعالى أوّل مرّة.[إلى أن قال:]

و قد ظهر بما تقدّم أنّ قوله: وَ إِنّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً من الاستعارة بالكناية،و المراد به:قطع رابطة التّعلّق بين الإنسان و بين أمتعة الحياة الدّنيا ممّا على الأرض.

و ربّما قيل:إنّ المراد به حقيقة معنى الصّعيد الجرز، و المعنى أنّا سعيد ما على الأرض من زينة ترابا مستويا بالأرض،و نجعله صعيدا أملس لا نبات فيه و لا شيء عليه.(13:240)

حسنين مخلوف: لا نبات فيه،يقال:أرض جرز:لا تنبت،أو أكل نباتها،أو لم يصبها مطر.

و جرزت الأرض،إذا ذهب نباتها بقحط أو جراد، و هو كناية عن إفناء متاع الدّنيا،و يعقب ذلك الجزاء على الأعمال،فلا يحزنك أمرهم فإنّا سنجازيهم على ما عملوا يوم الحساب.(1:470)

عبد الكريم الخطيب :الأرض الجرز:الّتي لا نبات فيها،سواء كان ذلك لأنّها لا تنبت أصلا،أو كان فيها نبات ثمّ اقتلع من أصوله.(8:584)

المصطفويّ: أي قطعة يابسة خارجة عن الحالة الطّبيعيّة.(2:74)

الجرز

أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ...

السّجدة:27

ابن عبّاس: الملساء الّتي لا نبات فيها.(349)

أرض باليمن.(الطّبريّ 21:115)

نحوه مجاهد.(ابن كثير 5:418)

الّتي لا تمطر إلاّ مطرا لا يغني عنها شيئا،إلاّ ما يأتيها من السّيول.(الطّبريّ 21:115)

هي قرى بين الشّام و اليمن.(الطّبرسيّ 4:334)

نحوه الحسن.(الماورديّ 4:367)

مجاهد :أبين (1)و نحوها.(الطّبريّ 21:115)

أنّها أرض النّيل.(القرطبيّ 14:111)

عكرمة :هي الأرض الظّمأى.(القرطبيّ 14:110)

الأرض الجرز:الّتي لا نبات فيها،و هي مغبرة.

مثله الضّحّاك و قتادة و السّدّيّ و ابن زيد.

(ابن كثير 5:418)

السّمطاء.(الدّرّ المنثور 5:179)

الضّحّاك: هي الأرض الميتة العطشى.

(القرطبيّ 14:110)

قتادة :المغبرّة.(الطّبريّ 21:115)

ص: 331


1- إبين بكسر الهمزة و فتحها و سكون الباء،و ياء مفتوحة: اسم رجل كان في ما سلف،و يقال:ذو أبين،و هو الّذي ينسب إليه عدن أبين من بلاد اليمن.فلعلّ راوي الأثر يريد هذا الموضع.

يحيى بن سلاّم:أنّها الأرض اليابسة.

(الماورديّ 4:367)

السّدّيّ: الأرض الميتة.(الدّرّ المنثور 5:179)

ابن زيد :الّتي ليس فيها شيء،ليس فيها نبات.

(الطّبريّ 21:115)

الفرّاء: الّتي لا نبات فيها.(2:333)

أبو عبيدة :أي الغليظة اليابسة الّتي لم يصبها مطر.

(2:133)

الأصمعيّ: هي الأرض الّتي لا تنبت شيئا.

(القرطبيّ 14:110)

ابن قتيبة : اَلْأَرْضِ الْجُرُزِ :الغليظة اليابسة الّتي لا نبت فيها،و جمعها:أجراز.و يقال:سنون أجراز، إذا كانت سني جدب.(347)

المبرّد: يبعد أن تكون لأرض بعينها،لدخول الألف و اللاّم.إلاّ أنّه يجوز على قول من قال:العبّاس و الضّحّاك.(القرطبيّ 14:110)

الطّبريّ: يقول:أو لم ير هؤلاء المكذّبون بالبعث بعد الموت،و النّشر بعد الفناء،أنّا بقدرتنا نسوق الماء إلى الأرض اليابسة الغليظة،الّتي لا نبات فيها(21:115)

الزّجّاج: يقرأ (الجرز) ،و يجوز:الجرز و الجرز و الجرز،كلّ ذلك قد حكي في الجرز.

جاء في التّفسير:أنّها أرض اليمن،و الجرز عند أهل اللّغة:الأرض الّتي لا تنبت.و كان أصلها أنّها تأكل نباتها، يقال:امرأة جروز،إذا كانت أكولا،و يقال:سيف جراز،إذا كان مستأصلا.فمن قال:جرز فهو تخفيف جرز،و من قال:جرز و جرز،فهما لغتان.

و يجوز أن يكون جرز مصدرا وصف به،كأنّه أرض ذات جرز،أعني بإسكان الرّاء،أي ذات أكل للنّبات.

(4:211)

القمّيّ: الأرض الخراب،و هو مثل ضربه اللّه عزّ و جلّ في الرّجعة و القائم عليه السّلام.(2:171)

ابن الشّجريّ: أنّها الأرض الّتي أكلت ما فيها من زرع و شجر.(الماورديّ 4:267)

الماورديّ: و تأوّل ابن عطاء هذه الآية على أنّه توصل بركات المواعظ إلى القلوب القاسية.(4:368)

الواحديّ: و هي الّتي لا تنبت في الشّتاء حتّى إذا جاء الماء أنبتت ما يأكله النّاس و الأنعام،و هو قوله:

فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ.... (3:455)

الطّوسيّ: و اَلْأَرْضِ الْجُرُزِ هي الأرض اليابسة الّتي ليس فيها نبات،انقطع ذلك لانقطاع الأمطار.(8:309)

البغويّ: أي اليابسة الغليظة الّتي لا نبات فيها.

(3:604)

مثله الخازن.(5:189)

الزّمخشريّ: الأرض الّتي جرز نباتها،أي قطع إمّا لعدم الماء و إمّا لأنّه رعي و أزيل،و لا يقال للّتي لا تنبت كالسّباخ:جرز،و يدلّ عليه قوله: فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً.

(3:247)

نحوه البيضاويّ(2:237)،و النّسفيّ(3:291)، و النّيسابوريّ(21:69)،و الشّربينيّ(3:215)، و أبو السّعود(5:207)،و البروسويّ(7:128)،و شبّر (5:126).

ص: 332

ابن عطيّة: الجرز:الأرض العاطشة الّتي قد أكلت نباتها من العطش و الغيظ،و منه قيل للأكول:

جروز.[ثمّ استشهد بشعر]

و من عبّر عنها بأنّها الأرض الّتي لا تنبت،فإنّها عبارة غير مخلصة،و عمّ تعالى كلّ أرض هي بهذه الصّفة،لأنّ الآية فيها و العبرة بيّنة.

و قال ابن عبّاس أيضا و غيره: اَلْأَرْضِ الْجُرُزِ أرض أبين من اليمن،و هي أرض تشرب بسيول لا بمطر، و جمهور النّاس على ضمّ الرّاء.(4:365)

الطّبرسيّ: أنّا نسوق الماء بالمطر و الثّلج،و قيل:

بالأنهار و العيون إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ أي اليابسة الّتي لا نبات فيها.و قيل:نسوق الماء بالسّيول إليها،لأنّها مواضع عالية،و هي قرى بين الشّام و اليمن،عن ابن عبّاس.(4:334)

ابن الجوزيّ: أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا نَسُوقُ الْماءَ يعني المطر و السّيل إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ و هي الّتي لا تنبت، فإذا جاء الماء أنبت فيها ما يأكل النّاس و الأنعام.

(6:344)

الفخر الرّازيّ: الجرز:الأرض اليابسة الّتي لا نبات فيها،و الجرز هو القطع،و كأنّها المقطوع عنها الماء و النّبات.(25:187)

القرطبيّ: أي أو لم يعلموا كمال قدرتنا بسوقنا الماء إلى الأرض اليابسة الّتي لا نبات فيها،لنحييها.[ثمّ ذكر قول اللّغويّين و أضاف:]

إلاّ أنّه يجوز على قول من قال:العبّاس و الضّحّاك.

و الإسناد عن ابن عبّاس صحيح لا مطعن فيه.[إلى أن قال:]

و قد روي أنّ هذه الأرض لا أنهار فيها،و هي بعيدة من البحر،و إنّما يأتيها في كلّ عام ودان (1)فيزرعون ثلاث مرّات في كلّ عام.(14:110)

البيضاويّ: الّتي جرز نباتها،أي قطع و أزيل، لا الّتي لا تنبت،لقوله: فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً. (2:237)

أبو حيّان :و تقدّم تفسير(الجرز)في الكهف.

و كلّ أرض جرز داخلة في هذا،فلا تخصيص لها بمكان معيّن.(7:205)

ابن كثير :يبيّن تعالى لطفه بخلقه و إحسانه إليهم، في إرساله الماء إمّا من السّماء أو من السّيح،و هو ما تحمله الأنهار و يتحدّر من الجبال إلى الأراضي المحتاجة إليه في أوقاته،و لهذا قال تعالى: إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ و هي الّتي لا نبات فيها،كما قال تعالى: وَ إِنّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً الكهف:8،أي يبسا لا تنبت شيئا.

و ليس المراد من قوله: إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ أرض مصر فقط،بل هي بعض المقصود،و إن مثّل بها كثير من المفسّرين فليست هي المقصودة وحدها،و لكنّها مرادة قطعا من هذه الآية،فإنّها في نفسها أرض رخوة غليظة تحتاج من الماء،ما لو نزل عليها مطر لتهدّمت أبنيتها.

فيسوق اللّه تعالى إليها النّيل بما يتحمّله من الزّيادة الحاصلة من أمطار بلاد الحبشة،و فيه طين أحمر،فيغشي أرض مصر،و هي أرض سبخة مرمّلة محتاجة إلى ذلك الماء و ذلك الطّين أيضا،لينبت الزّرع فيه،فيستغلّون كلّل.

ص: 333


1- في الأصول:و اديان.و الودان:البلل.

سنة على ماء جديد ممطور في غير بلادهم،و طين جديد من غير أرضهم،فسبحان الحكيم الكريم المنّان المحمود أبدا.(5:417)

سيّد قطب :فهذه الأرض الميتة البور،يرون أنّ يد اللّه تسوق إليها الماء المحيي،فإذا هي خضراء ممرعة بالزّرع النّابض بالحياة،الزّرع الّذي تأكل منه أنعامهم و تأكل منه أنفسهم،و إنّ مشهد الأرض الجدبة و الحياة يصيبها فإذا هي خضراء.

إنّ هذا المشهد ليفتح نوافذ القلب المغلقة لاستجلاء هذه الحياة النّامية و استقبالها،و الشّعور بحلاوة الحياة و نداوتها،و الإحساس بواهب هذه الحياة الجميلة النّاضرة،إحساس حبّ و قربى و انعطاف،مع الشّعور بالقدرة المبدعة و اليد الصّنّاع،الّتي تشيع الحياة و الجمال في صفحات الوجود...(5:2815)

عزّة دروزة :الأرض اليابسة الجافّة.[إلى أن قال و في الآية:]

تساؤل استنكاريّ آخر يتضمّن التّنديد بالكفّار أيضا،عمّا إذا لم يروا بأعينهم أنّ اللّه تعالى يرسل الماء إلى الأرض الجافّة اليابسة،فيخرج به زرعا يأكلونه هم و أنعامهم،و في هذا من الدّلالة على قدرة اللّه ما فيه الكفاية.(6:232)

الطّباطبائيّ: و الآية تذكر آية أخرى من آيات اللّه سبحانه،تدلّ على حسن تدبيره للأشياء،و خاصّة ذوي الحياة منها كالأنعام و الإنسان.

و المراد بسوق الماء إلى الأرض الخالية من النّبات:

سوق السّحب الحاملة للأمطار إليها،ففي نزول ماء المطر منها حياة الأرض و خروج الزّرع و اغتذاء الإنسان و الأنعام الّتي يسخّرها و يربّيها لمقاصد حياته.

(16:629)

عبد الكريم الخطيب :أي الجديب الّتي لا نبات فيها.(11:629)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجرز،أي الشّره إلى الشّيء؛يقال:جرز يجرز جرزا،أي أكل أكلا وحيّا،أي سريعا،و رجل جروز،و امرأة جروز،و جمل جروز، و ناقة جروز،أي أكول،و قد جرز جرازة،و يقال للنّاقة:إنّها لجراز الشّجر،تأكله و تكسره.

و أرض جرز و جرز و جرز و جرز:لا تنبت،كأنّها تأكل النّبت أكلا،و الجمع:أجراز،و قد جرزت جرزا و أجرزت،أي صارت جرزا.و جرزت الأرض:جرزها الجراد و الشّاء،فهي مجروزة،و أرض جارزة:يابسة غليظة،يكتنفها رمل أو قاع،و أكثر ما يستعمل في جزائر البحر،و الجمع:جوارز،و أجرز القوم:وقعوا في أرض جرز.

و الجرز:السّنة المجدبة؛يقال:أجرز القوم،أي أمحلوا و أجدبوا.

و امرأة جارز:عاقر،شبّهت بالأرض الّتي لا تنبت.

و أجرزت النّاقة:هزلت،فهي مجرز؛حملت على الأرض المجروزة.

و سيف جراز:قاطع،و كذا مدية جراز،تشبيه بالنّاقة الجراز،و هي الّتي تأكل الشّجر و تكسره.

ص: 334

و الجرز:الفرو الغليظ،شبّه بالأرض الجارزة،أي اليابسة الغليظة.

و الجرز:جسم الإنسان أو صدره أو وسطه،و لحم ظهر الجمل أيضا،و الجمع:أجراز،محمول على الأرض الجارزة،يقال:إنّه لذو جرز،أي غلظ و قوّة و خلق شديد.

و الجارز من السّعال:الشّديد.

2-و الجرز و الجرز:العمود من حديد،و الجمع:

جرزة و أجراز.و قيّده بعض بقوله:«عربيّ معروف».

و هذا القيد ينبئ عن وجود رأي آخر يقول بأعجميّته، إلاّ أنّنا لم نعثر عليه.

و الحقّ أنّه أعجميّ،معرّب من اللّفظ الفارسيّ «گرز»،و يعني عند الفرس عمود الحديد أو الخشب، و مدقّة المهراس أيضا.و لعلّ قولهم:جرزه يجرزه جرزا، أي نخسه،يريدون فعل به ذلك بالجرز،و عليه يحمل قولهم أيضا:جرزه بالشّتم،أي رماه به،و الجرز:القتل، و الجرزة:الهلاك.

3-و الجرزة:الحزمة من القتّ و نحوه،و هو معرّب اللّفظ السّريانيّ«جرزا»بنفس المعنى.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد مرّتين مكّيّتين:معرّفا و منكّرا:

1- أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنّا نَسُوقُ الْماءَ إِلَى الْأَرْضِ الْجُرُزِ فَنُخْرِجُ بِهِ زَرْعاً تَأْكُلُ مِنْهُ أَنْعامُهُمْ وَ أَنْفُسُهُمْ أَ فَلا يُبْصِرُونَ السّجدة:27

2- وَ إِنّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً الكهف:8

و يلاحظ أوّلا:أنّه جاء وصفا فيهما،فإنّ(الجرز) في(1)وصف ل(الأرض)و(جرزا)في(2)وصف ل(صعيدا)،و الصّعيد هو وجه الأرض،إلاّ أنّ المغزى فيهما مختلف،فأريد في(1)إحياؤها ليعيش عليها النّاس،و في(2)إماتتها و خلوّها عن نباتها و زينتها الّتي زيّنها بها،فلاحظ الآية و ما قبلها: إِنّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلاً* وَ إِنّا لَجاعِلُونَ ما عَلَيْها صَعِيداً جُرُزاً.

ثانيا:يبدو أنّ للآيتين علاقة بالبعث يوم القيامة ليكون إحياء الأرض بعد موتها آية للبعث،فقد جاء قبل(1): إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ فِيما كانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ* أَ وَ لَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا مِنْ قَبْلِهِمْ مِنَ الْقُرُونِ يَمْشُونَ فِي مَساكِنِهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ أَ فَلا يَسْمَعُونَ السّجدة:25،26،فقد حدّث فيهما عن إهلاك الأقوام و عن يوم القيامة يوم بعث الأموات،ثمّ ضرب لهما مثلا في(1)ب(الارض الجرز)يسوق الماء عليها فيخرج به زرعا تأكل منه أنعامهم و أنفسهم،ثمّ واصل الكلام بما قبله في وَ يَقُولُونَ مَتى هذَا الْفَتْحُ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ* قُلْ يَوْمَ الْفَتْحِ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِيمانُهُمْ وَ لا هُمْ يُنْظَرُونَ السّجدة:28،29.

و أمّا الآية(2)فقد جاء قبلها: لِيُنْذِرَ بَأْساً شَدِيداً مِنْ لَدُنْهُ وَ يُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْراً حَسَناً* ماكِثِينَ فِيهِ أَبَداً* وَ يُنْذِرَ الَّذِينَ قالُوا اتَّخَذَ اللّهُ وَلَداً* [إلى أن قال:] إِنّا جَعَلْنا ما عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَها... الكهف:2-7،فضرب لما أنذر و بشّر به

ص: 335

من الأجر و العذاب يوم القيامة مثلا بإحياء الأرض بالنّبات،و إماتتها بخلوّها عنها في الدّنيا.

و قد نبّه الطّبريّ على ذلك في(1)بقوله في تفسيرها:«أو لم ير هؤلاء المكذّبون بالبعث بعد الموت و النّشور بعد الفناء أنّا بقدرتنا نسوق الماء إلى الأرض اليابسة الغليظة الّتي لا نبات فيها...»

و قيل في(2):إنّ الأرض تصير كذلك يوم القيامة، و الصّواب:أنّ المراد بها أرض الدّنيا مثالا للموت و الحياة يوم القيامة.

ثالثا:و جاء في النّصوص حملها على مصير الأرض، كذلك في الدّنيا أو في الآخرة بوجوه:

1-قال الطّباطبائيّ: «إنّها استعارة بالكناية،و المراد بها قطع رابطة التّعلّق بين الإنسان و بين أمتعة الحياة الدّنيا ممّا على الأرض»أي ليس المراد أنّ الأرض تصير صعيدا جرزا حقيقة بل تزول رأسا فتنقطع علاقة الإنسان بها،و نحوه قول أبي حيّان:«إنّه إشارة إلى التّزهيد في الدّنيا و الرّغبة عنها-للّه و للرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم- عمّا تضمّنته أيدي المترفين من زينتها...»

2-قال الطّباطبائيّ أيضا:«إنّ المراد حقيقة معنى الصّعيد الجرز،و المعنى أنّا سنعيد ما على الأرض،من زينة ترابا مستويا بالأرض،و نجعله أملس لا نبات فيه و لا شيء عليه.

و قال سيّد قطب:و نهاية هذه الزّينة مختومة...فتصبح قبل يوم القيامة سطحا أجرد خشنا جدبا،و نحوها غيرها ممّا هو نصّ في أنّ الأرض تصير صعيدا جرزا في الدّنيا قبل يوم القيامة.

3-إنّ الأرض تصير كذلك يوم القيامة،عن ابن الأنباريّ و نسبها إلى المفسّرين.و قال عطاء:يريد يوم القيامة يجعل اللّه الأرض جرزا ليس فيها ماء و لا نبات.

و قد أبطله الفخر الرّازيّ قائلا:«و تخصيص الإبطال و الإهلاك بما على الأرض يوهم بقاء الأرض،إلاّ أنّ سائر الآيات دلّت على أنّ الأرض أيضا لا تبقى»و هو قوله: يَوْمَ تُبَدَّلُ الْأَرْضُ غَيْرَ الْأَرْضِ إبراهيم:48، فهذه الآية نظير كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ الرّحمن:26، و فَيَذَرُها قاعاً صَفْصَفاً* لا تَرى فِيها عِوَجاً وَ لا أَمْتاً طه:106،107،ممّا دلّت على فناء الأرض رأسا.

فالصّواب-كما سبق-أنّ المراد بها بيان حال الأرض في الدّنيا في الصّيف و الشّتاء من الخضرة و الجدب،على ما هو المعتاد،لا صيرورتها أملس قبل يوم القيامة في الدّنيا،و لا بعده في الآخرة.

رابعا:و قالوا في معنى(جرزا):أرض غليظة خشنة لا تنبت شيئا أو قطع عنها نباتها.و فسّرها بعض بأنّها أرض خربة،و ردّوه بأنّه ليس معناه الحقيقيّ بل ما لا نبات فيه.و قال سيّد قطب:«كلمة(جرز)تصوّر معنى(الجدب)بجرسها...».

خامسا:فإذا كانت هذه الآية مثلا للبعث بعد الممات،فهي تعمّ طبيعة الأرض الجرز و إحياءها، و اللاّم فيها للجنس،فلا تختصّ بأرض خاصّة مثل أرض اليمن،أو أرض مصر،أو قرى بين الشّام و اليمن،أو أنّها أرض خاصّة لا أنهار فيها بعيدة عن البحر،أو غيرها كما قيل.قال أبو حيّان:«كلّ أرض جرز داخلة في هذا فلا تخصيص لها بمكان معيّن»و نحوه غيره.

ص: 336

سادسا:أوّلها بعضهم بأنّها تحاكي القلوب القاسية الميّتة الّتي تحييها المواعظ و تطهّرها و تجعلها خاشعة للّه، و هذا دأب أهل الحقيقة و العرفان يحملون ظواهر الطّبيعة على الحالات القلبيّة،و لها شاهد في القرآن مثل:

أُولئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ المائدة:

41،و وَ أَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزادَتْهُمْ رِجْساً إِلَى رِجْسِهِمْ وَ ماتُوا وَ هُمْ كافِرُونَ التّوبة:125، ذلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَ قُلُوبِهِنَّ الأحزاب:53،فإنّ كلا الرّجس و الطّهارة نسبا إلى القلوب،و لهما مساس بالماء،و في وصف رائع من سيّد قطب لإحياء الأرض إيماء إلى ذلك فلاحظ.

سابعا:قال الطّباطبائيّ: إنّ المراد بسوق الماء إلى الأرض الخالية من النّبات:سوق السّحب الحاملة للأمطار إليها،و كأنّه أخذه من وَ اللّهُ الَّذِي أَرْسَلَ الرِّياحَ فَتُثِيرُ سَحاباً فَسُقْناهُ إِلى بَلَدٍ مَيِّتٍ فاطر:9، حَتّى إِذا أَقَلَّتْ سَحاباً ثِقالاً سُقْناهُ لِبَلَدٍ مَيِّتٍ الأعراف:57.

و في كلام الآخرين سوق الماء يعمّ الأمطار و السّيول و الأنهار و لا بأس به،إلاّ أنّ المطر هو المنبع لها جميعا.

ص: 337

ص: 338

ج ر ع

اشارة

يتجرّعه

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :جرعت الماء أجرعه جرعا،و اجترعته.

و كلّ شيء يبلعه الحلق فهو اجتراع،و الاسم:الجرعة.

و إذا جرعه بمرّة قيل:اجترعه.و الاجتراع بالماء كالابتلاع بالطّعام،و التّجرّع:تتابع الجرع مرّة بعد مرّة.

و الجرعاء من الأرض:ذات حزونة تسفي عليها الرّياح فتغشّيها،و إذا كانت صغيرة فاسمها الجرعة، و جمعها:جراع.و إذا كانت واسعة جدّا فهي أجرع كلّه، و يجمع:أجارع.و جمع الجرعاء:جرعاوات.[ثمّ استشهد بشعر](1:225)

ابن شميّل: من الأوتار«المجرّع»و هو الّذي اختلف فتله،و فيه عجر لم يجد فتله و لا إغارته،فظهر بعض قواه على بعض،يقال:وتر مجرّع و جرع.

(الأزهريّ 1:361)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الجرعاء:إذا نزلت عن الرّمل فأصبت أرضا صلبة لا تنبت من شجر الرّمل شيئا.

و الأجرع:نشاز الجرعاء حيث كانت.(1:122)

الفرّاء: «أفلت فلان بجريعة الذّقن،هو آخر ما يخرج من النّفس.(الجوهريّ 3:1195)

أبو زيد :من أمثالهم في إفلات الجبان:«أفلتني جريعة الذّقن»إذا كان منه قريبا كقرب الجرعة من الذّقن،ثمّ أفلته.

يقال:«أفلتني فلان جريضا»إذا أفلتك و لم يكد، و«أفلتني جريعة الرّيق»إذا سبقك فابتلعت عليه ريقك غيظا.(الأزهريّ 1:361)

الأصمعيّ: الأجارع:جمع أجرع و جرعاء،و هي الرّابية السّهلة.(القاليّ 2:34)

ابن الأعرابيّ: الجرع من الأوتار:أن يكون

ص: 339

مستقيما،و يكون في مواضع منه نتوء فيمسح بقطعة كساء حتّى يذهب.(الأزهريّ 1:361)

ابن السّكّيت: الجرع:مصدر جرع الماء يجرعه جرعا،و الجرع:جمع جرعة و جرع:دعص من الرّمل لا ينبت شيئا.(إصلاح المنطق:43)

ابن دريد :الجرع:مصدر جرع الماء يجرعه جرعا،و الجرعة:الواحدة،و الجمع:جرع.

و الجرع:من الأرض،و الجمع:أجراع و جروع، و كذلك الأجرع،و الجمع:أجارع.و يقال:جرعاء من الأرض،و الجمع:جرعاوات،و هي الأرض السّهلة ذات الرّمل،و من أمثالهم:«أفلت بجريعة الذّقن»أي أفلت جريضا.(2:79)

القاليّ: الأجرع و الجرعاء:دعص لا ينبت شيئا.

(1:147)

الأزهريّ: عن ابن السّكّيت:و«الجرع»جمع جرعة،و هي دعص من الرّمل لا تنبت شيئا.

قلت:الّذي سمعته من العرب في«الجرع»غير ما قاله (1).و الجرع عندهم:الرّملة العذاة الطّيّبة المنبت الّتي لا وعوثة فيها،و يقال لها:الجرعاء و الأجرع، و يجمع:أجارع و جرعاوات.و تجمع الجرعة:جرعا، غير أنّ الجرعاء و الأجرع أكبر من الجرعة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال غير ابن السّكّيت في الأجرع و الجرع نحوا ممّا قلته.

و يقال:جرع الماء يجرعه جرعا و اجترعه،فإذا تابع الجرع مرّة بعد أخرى كالمتكاره قيل:تجرّعه،قال تعالى:

يَتَجَرَّعُهُ وَ لا يَكادُ يُسِيغُهُ إبراهيم:17.

و الجرعة:ملء الفم يبتلعه،و الجرعة:المرّة الواحدة،و جمع الجرعة:جرع.

و يقال:ما من جرعة أحمد عقبانا من جرعة غيظ تكظمها.

و من أمثال العرب:«أفلت فلان جريعة الذّقن» و«بجريعة الذّقن»يريدون أنّ نفسه صارت في فيه فكاد يهلك،فأفلت و تخلّص.(1:361)

الصّاحب:كلّ شيء يبلعه الحقّ فهو اجتراع،حتّى الغيظ يتجرّع.فإذا جرع بمرّة قيل:اجترع،و إذا تابع مرّة بعد مرّة قيل:تجرّع.[ثمّ ذكر معنى«الجرعاء»كما تقدّم عن الخليل و أضاف:]

و قد قيل:ليست الجرعاء بحزونة،و لكنّها تشبه الرّمل سهولة إلاّ أنّها أكثر نباتا.

و حبل جرع:في مواضع منه نتوء.

و المجرّع من الأوتار:الّذي لم يحسن إغارته،فظهر بعض قواه على بعض.

و ناقة مجرع-و الجميع مجاريع-:ليس فيها ما يروي و لكن فيها جرع.[ثمّ استشهد بشعر]

و ما له به جرّاعة،و لا يقال:ما ذاق جرّاعة،و لكن يقال:جريعة و«أفلت بجريعة الذّقن»أي و نفسه في فيه.

و«أفلتني جريعة الذّقن،و جريعة الرّيق»إذا سبق فابتلعت الرّيق غيظا عليه.

و اجتزع عودا:اكتسر.(1:250)..

ص: 340


1- أمّا ابن السّكّيت فقد ذكره في إصلاح المنطق بفتح الرّاء «الجرع»و هو صحيح بمعنى دعص من الرّمل...

الجوهريّ: جرعت الماء أجرعه جرعا،و جرعت بالفتح لغة أنكرها الأصمعيّ.

و الجرعة بالتّحريك:واحدة الجرع،و هي رملة مستوية لا تنبت شيئا،و كذلك الجرعاء.

و الجرع أيضا:التواء في قوّة من قوى الحبل ظاهرة على سائر القوى.

و الجرعة من الماء:حسوة منه،و بتصغيره جاء المثل:«أفلت فلان بجريعة الذّقن»إذا أشرف على التّلف،ثمّ نجا.

و نوق مجاريع:قليلات اللّبن،كأنّه ليس في ضرعها إلاّ جرع.

و جرّعه غصص الغيظ فتجرّعه،أي كظمه.

(3:1195)

ابن فارس: الجيم و الرّاء و العين يدلّ على قلّة الشّيء المشروب،يقال:جرع الشّارب الماء يجرعه، و جرع يجرع.فأمّا الجرعاء:فالرّملة الّتي لا تنبت شيئا، و ذلك من أنّ الشّرب لا ينفعها،فكأنّها لم ترو.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:نوق مجاريع:قليلات اللّبن،كأنّه ليس في ضروعها إلاّ جرع.

و ممّا شذّ عن هذا الأصل الجرع:التواء في قوّة من قوى الحبل ظاهرة على سائر القوى.(1:444)

الهرويّ: جرعت الماء و تجرّعته.

و في حديث عطاء،قال:«فأفلت من الوليد بجريعة الذّقن»يريد:أفلتّ بعد ما أشرفت على الهلاك،يقال:

«أفلتني جريعة الذّقن»يراد:أنّ نفسه صارت في فيه فأفلت.

قلت:أفلت:لازم،و واقع.(1:347)

أبو سهل الهرويّ: جرعت الماء أجرعه،أي بلعته.

(7)

ابن سيده: جرع الماء و جرعه،يجرعه جرعا، و اجترعه،و تجرّعه:بلعه،و الاسم:الجرعة و الجرعة.

و قيل:الجرعة:المرّة الواحدة،و الجرعة:ما اجترعت.

الأخيرة للمهلة،على ما أراه سيبويه في هذا النّحو.

و جرع الغيظ:كظمه،على المثل بذلك.

«و أفلت بجريعة الذّقن،و جريعة الذّقن»بغير حرف،أي و قرب الموت منه كقرب الجريعة من الذّقن، و قيل:معناه أفلت جريضا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجرع،و الجرعة،و الجرعة،و الأجرع، و الجرعاء:الأرض ذات الحزونة،تشاكل الرّمل،و قيل:

هي الرّملة السّهلة،و قيل:هي الدّعص لا ينبت.و قيل:

الأجرع:كثيب،جانب منه رمل،و جانب حجارة.

و جمع الجرع:أجراع و جراع،و جمع الجرعة:

جراع،و جمع الجرعة:جرع،و جمع الجرعاء:

جرعاوات،و جمع الأجرع:أجارع.

و حكى سيبويه:مكان جرع كأجرع.

و الجرع:التواء في قوّة من قوى الحبل أو الوتر، تظهر على سائر القوى.

و أجرع الحبل و الوتر:أغلظ بعض قواه.

و حبل جرع،و وتر جرع،كلاهما:مستقيم،إلاّ أنّ في موضع منه نتوء،فيمسح و يمشق بقطعة كساء،حتّى يذهب ذلك النّتوء.(1:316)

ص: 341

جرع الماء و نحوه يجرعه جرعا،و اجترعه:بلعه، و اجترعه أيضا:جرعه بمرّة أو تابع جرعه كالمتكرّه، و جرّعه الماء:سقاه إيّاه فتجرّعه.

و الجرعة:المرّة من الجرع،و الجرعة:حسوة منه ملء الفم.(الإفصاح 1:439)

جرع الماء يجرعه جرعا و اجترعه:ابتلعه بمرّة، و تجرّعه:بلعه مرّة بعد مرّة في مهل.(الإفصاح 1:450)

الجرعاء و الجرعة و الجرعة و الأجرع:الرّملة الطّيّبة المنبت لا وعوثة فيها،و هي من كرام المنابت.

(الإفصاح 2:1063)

الرّاغب: جرع الماء يجرع،و قيل:جرع و تجرّعه، إذا تكلّف جرعه،قال عزّ و جلّ: يَتَجَرَّعُهُ وَ لا يَكادُ يُسِيغُهُ إبراهيم:17.

و الجرعة:قدر ما يتجرّع،و أفلت بجريعة الذّقن:

بقدر جرعة من النّفس.

و نوق مجاريع:لم يبق في ضروعها من اللّبن إلاّ جرع.

و الجرع و الجرعاء:رمل لا ينبت شيئا كأنّه يتجرّع البذر.(91)

الزّمخشريّ: جرعت الماء،و اجترعته بمرّة، و تجرّعته شيئا بعد شيء،و ما سقاني إلاّ جرعة، و جريعة،و جرعا.و بتنا بالأجرع،و بالجرعاء،و نزلوا بالأجارع،و هي أرضون حزنة،يعلوها رمل.

و من المجاز:تجرّع الغيظ.[ثمّ استشهد بشعر]

و«أفلت بجريعة الذّقن».(أساس البلاغة:57)

المدينيّ: في حديث الحسن بن عليّ،رضي اللّه عنهما:و قيل له في يوم حارّ:تجرّع،فقال:إنّما يتجرّع أهل النّار.

الجرع و التّجرّع:شرب في عجلة،يقال منه:جرع و جرع معا،و أشار به إلى قول اللّه تعالى: يَتَجَرَّعُهُ وَ لا يَكادُ يُسِيغُهُ و يقال:هو الشّرب قليلا قليلا.

الأجرع:المكان الواسع الّذي فيه حزونة،فإن كان صغيرا فهو جرع و جرعة.من أنّث أراد البقعة،و من ذكّر أراد المكان.

و قال ابن السّكّيت: هو ما لا ينبت شيئا.و الصّحيح الأوّل،و أرض جرعاء:ذات حزونة.(1:322)

ابن الأثير: في حديث المقداد رضي اللّه عنه:«ما به حاجة إلى هذه الجرعة»تروى بالضّمّ و الفتح،فالضّمّ:

الاسم من الشّرب اليسير،و الفتح:المرّة الواحدة منه.

و الضّمّ أشبه بالحديث،و يروى بالزّاي.و سيجيء.

و في حديث عطاء،قال:قلت للوليد:«قال عمر:

وددت أنّي نجوت كفافا،فقال:كذبت،فقلت:أو كذّبت؟ فأفلت منه بجريعة الذّقن»الجريعة:تصغير الجرعة،و هو آخر ما يخرج من النّفس عند الموت،يعني أفلتّ بعد ما أشرفت على الهلاك.أي أنّه كان قريبا من الهلاك كقرب الجرعة من الذّقن.

و في حديث قسّ:«بين صدور جرعان»هو بكسر الجيم:جمع جرعة،بفتح الجيم و الرّاء،و هي الرّملة الّتي لا تنبت شيئا و لا تمسك ماء.

و منه حديث حذيفة:«جئت يوم الجرعة فإذا رجل جالس»أراد بها هاهنا اسم موضع بالكوفة،كان به فتنة في زمن عثمان بن عفّان رضي اللّه عنه.(1:261)

ص: 342

الصّغانيّ: الاجتراع:الجرع مرّة واحدة.

و ما له به جرّاعة،و لا يقال:ما ذاق جرّاعة و لكن جريعة.

و اجترع العود:كسره،لغة في اجتزعه.

و الجرعة:موضع قرب الكوفة،و منه يوم الجرعة.

و ذو جرع:من ألهان بن مالك أخي همدان بن مالك.

(4:229)

الفيّوميّ: جرعت الماء جرعا من باب«نفع» و جرعت أجرع من باب«تعب»لغة،و هو الابتلاع.

و الجرعة من الماء كاللّقمة من الطّعام،و هو ما يجرع مرّة واحدة،و الجمع:جرع:مثل غرفة و غرف.

و اجترعته:مثل جرعته،و تجرّع الغصص مستعار من ذلك،مثل قوله تعالى: فَذُوقُوا الْعَذابَ الأحقاف:34،كناية عن النّزول به و الإحاطة.(1:97)

الفيروزآباديّ: الجرعة و يحرّك:الرّملة الطّيّبة المنبت لا وعوثة فيها،أو الأرض ذات الحزونة تشاكل الرّمل،أو الدّعص لا ينبت،أو الكثيب جانب منه رمل و جانب حجارة كالأجرع و الجرعاء في الكلّ.

و الجرع محرّكة:الجمع،و التواء في قوّة من قوى الحبل أو الوتر ظاهرة على سائر القوى،و ذلك الحبل مجرّع كمعظّم و ككتف.

و ذو جرع محرّكة:من ألهان بن مالك،و بهاء:موضع قرب الكوفة.

و الجرعة مثلّثة من الماء:حسوة منه،أو بالضّمّ و الفتح:الاسم من جرع الماء كسمع و منع:بلعه، و بالضّمّ:ما اجترعت.

و بتصغيرها جاء المثل«أفلت فلان جريعة الذّقن أو بجريعة الذّقن أو بجريعائها»و هي كناية عمّا بقي من روحه،أي نفسه صارت في فيه و قريبا منه.

و ناقة مجرع كمحسن:ليس فيها ما يروي و إنّما فيها جرع،جمعه:مجاريع.

و اجترعه:جرعه بمرّة،و العود:اكتسره.

و جرّعه الغصص تجريعا فتجرّع.(3:12)

الطّريحيّ: «لم يبق من الدّنيا إلاّ جرعة كجرعة الإناء»يروى بالضّمّ و الفتح،فالضّمّ:الاسم من الشّرب اليسير،و الفتح:المرّة.(4:311)

مجمع اللّغة :جرع الماء يجرعه جرعا،من بابي فهم و قطع:بلعه.فإذا تكلّف الجرع مرّة بعد أخرى كالمتكاره قيل:تجرّع.(1:187)

محمّد إسماعيل إبراهيم:جرع الماء:بلعه، و تجرّعه:تكلّف بلعه.(1:105)

العدنانيّ: جرع الماء و جرعه.

و يخطّئ الأصمعيّ من يقول:جرعت الماء،و يقول:

إنّ الصّواب هو:جرعت الماء.و نقل الحرّانيّ عن ابن السّكّيت اكتفاءه بقوله:جرعت الماء،و حذا حذوه الأزهريّ في التّهذيب.و ممّن ذكر جرع الماء أيضا:

معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و المختار، و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و هنالك:جرع الماء،كما يقول:

معجم ألفاظ القرآن الكريم،و الصّحاح،و معجم

ص: 343

مقاييس اللّغة،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ، و الأساس،و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

و فعله:جرعه أو جرعه يجرعه جرعا و جرعا.

و أنا أوثر:جرع الماء؛لأنّ العرب جميعا،أدباءهم و عامّتهم،كما أرجّح،يستعملون الفعل جرع،و لم أسمع جرع،خلال عمري الطّويل،إلاّ نادرا جدّا.(120)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الجري للمائع قليلا،و أكثر استعمالها في مورد الابتلاع و الورود كشرب الماء تدريجا،و قد تستعمل في مورد الخروج و الصّدور كخروج النّفس أو اللّبن.

و هذا المعنى جري مخصوص يفرق بينهما بالعين و الياء.

و أمّا صيغة«التّجرّع»فهي«تفعّل»،و تدلّ على مطاوعة التّفعيل،يقال:جرّعته فتجرّع،أي فشرب جرعة جرعة و بالتّدريج،بالمطاوعة.

وَ يُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ* يَتَجَرَّعُهُ وَ لا يَكادُ يُسِيغُهُ إبراهيم:16،17،أي فإذا سقوا من ذلك الماء يتجرّعه مطاوعا من دون خلاف.

فظهر لطف التّعبير بهذه المادّة و بهذه الصّيغة.

(2:75)

النّصوص التّفسيريّة

يتجرّعه

يَتَجَرَّعُهُ وَ لا يَكادُ يُسِيغُهُ وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ما هُوَ بِمَيِّتٍ وَ مِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ.

إبراهيم:17

ابن عبّاس: يستمسك الصّديد في حلقه.(212)

الطّبريّ: يتحسّاه.(13:195)

الطّوسيّ: معناه يشرب ذلك الصّديد جرعة جرعة،يقال:تجرّع تجرّعا،و جرعه يجرعه جرعا، و التّجرّع:تناول المشروب جرعة جرعة على الاستمرار.(6:284)

نحوه الطّبرسيّ(3:308)،و الفخر الرّازيّ(19:

103)،و النّسفيّ(2:258)،و الطّباطبائيّ(12:36).

البغويّ: أي يتحسّاه و يشربه لا بمرّة واحدة بل جرعة جرعة لمرارته و حرارته.(3:33)

مثله الخازن(4:30)،و نحوه القرطبيّ(9:351)، و المراغيّ(3:140).

الزّمخشريّ: يتكلّف جرعه.(2:371)

مثله النّيسابوريّ.(13:114)

(يتجرّعه)يجوز أن يكون صفة ل(ماء)،و أن يكون حالا من الضّمير في(يسقى)و أن يكون مستأنفا.(2:765)

أبو حيّان :(يتجرّعه)يتكلّف جرعه.

تجرّع«تفعّل».و يحتمل هنا وجوها:أن يكون للمطاوعة،أي جرّعه فتجرّع،كقولك:علّمته فتعلّم، و أن يكون للتّكلّف نحو تحلّم،و أن يكون لمواصلة العمل في مهلة نحو تفهّم،أي يأخذه شيئا فشيئا،و أن يكون موافقا للمجرّد،أي تجرّعه كما تقول:عدا الشّيء و تعدّاه.

و(يتجرّعه)صفة لما قبله أو حال من ضمير.

(5:413)

ص: 344

ابن كثير: أي يتغصّصه و يتكرّهه،أي يشربه قهرا و قسرا لا يضعه في فمه،حتّى يضربه الملك بمطراق من حديد،كما قال تعالى: وَ لَهُمْ مَقامِعُ مِنْ حَدِيدٍ الحجّ:21.(4:115)

الشّربينيّ: أي يتكلّف أن يبتلعه مرّة بعد مرّة، لمرارته و حرارته و نتنه.(2:175)

أبو السّعود :قيل:هو صفة لماء أو حال منه، و الأظهر أنّه استئناف مبنيّ على السّؤال،كأنّه قيل:فما ذا يفعل به؟فقيل:يتجرّعه،أي يتكلّف جرعه مرّة بعد أخرى،لغلبة العطش و استيلاء الحرارة عليه.(3:478)

مثله الآلوسيّ.(13:202)

البروسويّ: استئناف بيانيّ كأنّه قيل:فما ذا يفعل به،فقيل:يتجرّعه.و في«التّفعّل»تكلّف،و معنى التّكلّف أنّ الفاعل يتعانى ذلك الفعل ليحصل بمعاناته كتشجّع؛إذ معناه استعمل الشّجاعة و كلّف نفسه إيّاها لتحصل،فالمعنى لغلبته العطش و استيلاء الحرارة عليه يتكلّف جرعه مرّة بعد أخرى لا بمرّة واحدة،لمرارته و حرارته و رائحته المنتنة.(4:407)

الشّوكانيّ: (يتجرّعه)في محلّ جرّ على أنّه صفة ل(ماء)أو في محلّ نصب على أنّه حال،و قيل:هو استئناف مبنيّ على سؤال.و التّجرّع:التّحسّي،أي يتحسّاه مرّة بعد مرّة لا مرّة واحدة،لمرارته و حرارته.

(3:126)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجرعة،أي الشّرب اليسير،و الجمع:جرع،يقال:جرع الماء يجرعه، و جرعه يجرعه جرعا،و اجترعه و تجرّعه،أي بلعه، و تجرّعه أيضا:تابع الجرع مرّة بعد أخرى كالمتكاره.

و الجرعة:حسوة من الجرعة،و الجمع جراع.و نوق مجاريع و مجارع:قليلات اللّبن،كأنّه ليس في ضروعها إلاّ جرع.

و الجرعة أيضا:الرّملة العذاة الطّيّبة المنبت الّتي لا وعوثة فيها،و هي مشبّهة بجرعة الماء؛و ذلك لأنّ الشّرب لا ينفعها،فكأنّها لم ترو،و الجمع:جراع،و هي الجرعة،و الجمع:جرع،و الجرع و الجمع:جراع، و الأجرع و الجمع:أجارع،و الجرعاء و الجمع:

جرعاوات.

و الأجرع:كثيب جانب منه رمل و جانب حجارة، و المكان الواسع الّذي فيه حزونة و خشونة،و هو تشبيه بالجرعة.

و الجرع:التواء في قوّة من قوى الحبل أو الوتر، تظهر على سائر القوى،و هو كالأجرع ذي رمل و حجارة و حزونة و خشونة،يقال:أجرع الحبل و الوتر، أي أغلظ بعض قواه.

و جرع الغيظ:كظمه،على المثل بذلك،يقال:

جرّعه غصص الغيظ فتجرّعه،أي كظمه،و ما من جرعة أحمد عقبانا من جرعة غيظ تكظمها،و أفلتني جريعة الرّيق،إذا سبقك فابتلعت ريقك عليه غيظا،و هو تصغير جرعة،و كذا أفلتني جريعة الذّقن و بجريعة الذّقن،إذا كان قريبا منه كقرب الجرعة من الذّقن ثمّ أفلته.

ص: 345

2-و قولهم:اجترع العود،أي كسره،من «اجتزعه»بالزّاي المعجمة،يقال منه:اجتزعت من الشّجرة عودا،أي اقتطعته و اكتسرته.و كذا وتر مجزّع.

بعضه مستقيم و بعضه ذو نتوء،فهو من«ج ز ع».

3-و قال العدنانيّ في«جرع الماء و جرعه»:أنا أوثر «جرع الماء»،لأنّ العرب جميعا:أدباءهم و عامّتهم-كما أرجّح-يستعملون الفعل«جرع»،و لم أسمع«جرع» -خلال عمري الطّويل-إلاّ نادرا جدّا.

و لكنّ هذا التّعليل غير سديد،لأنّ العرب اليوم ذوو عيّ و حصر،و في كلامهم لحن و هذر-كما تحفل نصوص الأدباء في هذا العصر بالغلط و الخطل،فلا يحتجّ بهم،و إنّما يحتجّ بالقدامى،فهم ذوو لسن و ذرابة،و بيان و خلابة،فقد أطبقوا جميعا على استعمال«جرع»،أمّا «جرع»فقد أنكره الأصمعيّ.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد(يتجرّعه)في سورة مكّيّة:

وَ يُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ* يَتَجَرَّعُهُ وَ لا يَكادُ يُسِيغُهُ وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ما هُوَ بِمَيِّتٍ وَ مِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ إبراهيم:16،17

يلاحظ أوّلا:أنّ جرع الماء:شربه جرعة،و تجرّعه:

يشربه جرعة جرعة كالمتكاره،و لذلك جاء الفعل في الآية بصيغة«التّفعّل»في سياق الإنذار و التّعذيب، و إكراههم بشرب الصّديد في جهنّم،فقبلها وصفا للّذين كفروا برسلهم: وَ اسْتَفْتَحُوا وَ خابَ كُلُّ جَبّارٍ عَنِيدٍ* مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ وَ يُسْقى...

فقد جمع اللّه لهؤلاء كلّ صفة ذميمة،و كلّ عذاب روحيّ و جسميّ حتّى في شرابهم،فقال: (وَ اسْتَفْتَحُوا) أي أنّ هؤلاء في محاجّتهم للرّسل ينتظرون الفتح و النّصر عليهم،لكن يواجهون بالخيبة في أمنهم.و هذا عذاب روحيّ لهم؛إذ إنّهم من زمرة كلّ جبّار عنيد،أي من جمع بين العناد و الجبر بعدوّه و هذا وصف لأنفسهم الخبيثة الظّالمة كما وصفهم ب(الظّالمين)قبلها: لَنُهْلِكَنَّ الظّالِمِينَ إبراهيم:13.و ما ذكرناه في معنى استفتحوا) أحسن من غيره.لاحظ«ف ت ح».

ثمّ بدأ بعد ذلك بوصف عذابهم،بما يناسب و يلائم أوصافهم هذه فقال: مِنْ وَرائِهِ جَهَنَّمُ أي من وراء هذا الجبّار العنيد جهنّم،و هي دار كلّ عذاب و بلاء.

و الإنسان مقبل من الدّنيا إلى الآخرة فيتخيّل أنّ المناسب أن يقول:«من أمامه»بدل(من ورائه).قال الطّبرسيّ (3:308):«و إنّما جاز في الزّمان أن يسمّى«الأمام» «وراء»و إن لم يجز في غيره،لأنّ الزّمان المستقبل،كأنّه خلفهم،لأنّه يأتي فيلحقهم كما يلحق الإنسان من خلفه.

و عندنا أنّ النّكتة في(وراء)هنا الإشعار بأنّ جهنّم نتيجة أعمالهم و أوصافهم المشار إليها،فهي عقوبة عليها و العقوبة تبع للمساوئ و السّيّئات،فهذا في معنى قوله فيما بعد: وَ مِنْ وَرائِهِ عَذابٌ غَلِيظٌ. لاحظ«و ر ي».

ثمّ ركّز أشقى عذاب لهم في جهنّم و هي بيت النّار و دار الحريق المستتبعة،لغلبة العطش على أهلها،فقال:

وَ يُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ و الصّديد:ما يسيل من الدّم و القيح من الجرح و يشمئزّ الطّبع من شربه.و في الآية تلميح بذلك تفكّها،لأنّ السّقي يتبادر منه الإحسان على

ص: 346

العطشان بما يرفع عطشه،لكن لمّا وقع على ماء صديد فيشعر بأنّه مكره على شرب ما يشمئزّ منه.لكن عبّر عنه بالسّقي،فيكون وَ يُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ نظير:

ذُوقُوا عَذابَ الْحَرِيقِ آل عمران:181،(لاحظ ذوق)و إشعارا بكلّ ذلك قال: يَتَجَرَّعُهُ وَ لا يَكادُ يُسِيغُهُ كما يأتي.

ثانيا:قالوا في مجيء(يتجرّعه)من«التّفعّل» وجوها:

1-إنّه للتّكلّف:أي يتجرّعه بكلفة جرعة بعد جرعة لمرارته و حرارته و نتنه و اشمئزازه منه،و معنى التّكلّف أنّه يكابد الفعل عسى أن يظفر به،مثل تشجّع، أي كلّف نفسه الشّجاعة لتحصل.

2-للاستمرار:جرعة جرعة قال الطّوسيّ:التّجرّع:

تناول المشروب جرعة جرعة على الاستمرار.

3-إنّه للمطاوعة كأنّ السّاقي يسقيه و هو ينفعل به فيتجرّع،نظير:علّمه فتعلّم.

4-بمعنى جرعه،فالمجرّد و المزيد منه واحد،نظير:

عدا الشّيء و تعدّاه.

5-عن ابن عبّاس:يستمسك الصّديد في حلقه، و هذا التّفسير للجملتين يَتَجَرَّعُهُ وَ لا يَكادُ يُسِيغُهُ لا ل(يتجرّعه)خاصّة.فكأنّه مطاوعة(يسقى)من غير لفظه.

و المناسب للسّياق كما علمت هو الأوّل،-أو هو مع الثّاني-و يساوقه: وَ لا يَكادُ يُسِيغُهُ فإنّ الإساغة:

إجراء الشّراب في الحلق،لكن هذا الشّارب يمسك الشّراب في حلقه لحظة لكراهته،كما يتجرّع المريض دواء مرّا.و لاحظ كيف جمع اللّه في هذه الآية بين التّجرّع و الإساغة،و لهما علاقة بالشّرب،فأثبت التّجرّع و نفي الإساغة.

ثمّ لاحظ كيف شدّد و أكّد كراهته للشّرب بقوله:

وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ وَ ما هُوَ بِمَيِّتٍ أي أنّه في شربه الصّديد كأنّه يأتيه الموت من كلّ مكان،أو يتمنّى الموت من كلّ مكان،لكنّه لا يموت.

ثالثا:قالوا في محلّ إعراب(يتجرّعه):إنّه جرّ صفة للماء في(ماء صديد)أو نصب حالا منه،أي حال كونه يتجرّع الماء،أو حال كون الماء كذلك،أو استئناف جوابا لسؤال محذوف،كأنّه قيل:فما ذا يفعل بهذا الماء الصّديد؟ فأجيب:يتجرّعه،أي يتكلّف بشربه تكلّفا شديدا،كما ذكر.

و عندنا أنّ الجملتين حالان من نائب الفاعل في وَ يُسْقى مِنْ ماءٍ صَدِيدٍ أي يسقى منه،و هو يتجرّعه و لا يكاد يسيغه.و كذلك ما بعدهما. وَ يَأْتِيهِ الْمَوْتُ مِنْ كُلِّ مَكانٍ...

ص: 347

ص: 348

ج ر ف

اشارة

جرف

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجرف:اجترافك الشّيء عن وجه الأرض،حتّى يقال:كانت المرأة ذات لثة فاجترفها الطّبيب،أي استحاها عن الأسنان و قطعها.

و الطّاعون:الجارف نزل بأهل العراق و جرّفهم تجريفا،فسمّي جارفا.

و الجارف:شؤم أو بليّة تجترف مال القوم.

و رجل مجرّف:جرّفه الدّهر،أي اجتاح ماله فأفقره.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل جراف:أكول جدّا،و رجل جراف أيضا،أي كثير المجامعة،نشيط لذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و جرف الوادي و نحوه من أسناد المسائل،إذا دخل في أصله فاجترفه،فصار كالدّجل و أشرف أعلاه،فإذا انصدع أعلاه فهو هار.و قد جرّف السّيل أسناده،أي أقباله،و هو ما قابلك من الأرض.(6:108)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قد جرّفته الجراحة،و هو أن تجرف الجلد و اللّحم.(1:118)

الجرفة:رسم باللّهزمة تحت الأذن.(1:135)

المجراف:سكّين يكون للطّبيب.(1:149)

أبو زياد:الجريف:يبيس الأفاني خاصّة.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 7:391)

الأصمعيّ: المجرّف:الّذي قد ذهب ماله.

(ابن السّكّيت:25)

اللّحيانيّ: رجل مجارف و محارف:و هو الّذي لا يكسب خيرا.(الأزهريّ 11:42)

جرف في ماله جرفة،إذا ذهب منه شيء.

(ابن سيده 7:390)

ابن الأعرابيّ: أجرف الرّجل،إذا رعى إبله في الجرف،و هو الخصب و الكلأ المزدجّ الملتفّ.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 349

و أجرف الرّجل،إذا أصابه سيل جراف.

الجرف:المال الكثير من الصّامت و النّاطق.

(الأزهريّ 11:42)

و طعن جرف:واسع.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن سيده 7:391)

أبو عبيد: الجرفة من سمات الإبل:أن تقطع جلدة من فخذ البعير من غير بينونة ثمّ تجمع،و مثلها في الأنف القرمة.(الأزهريّ 11:42)

ابن السّكّيت: ...و المجرّف تجريفا:الأعجف من بعد سمن.(145)

الجراف:مكيال ضخم،قوله:«الجراف الأكبر»، كان لهم من الهوان مكيال واف.

و سيل جراف:يجرف كلّ شيء.(الأزهريّ 11:42)

شمر:جرف و أجراف و جرفة،و هي المهواة.

(الأزهريّ 11:42)

الحربيّ: قرمت البعير أقرمه قرما،إذا سلخت جلدة أنفه ثمّ جمعتها في مكان،فيبقى أثره،فتلك سمة يعرف بها،و هي القرمة.و ما كان في سائر جسده أو العنق،فهي الجرفة.(2:377)

ابن دريد :الجرف:مصدر جرفت الشّيء أجرفه جرفا،و أجرفه،إذا أخذته أخذا كثيرا.و به سمّي الموت الجارف،إذا اجترف النّاس،و السّيل الجارف،لأنّه يجترف ما على الأرض.

و جرف النّهر و الوادي:ما جوّخه السّيل حتّى يقطعه فيمنع الطّرق،و الجمع:أجراف و جروف.و ذكر أبو حاتم عن غيثة أمّ الهيثم أنّها قالت في الجمع:جرفة.

و كلّ شيء جرفت به شيئا فهو مجرفة.(2:81)

الأزهريّ: قال أبو خيرة:الجرف:عرض الجبل الأملس.

قال بعضهم:الجورف:الظّليم.[ثمّ استشهد بشعر]

قلت:هذا تصحيف،و الصّواب ما رواه أبو العبّاس عن ابن الأعرابيّ أنّه قال:الجورق بالقاف:الظّليم.

(11:42)

الفارسيّ: و الجرف بضمّ العين هو الأصل، و الإسكان تخفيف،و مثله الشّغل و الشّغل،و الطّنب و الطّنب و العنق و العنق.يجوز في جميعه التّثقيل و التّخفيف،و كلاهما حسن.(الطّوسيّ 5:348)

الجرفة،و الجرفة:أن تجرف لهزمة البعير،و هو أن يقشر جلده،فيفتل،ثمّ يترك فيجفّ،فيكون جاسيا كأنّه بعرة.(ابن سيده 7:390)

الصّاحب:الجرف:اجترافك الشّيء عن وجه الأرض.

و الطّاعون الجاروف:الذّريع يجترف ملك القوم.

و رجل مجرّف:جرّفه الدّهر،أي اجتاح ماله فافتقر.

و رجل جرّاف:أكول.

و الرّجل الجرّاف:الشّديد النّيك النّشيط.

و جرف الوادي:من أسناد المسائل إذا دخل الماء فيه فاحتفره.

و كبش متجرّف:و هو الّذي قد ذهب عامّة سمنه، و كذلك الإبل.

و جاء فلان متجرّفا،إذا هزل فاضطرب.

ص: 350

و الجرفة:سمة تكون في اللّهزمة و الفخذ،بعير مجروف،و به جرفة.

و عود جرف،و أرض جرفة،أي مختلفة،و قدح جرف.

و رجل مجارف:لا يكسب خيرا و لا ينمو ماله، و جرف الرّجل في ماله جرفة.

و الجريف:جريف الحماط و هو يبيسه،و لونه مثل حبّ القطن إذا يبس.

و يقال للتّرس:أمّ الجرّاف،و الدّلو أيضا.

و الجرفة من الرّمل:الحبل العظيم.

و الجرف:باطن الشّدق،و جمعه:أجراف.

(7:87)

الجوهريّ: الجرف:الأخذ الكثير،و قد جرفت الشّيء أجرفه-بالضّمّ-جرفا،أي ذهبت به كلّه أو جلّه.

و جرفت الطّين:كسحته،و منه سمّي المجرفة.

و الجرف،مثل عسر و عسر:ما تجرّفته السّيول و أكلته من الأرض،و منه قوله تعالى: عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ التّوبة:109،و الجمع:جرفة،مثل جحر و جحرة.و قد جرّفته السّيول تجريفا،و تجرّفته.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجارف:الموت العامّ يجترف مال القوم.

و الجارف:طاعون كان في زمن عبد اللّه بن الزّبير.

و الجرف بالفتح:سمة من سمات الإبل،و هي في الفخذ بمنزلة القرمة في الأنف،تقطع جلدة و تجمع في الفخذ،كما تجمع على الأنف.

و سيل جراف بالضّمّ:يذهب بكلّ شيء.

و رجل جراف أيضا:يأتي على الطّعام كلّه.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال لضرب من الكيل:جراف و جراف.[ثمّ استشهد بشعر](4:1336)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«ليس لابن آدم حقّ فيما سوى هذه الخصال:بيت يكنّه،و ثوب يواري عورته،و جرف الخبز و الماء»،قوله:جرف الخبز:يريد كسر الخبز،واحدتها:جرفة.(1:179)

ابن فارس: الجيم و الرّاء و الفاء أصل واحد،هو أخذ الشّيء كلّه هبشا،يقال:جرفت الشّيء جرفا،إذا ذهبت به كلّه.و سيف جراف:يذهب كلّ شيء.

و الجرف:المكان يأكله السّيل.و جرّف الدّهر ماله:

اجتاحه،و مال مجرّف.و رجل جراف:نكحة،كأنّه يجرف ذلك جرفا.

و من الباب:الجرفة:أن تقطع من فخذ البعير جلدة، و تجمع على فخذه.(1:444)

الهرويّ: و في الحديث:ذكر«الطّاعون الجارف» سمّي جارفا،لأنّه كان ذريعا.

و الجرف:هو اجترافك الشّيء عن وجه الأرض.

[ثمّ ذكر حديث النّبيّ المتقدّم من الخطّابيّ و أضاف:]

و جرّفته السّنة و جلّفته:ذهبت بماله.(347)

نحوه الزّمخشريّ.(الفائق 1:203)

ابن سيده: جرف الشّيء يجرفه جرفا،و اجترفه:

أخذه أخذا كثيرا.

و المجرف،و المجرفة:ما جرف به.

و بنان مجرف:كثير الأخذ من الطّعام.[ثمّ

ص: 351

استشهد بشعر]

و جرف السّيل الوادي يجرفه جرفا:جوّخه.

و الجرف:ما أكل السّيل من أسفل شقّ الوادي و النّهر،و الجمع:أجراف،و جروف،و جرفة.

فإن لم يكن من شقّه فهو شطء و شاطئ.

و سيل جراف،و جاروف:يجرف ما مرّ به من كثرته،و غيث جارف:كذلك.

و الطّاعون الجارف:الّذي نزل بالبصرة،و موت جراف منه.

و رجل جراف:شديد النّكاح.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل جراف:شديد الأكل.

و مجرّف،و منجرف:مهزول.

و كبش متجرّف:ذهب عامّة سمنه.

و جرف النّبات:أكل عن آخره.

و جرف في ماله جرفة،إذا ذهب منه شيء،عن اللّحيانيّ.و لم يرد بالجرفة هاهنا المرّة الواحدة،إنّما عني بها ما عني بالحرف.

و المجرّف،و المجارف:الفقير كالمحارف،عن يعقوب،و عدّه بدلا،و ليس بشيء.

و الجرفة:أن تقطع جلدة من جسد البعير دون أنفه، من غير أن تبين.و قيل:الجرفة في الفخذ خاصّة.

قال سيبويه:«بنوه على«فعلة»استغنوا بالعمل عن الأثر»يعني أنّهم لو أرادوا لفظ الأثر لقالوا:الجرف.

و الجراف:كالمشط و الخياط،فافهم.

و الجرف،و الجريف:يبيس الحماط.

و الجرّاف:اسم رجل.[ثمّ استشهد بشعر](7:390)

الجرف:ما أكل الماء من شطّ الوادي من أسفله،فإذا لم يأكل الماء من أسفله فهو شطّ،و لا يدعى جرفا.

(الإفصاح 2:1045)

الرّاغب: يقال للمكان الّذي يأكله السّيل فيجرفه،أي يذهب به:جرف،و قد جرف الدّهر ماله، أي اجتاحه تشبيها به.و رجل جراف:نكحة،كأنّه يجرف في ذلك العمل.(91)

الزّمخشريّ: جرف الشّيء و اجترفه:ذهب به كلّه.و جرف الطّين و الزّبل عن وجه الأرض:سحاه بالمجرفة.و تجرّفته السّيول،و سيل جراف.

و من المجاز:فلان يبني على جرف هار،لا يدري ما ليل من نهار.و جرف الدّهر ماله.و عام و طاعون جارف.و فيه شؤم جارف.(أساس البلاغة:57)

ابن الأثير: في حديث أبي بكر رضي اللّه عنه:«أنّه كان يستعرض النّاس بالجرف»هو اسم موضع قريب من المدينة،و أصله:ما تجرفه السّيول من الأودية.

و الجرف:أخذك الشّيء عن وجه الأرض بالمجرفة.(1:262)

الصّغانيّ: أرض جرفة:مختلفة،و كذلك عود جرف،و قدح جرف.

و كبش متجرّف:ذهبت عامّة سمنه.

و جاء متجرّفا،إذا هزل و اضطرب.

و أمّ الجرّاف:التّرس،و الدّلو أيضا.

و الجرف:باطن الشّدق.

و الأجراف:موضع.و ذو جراف:واد.

و الجرف:موضع قرب مكّة،حرسها اللّه تعالى،به

ص: 352

كانت وقعة بين هذيل و سليم.

و الجرفة:ماء باليمامة لبني عديّ.

و الجورف:الحمار.(4:444)

الفيّوميّ: جرفته جرفا،من باب«قتل»:أذهبته كلّه.و سيل جراف وزان غراب:يذهب بكلّ شيء.

و الجرف بضمّ الرّاء و بالسّكون للتّخفيف:ما جرفته السّيول و أكلته من الأرض و بالمخفّف تسمّى ناحية قريبة من أعمال المدينة،على نحو ثلاثة أميال.(97)

الفيروزآباديّ: جرفه جرفا و جرفة بفتحهما:

ذهب به كلّه،أو أخذه أخذا كثيرا،و الطّين:كسحه كجرّفه و تجرّفه.

و المجرفة كمكنسة:المكسحة.

و الجارف:الموت العامّ،و الطّاعون،و شؤم أو بليّة تجترف القوم.

و الجرف:المال من الصّامت و النّاطق،و الخصب، و الكلأ الملتفّ،و بهاء و يضمّ:سمة في الفخذ أو الجسد.

و بعير مجروف:وسم به أو وسم باللّهزمة تحت الأذن،و أن يقشر جلده فيفتل ثمّ يترك فيجفّ،فيكون جاسيا كأنّه بعرة،أو أن تقطع جلدة من جسد البعير دون أذنه من غير أن تبين،و ذلك الأثر جرفة بالضّمّ و الفتح.

و أرض جرفة:مختلفة،و كذلك عود جرف،و قدح جرف.

و سيل جراف كغراب:جحاف.

و رجل جراف:أكول جدّا،نكحة نشيط كجاروف.

و ذو جراف:واد.

و جراف و يكسر:ضرب من الكيل.

و الجاروف:المشئوم و النّهم.

و أمّ الجرّاف كشدّاد:الدّلو و التّرس.

و الجرفة بالكسر:الحبل من الرّمل،و من الخبز:

كسرته،و بالضّمّ:ماء باليمامة،و أن تقطع من فخذ البعير جلدة و تجمع على فخذه.

و الجرف:يبيس الحماط أو يابس الأفانى كالجريف فيهما،و بالكسر:باطن الشّدق،و المكان الّذي لا يأخذه السّيل و يضمّ،و بالضّمّ:موضع قرب مكّة،و موضع قرب المدينة،و موضع باليمن منه أحمد بن إبراهيم المحدّث،و موضع باليمامة،و عرض الجبل الأملس، و ما تجرّفته السّيول و أكلته من الأرض،الجمع:أجراف كالجرف بضمّتين،الجمع:جرفة كجحرة.

و الجورف:الحمار،و الظّليم،و البرذون السّريع، و السّيل الجراف.

و أجرف:رعى إبله الجرف،و المكان:أصابه سيل جراف.

و رجل مجارف بفتح الرّاء:لا يكسب خيرا و لا ينمّي ماله.

و كبش متجرّف:ذهبت عامّة سمنه.

و جاء متجرّفا:هزيلا مضطربا.(3:126)

مجمع اللّغة :جرف الطّين و نحوه يجرفه جرفا:

كسحه.و الجرف بضمّتين:ما تحيّف الماء أصله،فتهيّأ للانهيار.(1:187)

العدنانيّ: المجرفة أو المجرف لا المجرفة.

و يسمّون ما يكسح به التّراب و يجرف:مجرفة،و هو

ص: 353

اسم آلة على وزن:

«مفعلة»مجرفة:الصّحاح،و الأساس،و المختار، و اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط،و معجم الشّهابيّ.

أو«مفعل»مجرف:اللّسان،و مستدرك التّاج، و المدّ،و ذيل أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط،و معجم الشّهابيّ.

و فعله:جرفه يجرفه جرفا و جرفة.(121)

المصطفويّ: إنّ الجرف و الجرف و الجراف صفات مشبّهة كصلب و جنب و شجاع مأخوذ من الجرف مصدرا،بمعنى الأخذ الكثير و المحو.

و هذه المادّة قريبة مفهوما من جحف و جزف.

(2:75)

النّصوص التّفسيريّة

جرف

أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللّهِ وَ رِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ... التّوبة:109

أبو عبيدة :مجاز شَفا جُرُفٍ :شفير،و الجرف:

ما لم يبن من الرّكايا،لها جول.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:269)

هو الهوّة و ما يجرفه السّيل من الأودية،فيتجرّف بالماء فيبقى واهيا.(البغويّ 2:390)

ابن قتيبة :و الجرف:ما ينجرف بالسّيول من الأودية.(192)

الطّبريّ: على حرف جرف.و الجرف من الرّكيّ:

ما لم يبن له جول.

و إنّما هذا مثل،يقول تعالى ذكره:أيّ هذين الفريقين خير،و أيّ هذين البناءين أثبت،أ من ابتدأ أساس بنائه على طاعة اللّه و علم منه،بأنّ بناءه للّه طاعة و اللّه به راض،أم من ابتدأه بنفاق و ضلال،و على غير بصيرة منه،بصواب فعله من خطئه،فهو لا يدري متى يتبيّن له خطاء فعله،و عظيم ذنبه،فيهدمه.

كما يأتي البناء على جرف ركيّة لا حابس لماء السّيول عنها و لغيره من المياه،ترى به التّراب متناثرا، لا تلبثه السّيول أن تهدمه و تنثره.(11:32)

النّحّاس: و الجرف:ما جرفه السّيل.(3:255)

أبو زرعة: قرأ ابن عامر و حمزة و أبو بكر: (على شفا جرف) ساكنة الرّاء،كأنّهم استثقلوا ضمّتين.

و قرأ الباقون (جرف) بالرّفع،و إنّما يستثقل ثلاث ضمّات،فأمّا اثنتان فلا يستثقل.(324)

الماورديّ: يعني شفير جرف،و هو حرف الوادي الّذي لا يثبت عليه البناء،لرخاوته و أكل الماء له.

(2:404)

نحوه الخازن.(3:123)

الميبديّ: و الجرف:ما تهدّم من جوانب الوادي.

قال أبو عبيد: الجرف:الهوّة،يعني كلّ وهدة عميقة يجرفها السّيل من الأودية.(4:213)

الزّمخشريّ: و جرف الوادي:جانبه الّذي يتحفّر أصله بالماء،و تجرفه السّيول،فيبقى واهيا.(2:215)

ص: 354

مثله النّسفيّ(2:146)،نحوه أبو السّعود(3:192)، و الكاشانيّ(2:379)،و البروسويّ(3:510).

ابن عطيّة: و الجرف:حول البئر و نحوه ممّا جرّفته السّيول،و النّدوة،و البلي.(3:84)

الفخر الرّازيّ: و الجرف،هو ما إذا سال السّيل و انحرف الوادي،و يبقى على طرف السّيل طين واه مشرف على السّقوط ساعة فساعة،فذلك الشّيء هو الجرف.(16:197)

مثله النّيسابوريّ.(11:20)

القرطبيّ: و الجرف:ما يتجرّف بالسّيول من الأودية،و هو جوانبه الّتي تنحفر بالماء،و أصله من:

الجرف و الاجتراف،و هو اقتلاع الشّيء من أصله.

(8:264)

أبو حيّان :و الجرف:البئر الّتي لم تطو.(5:88)

نحوه الآلوسيّ.(11:22)

الطّباطبائيّ: و جرف الوادي:جانبه الّذي انحفر بالماء أصله.(9:391)

مكارم الشّيرازيّ: و(جرف)بمعنى حافّة النّهر و ساحله،أو البئر الّذي نزح ماؤه و فرغ منه.(6:205)

المصطفويّ: أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فالجرف:السّيل الّذي يذهب من أطراف مجراه،و ليس المراد المكان الّذي أكله السّيل، فإنّه معنى مجازيّ،و لا يستقيم في هذا المورد.و كلمة (هار)صفة ل«شفا»،فتفسير«الجرف»بما أكلته السّيول غير وجيه.

و لا يخفى أنّ السّقوط و الانهيار إنّما يتحقّق في شفا السّيل و طرفه،لا في طرف المكان الّذي يذهب السّيل به.

(2:75)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجرف و الجرف،و هو ما أكل السّيل من أسفل شقّ الوادي و النّهر،و الجمع:

أجراف و جروف و جرفة،و قد جرّفته السّيول تجريفا و تجرّفته.

و جرف الوادي و نحوه من أسناد المسائل،إذا نخج الماء في أصله فاحتفره،و قد جرف السّيل أسناده، و يقال:جرف السّيل الوادي يجرفه جرفا،أي جوّخه.

و سيل جراف و جاروف:يجرف ما مرّ به من كثرته، يذهب بكلّ شيء،و كذلك غيث جارف.يقال:أجرفت الأرض،أي أصابها سيل جراف.

و الجرف و الأجراف و الجرفة:المهواة،و الجرف:

عرض الجبل الأملس.

و يقال على التّشبيه:موت جراف،أي كاسح، و سيف جراف:يجرف كلّ شيء،و رجل جراف:شديد النّكاح،كأنّه يجرف في ذلك العمل،و هو الشّديد الأكل لا يبقي شيئا.

و الجارف:الموت العامّ،يجرف مال القوم، و الطّاعون الجارف:الّذي نزل بالبصرة زمن عبد اللّه بن الزّبير،و كان ذريعا،و سمّي جارفا لأنّه جرف النّاس كجرف السّيل.

و الجرف و الجرفة و الجرفة:أن تقطع جلدة من جسد البعير،و هو ضرب من الوسم.

ص: 355

و الجرف:الأخذ الكثير،يقال:جرف الشّيء يجرفه جرفا و اجترفه،أي أخذه أخذا كثيرا،و كانت المرأة ذات لثة فاجترفها الطّبيب،أي قشرها عن الأسنان قطعا،و جرفت الطّين:كسحته،و بنان مجرف:كثير الأخذ من الطّعام.

و المجرف،و المجرفة:ما جرف به.و الجراف و الجراف:مكيال ضخم،كأنّه يجرف ما يكال به جرفا.

2-أمّا قولهم:رجل مجرّف،قد جرّفه الدّهر،أي اجتاح ماله و أفقره،و جرف النّبات:أكل عن آخره، و كذا جرفة الخبز:كسرته،فهو من«ج ل ف»لاحظ ذلك في موضعه المذكور.و المجراف:سكّين يكون للطّبيب،من«ح ر ف».و ورد قولهم:جرف في ماله جرفة،أي ذهب منه شيء،في«ج ل ف»و«ح ر ف».

كما أنّ بين مادّتي«ج ر ف»و«ح ر ف»اشتقاقا أكبر،يقال:رجل مجارف و محارف،أي فقير،و هو الّذي لا يكسب خيرا.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد(جرف)في سورة مدنيّة:

أَ فَمَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى تَقْوى مِنَ اللّهِ وَ رِضْوانٍ خَيْرٌ أَمْ مَنْ أَسَّسَ بُنْيانَهُ عَلى شَفا جُرُفٍ هارٍ فَانْهارَ بِهِ فِي نارِ جَهَنَّمَ... التّوبة:109

يلاحظ أوّلا:أنّ(الجرف)-بسكون الرّاء و ضمّة كما قرئ بهما-جاء منكّرا في سياق وهن و ضعف و ذمّ، قبال:(تقوى و رضوان)منكّرتين أيضا،في سياق قوّة و مدح،و(جرف)يحاكي شيئا مادّيّا لا يعبأ به،موصوفا ب(هار)الدّالّ على السّقوط،و(تقوى و رضوان)يحاكيان أمرين معنويّين،ينبغي أن يهتمّ بهما اهتماما بالغا، موصوفين بأنّهما من اللّه مصدر القوّة و القدرة.

فالتّقابل بينهما و بين(جرف)بلغ أوجه في الآية:

فهذا واحد موهون،كأنّه وجد بلا غاية و لا فاعل،ينهار صاحبه في نار جهنّم،و هو من الظّالمين،و هما اثنان قويّان متّصلان بمصدر القوّة و الاقتدار،واهب الخيرات، و هما خيران و صاحبهما من أهل الرّضوان،الّذين جاء فيهم رَضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَ رَضُوا عَنْهُ المائدة:119،مع أنّ كلاّ من(جرف و تقوى و رضوان)جاء نكرة مجرورا ب(على)متعلّق ب(اسّس)الدّال على القدرة و الاستحكام،لاحظ:«أ س س».

إلاّ أنّ التّأسيس فيهما جاء على كماله و حقيقته،و في (جرف)مجازا للتّقابل فقط،نظير وَ مَكَرُوا وَ مَكَرَ اللّهُ آل عمران:54،و يُخادِعُونَ اللّهَ وَ هُوَ خادِعُهُمْ النّساء:142،و التّنكير فيهما للتّعظيم و التّعمية،ليذهب ذهن السّامع فيهما إلى كلّ مذهب ممكن من القوّة و الكمال،و في(جرف)للتّحقير و الوهن و الذّمّ.

ثانيا:(جرف)-كما جاء في اللّغة-ما أجرفه السّيل من ساحل الوادي و بقي مشرفا على السّقوط،فالبناء عليه ينهدم و لا يرجى بقاؤه،فالمراد به القطعة من الأرض.لكن المصطفويّ قال:إنّ الجرف:السّيل نفسه دون هذا المكان،لأنّه معنى مجازيّ للكلمة،و لأنّ السّقوط و الانهيار يتحقّق في شفا السّيل و طرفه لا في طرف المكان الّذي يذهب السّيل به،و أنّ(هار)صفة ل(شفا)لا ل(جرف).و هذا باطل من وجوه:

ص: 356

1-أنّ«جرف»و إن اشتقّ من أجرف السّيل،لكنّه أصبح اسما أو وصفا لجانب الوادي الّذي جرى فيه السّيل و ليس معنى مجازيّا.

2-إنّ أحدا من النّاس لا يبني بيتا على السّيل،بل على أرض السّاحل الّتي أكلته السّيول.

3-إنّ(شفا)مضاف إلى الأرض لا إلى السّيل، فطرف هذه الأرض يعدّ شفاها تشبيها بشفا الفم.

4-(هار)اسم فاعل من(هور)،أصله:هائر،قدّم الرّاء على عين الفعل فصار هاري،فحذف الياء،كما في قاضي و قاض،و هو وصف(جرف)لا(شفا)كما زعمه.

ثالثا:هذه الآية لها علاقة بعدّة موادّ مثل«أ س س، و ه و ر،و ب ن ي»و غيرها،فلاحظ.و هي مقياس لأفعال الخير و الشّرّ حسب النّيّة،جاءت تبيانا لمسجدين:مسجد أسّس على التّقوى بيد المؤمنين، و مسجد أسّس ضرارا على النّفاق بيد المنافقين،و قد عددنا خصائصهما في«أ س س»فلاحظ.

رابعا:الآية جاءت في سورة مدنيّة،تعرّضت لحال المنافقين،و هي سورة التّوبة الّتي نزلت بعد غزوة تبوك، و قد بلغت فيها مساوئ المنافقين في محو الإسلام أوجها.

ص: 357

ص: 358

ج ر م

اشارة

13 لفظا،66 مرّة:60 مكّيّة،6 مدنيّة

في 35 سورة:31 مكّيّة،4 مدنيّة

جرم 5:5 مجرما 1:1

يجرمنّكم 3:1-2 مجرمون 2:2

أجرموا 3:3 المجرمون 13:10-3

أجرمنا 1:1 مجرمين 10:9-1

تجرمون 1:1 المجرمين 24:24

المجرم 1:1 مجرميها 1:1

إجرامي 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :أرض جرم،و أرض صرد:دخيلان مستعملان في الحرّ و البرد.

و الجرم،ألواح الجسد و جثمانه.

و رجل جريم و امرأة جريمة،أي ذات جرم،أي جسم.

و جرم الصّوت:جهارته،تقول:ما عرفته إلاّ بجرم صوته.

و فلان له جريمة،أي جرم،و هو مصدر الجارم الّذي يجرم على نفسه و قومه شرّا،و هو الجارم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجرم:الذّنب،و فعله الإجرام،و المجرم:

المذنب،و الجارم:الجاني.[ثمّ استشهد بشعر]

و لا جرم:يجري مجرى لا بدّ،و يفسّر حقّا.

و جرم:قبيلة من اليمن.

و أقمت عنده حولا مجرّما،أي حولا تامّا حتّى انقضى،و جرّمنا هذه السّنة،أي خرجنا منها،و تجرّمت السّنة و الشّتاء و الصّيف.[ثمّ استشهد بشعر](6:118)

اللّيث:الجرم:نقيض الصّرد.(الأزهريّ 11:64)

الكسائيّ: من العرب من يقول:لا ذا جرم،و لا أن ذا جرم،و لا عن ذا جرم،و لا جر،بلا ميم؛و ذلك أنّه كثر في كلامهم فحذفت الميم،كما قالوا:حاش للّه،و هو في الأصل:حاشى،و كما قالوا:أيش،و إنّما هو أيّ شيء،

ص: 359

و كما قالوا:سو ترى،و إنّما هو سوف ترى.

(الأزهريّ 11:66)

سمعت الجرام و الجرام و أخواتها،إلاّ الرّفاع فإنّي لم أسمعها مكسورة.(إصلاح المنطق:104)

أبو عمرو الشّيبانيّ: جريم الطّعام:ما كان فيه من مدر و عيدان،و ما أشبهه.(1:118)

هذا رجل جريم،أي له جرم،و هو من الجسم.

(1:119)

قد جرم به الدّم،أي لصق به،و جرم بالبعير القطران يجرم جرما.(1:121)

رأيت جريما من إبل،و هي الجلّة،و جريم خيل، و جريم طعام.(1:127)

الجرم:النّوى.[ثمّ استشهد بشعر](1:129)

و يقال للرّجل إذا كان حسن الجسم:إنّه لجريم.

قال الخزاعيّ: مكان جريم:غليظ،و غلام جريم:

غليظ جلد،و حمل جريم.(1:135)

الجرام و الجريم:النّوى،و هما أيضا التّمر اليابس.

(إصلاح المنطق:108)

جلّة جريم،أي عظام الأجرام،أي الأجساد.

(إصلاح المنطق:15)

الجرم:البدن،و الجرم:اللّون،و الجرم:الصّوت.

(الأزهريّ 11:64)

جرم الرّجل،إذا صار يأكل جرامة النّخل بين السّعف.(الأزهريّ 11:67)

و هذا زمن الجرام و الجرام،أي الصّرام.

(إصلاح المنطق:263)

الفرّاء:أصل«جرم»من جرمت،أي كسبت الذّنب،و جرّمته.(2:9)

و في حديث قيس بن عاصم:«لا جرم لأفلّنّ حدّها»أصله تبرئة،بمنزلة لا بدّ و لا محالة،ثمّ استعملته العرب في معنى حقّا،و هو معنى الحديث،و يجاب بجوابات الأيمان.(الهرويّ 1:349)

أبو عبيدة :جرمت النّخل و جزمته،إذا خرصته و جززته.(الأزهريّ 11:68)

الجرم:إنّما هو البدن لا غير،و الجرم:الصّوت.

مثله الأصمعيّ.(إصلاح المنطق:14)

تقول:لا جرم لأفعلنّ كذا و كذا،معناه حقّا لأفعلنّ.

[ثمّ استشهد بشعر](ابن دريد 2:84)

أبو زيد :الجرم:الشّخص،و ليس بالحلق و لا الحنجرة و لا الصّوت.(54)

العام المجرّم:الماضي المكمّل،سنة مجرّمة،و شهر مجرّم،و كريت فيهما،و يوم مجرّم و كريت و هو التّامّ.

(الأزهريّ 11:67)

الأصمعيّ: قال معاوية:«أيّ النّاس أفصح»؟فقام رجل فقال...[إلى أن قال:]قال:من هم؟قال:قومك قريش،قال:صدقت ممّن أنت؟قال:من جرم».و جرم:

فصحاء العرب،قيل:«و كيف و هم من اليمن؟فقال:

لجوارهم مضر».(الفائق 3:312)

الجرامة:ما التقط من التّمر بعد ما يصرم،و يلقط من الكرب.(الأزهريّ 11:66)

اللّحيانيّ: جرم النّخل و التّمر يجرمه جرما، و جراما و جراما:صرمه.(ابن سيده 7:413)

ص: 360

ابن الأعرابيّ: لا جرم،لقد كان كذا و كذا،أي حقّا،و لا ذا جر،و لا ذا جرم،و العرب تصل كلامها ب«ذا و ذي و ذو»،فيكون حشوا و لا يعتدّ بها.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 11:66)

الجرم:التّعدّي،و الجرم:الذّنب.و الجرم:اللّون، و الجرم:الصّوت،و الجرم:البدن.

و روي عن أوس بن حارثة أنّه قال:«لا و الّذي أخرج العذق من الجريمة،و النّار من الوثيمة»أراد بالجريمة:النّواة،أخرج منها النّخلة.(الأزهريّ 11:68)

الجرم:القطع،يقال:جرمه يجرمه،إذا قطعه.

و الجرم:الجسد،و الجرم:اللّون.(إصلاح المنطق:14)

تجرّم:ادّعى عليه الجرم و إن لم يجرم.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 7:414)

ابن السّكّيت: شهر مجرّم،إذا كان تامّا،و كذلك اليوم.و سنة مجرّمة و كريت،و هي التّامّة،و كذلك اليوم و الشّهر،و يوم أجرد و جريد،و المجرّم:الماضي المكمّل.

(405)

الجرم:الصّوت و الجسد جميعا.و الجرم:الذّنب.

(إصلاح المنطق:34)

و يقال:قد أجرم يجرم إجراما و جريمة.

و يقال:و قد جرم النّخل يجرمه جرما،إذا صرمه.

و قد جرم صوف الشّاة،إذا جزّه،و قد جرم منه،إذا أخذ منه.(إصلاح المنطق:232)

الجرّام:الصّرّام.[ثمّ استشهد بشعر]

و تمر جريم،أي مصروم.(إصلاح المنطق:263) الجرم:القطع،يقال:جرمه يجرمه جرما،إذا قطعه.(الأزهريّ 11:64)

الدّينوريّ: أرض جرم:دفيئة.(ابن سيده 7:416)

ثعلب :في حديث عليّ:«اتّقوا الصّبحة فإنّها مجفرة منتنة للجرم»الجرم:البدن.(ابن الأثير 1:263)

الزّجّاج: و جرم الرّجل و أجرم،إذا كسب جرما فهو جارم و مجرم.(فعلت و أفعلت:8)

ابن دريد :الجرم:الجسم،و قولهم:فلان حسن الجرم،أي حسن خروج الصّوت من الجرم (1).

و جمع الجرم:جروم و أجرام.

و الجرم:الذّنب،أجرم يجرم إجراما،و جرم يجرم جرما،و الاسم الجرم،و المصدر:الجرم،و به سمّي الرّجل جرما؛و اجترم يجترم اجتراما،و رجل جارم و مجرم.

و بنو جرم:بطنان من العرب:بطن في قضاعة، و الآخر في طيّئ.[ثمّ استشهد بشعر]

و جرمت النّخلة أجرمها جرما،إذا صرمتها.و جاء زمن الجرام،أي زمن الجداد و هو الصّرام.

و الجرامة:التّمر المصروم،و الجرامة:ما يلتقط من الكرب بعد ما يصرم النّخل،و التّمر الجريم:المصروم.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الرّجل الّذي يجرم التّمر:جارم،و الجمع:جرّام.

[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:فلان جريمة أهله،أي كاسبهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجريمة أيضا:الذّنب.[ثمّ استشهد بشعر](2:83)ن.

ص: 361


1- و في الحديث:كان حسن الجرم.قيل:الجرم هنا الصّوت.اللّسان.

جرمت من الجرم،و أجرمت.(3:438)

مجرم و جريم و هو المذنب،و هذا يختلف فيه،فيقال:

جريمة قومه،أي كاسبهم،و لا يقال:«جريم»من جارم، و هو المذنب.(3:425)

و الجرامة:قصد البرّ و الشّعير،و هي أطرافه تدقّ فتنقّى.(3:468)

القاليّ: الجريمة:النّواة.(1:103)

و يؤفن بعض القوم و هو جريم،أي عظيم الجرم، الجرم:الجسد.(2:237)

و الجريم:التّمر المجروم،و هو المصروم.(2:257)

الأزهريّ: [نقل الأقوال المختلفة ثمّ قال:]

و أمّا قولهم:لا جرم،فإنّ الفرّاء زعم أنّها كلمة كانت في الأصل-و اللّه أعلم-بمنزلة لا بدّ،و لا محالة،فكثر استعمالها حتّى صارت بمنزلة حقّا.

أ لا ترى العرب تقول:لا جرم لآتينّك،لا جرم لقد أحسنت،فتراها بمنزلة اليمين،و كذلك فسّرها المفسّرون:حقّا إنّهم في الآخرة هم الأخسرون.

و أصلها من:جرمت،أي كسبت الذّنب.(11:65)

[و قال بعد كلام الكسائيّ:

و قد قيل:لا صلة في«جرم»،و المعنى كسب لهم عملهم النّدم.[ثمّ استشهد بشعر](11:66)

[نقل كلام أبي زيد:سنة مجرّمة...و كلام الخليل الّذي يذكره باسم«اللّيث»:جرّمنا هذه السّنة...ثمّ قال:]

و هذا كلّه من الجرم،و هو القطع،كأنّ السّنة لمّا مضت،صارت مقطوعة من السّنة المستقبلة.

و يقال:جاء زمن الجرام و الجرام،أي جاء زمن صرام النّخل.و الجرّام:الّذين يصرمون التّمر المجروم، و فلان جارم أهله و جريمهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:جرم لونه،إذا صفا،و جرم،إذا عظم جرمه، و نحو ذلك.

و الجرمة:الجرم:و كذلك الجريمة.[ثمّ استشهد بشعر]

(11:67)

و«المدّ»يدعى بالحجاز جريما،يقال:أعطيته كذا و كذا جريما من الطّعام.(11:68)

الصّاحب:الجرم:نقيض الصّرد،أرض جرم.

و الجرم:ألواح الجسد و جثمانه.و رجل جريم و مجروم،و امرأة جريمة:ذات جرم و جسم عظيم.

و يقال:جرمان،مثل جسمان،و هي الرّائحة أيضا.

و رمى بأجرامه،أي بجسمه.

و جرم الصّوت:جهارته.

و الجرم:الذّنب،و جمعه:أجرام.و المجرم:المذنب، و الجارم:مثله.

و الجرم:الباطل،حلفت يمينا ما فيها جرمات،أي أباطيل.

و أصابه ذاك من جرمك،أي من جريمتك و جنايتك، و ما لي عنده جرمة.

و في«جرم»لغات:لا جرم و لا جرم و لا جر،بحذف الميم،و لا ذا جرم و لا أن ذا جرم و لا جرم،بوزن كرم.

و معنى لا ذا جرم،أي أستغفر اللّه.

و أقمت عندهم حولا مجرّما،أي تامّا.و جرّمنا هذه السّنة،أي خرجنا منها.و تجرّمت السّنة و الشّتاء.

و فلان جريمة أهله،أي كاسبهم،و كذلك الجارم.

ص: 362

و الجريم من الإبل:الجلّة الّتي ليس فيها حشو.

و أعطوا الرّامي جريمته،أي زوّدوه.

و الأجرام:متاع الرّاعي.

و الجريمة:آخر ولد الرّجل.

و الجريم و الجرام:النّوى،الواحد جريمة،و قيل:

التّمر اليابس.

و الجرام:صرام النّخل،و الجرامة:ما التقط من التّمر بعد ما يصرم،و الجرّام:الصّرّام.

و الجرم:القطع،جرم صوف الشّاة،إذا جزّه عنها.

و الأجرام من السّمك:لونان مستدير بلون؛و أسود له أجنحة.

و جرم:قبيلة من اليمن.

و الجرم:مصدر الجارم الّذي يجرم على نفسه و قومه شرّا.و اجترم سيّئة:اقترفها.(7:99)

الجوهريّ: الجرم:الذّنب،و الجريمة مثله.تقول منه:جرم و أجرم و اجترم بمعنى.

و الجرم:الحرّ،فارسيّ معرّب.و الجروم من البلاد:

خلاف الصّرود.

و جرم:بطنان من العرب،أحدهما في قضاعة،و هو جرم بن زبّان،و الآخر في طيّئ.

و بنو جارم:قوم من العرب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجرم:القطع،و قد جرم النّخل و اجترمه،أي صرمه فهو جارم،و قوم جرّم و جرّام.و هذا زمن الجرام و الجرام.

و جرمت صوف الشّاة،أي جززته،و قد جرمت منه،إذا أخذت منه،مثل جلمت.

و قال أبو حاتم:قد أولعت العامّة بقولهم:فلان صافي الجرم،أي الصّوت أو الحلق،و هو خطأ.

و الجرمة:القوم الّذين يجترمون النّخل،أي يصرمون.[ثمّ استشهد بشعر]

جرم يجرم،أي كسب،و فلان جريمة أهله،أي كاسبهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجرامة بالضّمّ:ما سقط من التّمر إذا جرم، و الجريم:التّمر المصروم.

و الجريم:النّوى،قال:و هما أيضا التّمر اليابس، ذكره ابن السّكّيت في باب:فعيل و فعال،مثل شحاح و شحيح؛و كهام و كهيم،و بجال و بجيل،و صحاح الأديم و صحيح.و أمّا الجرام بالكسر،فهو جمع جريم،مثل كريم و كرام.

و يقال:جلّة جريم،أي عظام الأجرام.و الجلّة:

الإبل المسانّ.

و حول مجرّم و سنة مجرّمة،أي تامّة.

و تجرّمت السّنون،أي انقضت،و تجرّم اللّيل:

ذهب.

[ثمّ استشهد بشعر]

و تجرّم عليّ فلان،أي ادّعى ذنبا لم أفعله.[ثمّ استشهد بشعر](5:1885)

ابن فارس: الجيم و الرّاء و الميم أصل واحد،يرجع إليه الفروع.فالجرم:القطع،و يقال لصرام النّخل:

الجرام،و قد جاء زمن الجرام.و جرمت صوف الشّاة و أخذته.و الجرامة:ما سقط من التّمر إذا جرم،و يقال:

الجرامة ما التقط من كربه بعد ما يصرم.و يقال:سنة

ص: 363

مجرّمة،أي تامّة،كأنّها تصرّمت عن تمام،و هو من تجرّم اللّيل:ذهب.و الجرام و الجريم:التّمر اليابس.

فهذا كلّه متّفق لفظا و معنى و قياسا.

و ممّا يردّ إليه قولهم:جرم،أي كسب،لأنّ الّذي يحوزه فكأنّه اقتطعه،و فلان جريمة أهله،أي كاسبهم.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الجرم و الجريمة:الذّنب،و هو من الأوّل،لأنّه كسب،و الكسب اقتطاع.و قالوا في قولهم:«لا جرم»:

هو من قولهم:جرمت،أي كسبت.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجسد جرم،لأنّ له قدرا و تقطيعا،و يقال:مشيخة جلّة جريم،أي عظام الأجرام.

فأمّا قولهم لصاحب الصّوت:إنّه لحسن الجرم،فقال قوم:الصّوت يقال له:الجرم.و أصحّ من ذلك قول أبي بكر بن دريد:إنّ معناه حسن خروج الصّوت من الجرم.

و بنو جارم:في العرب.و الجارم:الكاسب.[ثمّ استشهد بشعر]

و جرم هو الكسب،و به سمّيت جرم،و هما بطنان:

أحدهما في قضاعة،و الآخر في طيّئ.(1:445)

أبو هلال: الفرق بين الذّنب و الجرم:أنّ الذّنب ما يتبعه الذّمّ أو ما يتتبّع عليه العبد من قبيح فعله؛و ذلك أنّ أصل الكلمة:الاتّباع،على ما ذكرنا.فأمّا قولهم للصّبيّ:قد أذنب،فإنّه مجاز.

و يجوز أن يقال:الإثم هو القبيح الّذي عليه تبعة، و الذّنب هو القبيح من الفعل و لا يفيد معنى التّبعة،و لهذا قيل للصّبيّ:قد أذنب،و لم يقل:قد أثم.

و الأصل في الذّنب:الرّذل من الفعل كالذّنب الّذي هو أرذل ما في صاحبه.و الجرم:ما ينقطع به عن الواجب؛ و ذلك أنّ أصله في اللّغة:القطع،و منه قيل للصّرام:

الجرام،و هو قطع التّمر.(193)

نحوه الجزائريّ.(80)

الهرويّ: و يقال:جرم،و أجرم،و اجترم،إذا كسب الذّنب.(1:349)

ابن سيده: جرمه يجرمه جرما:قطعه،و شجرة جريمة:مقطوعة.

و تمر جريم،و مجروم:مصروم،و أجرم:حان جرامه.

و الجريم:النّوى،واحدته:جريمة،و هو الجرام أيضا،و لم أسمع للجرام بواحد.و قيل:الجريم،و الجرام:

التّمر اليابس.

و الجرامة:التّمر المجروم،و قيل:هو ما يجرم منه بعد ما يصرم،يلقط من الكرب.

و الجرامة:قصد البرّ و الشّعير،و هي أطرافه تدقّ ثمّ تنقّى،و الأعرف:الجدامة،بالدّال،و كلّه من القطع.

و جرم النّخل جرما،و اجترمه:خرصه.

و الجرم:الذّنب،و الجمع:أجرام،و جروم،و هو الجريمة.

و قد جرم يجرم جرما،و اجترم،و أجرم،فهو مجرم و جريم،و قوله تعالى: حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ الأعراف:40،قال الزّجّاج:المجرمون هاهنا-و اللّه أعلم-:الكافرون،لأنّ الّذي ذكر من قصّتهم التّكذيب بآيات اللّه،و الاستكبار عنها.

ص: 364

و قالوا:اجترم الذّنب،فعدّوه.[ثمّ استشهد بشعر] و جرم عليهم،و إليهم،جريمة،و أجرم:جنى جناية.

[ثمّ استشهد بشعر]

و جرم يجرم،و اجترم:كسب،و هو يجرم لأهله، و يجترم:يتكسّب و يطلب و يحتال.و جريمة القوم:

كاسبهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجرم:الجسد،و الجمع القليل:أجرام.[ثمّ استشهد بشعر]

و الكثير:جروم،و جرمان،عن الفارسيّ،و جرم.

[ثمّ استشهد بشعر]

و ألقى عليه أجرامه،عن اللّحيانيّ و لم يفسّره، و عندي:أنّه يريد ثقل جرمه،و جمع على ما تقدّم في بيت يزيد (1).

و رجل جريم:عظيم الجرم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأنثى:جريمة.

و إبل جريم:عظام الأجرام.

حكى يعقوب عن أبي عمرو:جلّة جريم،و فسّره فقال:عظام الأجرام.

و الجرم:الحلق.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجرم:الصّوت،قال:و قيل:جهارته،و كرهها بعضهم.

و حول مجرّم:تامّ،و قد تجرّم.

و جرّمنا القوم:خرجنا عنهم.

و لا جرم،أي لا بدّ،و قيل:معناه حقّا.[ثمّ استشهد بشعر]

قال سيبويه:فأمّا قوله تعالى: لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النّارَ النّحل:62،فإنّ(جرم)عملت لأنّها فعل، و معناها لقد حقّ أنّ لهم النّار،و لقد استحقّ أنّ لهم النّار.

و قول المفسّرين:معناها حقّا أنّ لهم النّار،يدلّك أنّها بمنزلة هذا الفعل إذا مثّلت.ف(جرم)عملت بعد في(أنّ).

و زعم الخليل :أنّ(جرم)إنّما تكون جوابا لما قبلها من الكلام،يقول الرّجل:كان كذا و كذا،و فعلوا كذا فتقول:لا جرم أنّهم سيندمون،أو أنّه سيكون كذا و كذا.

و يقال:لا جرم،و لا ذا جرم،و لا أن ذا جرم،و لا عن ذا جرم،و لا جر،حذفوه لكثرة استعمالهم إيّاه.

و أرض جرم:حارّة،و الجمع:جروم.

و الجرم:زورق من زوارق اليمن،و الجمع من كلّ ذلك:جروم.

و جرم:بطنان،بطن في قضاعة،و الآخر في طيّئ.

(7:413)

و اجترم على كذا و تجرّم:أقدم،و جرم جريمة:

جناها،و تجرّم عليه:ادّعى عليه الجرم و إن لم يجرم.

(الإفصاح 1:253)

الرّاغب: أصل الجرم:قطع الثّمرة عن الشّجر، و رجل جارم و قوم جرام و ثمر جريم.

و الجرامة:رديء التّمر المجروم،و جعل بناؤه بناء النّفاية.

و أجرم:صار ذا جرم،نحو أثمر و أتمر و ألبن.و استعير ذلك لكلّ اكتساب مكروه،و لا يكاد يقال في عامّة كلامهم للكيّس المحمود،و مصدره:جرم.[ثمّ استشهدهو

ص: 365


1- و كم موطن لولاي طحت كما هوى بأجرامه من قلّة النّيق منهو

بشعر]

فمن الإجرام[و ذكر الآيات إلى أن قال:]

و من«جرم»قال تعالى: لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ هود:89،فمن قرأ بالفتح فنحو بغيته مالا، و من ضمّ فنحو أبغيته مالا،أي أغثته،قال عزّ و جلّ:

لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاّ تَعْدِلُوا المائدة:8، و قوله عزّ و جلّ: فَعَلَيَّ إِجْرامِي هود:35،فمن كسر فمصدر،و من فتح فجمع جرم.

و استعير من الجرم أي القطع:جرمت صوف الشّاة، و تجرّم اللّيل.

و الجرم في الأصل:المجروم،نحو نقض و نفض للمنقوض و المنفوض،و جعل اسما للجسم المجروم.

و قولهم:فلان حسن الجرم أي اللّون،فحقيقته كقولك:حسن السّخاء.

و أمّا قولهم:حسن الجرم أي الصّوت،فالجرم في الحقيقة إشارة إلى موضع الصّوت لا إلى ذات الصّوت، و لكن لمّا كان المقصود بوصفه بالحسن هو الصّوت فسّر به،كقولك:فلان طيّب الحلق،و إنّما ذلك إشارة إلى الصّوت لا إلى الحلق نفسه.

و قوله عزّ و جلّ: لا جَرَمَ قيل:إنّ(لا)يتناول محذوفا نحو(لا)في قوله:(لا اقسم)و في قول الشّاعر:

*لا و أبيك ابنة العامريّ*

و معنى(جرم):كسب أو جنى و أَنَّ لَهُمُ النّارَ في موضع المفعول،كأنّه قال:كسب لنفسه النّار،و قيل:

جرم و جرم بمعنى،لكن خصّ بهذا الموضع«جرم»كما خصّ عمر بالقسم و إن كان عمر و عمر بمعنى،و معناه ليس بجرم أنّ لهم النّار،تنبيها أنّهم اكتسبوها بما ارتكبوه،إشارة إلى نحو قوله: وَ مَنْ أَساءَ فَعَلَيْها، فصّلت 46.

و قد قيل في ذلك أقوال أكثرها ليس بمرتضى عند التّحقيق.[ثمّ ذكر آيات(لا جرم)](91)

الزّمخشريّ: جرم النّخل،و جرم صوف الغنم، و هو زمن الجرام،و هذه نخلة كثيرة الجريم،أي التّمر.

و هب لنا جرامة نخلك،و هو ما يترك على الكرب.[ثمّ استشهد بشعر]

و تجرّم العام و الشّتاء و الصّيف:تصرّم.و جرّمناه:

قطّعناه و أتممناه،و عام مجرّم.و أقمت عنده تمّ عام مجرّم.

و يقول أهل الحجاز:أعطيته كذا جريما من التّمر،و هو مدّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.و جرم فلان،و أجرم،و هو جارم على نفسه و قومه.[ثمّ استشهد بشعر]

و ما لي في هذا جرم،و أخذ فلان بجريمته،و هم أهل الجرائم.و هذا جريمة أهله،و جارمتهم و جارحتهم،أي كاسبهم،و العقاب جريمة فرخها.و لا جرم لأحسننّ إليك.و رجل جريم:عظيم الجرم،و امرأة جريمة،و جلّة جريم،و رمى عليه بأجرامه.و ما عرفته إلاّ بجرم صوته، أي بجهارته.و هذه بلاد جرم و بلاد صرد،أي حرّ و برد.

(أساس البلاغة:57)

المدينيّ: في الحديث:«لا تذهب مائة سنة و على الأرض عين تطرف،يريد بذلك تجرّم ذلك القرن»،أي تصرّمه و انقراضه.و الجرم:القطع،و الجرام:صرام النّخل،و يروى«تخرّم»بالخاء المعجمة.(1:322)

ابن الأثير: و في الحديث:«أعظم المسلمين في

ص: 366

المسلمين جرما من سأل عن شيء لم يحرّم فحرّم من أجل مسألته»الجرم:الذّنب.و قد جرم و اجترم، و تجرّم.

و في حديث قيس بن عاصم:«لا جرم لأفلّنّ حدّها» هذه كلمة ترد بمعنى تحقيق الشّيء.و قد اختلف في تقديرها،فقيل:أصلها التّبرئة بمعنى لا بدّ،ثمّ استعملت في معنى حقّا.

و قيل:جرم بمعنى كسب،و قيل:بمعنى وجب و حقّ، و(لا)ردّ لما قبلها من الكلام،ثمّ يبتدأ بها،كقوله تعالى:

لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النّارَ النّحل:62،أي ليس الأمر،كما قالوا،ثمّ ابتدأ فقال:وجب لهم النّار.

و قيل:في قوله تعالى: لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي هود:

89،أي لا يحملنّكم و يحدوكم.(1:262)

الفيّوميّ: جرم جرما من باب«ضرب»:أذنب و اكتسب الإثم،و بالمصدر سمّي الرّجل،و منه بنو جرم، و الاسم منه:جرم بالضّمّ،و الجريمة مثله،و أجرم إجراما كذلك،و جرمت النّخل:قطعته.

و الجرم بالكسر:الجسد،و الجمع:أجرام مثل حمل و أحمال،و الجرم أيضا:اللّون،فيجوز أن يقال:نجاسة لا جرم لها،على ما تقدّم.

و قولهم:لا جرم،قال الفرّاء:هي في الأصل بمعنى لا بدّ و لا محالة،ثمّ كثرت فحوّلت إلى معنى القسم، و صارت بمعنى حقّا،و لهذا يجاب باللاّم،نحو:لا جرم لأفعلنّ.(1:97)

الفيروزآباديّ: جرمه يجرمه:قطعه،و النّخل جرما و جراما و يكسر:صرمه،و النّخل جرما:خرصه كاجترمه.

و فلان:أذنب كأجرم و اجترم،فهو مجرم و جريم.

و لأهله:كسب كاجترم،و عليهم و إليهم جريمة:

جنى جناية كأجرم،و الشّاة:جزّها.

و الجرمة بالكسر:القوم يجترمون النّخل.

و الجرم بالضّمّ:الذّنب كالجريمة و الجرمة ككلمة، الجمع:أجرام و جروم،و كثمامة:الجذامة،و التّمر المجروم أو ما يجرم منه بعد ما يصرم:يلقط من الكرب، و قصد البرّ و الشّعير،و هي أطرافه تدقّ ثمّ تنقّى.

و كأمير و غراب:التّمر اليابس،و النّوى، و المجرمون:الكافرون.

و تجرّم عليه:ادّعى عليه الجرم و إن لم يجرم،و اللّيل:

ذهب و تكمّل.

و جريمة القوم:كاسبهم.

و الجرم بالكسر:الجسد كالحرمان،جمعه:أجرام و جروم و جرم بضمّتين،و الحلق،و الصّوت أو جهارته، و اللّون.

و الجريم:العظيم الجسد،و هي بهاء،كالمجروم، الجمع:جرام.

و حول مجرّم كمعظّم:تامّ،و قد تجرّم.

و جرّمناهم تجريما:خرجنا عنهم.

و لا جرم،و لا ذا جرم،و لا أن ذا جرم،و لا عن ذا جرم،و لا جر،و لا جرم ككرم،و لا جرم بالضّمّ،أي لا بدّ أو حقّا أو لا محالة،أو هذا أصله،ثمّ كثر حتّى تحوّل إلى معنى القسم،فلذلك يجاب عنه باللاّم،فيقال:لا جرم لآتينّك.

ص: 367

و الجرم:الحارّ معرّب،و الأرض الشّديدة الحرّ، و زورق يمنيّ،الجمع:جروم،و بطن في طيّئ،و ابن زبّان بطن في قضاعة،و بالكسر:بلاد قرب بذخشان،و بنو جارم:بطنان.

و كفرح:صار يأكل جرامة النّخل.

و أجرم:عظم،و لونه:صفا،و الدّم به:لصق،وصفا صوته.

و جاجرم:مدينة.

و كأحمد:بطن من خثعم.

و الجريمة:آخر ولدك.

و الإجرام:متاع الرّاعي،و لونان من السّمك، و كمحسن:اسم.(4:90)

الطّريحيّ: في الحديث:«قال من أجرم إلى آل محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم».و جرم يجرم جرما من باب«ضرب»:

أذنب و اكتسب الإثم،و بالمصدر:سمي الرّجل،و منه بنو جرم.

و المجرم:المنقطع عن الحقّ إلى الباطل.(6:28)

مجمع اللّغة :جرم يجرم جرما:كسب،و لا يكاد يستعمل إلاّ في الاكتساب المكروه،و جرمه الشّيء:

أكسبه إيّاه.

و جرمه على كذا:حمله عليه.

أجرم إجراما فهو مجرم:أذنب.

و المجرم و المجرمون في استعمال القرآن:الّذين أجرموا بالكفر و العناد.(1:188)

محمّد إسماعيل إبراهيم:جرم يجرم و اجترم:

اكتسب أو حمل ما لا خير فيه،و أجرم إجراما:أذنب و ارتكب جريمة،و المجرم:مرتكب الذّنب،و جرمه على كذا:حمله على عمله.

لا جرم:عبارة معناها في الأصل:لا بدّ و لا محالة أو حقّا،ثمّ استعملت لتأكيد الخبر كالقسم،و صارت بمعنى حقّا.(1:105)

العدنانيّ: الجرم و الجريمة،الجناح،الجناية.

الجرم و الجريمة:الذّنب.

الجناح:الإثم و الجرم.

الجناية:الذّنب و الجرم.

هذا هو التّعريف اللّغويّ،و لكنّ القوانين الجزائيّة الحديثة تقول نقلا عن عدنان الخطيب،نائب رئيس مجمع اللّغة العربيّة بدمشق:

الجرم و الجريمة:اسم لكلّ فعل يخالف القانون، و المجرم:من اقترف جريمة.

الجناح:الميل لدى الأحداث لارتكاب الجرائم، و الحدث الجانح:من اقترف جريمة.

الجنحة:وصف لنوع من الجرائم،و هي دون الجناية عقوبة.

الجناية:وصف لأشدّ الجرائم عقوبة.

و أنا أرى أن نتقيّد بتعريفات القوانين الجزائيّة الحديثة،لأنّ الإطار الّذي يحيط بالكلمة،يجب أن لا يخرج عن إطار الكلمة أدبيّا و علميّا و قانونيّا،و قد حان لنا أن نطلب من كلّيّات الآداب و الحقوق، و الصّحافة،و الفنون،و الضّبّاط عندنا،أن تطعّم برامجها ببعض المعارف العلميّة الحديثة،الّتي لا بدّ لمن يتخرّج في تلك الكلّيّات من الاطّلاع عليها،لتجعل ثقافته أكثر

ص: 368

إشعاعا،و إنتاجه أنضج ثمارا،لا كما جادلني أحد الضّبّاط يوما،و أنا في نهاية سنتي الرّابعة في دراسة الطّبّ بالّتي هي أنحس،حين أصرّ على أنّ داء السّرطان،هو سرطان البحر،الّذي يشرب المرء بيضته مع ماء البحر،فيكبر،و ينشب مخالبه،أو أظفاره في جسم الإنسان.و من الغريب أنّ الحاضرين جميعهم أيّدوا أقواله،لأنّه كان ثريّا مثلهم.(121)

محمود شيت:جرم الجنديّ: أذنب.

الجريمة:العمل المخلّ بالضّبط الّذي تنطبق عليه أحكام مادّة أو موادّ،من قانون العقوبات العسكريّ.

المجرم العسكريّ: الّذي حكم عليه بموجب قانون العقوبات العسكريّ،أو بموجب القوانين المرعيّة.

(1:140)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو القطع،على خلاف اقتضاء الحقّ.و بمناسبة هذا المعنى مع حفظ القيد تستعمل في موارد مختلفة،منها:

الذّنب بلحاظ كونه أعظم سبب للانقطاع عن اللّه المتعال، فإنّ العبد بالذّنب و العصيان يقطع نفسه عن السّير إلى اللّه،و التّوجّه إليه.

و منها:قطع الشّجر أو اقتطاف الثّمر إذا كان خلاف المصلحة و الاقتضاء.

و منها:الجسد لانقطاعه عن الرّوح،و إذا لوحظ خاليا و من حيث هو.

و منها:جرم صوف الشّاة،فإنّه خلاف مقتضى حياتها،فإنّ الصّوف لباس لها.

و أمّا«لا جرم»فمعناه لا انقطاع في هذا الحكم و لا استثناء،و هو حكم كلّيّ قطعيّ،لا يقبل الاستثناء.

فظهر أنّ الجرم و الإجرام هو الاكتساب،عن طريق الانقطاع و الذّنب،أي قطع النّفس باكتساب الإثم،كما أنّ الاجتراح كان اكتسابا عن طريق الجرح،و الاقتراف اكتسابا عن طريق الاقتراب.

و الفرق بين الجرم و الإجرام:أنّ الإجرام«إفعال»، و يلاحظ فيه جهة قيام الفعل بالفاعل،و يتوجّه إلى جهة الصّدور،و بهذا اللّحاظ فقد أتى في القرآن الكريم بصيغة:

الإجرام و المجرم و أجرموا و المجرمين.[ثمّ ذكر الآيات و أضاف:]

هذه حقيقة مفهوم هذه المادّة،و ما ذكر في التّفاسير غير وجيه.(2:77)

النّصوص التّفسيريّة

لا جرم

لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ. هود:22

ابن عبّاس: حقّا.(183)

مثله ابن قتيبة(202)،و الخازن(3:185) الخليل :(لا جرم)إنّهما ركّبا من(لا)و(جرم) و بنيا،و المعنى حقّ،و ما بعده رفع به على الفاعليّة.

مثله سيبويه.(أبو حيّان 5:212)

الكسائيّ: لا صدّ و لا منع عن أنّهم في الآخرة[هم الاخسرون].(القيسيّ 1:396)

الفرّاء: كلمة كانت في الأصل بمنزلة:لا بدّ أنّك قائم،و لا محالة أنّك ذاهب،فجرت على ذلك و كثر

ص: 369

استعمالهم إيّاها،حتّى صارت بمنزلة حقّا،أ لا ترى أنّ العرب تقول:لا جرم لآتينّك،لا جرم قد أحسنت، و كذلك فسّرها المفسّرون بمعنى الحقّ.(2:8)

الطّبريّ: يقول:حقّا أنّ هؤلاء القوم الّذين هذه صفتهم في الدّنيا،في الآخرة هم الأخسرون،الّذين قد باعوا منازلهم من الجنان بمنازل أهل الجنّة من النّار، و ذلك هو الخسران المبين.

و قد بيّنّا فيما مضى أنّ معنى قولهم:جرمت:كسبت الذّنب،و أجرمته،و إنّ العرب كثر استعمالها إيّاه في مواضع الأيمان،و في مواضع لا بدّ،كقولهم:لا جرم أنّك ذاهب،بمعنى لا بدّ،حتّى استعملوا ذلك في مواضع التّحقيق،فقالوا:لا جرم ليقومنّ،بمعنى حقّا ليقومنّ، فمعنى الكلام لا منع عن أنّهم،و لا صدّ عن أنّهم.

(12:23)

نحوه المراغيّ.(12:22)

الزّجّاج: قال المفسّرون:المعنى جزاء حقّا أنّهم في الآخرة هم الأخسرون.

و معنى(لا)نفي لما ظنّوا أنّه ينفعهم،كأنّ المعنى لا ينفعهم ذلك،جرم أنّهم في الآخرة هم الأخسرون، أي كسب ذلك الفعل لهم الخسران.(3:45)

الحوفيّ: (جرم)منفيّ ب(لا)بمعنى حقّ،و هو مبنيّ مع(لا)في موضع رفع بالابتداء و(أنّهم)في موضع رفع على خبر(جرم).(أبو حيّان 5:213)

الطّوسيّ: قيل:معناه لا بدّ أنّهم،و لا محالة أنّهم.

و قيل:معناه حقّا أنّهم.

و أصل الجرم:القطع،فكأنّه قال:لا قطع من أنّهم في الآخرة هم الأخسرون.و(جرم)في قوله:(لا جرم) فعل،و تقديره:لا قطع قاطع عن ذا،إلاّ أنّهم كثر في كلامهم حتّى صار كالمثل.[ثمّ استشهد بشعر]

(5:534)

البغويّ: أي:حقّا،و قيل:بلى.(2:444)

ابن عطيّة: [نقل الأقوال المختلفة ثمّ قال:]

فكأنّ(جرم)على هذا من معنى القطع،تقول:

جرمت،أي قطعت،و هي على منزع الزّجّاج من الكسب.[ثمّ استشهد بشعر](3:161)

الطّبرسيّ: يستعمل في أمر يقطع عليه و لا يرتاب فيه،أي لا شكّ أنّ هؤلاء الكفّار هم أخسر النّاس في الآخرة.(3:151)

الفخر الرّازيّ: (لا جرم)قال الفرّاء:إنّها بمنزلة قولنا:لا بدّ و لا محالة،ثمّ كثر استعمالها حتّى صارت بمنزلة حقّا،تقول العرب:لا جرم أنّك محسن،على معنى حقّا إنّك محسن.و أمّا النّحويّون فلهم فيه وجوه:

الأوّل:(لا)حرف نفي و(جرم)أي قطع،فإذا قلنا:

لا جرم،معناه أنّه لا قطع قاطع عنهم،أنّهم في الآخرة هم الأخسرون.

الثّاني:قال الزّجّاج:إنّ كلمة(لا)نفي لما ظنّوا أنّه ينفعهم،و(جرم)معناه كسب ذلك الفعل،و المعنى لا ينفعهم ذلك،و كسب ذلك الفعل لهم الخسران في الدّنيا و الآخرة،و ذكرنا(جرم)بمعنى كسب في تفسير قوله تعالى: لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ. قال الأزهريّ:و هذا من أحسن ما قيل في هذا الباب.

الثّالث:قال سيبويه و الأخفش:(لا)ردّ على أهل

ص: 370

الكفر كما ذكرنا.و(جرم)معناه حقّ و صحيح،و التّأويل أنّه حقّ كفرهم وقوع العذاب و الخسران بهم.(17:208)

نحوه القرطبيّ(9:20)،و أبو السّعود(3:299)، و البروسويّ(4:113).

البيضاويّ: لا أحد أبين و أكثر خسرانا منهم.

(1:465)

النّسفيّ بالصّدّ و الصّدود،و في(لا جرم)أقوال:

أحدها:أنّ(لا)ردّ لكلام سابق،أي ليس الأمر كما زعموا،و معنى(جرم)كسب،و فاعله مضمر و أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ في محلّ النّصب،و التّقدير:كسب قولهم خسرانهم في الآخرة.

و ثانيها:أنّ(لا جرم)كلمتان ركّبتا فصار معناهما «حقّا»و(أنّ)في موضع رفع بأنّه فاعل لحقّ،أي حقّ خسرانهم.

و ثالثها:أنّ معناه لا محالة.(2:184)

شبّر: نفي لما ظنّوا أنّه ينفعهم،كأنّ المعنى لا ينفعهم ذلك جرم.(3:209)

الآلوسيّ: [ذكر بعض الأقوال و أضاف:]

و نقل السّيرافيّ عن الزّجّاج:أنّ(لا جرم)في الأصل بمعنى لا يدخلنّكم في الجرم،أي الإثم كإثمه،أي أدخله في الاسم،ثمّ كثر استعماله حتّى صار بمعنى«لا بدّ»و نقل هذا المعنى عن الفرّاء.

و في«البحر»أنّ(جرم)اسم(لا).و قيل:إنّ(جرم) بمعنى باطل،إمّا على أنّه موضوع له،و إمّا أنّه بمعنى كسب و الباطل محتاج له.و من هنا يفسّر(لا جرم)بمعنى حقّا، لأنّ الحقّ نقيض الباطل،و صار لا باطل يمينا ك«لا كذب»في قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنا النّبيّ لا كذب».[ثمّ ذكر قول الفيروزآباديّ المتقدّم و أضاف:]

و فيه مخالفة لما نقله السّيرافيّ عن الزّجّاج،و ما ذكره من(لا جرم)ككرم،رواه بعضهم عن أبي عمرو في الآية،و من لا ذا جرم حكاه الفرّاء عن بني عامر،و حكى أيضا(لا جرم)بالضّمّ عن أناس من العرب.و لكن قال الشّهاب:إنّ في ثبوت هذه اللّغة في فصيح كلامهم تردّدا،و(جرم)فيها يحتمل أن يكون اسما و أن يكون فعلا مجهولا سكّن للتّخفيف،و حكى بعضهم لا ذو جرم،و لا عن جرم،و لا جر،بحذف الميم لكثرة الاستعمال،كما حذفت الفاء من«سوف»لذلك في قولهم:

سو ترى.

و الظّاهر أنّ المقحمات بين(لا)و(جرم)زائدة،و إليه يشير كلام بعضهم،و حكي بغير لا جرم أنّك أنت فعلت ذاك،و لعلّ المراد أنّ كونك الفاعل لا يحتاج إلى أن يقال فيه:لا جرم،فليراجع ذاك،و اللّه تعالى يتولّى هداك.

(12:33)

رشيد رضا :كلمة(لا جرم)تفيد التّحقيق و التّأكيد لما بعدها.[ثمّ ذكر قول الفرّاء](12:57)

الطّباطبائيّ: [نقل كلام الفرّاء ثمّ قال:]

و قد ذكروا أنّ(جرم)بفتحتين بمعنى القطع،فلعلّها كانت في الأصل تستعمل في نتائج الكلام كلفظة لا محالة، و تفيد أنّه لا يقطع هذا القول قاطع إن كذا كذا،كما يتصوّر نظير المعنى في لا محالة،فمعنى الآية على هذا:حقّا إنّهم في الآخرة هم الأخسرون.(10:192)

مكارم الشّيرازيّ: و المعنى الأصليّ لكلمة

ص: 371

(لا جرم)مأخوذ من جرم على وزن«حرم»و هو قطف الثّمار من الأشجار،كما نقل ذلك الرّاغب في«مفرداته» ثمّ توسّع هذا المعنى فشمل كلّ نوع من الكسب و التّحصيل،و لكثرة استعمال الكلمة في الكسب غير المرغوب فيه شاعت في هذا المعنى،و لذلك يطلق على الذّنب أنّه جرم.

و لكن حين تبدأ هذه الكلمة جملة و هي مسبوقة ب(لا)فيكون معناها حينئذ أنّه لا شيء يمكنه أن يمنع أو يقطع هذا الموضوع،فهي قريبة من معنى لا بدّ أو من المسلّم به،و اللّه العالم،فلاحظوا بدقّة.(6:471)

و بهذا المعنى جاء لا جَرَمَ... في سورة النّحل آيات:23،62،109،و المؤمن:43.

لا يجرمنّكم

...وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى...

المائدة:2

ابن عبّاس: و لا يحملنّكم.(88)

مثله قتادة(الطّبريّ 6:63)،و الكسائيّ و المبرّد (الماورديّ 2:8)،و الميبديّ(3:11)،و عبد المنعم الجمّال(1:672).

الفرّاء: قرأها يحيى بن وثّاب و الأعمش (و لا يجرمنّكم)من أجرمت،و كلام العرب و قراءة القرّاء (يجرمنّكم)بفتح الياء.جاء التّفسير:و لا يحملنّكم بغض قوم،و سمعت العرب تقول:فلان جريمة أهله،يريدون:

كاسب لأهله،و خرج يجرمهم:يكسب لهم،و المعنى فيها متقارب لا يكسبنّكم بغض قوم أن تفعلوا شرّا،ف(ان) في موضع نصب.

فإذا جعلت في(ان)«على»ذهبت إلى معنى لا يحملنّكم بغضهم على كذا و كذا،على أن لا تعدلوا، فيصلح طرح«على»كما تقول:حملتني أن أسأل،و على أن أسأل.(1:299)

أبو عبيدة :مجازه:و لا يحملنّكم و لا يعدينّكم.[ثمّ استشهد بشعر](1:147)

الأخفش: لا يجنفنّكم بغض قوم.(الزّجّاج 2:143)

الطّبريّ: أهل المعرفة باللّغة،فإنّهم اختلفوا في تأويلها،فقال بعض البصريّين:معنى قوله:

(و لا يجرمنّكم)لا يحقّنّ لكم،لأنّ قوله: لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النّارَ النّحل:62،هو حقّ أنّ لهم النّار.

و قال بعض الكوفيّين: معناه لا يحملنّكم،و قال:

يقال:جرمني فلان على أن صنعت كذا و كذا:أي حملني عليه.و احتجّ جميعهم ببيت الشّاعر:

و لقد طعنت أبا عيينة طعنة

جرمت فزارة بعدها أن يغضبوا

فتأوّل ذلك كلّ فريق منهم على المعنى الّذي تأوّله من القرآن،فقال الّذين قالوا: لا يَجْرِمَنَّكُمْ :لا يحقّنّ لكم.معنى قول الشّاعر:جرمت فزارة:أحقّت الطّعنة لفزارة الغضب.

و قال الّذين قالوا:معناه لا يحملنّكم،معناه في البيت:جرمت فزارة أن يغضبوا:حملت فزارة على أن يغضبوا.

و قال آخر من الكوفيّين:معنى قوله:(لا يجرمنّكم):

ص: 372

لا يكسبنّكم شنآن قوم.و تأويل قائل هذا القول،قول الشّاعر في البيت:جرمت فزارة:كسبت فزارة أن يغضبوا.قال:و سمعت العرب تقول:فلان جريمة أهله، بمعنى:كاسبهم،و خرج يجرمهم:يكسبهم.

و هذه الأقوال الّتي حكيناها عمّن حكيناها عنه، متقاربة المعنى؛و ذلك أنّ من حمل رجلا على بغض رجل، فقد أكسبه بغضه،و من أكسبه بغضه،فقد أحقّه له.

فإذ كان ذلك كذلك،فالّذي هو أحسن في الإبانة عن معنى الحرف،ما قاله ابن عبّاس و قتادة،و ذلك توجيههما معنى قوله: وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ و لا يحملنّكم شنآن قوم على العدوان.

و اختلف القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء الأمصار (وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ) بفتح الياء،من جرمته أجرمه، و قرأ ذلك بعض قرّاء الكوفيّين،و هو يحيى بن وثّاب و الأعمش،ما حدّثنا ابن حميد و ابن وكيع،قالا:حدّثنا جرير،عن الأعمش أنّه قرأ (و لا يجرمنّكم) مرتفعة الياء،من أجرمته أجرمه،و هو يجرمني.

و الّذي هو أولى بالصّواب من القراءتين:قراءة من قرأ ذلك (وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ) بفتح الياء،لاستفاضة القراءة بذلك في قرّاء الأمصار،و شذوذ ما خالفها،و أنّها اللّغة المعروفة السّائرة في العرب،و إن كان مسموعا من بعضها:أجرم يجرم على شذوذه.و قراءة القرآن بأفصح اللّغات أولى و أحقّ منها بغير ذلك.(6:63)

نحوه البيضاويّ(1:261)،و النّسفيّ(1:269)، و البروسويّ(2:339).

الزّجّاج: المعنى لا يكسبنّكم بغض قوم،أي بغضكم قوما الاعتداء بصدّهم إيّاكم عن المسجد الحرام،يقال:

فلان جريمة أهله،أي هو كاسبهم.و قيل في التّفسير:

لا يحملنّكم بغض قوم،و المعنى واحد.و قال الأخفش:

لا يجنفنّكم بغض قوم،و هذه ألفاظ مختلفة،و المعنى واحد.

(2:143)

الطّوسيّ: [نقل الأقوال المختلفة ثمّ قال:]

و أمّا جرم:اكتسب الإثم،قال اللّه تعالى: إِنّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ السّجدة:22،و قال: فَعَلَيَّ إِجْرامِي هود:35،و معناه فعليّ عقوبة إجرامي أو إثم إجرامي.و معنى لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ لا تكتسبوا لبغض قوم عدوانا،و لا تفتنوه.

فمن فتح أن أوقع النّهي في اللّفظ على«الشّنآن»، و المعنيّ بالنّهي المخاطبون،كما قالوا:لا أريتك هاهنا، و لا تموتنّ إلاّ و أنتم مسلمون.(3:424)

البغويّ: و قيل:لا يدعونّكم.(2:9)

الزّمخشريّ: «جرم»يجري مجرى كسب في تعدّيه إلى مفعول واحد و اثنين،تقول:جرم ذنبا نحو كسبه، و جرمته ذنبا نحو كسبته إيّاه،و يقال:أجرمته ذنبا،على نقل المتعدّي إلى مفعول بالهمزة إلى مفعولين،كقولهم أكسبته ذنبا.و عليه قراءة عبد اللّه (و لا يجرمنّكم) بضمّ الياء،و أوّل المفعولين على القراءتين ضمير المخاطبين، و الثّاني(ان تعتدوا)...و المعنى:و لا يكسبنّكم بغض قوم، لأن صدّوكم الاعتداء،و لا يحملنّكم عليه.(1:592)

نحوه العكبريّ(1:416)،و النّيسابوريّ(6:36)، و رشيد رضا(6:119).

ابن عطيّة: [نقل الأقوال الماضية ثمّ قال:]

ص: 373

و هذه كلّها أقوال تتقارب بالمعنى،فالتّفسير الّذي يخصّ اللّفظة هو معنى الكسب.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:148)

أبو السّعود :نهى عن إحلال قوم من الآمّين خصّوا به،مع اندراجهم في النّهي عن إحلال الكلّ كافّة، لاستقلالهم بأمور ربّما يتوهّم كونها مصحّحة لإحلالهم، داعية إليه.

و«جرم»جار مجرى«كسب»في المعنى و في التّعدّي إلى مفعول واحد و إلى اثنين،يقال:جرم ذنبا نحو كسبه، و جرمته ذنبا نحو كسبته إيّاه،خلا أنّ«جرم»يستعمل غالبا في كسب ما لا خير فيه،و هو السّبب في إيثاره هاهنا على الثّاني.

و قد ينقل الأوّل من كلّ منهما بالهمزة إلى معنى الثّاني،فيقال:أجرمته ذنبا و أكسبته إيّاه،و عليه قراءة من قرأ (يجرمنّكم) بضمّ الياء.(2:236)

نحوه الآلوسيّ.(6:55)

الطّباطبائيّ: يقال:جرمه يجرمه،أي حمله،و منه الجريمة للمعصية،لأنّها محمولة من حيث و بالها، و للعقوبة الماليّة و غيرها،لأنّها محمولة على المجرم.

(5:163)

حسنين مخلوف:لا يحملنّكم بغضكم للمشركين من أجل صدّهم إيّاكم عن المسجد الحرام يوم الحديبيّة، على اعتدائكم عليهم انتقاما منهم،من جرمه على كذا:

حمله عليه.

أو لا يكسبنّكم بغضكم لهم الاعتداء عليهم،من جرم بمعنى كسب،غير أنّه يستعمل غالبا في كسب ما لا خير فيه،و منه الجريمة.

و أصل الجرم:قطع الثّمرة من الشّجرة،و أطلق على الكسب،لأنّ الكاسب ينقطع لكسبه.(1:183)

نحوه طه الدّرّة.(3:210)

فضل اللّه :أي لا يكسبنّكم...أو لا يبعثنّكم.

(8:22)

و بهذا المعنى جاء لا يَجْرِمَنَّكُمْ... في سورة المائدة:8،و هود:89.

اجرموا

وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ. الرّوم:47

ابن عبّاس: أشركوا.(342)

الطّبريّ: يقول:فانتقمنا من الّذين أجرموا الآثام، و اكتسبوا السّيّئات من قومهم،و نحن فاعلون ذلك كذلك بمجرمي قومك.(21:53)

الشّربينيّ: أي أهلكنا الّذين كذّبوهم لإجرامهم، و هو قطع ما أمرناهم بوصله.(3:174)

البروسويّ: أي أنكروا.(7:51)

اجرمنا

قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمّا أَجْرَمْنا وَ لا نُسْئَلُ عَمّا تَعْمَلُونَ. سبأ:25

الطّوسيّ: أي عمّا اقترفناه من المعاصي.

(8:394)

مثله الطّبرسيّ(4:390)،و نحوه عزّة دروزة(5:42).

ص: 374

الزّمخشريّ: إن قلت:كيف خولف بين حرفي الجرّ الدّاخلين على الحقّ و الضّلال؟قلت:لأنّ صاحب الحقّ كأنّه مستعل على فرس جواد يركضه حيث شاء، و الضّالّ كأنّه منغمس في ظلام مرتبك فيه،لا يدري أن يتوجّه.و في قراءة أبيّ:و إنّا أو إيّاكم إمّا على هدى أو في ضلال مبين.و هذا أدخل في الإنصاف و أبلغ فيه من الأوّل؛حيث أسند الإجرام إلى أنفسهم و العمل إلى المخاطبين-و إن أراد بالإجرام الصّغائر و الزّلاّت الّتي لا يخلو منها مؤمن،و بالعمل الكفر و المعاصي العظام- و فتح اللّه بينهم،و هو حكمه و فصله أنّه يدخل هؤلاء الجنّة و أولئك النّار.(3:289)

الفخر الرّازيّ: أضاف الإجرام إلى النّفس،و قال في حقّهم: وَ لا نُسْئَلُ عَمّا تَعْمَلُونَ. (25:257)

أبو حيّان :هذا أدخل في الإنصاف و أبلغ من الأوّل [من الآية السّابقة]،و أكثر تلطّفا و استدراجا؛حيث سمّى فعله جرما كما يزعمون،مع أنّه مثاب مشكور،و سمّى فعلهم عملا مع أنّه مزجور عنه محظور.

و قد يراد ب(اجرمنا)نسبة ذلك إلى المؤمنين دون الرّسول،و ذلك ما لا يكاد يخلو المؤمن منه من الصّغائر، و الّذي تعملون هو الكفر و ما دونه من المعاصي الكبائر.

قيل:و هذه الآية منسوخة بآية السّيف.(7:280)

البروسويّ: أي فعلنا و اكتسبنا من الصّغائر و الزّلاّت الّتي لا يخلو منها مؤمن.(7:292)

الآلوسيّ: هذا أبلغ في الإنصاف؛حيث عبّر عن الهفوات-الّتي لا يخلو عنها مؤمن-بما يعبّر به عن العظائم و أسند إلى النّفس،و عن العظائم من الكفر و نحوه بما يعبّر به عن الهفوات و أسند للمخاطبين،و زيادة على ذلك أنّه ذكر الإجرام المنسوب إلى النّفس بصيغة الماضي الدّالّة على التّحقّق،و عن العمل المنسوب إلى الخصم بصيغة المضارع الّتي لا تدلّ على ذلك،و ذكر أنّ في الآية تعريضا،و أنّه لا يضرّ بما ذكر.

و زعم بعضهم أنّها من باب المتاركة و أنّها منسوخة بآية السّيف.(22:141)

الطّباطبائيّ: و في التّعبير عن عمل أنفسهم بالإجرام و في ناحية المشركين بقوله:تعملون:

و لم يقل:تجرمون،أخذ بحسن الأدب في المناظرة.

(16:375)

مكارم الشّيرازيّ: و تستمرّ الآية الّتي بعدها بالاستدلال بشكل آخر و لكن بنفس النّمط المنصف الّذي يستنزل الخصم من مركب العناد و الغرور،يقول تعالى: قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمّا أَجْرَمْنا وَ لا نُسْئَلُ عَمّا تَعْمَلُونَ. و العجيب هنا أنّ الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم مأمور باستعمال تعبير«جرم»فيما يخصّه،و تعبير«أعمال»فيما يخصّ الطّرف الآخر،و بذا تتّضح حقيقة أنّ كلّ شخص مسئول أن يعطي تفسيرا لأعماله و أفعاله،لأنّ نتائج أعمال أيّ إنسان تعود عليه،حسنها و قبيحها.

و في الضّمن إشارة لطيفة إلى أنّنا إنّما نصرّ على توجيهكم لا لأنّ ذنوبكم تقيّد في حسابنا،و لا لأنّ شرّكم يضرّ بنا،نحن نصرّ على ذلك بدافع الغيرة عليكم،و طلبا للحقّ.

الآية التّالية-في الحقيقة-توضيح لنتيجة الآيتين السّابقتين،فبعد أن نبّه إلى أنّ أحد الفريقين على الحقّ

ص: 375

و الآخر على الباطل،و إلى أنّ كلاّ منهما مسئول عن أعماله،انتقل إلى توضيح كيفيّة التّحقّق من وضع الجميع،و التّفريق بين الحقّ و الباطل،و مجازاة كلّ فريق طبق مسئوليّته،فيقول تعالى:قل لهم:بأنّ اللّه سوف يجمعنا يوم البعث،و يحكم بيننا بالحقّ،و يفصل بعضنا عن بعض،حتّى يعرف المهتدون من الضّالّين،و يبلغ كلّ فريق بنتائج أعماله.(13:403)

المجرم

يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ. المعارج:11

ابن عبّاس: يعني المشرك أبا جهل و أصحابه، و يقال:النّضر و أصحابه.(485)

نحوه البغويّ(5:152)،و النّسفيّ(4:291)

الطّبريّ: الكافر.(29:75)

مثله الماورديّ(6:92)،و القرطبيّ(18:286)، و القاسميّ(16:5927)،و المراغيّ(29:68).

الطّوسيّ: العاصي.(10:118)

مثله الطّبرسيّ.(5:355)

الواحديّ: المشرك الكافر.(4:352)

ابن عطيّة: (المجرم)في هذه الآية الكافر،بدليل شدّة الوعد و ذكر(لظى)،و قد يدخل مجرم المعاصي فيما ذكر من الافتداء.(5:367)

الفخر الرّازيّ: المجرم هو الكافر،و قيل:يتناول كلّ مذنب.(30:126)

مثله أبو السّعود(6:301)،و البروسويّ(10:

160)،و الآلوسيّ(29:60).

أبو حيّان:أي الكافر،و قد يندرج فيه المؤمن العاصي الّذي يعذّب.(8:334)

الشّربينيّ: أي يتمنّى الكافر أو هذا النّوع سواء كان كافرا أم مسلما عاصيا،علم أنّه يعذّب بعصيانه.

(4:383)

الطّباطبائيّ: و يتمنّى(المجرم)و هو المتلبّس بالإجرام،أعمّ من الكافر لَوْ يَفْتَدِي.... (20:10)

مجرما

إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى. طه:74

ابن عبّاس: مشركا.(264)

المجرم:الكافر.

يريد الّذي أجرم و فعل مثل ما فعل فرعون.

(الواحديّ 3:215)

الطّبريّ: يقول:مكتسبا الكفر به.(16:190)

البغويّ: أي مشركا،يعني من مات على الشّرك.

(3:269)

ابن عطيّة: (المجرم)الّذي اكتسب الخطايا و الجرائم.(4:53)

الفخر الرّازيّ: استدلّت المعتزلة بهذه الآية في القطع على وعيد أصحاب الكبائر،قالوا:صاحب الكبيرة مجرم،و كلّ مجرم فإنّ له جهنّم،لقوله: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً و كلمة(من)في معرض الشّرط تفيد العموم،بدليل أنّه يجوز استثناء كلّ واحد منها، و الاستثناء يخرج من الكلام ما لولاه لدخل.

و اعترض بعض المتكلّمين من أصحابنا على هذا

ص: 376

الكلام،فقال:لا نسلّم أنّ صاحب الكبيرة مجرم، و الدّليل عليه أنّه تعالى جعل المجرم في مقابلة المؤمن، فإنّه قال في هذه الآية: وَ مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصّالِحاتِ طه:75،و قال: إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ المطفّفين:29،و أيضا فإنّه قال: فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى و المؤمن صاحب الكبيرة و إن عذّب بالنّار لا يكون بهذا الوصف، و في الخبر الصّحيح:«يخرج من النّار من كان في قلبه مثقال ذرّة من الإيمان»و اعلم أنّ هذه الاعتراضات ضعيفة.

أمّا قوله:إنّ اللّه تعالى جعل المجرم في مقابلة المؤمن فهذا مسلّم.لكن هذا إنّما ينفع لو ثبت أنّ صاحب الكبيرة مؤمن،و مذهب المعتزلة أنّه ليس بمؤمن،فهذا المعترض كأنّه بنى هذا الاعتراض على مذهب نفسه و ذلك ساقط.

قوله ثانيا:إنّه لا يليق بصاحب الكبيرة أن يقال في حقّه:إنّ له جهنّم لا يموت فيها و لا يحيى.

قلنا:لا نسلّم فإنّ عذاب جهنّم في غاية الشّدّة،قال تعالى: رَبَّنا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ آل عمران:192،و أمّا الحديث فيقال:القرآن متواتر فلا يعارضه خبر الواحد.

و يمكن أن يقال:ثبت في أصول الفقه أنّه يجوز تخصيص القرآن بخبر الواحد،و للخصم أن يجيب فيقول:ذلك يفيد الظّنّ،فيجوز الرّجوع إليه في العمليّات.و هذه المسألة ليست من العمليّات بل من الاعتقادات،فلا يجوز المصير إليها هاهنا.

فإن اعترض إنسان آخر،و قال:أجمعنا على أنّ هذه الآية مشروطة بنفي التّوبة و بأن لا يكون عقابه محبطا بثواب طاعته،و القدر المشترك بين الصّورتين هو أن لا يوجد ما يحبط ذلك العقاب،و لكن عندنا العفو محبط للعقاب،و عندنا أنّ المجرم الّذي لا يوجد في حقّه العفو لا بدّ و أن يدخل جهنّم.

و اعلم أنّ هذا الاعتراض أيضا ضعيف،أمّا شرط نفي التّوبة فلا حاجة إليه،لأنّه قال: مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً أي حال كونه مجرما،و التّائب لا يصدق عليه أنّه أتى ربّه حال كونه مجرما.

و أمّا صاحب الصّغيرة فلأنّه لا يسمّى مجرما،لأنّ المجرم اسم للذّمّ فلا يجوز إطلاقه على صاحب الصّغيرة، بل الاعتراض الصّحيح أن نقول:عموم هذا الوعيد معارض بما جاء بعده من عموم الوعد،و هو قوله تعالى:

وَ مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى طه:75،و كلامنا فيمن أتى بالإيمان و الأعمال الصّالحة ثمّ أتى بعد ذلك ببعض الكبائر.

فإن قيل:عقاب المعصية يحبط ثواب الطّاعة.قلنا:

لم لا يجوز أن يقال:ثواب الإيمان يدفع عقاب المعصية، فإن قالوا:لو كان كذلك لوجب أن لا يجوز لعنه و إقامة الحدّ عليه.

قلنا:أمّا اللّعن فغير جائز عندنا،و أمّا إقامة الحدّ عليه فقد تكون على سبيل المحنة كما في حقّ التّائب،و قد تكون على سبيل التّنكيل،قالت المعتزلة:قوله تعالى:

وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللّهِ المائدة:38،فاللّه تعالى نصّ على أنّه يجب عليه إقامة الحدّ على سبيل التّنكيل.و كلّ من كان

ص: 377

كذلك استحال أن يكون مستحقّا للمدح و التّعظيم،و إذا لم يبق ذلك لم يبق الثّواب كما قلنا؛فدلّنا ذلك على أنّ عقاب الكبيرة أولى بإزالة ثواب الطّاعة المتقدّمة من الطّاعات،بدفع عقاب الكبيرة الطّارئة،هذا منتهى كلامهم في مسألة الوعيد.

قلنا:حاصل الكلام يرجع إلى أنّ النّصّ الدّالّ على إقامة الحدّ عليه على سبيل التّنكيل صار معارضا للنّصوص الدّالّة على كونه مستحقّا للثّواب،فلم كان ترجيح أحدهما على الآخر أولى من العكس،و ذلك لأنّ المؤمن كان ينقسم إلى السّارق و غير السّارق،فالسّارق ينقسم إلى المؤمن و إلى غير المؤمن،فلم يكن لأحدهما مزيّة على الآخر في العموم و الخصوص،فإذا تعارضا تساقطا.

ثمّ نقول:لا نسلّم أنّ كلمة(من)في إفادة العموم قطعيّة بل ظنّيّة و مسألتنا قطعيّة،فلا يجوز التّعويل على ما ذكرته،و تمام الكلام فيه مذكور في كتاب المحصول في الأصول.

تمسّكت المجسّمة بقوله: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فقالوا:الجسم إنّما يأتي ربّه لو كان الرّبّ في المكان.

و جوابه:أنّ اللّه تعالى جعل إتيانهم موضع الوعد إتيانا إلى اللّه مجازا،كقول إبراهيم عليه السّلام: إِنِّي ذاهِبٌ إِلى رَبِّي سَيَهْدِينِ الصّافّات:99.(22:90)

نحوه الآلوسيّ.(16:234)

القرطبيّ: قيل:هو من قول السّحرة لمّا آمنوا، و قيل:ابتداء كلام من اللّه عزّ و جلّ،و الكناية في(انّه) ترجع إلى الأمر و الشّأن،و يجوز(إنّ من يأت).[ثمّ استشهد بشعر]

و المجرم:الكافر،و قيل:الّذي يقترف المعاصي و يكتسبها.و الأوّل أشبه،لقوله تعالى: فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى و هذه صفة الكافر المكذّب الجاحد،على ما تقدّم بيانه في سورة النّساء و غيرها، فلا ينتفع بحياته و لا يستريح بموته.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:نفس الكافر معلّقة في حنجرته،كما أخبر اللّه تعالى عنه،فلا يموت بفراقها و لا يحيى باستقرارها،و معنى مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً :من يأت موعد ربّه.[إلى أن قال:]

و دلّ قوله: وَ مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً طه:75،على أنّ المراد بالمجرم المشرك.(11:226)

البيضاويّ: إن يمت على كفره و عصيانه.(2:56)

نحوه الشّربينيّ(2:475)،و أبو السّعود(4:296).

أبو حيّان :المجرم هنا:الكافر،لذكر مقابله وَ مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً و لقوله: لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى.

(6:262)

البروسويّ: (مجرما)حال كونه متوغّلا في إجرامه منهمكا فيه،بأن يموت على الكفر و المعاصي،و لأنّه مذكور في مقابلة المؤمن.(5:407)

الطّباطبائيّ: و الآيتان تصفان ما يستتبعه الإيمان و العمل الصّالح،كما كانت الآية السّابقة تصف ما يستتبعه الإجرام الحاصل بكفر أو معصية.

و الآيات الثّلاث الواصفة لتبعة الإجرام و الإيمان ناظرة إلى وعيد فرعون و وعده لهم،فقد أوعدهم فرعون على إيمانهم لموسى بالقطع و الصّلب،و ادّعى أنّه

ص: 378

أشدّ العذاب و أبقاه،فقابلوه بأنّ للمجرم عند ربّه جهنّم لا يموت فيها و لا يحيى؛لا يموت فيها حتّى ينجو من مقاساة ألم عذابها،لكن منتهى عذاب الدّنيا الموت،و فيه نجاة المجرم المعذّب،و لا يحيى فيها؛إذ ليس فيها شيء ممّا تطيب به الحياة،و لا خير مرجوّا فيها حتّى يقاسي العذاب في انتظاره.

و وعدهم قبل ذلك المنزلة بجعلهم من مقرّبيه و الأجر،كما حكى اللّه تعالى: قالُوا إِنَّ لَنا لَأَجْراً إِنْ كُنّا نَحْنُ الْغالِبِينَ* قالَ نَعَمْ وَ إِنَّكُمْ لَمِنَ الْمُقَرَّبِينَ الأعراف:113،114،فقابلوا ذلك بأنّ من يأته مؤمنا قد عمل الصّالحات فأولئك.و في الإشارة البعيدة تفخيم شأنهم-لهم الدّرجات العلى-و هذا يقابل وعد فرعون لهم بالتّقريب-جنّات عدن تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها،ذلك جزاء من تزكّى-بالإيمان و العمل الصّالح،و هذا يقابل وعده لهم بالأجر.(14:184)

عبد المنعم الجمّال:كافرا مذنبا.(3:1915)

مكارم الشّيرازيّ: من هو المجرم؟

بملاحظة الآيات الشّريفة الّتي تقول: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ و الّتي يظهر منها خلود العذاب، يتبادر هذا السّؤال:ترى هل لكلّ مجرم هذا المصير؟

إلاّ أنّه بالالتفات إلى أنّ الآية التّالية قد بيّنت النّقطة المقابلة لذلك،و جاءت فيها كلمة«المؤمن»يتّضح أنّ المراد من المجرم هنا هو الكافر،إضافة إلى أنّه ورد في القرآن كثيرا استعمال هذه الكلمة بمعنى الكافر.

فمثلا نقرأ في شأن قوم لوط الّذين لم يؤمنوا بنبيّهم أبدا: وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ الأعراف:84.و نقرأ في سورة الفرقان في الآية 31: وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ. (10:37)

فضل اللّه :عاصيا منحرفا من دون أن يتوب إلى اللّه من ذنوبه،أو يصحّح طريقه.(15:137)

مجرمون

1- فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ. الدّخان:22

ابن عبّاس: مشركون اجترموا الهلاك على أنفسهم.(418)

الكلبيّ: أي مشركون لا يؤمنون.

مثله مقاتل.(الطّبرسيّ 5:64)

الطّبريّ: يعني أنّهم مشركون باللّه كافرون.

(25:120)

الطّوسيّ: قيل:إنّه دعا بما يقتضيه سوء أفعالهم و قبح أجرامهم و سوء معاملتهم له،فكأنّه قال:اللّهمّ عجّل لهم بما يستحقّونه بأجرامهم و معاصيهم،بما به يكونون نكالا لمن بعدهم.و ما دعا بهذا الدّعاء إلاّ بعد إذن اللّه له في الدّعاء عليهم.(9:231)

الزّمخشريّ: أي دعا ربّه بذلك،قيل:كان دعاؤه:اللّهمّ عجّل لهم ما يستحقّونه بأجرامهم،و قيل:

هو قوله: رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ يونس:

85،و إنّما ذكر اللّه تعالى السّبب الّذي استوجبوا به الهلاك،و هو كونهم مجرمين.(3:503)

نحوه أبو السّعود.(6:51)

الفخر الرّازيّ: قال تعالى: فَدَعا رَبَّهُ، الفاء في

ص: 379

(فدعا)تدلّ على أنّه متّصل بمحذوف قبله،التّأويل أنّهم كفروا و لم يؤمنوا،فدعا موسى ربّه ب أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ.

فإن قالوا:الكفر أعظم حالا من الجرم،فما السّبب في أن جعل صفة الكفّار كونهم مجرمين حال ما أراد المبالغة في ذمّهم؟

قلت:لأنّ الكافر قد يكون عدلا في دينه،و قد يكون مجرما في دينه،و قد يكون فاسقا في دينه،فيكون أخسّ النّاس.(27:246)

القرطبيّ: أي مشركون،قد امتنعوا من إطلاق بني إسرائيل و من الإيمان.(16:136)

البروسويّ: مصرّون على كفرهم و متابعة هواهم و أنت أعلم بهم،فافعل بهم ما يستحقّونه.(8:411)

الآلوسيّ: فَدَعا رَبَّهُ بعد أن أصرّوا على تكذيبه عليه السّلام أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ أي بأنّ هؤلاء إلخ فهو بتقدير الباء صلة الدّعاء،كما يقال:دعا بهذا الدّعاء،و فيه اختصار كأنّه قيل:أنّ هؤلاء قوم مجرمون تناهى أمرهم في الكفر و أنت أعلم بهم،فافعل بهم ما يستحقّونه.

قيل:كان دعاؤه عليه السّلام:اللّهمّ عجّل لهم ما يستحقّون بأجرامهم،و قيل:قوله: رَبَّنا لا تَجْعَلْنا فِتْنَةً لِلْقَوْمِ الظّالِمِينَ يونس:85،إلى قوله: فَلا يُؤْمِنُوا حَتّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ.

و إنّما ذكر اللّه سبحانه السّبب الّذي استوجبوا به الهلاك،ليعلم منه دعاؤه و الإجابة معا و أنّ دعاءه كان على يأس من إيمانهم،و هذا من بليغ اختصارات الكتاب المعجز.(25:122)

القاسميّ: أي مشركون مفسدون.(14:5306)

المراغيّ: هؤلاء قوم مشركون بك مكذّبون لرسلك.(25:127)

الطّباطبائيّ: أي دعاه بأنّ هؤلاء قوم مجرمون، و قد ذكر من دعائه السّبب الدّاعي له إلى الدّعاء،و هو إجرامهم إلى حدّ يستحقّون معه الهلاك،و يعلم ما سأله ممّا أجاب به ربّه تعالى؛إذ قال: فَأَسْرِ بِعِبادِي الدّخان:23،إلخ،و هو الإهلاك.(18:139)

مكارم الشّيرازيّ: لقد استخدم موسى عليه السّلام كلّ وسائل الهداية للنّفوذ إلى قلوب هؤلاء المجرمين المظلمة،إلاّ أنّها لم تؤثّر فيهم أدنى تأثير،و طرق كلّ باب يستطيع طرقه،و لكن ما من مجيب.

لذلك يئس منهم،و لم ير لهم علاجا إلاّ لعنهم و الدّعاء عليهم،لأنّ الفاسدين الّذين لا أمل في هدايتهم لا يستحقّون الحياة في قانون الخلقة،بل يجب أن ينزل عليهم عذاب اللّه و يجتثّهم،و يطهّر الأرض من دنسهم، لذلك تقول الآية الأولى من هذه الآيات: فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ.

كم هو مؤدّب هذا النّفور؟إنّه لا يقول:اللّهمّ افعل كذا و كذا،بل يكتفي بأن يقول:اللّهمّ إنّ هؤلاء قوم مجرمون،لا أمل في هدايتهم و حسب!(16:132)

فضل اللّه : فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ فقد تأصّلت الجريمة في كيانهم حتّى لم يعد ينفع في هدايتهم أيّة وسيلة من وسائل التّرغيب و التّرهيب، و أيّ حجّة.و ستتحرّك الجريمة في حياة النّاس من

ص: 380

خلالهم لتمتدّ في المستقبل،و لتحكم حياة الأجيال القادمة،لأنّ هؤلاء سوف يمنعون امتداد الحقّ إلى الآخرين عند ما ينصبون الحواجز أمام الرّسالة،لأنّهم يملكون كلّ مواقع القوّة في مراكز الحكم العليا،و في ساحات الواقع الشّامل لكلّ نشاطات الحياة.

و هكذا استجاب اللّه دعاءه في خطّة إلهيّة،أرادت أن تدفع موسى و قومه إلى الخروج من مصر بمعجزة، ليلاحقهم فرعون و قومه،و يغمرهم البحر بشكل نهائيّ.

و بدأت التّعليمات تنزل على موسى في بداية الخطّة الإلهيّة.(20:285)

2- كُلُوا وَ تَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ.

المرسلات:46

ابن عبّاس: مشركون،مصيركم النّار في الآخرة، و هذا وعيد من اللّه لهم.(498)

نحوه الواحديّ(4:410)،و البغويّ(5:198).

ابن زيد :عني به أهل الكفر.(الطّبريّ 29:245)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره تهدّدا و وعيدا منه للمكذّبين بالبعث:كلوا في بقيّة آجالكم،و تمتّعوا ببقيّة أعماركم، إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ مسنون بكم سنّة من قبلكم، من مجرمي الأمم الخالية الّتي متّعت بأعمارها إلى بلوغ كتبها آجالها،ثمّ انتقم اللّه منها بكفرها،و تكذيبها رسلها.

(29:245)

نحوه ابن كثير.(7:193)

الطّوسيّ: إخبار منه تعالى للكفّار بأنّكم و إن تمتّعتم قليلا في الدّنيا،فإنّكم عصاة و كفّار و مآلكم إلى النّار و عذابها.و الإجرام فعل ما يقطع المدح و يحصل بدله الذّمّ،يقال:أجرم إجراما و اجترم اجتراما و تجرّم عليه، أي تطلّب له الجرم.(10:235)

الزّمخشريّ: كُلُوا وَ تَمَتَّعُوا حال من (المكذّبين)أي الويل ثابت لهم في حال ما يقال لهم:كلوا و تمتّعوا.

فإن قلت:كيف يصحّ أن يقال لهم ذلك في الآخرة؟

قلت:يقال لهم ذلك في الآخرة إيذانا بأنّهم كانوا في الدّنيا أحقّاء بأن يقال لهم و كانوا من أهله،تذكيرا بحالهم السّمجة و بما جنوا على أنفسهم من إيثار المتاع القليل، على النّعيم و الملك الخالد.[ثمّ استشهد بشعر]

و علّل ذلك بكونهم مجرمين دلالة على أنّ كلّ مجرم ما له إلاّ الأكل و التّمتّع أيّاما قلائل،ثمّ البقاء في الهلاك أبدا.و يجوز أن يكون كُلُوا وَ تَمَتَّعُوا كلاما مستأنفا خطابا ل(المكذّبين)في الدّنيا.(4:205)

نحوه أبو السّعود.(6:351)

القرطبيّ: أي كافرون،و قيل:مكتسبون فعلا يضرّكم في الآخرة من الشّرك و المعاصي.(19:166)

نحوه البروسويّ.(10:290)

أبو حيّان : كُلُوا وَ تَمَتَّعُوا خطاب للكفّار في الدّنيا(قليلا)أي زمانا قليلا،إذ قصارى أكلكم و تمتّعكم الموت،و هو خطاب تهديد لمن أجرم من قريش و غيرهم.(8:408)

الآلوسيّ: [له كلام تقدّم في«أكل»فلاحظ]

(29:178)

الطّباطبائيّ: إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ تعليل لما يستفاد

ص: 381

من الجملة السّابقة المشتملة على الأمر،أي لا ينفعكم الأكل و التّمتّع قليلا،لأنّكم مجرمون بتكذيبكم بيوم الفصل،و جزاء المكذّبين به النّار لا محالة.(20:156)

مكارم الشّيرازيّ: يمكن أن يكون التّعبير ب(قليلا)إشارة إلى مدّة عمر الإنسان القصيرة في الدّنيا، و كذا المواهب الدّنيويّة التّافهة مقابل النّعم الأخرويّة غير المتناهية،و إن قال بعض المفسّرين:إنّ هذا الخطاب هو للمجرمين في الآخرة،و لكن الالتفات إلى أنّ الآخرة لا يمكن أن يكون فيها متع من مواهب الحياة للمجرمين ليتمتّعوا بها،فيجب الإقرار بأنّ هذا الخطاب موجّه لهم في الدّنيا.

في الحقيقة أنّ المتّقين يستضافون في الآخرة بكامل الاحترام و التّقدير،و يخاطبون بهذه الجملة المليئة باللّطف و الحنان كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً المرسلات:43، و أمّا عبيد الدّنيا فإنّهم يخاطبون بجملة تهديديّة في هذه الدّنيا كُلُوا وَ تَمَتَّعُوا قَلِيلاً، يقول للمتّقين: بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ المرسلات:43،و يقول لهؤلاء أيضا:

إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ.

و على كلّ حال فإنّها تشير إلى أنّ أساس العذاب الإلهيّ هو من جرم الإنسان و ذنبه،أو أنّه نابع من عدم الإيمان أو الأسر في قبضة الشّهوات.(19:271)

المجرمون

1- لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ. الأنفال:8

ابن عبّاس: و إن كره المشركون أن يكون ذلك.(145)

مثله قتادة(الطّبريّ 9:189)،و البغويّ(2:

272)،و النّسفيّ(2:96)،و الخازن(3:9)،و الشّربينيّ (1:558)،و أبو السّعود(3:81)،و البروسويّ(3:

317).

الطّبريّ: و لو كره ذلك الّذين أجرموا،فاكتسبوا المآثم و الأوزار من الكفّار.(9:189)

الطّبرسيّ: الكافرون.(2:521)

الآلوسيّ: المراد بهم:المشركون،لا من كره الذّهاب إلى النّفير،لأنّه جرم منهم،كما قيل.(9:172)

رشيد رضا :أولو الاعتداء و الطّغيان من المشركين.(9:601)

نحوه المراغيّ.(9:171)

فضل اللّه : وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ الّذين يعيشون الحياة للجريمة،لتكون الجريمة أداة لتحقيق المطامع الذّاتيّة،على حساب المبادئ الخيّرة القائمة على الحقّ و الإيمان.(10:337)

و بهذا المعنى جاء في سورة يونس آيات:17،50، 82،و الكهف آية:53.

2- تَاللّهِ إِنْ كُنّا لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ* إِذْ نُسَوِّيكُمْ بِرَبِّ الْعالَمِينَ* وَ ما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ. الشّعراء:97-99

ابن عبّاس: المشركون قبلنا الّذين اقتدينا بهم.

(310) أبو العالية :يعني إبليس و ابن آدم الأوّل و هو قابيل،لأنّه أوّل من سنّ القتل،و أنواع المعاصي.

ص: 382

مثله عكرمة(البغويّ 3:472)،و ابن جريج (الزّمخشريّ 3:119)،و نحوه الطّبريّ(19:89).

الإمام الباقر عليه السّلام: وَ ما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ يعني المشركين الّذين اقتدوا بهم هؤلاء فاتّبعوهم على شركهم،و هم قوم محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم ليس فيهم من اليهود و النّصارى أحد،و تصديق ذلك قول اللّه عزّ و جلّ:

كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ الحجّ:42، كَذَّبَ أَصْحابُ الْأَيْكَةِ الشّعراء:176، كَذَّبَتْ قَوْمُ لُوطٍ الشّعراء:160،ليس هم اليهود الّذين قالوا:عزير ابن اللّه،و لا النّصارى الّذين قالوا:المسيح ابن اللّه،سيدخل اللّه،اليهود و النّصارى النّار،و يدخل كلّ قوم بأعمالهم.

و قولهم: وَ ما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ إذ دعونا إلى سبيلهم ذلك قول اللّه عزّ و جلّ فيهم حين جمعهم إلى النّار: قالَتْ أُخْراهُمْ لِأُولاهُمْ رَبَّنا هؤُلاءِ أَضَلُّونا فَآتِهِمْ عَذاباً ضِعْفاً مِنَ النّارِ، و قوله: كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتّى إِذَا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعاً الأعراف:38، برئ بعضهم من بعض،و لعن بعضهم بعضا،يريد بعضهم أن يحجّ بعضا رجاء الفلج فيفلتوا جميعا من عظم ما نزل بهم،و ليس بأوان بلوى و لا اختبار،و لا قبول معذرة،و لا حين نجاة.(العروسيّ 4:58)

السّدّيّ: الأوّلون الّذين كانوا قبلنا،قالوا:اقتدينا بهم فضلّلنا.(367)

نحوه الكلبيّ.(الطّبرسيّ 4:194)

مقاتل:الشّياطين.(الطّبرسيّ 4:194)

الزّمخشريّ: المراد ب(المجرمين):الّذين أضلّوهم رؤساؤهم و كبراؤهم،كقوله: رَبَّنا إِنّا أَطَعْنا سادَتَنا وَ كُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ الأحزاب:67.(3:119)

نحوه البروسويّ(6:289)،و القاسميّ(13:

4628).

الطّبرسيّ: و قيل:الكافرون الّذين دعونا إلى الضّلال.(4:194)

الفخر الرّازيّ: أرادوا بذلك من دعاهم إلى عبادة الأصنام من الجنّ و الإنس،و هو كقولهم: رَبَّنا إِنّا أَطَعْنا سادَتَنا وَ كُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ الأحزاب:67.

(24:152)

نحوه الخازن.(5:100)

أبو حيّان :أي أصحاب الجرائم و المعاصي العظام و الجرأة،و هم ساداتهم ذوو المكانة في الدّنيا و الاستتباع،كقولهم: أَطَعْنا سادَتَنا وَ كُبَراءَنا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلاَ الأحزاب:67.(7:27)

الآلوسيّ: وَ ما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ الظّاهر بناء على ما تقدّم من أنّ الاختصام مع الأصنام و الشّياطين أن يكون المراد ب(المجرمين):الشّياطين، ليكون ذلك من الاختصام معهم،و إن لم يورد على وجه الخطاب،كما أنّ ما تقدّم من الاختصام مع الأصنام، و كون المراد بهم ذلك مرويّ عن مقاتل.[إلى أن قال:]

و لعلّهم أرادوا بنفي الإضلال عنها إهانتها بأنّها لا قدرة لها،و فيه تأكيد لكونهم في ضلال مبين.و لعلّ الأولى كونه قصرا حقيقيّا بادّعاء أنّهم الأوحديّون في سببيّة الإضلال حتّى أنّ سببيّة غيرهم له كلا سببيّة، و هذا واضح في الشّياطين،لأنّ إضلال غيرهم من الكبراء و نحوهم بواسطة إضلالهم،لأنّهم الّذين يزيّنون

ص: 383

الباطل للمتبوع و التّابع.و يمكن أن يعتبر في غيرهم بضرب من التّأويل،و ذلك إذا أريد بالمجرمين غيرهم، ثمّ إنّ المشركين لا يزالون في حيرة يوم القيامة لا يدرون بم يتشبّثون،فلا يضرّ إسنادهم الإضلال تارة إلى شيء و أخرى إلى غيره،على أنّ الإسناد إلى كلّ باعتبار هذا.

و جوّز أن يكون الاختصام بين العبدة بعضهم مع بعض،و الخطاب في(نسوّيكم)للأصنام من غير التزام القول بجعلهم أهلا له،بل هو كخطاب المضطرّ للحجر و الشّجر،و فيه مبالغة في التّحسّر و النّدامة.و المعنى أنّ العبدة مع تخاصم بعضهم مع بعض بأن يقول أحدهم للآخر:أنت مبدأ ضلالي و لو لا أنت لكنت مؤمنا، اعترفوا بجرمهم و تعجّبوا و بيّنوا سببه.

و جوّز أيضا أن يكون من الأصنام،ينطقهم اللّه تعالى فيخاصمون العبدة،فضمير(هم)عائد عليهم.و المعنى قال العبدة معترفين بضلالهم متعجّبين منه مبيّنين سببه:

إِنْ كُنّا... و الحال أنّ الأصنام يخاصمونهم قائلين:

نحن جمادات متبرّءون عن جميع المعاصي و أنتم اتّخذتمونا آلهة فالقيتمونا في هذه الورطة.و هذا كلّه على تقدير كون جملة(قالوا)مستأنفة،كما هو الظّاهر.

و جوّز أن يكون (جُنُودُ إِبْلِيسَ) الشّعراء:95، مبتدأ،و جملة(قالوا)إلخ خبره،و ضمير(قالوا)و كذا ما بعده عائد عليه.

و أنت تعلم أنّه مع كونه خلاف الظّاهر لا يتسنّى على تقدير أن يراد ب جُنُودُ إِبْلِيسَ الشّياطين،لما أنّ المقول المذكور لا يصحّ أن يكون منهم،و إذا أريد بهم متّبعوه من عصاة الثّقلين عبدة الأصنام و غيرهم يردّ أنّ المقول المذكور قول فرقة منهم و هي العبدة،فإسناده إلى الجميع خلاف الظّاهر،و يبعد كلّ البعد.

بل لو قيل بفساده لم يبعد احتمال كون كلّ شخص -سواء كان من عبدة الأصنام أو غيره-يخاصم مع كلّ من يصادفه من غير صلاحيّة الآخر للاختصام،و يقول ما ذكر للأصنام لغاية الحيرة و الضّجرة.نعم لو أريد ب جُنُودُ إِبْلِيسَ على تقدير كونه مبتدأ و رجوع الضّمائر إليه(الغاوون)بعينهم،و تكون الإضافة للعهد، و التّعبير عنهم بهذا العنوان بعد التّعبير عنهم بالعنوان السّابق لتذليلهم لم يبعد جدّا.

و من النّاس من جوّز الابتدائيّة و الخبريّة المذكورتين،و فسّر الجنود بالعصاة مطلقا،و جعل ضمير (قالوا)ل(الغاوون)و ضمير(هم،و يختصمون)للجنود أو للأصنام،و فيه مع خروج الآية عليه عن حسن الانتظام ما لا يخفى على ذوي الأفهام.(19:103)

نحوه المراغيّ.(19:78)

مغنيّة: يقول الغاوون غدا،و بعد فوات الأوان، يقولون لآلهتهم و شياطينهم:كان دليلنا العمى و الضّلال حين عبدناكم و جعلناكم سواء مع اللّه،و ما صدّنا عن سبيل الحقّ و الهداية(الاّ المجرمون)و هم الرّؤساء و الزّعماء أرباب المنافع و المصالح،أصل الفساد و البلاء.

(5:504)

الطّباطبائيّ: الظّاهر أنّ كلاّ من القائلين يريد بالمجرمين غيره من إمام ضلال اقتدى به في الدّنيا،و داع دعاه إلى الشّرك فاتّبعه،و آباء مشركين قلّدهم فيه، و خليل تشبّه به.و(المجرمون)على ما يستفاد من آيات

ص: 384

القيامة هم الّذين ثبت فيهم الإجرام،و قضي عليهم بدخول النّار،قال تعالى: وَ امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ يس:59.(15:291)

مكارم الشّيرازيّ: المجرمون الّذين كانوا سادة مجتمعاتنا و رؤساءنا و كبراءنا،فأضلّونا حفظا لمنافعهم، و جرّونا إلى طريق الشّقوة و الغواية،كما يحتمل أن يكون المراد من المجرمين هم الشّياطين أو الآباء الضّالّين الّذين جرّوهم إلى هذه العاقبة الوخيمة فَما لَنا مِنْ شافِعِينَ* وَ لا صَدِيقٍ حَمِيمٍ الشّعراء:100، 101.(11:360)

فضل اللّه : وَ ما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ الّذين عاشت الجريمة في كيانهم فكرا و حياة و سلوكا و ضلالا و إضلالا،فلم يكن لهم إيمان يمنعهم من السّير في خطوات الكفر،و لم تكن لهم تقوى تجنّبهم التّحرّك في ساحات المعصية،و لم يكن لهم انفتاح روحيّ على اللّه ليبعدهم ذلك عن أجواء الشّيطان.و هكذا كانوا يستفيدون من غفلة النّاس عن الإيمان و التّقوى و الرّوحانيّة،ليضلّوهم عن سبيل اللّه،و ليذهبوا بهم بعيدا عن مواقع رضاه.

(17:131)

3- قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَ وَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَ أَكْثَرُ جَمْعاً وَ لا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ.

القصص:78

راجع«ذ ن ب»

4- وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ. الرّوم:12 راجع«ب ل س»

5- وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ. الرّوم:55

راجع«ق س م»

6- وَ امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ. يس:59

راجع«م ي ز»

7- يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَ الْأَقْدامِ. الرّحمن:41

راجع«س و م»

مجرمين

1- فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَ الْجَرادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفادِعَ وَ الدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ. الأعراف:133

ابن عبّاس: مشركين.(136)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:فاستكبر هؤلاء الّذين أرسل اللّه عليهم-ما ذكر في هذه الآيات من الآيات و الحجج عن الإيمان باللّه،و تصديق رسوله موسى عليه السّلام، و اتّباعه على ما دعاهم إليه،و تعظّموا على اللّه،و عتوا عليه وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ يقول:كانوا قوما يعملون بما يكرهه اللّه من المعاصي و الفسق،عتوّا و تمرّدا.

(9:40)

الماورديّ: (مجرمين)فيه وجهان:أحدهما:

كافرين،و الثّاني:متعدّين.(2:253)

الطّوسيّ: قَوْماً مُجْرِمِينَ قوما عصاة،مرتكبين للأجرام و الآثام.(4:555)

الطّبرسيّ: (مجرمين):عاصين كافرين.(2:468)

ص: 385

مثله القاسميّ.(7:2842)

الفخر الرّازيّ: (مجرمين):مصرّين على الجرم و الذّنب.(14:218)

رشيد رضا :كانوا قوما راسخين في الإجرام و الذّنوب،مصرّين عليها،فلا يهون عليهم تركها.

(9:89)

فضل اللّه : وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ فقد تأصّلت الجريمة في أفكارهم و مشاعرهم،فمنعتهم من الخضوع لأوامر اللّه و نواهيه.(10:223)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ يونس:75.

2- لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ.

التّوبة:66

ابن عبّاس: مشركين في السّرّ.(161)

الطّبريّ: (مجرمين)فإنّ معناه نعذّب طائفة منهم، باكتسابهم الجرم،و هو الكفر باللّه،و طعنهم في رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(10:174)

الطّوسيّ: معناه أنّه إنّما يعذّب الطّائفة الّتي يعذّبها لكونها مجرمة مذنبة مرتكبة،لما يستحقّ به العقاب.

(5:293)

الزّمخشريّ: مصرّين على النّفاق،غير تائبين منه،أو إن نعف عن طائفة منكم لم يؤذوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و لم يستهزءوا فلم نعذّبهم في العاجل،نعذّب في العاجل طائفة منهم بأنّهم كانوا مجرمين مؤذين لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم مستهزءين.(2:200)

نحوه أبو حيّان.(5:67)

الطّبرسيّ: أي كافرين مصرّين على النّفاق،هذا إخبار منه سبحانه أنّه إن عفا عن قوم منهم إذا تابوا يعذّب طائفة أخرى لم يتوبوا،و أقاموا على النّفاق.

(3:47)

الفخر الرّازيّ: كانُوا مُجْرِمِينَ يدلّ على صدور الجرم عنهم في الزّمان الماضي،و تعليل الحكم الحاصل في الحال بالعلّة المتقدّمة لا يجوز،بل كان الأولى أن يقال:

ذلك بأنّهم مجرمون.

و اعلم أنّ الجواب عنه أنّ هذا تنبيه على أنّ جرم الطّائفة الثّانية كان أغلظ و أقوى من جرم الطّائفة الأولى،فوقع التّعليل بذلك الجرم الغليظ،و أيضا ففيه تنبيه على أنّ ذلك الجرم بقي و استمرّ و لم يزل،فأوجب التّعذيب.(16:125)

البيضاويّ: مصرّين على النّفاق،أو مقدمين على الإيذاء و الاستهزاء.(1:422)

أبو السّعود :مصرّين على الإجرام و هم غير التّائبين،أو مباشرين له و هم غير المجتنبين.(3:166)

مثله البروسويّ(3:459)،و الآلوسيّ(10:131).

4- قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَ نَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ.

سبأ:32

ابن عبّاس: مشركين قبل مجيء محمّد عليه الصّلاة و السّلام إليكم.(361)

ص: 386

الطّبريّ: بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ فمنعكم إيثاركم الكفر باللّه على الإيمان،من اتّباع الهدى،و الإيمان باللّه و رسوله.(22:97)

الطّبرسيّ: أي بل أنتم كفرتم و لم نحملكم على الكفر قهرا،فكلّ واحد من الفريقين ورّك الذّنب على صاحبه و اتّهمه،و لم يضف واحد منهم الذّنب إلى اللّه تعالى.(4:392)

الفخر الرّازيّ: ردّا لما قالوا:إنّ كفرنا كان لمانع أَ نَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ يعني المانع ينبغي أن يكون راجحا على المقتضي حتّى يعمل عمله،و الّذي جاء به هو الهدى، و الّذي صدر من المستكبرين لم يكن شيئا يوجب الامتناع من قبول ما جاء به،فلم يصحّ تعليلكم بالمانع.

ثمّ بيّن أنّ كفرهم كان إجراما؛من حيث إنّ المعذور لا يكون معذورا إلاّ لعدم المقتضي أو لقيام المانع، و لم يوجد شيء منهما.(25:260)

القرطبيّ: أي مشركين مصرّين على الكفر.

(14:302)

النّسفيّ: كافرين لاختياركم و إيثاركم الضّلال على الهدى،لا بقولنا و تسويلنا.(3:326)

نحوه الشّربينيّ.(3:300)

أبو السّعود :منكرين لكونهم هم الصّادّين لهم عن الإيمان مثبتين أنّهم هم الصّادّون بأنفسهم،بسبب كونهم راسخين في الإجرام.(5:261)

البروسويّ: (بل كنتم مجرمين)في الإجرام:

فبسبب ذلك صددتم أنفسكم عن الإيمان و آثرتم التّقليد.

و في هذا تنبيه للكفّار على أنّ طاعة بعضهم لبعض في الدّنيا تصير سبب عداوة في الآخرة،و تبرّي بعضهم من بعض.(7:297)

الطّباطبائيّ: متلبّسين بالإجرام مستمرّين عليه، فأجرمتم بالكفر به لمّا جاءكم من غير أن نجبركم عليه، فكفركم منكم،و نحن برآء منه.(16:382)

مكارم الشّيرازيّ: صحيح أنّ المستكبرين ارتكبوا ذنبا كبيرا بوسوستهم،و لكنّ حديثهم الّذي تذكره الآية الكريمة له حقيقة أيضا؛حيث إنّ المتملّقين لم يكن عليهم أن يصمّوا أسماعهم و أبصارهم و يلهثوا وراءهم،و إنّما عليهم أيضا مسئوليّة ذنوبهم.

(13:414)

فضل اللّه : بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ بما اخترتموه من الكفر و العصيان و الضّلال تماما،كما هي المسألة،بما اخترناه نحن من الإجرام في حقّ اللّه،و حقّ أنفسنا.

(19:51)

المجرمين

1- وَ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَ لِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ. الأنعام:55

راجع«س ب ل»

2- إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ.

الأعراف:40

ابن عبّاس: المشركين.(127)

ص: 387

الطّبريّ: يقول:و كذلك نثيب الّذين أجرموا في الدّنيا،ما استحقّوا به من اللّه العذاب الأليم في الآخرة.

(8:181)

الزّجّاج: أي و مثل ذلك الّذي وصفنا نجزي المجرمين.

و المجرمون-و اللّه أعلم-هاهنا:الكافرون،لأنّ الّذي ذكر من قصّتهم التّكذيب بآيات اللّه،و الاستكبار عنها.(2:338)

نحوه الطّبرسيّ(2:419)،و الفخر الرّازيّ(14:77).

3- قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ. النّمل:69

راجع«ع ق ب»

4- قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ. القصص:17

راجع«ظ ه ر»

مجرميها

وَ كَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَ ما يَمْكُرُونَ إِلاّ بِأَنْفُسِهِمْ وَ ما يَشْعُرُونَ.

الأنعام:123

راجع«ك ب ر»

اجرامى-تجرمون

أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمّا تُجْرِمُونَ. هود:35

ابن عبّاس: فَعَلَيَّ إِجْرامِي آثامي وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمّا تُجْرِمُونَ تأثمون.(184)

إنّها[إجرام]الجنايات المقصودة.

(الماورديّ 2:468)

الفرّاء: يقول:فعليّ إثمي.و جاء في التّفسير فعليّ آثامي،فلو قرئت:أجرامي على التّفسير كان صوابا.

[ثمّ استشهد بشعر]

و مثل ذلك وَ اللّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ محمّد:26، و(اسرارهم)و قد قرئ بهما،و منه (وَ مِنَ اللَّيْلِ فَسَبِّحْهُ وَ أَدْبارَ السُّجُودِ) ق:40،و (وَ أَدْبارَ السُّجُودِ) فمن قال:

(ادبار)أراد المصدر،و من قال:(اسرار)أراد جمع السّرّ.

(2:13)

أبو عبيدة :و هو مصدر أجرمت،و بعضهم يقول:

جرمت تجرم.[ثمّ استشهد بشعر](1:288)

الطّبريّ: يقول:فعليّ إثمي في افترائي ما افتريت على ربّي دونكم،لا تؤاخذون بذنبي و لا إثمي و لا أؤاخذ بذنبكم وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمّا تُجْرِمُونَ يقول:و أنا بريء ممّا تذنبون و تأثمون بربّكم من افترائكم عليه،و يقال منه:

أجرمت إجراما و جرمت أجرم جرما.[ثمّ استشهد بشعر](12:32)

الزّجّاج: من قولك:أجرم الرّجل إجراما،و يقال:

جرّم في معنى أجرم،و أكثر ما تستعمل«أجرم»في كسب الإثم خاصّة،يقال:رجل مجرم و جارم.

و يجوز (فَعَلَيَّ إِجْرامِي) على جمع جرم،و هو على نحو قوله: وَ اللّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ محمّد:26، و(اسرارهم)إلاّ أنّ القراءة بكسر الألف،و(اجرامى)

ص: 388

على المصدر.(3:49)

النّحّاس: أي إن اختلقته فعليّ إثم الاختلاق وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمّا تُجْرِمُونَ أي من تكذيبكم.

و من قرأ(اجرامى)بفتح الهمزة،ذهب إلى جمع جرم.(3:346)

الرّمّانيّ: إنّه[أجرام]الذّنوب المكتسبة.

(الماورديّ 2:468)

الماورديّ: معناه:فعليّ عقاب إجرامي.

وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمّا تُجْرِمُونَ أي عليكم من عقاب جرمكم في تكذيبي ما أنا بريء منه.(2:468)

الطّوسيّ: معنى أجرم أذنب،و مثله جرم.[ثمّ استشهد بشعر]

و معنى أجرم اقترف السّيّئة بفعلها،لأنّه من القطع، و أذنب أي تشبّه بالذّنب في السّقوط،و جرم و أجرم في الماء،ثمّ أكثر.[ثمّ استشهد بشعر](5:550)

الواحديّ: أي إثم إجرامي و عقوبة إجرامي، فحذف المضاف.و الإجرام معناه اكتساب السّيّئة، يقال:أجرم فهو مجرم وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمّا تُجْرِمُونَ من الكفر و التّكذيب.(2:572)

البغويّ: أي:إثمي و وبال جرمي على نفسي، و الإجرام:كسب الذّنب.(2:446)

الزّمخشريّ: و(اجرامى)بلفظ المصدر و الجمع، كقوله: وَ اللّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ و(أسرارهم)،و نحو جرم و أجرام،قفل و أقفال،و ينصر الجمع أن فسّره الأوّلون بآثامي.

و المعنى:إن صحّ و ثبت أنّي افتريته فعليّ عقوبة إجرامي،أي افترائي،و كان حقّي حينئذ أن تعرضوا عنّي و تتألّبوا عليّ، (وَ أَنَا بَرِيءٌ) يعني و لم يثبت ذلك و أنا بريء منه.و معنى (مِمّا تُجْرِمُونَ) من إجرامكم في إسناد الافتراء إليّ،فلا وجه لإعراضكم و معاداتكم.(3:267)

نحوه البيضاويّ(1:467)،و النّسفيّ(2:186)، و أبو السّعود(3:309).

الفخر الرّازيّ: الإجرام:اقتراح المحظورات و اكتسابها،و هذا من باب حذف المضاف،لأنّ المعنى فعليّ عقاب إجرامي.و في الآية محذوف آخر،و هو أنّ المعنى إن كنت افتريته فعليّ عقاب جرمي،و إن كنت صادقا و كذّبتموني فعليكم عقاب ذلك التّكذيب،إلاّ أنّه حذف هذه البقيّة لدلالة الكلام عليه،كقوله: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ الزّمر:9،و لم يذكر البقيّة.

و قوله: وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمّا تُجْرِمُونَ أي أنا بريء من عقاب جرمكم.و أكثر المفسّرين على أنّ هذا من بقيّة كلام نوح عليه السّلام،و هذه الآية وقعت في قصّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم في أثناء حكاية نوح،و قولهم بعيد جدّا،و أيضا قوله: إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي لا يدلّ على أنّه كان شاكّا،إلاّ أنّه قول يقال على وجه الإنكار عند اليأس من القبول.

(17:220)

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

أي من إجرامكم في إسناد الافتراء إليّ،فلا وجه لإعراضكم عنّي و معاداتكم لي.و فيه إشارة إلى أنّ ذنوب النّفس لا تنافي صفاء الرّوح،و لا يتكدّر الرّوح بها ما دام متبرّئا منها.لكن كلّ من القوى يتكدّر بما قارفه من ذنوب نفسه،فالجهل يكدّر الرّوح،و الميل إلى

ص: 389

ما سوى اللّه تعالى يكدّر القلب،و الهوى يكدّر النّفس، و الشّهوة تكدّر الطّبيعة.فعلى العاقل تجلية هذه المرائي و تصقيلها له تعالى،و التّوجّه إلى الحضرة العلياء، و العمل على وفق الهدى و ترك المشتهيات.(4:121)

الآلوسيّ: فَعَلَيَّ إِجْرامِي أي وباله،فهو على تقدير مضاف،أو على التّجوّز بالسّبب عن المسبّب، و فسّر الإجرام بكسب الذّنب،و هو مصدر أجرم،و جاء على قلّة جرم.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرئ (اجرامى) بفتح الهمزة على أنّه كما قال النّحّاس:جمع جرم،و استشكل العزّ بن عبد السّلام الشّرطيّة بأنّ الافتراء المفروض هنا ماض و الشّرط يخلص للاستقبال بإجماع أئمّة العربيّة.و أجاب:أنّ المراد-كما قال ابن السّرّاج-إن ثبت أنّي افتريته فعليّ إجرامي،على ما قيل في قوله تعالى: إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ المائدة:116، وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمّا تُجْرِمُونَ أي من إجرامكم في إسناد الافتراء إليّ.

قيل:و الأصل إن افتريته فعليّ عقوبة افترائي، و لكنّه فرض محال و أنا بريء من افترائكم،أي نسبتكم إيّاي إلى الافتراء،و عدل عنه إدماجا لكونهم مجرمين، و أنّ المسألة معكوسة،و حملت(ما)على المصدريّة لما في الموصوليّة من تكلّف حذف العائد مع أنّ ذلك هو المناسب لقوله:(اجرامى)فيما قبل،و ما يقتضيه كلام ابن عبّاس من أنّ الآية من تتمّة قصّة نوح عليه السّلام و في شأنه هو الظّاهر،و عليه الجمهور.

و عن مقاتل: أنّها في شأن النّبيّ صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم مع مشركي مكّة،أي بل أ يقول مشركو مكّة:

افترى رسول اللّه صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم خبر نوح، قيل:و كأنّه إنّما جيء به في تضاعيف القصّة عند سوق طرف منها تحقيقا لحقيقتها و تأكيدا لوقوعها و تشويقا للسّامعين إلى استماعها،لا سيّما و قد قصّ منها طائفة متعلّقة بما جرى بينه عليه السّلام و بين قومه من المحاجّة،و بقيت طائفة مستقلّة متعلّقة بعذابهم،و لا يخفى أنّ القول بذلك بعيد و إن وجّه بما وجّه.

و قال في«الكشف»: إنّ كونها في شأن النّبيّ صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم أظهر و أنسب من كونها من تتمّة قصّة نوح عليه السّلام،لأنّ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ كالتّكرير لقوله سبحانه: أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ دلالة على كمال العناد، و أنّ مثله بعد الإتيان بالقصّة على هذا الأسلوب المعجز ممّا لا ينبغي أن ينسب إلى افتراء،فجاء زيادة إنكار على إنكار،كأنّه قيل:بل أ مع هذا البيان أيضا يقولون:

(افتريه)و هو نظير اعتراض قوله سبحانه في سورة العنكبوت:8 وَ إِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ بين قصّة إبراهيم عليه السّلام في أحد الوجهين،انتهى.و لا أراه معوّلا عليه.(12:48)

رشيد رضا :أي إن كنت افتريته على اللّه عزّ و جلّ فرضا فهو إجرام عظيم،عليّ إثمه و عقابه من دونكم-إذ الإجرام:الفعل القبيح الضّارّ الّذي يستحقّ فاعله العقاب،من الجرم الّذي هو قطع الثّمر قبل بدوّ صلاحه الّذي يجعله منتفعا به،كما سبق في آيات أخرى-و من كان يؤمن أنّ هذا إجرام يعاقب عليه فما الّذي يحمله على اقترافه وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمّا تُجْرِمُونَ لأنّ حكم اللّه العدل أن يجزي كلّ امرئ بفعله وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى

ص: 390

فاطر:18، لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ البقرة:

286،و تقدّم هذا المعنى بما هو أعمّ ممّا هنا و هو وَ إِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَ لَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمّا أَعْمَلُ وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ يونس:41،و قد أثبت عليهم الإجرام هنا،و منه أو أشدّه تكذيبه و وصفه بالافتراء على اللّه عزّ و جلّ،و هذا الأسلوب من الجدال بالّتي هي أحسن يستخفّه السّمع،و يقبله الطّبع.(12:72)

نحوه المراغيّ.(12:312)

الطّباطبائيّ: أصل الجرم-على ما ذكره الرّاغب في مفرداته-:قطع الثّمرة من الشّجرة،و أجرم أي صار ذا جرم،و استعير لكلّ اكتساب مكروه،فالجرم بضمّ الجيم و فتحها،بمعنى الاكتساب المكروه،و هو المعصية.

و الآية واقعة موقع الاعتراض،و النّكتة فيه أنّ دعوة نوح و احتجاجاته على وثنيّة قومه،و خاصّة ما أورده اللّه تعالى في هذه السّورة من احتجاجه،أشبه شيء بدعوة النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و احتجاجه على وثنيّة أمّته.

و إن شئت زيادة تصديق في ذلك فارجع إلى سورة الأنعام-و هي في الحقيقة سورة الاحتجاج-و قابل ما حكاه اللّه تعالى عن نوح في هذه السّورة و ما أمر اللّه به النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في تلك السّورة،بقوله: قُلْ لا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزائِنُ اللّهِ وَ لا أَعْلَمُ الْغَيْبَ وَ لا أَقُولُ لَكُمْ إِنِّي مَلَكٌ -إلى أن قال - وَ لا تَطْرُدِ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ -إلى أن قال - قُلْ لا أَتَّبِعُ أَهْواءَكُمْ قَدْ ضَلَلْتُ إِذاً وَ ما أَنَا مِنَ الْمُهْتَدِينَ* قُلْ إِنِّي عَلى بَيِّنَةٍ مِنْ رَبِّي وَ كَذَّبْتُمْ بِهِ، الأنعام:50-56.

و لك أن تطبّق سائر ما ذكر من حججه عليه السّلام في سورة نوح و الأعراف،على ما ذكر من الحجج في سورة الأنعام و في هذه السّورة،فتشاهد صدق ما ادّعيناه.

و لهذه المشابهة و المناسبة ناسب أن يعطف بعد ذكر حجج نوح عليه السّلام في إنذاره قومه بأمر من اللّه سبحانه على ما اتّهموا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و رموه بالافتراء على اللّه،و هو لا ينذرهم و لا يلقي إليهم من الحجج إلاّ كما أنذر به نوح عليه السّلام و ألقاه من الحجج إلى قومه،و هذا كما ينذر رسول الملك قومه و المتمرّدين المستنكفين عن الطّاعة، و يلقي إليهم النّصح و يتمّ عليهم الحجّة،فيرمونه بأنّه مفتر على الملك و لا طاعة و لا وظيفة،فيرجع إليهم بالنّصح ثانيا،و يذكر لهم قصّة رسول ناصح آخر من الملك إلى قوم آخرين نصح لهم بمثل ما نصح هو لهم فلم يتبصّروا به فهلكوا.فحيثما يذكر لهم حججه و مواعظه يبعثه الوجد و الأسف إلى أن يتذكّر رميهم إيّاه بالافتراء،فيأسف لذلك قائلا:إنّكم ترمونني بالافتراء و لم أذكر لكم إلاّ ما بثّه هذا الرّسول في قومه من كلمة الحكمة و النّصيحة،لا جرم إن افتريته فعليّ إجرامي و لا تقبلوا قولي،غير أنّي بريء من عملكم.

و قد عاد سبحانه إلى الأمر بمثل هذه المباراة ثانيا في آخر السّورة بعد إيراد قصص عدّة من الرّسل،حيث قال: وَ كُلاًّ نَقُصُّ عَلَيْكَ مِنْ أَنْباءِ الرُّسُلِ ما نُثَبِّتُ بِهِ فُؤادَكَ -إلى أن قال - وَ قُلْ لِلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ اعْمَلُوا عَلى مَكانَتِكُمْ إِنّا عامِلُونَ* وَ انْتَظِرُوا إِنّا مُنْتَظِرُونَ هود:120-122.

و ذكر بعض المفسّرين أنّ الآية،من تمام القصّة و الخطاب فيها لنوح،و المعنى أم يقول قوم نوح:افتراه

ص: 391

نوح،قل:يا نوح،إن افتريته فعليّ إجرامي و أنا بريء ممّا تجرمون.و على هذا فالكلام مشتمل على نوع التفات من الغيبة إلى الخطاب،و هذا بعيد عن سياق الكلام غايته.

و في قوله: وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمّا تُجْرِمُونَ إثبات إجرام مستمرّ لهم،و قد أرسل إرسال المسلّمات،كما في قوله:

فَعَلَيَّ إِجْرامِي من إثبات الجرم،و ذلك أنّ الّذي ذكر من حجج نوح إن كان من الافتراء كان كذبا؛من حيث إنّ نوحا عليه السّلام لم يحتجّ بهذه الحجج و هي حقّة،لكنّها من حيث إنّها حجج عقليّة قاطعة لا تقبل الكذب،و هي تثبت لهؤلاء الكفّار إجراما مستمرّا،في رفض ما يهديهم إليه من الإيمان و العمل الصّالح،فهم في خروجهم عن مقتضى هذه الحجج مجرمون قطعا،و النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم مجرم لا قطعا بل على تقدير أن يكون مفتريا،و ليس بمفتر.(10:218)

مكارم الشّيرازيّ: 1-«الإجرام»مأخوذ من مادّة«جرم»على وزن«جهل»و كما أشرنا إلى ذلك سابقا فإنّ معناه قطف الثّمرة غير النّاضجة،ثمّ أطلقت على كلّ ما يحدث من عمل سيّئ،و نطلق على من يحثّ الآخر على الذّنب أنّه أجرم؛و حيث إنّ الإنسان له ارتباط في ذاته و فطرته مع المعنويّة و الطّهارة،فإنّ الإقدام على الذّنوب يفصل هذا الارتباط الإلهيّ منه.

2-و احتمل بعض المفسّرين أنّ الآية الأخيرة ليست في نبيّ الإسلام،بل هي في نوح عليه السّلام نفسه،لأنّ جميع هذه الآيات تتحدّث عن نوح عليه السّلام و الآيات المقبلة تتحدّث عنه أيضا،فمن الأنسب أن تكون هذه الآية في نوح عليه السّلام،و الجملة الاعتراضيّة خلاف الظّاهر،و لكن مع ملاحظة ما يلي:

أوّلا:إنّ شبيه هذا التّعبير وارد في سورة الأحقاف الآية(8)في نبيّ الإسلام.

ثانيا:ما جاء في نوح عليه السّلام في هذه الآيات جميعه بصيغة الغائب،و لكن الآية-محلّ البحث-جاءت بصيغة المخاطب،و مسألة الالتفات-أي الانتقال من ضمير الغيبة إلى المخاطب-خلاف الظّاهر،و إذا أردنا أن تكون الآية في نوح عليه السّلام فإنّ جملة(يقولون)الّتي هي بصيغة المضارع،و جملة(قل)الّتي هي بصيغة الأمر، فإنّهما جميعا يحتاجان إلى التّقدير.

ثالثا:هناك حديث في تفسير«البرهان»في ذيل هذه الآية عن الإمامين الصّادقين الباقر و الصّادق عليهما السّلام يبيّن أنّ الآية المتقدّمة نزلت في كفّار مكّة و نبيّ الإسلام.

من مجموع هذه الدّلائل نرى أنّ الآية تتعلّق بنبيّ الإسلام،و التّهم الّتي وجّهت إليه من قبل كفّار مكّة، و جوابه عليهم.

و ينبغي هنا ذكر هذه المسألة الدّقيقة،و هي أنّ الجملة الاعتراضيّة ليست كلاما لا علاقة له بأصل القول،بل غالبا ما تأتي الجمل الاعتراضيّة لتؤكّد بمحتواها مفاد الكلام و تؤيّده،و إنّما ينقطع ارتباط الكلام أحيانا لتخفّ على المخاطب رتابة الإيقاع و ليبعث الجدّة و اللّطافة في روح الكلام.و بالطّبع فإنّ الجملة الاعتراضيّة لا يمكن أن تكون أجنبيّة عن الكلام بتمام المعنى،و إلاّ فتكون على خلاف البلاغة و الفصاحة،في حين أنّنا نجد دائما في الكلمات البليغة و الفصيحة جملا اعتراضيّة.

ص: 392

3-من الممكن أن يرد هذا الإشكال عند مطالعة الآية الأخيرة،و هو قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أو نوح عليه السّلام للكفّار:

إن يكن هذا الكلام افتراء فإثمه عليّ.ترى هل يعني قبول مسئوليّة الإثم«الافتراء»أن يكون سببا فى كون كلام الكفّار حقّا و مطابقا للواقع،و على النّاس أن يتابعوه و يطيعوه.

و لكن مع تدقيق النّظر في الآيات نحصل على جواب هذا الإشكال،و هو أنّهم«الأنبياء»في الحقيقة كانوا يريدون أن يقولوا:إنّ كلامنا مشتمل على أنواع الاستدلالات العقليّة،فعلى فرض المحال أنّنا لم نكن من قبل اللّه،فإثم ذلك على أنفسنا،و لكن الاستدلالات العقليّة ثابتة في مكانها،و لكنّكم أيّها الكفّار ستبقون بمخالفتكم في الإثم دائما،الإثم المستمرّ و الباقي«لاحظوا كلمة(تجرمون)الّتي جاءت بصيغة المضارع و هي تدلّ على الاستمرار فتأمّلوا جيّدا».(6:489)

الوجوه و النّظائر

الدّامغانيّ: الجرم على ستّة أوجه:المشركون، القول،اللّواطة،الحمل،حقّا،الإثم:فوجه منها:

المجرمون،يعني المشركون،قوله في سورة سأل سائل:

11،(يودّ المجرم)يعني أبا جهل و أصحابه و النّضر بن الحارث لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ مثلها في الزّخرف:74، إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ و أمثاله كثير.

و الوجه الثّاني:الجرم هو القول،قوله في سورة القمر:47، إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ و قال محمّد بن كعب:المجرمون هاهنا:القدريّة،و قال أبو هريرة،جاء مشركو العرب فخاصموا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في القدر،فنزلت(انّ المجرمين).

و الوجه الثّالث:الجرم:اللّواطة،قوله في سورة الأعراف:83،84 فَأَنْجَيْناهُ وَ أَهْلَهُ -إلى قوله - فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ يعني فعال قوم لوط.

و الوجه الرّابع:(لا يجرمنّكم)يعني لا يحملنّكم،في المائدة:8،مثلها في هود:89 لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أي لا يحملنّكم عداوتي إخبارا عن شعيب.

و الوجه الخامس:لا جرم،يعني حقّا،و قد جرم الشّيء،أي حقّ،و دخول«لا»على«جرم»لتدلّ على أنّه جواب الكلام،قوله في سورة هود:22 لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ، كقوله في سورة حم المؤمن:43،و نظيره في النّحل:23.

و الوجه السّادس:الجرم:الإثم،قوله في هود:35 فَعَلَيَّ إِجْرامِي يعني آثامى وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمّا تُجْرِمُونَ يعني يأثمون.(230)

نحوه الفيروزآباديّ.

(بصائر ذوي التّمييز 2:355)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجرم،أي قطع التّمر من النّخل،يقال:جرم التّمر و النّخل يجرمه جرما و جراما و جراما،و اجترمه أيضا:صرمه،فهو جارم و هم جرّام، و التّمر جريم،أي مجروم،و جمعه:جرام،و واحدته:

جريمة.و أجرم التّمر:حان جرامه،يقال:جاء زمن

ص: 393

الجرام و الجرام،أي صرام النّخل.

و الجريم و الجرام:التّمر اليابس و النّوى.

و الجرمة:ما جرم و صرم من البسر.

و الجرامة:ما يلقط من الكرب من التّمر المصروم، يقال:جرم الرّجل،إذا صار يأكل جرامة النّخل بين السّعف.

و الجرم:الكسب،لأنّ من يحوزه فكأنّه اقتطعه، يقال:فلان جريمة أهله،أي كاسبهم،و خرج يجرم أهله،أي يكسبهم،و هو يجرم لأهله و يجترم:يتكسّب و يطلب و يحتال،و هو جارم أهله و جريمتهم،أي كاسبهم.

و الجرم:التّعدّي و الذّنب،و الجمع:أجرام و جروم، و مثله الجريمة،و هو من هذا الباب،لأنّه كسب، و الكسب اقتطاع،يقال:جرم يجرم جرما،و اجترم و أجرم،أي أذنب و تعدّى،و هو جارم و جريم و مجرم.

و تجرّم عليّ فلان:ادّعى ذنبا لم أفعله،و فلان له جريمة إليّ،أي جرم،و فلان يتجرّم علينا،أي يتجنّى ما لم نجنه، و جرم إليهم و عليهم جريمة و أجرم:جنى جناية،و جرم:

عظم جرمه،أي أذنب.

و الجرم:الجسد و ألواحه،لأنّ للجسم قدرا و تقطيعا،و الجمع:أجرام و جروم و جرم.يقال:ألقى عليه أجرامه،و هو الحلق و الصّوت أو جهارته،يقال:

ما عرفته إلاّ بجرم صوته؛و هو اللّون أيضا،يقال:جرم لونه،أي صفا.و رجل جريم:عظيم الجرم،و امرأة جريمة:

ذات جرم و جسم،و إبل جريم،و جلّة جريم:عظام الأجرام.

و حول مجرّم،و سنة مجرّمة،و شهر مجرّم،و يوم مجرّم:تامّ،يقال:جرّمنا هذه السّنة،أي خرجنا منها، و تجرّمت السّنة:انقضت،و كأنّ السّنة لمّا مضت انقطعت من السّنة المستقبلة،و يقال أيضا:تجرّم اللّيل،أي ذهب،و جرّمنا القوم:خرجنا عنهم.

و منه:لا جرم،أي لا بدّ و لا محالة،أو حقّا،يقال:

لا جرم لآتينّك،و لا جرم لقد أحسنت،و هو من:جرم، أي كسب الذّنب.

2-و ليس منه:جرمت صوف الشّاة،أي جزرته، و قد جرمت منه،أي أخذت منه،فهو من«ج ل م».

يقال:جلم الشّعر و صوف الشّاة بالجلم جلمه يجلمه جلما،أي جزّه.و كذا تجرّم القرن:انقضى و انصرم،لأنّه من «خ ر م»،و في الحديث:«يريد أن ينخرم ذلك القرن» يقال:اخترمهم الدّهر و تخرّمهم،أي استأصلهم.

و نظيره:تجرّمت السّنة،و تجرّم اللّيل،أي ذهبا و انقضيا.

و هذا إمّا من هذا الباب،و إمّا من«خ ر م»،فبينهما اشتقاق أكبر.

و الجرم:الحرّ،و هو لفظ فارسيّ معرّب«گرم»، و جمع على جروم،و قيل منه:أرض جرم،أي حارّة أو دافئة.

و ورد الجرام:التّمر اليابس،في السّريانيّة بلفظ «جرما»بجعل الألف آخر الكلمة،كما هو الشّائع في هذه اللّغة،مثل:حجبا،أي حجاب.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الفعل ماضيا و مضارعا مجرّدا و مزيدا(8)

ص: 394

مرّات،و اسم الفاعل مفردا و جمعا(52)مرّة،و المصدر مرّة واحدة،كلّها من باب الإفعال،و من المجرّد مصدرا مركّبا:«لا جرم»(5)مرّات كلّها في(64)آية:

الأفعال و المصدر:

1- ...وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ أَنْ صَدُّوكُمْ عَنِ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ أَنْ تَعْتَدُوا وَ تَعاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَ التَّقْوى وَ لا تَعاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعِقابِ المائدة:2

2- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوّامِينَ لِلّهِ شُهَداءَ بِالْقِسْطِ وَ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلى أَلاّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ المائدة:8

3- وَ يا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي أَنْ يُصِيبَكُمْ مِثْلُ ما أَصابَ قَوْمَ نُوحٍ أَوْ قَوْمَ هُودٍ أَوْ قَوْمَ صالِحٍ وَ ما قَوْمُ لُوطٍ مِنْكُمْ بِبَعِيدٍ هود:89

4- قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمّا أَجْرَمْنا وَ لا نُسْئَلُ عَمّا تَعْمَلُونَ سبأ:25

5- وَ إِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللّهِ اللّهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ سَيُصِيبُ الَّذِينَ أَجْرَمُوا صَغارٌ عِنْدَ اللّهِ وَ عَذابٌ شَدِيدٌ بِما كانُوا يَمْكُرُونَ الأنعام:124

6- وَ لَقَدْ أَرْسَلْنا مِنْ قَبْلِكَ رُسُلاً إِلى قَوْمِهِمْ فَجاؤُهُمْ بِالْبَيِّناتِ فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا وَ كانَ حَقًّا عَلَيْنا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ الرّوم:47

7- إِنَّ الَّذِينَ أَجْرَمُوا كانُوا مِنَ الَّذِينَ آمَنُوا يَضْحَكُونَ المطفّفين:29 8- أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمّا تُجْرِمُونَ هود:35

الأوصاف:

9- يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ... المعارج:11

10- إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى طه:74

11- فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ إِنَّهُ لا يُفْلِحُ الْمُجْرِمُونَ يونس:17

12- قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ أَتاكُمْ عَذابُهُ بَياتاً أَوْ نَهاراً ما ذا يَسْتَعْجِلُ مِنْهُ الْمُجْرِمُونَ يونس:50

13- وَ رَأَى الْمُجْرِمُونَ النّارَ فَظَنُّوا أَنَّهُمْ مُواقِعُوها وَ لَمْ يَجِدُوا عَنْها مَصْرِفاً الكهف:53

14- وَ ما أَضَلَّنا إِلاَّ الْمُجْرِمُونَ الشّعراء:99

15- قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَ وَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَ أَكْثَرُ جَمْعاً وَ لا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ

القصص:78

16- وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُبْلِسُ الْمُجْرِمُونَ

الرّوم:12

17- وَ يَوْمَ تَقُومُ السّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ ما لَبِثُوا غَيْرَ ساعَةٍ كَذلِكَ كانُوا يُؤْفَكُونَ الرّوم:55

18- وَ لَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ رَبَّنا أَبْصَرْنا وَ سَمِعْنا فَارْجِعْنا نَعْمَلْ صالِحاً إِنّا مُوقِنُونَ السّجدة:12

19- وَ امْتازُوا الْيَوْمَ أَيُّهَا الْمُجْرِمُونَ يس:59

ص: 395

20- فَدَعا رَبَّهُ أَنَّ هؤُلاءِ قَوْمٌ مُجْرِمُونَ

الدّخان:22

21- يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَ الْأَقْدامِ الرّحمن:41

22- هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ

الرّحمن:43

23- كُلُوا وَ تَمَتَّعُوا قَلِيلاً إِنَّكُمْ مُجْرِمُونَ

المرسلات:46

24- لِيُحِقَّ الْحَقَّ وَ يُبْطِلَ الْباطِلَ وَ لَوْ كَرِهَ الْمُجْرِمُونَ الأنفال:8

25- وَ كَذلِكَ نُفَصِّلُ الْآياتِ وَ لِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ الأنعام:55

26- فَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ رَبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ واسِعَةٍ وَ لا يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ الأنعام:147

27- إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ

الأعراف:40

28- وَ أَمْطَرْنا عَلَيْهِمْ مَطَراً فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ الأعراف:84

29- فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمُ الطُّوفانَ وَ الْجَرادَ وَ الْقُمَّلَ وَ الضَّفادِعَ وَ الدَّمَ آياتٍ مُفَصَّلاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ الأعراف:133

30- لا تَعْتَذِرُوا قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ إِنْ نَعْفُ عَنْ طائِفَةٍ مِنْكُمْ نُعَذِّبْ طائِفَةً بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ

التّوبة:66 31- وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمّا ظَلَمُوا وَ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَ ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ يونس:13

32- ثُمَّ بَعَثْنا مِنْ بَعْدِهِمْ مُوسى وَ هارُونَ إِلى فِرْعَوْنَ وَ مَلاَئِهِ بِآياتِنا فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ

يونس:75

33- وَ يا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ يُرْسِلِ السَّماءَ عَلَيْكُمْ مِدْراراً وَ يَزِدْكُمْ قُوَّةً إِلى قُوَّتِكُمْ وَ لا تَتَوَلَّوْا مُجْرِمِينَ هود:52

34- فَلَوْ لا كانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُوا بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسادِ فِي الْأَرْضِ إِلاّ قَلِيلاً مِمَّنْ أَنْجَيْنا مِنْهُمْ وَ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا ما أُتْرِفُوا فِيهِ وَ كانُوا مُجْرِمِينَ

هود:116

35- حَتّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا جاءَهُمْ نَصْرُنا فَنُجِّيَ مَنْ نَشاءُ وَ لا يُرَدُّ بَأْسُنا عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ يوسف:110

36- وَ تَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ إبراهيم:49

37- كَذلِكَ نَسْلُكُهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ

الحجر:12

38 و 39- قالُوا إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ

الحجر:58،الذّاريّات:32

40- وَ وُضِعَ الْكِتابُ فَتَرَى الْمُجْرِمِينَ مُشْفِقِينَ مِمّا فِيهِ وَ يَقُولُونَ يا وَيْلَتَنا ما لِهذَا الْكِتابِ لا يُغادِرُ صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً إِلاّ أَحْصاها وَ وَجَدُوا ما عَمِلُوا حاضِراً وَ لا يَظْلِمُ رَبُّكَ أَحَداً الكهف:49

ص: 396

41- وَ نَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً

مريم:86

42- يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ وَ نَحْشُرُ الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ زُرْقاً طه:102

43- يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ وَ يَقُولُونَ حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:22

44- وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ وَ كَفى بِرَبِّكَ هادِياً وَ نَصِيراً الفرقان:31

45- كَذلِكَ سَلَكْناهُ فِي قُلُوبِ الْمُجْرِمِينَ

الشّعراء:200

46- قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُجْرِمِينَ. النّمل:69

47- قالَ رَبِّ بِما أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيراً لِلْمُجْرِمِينَ القصص:17

48- وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْها إِنّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ السّجدة:22

49- قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَ نَحْنُ صَدَدْناكُمْ عَنِ الْهُدى بَعْدَ إِذْ جاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ

سبأ:32

50- إِنّا كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ

الصّافّات:34

51- إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي عَذابِ جَهَنَّمَ خالِدُونَ

الزّخرف:74

52- أَ هُمْ خَيْرٌ أَمْ قَوْمُ تُبَّعٍ وَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ أَهْلَكْناهُمْ إِنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ الدّخان:37

53- وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا أَ فَلَمْ تَكُنْ آياتِي تُتْلى عَلَيْكُمْ فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَ كُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ الجاثية:31

54- تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ

الأحقاف:25

55- إِنَّ الْمُجْرِمِينَ فِي ضَلالٍ وَ سُعُرٍ

القمر:47

56- أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ

القلم:35

57- كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ رَهِينَةٌ* إِلاّ أَصْحابَ الْيَمِينِ* فِي جَنّاتٍ يَتَساءَلُونَ* عَنِ الْمُجْرِمِينَ

المدّثّر:38-41

58- كَذلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ المرسلات:18

59- وَ كَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَ ما يَمْكُرُونَ إِلاّ بِأَنْفُسِهِمْ وَ ما يَشْعُرُونَ

الأنعام:123

لا جرم:

60- لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْأَخْسَرُونَ

هود:22

61- لا جَرَمَ أَنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ما يُسِرُّونَ وَ ما يُعْلِنُونَ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْتَكْبِرِينَ النّحل:23

62- وَ يَجْعَلُونَ لِلّهِ ما يَكْرَهُونَ وَ تَصِفُ أَلْسِنَتُهُمُ الْكَذِبَ أَنَّ لَهُمُ الْحُسْنى لا جَرَمَ أَنَّ لَهُمُ النّارَ وَ أَنَّهُمْ مُفْرَطُونَ النّحل:62

63- لا جَرَمَ أَنَّهُمْ فِي الْآخِرَةِ هُمُ الْخاسِرُونَ

النّحل:109

64- لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَ لا فِي الْآخِرَةِ وَ أَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللّهِ وَ أَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النّارِ المؤمن:43

ص: 397

64- لا جَرَمَ أَنَّما تَدْعُونَنِي إِلَيْهِ لَيْسَ لَهُ دَعْوَةٌ فِي الدُّنْيا وَ لا فِي الْآخِرَةِ وَ أَنَّ مَرَدَّنا إِلَى اللّهِ وَ أَنَّ الْمُسْرِفِينَ هُمْ أَصْحابُ النّارِ المؤمن:43

يلاحظ أوّلا:أنّ الآيات تدور حول محورين:الجرم و الإجرام،و لا جرم.

ثانيا:جاء من المحور الأوّل في(1-8)الفعل المضارع مجرّدا 3 مرّات:(1-3)و مزيدا مع المصدر مرّة:

8،و الفعل الماضي مزيدا 4 مرّات:(4-7)ففيها توازن عدديّ تماما بين الماضي و المضارع،و بين المجرّد و المزيد إلى حدّ،مع غلبة المزيد.

ثالثا:جاء الفعل المجرّد في الثّلاث الأولى مؤكّدا بالنّون منفيّا في سياق واحد،نهيا عن التّعدّي بحال من صدر عنه سوء،تشفّيا به أو انتقاما منه،فقد جاء في(1) و(2)آيتين من صدر سورة المائدة النّازلة في حجّة الوداع،خلال أحكام الحجّ مكرّرا و مؤكّدا،خطابا إلى المؤمنين الّذين جاءوا من خارج الحرم مع النّبيّ عليه السّلام حاجّين،نهيا عن أن يحرموا على أهل مكّة،بحجّة أنّهم صدّوهم عن الحجّ في الحديبيّة،تعبيرا عن بغضهم لهم ب شَنَآنُ قَوْمٍ، فنهاهم عن التّعدّي عليهم،و أمرهم في(1)بدل التّعدّي و الانتقام،بالتّعاون على البرّ و التّقوى،و رفض التّعاون على الإثم و العدوان،مشفوعا بأنّ اللّه شديد العقاب،و في(2)بالقسط و العدل و التّقوى،مشفوعا بأنّ اللّه خبير بما تعملون.

و جاء في(3)قول شعيب لقومه بنفس الأسلوب:

يا قَوْمِ لا يَجْرِمَنَّكُمْ شِقاقِي فجاء فيه بدل(شنآن) (شقاق).

رابعا:قالوا في معنى لا يَجْرِمَنَّكُمْ: لا يكسبنّكم جرما أو(لا يحملنّكم)على جرم و نحوهما.

و في تفسير الطّبريّ(3:168):و قيل:(لا يجرمنّكم) أي لا يدخلنّكم في الجرم،كما يقال:أثمته،أي أدخلته في الإثم.

و قد قرأت(1) (لا يجرمنّكم) بضمّ الياء،و رجّح الطّبريّ-و تبعه غيره-قراءة الفتح فيها،لأنّها اللّغة المعروفة السّائرة في العرب،و شذّ«أجرم يجرم» و لاستفاضة القراءة بها في قرّاء الأمصار.و نحن نضيف:

و لموافقته سياقا للآيتين الأخريين؛حيث لم تقرأ فيهما بالضّمّ.

و الظّاهر:أنّ معنى لا يدخلنّكم في الجرم خاصّ بقراءة الضّمّ المرويّة في(1)فقط،أمّا الفتح فيجري في الآيات الثّلاث،فلا مجال فيها إلاّ معنى الكسب و الحمل على الجرم،و لهذا جاء الفعل فيها متعدّيا إلى الأشخاص، و فاعله فيها(شنآن و شقاق).

خامسا:جاء الفعل و المصدر في الخمس الباقية:

(4-8)مزيدا من باب«الإفعال»بمعنى عمل الجرم،و لهذا جاء الفعل فيها متعدّيا إلى الأعمال و فاعله الأشخاص، و قالوا في معناها:ما اقترفنا المعاصي،ما فعلنا من المعاصي و السّيّئات،و نحوهما فهو بمعنى الجرم،و قد جمع بعضهم بين الكسب و الجرم،فقال:أي ما اكتسبنا و فعلنا من المعاصي و الجرائم.

سادسا:قالوا في(4): قُلْ لا تُسْئَلُونَ عَمّا أَجْرَمْنا وَ لا نُسْئَلُ عَمّا تَعْمَلُونَ إنّ اللّه أنصف في خطاب المشركين؛حيث أمر النّبيّ عليه السّلام بأن يسمّي فعله(جرما) كما يزعمون،مع أنّه مثاب مشكور،و فعلهم(عملا)مع

ص: 398

أنّه سيّئ محظور.

و نقول:ما قبل هذه الآية و ما بعدها جاء بسياق الإنصاف أيضا؛حيث ساوى بين أنفسهم و بين مخاطبيهم في المصير و المآل،و في المستقبل و الحال فقبلها: إِنّا أَوْ إِيّاكُمْ لَعَلى هُدىً أَوْ فِي ضَلالٍ مُبِينٍ سبأ:24،و بعدها:

قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَ هُوَ الْفَتّاحُ الْعَلِيمُ سبأ:26.

و قد صرّح بها بعضهم بأنّ الآية التّالية-في الحقيقة- توضيح لنتيجة الآيتين السّابقتين،فبعد أن نبّه إلى أنّ أحد الفريقين على الحقّ و الآخر على الباطل،و إلى أنّ كلاّ منهما مسئول عن أعماله،انتقل إلى مجازاة كلّ فريق طبق مسئوليّته.و قال بعضهم:فيها إنصاف و حسن أدب مع الخصم.

سابعا:جاء الفعل مع مصدره في(8): إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمّا تُجْرِمُونَ و فيها بحوث:

1-في هذه الآية إنصاف أيضا بين النّبيّ و مخاطبيه بأنّ كلاّ منّا مسئول عن عمله لو كان سيّئا و إجراما.فلو افتريت أنا القرآن فهو إجرام منّي،كما أنّ إنكاركم إيّاه لو كان حقّا إجرام منكم على السّواء.فالآية مثل ما قبلها، و نظير: لَكُمْ دِينُكُمْ وَ لِيَ دِينِ الكافرون:6، و وَ لا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى فاطر:18،و لَها ما كَسَبَتْ وَ عَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ البقرة:286، وَ إِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَ لَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمّا أَعْمَلُ وَ أَنَا بَرِيءٌ مِمّا تَعْمَلُونَ يونس:41.

2-و قد قرئت(اجرامى)جمع جرم،أي فعليّ آثامي و ذنوبي،فهي مثل: وَ اللّهُ يَعْلَمُ إِسْرارَهُمْ محمّد:26، وَ أَدْبارَ السُّجُودِ ق:40،فقد قرئتا(اسرارهم) و(ادبار):جمع سرّ و دبر.و عليه فتزداد سمة الإنصاف فيها؛حيث أضاف إلى نفسه أجراما،و إلى مخاطبيه أيضا أجراما،فقال:(تجرمون)فأعمالهم تعدّ أجراما لا جرما واحدا.

3-قالوا:في الآية حذف مضافين،أي عقاب إجرامي و عقاب ما تجرمون.و عندنا أنّه مجاز شائع، يقال:«ذنبي على رقبتي)فيفهم منه المراد من دون لحاظ المضاف.فهذا كما قال الآلوسيّ:«يجوّز بالسّبب عن المسبّب».

4-قال الزّمخشريّ:و في الآية محذوف آخر،و هو أنّ المعنى إن افتريته فعليّ عقاب جرمي،و إن كنت صادقا و كذّبتموني فعليكم عقاب ذلك التّكذيب.إلاّ أنّه حذف هذه البقيّة لدلالة الكلام عليه،كقوله: أَمَّنْ هُوَ قانِتٌ آناءَ اللَّيْلِ الزّمر:9،و لم يذكر البقيّة.

5-قيل:في الآية إلزام للخصم نقضا بما صدر عنه مثله،أي ما الفرق بين ذنبي و ذنبكم فذنبكم التّكذيب -كما اعتقد-و ذنبي الافتراء-كما تزعمون-فليس لكم حجّة عليّ.إنّما الحجّة قائمة لكم عليّ،لو اختصّ الذّنب بي دونكم.و فيه نظر،فهي لا تدلّ على أنّه كان شاكّا في فعله،بل إلزام للخصم عند اليأس من قبوله الحقّ.قال رشيد رضا:«و هذا الأسلوب من الجدل بالّتي هي أحسن يستخفّه السّمع و يقبله الطّبع».

6-وقعت هذه الآية بين آيات قصّة(نوح)فقبلها نقلا عن نوح وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ... و بعدها: وَ أُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ... فحكى الفخر الرّازيّ عن أكثر المفسّرين من أنّها من بقيّة كلام نوح،ثمّ رجّح أنّها من قصّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم وقعت بين قصص نوح.و يؤيّده أنّ نوحا لم يعرض على قومه كتابا من اللّه حتّى يقولوا:

ص: 399

6-وقعت هذه الآية بين آيات قصّة(نوح)فقبلها نقلا عن نوح وَ لا يَنْفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدْتُ أَنْ أَنْصَحَ لَكُمْ... و بعدها: وَ أُوحِيَ إِلى نُوحٍ أَنَّهُ لَنْ يُؤْمِنَ مِنْ قَوْمِكَ... فحكى الفخر الرّازيّ عن أكثر المفسّرين من أنّها من بقيّة كلام نوح،ثمّ رجّح أنّها من قصّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم وقعت بين قصص نوح.و يؤيّده أنّ نوحا لم يعرض على قومه كتابا من اللّه حتّى يقولوا:

افتراه،فيدافع عن نفسه،بما ذكر فيها،و أيضا جاء نظيرها بشأن النّبيّ مرّات:

أَمْ يَقُولُونَ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً الشّورى:24

أَفْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَمْ بِهِ جِنَّةٌ سبأ:8

أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِسُورَةٍ مِثْلِهِ وَ ادْعُوا مَنِ اسْتَطَعْتُمْ مِنْ دُونِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ

يونس:38

إِنْ هُوَ إِلاّ رَجُلٌ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً وَ ما نَحْنُ لَهُ بِمُؤْمِنِينَ المؤمنون:38

أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ بَلْ هُوَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ

السّجدة:3

أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَلا تَمْلِكُونَ لِي مِنَ اللّهِ شَيْئاً الأحقاف:8

و حكى الآلوسيّ عن مقاتل أنّها في شأن النّبيّ، و المعنى أ يقول مشركو مكّة:إنّه افترى خبر نوح،ثمّ قال:قيل:و كأنّه إنّما جيء به في تضاعيف القصّة عند سوق طرف منها تحقيقا لحقيقتها،و تأكيدا لوقوعها، و تشويقا للسّامعين إلى استماعها،و لا سيّما و قد خصّ منها طائفة متعلّقة بما جرى بينه عليه السّلام و بين قومه من المحاجّة، و بقيت طائفة مستقلّة متعلّقة بعذابهم.

ثمّ قال:و لا يخفى أنّ القول بذلك-أي بأنّ معناه افترى محمّد قصّة نوح-بعيد و إن وجّه بما وجّه،ثمّ نقل عن«الكشف»أنّ كونها في شأن النّبيّ عليه السّلام أظهر و أنسب من كونها من تتمّة قصّة نوح عليه السّلام،لأنّ أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ كالتّكرار لقوله أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ يعني في آيات قبلها رقم(13)و فيها دلالة على كمال العناد،و أنّ مثله بعد الإتيان بالقصّة على هذا الأسلوب المعجز ممّا لا ينبغي أن ينسب إلى افتراء،فجاء زيادة إنكار على إنكار،كأنّه قيل:أ مع هذا البيان أيضا يقولون:(افتريه) و هو نظير اعتراض وقع في سورة العنكبوت:18، وَ إِنْ تُكَذِّبُوا فَقَدْ كَذَّبَ أُمَمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ بيّن قصّة إبراهيم عليه السّلام في أحد الوجهين،و أراه معوّلا عليه.

و يؤيّده:أنّ اللّه ذمّ الافتراء كذبا في السّورة قبل قصّة نوح مرّات:

أَمْ يَقُولُونَ افْتَراهُ قُلْ فَأْتُوا بِعَشْرِ سُوَرٍ مِثْلِهِ مُفْتَرَياتٍ هود:13

وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً هود:18

أُولئِكَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ هود:21

فقد ظهر أنّ الآية جاءت بشأن النّبيّ كجملة معترضة،استمرارا لما قبل قصّة نوح من رفض الافتراء عن النّبيّ بالقرآن تأكيدا له،و أنّ قوله فيها: قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرامِي خطاب إليه،و لا مجال هنا لكونه خطابا لنوح عليه السّلام.و الضّمير في افتريته راجع إلى القرآن.

7-و هذه الآية في الحكم على المفتري كذبا، و المكذّب بالحقّ على السّواء،نظير(11) اِفْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ فلاحظ.

ثامنا:جاء اسم الفاعل من«أجرم»مفردا مرّتين

ص: 400

(9)و(10)،و كلاهما وعيد شديد للمجرم يوم القيامة:

ففي(9): يَوْمَ تَكُونُ السَّماءُ كَالْمُهْلِ* وَ تَكُونُ الْجِبالُ كَالْعِهْنِ* وَ لا يَسْئَلُ حَمِيمٌ حَمِيماً* يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ* وَ صاحِبَتِهِ وَ أَخِيهِ* وَ فَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ* وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ المعارج:8-14.

و في(10):و هي حكاية عن السّحرة الّذين آمنوا بموسى،أو استئناف القول من اللّه: إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِماً فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى* وَ مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى.

و لا يكاد يخفى أنّ(المجرم)و(مجرما)فيهما مفرد و أريد به الجنس،فيؤول إلى الجمع كبقيّة الآيات،و قوله في(9): لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ... و في (10) لا يَمُوتُ فِيها وَ لا يَحْيى يجسّم لنا شدّة العذاب،بما لا حدّ له و بأبلغ بيان.

تاسعا:جاء(مجرمون)جمعا في(49)آية من (11-59)و هي قسمان:قسم منها يصف حال المجرمين في الآخرة،و هي(26)آية،و قسم يصف حالهم في الدّنيا،و هي(23)آية،إلاّ أنّ وصف المجرمين في القسمين نشأ من سلوكهم في الدّنيا،فإنّها دار العمل و الآخرة دار الجزاء،و لا مجرم في الآخرة إلاّ من كان مجرما في الدّنيا.

عاشرا:هذه الآيات مثل الآيتين(9)و(10)تصف المجرمين-سواء في الدّنيا أو في الآخرة-بأنّهم ينالهم أشدّ العذاب،و سياقها بالغ في عظم العقاب،مثل(11):

فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ...

و(15) وَ لا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ

و(18) وَ لَوْ تَرى إِذِ الْمُجْرِمُونَ ناكِسُوا رُؤُسِهِمْ...

و(21) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَ الْأَقْدامِ

و(22) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ

و(36) وَ تَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ

فالمجرمون في عرف القرآن هم الّذين ارتكبوا أعظم المعاصي من الكفر و الفسق أو الظّلم و الإثم،و لا مجال فيها لما قيل في معنى الجرم:إنّه الذّنب الصّغير-لو صحّ في اللّغة-و إذا قيس:المجرمون و الظّالمون و الفاسقون و نحوهم عددا في القرآن،فالنّسبة بينها أنّ(المجرمين) حوالي ضعف(الفاسقين)،و نصف(الظّالمين و الكافرين).

و الّذي يضاعف المجرمين عذابا هو وعيدهم بالانتقام في آيتين(6) فَانْتَقَمْنا مِنَ الَّذِينَ أَجْرَمُوا و(48) إِنّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ مُنْتَقِمُونَ و كلاهما بنون التّعظيم للّه الدّالّة على عظمة الجرم.

و أيضا جاء(المجرمون)في(59)مع(يمكرون) مكرّرا،و مع الاستكبار في(29)و(32) فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً مُجْرِمِينَ، و في(49) قالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا و(53) فَاسْتَكْبَرْتُمْ وَ كُنْتُمْ قَوْماً مُجْرِمِينَ و في(59) أَكابِرَ مُجْرِمِيها.

و جاء مع الكفر في(30) قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ... بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ و(53) وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا، و مع التّكذيب(22) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ و(26) فَإِنْ كَذَّبُوكَ و(27) إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا و(35) وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا، و مع الظّلم في(11) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ و(31) وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمّا ظَلَمُوا و(34) وَ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا و(48) وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ.

ص: 401

و جاء مع الكفر في(30) قَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمانِكُمْ... بِأَنَّهُمْ كانُوا مُجْرِمِينَ و(53) وَ أَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا، و مع التّكذيب(22) هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ و(26) فَإِنْ كَذَّبُوكَ و(27) إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا و(35) وَ ظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا، و مع الظّلم في(11) فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللّهِ كَذِباً أَوْ كَذَّبَ بِآياتِهِ و(31) وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمّا ظَلَمُوا و(34) وَ اتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا و(48) وَ مَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ ذُكِّرَ بِآياتِ رَبِّهِ.

و أيضا جعل المجرمون قبال المسلمين في(56) أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ و جعلوا أعداء الرّسل في(44) وَ كَذلِكَ جَعَلْنا لِكُلِّ نَبِيٍّ عَدُوًّا مِنَ الْمُجْرِمِينَ.

الحادي عشر:و لكون(المجرمين)معلما و علما للّذين يعملون السّوء،جاء في أكثر الآيات رويّا لها معرّفا باللاّم،كما أنّها جاءت في المكّيّات بشأن الكافرين،و لم تأت في المدنيّات إلاّ مرّتين بشأن المنافقين:(24)و(30).

الثّاني عشر:جاء المحور الثّاني:(لا جرم)خمس مرّات:(60-64)كلّها في المكّيّات،ثلاث منها في النّحل و واحدة في هود بشأن المشركين،و واحدة(64) في المؤمن بشأن قوم فرعون،و فيها بحوث:

1-قالوا:(لا جرم)مركّب من«لا»و«جرم»مبنيّ، و هو مبتدأ و ما بعده خبره،و هو بمعنى«لا بدّ»«حقّا» و نحوهما،و يستعمل في مواقع الأيمان و التّحقيق في الكلام.

2-عند الزّجّاج أنّ معنى(لا)نفي لما ظنّوا أنّه ينفعهم،أي لا ينفعهم ذلك،و(جرم):فعل بمعنى كسب، و عنه أيضا أنّ(لا جرم)بمعنى لا يدخلنّكم في الجرم و الإثم.و عند الطّوسيّ أنّ الجرم:القطع،و جرم فعل بمعنى قطع،و تقديره لا قطع قاطع عن ذا،إلاّ أنّه كثر في كلامهم حتّى صار كالمثل.و عند الكسائيّ«لا صدّ و لا منع...»و عند الطّبريّ أنّه من:جرمت:كسبت الذّنب،أي ليس هذا كسبا للجرم و الذّنب.و عند الأزهريّ:أنّ هذا أحسن ما قيل في هذا الباب.و عند سيبويه و الأخفش،(لا)ردّ على أهل الكفر،و(جرم) معناه حقّ و صحيح.و عند الآلوسيّ فيه تفصيل،و أنّ (جرم)يحتمل أن يكون اسما أو فعلا مجهولا،سكّن للتّخفيف،فلاحظ.

3-فظهر أنّ(لا جرم)أيّا كان أصله تعبير مكّيّ في موضع التّحقيق و التّأكيد للمشركين و الكفّار،يواكب إنكارهم و عنادهم الصّارم أمام دعوة التّوحيد.

ص: 402

ج ر ي

اشارة

9 ألفاظ،64 مرّة:31 مكّيّة،33 مدنيّة

في 43 سورة:26 مكّيّة،17 مدنيّة

جرين 1:1 جارية 1:1

يجري 4:3-1 الجارية 1:1

تجري 51:21-30 فالجاريات 1:1

تجريان 1:-1

الجوار 3:2-1

مجراها 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الخيل تجري،و الرّياح تجري،و الشّمس تجري جريا،إلاّ الماء فإنّه يجري جرية.

و الجراء للخيل خاصّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الإجريّا:طريقته الّتي يجري عليها من عادته، و الإجريّا:ضرب من الجري.

و فرس ذو أجاريّ،أي ذو فنون من الجري.

و الجريّ: الرّسول،لأنّك أجريته في حاجتك.

و الجارية مصدرها:الجراء،بلا فعل.يقال:فعلت ذلك في جرائها،أي حين كانت جارية.(6:174)

اللّيث:جمع الجريّ-الوكيل-:أجرياء،بمدّة فيها همزة.(الأزهريّ 11:173)

أبو عمرو الشّيبانيّ: استجريت فلانا،و هو أن تزيّن له ما يريد من أمره.[ثمّ استشهد بشعر](1:120)

الفرّاء: يقال:ألقه في جريّتك،و هي الحوصلة.

(الأزهريّ 11:173)

أبو زيد :[جريّتك]هي القريّة و الجريّة و النّوطة لحوصلة الطّائر.

يقال:جارية بيّنة الجراية و الجراء،و جريّ بيّن الجراية.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 11:173،174)

الأخفش: و المجرى في الشّعر:حركة حرف الرّويّ،فتحته و ضمّته و كسرته،و ليس في الرّويّ المقيّد مجرى،لأنّه لا حركة فيه فتسمّى مجرى،و إنّما سمّي ذلك مجرى،لأنّه موضع جري حركات الإعراب

ص: 403

و البناء.(ابن سيده 7:505)

اللّحيانيّ: و قالوا:الكرم من إجريّاه،و من إجريائه،أي من طبيعته.(ابن سيده 7:506)

ابن الأعرابيّ: الجريّ:الوكيل،و الجريّ:

الرّسول،و الجريّ:الضّامن.(الأزهريّ 11:172)

يجري عليها،أي يدوم لها،من قولك:أجريت له كذا و كذا،أي أدمت له.و الجاري لفلان من الرّزق،كذا، أي الدّائم.

و الجارية:عين كلّ حيوان،و الجارية:النّعمة من اللّه على عباده.(الأزهريّ 11:174)

أبو عبيد: الإجريّاء:الوجه الّذي نأخذ فيه.

(الأزهريّ 11:173)

ابن السّكّيت: و الجراية و الجراية.[بمعنى واحد]

(إصلاح المنطق:111)

و قد جرّيت جريّا،أي وكّلت وكيلا.

(إصلاح المنطق:152)

شمر: و في الحديث:«الأرزاق جارية،و الأعطيات دارّة»هما واحد.

هو دائم،يقال:جرى عليه ذلك الشّيء و درّ له، بمعنى دام له.(الأزهريّ 11:174)

كراع النّمل:و الجريّ:الأجير.(ابن سيده 7:505)

الزّجّاج: و جرى الرّجل إلى الشّيء و أجرى إليه، إذا قصد إليه.[بمعنى واحد](فعلت و أفعلت:8)

ابن دريد :جرى الشّيء يجري جريا فهو جار، و أجراه غيره يجريه إجراء.(2:88)

و جرى الفرس جريا حسنا،و جرى الماء جرية حسنة،و فرس مرطى الجراء،ممدود.

و الجريّ: الوكيل غير مهموز،و الجمع:أجرياء.

و يقال:ما زال ذاك إجريّاه و إجريّاءه،أي دأبه و حاله.

و الجراية:مصدر قولهم:جريّ بيّن الجراية، و جارية بيّنة الجراء.و كان ذلك في أيّام جرائها،أي في أيّام صباها.

فأمّا الجريان و الجريان بمعنى واحد،و هو صبغ أحمر فليس ذا موضعه.(3:223)

الأزهريّ: [في حديث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم] «و لا يستجرينّكم الشّيطان»هو من الجريّ و هو الوكيل، تقول:جرّيت جريّا،و استجريت جريّا،أي اتّخذت وكيلا.(11:172)

و الجارية:عين الشّمس في السّماء.(11:175)

الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]

و الإجريّا:طريقته الّتي يجري عليها من عاداته و أموره،و يمدّ أيضا.و الوجه الّذي يأخذ فيه،و يقال:

جريّاء.

و الجراية و الجراية:الوكالة،و قد جرّيت جريّا و استجريته:اتّخذته وكيلا.

فعلت ذلك في جرائها،و قيل فيه:الجرا،مقصور.

و سمّيت جارية،لأنّها تجري في الحوائج.

و الجرّيّ: ضرب من السّمك.(7:175)

الجوهريّ: جرى الماء و غيره جريا و جريانا، و أجريته أنا.

يقال:ما أشدّ جرية هذا الماء بالكسر.

ص: 404

و الجراية:الجاري من الوظائف.

و جارية بيّنة الجراية بالفتح،و الجراء و الجراء.[ثمّ استشهد بشعر]

و قولهم:كان ذلك في أيّام جرائها،بالفتح،أي صباها.

و الجارية:الشّمس،و الجارية:السّفينة.

و جاراه مجاراة و جراء،أي جرى معه.

و جاراه في الحديث،و تجاروا فيه.

و الجريّ: الوكيل و الرّسول،يقال:جريّ بيّن الجراية و الجراية؛و الجمع:أجرياء.و قد جرّيت جريّا، و استجريت.

و سمّي الوكيل جريّا،لأنّه يجري مجرى موكّله.

و قولهم:فعلت ذلك من جرّاك و من جرّائك،أي من أجلك،لغة في جرّاك بالتّشديد،و لا تقل:مجراك.

و الجرّيّة،مثل القريّة،هي الحوصلة.

و الإجريّا،بالكسر:الجري و العادة ممّا تأخذ فيه.

[ثمّ استشهد بشعر](6:2301)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم«لا تجار أخاك و لا تشاره».

قوله:لا تجار أخاك،هو من الجراء في الخيل،و هو أن يتجارى الرّجلان للمسابقة.(1:340)

نحوه الزّمخشريّ.(الفائق 1:203)

ابن فارس: الجيم و الرّاء و الياء أصل واحد،و هو انسياح الشّيء،يقال:جرى الماء يجري جرية و جريا و جريانا.و يقال للعادة:الإجريّا؛و ذلك أنّه الوجه الّذي يجري فيه الإنسان.

و الجريّ: الوكيل،و هو بيّن الجراية،تقول:جرّيت جريّا و استجريت،أي اتّخذت.

و سمّي الوكيل جريّا،لأنّه يجري مجرى موكّله، و الجمع:أجرياء.

فأمّا السّفينة فهي الجارية،و كذلك الشّمس،و هو القياس.و الجارية من النّساء من ذلك أيضا،لأنّها تستجرى في الخدمة،و هي بيّنة الجراء.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:كان ذلك في أيّام جرائها،أي صباها.

و أمّا الجرّيّة،و هي الحوصلة،فالأصل الّذي يعوّل عليه فيها أنّ الجيم مبدلة من قاف،كأنّ أصلها قرّيّة، لأنّها تقري الشّيء،أي تجمعه،ثمّ أبدلوا القاف جيما كما يفعلون ذلك فيهما.(1:448)

الهرويّ: و قوله عليه السّلام:«يا أيّها النّاس قولوا بقولكم و لا يستجرينّكم الشّيطان»أي لا يستتبعنّكم فيتّخذكم جريّه و وكيله،يقال:جرّيت جريّا،و استجريته،أي اتّخذته وكيلا.(352)

أبو سهل الهرويّ: و جارية بيّنة الجراء و الجراية بفتح الجيم،و هي الظّاهرة الحداثة و الصّبا.(32)

تقول:الماء شديد الجرية،أي الجري.(54)

ابن سيده: جرى الماء و الدّم و نحوه جريا، و جرية،و جريانا،و إنّه لحسن الجرية.و أجراه هو.

و جرى الفرس و غيره جريا،و جراء،و جراءة.[ثمّ استشهد بشعر]

و جرت الشّمس و سائر النّجوم:سارت من المشرق إلى المغرب.

ص: 405

و الجارية:الشّمس،سمّيت بذلك لجريها من القطر إلى القطر،و جرت السّفينة جريا:كذلك،و الجارية:

السّفينة،صفة غالبة.

و المجاري:أواخر الكلم؛و ذلك لأنّ حركات الإعراب و البناء إنّما تكون هنالك.

قال ابن جنّيّ: سمّي بذلك لأنّ الصّوت يبتدئ بالجريان في حروف الوصل منه،أ لا ترى أنّك إذا قلت:

*قتيلان لم يعلم لنا النّاس مصرعا*

فالفتحة في العين هي ابتداء جريان الصّوت في الألف،و كذلك قولك:

*يا دارميّة بالعلياء فالسّندي*

تجد كسرة الدّال هي ابتداء جريان الصّوت في الياء، و كذلك قوله:

*هريرة ودّعها و إن لام لائم*

تجد ضمّة الميم منها ابتداء جريان الصّوت في الواو.

فأمّا قول سيبويه:«هذا باب مجاري أواخر الكلم من العربيّة،و هي تجري على ثمانية مجار»فلم يقصر المجاري هنا على الحركات فقط،كما قصر العروضيّون المجرى في القافية على حركة حرف الرّويّ دون سكونه، لكن غرض صاحب«الكتاب»في قوله:«مجاري أواخر الكلم»أي أحوال أواخر الكلم و أحكامها و الصّور الّتي تتشكّل لها،فإذا كانت أحوالا و أحكاما فسكون السّاكن حال له،كما أنّ حركة المتحرّك حال له أيضا.فمن هنا سقط تعقّب من تتبّعه في هذا الموضع.

فقال:كيف ذكر الوقف و السّكون في المجاري،و إنّما المجاري-فيما ظنّه-الحركات،و سبب ذلك خفاء غرض صاحب«الكتاب»عليه.و كيف يجوز أن يسلّط الظّنّ على أقلّ أتباع سيبويه فيما يلطف عن هذا الجليّ الواضح، فضلا عنه نفسه فيه،أ فتراه يريد الحركة و يذكر السّكون؟هذه غباوة ممّن أوردها،و ضعف نظر و طريقة دلّ على سلوكه إيّاها.

قال:أ و لم يسمع هذا المتتبّع بهذا القدر قول الكافّة:

أنت تجري عندي مجرى فلان،و هذا جار مجرى هذا.

فهل يراد بذلك،أنت تتحرّك عندي بحركته،أو يراد:

صورتك عندي صورته،و حالك في نفسي و معتقدي حاله؟

و الإجريّاء،و الإجريّا:الوجه تأخذ فيه و تجري عليه.[ثمّ استشهد بشعر]

و ذلك لأنّه إذا كان الشّيء من طبعه جرى إليه و جرن عليه.

و الجريّ: الوكيل،الواحد و الجمع و المؤنّث في ذلك سواء،بيّن الجراية و الجراية.

و جرّى جريّا:وكّله.

قال أبو حاتم:و قد يقال للأنثى:جريّة،بالهاء و هي قليلة.

و الجريّ: الرّسول،و قد أجراه في حاجته.

و الجارية:الفتيّة من النّساء بيّنة الجراية.

و الجرّيّ: ضرب من السّمك.

و الجرّيّة:الحوصلة،و من جعلهما ثنائيّين فهما فعليّ و فعليّة،و قد تقدّم في الثّنائيّ.(7:504)

جرى الفرس يجري جريا و جراء:مرّ سريعا، و الماء جريا و جريانا و جرية:اندفع في انحدار،و جارى

ص: 406

فلان فلانا:جرى معه.

و أجرى السّفينة:سيّرها.(الإفصاح 1:262)

إذا ارتفع الفرس عن الحضر فسال سيلا،قيل:مرّ يجري جريا و جراء،و قد أجريته.(الإفصاح 2:687)

جرى الدّابّة يجري جريا و جريانا و جراء:اندفع في السّير،و أجريته أنا.

و الماء الجاري:هو المتدافع في انحدار أو استواء.

(الإفصاح 2:754)

الجرّيّ: سمك طويل أملس لا يأكله اليهود،و ليس عليه فصوص.(الإفصاح 2:976)

الرّاغب: الجري:المرّ السّريع،و أصله،كمرّ الماء، و لما يجري بجريه،يقال:جرى يجري جرية و جريانا.

[ثمّ ذكر الآيات]

و يقال للحوصلة:جرّيّة،إمّا لانتهاء الطّعام إليها في جريه،أو لأنّها مجرى الطّعام.

و الإجريّا:العادة الّتي يجري عليها الإنسان.

و الجريّ: الوكيل و الرّسول الجاري في الأمر،و هو أخصّ من لفظ الرّسول و الوكيل،و قد جريت جريا.

و قوله عليه السّلام: «لا يستجرينّكم الشّيطان»يصحّ أن يدّعى فيه معنى الأصل،أي لا يحملنّكم أن تجروا في ائتماره و طاعته،و يصحّ أن تجعله من«الجريّ»أي الرّسول و الوكيل.و معناه:لا تتولّوا وكالة الشّيطان و رسالته؛و ذلك إشارة إلى نحو قوله عزّ و جلّ: فَقاتِلُوا أَوْلِياءَ الشَّيْطانِ النّساء:76،و قال عزّ و جلّ: إِنَّما ذلِكُمُ الشَّيْطانُ يُخَوِّفُ أَوْلِياءَهُ آل عمران:175.

(92)

الزّمخشريّ: و الشّمس تجري،و الرّيح تجري.

و جرت الخيل،و أجروا الخيل.و جاراه في كذا مجاراة و تجاروا.و فرس ذو أجاريّ.و غمر الجراء.و أخبرني عن مجاري أمورك.و أجرى إليه ألف دينار،و أجرى عليهم الرّزق.و استجراه في خدمته،و سمّيت الجارية، لأنّها تستجرى في الخدمة.و تقول:عمل على هجّيراه، و جرى على إجريّاه،و هي طريقته و عادته الّتي يجري عليها.(أساس البلاغة:58)

ابن الأثير: و في حديث أمّ إسماعيل عليه السّلام:

«فأرسلوا جريّا»أي رسولا.

و فيه:«إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلاّ من ثلاث، منها:«صدقة جارية»أي دارّة متّصلة،كالوقوف المرصدة لأبواب البرّ.

و في حديث الرّياء:«من طلب العلم ليجاري به العلماء»أي يجري معهم في المناظرة و الجدال،ليظهر علمه إلى النّاس رياء و سمعة.

و منه الحديث:«تتجارى بهم الأهواء كما يتجارى الكلب بصاحبه»أي يتواقعون في الأهواء الفاسدة، و يتداعون فيها،تشبيها بجري الفرس.و الكلب بالتّحريك:داء معروف يعرض للكلب،فمن عضّه قتله.

و منه الحديث:«و أمسك اللّه جرية الماء»هي بالكسر:حالة الجريان.

و منه:«و عال قلم زكريّا الجريّة،و جرت الأقلام مع جرية الماء»كلّ هذا بالكسر.(1:264)

الفيّوميّ: جرى الفرس و نحوه جريا و جريانا فهو جار،و أجريته أنا.و جرى الماء:سال،خلاف وقف

ص: 407

و سكن،و المصدر:الجري بفتح الجيم.

قال السّرقسطيّ: فإن أدخلت الهاء كسرت الجيم، و قلت:جرى الماء جرية.

و الماء الجاري،هو المتدافع في انحدار أو استواء.

و جريت إلى كذا جريا و جراء:قصدت و أسرعت.

و قولهم:جرى في الخلاف كذا،يجوز حمله على هذا المعنى،فإنّ الوصول و التّعلّق بذلك المحلّ قصد على المجاز.

و الجارية:السّفينة،سمّيت بذلك لجريها في البحر.

و منه قيل للأمة:جارية على التّشبيه،لجريها مستسخرة في أشغال مواليها.و الأصل فيها الشّابّة، لخفّتها،ثمّ توسّعوا حتّى سمّوا كلّ أمة جارية و إن كانت عجوزا لا تقدر على السّعي،تسمية بما كانت عليه.

و الجمع فيهما:الجواري.

و جاراه مجاراة:جرى معه.(97)

الفيروزآباديّ: جرى الماء و نحوه جريا و جريانا و جرية بالكسر،و الفرس و نحوه جريا و جراء بالكسر.

و أجراه و جاراه مجاراة و جراء:جرى معه.

و الإجريّا بالكسر:الجري.

و الجارية:الشّمس و السّفينة و النّعمة من اللّه تعالى، و فتيّة النّساء،الجمع:جوار.

و جارية بيّنة الجراية و الجراء و الجرى و الجرائيّة و الجراء بالكسر.

و المجرى في الشّعر:حركة حرف الرّويّ، و المجاري:أواخر الكلم.

وبسم اللّه مجراها بالضّمّ و الفتح:مصدرا«جرى و أجرى»..

و الإجريّا بالكسر و الشّدّ و قد يمدّ:الوجه الّذي تأخذ فيه و تجري عليه،و الخلق و الطّبيعة كالجريّاء كسنمّار،و الإجريّة بالكسر مشدّدة.

و الجريّ كغنيّ:الوكيل للواحد و الجمع و المؤنّث، و الرّسول و الأجير و الضّامن.

و الجراية و يكسر:الوكالة،و أجرى:أرسل وكيلا كجرّى،و البقلة:صارت لها جراء.

و الجرّيّ كذمّيّ:سمك معروف،و بهاء:الحوصلة.

و فعلته من جراك ساكنة مقصورة و تمدّ:من أجلك كجرّاك.(4:313)

الطّريحيّ: و الجارية من النّساء:من لم يبلغ الحلم.

و جرى القلم بما فيه،أي مضى على ما ثبت عليه حكمه في اللّوح المحفوظ.

و جرى الأمر:وقع.

و جرى عليه القلم:تعلّق التّكليف به.

و جرت السّنّة بكذا،أي استمرّت به،و منه السّنّة الجارية،أي المستمرّة غير المنقطعة.

و الأرزاق الجارية:الدّارّة المتّصلة.

و جريت إلى كذا:قصدت و أسرعت.

و جرى الخلاف بينهم:وقع أو استمرّ.

و«الشّيطان يجري في ابن آدم مجرى الدّم في العروق»قيل:أي يجري كيده و تسري وساوسه في العروق و الأبشار مجرى الدّم حتّى تصل إلى القلب،مع احتمال الحقيقة،فإنّه من نار لا يمتنع سريانه كالدّم.

و مجرى:إمّا مصدر أو اسم مكان.

و«تجارينا ذكر الصّعاليك»أي تذاكرناهم.و أكثر

ص: 408

ما يستعمل«التّجاري»في الحديث،يقال:«تجاروا في الحديث»أي جرى كلّ واحد مع صاحبه و جاراه،و منه:

«مجاراة من لا عقل له»أي الخوض معه في الكلام.

و«تتجارى بهم الأهواء»أي يتواقعون في الأهواء الفاسدة و يتداعون،تشبيها بجري الفرس.

و قيل في قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«سيخرج من أمّتي قوم تجارى بهم تلك الأهواء»أي تسري بهم في عروقهم و مفاصلهم،فتستمرّ بهم و تتمارى،و تذهب بهم في كلّ واد.

و أجرى الخيل،أي سابق بها،و منه الحديث:«قد سابق رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أسامة بن زيد و أجرى الخيل».

(1:82)

مجمع اللّغة :الجري:المرّ السّريع،يقال:جرت السّفينة،و جرى الماء يجري جريا فهو جار،و هي جارية.

و الجارية:السّفينة،صفة غالبة.و جمع جارية:

جاريات و جوار.و قد توصف النّجوم أو السّحب أو الرّياح بالجاريات و الجواري.

و رسمت«الجواري»في المصحف في مواضعها الثّلاثة بدون الياء.

المجرى:مصدر ميمي من جرى يجري.(1:189)

محمّد إسماعيل إبراهيم:جرى الماء جريانا:

سال،و جرى:مرّ بسرعة،و جرى الأمر:وقع.و أجرى السّفينة:جعلها تجري،و الجارية:مؤنّث الجاري.

و الجارية:الصّبيّة،و الأمّة،و الشّمس،و السّفينة، و الحيّة،و النّعمة من اللّه،و الجمع:جاريات و جوار.(106)

محمود شيت: الجاري:الثّمن الجاري.

و الجراية:الوكالة.

و الجاري:من الرّواتب،جمعه:جرايات.

المجرى من النّهر:مسيله،جمعه:مجار.

جرى الحصان:ركض.

الجارية:السّفينة.

الجراية:الرّاتب.(1:141)

المصطفويّ: ظهر أنّ مفهوم هذه المادّة أصل واحد،و هو الحركة المنظّمة الدّقيقة في طول مكان، و يعبّر عنه بالانسياح.

يقال:جرى الماء،جرى النّجم،جرت العين-مجازا- جرت السّفينة،جرت الشّمس،جرت الرّيح.(2:79)

النّصوص التّفسيريّة

اشارة

هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ حَتّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَ جَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَ فَرِحُوا بِها جاءَتْها...

يونس:22

الطّبريّ: يعني و جرت الفلك بالنّاس.(11:100)

نحوه الميبديّ.(4:272)

الطّوسيّ: عدل عن الخطاب إلى الإخبار عن الغائب تصرّفا في الكلام،مع أنّه خطاب لمن كان في تلك الحال،و إخبار لغيره من النّاس.[ثمّ استشهد بشعر]

(5:413)

نحوه العكبريّ(2:670)،و الطّبرسيّ(3:101)، و القرطبيّ(8:324).

ص: 409

البغويّ: يعني جرت السّفن بالنّاس،رجع من الخطاب إلى الخبر.(2:415)

الزّمخشريّ: فإن قلت:ما فائدة صرف الكلام عن الخطاب إلى الغيبة؟

قلت:المبالغة كأنّه يذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها،و يستدعي منهم الإنكار و التّقبيح.

و الضّمير في(جرين)للفلك،لأنّه جمع فلك كالأسد في فعل أخى فعل (1).(2:231)

نحوه البيضاويّ(1:444)،و النّسفيّ(2:158)، و الشّربينيّ(2:13)،و البروسويّ(4:31).

ابن عطيّة: و قوله:(و جرين)علامة قليل العدد، و قوله:(بهم)خروج من الحضور إلى الغيبة،و حسن ذلك،لأنّ قولهم: كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ هو بالمعنى المعقول، حتّى إذا حصل بعضهم في السّفن.(3:113)

الفخر الرّازيّ: ما الفائدة في صرف الكلام من الخطاب إلى الغيبة؟

الجواب فيه وجوه:الأوّل:[ما أورده صاحب «الكشّاف»و قد تقدّم]

الثّاني:قال أبو عليّ الجبّائيّ:إنّ مخاطبته تعالى لعباده،هي على لسان الرّسول عليه الصّلاة و السّلام، فهي بمنزلة الخبر عن الغائب.و كلّ من أقام الغائب مقام المخاطب،حسن منه أن يردّه مرّة أخرى إلى الغائب.

الثّالث:و هو الّذي خطر بالبال في الحال،أنّ الانتقال في الكلام من لفظ الغيبة إلى لفظ الحضور فإنّه يدلّ على مزيد التّقرّب و الإكرام.و أمّا ضدّه و هو الانتقال من لفظ الحضور إلى لفظ الغيبة،يدلّ على المقت و التّبعيد.

أمّا الأوّل:فكما في سورة الفاتحة،فإنّ قوله:

اَلْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ كلّه مقام الغيبة،ثمّ انتقل منها إلى قوله: إِيّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيّاكَ نَسْتَعِينُ و هذا يدلّ على أنّ العبد كأنّه انتقل من مقام الغيبة إلى مقام الحضور، و هو يوجب علوّ الدّرجة،و كمال القرب من خدمة ربّ العالمين.

و أمّا الثّاني:فكما في هذه الآية،لأنّ قوله: حَتّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ خطاب الحضور،و قوله:(و جرين بهم) مقام الغيبة،فهاهنا انتقل من مقام الحضور إلى مقام الغيبة؛و ذلك يدلّ على المقت و التّبعيد و الطّرد،و هو اللاّئق بحال هؤلاء،لأنّ من كان صفته أنّه يقابل إحسان اللّه تعالى إليه بالكفران،كان اللاّئق به ما ذكرناه.

(17:69)

نحوه الخازن.(3:149)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:ليس فيه التفات،بل معنى قوله تعالى:

حَتّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ إذا كان بعضكم فيها؛إذ الخطاب للكلّ و منهم المسيّرون في البرّ.فالضّمير الغائب عائد إلى ذلك المضاف المقدّر،كما في قوله تعالى: أَوْ كَظُلُماتٍ فِي بَحْرٍ لُجِّيٍّ يَغْشاهُ النّور:40،أي أو كذي ظلمات يغشاه موج.(3:227)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و الباء الأولى للتّعدية،و الثّانية و كذا الثّالثة للسّببيّة، فلذا تعلّق الحرفان بمتعلّق واحد،و إلاّ فقد منعوا تعلّق حرفين بمعنى بمتعلّق واحد.و اعتبار تعلّق الثّاني بعد تعلّق».

ص: 410


1- لاحظ الجوهريّ«فلك».

الأوّل به و ملاحظته معه يزيل اتّحاد المتعلّق.

و جوّز أن تكون الثّانية للحال،أي جرين بهم ملتبسة بريح،فتتعلّق بمحذوف،كما في«البحر».و قد تجعل الأولى للملابسة أيضا.(11:96)

الطّباطبائيّ: (الفلك):السّفينة،و تستعمل مفردا و جمعا،و المراد بها هاهنا الجمع،بدليل قوله: وَ جَرَيْنَ بِهِمْ. [إلى أن قال:]

و فيها من عجيب الالتفات،الالتفات من الخطاب إلى الغيبة في قوله: وَ جَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ -إلى قوله - بِغَيْرِ الْحَقِّ و لعلّ النّكتة فيه إرجاعهم إلى الغيبة، و توجيه الخطاب إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و وصف أعجب جزء من هذه القصّة الموصوفة له ليسمعه و يتعجّب منه،و يكون فيه مع ذلك إعراض عن الأمر بمخاطبتهم،لأنّهم لا يفقهون القول.(10:36)

عبد الكريم الخطيب :و قد جاء النّظم القرآنيّ في قوله تعالى: وَ جَرَيْنَ بِهِمْ بنون النّسوة الّتي هي للعقلاء،مستعملا إيّاها ل«الفلك»،و هي غير عاقلة، و كان المتوقّع أن يجيء التّعبير هكذا:و جرت بهم.و في هذا ما يشير إلى أنّ(الفلك)و هي تجري في ريح طيّبة، و على ظهر بحر ساكن ساج،قد كان لها سلطان على هذا البحر،تغدو و تروح عليه كيف تشاء،و تتصرّف كما تريد،حتّى لكأنّها ذات عقل مدبّر،و إرادة نافذة.

(6:983)

المصطفويّ: الباء[بهم]للتّعدية،و الضّمير في (جرين)للفلك.و التّأنيث باعتبار السّفينة،و كونه جمعا في المعنى.

و التّعبير بصيغة الجمع المؤنّث دون مفرده،لكونها حاملة لهم،فغلبوا عليها في كونهم من ذوي العقلاء، و هذا بخلاف قوله تعالى: وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النّاسَ البقرة:164،و قوله: وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ إبراهيم:32.

و أمّا الإفراد و التّأنيث في قوله تعالى: وَ هِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ هود:42،فإنّ النّظر فيها إلى جريان الفلك بهم،لا إلى كونهم في الفلك و فرحهم به ثمّ كفرهم.

(2:80)

يجرى

...وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى... لقمان:29

الطّوسيّ: لأنّهما يجريان على وتيرة واحدة لا يختلفان،بحسب ما سخّرهما له.(8:285)

الشّربينيّ: أي في فلكه سائرا متماديا،و بالغا و منتهيا.(3:196)

أبو السّعود :أي يحسب حركته الخاصّة و حركته القسريّة على المدارات اليوميّة المتخالفة المتعدّدة حسب تعدّد الأيّام جريا مستمرّا.(5:193)

مثله البروسويّ.(7:97)

مكارم الشّيرازيّ: و جملة كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى إشارة إلى أنّ هذا النّظام الدّقيق لا يستمرّ إلى الأبد،بل إنّ له نهاية بانتهاء الدّنيا،و هو ما ذكر في سورة التّكوير:1،2، إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ* وَ إِذَا النُّجُومُ انْكَدَرَتْ.... (13:63)

ص: 411

تجرى

1- وَ بَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أَنَّ لَهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ... البقرة:25

الطّبريّ: و إنّما عنى جلّ ذكره بذكر الجنّة ما في الجنّة من أشجارها و ثمارها و غروسها،دون أرضها،فلذلك قال عزّ ذكره: تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لأنّه معلوم أنّه إنّما أراد جلّ ثناؤه الخبر عن ماء أنهارها أنّه جار تحت أشجارها و غروسها و ثمارها،لا أنّه جار تحت أرضها،لأنّ الماء إذا كان جاريا تحت الأرض،فلا حظّ فيها لعيون من فوقها إلاّ بكشف السّاتر بينها و بينه،على أنّ الّذي توصف به أنهار الجنّة أنّها جارية في غير أخاديد.[ثمّ ذكر الرّوايات فراجع](1:170)

نحوه الطّوسيّ.(1:108)

الطّبرسيّ: و النّهر لا يجري و إنّما يجري الماء فيه، و يستعمل الجري فيه توسّعا،لأنّه موضع الجري.

(1:65)

القرطبيّ: (تجرى)في موضع النّعت ل(جنّات) و هو مرفوع،لأنّه فعل مستقبل،فحذفت الضّمّة من الياء لثقلها معها.

(الانهار)أي ماء الأنهار،فنسب الجري إلى الأنهار توسّعا،و إنّما يجري الماء وحده،فحذف اختصارا،كما قال تعالى: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف:82،أي أهلها.

(1:239)

البيضاويّ: أي من تحت أشجارها،كما تراها جارية تحت الأشجار النّابتة على شواطئها.(1:37)

نحوه النّسفيّ(1:33)،و الشّربينيّ(1:37).

المصطفويّ: و قد نسب الجري في القرآن الكريم إلى أمور:[ثمّ ذكر الآيات الّتي تدلّ عليها هذه الأمور]

(2:80)

2- وَ هِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ... هود:42

الطّبريّ: و الفلك تجري بنوح و من معه فيها.

(12:45)

نحوه الطّبرسيّ.(3:164)

الزّمخشريّ: فإن قلت:بم اتّصل قوله: وَ هِيَ تَجْرِي بِهِمْ؟

قلت:بمحذوف دلّ عليه اِرْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللّهِ هود:41،كأنّه قيل:فركبوا فيها يقولون:بسم اللّه، و هي تجري بهم،أي تجري و هم فيها.(2:270)

نحوه النّسفيّ(2:188)،و أبو السّعود(3:314).

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ في قوله: وَ هِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ مسائل:

المسألة الأولى:[فذكر نحو قول الزّمخشريّ إلى أن قال:]

المسألة الثّالثة:الجريان في الموج،هو أن تجري السّفينة داخل الموج،و ذلك يوجب الغرق،فالمراد أنّ الأمواج لمّا أحاطت بالسّفينة من الجوانب،شبّهت تلك السّفينة بما إذا جرت في داخل تلك الأمواج.

(17:230)

البروسويّ: (و هى)أي الفلك،(تجرى)حكاية حال ماضية،(بهم)حال من فاعل(تجرى)أي و هم فيها،أي ملتبسة بهم.و لك أن تجعل«الباء»للتّعدية، يقال:أجريته و جريت به،كأذهبته و ذهبت به.و الجملة

ص: 412

عطف على محذوف دلّ عليه الأمر بالرّكوب،أي فركبوا فيها مسمّين،و هي تجري بهم.(4:130)

الآلوسيّ: وَ هِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ جوّز فيه ثلاثة أوجه:

الأوّل:أن يكون مستأنفا.

الثّاني:أن يكون حالا من الضّمير المستتر في(بسم اللّه)أي جريانها استقرّ (بسم اللّه) حال كونها جارية.

الثّالث:أنّه حال من شيء محذوف دلّ عليه السّياق،أي فركبوا فيها جارية.و الفاء المقدّرة للعطف، و(بهم)متعلّق ب(تجرى)أو بمحذوف،أي ملتبسة، و المضارع لحكاية الحال الماضية،و لا معنى للحاليّة من الضّمير المستتر في الحال الأولى،كما لا يخفى.

(12:58)

تجريان

فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ. الرّحمن:50

راجع«ع ي ن»

جارية

فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ. الغاشية:12

القفّال: فيها عين شراب جارية على وجه الأرض في غير أخدود،و تجري لهم كما أرادوا.

(الفخر الرّازيّ 31:156)

الطّوسيّ: عينا من الماء جارية،لأنّ في العين الجارية متعة ليس في الواقف.(10:336)

القشيريّ: أراد عيونا،لأنّ العين اسم جنس، و العيون الجارية هنالك كثيرة و مختلفة.

و يقال:تلك العيون الجارية غدا لمن له-اليوم- عيون جارية بالبكاء،و غدا لهم عيون ناظرة بحكم اللّقاء.(6:290)

الميبديّ: أراد عيونا،لأنّ العين اسم جنس، و معناه أنّها تجري على ما يريدونه،تجري في أيّ موضع أرادوا جريها فيه.

و يجوز أن تكون(جارية)أي دائمة أبدا لا تنقطع، و يجوز أن تكون العين من الماء أو من الخمر أو من العسل أو من اللّبن.(10:470)

الزّمخشريّ: يريد عيونا في غاية الكثرة،كقوله:

عَلِمَتْ نَفْسٌ الانفطار:5.(4:247)

الطّبرسيّ: قيل:إنّه اسم جنس،و لكلّ إنسان في قصره من الجنّة عين جارية،من كلّ شراب يشتهيه.

و في العيون الجارية من الحسن و اللّذّة و المنفعة ما لا يكون في الواقفة،و لذلك وصف بها عيون أهل الجنّة.

(5:479)

القرطبيّ: أي بماء مندفق،و أنواع الأشربة اللّذيذة على وجه الأرض،من غير أخدود.و قد تقدّم في سورة(الإنسان)أنّ فيها عيونا،ف(عين)بمعنى عيون، و اللّه أعلم.(20:33)

البيضاويّ: يجري ماؤها و لا ينقطع،و التّنكير للتّعظيم.(2:555)

ابن كثير :أي سارحة،و هذه نكرة في سياق الإثبات،و ليس المراد بها عينا واحدة،و إنّما هذا جنس يعني فيها عيون جاريات.(7:276)

البروسويّ: التّنوين للتّكثير،أي عيون كثيرة

ص: 413

تجري مياهها على الدّوام حيث شاء صاحبها،و هي أشدّ بياضا من اللّبن و أحلى من العسل،من شرب منها لا يظمأ بعدها أبدا و يذهب من قلبه الغلّ و الغشّ و الحسد و العداوة و البغضاء.

و فيه إشارة إلى عيون الذّوق و الكشف و الوجدان و التّوحيد،فإنّ بها يحصل الشّفاء و الصّحّة،و البقاء لأهل القلوب و أصحاب الأرواح.(10:415)

الآلوسيّ: قيل:يجري ماؤها و لا ينقطع.و عدم الانقطاع إمّا من وصف العين،لأنّها الماء الجاري، فوصفها بالجريان يدلّ على المبالغة،كما في(نار حامية).

و إمّا من اسم الفاعل،فإنّه للاستمرار بقرينة المقام، و التّنكير للتّعظيم.(30:115)

الطّباطبائيّ: المراد بالعين:جنسها،فقد عدّ تعالى فيها عيونا في كلامه،كالسّلسبيل و الشّراب الطّهور، و غيرهما.(20:274)

مكارم الشّيرازيّ: ظاهر كلمة(عين)في الآية، أنّها عين واحدة،بدليل مجيئها نكرة،إلاّ أنّه بالرّجوع إلى بقيّة الآيات في القرآن الكريم،يتبيّن لنا أنّها للجنس،فهي و الحال هذه تشتمل عيونا مختلفة،و من قرائن ذلك ما جاء في الآية إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ الذّاريات:15.

و قيل:في كلّ قصر من قصور أهل الجنّة ثمّة عين جارية،و هو المراد في الآية.و من ميزة تلك الأنهار أنّها تجري حسب رغبة أهل الجنّة،فلا داعي معها لشقّ أرض أو وضع سدّ.

و ينهل أهل الجنّة أشربة طاهرة و متنوّعة.فتلك العيون و على ما لها من رونق و روعة،فلكلّ منها شراب معيّن له مواصفاته الخاصّة به.(20:143)

فضل اللّه :تثير في الجوّ الكثير الكثير من المتعة و اللّذّة الرّوحيّة و الجمال،فهي تمثّل الينبوع المتدفّق الّذي يخرج من الأرض،و يتدفّق و يجري لينشر فيها الخصب و النّضرة و الخضرة و الجمال،و هي تثير الجوّ البارد الوديع الّذي يجعل أهل الجنّة ينتشرون في ظلاله،على ضفاف هذه العين،و في امتداد جريانها،لينعموا باللّقاءات الحلوة اللّذيذة البديعة الّتي يجتمع إليها النّاس، عند ضفاف الينابيع.(24:223)

الجارية

إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ.

الحاقّة:11

ابن عبّاس: في سفينة نوح.(483)

نحوه السّدّيّ(461)،و ابن زيد(الطّبريّ(29:54).

الطّبريّ: حملناكم في السّفينة الّتي تجري في الماء.

(29:54)

نحوه الواحديّ(4:345)،و البغويّ(5:145)، و القرطبيّ(18:263)،و الخازن(7:119)،و القاسميّ (16:5913).

الماورديّ: يعني سفينة نوح،سمّيت بذلك لأنّها جارية على الماء.(6:79)

نحوه الميبديّ.(10:209)

الطّوسيّ: [نحو الماورديّ و أضاف:]

و منه قوله: وَ لَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ الرّحمن:24،و الجارية:المرأة الشّابّة تسمّى بذلك،لأنّها يجري فيها ماء الشّباب.(10:97)

ص: 414

و منه قوله: وَ لَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ الرّحمن:24،و الجارية:المرأة الشّابّة تسمّى بذلك،لأنّها يجري فيها ماء الشّباب.(10:97)

نحوه الطّبرسيّ(5:345)،و الفخر الرّازيّ(30:

106).

الشّربينيّ: أي السّفينة الّتي جعلناها بحكمتنا عريقة في الجريان،حتّى كأنّه لا جارية غيرها على وجه الماء الّذي جعلنا من شأنه الإغراق.و المحمول في الجارية إنّما هو نوح عليه السّلام و أولاده،و كلّ من على وجه الأرض من نسل أولئك،و الجارية من أسماء السّفينة...(4:370)

راجع:«ح م ل».

الجاريات

فَالْجارِياتِ يُسْراً. الذّاريات:3

الإمام علي عليه السّلام: هي السّفن.(الطّبريّ 26:187)

مثله السّدّيّ.(444)

الفرّاء: هي السّفن تجري ميسّرة.(3:82)

ابن قتيبة :أي السّفن تجري في الماء جريا سهلا.

(420)

مثله السّجستانيّ(177)،و نحوه الواحديّ(4:

173)،و الطّوسيّ(9:379)،و البغويّ(4:280).

الطّبريّ: فالسّفن الّتي تجري في البحار سهلا يسيرا.(26:187)

الماورديّ: فيها قولان:أحدهما:السّفن تجري بالرّياح سيرا إلى حيث سيّرت،الثّاني:أنّه السّحاب.

(5:361)

الزّمخشريّ: الفلك.(4:13)

ابن عطيّة: قال عليّ بن أبي طالب عليه السّلام و غيره:

هي السّفن في البحر،و قال آخرون:هي السّحاب بالرّيح،و قال آخرون:هي الجواريّ من الكواكب، و اللّفظ يقتضي جميع هذا.(5:171)

نحوه البيضاويّ(2:419)،و الشّربينيّ(4:93)، و أبو السّعود(6:133)،و القاسميّ(15:5521)،و عزّة دروزة(5:290).

البروسويّ: أي فالسّفن الجارية في البحر جريا يسيرا،أي ذا يسر و سهولة.(9:147)

نحوه الآلوسيّ.(27:2)

المراغيّ: هي الرّياح الجارية في مهابّها بسهولة.

(26:173)

الطّباطبائيّ: إقسام بالسّفن الجارية في البحار بيسر و سهولة.(18:365)

المصطفويّ: أي جميع السّيّارات الطّبيعيّة التّكوينيّة من النّجوم و متعلّقاتها،و منها الشّمس و القمر و الأرض و هوائها،و يجمعها قاطبة التّكوينيّات و هي مظاهر عظمة اللّه تعالى و قدرته.(2:80)

الجوار

1- وَ مِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ.

الشّورى:32

ابن عبّاس: يعني السّفن.(409)

نحوه مجاهد(الطّبريّ(25:33)،و السّدّيّ(432)، و ابن قتيبة(393).

الطّبريّ: السّفن الجارية في البحر،و الجواري:جمع

ص: 415

جارية،و هي السّائرة في البحر.(25:33)

نحوه الواحديّ(4:56)،و البغويّ(4:150)، و الميبديّ(9:30)،و الطّبرسيّ(5:32)،و البيضاويّ (2:358)،و أبو السّعود(6:20)،و الكاشانيّ(4:377).

السّجستانيّ: أي السّفن في البحر كالجبال، الواحد:جارية،و منه قوله عزّ و جلّ: إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ الحاقّة:11،يعني سفينة نوح عليه السّلام.(167)

أبو زرعة: قرأ ابن كثير (و من آياته الجوارى) بالياء في الوصل و الوقف على الأصل،واحدها:جارية، فلام الفعل ياء.

و قرأ نافع و أبو عمرو بإثبات الياء في الوصل و حذفها في الوقف،و إنّما قرءا كذلك ليكونا متّبعين للكتاب و للأصل.

و قرأ أهل الشّام و الكوفة بحذف الياء في الوصل و الوقف،لأنّ مرسوم المصاحف بغير ياء،فاتّبعوا المصاحف.(642)

الطّوسيّ: [نحو أبي زرعة و أضاف:]

و من أثبت الياء في الحالين في قوله:(الجوارى) فلأنّها الأصل،لكن خالف المصحف،و من أثبتها وصلا دون الوقف استعمل الأصل و تبع المصحف،و من حذفها في الحالين يتّبع المصحف،و اجتزأ بالكسرة الدّالّة على الياء.و واحد الجواري:جارية،و هي السّفينة.

و حكي عن ابن مسعود أنّه قرأ بضمّ الرّاء،كأنّه قلب،كما قالوا:«شاك»في«شائك»فأراد«الجوائر» فقلب.(9:165)

ابن عطيّة: [ذكر القراءات ثمّ قال:]

[قال أبو حاتم:نحن نثبتها في كلّ حال](5:38)

الفخر الرّازيّ: و في الآية مسائل:

المسألة الأولى:قرأ نافع و أبو عمرو (الجواري) بياء في الوصل و الوقف،فإثبات الياء على الأصل،و حذفها للتّخفيف.

المسألة الثّانية:(الجواري)يعني السّفن الجواري، فحذف الموصوف لعدم الالتباس.

المسألة الثّالثة:اعلم أنّه تعالى ذكر من آياته أيضا هذه السّفن العظيمة الّتي تجري على وجه البحر،عند هبوب الرّياح.(27:174)

القرطبيّ: أي و من علاماته الدّالّة على قدرته السّفن الجارية في البحر،كأنّها من عظمها أعلام.

(16:32)

الشّربينيّ: [نحو الطّبريّ ثمّ قال:]

فإن قيل:الصّفة متى لم تكن خاصّة بموصوفها امتنع حذف الموصوف،فلا تقول:مررت بماش،لأنّ المشي عامّ،و تقول:مررت بمهندس و كاتب،و الجري ليس من الصّفات الخاصّة،فما وجه ذلك؟

أجيب:بأنّ قوله تعالى:(فى البحر)قرينة دالّة على الموصوف،فلذلك حذف.و يجوز أن تكون هذه صفة غالبة كالأبطح و الأبرق،فوليت العوامل دون موصوفها.

(3:544)

أبو حيّان :(الجواري)جمع جارية،و أصله:السّفن الجواري،حذف الموصوف و قامت صفته مقامه،و حسن

ص: 416

ذلك قوله:(فى البحر)فدلّ ذلك على أنّها صفة للسّفن، و إلاّ فهي صفة غير مختصّة،فكان القياس أن لا يحذف الموصوف و يقوم مقامه.و يمكن أن يقال:إنّها صفة غالبة كالأبطح،فجاز أن تلي العوامل بغير ذكر الموصوف.

(7:520)

البروسويّ: (الجوار):السّفن الجارية،و هي بالياء في الأصل حذفت،و الكسر دالّ عليها.

فقوله:(جوار):جمع جارية،بمعنى سائرة صفة للسّفن المقدّرة،و(فى البحر)متعلّق ب(الجوار)و حال منه إن كانت الجارية جامدة اسما للسّفينة بالغلبة،سمّيت بها لجريها.(8:324)

نحوه الآلوسيّ.(25:42)

العامليّ: (الجواري)مفردا و جمعا كالجوار و الجاريات،و المراد به السّفينة،لجريانها في البحر.إلاّ في سورة التّكوير،فإنّ المراد فيها النّجوم الجارية في الفلك.

[إلى أن قال:]

فالمراد بالجوار و الجاريات أيضا:الأئمّة عليهم السّلام، و هكذا المراد بما يفيد هذا المعنى كالسّفينة و الفلك و نحوهما،كما سيأتي كلّ في محلّه.و يؤيّد ما ذكرنا قوله عليه السّلام في بعض خطبه (1):«أنا أنشأت جواري الفلك» قال الباقر عليه السّلام:يعني به أنّ الأئمّة الهداة منّي.(119)

عزّة دروزة :(الجوار):جمع الجارية،و هي كناية عن سفن البحر.(5:185)

مكارم الشّيرازيّ: جوار:جمع جارية،و هي صفة للسّفن جمع سفينة؛حيث لم تذكر للاختصار، و عادة فإنّ الآية تقصد حركة السّفن،و لذا فقد استخدمت هذه الصّفة.

أمّا ما يذكره العرب من لفظ الجارية للبنت الشّابّة، فذلك لأنّ الشّباب و النّشاط يجري في عروقها و وجودها.

(15:498)

فضل اللّه :و هي السّفن الجارية في البحار الّتي تبدو للنّاظر من بعيد كالجبال،أو الّتي تبلغ في ضخامتها حجم الجبال.(20:186)

2-و بهذا المعنى جاءت الآية(24)من سورة الرّحمن.

3- فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ* اَلْجَوارِ الْكُنَّسِ.

التّكوير:15،16

الزّجّاج: (الجواري):جمع جارية من جرى يجري.

(5:291)

الطّوسيّ: معناه النّجوم الّتي تجري في مسيرها ثمّ تغيب في مغاربها،على ما دبّره تعالى فيها،ففي طلوعها، ثمّ جريها في مسيرها،ثمّ غيبتها في مواقفها من الآية العظيمة و الدّلالة الباهرة المؤدّية إلى معرفته تعالى، ما لا يخفى على متأمّل معرفته و عظيم شأنه.فالجارية:

النّجوم السّيّارة،و الجارية:السّفن في البحار،و الجارية:

المرأة الشّابّة.(10:285)

الزّمخشريّ: و(الجوارى):السّيّارة.(4:223)

مثله النّسفيّ.(4:336)

ابن عطيّة: أثبت يعقوب الياء في(الجواري)في الوقف،و حذفها الباقون.(5:443)2.

ص: 417


1- مناقب آل أبي طالب 1:512.

الطّبرسيّ: و(الجواري)صفة لها[بالخنّس]لأنّها تجري في أفلاكها.(5:446)

نحوه الكاشانيّ.(5:292)

راجع«خ ن س»

مجراها

وَ قالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللّهِ مَجْراها وَ مُرْساها...

هود:41

مجاهد :(بسم اللّه مجراها و مرسيها)حين يركبون و يجرون و يرسون.(الطّبريّ 12:44)

الضّحّاك: إذا أراد أن ترسي قال:بسم اللّه، فأرست،و إذا أراد أن تجري قال بسم اللّه،فجرت.

(الطّبريّ 12:44)

أبو عبيدة :(مجراها)أي مسيرها،و هي من جرت بهم.و من قال:(مجراها)جعله من أجريتها أنا.[ثمّ استشهد بشعر](1:289)

نحوه ابن قتيبة.(204)

الطّبريّ: و اختلفت القرّاء في قراءة قوله: بِسْمِ اللّهِ مَجْراها وَ مُرْساها فقرأته عامّة قرّاء أهل المدينة و البصرة و بعض الكوفيّين(بسم اللّه مجريها و مرسيها) بضمّ الميم في الحرفين كليهما.و إذا قرئ كذلك كان من أجرى و أرسى،و كان فيه وجهان من الإعراب:

أحدهما:الرّفع،بمعنى بسم اللّه إجراؤها و إرساؤها، فيكون المجرى و المرسى مرفوعين حينئذ بالباء الّتي في قوله: (بسم اللّه) .

و الآخر:النّصب بمعنى بسم اللّه عند إجرائها و إرسائها،أو وقت إجرائها و إرسائها،فيكون قوله:

بِسْمِ اللّهِ كلاما مكتفيا بنفسه،كقول القائل عند ابتدائه في عمل يعمله:باسم اللّه،ثمّ يكون«المجرى و المرسى»منصوبين على ما نصبت العرب قولهم:الحمد للّه سرارك و إهلالك،يعنون الهلال:أوّله و آخره،كأنّهم قالوا:الحمد للّه أوّل الهلال و آخره،و مسموع منهم أيضا:الحمد للّه ما إهلالك إلى سرارك.

و قرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفيّين بِسْمِ اللّهِ مَجْراها وَ مُرْساها بفتح الميم من (مجراها) و ضمّها من (مرسيها)،فجعلوا(مجراها)مصدرا،من جرى يجري مجرى،و(مرسيها)من أرسى يرسي إرساء.و إذا قرئ ذلك كذلك كان في إعرابهما من الوجهين،نحو الّذي فيهما إذا قرئا:(مجريها و مرسيها)بضمّ الميم فيهما على ما بيّنت.

و روي عن أبي رجاء العطارديّ،أنّه كان يقرأ ذلك (بسم اللّه مجريها و مرسيها) بضمّ الميم فيهما،و يصيّرهما نعتا للّه،و إذا قرئا كذلك كان فيهما أيضا وجهان من الإعراب،غير أنّ أحدهما الخفض و هو الأغلب عليهما من وجهي الإعراب،لأنّ معنى الكلام على هذه القراءة:

بسم اللّه مجري الفلك و مرسيها،فالمجري نعت لاسم اللّه.

و قد يحتمل أن يكون نصبا،و هو الوجه الثّاني،لأنّه يحسن دخول الألف و اللاّم في المجري و المرسي، كقولك:بسم اللّه المجريها و المرسيها،و إذا حذفتا نصبتا على الحال؛إذ كان فيهما معنى النّكرة،و إن كانا مضافين إلى المعرفة.

و قد ذكر عن بعض الكوفيّين أنّه قرأ ذلك (مجراها و مرسيها) بفتح الميم جميعا،من:جرى و رسا،كأنّه

ص: 418

وجّهه إلى أنّه في حال جريها،و حال رسوّها،و جعل كلتا الصّفتين ل(الفلك).[ثمّ استشهد بشعر]

و القراءة الّتي نختارها في ذلك:قراءة من قرأ (بسم اللّه مجراها) بفتح الميم (و مرسيها) بضمّ الميم،بمعنى بسم اللّه حين تجري و حين ترسي.

و إنّما اخترت الفتح في ميم(مجراها)لقرب ذلك من قوله: وَ هِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ و لم يقل:

«تجرى بهم»،و من قرأ (بسم اللّه مجراها) كان الصّواب على قراءته أن يقرأ:«و هي تجرى بهم».و في إجماعهم على قراءة (تجرى) بفتح التّاء دليل واضح على أنّ الوجه في (مجراها) فتح الميم.

و إنّما اخترنا الضّمّ في (مرسيها) لإجماع الحجّة من القرّاء على ضمّها.

و معنى قوله:(مجراها):مسيرها،(و مرسيها):

وقفها،من وقفها اللّه و أرساها.و كان مجاهد يقرأ ذلك بضمّ الميم في الحرفين جميعا.(12:43)

نحوه الزّجّاج(3:52)،و أبو زرعة(340).

السّجستانيّ: أي إجراؤها،أي إقرارها،و قرئت (مجراها)بالفتح،أي جريها.(85)

الماورديّ: (مجراها)أي مسيرها(و مرسيها)أي مثبتها.[ثمّ قال نحو الضّحّاك](2:473)

الطّوسيّ: و المجري يحتمل ثلاثة أوجه:أحدها:أن يكون موضع الإجراء،و الثّاني:وقت الإجراء، و الثّالث:نفس الإجراء.(5:559)

الزّمخشريّ: يراد باللّه إجراؤها و إرساؤها،أي بقدرته و أمره.و قرئ (مجراها و مرساها) بفتح الميم من جرى ورسا:إمّا مصدرين،أو وقتين،أو مكانين.و قرأ مجاهد (مجريها و مرسيها) بلفظ اسم الفاعل مجروري المحلّ،صفتين للّه.(2:269)

نحوه البيضاويّ(1:468)،و النّسفيّ(2:188)، و رشيد رضا(12:76).

ابن عطيّة: قوله:(مجريها و مرسيها)ظرفين،أي وقت إجرائها و إرسائها،كما تقول العرب:الحمد للّه سرارك و إهلالك،و خفوق النّجم و مقدم الحاجّ،فهذه ظرفيّة زمان،و العامل في هذا الظّرف ما في (بسم اللّه) من معنى الفعل.

و يصحّ أن يكون قوله: (بسم اللّه) في موضع خبر و مَجْراها وَ مُرْساها ابتداء،مصدران،كأنّه قال:

اركبوا فيها فإنّ ببركة اللّه إجراءها و إرساءها،و تكون هذه الجملة-على هذا-في موضع حال من الضّمير في قوله:(فيها).

و لا يصحّ أن يكون حالا من الضّمير في قوله:

(اركبوا)لأنّه لا عائد في الجملة يعود عليه؛و على هذا التّأويل[قول]الضّحّاك.(3:172)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله: بِسْمِ اللّهِ مَجْراها وَ مُرْساها ففيه مسائل.[ذكر القراءات في المسألة الأولى و الثّانية ثمّ قال:]

المسألة الثّالثة:في الآية احتمالان:

الاحتمال الأوّل:أن يكون مجموع قوله: وَ قالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللّهِ مَجْراها وَ مُرْساها كلاما واحدا، و التّقدير:و قال:اركبوا فيهابسم مجراها و مرساها،يعني ينبغي أن يكون الرّكوب مقرونا بهذا الذّكر.

ص: 419

و الاحتمال الثّاني:أن يكونا كلامين،و التّقدير:أنّ نوحا عليه السّلام أمرهم بالرّكوب،ثمّ أخبرهم بأنّ مَجْراها وَ مُرْساها ليس إلاّ (بسم اللّه) و أمره و قدرته.

فالمعنى الأوّل يشير إلى أنّ الإنسان لا ينبغي أن يشرع في أمر من الأمور إلاّ و يكون في وقت الشّروع فيه ذاكرا لاسم اللّه تعالى بالأذكار المقدّسة،حتّى يكون ببركة ذلك الذّكر سببا لتمام ذلك المقصود.

و المعنى الثّاني يدلّ على أنّه لمّا ركب السّفينة أخبر القوم بأنّ السّفينة ليست سببا لحصول النّجاة،بل الواجب ربط الهمّة و تعليق القلب بفضل اللّه تعالى، و أخبرهم أنّه تعالى هو المجري و المرسي للسّفينة، فإيّاكم أن تعوّلوا على السّفينة،بل يجب أن يكون تعويلكم على فضل اللّه،فإنّه هو المجري و المرسي لها.

فعلى التّقدير الأوّل:كان نوح عليه السّلام وقت ركوب السّفينة في مقام الذّكر،و على التّقدير الثّاني:كان في مقام الفكر و البراءة عن الحول و القوّة،و قطع النّظر عن الأسباب،و استغراق القلب في نور جلال مسبّب الأسباب.

و اعلم أنّ الإنسان إذا تفكّر في طلب معرفة اللّه تعالى بالدّليل و الحجّة،فكأنّه جلس في سفينة التّفكّر و التّدبّر، و أمواج الظّلمات و الضّلالات قد علت تلك الجبال و ارتفعت إلى مصاعد القلال،فإذا ابتدأت سفينة الفكرة و الرّويّة بالحركة وجب أن يكون هناك اعتماده على اللّه تعالى و تضرّعه إلى اللّه تعالى،و أن يكون بلسان القلب و نظر العقل يقول: بِسْمِ اللّهِ مَجْراها وَ مُرْساها حتّى تصل سفينة فكره إلى ساحل النّجاة،و تتخلّص عن أمواج الضّلالات.(17:229)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ.(12:27)

القرطبيّ: قراءة أهل الحرمين و أهل البصرة بضمّ الميم فيهما إلاّ من شذّ،على معنى بسم اللّه إجراؤها و إرساؤها،(فمجراها و مرساها)في موضع رفع بالابتداء،و يجوز أن تكون في موضع نصب،و يكون التّقدير:بسم اللّه وقت إجرائها ثمّ حذف وقت،و أقيم (مجراها)مقامه.[ثمّ ذكر القراءات](9:36)

أبو حيّان : مَجْراها وَ مُرْساها منصوبان إمّا على أنّهما ظرفا زمان أو مكان،لأنّهما يجيئان لذلك،أو ظرفا زمان على جهة الحذف كما حذف من:جئتك مقدم الحاجّ،أي وقت قدوم الحاجّ،فيكون مَجْراها وَ مُرْساها مصدران في الأصل حذف منهما المضاف، و انتصبا بما في «بسم اللّه) من معنى الفعل.

و يجوز أن يكون (بسم اللّه) حالا من ضمير(فيها) و مَجْراها وَ مُرْساها مصدران مرفوعان على الفاعليّة، أي اركبوا فيها ملتبسا باسم اللّه إجراؤها و إرساؤها،أي ببركة اسم اللّه،أو يكون مَجْراها وَ مُرْساها مرفوعين على الابتداء و (بسم اللّه) الخبر،و الجملة حال من الضّمير في(فيها).و على هذه التّوجيهات الثّلاثة فالكلام جملة واحدة و الحال مقدّرة،و لا يجوز مع رفع مَجْراها وَ مُرْساها على الفاعليّة أو الابتداء أن يكون حالا من ضمير(اركبوا)لأنّه لا عائد عليه فيما وقع حالا.

و يجوز أن يكون بِسْمِ اللّهِ مَجْراها وَ مُرْساها جملة ثانية من مبتدإ و خبر لا تعلّق لها بالجملة الأولى من حيث الإعراب،أمرهم أوّلا بالرّكوب،ثمّ أخبر أنّ مَجْراها وَ مُرْساها بذكر اللّه أو بأمره و قدرته،فالجملتان كلامان محكيّان ب(قال)،كما أنّ الجملة الثّانية محكيّة أيضا ب(قال).(5:225)

ص: 420

و يجوز أن يكون بِسْمِ اللّهِ مَجْراها وَ مُرْساها جملة ثانية من مبتدإ و خبر لا تعلّق لها بالجملة الأولى من حيث الإعراب،أمرهم أوّلا بالرّكوب،ثمّ أخبر أنّ مَجْراها وَ مُرْساها بذكر اللّه أو بأمره و قدرته،فالجملتان كلامان محكيّان ب(قال)،كما أنّ الجملة الثّانية محكيّة أيضا ب(قال).(5:225)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الجري،أي السّيح.يقال:

جرى الماء و الدّم و نحوهما جريا و جرية و جريانا،أي ساح،و أجريته:أسحته و أسلته،و إنّه لحسن الجرية، و ما أشدّ جرية هذا الماء!و المجرى:مسيل الماء.

و جرى الفرس و غيره جريا و جراء:أجراه.يقال:

فرس ذو أجاريّ،أي ذو فنون في الجري،و الإجريّا:

ضرب من الجري.

و جرت الشّمس:سارت من المشرق إلى المغرب، و يقال أيضا:جرت النّجوم،و الجارية:الشّمس،لأنّها تجري من القطر إلى القطر،و الرّيح،و السّفينة،لأنّهما تجريان،و النّعمة من اللّه على عباده،لأنّها دائمة الجري، و الفتيّة من النّساء،لأنّها تستجرى في الخدمة،و الجمع:

الجواري.

و الجراية:الجاري من الوظائف.يقال:أجريت عليه كذا،أي أدمت له،و جرى له ذلك الشّيء،و درّه له:دام له.

و الإجريّا و الإجريّاء:الجري و العادة تأخذ فيه، لأنّ من تطبّع بطبع جرى إليه.يقال:الكرم من إجريّاه و من إجريّائه،أي من طبيعته.

و الجريّ: الوكيل،سمّي بذلك لأنّه يجري مجرى موكّله،يقال:إنّي جرّيت جريّا و استجريت،أي اتّخذت وكيلا،و هو الرّسول أيضا،لأنّه يجرى في الحاجات، يقال:أجراه في حاجته،و الخادم،و الأجير،و الضّامن.

و المجرى في الشّعر:حركة حرف الرّويّ،سمّي بذلك لأنّه موضع جري حركات الإعراب و البناء، كالفتحة و الضّمّة و الكسرة.

و المجاري:أواخر الكلم،لأنّ حركات الإعراب و البناء تكون هنالك.

و جاراه مجاراة و جراء:جرى معه،يقال:جاراه في الحديث و تجاروا فيه.

2-و يطلق على ضرب من الخطّ التّركيّ اسم «جاري»،يستعمل في كتابة ديباجة الفرمانات عادة، و لعلّه مشتقّ من الجري،لسلاسة قلمه و انسيابه.و هو يتكوّن من النّسخ و التّعليق و الدّيوانيّ،و يكتب مائلا من الأعلى إلى الأسفل،بوضع الكلمات بصورة متراكبة.

و يكاد الخطّ الفارسيّ يشبهه،لو لا أنّه يرسم مائلا من الأسفل إلى الأعلى،و يتكوّن من النّسخ و التّعليق فقط،و لذا سمّي باسم«التّعليق»و«النّستعليق» و«النّسخ تعليق».و هو خطّ رشيق ذو خطوط متشابهة في النّسبة الفاصلة.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت منها(9)كلمات فعلا و اسما و صفة و اسم مكان،في(64)آية:

1- هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَ الْبَحْرِ حَتّى إِذا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَ جَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَ فَرِحُوا بِها جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ... يونس:22

ص: 421

2- إِنَّ فِي خَلْقِ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ اخْتِلافِ اللَّيْلِ وَ النَّهارِ وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النّاسَ...

البقرة:164

3- وَ هِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ وَ كانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَ لا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ هود:42

4- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آياتِهِ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِكُلِّ صَبّارٍ شَكُورٍ

لقمان:31

5- اَللّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَراتِ رِزْقاً لَكُمْ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ

إبراهيم:32

6- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ وَ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَ يُمْسِكُ السَّماءَ أَنْ تَقَعَ عَلَى الْأَرْضِ إِلاّ بِإِذْنِهِ إِنَّ اللّهَ بِالنّاسِ لَرَؤُفٌ رَحِيمٌ

الحجّ:65

7- وَ مِنْ آياتِهِ أَنْ يُرْسِلَ الرِّياحَ مُبَشِّراتٍ وَ لِيُذِيقَكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ بِأَمْرِهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ الرّوم:46

8- اَللّهُ الَّذِي سَخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَ لِتَبْتَغُوا مِنْ فَضْلِهِ وَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ

الجاثية:12

9- وَ حَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ* تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ القمر:13،14

10- وَ لِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلى الْأَرْضِ الَّتِي بارَكْنا فِيها وَ كُنّا بِكُلِّ شَيْءٍ عالِمِينَ

الأنبياء:81

11- فَسَخَّرْنا لَهُ الرِّيحَ تَجْرِي بِأَمْرِهِ رُخاءً حَيْثُ أَصابَ ص:36

12- وَ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها ذلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ* وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ حَتّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ يس:38،39

13- اَللّهُ الَّذِي رَفَعَ السَّماواتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَها ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى يُدَبِّرُ الْأَمْرَ يُفَصِّلُ الْآياتِ لَعَلَّكُمْ بِلِقاءِ رَبِّكُمْ تُوقِنُونَ الرّعد:2

14- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي إِلى أَجَلٍ مُسَمًّى وَ أَنَّ اللّهَ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ لقمان:29

15- يُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَ يُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى ذلِكُمُ اللّهُ رَبُّكُمْ لَهُ الْمُلْكُ وَ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ ما يَمْلِكُونَ مِنْ قِطْمِيرٍ فاطر:13

16- خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ يُكَوِّرُ اللَّيْلَ عَلَى النَّهارِ وَ يُكَوِّرُ النَّهارَ عَلَى اللَّيْلِ وَ سَخَّرَ الشَّمْسَ وَ الْقَمَرَ كُلٌّ يَجْرِي لِأَجَلٍ مُسَمًّى أَلا هُوَ الْعَزِيزُ الْغَفّارُ

الزّمر:5

17- فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ الرّحمن:50

18- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تُوبُوا إِلَى اللّهِ تَوْبَةً نَصُوحاً عَسى رَبُّكُمْ أَنْ يُكَفِّرَ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ وَ يُدْخِلَكُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ... التّحريم:8

ص: 422

19 إلى 57 مضت في(تحت)و فيها(جنّات)أو(جنّة تجرى من تحتها الانهار).

الجارية و الجاريات:

58- إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ الحاقّة:11

59- فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ الغاشية:12

60- فَالْجارِياتِ يُسْراً الذّاريات:3

الجوار:

61- وَ مِنْ آياتِهِ الْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ

الشّورى:32

62- وَ لَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ

الرّحمن:24

63- فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ* اَلْجَوارِ الْكُنَّسِ

التّكوير:15،16

مجراها:

64- وَ قالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللّهِ مَجْراها وَ مُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ... هود:41

يلاحظ أوّلا:أنّ الجري أسند إلى أمور:

1-الفلك:(9)مرّات فعلا،في(1-9)،و صفة:(5) مرّات،في(58-63)،و اسم مكان مرّة في(64).

2-الرّيح:مرّتين في(10)و(11).

3-الشّمس:مرّة،و الشّمس و القمر(4)مرّات في (12-16).

4-العين مرّتين:مفردة في(59)و مثنّى في(17).

5-الأنهار:40 مرّة:-في(18)هنا،و(39)مرّة مضت في(تحت):(11-49)بأصنافها و استعمالها القرآنيّ،فلاحظ.

ثانيا:جاء الفعل مع الباء الإلصاقيّة(4)مرّات:في (1)و(3) جَرَيْنَ بِهِمْ و تَجْرِي بِهِمْ و(2) تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النّاسَ و(4) تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَتِ اللّهِ، فالجري فيها بمعنى الإجراء متعدّيا،و جاء مع السّببيّة(5)مرّات:في(5-8): تَجْرِي بِأَمْرِهِ، و(9) تَجْرِي بِأَعْيُنِنا فالجري فيها لازم.

ثالثا:جاءت(الفلك)مع(البحر)أو(الموج)(8) مرّات:في(1-8)،و جاءت ذاتِ أَلْواحٍ وَ دُسُرٍ -و المراد بها الفلك-مرّة في(9)،و جاءت الجارية مرّتين:اسما مرّة في(58) حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ، و صفة مرّة في(59): فِيها عَيْنٌ جارِيَةٌ، و جاءت اسما جمعا بلفظين:(الجاريات)مرّة في(60):

فَالْجارِياتِ يُسْراً، و(الجوارى):(3)مرّات،في (61-63).

رابعا:ثلاث منها جاءت بشأن نوح عليه السّلام و الطّوفان:

(3)و(58)و(64)و هي: وَ قالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللّهِ مَجْراها وَ مُرْساها إِنَّ رَبِّي لَغَفُورٌ رَحِيمٌ* وَ هِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ وَ نادى نُوحٌ ابْنَهُ وَ كانَ فِي مَعْزِلٍ يا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنا وَ لا تَكُنْ مَعَ الْكافِرِينَ، و إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ.

فجاء في الأولى(مجراها)بإزاء(مرسيها)،فصوّرت لنا حالتي جري الفلك و إرساءها،و كلاهما حدث باسم اللّه،كما صوّرت لنا الثّانية صعوبة جريها: وَ هِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ، و الثّالثة شدّة طغيان الماء إِنّا لَمّا طَغَى الْماءُ حَمَلْناكُمْ فِي الْجارِيَةِ حيث عبّر

ص: 423

اللّه عن نفسه بنون التّعظيم مرّتين،و مع(انّ)مرّة.

خامسا:في مَجْراها وَ مُرْساها أربع قراءات:

1-بضمّ الميم فيهما،و نسبها الطّبريّ إلى عامّة أهل المدينة و البصرة و بعض الكوفيّين،من«أجرى و أرسى».

و احتمل فيهما وجهين من الإعراب:

الأوّل:الرّفع بمعنى«بسم اللّه إجراؤها و إرساؤها» فهما مصدران،و رفعهما بمتعلّق الباء في (بسم اللّه) أي يكون باسم اللّه إجراؤها و إرساؤها.و حجّة هذه القراءة أنّ ضمّ (مجريها) محلّ اتّفاق،فردّ ما اختلفوا فيه إلى ما اجتمعوا فيه.

و الثّاني:النّصب ظرفا«أي عند إجرائها و إرسائها» أو«وقت إجرائها و إرسائها»،و عليه فهما اسما زمان أو مكان.و قال:و هذا نظير:«الحمد للّه سرارك و إهلالك» أي ابتداءك و انتهاءك.

2-بفتح الميم في(مجراها)و ضمّها في(مرسيها) و نسبها إلى عامّة الكوفيّين،و عليه فهما مصدران من (جرى و أرسى)و في إعرابهما وجهان مثل الأوّل، و اختار الطّبريّ هذه القراءة،و جعلهما اسما زمان،أي بسم اللّه حين تجري و حين ترسي و رجّح الفتح في (مجرى)لقربها من وَ هِيَ تَجْرِي بِهِمْ.

3-ما نقل عن أبي رجاء العطارديّ:(مجريها و مرسيها)بضمّ الميم و كسر الرّاء و السّين فيهما نعتا للّه، فهما مجروران صفة له،أو منصوبان حالا منه.

4-نقل عن بعض الكوفيّين بفتح الميم فيهما من «جرى و رسا»حالا ل(الفلك)أي في حال جريها و رسيها.

و عند الطّوسيّ: في(مجراها)بالفتح ثلاثة أوجه:

موضع الإجراء،وقت الإجراء،نفس الإجراء،فهو عنده أيضا اسم مكان و زمان،أو مصدر ميميّ من «جرى».

و توجد عند الآخرين بعض ما ذكر إلاّ أنّ أبا حيّان احتمل كون بِسْمِ اللّهِ مَجْراها وَ مُرْساها مبتدأ و خبرا و قدّم الخبر و هو (بسم اللّه) فهو كلام ثان،قبال الكلام الأوّل: قالَ ارْكَبُوا فِيها. و هذا أحد الاحتمالين عند الفخر الرّازيّ،و الاحتمال الآخر عنده أن يكون: وَ قالَ ارْكَبُوا فِيها بِسْمِ اللّهِ مَجْراها وَ مُرْساها كلاما واحدا،كما يتراءى من غيره،و هو الأقرب.

سادسا:في(1)بحوث:

1-ذكروا للالتفات فيها من الخطاب إلى الغيبة كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ...وَ جَرَيْنَ بِهِمْ وجوها:

أحدها:المبالغة،كأنّه يذكر لغيرهم حالهم ليعجبهم منها،و يستدعي منهم مزيدا من الإنكار و التّقبيح، الزّمخشريّ.

ثانيها:أنّه خاطب العباد على لسان الرّسول عليه السّلام، فهي بمنزلة الخبر عن الغائب،الجبّائيّ.

ثالثها:أنّ الانتقال في الكلام من الحضور إلى الغيبة يدلّ على المقت و التّبعيد و الطّرد،و هو اللاّئق بحال هؤلاء المشركين،و هذا بعكس الانتقال من الغيبة إلى الحضور فإنّه يدلّ على مزيد من التّقريب و الإكرام،كما في سورة الحمد،الفخر الرّازيّ.

رابعها:أنّه خطاب لمن كان في تلك الحال،و إخبار

ص: 424

لغيره من النّاس،الطّوسيّ.

خامسها: كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ معقول حتّى إذا حصل بعضهم فيها صار خبرا!!ابن عطيّة.

سادسها:و هو قريب من الأوّل شدّة الاهتمام به، كأنّه صار حديثا ينبغي الإخبار به،لينتشر بين النّاس، و لعلّه أقرب الوجوه.

2-في جَرَيْنَ بِهِمْ بِرِيحٍ طَيِّبَةٍ وَ فَرِحُوا بِها ثلاث باءات:أوّلها إلصاقيّة كما تقدّم،و الأخيرتان سببيّتان.

3-الضّمير في(جرين)للفلك،لأنّه جمع،و رجع إليه ضمير العقلاء،و هو غير عاقل-و كان التّوقّع «جرت»-إشارة إلى أنّ ل(الفلك)سلطانا على البحر تغدو و تروح كيف تشاء و تتصرّف كيف تريد،حتّى كأنّها ذات عقل مدبّر و إرادة نافذة.و هي بالفعل كذلك، لأنّها تجري بإرادة ملاّحيها،و أيضا هي حاملة للعقلاء.

و عليه فلا يصحّ ما قيل:من أنّ التّأنيث باعتبار السّفينة،لأنّ المناسب بهذا الاعتبار«جرت»لا(جرين)، كما في وَ الْفُلْكِ الَّتِي تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِما يَنْفَعُ النّاسَ البقرة:164،و نحوها،و كذا في وَ هِيَ تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ كَالْجِبالِ هود:41،لأنّها ناظرة إلى جريان الفلك،لا إلى حملها للنّاس كما في آيتنا هذه،فلاحظ و تدبّر.

سابعا:في(3)بحوث:

1-قلنا إنّ الباء في وَ هِيَ تَجْرِي بِهِمْ للإلصاق و التّعدية،متعلّق ب(تجرى)كما في نظائرها،و احتمل الآلوسيّ كونها حالا من فاعل(تجرى):أي و هم فيها، أي ملتبسة بهم،و هو بعيد.

2-ذكروا في إعراب وَ هِيَ تَجْرِي بِهِمْ وجوها:

الاستئناف،و إن شئت قلت:العطف على وَ قالَ ارْكَبُوا، أو كونها حالا من الضّمير المستتر في(بسم اللّه)أي جريانها استقرّ (بسم اللّه) حال كونها جارية بهم،أو حالا من محذوف دلّ عليه السّياق،أي فركبوا فيها جارية بهم،بعطف المحذوف على المذكور بالفاء الدّالّة على التّرتيب و التّفريع.

و عليه فصيغة المضارع تحكي الحال الماضية،أي كانت تجري،و اختاره الزّمخشريّ،و هو الأقرب.و على كلّ حال ففيها التفات من الحضور إلى الغيبة مثل(1) لكونها متعلّقة بالمحذوف،و هو فعل غائب(فركبوا).

3-قالوا في: تَجْرِي بِهِمْ فِي مَوْجٍ إنّ السّفينة كانت تجري داخل الموج فأوجبت الغرق،فلمّا أحاطت الأمواج بالسّفينة من الجوانب،شبّهت بها إذا جرت في داخل تلك الأمواج،و هذا تصوير دقيق لجريان السّفينة بصعوبة و عناء.

ثامنا:أريد ب(الجارية)في(58)السّفينة،و هي سفينة نوح كما تقدّم،و(الجارية)فيها تعتبر اسما.أمّا في (59)فهي وصف،و هو الأصل فيها،ثمّ تبدّلت اسما بكثرة الاستعمال،و لأنّها صفة غالبة للسّفن،كما تسمّى الآن العربات:سيّارة و شاحنة.و أيضا تسمّى المرأة الشّابّة جارية لكثرة جريان ماء الشّباب فيها-كما قيل -و جاءت(جارية)في(59)أيضا،و سنتحدّث فيها.

تاسعا:في(الجاريات)(60)ثلاثة وجوه:السّفن و السّحب و الكواكب،و اللّفظ يشملها جميعا.و اختاره المصطفويّ لأنّ جميعها مظاهر قدرة اللّه و عظمته،و قد

ص: 425

أقسم اللّه بها كما أقسم بالشّمس و القمر و النّجوم و غيرها.و هذا وجه حسن،لو لا أنّ«الجارية»إطلاقا وصف أو اسم للسّفن دون السّحب و الكواكب،فلا يقال للسّحاب و لا للنّجم«جارية»كما يقال للسّفينة،إلاّ مع ذكر الموصوف.و لعلّ في تركيز القرآن الجواري في البحر،في(61)و(62)كآية من آيات قدرة اللّه تعالى، دليلا على أنّ المراد بها في(59)السّفن أيضا،و كذا في تقيّدها ب(يسرا)،هذا إضافة إلى الرّوايات.

عاشرا:جاءت(الجوارى)ثلاث مرّات في(61-63) و فيها بحوث:

1-قرئت(الجوار)في الآيات بحذف الياء و إثباتها، و هذا أصلها،فإنّها جمع جارية،مثل حادثة و حوادث، و جارحة و جوارح،و غاشية و غواش.

2-أريد بها في(61)و(62)السّفن،فجاء في(61) اَلْجَوارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ و في(62) وَ لَهُ الْجَوارِ الْمُنْشَآتُ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلامِ، و توصيفها ب(المنشئات)في(62)تجسيم لكونها كالأعلام المنشآت في البحر،و هو مفهوم من(61)أيضا.أمّا في (63)و هي أيضا قسم مثل(60)فكادوا أن يتّفقوا على أنّ المراد بها النّجوم،بقرينة وصفي(الخنّس و الكنّس).

قال الطّبرسيّ(5:446):«هي النّجوم تخنس بالنّهار و تبدو باللّيل...و الكنّس:لأنّها تكنس أي تتوارى في بروجها،كما تتوارى الظّباء في كناسها،و هي خمسة أنجم:

زحل و المشتري و المرّيخ و الزّهرة و عطارد،عن عليّ عليه السّلام...»و يؤيّده ما بعدها المعطوفة عليها: وَ اللَّيْلِ إِذا عَسْعَسَ* وَ الصُّبْحِ إِذا تَنَفَّسَ التّكوير:17،18، فإنّ اللّيل و الصّبح-و هو النّهار-تناسبان النّجوم، فلا وجه-لما قيل-من أنّها الظّباء،لاحظ«خ ن س» و«ك ن س».

الحادي عشر:جاء في(10)و(11)جري الرّيح بأمر سليمان،و البحث فيهما موكول إلى«ريح و سليمان».

الثّاني عشر:جاء في(5)آيات:(12-16)جريان الشّمس و القمر،و البحث المستوفى فيها موكول إلى (الشّمس و القمر)،و فيها آيات و أبحاث كثيرة،و نقتصر هنا بما يرتبط بهذه الآيات الخمس،و فيها بحوث:

1-جاء فيها(الشّمس و القمر)معا مع تقديم (الشّمس)و اتباعها ب(القمر)حسب ما هو واقعهما الطّبيعيّ،فعطف(القمر)على(الشّمس)بلا فصل في أربع منها:(13-16)،و فصل بينهما في(12)فأردفهما في آيتين وَ الشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَها وَ الْقَمَرَ قَدَّرْناهُ مَنازِلَ.

و خصّ(الشّمس)فيهما بأنّها تجرى لمستقرّ لها، فأبان أنّ للشّمس مستقرّا تمسك عنده عن الجري،و في «المستقرّ»خلاف أ هو في الدّنيا أو في الآخرة؟لاحظ «ق ر ر:مستقرّ».و خصّ(القمر)بأنّ له منازل تتغيّر فيها حَتّى عادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ، و فيها أيضا خلاف، لاحظ«ن ز ل:منازل،و العرجون».

2-مع الفرق بينهما بذلك،فقد أشركهما بأنّهما تجريان هكذا بتقدير اللّه،و بأمور أخرى:

منها:أنّ اللّه هو الّذي سخّرهما،و هذا إشارة إلى القوّة المسخّرة لهما،و قد كشفها العلم الحديث في القمر و النّجوم في المنظومة الشّمسيّة،بأنّها تتحرّك و تدور

ص: 426

حول الشّمس بجاذبيّتها.أمّا الشّمس فلم ينكشف لحدّ الآن-فيما أعلم-القوّة المسخّرة لها.

و منها:أنّ كلاّ منهما يجريان لأجل مسمّى،فقد أبان أوّلا:أنّهما يجريان،و أنّ الحركة الوضعيّة لهما،لا للأرض،خلافا للنّظريّة القديمة،و قد أثبته العلم الحديث.و ثانيا:أنّ لجريهما أجلا مسمّى مقدّرا عند اللّه تعالى في نهاية الدّنيا،لا يعلمه إلاّ اللّه.

و منها:ربط بينهما و بين إيلاج اللّيل في النّهار و عكسه،في(14)و(15)أو تكوير اللّيل على النّهار و عكسه في(16)،و قد قدّم الإيلاج و التّكوير فيها على التّسخير دليلا عليه،و أخّر التّسخير سببا و علّة لهما.

الثّالث عشر:أسند الجري في آيتين(17)و(59) إلى«العين»إسنادا حقيقيّا،لأنّ العين اسم للماء الفائر، و هي قسمان:عين جارية و عين راكدة،و في الجارية منها لذّة للعين ليست في الرّاكدة.

قال الطّبرسيّ(5: 479):«و في العيون الجارية من الحسن و اللّذّة و المنفعة ما لا يكون في الواقفة،و لذلك وصف بها عيون أهل الجنّة تجري في غير أخدود، و تجري كما يريد صاحبها».قالوا في(59):أنّ(عين) اسم جنس يشمل الواحد و الجمع،كذلك الجارية:

جاريات،كما قال: إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ الحجر:45،لأنّ في كلّ قصر عين و مجموعها عيون، و ربّما لكلّ قصر عيون.قال الطّبرسيّ:«لكلّ إنسان في قصره من الجنّة عين جارية من كلّ شراب يشتهيه» فإن جرت بكلّ شراب فهي عيون لا عين واحدة.

و احتملوا أنّها عين خاصّة لكلّ أهل الجنّة،و أنّ التّنكير فيها لإبهام شأنها و تعظيم أمرها و إفادة دوامها.

و هو الأقرب وفقا لبعض الرّوايات،و للسّيّد فضل اللّه وصف رائع لهذه العين،فلاحظ.

و أمّا فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ في(17)فاستمرار لما قبلها: وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ الرّحمن:46، فلكلّ جنّة عين واحدة موافقة للاحتمال الأخير في (59).قال الطّبرسيّ(5:208):«أي في الجنّتين عينان من الماء تجريان بين أشجارها،و قيل:عينان إحداهما سلسبيل،و الأخرى التّسنيم عن الحسن.و قيل:

إحداهما من ماء غير آسن،و الأخرى من خمر لذّة للشّاربين،عن عطيّة العوفيّ».لاحظ«ع ي ن».

الرّابع عشر:في(18)و ما بعدها من الآيات أسند الجري إلى(الانهار)مع أنّها لا تجري و إنّما يجري الماء فيها،و هذا مجاز شائع لا ريب فيه،إلاّ أنّهم قالوا:إنّها مجاز في الإسناد،مثل وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف:82، أي اسأل أهلها.

و يخطر بالبال أنّ بينهما فرقا،فإنّ إطلاق النّهر على الماء الجاري شائع،و منه: وَ إِنَّ مِنَ الْحِجارَةِ لَما يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الْأَنْهارُ البقرة:74، وَ سَخَّرَ لَكُمُ الْأَنْهارَ إبراهيم:32،فالتّجوّز فيه،لا في الإسناد،لاحظ:تحت، جنّات،الأنهار،آسن.

الخامس عشر:من مجموع(64)آية(31)آية مدنيّة لو كانت سورة الحجّ مدنيّة،و إلاّ ف(28)آية، و الباقي مكّيّة،فتكاد المكّيّات و المدنيّات متقاربات.

ص: 427

ص: 428

ج ز أ

اشارة

لفظان،3 مرّات:2 مكّيّة،1 مدنيّة

في 3 سور:2 مكّيّة،1 مدنيّة

جزء 1:1 جزءا 2:1-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :أجزأني الشّيء،مهموز،أي كفاني.

و تجزّأت بكذا،و اجتزأت به،أي اكتفيت به.

و هذا الشّيء يجزئ عن هذا،يهمز و يليّن،و في لغة يجزأ.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجزء،مهموز:الاجتزاء،أي الاكتفاء؛و الجزوء أيضا،تقول:جزأت الإبل،إذا اكتفت بالرّطب عن الماء جزأ و جزوءا،و جزوّا،غير مهموز.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجازئات (1):الوحش،و الجميع:الجوازئ.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجزء في تجزئة السّهام:بعض الشّيء.

جزّأته تجزئة،أي جعلته أجزاء.و أجزأت منه جزء،أي أخذت منه جزء،و عزلته.

و الجزأة:نصاب السّكّين.

و المجزوء من الشّعر،إذا ذهب فصل واحد من فصوله.[ثمّ استشهد بأشعار](6:162)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الجزأة:الشّقّة المؤخّرة من البيت،بلغة بني شيبان،و غيرهم يسمّيها:المردح (2).

و قال الجنبل: من الدّوابّ:العظيم.

و قال:الجزأة:عقدة تعقدها في طرف الحبل،و قال:

اصنع لعقالك جزء.(1:116)

و قال أبو الخرقاء: أجزأت الشّيء:شددته[ثمّ استشهد بشعر].(1:122)

الفرّاء: طعام جزيء و شبيع:لما يجزئ و يشبع.

(الصّغانيّ 1:11)

ص: 429


1- كذا في الأصل،و السّياق يقتضي«و الجازية»إلاّ إذا كان يريد المؤلّف جمع القلّة.
2- و عند صاحب القاموس:المرزح.

أبو زيد:أنصبت السّكّين،و أجزأتها،و الجزأة:

النّصاب.(الحربيّ 2:796)

و قد أجزأتها إجزاء،و أنصبتها إنصابا،أي جعلت لها نصابا،و جزأة،و هما عجز السّكّين.

و الجزأة لا تكون للسّيف و لا للخنجر،و لكن للمئثرة الّتي توسم بها أخفاف الإبل،و للسّكاكين،و هي المقبض.

أجزأت عنك مجزأ فلان،و مجزأته و مجزأ فلان، و مجزأته،و كذلك أغنيت عنك،مثله في اللّغات الأربع.

و يقال:هذا رجل حسبك من رجل،و ناهيك و كافيك و جازيك،بمعنى واحد.(الأزهريّ 11:146)

الأصمعيّ: أهل المدينة يقولون:أمرت فلانا يتجازى ديني على فلان،أي يتقاضاه.

و أمّا قولهم:أجزأني الشّيء إجزاء،فمهموز،و معناه:

كفاني.[ثمّ استشهد بشعر]

و منه قول النّاس:اجتزأت بكذا و كذا و تجزّأت به، أي اكتفيت به.(أبو عبيد 1:43)

اسم الرّجل:جزء بفتح الجيم،و كأنّه مصدر:

جزأت جزء.(الأزهريّ 11:146)

ابن الأعرابيّ: يجزئ قليل من كثير،و يجزئ هذا من هذا،أي كلّ واحد منهما يقوم مقام صاحبه.

(الأزهريّ 11:145)

ثعلب :البقرة تجزئ عن سبعة،و تجزي.فمن همز فمعناه تغني،و من لم يهمز فهو من الجزاء.

(ابن سيده 7:480)

ابن السّكّيت: و قد جزأت الشّيء أجزؤه،إذا جزّأته.و قد جزأت الإبل بالرّطب عن الماء.

(إصلاح المنطق:155)

الزّجّاج: و جزأت بالشّيء،إذا اكتفيت به، و أجزأني الشّيء:كفاني،و جزيته على أصله:كافأته عليه،و أجزيت عن فلان،إذا قمت مقامه،و أجزأت المرأة،إذا ولدت الإناث دون الذّكور.[ثمّ استشهد بشعر](فعلت و أفعلت:193)

الأزهريّ: قول النّاس:اجتزأت بكذا و كذا، و تجزّأت به،أي اكتفيت به،و أجزأت،بهذا المعنى.

و منه قول العرب:جزأت الماشية تجزأ جزء،إذا اكتفت بالرّطب عن شرب الماء.

و يقال:اللّحم السّمين أجزأ من المهزول،و منه يقال:ما يجزئني هذا الثّوب،أي ما يكفيني.

و يقال:هذه إبل مجازئ يا هذا،أي تكفي الحمل، الواحد:مجزئ،و فلان بارع مجزئ لأمره،أي كاف أمره.

قلت:و الجزء في كلام العرب:النّصيب،و جمعه:

أجزاء.

و يقال:جزأت الحال بينهم،و جزّأته،إذا قسّمته، يخفّف و يثقّل.

و يقال:ما لفلان جزء،و ما له أجزاء،أي ما له كفاية.

(11:144-146)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه أتي بقناع جزء»هكذا قال الرّاوي«جزء»،و زعم أنّ الجزء:

الرّطب عند أهل المدينة.

و هذا شيء لا أثق به و لا أعتمده،فإن كان الأمر على ما قال،فلا أراهم يسمّونه«جزء»إلاّ من قبل اجتزائهم

ص: 430

به عن الطّعام،كتسميتهم الكلأ:جزء و جزوء لغتان، لاجتزاء الإبل به عن الماء.يقال:جزأت الإبل عن الماء، إذا اجتزأت بالرّطب فلم تشرب.(1:547)

الجوهريّ: الجزء:واحد الأجزاء،و جزأت الشّيء جزء:قسّمته و جعلته أجزاء،و كذلك التّجزئة.

و جزأت بالشّيء جزء،أي اكتفيت به،و جزأت الإبل بالرّطب عن الماء جزء بالضّمّ،و أجزأتها أنا، و جزّأتها أيضا تجزئة،و ظبية جازئة.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجزأني الشّيء:كفاني.

و أجزأت عنك شاة،لغة في«جزت»أي قضت.

و اجتزأت بالشّيء،و تجزّأت به بمعنى،إذا اكتفيت به.

و أجزأت عنك مجزأ فلان و مجزأة فلان،أي أغنيت عنك مغناه.

و الجزأة بالضّمّ:نصاب الإشفى و المخصف،و قد أجزأته:جعلت له نصابا.

و جزء بالفتح:اسم رجل.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:40)

ابن فارس: الجيم و الزّاء و الهمزة أصل واحد،هو الاكتفاء بالشّيء.

يقال:اجتزأت بالشّيء اجتزاء،إذا اكتفيت به.

و أجزأني الشّيء إجزاء،إذا كفاني.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجزء:استغناء السّائمة عن الماء بالرّطب.و ذكر ناس في قوله تعالى: وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً الزّخرف:15،أنّه من هذا؛حيث زعموا أنّه اصطفى البنات على البنين،تعالى اللّه عن قول المشركين علوّا كبيرا.

و الجزء:الطّائفة من الشّيء.

و ممّا شذّ عن الباب الجزأة:نصاب السّكّين،و قد أجزأتها إجزاء،إذا جعلت لها جزأة.و يجوز أن يكون سمّيت بذلك،لأنّها بعض الآلة و طائفة منها.(1:455)

أبو هلال :الفرق بين البعض و الجزء:أنّ البعض ينقسم،و الجزء لا ينقسم،و الجزء يقتضي جمعا، و البعض يقتضي كلاّ.

الفرق بين الجزء من الجملة و السّهم من الجملة:أنّ الجزء منها ما انقسمت عليه،فالاثنان جزء من العشرة، لأنّهما ينقسمان عليها،و الثّلاثة ليست بجزء منها،لأنّها لا تنقسم عليها،و كلّ ذلك يسمّى سهما منها،كذا حكى بعضهم.(116،117)

الفرق بين قولك:اجتزأ به،و قولك:اكتفى به:أنّ قولك:اجتزأ،يقتضي أنّه دون ما يحتاج إليه،و أصله من «الجزء»و هو اجتزاء الإبل بالرّطب عن الماء،و هي و إن اجتزأت به يقتضي أنّه دون ما تحتاج إليه عنه،فهي محتاجة إليه بعض الحاجة.

و الاكتفاء يفيد أنّ ما يكتفي به قدر الحاجة من غير زيادة و لا نقصان،تقول:فلان في كفاية،أي فيما هو وفق حاجته من العيش.(245)

الفرق بين قولنا:يجوز كذا،و قولك:يجزئ كذا، سيأتي في«ج و ز».(187)

ابن سيده: الجزء،و الجزء:البعض،و الجمع:

أجزاء،سيبويه:لم يكسّر«الجزء»على غير ذلك.

و جزأ الشّيء جزء،و جزّأه،كلاهما:جعله أجزاء.

ص: 431

و جزّأ المال بينهم،مشدّد لا غير:قسمه.

و أجزأ منه جزء:أخذه.

و المجزوء من الشّعر:ما حذف منه جزءان،أو كان على جزءين فقط؛فالأولى على السّلب،و الثّانية على الوجوب.

و جزأ الشّعر جزء،و جزّأه،فيهما:حذف منه جزءين،أو بقّاه على جزءين.

و الجزء:الاستغناء بالشّيء عن الشّيء،و كأنّه الاستغناء بالأقلّ عن الأكثر،فهو راجع إلى معنى «الجزء».

و جزأ بالشّيء،و تجزّأ:قنع به.و أجزأه هو.

و جزأت الإبل بالرّطب عن الماء،و جزأت تجزأ جزء،و جزء،و جزوء.و الاسم:الجزء.

و أجزأها هو،و جزّأها.

و أجزأ القوم:جزأت إبلهم.

و الجوازئ:الوحش لتجزّئها بالرّطب عن الماء.[ثمّ استشهد بشعرين]

و طعام لا جزء له،أي لا يتجزّأ بقليله.

و أجزأ عنه مجزأه،و مجزأته،و مجزاه،و مجزأته:أغنى عنه مغناه.

و رجل له جزء،أي غناء.[ثمّ استشهد بشعر]

و ما عنده جزأة ذلك،أي قوامه.

و الجزأة:أصل مغرز الذّنب،و خصّ به بعضهم أصل ذنب البعير من مغرزه.

و الجزأة:نصاب السّكّين و الإشفى و المئثرة،و هي الحديدة الّتي يؤثّر بها أسفل خفّ البعير؛و قد أجزأها، و جزّأها.

و أجزأت المرأة:ولدت الإناث[ثمّ استشهد بشعر].

و جزء:اسم،و أبو جزء:كنية.

و الجازئ:فرس للحارث بن كعب.(7:479)

الماورديّ: و الجزء من كلّ شيء،هو بعضه سواء كان منقسما على صحّة أو غير منقسم،و السّهم هو المنقسم عليه جميعه على صحّة.(1:335)

الطّوسيّ: و الفرق بين الجزء و السّهم:أنّ السّهم من الجملة ما انقسمت عليه،و ليس كذلك الجزء،نحو الاثنين و هو سهم من العشرة،لأنّها تنقسم عليه، و ليس كذلك الثّلاثة و هو جزء منها،لأنّه بعض لها.

(2:330)

نحوه الطّبرسيّ.(1:372)

و الجزء:بعض الشّيء (1)،و جزّأته تجزئة،إذا بعّضته.

و الجزء:الاجتزاء بالرّطب عن الماء،جزأت الوحشيّة جزوء،لاكتفائها بالجزء الّذي في الرّطب منه.

و الجزاء:نصاب السّكّين،و أصل الباب:الجزء:

البعض.(2:331)

الرّاغب: جزء الشّيء:ما يتقوّم به جملته،كأجزاء السّفينة و أجزاء البيت و أجزاء الجملة من الحساب.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً الزّخرف:15، و قيل:ذلك عبارة عن الإناث،من قولهم:أجزأت المرأة:أتت بأنثى.2.

ص: 432


1- صحّحناها طبق ما جاء به الطّبرسيّ 1:372.

و جزأ الإبل مجزأ و جزء:اكتفى بالبقل عن شرب الماء.

و قيل:اللّحم السّمين أجزأ من المهزول.

و جزأة السّكّين:العود الّذي فيه السّيلان،تصوّرا أنّه جزء منه.(93)

ابن الشّجريّ: و الجوازئ من البقر و الظّباء:الّتي جزأت بالرّطب عن الماء،أي استغنت،و هو جمع جازئ و جازئة.و المصدر:الجزء مضموم الأوّل،و الجزوء أيضا، على«الفعول».(1:24)

المدينيّ: في الحديث:«ليس شيء يجزئ من الطّعام و الشّراب إلاّ اللّبن»أي ليس يكفي،يقال:

ما يجزئني هذا،أي ما يكفيني.

و يقال:اللّحم السّمين أجزأ من المهزول،و جزأ البعير يجزأ جزء،إذا اكتفى بالبقل عن شرب الماء.و أجزأ القوم:جزأت إبلهم عن الماء.

في الحديث:«أتي بقناع جزء»زعم الرّاوي أنّه الرّطب عند أهل المدينة،فإن كان صحيحا فكأنّهم سمّوه بذلك لاجتزائهم به عن الطّعام،كتسميتهم الكلأ جزء.

(1:324)

ابن الأثير: فيه:«من قرأ جزءه من اللّيل»الجزء:

النّصيب و القطعة من الشّيء،و الجمع:أجزاء.و جزأت الشّيء:قسمته،و جزّأته للتّكثير.

و منه الحديث:«الرّؤيا الصّالحة جزء من ستّة و أربعين جزء من النّبوّة».و إنّما خصّ هذا العدد لأنّ عمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم-في أكثر الرّوايات الصّحيحة-كان ثلاثا و ستّين سنة،و كانت مدّة نبوّته منها ثلاثا و عشرين سنة،لأنّه بعث عند استيفاء الأربعين،و كان في أوّل الأمر يرى الوحي في المنام،و دام كذلك نصف سنة،ثمّ رأى الملك في اليقظة،فإذا نسبت مدّة الوحي في النّوم، و هي نصف سنة إلى مدّة نبوّته،و هي ثلاث و عشرون سنة،كانت نصف جزء من ثلاثة و عشرين جزء؛و ذلك جزء واحد من ستّة و أربعين جزء.

و قد تعاضدت الرّوايات في«أحاديث الرّؤيا»بهذا العدد،و جاء في بعضها:«جزء من خمسة و أربعين جزء».و وجه ذلك أنّ عمره صلّى اللّه عليه و سلّم لم يكن قد استكمل ثلاثا و ستّين،و مات في أثناء السّنة الثّالثة و السّتّين،و نسبة نصف السّنة إلى اثنتين و عشرين سنة و بعض الأخرى نسبة جزء من خمسة و أربعين جزء،و في بعض الرّوايات «جزء من أربعين»و يكون محمولا على من روى أنّ عمره كان ستّين سنة،فيكون نسبة نصف سنة إلى عشرين سنة،كنسبة جزء إلى أربعين.

و منه الحديث:«الهدي الصّالح و السّمت الصّالح جزء من خمسة و عشرين جزء من النّبوّة»أي إنّ هذه الخلال من شمائل الأنبياء،و من جملة الخصال المعدودة من خصالهم،و أنّها جزء معلوم من أجزاء أفعالهم،فاقتدوا بهم فيها و تابعوهم عليها.و ليس المعنى أنّ النّبوّة تتجزّأ، و لا أنّ من جمع هذه الخلال كان فيه جزء من النّبوّة،فإنّ النّبوّة غير مكتسبة،و لا مجتلبة بالأسباب،و إنّما هي كرامة من اللّه تعالى.

و يجوز أن يكون أراد ب«النّبوّة»هاهنا:ما جاءت به النّبوّة،و دعت إليه من الخيرات،أي إنّ هذه الخلال جزء من خمسة و عشرين جزء،ممّا جاءت به النّبوّة،و دعا

ص: 433

إليه الأنبياء.

و منه الحديث:«أنّ رجلا أعتق ستّة مملوكين عند موته،لم يكن له مال غيرهم،فدعاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فجزّأهم أثلاثا،ثمّ أقرع بينهم،فأعتق اثنين و أرقّ أربعة»أي فرّقهم أجزاء ثلاثة،و أراد بالتّجزئة أنّه قسمهم على عبرة القيمة دون عدد الرّءوس،إلاّ أنّ قيمتهم تساوت فيهم،فخرج عدد الرّءوس مساويا للقيم.

و عبيد أهل الحجاز إنّما هم الزّنوج و الحبش غالبا، و القيم فيهم متساوية أو متقاربة،و لأنّ الغرض أن تنفذ وصيّته في ثلث ماله،و الثّلث إنّما يعتبر بالقيمة لا بالعدد، و قال بظاهر الحديث مالك و الشّافعيّ و أحمد.و قال أبو حنيفة رحمهم اللّه:يعتق ثلث كلّ واحد منهم، و يستسعى في ثلثيه.

و في حديث الأضحيّة:«و لن تجزئ عن أحد بعدك»أي لن تكفي،يقال:أجزأني الشّيء،أي كفاني، و يروى بالياء،و سيجيء.

و في حديث سهل:«ما أجزأ منّا اليوم أحد،كما أجزأ فلان»أي فعل فعلا ظهر أثره،و قام فيه مقاما لم يقمه غيره،و لا كفى فيه كفايته.و قد تكرّرت هذه اللّفظة في الحديث.(1:265)

الرّازيّ: جزأه من باب«قطع»و جزّأه تجزئة:

قسمه أجزاء.

و جزأ به،من باب«قطع»:اكتفى،و أجزأه الشّيء:

كفاه.

و أجزأت عنه شاة:لغة في جزت،أي قضت.

و اجتزأ به و تجزّأ به:اكتفى.(117)

الفيّوميّ: جزى الأمر يجزي جزاء،مثل قضى يقضي قضاء،وزنا و معنى،و في التّنزيل: (يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً) (1)و في الدّعاء:«جزاه اللّه خيرا» أي قضاه له و أثابه عليه.

و قد يستعمل«أجزأ»بالألف و الهمز بمعنى«جزي» و نقلهما الأخفش بمعنى واحد فقال:الثّلاثيّ من غير همز لغة الحجاز،و الرّباعيّ المهموز لغة تميم.

و جازيته بذنبه:عاقبته عليه.

و جزيت الدّين:قضيته،و منه قوله عليه السّلام لأبي بردة ابن نيار،لمّا أمره أن يضحّي بجذعة من المعز:«تجزي عنك و لن تجزي عن أحد بعدك»قال الأصمعيّ:أي و لن تقضي.

و أجزأت الشّاة بالهمز بمعنى قضت،لغة حكاها ابن القطّاع.

و أمّا أجزأ بالألف و الهمز،فبمعنى أغنى.

قال الأزهريّ: و الفقهاء يقولون فيه:«أجزى»من غير همز،و لم أجده لأحد من أئمّة اللّغة و لكن إن همز «أجزأ»فهو بمعنى كفى.

هذا لفظه،و فيه نظر،لأنّه إن أراد امتناع التّسهيل فقد توقّف في موضع التّوقّف،فإنّ تسهيل همزة الطّرف في الفعل المزيد و تسهيل الهمزة السّاكنة قياسيّ،فيقال:

أرجأت الأمر و أرجيته،و أنسأت و أنسيت،و أخطأت و أخطيت،و أشطأ الزّرع،إذا أخرج شطأه،و هو أولاده و أشطى،و توضّأت و توضّيت،و أجزأت السّكّين،إذا3.

ص: 434


1- التّلاوة (يَوْماً) سورة البقرة:48 و 123.

جعلت له نصابا،و أجزيته،و هو كثير،فالفقهاء جرى على ألسنتهم التّخفيف.

و إن أراد الامتناع من وقوع«أجزأ»موقع«جزى» فقد نقلهما الأخفش لغتين،كيف و قد نصّ النّحاة على أنّ الفعلين إذا تقارب معناهما،جاز وضع أحدهما موضع الآخر،و في هذا مقنع لو لم يوجد نقل.

و أجزأ الشّيء مجزأ غيره:كفى و أغنى عنه.

و اجتزأت بالشّيء:اكتفيت.

و الجزء من الشّيء:الطّائفة منه،و الجمع:أجزاء مثل قفل و أقفال.

و جزّأته تجزيئا و تجزئة:جعلته أجزاء متميّزة، فتجزّأ تجزّؤا.و جزأته من باب«نفع»لغة.

و الجزية:ما يؤخذ من أهل الذّمّة،و الجمع:جزى، مثل سدرة و سدر.(100)

الفيروزآباديّ: الجزء:البعض و يفتح،جمعه:

أجزاء،و بالضّمّ:عين،و رمل.

و جزأه كجعله:قسمه أجزاء كجزّأه،و بالشّيء:

اكتفى كاجتزأ و تجزّأ،و الشّيء:شدّه،و الإبل بالرّطب عن الماء:قنعت كجزئت بالكسر،و أجزأتها أنا و جزّأتها.

و اجزأت عنك مجزأ فلان و مجزأته،-و يضمّان- أغنيت عنك مغناه،و المخصف:جعلت له جزأة،أي نصابا،و الخاتم في إصبعي:أدخلته،و المرعى:التفّ نبته، و الأمّ:ولدت الإناث،و شاة عنك:قضت،لغة في «جزت»و الشّيء إيّاي:كفاني.

و الجوازئ:الوحش.

وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً الزّخرف:15،أي إناثا.

و طعام جزي:مجزئ.

و جازئك من رجل:ناهيك.

و حبيبة بنت أبي تجراة،بضمّ التّاء و سكون الجيم:

صحابيّة،و سمّوا جزء.و الجزأة بالضّمّ:المرزح.

(1:10)

الطّريحيّ: و أجزأت عنك مجزأ فلان،أي أغنيت عنك معناه.

و جزّأت الشّيء،أي قسمته و جعلته أجزاء، و كذلك التّجزئة.و منه«الملائكة أجزاء،أي أقسام:

جزء له جناحان،و جزء له ثلاثة،و جزء له أربعة».

و في الخبر:«الهدى الصّالح جزء من خمسة و عشرين جزء من النّبوّة»،و مثله:«الرّؤيا الصّالحة جزء من كذا».

قال بعض الشّارحين: معناه هذه الخلال و نحوها من شمائل الأنبياء فاقتدوا بهم فيها.و لا يريد أنّ النّبوّة تتجزّأ،و لا أنّ من جمع هذه الخلال كان فيه جزء من النّبوّة.

و فيه:«و أمّا خيبر فجزّأها ثلاثة أجزاء»أي ثلاثة أقسام،و وجّه ذلك بأنّ خيبر ذات قرى كثيرة،فتح بعضها عنوة،و كان له منها الخمس،و كان بعضها صلحا من غير قتال،فكان فيئا خاصّا به،و اقتضت القسمة أن يكون الجميع بينه و بين الجيش أثلاثا.

و الأجزاء بفتح الهمزة الأولى:أجزاء القرآن و غيره،و منه حديث الصّادق عليه السّلام:«عندي مصحف

ص: 435

مجزّأ بأربعة أجزاء».

و منه في أوصاف الحقّ تعالى:«لا يتبعّض بتجزئة العدد في كماله»قيل في معناه:إنّ أوصافه الكاملة كثيرة، و هو عالم قادر سميع،و نحو ذلك.و مصداق الكلّ واحد هو ذاته تعالى،و هو منزّه عن التّجزئة الّتي تستلزم الكثرة و العدد.

قوله:«و يجزيه التّيمّم ما لم يحدث»يقرأ بضمّ مثناة من الإجزاء،و بفتحها بمعنى كفى.(1:86)

مجمع اللّغة :جزء الشّيء:بعضه.(1:190)

محمّد إسماعيل إبراهيم:جزأ الشّيء:قسمه أجزاء،و الجزء:البعض و النّصيب.(1:106)

المصطفويّ: و الحقّ أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو البعض و قسمة من الشّيء،و إليه يرجع التّفرّق،أي التّبعّض و الاقتسام،و هكذا مفهوم النّصيب، فإنّه حصّة معيّنة من الكلّ المفروض.

ثمّ إنّ هذا المفهوم يتغيّر في الجملة إذا استعمل اللّفظ بالحروف.فإذا قيل:جزأ بالشّيء،فكأنّه جزّأ نصيبه و قسمته بسبب هذا الشّيء و عيّنه منه،و هذا معنى قولهم:أجزأني كذا،أي جزء نصيبي هذا الشّيء.

و إذا استعمل بحرف عن،فيستفاد منه مفهوم الإغناء،كما لا يخفى.(2:82)

النّصوص التّفسيريّة

جزءا

1- ...قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً... البقرة:260

ابن عبّاس: بعضا.(37)

اجعلهنّ في أرباع الدّنيا:ربعا هاهنا،و ربعا هاهنا، و ربعا هاهنا،و ربعا هاهنا.(الطّبريّ 3:57)

أمر أن يجعل كلّ طائر أربعة أجزاء،و أن يجعلها على أربعة أجبل،على كلّ جبل ربعا من كلّ طائر.

(الخازن 1:238)

مجاهد :بدّدهنّ أجزاء على كلّ جبل.

(الطّبريّ 3:58)

الحسن :إنّ اللّه أمره أن يأخذ أربعة من الطّير، فيذبحهنّ و ينتفهنّ،ثمّ قطعهنّ أعضاء أعضاء،ثمّ خلط بينهنّ جميعا،ثمّ جزّأها أربعة أجزاء،ثمّ جعل على كلّ جبل منهنّ جزء...(الدّرّ المنثور 1:335)

قتادة :يجزّئهنّ على أربعة أجبل.

(الدّرّ المنثور 1:335)

السّدّيّ: أي قطّعهنّ،ثمّ اجعل على سبعة أجبال، على كلّ جبل منهنّ جزء.(164)

جزّأها سبعة أجزاء،و وضعها على سبعة أجبل.

مثله ابن جريج.(الشّربينيّ 1:175)

الإمام الصّادق عليه السّلام: و هو العشر من الشّيء.

[و هناك روايات أخرى بهذا المعنى فراجع]

(العيّاشيّ 1:267)

إنّ معناه فرّقهنّ على كلّ جبل،و كانت عشرة أجبل.

(الطّبرسيّ 1:373)

ابن قتيبة :أي ربعا من كلّ طائر.(96)

الطّبريّ: اختلف أهل التّأويل في تأويل[الآية]

ص: 436

فقال بعضهم:يعني بذلك على كلّ ربع من أرباع الدّنيا جزء منهنّ...

و قال آخرون: بل معنى ذلك ثمّ اجعل على كلّ جبل من الأجبال الّتي كانت الأطيار و السّباع الّتي كانت تأكل من لحم الدّابّة الّتي رآها إبراهيم ميتة،فسأل إبراهيم عند رؤيته إيّاها أن يريه كيف يحييها و سائر الأموات غيرها!و قالوا:كانت سبعة أجبال.

و قال آخرون: بل أمره اللّه أن يجعل ذلك على كلّ جبل.[إلى أن قال:]

و أولى التّأويلات بالآية ما قاله مجاهد،و هو أنّ اللّه تعالى ذكره أمر إبراهيم بتفريق أعضاء الأطيار الأربعة، بعد تقطيعه إيّاهنّ،على جميع الأجبال الّتي كان يصل إبراهيم في وقت تكليف اللّه إيّاه تفريق ذلك و تبديدها عليها أجزاء[ثمّ ذكر الآية و قال:]و الكلّ حرف يدلّ على الإحاطة بما أضيف إليه،لفظه واحد و معناه الجمع.

فإذا كان ذلك كذلك،فلن يجوز أن تكون الجبال الّتي أمر اللّه إبراهيم بتفريق أجزاء الأطيار الأربعة عليها خارجة من أحد معنيين:إمّا أن تكون بعضا أو جمعا.

فإن كانت بعضا فغير جائز أن يكون ذلك البعض إلاّ ما كان لإبراهيم السّبيل إلى تفريق أعضاء الأطيار الأربعة عليه،أو يكون جمعا فيكون أيضا كذلك.و قد أخبر اللّه تعالى ذكره أنّه أمره بأن يجعل ذلك على كلّ جبل،و ذلك إمّا كلّ جبل،و قد عرفهنّ إبراهيم بأعيانهنّ،و إمّا ما في الأرض من الجبال.[إلى أن قال:]

و الجزء من كلّ شيء هو البعض منه،كان منقسما جميعه عليه على صحّة،أو غير منقسم،فهو بذلك من معناه مخالف معنى«السّهم»لأنّ السّهم من الشّيء هو البعض المنقسم عليه جميعه على صحّة،و لذلك كثر استعمال النّاس في كلامهم عند ذكرهم أنصباءهم من المواريث:السّهام دون الأجزاء.(3:57)

مثله ابن عطيّة.(1:355)

البغويّ: (جزّءا)مثقّلا مهموزا،و الآخرون بالتّخفيف و الهمز.و قرأ أبو جعفر مشدّدا الزّاي بلا همز، و أراد بعض الجبال.(1:358)

الزمخشريّ: أمر أن يجعل أجزاءها على الجبال، على كلّ جبل ربعا من كلّ طائر.(1:392)

الفخر الرّازيّ: يدلّ على أنّ تلك الطّيور جعلت جزء جزء.

قال أبو مسلم في الجواب عن هذا الوجه:أنّه أضاف «الجزء»إلى الأربعة،فيجب أن يكون المراد ب«الجزء» هو الواحد من تلك الأربعة.

و الجواب:أنّ ما ذكرته و إن كان محتملا إلاّ أنّ حمل «الجزء»على ما ذكرناه أظهر،و التّقدير:فاجعل على كلّ جبل من كلّ واحد منهنّ جزء أو بعضا.[إلى أن قال:]

قرأ عاصم في رواية أبي بكر و الفضل(جزّءا)مثقّلا مهموزا حيث وقع،و الباقون مهموزا مخفّفا،و هما لغتان بمعنى واحد.(7:45)

القرطبيّ: [ذكر القراءات الثّلاث ثمّ قال:]

و هي لغات،و معناه النّصيب.(3:301)

البيضاويّ: أي جزّأهنّ و فرّق أجزاءهنّ على الجبال الّتي بحضرتك.قيل:كانت أربعة،و قيل:سبعة...

(1:137)

ص: 437

مثله أبو السّعود(1:305)،و نحوه النّسفيّ(1:

132)،و النّيسابوريّ(3:35).

أبو حيّان :و روي عن ابن عبّاس أنّه أمر أن يجعل على كلّ ربع من أرباع الدّنيا،و هو بعيد.

و خصّصت الجبال بعدد الأجزاء،فقيل:أربعة،قاله قتادة و الرّبيع،و قيل:سبعة،قاله السّدّيّ و ابن جريج، و قيل:عشرة،قاله أبو عبد اللّه الوزير المغربيّ.

(2:300)

الآلوسيّ: (جزءا)أي قطعة،و بعضا:ربعا،أو سبعا،أو عشرا،أو غير ذلك.(3:29)

2- وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ. الزّخرف:15

ابن عبّاس: أي ولدا،قالوا:الملائكة بنات اللّه.(412)

نحوه مجاهد(الطّبريّ 25:55)،و القمّيّ(2:

281)،و الخازن(6:110).

مجاهد :نصيبا و حظّا،و هو قول العرب:الملائكة بنات اللّه.(أبو حيّان 8:8)

نحوه ابن جزيّ.(4:26)

عطاء:أي نصيبا و شركا.(النّحّاس 6:342)

نحوه زيد بن عليّ(364)،و أبو عبيدة(2:203)، و قطرب(الماورديّ 5:219)،و النّحّاس(6:342).

قتادة :أي عدلا.(الطّبريّ 25:56)

المراد بالجزء:الأصنام و فرعون و غيره ممّن عبد من دون اللّه،أي جزء ندّا.(ابن عطيّة 5:48)

السّدّيّ: البنات.(435)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و جعل هؤلاء المشركون اللّه من خلقه نصيبا؛و ذلك قولهم للملائكة:

هم بنات اللّه.[إلى أن قال:]

و قال آخرون: عنى بالجزء هاهنا:العدل.[إلى أن قال:]

و إنّما اخترنا القول الّذي اخترناه في تأويل ذلك، لأنّ اللّه جلّ ثناؤه أتبع ذلك قوله: أَمِ اتَّخَذَ مِمّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَ أَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ الزّخرف:16،توبيخا لهم على قولهم ذلك،فكان معلوما أنّ توبيخه إيّاهم بذلك إنّما هو عمّا أخبر عنهم من قيلهم ما قالوا في إضافة البنات إلى اللّه،جلّ ثناؤه.(25:55)

الزّجّاج: يعني به الّذين جعلوا الملائكة بنات اللّه، و قد أنشدني بعض أهل اللّغة بيتا يدلّ على أنّ معنى «جزء»معنى الإناث،و لا أدري البيت قديم أم مصنوع، أنشدني:

إن أجزأت حرّة يوما فلا عجب

قد تجزئ الحرّ المذكار أحيانا

أي إن أنّثت،ولدت أنثى.(4:406)

نحوه الكاشانيّ.(4:386)

الطّوسيّ: قيل:فيه وجهان:أحدهما:أنّهم جعلوا للّه جزء من عبادته،لأنّهم أشركوا بينه و بين الأصنام.

و قال الحسن:زعموا أنّ الملائكة بنات اللّه و بعضه.

فالجزء الّذي جعلوه له من عباده،هو قولهم:الملائكة بنات اللّه.(9:187)

نحوه الواحديّ.(4:66)

ص: 438

البغويّ: أي نصيبا و بعضا،و هو قولهم:الملائكة بنات اللّه.و معنى الجعل هاهنا الحكم بالشّيء و القول،كما تقول:جعلت زيدا أفضل النّاس،أي وصفته و حكمت به.

(4:156)

نحوه ابن الجوزيّ.(7:305)

الميبديّ: (جزءا)أي ولدا،لأنّ الولد بعض أبيه و جزء منه.

و قيل:(جزءا)أي بنتا،من قول العرب:أجزأت المرأة،إذا أنّثت،و هم قبائل من العرب،قالوا:إنّ اللّه صاهر الجنّ فولدت له الملائكة،تعالى اللّه عن ذلك.

و قيل:الجزء هاهنا:النّصيب،و معنى هذه الآية، معنى قوله: وَ جَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً الأنعام:136.(9:55)

الزّمخشريّ: وَ جَعَلُوا... متّصل بقوله: وَ لَئِنْ سَأَلْتَهُمْ أي و لئن سألتهم عن خالق السّماوات و الأرض ليعترفنّ به،و قد جعلوا له مع ذلك الاعتراف من عباده جزء،فوصفوه بصفات المخلوقين.و معنى مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً أن قالوا:الملائكة بنات اللّه،فجعلوهم جزء له و بعضا منه،كما يكون الولد بضعة من والده و جزء له.

و من بدع التّفاسير تفسير الجزء؛بالإناث،و ادّعاء أنّ«الجزء»في لغة العرب اسم للإناث.و ما هو إلاّ كذب على العرب و وضع مستحدث منحول،و لم يقنعهم ذلك حتّى اشتقّوا منه:أجزأت المرأة،ثمّ صنعوا بيتا و بيتا.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرئ (جزوءا) بضمّتين.(3:481)

نحوه البيضاويّ(2:394)،و النّسفيّ(4:155)، و أبو السّعود(6:28)،و طنطاوي(20:165).

ابن عطيّة: و الجزء:القطع من الشّيء،و هو بعض الكلّ،فكأنّهم جعلوا جزء من عباده نصيبا له و حظّا؛ و ذلك في قول كثير من المتأوّلين قول العرب:الملائكة بنات اللّه.[ثمّ نقل قول قتادة،و أضاف:]

فعلى هذا التّأويل فتعقيب الكفرة في فصلين في أمر الأصنام و في أمر الملائكة،و على هذا التّأويل الأوّل فالآية كلّها في أمر الملائكة.(5:48)

الطّبرسيّ: أي نصيبا،يعني حكموا بأنّ بعض عباده و هم الملائكة له أولاد.[ثمّ قال نحو البغويّ إلى أن قال:]

و قيل:إنّ معناه و جعلوا للّه من مال عباده نصيبا، فيكون كقوله: وَ جَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً الأنعام:136،فحذف المضاف.(5:41)

الفخر الرّازيّ: قرأ عاصم فى رواية أبي بكر(جزء) بضمّ الزّاي و الهمزة في كلّ القرآن،و هما لغتان.و أمّا حمزة فإذا وقف عليه قال:(جزا)بفتح الزّاي بلا همزة.

و في المراد من قوله: وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً قولان:

الأوّل:و هو المشهور،أنّ المراد أنّهم أثبتوا له ولدا، و تقرير الكلام أنّ ولد الرّجل جزء منه،قال عليه السّلام:

«فاطمة بضعة منّي»و لأنّ المعقول من الوالد أن ينفصل عنه جزء من أجزائه،ثمّ يتربّى ذلك الجزء و يتولّد منه شخص مثل ذلك الأصل،و إذا كان كذلك فولد الرّجل جزء منه و بعض منه.

ص: 439

فقوله: وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً معنى(جعلوا) حكموا و أثبتوا و قالوا به،و المعنى أنّهم أثبتوا له جزء، و ذلك الجزء هو عبد من عباده.

و اعلم أنّه لو قال:«و جعلوا لعباده منه جزء»أفاد ذلك أنّهم أثبتوا أنّه حصل جزء من أجزائه في بعض عباده،و ذلك هو الولد،فكذا قوله: وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً معناه و أثبتوا له جزء،و ذلك الجزء هو عبد من عباده،و الحاصل أنّهم أثبتوا للّه ولدا،و ذكروا في تقرير القول وجوها أخر.[إلى أن قال:]

و القول الثّاني:إثبات الشّركاء للّه،و ذلك لأنّهم لمّا أثبتوا الشّركاء للّه تعالى،فقد زعموا أنّ كلّ العباد ليس للّه،بل بعضها للّه،و بعضها لغير اللّه،فهم ما جعلوا للّه من عباده كلّهم،بل جعلوا له منهم بعضا و جزء منهم.

قالوا:و الّذي يدلّ على أنّ هذا القول أولى من الأوّل،أنّا إذا حملنا هذه الآية على إنكار الشّريك للّه، و حملنا الآية الّتي بعدها على إنكار الولد للّه،كانت الآية جامعة للرّدّ على جميع المبطلين.(27:200)

ابن كثير :يقول تعالى مخبرا عن المشركين،فيما افتروه و كذّبوه في جعلهم بعض الأنعام لطواغيتهم و بعضها للّه تعالى،كما ذكر اللّه عزّ و جلّ عنهم في سورة الأنعام:136،في قوله تبارك و تعالى: وَ جَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً فَقالُوا هذا لِلّهِ بِزَعْمِهِمْ وَ هذا لِشُرَكائِنا فَما كانَ لِشُرَكائِهِمْ فَلا يَصِلُ إِلَى اللّهِ وَ ما كانَ لِلّهِ فَهُوَ يَصِلُ إِلى شُرَكائِهِمْ ساءَ ما يَحْكُمُونَ، و كذلك جعلوا له من قسمي البنات و البنين أخسّهما و أردأهما و هو البنات،كما قال تعالى: أَ لَكُمُ الذَّكَرُ وَ لَهُ الْأُنْثى* تِلْكَ إِذاً قِسْمَةٌ ضِيزى النّجم:21،22.(6:

221)

الشّربينيّ: (جزءا)أي ولدا،هو لحصرهم في الأنثى أحد قسمي الأولاد،و كلّ ولد فهو جزء من والده،قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«فاطمة بضعة منّي»و من كان له جزء كان محتاجا فلم يكن إلها؛و ذلك لقولهم:الملائكة بنات اللّه،فثبت بذلك طيش عقولهم و سخافة آرائهم.

و قرأ شعبة بضمّ الزّاي،و الباقون بسكونها و هما لغتان،و إذا وقف حمزة نقل حركة الهمزة إلى الزّاي.

(3:557)

البروسويّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

لم يكن«الجزء»في الأصل بمعنى الإناث،و إنّما ذكره أهل اللّغة أخذا من الآية،لأنّه فيها بمعنى الولد المفسّر بالإناث،فذكره في اللّغات لا ينافي حدوثه.و إنّما عبّر عن الولد بالجزء،لأنّه بعض أبيه و جزء منه.(8:357)

عزّة دروزة :كناية عن نسبتهم الأولاد إلى اللّه تعالى،على اعتبار أنّ الأولاد جزء من آبائهم.

(5:202)

الطّباطبائيّ: حكاية بعض أقوالهم الّتي دعاهم إلى القول بها الإسراف و الكفر بالنّعم،و هو قولهم بالولد،و أنّ الملائكة بنات اللّه سبحانه،و احتجاجهم على عبادتهم الملائكة و ردّه عليهم.

المراد بالجزء:الولد،فإنّ الولادة إنّما هي الاشتقاق، فالولد جزء من والده منفصل منه متصوّر بصورته.و إنّما عبّر عن الولد ب«الجزء»للإشارة إلى استحالة دعواهم، فإنّ جزئيّة شيء من شيء كيفما تصوّرت لا تتمّ إلاّ

ص: 440

بتركّب في ذلك الشّيء،و اللّه سبحانه واحد من جميع الجهات.(18:89)

جزء

لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ.

الحجر:44

ابن عبّاس: حظّ معلوم.(218)

مثله القرطبيّ.(10:30)

أي نصيب مفروض.(الطّبرسيّ 3:338)

نحوه الفرّاء(2:89)،و الشّربينيّ(2:203).

الإمام الرّضا عليه السّلام:قال[الرّاوي:ابن أبي نصر]:

سأله رجل عن الجزء و جزء الشّيء،فقال:من سبعة،إنّ اللّه يقول في كتابه: لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ.

(العيّاشيّ 2:430)

الطّبريّ: يعني قسما و نصيبا مقسوما.(14:35)

الطّوسيّ: لكلّ باب(جزء)من المستحقّين للعقوبة، على قدر استحقاقهم من العقاب في القلّة و الكثرة، بحسب كثرة معاصيهم و قلّتها.(6:338)

الزّمخشريّ: و قرئ (جزءا) بالتّخفيف و التّثقيل، و قرأ الزّهريّ (جزّ) بالتّشديد،كأنّه حذف الهمزة،و ألقى حركتها على الزّاي،كقولك:خبّ في خبء،ثمّ وقف عليه بالتّشديد،كقولهم:الرّجل،ثمّ أجرى الوصل مجرى الوقف.(2:392)

نحوه ابن عطيّة.(3:363)

الفخر الرّازيّ: الجزء:بعض الشّيء،و الجمع:

الأجزاء،و جزّأته:جعلته أجزاء،و المعنى أنّه تعالى يجزّئ أتباع إبليس أجزاء،بمعنى أنّه يجعلهم أقساما و فرقا،و يدخل في كلّ قسم من أقسام جهنّم طائفة من هؤلاء الطّوائف.

و السّبب فيه أنّ مراتب الكفر مختلفة بالغلظ و الخفّة، فلا جرم صارت مراتب العذاب و العقاب مختلفة بالغلظ و الخفّة.و اللّه أعلم.(4:55)

نحوه الخازن.(19:191)

ابن عربيّ: لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ هي الحواسّ الخمس،و الشّهوة،و الغضب لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ عضو خاصّ به،أو بعض من الخلق يختصّون بالدّخول منه،لغلبة قوّة ذلك الباب عليهم.(1:666)

البيضاويّ: جُزْءٌ مَقْسُومٌ أفرز له،فأعلاها للموحّدين العصاة،و الثّاني لليهود،و الثّالث للنّصارى، و الرّابع للصّابئين،و الخامس للمجوس،و السّادس للمشركين،و السّابع للمنافقين.

و قرأ أبو بكر (جزّءا) بالتّثقيل،و قرئ (جزّ) على حذف الهمزة و إلقاء حركتها على الزّاي،ثمّ الوقف عليه بالتّشديد،ثمّ إجراء الوصل مجرى الوقف،و(منهم)حال منه أو من المستكنّ في الظّرف،لا في(مقسوم)،لأنّ الصّفة لا تعمل فيما تقدّم موصوفها.(1:542)

نحوه أبو السّعود.(4:22)

النّسفيّ: نصيب معلوم مفرز.(2:273)

البروسويّ: ضرب معيّن.(4:470)

الآلوسيّ: فريق معيّن مفروز من غيره،حسبما يقتضيه استعداده.(14:53)

ص: 441

نحوه القاسميّ.(10:3757)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجزء،أي الاكتفاء.يقال:

جزأ بالشّيء و تجزّأ،أي قنع و اكتفى به،و أجزأه الشّيء:

كفاه،و تجزّأ بكذا و اجتزأ به:اكتفى به،و فلان بارع مجزئ لأمره،أي كاف أمره،و هذا رجل حسبك من رجل،و ناهيك و كافيك و جازيك.

و جزأت الإبل و جزأت تجزأ جزء و جزء و جزوء:

اكتفت،و أجزأها هو و جزّأها تجزئة:كفاها،و أجزأ القوم:جزأت إبلهم،و الجوازئ:الوحش،لتجزّئها بالرّطب عن الماء،و ظبية جازئة:استغنت بالرّطب عن الماء.

و الجزء:الاستغناء بالشّيء عن الشّيء،يقال:رجل له جزء،أي غناء،و ما لفلان جزء و ما له إجزاء،أي ما له كفاية،و طعام لا جزء له:لا يتجزّأ بقليله،و أجزأ عنه مجزأة و مجزأته،و مجزأه و مجزأته،أي أغنى عنه مغناه.

و الجزء:البعض و النّصيب،و الجمع:أجزاء،و هو الجزء أيضا،و كأنّه استغناء بالأقلّ عن الأكثر.يقال:

جزأ الشّيء،يجزأ جزء و جزّأه،أي جعله أجزاء،و جزأ المال بينهم،و جزّأه:قسّمه و أجزأ منه جزء:أخذه.

و المجزوء من الشّعر:ما حذف منه جزءاه،أو كان على جزءين فقط،يقال:جزأ الشّعر جزء و جزّأه،أي حذف منه جزءين،و بقّاه على جزءين.

و الجزأة:القوام،يقال:ما عنده جزأة ذلك،و يجزئ قليل من كثير،و يجزئ هذا من هذا،أي كلّ واحد منهما يقوم مقام صاحبه.

و الجزأة أيضا:نصاب السّكّين و الإشفى و المخصف و المئثرة،و قد أجزأها و جزّأها و أنصبها،أي جعل لها نصابا و جزأة،و هو من هذا الباب أيضا،لأنّها بعض من هذه الآلات.

2-و لا عبرة بقول من يقول:أجزأت عنك شاة،أي قضت،لأنّها لغة دانية لبعض العرب،و هم بنو تميم،كما أشرنا إليها في مادّة«أ ز ف»،و فصيحه«جزت»من «ج ز ي»كما سيأتي.

و في الخبر:«البقرة تجزي عن سبعة»،و قد همزها بعض.قال ثعلب:«فمن همز فمعناه تغني،و من لم يهمز فهو من الجزاء»،و هذا ممّا اختلف في حكمه باختلاف لفظه،و ليس بلغة.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها«جزء»ثلاث مرّات:

1- وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ* لَها سَبْعَةُ أَبْوابٍ لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ الحجر:43،44

2- وَ إِذْ قالَ إِبْراهِيمُ رَبِّ أَرِنِي كَيْفَ تُحْيِ الْمَوْتى قالَ أَ وَ لَمْ تُؤْمِنْ قالَ بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي قالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءاً ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْياً وَ اعْلَمْ أَنَّ اللّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ البقرة:260

3- وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ الزّخرف:15

يلاحظ أوّلا:في(1)بحوث:

ص: 442

1-قرئت الآيات بثلاث قراءات:«جزء،جزّأ، جزّ»و لم يتعرّض لها الطّبريّ،فلعلّ قراءة التّثقيل عدّها شاذّة،فلم يذكرها.

2-أطلق الجزء فيها على«فرقة»لأنّها بعض من مجموعهم،و لهذا فسّروه ب:نصيبا و قسما و سهما، و وصف فيها ب(مقسوم).و هذا توسيع في معنى«الجزء»، و الأصل فيه:البعض من الكلّ في الأجسام.و كأنّه جاء في الآية بشأن أهل النّار،تشبيها لهم بأجسام متراكمة تحقيرا.

3-قالوا:هذه القسمة بحسب مراتب المستحقّين للعذاب،و على قدر استحقاقهم،و قد ذكر البيضاويّ طبقاتهم،فلاحظ.

4-طبّق ابن عربيّ-حسب مسلكه في تأويل الآيات- سَبْعَةُ أَبْوابٍ على الحواسّ الخمسة و الشّهوة و الغضب،ثمّ فسّر جُزْءٌ مَقْسُومٌ بعضو خاصّ من تلك الأعضاء و الخلق،فكأنّ كلّ حسّ و عضو و خلق باب من أبواب جهنّم لأهلها،و يقابلها أبواب الجنّة الثّمانية لأهلها،كما جاء في الأحاديث.

5-قال البيضاويّ: في لِكُلِّ بابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ، (منهم)حال من(جزء)أو من الضّمير المستكنّ في الفعل المحذوف،الّذي هو متعلّق الجار في (مقسوم)،لأنّ الصّفة لا تعمل فيما تقدّم موصوفها.

قال طه الدّرّة(7:323)كأنّ(منهم)صفة له،فلمّا قدّم عليه صار حالا،و هذا لا يجيزه سيبويه،أعني به مجيء الحال من المبتدإ،لأنّ(جزء)عندهم مبتدأ، و(لكلّ)خبره.

و عندنا أنّه متعلّق ب(مقسوم)أي لكلّ باب جزء مقسوم منهم،و أخّر(مقسوم)رعاية للرّويّ و بعدها:

إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنّاتٍ وَ عُيُونٍ و التّقديم و التّأخير في مثل ذلك جائز،و له نظائر في القرآن.

6-جاء في حديث الرّضا عليه السّلام جوابا لمن سأله عن (الجزء)أنّه جزء من سبعة،احتجاجا بهذه الآية، و نظيره روايات في كلمات أخرى،و هي عندنا محمولة على ما إذا أريد بذلك ما جاء في القرآن،و إلاّ فلا دلالة في الآيات على ذلك،و التّفصيل في كلّ مورد إلى محلّه من الأبحاث الفقهيّة.

ثانيا:جاء في(2)عن ابن عبّاس و غيره في كيفيّة تجزئة الطّيور،و في تعيين الجبال و عددها و مواضعها أقوال مختلفة،لا دلالة في الآية على شيء منها، و لا جدوى في البحث فيها،و الّذي تهدفه الآية هو إفهام إبراهيم بأنّ الأجزاء الموزّعة من كلّ طير-و هي مختلطة طبعا-سيضمّ بعضها إلى بعض،و ترجع أحياء بإذن اللّه، فتكون آية لإبراهيم-و كذلك لكلّ من يقرأ هذه الآية- على أنّ اللّه قادر على إحياء الموتى،و تطمئنّ به نفوسهم.

ثالثا:قالوا في(3):أي جعلوا له من بين عباده ولدا أو بنتا،فإنّ الولد جزء من والده،و اختاره الطّبريّ احتجاجا بأنّ ما بعده أَمِ اتَّخَذَ مِمّا يَخْلُقُ بَناتٍ وَ أَصْفاكُمْ بِالْبَنِينَ يكون توبيخا على قولهم ذلك.

و توضيحه أنّه وبّخهم أوّلا بأنّهم جعلوا له من عباده جزء،أي ولدا،ثمّ وبّخهم بأنّهم لم يكتفوا بذلك حتّى جعلوا هذا الولد أناثا،ثمّ عقّب الكلام في البنات في ثلاث آيات،من(16-18)ابتداء ب أَمِ اتَّخَذَ مِمّا يَخْلُقُ بَناتٍ، ثمّ وبّخهم في(19) وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً...، و بذلك خرجت الآية عن إطلاق الجزء على«البنت»تبعا للعرب،الأمر الّذي أنكره الزّمخشريّ،فلاحظ.

ص: 443

و توضيحه أنّه وبّخهم أوّلا بأنّهم جعلوا له من عباده جزء،أي ولدا،ثمّ وبّخهم بأنّهم لم يكتفوا بذلك حتّى جعلوا هذا الولد أناثا،ثمّ عقّب الكلام في البنات في ثلاث آيات،من(16-18)ابتداء ب أَمِ اتَّخَذَ مِمّا يَخْلُقُ بَناتٍ، ثمّ وبّخهم في(19) وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً...، و بذلك خرجت الآية عن إطلاق الجزء على«البنت»تبعا للعرب،الأمر الّذي أنكره الزّمخشريّ،فلاحظ.

و بعضهم قالوا:(جزءا)أي نصيبا،كما قال:

وَ جَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً...

الأنعام:136،و لا بأس به فقد جاء(جزءا)بمعنى نصيب،و لعلّه أقرب الوجوه.

ص: 444

ج ز ع

اشارة

لفظان،مرّتان:في سورتين مكّيّتين

جزعنا 1:1 جزوعا 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجزع،الواحدة:جزعة من الخرز.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجزع:قطعك المفازة عرضا.[ثمّ استشهد بشعر]

و جزعنا الأرض:سلكناها عرضا خلاف طولها.

و ناحيتا الوادي:جزعاه،و يقال:لا يسمّى جزع الوادي جزعا حتّى تكون له سعة تنبت الشّجر و غيره.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الجازع:الخشبة الّتي توضع بين الخشبتين، منصوبتين عرضا،لتوضع عليها عروش الكرم و قضبانها،ليرفعها عن الأرض.فإن نعتّها قلت:خشبة جازعة،و كذلك كلّ خشبة بين شيئين،ليحمل عليها شيء فهي جازعة.

و المجزّع من البسر:ما قد تجزّع فأرطب بعضه، و بعضه بسر بعد.

و فلان يسبّح بالنّوى المجزّع،أي الّذي يصيّر على هيئة الجزع من الخرز

و الجزعة من الماء و اللّبن:ما كان أقلّ من نصف السّقاء أو نصف الإناء و الحوض.

و الجزع:نقيض الصّبر،جزع على كذا جزعا،فهو جزع و جازع و جزوع.

و في الحديث:«أتتنا جزيعة من الغنم».(1:216)

ابن شميّل: يقال في الحوض جزعة،و هو الثّلث أو قريب منه،و هي الجزع.و قد جزّع الحوض،إذا لم يبق فيه إلاّ جزعة.و يقال:في الغدير جزعة، و لا يقال:في الرّكيّة جزعة.(الأزهريّ 1:345)

أبو عمرو الشّيبانيّ: [عن الأسعديّ]الجزع:

المشرف من الأرض،إلى جنبه طمأنينة.(1:116)

صبّ لي جزعة من لبن.(1:119)

جزع الوادي:أن يأتيه معترضا،فذاك جزعه،

ص: 445

و أخذت ملك الوادي:وسطه.(1:125)

الجزعة:الشّيء القليل من اللّبن،يحلب من السّخلة،و هو لبن في أطراف الأخلاف،و لا يكون إلاّ باردا.(1:133)

أبو عبيدة :[جزع الوادي]هو إذا قطعته إلى الجانب الآخر،و الجميع:أجزاع.(الأزهريّ 1:343)

أبو زيد :كلأ جزاع،و هو الّذي يقتل الدّوابّ.

و لحم مجزّع:فيه بياض و حمرة.

و نوى مجزّع،إذا كان محكوكا.(الأزهريّ 1:344)

الأصمعيّ: [جزع الوادي]هو منحناه.

(الأزهريّ 1:343)

المجزّع من الرّطب:الّذي بلغ الإرطاب نصفه.

مضت جزعة من اللّيل،أي ساعة من أوّلها و بقيت جزعة من آخرها.(الأزهريّ 1:344)

هو[جزع الوادي]منعرجه بحيث ينعطف.

(الخطّابيّ 1:678)

اللّحيانيّ: بقي من السّقاء جزعة من لبن أو ماء.

بقي من السّقاء جزعة،أي قليل.

(ابن سيده 1:303)

ابن الأعرابيّ: الجزعة،و الكثبة،و الغرقة (1)، و الخطمة:البقيّة من اللّبن.(الأزهريّ 1:345)

[جزع الوادي]هو معظمه.(فصيح ثعلب:56)

ابن السّكّيت: الجزع بفتح الجيم:الخرز اليمانيّ؛ و الجزع بكسر الجيم:جزع الوادي،و هو منعطفه.

(الأزهريّ 1:343)

شمر: المجزّع من الرّطب:الّذي يبلغ الإرطاب نصفه،بفتح الزّاي.(الصّغانيّ 4:230)

أبو حاتم: مجزّعة،إذا أرطبت إلى نصفها،و نحو ذلك.(ابن دريد 2:89)

كراع النّمل:و جزع المفازة جزعا:قطعها.

و الجزع:ضرب من الخرز.(ابن سيده 1:302)

ابن دريد :جزع الرّجل يجزع جزعا من مصيبة أو ألم.

و جزع الرّجل الوادي يجزعه جزعا،إذا قطع جزعه،و هو وسطه و منعطفه و منقطعه،ثلاث لغات.

و الجزع بفتح الجيم:هذا الخرز المعروف الّذي تسمّيه العامّة جزعا.

و ما بقي في الإناء إلاّ جزعة و جزعة و جزيعة،و هو القليل من الماء،و كذلك هو في القربة و الأداوة.

و رطبة مجزّعة.

و انجزع الحبل،إذا انقطع،و قال قوم:إذا انقطع بنصفين قيل:انجزع،و لا يقال إذا انقطع من طرفه:

انجزع.و يقال:انجزعت العصا،إذا انكسرت بنصفين.

و الجزع:المحور الّذي يدور فيه المحالة،لغة يمانيّة.

و الجزع:هذا الصّبغ الأصفر الّذي يسمّى الهرد، و هو العروق في بعض اللّغات.

و الجازعة:الخشبة الّتي يعرش عليها الكرم.

(2:89)

القاليّ: و جزع الوادي:منعطفه،و كذلك صوحه و منحناه و منثناه.(2:321)

الأزهريّ: [نقل قول شمر ثمّ قال:]ة.

ص: 446


1- في اللّسان:الغرفة.

قلت:و سماعيّ من الهجريّين:رطب مجزّع،بكسر الزّاي،كما رواه المسعريّ عن أبي عبيد؛يقال:جزّع، فهو مجزّع.

و يقال:في القربة جزعة من الماء،و في الوطب جزعة من اللّبن،إذا كان فيه شيء قليل.(1:343)

و قال غيره[أبو عبيدة]: الجزع أيضا:قطعك واديا أو مفازة أو موضعا تقطعه عرضا؛و ناحيتاه:جزعاه.[ثمّ استشهد بشعر]

تجزّع السّهم،إذا تكسّر.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:344)

و يقال:في الغدير جزعة،و لا يقال:في الرّكيّة جزعة.(1:345)

الصّاحب: الجزع:الخرز،و الواحدة:جزعة.

و قطعك الجلد و المفازة عرضا.

و الجزع:جانب الوادي،و قيل:لا يسمّى جزعا حتّى تكون له سعة تنبت الشّجر.و كلّ أرض مستوية في طريقة واحدة.

و جزع القوم:محلّتهم.

و يقال:جزعت له من مالي جزعة،أي قطعت قطعة،و كذلك:مضى جزعة من اللّيل،و له جزعة من الغنم.

و اجتزعت عودا من الشّجر:اكتسرت.

و كلّ خشبة معروضة بين شيئين ليحمل عليها شيء:جازع،و خشبة جازعة.

و جزّعت في القربة جزعة:قاربت الملء.

و جزّع الإناء و الحوض:لم يبق فيهما إلاّ جزعة.

و أجزعت جزعة:أبقيت بقيّة،و قيل:ما هي دون النّصف.

و جمع الجزعة:جزاع.

و الأجزاع:خلايا النّحل،الواحد:جزع.

و جزعة السّكّين:جزأته.

و كلأ جزاع:يقتل الدّوابّ.

و التّجزيع:التّفريق.

و المجزّع من البسر:ما أرطب بعضه و بعضه بسر بعد؛ و من الدّوابّ:ما فيه كلّ لون.

و تجزّع الرّجل:تكسّر،و يقال:جزع جزعا و جزوعا.(1:243)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«و تفرّق النّاس إلى غنيمة فتجزّعوها».تجزّعوها،أي توزّعوها و اقتسموها،و أصله من:جزعت الشّيء،إذا قطعته، و الجزعة:القطعة من الشّيء.(1:435)

نحوه الزّمخشريّ.(الفائق 3:382)

في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في مسيره إلى بدر:«أنّه مضى حتّى قطع الخيوف،و جعلها يسارا،ثمّ جزع الصّفيراء،ثمّ صبّ في دقران حتّى أفتق من الصّدمتين».

و جزع الصّفيراء،أي قطعها عرضا.و لا يكون الجزع بمعنى القطع إلاّ عرضا،و منه جزع الوادي.(1:678)

الجوهريّ: الجزع:مصدر جزعت الوادي،إذا قطعته عرضا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجزع أيضا:الخرز اليمانيّ،و هو الّذي فيه بياض و سواد،تشبّه به الأعين.

و الجزع بالكسر:منعطف الوادي.

ص: 447

و الجزعة أيضا:القليل من المال و الماء،و طائفة من اللّيل،يقال:جزع له جزعة من المال،أي قطع له منه قطعة.

و اجتزعت من الشّجرة عودا:اقتطعته و اكتسرته.

و الجزع،بالتّحريك:نقيض الصّبر،و قد جزع من الشّيء بالكسر،و أجزعه غيره.

و الجازع:الخشبة الّتي توضع في العريش عرضا، يطرح عليها قضبان الكرم لترفعها عن الأرض؛ و لم يعرفه أبو سعيد.

و الجزيعة:القطعة من الغنم.

و جزّع البسر تجزيعا،فهو مجزّع،و بسرة مجزّعة،إذا بلغ الإرطاب ثلثيها.(3:1195)

ابن فارس: الجيم و الزّاء و العين أصلان:أحدهما:

الانقطاع،و الآخر:جوهر من الجواهر.

فأمّا الأوّل:فيقولون:جزعت الرّملة،إذا قطعتها، و منه:جزع الوادي،و هو الموضع الّذي يقطعه من أحد جانبيه إلى الجانب.و يقال:هو منعطفه،فإن كان كذا فلأنّه انقطع عن الاستواء فانعرج.

و الجزع:نقيض الصّبر،و هو انقطاع المنّة عن حمل ما نزل.

و الجزعة:هي القليل من الماء،و هو قياس الباب.

و أمّا الآخر:فالجزع،و هو الخرز المعروف.و يقال:

بسرة مجزّعة،إذا بلغ الإرطاب نصفها،و تشبه حينئذ الجزع.(1:453)

الهرويّ: و في الحديث:«أنّه وقف على محسّر فقرع راحلته فخبّت،حتّى جزعه»أي قطعه.

يقال:جزعت الوادي،إذا قطعته،و جزع الوادي:

منقطعه و منعطفه.

و في الحديث:«فتفرّق النّاس إلى غنيمة فتجزّعوها» أي اقتسموها،و أصله من الجزع،و هو القطع.

و في حديث عائشة رضي اللّه عنها:«فإذا عقد لي من جزع ظفار قد انقطع»الجزع:خرز معروف،و ظفار:

موضع نسب إليه هذا الخرز.(1:357)

أبو سهل الهرويّ: و جزع الوادي بالكسر:جانبه حيث ينقطع،و يقال:ما انثنى منه،انعطف و انحنى،لأنّه انقطع عن ممرّه المستقيم فخالفه.و قال ابن الأعرابيّ:

هو معظمه،يعني ما اتّسع منه.

و الجزع بالفتح:الخرز اليمانيّ المجزّع بالألوان المختلفة،أي المقطّع بها.(فصيح ثعلب:55)

ابن سيده: الجزع:نقيض الصّبر؛جزع جزعا، فهو جازع،و جزع،و جزع،و جزوع، و جزاع...و أجزعه الأمر.[ثمّ استشهد بشعر]

و جزع الموضع يجزعه جزعا:قطعه عرضا.[ثمّ استشهد بشعر]

و جزع الوادي:حيث تجزعه،أي تقطعه.و قيل:

هو منقطعه،و قيل:جانبه و منعطفه،و قيل:هو كلّ ما اتّسع من مضايقه،أنبت أو لم ينبت.و قيل:لا يسمّى جزعا حتّى تكون له سعة،تنبت الشّجر و غيره.[ثمّ استشهد بشعر]

و جزع القوم:محلّتهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و جزعة الوادي:مكان يستدير و يتّسع،و يكون فيه شجر يراح فيه المال من القرّ،و يحبس فيه إذا كان

ص: 448

جائعا،أو صادرا،أو مخدرا؛و المخدر:الّذي تحت المطر.

و انجزع الحبل:انقطع بنصفين،و قيل:هو أن ينقطع أيّا كان،إلاّ أن ينقطع من الطّرف.و انجزعت العصا:

انكسرت بنصفين.

و تمر مجزّع،و مجزّع،و متجزّع:بلغ الإرطاب نصفه، و قيل:بلغ الإرطاب من أسفله إلى نصفه،و قيل:بلغ بعضه من غير أن يحدّ،و كذلك الرّطب.

و وتر مجزّع:مختلف الوضع،بعضه رقيق و بعضه غليظ.

و الجزع و الجزع،الأخيرة عن كراع:ضرب من الخرز،و قيل:الخرز اليمانيّ.[ثمّ استشهد بشعر]

واحدته:جزعة.

و الجزع:المحور الّذي تدور فيه المحالة؛يمانيّة.

و الجازع:خشبة معروضة بين شيئين يحمل عليها، و قيل:هي الّتي توضع بين خشبتين منصوبتين عرضا، لتوضع عليها سروع الكرم و عروشها،لترفعها عن الأرض؛فإن وصفت قيل:جازعة.

و الجزعة من الماء و اللّبن:ما كان أقلّ من نصف السّقاء و الإناء و الحوض.و قال اللّحيانيّ مرّة:بقي في السّقاء جزعة من لبن أو ماء،لم يزد على ذلك.و قال أخرى:بقي في السّقاء جزعة،أي قليل.

و جزّعت في القربة:جعلت فيها جزعة.

و الجزعة:القطعة من اللّيل،ماضية أو آتية.

و الجزيعة:القطيعة من الغنم.

و الجزع:الصّبغ الأحمر،الّذي يسمّى العروق،في بعض اللّغات.(1:301)

جزع،يجزع،جزعا:ضعفت منّته عن احتمال ما نزل به،و لم يجد صبرا،فهو جازع و جزع و جزوع؛و أجزعه غيره.(الإفصاح 1:170)

الجزع:الخرز اليمانيّ،فيه سواد و بياض تشبّه به الأعين.

و قيل:هو ضرب من العقيق يعرف بخطوط متوازية مستديرة مختلفة الألوان.و الحجر في جملته بلون الظّفر.

الواحدة:جزعة.و كلّ ما فيه سواد و بياض فهو مجزّع.

(الإفصاح 1:350)

الرّاغب: الجزع أبلغ من الحزن،فإنّ الحزن عامّ، و الجزع هو حزن يصرف الإنسان عمّا هو بصدده و يقطعه عنه.

و أصل الجزع:قطع الحبل من نصفه،يقال:جزعته فانجزع.و لتصوّر الانقطاع منه قيل:جزع الوادي:

لمنقطعه؛و لانقطاع اللّون بتغيّره قيل للخرز المتلوّن:

جزع.

و عنه استعير قولهم:لحم مجزّع،إذا كان ذا لونين، و قيل للبسرة إذا بلغ الإرطاب نصفها:مجزّعة.

و الجازع:خشبة تجعل في وسط البيت،فتلقى عليها رءوس الخشب من الجانبين.و كأنّما سمّي بذلك إمّا لتصوّر الجزعة لما حمل من العبء،و إمّا لقطعه بطوله وسط البيت.(92)

الزّمخشريّ: جزع الوادي:قطعه عرضا.[ثمّ استشهد بشعر]

و هم بجزع الوادي،و هو منقطعه،و نزلوا بين أجراع و أجزاع،و تجزّع الشّيء:تقطّع و تفرّق.[ثمّ استشهد

ص: 449

بشعر]

و منه الجزع الظّفاريّ،لأنّ لونه قد تجزّع إلى بياض و سواد.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:فلان ينظم الجزع باللّيل لحدّة بصره.

و ما لي من اللّحم إلاّ مزعه،و من الماء إلاّ جزعه، و هي أقلّ من نصف السّقاء.

و جزّع البسر،و جزّع،و بسر مجزّع و مجزّع:قد أرطب بعضه و بعضه غضّ،أي صار كالجزع في اختلاف لونه أو صيّر.

و في الحديث:«كان يسبّح بالنّوى المجزّع»و هو الّذي حكّك حتّى صار ذا لونين،و منه لحم مجزّع:فيه بياض و حمرة،و دابّة مجزّع:فيها اختلاف ألوان،و وتر مجزّع:

لم يحسنوا إغارته فاختلفت قواه.

و جزع فلان أيّ ساعة مجزع.

و من المجاز:مضت صبّة من اللّيل و جزعة،و هي ساعة من أوّله.(أساس البلاغة:58)

أبو هريرة كان يسبّح بالنّوى المجزّع،و روي بالكسر،قيل:هو الّذي حكّ بعضه حتّى ابيضّ،و ترك الباقي على لونه،فصار على لون الجزع.و كلّ ما اجتمع فيه سواد و بياض فهو مجزّع،و منه:جزّع البسر،إذا أرطب إلى نصفه.(الفائق 1:211)

الطّبرسيّ: و الجزع:انزعاج النّفس بورود ما يغمّ، و نقيضه الصّبر.[ثمّ استشهد بشعر](3:309)

المدينيّ: في حديث عائشة،رضي اللّه عنها:

«انقطع عقد لها من جزع ظفار».الجزع:الخرز، الواحدة:جزعة.و ظفار مبنيّا:جبل باليمن،ينسب الجزع إليه.

و قيل:هي خرز ملوّن؛و الجزع بكسر الجيم فيه:

لغيّة.و في كتاب«النّوادر»لأبي عمر:جزعة،بالفتح.

في حديث المقداد،رضي اللّه عنه:«أتاني الشّيطان فقال:إنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم،يأتي الأنصار فيتحفونه،ما به حاجة إلى هذه الجزيعة».

هي تصغير«جزعة»و هي القليل من اللّبن،و جزّع الإناء تجزيعا،إذا لم يكن فيه إلاّ جزعة؛و ذلك أقلّ من نصفه.و أجزعت جزعة:أبقيت بقيّة.(1:326)

ابن الأثير: [و في الحديث]:«ثمّ انكفأ إلى كبشين أملحين فذبحهما،و إلى جزيعة من الغنم فقسّمها بيننا».

الجزيعة:القطعة من الغنم،تصغير«جزعة» بالكسر،و هو القليل من الشّيء.يقال:جزع له جزعة من المال،أي قطع له منه قطعة،هكذا ضبطه الجوهريّ مصغّرا.

و الّذي جاء في«المجمل»لابن فارس بفتح الجيم و كسر الزّاي،قال:هي القطعة من الغنم،كأنّها«فعيلة» بمعنى«مفعولة»،و ما سمعناها في الحديث إلاّ مصغّرة.[ثمّ ذكر حديث المقداد و قال:]

هي تصغير«جزعة»يريد القليل من اللّبن.هكذا ذكره أبو موسى و شرحه،و الّذي جاء في صحيح مسلم:

«ما به حاجة إلى هذه الجزعة»غير مصغّرة،و أكثر ما يقرأ في كتاب مسلم:«الجرعة»بضمّ الجيم و بالرّاء،و هي الدّفعة من الشّرب.

و في حديث عمر رضي اللّه عنه:«لمّا طعن جعل ابن عبّاس يجزعه»أي يقول له ما يسليه و يزيل جزعه،

ص: 450

و هو الحزن و الخوف.(1:269)

الصّغانيّ: أجزعت جزعة:أبقيت بقيّة،و قيل:

هي ما دون النّصف.

و الأجزاع:خلايا النّحل،الواحدة:جزع.

و جزعة السّكّين:جزأته.(4:230)

الفيّوميّ: جزعت الوادي جزعا من باب«نفع»:

قطعته إلى الجانب الآخر.

و الجزع بالكسر:منعطف الوادي،و قيل:جانبه، و قيل:لا يسمّى جزعا حتّى يكون له سعة تنبت الشّجر و غيره؛و الجمع:أجزاع،مثل حمل و أحمال.

و الجزع بالفتح:خرز فيه بياض و سواد،الواحدة:

جزعة،مثل تمر و تمرة.

و جزع،جزعا من باب«تعب»فهو جزع و جزوع مبالغة،إذا ضعفت منّته عن حمل ما نزل به و لم يجد صبرا، و أجزعه غيره.(1:99)

الفيروزآباديّ: جزع الأرض و الوادي كمنع:

قطعه أو عرضا.

و الجزع و يكسر:الخرز اليمانيّ الصّينيّ،فيه سواد و بياض تشبّه به الأعين،و التّختّم به يورث الهمّ و الحزن و الأحلام المفزعة و مخاصمة النّاس،و إن لفّ به شعر معسر ولدت من ساعتها.

و بالكسر،و قال أبو عبيدة:اللاّئق به أن يكون مفتوحا:منعطف الوادي و وسطه أو منقطعه أو منحناه، و لا يسمّى جزعا حتّى تكون له سعة تنبت الشّجر،أو هو مكان بالوادي لا شجر فيه؛و ربّما كان رملا،و محلّة القوم، و المشرف من الأرض،إلى جنبه طمأنينة،و خليّة النّحل؛الجمع:أجزاع،و قرية عن يمين الطّائف و أخرى عن شمالها.

و بالضّمّ:المحور الّذي تدور فيه المحالة (1)و يفتح، و صبغ أصفر يسمّى الهرد،و العروق.

و الجازع:الخشبة توضع في العريش عرضا يطرح عليه قضبان الكرم،و كلّ خشبة معروضة بين شيئين ليحمل عليها شيء.

و الجزعة بالكسر:القليل من المال و من الماء و يضمّ،و القطعة من الغنم،و طائفة من اللّيل ما دون النّصف من أوّله أو من آخره،و مجتمع الشّجر،و الخرزة و يفتح.

و الجزع محرّكة:نقيض الصّبر،و قد جزع كفرح جزعا و جزوعا فهو جازع و جزع ككتف و رجل و صبور و غراب؛و أجزعه غيره.

و أجزع جزعة بالكسر و بالضّمّ:أبقى بقيّة.

و جزعة السّكّين بالضّمّ:جزأته.

و جزّع البسر تجزيعا فهو مجزّع كمعظّم و محدّث:

أرطب إلى نصفه،و رطبة مجزّعة.و فلانا:أزال جزعه، و الحوض فهو مجزّع كمحدّث:لم يبق فيه إلاّ جزعة.

و نوى مجزّع و يكسر:حكّ بعضه حتّى ابيضّ، و ترك الباقي على لونه،و كلّ ما فيه سواد و بياض فهو مجزّع و مجزّع.

و انجزع الحبل:انقطع أو بنصفين،و العصا:

انكسرت كتجزّعت،و اجتزعه:كسره و قطعه.

و الهجزع كدرهم:الجبان«هفعل»من الجزع.(3:13)ب.

ص: 451


1- الدّولاب.

الطّريحيّ: في الحديث:«تختّموا بالجزع اليمانيّ» هو بالفتح فالسّكون:الخرز الّذي فيه سواد و بياض تشبّه به الأعين،الواحدة:جزعة،مثل تمر و تمرة.

و الجزع بالتّحريك:نقيض الصّبر،يقال:جزع الرّجل جزعا،من باب«تعب»فهو جزع،و جزوع مبالغة،و أجزعه غيره.(4:311)

الزّبيديّ: و ممّا يستدرك عليه[الفيروزآباديّ] التّجزّع:التّوزّع و الاقتسام من«الجزع»و هو القطع، و منه حديث الضّحيّة:«فتفرّق النّاس عنه إلى غنيمة فتجزّعوها»أي اقتسموها.

و تمر متجزّع:بلغ الإرطاب نصفه،و لحم مجزّع:فيه بياض و حمرة،و وتر مجزّع:مختلف الوضع،بعضه رقيق و بعضه غليظ،كما في«اللّسان».(5:302)

مجمع اللّغة :الجزع:نقيض الصّبر،و هو ضعف النّفس عن احتمال ما ينزل بها من مكروه.

جزع يجزع جزعا،و صيغة المبالغة منه:جزوع.

(1:191)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة،هو القطع المخصوص،أي قطع ما كان له امتداد تحقيقا أو تقديرا،فتقطّع امتداده عرضا و من وسطه،و بهذه الخصوصيّة تمتاز عن موادّ:جدع،جذّ،جذم،جزّ، جزم؛و بينها اشتقاق أكبر،و لكلّ منها خصوصيّة ليست لأخرى.

فالجزع:ضدّ الصّبر هو قطع امتداد السّكون،و حالة الطّمأنينة و الصّبر،حتّى يظهر منه ما يخالف السّكون، و ينقطع حاله الممتدّ تقديرا.

و جزع الوادي أو المفازة،أو موضع ممتدّ:من هذا المعنى.

و أمّا الخرز المعروف،فهو الحجر المركّب من طبقات حمراء لا مستشف لها و بيضاء،ثمّ طبقة بلّوريّة تستشفّ و تبيّن ما وراءها،و ليس في الأحجار أصلب منه.

و الحبشيّ منه طبقته العليا سوداء،فهو إن لم يؤخذ من لغة أخرى عجميّة:فلعلّه بمناسبة انقطاع حالة الطّبقات كيفيّة و لونا.

و يؤيّد هذا الأصل:أنّ هذا المادّة في العبريّة أيضا قريبة منه.

قع«قاموس العبريّ العربيّ»-(جازع)-قطع، قصّ،شذّب.

و الفرق بين الجزع و الحزن:أنّ التّأثّر و الاضطراب في الحزن،يكون في الباطن،و هو لا ينافي الصّبر ظاهرا، بخلاف الجزع.

سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا إبراهيم:21، فيستفاد أنّه في مقابل الصّبر.

إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً المعارج:20،فيستفاد أنّه يتحقّق عند مسّ الشّرّ،و ما لا يلائم نفسه،فيقطع امتداد جريان طمأنينته و ثباته و صبره،و يظهر من نفسه الجزع.فالجزع:ما يقطع به الثّبات و الصّبر.

و أمّا التّعبير بهذه المادّة في الآيتين الكريمتين، فللإشارة إلى أنّ الإنسان الجزع يظلم نفسه و يقطع امتداد طمأنينته و جريان أمره،مع أنّ وظيفته الصّبر و الثّبات و الاستقامة،حتّى يظفر بمقصوده.(2:84)

ص: 452

النّصوص التّفسيريّة

اجزعنا

سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا. إبراهيم:21

ابن عبّاس: (أَ جَزِعْنا) :أ صحنا و تضرّعنا.(213)

ابن زيد :إنّ أهل النّار قال بعضهم لبعض:تعالوا، فإنّما أدرك أهل الجنّة الجنّة ببكائهم و تضرّعهم إلى اللّه، فتعالوا نبكي و نتضرّع إلى اللّه.قال:فبكوا،فلمّا رأوا ذلك لا ينفعهم،قالوا:تعالوا،فما أدرك أهل الجنّة الجنّة إلاّ بالصّبر،تعالوا نصبر فصبروا صبرا لم ير مثله، فلم ينفعهم ذلك،فعند ذلك قالوا: سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا. (الطّبريّ 13:199)

ابن كعب القرظيّ: إنّ أهل النّار قال بعضهم لبعض:يا هؤلاء،إنّه قد نزل بكم من العذاب و البلاء ما قد ترون،فهلمّ فلنصبر،فلعلّ الصّبر ينفعنا،كما صبر أهل الدّنيا على طاعة اللّه،فنفعهم الصّبر إذ صبروا، فيجمعون رأيهم على الصّبر،فصبروا،فطال صبرهم، ثمّ جزعوا فنادوا: سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا.

(الطّبريّ 13:199)

مقاتل: يقولون في النّار:تعالوا نجزع،فيجزعون خمسمائة عام فلا ينفعهم الجزع،ثمّ يقولون:تعالوا نصبر فيصبرون خمسمائة عام فلا ينفعهم الصّبر،فحينئذ يقولون: سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا.

(البغويّ 3:35)

زيد بن أسلم: جزعوا مائة سنة و صبروا مائة سنة.

(ابن الجوزيّ 4:356)

الطّوسيّ: أي الجزع و الصّبر سيّان مثلان،ليس لنا من محيص،أي مهرب من عذاب اللّه تعالى.[إلى أن قال:]

و الجزع:انزعاج النّفس بورود ما يغمّ،و نقيضه الصّبر.(6:288)

الزّمخشريّ: يقولون:ما هذا الجزع و التّوبيخ؟ و لا فائدة في الجزع كما لا فائدة في الصّبر،و الأمر من ذلك أطمّ.أو لمّا قالوا:لو هدانا اللّه طريق النّجاة لأغنينا عنكم و أنجيناكم،أتبعوه الإقناط من النّجاة،فقالوا: ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ أي منجى و مهرب،جزعنا أم صبرنا.

و يجوز أن يكون من كلام الضّعفاء و المستكبرين جميعا،كأنّه قيل:قالوا جميعا:سواء علينا،كقوله:

ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ يوسف:52.(2:373)

نحوه أبو السّعود.(3:481)

ابن عطيّة: و قوله: (أَ جَزِعْنا) ألف التّسوية، و ليست بألف استفهام.[و نقل قول ابن زيد و محمّد بن كعب ثمّ قال:]

و ظاهر الآية أنّهم إنّما يقولونها في موقف العرض، وقت البروز بين يدي اللّه تعالى.(3:232)

الطّبرسيّ: يعني أنّ الصّبر و الجزع سيّان مثلان، ليس لنا محيص و لا مهرب من عذاب اللّه،أي انقطعت حيلتنا و يئسنا من النّجاة.حثّ اللّه سبحانه في هذه الآية على النّظر،و حذّر من التّقليد.و إلى هذا أشار أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام في قوله للحارث الهمدانيّ:يا حار «الحقّ لا يعرف بالرّجال اعرف الحقّ تعرف أهله».

(3:310)

ص: 453

الفخر الرّازيّ: ثمّ حكى اللّه تعالى أنّ الضّعفاء يقولون للرّؤساء:هل تقدرون على دفع عذاب اللّه عنّا؟ و المعنى أنّه إنّما اتّبعناكم لهذا اليوم،ثمّ إنّ الرّؤساء يعترفون بالخزي و الذّلّ و العجز،قالوا: سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ عذاب اللّه مِنْ مَحِيصٍ.

و من المعلوم أنّ اعتراف الرّؤساء و السّادة و المتبوعين بمثل هذا العجز و الخزي و النّكال،يوجب الخجالة العظيمة و الخزي الكامل التّامّ،فكان المقصود من ذكر هذه الآية:استيلاء عذاب الفضيحة و الخجالة و الخزي عليهم،مع ما تقدّم ذكره من سائر وجوه أنواع العذاب و العقاب،نعوذ باللّه منها،و اللّه أعلم.(19:108)

البيضاويّ: مستويان علينا:الجزع و الصّبر.

(1:529)

نحوه النّسفيّ(2:259)،و شبّر(3:356).

النّيسابوريّ: أرادوا إقناطهم من دفع العذاب بالكلّيّة،أو أرادوا أنّ عذاب الضّعفاء لهم و توبيخهم إيّاهم نوع من الجزع،و لا فائدة فيه و لا في الصّبر.

(13:121)

الخازن :يعني مستويان علينا الجزع و الصّبر، و الجزع:أبلغ من الحزن،لأنّه يصرف الإنسان عمّا هو بصدده،و يقطعه عنه.(4:32)

مثله الشّربينيّ.(2:177)

أبو حيّان :الجزع:عدم احتمال الشّدّة،و هو نقيض الصّبر.[ثمّ استشهد بشعر](5:414)

و الظّاهر أنّ قوله: سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا إلى آخره،داخل تحت قول المستكبرين،و جاءت جملة بلا واو عطف،كأنّ كلّ جملة أنشئت مستقلّة غير معطوفة،و إن كانت مرتبطا بعضها ببعض من جهة المعنى،لأنّ سؤالهم هل أنتم مغنون عنّا؟إنّما كان لجزعهم ممّا هم فيه فقالوا لهم ذلك،سوّوا بينهم و بينهم في ذلك، لاجتماعهم في عقاب الضّلالة الّتي كانوا مجتمعين فيها، يقولون:ما هذا الجزع و التّوبيخ؟و لا فائدة في الجزع كما لا فائدة في الصّبر،و لمّا قالوا: لَوْ هَدانَا اللّهُ أتبعوا ذلك بالإقناط من النّجاة،فقالوا: ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ أي منجى و مهرب جزعنا أم صبرنا.(5:417)

البروسويّ: في طلب النّجاة من ورطة الهلاك و العذاب،و الجزع:عدم الصّبر على البلاء.(4:411)

الآلوسيّ: و الجزع:حزن يصرف عمّا يراد،فهو حزن شديد.و في«البحر»هو عدم احتمال الشّدّة،فهو نقيض الصّبر.

و إنّما أسندوا كلاّ من الجزع و الصّبر و استوائهما إلى ضمير المتكلّم المنتظم للمخاطبين أيضا،مبالغة في النّهي عن التّوبيخ،بإعلامهم أنّهم شركاء لهم فيما ابتلوا به، و تسلية لهم.

و جوّز أن يكون هذا من كلام الفريقين،فهو مردود إلى ما سيق له الكلام و هم الفريقان،و لا نظر إلى القرب، كما قيل في قوله تعالى: ذلِكَ لِيَعْلَمَ أَنِّي لَمْ أَخُنْهُ بِالْغَيْبِ يوسف:52،و أيّد ذلك بما أخرجه ابن أبي حاتم و الطّبرانيّ.[ثمّ نقل قول ابن كعب المتقدّم و أضاف:]

و إلى كون هذه المحاورة بين الضّعفاء و المستكبرين في النّار،ذهب بعضهم ميلا لظواهر الأخبار.(13:207)

مغنيّة:و قد سأل التّابعون متبوعيهم أن يخفّفوا

ص: 454

عنهم يسيرا من العذاب،فأجابهم المتبوعون:لو استطعنا دفع العذاب لدفعناه عن أنفسنا.هذا هو المعنى المراد من الهداية هنا،و لا يستقيم إلاّ به سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ حيث انتهى كلّ شيء، و لا يجدي جدال أو عتاب،لأنّ الدّار دار حساب و عقاب،لا دار أقوال و أفعال.(4:437)

حسنين محمّد مخلوف: الجزع:حزن يصرف الإنسان عمّا هو بصدده،يقال:جزع يجزع جزعا و جزوعا،إذا ضعف عن حمل ما نزل به،و لم يجد صبرا.

(412)

عبد الكريم الخطيب :و يمكن أن يكون هذا من كلام الّذين استكبروا،كما يمكن أن يكون من كلام الّذين استضعفوا،تعقيبا على هذا اليأس الّذي جاءهم من جواب المستكبرين لهم،كما يمكن كذلك أن يكون صوتا مردّدا من هؤلاء و أولئك جميعا.فإنّ المتكبّرين و المستضعفين قد أصبحوا في قبضة العذاب،و لن يفلتوا أبدا،سواء أ جزعوا من هذا العذاب،أم صبروا له، و هيهات الصّبر على هذا البلاء المبين.(7:167)

جزوعا

إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَ إِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً. المعارج:19-21

ابن عبّاس: جازعا لا يصبر.(485)

الطّبريّ: يقول:إذا قلّ ماله و ناله الفقر و العدم، فهو جزوع من ذلك،لا صبر له عليه.(29:79)

ابن كيسان :خلق اللّه الإنسان يحبّ ما يسرّه و يهرب ممّا يكره،ثمّ تعبّده بإنفاق ما يحبّ،و الصّبر على ما يكره.(البغويّ 5:153)

الطّوسيّ: الجزع:ظهور الفزع بحال تنبئ عنه.

(10:121)

البغويّ: يعني إذا أصابه الفقر لم يصبر،و إذا أصابه المال لم ينفق.(5:153)

مثله الخازن(7:126)،نحوه الطّبرسيّ(10:356).

الزّمخشريّ: و المعنى أنّ الإنسان لإيثاره الجزع و المنع و تمكّنهما منه و رسوخهما فيه،كأنّه مجبول عليهما مطبوع،و كأنّه أمر خلقيّ و ضروريّ غير اختياريّ، كقوله تعالى: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ الأنبياء:37.

و الدّليل عليه أنّه حين كان في البطن و المهد،لم يكن به هلع،و لأنّه ذمّ و اللّه لا يذمّ فعله،و الدّليل عليه استثناء المؤمنين الّذين جاهدوا أنفسهم و حملوها على المكاره و ظلفوها عن الشّهوات،حتّى لم يكونوا جازعين و لا مانعين.و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«شرّ ما أعطى ابن آدم شحّ هالع و جبن خالع».(4:158)

ابو الفتوح :إذا أصابه السّوء جزع.(19:399)

ابن الجوزيّ: لا يصبر و لا يحتسب.(8:363)

الفخر الرّازيّ: المراد من الشّرّ و الخير:الفقر و الغنى، أو المرض و الصّحّة،فالمعنى أنّه إذا صار فقيرا أو مريضا أخذ في الجزع و الشّكاية،و إذا صار غنيّا أو صحيحا أخذ في منع المعروف و شحّ بماله،و لم يلتفت إلى النّاس.

فإن قيل:حاصل هذا الكلام أنّه نفور عن المضارّ طالب للرّاحة،و هذا هو اللاّئق بالعقل،فلم ذمّه اللّه عليه؟

قلنا:إنّما ذمّه عليه لأنّه قاصر النّظر على الأحوال

ص: 455

الجسمانيّة العاجلة،و كان من الواجب عليه أن يكون مشغولا بأحوال الآخرة.فإذا وقع في مرض أو فقر، و علم أنّه فعل اللّه تعالى كان راضيا به،لعلمه أنّ اللّه يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد،و إذا وجد المال و الصّحّة، صرفهما إلى طلب السّعادات الأخرويّة.(30:129)

القرطبيّ: (جزوعا)و(منوعا)نعتان ل«هلوع»، على أن ينوى بهما التّقديم قبل(اذا).و قيل:هو خبر كان مضمرة.(18:290)

البيضاويّ: إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً شديد الحرص قليل الصّبر، إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ الضّرّ جَزُوعاً يكثر الجزع، وَ إِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ السّعة مَنُوعاً يبالغ بالإمساك.و الأوصاف الثّلاثة أحوال مقدّرة أو محقّقة،لأنّها طبائع جبل الإنسان عليها.

(و اذا)الأولى ظرف ل(جزوعا)و الأخرى ل(منوعا).

(2:504)

النّيسابوريّ: قال أهل السّنّة:الحالة النّفسانيّة الّتي هي مصدر الأفعال الاختياريّة كالجزع و المنع، لا شكّ أنّها بخلق اللّه تعالى،بل الجزع و المنع أيضا من خلقه،و لا اعتراض لأحد عليه.خلق بعض النّاس هلوعا،و خلق المستثنين منهم غير هلوع،بل مشغولي القلب بأحوال الآخرة،و كلّ ذلك تصرّف منه في ملكه.

و قالت المعتزلة:ليس المراد أنّه مخلوق على هذا الوصف،لأنّه تعالى ذكره في معرض الذّمّ و اللّه تعالى لا يذمّ فعله،و لأنّه تعالى استثنى منهم جماعة جاهدوا أنفسهم و ظلفوها عن الشّهوات،و لو كانت ضروريّة لم يقدروا على تركها.

و الجواب:أنّ الّذين خلقهم كذلك لم يقدروا على التّرك،و الّذين تركوها هم الّذين خلقوا على هذا الوصف.(29:50)

ابن كثير :أي إذا مسّه الضّرّ فزع و جزع،و انخلع قلبه من شدّة الرّعب،و أيس أن يحصل له بعد ذلك خير.

(7:116)

الشّربينيّ: أي عظيم الجزع،و هو ضدّ الصّبر؛ بحيث يكاد صاحبه ينقدّ نصفين و يتفتّت.(4:384)

أبو السّعود :أي مبالغا في الجزع مكثرا منه.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن البيضاويّ](6:302)

نحوه القاسميّ.(16:5928)

البروسويّ: مبالغة في الجزع مكثرا منه لجهله بالقدر،و هو ضدّ الصّبر.[إلى أن قال:]

و الأوصاف الثّلاثة هي(هلوعا و جزوعا و منوعا) أحوال مقدّرة،لأنّ المراد بها ما يتعلّق به الذّمّ و العقاب، و هو ما يدخل تحت التّكليف و الاختيار،و ذلك بعد البلوغ،أو محقّقة لأنّها طبائع جبل الإنسان عليها.

(10:162)

الآلوسيّ: أي مبالغا في الجزع مكثرا منه.[إلى أن قال:]

و(اذا)الأولى ظرف ل(جزوعا)و الثّانية ظرف ل(منوعا)و الوصفان-على ما اختاره بعض الأجلّة- صفتان كاشفتان ل(هلوعا)الواقع حالا،كما هو الأنسب بما سمعت عن ابن عبّاس و غيره.

و قال غير واحد:الأوصاف الثّلاثة أحوال،فقيل:

مقدّرة إن أريد اتّصاف الإنسان بذلك بالفعل،فإنّه في

ص: 456

حال الخلق لم يكن كذلك،و إنّما حصل له ذلك بعد تمام عقله و دخوله تحت التّكليف؛و محقّقه إن أريد اتّصافه بمبدإ هذه الأمور من الأمور الجبلّيّة و الطّبائع الكلّيّة المندرجة فيها تلك الصّفات بالقوّة.و لا مانع عند أهل الحقّ من خلقه تعالى الإنسان و طبعه سبحانه إيّاه على ذلك.

و في زوالها بعد خلاف؛فقيل:إنّها تزول بالمعالجة، و لولاه لم يكن للمنع منها و النّهي عنها فائدة،و هي ليست من لوازم الماهيّة،فاللّه تعالى كما خلقها يزيلها.

و قيل:إنّها لا تزول و إنّما تستر و يمنع المرء عن آثارها الظّاهرة كما قيل،و الطّبع في الإنسان لا يتغيّر،و هذا الخلاف جار في جميع الأمور الطّبيعيّة.

و قال بعضهم:الأمور التّابعة منها لأصل المزاج لا تتغيّر،و التّابعة لعرضه قد تتغيّر.و ذهب الزّمخشريّ إلى أنّ في الكلام استعارة.[ثمّ نقل كلامه و أضاف:]

و تعقّب بأنّه في المهد أهلع و أهلع فيسرع إلى الثّدي و يحرص على الرّضاع،و إن مسّه ألم جزع و بكى،و إن تمسّك بشيء فزوحم عليه،منع بما في قدرته من اضطراب و بكاء،و في البطن لا يعلم حاله.و أيضا الاسم يقع عليه بعد الوضع،فما بعده هو المعتبر،و أنّ الذّمّ من حيث القيام بالعبد كما حقّق في موضعه.(29:62)

المراغيّ: و الجزع:حزن يصرف الإنسان عمّا هو بصدده،و يقطعه عنه.(29:69)

عزّة دروزة :شديد الخوف و الاضطراب.

و في الآيات الثّلاث إشارة إلى ما انطبع عليه الإنسان من أنانيّة و حرص و سرعة تأثّر،فهو سريع التّهيّج ممّا يلمّ به.و هو أنانيّ لا يفكّر إلاّ في نفسه،فإذا أصابه شرّ جزع و اضطرب،و إذا انفرجت أموره و نال خيرا أمسك و بخل.(6:263)

الطّباطبائيّ: [له كلام سيأتي في«ه ل ع»إنشاء اللّه تعالى](20:13)

المصطفويّ: و أمّا التّعبير بهذه المادّة في الآيتين الكريمتين،فللإشارة إلى أنّ الإنسان الجزع يظلم نفسه و يقطع امتداد طمأنينته و جريان أمره،مع أنّ وظيفته الصّبر و الثّبات و الاستقامة حتّى يظفر بمقصوده.

(2:85)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجزع،و هو القطع؛يقال:

جزع الموضع يجزعه جزعا،أي قطعه عرضا،و جزع الوادي:منقطعه،و الجمع:أجزاع،و جزع القوم:محلّتهم و جزعة الوادي:مجتمع الشّجر يراح فيه المال.

و انجزع الحبل:انقطع بنصفين أو أكثر من النّصف أو أقلّ منه إلاّ من الطّرف،و انجزعت العصا:انكسرت بنصفين،و تجزّع السّهم:تكسّر،و اجتزعت من الشّجرة عودا:اقتطعته و اكتسرته.

و الجزعة و الجزعة:القليل من المال و الماء،كأنّه مقطوع منهما،يقال:جزع لي من المال جزعة،أي قطع لي منه قطعة،و الجزيعة:تصغير جزعة،و هي القطيعة من الغنم و القليل من الشّيء.

و الجزعة و الجزعة من الماء و اللّبن:ما كان أقلّ من نصف السّقاء و الإناء و الحوض،يقال:بقي في السّقاء

ص: 457

جزعة من ماء،و في الوطب جزعة و جزعة من لبن،و في الغدير جزعة و جزعة،و هي الجزع و الجزع.و جزّعت في القربة:جعلت فيها جزعة و جزعة،و قد جزّع الحوض:لم يبق فيه إلاّ جزعة.

و تمر مجزّع و مجزّع:بلغ الإرطاب إلى ثلثيه،و كذا بسرة مجزّعة و مجزّعة.و لحم مجزّع و مجزّع:فيه بياض و حمرة،و نوى مجزّع:محكوك،و وتر مجزّع:مختلف الوضع،بعضه رقيق و بعضه غليظ.

و الجازع:خشبة معروضة بين خشبتين منصوبتين، أو بين شيئين يحمل عليها،سمّي بذلك لأنّه يقطع بطوله وسط البيت.

و الجزع و الجزع:ضرب من الخرز،و هو الّذي فيه بياض و سواد،واحدته:جزعة و جزعة.و سمّي بذلك لأنّه مجزّع و مقطّع بألوان مختلفة،أي قطّع سواده ببياضه.

و الجزعة:القطعة من اللّيل ماضية أو آتية،يقال:

مضت جزعة من اللّيل،أي ساعة من أوّلها،و بقيت جزعة من آخرها.

و كلأ جزاع:كلأ يقتل الدّوابّ،كأنّه يقطع أمعاءها،فيقطعها عن الحياة.

و الجزع:خلاف الصّبر،و هو حزن يصرف الإنسان عمّا هو بصدده و يقطعه عنه،يقال:جزع يجزع جزعا، فهو جازع و جزع و جزوع،و إذا كثر منه الجزع فهو جزوع و جزاع،و أجزعه غيره؛و أجزعه أيضا:أزال عنه الجزع.

2-و ينتاب القطع عادة الضّعف و القلق،كما يلحظ ذلك في جميع مشتقّات المادّة تقريبا،إذا اصطبغت بصبغة سلبيّة.و تتضمّن تقاليب هذه الأحرف الثّلاثة عين المعاني المذكورة،فهي ذات ثلاثة تقاليب مستعملة-و منها «ج ز ع»-و ثلاثة مهملة،و التّقليبان الآخران هما:

«ع ج ز»و هو الضّعف،و«ز ع ج»و هو القلق.كما تتّصف جميع الأحرف الثّلاثة بتجانس صوتيّ،فضلا عن التّجانس المعنويّ،فهي مجهورة رخوة،إلاّ«الجيم»فإنّه يتضمّن الشّدّة إضافة إلى الرّخاوة أيضا،و هو ما يطلق عليه في علم الأصوات«المزدوج».

الاستعمال القرآنيّ

جاءت منها كلمتان:فعلا و مصدرا،في آيتين مكّيّتين:

1- وَ بَرَزُوا لِلّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنّا مِنْ عَذابِ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ قالُوا لَوْ هَدانَا اللّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ إبراهيم:21

2- إِنَّ الْإِنْسانَ خُلِقَ هَلُوعاً* إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعاً* وَ إِذا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعاً المعارج:19-21

يلاحظ أوّلا:في(1)بحوث:

1-ذكروا في سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ وجوها:

أوّلها:أنّه من تتمّة قول المستكبرين،فقد جاء في ثلاث جمل بلا عطف بينها،كأنّ كلّ جملة مستقلّة،و هي لَوْ هَدانَا اللّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ و هذا جواب منهم لسؤال الضّعفاء: إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنّا مِنْ عَذابِ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ فيبدو أنّ لَوْ هَدانَا اللّهُ لَهَدَيْناكُمْ جواب عن إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً أي نسلّم أنّكم كنتم لنا تبعا لكن لو كان اللّه هدانا لهديناكم،و لكنّا ضلّلناكم،لأنّ اللّه لم يهدنا-و هذا كذب منهم-.و قوله: سَواءٌ عَلَيْنا... جواب عن قول الضّعفاء فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنّا أي حالنا و حالكم سواء في العذاب و لا محيص لنا عنه،سواء جزعنا أم صبرنا،لو استطعنا دفع العذاب لدفعناه عن أنفسنا قبل دفعه عنكم،و هذا هو الظّاهر من سياق الآية.

ص: 458

أوّلها:أنّه من تتمّة قول المستكبرين،فقد جاء في ثلاث جمل بلا عطف بينها،كأنّ كلّ جملة مستقلّة،و هي لَوْ هَدانَا اللّهُ لَهَدَيْناكُمْ سَواءٌ عَلَيْنا أَ جَزِعْنا أَمْ صَبَرْنا ما لَنا مِنْ مَحِيصٍ و هذا جواب منهم لسؤال الضّعفاء: إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنّا مِنْ عَذابِ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ فيبدو أنّ لَوْ هَدانَا اللّهُ لَهَدَيْناكُمْ جواب عن إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً أي نسلّم أنّكم كنتم لنا تبعا لكن لو كان اللّه هدانا لهديناكم،و لكنّا ضلّلناكم،لأنّ اللّه لم يهدنا-و هذا كذب منهم-.و قوله: سَواءٌ عَلَيْنا... جواب عن قول الضّعفاء فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنّا أي حالنا و حالكم سواء في العذاب و لا محيص لنا عنه،سواء جزعنا أم صبرنا،لو استطعنا دفع العذاب لدفعناه عن أنفسنا قبل دفعه عنكم،و هذا هو الظّاهر من سياق الآية.

ثانيها:أن يكون من كلام الضّعفاء منفصلا عمّا قبله، و هو لَوْ هَدانَا اللّهُ لَهَدَيْناكُمْ فإنّه كلام المستكبرين قولا واحدا.فقالوه تعقيبا على اليأس الّذي جاءهم من جواب المستكبرين،أي إذا كان الحال كما تقولون، فلا محيص لنا من العذاب سواء جزعنا أم صبرنا.

ثالثها:أن يكون صوتا مردّدا بين الفريقين،فإنّهما جميعا في قبضة العذاب و لن يفلتوا منه أبدا.

رابعها:فصلها عن قول الفريقين،و إرجاعها إلى قول بعض أهل النّار لبعضهم،كما روي عن ابن زيد و أبيّ و مقاتل،و هذا لا يماشي سياق الآية،فلاحظ.

2-ظاهر لَوْ هَدانَا اللّهُ لَهَدَيْناكُمْ أنّ اللّه لو هدانا في الدّنيا لهديناكم فيها،لكنّ الشّيخ مغنيّة خصّ الهداية بالآخرة،فقال:«لو استطعنا دفع العذاب لدفعناه عن أنفسنا،هذا هو المراد من الهداية هنا و لا يستقيم إلاّ به» و هو خلاف الظّاهر.

3-قالوا:إنّ الجزع هو الحزن الشّديد،أو انزعاج النّفس بورود ما يغمّها،و نقيضه الصّبر،فجعلوهما أمرين نفسانيّين.

و نقول:الصّبر هكذا،فهو أمر نفسانيّ لا صوت له، أمّا الجزع فله صوت،فالمراد به إظهار الحزن فعلا أو قولا،و يؤيّده قول ابن عبّاس فيها:«أصحنا و تضرّعنا» كما يؤيّده قول الطّوسيّ في(2)«الجزع:ظهور الفزع بحال تنبئ عنه».

ثانيا:في(2)بحوث أيضا:

1-الأوصاف الثّلاثة:(هلوعا،جزوعا،منوعا) صيغ مبالغة،فالهلوع:شديد الحرص،و الجزوع:شديد الجزع،و المنوع:شديد المنع.و يبدو أنّ الجملتين الأخيرتين تفسير للأولى،أي إنّ الإنسان شديد الحرص،و أثر حرصه يختلف في حالتي إصابة الشّرّ و الخير،فهو شديد الجزع عند الشّرّ؛إذ لم يصل إلى ما حرص عليه،و شديد المنع و الإمساك عند الخير احتفاظا بما حرص عليه.

2-و في إعراب الثّلاثة خلاف،قال الطّبرسيّ(5:

355):«إنّها منصوبة على الحال،و التّقدير:خلق هلوعا:

جزوعا إذا مسّه الشّرّ،منوعا إذا مسّه الخير»و ظاهره أنّها جميعا أحوال ثلاثة للضّمير المستتر في(خلق)،و هذا مقبول في(هلوعا).أمّا الأخيرتان فكلّ واحد منهما حال عن جزاء الشّرط المقدّر بعده،أي إذا مسّه الشّرّ مسّه جزوعا،و إذا مسّه الخير مسّه منوعا،و لك أن تقدّر الجزاء«كان جزوعا و كان منوعا».و حينئذ فهما خبران ل(كان).و نظيره وَ إِذا أَنْعَمْنا عَلَى الْإِنْسانِ أَعْرَضَ وَ نَأى بِجانِبِهِ وَ إِذا مَسَّهُ الشَّرُّ كانَ يَؤُساً الإسراء:83.

و قال الآلوسيّ: «و(اذا)الأولى ظرف ل(جزوعا)،

ص: 459

و الثّانية ظرف ل(منوعا)و الوصفان-على ما اختاره بعض الأجلّة-صفتان كاشفتان ل(هلوعا)الواقع حالا...و قال غير واحد:الأوصاف الثّلاثة أحوال...» و الوجهان جاز تطبيقهما على قول الطّبرسيّ،و نظيره قول القرطبيّ:«إنّهما وصفان ل«هلوع»على أن ينوى بهما التّقديم قبل(اذا)،و قيل:هو خبر كان مضمرة».

3-في الآية-كأمثالها-كلام بين الأشاعرة و المعتزلة، لأنّ ظاهرها الجبر،فالتزم به الأشاعرة المعبّر عنهم بأهل السّنّة،و أوّلها المعتزلة،كما صرّح به النّيسابوريّ و غيره.

و قال الزّمخشريّ،و هو ناطق المعتزلة في هذه المباحث:

«و المعنى أنّ الإنسان لإيثاره الجزع و المنع و تمكّنهما منه و رسوخهما فيه،كأنّه مجبول عليهما مطبوع،و كأنّه أمر خلقيّ و ضروريّ غير اختياريّ،كقوله: خُلِقَ الْإِنْسانُ مِنْ عَجَلٍ الأنبياء:37».

و عليه فأمثال هذه الآيات استعارة و مبالغة في ذمّ الإنسان لاتّباع شهواته،كأنّها طبيعة جبل عليها.

و ليس المراد ما ينتهي إلى الجبر،و إلاّ لا مجال للذّمّ و العقاب.و يوافقه ظاهر كلام الفخر الرّازيّ-و هو ناطق الأشاعرة-فلاحظ.

4-و من أجل هذا الخلاف بينهم قالوا:هذه الأوصاف الثّلاثة أحوال مقدّرة،لأنّ المراد بها ما يتعلّق بها الذّمّ و العقاب،و هو ما يدخل تحت التّكليف و الاختيار بعد البلوغ؛أو محقّقة لأنّها طبائع جبل عليها الإنسان فلا تتغيّر.

5-أثار الفخر الرّازيّ سؤالا:حاصل الكلام أنّ الإنسان نفور عن المضارّ طالب للرّاحة،و هذا هو اللاّئق بالعقل،فلم ذمّه اللّه؟

و أجاب بأنّه إنّما ذمّه لأنّه قاصر النّظر على الأحوال الجسمانيّة العاجلة،مشغول عن أحوال الآخرة،و الواجب عليه الرّضا بكلّ ما يصيبه من مرض أو فقر،لعلمه بأنّ اللّه يفعل ما يشاء و يحكم ما يريد،و إذا وجد المال و الصحّة صرفهما إلى طلب السّعادات الأخرويّة.و فيه جمع بين المذهبين.

ص: 460

ج ز ي

اشارة

25 لفظا،118 مرّة:84 مكّيّة،34 مدنيّة

في 47 سورة:35 مكّيّة،12 مدنيّة

جزاهم 1:-1 يجز 1:-1

جزيتهم 1:1 يجزاه 1:1

جزيناهم 2:2 يجزون 5:5

يجزى 12:9-3 تجزى 4:4

ليجزيك 1:1 تجزون 9:7-2

يجزيهم 5:3-2 جاز 1:1

تجزى 2:-2 جزاء 31:15-16

نجزى 21:20-1 الجزاء 1:1

نجزيه 1:1 جزاؤه 4:3-1

لنجزينّ 1:1 جزاؤهم 5:2-3

لنجزينّهم 3:2-1 جزاؤكم 1:1

يجزى 3:3 نجازى 1:1

الجزية 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :جزى يجزي جزاء،أي كافأ بالإحسان و بالإساءة.و فلان ذو غناء و جزاء،ممدود.

و تجازيت ديني:تقاضيته.(6:164)

سيبويه :جزيته قرضه،أي صنعت به مثل ما صنع.

(4:212)

أبو زيد :و يقال:هذا رجل حسبك من رجل، و ناهيك و كافيك و جازيك،بمعنى واحد.

و الجزية:جزية النّاس الّتي تؤخذ من أهل الذّمّة، و جمعها:الجزى.(الأزهريّ 11:146)

الأصمعيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لأبي بردة بن نيار في الجذعة الّتي أمره أن يضحّي بها:«و لا تجزي عن أحد بعدك».

ص: 461

و هو مأخوذ من قولك:قد جزى عنّي هذا الأمر فهو يجزي عنّي.و لا همز فيه،و معناه لا تقضي عن أحد بعدك.

يقول:لا تجزي:لا تقضي،و قال اللّه تبارك و تعالى:

وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً البقرة:48.

و منه حديث يروى عن عبيد بن عمير:«أنّ رجلا كان يداين،و كان له كاتب و متجاز،و كان يقول:إذا رأيت الرّجل معسرا فأنظره،فغفر اللّه له».و المتجازي:

المتقاضي.

أهل المدينة يقولون:أمرت فلانا يتجازى ديني على فلان،أي يتقاضاه.و أمّا قولهم:أجزأني الشّيء إجزاء فمهموز،و معناه:كفاني.[ثمّ استشهد بشعر]

(أبو عبيد 1:43)

ابن الأعرابيّ: الجزى:الجوالي،و الجالية:الجزية.

(الأزهريّ 11:147)

ابن السّكّيت: و أجزأت مجزى فلان و مجزاته.

و مجزى فلان و مجزاته.(إصلاح المنطق:132)

و قد جزأت الشّيء أجزؤه،إذا جزّأته.و قد جزأت الإبل بالرّطب عن الماء،و قد جزيته ما صنع جزاء.

(إصلاح المنطق:155)

أبو الهيثم:الجزاء يكون ثوابا،و يكون عقابا،قال اللّه عزّ و جلّ: قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ يوسف:74.

معناه قالوا:فما عقوبته إن بان كذبكم بأنّه لم يسرق، أي ما عقوبة السّرق عندكم إن ظهر عليه؟قالوا:جزاء السّرق من وجد في رحله،أي الموجود في رحله،كأنّه قال:جزاء السّارق عندنا استرقاق السّارق الّذي يوجد في رحله سنة.و كانت سنّة آل يعقوب،ثمّ وكّده،فقال:

فهو جزاؤه.(الأزهريّ 11:142)

الزّجّاج: جزيته على أصله:كافأته عليه، و أجزيت عن فلان،إذا قمت مقامه.

(فعلت و أفعلت:193)

ابن دريد :و جزيت فلانا أجزيه جزاء حسنا، و أجزيت عنه،إذا كافأت عنه.

و أجزيت السّكّين.

و جزتك عنّي الجوازي،غير مهموز.(3:223)

ابن الأنباريّ: الجزية في كلام العرب:الخراج المجعول على الذّمّيّ،سمّيت جزية،لأنّها قضاء منه لما عليه.أخذ من قولهم:جزى يجزي،إذا قضى.

(الأزهريّ 11:147)

الأزهريّ: و يقال:جزيت فلانا بما صنع جزاء، و قضيت فلانا قرضه،و جزيته قرضه.

و تقول:إن وضعت صدقتك في آل فلان جزت عنك،و هي جازية عنك.و بعض الفقهاء يقول:أجزى عنك،بمعنى جزى،أي قضى.و أهل اللّغة يقولون:أجزأ بالهمز،و هو عندهم بمعنى«كفى».

و سئل أبو العبّاس عن:جزيته و جازيته،فقال:قال الفرّاء:لا يكون جزيته إلاّ في الخير،و جازيته يكون في الخير و الشّرّ.قال:و غيره يجيز جزيته في الخير و الشّرّ، و جازيته في الشّرّ.

و أمّا قولهم:جزتك عنّي الجوازي،فمعناه جزتك [جوازي]أفعالك المحمودة،و حقوقك الواجبة.

و الجوازي معناها الجزاء:جمع الجازية،مصدر على

ص: 462

«فاعلة».(11:144-147)

الصّاحب: تجازيت ديني،أي تقاضيته، و المتجازي:المتقاضي.

و الجزاء:المكافأة بالإحسان و الإساءة،و الفعل:

جزى يجزي.

و فلان ذو جزاء،أي غناء.

و الجزية:الخراج،و جزية أهل الذّمّة.

و الجزاء:القضاء،يقولون:لا يتجازى بها العرب، أي لا يجدون مثلها.و جزاؤها:بدلها.

يجزءون الأقران في الحرب،أي يعبّون القرن للقرن.

و الجزي و الجزو من المال:طائفة منه،أصله الهمزة.

(7:151)

الخطّابيّ: حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،أنّه قال:«من عرج أو كسر،أو حبس فليجز مثلها و هو حلّ»قوله:فليجز مثلها،يريد فليقض مثلها،يقال:جزيت فلانا دينه،أي قضيته،و منه قيل للمتقاضي:المتجازي.

و منه حديث معاذة قالت:«سألت عائشة أ تجزي الحائض الصّلاة؟فقالت:أ حروريّة أنت؟قد حضن أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،أ فأمرهنّ أن يجزين الصّلاة؟»أي يقضين.(1:468)

الجوهريّ: جزيته بما صنع جزاء،و جازيته،بمعنى.

و يقال:جازيته فجزيته،أي غلبته.

و جزى عنّي هذا الأمر،أي قضى،و منه قوله تعالى:

لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً البقرة:48.

و يقال:جزت عنك شاة.

و في حديث أبي بردة بن نيار:«تجزي عنك و لا تجزي عن أحد بعدك»أي تقضي.

و بنو تميم يقولون:أجزأت عنك شاة،بالهمز.

و تجازيت ديني على فلان،إذا تقاضيته.و المتجازي:

المتقاضي.

و هذا رجل جازيك من رجل،أي حسبك.

و الجزية:ما يؤخذ من أهل الذّمّة،و الجمع:الجزى، مثل لحية و لحى.(6:2302)

نحوه الرّازيّ.(118)

ابن فارس: الجيم و الزّاء و الياء:قيام الشّيء مقام غيره،و مكافأته إيّاه.

يقال:جزيت فلانا أجزيه جزاء،و جازيته مجازاة.

و هذا رجل جازيك من رجل،أي حسبك.و معناه أنّه ينوب مناب كلّ أحد،كما تقول:كافيك و ناهيك،أي كأنّه ينهاك أن يطلب معه غيره.[ثمّ ذكر نحو الجوهريّ]

(1:455)

أبو هلال :الفرق بين الجزاء و المقابلة:أنّ المقابلة هي المساواة بين شيئين،كمقابلة الكتاب بالكتاب؛ و هي في المجازاة استعارة.

قال بعضهم:قد يكون جزاء الشّيء أنقص منه، و المقابلة عليه لا تكون إلاّ مثله،و استشهدوا بقوله:

وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها الشّورى:40.

قال:و لو كان جزاء الشّيء مثله،لم يكن لذكر المثل هاهنا وجه.

و الجواب عن هذا:أنّ الجزاء يكون على بعض الشّيء،فإذا قال:مثلها،فكأنّه قال:على كلّها.(37)

الهرويّ: و معنى قولهم:«جزاه اللّه خيرا»أي قضاه

ص: 463

اللّه ما أسلف.فإذا كان بمعنى الكفاية قلت:جزأ اللّه عنّي مهموز،و أجزأ.

و قوله تعالى: قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ يوسف:75.أي جزاء السّارق استعباده.و فيه اختصار،كأنّه قال:جزاؤه استرقاق من وجد في رحله.

(1:359)

ابن سيده: الجزاء:المكافأة على الشّيء.

جزاه به،و عليه،جزاء،و جازاه مجازاة،و جزاء.

و قد اجتزاه،إذا طلب منه الجزاء.[ثمّ استشهد بشعر]و جزتك الجوازي عنّي خيرا.و الجازية:الجزاء، اسم للمصدر كالعافية.

و تجازى دينه:تقاضاه.[إلى أن قال:]

و جزى الشّيء يجزي:كفى.

و جزى عنك الشّيء:قضى،و هو من ذلك،و في الحديث:أنّه قال لأبي بردة حين ضحّى بالجذعة:

«لا تجزي عن أحد بعدك».

و أجزى الشّيء عن الشّيء:قام مقامه و لم يكف.

و أجزى عنه مجزى فلان،و مجزاته،و مجزاه، و مجزاته،الأخير على توهّم طرح الزّائد:أغنى،لغة في «أجزأ».و في الحديث:«البقرة تجزي عن سبعة»بضمّ التّاء عن ثعلب،أي تكون جزاء عن سبعة.

و رجل ذو جزاء،أي غناء،يكون في اللّغتين جميعا.

و الجزية:خراج الأرض،و الجمع:جزى،و جزي.

و قال أبو عليّ: الجزى و الجزي،واحد،كالمعى و المعي لواحد الأمعاء،و الإلى و الإلي لواحد الآلاء، و الجمع:جزاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و جزية الذّمّيّ منه.

و أجزى السّكّين:لغة في أجزأها:جعل له جزأة؛ و لا أدري كيف ذلك،لأنّ قياس هذا إنّما هو:أجزأ،اللّهمّ إلاّ أن يكون نادرا.(7:499)

الطّوسيّ: المجازاة و المكافأة و المقابلة نظائر.يقال:

جزى يجزي جزاء،و جازاه مجازاة،و تجازوا تجازيا.

و تقول:هذا الشّيء يجزئ عن هذا بهمز و تليين، و في لغة:يجزي،أي يكفي.و أصل الباب:مقابلة الشّيء بالشّيء.(1:211)

الرّاغب: الجزاء:الغناء و الكفاية،قال اللّه تعالى:

لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً البقرة:48.

و قال تعالى: لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَ لا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً لقمان:33.

و الجزاء:ما فيه الكفاية من المقابلة إن خيرا فخير و إن شرّا فشرّ،يقال:جزيته كذا و بكذا.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و الجزية:ما يؤخذ من أهل الذّمّة،و تسميتها بذلك للاجتزاء بها في حقن دمهم،قال اللّه تعالى: حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ التّوبة:29.

و يقال:جازيك فلان،أي كافيك.

و يقال:جزيته بكذا و جازيته.و لم يجئ في القرآن إلاّ «جزى»دون«جازى»؛و ذاك أنّ المجازاة هي المكافأة، و هي المقابلة من كلّ واحد من الرّجلين.و المكافأة هي مقابلة نعمة بنعمة،هي كفؤها،و نعمة اللّه تعالى ليست من ذلك،و لهذا لا يستعمل لفظ«المكافأة»في اللّه عزّ و جلّ،و هذا ظاهر.(93)

ص: 464

الزّمخشريّ: اللّه يجزيك عنّي و يجازيك.[ثمّ استشهد بشعر]

و كما تجازي تجازى.و أحسن إليه فجزاه خيرا،إذا دعا له بالمجازاة.و هذا رجل جازيك من رجل،أي كافيك.

و هذا لا يجزي عنك،أي لا يقضي،و منه جزية أهل الذّمّة،لأنّها تقضي عنهم،يقال:أدّوا جزيتهم و جزاهم.

و اشترى من دهقان أرضا على أن يكفيه جزيتها، أي خراجها.

و من المجاز:جزتك الجوازي،أي أفعالك،أي وجدت جزاء ما فعلت.[ثمّ استشهد بشعر]

أو ألطاف اللّه و أسباب رحمته.[و استشهد بشعر أيضا،و قال:]

أو أراد جمع جازية بمعنى الجزاء.(أساس البلاغة:59)

المدينيّ: قوله تبارك و تعالى: حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ التّوبة:29.

الجزية عن يد:هي الخراج المجعول على رأس الذّمّيّ،سمّيت به،لأنّها قضاء منهم لما عليهم.مأخوذة من«الجزاء»و هو بذل الشّيء،و المستحقّ على فعله.

(1:327)

ابن الأثير: في حديث الضّحيّة:«لا تجزي عن أحد بعدك»أي لا تقضي،يقال:جزى عنّي هذا الأمر،أي قضى.

و منه حديث صلاة الحائض:«قد كنّ نساء رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يحضن،فأمرهنّ (1)أن يجزين»أي يقضين.و منه قولهم:«جزاه اللّه خيرا»أي أعطاه جزاء ما أسلف من طاعته.قال الجوهريّ: و بنو تميم يقولون:أجزأت عنه شاة،بالهمز،أي قضت.

و منه حديث عمر رضي اللّه عنه:«إذا أجريت الماء على الماء جزى عنك»و يروى بالهمز.

و منه الحديث:«الصّوم لي و أنا أجزي به»قد أكثر النّاس في تأويل هذا الحديث،و أنّه لم خصّ الصّوم و الجزاء عليه بنفسه عزّ و جلّ،و إن كانت العبادات كلّها له و جزاؤها منه؟

و ذكروا فيه وجوها،مدارها كلّها:على أنّ الصّوم سرّ بين اللّه و العبد لا يطّلع عليه سواه،فلا يكون العبد صائما حقيقة إلاّ و هو مخلص في الطّاعة.و هذا و إن كان كما قالوا فإنّ غير الصّوم من العبادات يشاركه في سرّ الطّاعة،كالصّلاة على غير طهارة،أو في ثوب نجس و نحو ذلك من الأسرار المقترنة بالعبادات،الّتي لا يعرفها إلاّ اللّه و صاحبها.

و أحسن ما سمعت في تأويل هذا الحديث:أنّ جميع العبادات الّتي يتقرّب بها العباد إلى اللّه عزّ و جلّ-من صلاة،و حجّ،و صدقة،و اعتكاف،و تبتّل،و دعاء، و قربان،و هدي،و غير ذلك من أنواع العبادات-قد عبد المشركون بها آلهتهم،و ما كانوا يتّخذونه من دون اللّه أندادا،و لم يسمع أنّ طائفة من طوائف المشركين و أرباب النّحل في الأزمان المتقادمة عبدت آلهتها بالصّوم،و لا تقرّبت إليها به،و لا عرف الصّوم في العبادات إلاّ من جهة الشّرائع،فلذلك قال اللّه عزّ و جلّ:

«الصّوم لي و أنا أجزي به»أي لم يشاركني أحد فيه،ّ.

ص: 465


1- أورده الخطّابيّ:أ فأمرهنّ.

و لا عبد به غيري،فأنا حينئذ أجزي به و أتولّى الجزاء عليه بنفسي،لا أكله إلى أحد من ملك مقرّب أو غيره، على قدر اختصاصه بي.

و فيه ذكر«الجزية»في غير موضع،و هي عبارة عن المال الّذي يعقد للكتابيّ عليه الذّمّة،و هي«فعلة»من الجزاء،كأنّها جزت عن قتله.

و منه الحديث:«ليس على مسلم جزية»أراد أنّ الذّمّيّ إذا أسلم و قد مرّ بعض الحول،لم يطالب من الجزية بحصّة ما مضى من السّنة.

و قيل:أراد أنّ الذّمّيّ إذا أسلم و كان في يده أرض، صولح عليها بخراج توضع عن رقبته الجزية و عن أرضه الخراج.[ثمّ ذكر أحاديث بهذا المعنى،فراجع](1:270)

الفيّومي:جزى الأمر يجزي جزاء،مثل قضى يقضي قضاء،وزنا و معنى،و في التّنزيل: يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً البقرة:48،و في الدّعاء:«جزاه اللّه خيرا»أي قضاه له و أثابه عليه.

و قد يستعمل«أجزأ»بالألف و الهمز بمعنى«جزى» و نقلهما الأخفش بمعنى واحد،فقال:الثّلاثيّ من غير همز لغة الحجاز،و الرّباعيّ المهموز لغة تميم.

و جازيته بذنبه:عاقبته عليه.

و جزيت الدّين:قضيته.[ثمّ ذكر حديث أبي بردة]

و أجزأت الشّاة بالهمز،بمعنى قضت،لغة حكاها ابن القطّاع.و أمّا«أجزأ»بالألف و الهمز،فبمعنى«أغنى».

قال الأزهريّ: و الفقهاء يقولون فيه:«أجزى»من غير همز،و لم أجده لأحد من أئمّة اللّغة.و لكن إن همز «أجزأ»فهو بمعنى كفى،هذا لفظه.

و فيه نظر،لأنّه إن أراد امتناع التّسهيل فقد توقّف في موضع التّوقّف،فإنّ تسهيل همزة الطّرف في الفعل المزيد و تسهيل الهمزة السّاكنة قياسيّ،فيقال:أرجأت الأمر و أرجيته،و أنسأت و أنسيت،و أخطأت و أخطيت،و أشطأ الزّرع-إذا أخرج شطأه و هو أولاده- و أشطى،و توضّأت و توضّيت،و أجزأت السّكّين-إذا جعلت له نصابا-و أجزيته،و هو كثير.

فالفقهاء جرى على ألسنتهم التّخفيف،و إن أراد الامتناع من وقوع«أجزأ»موقع«جزى»فقد نقلهما الأخفش لغتين،كيف و قد نصّ النّحاة على أنّ الفعلين إذا تقارب معناهما جاز وضع أحدهما موضع الآخر.و في هذا مقنع لو لم يوجد نقل.

و أجزأ الشّيء مجزأ غيره:كفى و أغنى عنه، و اجتزأت بالشّيء:اكتفيت.

و الجزء من الشّيء:الطّائفة منه،و الجمع:أجزاء، مثل قفل و أقفال.

و جزّأته تجزيئا و تجزئة:جعلته أجزاء متميّزة، فتجزّأ تجزّؤا.

و جزأته من باب«نفع»لغة.

و الجزية:ما يؤخذ من أهل الذّمّة،و الجمع:جزى، مثل سدرة و سدر.(1:100)

الفيروزآباديّ: الجزاء:المكافأة على الشّيء كالجازية،جزاه به و عليه جزاء،و جازاه مجازاة و جزاء.

و تجازى دينه و بدينه:تقاضاه،و اجتزاه:طلب منه الجزاء.

و جزى الشّيء يجزي:كفى،و عنه قضى.

ص: 466

و أجزى كذا عن كذا:قام مقامه و لم يكف.

و أجزى عنه مجزى فلان و مجزاته بضمّهما و فتحهما:

أغنى عنه،لغة في الهمزة.

و الجزية بالكسر:خراج الأرض،و ما يؤخذ من الذّمّيّ:الجمع:جزى و جزي و جزاء.

و أجزى السّكّين:أجزأه.

و جزي بالكسر و كسميّ و عليّ:أسماء.و الجازي:

فرس.(4:314)

مجمع اللّغة :الجزاء:القضاء و المكافأة.

1-جزاه بعمله أو على عمله يجزيه جزاء:قابله بما يكافئه.و إذا تعدّى«جزى»إلى مفعولين كان فيه معنى «أعطى».و يستعمل الجزاء في الخير و الشّرّ.

2-و جزى عنه يجزي جزاء:قضى و كفى،فهو جاز.

3-و لفظ«جازى يجازي»في القرآن بمعنى«جزى» أي قابله بما يكافئه.

4-و الجزية:ضريبة تفرض على الرّءوس، يأخذها المسلمون من غير المسلمين،نظير تأمينهم و انتفاعهم بما ينتفع به المسلمون.(1:191)

العدنانيّ: جزاه على إحسانه و إساءته و جازاه عليهما.

اختلفوا في استعمال الفعل«جزى»،و هل نقول:

جزاه بإحسانه،أم جزاه بإساءته؟فالّذين يقصرون استعمال الفعل«جزى»على الخير،يعتمدون على الفرّاء،و على«المصباح»الّذي قال:جزاه اللّه خيرا:

قضاه له،و أثابه عليه.

و لكن:

ذكر الفعل«جزى»في القرآن الكريم(72)مرّة:

(30)منها جزاء على الإحسان،و(29)على الإساءة، و(13)على كليهما.فمن قوله تعالى في الإحسان ما جاء في الآية(12)من سورة الدّهر: وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً و من قوله تعالى في العقاب ما جاء في الآية (41)من سورة الأعراف: لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَ مِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ. و من قوله تعالى في كلا الإحسان و الإساءة ما جاء في الآية(15)من سورة طه: إِنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى.

و جاء في معجم ألفاظ القرآن الكريم:جزاه بعمله أو على عمله يجزيه جزاء:قابله بما يكافئه،و يستعمل في الخير و الشّرّ.

و يؤيّد قول معجم ألفاظ القرآن الكريم أبو الهيثم العبّاس بن محمّد،و التّهذيب،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و اللّسان،و التّاج،و المدّ،و أقرب الموارد، و المتن.

و ممّا قاله أبو الهيثم:الجزاء يكون ثوابا و يكون عقابا.

و قال الرّاغب:جزيته كذا و بكذا.و قال التّاج:جزاه كذا،و به،و عليه.و قال الوسيط:جزاه:كافأه،و كافأه عنده للخير و الشّرّ.

و اختلفوا في معنى الفعل«جازى»،فالقرآن الكريم يستعمله في العقاب مرّة واحدة،في الآية(17)من سورة سبأ: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَ هَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ، و«المصباح المنير»يقول:جازيته بذنبه:

عاقبته عليه.

ص: 467

أمّا الرّاغب في«مفرداته»،و الزّمخشريّ في«أساسه» فيستعملانه في الخير.قال الرّاغب:المجازاة هي المكافأة، و هي المقابلة من كلّ واحد من الرّجلين،و المكافأة هي مقابلة نعمة بنعمة هي كفؤها.و قال«الأساس»:أحسن إليه فجزاه خيرا،إذا دعا له بالمجازاة.

و لكن:يستعمل الفعل«جازى»للخير و الشّرّ كليهما،كلّ من:الفرّاء،و التّهذيب،و المختار،و اللّسان، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن.

لقد ذكر المختار«الجزاء»في مادّة«ثوب».و قال محيط المحيط و أقرب الموارد:إنّ الفعل«جازى»هو أكثر استعمالا في الشّرّ.(122)

محمود شيت:1-أ-جزى الشّيء جزاء:كفى و أغنى،و فلانا بكذا:كافأه،و فلانا حقّه:قضاه.

ب-جازاه:أثابه.

ج-تجازى الدّين:تقاضاه،فهو متجاز.

د-الجزاء:الثّواب،و العقاب،الجمع:جواز.

ه-الجزية:خراج الأرض.و ما يؤخذ من أهل الذّمّة،الجمع:جزي،و جزى،و جزاء.

2-أ-جزاء:يقال:أخذ الجنديّ جزاءه:عقابه.

ب-الجزية:ما يؤخذ من أهل الذّمّة.(1:142)

المصطفويّ: و التّحقيق:أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة هو المكافأة،و يعبّر عنه بالفارسيّة بكلمة «پاداش»و هي أحسن ترجمة عن الجزاء.و الجزاء أعمّ من الثّواب و العقاب،و يستعمل في جميع موارد المكافأة، ثوابا أو عقابا.

و هذه المادّة تستعمل متعدّية إلى مفعولين.[ثمّ استشهد بآيات]

و قد يحذف المفعول الثّاني،لكونه غير منظور إليه، أو لجهات أخرى: نَجْزِي الظّالِمِينَ الأعراف:41، سَنَجْزِي الشّاكِرِينَ آل عمران:145، جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا سبأ:17، نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ الأعراف:40.

و الغالب في هذه الموارد أنّ حذفه لتعظيم الجزاء و تشديده.

و قد تستعمل متعدّية إلى الثّاني بحرف الباء.[ثمّ استشهد بآيات]

و يمكن أن تكون الباء في بعض هذه الموارد للسّببيّة، و يكون المفعول الثّاني محذوفا،كما في تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ المؤمن:17،مثل جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا سبأ:17.

ثمّ إنّ ذكر الباء في هذه الموارد للإشارة إلى أنّ الجزاء ليس هذا المعنى المذكور نفسه،بل أنّ الجزاء يتحقّق بهذا الميزان و بالعنوان المذكور.

و أمّا حقيقة الجزاء في موارد ذكر فيها العمل نفسه مثل: وَ يَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ الزّمر:35، لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا النّور:38، إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ الطّور:16، وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ فصّلت:27.

فالمراد أنّ الجزاء يتحقّق بميزان هذا العمل،فالعمل مبنى الجزاء،و وسيلة تعيين كيفيّته و نوعه،كما في قولهم:

ضربته سوطين،أي ضربا بسوطين،و التّقدير:جزاء بأحسن ما عملوا،أو جزاء بأسوء الّذي كانوا يعملون.أو بالإضافة،فالتّقدير:جزاء أسوء الّذي كانوا يعملون،

ص: 468

جزاء أحسن ما عملوا.

و على أيّ تقدير فالجزاء ليس هو العمل نفسه،بل ما يعادله و يماثله في القيمة.و حذف المصدر يجوز في موارد قد ذكروه،في باب المفعول المطلق.

و قد ذكرنا أنّ المفعول الثّاني إذا ذكر مجرّدا عن الباء (احسن الّذى)يدلّ على تشديد الجزاء و تعظيمه،بخلاف ما إذا ذكر بالباء بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ فيشار بها إلى السّببيّة و الوساطة،أو إلى المعادلة.

حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ التّوبة:29.

الجزية«فعلة»يدلّ على النّوع،و هو نوع من الجزاء،أي جزاء معيّن يؤخذ من الكفّار،في مقابلة خلافهم.

ثمّ إنّ هذه الآيات الكريمة نظير ما سبق في إفادة معنى السّببيّة أو الميزانيّة لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ بِالْقِسْطِ يونس:4، لِيَجْزِيَ اللّهُ الصّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ الأحزاب:24، سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ الأنعام:138، مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها المؤمن:40،أي ما يعادلها من الجزاء، أو يجزي بسببها.فيمكن أن يكون المفعول الثّاني في غير الأخيرة محذوفا،و الباء للسّببيّة.(2:85)

النّصوص التّفسيريّة

جزيهم

وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً. الدّهر:12

ابن عبّاس: أعطاهم.(459) نحوه البروسويّ.(10:267)

الطّبريّ: أثابهم اللّه بما صبروا في الدّنيا على طاعته.

(29:213)

الطّوسيّ: أي كافأهم و أثابهم على صبرهم،على محن الدّنيا و شدائدها،و تحمّل مشاقّ التّكليف.

(10:213)

نحوه الطّبرسيّ.(5:410)

لاحظ:«ص ب ر».

جزيتهم

إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ.

المؤمنون:111

الطّوسيّ: أخبر اللّه تعالى إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ يعني المؤمنين الّذين سخر منهم الكفّار في دار التّكليف، و أكافئهم على صبرهم و مضضهم في جنب اللّه،على أقوال الكفّار،و هزئهم بهم.[إلى أن قال:]

فالجزاء:مقابلة العمل بما يستحقّ عليه من ثواب أو عقاب،كما يقال:النّاس مجزيّون بأعمالهم،إن خيرا فخيرا،و إن شرّا فشرّا.(7:400)

الشّربينيّ: أي بالنّعيم المقيم.(2:592)

أبو السّعود :استئناف لبيان حسن حالهم،و أنّهم انتفعوا بما آذوهم.(4:434)

لاحظ«ص ب ر-ف و ز»

جزيناهم

1- وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَ إِنّا لَصادِقُونَ. الأنعام:146

ص: 469

1- وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَ إِنّا لَصادِقُونَ. الأنعام:146

ابن عبّاس: عاقبناهم.(121)

قتادة :إنّما حرّم ذلك عليهم عقوبة ببغيهم.

(الطّبريّ 8:76)

نحوه الخازن.(2:162)

ابن زيد :فعلنا ذلك بهم ببغيهم.(الطّبريّ 8:77)

الطّبريّ: حرّمناه عليهم عقوبة منّا لهم،و ثوابا على أعمالهم السّيّئة،و بغيهم على ربّهم.(8:76)

القمّيّ: كان ملوك بني إسرائيل يمنعون فقراءهم من أكل لحم الطّير و الشّحوم،فحرّم اللّه ذلك عليهم ببغيهم على فقراءهم.(1:220)

مثله البحرانيّ.(4:64)

عبد الجبّار:مسألة:قالوا:ثمّ ذكر تعالى فيها ما يدلّ على أنّه قد يجازي على المعاصي بتشديد التّكليف،و أنّه إذا جاز ذلك لم يمتنع أن يضلّ من قد عصى،على هذا الحدّ،فقال: وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا....

و الجواب عن ذلك:أنّه يمتنع أن يكلّف تعالى على طريق العقوبة على ذنب سلف،لأنّ الغرض بالتّكليف:

التّعريض للمنافع،و الغرض بالعقوبة:استيفاء ما يستحقّه من الضّرر على ما سلف،و الصّفتان تتنافيان، فلا يجوز في التّكليف أن يكون عقوبة.

فإن قال:فأنتم تقولون في التّكليف في الحدود:إنّها قد تكون عقوبة!

قيل له:لأنّها من فعل الغير فيهم،و لا يمتنع ذلك فيها على بعض الوجوه،و ليس كذلك حال التّكليف.

فإن قال:فأنتم تقولون في الكفّارات:إنّها عقوبة، و ذلك ينقض ما ذكرتم.

قيل له:لا يصحّ في الكفّارات الّتي يلزم المرء تولّيها أن تكون عقوبة،لما قدّمناه،و إنّما يقال في بعضها:إنّها تجري مجرى العقوبة،في أنّها تثبت مع المأثم كثبوت العقاب،فأمّا أن تكون في الحقيقة كذلك،فمحال.

و إذا صحّ ذلك،وجب حمل قوله تعالى: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ على أنّه علم أنّ الصّلاح عند بغيهم تشديد التّكليف عليهم،فصار ذلك،لتعلّق كونه صلاحا له-و لولاه لم يحصل لذلك-جزاء،و لا يعقل في اللّغة في الشّيء أنّه جزاء ما ذكروه من العقوبة فقط،لأنّهم يستعملون ذلك فيما يقابل غيره و يتعلّق به.

(متشابه القرآن 1:266)

الحوفيّ: (ذلك)في موضع رفع على إضمار مبتدإ، تقديره:الأمر ذلك.و يجوز أن يكون نصب ب(جزيناهم) لأنّه يتعدّى إلى مفعولين،و التّقدير:جزيناهم ذلك.

(أبو حيّان 4:245)

الطّوسيّ: معناه أنّا حرّمنا ذلك عليهم،عقوبة لهم على بغيهم.

فإن قيل:كيف يكون التّكليف عقابا و هو تابع للمصلحة،و مع ذلك فهو تعريض للثّواب؟

قلنا:إنّما سمّاه عقوبة،لأنّ عظيم ما أتوه من الأجرام و المعاصي؛اقتضى تحريم ذلك و تغيّر المصلحة و حصول اللّطف فيه،فلذلك سمّاه عقوبة،و لو لا عظم جرمهم لما

ص: 470

اقتضت المصلحة ذلك.(4:331)

القشيريّ: بيّن أنّ ما حرّم عليهم ضيّعوه؛إذ لمّا لم يعاقبهم عليه لم يشهدوا مكره العظيم فيما ابتدعوه من قبل نفوسهم،فأهملوه و لم يحافظوا عليه،فاستوجبوا عظيم الوزر و أليم الهجر.(2:204)

الواحديّ: أي ذلك التّحريم عقوبة لهم بقتلهم الأنبياء،و أخذهم الرّبا و استحلالهم أموال النّاس بالباطل،فهذا بغيهم،و هذا كقوله: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا... النّساء:160.(2:333)

نحوه البغويّ(2:168)،و الفخر الرّازيّ(13:

224).

ابن العربيّ: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ دليل على أنّ التّحريم إنّما يكون عن ذنب،لأنّه ضيق فلا يعدل عن السّعة إليه إلاّ عند الموجدة.(2:770)

نحوه ابن عطيّة(2:358)،و القرطبيّ(7:127).

الطّبرسيّ: (ذلك)يجوز أن يكون منصوب الموضع بأنّه مفعول ثان ل(جزيناهم)،التّقدير:جزيناهم ذلك ببغيهم.و لا يجوز أن يرفع بالابتداء،لأنّه يصير التّقدير:

ذلك جزيناهموه،فيكون كقولهم:زيد ضربت،أي ضربته،و هذا إنّما يجوز في ضرورة الشّعر[ثمّ قال:نحو الطّوسيّ](2:379)

العكبريّ: (ذلك)في موضع نصب ب(جزيناهم)، و قيل:مبتدأ،و التّقدير:جزيناهموه،و قيل:هو خبر لمحذوف،أي الأمر ذلك.(1:546)

أبو حيّان :[نقل كلام بعض المفسّرين و الزّمخشري ثمّ قال:]

و ظاهره أنّه منتصب انتصاب المصدر.و زعم ابن مالك أنّ اسم الإشارة لا ينتصب مشارا به إلى المصدر إلاّ و اتّبع بالمصدر،فتقول:قمت هذا القيام و قعدت ذلك القعود.و لا يجوز قمت هذا و لا قعدت ذلك،فعلى هذا لا يصحّ انتصاب«ذلك»على أنّه إشارة إلى المصدر.

(4:245)

ابن كثير :أي هذا التّضييق إنّما فعلناه بهم و ألزمناهم به،مجازاة على بغيهم و مخالفتهم أوامرنا،كما قال تعالى: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا... النّساء:160.

(3:117)

أبو السّعود :(ذلك)إشارة إلى الجزاء أو التّحريم، فهو على الأوّل نصب على أنّه مصدر مؤكّد لما بعده، و على الثّاني على أنّه مفعول ثان له،أي ذلك التّحريم جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ بسبب ظلمهم،كقوله تعالى:

فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا... النّساء:160.

و كانوا كلّما أتوا بمعصية عوقبوا بتحريم شيء ممّا أحلّ لهم،و هم ينكرون ذلك و يدّعون أنّها لم تزل محرّمة على الأمم،فردّ ذلك عليهم،و أكّد بقوله تعالى: وَ إِنّا لَصادِقُونَ. (2:456)

نحوه البروسويّ(3:115)،و الآلوسيّ(8:49).

المراغيّ: أي إنّما حرّم اللّه عليهم عقوبة بغيهم، فشدّد عليهم بذلك،و ليس ذلك بالخبيث لذاته.(8:59)

الطّباطبائيّ: و الآية كأنّها في مقام الاستدراك و دفع الدّخل،ببيان أنّ ما حرّم اللّه على بني إسرائيل من طيّبات ما رزقهم إنّما حرّمه جزاء لبغيهم،فلا ينافي ذلك كونه حلاّ بحسب طبعه الأوّلي،كما يشير إلى ذلك قوله

ص: 471

تعالى:آل عمران:93،و النّساء:160.(7:366)

فضل اللّه :فقد عاقبهم اللّه على عدوانهم،بتشديد القيود عليهم في مآكلهم،فقد كانت أحكام التّحريم المتنوّعة عقوبة لهم على قتلهم الأنبياء،و أخذهم الرّبا، و استحلالهم أموال النّاس بالباطل،كما جاء في الآية الكريمة: فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا... النّساء:

16.[ثمّ ذكر قول القمّيّ و كلام الطّبريّ و قال:]

و نلاحظ على ذلك،أنّ مثل هذه التّعليلات الاعتراضيّة و الجوابيّة،خاضع للمدرسة العقليّة الفلسفيّة الّتي تحاول أن تخضع خطّ التّكاليف للمصالح و المفاسد الكامنة في طبيعة الأشياء.و لكنّنا نعتقد أنّ من الممكن أن تكون المصالح و المفاسد كامنة في إصدار الأحكام؛و ذلك من ناحية تأديبيّة في ما تقتضيه خطّة التّأديب الّتي تفرض على النّاس تنفيذها،إلى مرحلة معيّنة،كما نجده في ما حكاه اللّه عن عيسى عليه السّلام وَ لِأُحِلَّ لَكُمْ بَعْضَ الَّذِي حُرِّمَ عَلَيْكُمْ آل عمران:50،و ربّما كان هذا هو مقصود صاحب«مجمع البيان».(9:357)

2- ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَ هَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ.

سبأ:17

ابن عبّاس: أي الّذي أصابهم عقوبة لهم عاقبناهم (بما كفروا)...(نجازي):نعاقب.(360)

مثله مجاهد.(الطّبريّ 22:83)

الحسن :صدق اللّه العظيم،لا يعاقب بمثل فعله إلاّ الكفور.(ابن كثير 5:543)

الفرّاء: يقول القائل:كيف خصّ الكفور بالمجازاة، و المجازاة للكافر و للمسلم و كلّ واحد؟فيقال:إنّ جازيناه بمنزلة كافأناه،و السّيّئة للكافر بمثلها،و أمّا المؤمن فيجزى،لأنّه يزاد و يتفضّل عليه،و لا يجازى.

و قد يقال:جازيت في معنى جزيت،إلاّ أنّ المعنى في أبين الكلام على ما وصفت لك،أ لا ترى أنّه قد قال:

ذلِكَ جَزَيْناهُمْ و لم يقل:(جازيناهم)و قد سمعت جازيت في معنى جزيت،و هي مثل عاقبت و عقبت، الفعل منك وحدك.و بناؤها يعني«فاعلت»على أن تفعل و يفعل بك.(2:359)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:هذا الّذي فعلنا بهؤلاء القوم من سبأ،من إرسالنا عليهم سيل العرم،حتّى هلكت أموالهم،و خربت جنّاتهم،جزاء منّا على كفرهم بنا،و تكذيبهم رسلنا.و(ذلك)من قوله: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ في موضع نصب،بوقوع(جزيناهم)عليه، و معنى الكلام:جزيناهم ذلك بما كفروا.

و قوله: وَ هَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ اختلفت القرّاء في قراءته،فقرأته عامّة قرّاء المدينة و البصرة،و بعض أهل الكوفة:(و هل يجازى)بالياء و بفتح الزّاي،على وجه ما لم يسمّ فاعله(إلاّ الكفور)رفعا.و قرأ ذلك عامّة قرّاء الكوفة: وَ هَلْ نُجازِي بالنّون،و بكسر الزّاي إِلاَّ الْكَفُورَ بالنّصب.

و الصّواب من القول في ذلك أنّهما قراءتان مشهورتان في قرّاء الأمصار،متقاربتا المعنى،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب،و معنى الكلام:كذلك كافأناهم على كفرهم باللّه،و هل يجازى إلاّ الكفور لنعمة اللّه؟

فإن قال قائل:أ و ما يجزي اللّه أهل الإيمان به على أعمالهم الصّالحة،فيخصّ أهل الكفر بالجزاء،فيقال:

ص: 472

و هل يجازى إلاّ الكفور؟

قيل:إنّ المجازاة في هذا الموضع:المكافأة،و اللّه وعد أهل الإيمان به للتّفضّل عليهم،و أن يجعل لهم بالواحدة من أعمالهم الصّالحة عشر أمثالها،إلى ما لا نهاية له من التّضعيف،و وعد المسيء من عباده أن يجعل بالواحدة من سيّئاته مثلها مكافأة له على جرمه.

و المكافأة لأهل الكبائر و الكفر،و الجزاء لأهل الإيمان مع التّفضّل،فلذلك قال في هذا الموضع:و هل يجازى إلاّ الكفور؟كأنّه قال:لا يجازى:لا يكافأ على عمله إلاّ الكفور،إذا كانت المكافأة مثل المكافإ عليه، و اللّه لا يغفر له من ذنوبه شيئا،و لا يمحّص شيء منها في الدّنيا.و أمّا المؤمن فإنّه يتفضّل عليه،على ما وصفت.

(22:82)

الزّجّاج: (ذلك)في موضع نصب،المعنى جزيناهم ذلك بكفرهم.

وَ هَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ، و تقرأ (و هل يجازى) و يجوز (و هل يجازى الاّ الكفور) و هذا ممّا يسأل عنه، يقال:اللّه يجازي الكفور و غير الكفور.

و المعنى في هذه الآية أنّ المؤمن تكفّر عنه السّيّئات،و الكافر يحبط عمله فيجازى بكلّ سوء يعمله،قال اللّه: اَلَّذِينَ كَفَرُوا وَ صَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللّهِ أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ محمّد:1،و قال: ذلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا ما أَسْخَطَ اللّهَ وَ كَرِهُوا رِضْوانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمالَهُمْ محمّد:

28،فأعلم أنّه يحبط عمل الكافر،و أعلمنا أنّ الحسنات يذهبن السّيّئات،و أنّ المؤمن تكفّر عنه سيّئاته حسناته(4:249) أبو مسلم الأصفهانيّ: إنّ المجازاة من التّجازي و هو التّقاضي،أي لا يقتضي و لا يرتجع ما أعطى إلاّ الكافر،و إنّهم لمّا كفروا النّعمة اقتضوا ما أعطوا،أي ارتجع منهم.(الطّبرسيّ 4:386)

النّحّاس: [ذكر حديث النّبيّ-صلّى اللّه عليه و سلّم-عن عائشة«من حوسب عذّب...ثمّ قال:»]

المعنى أنّ المؤمن يكفّر عنه سيّئاته،و الكافر يحبط عمله و يجازى،كما قال جلّ و عزّ: أَضَلَّ أَعْمالَهُمْ محمّد:1.(5:410)

الطّوسيّ: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا في نعم اللّه، وَ هَلْ نُجازِي بهذا الجزاء إِلاَّ الْكَفُورَ من كفر نعم اللّه.

فمن قرأ بالنّون،فلقوله: (جزيناهم) ،و لا يمكن الاستدلال بذلك على أنّ مرتكب الكبيرة كافر من حيث هو معذّب،لأنّ اللّه تعالى بيّن أنّه لا يجازي بهذا النّوع من العذاب الّذي هو الاستئصال،إلاّ من هو كافر،و إن جاز أن يعذّب الفاسق بغير ذلك من العذاب.[ثمّ ذكر قول الفرّاء و أضاف:]

و قال غيره:لا فرق بينهما.(8:388)

الزّمخشريّ: [ذكر القراءات و قال:]

و المعنى أنّ مثل هذا الجزاء،لا يستحقّه إلاّ الكافر، و هو العقاب العاجل.

و قيل:المؤمن تكفّر سيّئاته بحسناته،و الكافر يحبط عمله،فيجازى بجميع ما عمله من السّوء.

و وجه آخر،و هو أنّ الجزاء عامّ لكلّ مكافأة، يستعمل تارة في معنى المعاقبة و أخرى في معنى الإثابة،

ص: 473

فلمّا استعمل في معنى المعاقبة في قوله: جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا بمعنى عاقبناهم بكفرهم،قيل:(و هل يجازى إلاّ الكفور)؟بمعنى و هل يعاقب،و هو الوجه الصّحيح.

و ليس لقائل أن يقول:لم قيل:(و هل يجازى إلاّ الكفور)على اختصاص الكفور بالجزاء،و الجزاء عامّ للكافر و المؤمن،لأنّه لم يرد الجزاء العامّ و إنّما أراد الخاصّ و هو العقاب،بل لا يجوز أن يراد العموم و ليس بموضعه.

أ لا ترى أنّك لو قلت:جزيناهم بما كفروا و هل يجازى إلاّ الكافر و المؤمن،لم يصحّ و لم يسدّ كلامه، فتبيّن أنّ ما يتخيّل من السّؤال مضمحلّ،و أنّ الصّحيح الّذي لا يجوز غيره ما جاء عليه كلام اللّه الّذي لا يأتيه الباطل،من بين يديه و لا من خلفه.(3:285)

نحوه النّسفيّ.(3:322)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

قيل:إنّ معناه هل نجازي بجميع سيّئاته إلاّ الكافر، لأنّ المؤمن قد يكفّر عنه بعض سيّئاته.(4:386)

الفخر الرّازيّ: قال بعضهم:المجازاة:تقال في النّقمة،و الجزاء:في النّعمة،لكن قوله تعالى: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ يدلّ على أنّ«الجزاء»يستعمل في النّقمة، و لعلّ من قال ذلك أخذه من أنّ المجازاة«مفاعلة»و هي في أكثر الأمر تكون بين اثنين،يؤخذ من كلّ واحد جزاء في حقّ الآخر.و في النّعمة لا تكون«مجازاة»لأنّ اللّه تعالى مبتدئ بالنّعم.(25:251)

البيضاويّ: بكفرانهم النّعمة،أو بكفرهم بالرّسل؛ إذ روي أنّه بعث إليهم ثلاثة عشر نبيّا فكذّبوهم.

و تقديم المفعول للتّعظيم لا للتّخصيص.[ثمّ ذكر القراءات](2:259)

مثله المشهديّ.(8:268)

أبو حيّان :و أكثر ما يستعمل الجزاء في الخير و المجازاة في الشّرّ،لكن في تقييدهما قد يقع كلّ واحد منهما موقع الآخر.(7:271)

ابن كثير :[نقل الأقوال ثمّ نقل حديثا عن ابن خيرة،أنّه قال:]

جزاء المعصية:الوهن في العبادة،و الضّيق في المعيشة،و التّعسّر في اللّذّة.

قيل:و ما التّعسّر في اللّذّة؟قال:لا يصادف لذّة حلال إلاّ جاءه من ينغّصه إيّاها.(5:543)

أبو السّعود :(ذلك)إشارة إلى مصدر(جزيناهم)أ أو إلى ما ذكر من التّبديل،و ما فيه من معنى البعد للإيذان ببعد رتبته في الفظاعة.

و محلّه على الأوّل:النّصب على أنّه مصدر مؤكّد للفعل المذكور،و على الثّاني:النّصب على أنّه مفعول ثان له،أي ذلك الجزاء الفظيع جزيناهم لا جزاء آخر،أو ذلك التّبديل جزيناهم لا غيره، وَ هَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ أي و ما نجازي هذا الجزاء إلاّ المبالغ في الكفران أو الكفر.

و قرئ (يجازي) على البناء للفاعل،و هو اللّه عزّ و جلّ: (و هل يجازى) على البناء للمفعول و رفع (الكفور)، (و هل يجزى) على البناء للمفعول أيضا.و هذا بيان ما أوتوا من النّعم الحاضرة في مساكنهم،و ما فعلوا بها من الكفران،و ما فعل بهم من الجزاء.(5:254)

ص: 474

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

(هل)و إن كان استفهاما فمعناه النّفي،و لذلك دخلت (الاّ)في قوله: (إِلاَّ الْكَفُورَ) .

و في الآية إشارة إلى أنّ المؤمن الشّاكر يربط بشكره النّعم الصّوريّة و المعنويّة،من الإتقان و التّقوى و الصّدق و الإخلاص و التّوكّل و الأخلاق الحميدة، و غير الشّاكر يزيل بكفرانه هذه النّعم،فيجد بدلها الفقر و الكفر و النّفاق و الشّكّ و الأوصاف الذّميمة.(7:284)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أبي السّعود،ثمّ تعرّض للقراءات و قال:]

و المجازات على ما سمعت عن الزّمخشريّ:المكافآت، لكن قال الخفاجيّ:لم ترد في القرآن إلاّ مع العقاب بخلاف الجزاء،فإنّه عامّ،و قد يخصّ بالخير.و عن أبي إسحاق،تقول:جزيت الرّجل في الخير و جازيته في الشّرّ،و في معناه قول مجاهد،يقال في العقوبة:يجازي و في المثوبة:يجزي.

و قال بعض الأجلّة:ينبغي أن يكون أبو إسحاق قد أراد أنّك إذا أرسلت الفعلين و لم تعدّهما إلى المفعول الثّاني كانا كذلك،و أمّا إذا ذكرته فيستعمل كلّ منهما في الخير و الشّرّ،و يرد على ما ذكر جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا و كذا (و هل يجزي) في قراءة مسلم؛إذ الجزاء في ذلك مستعمل في الشّرّ مع عدم ذكر المفعول الثّاني.[ثمّ استشهد بشعر، و ذكر كلام الرّاغب في جزيته و جازيته،ثمّ قال:]

و فيه غفلة عمّا هنا إلاّ أن يقال:أراد أنّه لم يجئ في القرآن«جازى»فيما هو نعمة،مسندا إليه تعالى،فإنّه لم يخطر لي مجيء ذلك فيه،و اللّه تعالى أعلم.[ثمّ ذكر قول أبي حيّان و حسّنه و قال:]

و في قوله سبحانه: جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا دون جازيناهم بما كفروا على الوجه الثّاني،في اسم الإشارة، ما يحكي تمتّع القوم بما يسرّ،و وقوعهم بعده فيما يسيء و يضرّ.و يمكن أن تكون نكتة التّعبير،ب«جزي»الأكثر استعمالا في الخير،و يجوز أن يكون التّعبير بذاك أوّلا و ب«نجازي»ثانيا،ليكون كلّ أوفق بعلّته،و هذا جار على كلا الوجهين في الإشارة،فتدبّر جدّا.(22:129)

محمود صافي: التّذييل في قوله تعالى: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ.

و فنّ التّذييل قسمان:الأوّل:ما جرى مجرى المثل، و الثّاني:ما لم يخرج مخرج المثل،و هو أن تكون الجملة الثّانية متوقّفة على الأولى في إفادة المراد،أي و هل يجازي ذلك الجزاء المخصوص؟

و مضمون الجملة الأولى أنّ آل سبأ جزاهم اللّه تعالى بكفرهم،و مضمون الجملة الثّانية أنّ ذلك العقاب المخصوص لا يقع إلاّ للكفور.و فرق بين قولنا:جزيته بسبب كذا،و بين قولنا:و لا يجزي ذلك الجزاء إلاّ من كان بذلك السّبب،و لتغايرهما يصحّ أن يجعل الثّاني علّة للأوّل،و لكن اختلاف مفهومها لا ينافي تأكيد أحدهما بالآخر،للزوم معنى.(22:215)

مغنيّة:جزاهم بالفقر،و هو أفظع الجزاء.و في رواية:الفقر:الموت الأحمر.(6:258)

عبد الكريم الخطيب :(ذلك)إشارة إلى ما حلّ بالقوم من نكال و بلاء،و هو مبتدأ محذوف خبره، و تقديره:ذلك ما جزيناهم به، جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا

ص: 475

بدل من هذا المحذوف المشار إليه،و عطف بيان له. وَ هَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ أي لم يكن جزاؤنا لهم إلاّ بسبب كفرهم بنعمتنا،فما تحلّ نقمتنا،إلاّ بمن يكفر بنا و بإحساننا، ذلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّراً نِعْمَةً أَنْعَمَها عَلى قَوْمٍ حَتّى يُغَيِّرُوا ما بِأَنْفُسِهِمْ الأنفال:53.

و المجازاة غير الابتلاء،فالمجازاة:عقاب على ذنب اقترف،و الابتلاء:امتحان و اختبار.فقد يبتلي اللّه المحسنين بالضّرّ،كما يبتلي المسيئين بالنّفع.

و لهذا جاء التّعبير القرآنيّ هنا(و هل نجازى الاّ الكفور)أي لا نعاقب إلاّ من يستحقّ العقاب،من أهل الكفر و الضّلال.فلا اعتراض إذن لما يصاب به أهل الإحسان في أموالهم أو أنفسهم،فذلك ابتلاء من اللّه لهم، و امتحان لإيمانهم،يزدادون به درجة في مقام الإحسان، إذا هم صبروا على هذا الابتلاء،و ليس ذلك الابتلاء من باب المجازاة لهم على ذنب اقترفوه.(11:799)

الطّباطبائيّ: (ذلك)إشارة إلى ما ذكر من إرسال السّيل و تبديل الجنّتين.و محلّه النّصب مفعولا ثانيا ل(جزيناهم).و الفرق بين الجزاء و المجازاة-كما قيل-:أنّ المجازاة لا يستعمل إلاّ في الشّرّ،و الجزاء أعمّ.

و المعنى جزينا سبأ،ذلك الجزاء،بسبب كفرهم و إعراضهم عن الشّكر-أو في مقابلة ذلك-و لا نجازي بالسّوء إلاّ من كان كثير الكفران لأنعم اللّه.(16:365)

يجزى

1- وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ... وَ سَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ. آل عمران:144 الطّبريّ: يقول:و سيثيب اللّه من شكره على توفيقه،و هدايته إيّاه لدينه.(4:110)

الطّوسيّ: معناه يثيب اللّه الشّاكرين على شكرهم لنعم اللّه،و اعترافهم بها.و وجه اتّصال هذا بما قبله اتّصال الوعد بالوعيد،لأنّ قوله: فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً دليل على معنى الوعيد،لأنّ معناه إنّما يضرّ نفسه باستحقاقه العقاب وَ سَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ بما يستحقّونه من الثّواب.(3:7)

نحوه الطّبرسيّ.(1:514)

أبو حيّان :وعد عظيم بالجزاء،و جاء بالسّين الّتي هي في قول بعضهم:قرينة التّفسير في الاستقبال،أي لا يتأخّر جزاء اللّه إيّاهم عنهم.و ظاهر هذا الجزاء أنّه في الآخرة،و قيل:في الدّنيا بالرّزق،و التّمكين في الأرض.

(3:69)

لاحظ«ش ك ر»

2- إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ بِالْقِسْطِ... يونس:4

ابن عبّاس: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا... بمحمّد عليه الصّلاة و السّلام و القرآن(و عملوا الصّالحات)فيما بينهم و بين ربّهم(بالقسط)بالعدل:الجنّة.(170)

الطّبريّ: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا... يقول:ثمّ يعيده من بعد مماته كهيئته قبل مماته،عند بعثه من قبره، لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا...، يقول:ليثيب من صدق اللّه و رسوله،و عملوا ما أمرهم اللّه به من الأعمال،و اجتنبوا

ص: 476

ما نهاهم عنه على أعمالهم الحسنة بالقسط،يقول:

ليجزيهم على الحسن من أعمالهم الّتي عملوها في الدّنيا الحسن من الثّواب،و الصّالح من الجزاء في الآخرة،و ذلك هو القسط،و(القسط):العدل و الإنصاف.(11:85)

الطّوسيّ: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا... فيه بيان أنّه إنّما يعيد الخلق ليعطيهم جزاء أعمالهم من طاعة و معصية، و العطاء إذا كان ابتداء لا يسمّى جزاء.

و قوله:(بالقسط)معناه بالعدل،لأنّه لو زاد الجزاء أو نقص لخرج عن العدل،و لكن يجزيهم وفق أعمالهم حتّى لا يكون الجزاء على النّبوّة كالجزاء على الإيمان،بل كلّ طاعة يستحقّ الجزاء على قدرها.(5:388)

نحوه الطّبرسيّ(3:91)،و أبو الفتوح الرّازيّ(10:

97)،و الخازن(3:143).

الزّمخشريّ: (بالقسط)بالعدل،و هو متعلّق ب(يجزى).و المعنى ليريهم بقسطه و يوفّيهم أجورهم،أو بقسطهم و بما أقسطوا و عدلوا و لم يظلموا،حين آمنوا و عملوا صالحا،لأنّ الشّرك ظلم،قال اللّه تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ لقمان:13،و العصاة ظلاّم أنفسهم،و هذا أوجه لمقابلة قوله: بِما كانُوا يَكْفُرُونَ. (2:225)

نحوه ملخّصا ابن جزيّ(2:89)،و الكاشانيّ(2:

394)،و شبّر(3:136).

ابن عطيّة: قوله:(ليجزى)هي لام«كي»و المعنى أنّ الإعادة إنّما هي ليقع الجزاء على الأعمال،و قوله:

(بالقسط)أي بالعدل في رحمتهم و حسن جزائهم.

(3:105)

أبو البركات: فإن قيل:كيف خصّ جزاء المؤمنين بالعدل،و هو في جزاء الكافرين عادل أيضا؟

فالجواب:أنّه لو جمع الفريقين في القسط،لم يتبيّن في حال اجتماعهما ما يقع بالكافرين من العذاب الأليم و الشّرب من الحميم،ففصلهم من المؤمنين،ليبيّن ما يجزيهم به،ممّا هو عدل أيضا (1).(ابن الجوزيّ 4:8)

الفخر الرّازيّ: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا... فاعلم أنّ المقصود منه إقامة الدّلالة على أنّه لا بدّ من حصول الحشر و النّشر،حتّى يحصل الفرق بين المحسن و المسيء، و حتّى يصل الثّواب إلى المطيع،و العقاب إلى العاصي.

و قد سبق الاستقصاء في تقرير هذا الدّليل،و فيه مسائل:

المسألة الأولى:قال الكعبيّ:اللاّم في قوله تعالى:

لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يدلّ على أنّه تعالى خلق العباد للثّواب و الرّحمة،و أيضا فإنّه أدخل لام التّعليل على الثّواب.و أمّا العقاب فما أدخل فيه لام التّعليل،بل قال:

وَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ و ذلك يدلّ على أنّه خلق الخلق للرّحمة لا للعذاب؛و ذلك يدلّ على أنّه ما أراد منهم الكفر،و ما خلق فيهم الكفر البتّة.

و الجواب:أنّ لام التّعليل في أفعال اللّه تعالى محال، لأنّه تعالى لو فعل فعلا لعلّة لكانت تلك العلّة،إن كانت قديمة لزم قدم الفعل،و إن كانت حادثة لزم التّسلسل، و هو محال.

المسألة الثّانية:قال الكعبيّ أيضا:هذه الآية تدلّ على أنّه لا يجوز من اللّه تعالى أن يبدأ خلقهم في الجنّة، لأنّه لو حسن إيصال تلك النّعم إليهم من غير واسطةت.

ص: 477


1- لم نجده في«البيان»لأبي البركات.

خلقهم في هذا العالم و من غير واسطة تكليفهم،لما كان خلقهم و تكليفهم معلّلا بإيصال تلك النّعم إليهم،و ظاهر الآية يدلّ على ذلك.

و الجواب:هذا بناء على صحّة تعليل أحكام اللّه تعالى و هو باطل،سلّمنا صحّته.إلاّ أنّ كلامه إنّما يصحّ لو علّلنا بدء الخلق و إعادته بهذا المعنى،و ذلك ممنوع.فلم لا يجوز أن يقال:إنّه يبدأ الخلق لمحض التّفضّل،ثمّ إنّه تعالى يعيدهم لغرض إيصال نعم الجنّة إليهم؟و على هذا التّقدير:سقط كلامه.(17:30)

ابن عربيّ: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً بالعود إلى عين الجمع المطلق،في القيامة الصّغرى،كما هو الآن.أو إلى عين جمع الذّات بالفناء فيه،عند القيامة الكبرى.

وَعْدَ اللّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ في النّشأة الأولى، ثُمَّ يُعِيدُهُ في النّشأة الثّانية،(ليجزى)المؤمن و الكافر،على حسب إيمانهم،و عملهم الصّالح، و كفرهم،و عملهم الفاسد،و هذا على التّأويل الأوّل.

و على الثّاني: يَبْدَؤُا الْخَلْقَ باختفائه، و إظهارهم،ثمّ يعيدهم بإفنائهم و ظهوره لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ ما يصلحهم للقائه،من الأعمال الرّافعة لحجبهم،للقربة إيّاهم(بالقسط)بحسب ما بلغوا من المقامات بأعمالهم،من مواهبه الحاليّة و الذّوقيّة،الّتي يقتضيها مقامهم،و شوقهم،أو ليجزي الّذين آمنوا الإيمان الحقيقيّ،و عملوا باللّه الأعمال الّتي تصلح العباد،أي جزاء بالتّكميل بقسطهم،أي بسبب عدلهم في زمان الاستقامة،أو جزاء بحسب رتبتهم، و مقامهم في الاستقامة.(1:521)

البيضاويّ: ...و التّنبيه على أنّ المقصود بالذّات من الإبداء و الإعادة هو الإثابة،و العقاب واقع بالعرض، و أنّه تعالى يتولّى إثابة المؤمنين،بما يليق بلطفه و كرمه، و لذلك لم يعيّنه.و أمّا عقاب الكفرة فكأنّه داء ساقه إليهم سوء اعتقادهم و شؤم أفعالهم.

و الآية كالتّعليل لقوله: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فإنّه لمّا كان المقصود من الإبداء و الإعادة مجازاة اللّه المكلّفين على أعمالهم،كان مرجع الجميع إليه لا محالة،و يؤيّده قراءة من قرأ (أنّه يبدأ) بالفتح،أي لأنّه.و يجوز أن يكون منصوبا أو مرفوعا بما نصب (وعد اللّه) أو بما نصب (حقّا) .(1:439)

نحوه النّسفيّ(2:153)،و المشهديّ(4:330)، و القاسميّ(9:3324).

النّيسابوريّ: قال المفسّرون:في الآية إضمار، و التّقدير:أنّه يبدأ الخلق ليأمرهم بالعبادة،ثمّ يميتهم ثمّ يعيدهم ليجزي.و إنّما حسن هذا الحذف،لتقدّم قوله:

(فاعبدوه)و لأنّ الإعادة لا تكون إلاّ بعد الإماتة و الإعدام.[ثمّ ذكر نحو الزّمخشريّ إلى أن قال:]

و في قوله: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا من غير أن يدخل لام العاقبة في الجملة كما أدخلها في الأولى،دليل على أنّه خلق الخلق للرّحمة لا للعذاب،و إنّما جاء التّعذيب لغرض وقوعهم في طريق القهر.(11:52)

أبو حيّان :و(بالقسط)معناه بالعدل،و هو متعلّق بقوله:(ليجزى)أي ليثيب المؤمنين بالعدل و الإنصاف في جزائهم،فيوصل كلاّ إلى جزائه و ثوابه،على حسب تفاضلهم في الأعمال،فينصف بينهم و يعدل؛إذ ليسوا

ص: 478

كلّهم متساوين في مقادير الثّواب،و على هذا يكون (بالقسط)منه تعالى.[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ و قال:]

فجعل القسط من فعل الّذين آمنوا،و هو على طريقة الاعتزال.و الظّاهر:أنّ (وَ الَّذِينَ كَفَرُوا) مبتدأ، و يحتمل أن يكون معطوفا على قوله: (الَّذِينَ آمَنُوا) فيكون الجزاء بالعدل قد شمل الفريقين.(5:124)

أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و قال:]

و هو الأنسب بقوله عزّ و جلّ: وَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ فإنّ معناه و يجزي الّذين كفروا بسبب كفرهم،و تكرير الإسناد بجعل الجملة الظّرفيّة خبرا للموصول،لتقوية الحكم،و الجمع بين صيغتي الماضي و المستقبل،للدّلالة على مواظبتهم على الكفر،و تغيير النّظم للإيذان بكمال استحقاقهم للعقاب،و أنّ التّعذيب بمعزل عن الانتظام في سلك العلّة الغائيّة للخلق بدء و إعادة،و إنّما يحيق ذلك بالكفرة على موجب سوء اختيارهم،و أمّا المقصود الأصليّ من ذلك فهو الإثابة.(3:211)

نحوه الآلوسيّ.(11:67)

البروسويّ: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ متعلّق ب(يعيده)أي يثيبهم،بما يليق بلطفه و كرمه،ممّا لا عين رأت و لا أذن سمعت و لا خطر على قلب بشر،بالقسط:متعلّق ب(يجزى)أي بالعدل، فلا ينقص من ثواب محسن و لا يزيد على عقاب مسيء، بل يجازي كلاّ على قدر عمله،كما قال: جَزاءً وِفاقاً النبأ:26.(4:11)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(6:275)

رشيد رضا: لِيَجْزِيَ... الآية،هذا تعليل للإعادة،أي يعيده لأجل جزائهم.و القسط:العدل، و قال الرّاغب:النّصيب من العدل،أي ليجزيهم بعدله.

و هو عبارة عن إعطاء كلّ عامل حقّه من الثّواب الّذي جعله اللّه لعمله،بمعنى أنّه لا يظلم منه شيئا،كما قال في سورة الأنبياء:47 وَ نَضَعُ الْمَوازِينَ الْقِسْطَ لِيَوْمِ الْقِيامَةِ فَلا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً.

و لا يمنع ذلك أن يزيدهم و يضاعف لهم،كما وعد في آيات أخرى منها،قوله: فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَ يَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ النّساء:173،و قوله في هذه السّورة:

لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ يونس:26، فالحسنى هي الجزاء بالقسط المضادّ للجور و الظّلم، و الزّيادة فضل منه عزّ و جلّ.و سيأتي فيها أيضا قوله:

وَ قُضِيَ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ يونس:54.

و قيل:إنّ المراد يجزيهم بما كانوا عليه من القيام بالقسط،و هو الحقّ و العدل في الأمور كلّها،الّذي هو مقتضى الإيمان في قوله تعالى: لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ وَ أَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ وَ الْمِيزانَ لِيَقُومَ النّاسُ بِالْقِسْطِ الحديد:25،و قوله: قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ الأعراف:29،على أنّ القسط في الآيتين عامّ شامل لأمور الدّين كلّها.

و قيل:بل المراد منه الإيمان أو التّوحيد المقابل لظلم الشّرك،في قوله تعالى: إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ لقمان:13.

و المتبادر الموافق لسائر الآيات الصّريحة هو الأوّل، و لا يصحّ إرادة الثّاني إلاّ بالتّبع للأوّل،أو الجمع بين

ص: 479

المعنيين،على القول بأنّ كلّ ما يحتمله اللّفظ من المعاني المشتركة فيه،أو حقيقته و مجازه بمقتضى اللّغة،من غير مانع من الشّرع،يكون مرادا منه.(11:299)

الطّباطبائيّ: و أمّا قوله: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا... فإنّ الحجّة فيه أنّ العدل و القسط الإلهيّ-و هو من صفات فعله-يأبى أن يستوي عنده من خضع له بالإيمان به و عمل صالحا،و من استكبر عليه و كفر به و بآياته.و الطّائفتان لا يحسّ بينهما بفرق في الدّنيا،فإنّما السّيطرة فيها للأسباب الكونيّة،بحسب ما تنفع و تضرّ بإذن اللّه.

فلا يبقى إلاّ أن يفرّق اللّه بينهما بعدله بعد إرجاعهما إليه،فيجزي المؤمنين المحسنين جزاء حسنا و الكفّار المسيئين جزاء سيّئا،من جهة ما يتلذّذون به أو يتألّمون.

فالحجّة معتمدة على تمايز الفريقين بالإيمان و العمل الصّالح،و بالكفر.و على قوله:(بالقسط)هذا،و قوله:

(ليجزى)متعلّق بقوله: إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً على ظاهر التّقرير.

و يمكن أن يكون قوله: (لِيَجْزِيَ...) متعلّقا بقوله:

ثُمَّ يُعِيدُهُ و يكون الكلام مسوقا للتّعليل و إشارة إلى حجّة واحدة،و هي الحجّة الثّانية المذكورة،و الأقرب من جهة اللّفظ هو الأخير.(10:11)

3- فَلَمّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَ أَهْلَنَا الضُّرُّ وَ جِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَ تَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ. يوسف:88

ابن عبّاس: في الدّنيا و الآخرة.(202)

الضّحّاك:لم يقولوا:إنّ اللّه يجزيك،لأنّهم لا يعلموا أنّه مؤمن.(البغويّ 2:511)

النّقّاش: يقال:هو من المعاريض الّتي هي مندوحة عن الكذب؛و ذلك أنّهم كانوا يعتقدونه ملكا كافرا على غير دينهم،و لو قالوا:إنّ اللّه يجزيك بصدقتك في الآخرة،كذبوا،فقالوا له لفظا يوهمه أنّهم أرادوه،و هم يصحّ لهم إخراجه منه بالتّأويل.(ابن عطيّة 3:276)

الواحديّ: بالثّواب.(2:63)

مثله ابن الجوزيّ(4:279)،و الخازن(3:254)

البروسويّ: يثيب المتفضّلين أحسن الجزاء و الثّواب.[ثمّ نقل كلام الضّحّاك و قال:]

دخل يوسف في لفظ الجمع سواء شافهوه بالجزاء أو لا،مع أنّ الجزاء ليس بمقصود على الجزاء الأخرويّ بل قد يكون دنيويّا،و هو أعمّ،فافهم.[و استشهد بحكايتين لآثار الثّواب الدّنيويّ فراجع](4:311)

القاسميّ: حثّ على الإحسان،و إشارة إلى أنّ المحسن يجزي أحسن جزاء منه تعالى،و إن لم يجزه المحسن إليه.(9:3586)

شبّر:لا يضيع أجرهم.(3:304)

لاحظ«ص د ق».

4- لِيَجْزِيَ اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ. إبراهيم:51

ابن عبّاس: و هذا مقدّم و مؤخّر،يقول:و برزوا للّه الواحد القهّار،ليجزي اللّه كلّ نفس برّة أو فاجرة.

(215)

ص: 480

الطّبريّ: يقول:فعل اللّه ذلك بهم،جزاء لهم بما كسبوا من الآثام في الدّنيا،كما يثيب كلّ نفس بما كسبت، من خير و شرّ،فيجزي المحسن بإحسانه،و المسيء بإساءته.(13:257)

نحوه البغويّ(3:49)،و الميبديّ(5:280)، و الخازن(4:45)،و البروسويّ(4:437)،و المراغيّ (13:170).

الطّوسيّ: أخبر اللّه تعالى بأنّه إنّما فعل ما تقدّم ذكره لِيَجْزِيَ اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ الّذي كسبت،إن كسبت خيرا أتاها اللّه بالنّعيم الأبديّ في الجنّة،و إن كفرت و جحدت و كسبت شرّا،عاقبها بنار جهنّم مخلدة فيها.

(6:311)

نحوه الطّبرسيّ.(3:325)

الواحديّ: ليقع لهم الجزاء من اللّه بما كسبوا،يعني الكفّار.(3:37)

ابن عطيّة: و قوله:(ليجزى)أي لكي يجزي، و اللاّم متعلّقة بفعل مضمر،تقديره:فعل هذا،و أنفذ هذا العقاب على المجرمين،ليكون في ذلك جزاء المسيء على إساءته.

و جاء من لفظة«الكسب»بما يعمّ المسيء و المحسن، لينبّه على أنّ المحسن أيضا يجازى بإحسانه خيرا.

(3:348)

العكبريّ: أي فعلنا ذلك للجزاء،و يجوز أن يتعلّق ب(برزوا).(2:775)

النّيسابوريّ: قوله:(ليجزى)اللاّم متعلّقة ب(تغشى)أو بجميع ما ذكر،كأنّه قيل:يفعل بالمجرمين ما يفعل لِيَجْزِيَ اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ. (13:141)

أبو حيّان :[نقل كلام الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و يظهر أنّها[اللاّم]تتعلّق بقوله:(و برزوا)أي الخلق كلّهم،و يكون(كلّ نفس)عامّا،أي مطيعة و مجرمة،و الجملة من قوله:(و ترى)معترضة.(5:441)

أبو السّعود : لِيَجْزِيَ اللّهُ متعلّق بمضمر،أي يفعل بهم ذلك ليجزي كلّ نفس مجرمة ما كسبت من أنواع الكفر و المعاصي،جزاء موافقا لعملها.و فيه:إيذان بأنّ جزاءهم مناسب لأعمالهم.

أو بقوله:(برزوا)على تقدير كونه معطوفا على (تبدّل)و الضّمير للخلق.

و قوله: وَ تَرَى الْمُجْرِمِينَ إلخ،اعتراض بين المتعلّق و المتعلّق به،أي برزوا للحساب ليجزي اللّه كلّ نفس مطيعة أو عاصية ما كسبت من خير أو شرّ،و قد اكتفي بذكر عقاب العصاة،تعويلا على شهادة الحال، لا سيّما مع ملاحظة سبق الرّحمة الواسعة.(3:505)

نحوه الآلوسيّ(13:257)،و القاسميّ(10:3743).

مغنيّة:[ذكر آيات و قال:]

و معنى هذه الآيات بمجموعها أنّ الجرائم و السّيّئات على أنواع:منها الصّغيرة الحقيرة،و منها الكبيرة الخطيرة،و إنّه تعالى قد أعدّ لكلّ جريمة عقوبتها على أساس الحقّ و العدل،لا تزيد،و قد تخفّف حسبما تستدعيه حكمته البالغة،و قوله تعالى: فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها الأنعام:160،صريح في ذلك،بل و حصر أيضا.

أجل،هنا سؤال ينبغي أن يسأله كلّ عاقل،و هو:

من الّذي يستحقّ هذا النّوع من العذاب الشّديد الأليم؟

ص: 481

و هل هناك جريمة تستوجب كلّ هذا النّكال العظيم الدّائم الّذي له أوّل و ليس له آخر،كما قال تعالى: لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها فاطر:36.

الجواب:نعم،إنّ في النّاس مجرمين يستحقّون هذا النّوع من العذاب الأليم،و أكثر منه أيضا،و من هؤلاء الّذين يحاربون الحقّ أو يكتمونه و هم يعلمون،سواء أ كان هذا الحقّ للّه أم للنّاس.و أعظم منهم جرما تجّار الحروب الّذين أعدّوا لسفك الدّماء و تدمير الحياة الأسلحة الجهنّميّة،كالقنابل الذّرّيّة و الهيدروجينيّة، و الموادّ السّامّة الّتي تقتل المئات بل و الملايين في دقائق معدودات.إنّ أيّة عقوبة يعاقب بها السّفّاحون فهي دون ما يستحقّون،و ليست السّلاسل و الأصفاد و سرابيل النّيران بشيء،في جانب تدمير البلاد و تشريد العباد،و تشويههم و تقتيلهم بمئات الألوف.ثمّ هل الشّرر المتطاير من جهنّم أسوأ أثرا من القنبلة الذّرّيّة الّتي ألقيت على هيروشيما،مع العلم بأنّ نسبتها من حيث الأثر إلى ما يملكه السّفّاحون الآن من القنابل، كنسبة الواحد إلى الألف؟و هل طعام الزّقّوم،و ماء الصّديد أشدّ فتكا بالأجسام و الأرواح من سلاح الجراثيم الّذي يستعمله الآن أعداء اللّه و الإنسانيّة في فيتنام،و من قبل في كوريا؟

و سبق عند تفسير الآية(27)من هذه السّورة:أنّ الإنسان إذا مسّته ذرّة من سلاح الجراثيم تقلّصت عضلاته،و برزت عيناه،و مات في الحال.فهل بعد هذا يشكّ عاقل في أنّ الحلم بأصحاب هذا السّلاح ظلم، و أنّ الرّحمة بهم إثم،و إنّهم لو عوقبوا بأشدّ من عذاب جهنّم لكان عقابهم حقّا و عدلا؟هل يستكثر أيّ نوع من أنواع العذاب على من لا يروي ظمأه إلاّ دماء الألوف،و لا يشبع جوعه إلاّ أقوات الملايين و مقدّراتهم؟ و لو لم يكن دليل على البعث و الحساب إلاّ وجود هذه المظالم لكفى؛إذ لو كانت الدّنيا هي كلّ شيء،و ليس من وراءها عالم آخر تردّ فيه الحقوق إلى أصحابها و يجد كلّ ظالم الجزاء الّذي يستحقّه،لكان الموت خيرا من الحياة، و الظّلم أفضل من العدل.(4:460)

الطّباطبائيّ: معنى الآية واضح،و هي بظاهرها تدلّ على أنّ الّذي تجزى به كلّ نفس،هو عين ما كسبته من حسنة أو سيّئة،و إن تبدلّت صورته،فهي من الآيات الدّالّة على أنّ الّذي يلحق بهم يوم القيامة هو نتيجة أعمالهم.

فالآية تفسّر أوّلا:معنى الجزاء في يوم الجزاء، و ثانيا:معنى انتقامه تعالى يومئذ،و أنّه ليس من قبيل عقوبة المجرم العاصي تشفّيا منه،بل إلحاق ما يستدعيه عمل المجرم به،و إن شئت فقل:إيصال ما اكتسبه المجرم بعينه إليه.

و في تعليل هذا الجزاء،و هو في يوم القيامة بقوله:

إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ إيماء إلى أنّ الجزاء واقع من غير فصل و مهل،إلاّ أنّ ظرف ظهوره هو ذلك اليوم لا غير،أو أنّ الحكم بالجزاء و كتابته واقع عند العمل و تحقّقه يوم القيامة،و مآل الوجهين واحد في الحقيقة.

(12:90)

عبد الكريم الخطيب :هو تعليل لهذا البلاء العظيم

ص: 482

و هذا الهوان المهين،الّذي يلقاه هؤلاء الظّالمون يوم القيامة،فهذا بما كسبته أيديهم.و قد كان من عدل اللّه سبحانه أن يعاقب المذنبين الظّالمين،و أن يثيب المحسنين المتّقين،و هو سبحانه و تعالى يقول: أَ فَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ* ما لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ القلم:

35،36.(7:206)

فضل اللّه :و إذا كان البعض يستبعدون مثل هذا العقاب،كجزاء على جريمة الإنسان لأنّها مهما كبرت فلن تكون بحجم هذا العذاب،فإنّنا نثير أمام هذا البعض أنّ العقاب لا بدّ من أن يكون منسجما مع حجم النّتائج العمليّة السّلبيّة في حياة البلاد و العباد،و ليس من الضّروريّ أن يكون منسجما مع حجم الجريمة على مستوى الكمّ،و أيّة جريمة أفظع من جريمة الكفر باللّه الّذي يبعد الحياة عن الانسجام مع شريعة اللّه،في أوامره و نواهيه.(13:131)

5- لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ. الرّوم:45

الطّوسيّ: إخبار منه تعالى أنّه الّذي يجزي الّذين يطيعون اللّه تعالى و يجتنبون معاصيه،ثواب الجنّة،من فضله على خلقه.(8:258)

نحوه الميبديّ.(7:460)

الزّمخشريّ: (ليجزى)متعلّق ب(يمهدون)تعليل له.[إلى أن قال:]

و تكرير اَلَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ و ترك الضّمير إلى الصّريح،لتقرير أنّه لا يفلح عنده إلاّ المؤمن الصّالح،و قوله: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ تقرير بعد تقرير على الطّرد و العكس.(3:225)

نحوه القرطبيّ.(14:43)

ابن عطيّة: اللاّم في(ليجزى)متعلّقة ب(يصّدّعون)الرّوم:43،و يجوز أن تكون متعلّقة بمحذوف،تقديره:ذلك،أو فعل ذلك(ليجزى)، و تكون الإشارة إلى ما تقرّر من قوله تعالى:(من كفر) الرّوم:43.(4:341)

الطّبرسيّ: أي ليجزيهم على قدر استحقاقهم، و يزيدهم من فضله.(4:307)

الفخر الرّازيّ: ذكر زيادة تفصيل لما يمهده المؤمن لفعله الخير و عمله الصّالح،و هو الجزاء الّذي يجازيه به اللّه،و الملك إذا كان كبيرا كريما،و وعد عبدا من عباده بأنّي أجازيك،يصل إليه منه أكثر ممّا يتوقّعه،ثمّ أكّده بقوله:(من فضله)يعني أنا المجازي،فكيف يكون الجزاء،ثمّ إنّي لا أجازيك من العدل،و إنّما أجازيك من الفضل،فيزداد الرّجاء.(25:129)

البيضاويّ: علّة ليمهدون أو ليصّدّعون،و الاقتصار على جزاء المؤمنين للإشعار بأنّه المقصود بالذّات، و الاكتفاء على فحوى قوله: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ.

فإنّ فيه إثبات البغض لهم و المحبّة للمؤمنين،و تأكيد اختصاص الصّلاح المفهوم من ترك ضميرهم إلى التّصريح بهم،تعليل له.(2:223)

نحوه النّسفيّ ملخّصا(3:274)،و أبو السّعود(5:

179)،و البروسويّ(7:48)،و شبّر ملخّصا(5:94)، و طه الدّرّة(11:129).

ص: 483

الآلوسيّ: [نقل كلام الزمخشريّ و قال:]

و بيانه فيما نحن فيه،أنّ قوله تعالى: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا يدلّ بمنطوقه على ما قرّر على اختصاصهم بالجزاء التّكريميّ،و بمفهومه على أنّهم أهل الولاية و الزّلفى،و قوله سبحانه: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ لتعليل الاختصاص،يدلّ بمنطوقه على أنّ عدم المحبّة يقتضي حرمانهم،و بمفهومه على أنّ الجزاء لأضدادهم موفّر،فهو جلّ و علا محبّ للمؤمنين.

و ذكر العلاّمة الطّيّبيّ: الظّاهر أنّ فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ الْقَيِّمِ الرّوم:43،الآية بتمامها كالمورد للسّؤال و الخطاب،لكلّ أحد من المكلّفين،و مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ الرّوم:44.الآية وارد على الاستئناف منطو على الجواب،فكأنّه لمّا قيل:أقيموا على الدّين القيّم قبل مجيء يوم يتفرّقون فيه،فقيل:ما للمقيمين على الدّين و ما على المنحرفين عنه،و كيف يتفرّقون؟فأجيب:

مَنْ كَفَرَ فَعَلَيْهِ كُفْرُهُ الآية.و أمّا قوله: لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا الآية،فينبغي أن يكون تعليلا للكلّ، ليفصل ما يترتّب على ما لهم و عليهم.لكن يتعلّق ب(يمهدون)وحده،لشدّة العناية بشأن الإيمان و العمل الصّالح،و عدم الإعباء بعمل الكافر،و لذلك وضع موضعه إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ انتهى،فلا تغفل.

(21:50)

الطّباطبائيّ: اللاّم للغاية،و لا ينافي عدّ ما يؤتيهم جزاء-و فيه معنى المقابلة-عدّه من فضله،و فيه معنى عدم الاستحقاق؛و ذلك لأنّهم بأعيانهم و ما يصدر عنهم من أعمالهم ملك طلق للّه سبحانه،فلا يملكون لأنفسهم شيئا حتّى يستحقّوا به أجرا،و أين العبوديّة من الملك و الاستحقاق،فما يؤتونه من الجزاء فضل من غير استحقاق.

لكنّه سبحانه بفضله و رحمته اعتبر لهم ملكا لأعمالهم في عين أنّه يملكهم و يملك أعمالهم،فجعل لهم بذلك حقّا يستحقّونه،و جعل ما ينالونه من الجنّة و الزّلفى أجرا مقابلا لأعمالهم،و هذا الحقّ المجعول أيضا فضل آخر منه سبحانه.

و منشأ ذلك حبّه تعالى لهم،لأنّهم لمّا أحبّوا ربّهم أقاموا وجوههم الدّين القيّم،و اتّبعوا الرّسول فيما دعا إليه فأحبّهم اللّه،كما قال: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللّهُ آل عمران:31.

و لذا كانت الآية تعدّ ما يؤتيهم اللّه من الثّواب جزاء، و فيه معنى المقابلة و المبادلة،و تعدّ ذلك من فضله،نظرا إلى أنّ نفس هذه المقابلة و المبادلة فضل منه سبحانه، و منشؤه حبّه تعالى لهم،كما يؤمئ إليه تذييل الآية، بقوله: إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ و من هنا يظهر أنّ قوله:

إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ يفيد التّعليل بالنّسبة إلى جانبي النّفي و الإثبات جميعا،أي إنّه تعالى يخصّ المؤمنين العاملين للصّالحات بهذا الفضل،و يحرم الكافرين منه، لأنّه يحبّ هؤلاء و لا يحبّ هؤلاء.(16:198)

عبد الكريم الخطيب :التّعليل هنا،هو لقوله:

وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً فَلِأَنْفُسِهِمْ يَمْهَدُونَ الرّوم:44، أي إنّ الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات،قد توسّلوا بهذه الوسيلة إلى مرضاة اللّه،ليجزيهم الجزاء الحسن،من فضله و إحسانه.

ص: 484

و جاء التّعبير بالظّاهر لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا بدلا من المضمر(ليجزيهم)للتّنويه بهم،بذكر الصّفات الطّيّبة الّتي اتّصفوا بها،و الّتي كانت سببا في رضا اللّه عنهم، و إسباغ فضله و إحسانه عليهم.(11:533)

6- يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَ اخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَ لا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّهِ الْغَرُورُ. لقمان:33

ابن عبّاس: (لا يجزى):لا يغني،(جاز)مغن.

(347)

نحوه زيد بن عليّ(322)،و الطّباطبائيّ(16:

238).

كلّ امرئ يهمّه نفسه.(الواحديّ 3:447)

مقاتل: لا يغني والد عن ولده شيئا،أي لا ينفعه، يعني:الكفّار.(الواحديّ 3:447)

نحوه ابن قتيبة(345)،و الطّبريّ(21:86).

الضّبّيّ: لا يقضي والد عن ولده.

مثله ابن كامل.(الماورديّ 4:349)

نحوه ابن الجوزيّ(6:329)،و ابن جزيّ(3:

129).

الزّجّاج: (جاز)في المصحف بغير ياء،و الأصل «جازي».

و ذكر سيبويه و الخليل :أنّ الاختيار في الوقف هو «جاز»،بغير ياء،و الأصل«جازي»بضمّة و تنوين، فثقلت الضّمّة في الياء،فحذفت و سكّنت الياء و التّنوين،فحذفت الياء لالتقاء السّاكنين و كان ينبغي أن يكون في الوقف بياء،لأنّ التّنوين قد سقط،و لكنّ الفصحاء من العرب وقفوا بغير ياء،ليعلموا أنّ هذه الياء تسقط في الوصل.و زعم يونس أنّ بعض العرب الموثوق بهم يقف بياء،و لكنّ الاختيار اتباع المصحف،و الوقف بغير ياء.(4:202)

نحوه القيسيّ.(2:185)

الرّمّانيّ: لا يغني والد عن ولده،يقال:جزيت، عنك،بمعنى أغنيت عنك.(الماورديّ 4:349)

الماورديّ: فيه[لا يجزى]ثلاثة تأويلات:[فذكر قول الضّبّيّ و الرّمّانيّ و قال:]

الثّالث:لا يحمل والد عن ولده.[ثمّ استشهد بشعر]

(4:349)

الطّوسيّ: يعني يوم القيامة الّذي لا يغني فيه أحد عن أحد،لا والد عن ولده و لا ولد عن والده،يقال:

جزيت عنك أجزي،إذا أغنيت عنك،و فيه لغة أخرى:

أجزأ يجزئ من«أجزأت»بالهمزة.(8:289)

الميبديّ: أي لا يغني عنه شيئا و لا يدفع عنه مضرّة.و معنى(يجزى)يقضي،يقال:جزاه دينه،إذا قضاه،و التّقدير:لا يجزي فيه،إلاّ أنّه حذف،لأنّ «اليوم»يدلّ عليه، وَ لا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ مغن و لا قاض عَنْ والِدِهِ شَيْئاً و المعنى لا يحمل شيئا من سيّئاته و لا يعطيه شيئا من طاعاته.(7:509)

الزّمخشريّ: (لا يجزى):لا يقضي عنه شيئا،و منه قيل للمتقاضي:المتجازي،و في الحديث في جذعة ابن نيار:«تجزي عنك و لا تجزي عن أحد بعدك».

ص: 485

و قرئ (لا يجزئ) :لا يغني،يقال:أجزأت عنك مجزأ فلان.

و المعنى:لا يجزي فيه،فحذف.(3:238)

نحوه البيضاويّ(2:232)،و الكاشانيّ(4:151)، و المشهديّ(8:52).

ابن عطيّة: [نحو الضّبّيّ ثمّ قال:]

و هُوَ جازٍ جملة في موضع الصّفة،أي و لا يجزي مولود،قد كان في الدّنيا يجزي.(4:356)

الطّبرسيّ: (لا يجزى)في موضع نصب،بأنّه صفة «يوم»و التّقدير:لا يجزي فيه والد عن ولده،و لا يكون مولود هو جاز عن والده شيئا،انتصب(شيئا)بأنّه مفعول(جاز)و مفعول(يجزى)محذوف،و يجوز أن يكون سدّ مسدّ مفعوليهما جميعا.(4:323)

الفخر الرّازيّ: لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ و ذلك لأنّ المجرم إذا علم أنّ له عند الملك من يتكلّم في حقّه و يقضي ما يخرج عليه برفد من كسبه،لا يخاف،مثل ما يخاف إذا علم أنّه ليس له من يقضي عنه ما يخرج عليه ثمّ ذكر شخصين في غاية الشّفقة و المحبّة،و هما الوالد و الولد،ليستدلّ بالأدنى على الأعلى.

و ذكر الولد و الوالد جميعا فيه لطيفة،و هي أنّ من الأمور ما يبادر الأب إلى التّحمّل عن الولد،كدفع المال و تحمّل الآلام،و الولد لا يبادر إلى تحمّله عن الوالد،مثل ما يبادر الوالد إلى تحمّله عن الولد،و منها:ما يبادر الولد إلى تحمّله عن الوالد،و لا يبادر الوالد إلى تحمّله عن الولد كالإهانة.فإنّ من يريد إحضار والد أحد عند وال أو قاض يهون على الابن أن يدفع الإهانة عن والده و يحضر هو بدله.فإذا انتهى الأمر إلى الإيلام يهون على الأب أن يدفع الإيلام عن ابنه و يتحمّله هو بنفسه، فقوله: لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ في دفع الآلام وَ لا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً في دفع الإهانة.

و في قوله:(لا يجزى)و قوله: وَ لا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ لطيفة أخرى:و هي أنّا ذكرنا أنّ الفعل يتأتّى و إن كان ممّن لا ينبغي و لا يكون من شأنه،لأنّ الملك (1)إذا كان يخيط شيئا يقال:إنّه يخيط،و لا يقال:هو خيّاط، و كذلك من يحوك شيئا و لا يكون ذلك صنعته،يقال:هو يحوك،و لا يقال:هو حائك،إذا علمت هذا،فنقول:

الابن من شأنه أن يكون جازيا عن والده لما له عليه من الحقوق،و الوالد يجزي لما فيه من الشّفقة،و ليس بواجب عليه ذلك،فقال في الوالد:(لا يجزى)و قال في الولد: وَ لا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ. (25:163)

نحوه النّيسابوريّ(21:57)،و الخازن(5:182).

ابن عربيّ: وَ اتَّقُوا يَوْماً: احذروه في الظّهور بأفعالكم،و صفاتكم،و ذواتكم بالفناء فيه عنها وَ اخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ لانقطاع الوصل عند بروزكم للّه،المتجلّي بالوحدة و القهر، و لا يبقى وجود للوالد و الولد،فلا يجزي،بعضهم عن بعض شيئا.(2:272)

القرطبيّ: فإن قيل:فقد قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«من مات له ثلاثة من الولد لم يبلغوا الحنث،لم تمسّه النّار إلاّ تحلّة القسم»،و قال:«من ابتلى بشيء من هذه البنات فأحسن إليهنّ،كنّ له حجابا من النّار».ك.

ص: 486


1- كذا و الظّاهر:المالك.

قيل له:المعنيّ بهذه الآية أنّه لا يحمل والد ذنب ولده،و لا مولود ذنب والده،و لا يؤاخذ أحدهما عن الآخر.و المعنيّ بالأخبار:أنّ ثواب الصّبر على الموت، و الإحسان إلى البنات يحجب العبد عن النّار،و يكون الولد سائقا له إلى الجنّة.(14:81)

أبو حيّان :(لا يجزى)لا يقضي،و منه قيل للمتقاضي:المتجازي،و تقدّم الكلام في ذلك في أوائل البقرة.و لمّا كان الوالد أكثر شفقة على الولد من الولد على أبيه،بدأ به أوّلا و أتى في الإسناد إلى الوالد بالفعل المقتضي للتّجدّد،لأنّ شفقته متجدّدة على الولد في كلّ حال،و أتى في إسناد إلى الولد باسم الفاعل،لأنّه يدلّ على الثّبوت،و الثّبوت يصدق بالمرّة الواحدة.

و الجملة من(لا يجزى)صفة ل(يوم)و الضّمير محذوف،أي منه،فإمّا أن يحذف برمّته،و إمّا على التّدريج حذف الخبر فتعدّى الفعل إلى الضّمير،و هو منصوب فحذف.

و قرأ الجمهور (لا يَجْزِي) مضارع«جزى»،و عكرمة بضمّ الياء و فتح الزّاي مبنيّا للمفعول،و أبو السّمّاك و عامر ابن عبد اللّه و أبو السّوار(لا يجزئ)بضمّ الياء و كسر الزّاي مهموزا،و معناه لا يغني،يقال:أجزأت عنك جزاء فلان،أي أغنيت.(7:194)

نحوه الشّربينيّ(3:199)،و أبو السّعود(5:195)، و الآلوسيّ(21:107).

ابن كثير :أي لو أراد أن يفديه بنفسه لما قبل منه، و كذلك لو أراد فداء والده بنفسه،لم يقبل منه.

(5:398)

البروسويّ: أي لا يقضي عنه شيئا من الحقوق، و لا يحمل من سيّئاته و لا يعطيه من طاعاته،يقال:جزاه دينه،إذا قضاه.[إلى أن قال:]

هُوَ جازٍ: قاد و مؤدّ.(7:100)

ابن عاشور :و جملة لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ...

صفة«يوم»و حذف منها العائد المجرور ب«في»توسّعا بمعاملته معاملة العائد المنصوب،كقوله: وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً البقرة:48.

و جزى إذا عدّي ب«عن»فهو بمعنى قضى عنه، و دفع عنه،و لذلك يقال للمتقاضي:المتجازي.

(21:132)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ جملة لا يَجْزِي من مادّة الجزاء،و الجزاء قد ورد بمعنيين من النّاحية اللّغويّة:

أحدهما:المكافأة و المعاقبة مقابل شيء،كما يقال:

جزاه اللّه خيرا.

و الآخر:الكفاية و النّيابة و التّحمّل للشّيء عن الآخرين،كما جاء في الآية مورد البحث: لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ.

و من الممكن أن يعود كلا المعنيين إلى أصل واحد، لأنّ الثّواب و العقاب يحلاّن محلّ العمل و ينوبان عنه، و هما بمقداره أيضا،تأمّلوا ذلك.

على كلّ حال،فإنّ كلّ إنسان في ذلك اليوم مشغول بنفسه،و مبتلى بتعقيدات أعماله و منحنياتها،و لا ينظر إلى أحد و لا يهتمّ به،حتّى و إن كان أبوه و ابنه الّذي كانت تربطه به أقرب الرّوابط،فلا يفكّر أحد بآخر مطلقا.

إنّ هذه الآية نظير ما ورد في بداية سورة الحجّ؛

ص: 487

حيث تقول حول القيامة و الزّلزلة: يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ.

و ممّا يستحقّ الانتباه أنّه يعبّر ب(لا يجزى)في مورد الأب،و هي صيغة المضارع،أمّا في شأن الابن فإنّه يعبّر باسم الفاعل(جاز)و هذا التّفاوت في التّعبير يمكن أن يكون من باب التّنوّع في الكلام،أو أن يكون إشارة إلى واجب و مسئوليّة الابن تجاه الأب،لأنّ اسم الفاعل يؤدّي معنى الدّوام و التّكرار أكثر.

و بتعبير آخر،فإنّ من المنتظر من العواطف الأبويّة أن يتحمّل الأب العذاب عن ابنه في بعض المواضع،كما كان يشتري ما يفتدي في الدّنيا بروحه،لكن ينتظر من الابن أن يشتري مصائب الأب و يتحمّلها عنه أكثر وفاء لحقوق الأبوّة المترتّبة عليه،في حين أنّ أيّا منهما لا يتحمّل أدنى مشكلة عن الآخر،و كلّ منهما مشغول بأعماله،و حائر في أمره و نفسه.(13:70)

لاحظ«و ل د»(مولود)

6- لِيَجْزِيَ اللّهُ الصّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَ يُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً.

الأحزاب:24

الطّبريّ: ليثيب اللّه أهل الصّدق بصدقهم اللّه بما عاهدوه عليه،و وفاءهم له به.(21:148)

نحوه الزّجّاج(4:223)،و الخازن(5:204)، و القاسميّ(13:4838).

القشيريّ: في الدّنيا يجزي الصّادقين بالتّمكين و النّصرة على العدوّ و إعلاء الرّاية،و في الآخرة بجميل الثّواب و جزيل المآب،و الخلود في النّعيم المقيم، و التّقديم على الأمثال بالتّكريم و التّعظيم.(5:158)

ابن عطيّة: و اللاّم في قوله تعالى:(ليجزى)لام الصّيرورة و العاقبة،و يحتمل أن تكون لام«كي».

(4:378)

الفخر الرّازيّ: أي بصدق ما وعدهم في الدّنيا و الآخرة كما صدقوا مواعيدهم،و يعذّب المنافقين الّذين كذّبوا و أخلفوا.(25:203)

العكبريّ: لِيَجْزِيَ اللّهُ يجوز أن تكون لام العاقبة،و أن يتعلّق ب(صدق)،أو ب(زادهم)،أو ب(ما بدّلوا).(2:1055)

ابن عربيّ: لِيَجْزِيَ اللّهُ الصّادِقِينَ... جنّات الصّفات.(2:289)

الآلوسيّ: و الظّاهر أنّ اللاّم في(ليجزى)للتّعليل، و الكلام عند كثير تعليل للمنطوق،من نفي التّبديل عن الّذين صدقوا ما عاهدوا اللّه عليه،و المعرّض به من إثبات التّعريض لمن سواهم من المنافقين،فإنّ الكلام على ما سمعت في قوّة وَ ما بَدَّلُوا تَبْدِيلاً كما بدّل المنافقون،فقوله:(ليجزى)و(يعذّب)متعلّق بالمنفيّ و المثبت على اللّف و النّشر التّقديريّ،و جعل تبديل المنافقين علّة للتّعذيب،مبنيّ على تشبيه المنافقين بالقاصدين عاقبة السّوء،على نهج الاستعارة المكنيّة، و القرينة إثبات معنى التّعليل.

و قيل:إنّ اللاّم للعلّة حقيقة بالنّظر إلى المنطوق، و مجازا بالنّظر إلى المعرّض به،و يكون من باب الجمع بين الحقيقة و المجاز،و قد جوّزه من جوّزه.

و قيل:لا يبعد جعل(ليجزى)إلخ تعليلا للمنطوق

ص: 488

المقيّد بالمعرّض به،فكأنّه قيل:ما بدّلوا كغيرهم ليجزيهم بصدقهم،و يعذّب غيرهم إن لم يتب،و أنّه يظهر بحسن صنيعهم قبح غيره،و بضدّها تتبيّن الأشياء.

و قيل:تعليل ل(صدقوا)و حكي ذلك عن الزّجّاج، و قيل:لما يفهم من قوله تعالى: وَ ما زادَهُمْ إِلاّ إِيماناً وَ تَسْلِيماً و قيل:لما يستفاد من قوله تعالى: وَ لَمّا رَأَ الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزابَ الأحزاب:22،كأنّه قيل:

ابتلاهم اللّه تعالى برؤية ذلك الخطب(ليجزى)الآية.

و اختاره الطّيّبيّ قائلا:إنّه طريق أسهل مأخذا و أبعد عن التّعسّف و أقرب إلى المقصود،من جعله تعليلا للمنطوق و المعرّض به.

و اختار شيخ الإسلام كونه متعلّقا بمحذوف و الكلام مستأنف مسوق بطريق الفذلكة،لبيان ما هو داع إلى وقوع ما حكي من الأقوال و الأفعال على التّفصيل و غاية،كما في قوله تعالى: لِيَسْئَلَ الصّادِقِينَ عَنْ صِدْقِهِمْ الأحزاب:8،كأنّه قيل:وقع جميع ما وقع (ليجزى اللّه)إلخ،و هو عندي حسن،و إن كان فيه حذف فتأمّل.ذاك و اللّه تعالى يتولّى هداك.(21:174)

ابن عاشور :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و الجزاء:الثّواب،لأنّ أكثر ما يستعمل فعل«جزي» أن يكون في الخير،و لأنّ ذكر سبب الجزاء،و هو (بصدقهم)يدلّ على أنّه جزاء إحسان،و قد جاء «الجزاء»في ضدّ ذلك،في قوله تعالى: اَلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ الأنعام:93.(21:228)

لاحظ«ص د ق».

7- لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ. سبأ:4

ابن عبّاس: لكي يجزي اَلَّذِينَ آمَنُوا بمحمّد عليه الصّلاة و السّلام،و القرآن.(359)

الطّوسيّ: ...إنّه إنّما أثبت ذلك في الكتاب المبين لِيَجْزِيَ على ذلك الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات بنعيم الجنّة.(8:375)

نحوه الطّبرسيّ.(4:377)

الواحديّ: أي لتأتينّكم السّاعة ليجزي الّذين آمنوا.(3:487)

مثله الميبديّ.(8:109)

الزّمخشريّ: قوله:(ليجزى)فقد وضع اللّه في العقول و ركّب في الغرائز وجوب الجزاء،و أنّ المحسن لا بدّ له من ثواب و المسيء لا بدّ له من عقاب،و قوله:

(ليجزى)متّصل بقوله:(لتاتينّكم)تعليلا له.

(3:279)

ابن عطيّة: و اللاّم من قوله تعالى:(ليجزى)يصحّ أن تكون متعلّقة بقوله:(لتاتينّكم)،و يصحّ أن تكون متعلّقة بقوله:(لا يعزب)،و يصحّ أن تكون متعلّقة بما في قوله: إِلاّ فِي كِتابٍ مُبِينٍ من معنى الفعل،لأنّ المعنى:

إلاّ أثبته في كتاب مبين.(4:405)

الفخر الرّازيّ: اللاّم في(ليجزى)للتّعليل،معناه الآخرة للجزاء.

فإن قال قائل:فما وجه المناسبة؟

فنقول:اللّه تعالى أراد أن لا ينقطع ثوابه،فجعل للمكلّف دارا باقية ليكون ثوابه واصلا إليه دائما أبدا،

ص: 489

و جعل قبلها دارا فيها الآلام و الأسقام و فيها الموت، ليعلم المكلّف مقدار ما يكون فيه في الآخرة،إذا نسبه إلى ما قبلها،و إذا نظر إليه في نفسه.(25:242)

العكبريّ: قوله تعالى:(ليجزى)تتعلّق بمعنى (لا يعزب)فكأنّه قال:يحصي ذلك ليجزي.(2:1062)

نحوه أبو حيّان.(7:258)

البيضاويّ: علّة لقوله:(لتاتينّكم)،و بيان لما يقتضي إتيانها.(2:255)

الطّباطبائيّ: [نحو البيضاويّ،ثمّ قال:]

و في الآية بيان أحد السّببين لقيام السّاعة،و هو أن يجزي اللّه الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات،بالمغفرة و الرّزق الكريم،و هو الجنّة بما فيها.و السّبب الأخير ما يشير إليه قوله: وَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ إلخ.(16:358)

ابن عاشور :لام التّعليل تتعلّق بفعل(لتاتينّكم) سبأ:3،دون تقييد الإتيان بخصوص المخاطبين بل المراد من شملهم و غيرهم،لأنّ جزاء الّذين آمنوا لا علاقة له بالمخاطبين،فكأنّه قيل:لتأتينّ السّاعة ليجزي الّذين آمنوا،و يجزي الّذين سعوا في آياتنا معاجزين،و هم المخاطبون،و ضمير(يجزى)عائد إلى عالِمِ الْغَيْبِ سبأ:3.

و المعنى أنّ الحكمة في إيجاد السّاعة للبعث و الحشر، هي جزاء الصّالحين على صلاح اعتقادهم و أعمالهم،أي جزاء صالحا مماثلا،و جزاء المفسدين جزاء سيّئا،و علم نوع الجزاء من وصف الفريقين من أصحابه.(22:13)

عبد الكريم الخطيب :اللاّم في لِيَجْزِيَ...

هي لام العاقبة،أي أنّ عاقبة هذا العلم من اللّه سبحانه و تعالى لما يعمل النّاس من خير أو شرّ،هو الحساب و الجزاء،فيجزي الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات،جزاء حسنا،و يجزي الّذين أساءوا السّوأى عذاب الجحيم.

و قد أطلق الجزاء الّذي يجزي به اللّه الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات،فلم يقيّد بأنّه جزاء حسن،للدّلالة على أنّه أمر واضح لا يحتاج إلى بيان؛إذ ليس للإحسان جزاء إلاّ الإحسان،كما يقول سبحانه: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ الرّحمن:60.(11:777)

مكارم الشّيرازيّ: فإن لم يجز المؤمنين بصالح عملهم ثوابا،أ فلا يعني ذلك تعطيل أصل العدالة،الّذي هو أعظم أصول الخلقة أهمّيّة؟و هل من معنى لعدالة اللّه بدون ذلك المفهوم؟في الوقت الّذي نرى أنّ أغلب هؤلاء الأفراد الصّالحين،لا يتلقّون جزاء أعمالهم الحسنة في هذه الدّنيا أبدا؛إذن لا بدّ من عالم آخر لكي يتحقّق فيه هذا الأصل.(13:355)

8- قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيّامَ اللّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ. الجاثية:14

الطّبريّ: يقول:ليجزي اللّه هؤلاء الّذين يؤذونهم من المشركين في الآخرة،فيصيبهم عذابه بما كانوا في الدّنيا يكسبون من الإثم،ثمّ بإذاهم أهل الإيمان باللّه.

[إلى أن قال:]

و اختلفت القرّاء في قراءة لِيَجْزِيَ قَوْماً فقرأه بعض قرّاء المدينة و البصرة و الكوفة لِيَجْزِيَ بالياء على وجه الخبر عن اللّه،أنّه يجزيهم و يثيبهم.و قرأ ذلك بعض عامّة قرّاء الكوفيّين (لنجزى) بالنّون على وجه

ص: 490

الخبر من اللّه عن نفسه.و ذكر عن أبي جعفر القارئ أنّه كان يقرؤه (ليجزى قوما) على مذهب ما لم يسمّ فاعله، و هو على مذهب كلام العرب لحن،إلاّ أن يكون أراد:

ليجزى الجزاء قوما،بإضمار الجزاء،و جعله مرفوعا (ليجزى) ،فيكون وجها من القراءة،و إن كان بعيدا.

و الصّواب من القول في ذلك عندنا:أنّ قراءته بالياء و النّون على ما ذكرت-من قراءة الأمصار-جائزة بأيّ تينك القراءتين قرأ القارئ.فأمّا قراءته على ما ذكرت عن أبي جعفر،فغير جائزة عندي لمعنيين:

أحدهما:أنّه خلاف لما عليه الحجّة من القرّاء،و غير جائز عندي خلاف ما جاءت به مستفيضا فيهم.

و الثّاني بعدها من الصّحّة في العربيّة،إلاّ على استكراه الكلام على غير المعروف من وجهه.(25:144)

نحوه أبو زرعة(660)،و البغويّ(4:185)،و ابن عطيّة(5:83)،و العكبريّ(2:1151)،و القرطبيّ (16:162)،و الشّربينيّ(3:596)،و أبو السّعود(6:

59)،و المشهديّ(9:423)،و شبّر(5:453).

الطّوسيّ: يحتمل معنيين:

أحدهما:قل لهم يغفروا لهم،فإنّ اللّه يجازيهم يعني الكفّار،فإنّهم إليه يرجعون.

الثّاني:أن يكون المعنى ليجزيهم اللّه يعني المؤمنين، و يعظم أجرهم على احتمالهم و صبرهم و لن يفوتوه يعني الكافرين بل إليه مرجعهم.(9:253)

نحوه الطّبرسيّ(5:75)،و الفخر الرّازيّ(27:

263)،و الخازن(6:127)،و ابن كثير(6:266).

الواحديّ: أي ليجزي اللّه الكفّار بما عملوا من السّيّئات،كأنّه قال:لا تكافئوهم أنتم لنكافئهم نحن.

(4:96)

الزّمخشريّ: (ليجزى)تعليل للأمر بالمغفرة،أي إنّما أمروا بأن يغفروا لما أراده اللّه من توفّيهم جزاء مغفرتهم يوم القيامة.(3:511)

أبو البركات: [نحو الطّبريّ إلاّ أنّه قال:]

و من قرأ(ليجزى)نصب(قوما)على تقدير:

ليجزى الجزاء قوما.و هذا لا يستقيم على مذهب البصريّين،لأنّ المصدر لا يجوز إقامته مقام الفاعل مع مفعول صحيح،و أجازه الأخفش و الكوفيّين.(2:365)

نحوه النّسفيّ(4:135)،و أبو حيّان(8:45).

البروسويّ: [نحو الزّمخشريّ ثمّ قال:]

فإن قلت:مطلق الجزاء لا يصلح تعليلا للأمر بالمغفرة،لتحقّقه على تقديري:المغفرة،و عدمها؟

قلت:لعلّ المعنى قل للمؤمنين يتجاوزوا عن إساءة المشركين و المنافقين،و لا يباشروا بأنفسهم لمجازاتهم، ليجزيهم اللّه يوم القيامة جزاء كاملا يكافئ سيّئاتهم، و يدلّ على هذا المعنى الآية الآتية[الجاثية:15]و أيضا أنّ الكسب في أكثر ما ورد في القرآن كسب الكفّار، و يجوز أن يكون المعنى ليجزيهم اللّه وقت الجزاء كيوم بدر و نحوه.

و في الآية إشارة إلى أنّ المؤمن إذا غفر لأهل الجرائم و إن لم يكونوا أهل المغفرة لإصرارهم على الكفر و الأذى،يصير متخلّقا بأخلاق الحقّ،ثمّ اللّه تعالى يجزي كلّ قوم جزاء عملهم من الخير و الشّرّ،إمّا في الدّنيا و الآخرة،أو في الآخرة.(8:442)

ص: 491

الآلوسيّ: [نحوه الزّمخشريّ ثمّ ذكر القراءات و قال:]

و قرئ (ليجزى) بالياء و البناء للمفعول،(قوم) بالرّفع على أنّه نائب الفاعل.و قرأ شيبة و أبو جعفر بخلاف عنه كذلك،إلاّ أنّهما نصبا(قوما)،و روي ذلك عن عاصم.

و احتجّ به من يجوّز نيابة الجارّ و المجرور عن الفاعل مع وجود المفعول الصّريح،فيقول:ضرب بسوط زيدا ف(بما كسبوا)نائب الفاعل هاهنا،و لا يجيز ذلك الجمهور.

و خرّجت هذه القراءة على أنّ القائم مقام الفاعل ضمير المصدر،أي ليجزي هو،أي«الجزاء».و ردّ بأنّه لا يقام مقامه عند وجود المفعول به أيضا على الصّحيح.

و أجازه الكوفيّون على خلاف في الإطلاق و الاستحسان،أو على أنّه ضمير المفعول الثّاني،و هو الجزاء بمعنى المجزى به،كما في جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتُ عَدْنٍ البيّنة:8،و أضمر لدلالة السّياق،كما في النّساء:11،و المفعول الثّاني في باب«أعطى»يقوم مقام الفاعل،بلا خلاف،و هذا من ذاك.(25:148)

9- وَ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى.

النّجم:31

الطّبريّ: يقول:ليجزي الّذين عصوه من خلقه، فأساءوا بمعصيتهم إيّاه،فيثيبهم بها النّار وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى يقول:و ليجزي الّذين أطاعوه فأحسنوا بطاعتهم إيّاه في الدّنيا،بالحسنى و هي الجنّة، فيثيبهم بها.(27:64)

نحوه الطّوسيّ(9:432)،و العكبريّ(2:1189)، و الشّربينيّ(2:232)،و الكاشانيّ(5:93).

القيسيّ: اللاّم متعلّقة بالمعنى،لأنّ معنى وَ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ هو مالك للجميع، يهدي من يشاء و يضلّ من يشاء ليجزي.و قيل:اللاّم متعلّقة بقوله: لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ النّجم:26.

(2:332)

نحوه البيضاويّ(2:431)،و النّسفيّ(4:197)، و أبو حيّان(8:164).

الواحديّ: و اللاّم في(ليجزى)متعلّق بمعنى الآية الأولى،لأنّه إذا كان أعلم بهم جازى كلاّ بما يستحقّه، و هي لام العاقبة؛و ذلك لأنّ علمه بالفريقين أدّى إلى جزائهم باستحقاقهم،و إنّما يقدر على مجازاة المحسن و المسيء إذا كان كثير الملك لذلك.(4:201)

نحوه البغويّ(4:311)،و ابن الجوزيّ(8:75)، و الخازن(6:220)،و البروسويّ(9:241)،و المراغيّ (27:59).

الزّمخشريّ: [نحو القيسيّ و أضاف:]

و يجوز أن يتعلّق بقوله: هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدى النّجم:30،لأنّ نتيجة العلم بالضّالّ و المهتدي،جزاؤهما(بما عملوا).

(4:32)

ابن عطيّة: (ليجزى)متعلّقة بقوله:(ضلّ) و بقوله:(اهتدى)،فكأنّه قال:ليصير أمرهم جميعا إلى أن يجزي.و قوله: وَ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي

ص: 492

اَلْأَرْضِ اعتراض بين الكلام بليغ.[ثمّ قال نحو القيسيّ و زاد:]

و النّظر الأوّل أقلّ تكلّفا من هذا الإضمار.

و قال قوم:اللاّم متعلّقة في أوّل السّورة إِنْ هُوَ إِلاّ وَحْيٌ يُوحى النّجم:4،و هذا بعيد.(5:203)

الطّبرسيّ: [نحو الواحديّ و أضاف:]

و قيل:إنّ اللاّم في(ليجزى)يتعلّق بما في قوله:

وَ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ، لأنّ المعنى في ذلك أنّه خلقهم ليتعبّدهم،فمنهم المحسن و منهم المسيء، و إنّما كلّفهم ليجزي كلاّ منهم بعلمه و عمله،فتكون اللاّم للغرض.(5:179)

أبو البركات: [نحو القيسيّ إلاّ أنّه قال:]

و الثّاني:أن تكون لام القسم.(2:399)

الفخر الرّازيّ: [نقل كلام الزّمخشريّ و قال:]

و هو لا يتحاشى ممّا ذكر لما عرف من مذهب الاعتزال.[ثمّ نقل كلام الواحديّ و قال:]

و التّحقيق فيه هو أنّ«حتّى»و«لام»الغرض متقاربان في المعنى،لأنّ الغرض نهاية الفعل،و«حتّى» للغاية المطلقة فبينهما مقاربة،فيستعمل أحدهما مكان الآخر،يقال:سرت حتّى أدخلها و لكي أدخلها،فلام العاقبة هي الّتي تستعمل في موضع«حتّى»للغاية.

و يمكن أن يقال:هنا وجه أقرب من الوجهين،و إن كان أخفى منهما،و هو أن يقال:إنّ قوله:(ليجزى) متعلّق بقوله:(ضلّ)و(اهتدى)لا بالعلم و لا بخلق ما في السّماوات،تقديره كأنّه قال:هو أعلم بمن ضلّ و اهتدى (ليجزى)،أي من ضلّ و اهتدى يجزي الجزاء،و اللّه أعلم به،فيصير قوله: وَ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ كلاما معترضا.

و يحتمل أن يقال:هو متعلّق بقوله:(فاعرض)أي أعرض عنهم،ليقع الجزاء،كما يقول المريد فعلا لمن يمنعه منه:ذرني لأفعله،و ذلك لأنّ ما دام النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لم ييأس ما كان العذاب ينزل،و الإعراض وقت اليأس،و قوله:

وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى حينئذ يكون مذكورا ليعلم أنّ العذاب الّذي عند إعراضه يتحقّق،ليس مثل الّذي قال تعالى فيه: وَ اتَّقُوا فِتْنَةً لا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً الأنفال:25،بل هو مختصّ بالّذين ظلموا،و غيرهم لهم الحسنى.(29:5)

الطّباطبائيّ: يمكن أن يكون صدر الآية حالا من فاعل(اعلم)في الآية السّابقة،و الواو للحال،و المعنى أنّ ربّك هو أعلم بالفريقين:الضّالّين و المهتدين،و الحال أنّه يملك ما في السّماوات و ما في الأرض،فكيف يمكن أن لا يعلم بهم،و هو مالكهم؟

و على هذا فالظّاهر تعلّق قوله:(ليجزى)إلخ،بقوله السّابق فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلّى إلخ،و المعنى أعرض عنهم و كل أمرهم إلى اللّه،ليجزيهم كذا و كذا،و يجزيك و يجزي المحسنين كذا و كذا.

و يمكن أن يكون قوله: وَ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ...

إلخ كلاما مستأنفا للدّلالة على أنّ الأمر بالإعراض عنهم لإهمالهم و تركهم سدى بل اللّه سبحانه يجزي كلاّ بعمله إن سيّئا و إن حسنا.[إلى أن قال:]

و قد أوردوا في الآية احتمالات أخرى،و ما قدّمناه هو أظهرها.(19:41)

ص: 493

ليجزيك

...قالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا...

القصص:25

الواحديّ: فلمّا قالت: أَجْرَ ما سَقَيْتَ لَنا كره ذلك موسى،و أراد أن لا يتبعها،و لم يجد بدّا من أن يتبعها،لأنّه كان في أرض مسبعة و خوف،فخرج معها...

(3:396)

نحوه ابن الجوزيّ.(6:214)

الزّمخشريّ: فإن قلت:كيف صحّ له أخذ الأجر على البرّ و المعروف؟

قلت:يجوز أن يكون قد فعل ذلك لوجه اللّه،و على سبيل البرّ و المعروف،و قبل إطعام شعيب و إحسانه، لا على سبيل أخذ الأجر،و لكن على سبيل التّقبّل لمعروف مبتدإ،كيف و قد قصّ عليه قصصه،و عرّفه أنّه من بيت النّبوّة من أولاد يعقوب،و مثله حقيق بأن يضيّف و يكرم في دار نبيّ من أنبياء اللّه،و ليس بمنكر أن يفعل ذلك لاضطرار الفقر و الفاقة،طلبا للأجر.

و قد روي ما يعضد كلا القولين،روي أنّها لمّا قالت:

(ليجزيك)كره ذلك،و لمّا قدّم إليه الطّعام امتنع،و قال:

إنّا أهل بيت لا نبيع ديننا بطلاع الأرض ذهبا،و لا نأخذ على المعروف ثمنا،حتّى قال شعيب:هذه عادتنا مع كلّ من ينزل بنا.و عن عطاء بن السّائب:رفع صوته بدعائه ليسمعها،فلذلك قيل له: لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ ما سَقَيْتَ أي جزاء سقيك.(3:171)

يجزيهم

1- وَ قالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَ حَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاّ مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَ أَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها... سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ. الأنعام:138

راجع«ف ر ي».

2- وَ قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا... سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ.

الأنعام:139

لاحظ«و ص ف».

3- وَ لا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً وَ لا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. التّوبة:121

القمّيّ: كلّما فعلوا من ذلك للّه جازاهم اللّه عليه.

(1:307)

نحوه البحرانيّ.(4:578)

الطّوسيّ: معناه أنّه يكتب طاعاتهم ليجزيهم عليها أحسن ممّا فعلوه.(5:369)

الزّمخشريّ: (ليجزيهم)متعلّق ب(كتب)أي أثبت في صحائفهم لأجل الجزاء،اللاّم لتأكيد النّفي.

(2:221)

الطّبرسيّ: أي طاعاتهم ليجزيهم عليها بقدر استحقاقهم،و يزيدهم من فضله حتّى يصير الثّواب

ص: 494

أحسن و أكثر من عملهم.

و قيل:إنّ«الأحسن»من صفة فعلهم،لأنّ الأعمال على وجوه:واجب و مندوب و مباح،و إنّما يجازي على الواجب و المندوب دون المباح،فيقع الجزاء على أحسن الأعمال.

و قيل:معناه ليجزيهم اللّه أحسن ما كانوا يعملون، قال ابن عبّاس:يرضيهم بالثّواب،و يدخلهم الجنّة بغير حساب.

و الآيتان تدلاّن على وجوب الجهاد مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و حظر التّخلّف عنه.

و قد اختلف في ذلك،فقيل:المراد بذلك جميع من دعاه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلى الجهاد،و هو الصّحيح.(3:82)

الطّباطبائيّ: و قوله: لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ... غاية متعلّقة بقوله: كُتِبَ لَهُمْ أي غاية هذه الكتابة هي أن يجزيهم بأحسن أعمالهم.

و إنّما خصّ جزاء أحسن الأعمال بالذّكر،لأنّ رغبة العامل عاكفة عليه،أو لأنّ الجزاء بأحسنها يستلزم الجزاء بغيره،أو لأنّ المراد بأحسن الأعمال:الجهاد في سبيل اللّه،لكونه أشقّها،و قيام الدّعوة الدّينيّة به،

و هاهنا معنى آخر،و هو أنّ:جزاء العمل في الحقيقة إنّما هو نفس العمل عائدا إلى اللّه،فأحسن الجزاء هو أحسن العمل،فالجزاء بأحسن الأعمال في معنى:الجزاء بأحسن الجزاء.

و معنى آخر،و هو أن يغفر اللّه سبحانه سيّئاتهم المشوبة بأعمالهم الحسنة،و يستر جهات نقصها،فيكون العمل أحسن بعد ما كان حسنا،ثمّ يجزيهم بأحسن ما كانوا يعملون،فافهم ذلك.و ربّما رجع المعنيان إلى معنى واحد.(9:403)

طه الدّرّة: أي ليثيبهم و يكافئهم مكافأة أعظم بكثير ممّا كانوا يفعلونه في هذه الدّنيا،و هذه المكافأة تكون في الآخرة.(6:59)

4- لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ. النّور:38

ابن عبّاس: لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ... بإحسان ما عملوا في الدّنيا.(296)

الطّبريّ: يقول:فعلوا ذلك،يعني أنّهم لم تلههم تجارة و لا بيع عن ذكر اللّه،و أقاموا الصّلاة،و آتوا الزّكاة، و أطاعوا ربّهم،مخافة عذابه يوم القيامة،كي يثيبهم اللّه يوم القيامة بأحسن أعمالهم الّتي عملوها في الدّنيا، و يزيدهم على ثوابه إيّاهم على أحسن أعمالهم الّتي عملوها في الدّنيا من فضله،فيفضل عليهم من عنده،بما أحبّ من كرامته لهم.(18:148)

الماورديّ: فذكر الجزاء على الحسنات و لم يذكر الجزاء على السّيّئات،و إن كان يجازي عليها لأمرين:

أحدهما:أنّه ترغيب،فاقتصر على ذكر الرّغبة.

الثّاني:أنّه يكون في صفة قوم لا تكون منهم الكبائر،فكانت صغائرهم مغفورة.(4:108)

نحوه القرطبيّ.(12:281)

الطّوسيّ: أي يفعلون ذلك طلبا لمجازاة اللّه إيّاهم بأحسن ما عملوا من ثواب الجنّة،و يزيدهم على ذلك من فضله و كرمه...(7:442)

ص: 495

نحوه الفخر الرّازيّ(24:6)،و النّيسابوريّ(18:

114)،و المراغيّ(18:111).

الواحديّ: أي يسبّحون اللّه ليجزيهم.(3:322)

البغويّ: يعني أنّهم اشتغلوا بذكر اللّه و إقام الصّلاة و إيتاء الزّكاة،ليجزيهم اللّه أحسن ما عملوا،يريد يجزيهم بحسناتهم،و ما كان من مساوئ أعمالهم لا يجزيهم بها.(3:420)

نحوه ابن الجوزيّ(6:48)،و الخازن(5:67)، و طه الدّرّة(9:504).

ابن عطيّة: اللاّم في قوله: لِيَجْزِيَهُمُ متعلّقة بفعل مضمر،تقديره:فعلوا ذلك و يسرّوا لذلك و نحو هذا،و يحتمل أن تكون متعلّقة ب(يسبّح)النّور:36.

(4:187)

العكبريّ: (ليجزيهم)يجوز أن تتعلّق اللاّم ب(يسبّح)و ب(لا تلهيهم)و ب(يخافون)،و يجوز أن تكون لام الصّيرورة،كالّتي في قوله: لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً القصص:8،و موضعها حال،و التّقدير:

يخافون ملهين ليجزيهم.(2:971)

نحوه البيضاويّ.(2:129)

ابن عربيّ: ليجزيهم اللّه بالوجود الحقّانيّ.

(2:142)

النّسفيّ: أي يسبّحون و يخافون ليجزيهم اللّه أحسن جزاء أعمالهم،أي ليجزيهم ثوابهم مضاعفا، و يزيدهم على الثّواب الموعود على العمل،تفضّلا.

(3:147)

نحوه الشّربينيّ.(2:626)

أبو السّعود: لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ متعلّق بمحذوف، يدلّ عليه ما حكي من أعمالهم المرضيّة،أي يفعلون ما يفعلون من المداومة على التّسبيح و الذّكر و إيتاء الزّكاة،و الخوف من غير صارف لهم عن ذلك،ليجزيهم اللّه تعالى أَحْسَنَ ما عَمِلُوا (4:466)

نحوه البروسويّ.(6:160).

البحرانيّ: قال:ما اختصّهم به من المودّة، و الطّاعة المفروضة،و صيّر مأواهم الجنّة.(7:94)

الآلوسيّ: لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ متعلّق-على ما استظهره أبو حيّان-ب(يسبّح)و جوّز أبو البقاء أن يتعلّق ب(لا تلهيهم)أو ب(يخافون)و لا يخفى أنّ تعلّقه بأحد المذكورين محوج إلى تأويل،و لعلّ تعلّقه بفعل محذوف-يدلّ عليه ما حكي عنهم-أولى من جميع ذلك، أي يفعلون ما يفعلون من التّسبيح و الذّكر و إيتاء الزّكاة، و الخوف من غير صارف لهم عن ذلك،ليجزيهم اللّه تعالى(احسن ما عملوا).

و اللاّم على سائر الأوجه للتّعليل،و قال أبو البقاء:

يجوز أن تكون لام الصّيرورة كالّتي في قوله تعالى:

لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَ حَزَناً القصص:8،و موضع الجملة حال،و التّقدير:يخافون ملهين ليجزيهم اللّه، و هو كما ترى.

و الجزاء:المقابلة و المكافأة على ما يحمد،و يتعدّى إلى الشّخص المجزى ب«عن»قال تعالى: لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً، و إلى ما فعله ابتداء ب«على»تقول:

جزيته على فعله.و قد يتعدّى إليه بالباء،فيقال:جزيته بفعله،و إلى ما وقع في مقابلته بنفسه و بالباء،قال

ص: 496

الرّاغب:يقال:جزيته كذا و بكذا.

و الظّاهر أنّ(أحسن)هو ما وقع في المقابلة،فيكون الجزاء قد تعدّى إليه بنفسه،و يحتاج إلى تقدير مضاف، أي ليجزيهم أحسن جزاء عملهم،أو الّذي عملوه، حسبما وعد لهم بمقابلة حسنة واحدة عشرة أمثالها،إلى سبعمائة ضعف،ليكون«الأحسن»من جنس الجزاء.

و جوّز أن يكون«الأحسن»هو الفعل المجزى عليه أو به الشّخص،و ليس هناك مضاف محذوف،و الكلام على حذف الجارّ،أي ليجزيهم على أحسن أو بأحسن ما عملوا.و أحسن العمل:أدناه المندوب فاحترز به عن الحسن،و هو المباح؛إذ لا جزاء له.

و رجّح الأوّل بسلامته عن حذف الجارّ الّذي هو غير مقيس في مثل ما نحن فيه،بخلاف حذف المضاف، فإنّه كثير مقيس،و جوّز أن يكون المضاف المحذوف قبل «أحسن»أي جزاء أحسن ما عملوا،و الظّاهر أنّ المراد بما عملوا أعمّ ممّا سبق،و بعضهم فسّره به.(18:179)

القاسميّ: [نحو العكبريّ ثمّ قال:]

و في آخر الآية تقرير للزّيادة،و تنبيه على كمال القدرة،و نفاذ المشيئة،وسعة الإحسان،لأنّ(بغير حساب)كناية عن السّعة،و المراد أنّه لا يدخل تحت حساب الخلق و عدّهم.(12:453)

نحوه عزّة دروزة.(10:58)

مغنيّة: لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا من الصّالحات و المبرّات،قال الإمام عليّ عليه السّلام:لن يفوز بالخير إلاّ عامله،و لن يجزي جزاء الشّرّ إلاّ فاعله.

(5:426)

الطّباطبائيّ: الظّاهر أنّ لام(ليجزيهم)للغاية، و الّذي ذكره اللّه في خلال الكلام،هو أعمالهم الصّالحة و الأجر الجميل،على كلّ صالح ممّا ينصّ عليه كلامه تعالى،فقوله:«إنّه يجزيهم أحسن ما عملوا»معناه أنّه يجزيهم بإزاء عملهم في كلّ باب جزاء أحسن عمل في ذلك الباب،و مرجع ذلك إلى أنّه تعالى يزكّي أعمالهم، فلا يناقش فيها بالمؤاخذة في جهات توجب نقصها و انحطاط قدرها،فيعدّ الحسن منها أحسن.

و يؤيّد هذا المعنى قوله في ذيل الآية: وَ اللّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ فإنّ ظاهره عدم المداقّة في حساب الحسنات بالإغماض عن جهات نقصها،فيلحق الحسن بالأحسن.(15:129)

نحوه فضل اللّه.(16:329)

5- لِيُكَفِّرَ اللّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَ يَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ. الزّمر:35

لاحظ«ح س ن»و«ك ف ر»و«س و ء».

تجزى

وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَ لا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَ لا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ. البقرة:48

ابن عبّاس: لا تغني نفس كافرة عن نفس كافرة، من عذاب اللّه شيئا.(8)

السّدّيّ: لا تغني نفس مؤمنة عن نفس كافرة من المنفعة شيئا.(108)

ص: 497

أي لا تقضي.(الماورديّ 1:117)

نحوه ابن الجوزيّ.(1:76)

الفرّاء: فإنّه قد يعود على اليوم و اللّيلة ذكرهما، مرّة بالهاء وحدها و مرّة بالصّفة،فيجوز ذلك،كقولك:

«لا تجزي نفس عن نفس شيئا»و تضمر الصّفة،ثمّ تظهرها،فتقول:لا تجزي فيه نفس عن نفس شيئا.

و كان الكسائيّ لا يجيز إضمار الصّفة في الصّلات، و يقول:لو أجزت إضمار الصّفة هاهنا لأجزت:أنت الّذي تكلّمت،و أنا أريد:الّذي تكلّمت فيه.و قال غيره من أهل البصرة:لا نجيز الهاء و لا تكون،و إنّما يضمر في مثل هذا الموضع الصّفة.و قد أنشدني بعض العرب:

قد صبّحت صبّحها السّلام بكبد خالطها سنام

في ساعة يحبّها الطّعام

و لم يقل:يحبّ فيها.و ليس يدخل على الكسائيّ ما أدخل على نفسه،لأنّ الصّفة في هذا الموضع و الهاء متّفق معناهما،أ لا ترى أنّك تقول:آتيك يوم الخميس، و في يوم الخميس،فترى المعنى واحدا،و إذا قلت:

كلّمتك،كان غير:كلّمت فيك،فلمّا اختلف المعنى لم يجز إضمار«الهاء»مكان«في»،و لإضمار«في»مكان«الهاء».

(1:31)

الأخفش: أمّا قوله: لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً فهو مثل قولك:«لا تجزي عنك شاة»و«يجزي عنك درهم»و«جزى عنك درهم»و«و جزت عنك شاة»،فهذه لغة أهل الحجاز لا يهمزون.و بنو تميم يقولون في هذا المعنى:«أجزأت عنه،و تجزئ عنه شاة» و قوله:«شيئا»كأنّه قال:«لا تجزئ الشّاة مجزى، و لا تغني غناء.(1:260)

ابن قتيبة :أي لا تقضي عنها و لا تغني،يقال:جزى عنّي فلان،بلا همز،أي ناب عنّي.و أجزأني كذا-بالألف في أوّله و الهمز-أي كفاني.(48)

نحوه السّجستانيّ(9)،و الواحديّ(1:133).

الطّبريّ: و تأويله:و اتّقوا يوما لا تجزي فيه نفس عن نفس شيئا،و جائز أيضا أن يكون تأويله:و اتّقوا يوما لا تجزيه نفس عن نفس شيئا.[ثمّ استشهد بشعر]

فحذفت الهاء الرّاجعة على اليوم؛إذ فيه اجتزاء بما ظهر من قوله: وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ الدّالّ على المحذوف منه عمّا حذف؛إذ كان معلوما معناه.

و قد زعم قوم من أهل العربيّة أنّه لا يجوز أن يكون المحذوف في هذا الموضع إلاّ«الهاء».

و قال آخرون:لا يجوز أن يكون المحذوف إلاّ«فيه»، و قد دللنا فيما مضى على جواز حذف كلّ ما دلّ الظّاهر عليه.

و أمّا المعنى في قوله: وَ اتَّقُوا... فإنّه تحذير من اللّه تعالى ذكره عباده الّذين خاطبهم بهذه الآية، عقوبته،أن تحلّ بهم يوم القيامة،و هو اليوم الّذي لا تجزي فيه نفس عن نفس شيئا،و لا يجزي فيه والد عن ولده،و لا مولود هو جاز عن والده شيئا.[إلى أن قال:]

فإن قال لنا قائل:و ما معنى لا تقضي نفس عن نفس، و لا تغني عنها غنى؟

قيل:هو أنّ أحدنا اليوم ربّما قضى عن ولده أو والده أو ذي الصّداقة و القرابة دينه،و أمّا في الآخرة فإنّه فيما أتتنا به الأخبار عنها يسرّ الرّجل أن يبرد له على ولده

ص: 498

أو والده حقّ؛و ذلك أنّ قضاء الحقوق في القيامة من الحسنات و السّيّئات.[ثمّ نقل الأحاديث و قال:]

فذلك معنى قوله جلّ ثناؤه: لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً يعني أنّها لا تقضي عنها شيئا لزمها لغيرها، لأنّ القضاء هنالك من الحسنات و السّيّئات على ما وصفنا.و كيف يقضي عن غيره ما لزمه من كان يسرّه أن يثبت له على ولده أو والده حقّ،فيأخذه منه و لا يتجافى له عنه؟

و قد زعم بعض نحويّي البصرة أنّ معنى قوله:

لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً: لا تجزي منها أن تكون مكانها،و هذا قول يشهد ظاهر القرآن على فساده؛ و ذلك أنّه غير معقول في كلام العرب أن يقول القائل:

ما أغنيت عنّي شيئا،بمعنى ما أغنيت منّي أن تكون مكاني، بل إذا أرادوا الخبر عن شيء أنّه لا يجزي من شيء، قالوا:لا يجزي هذا من هذا،و لا يستجيزون أن يقولوا:

لا يجزي هذا من هذا شيئا.

فلو كان تأويل قوله: لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً ما قاله من حكينا قوله تعالى: وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ، كما يقال:لا تجزي نفس من نفس،و لم يقل:لا تجزي نفس عن نفس شيئا.

و في صحّة التّنزيل بقوله: لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً أوضح الدّلالة على صحّة ما قلنا،و فساد قول من ذكرنا قوله في ذلك.(1:265)

القيسيّ: و(لا تجزى)و ما بعدها من الجمل الّتي في أوّلها«لا»كلّها صفات ل«يوم»و مع كلّ جملة ضمير محذوف يعود على«يوم»،و لو لا ذلك لم تجز الصّفة، تقديره:لا تجزي نفس فيه،و لا تقبل منها شفاعة فيه، و لا يؤخذ منها عدل فيه،و لا هم ينصرون فيه.

و قيل:التّقدير:لا تجزيه نفس،تجعل الظّرف مفعولا على السّعة،ثمّ تحذف الهاء من الصّفة؛و حذف الهاء أحسن من حذف«فيه».و لو لا تقدير هذه الضّمائر لأضيفت(يوما)إلى(لا تجزى)،كما قال: يَوْمُ لا يَنْطِقُونَ المرسلات:35،و يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ الانفطار:19،و هو كثير.

فإذا أضفته فلا يكون ما بعده صفة له،و لا يحتاج إلى تقدير ضمير محذوف،و قد أجمع القرّاء على تنوينه.

(1:44)

نحوه ابن الأنباريّ(1:80)،و العكبريّ(1:60).

الطّوسيّ: أي لا تقابل مكروهها بشيء يدرأه عنها، قال اللّه تعالى: هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ النّمل:

90،و قال: اَلْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ المؤمن:17.

و الفرق بين المقابلة و المجازاة:أنّ المقابلة قد تكون للمساواة فقط،كمقابلة الكتاب بالكتاب؛و المجازاة:

تكون في الشّرّ بالشّرّ و الخير بالخير.(1:211)

البغويّ: لا تقضي نفس عن نفس شيئا،أي حقّا لزمها،و قيل:لا تغني،و قيل:لا تكفي شيئا من الشّدائد.

(1:112)

الزّمخشريّ: لا تقضي عنها شيئا من الحقوق،و منه الحديث في جذعة بن نيار:«تجزي عنك و لا تجزي عن أحد بعدك».و(شيئا)مفعول به،و يجوز أن يكون في موضع مصدر،أي قليلا من الجزاء،كقوله تعالى:

ص: 499

وَ لا يُظْلَمُونَ شَيْئاً مريم:60.

و من قرأ (لا تجزئ) من:أجزأ عنه،إذا أغنى عنه، فلا يكون في قراءته إلاّ بمعنى شيئا من الإجزاء.و قرأ أبو السّرار الغنويّ(لا تجزي نسمة عن نسمة شيئا)و هذه الجملة منصوبة المحلّ صفة ل(يوما).

فإن قلت:فأين العائد منها إلى الموصوف؟

قلت:هو محذوف،تقديره:لا تجزي فيه.[ثمّ استشهد بشعر إلى أن قال:]

و منهم من ينزّل فيقول:اتّسع فيه فأجري مجرى المفعول به،فحذف الجارّ ثمّ حذف الضّمير،كما حذف من قوله:«أم مال أصابوا».

و معنى التّنكير أنّ نفسا من الأنفس لا تجزي عن نفس منها شيئا من الأشياء،و هو الإقناط الكلّيّ القطّاع للمطامع.(1:278)

نحوه البيضاويّ(1:55)،و النّسفيّ ملخّصا(1:47)، و أبو السّعود(1:131)،و صدر المتألّهين(3:314)، و المشهديّ(1:239)،و البروسويّ ملخّصا(1:

126)،و القاسميّ ملخّصا(2:121).

الطّبرسيّ: أي لا تغني أولا تقضي فيه نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً و لا تدفع عنها مكروها.و قيل:لا يؤدّي أحد عن أحد حقّا وجب عليه للّه أو لغيره.و إنّما نكّر «النّفس»ليبيّن أنّ كلّ نفس فهذا حكمها،و هذا مثل قوله سبحانه وَ اخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ...

(1:103)

الفخر الرّازيّ: قال القفّال:الأصل في«جزى»هذا عند أهل اللّغة«قضى»و منه الحديث أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال لأبي بردة ابن يسار:«تجزيك و لا تجزي أحدا بعدك».

هكذا يرويه أهل العربيّة«تجزيك»بفتح التّاء غير مهموز،أي تقضي عن أضحيتك و تنوب.

و معنى الآية أنّ يوم القيامة لا تنوب نفس عن نفس شيئا،و لا تحمل عنها شيئا ممّا أصابها،بل يفرّ المرء فيه من أخيه و أمّه و أبيه.

و معنى هذه النّيابة أنّ طاعة المطيع لا تقضي على العاصي ما كان واجبا عليه.و قد تقع هذه النّيابة في الدّنيا كالرّجل يقضي عن قريبه و صديقه دينه و يتحمّل عنه، فأمّا يوم القيامة فإنّ قضاء الحقوق إنّما يقع فيه من الحسنات.[ثمّ استشهد برواية](3:54)

ابن عربيّ: أي حال تجلّي صفة القهر،حين لا تغني نفس عن نفس شيئا من الإغناء،لعدم القدرة لأحد.

[و هو تأويل](1:46)

النّيسابوريّ: [نحو الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و لا يخفى أنّ هذا التّكلّف لا يتمشّى في سائر الجمل، بل يتعيّن تقدير الجارّ و المجرور العائد.و معنى(لا تجزى):

لا تقضي عنها شيئا من الحقوق،و منه الحديث في الجذعة الّتي ضحّاها ابن نيار قبل الوقت:«تجزي عنك و لا تجزي عن أحد بعدك».و(شيئا)مفعول به،و يجوز أن يكون في موضع مصدر،أي قليلا من الجزاء،مثل و(لا يظلمون شيئا).(1:305)

الخازن :أي لا تقضي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً يعني حقّا لزمها،و قيل:معناه لا تنوب نفس عن نفس يوم القيامة،و لا تردّ عنها شيئا ممّا أصابها.بل يفرّ المرء من أخيه و أمّه و أبيه.(1:47)

ص: 500

الكاشانيّ: لا تدفع عنها عذابا قد استحقّته.

(1:112)

مثله شبّر(1:96)،و نحوه البحرانيّ(1:381).

الآلوسيّ: ...و(تجزى)من جزى بمعنى قضى،و هو متعدّ بنفسه لمفعوله الأوّل.و ب«عن»للثّاني،و قد ينزل منزلة اللاّزم للمبالغة،و المعنى لا تقضي يوم القيامة نفس عن نفس شيئا،ممّا وجب عليها،و لا تنوب عنها، و لا تحتمل ممّا أصابها،أو لا تقضي عنها شيئا من الجزاء.

فنصب(شيئا)إمّا على أنّه مفعول به،أو على أنّه مفعول مطلق،قائم مقام المصدر،أي جزاء ما.[ثمّ ذكر الأقوال فراجع](1:251)

الطّباطبائيّ: وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي الملك و السّلطان الدّنيويّ بأنواعه و أقسامه و بجميع شئونه، و قواه المقنّنة الحاكمة و المجرية،مبتنية على حوائج الحياة، و غايتها رفع الحاجة حسب ما يساعد عليه العوامل الزّمانيّة و المكانيّة،فربّما بدّل متاع من متاع أو نفع من نفع أو حكم من حكم،من غير ميزان كلّي يضبط الحكم،و يجزي ذلك في باب المجازاة أيضا.فإنّ الجرم و الجناية عندهم يستتبع العقاب،و ربّما بدّل الحاكم العقاب لغرض يستدعي منه ذلك،كأن يلحّ المحكوم -الّذي يرجى عقابه-على القاضي و يسترحمه أو يرتشيه،فينحرف في قضائه فيجزي،أي يقضي فيه بخلاف الحقّ،أو يبعث المجرم شفيعا يتوسّط بينه و بين الحاكم أو مجري الحكم،أو يعطي عدلا و بدلا إذا كانت حاجة الحاكم المريد للعقاب إليه أزيد و أكثر من الحاجة إلى عقاب ذلك المجرم،أو يستنصر قومه فينصروه، فيتخلّص بذلك عن تبعة العقاب،و نحو ذلك.

تلك سنّة جارية و عادة دائرة بينهم،و كانت الملل القديمة من الوثنيّين و غيرهم تعتقد أنّ الحياة الآخرة نوع حياة دنيويّة،يطّرد فيها قانون الأسباب،و يحكم فيها ناموس التّأثير و التّأثّر المادّيّ الطّبيعيّ،فيقدّمون إلى آلهتهم أنواع القرابين و الهدايا للصّفح عن جرائمهم أو الإمداد في حوائجهم،أو يستشفعون بها،أو يفدون بشيء عن جريمة،أو يستنصرون بنفس أو سلاح،حتّى أنّهم كانوا يدفنون مع الأموات أنواع الزّخرف و الزّينة، ليكون معهم ما يتمتّعون به في آخرتهم،و من أنواع السّلاح ما يدافعون به عن أنفسهم،و ربّما ألحدوا معه من الجواري من يستأنس بها،و من الأبطال من يستنصر به الميّت.و توجد اليوم في المتاحف بين الآثار الأرضيّة عتائق كثيرة من هذا القبيل،و يوجد عقائد متنوّعة شبيهة بتلك العقائد بين الملل الإسلاميّة على اختلاف ألسنتهم و ألوانهم،بقيت بينهم بالتّوارث،و ربّما تلوّنت لونا بعد لون،جيلا بعد جيل.

و قد أبطل القرآن جميع هذه الآراء الواهية، و الأقاويل الكاذبة،فقد قال عزّ من قائل: وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ الانفطار:19،و قال: وَ رَأَوُا الْعَذابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ البقرة:166،و قال: وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ تَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَ ما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَ ضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ الأنعام:94،و قال: هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ يونس:30،إلى غير ذلك من الآيات الّتي بيّن فيها:أنّ المواطن خال عن الأسباب الدّنيويّة،و بمعزل عن الارتباطات الطّبيعيّة،و هذا أصل يتفرّع عليه بطلان كلّ واحد من تلك الأقاويل و الأوهام،على طريق الإجمال،ثمّ فصّل القول في نفي واحد واحد منها و إبطاله،فقال: وَ اتَّقُوا... إلخ.

ص: 501

و قد أبطل القرآن جميع هذه الآراء الواهية، و الأقاويل الكاذبة،فقد قال عزّ من قائل: وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ الانفطار:19،و قال: وَ رَأَوُا الْعَذابَ وَ تَقَطَّعَتْ بِهِمُ الْأَسْبابُ البقرة:166،و قال: وَ لَقَدْ جِئْتُمُونا فُرادى كَما خَلَقْناكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ تَرَكْتُمْ ما خَوَّلْناكُمْ وَراءَ ظُهُورِكُمْ وَ ما نَرى مَعَكُمْ شُفَعاءَكُمُ الَّذِينَ زَعَمْتُمْ أَنَّهُمْ فِيكُمْ شُرَكاءُ لَقَدْ تَقَطَّعَ بَيْنَكُمْ وَ ضَلَّ عَنْكُمْ ما كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ الأنعام:94،و قال: هُنالِكَ تَبْلُوا كُلُّ نَفْسٍ ما أَسْلَفَتْ وَ رُدُّوا إِلَى اللّهِ مَوْلاهُمُ الْحَقِّ وَ ضَلَّ عَنْهُمْ ما كانُوا يَفْتَرُونَ يونس:30،إلى غير ذلك من الآيات الّتي بيّن فيها:أنّ المواطن خال عن الأسباب الدّنيويّة،و بمعزل عن الارتباطات الطّبيعيّة،و هذا أصل يتفرّع عليه بطلان كلّ واحد من تلك الأقاويل و الأوهام،على طريق الإجمال،ثمّ فصّل القول في نفي واحد واحد منها و إبطاله،فقال: وَ اتَّقُوا... إلخ.

(1:154)

نحوه ملخّصا مكارم الشّيرازيّ.(1:173)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً البقرة:123.

نجزى

1- ...وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَ سَنَجْزِي الشّاكِرِينَ.

آل عمران:145

ابن عبّاس: المؤمنين بإيمانهم و جهادهم.(57)

الحسن :قال:يعطى اللّه العبد بنيّته الدّنيا و الآخرة.

(السّيوطيّ 2:83)

ابن إسحاق :أي ذلك جزاء الشّاكرين،يعني بذلك إعطاء اللّه إيّاه ما وعده في الآخرة،مع ما يجري عليه من الرّزق في الدّنيا.(الطّبريّ 4:116)

ابن فورك:إشارة إلى أنّه ينعمهم بنعيم الدّنيا، لا أنّهم يقصرون على الآخرة.(ابن عطيّة 1:518)

الطّوسيّ: من الرّزق في الدّنيا،عن ابن إسحاق لئلاّ يتوهّم أنّ الشّاكر يحرم ما يعطاه الكافر ممّا قسم له في الدّنيا.(3:9)

ابن عطيّة: و قرأ جمهور النّاس(نؤته،و نؤته، و سنجزى)كلّها بنون العظمة،و قرأ الأعمش بالياء في الثّلاثة،و ذلك على حذف الفاعل،لدلالة الكلام عليه.

(1:518)

النّيسابوريّ: أبهم الجزاء و أضافه إلى نفسه، تنبيها على أنّ جزاء الّذين شكروا:نعمة الإسلام،فلم يشغلهم عن الجهاد شيء لا يكتنه كنهه،و تقصر عنه العبارة،و أنّه كما يليق بعميم فضله و جسيم طوله.

(4:83)

أبو حيّان :وعد عظيم بالجزاء.و جاء بالسّين الّتي هي في قول بعضهم:قرينة التّفسير في الاستقبال،أي لا يتأخّر جزاء اللّه إيّاهم عنهم.[إلى أن قال:]

و ظاهر هذا الجزاء أنّه في الآخرة،و قيل:في الدّنيا بالرّزق،و التّمكين في الأرض.(3:69)

ابن كثير :أي سنعطيهم من فضلنا و رحمتنا في الدّنيا و الآخرة،بحسب شكرهم و عملهم.(2:124)

أبو السّعود : وَ سَنَجْزِي الشّاكِرِينَ نعمة الإسلام[إلى أن قال:]

و الجملة اعتراض مقرّر لمضمون ما قبله،و وعد بالمزيد عليه،و في تصديرها بالسّين،و إبهام الجزاء من التّأكيد و الدّلالة على فخامة شأن الجزاء و كونه؛بحيث يقصر عنه البيان ما لا يخفى.و قرئ الأفعال الثّلاثة[نؤته، نؤته،سنجزي]بالياء.(2:44)

نحوه الآلوسيّ.(4:79)

مكارم الشّيرازيّ: و الجدير بالتّأمّل:أنّ الفعل في هذه العبارة جاء في الآية السّابقة،بصيغة الغائب

ص: 502

(سيجزى)و جاء هنا في صورة المتكلّم(سنجزى)،و هذا يفيد غاية التّأكيد للوعد الإلهيّ بإعطاء الثّواب لهم،فهو تدرّج من الوعد العاديّ إلى الوعد المؤكّد،فكأنّ اللّه يريد أن يقول،و ببساطة:أنا ضامن لجزائهم و ثوابهم.(2:558)

2- ...وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. الأنعام:84

الجبّائيّ: بيّن أنّ ذلك جزاء،و لا يليق إلاّ بالثّواب الّذي يختصّ به المحسنون،دون الهداية الّتي هي الدّلالة، و يشترك فيها المؤمن و الكافر.

مثله البلخيّ.(الطّوسيّ 4:209)

الطّبرسيّ: بنيل الثّواب و الكرامات،و قيل:المراد به كما تفضّلنا على هؤلاء الأنبياء بالنّبوّة،فكذلك نتفضّل على المحسنين بنيل الثّواب و الكرامات.(2:230)

أبو السّعود :جزاء مثل ذلك الجزاء،و التّقديم للقصر.(2:411)

رشيد رضا :أي بالجمع بين نعم الدّنيا و رئاستها بالحقّ،و هداية الدّين و إرشاد الخلق،و هذا كما قال اللّه تعالى في أحدهم: وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. يوسف:22،فهو جزاء خاصّ بعضه معجّل في الدّنيا،أي و مثل هذا الجزاء في جنسه يجزي اللّه بعض المحسنين بحسب إحسانه في الدّنيا قبل الآخرة،و منهم من يرجئ جزاءه إلى الآخرة.

(7:587)

الطّباطبائيّ: فالظّاهر أنّ المراد بهذا الجزاء،هو الهداية الإلهيّة المذكورة،و إليها الإشارة بقوله:(كذلك) و الإتيان بلفظ الإشارة البعيدة لتفخيم أمر هذه الهداية، فهو نظير قوله: كَذلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْأَمْثالَ الرّعد:

17،و المعنى نجزي المحسنين على هذا المثال.(7:243)

3- سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ. الأنعام:157

لاحظ«ص د ف»

4- لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَ مِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ. الأعراف:41

القشيريّ: كما أحاطت العقوبات بهم في الدّنيا، فتدنّس بالغفلة باطنهم،و تلوّث بالزّلّة ظاهرهم، فكذلك أحاطت العقوبات بجوانبهم،فمن فوقهم عذاب و من تحتهم عذاب،و كذلك من جوانبهم في القلب من ضيق العيش و استيلاء الوحشة،ما يفي و يزيد على الكلّ.(2:229)

الزّمخشريّ: ...أنّ الإجرام هو السّبب الموصل إلى العقاب،و أنّ كلّ من أجرم عوقب،و قد كرّره،فقال:

وَ كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ لأنّ كلّ مجرم ظالم لنفسه.

(2:79)

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ المقصود منه إتمام الكلام في وعيد الكفّار؛و ذلك لأنّه تعالى قال في الآية المتقدّمة:

وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ ثمّ شرح تعالى في هذه الآية كيفيّة ذلك الخلود في حقّ أولئك المكذّبين المستكبرين بقوله: كَذَّبُوا بِآياتِنا... (14:75)

البروسويّ: يعني بهذه الطّريقة نضع عنهم

ص: 503

أوزارهم،و نردّ مظالمهم في الدّنيا ليردوا القيامة مستعدّين لدخول الجنّة.و من لم نجزه في الدّنيا بهذه الطّريقة فنجزه في الآخرة،كما قال: وَ لَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذابِ الْأَدْنى دُونَ الْعَذابِ الْأَكْبَرِ في الآخرة لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ السّجدة:21 فيه،كذا في«التّأويلات النّجميّة»فالمجاهدة و سلوك طريق التّصفية من دأب الأخيار.(3:162)

5- وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. يوسف:22

ابن عبّاس: بالعلم و الحكمة.(195)

نحوه ابن الجوزيّ.(4:201)

الحسن :من أحسن عبادة ربّه في شيبته،آتاه اللّه الحكمة في اكتهاله.(الزّمخشريّ 2:310)

ابن جريج: أي كما فعلنا بيوسف و أعطيناه الملك بعد مقاساته البلاء و الشّدّة،كذلك نفعل بك يا محمّد.

(الطّبرسيّ 3:222)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:و كما جزيت يوسف، فآتيته بطاعته إيّاي الحكم و العلم،و مكّنته في الأرض، و استنقذته من أيدي إخوته الّذين أرادوا قتله،كذلك نجزي من أحسن في عمله،فأطاعني في أمري،و انتهى عمّا نهيته عنه من معاصي.

و هذا و إن كان مخرج ظاهره على كلّ محسن،فإنّ المراد به محمّد نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،يقول له عزّ و جلّ:كما فعلت هذا بيوسف من بعد ما لقي من إخوته،ما لقي،و قاسى من البلاء ما قاسى،فمكّنته في الأرض،و وطأت له في البلاد، فكذلك أفعل بك،فأنجيك من مشركي قومك،الّذين يقصدونك بالعداوة،و أمكّن لك في الأرض،و أوتيك الحكم و العلم،لأنّ ذلك جزائي أهل الإحسان في أمري و نهيي.(12:178)

الزّجّاج: أي و مثل ما وصفنا من تعليم يوسف نجزي المحسنين.(3:99)

مثله الواحديّ(2:606)،و نحوه الطّوسيّ(6:

117)،و الطّبرسيّ(3:222).

القشيريّ: من جميل الجزاء الّذي أعطاه،هو إمداده بالتّوفيق،حتّى استقام في التّقوى و الورع على سواء الطّريق،قال تعالى: وَ الَّذِينَ جاهَدُوا فِينا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنا العنكبوت:69،أي الّذين جاهدوا بسلوك طريق المعاملة لنهدينّهم سبل الصّبر على الاستقامة، حتّى تتبيّن لهم حقائق المواصلة.(3:177)

الزّمخشريّ: تنبيه على أنّه كان محسنا في عمله متّقيا في عنفوان أمره،و أنّ اللّه آتاه الحكم و العلم جزاء على إحسانه.(2:310)

نحوه البيضاويّ(1:491)،و النّسفيّ(2:216)، و أبو السّعود(3:377)،و الكاشانيّ(3:13)، و المشهديّ(4:604)،و الآلوسيّ(12:210).

ابن عطيّة: ألفاظ فيها وعد للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فلا يهولنّك فعل الكفرة بك و عتوّهم عليك،فاللّه تعالى يصنع للمحسنين أجمل صنع.(3:232)

نحوه الثّعالبيّ.(2:150)

الفخر الرّازيّ: و هذا يدلّ على أنّ كلّ من أتى بالطّاعات الحسنة الّتي أتى بها يوسف،فإنّ اللّه يعطيه تلك المناصب.و هذا بعيد لاتّفاق العلماء على أنّ النّبوّة

ص: 504

غير مكتسبة.

و اعلم أنّ من قال:إنّ يوسف ما كان رسولا و لا نبيّا البتّة،و إنّما كان عبدا أطاع اللّه تعالى،فأحسن اللّه إليه، هذا القول باطل بالإجماع.(18:110)

النّيسابوريّ: [نقل كلام الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و اعترض عليه بأنّ النّبوّة غير مكتسبة،و الحقّ أنّ الكلّ بفضل اللّه و رحمته،و لكن للوسائط و المعدّات مدخل عظيم،في كلّ ما يصل إلى الإنسان من الفيوض و الآثار،فالأنوار السّابقة تصير سببا للأضواء اللاّحقة، و هلمّ جرّا.(12:95)

البروسويّ: إنّ الجزاء ينبغي أن يكون مترتّبا على انقضاء العمل،فتارة يظهر بعد تمام الأعمال كلّها، و تارة يظهر لكلّ عمل منقض جزاء،و هكذا إلى الوصول إلى غاية الأجزية،فعلم تعبير رؤيا الملك و صاحبي السّجن أوتي يوسف في السّجن و تمامه،مع انضمام العلوم الكلّيّة بعد انتهاء الابتلاء،فافهم المقام،و كن على بصيرة من إدراك دقائق الكلام.(4:234)

طنطاويّ: أي و كما جزينا يوسف على إحسانه في عمله،و تقواه في عنفوان شبابه،نجزي المحسنين فنتمّم لهم أمورهم و نؤتيهم،ما يستحقّون من الكمال.(7:35)

المراغيّ: أي و مثل ذلك الجزاء العظيم نجازي به المتحلّين بصفة الإحسان،الّذين لم يدنّسوا أنفسهم بسيّئات الأعمال،فنؤتيهم نصيبا من الحكم بالحقّ و العدل،و علما يظهره القول الفصل؛إذ يكون لذلك الإحسان تأثير في صفاء عقولهم،و جودة أفهامهم، و فقههم لحقائق الأشياء،غير ما يستفيدون بالكسب من غيرهم،و لا يتهيّأ مثل ذلك للمسيئين في أعمالهم، المتّبعين لأهوائهم و طاعة شهواتهم.(12:127)

الطّباطبائيّ: يدلّ على أنّ هذا الحكم و العلم الّذين آتاهما اللّه إيّاه،لم يكونا موهبتين ابتدائيّتين لا مستدعي لهما أصلا،بل هما من قبيل الجزاء،جزاه اللّه بهما لكونه من المحسنين.

و ليس من البعيد أن يستفاد من قوله: وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ أنّ اللّه تعالى يجزي كلّ محسن- على اختلاف صفات الإحسان-شيئا من الحكم و العلم يناسب موقعه في الإحسان،و قد قال تعالى: يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللّهَ وَ آمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَ يَجْعَلْ لَكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ الحديد:28،و قال تعالى: أَ وَ مَنْ كانَ مَيْتاً فَأَحْيَيْناهُ وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً يَمْشِي بِهِ فِي النّاسِ الأنعام:122.(11:119)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(7:158)

6- وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ. الأنبياء:29

الطّبريّ: نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ يقول:نثيبه على قيله ذلك جهنّم كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ. (17:17)

الطّوسيّ: معناه إن ادّعى منهم مدّع ذلك[إنّي إله تحقّ لي العبادة من دون اللّه]فإنّا نجزيه بعذاب جهنّم،كما نجازي الظّالمين بها.و قوله: كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ معناه مثل ما جازينا هؤلاء نجزي الظّالمين أنفسهم بفعل المعاصي.(7:242)

ابن عطيّة: و قرأ الجمهور (نَجْزِيهِ) بفتح النّون و قرأ

ص: 505

أبو عبد الرّحمن عبد اللّه بن يزيد(نجزيه)بضمّ النّون و الهاء،و وجهها أنّ المعنى نجعلها تكتفي به من قولك:

أجزأني الشّيء،ثمّ خفّفت الهمزة ياء،و قوله تعالى:

(كذلك)أي كجزائنا هذا القائل جزاؤنا الظّالمين.

(4:79)

نحوه أبو حيّان.(6:307)

الفخر الرّازيّ: ...فالمعنى أنّ كلّ من يقول من الملائكة ذلك القول،فإنّا نجازي ذلك القائل بهذا الجزاء.

و هذا لا يدلّ على أنّهم قالوا ذلك أو ما قالوه،و هو قريب من قوله تعالى: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ الزّمر:

65.[إلى أن قال:]

وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ... على أنّ حالهم حال سائر العبيد المكلّفين في الوعد و الوعيد،فكيف يصحّ كونهم آلهة...

قال القاضي عبد الجبّار قوله: كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ يدلّ على أنّ كلّ ظالم يجزيه اللّه جهنّم،كما توعّد الملائكة به؛و ذلك يوجب القطع على أنّه تعالى لا يغفر لأهل الكبائر في الآخرة؟

و الجواب:أقصى ما في الباب أنّ هذا العموم مشعر بالوعيد و هو معارض بعمومات الوعيد.(22:160)

القرطبيّ: و قيل:الإشارة إلى جميع الملائكة،أي فذلك القائل نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ. و هذا دليل على أنّهم و إن أكرموا بالعصمة فهم متعبّدون،و ليسوا مضطرّين إلى العبادة،كما ظنّه بعض الجهّال.و قد استدلّ ابن عبّاس بهذه الآية على أنّ محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم أفضل أهل السّماء.

(11:282)

البيضاويّ: وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ من الملائكة أو من الخلائق إِنِّي إِلهٌ... يريد به نفي النّبوّة و ادّعاء ذلك عن الملائكة،و تهديد المشركين بتهديد مدّعي الرّبوبيّة كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ من ظلم بالإشراك و ادّعاء الرّبوبيّة.(2:71)

نحوه المشهديّ.(6:375)

السّمين:قوله: نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ يجوز في ذلك وجهان:

أحدهما:أنّه مرفوع بالابتداء،و هذا وجه حسن.

و الثّاني:أنّه منصوب بفعل مقدّر،يفسّره هذا الظّاهر،و المسألة من باب الاشتغال.و في هذا الوجه إضمار عامل مع الاستغناء عنه فهو مرجوح،و الفاء و ما في خبرها في موضع جزم جوابا للشّرط،و كذلك نعت لمصدر محذوف،أو حال من ضمير المصدر،أي جزاء مثل ذلك الجزاء،أو نجزي الجزاء حال كونه مثل ذلك.

و قرأ العامّة(نجزى)بفتح النّون،و أبو عبد الرّحمن المقرئ بضمّها،و وجهها أنّه من«أجزأ»بالهمز من:

أجزأني كذا،أي كفاني،ثمّ خفّفت الهمزة،فانقلبت إلى الياء.(5:80)

ابن كثير :أي كلّ من قال ذلك،و هذا شرط، و الشّرط لا يلزم وقوعه،كقوله: قُلْ إِنْ كانَ لِلرَّحْمنِ وَلَدٌ فَأَنَا أَوَّلُ الْعابِدِينَ الزّخرف:81،و قوله: لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْخاسِرِينَ الزّمر:65.(4:559)

أبو السّعود : نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كسائر المجرمين، و لا يغني عنهم ما ذكر من صفاتهم السّنيّة و أفعالهم

ص: 506

المرضيّة،و فيه من الدّلالة على قوّة ملكوته تعالى،و عزّة جبروته،و استحالة كون الملائكة بحيث يتوهّم في حقّهم ما توهّمه أولئك الكفرة ما لا يخفى.

كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ مصدر تشبيهيّ مؤكّد لمضمون ما قبله،أي مثل ذلك الجزاء الفظيع نجزي الّذين يضعون الأشياء في غير مواضعها،و يتعدّون أطوارهم.

و القصر المستفاد من التّقديم معتبر بالنّسبة إلى النّقصان دون الزّيادة،أي لاجزاء أنقص منه.(4:333)

نحوه الشّوكانيّ(3:507)،و الآلوسيّ(17:33)، و المراغيّ(17:22).

الكاشانيّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]

و القمّيّ قال:من زعم أنّه إمام و ليس بإمام[نجزيه جهنّم]أقول:لعلّ هذا التّأويل،و ذاك التّفسير.

(3:337)

البروسويّ: ...يشير إلى أنّه ليس للملك استعداد الاتّصاف بصفات الألوهيّة،و لو ادّعى هذه المرتبة فجزاؤه جهنّم البعد و الطّرد و التّعذيب،كما كان حال إبليس.

و به يشير إلى أنّ الاتّصاف بصفات الألوهيّة مرتبة بني آدم،كما قال عليه السّلام:«تخلّقوا بأخلاق اللّه».و قال:

«عنوان كتاب اللّه إلى أوليائه يوم القيامة:من الملك الحيّ الّذي لا يموت إلى الملك الحيّ الّذي لا يموت»، فافهم جدّا.(5:470)

سيّد قطب :و دعوى البنوّة للّه سبحانه دعوى اتّخذت لها عدّة صور في الجاهليّات المختلفة،فقد عرفت عند مشركي العرب في صورة بنوّة الملائكة للّه،و عند مشركي اليهود في صورة بنوّة العزير للّه،و عند مشركي النّصارى في صورة بنوّة المسيح للّه،و كلّها من انحرافات الجاهليّة،في شتّى الصّور و العصور.

و المفهوم أنّ الّذي يعنيه السّياق هنا،هو دعوى العرب في بنوّة الملائكة!و هو يردّ عليهم ببيان طبيعة الملائكة،فهم ليسوا بنات للّه-كما يزعمون- بَلْ عِبادٌ مُكْرَمُونَ عند اللّه.لا يقترحون عليه شيئا تأدّبا و طاعة و إجلالا،إنّما يعملون بأمره لا يناقشون،و علم اللّه بهم محيط و لا يتقدّمون بالشّفاعة إلاّ لمن ارتضاه اللّه، و رضي أن يقبل الشّفاعة فيه.و هم بطبيعتهم خائفون للّه مشفقون من خشيته-على قربهم و طهارتهم و طاعتهم الّتي لا استثناء فيها و لا انحراف عنها.و هم لا يدّعون الألوهيّة قطعا،و لو ادّعوها-جدلا-لكان جزاؤهم جزاء من يدّعي الألوهيّة كائنا من كان،و هو جهنّم، فذلك جزاء الظّالمين الّذين يدّعون هذه الدّعوى الظّالمة لكلّ حقّ،و لكلّ أحد،و لكلّ شيء في هذا الوجود.

كذلك تبدو دعوى المشركين في صورتها هذه واهية مستنكرة مستبعدة،لا يدّعيها أحد.و لو ادّعاها لذاق جزاءها الأليم.

و كذلك يلمس الوجدان بمشهد الملائكة طائعين للّه، مشفقين من خشيته،بينما المشركون يتطاولون و يدّعون!

(4:2375)

مكارم الشّيرازيّ: أمّا التّعبير كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ فيدلّ بصورة جليّة على أنّ موسى عليه السّلام كان جديرا بهذه المنزلة،نظرا لتقواه و طهارته و أعماله الصّالحة؛إذ جازاه اللّه«بالعلم و الحكم»و واضح أنّ

ص: 507

المراد:بالحكم و العلم هنا ليس النّبوّة و الوحي و ما إليهما، لأنّ موسى يومئذ كان لم يبعث بعد،و بقي مدّة بعد ذلك حتّى بعث نبيّا.

بل المقصود و المراد من:الحكم و العلم هما المعرفة و النّظرة الثّاقبة،و القدرة على القضاء الصّحيح و ما شابه ذلك،و قد منح اللّه هذه الأمور لموسى عليه السّلام،لطهارته و صدقه و أعماله الصّالحة،كما ذكرنا آنفا.

و يفهم من هذا التّعبير-إجمالا-أنّ موسى لم يتأثّر بلون المحيط الّذي عاشه في قصر فرعون،و كان يسعى إلى تحقيق العدل و الحقّ،ما استطاع إلى ذلك سبيلا،و إن لم تكن الجزئيّات الّتي كانت تصدر عن موسى و كيفيّتها واضحة اليوم عندنا.(12:179)

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ الصّافّات:80 و 131

7- وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ اسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. القصص:14

الآلوسيّ: [في معنى العلم و الحكمة قولين:

أحدهما:أنّ المراد بالحكم:النّبوّة و بالعلم:الدّين و الشّريعة،ثانيهما:المراد بالحكم:السّنّة و بالعلم:

التّوراة،و رجّح الثّاني بأنّه أوفق للنّظم هذا خلاصة كلامه و أضاف:]و بأنّ قوله تعالى:(و كذلك)أي مثل ذلك الّذي فعلناه بموسى و أمّه عليهما السّلام نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ على إحسانهم،يأبى حمل ما تقدّم على النّبوّة،لأنّها لا تكون جزاء على العمل.و من ذهب إلى الأوّل جعل هذا بيانا إجماليّا لا نجاز الوعد،بجعله من المرسلين بعد ردّه لأمّه،و ما بعد تفصيل له،و العطف بالواو لا يقتضي التّرتيب،و كون ما فعل بموسى و أمّه عليهما السّلام جزاء على العمل،باعتبار التّغليب.

و قد يقال:إنّ أصل النّبوّة و إن لم تكن جزاء على العمل،إلاّ أنّ بعض مراتبها،و هو ما فيه مزيد قرب من اللّه تعالى،يكون باعتبار مزيد القرب جزاء عليه.

و يرجع ذلك إلى أنّ مزيد القرب هو الجزاء،و تفاوت الأنبياء عليهما السّلام في القرب منه تعالى ممّا لا ينبغي أن يشكّ فيه.و رجّح ما تقدّم بكونه أوفق بقوله تعالى: وَ لِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ القصص:13.و استلزامه حصول النّبوّة لكلّ محسن ليس بشيء أصلا.

و من ذهب إلى أنّ هذا الإيتاء كان قبل الهجرة،قال:

يجوز أن يكون المعنى آتيناه رئاسة بين قومه بني إسرائيل،بأن جعلناه ممتازا فيما بينهم،يرجعون إليه في مهامّهم،و يمتثلونه إذا أمرهم بشيء أو نهاهم عنه،و علما ينتفع به و ينفع به غيره،و ذلك إمّا بمحض الإلهام أو بتوفيقه،لاستنباط دقائق و أسرار ممّا نقل إليه من كلمات آبائه الأنبياء عليهما السّلام من بني إسرائيل،و لا بدع في أن يكون عليه السّلام عالما بما كان عليه آباؤه الأنبياء منهم،و بما كانوا يتديّنون به من الشّرائع،بواسطة الإلهام،أو بسماع ما يفيده العلم من الأخبار.(20:52)

8- قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ.

الصّافّات:105

الطّوسيّ: معناه إنّا جازينا إبراهيم على فعله بأحسن الجزاء،و مثل ذلك نجزي كلّ من فعل طاعة،

ص: 508

فإنّا نجازيه على فعله بأحسن الجزاء.(8:519)

الواحديّ: هذا ابتداء إخبار من اللّه تعالى،و ليس يتّصل بما قبله من الكلام الّذي يؤدّي به إبراهيم،و المعنى إنّا كما ذكرنا من العفو عن ذبح ولده،نجزي من أحسن في طاعتنا.(3:530)

نحوه البغويّ(4:38)،و الطّبرسيّ(4:453)، و الفخر الرّازيّ(26:158)،و الخازن(6:25)، و الشّربينيّ(3:388)،و طنطاوي(18:21)، و المراغيّ(23:75)،و الطّباطبائيّ(17:153)،و فضل اللّه(19:207)،و مكارم الشّيرازيّ(14:334).

الزّمخشريّ: تعليل لتخويل ما خوّلهما من الفرج بعد الشّدّة،و الظّفر بالبغية بعد اليأس.(3:348)

نحوه البيضاويّ(2:298)،و النّسفيّ(4:25)، و ابن كثير(6:27)،و أبو السّعود(5:335)، و المشهديّ(8:493)،و البروسويّ(7:476).

ابن عطيّة: إشارة إلى ما عمل إبراهيم،كأنّه يقول:

إنّا بهذا النّوع من الإخلاص و الطّاعة نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. (4:482)

الشّوكانيّ: أي نجزيهم بالخلاص من الشّدائد، و السّلامة من المحن،فالجملة كالتّعليل لما قبلها.

(4:508)

الآلوسيّ: ابتداء كلام غير داخل في النّداء،و هو تعليل لإفراج تلك الشّدّة،المفهوم من الجواب المقدّر أو من الجواب المذكور،أعني(ناديناه)إلخ على القول بأنّه الجواب أو منه،و إن لم يكن الجواب و العلّة في المعنى إحسانهما،و كونه تعليلا لما انطوى عليه الجواب من الشّكر ليس بشيء.(23:131)

القاسميّ: أي باللّطف و العناية و النّداء و الوحي و الفرج بعد الشّدّة.(14:5051)

ابن عاشور :و جملة إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ تعليل لجملة وَ نادَيْناهُ لأنّ نداء اللّه إيّاه ترفيع لشأنه،فكان ذلك النّداء جزاء على إحسانه.

و هذه الجملة يجوز أن تكون من خطاب اللّه تعالى إبراهيم،و يجوز أن تكون معترضة بين جمل خطاب إبراهيم،و الإشارة في قوله:كذلك:إلى المصدر المأخوذ من فعل«صدقت»من المصدر و هو التّصديق، مثل عود الضّمير على المصدر المأخوذ من اِعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوى المائدة:8،أي إنّا نجزي المحسنين كذلك التّصديق،أي مثل عظمة ذلك التّصديق نجزي جزاء عظيما للمحسنين،أي الكاملين في الإحسان،أي و أنت منهم.

و لما يتضمّنه لفظ الجزاء من معنى المكافأة،و مماثلة المجزيّ عليه عظم شأن الجزاء،بتشبيهه بمشبّه مشار إليه بإشارة البعيد المفيد بعدا اعتباريّا،و هو الرّفعة و عظم القدر في الشّرف،فالتّقدير:إنّا نجزي المحسنين جزاء كذلك الإحسان الّذي أحسنت به بتصديقك الرّؤيا، مكافأة على مقدار الإحسان،فإنّه بذل أعزّ الأشياء عليه في طاعة ربّه،فبذل اللّه إليه من أحسن الخيرات الّتي بيده تعالى.فالمشبّه و المشبّه به معقولان؛إذ ليس واحد منهما بمشاهد،و لكنّهما متخيّلان بما يتّسع له التّخيّل المعهود عند المحسنين،ممّا يقتضيه اعتقادهم في وعد الصّادق من جزاء القادر العظيم،قال تعالى: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ الرّحمن:60.

ص: 509

و لما يتضمّنه لفظ الجزاء من معنى المكافأة،و مماثلة المجزيّ عليه عظم شأن الجزاء،بتشبيهه بمشبّه مشار إليه بإشارة البعيد المفيد بعدا اعتباريّا،و هو الرّفعة و عظم القدر في الشّرف،فالتّقدير:إنّا نجزي المحسنين جزاء كذلك الإحسان الّذي أحسنت به بتصديقك الرّؤيا، مكافأة على مقدار الإحسان،فإنّه بذل أعزّ الأشياء عليه في طاعة ربّه،فبذل اللّه إليه من أحسن الخيرات الّتي بيده تعالى.فالمشبّه و المشبّه به معقولان؛إذ ليس واحد منهما بمشاهد،و لكنّهما متخيّلان بما يتّسع له التّخيّل المعهود عند المحسنين،ممّا يقتضيه اعتقادهم في وعد الصّادق من جزاء القادر العظيم،قال تعالى: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ الرّحمن:60.

و لما أفاد اسم الإشارة من عظمة الجزاء أكّد الخبر ب(انّ)لدفع توهّم المبالغة،أي هو فوق ما تعهده في العظمة و ما تقدّره العقول.

و فهم من ذكر(المحسنين)أنّ الجزاء إحسان بمثل الإحسان،فصار المعنى إنّا كذلك الإحسان العظيم الّذي أحسنته نجزي المحسنين،فهذا وعد بمراتب عظيمة من الفضل الرّبّانيّ،و تضمّن وعد ابنه بإحسان مثله من جهة نوط الجزاء بالإحسان،و قد كان إحسان الابن عظيما ببذل نفسه.(23:67)

9- كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. الصّافّات:110

الآلوسيّ: ذلك إشارة إلى إبقاء ذكره الجميل فيما بين الأمم،لا إلى ما يشير إليه فيما سبق،فلا تكرار.

و طرح هنا(انّا)[الّذي جاء فيما قبلها]قيل:مبالغة في دفع توهّم اتّحاده مع ما سبق،كيف و قد سيق الأوّل تعليلا لجزاء إبراهيم و ابنه عليهما السّلام،بما أشير إليه قبل، و سيق هذا تعليلا لجزاء إبراهيم وحده،بما تضمّنه قوله تعالى: وَ تَرَكْنا عَلَيْهِ إلخ.

و ما ألطف الحذف هنا اقتصارا؛حيث كان فيما قبله ما يشبه ذلك من عدم ذكر الابن و الاقتصار على إبراهيم.

و قيل:لعلّ ذلك اكتفاء بذكر(انّا)مرّة في هذه القصّة.

و قال بعض الأجلّة:إنّه للإشارة إلى أنّ قصّة إبراهيم عليه السّلام لم تتمّ،فإنّ ما بعد من قوله تعالى:

وَ بَشَّرْناهُ بِإِسْحاقَ إلخ من تكملة ما يتعلّق به عليه السّلام، بخلاف سائر القصص الّتي جعل إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ الصّافّات:105،مقطعا لها،فإنّ ما بعد ليس ممّا يتعلّق بما قبل.و مع هذا لم تخل القصّة من مثل تلك الجملة بجميع كلماتها و سلك فيها هذا المسلك اعتناء بها،فتأمّل.(23:132)

مكارم الشّيرازيّ: جزاء:يعادل عظمة الدّنيا، جزاء خالد على مدى الزّمان،جزاء لائق و هو أن خصّ البارئ عزّ و جلّ عبده إبراهيم بالسّلام،و عبارة كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ تثير الانتباه؛إذ أنّها أتت قبل عدّة آيات،و تكرّرت ثانية هنا،فهناك علّة لهذا التّكرار حتما.

دليل المرحلة الأولى يمكن أن يكون؛هو أنّ اللّه سبحانه و تعالى صادق على نجاح إبراهيم في الامتحان الصّعب،و أمضى نتيجة قبوله،و هذه بحدّ ذاتها أهمّ مكافأة يمنحها اللّه سبحانه و تعالى لإبراهيم،ثمّ تأتي قضيّة«الفدية بذبح عظيم»و بقاء اسمه و سنّته خالدين على مدى التّاريخ،و إرسال البارئ عزّ و جلّ سلامه و تحيّاته إلى إبراهيم،الّتي اعتبرت ثلاث نعم كبيرة منحها اللّه سبحانه و تعالى لعبده إبراهيم،بعنوان أنّها مكافأة و جزاء للمحسنين.(14:336)

و قد أعرضنا عن نصوص كثير من المفسّرين حذرا من التّكرار.

10- إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ. الصّافّات:121

مكارم الشّيرازيّ: تكرّرت في هذه السّورة عدّة مرّات،إذ جاءت بحقّ نوح و إبراهيم و موسى و هارون،

ص: 510

و عبارة مشابهة لها بشأن يوسف وردت في سورة يوسف الآية(22)كما تناولت الآية(84)في سورة الأنعام أنبياء آخرين،كان ثوابهم نفس الثّواب الّذي حصل عليه نوح و إبراهيم و موسى و هارون،و كلّهم يقرّون بأنّ كلّ من يريد أن تشمله العناية الإلهيّة،عليه أوّلا أن ينضمّ إلى زمرة المحسنين،كي تغدق عليه البركات الإلهيّة.

(14:349)

و بهذا المعنى جاء إِنّا كَذلِكَ... في سورة المرسلات:44،و قد تركنا نصوصا كثيرا من المفسّرين، حذرا من التّكرار.

11- تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ. الأحقاف:25

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:كما جزينا عادا بكفرهم باللّه من العقاب في عاجل الدّنيا،فأهلكناهم بعذابنا،كذلك نجزى القوم الكافرين باللّه من خلقنا؛إذ تمادوا في غيّهم،و طغوا على ربّهم.(26:27)

نحوه القاسميّ(15:5354)،و المراغيّ(26:32).

الزّجّاج: المعنى مثل ذلك نجزي القوم المجرمين،أي بالعذاب.(4:446)

الطّوسيّ: ...مثل ما أهلكنا أهل الأحقاف و جازيناهم بالعذاب كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ الّذين سلكوا مسلكهم.(9:281)

نحوه الطّبرسيّ.(5:90)

الفخر الرّازيّ: و المقصود منه تخويف كفّار مكّة.

فإن قيل:لمّا قال اللّه تعالى: وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ الأنفال:33،فكيف يبقى التّخويف حاصلا؟

قلنا:قوله: وَ ما كانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَ أَنْتَ فِيهِمْ إنّما نزل في آخر الأمر،فكان التّخويف حاصلا قبل نزوله.(28:28)

نحوه الشّربينيّ.(4:15)

الطّباطبائيّ: إعطاء ضابط كلّيّ في مجازاة المجرمين بتشبيه الكلّيّ بالفرد الممثّل به و التّشبيه في الشّدّة،أي إنّ سنّتنا في جزاء المجرمين على هذا النّحو الّذي قصصناه من الشّدّة،فهو كقوله تعالى: وَ كَذلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذا أَخَذَ الْقُرى وَ هِيَ ظالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ هود:102.

(18:213)

ابن عاشور :أي مثل جزاء عاد نجزي القوم المجرمين،و هو تهديد لمشركي قريش و إنذار لهم...

(26:43)

مغنيّة:في الدّنيا و الآخرة،أو في الآخرة فقط، على ما توجبه الحكمة البالغة.(7:52)

مكارم الشّيرازيّ: و تشير الآية في النّهاية إلى حقيقة،و هي أنّ هذا المصير غير مختصّ بهؤلاء القوم الضّالّين،بل: كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ. و هذا إنذار و تحذير لكلّ المجرمين العصاة،و الكافرين المعاندين الأنانيّين،بأنّكم إن سلكتم هذا الطّريق فسوف لن يكون مصيركم أحسن حالا من هؤلاء،فإنّه تعالى قد يأمر الرّياح بأن تهلككم،ذات الرّياح الّتي يعبّر القرآن الكريم بأنّها«مبشرات بين يدى رحمته»الرّوم:46.

لأنّ الرّياح تتّصف بصفة الأمر الإلهيّ المطلوب منها.

ص: 511

و قد يبدّل الأرض الّتي هي مهد هدوء الإنسان و اطمئنانه،إلى قبر له بزلزلة شديدة.

و قد يبدّل المطر الّذي هو أساس حياة كلّ الكائنات الحيّة،إلى سيول جارفة تغرق كلّ شيء.

نعم،إنّه عزّ و جلّ يجعل جنود الحياة جنود موت و فناء،و كم هو مؤلم الموت الّذي يأتي من عمق سبب الحياة و أساسها؟خاصّة إذا كان الأمر كما في قوم هود؛إذ فرحوا و سرّوا في البداية،ثمّ جاءتهم البطشة ليكون العذاب أشدّ و ألمّ.

و الطّريف أنّه يقول:إنّ هذه الرّياح،هذه الأمواج الهوائيّة اللّطيفة،تدمّر كلّ شيء بأمر اللّه.(16:266)

12- نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ. القمر:35.

الطّبريّ: يقول:و كما أثبتنا لوطا و سلّم،و أنعمنا عليه،فأنجيناهم من عذابنا بطاعتهم إيّانا،كذلك نثيب من شكرنا على نعمتنا عليه،فأطاعنا و انتهى إلى أمرنا و نهينا،من جميع خلقنا.(27:104)

نحوه القاسميّ(15:5603)،و المراغيّ(27:93).

القيسيّ: الكاف في موضع نصب نعت لمصدر محذوف،تقديره:نجزي من شكر جزاء كذلك،أي مثل ذلك.(2:340)

القشيريّ: أي جعلنا إنجاءهم في إهلاك أعدائهم، و هكذا نجزي من شكر،فمثل هذا نعامل به من شكر نعمتنا.(6:66)

الفخر الرّازيّ: فيه وجهان:

أحدهما:ظاهر،و عليه أكثر المفسّرين،و هو أنّه من آمن كذلك ننجّيه من عذاب الدّنيا و لا نهلكه،وعدا لأمّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم المؤمنين بأنّه يصونهم عن الإهلاكات العامّة،و السّيّئات المطبقة الشّاملة.

و ثانيهما:و هو الأصحّ:أنّ ذلك وعد لهم،و جزاؤهم بالثّواب في دار الآخرة،كأنّه قال:كما نجّيناهم في الدّنيا، أي كما أنعمنا عليهم ننعم عليهم يوم الحساب.

و الّذي يؤيّد هذا أنّ النّجاة من الإهلاكات في الدّنيا ليس بلازم،و من عذاب اللّه في الآخرة لازم بحكم الوعيد،و كذلك ينجي اللّه الشّاكرين من عذاب النّار، و يذر الظّالمين فيه.[ثمّ استشهد بآيات](29:59)

نحوه النّيسابوريّ(27:54)،و الشّربينيّ(4:151).

سيّد قطب :فننجّيه و ننعم عليه في وسط المهالك و المخاوف.و الآن و قد عرض القصّة من طرفيها:طرف التّكذيب،و طرف الأخذ الشّديد،فإنّه يعود لشيء من التّفصيل فيما وقع بين الطّرفين.

و هذه إحدى طرق العرض القرآنيّة للقصّة،حين يراد إبراز إيحاءات معيّنة من إيرادها في هذا النّسق.

(6:3434)

ابن عاشور :و جملة كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ معترضة،و هي استئناف بيانيّ عن جملة نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ باعتبار ما معها من الحال،أي إنعاما لأجل أنّه شكر،ففيه إيماء بأنّ إهلاك غيرهم لأنّهم كفروا،و هذا تعريض بإنذار المشركين و بشارة للمؤمنين.(27:195)

لنجزينّ

ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللّهِ باقٍ وَ لَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. النّحل:96

الطّبريّ: و ليثيبنّ اللّه الّذين صبروا على طاعتهم

ص: 512

إيّاه في السّرّاء و الضّرّاء،ثوابهم يوم القيامة على صبرهم عليها،و مسارعتهم في رضاه،بأحسن ما كانوا يعملون من الأعمال دون أسوئها،و ليغفرنّ اللّه لهم سيّئها بفضله.(14:169)

أبو زرعة:قرأ ابن كثير و عاصم و ابن عامر (و لنجزينّ) بالنّون،أخبر جلّ و عزّ عن نفسه،و حجّتهم إجماعهم على قوله في الآية بعدها: وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ و قرأ الباقون(و ليجزينّ)بالياء إخبارا عن اللّه جلّ و عزّ، و حجّتهم ذكر اللّه قبله،و هو قوله: وَ ما عِنْدَ اللّهِ باقٍ وَ لَنَجْزِيَنَّ. فإذا عطفت الآية على مثلها،كان أحسن من أن تقطع ممّا قبلها.[و نحوه أكثر المفسّرين](393)

ابن كثير :قسم من الرّبّ تعالى مؤكّد باللاّم،أنّه يجازي الصّابرين بأحسن أعمالهم،أي و يتجاوز عن سيّئها.(4:223)

أبو السّعود :بنون العظمة على طريقة الالتفات، تكرير الوعد المستفاد من إِنَّما عِنْدَ اللّهِ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ على نهج التّوكيد القسميّ،مبالغة في الحمل على الثّبات في الدّين و الالتفات عمّا يقتضيه ظاهر الحال، من أن يقال:و لنجزينّكم أجركم بأحسن ما كنتم تعملون،للتّوسّل إلى التّعرّض لأعمالهم،و الإشعار بعلّيّتها للجزاء،أي و اللّه لنجزينّ...(4:90)

و هناك مطالب راجع«ص ب ر».

لنجزينّهم

1- مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. النّحل:97

ابن عبّاس: ثوابهم في الآخرة.(230)

مثله زيد بن عليّ.(245)

الطّبريّ: و قوله:(و لنجزينّهم...)فذلك لا شكّ أنّه في الآخرة.(14:172)

نحوه الفخر الرّازيّ.(20:112)

الماورديّ: يحتمل وجهين:

أحدهما:أن يجازي على أحسن الأعمال،و هي الطّاعة،دون المباح منها.

الثّاني:مضاعفة الجزاء،و هو الأحسن،كما قال تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها الأنعام:

160.(3:212)

الطّوسيّ: ثمّ أخبر أنّه يجزيهم زيادة على الحياة الطّيّبة(اجرهم)و ثوابهم بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ، و قد فسّرناه.

و إنّما قال:(و لنجزينّهم)بلفظ الجمع،لأنّ(من)يقع على الواحد و الجميع،فردّ الكناية على المعنى.(6:424)

نحوه الطّبرسيّ(3:348)،و ابن عطيّة(3:419).

الميبديّ: يعني مضاعفة الجزاء في الآخرة،و قيل:

وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ دون أسوأها،و لنغفرنّ سيّئاتهم بفضلنا.(5:445)

ابن عربيّ: وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ من جنّات الأفعال و الصّفات بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ إذ عملهم يناسب صفاتهم الّتي هي مبادئ أفعالهم، و أجرهم.[يناسب عملهم،و أجرنا (1)]يناسب صفاتنا الّتي هي مصادر أفعالنا،فانظر،كم بينهما من التّفاوت في

ص: 513


1- كذلك تصحّ العبارة.

الحسن.(1:690)

أبو حيّان :يعني في الآخرة[ثمّ ذكر نحو الطّوسيّ إلى أن قال:]

و ينبغي أن يكون على تقدير قسم ثان لا معطوفا على فَلَنُحْيِيَنَّهُ فيكون من عطف جملة قسميّة على جملة قسميّة،و كلتاهما محذوفتان.و لا يكون من عطف جواب على جواب لتغاير الإسناد،و إفضاء الثّاني إلى إخبار المتكلّم عن نفسه بإخبار الغائب،و ذلك لا يجوز.فعلى هذا لا يجوز:زيد قلت و اللّه لأضربنّ هندا و لينفينّها،يريد:و لينفينّها زيد.

فإن جعلته على إضمار قسم ثان،جاز،أي«و قال زيد:لينفينّها»لأنّ لك في هذا التّركيب أن تحكي لفظه و أن تحكي على المعنى،فمن الأوّل وَ لَيَحْلِفُنَّ إِنْ أَرَدْنا إِلاَّ الْحُسْنى التّوبة:107،و من الثّاني يَحْلِفُونَ بِاللّهِ ما قالُوا التّوبة:74،و لو جاء على اللّفظ لكان ما قلنا.(5:534)

السّمين:(و لنجزينّهم)راعى معنى(من)فجمع الضّمير بعد أن راعى لفظها،فأفرد في(لنحيينّه) و ما قبله.

و قرأ العامّة (وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ) بنون العظمة مراعاة لما قبله.و قرأ ابن عامر في رواية بياء الغيبة،و هذا ينبغي أن يكون على إضمار قسم ثان،فيكون من عطف جملة قسميّة على قسميّة مثلها،حذفتا و بقي جواباهما.

و لا جائز أن يكون من عطف جواب على جواب، لإفضائه إلى إخبار المتكلّم عن نفسه بإخبار الغائب، و هو لا يجوز.(4:358)

أبو السّعود: (و لنجزينّهم)في الآخرة أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ... حسبما نفعل بالصّابرين،فليس فيه شائبة تكرار.و الجمع في الضّمائر العائدة إلى الموصول،لمراعاة جانب المعنى،كما أنّ الإفراد فيما سلف لرعاية جانب اللّفظ،و إيثار ذلك على العكس لما أنّ وقوع الجزاء بطريق الاجتماع المناسب للجمعيّة،و وقوع ما في حيّز الصّلة و ما يترتّب عليه بطريق الافتراق و التّعاقب الملائم للإفراد.(4:91)

البروسويّ: أي و لنعطينّهم في الآخرة أجرهم الخاصّ بهم،بما كانوا يعملون من الصّالحات.و إنّما أضيف إليه الأحسن للإشعار بكمال حسنه،كما سبق في حقّ الصّابرين...(5:78)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و قيل:بناء على كون ذلك في الآخرة:إنّ الجمع و الإفراد لما تقدّم،و كذا إيثار ذلك على العكس فيما عدا ضمير(لنحيينّه).و أمّا في ضميره فلما أنّ الإحياء حياة طيّبة،بمعنى ما سلمت ممّا تقدّم أمر واحد في الجميع،لا يتفاوت فيه أهل الجنّة،فكأنّهم في ذلك شيء واحد،و لمّا لم يكن الجزاء كذلك،و كان أهل الجنّة فيه متفاوتين،جيء بضمير الجمع معه،فتأمّل كلّ ذلك.(14:228)

ابن عاشور :و قد عقّب بوعد جزاء الآخرة بقوله:

وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ... فاختصّ هذا بأجر الآخرة بالقرينة، بخلاف نظيره المتقدّم آنفا،فإنّه عامّ في الجزاءين.

(13:220)

مغنيّة:(و لنجزينّهم)عطف تفسير على قوله:

ص: 514

(فلنحيينّه)و تأكيد له،و مثله قوله تعالى: إِنَّما يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآياتِ اللّهِ...

النّحل:105.(4:551)

مكارم الشّيرازيّ: و بملاحظة تعبير الآية عن الجزاء الإلهيّ،وفق أحسن الأعمال،ليفهم من ذلك أنّ الحياة الطّيّبة ترتبط بعالم الدّنيا،بينما يرتبط الجزاء بالأحسن بعالم الآخرة.(8:286)

2- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ.

العنكبوت:7

ابن عطيّة: (وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ) حذف مضاف تقديره:ثواب أحسن.(4:307)

نحوه الثّعالبيّ(2:528)،و السّمين(5:360).

الطّبريّ: يقول:و لنثيبنّهم على صالحات أعمالهم في إسلامهم أحسن ما كانوا يعملون في حال شركهم،مع تكفيرنا سيّئات أعمالهم.(20:131)

نحوه النّسفيّ.(3:250)

الثّعلبيّ: أي بأحسن أعمالهم،و هو الطّاعة.(7:271)

مثله البغويّ(3:550)،و الخازن(5:156).

الجبّائيّ: معناه أحسن ما كانوا يعملون طاعاتهم للّه،لأنّه لا شيء في ما يعمله العباد أحسن من طاعتهم للّه.

(الطّوسيّ 8:189)

الطّوسيّ: [ذكر قول الجبّائيّ و أضاف:]

و قال قوم:معناه و لنجزينّهم بأحسن أعمالهم،و هو الّذي أمرناهم به،دون المباح الّذي لم نأمرهم به، و لا نهيناهم عنه.(8:189)

القشيريّ: من رفع إلينا خطوة نال منّا خطوة، و من ترك فينا شهوة وجد منّا صفوة،فنصيبهم من الخيرات موفور،و عملهم في الزّلاّت مغفور،بذلك أجرينا سنّتنا،و هو متناول حكمنا و قضيّتنا.(5:88)

الواحديّ: أي بأحسن أعمالهم،و هو الطّاعة، و لا يجزيهم بمساوئ أعمالهم.(3:413)

نحوه ابن الجوزيّ.(6:256)

الزّمخشريّ: ...إمّا أن يريد قوما مسلمين صالحين قد أساءوا في بعض أعمالهم،و سيّئاتهم مغمورة بحسناتهم،فهو يكفّرها عنهم،أي يسقط عقابها بثواب الحسنات،و يجزيهم أحسن الّذي كانوا يعملون،أي أحسن جزاء أعمالهم.

و إمّا قوما مشركين آمنوا و عملوا الصّالحات،فاللّه عزّ و جلّ يكفّر سيّئاتهم،بأن يسقط عقاب ما تقدّم لهم من الكفر و المعاصي،و يجزيهم أحسن جزاء أعمالهم في الإسلام.(3:197)

نحوه ابن عاشور.(20:137)

الطّبرسي:أي يجزيهم بأحسن أعمالهم،و هو ما أمروا به من العبادات و الطّاعات.و المعنى لنكفّرنّ سيّئاتهم السّابقة منهم في حال الكفر،و لنجزينّهم بحسناتهم الّتي عملوها في الإسلام.(4:274)

القرطبيّ: [نحو الطّبرسيّ و أضاف:]

و يحتمل أن تكفّر عنهم سيّئاتهم في الكفر و الإسلام،و يثابوا على حسناتهم في الكفر و الإسلام.

(13:328)

ص: 515

الفخر الرّازيّ: قوله: وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ يحتمل وجهين:

أحدهما:لنجزينّهم بأحسن أعمالهم.

و ثانيهما:لنجزينّهم أحسن من أعمالهم.

و على الوجه الأوّل:معناه نقدّر أعمالهم أحسن ما تكون،و نجزيهم عليها،لا أنّه يختار منها أحسنها و يجزى عليه و يترك الباقي.

و على الوجه الثّاني:معناه قريب من معنى قوله تعالى: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها الأنعام:

160،و قوله: فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها النّمل:89.(25:35)

البيضاويّ: أي أحسن جزاء أعمالهم.و الجزاء الحسن:أن يجازى بحسنة حسنة؛و أحسن الجزاء هو أن يجازى الحسنة الواحدة بالعشر و زيادة.(2:204)

مثله طنطاوي(14:95)،و طه الدّرّة(10:608)، و نحوه المشهديّ(7:505)،و شبّر(5:49).

النّيسابوريّ: ...ثمّ إنّه تعالى ذكر في مقابلة الإيمان، و العمل الصّالح أمرين:تكفير السّيّئات،و الجزاء بالأحسن،فتكفير السّيّئات في مقابلة الإيمان،و الجزاء بالأحسن في مقابلة العمل الصّالح.

و منه يعلم أنّ الإيمان يقتضي عدم الخلود في النّار، لأنّ الّذي كفّرت سيّئاته يدخل الجنّة لا محالة،فالجزاء الأحسن يكون غير الجنّة،و هو ما لا عين رأت و لا أذن سمعت،و لا خطر على قلب بشر.و لا يبعد أن يكون هو «الرّؤية»عند من يقول بها.(20:78)

أبو حيّان :أي أحسن جزاء أعمالهم.[ثمّ ذكر قول ابن عطيّة و قال:]

و هذا التّقدير لا يسوغ،لأنّه يقتضي أنّ أولئك يجزون ثواب أحسن أعمالهم.و أمّا ثواب حسنها فمسكوت عنه،و هم يجزون ثواب الأحسن و الحسن،إلاّ أن أخرجت(أحسن)عن بابها من التّفضيل،فيكون بمعنى حسن،فإنّه يسوغ ذلك.

و أمّا التّقدير الّذي قبله،فمعناه أنّه مجزيّ أحسن جزاء العمل،فعمله يقتضي أن تكون الحسنة بمثلها، فجوزي أحسن جزائها،و هي أن جعلت بعشر أمثالها.

و في هذه الآيات تحريك و هزّ لمن تخلّف عن الهجرة، أن يبادر إلى استدراك ما فرّط فيه منها،و ثناء على المؤمنين الّذين بادروا إلى الهجرة،و تنويه بقدرهم.

(7:141)

ابن كثير :يجازي الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات أحسن الجزاء،و هو أنّه يكفّر عنهم أسوأ الّذي عملوا، و يجزيهم أجرهم بأحسن الّذي كانوا يعملون،فيقبل القليل من الحسنات،و يثيب عليها الواحدة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف،و يجزي على السّيّئة بمثلها أو يعفو و يصفح،كما قال تعالى: إِنَّ اللّهَ لا يَظْلِمُ مِثْقالَ ذَرَّةٍ...

النّساء:40،و قال هاهنا: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ.... (5:308)

نحوه المراغيّ.(20:116)

الشّربينيّ: أي أحسن جزاء ما عملوه و هو الصّالحات،و(أحسن)نصب بنزع الخافض و هو«الباء».

(3:126)

أبو السّعود :أي أحسن جزاء أعمالهم،لا جزاء أحسن أعمالهم فقط.(5:142)

ص: 516

نحوه الكاشانيّ(4:112)،و البروسويّ(6:448).

الشّوكانيّ: أي بأحسن جزاء أعمالهم،و قيل:

بجزاء أحسن أعمالهم،و المراد ب(أحسن)مجرّد الوصف لا التّفضيل،لئلاّ يكون جزاؤهم بالحسن مسكوتا عنه.

و قيل:يعطيهم أكثر ممّا عملوا و أحسن منه،كما في قوله: مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها الأنعام:

160.(4:241)

الآلوسيّ: [نحو البيضاويّ ثمّ قال:]

و قيل:لو قدّر لنجزينّهم بأحسن أعمالهم أو جزاء أحسن أعمالهم لإخراج المباح،جاز.(20:138)

مغنيّة: من آمن بعد ما كفر،و أصلح بعد ما أفسد، فإنّ اللّه يغفر له و يعفو عمّا مضى.و فوق ذلك يثيبه تفضّلا منه على إيمانه و إصلاحه تماما،كمن لا ذنب له.

و في هذا المبدأ الخير كلّ الخير للإنسانيّة،لأنّه يفتح باب الأمل للمذنبين و المجرمين،و يدفع بهم إلى التّوبة و الإقلاع،و لا سبيل أجدى من هذا السّبيل،لتطهير المجتمع من المظالم و المفاسد.(6:94)

الطّباطبائيّ: و جزاؤهم بأحسن الّذي كانوا يعملون هو رفع درجتهم إلى ما يناسب أحسن أعمالهم، أو عدم المناقشة في أعمالهم عند الحساب؛إذا كانت فيها جهات رداءة و خسّة،فيعاملون في كلّ واحد من أعمالهم معاملة من أتى بأحسن عمل من نوعه،فتحتسب صلاتهم أحسن الصّلاة و إن اشتملت على بعض جهات الرّداءة،و هكذا.(16:103)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(12:311)

3- فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ. فصّلت:27

ابن عبّاس: بأقبح ما كانوا يعملون في الدّنيا.

(402)

نحوه الثّعلبيّ(8:293)،و الشّوكانيّ(4:644).

عذابا شديدا يوم بدر و أسوأ الّذي كانوا يعملون في الآخرة.(أبو السّعود 5:443)

الحسن :المراد أنّه لا يجازيهم على محاسن أعمالهم.

(الفخر الرّازيّ 27:120)

مقاتل: بأسوإ ما كانوا يعملون،و هو الشّرك.

(الواحديّ 4:31)

نحوه البغويّ(4:131)،و القرطبيّ(15:356)، و الخازن(6:92)،و طه الدّرّة(12:684).

الطّبريّ: يقول:و لنثيبنّهم على فعلهم ذلك و غيره من أفعالهم بأقبح جزاء أعمالهم الّتي عملوها في الدّنيا.

(24:112)

الطّوسيّ: قيل:معناه أسوأ الّذي كانوا يعملون من المعاصي،من جملة ما كانوا يعملون،دون غيرها ممّا لا يستحقّ به العقاب.

و قال قوم:خصّ بذلك الكبائر،زجرا و تغليظا بعينها،و اقتصر في الصّغير على الجملة في الوعيد...

(9:122)

القشيريّ: اليوم بإدامة الحرمان الّذي هو الفراق، و غدا بالتّخليد في النّار الّتي هي الاحتراق.(5:326)

الزّمخشريّ: و أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ في الآخرة،ذلك إشارة إلى الأسوإ،و يجب أن يكون

ص: 517

التّقدير:أسوأ جزاء الّذين كانوا يعملون،حتّى تستقيم هذه الإشارة.(3:452)

ابن عطيّة: و الجزاء بأسوإ أعمالهم هو عذاب الآخرة.(5:13)

الطّبرسيّ: أي نجازيهم بأقبح الجزاء على أقبح معاصيهم،و هو الكفر و الشّرك و خصّ الأسوأ بالذّكر للمبالغة في الزّجر.

و قيل:معناه لنجزينّهم بأسوإ أعمالهم،و هي المعاصي دون غيرها،ممّا لا يستحقّ به العذاب.(5:11)

نحوه النّسفيّ.(4:93)

الفخر الرّازيّ: و اختلفوا فيه،فقال الأكثرون:

المراد جزاء سوء أعمالهم،و قال الحسن:بل المراد أنّه لا يجازيهم على محاسن أعمالهم،لأنّهم أحبطوها بالكفر، فضاعت تلك الأعمال الحسنة عنهم،و لم يبق معهم إلاّ الأعمال القبيحة الباطلة،فلا جرم لم يتحصّلوا إلاّ على جزاء السّيّئات.(27:120)

نحوه المراغيّ.(24:125)

ابن كثير :أي بشرّ أعمالهم و سيّئ أفعالهم.

(6:172)

الشّربينيّ: أي بأعمالهم(أسوا)أي سوء العمل اَلَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ أي مواظبين عليه.(3:515)

نحوه طنطاوي.(19:94)

أبو السّعود :أي جزاء سيّئات أعمالهم،الّتي هي في أنفسها أسوأ.(5:443)

نحوه الآلوسيّ.(24:119)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود ثمّ قال:]

فإذا كانت أعمالهم الّتي كان جزاؤها كذلك فالأسوأ قصد به الزّيادة المطلقة،و إنّما أضيف إلى ما عملوا للبيان و التّخصيص.(8:252)

شبّر: أقبح جزاء عملهم،و سمّي(أسوأ)للمقابلة.

(5:375)

ابن عاشور : أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ منصوب على نزع الخافض،و التّقدير:على أسوإ ما كانوا يعملون.و لك أن تجعله منصوبا على النّيابة عن المفعول المطلق،تقديره:جزاء مماثلا أسوأ الّذي كانوا يعملون.

(25:47)

مغنيّة: ينقسم عمل المجرمين إلى قسمين:سيّئ و أسوأ،و كذلك الجزاء،لأنّ مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها المؤمن:40،و إنّما ذكر سبحانه أسوأ أعمالهم، ليبيّن أنّ جزاءهم غدا أسوأ الجزاء تماما كأعمالهم.

(6:488)

الطّباطبائيّ: قيل:المراد العمل السّيّئ الّذي كانوا يعملون بتجريد«أفعل»عن معنى التّفضيل.

و قيل:المراد بيان جزاء ما هو أسوأ أعمالهم،و سكت عن الباقي مبالغة في الزّجر.(17:388)

مكارم الشّيرازيّ: فهل لهؤلاء عمل أسوأ من الكفر و الشّرك و إنكار آيات اللّه،و منع النّاس و صدّهم عن سماع كلام الحقّ؟لكن لما ذا أشارت الآية إلى(أسوا) بالرّغم من أنّهم يرون جزاء كلّ أعمالهم؟

قد يكون هذا التّعبير للتّأكيد على موضوع الجزاء و التّهديد به و بيان حديثه،و فيه إشارة لمنعهم النّاس عن سماع كلام النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

ص: 518

كما أنّ كانُوا يَعْمَلُونَ دليل على أنّه سيتمّ التّأكيد على الأعمال الّتي كانوا يقومون بها دائما،و بعبارة أخرى أنّ ما يعملونه لم يكن أمرا مؤقّتا،بل كانت سنّتهم و سيرتهم الدّائمة.(15:361)

4- مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها...

المؤمن:40

ابن عبّاس: النّار.(396)

الطّبريّ: يقول:من عمل بمعصية اللّه في هذه الحياة الدّنيا،فلا يجزيه اللّه في الآخرة إلاّ سيّئة مثلها،و ذلك أن يعاقبه بها.(24:67)

الطّوسيّ: و معناه أي من عمل معصية فليس يجازي إلاّ مقدار ما يستحقّه عليها من العقاب،لا أكثر من ذلك.(9:79)

نحوه الطّبرسيّ.(4:524)

القشيريّ: في المقدار لا في الصّفة،لأنّ الأولى سيّئة،و المكافأة من اللّه عليها حسنة و ليست بسيّئة.

(5:307)

الواحديّ: في العظم،يعني النّار.(4:14)

الزّمخشريّ: لأنّ الزّيادة على مقدار جزاء السّيّئة قبيحة،لأنّها ظلم...(3:428)

الفخر الرّازيّ: يعني أنّ جزاء السّيّئة له حساب و تقدير،لئلاّ يزيد على الاستحقاق.(27:70)

نحوه الرّازيّ.(360)

القرطبيّ: و هو العذاب.(15:317)

البيضاويّ: عدلا من اللّه،و فيه دليل على أنّ الجنايات تغرم بمثلها.(2:337)

نحوه أبو السّعود(5:420)،و المشهديّ(9:128)، و الآلوسيّ(24:70)،و طه الدّرّة(12:568).

الخازن :قيل:معناه من عمل بالشّرك فجزاؤه جهنّم خالدا فيها،و من عمل بالمعاصي فجزاؤه العقوبة بقدرها.(6:80)

ابن كثير :أي واحدة مثلها.(6:140)

الشّربينيّ: عدلا منه،لا يزاد عليها مقدار ذرّة، و لا أصغر منها.(3:484)

البروسويّ: عدلا من اللّه سبحانه،فخلود الكافر في النّار مثل لكفره و لو ساعة،لأبديّة اعتقاده.و أمّا المؤمن الفاسق فعقابه منقطع؛إذ ليس على عزم أن يبقى مصرّا على المعصية.

و في الآية دليل على أنّ الجنايات سواء كانت في النّفوس أو الأعضاء أو الأموال تغرم بأمثالها،و الزّائد على الأمثال غير مشروع.(8:186)

الشّوكانيّ: أي من عمل في دار الدّنيا معصية من المعاصي كائنة ما كانت،فلا يجزى إلاّ مثلها،و لا يعذّب إلاّ بقدرها.و الظّاهر شمول الآية لكلّ ما يطلق عليه اسم السّيّئة.

و قيل:هي خاصّة بالشّرك،و لا وجه لذلك.

(4:918)

مغنيّة: اللّه عادل و كريم،و يتجلّى عدله في عقوبة المسيء،فإنّها عند اللّه تساوي سيّئته جزاء وفاقا.و قد تنقص العقوبة رأفة منه تعالى و رحمة...(6:453)

الطّباطبائيّ: أي أنّ الّذي يصيبه و يعيش به في

ص: 519

الآخرة يشاكل كلّ ما أتى به في هذه الحياة الدّنيا الّتي هي متاع فيها،فإنّما الدّنيا دار عمل و الآخرة دار جزاء.

من عمل في الدّنيا سيّئة ذات صفة المساءة فلا يجزى في الآخرة إلاّ مثلها ممّا يسوؤه...(17:332)

فضل اللّه :فذلك هو الجزاء العادل الّذي يضع العقوبة في حجم الجريمة.(20:46)

يجز

لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَ لا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَ لا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً.

النّساء:123

ابن عبّاس: يُجْزَ بِهِ المؤمن في الدّنيا أو بعد الموت قبل دخول الجنّة،و الكافر في الآخرة قبل دخول النّار،أو بعد دخول النّار.(81)

لمّا نزلت هذه الآية شقّت على المسلمين مشقّة شديدة،و قالوا:يا رسول اللّه و أيّنا لم يعمل سوء غيرك، و كيف الجزاء؟

فقال:«منه ما يكون في الدّنيا،فمن يعمل حسنة فله عشر حسنات،و من يجازي بالسّيّئة نقصت واحدة من عشرة،و بقيت له تسع حسنات،فويل لمن غلب إحداته عشراته».

و أمّا ما كان جزاؤه في الآخرة،فإنّه يؤخّر إلى يوم القيامة،فيقابل بين حسناته و سيّئاته،و ينظر في الفضل فيعطى الجزاء في الجنّة،فيعطى كلّ ذي عمل فضله.

(الثّعلبيّ 3:390)

عائشة: (عن أبي المهلّب،قال:دخلت على عائشة كي أسألها عن هذه الآية لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ...

قالت:)ذاك ما يصيبكم في الدّنيا.(الطّبريّ 5:292)

الضّحّاك: يعني بذلك اليهود و النّصارى و المجوس و كفّار العرب،و لا يجدون لهم من دون اللّه وليّا و لا نصيرا.

(الطّبريّ 5:293)

الحسن :إنّه كان يقول:(من يعمل...)يعني بذلك الكفّار،لا يعني بذلك أهل الصّلاة.

و اللّه ما جازى اللّه عبدا بالخير و الشّرّ إلاّ عذّبه لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى النّجم:31،أما و اللّه لقد كانت لهم ذنوب، و لكنّه غفرها لهم،و لم يجازهم بها،إنّ اللّه لا يجازي عبده المؤمن بذنب،إذا توبقه ذنوبه.(الطّبريّ 5:292)

مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ إنّما ذلك لمن أراد اللّه هوانه،فأمّا من أراد كرامته،فإنّه من أهل الجنّة،وعد الصّدق الّذي كانوا يوعدون.(الطّبريّ 5:293)

أبيّ بن كعب:(عن الرّبيع بن زياد،قال:قلت لأبيّ بن كعب،قول اللّه تبارك و تعالى: مَنْ يَعْمَلْ...

و اللّه إن كان كلّ ما عملنا جزينا به هلكنا؟قال:)و اللّه إن كنت لأراك أفقه ممّا أرى،لا يصيب رجلا خدش و لا عثرة إلاّ بذنب،و ما يعفو اللّه عنه أكثر،حتّى اللّدغة و النّفحة.(الطّبريّ 5:292)

ابن زيد : مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وعد اللّه المؤمنين أن يكفّر عنهم سيّئاتهم،و لم يعد أولئك،يعني المشركين.(الطّبريّ 5:293)

الطّبريّ: [ذكر الأقوال ثمّ قال:]

و أولى التّأويلات الّتي ذكرناها بتأويل الآية،

ص: 520

التّأويل الّذي ذكرناه عن أبيّ بن كعب و عائشة،و هو أنّ كلّ من عمل سوء،صغيرا أو كبيرا،من مؤمن أو كافر، جوزي به.

و إنّما قلنا ذلك أولى بتأويل الآية،لعموم الآية كلّ عامل سوء من غير أن يخصّ أو يستثنى منهم أحد،فهي على عمومها إذ لم يكن في الآية دلالة على خصوصها، و لا قامت حجة بذلك من خبر عن الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.

فإن قال قائل:و أين ذلك من قول اللّه: إِنْ تَجْتَنِبُوا كَبائِرَ ما تُنْهَوْنَ عَنْهُ نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ النّساء:31،و كيف يجوز أن يجازى على ما قد وعد تكفيره؟

قيل:إنّه لم يعد بقوله: نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ ترك المجازاة عليها،و إنّما وعد التّكفير بترك الفضيحة منه لأهلها في معادهم،كما فضح أهل الشّرك و النّفاق.فأمّا إذا جازاهم في الدّنيا عليها بالمصائب،ليكفّرها عنهم بها،ليوافوه و لا ذنب لهم يستحقّون المجازاة عليه،فإنّما وفّى لهم بما وعدهم،بقوله: نُكَفِّرْ عَنْكُمْ سَيِّئاتِكُمْ و أنجز لهم ما ضمن لهم بقوله: وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ سَنُدْخِلُهُمْ جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ النّساء:57.(5:293)

الزّجّاج: أي لا ينفعه تمنّيه.(2:112)

الطّوسيّ: [ذكر قول ابن زيد و الضّحّاك و أضاف:]

و هو الّذي يليق بمذهبنا،لأنّا نقطع على أنّ الكفّار لا يغفر لهم على حال،و المسلمون يجوز أن يغفر لهم ما يستحقّونه من العقاب،فلا يمكننا القطع على أنّه لا بدّ أن يجازي بكلّ سوء.(3:337)

الواحديّ: [ذكر قول الحسن و أضاف:]

و قال آخرون:هذا عامّ في كلّ من عمل سوء من مسلم و كافر،و لكنّ المؤمن يجزى به في الدّنيا.

(2:119)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ ثمّ قال:]

و من استدلّ بهذه الآية على المنع من جواز العفو عن المعاصي،فإنّا نقول له:إنّ من ذهب إلى أنّ العموم لا ينفرد في اللّغة بصيغة مختصّة به لا يسلّم أنّها تستغرق جميع من فعل السّوء،بل يجوز أن يكون المراد بها بعضهم،على ما ذكره أهل التّأويل كابن عبّاس و غيره.

على أنّهم قد اتّفقوا على أنّ الآية مخصوصة،فإنّ التّائب و من كانت معصيته صغيرة لا يتناوله العموم، فإذا جاز لهم أن يخصّصوا العموم في الآية بالفريقين،جاز لنا أن نخصّها بمن يتفضّل اللّه عليه بالعفو.و هذا بيّن، و الحمد للّه.(2:115)

الفخر الرّازيّ: دلّت الآية على أنّ الكفّار مخاطبون بفروع الشّرائع،لأنّ قوله: مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يتناول جميع المحرّمات،فدخل فيه ما صدر عن الكفّار ممّا هو محرّم في دين الإسلام،ثمّ قوله:(يجز به)يدلّ على وصول جزاء كلّ ذلك إليهم.

فإن قيل:لم لا يجوز أن يكون ذلك الجزاء عبارة عمّا يصل إليهم من الهموم و الغموم في الدّنيا؟

قلنا:إنّه لا بدّ و أن يصل جزاء أعمالهم الحسنة إليهم في الدّنيا؛إذ لا سبيل إلى إيصال ذلك الجزاء إليهم في الآخرة.و إذا كان كذلك فهذا يقتضي أن يكون تنعّمهم في الدّنيا أكثر و لذّاتهم هاهنا أكمل،و لذلك قال عليه

ص: 521

الصّلاة و السّلام:«الدّنيا سجن المؤمن و جنّة الكافر».

و إذا كان كذلك امتنع أن يقال:إنّ جزاء أفعالهم المحظورة تصل إليهم في الدّنيا،فوجب القول بوصول ذلك الجزاء إليهم في الآخرة.

قالت المعتزلة: دلّت الآية على أنّ العبد فاعل، و دلّت أيضا على أنّه يعمل سوء يستحقّ الجزاء،و إذا دلّت الآية على مجموع هذين الأمرين فقد دلّت على أنّ اللّه غير خالق لأفعال العباد،و ذلك من وجهين:

أحدهما:أنّه لمّا كان عملا للعبد امتنع كونه عملا للّه تعالى،لاستحالة حصول مقدور واحد بقادرين.

و الثّاني:أنّه لو حصل بخلق اللّه تعالى لما استحقّ العبد عليه جزاء البتّة و ذلك باطل،لأنّ الآية دالّة على أنّ العبد يستحقّ الجزاء على عمله.(11:54)

الطّباطبائيّ: ...مطلق يشمل الجزاء الدّنيويّ الّذي تقرّره الشّريعة الإسلاميّة كالقصاص للجاني،و القطع للسّارق و الجلد أو الرّجم للزّاني،إلى غير ذلك من أحكام السّياسات و غيرها،و يشمل الجزاء الأخرويّ الّذي أوعده اللّه تعالى في كتابه و بلسان نبيّه.

و هذا التّعميم هو المناسب لمورد الآيات الكريمة و المنطبق عليه،و قد ورد في سبب النّزول أنّ الآيات نزلت في سرقة ارتكبها بعض،و رمى بها يهوديّا أو مسلما،ثمّ ألحّوا على النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أن يقضي على المتّهم.

(5:87)

يجزيه-الجزاء

ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى. النّجم:41

الطّبريّ: ثمّ يثاب بسعيه ذلك الثّواب الأوفى.(27:74)

القيسيّ: «الهاء»تعود على السّعي،أي يجزى به و(الجزاء)نصب على المصدر.(2:333)

الطّوسيّ: أي يجازى على أعماله الطّاعات بأوفى ما يستحقّه من الثّواب الدّائم.[ثمّ قال نحو القيسيّ]

(9:436)

القشيريّ: هو الجزاء الأكبر و الأجلّ،و جزاء غير مقطوع و لا ممنوع.(6:57)

الواحديّ: يجزى الإنسان سعيه،يقال:«جزيت فلانا سعيه»يتعدّى إلى مفعولين.(4:204)

الزّمخشريّ: ثمّ يجزى العبد سعيه،يقال:جزاه اللّه عمله،و جزاه على عمله،بحذف الجارّ و إيصال الفعل، و يجوز أن يكون الضّمير للجزاء.(4:33)

نحوه الفخر الرّازيّ(29:16)،و النّسفيّ(4:199)، و البروسويّ(9:253)،و الآلوسيّ(27:67).

ابن عطيّة: وعيد للكافرين و وعد للمؤمنين.

(5:207)

الطّبرسيّ: [نحو الطّوسيّ ثمّ قال:]

و المعنى أنّه يرى العبد سعيه يوم القيامة ثمّ يجزى سعيه أوفى الجزاء.(5:180)

البيضاويّ: أي يجزى العبد سعيه بالجزاء الأوفر، فنصب بنزع الخافض.و يجوز أن يكون مصدرا،و أن تكون«الهاء»للجزاء المدلول عليه.ب(يجزى)و الجزاء بدله.(2:433)

يجزون

1- ...إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا

ص: 522

يَقْتَرِفُونَ. الأنعام:120

ابن عبّاس: الجلد في الدّنيا،و العقوبة في الآخرة.

(118)

الطّبريّ: يقول:سيثيبهم اللّه يوم القيامة،بما كانوا في الدّنيا يعملون من معاصيه.(8:15)

الفخر الرّازيّ: و ظاهر النّصّ يدلّ على أنّه لا بدّ و أن يعاقب المذنب،إلاّ أنّ المسلمين أجمعوا على أنّه إذا تاب لم يعاقب.و أصحابنا زادوا شرطا ثانيا،و هو أنّه تعالى قد يعفو عن المذنب فيترك عقابه،كما قال اللّه تعالى: إِنَّ اللّهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَ يَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ النّساء:48.(13:168)

أبو حيّان :أي يكسبون الإثم في الدّنيا سيجزون في الآخرة.و هذا وعيد و تهديد للعصاة.(4:212)

الآلوسيّ: أي يكسبون من الإثم كائنا ما كان، فلا بدّ من اجتناب ذلك،و الجملة تعليل للأمر.(8:15)

الطّباطبائيّ: تعليل للنّهي و إنذار بالجزاء السّيّئ.

(7:333)

طه الدّرّة: سيعاقبون عقابا شديدا بسبب اكتسابهم الذّنوب و المعاصي و السّيّئات.هذا و«يجزون» من«الجزاء»و«المجازاة»و هي المكافأة على عمل ما، تكون في الخير،و تكون في الشّرّ.(4:255)

مكارم الشّيرازيّ: أي ينالون الجزاء في المستقبل القريب.قد يشير إلى يوم القيامة،و أنّه إن بدا في نظر بعضهم بعيدا،فهو في الحقيقة قريب جدّا،و أنّ هذا العالم سرعان ما تنطوي أيّامه و يصل المعاد.

أو قد يكون إشارة إلى أنّ أغلب أفراد البشر ينالون في هذه الدّنيا بعض ما يستحقّونه من نتائج أعمالهم السّيّئة،بشكل ردود فعل فرديّة و اجتماعيّة.

(4:414)

2- وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. الأعراف:147 ابن عبّاس:ما يجزون في الآخرة...(138)

الطّبريّ: هل ينالون إلاّ ثواب ما كانوا يعملون، فصار ثواب أعمالهم الخلود في نار أحاط بهم سرادقها؛إذ كانت أعمالهم في طاعة الشّيطان دون طاعة الرّحمن، نعوذ باللّه من غضبه...(9:61)

الطّوسيّ: أي به،و صورته صورة الاستفهام، و المراد به:الإنكار و التّوبيخ،و المعنى ليس يجزون إلاّ ما كانوا يعملون،إن خيرا فخيرا و إن شرّا فشرّا.

(4:577)

نحوه الطّبرسيّ(2:479)،و ابن كثير(3:222).

الواحديّ: هذا استفهام تقرير،يعني أنّهم لا يجزون إلاّ بما يستحقّون من العقاب.(2:410)

نحوه ابن عطيّة(2:454)،و طه الدّرّة(5:81).

الفخر الرّازيّ: [نحو الواحديّ ثمّ قال:]

و احتجّ أصحابنا بهذه الآية على فساد قول أبي هاشم،في أنّ تارك الواجب يستحقّ العقاب،بمجرّد أن لا يفعل الواجب،و إن لم يصدر منه فعل ضدّ ذلك الواجب.قالوا:هذه الآية تدلّ على أنّه لا جزاء إلاّ على عمل،و ليس ترك الواجب بعمل،فوجب أن لا يجازى عليه،فثبت أنّ«الجزاء»إنّما حصل على فعل ضدّه و أجاب أبو هاشم بأنّي لا أسمّي ذلك العقاب جزاء،

ص: 523

فسقط الاستدلال.

و أجاب أصحابنا عن هذا الجواب:بأنّ«الجزاء»إنّما سمّي جزاء،لأنّه يجزي و يكفي في المنع من النّهي،و في الحثّ على المأمور به.فإن ترتّب العقاب على مجرّد ترك الواجب،كان ذلك العقاب كافيا في الزّجر عن ذلك التّرك،فكان جزاء،فثبت أنّه لا سبيل إلى الامتناع من تسميته جزاء،و اللّه أعلم.(15:4)

نحوه النّيسابوريّ.(9:49)

أبو حيّان :[ذكر قول ابن عطيّة ثمّ قال:]

و الظّاهر أنّه استفهام بمعنى النّفي،و لذلك دخلت (إلاّ)،و الاستفهام الّذي هو بمعنى التّقرير هو موجب من حيث المعنى،فيبعد دخول(إلاّ)و لعلّه لا يجوز.(4:391)

السّمين:[نحو أبي حيّان،ثمّ نقل قول الواحديّ و أضاف:]

قلت:لأنّ نفس ما كانوا يعملونه لا يجزونه،إنّما يجزون بمقابله،و هو واضح.(3:343)

المراغيّ: (لا يجزون)إلاّ جزاء ما استمرّوا على عمله من الكفر و المعاصي،فأثّر في نفوسهم و أرواحهم حتّى دسّاها و أفسدها.فقد مضت سننه تعالى بجعل الجزاء في الآخرة أثرا للعمل مرتّبا عليه كترتيب المسبّب على السّبب،و لا يظلم ربّك أحدا في جزائه مثقال ذرّة.

(9:67)

الطّباطبائيّ: معنى الآية ظاهر و يتحصّل منها:

أوّلا:أنّ الجزاء هو نفس العمل و قد تقدّم توضيحه كرارا في أبحاثنا السّابقة.

و ثانيا:أنّ الحبط من الجزاء،فإنّ الجزاء بالعمل، و إذا كان العمل حابطا فإحباطه هو الجزاء،و الحبط إنّما يتعلّق بالأعمال الّتي فيها جهة حسن،فتكون نتيجة إحباط الحسنات ممّن له حسنات و سيّئات أن يجزى بسيّئاته جزاء سيّئا و يجزى بحسناته بإحباطها، فيتمحّض له الجزاء السّيّئ.

و يمكن أن تنزّل الآية على معنى آخر،و هو أن يكون المراد بالجزاء:الجزاء الحسن،و قوله: هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ كناية عن أنّهم لا يثابون بشيء؛إذ لا عمل من الأعمال الصّالحة عندهم لمكان الحبط،قال تعالى: وَ قَدِمْنا إِلى ما عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْناهُ هَباءً مَنْثُوراً الفرقان:23،و الدّليل على كون المراد بالجزاء هو الثّواب أنّ هذا الجزاء هو جزاء الأعمال المذكورة في الآية قبلا،و المراد بها بقرينة ذكر الحبط هي الأعمال الصّالحة.

و من هنا يظهر فساد ما استدلّ بعضهم بالآية،على أنّ تارك الواجب من غير أن يشتغل بضدّه لا عقاب له، لأنّه لم يعمل عملا حتّى يعاقب عليه،و قد قال تعالى:

هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ

وجه الفساد أنّ المراد بالجزاء في الآية الثّواب، و المعنى أنّهم لا ثواب لهم في الآخرة،لأنّهم لم يأتوا بحسنة و لم يعملوا عملا يثابون عليه.

على أنّ ثبوت العقاب على مجرّد ترك الأوامر الإلهيّة مع الغضّ عمّا يشتغل به من الأعمال المضادّة كالضّروريّ من كلامه تعالى،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ مَنْ يَعْصِ اللّهَ وَ رَسُولَهُ فَإِنَّ لَهُ نارَ جَهَنَّمَ الجنّ:23،إلى غير ذلك من الآيات.(8:247)

ص: 524

مكارم الشّيرازيّ: إنّ هذه الآية نموذج آخر من الآيات القرآنيّة الدّالّة على تجسّم الأعمال و حضور أعمال الإنسان خيرها و شرّها يوم القيامة.(5:203)

3- ...وَ جَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. سبأ:33

الطّوسيّ: أي يجزون على قدر استحقاقهم لا يجازفون.فلفظه لفظ الاستفهام،و المراد به:النّفي، فكأنّه قال:لا يجزون إلاّ على قدر أعمالهم الّتي عملوها.

(8:399)

أبو السّعود :أي لا يجزون إلاّ جزاء ما كانوا يعملون، أو إلاّ بما كانوا يعملونه على نزع الجارّ.(5:262)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

فلمّا قيّدوا أنفسهم في الدّنيا و منعوها عن الإيمان بتسويلات الشّيطان الجنّيّ و الإنسيّ،جوزوا في الآخرة بالقيد...(7:298)

الآلوسيّ: أي لا يجزون إلاّ مثل الّذي كانوا يعملونه من الشّرّ.و حاصله لا يجزون إلاّ شرّا.

و«جزى»قد يتعدّى إلى مفعولين بنفسه،كما يشير إليه قول الرّاغب،يقال:جزيته كذا و بكذا.و جوّز كون (ما)محلّ النّصب بنزع الخافض،و هو إمّا«الباء»أو «عن»أو«على»فإنّه ورد تعدية«جزى»بها جميعا.

و قيل:إنّ هذا التّعدّي لتضمينه معنى«القضاء»، و متى صحّ ما سمعت عن الرّاغب،لم يحتج إلى هذا.

(22:146)

2- وَ لِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَ ذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ.

الأعراف:180

لاحظ«و ذ ر»

تجزى

1- إِنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى. طه:15

لاحظ«س ع ي»

2- وَ خَلَقَ اللّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَ لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ. الجاثية:22

الطّبريّ: و ليثيب اللّه كلّ عامل بما عمل من عمل خلق السّماوات و الأرض:المحسن بالإحسان،و المسيء بما هو أهله،لا لنبخس المحسن ثواب إحسانه،و نحمل عليه جرم غيره،فنعاقبه،أو نجعل للمسيء ثواب إحسان غيره،فنكرمه،و لكن لنجزي كلاّ بما كسبت يداه،و هم لا يظلمون جزاء أعمالهم.(25:150)

نحوه الطّوسيّ(9:259)،و الطّبرسيّ(5:78).

الواحديّ: خلق السّماوات و الأرض للحقّ و الجزاء، كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ كيلا يظنّ الكافر أنّه لا يجزى بكفره،و أنّه يستوي مع المؤمن.(4:98)

نحوه ابن الجوزيّ.(7:361)

الزّمخشريّ: (و لتجزى)معطوف على(بالحقّ) لأنّ فيه معنى التّعليل،أو على معلّل محذوف،تقديره:

خلق اللّه السّماوات و الأرض،ليدلّ بها على قدرته، و لتجزى كلّ نفس،أي هو مطواع لهوى النّفس،يتّبع ما تدعوه إليه،فكأنّه يعبد كما يعبد الرّجل

ص: 525

إلهه.(3:512)

نحوه البيضاويّ(2:382)،و أبو السّعود(6:61).

ابن عطيّة: و اللاّم في قوله:(لتجزى)يظهر أن تكون لام«كي»،فكأنّ الجزاء من أسباب خلق السّماوات.و يحتمل أن تكون لام الصّيرورة،أي صار الأمر فيها من حيث اهتدى بها قوم و ضلّ عنها آخرون، لأن يجازى كلّ أحد بعلمه،و بما اكتسب من خير أو شرّ.

(5:86)

الفخر الرّازيّ: [نحو الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و المعنى أنّ المقصود من خلق هذا العالم إظهار العدل و الرّحمة،و ذلك لا يتمّ إلاّ إذا حصل البعث و القيامة، و حصل التّفاوت في الدّرجات و الدّركات بين المحقّين و بين المبطلين...(27:268)

نحوه الخازن.(6:128)

النّيسابوريّ: [نقل كلام الزّمخشريّ ثمّ قال:]

و الحاصل أنّ الغاية من خلق السّماء و الأرض،كان هو الإنسان الكامل،فكيف يترك اللّه جزاءه و جزاء من هو ضدّه و التّمييز بينهما بموجب العدالة.(25:78)

البروسويّ: عطف على(بالحقّ)لأنّ فيه معنى التّعليل،لأنّ«الباء»للسّببيّة،و بيانه أنّ الحكمة في خلق العالم هو الجزاء؛إذ لو لم يكن الجزاء-كما يقول الكافرون -لاستوى المطيع و العاصي،فالجزاء مترتّب على الطّاعة و العصيان،و هما موقوفان على وجود العالم؛إذ التّكليف لا يحصل إلاّ في هذه الدّار.(8:447)

الآلوسيّ: وَ لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ عطف على(بالحقّ)لأنّه في معنى العلّة،سواء كانت«الباء» للسّببيّة الغائيّة،أو الملابسة.أمّا على الأوّل فظاهر،و أمّا على الثّاني،فلأنّ المعنى خلقها ملتبسة و مقرونة بالحكمة، و الصّواب دون العبث و الباطل،و حاصله خلقها لأجل ذلك.

أو عطف على علّة محذوفة مثله:ليدلّ سبحانه بها على قدرته أو ليعدل،و(ما)موصولة أو مصدريّة،أي ليجزى كلّ نفس بالّذي كسبته أو يكسبها.(25:151)

الطّباطبائيّ: (و لتجزى)عطف على(بالحقّ)، (و الباء)في قوله: (بِما كَسَبَتْ) للتّعدية أو للمقابلة،أي لتجزى مقابل ما كسبت،إن كان طاعة فالثّواب،و إن كان معصية فالعقاب، وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ حال من كلّ نفس،أي و لتجزى كلّ نفس بما كسبت بالعدل.

فيؤول معنى الآية إلى مثل قولنا:و خلق اللّه السّماوات و الأرض بالحقّ و بالعدل،فكون الخلق بالحقّ يقتضي أن يكون وراء هذا العالم عالم آخر يخلّد فيه الموجودات،و كون الخلق بالعدل يقتضي أن تجزى كلّ نفس ما تستحقّه بكسبها؛فالمحسن يجزى جزاء حسنا و المسيء يجزى جزاء سيّئا،و إذ ليس ذلك في هذه النّشأة ففي نشأة أخرى.

و بهذا البيان يظهر أنّ الآية تتضمّن حجّتين على المعاد.

إحداهما:ما أشير إليه بقوله: وَ خَلَقَ اللّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ، و يسلك من طريق الحقّ.

و الثّانية:ما أشير إليه بقوله: وَ لِتُجْزى...

و يسلك من طريق العدل.

فتؤول الحجّتان إلى ما يشتمل عليه قوله:

ص: 526

وَ ما خَلَقْنَا السَّماءَ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما باطِلاً ذلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النّارِ* أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجّارِ ص:27،28.

و الآية بما فيها من الحجّة تبطل حسبانهم أنّ المسيء كالمحسن في الممات،فإنّ حديث المجازاة بالثّواب و العقاب على الطّاعة و المعصية يوم القيامة ينفي تساوي المطيع و العاصي في الممات،و لازم ذلك إبطال حسبانهم أنّ المسيء كالمحسن في الحياة،فإنّ ثبوت المجازاة يومئذ يقتضي وجوب الطّاعة في الدّنيا،و المحسن على بصيرة من الأمر في حياته،يأتي بواجب العمل و يتزوّد من يومه لغده،بخلاف المسيء العائش في عمى و ضلال،فليسا بمتساويين.(18:171)

3- وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى* إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى. الليل:19،20

قتادة :يقول:ليس به مثابة النّاس و لا مجازاتهم،إنّما عطيّته للّه.(الطّبريّ 30:228)

الفرّاء: يقول:لم ينفق نفقته مكافأة ليد أحد عنده، و لكن أنفقها ابتغاء وجه ربّه،ف(إلاّ)في هذا الموضع بمعنى (لكن).

و قد يجوز أن تجعل الفعل في المكافأة مستقبلا، فتقول:و لم يرد ممّا أنفق مكافأة من أحد.و يكون موقع «اللاّم»الّتي في(أحد)في«الهاء»الّتي خفضتها عنده، فكأنّك قلت:و ما له عند أحد فيما أنفق من نعمة يلتمس ثوابها.

و كلا الوجهين حسن.[و]ما أدري أيّ الوجهين أحسن؟

و قد تضع العرب الحرف في غير موضعه،إذا كان المعنى معروفا.[ثمّ استشهد بشعر]

و نصب«الابتغاء»من جهتين:

من أن تجعل فيها نيّة إنفاقه،ما ينفق إلاّ ابتغاء وجه ربّه.

و الآخر على اختلاف ما قبل(إلاّ)و ما بعدها؛ و العرب تقول:ما في الدّار أحد إلاّ أكلبا و أحمرة،و هي لغة لأهل الحجاز،و يتبعون آخر الكلام أوّله،فيرفعون في الرّفع.[ثمّ استشهد بشعر]

و لو رفع إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ رافع لم يكن خطأ، لأنّك لو ألقيت(من)من النّعمة لقلت:ما لأحد عنده نعمة تجزى إلاّ ابتغاء،فيكون الرّفع على اتّباع المعنى،كما تقول:ما أتاني من أحد إلاّ أبوك.(3:272)

نحوه الطّبريّ.(30:227)

الزّجّاج: أي لم يفعل ذلك مجازاة ليد أسديت إليه.

(5:336)

نحوه الواحديّ.(4:505)

الطّوسيّ: معناه ليس ذلك ليد سلفت تكافئ عليها و لا ليد يتّخذها عند أحد من العباد.(10:366)

نحوه القشيريّ(6:306)،و الطّبرسيّ(5:503)، و الخازن(7:214).

النّسفيّ: أي و ما لأحد عند اللّه نعمة يجازيه بها،إلاّ أن يفعل فعلا يبتغي به وجه ربّه،فيجازيه عليه.

(4:363)

ص: 527

السّمين:(تجزى)صفة ل(نعمة)أي تجزي الإنسان،و إنّما جيء به مضارع مبنيّا للمفعول،لأجل الفواصل؛إذ الأصل نجزيها إيّاه أو نجزيه إيّاها.

(6:536)

أبو السّعود :استئناف مقرّر لكون إيتائه للتّزكّي، خالصا لوجه اللّه تعالى،أي ليس لأحد عنده نعمة من شأنها أن تجزى و تكافأ،فيقصد بإيتاء ما يؤتي مجازاتها.

(6:437)

نحوه البروسويّ.(10:450)

البحرانيّ: فهو رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم الّذي ليس لأحد عنده من نعمة تجزى،و نعمته جارية على جميع الخلق.

(10:306)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود ثمّ قال:]

و يعلم ممّا ذكر أنّ بناء(تجزى)للمفعول،لأنّ القصد ليس لفاعل معيّن.و قيل:إنّ ذلك لكونه فاصلة،و أصله يجزيه إيّاها أو يجزيها إيّاه.(30:152)

الطّباطبائيّ: تقرير لمضمون الآية السّابقة،أي ليس لأحد عنده من نعمة تجزى تلك النّعمة بما يؤتيه من المال و تكافأ،و إنّما يؤتيه لوجه اللّه.و يؤيّد هذا المعنى تعقيبه بقوله: إِلاَّ ابْتِغاءَ وَجْهِ رَبِّهِ الْأَعْلى.

فالتّقدير:من نعمة تجزى به،و إنّما حذف الظّرف رعاية للفواصل،و يندفع بذلك ما قيل:إنّ بناء(تجزى) للمفعول،لأنّ القصد ليس لفاعل معيّن.(20:307)

تجزون

1- ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ. يونس:52

الفخر الرّازيّ: ففيه ثلاث مسائل:

المسألة الأولى:أنّه تعالى أينما ذكر العقاب و العذاب ذكر هذه العلّة.كأنّ سائلا يسأل و يقول:يا ربّ العزّة أنت الغنيّ عن الكلّ فكيف يليق برحمتك هذا التّشديد و الوعيد؟فهو تعالى يقول:«أنا ما عاملته بهذه المعاملة ابتداء،بل هذا وصل إليه جزاء على عمله الباطل» و ذلك يدلّ على أنّ جانب الرّحمة راجح غالب،و جانب العذاب مرجوح مغلوب.

المسألة الثّانية:ظاهر الآية يدلّ على أنّ«الجزاء» يوجب العمل،أمّا عند الفلاسفة فهو أثر العمل،لأنّ العمل الصّالح يوجب تنوير القلب و إشراقه إيجاب العلّة معلولها.و أمّا عند المعتزلة فلأنّ العمل الصّالح يوجب استحقاق الثّواب على اللّه تعالى.و أمّا عند أهل السّنّة، فلأنّ ذلك الجزاء واجب بحكم الوعد المحض.

(17:110)

لاحظ«ك س ب».

2- وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. النّمل:90

ابن عبّاس: في الآخرة.(322)

الطّبريّ: يقال لهم:هل تجزون أيّها المشركون إلاّ ما كنتم تعملون،إذ كبّكم اللّه لوجوهكم في النّار،و إلاّ جزاء ما كنتم تعملون في الدّنيا بما يسخط ربّكم.و ترك «يقال لهم»اكتفاء بدلالة الكلام عليه.(20:24)

نحوه المراغيّ.(20:25)

ص: 528

الطّوسيّ: هَلْ تُجْزَوْنَ بهذا العقاب إلاّ مكافأة لما كنتم تفعلون و تعملون في دار التّكليف من المعاصي.

(8:125)

الزّمخشريّ: يجوز فيه الالتفات و حكاية ما يقال لهم عند الكبّ بإضمار القول.(3:163)

نحوه الفخر الرّازيّ(24:222)،و البروسويّ(6:

377).

الطّبرسيّ: يعني أنّ هذا جزاء فعلكم و ليس بظلم.

(4:237)

القرطبيّ: أي يقال لهم:هل تجزون.ثمّ يجوز أن يكون من قول اللّه،و يجوز أن يكون من قول الملائكة.

(13:245)

أبو السّعود :على الالتفات للتّشديد أو على إضمار القول،أي مقولا لهم ذلك.(5:108)

الآلوسيّ: [مثل أبي السّعود ثمّ قال:]

فلا التفات فيه،لأنّه في كلام آخر.و من شروط الالتفات اتّحاد الكلامين،كما حقّق في المعاني.

(20:38)

الطّباطبائيّ: الاستفهام للإنكار،و المعنى ليس جزاؤكم هذا إلاّ نفس العمل الّذي عملتموه ظهر لكم فلزمكم،فلا ظلم في الجزاء،و لا جور في الحكم.

(15:403)

مكارم الشّيرازيّ: لعلّها جواب على سؤال يلقى هنا، و هو ما قال قائل:إنّ هذا الجزاء«العقاب»شديد؟فيجاب عليه بأنّ هذا الجزاء إن هو إلاّ عملك في الدّنيا،فهل تجزون إلاّ ما كنتم تعملون«فلاحظوا بدقّة».(12:145)

3- فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ لا تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. يس:54

ابن عبّاس: في الآخرة.(372)

الطّبرسيّ: يقول:و لا تكافئون إلاّ مكافأة أعمالكم الّتي كنتم تعملونها في الدّنيا.(23:17)

عبد الجبّار: يدلّ على أنّ العبد يفعل و يستحقّ على فعله الثّواب أو العقاب،و أنّه لا يجوز أن يؤاخذ بعمل غيره،و أنّه لا يجوز منه تعالى أن يعذّب الأطفال بذنوب الآباء.(349)

الطّوسيّ: و معناه لا يجازى الإنسان إلاّ على قدر عمله.إن كان عاملا بالطّاعة جوزي بالثّواب،و إن كان عاصيا جوزي بالعقاب،على قدر عمله من غير زيادة عليه و لا نقصان،إلاّ أن يتفضّل اللّه بإسقاط عقابه.

(8:467)

الفخر الرّازيّ: و قوله: وَ لا تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يدلّ على أنّ الجزاء بعين العمل،لا يقال:

«جزى»يتعدّى بنفسه و ب«الباء»،يقال:«جزيته خيرا و جزيته بخير»لأنّ ذلك ليس من هذا،لأنّك إذا قلت:

«جزيته بخير»لا يكون الخير مفعولك،بل تكون«الباء» للمقابلة و السّببيّة،كأنّك تقول:«جزيته جزاء بسبب ما فعل»،فنقول:الجواب عنه من وجهين:

أحدهما:أن يكون ذلك إشارة على وجه المقابلة إلى عدم الزّيادة،و ذلك لأنّ الشّيء لا يزيد على عينه، فنقول:«يجزون بما كانوا يعملون»في المساواة،كأنّه عين ما عملوا،يقال:فلان يجاوبني حرفا بحرف،أي لا يترك شيئا،و هذا يوجب اليأس العظيم.

ص: 529

الثّاني:هو أنّ(ما)غير راجع إلى الخصوص،و إنّما هي للجنس،تقديره:و لا تجزون إلاّ جنس العمل،أي إن كان حسنة فحسنة،و إن كان سيّئة فسيّئة، فتجزون ما تعملون من السّيّئة و الحسنة،و هذا نظير وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها الشّورى:40.

(26:91)

أبو السّعود :أي إلاّ جزاء ما كنتم تعملونه في الدّنيا، على الاستمرار من الفكر و المعاصي.على حذف المضاف،و إقامة المضاف إليه مقامه،للتّنبيه على قوّة التّلازم و الارتباط،كأنّهما شيء واحد.

أو إلاّ بما كنتم تعملونه،أي بمقابلته أو بسببه.

و تعميم الخطاب للمؤمنين يردّه أنّه تعالى يوفّيهم أجورهم،و يزيدهم من فضله أضعافا مضاعفة.و هذه حكاية لما سيقال لهم حين يرون العذاب المعدّ لهم تحقيقا للحقّ و تقريعا لهم.(5:304)

نحوه البروسويّ.(7:413)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود ثمّ قال:]

و قيل:لا تجزون إلاّ نفس ما كنتم تعملونه،بأن يظهر بصورة العذاب.و هذا حكاية عمّا يقال للكافرين حين يرون العذاب المعدّ لهم،تحقيقا للحقّ و تقريعا لهم.

و استظهر أبو حيّان أنّ الخطاب يعمّ المؤمنين،بأن يكون الكلام إخبارا من اللّه تعالى عمّا لأهل المحشر على العموم،كما يشير إليه تنكير(نفس)و اختاره السّكّاكيّ.

و قيل:عليه يأباه الحصر،لأنّه تعالى يوفّي المؤمنين أجورهم،و يزيدهم من فضله أضعافا مضاعفة.

و ردّ بأنّ المعنى أنّ الصّالح لا ينقص ثوابه و الطّالح لا يزاد عقابه،لأنّ الحكمة تأبى ما هو على صورة الظّلم، أمّا زيادة الثّواب و نقص العقاب فليس كذلك.أو المراد بقوله: وَ لا تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إنّكم لا تجزون إلاّ من جنس عملكم،إن خيرا فخير و إن شرّا فشرّ.

(23:34)

الطّباطبائيّ: وَ لا تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ عطف تفسير لقوله: فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً و هو في الحقيقة بيان برهانيّ لانتفاء الظّلم يومئذ،لدلالته على أنّ جزاء أعمال العاملين يومئذ نفس أعمالهم،و لا يتصوّر مع ذلك ظلم،لأنّ الظّلم وضع الشّيء في غير موضعه:

و تحميل العامل عمله وضع الشّيء في موضعه ضرورة.

و خطاب الآية من باب تمثيل يوم القيامة،و إحضاره و إحضار من فيه بحسب العناية الكلاميّة،و ليس-كما توهّم-حكاية عمّا سيقال لهم أن يخاطبون به،من جانب اللّه سبحانه أو الملائكة أو المؤمنين يوم القيامة، فلا موجب له من جهة السّياق.

و المخاطب بقوله: وَ لا تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ السّعداء و الأشقياء جميعا.

و ما قيل:«عليه أنّ الحصر يأبى التّعميم،فإنّه تعالى يوفّي المؤمنين أجورهم،و يزيدهم من فضله أضعافا مضاعفة»مدفوع بأنّ«الحصر»في الآية ناظر إلى جزاء العمل و أجره،و ما يدلّ من الآيات على المزيد،كقوله:

لَهُمْ ما يَشاؤُنَ فِيها وَ لَدَيْنا مَزِيدٌ ق:35،أمر وراء الجزاء،و الأجر خارج عن طور العمل.

و ربّما أجيب عنه بأنّ معنى الآية:أنّ الصّالح لا ينقص ثوابه و الطّالح لا يزاد عقابه،فإنّ الحكمة تنافيه،أمّا زيادة

ص: 530

الثّواب و نقص العقاب فلا مانع منه،أو أنّ المراد بقوله:

وَ لا تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ أنّكم لا تجزون إلاّ من جنس عملكم،إن خيرا فخير و إن شرّا فشرّ.

و فيه أنّ مدلول الآية لو كان ما ذكر اندفع الإشكال، لكنّ الشّأن في دلالتها على ذلك.(17:100)

مكارم الشّيرازيّ: ظاهر الآية بلا أيّ خفاء يهدف إلى القول بأنّ جزاءكم جميعا هو نفس أعمالكم، فأيّ عدالة أفضل و أعلى من هذه العدالة؟

و بعبارة أخرى فإنّ الأعمال الحسنة و السّيّئة الّتي قمتم بها في هذه الدّنيا سترافقكم في ذلك العالم أيضا، و نفس تلك الأعمال ستتجسّد هناك و ترافقكم في جميع مراحل الآخرة،في المحشر و بعد نهاية الحساب.

فهل أنّ تسليم حاصل عمل إنسان إليه أمر مخالف للعدالة؟

و هل أنّ تجسيد الأعمال و قرنها بعاملها ظلم؟

و من هنا يتّضح أن لا معنى للظّلم أساسا في مشهد يوم القيامة،و إذا كان يحدث في الدّنيا بين البشر أن تتحقّق العدالة حينا و يقع الظّلم أحيانا كثيرة،فذلك بعدم إمكان ربط الأعمال بفاعليها.

جمع من المفسّرين تصوّروا أنّ الجملة الأخيرة أعلاه تتحدّث عن الكفّار و المسيئين الّذين سيرون عقابا على قدر أعمالهم،دون أن تشمل المؤمنين،بلحاظ أنّ اللّه سبحانه و تعالى قد جزاهم و أثابهم بأضعاف ما يعادل أعمالهم.

و لكن بملاحظة الآتي ينحلّ هذا الاشتباه،و هو أنّ الحديث هنا هو حديث عن العدالة في الثّواب و العقاب، و أخذ الجزاء حسب الاستحقاق،و هذا لا ينافي أنّ اللّه سبحانه و تعالى يريد أن يزيد المؤمنين من فضله،فهذه مسألة«تفضّل»و تلك مسألة«استحقاق».(14:193)

فضل اللّه :لأنّ العمل هو الأساس في القيامة السّلبيّة أو الإيجابيّة عند اللّه،و هو الأساس في الثّواب و العقاب،لأنّ اللّه لا يرتبط بأيّ شخص من عباده إلاّ من خلال عمله،فهم متساوون أمامه في الخلق،فليس أحد أقرب إليه من أحد في ذلك كلّه.(19:157)

جزاء

1- ..وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ... المائدة:95

الطّبريّ: [له كلام طويل سيأتي ما بمعناه عن الفارسيّ](7:43)

الزّجّاج: فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ برفع(مثل) و جرّها.فمن رفعهما جميعا،فرفعه على معنى:فعليه جزاء مثل الّذي قتل،فيكون(مثل)من نعت«الجزاء» و يكون (1)أن ترفع(جزاء)على الابتداء،و يكون (مِثْلُ ما قَتَلَ) خبر الابتداء،و يكون المعنى فجزاء ذلك الفعل مثل ما قتل.

و من جرّ أراد:فعليه جزاء مثل ذلك المقتول من النّعم.(2:207)

نحوه أبو زرعة(235)،و الزّمخشريّ(1:644)، و أبو السّعود(2:320).

الفارسيّ: حجّة من رفع«المثل»أنّه صفة للجزاء،

ص: 531


1- كذا،و الظّاهر:يجوز أن ترفع.

و المعنى:فعليه جزاء من النّعم مماثل المقتول،و التّقدير:

فعليه جزاء،أي فاللاّزم له أو فالواجب جزاء من النّعم مماثل ما قتل من الصّيد. (مِنَ النَّعَمِ) على هذه القراءة صفة للنّكرة الّتي هي(جزاء)،و فيه«ذكر»،و يكون (مثل)صفة للجزاء،لأنّ المعنى:عليه جزاء مماثل للمقتول من الصّيد من النّعم،و المماثلة في القيامة أو الخلقة على اختلاف الفقهاء في ذلك.

و لا ينبغي إضافة(جزاء)إلى(المثل)،أ لا ترى أنّه ليس عليه جزاء مثل ما قتل في الحقيقة،و إنّما عليه جزاء المقتول،لا جزاء مثله؛و لا جزاء عليه لمثل المقتول الّذي لم يقتله.

و إذا كان كذلك علمت أنّ«الجزاء»لا ينبغي أن يضاف إلى مثل)،و لا يجوز أن يكون (مِنَ النَّعَمِ) على هذه القراءة متعلّقا بالمصدر،كما جاز أن يكون الجارّ متعلّقا به في جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها الشّورى:40،ب(مثلها) لأنّك قد وصفت الموصول.و إذا وصفته لم يجز أن تعلّق به بعد الوصف شيئا،كما أنّك إذا عطفت عليه أو أكّدته لم يجز أن تعلّق به شيئا بعد العطف عليه و التّأكيد له.

فأمّا في قراءة من أضاف«الجزاء»إلى«المثل»،فإنّ (مِنَ النَّعَمِ) يكون صفة للجزاء كما كان في قول من نوّن، و لم يضف صفة له.

و يجوز فيه وجه آخر لا يجوز في قول من نوّن و وصف:و هو أن يقدّره متعلّقا بالمصدر.و لا يجوز على هذا القول أن يكون فيه«ذكر»كما تضمّن«الذّكر»لما كان صفة،و إنّما جاز تعلّقه بالمصدر على قول من أضاف، لأنّك لم تصف الموصول كما وصفته في قول من نوّن، فيمتنع تعلّقه به.

و أمّا من أضاف«الجزاء»إلى(مثل)فإنّه و إن كان جزاء المقتول لا جزاء مثله،فإنّهم قد يقولون:«أنا أكرم مثلك»يريدون:أنا أكرمك،و كذلك إذا قال: فَجَزاءٌ مِثْلُ فالمراد:جزاء ما قتل،فإذا كان كذلك كانت الإضافة في المعنى كغير الإضافة،لأنّ المعنى:فعليه جزاء ما قتل.

و لو قدّرت«الجزاء»تقدير المصدر و أضفته إلى «المثل»كما تضيف المصدر إلى المفعول به،لكان في قول من جرّ(مثل)على الاتّساع الّذي وصفناه،أ لا ترى أنّ المعنى(فجزاء مثل)أي يجازي مثل ما قتل،و الواجب عليه في الحقيقة جزاء المقتول لا جزاء مثل المقتول.

(الطّوسيّ 4:25)

نحوه الطّبرسيّ(2:242)،و العكبريّ(1:46).

الواحديّ: أي فعليه جزاء مماثل للمقتول...و من قرأ (فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ) على الإضافة إلى(مثل)كان معناه فجزاء ما قتل،و يكون«المثل»صلة،كما تقول:

«أنا أكرم مثلك»أي أكرمك،و معنى القراءتين سواء.

(2:229)

الآلوسيّ: (من)يجوز أن تكون شرطيّة و هو الظّاهر،و يجوز أن تكون موصولة،و الفاء في فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ جزائيّة على الأوّل،و زائدة لشبه المبتدإ، بالشّرط على الثّاني.و(جزاء)بالرّفع و التّنوين مبتدأ، و(مثل)مرفوع على أنّه صفته،و الخبر محذوف،أي فعليه.و جوّز أن يكون خبر مبتدإ محذوف،أي فواجبه أو فالواجب عليه جزاء مماثل لما قتله.[إلى أن قال بعد

ص: 532

نقل كلام الواحديّ: ]

و لا يخفى أنّ هذا طعن (1)في المنقول المتواتر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و ذلك غاية في الشّناعة،و ما ذكر مجاب عنه:

أمّا أوّلا:فبأنّ(جزاء)-كما قيل-مصدر مضاف لمفعوله الثّاني،أي فعليه أن يجزي مثل ما قتل،و مفعوله الأوّل محذوف،و التّقدير:فعليه أن يجزي المقتول من الصّيد مثله،ثمّ حذف المفعول الأوّل لدلالة الكلام عليه، و أضيف المصدر إلى الثّاني.

و قد يقال:لا حاجة إلى ارتكاب هذه المؤنة،بأن يجعل مصدرا مضافا إلى مفعوله من غير تقدير مفعول آخر،على أنّ معنى أن يجزي مثل أن يعطي المثل جزاء.

و أمّا ثانيا:فبأن تجعل الإضافة بيانيّة،أي جزاء هو مثل ما قتل.

و أمّا ثالثا:فبأن يكون(مثل)مقحما،كما في قولهم:

«مثلك لا يفعل كذا».

و اعترض هذا بأنّه يفوت عليه اشتراط المماثلة بين الجزاء و المقتول،و كون جزائه المحكوم به ما يقاومه و يعادله و هو يقتضي المماثلة،ممّا لا يكاد يسلم انفهامه من هذه الجملة،كما لا يخفى.

و قرأ محمّد بن مقاتل بتنوين (جزاء) و نصبه و نصب (مثل)أي فليجز جزاء،أو فعليه أن يجزي جزاء مثل ما قتل.

و قرأ السّلميّ برفع (جزاء) منوّنا و نصب(مثل).أمّا رفع(جزاء)فظاهر،و أمّا نصب(مثل)فبجزاء،أو بفعل محذوف دلّ(جزاء)عليه،أي يخرج أو يؤدّي مثل.

و قرأ عبد اللّه (فجزاؤه) برفع(جزاء)مضافا إلى الضّمير،و رفع(مثل)على الابتداء و الخبريّة.(7:24)

مكارم الشّيرازيّ: [لاحظ«مثل»](4:143)

2- فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ. التّوبة:82

الزّجّاج: (جزاء)مفعول له،المعنى و ليبكوا جزاء لهذا الفعل.

نحوه القرطبيّ(8:216)،و أبو حيّان(5:80).

الطّوسيّ: نصب(جزاء)على المصدر،أي تجزون على معاصيكم ذلك جزاء على أفعالكم الّتي اكتسبتموها.

(5:313)

نحوه الزّمخشريّ(2:205)،و البيضاويّ(1:426).

ابن عطيّة: (جزاء)متعلّق بالمعنى الّذي تقديره:

وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً إذ هم معذّبون(جزاء).(3:66)

العكبريّ: (جزاء)مفعول له،أو مصدر على المعنى.

(2:653)

نحوه السّمين(3:488)،و أبو السّعود(3:175).

الآلوسيّ: (جزاء)مفعول له للفعل الثّاني،و لك أن تجعله مفعولا له للفعلين،أو مصدر من المبنيّ للمفعول حذف ناصبه،أي يجزون ممّا ذكر من البكاء الكثير،أو منه و من الضّحك القليل،جزاء بما استمرّوا عليه من المعاصي.(10:152)

لاحظ«ض ح ك».

3- ...ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاّ أَنْ يُسْجَنَ أَوّْ.

ص: 533


1- لا نجد هذا الطّعن في كلام الواحديّ.

عَذابٌ أَلِيمٌ. يوسف:25

الآلوسيّ: الظّاهر أنّ(ما)نافية،و(جزاء)مبتدأ، و(من)موصولة أو موصوفة مضاف إليه،و المصدر المؤوّل خبر،و(أو)للتّنويع خبر المبتدإ،و ما بعده معطوف على ذلك المصدر،أي ليس جزاؤه إلاّ السّجن أو العذاب الأليم.

و المراد به-على ما قيل-الضّرب بالسّوط،و عن ابن عبّاس:أنّه القيد.

و جوّز أن تكون(ما)استفهاميّة،ف(جزاء)مبتدأ أو خبر،أي أيّ شيء جزاؤه غير ذلك أو ذلك.

(12:218)

لاحظ«س ج ن».

4- قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ* قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ.

يوسف:74،75

ابن عبّاس: الاستعباد جزاء سرقته.(201)

نحوه الحسن،و معمر،و السّدّيّ،و ابن إسحاق.(الطّوسيّ 6:172)

الضّحّاك: كان حكم السّارق في آل يعقوب أن يستخدم و يسترقّ على قدر سرقته،و في دين الملك:

الضّرب و الضّمان.(الطّبرسيّ 3:252)

الحسن :كان حكم السّارق عند أهل مصر أن يغرم ضعفي ما أخذ.

مثله السّدّيّ.(القرطبيّ 9:235)

السّدّيّ: فَهُوَ جَزاؤُهُ تأخذونه فهو لكم.

(الطّبريّ 13:22)

ابن إسحاق : فَهُوَ جَزاؤُهُ أي سلّم به كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ أي كذلك نصنع بمن سرق منّا.

(الطّبريّ 13:22)

الإمام الصّادق عليه السّلام: يعنون السّنّة الّتي كانت تجري فيهم أن يحبسه،كذلك نجزي الظّالمين بالسّرقة.

(الكاشانيّ 3:35)

نحوه القمّيّ.(1:348)

الفرّاء: قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ (من)في معنى جزاء،و موضعها رفع ب«الهاء» الّتي عادت،و جواب الجزاء«الفاء»في فَهُوَ جَزاؤُهُ و يكون(جزاؤه)الثّانية مرتفعة بالمعنى المحمّل في الجزاء و جوابه.

و مثله في الكلام أن تقول:ما ذا لي عندك؟فيقول لك عندي:إن بشّرتني فلك ألف درهم،كأنّه قال:«لك عندي هذا».

و إن شئت جعلت(من)في مذهب«الّذي»و تدخل «الفاء»في خبر(من)إذا كانت على معنى«الّذي»كما تقول:الّذي يقوم فإنّا نقوم معه.

و إن شئت جعلت«الجزاء»مرفوعا ب(من)خاصّة وصلتها،كأنّك قلت:جزاؤه الموجود في رحله،كأنّك قلت:«ثوابه أن يسترقّ»،ثمّ تستأنف أيضا فتقول:هو جزاؤه.و كانت سنّتهم أن يسترقّوا من سرق.(2:52)

الطّبريّ: فَهُوَ جَزاؤُهُ يقول:فالّذي وجد ذلك في رحله،ثوابه بأن يسلم بسرقته إلى من سرق منه حتّى يسترقّه كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ يقول:كذلك

ص: 534

نفعل بمن ظلم،ففعل ما ليس له فعله من أخذه مال غيره سرقا.[إلى أن قال:]

و معنى الكلام قالوا:ثواب السّرق الموجود في رحله،كأنّه قيل:ثوابه استرقاق الموجود في رحله ثمّ حذف«استرقاق»؛إذ كان معروفا معناه،ثمّ ابتدئ الكلام،فقيل:هو جزاؤه كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ.

و قد يحتمل وجها آخر:أن يكون معناه قالوا:ثواب السّرق الّذي يوجد السّرق في رحله،فالسّارق جزاؤه، فيكون(جزاؤه)الأوّل مرفوعا بجملة الخبر بعده، و يكون مرفوعا بالعائد من ذكره في(هو)،و هو رافع جزاؤه الثّاني.

و يحتمل وجها ثالثا:[فذكر نحوا من قول الفرّاء]

(13:22)

الزّجّاج: [نحو ابن عبّاس ثمّ قال:]

فأمّا رفع قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فمن جهتين:

أحدهما:أنّ فَهُوَ جَزاؤُهُ ابتداء،و يكون مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ الخبر،و يكون المعنى جزاء السّرق الإنسان الموجود في رحله السّرق،و يكون فَهُوَ جَزاؤُهُ زيادة في الإبانة،كما تقول:«جزاء السّارق القطع فهو جزاؤه»فهذا جزاؤه زيادة في الإبانة.

و يجوز أن يكون يرتفع بالابتداء،و يكون مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ هذه الجملة خبر الجزاء،و العائد عليه من الجملة(جزاؤه)الّذي بعد قوله:(فهو).كأنّه قيل:«قالوا:جزاؤه من وجد في رحله فهو هو»أي فهو الجزاء،و لكنّ الإظهار كان أحسن هاهنا لئلاّ يقع في الكلام لبس،و لئلاّ يتوهّم أنّ(هو)إذا عادت ثانية فليست براجعة على الجزاء.و العرب إذا أقحمت أمر الشّيء جعلت العائد عليه إعادة لفظه بعينه.[ثمّ استشهد بشعر](3:121)

نحوه الفخر الرّازيّ.(18:181)

الثّعلبيّ: جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ أن يسلّم سرقته (1)إلى المسروق منه،و يسترقّ سنة،و كان ذلك سنّة آل يعقوب في حكم السّارق كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ الفاعلين،ما ليس لهم فعله من أخذ مال غيره سرقا.[ثمّ نقل أقوالا و قال:]

و تلخيص هذه الأقاويل جزاؤه جزاء الموجود في رحله،أو جزاؤه الموجود في رحله.(5:241)

الماورديّ: أي جزاء من سرق أن يسترقّ كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ أي كذلك نفعل بالظّالمين،إذا سرقوا،و كان هذا من دين يعقوب.(3:63)

نحوه الواحديّ(2:624)،و الثّعالبيّ(2:167).

الطّوسيّ: حكى اللّه تعالى عن أصحاب يوسف أنّهم قالوا لأهل العير لمّا سمعوا جحودهم الصّواع، و أنكروا أن يكونوا سارقين: فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ في جحودكم و إنكاركم،و قامت البيّنة على أنّكم سرقتموه؟و ما الّذي يستحقّ أن يفعل بمن سرق؟

فأجابهم أهل العير،و قالوا-من أدرك عنده الصّواع و وجد في رحله-:جزاؤه أخذ من وجد في رحله رقّا، فهو جزاؤه عندنا كجزائه عندكم،لأنّه كان من عادتهم أن يسترقّوا السّارق،في قول الحسن،و معمر،و السّدّي،ه.

ص: 535


1- كذا،و الظّاهر:سارقه.

و ابن إسحاق.و فيه تقديران في الإعراب:

أحدهما:جزاؤه استرقاق من وجد في رحله،فهذا الجزاء جزاؤه،كما تقول:«جزاء السّارق القطع،فهو جزاؤه»لتمكين البيان الأخير.

الثّاني:جزاؤه من وجد في رحله،فالسّارق جزاؤه، فيكون مبتدأ ثانيا،و«الفاء»جواب الجزاء،و الجملة خبر(من)و(من)هاهنا يحتمل وجهين:

أحدهما:أن يكون بمعنى«الّذي»و تقديره:جزاؤه الّذي وجد في رحله مسترقّا.

و الآخر:معنى الشّرط،كأنّه قال:جزاء السّرّاق إن وجد في رحل إنسان منّا،فالموجود في رحله جزاؤه استرقاقا.و قوله: كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ إخبار منهم بأنّ ذلك عادتهم في مجازاة كلّ ظالم.

و قد قيل في تأويل الآية وجهان:

أحدهما:أن يكونوا في ذلك على شرع لنبيّ من أنبياء اللّه،و الآخر:أن يكون ذلك على عادة الملوك في أهل الجنايات لمصالح العباد،لا على حقيقة الجزاء الّذي يعمل بأمر اللّه،بدلالة قوله فيما بعد: ما كانَ لِيَأْخُذَ أَخاهُ فِي دِينِ الْمَلِكِ يوسف:76،فأضاف الجزاء إلى دين الملك دون اللّه.(6:173)

ابن عطيّة: قال إخوة يوسف:جزاء السّارق و الحكم الّذي تتضمّنه هذه الألفاظ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ، ف(جزاؤه)الأوّل مبتدأ،و(من)و الجملة خبر قوله:(جزاؤه)الأوّل،و الضّمير في قالُوا جَزاؤُهُ للسّارق.

و يصحّ أن تكون(من)خبرا عائد على(من)، و يكون قوله:(فهو جزاؤه)زياد بيان و تأكيد.و ليس هذا الموضع عندي من مواضع إبراز الضّمير،على ما ذهب إليه بعض المفسّرين.

و يحتمل أن يكون التّقدير:جزاؤه استرقاق من وجد في رحله،ثمّ يؤكّد بقوله: فَهُوَ جَزاؤُهُ.

و قولهم هذا قول من لم يسترب بنفسه،لأنّهم التزموا إرغام من وجد في رحله،و هذا أكثر من موجب شرعهم؛إذ حقّ شرعهم أن لا يؤخذ إلاّ من صحّت سرقته،و أمر«بنيامين»في السّقاية كان محتملا،لكنّهم التزموا أنّ من وجد في رحله،فهو مأخوذ على أنّه سارق.

و قولهم: كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ، أي هذه سنّتنا و ديننا في أهل السّرقة:أن يتملّك السّارق،كما تملّك هو الشّيء المسروق.

و حكى بعض النّاس:أنّ هذا الحكم كان في أوّل الإسلام،ثمّ نسخ بالقطع.و هذا ضعيف،ما كان قطّ فيما علمت.

و حكى الزّهراويّ عن السّدّيّ: أنّ حكمهم إنّما كان أن يستخدم السّارق على قدر سرقته.و هذا يضعّفه رجوع الصّواع،فكان ينبغي ألاّ يؤخذ«بنيامين»إذ لم يبق فيما يخدم.(3:265)

الزّمخشريّ: فَما جَزاؤُهُ الضّمير للصّواع،أي فما جزاء سرقته إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ في جحودكم و ادّعائكم البراءة منه؟ قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ أي جزاء سرقته أخذ من وجد في رحله،و كان حكم السّارق في آل يعقوب أن يسترقّ سنة،فلذلك

ص: 536

استفتوا في جزائه.و قولهم: فَهُوَ جَزاؤُهُ تقرير للحكم،فأخذ السّارق نفسه هو جزاؤه لا غير،كقولك:

«حقّ زيد أن يكسى و يطعم و ينعم عليه،فذلك حقّه» أي فهو حقّه لتقرّر ما ذكرته من استحقاقه و تلزمه.[ثمّ ذكر الوجه الثّاني كما سبق عن الزّجّاج و أضاف:]

و يحتمل أن يكون(جزاؤه؟خبر مبتدإ محذوف،أي المسئول عنه جزاؤه.ثمّ أفتوا بقولهم: مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كما يقول من يستفتى في جزاء صيد المحرّم:«جزاء صيد المحرّم»،ثمّ يقول:(و من قتله منكم متعمّدا فجزاء مثل ما قتل من النّعم).(2:334)

نحوه ملخّصا البيضاويّ(1:503)،و النّسفيّ(2:

232)،و المشهديّ(5:12)،و شبّر(3:296)،و طه الدّرّة(7:36).

الطّبرسيّ: [ذكر قول الزّجّاج و أضاف:]

و على هذا فيكون المعنى قالوا:جزاء السّرق إن وجد في رحل رجل منّا،فالموجود في رحله السّرق، جزاؤه استرقاق.

و قال صاحب الكشف:تقدير:جزاء المسروق من وجد في رحله،أي إنسان وجد الصّاع في رحله.ف(من) نكرة و هو مبتدأ ثان،و قوله:(وجد فى رحله)صفة ل(من)،و قوله:(فهو جزاؤه)خبر ل(من)،و الجملة خبر قوله:(جزاؤه)،و التّقدير:جزاؤه إنسان وجد في رحله الصّاع فهو هو،إلاّ أنّه وضع الظّاهر موضع المضمر.

قال:و ليس في التّنزيل(من)نكرة إلاّ في هذا الموضع،و موضع الكاف من (كَذلِكَ كِدْنا) يوسف:76، نصب بأنّه صفة مصدر محذوف،و موضع أَنْ يَشاءَ اللّهُ نصب لمّا سقطت«الباء»أفضي الفعل إليها فنصب، و التّقدير:إلاّ بمشيئة اللّه.[إلى أن قال:]

قالُوا فَما جَزاؤُهُ أي قال الّذين نادوهم:فما جزاء السّرق إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ في قولكم:إنّا لم نسرق،و ظهرت السّرقة؟

و قيل:معناه فما جزاء من سرق؟ قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ، أي قال إخوة يوسف:

جزاء السّرق السّارق،و هو الإنسان الّذي وجد المسروق في رحله.و قد بيّنّا تقديره فيما قبل...

و قيل:إنّ ذلك جواب يوسف عليه السّلام،لقول إخوته:إنّ جزاء السّارق استرقاقه.(3:251)

أبو حيّان :[ذكر قول ابن عطيّة و الزّمخشريّ في إرجاع الضّمير ثمّ قال:]

و قوله[الزّمخشريّ]هو الظّاهر،لاتّحاد الضّمائر في قوله: قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ إذ التّقدير إذ ذاك قال:جزاء الصّاع-أي سرقته-من وجد الصّاع في رحله،و قولهم: جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ كلام من لم يشكّ أنّهم برآء ممّا رموا به،و لاعتقادهم البراءة علّقوا الحكم على وجدان الصّاع،لا على سرقته، فكأنّهم يقولون:لا يمكن أن نسرق و لا يمكن أن يوجد الصّاع في رحالنا،و كان في دين يعقوب استعباد السّارق -قال الزّمخشريّ:سنة-و كان في دين مصر أن يضرب و يضعّف عليه الغرم،و لذلك أجابوا على شريعتهم.[ثمّ ذكر قول ابن عطيّة في تركيب الجملة و قال:]

هذا لا يصحّ لخلوّ الجملة الواقعة خبر(جزاؤه)من رابط[ثمّ ذكر قول الزّمخشريّ في احتماله الثّاني و قال:]

ص: 537

و وضع الظّاهر موضع المضمر للرّبط إنّما هو فصيح في مواضع التّفخيم و التّهويل،و غير فصيح فيما سوى ذلك نحو:«زيد قام زيد»و ينزّه القرآن عنه.قال سيبويه:لو قلت:«كان زيد منطلقا زيد»لم يكن ضدّ الكلام،و كان هاهنا ضعيفا،و لم يكن كقولك:«ما زيد منطلقا هو»لأنّك قد استغنيت عن إظهاره،و إنّما ينبغي لك أن تضمره.[و ذكر احتماله الثّالث و قال:]

و هو متكلّف؛إذ تصير الجملة من قوله المسئول عنه جزاؤه على هذا التّقدير،ليس فيه كثيرة فائدة؛إذ قد علم من قوله: فَما جَزاؤُهُ أنّ الشّيء المسئول عنه جزاء سرقته،فأيّ فائدة في نطقهم بذلك؟و كذلك القول في المثال الّذي مثّل به من قول المستفتى.

الرّابع:أن يكون(جزاؤه)مبتدأ،أي جزاء سرقة الصّاع،و الخبر مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ أي أخذ من وجد في رحله،و قولهم: فَهُوَ جَزاؤُهُ تقرير لحكم،أي فأخذ السّارق نفسه هو جزاؤه لا غير،كقولك:«حقّ زيد أن يكسى و يطعم و ينعم عليه،فذلك جزاؤه أو فهو حقّه»لتقرّر ما ذكرته من استحقاقه،قاله الزّمخشريّ.

و قال معناه ابن عطيّة،إلاّ أنّه جعل القول الواحد قولين:

قال:«و يصحّ أن يكون(من)خبرا على أنّ المعنى جزاء السّارق، مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ عائد على(من)، و يكون قوله:(فهو جزاؤه)زيادة بيان و تأكيد»،ثمّ قال:«و يحتمل أن يكون التّقدير:جزاؤه استرقاق من وجد في رحله،ثمّ يؤكّد بقوله:(فهو جزاؤه)».

و هذا القول هو الّذي قبله،غير أنّه أبرز المضاف المحذوف في قوله:«استرقاق من وجد في رحله»و فيما قبله لا بدّ من تقديره،لأنّ الذّات لا تكون خبرا عن المصدر،فالتّقدير في القول قبله:جزاؤه أخذ من وجد في رحله أو استرقاق هذا،لا بدّ منه على هذا الإعراب.

و هذا الوجه هو أحسن الوجوه،و أبعدها من التّكلّف.

(كذلك)أي مثل الجزاء و هو الاسترقاق نَجْزِي الظّالِمِينَ أي بالسّرقة،و هو ديننا و سنّتنا في أهل السّرقة.(5:330)

ابن كثير : قالُوا جَزاؤُهُ إلخ و هكذا كانت شريعة إبراهيم عليه السّلام،أنّ السّارق يدفع إلى المسروق منه،و هذا هو الّذي أراد يوسف عليه السّلام.(4:40)

الشّربينيّ: (فما جزاؤه)السّارق...(قالوا)وثوقا منهم بالبراءة و إخبارا بالحكم عندهم جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ، و لتحقّقهم البراءة علّقوا الحكم على مجرّد الوجدان لا السّرقة،ثمّ أكّدوا ذلك بقولهم: فَهُوَ جَزاؤُهُ. (2:125)

أبو السّعود :(قالوا)أي أصحاب يوسف عليه السّلام:

فَما جَزاؤُهُ الضّمير للصّواع على حذف المضاف،أي فما جزاء سرقته عندكم و في شريعتكم إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ، لا في دعوى البراءة عن السّرقة،فإنّهم صادقون فيها بل فيما يستلزمه ذلك من نفي كون الصّواع فيهم،كما يؤذن به قوله عزّ و جلّ: قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ أي أخذ من وجد الصّواع في رحله.

حيث ذكر بعنوان الوجدان في الرّحل دون عنوان السّرقة،و إن كان مستلزما لها في اعتقادهم المبنيّ على قواعد العادة،و لذلك أجابوا بما أجابوا:فإنّ الأخذ و الاسترقاق سنة،إنّما هو جزاء السّارق دون من وجد في

ص: 538

يده مال غيره كيفما كان فتأمّل.

و احمل كلام كلّ فريق على ما لا يزاحم رأيه،فإنّه أقرب إلى معنى الكيد،و أبعد من الافتراء.و قوله تعالى:

فَهُوَ جَزاؤُهُ تقرير لذلك الحكم،أي فأخذه:جزاؤه، كقولك:«حقّ الضّيف أن يكرم،فهو حقّه».

و يجوز أن يكون(جزاؤه)مبتدأ،و الجملة الشّرطيّة -كما هي-خبره،على إقامة الظّاهر مقام المضمر، و الأصل:جزاؤه من وجد في رحله،فهو على أنّ الأوّل ل(من)و الثّاني للظّاهر الّذي وضع موضعه كَذلِكَ أي و مثل ذلك الجزاء الأوفى نَجْزِي الظّالِمِينَ بالسّرقة،تأكيد للحكم المذكور غبّ تأكيد،و بيان لقبح السّرقة.و لقد فعلوا ذلك ثقة بكمال براءتهم عنها،و هم عمّا فعل غافلون.(3:416)

نحوه البروسويّ.(4:300)

الشّوكانيّ: [نحو الزّمخشريّ ثمّ قال:] كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ هذه الجملة مؤكّدة لما قبلها،إذا كانت من كلام إخوة يوسف.و يجوز أن تكون من كلام أصحاب يوسف،أي كذلك نحن نجزي الظّالمين بالسّرق.

(3:54)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود إلاّ أنّه قال:]

قيل:و ذكر«الفاء»في ذلك لتفرّعه على ما قبله ادّعاء،و إلاّ فكان الظّاهر تركها لمكان التّأكيد،و منه يعلم أنّ الجملة المؤكّدة قد تعطف لنكتة و إن لم يذكره أهل المعاني...(13:27)

المراغيّ: (فهو جزاؤه)تقرير للحكم السّابق، و تأكيد له بإعادته،كما تقول:«حقّ الضّيف أن يكرم، فهو حقّه»و القصد من الأوّل إفادة الحكم،و من الثّاني إفادة أنّ ذلك هو الحقّ الواجب في مثل هذا.و قد كان الحكم في شرع يعقوب أن يسترقّ السّارق سنة.

كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ و هذا تأكيد منهم بعد تأكيد لثقتهم ببراءة أنفسهم.(13:21)

مغنيّة:(فهو جزاؤه)زيادة في الإيضاح تماما،كما تقول:«جزاء القاتل القتل فهو جزاؤه»أجاب إخوة يوسف من وجدتم الصّاع في وعائه فخذوه أسيرا أو عبدا،و هذا هو شرعنا في عقوبة السّارقين،و نحن على يقين من براءتنا،و طهارة أعراقنا.(4:345)

الطّباطبائيّ: قالُوا فَما جَزاؤُهُ... أي قال:

فتيان يوسف،أو هو و فتيانه سائلين منهم عن الجزاء:

ما جزاء السّرق أو ما جزاء الّذي سرق منكم إن كنتم كاذبين في إنكاركم؟ كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ مرادهم أنّ جزاء السّرق نفس السّارق أو جزاء السّارق نفسه؛ بمعنى أنّ من سرق مالا يصير عبدا لمن سرق ماله، و هكذا كان حكمه في سنّة يعقوب عليه السّلام،كما يدلّ عليه قولهم: كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ أي هؤلاء الظّالمين و هم السّرّاق.

لكنّهم عدلوا عنه إلى قولهم: جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ للدّلالة على أنّ السّرقة إنّما يجازى بها نفس السّارق،لا رفقته و صحبه،و هم أحد عشر نسمة،لا ينبغي أن يؤاخذ منهم لو تحقّقت السّرقة إلاّ السّارق بعينه،من غير أن يتعدّى إلى نفوس الآخرين و رحالهم،ثمّ للمسروق منه أن يملك السّارق نفسه، يفعل به ما يشاء.(11:225)

ص: 539

مكارم الشّيرازيّ: ما هي عقوبة السّرقة في تلك الأزمنة؟

يستفاد من الآيات السّابقة أنّ عقوبة السّرقة عند المصريّين كانت تختلف عنها عند الكنعانيّين،فعند إخوة يوسف(آل يعقوب)-و لعلّه عند الكنعانيّين- كانت العقوبة هي عبوديّة السّارق بصورة دائمة أو مؤقّتة،لأجل الذّنب الّذي اقترفه.

لكن المصريّين لم يجازوا السّارق بالعبوديّة الدّائمة أو المؤقّتة،و إنّما كانوا يعاقبون المذنب بالضّرب المبرّح أو السّجن،و في كلّ الأحوال لا يستفاد من قوله تعالى:

قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ أنّ الشّرائع السّماويّة كانت تحدّد عقوبة السّارق بالعبوديّة، و لعلّها كانت سنّة متّبعة عند بعض المجتمعات في تلك الأزمنة.

و قد ذكر المؤرّخون في تاريخ العبوديّة:أنّ بعض المجتمعات الّتي كانت تدين بالشّرائع الخرافيّة،كانوا يعاقبون الدّائن العاجز عن سداد دينه بالعبوديّة للمدين.(7:240)

5- قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً. الإسراء:63

ابن عبّاس: (جزاء):نصيبا.(329)

الطّبريّ: جزاؤك و جزاؤهم،يقول:ثوابك على دعائك إيّاهم على معصيتي،و ثوابهم على اتّباعهم إيّاك و خلافهم أمري، جَزاءً مَوْفُوراً يقول:ثوابا مكثورا مكمّلا.(15:117)

نحوه البغويّ.(3:142)

الزّمخشريّ: قوله: فَمَنْ تَبِعَكَ... كما قال موسى عليه السّلام للسّامريّ: فَاذْهَبْ فَإِنَّ لَكَ فِي الْحَياةِ أَنْ تَقُولَ لا مِساسَ طه:97.

فإن قلت:أما كان من حقّ الضّمير في«الجزاء»أن يكون على لفظ الغيبة،ليرجع إلى(من تبعك)؟

قلت:بلى،و لكن التّقدير،فإنّ جهنّم جزاؤهم و جزاؤك،ثمّ غلب المخاطب على الغائب فقيل:جزاؤكم.

و يجوز أن يكون للتّابعين على طريق الالتفات، و انتصب جَزاءً مَوْفُوراً بما في فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ من معنى«تجازون»أو بإضمار«تجازون»أو على الحال، لأنّ الجزاء موصوف بالموفور.(2:456)

نحوه البيضاويّ.(1:590)

ابن عطيّة: (جزاء)مصدر في موضع الحال.

(3:470)

الفخر الرّازيّ: [نحو الزّمخشريّ في توجيه (جزاؤكم)و أضاف:]

الثّالث:أنّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«من سنّ سنّة سيّئة فعليه وزرها و وزر من عمل بها إلى يوم القيامة»فكلّ معصية توجد فيحصل لإبليس،مثل وزر ذلك العامل.فلمّا كان إبليس هو الأصل في كلّ المعاصي،صار المخاطب بالوعيد هو إبليس...و انتصب(جزاء)على المصدر.(21:5)

العكبريّ: قوله تعالى:(جزاء)مصدر،أي تجزون جزاء.و قيل:هو حال موطّئة،و قيل:هو تمييز.

(2:826)

ص: 540

أبو حيّان: [نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه قال:]

و انتصب(جزاء)على المصدر،و العامل فيه (جزاؤكم)أو«تجازون»مضمرة،أو على الحال الموطّئة، و قيل:تمييز،و لا يتعقّل.(6:58)

نحوه السّمين.(4:404)

أبو السّعود : جَزاءً مَوْفُوراً أي جزاء مكمّلا، من قولهم:«فر لصاحبك عرضه فرة»و هو نصب على أنّه مصدر مؤكّد لما في قوله: جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ من معنى «تجازوه»أو الفعل المقدّر،أو حال موطّئة لقوله:

(موفورا)(4:144)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود ثمّ قال:]

و جوّز الزّمخشريّ-و تبعه غير واحد-أن يكون الخطاب للتّابعين،على الالتفات من غيبة المظهر إلى الخطاب.

و تعقّبه ابن هشام في«تذكرته»فقال:«عندي أنّه فاسد،لخلوّ الجواب أو الخبر عن الرّابط،فإنّ ضمير الخطاب لا يكون رابطا».

و أجيب بأنّه مؤوّل بتقدير،فيقال لهم:«إنّ جهنّم جزاؤكم»،و ردّ بأنّه يخرج حينئذ عن الالتفات.

و قال بعض المحقّقين:إنّ ضمير الخطاب إن سلّم أنّه لا يكون عائدا لا نسلّم أنّه إذا أريد به الغائب التفاتا لا يربط به،لأنّه ليس بأبعد من الرّبط بالاسم الظّاهر، فاحفظ.[إلى أن قال:]

و انتصب(جزاء)على المصدر بإضمار«تجزون»أو «تجازون»فإنّهما بمعنى،و هذا المصدر لهما.(15:110)

6- قُلْ أَ ذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَ مَصِيراً. الفرقان:15

الزّمخشريّ: فإن قلت:ما معنى قوله: كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَ مَصِيراً؟

قلت:هو كقوله: نِعْمَ الثَّوابُ وَ حَسُنَتْ مُرْتَفَقاً الكهف:31،فمدح الثّواب و مكانه كما قال: بِئْسَ الشَّرابُ وَ ساءَتْ مُرْتَفَقاً الكهف:29،فذمّ العقاب و مكانه،لأنّ النّعيم لا يتمّ للمتنعّم إلاّ بطيب المكان وسعته،و موافقته للمراد و الشّهوة و أن لا تنغّص، و كذلك العقاب يتضاعف بغثاثة الموضع و ضيقه و ظلمته و جمعه لأسباب الاجتواء و الكراهة،فلذلك ذكر «المصير»مع ذكر«الجزاء».(3:84)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله: كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَ مَصِيراً ففيه مسائل:

المسألة الأولى:المعتزلة احتجّوا بهذه الآية على إثبات الاستحقاق من وجهين:

الأوّل:أنّ اسم الجزاء لا يتناول إلاّ المستحقّ.فأمّا الوعد بمحض التّفضيل فإنّه لا يسمّى جزاء.

و الثّاني:لو كان المراد من الجزاء:الأمر الّذي يصيرون إليه بمجرّد الوعد،فحينئذ لا يبقى بين قوله:

(جزاء)و بين قوله:(مصيرا)تفاوت،فيصير ذلك تكرارا من غير فائدة.

قال أصحابنا رحمهم اللّه:لا نزاع في كونه جزاء،إنّما النّزاع في أنّ كونه جزاء ثبت بالوعد أو بالاستحقاق، و ليس في الآية ما يدلّ على التّعيين.

المسألة الثّانية:قالت المعتزلة:الآية تدلّ على أنّ اللّه

ص: 541

تعالى لا يعفو عن صاحب الكبيرة من وجهين:

الأوّل:أنّ صاحب الكبيرة يستحقّ العقاب، فوجب أن لا يكون مستحقّا للثّواب،لأنّ الثّواب هو النّفع الدّائم الخالص عن شوب الضّرر،و العقاب هو الضّرر الدّائم الخالص عن شوب النّفع،و الجمع بينهما محال،و ما كان ممتنع الوجود امتنع أن يحصل استحقاقه، فإذن متى ثبت استحقاق العقاب وجب أن يزول استحقاق الثّواب.

فنقول:لو عفا اللّه عن صاحب الكبيرة لكان:إمّا أن يخرجه من النّار و لا يدخله الجنّة،و ذلك باطل بالإجماع، لأنّهم أجمعوا على أنّ المكلّفين يوم القيامة:إمّا أن يكونوا من أهل الجنّة أو من أهل النّار،لأنّه تعالى قال: فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَ فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ الشّورى:7،و إمّا أن يخرجه من النّار و يدخله الجنّة،و ذلك باطل لأنّ الجنّة حقّ المتّقين،لقوله تعالى: كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَ مَصِيراً فجعل الجنّة لهم و مختصّة بهم،و بيّن أنّها إنّما كانت لهم لكونها جزاء لهم على أعمالهم،فكانت حقّا لهم،و إعطاء حقّ الإنسان لغيره لا يجوز.و لمّا بطلت الأقسام ثبت أنّ العفو غير جائز.

أجاب أصحابنا:لم لا يجوز أن يقال:المتّقون يرضون بإدخال اللّه أهل العفو في الجنّة؟فحينئذ لا يمتنع دخولهم فيها.

الوجه الثّاني:قالوا:المتّقي في عرف الشّرع مختصّ بمن اتّقى الكفر و الكبائر،و إن اختلفنا في أنّ صاحب الكبيرة هل يسمّى مؤمنا أم لا؟لكنّا اتّفقنا على أنّه لا يسمّى متّقيا.ثمّ قال في وصف الجنّة:إنّها كانت لهم جزاء و مصيرا،و هذا للحصر،و المعنى أنّها مصير للمتّقين لا لغيرهم،و إذا كان كذلك وجب أن لا يدخلها صاحب الكبيرة.

قلنا:أقصى ما في الباب أنّ هذا العموم صريح في الوعيد فتخصّه بآيات الوعد.

المسألة الثّالثة:لقائل أن يقول:إنّ الجنّة ستصير للمتّقين جزاء و مصيرا،لكنّها بعد ما صارت كذلك،فلم قال اللّه تعالى: كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَ مَصِيراً؟ جوابه من وجهين:

الأوّل:أنّ ما وعد اللّه فهو في تحقّقه كأنّه قد كان.

و الثّاني:أنّه كان مكتوبا في اللّوح،قبل أن يخلقهم اللّه تعالى بأزمنة متطاولة:أنّ الجنّة جزاؤهم و مصيرهم.

(24:59)

7- وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى* ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى.

النّجم:40،41

الطّوسيّ: أي يجازى على أعماله الطّاعات بأوفى ما يستحقّه من الثّواب الدّائم،و«الهاء»في(يجزيه)عائدة على«السّعي».(9:436)

الواحديّ: ثُمَّ يُجْزاهُ يجزى الإنسان سعيه، يقال:جزيت فلانا سعيه،يتعدّى إلى مفعولين.

(4:204)

الزّمخشريّ: [نحو الواحديّ و أضاف:]

و يجوز أن يكون الضّمير للجزاء،ثمّ فسّره بقوله:

اَلْجَزاءَ الْأَوْفى أو أبدله عنه،كقوله تعالى: وَ أَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا الأنبياء:3.(4:33)

ص: 542

نحوه أبو السّعود(6:161)،و البروسويّ(9:253).

الفخر الرّازيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و يتعدّى إلى ثلاثة مفاعيل بحرف،يقال:«جزاه اللّه على عمله الخير الجنّة»،و يحذف الجارّ و يوصل الفعل، فيقال:«جزاه اللّه عمله الخير الجنّة»هذا وجه.

و فيه وجه آخر:و هو أنّ الضّمير ل(الجزاء)، و تقديره:ثمّ يجزى جزاء،و يكون اَلْجَزاءَ الْأَوْفى تفسيرا أو بدلا،مثل وَ أَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فإنّ التّقدير:و الّذين ظلموا أسرّوا النّجوى،الّذين ظلموا،و اَلْجَزاءَ الْأَوْفى على ما ذكرنا يليق بالمؤمنين الصّالحين،لأنّه جزاء الصّالح،و إن قال تعالى: فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً الإسراء:63.

و على ما قيل:يجاب أنّ الأوفى بالنّظر إليه،فإنّ جهنّم ضررها أكثر بكثير من نفع الآثام،فهي في نفسها أوفى.

(ثمّ)لتراخي الجزاء أو لتراخي الكلام،أي ثمّ نقول:

(يجزيه)،فإن كان لتراخي الجزاء فكيف يؤخّر الجزاء عن الصّالح،و قد ثبت أنّ الظّاهر أنّ المراد منه الصّالح؟

نقول:الوجهان محتملان،و جواب السّؤال هو أنّ الوصف ب(الأوفى)يدفع ما ذكرت،لأنّ اللّه تعالى من أوّل زمان يموت الصّالح يجزيه جزاء على خبره،و يؤخّر له الجزاء الأوفى و هي الجنّة.أو نقول:(الأوفى)إشارة إلى الزّيادة،فصار كقوله: لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى يونس:26،و هي الجنّة و زيادة؛و هي الرّؤية،فكأنّه قال: وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى ثمّ يرزقه الرّؤية.

و هذا الوجه يليق بتفسير اللّفظ،فإنّ(الاوفى) مطلق غير مبيّن،فلم يقل:«أوفى من كذا»فينبغي أن يكون أوفى من كلّ واف،و لا يتّصف به غير رؤية اللّه تعالى.(29:16)

أبو حيّان:قال الزّمخشريّ: «و يجوز أن يكون الضّمير للجزاء ثمّ فسّره بقوله: اَلْجَزاءَ الْأَوْفى» .و إذا كان تفسيرا للمصدر المنصوب في(يجزيه)فعلى ما ذا انتصابه؟و أمّا إذا كان بدلا،فهو من باب بدل الظّاهر من الضّمير الّذي يفسّره الظّاهر،و هي مسألة خلاف، و الصّحيح المنع.(8:168)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ إلاّ أنّه قال:]

اَلْجَزاءَ الْأَوْفى مصدر مبيّن للنّوع،و إذا جاز وصف المجزى به ب(الأوفى)جاز وصف الحدث عن الجزاء،لملابسته له.

و جوّز كونه مفعولا به،بمعنى المجزى به،و حينئذ يكون الفعل في حكم المتعدّي إلى ثلاثة مفاعيل، و لا بأس لأنّ الثّاني بالحذف و الإيصال لا التّوسّع، فيجيء فيه الخلاف.(27:68)

8- تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ. القمر:14

الزّمخشريّ: (جزاء)مفعول له لما قدّم من فتح أبواب السّماء و ما بعده،أي فعلنا ذلك جزاء لِمَنْ كانَ كُفِرَ و هو نوح عليه السّلام و جعله مكفورا،لأنّ النّبيّ نعمة من اللّه و رحمة قال تعالى: وَ ما أَرْسَلْناكَ إِلاّ رَحْمَةً لِلْعالَمِينَ فكان نوح عليه السّلام نعمة مكفورة...

و يجوز أن يكون على تقدير حذف الجارّ،و إيصال الفعل.

ص: 543

و قرأ قتادة(كفر)أي جزاء للكافرين،و قرأ الحسن (جزاء)بالكسر،أي مجازاة.(4:38)

الفخر الرّازيّ: جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ يحتمل وجوها:

أحدها:أن يكون نصبه بقوله:(حملناه)أي حملناه جزاء،أي ليكون ذلك الحمل جزاء الصّبر على كفرانهم.

ثانيها:أن يكون بقوله: تَجْرِي بِأَعْيُنِنا لأنّ فيه معنى حفظنا،أي ما تركناه عن أعيننا و عوننا جزاء له.

ثالثها:أن يكون بفعل حاصل من مجموع ما ذكره، كأنّه قال:«فتحنا أبواب السّماء و فجّرنا الأرض عيونا و حملناه،و كلّ ذلك فعلناه جزاء له».و إنّما ذكرنا هذا، لأنّ الجزاء ما كان يحصل إلاّ بحفظه و إنجائه لهم،فوجب أن يكون(جزاء)منصوبا بكونه مفعولا له بهذه الأفعال.

(29:39)

السّمين:(جزاء)منصوب على المفعول له،ناصبه (فَفَتَحْنا) القمر:10،و ما بعده.

و قيل:منصوب على المصدر إمّا بفعل مقدّر،أي جازيناهم جزاء،و إمّا على التّجوّز بأنّ معنى الأفعال المتقدّمة جازيناهم بها جزاء.(6:227)

الشّربينيّ: (جزاء)منصوب بفعل مقدّر،أي أغرقوا انتصارا.(4:146)

لاحظ«ك ف ر».

9- هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ. الرّحمن:60

قتادة :قال:عملوا خيرا فجوزوا خيرا.

(الطّبريّ 27:353)

أبو حنيفة:قال:هي مسجّلة للبرّ و الفاجر.

(الطّبريّ 27:353)

الطّبري:هل ثواب خوف مقام اللّه عزّ و جلّ لمن خافه،فأحسن في الدّنيا عمله،و أطاع ربّه،إلاّ أن يحسن إليه في الآخرة ربّه،بأن يجازيه على إحسانه ذلك في الدّنيا،ما وصف في هذه الآيات من قوله: وَ لِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ إلى قوله: كَأَنَّهُنَّ الْياقُوتُ وَ الْمَرْجانُ الرّحمن:46-57.(27:153)

الطّوسيّ: معناه ليس جزاء من فعل الأعمال الحسنة و أنعم على غيره إلاّ أن ينعم عليه بالثّواب و يحسن إليه.(9:482)

الفخر الرّازيّ: و فيه وجوه كثيرة حتّى قيل:إنّ في القرآن ثلاث آيات،في كلّ آية منها مائة قول:

الأولى: فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ البقرة:152.

الثّانية: إِنْ عُدْتُمْ عُدْنا الإسراء:8.

الثّالثة: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ.

و لنذكر الأشهر منها و الأقرب.

أمّا الأشهر فوجوه:

أحدها:هل جزاء التّوحيد غير الجنّة،أي جزاء من قال:«لا إله إلاّ اللّه»إدخال الجنّة؟

ثانيها:هل جزاء الإحسان في الدّنيا إلاّ الإحسان في الآخرة؟

ثالثها:هل جزاء من أحسن إليكم في الدّنيا بالنّعم و في العقبى بالنّعيم إلاّ أن تحسنوا إليه بالعبادة و التّقوى؟

و أمّا الأقرب فإنّه عامّ،فجزاء كلّ من أحسن إلى غيره أن يحسن هو إليه أيضا.[ثمّ أدام البحث في الإحسان،فلاحظ«الإحسان»](29:131)

ص: 544

مكارم الشّيرازيّ: هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ قانون عامّ في منطق القرآن الكريم؛حيث يشمل اللّه سبحانه كما يشمل الخلق و كافّة العباد،و إنّ المسلمين جميعا يعلمون بعموميّة هذا القانون،و عليهم مقابلة كلّ خير بزيادة،كما ذكر الإمام الصّادق عليه السّلام في حديثه أعلاه (1)؛حيث يفترض أن يكون التّعريض أفضل من العمل المنجّز(المقدّم)و ليس مساويا له،و إلاّ فإنّ المبتدئ بالإحسان هو صاحب الفضل.

و حول أعمالنا في حضرة الباري عزّ و جلّ،فإنّ المسألة تأخذ بعدا آخر؛حيث أحد الطّرفين هو اللّه سبحانه العظيم الكريم الّذي شملت رحمته و ألطافه كلّ عالم الوجود،و إنّ نعمه و كرمه يليق بذاته،و ليس على مستوى أعمال عباده،و بناء على هذا فلا عجب أن تقرأ في تاريخ الأمم بصورة متكرّرة أنّ أشخاصا قد شملتهم العناية الإلهيّة الكبيرة،بالرّغم من إنجازهم لأعمال صغيرة،و ذلك لخلوص نيّاتهم،و من ذلك القصّة التّالية:

نقل بعض المفسّرين:أنّ شخصا مسلما شاهد امرأة كافرة،تنثر الحبّ للطّيور شتاء،فقال لها:لا يقبل هذا العمل من أمثالك،فأجابته:إنّي أعمل هذا سواء قبل أم لم يقبل،و لم يمض وقت طويل حتّى رأى الرّجل هذه المرأة في حرم الكعبة،فقالت له:يا هذا،إنّ اللّه تفضّل عليّ بنعمة الإسلام،ببركة تلك الحبوب القليلة.

(17:394)

10- جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ. الواقعة:24

الزّجّاج: (جزاء)منصوب مفعول له،المعنى يفعل بهم ذلك لجزاء أعمالهم.

و يجوز أن يكون منصوبا على أنّه مصدر،لأنّ معنى يَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ الواقعة:17،يجازون جزاء بأعمالهم.و هذا الوجه عليه أكثر النّحويّين.(5:

111)

مثله ابن الجوزيّ(8:138)،و نحوه القيسيّ(2:

352)،و أبو البركات(2:415)،و العكبريّ(2:

1204)،و السّمين(6:258)،و أبو السّعود(6:188)، و الآلوسيّ:(27:139)

الطّوسيّ: (جزاء)أي يفعل ذلك بهم جزاء و مكافأة على ما عملوه في دار الدّنيا،من الطّاعات و اجتناب المعاصي،ثمّ قال: لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً أي لا يسمع المثابون في الجنّة لغوا،يعني ما لا فائدة فيه من الكلام،لأنّ كلّ ما يتكلّمون به فيه فائدة.(9:494)

نحوه الزّمخشريّ(4:54)،و الطّبرسيّ(5:217)، و مغنيّة(7:219)،و الطّباطبائيّ(19:123).

ابن عطيّة: جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ أي هذه الرّتب و النّعم هي لهم بحسب أعمالهم،لأنّه روي أنّ المنازل و القسم في الجنّة،هي مقتسمة على قدر الأعمال، و نفس دخول الجنّة هو برحمة اللّه و فضله لا بعمل عامل.

فأمّا هذا الفضل الأخير أنّ دخولها ليس بعمل عامل، ففيه حديث صحيح،قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا يدخل أحد الجنّة بعمله»قالوا:و لا أنت يا رسول اللّه؟قال:«و لا أنا، إلاّ أن يتغمّدني اللّه بفضل منه و رحمة».(5:243) .

ص: 545


1- أنّه قال:«آية في كتاب اللّه مسجّلة.قلت:و ما هي؟قال: (هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ) .

الفخر الرّازيّ: جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ و في نصبه وجهان:أحدهما:أنّه مفعول له،و هو ظاهر تقديره:فعل بهم هذا ليقع جزاء و ليجزون بأعمالهم، و على هذا فيه«لطيفة»و هي أن تقول:المعنى أنّ هذا كلّه جزاء عملكم،و أمّا الزّيادة فلا يدركها أحد منكم.

و ثانيهما:أنّه مصدر،لأنّ الدّليل على أنّ كلّ ما يفعله اللّه فهو جزاء،فكأنّه قال:تجزون جزاء،و قوله: (بِما كانُوا) قد ذكرنا فائدته في سورة الطّور،و هي أنّه تعالى قال في حقّ المؤمنين: جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ و في حقّ الكافرين: إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ إشارة إلى أنّ العذاب عين جزاء ما فعلوا،فلا زيادة عليهم،و الثّواب جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ فلا يعطيهم اللّه عين عملهم،بل يعطيهم بسبب عملهم ما يعطيهم، و الكافر يعطيه عين ما فعل،فيكون فيه معنى مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها*وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها و فيه مسائل:

المسألة الأولى:أصوليّة:ذكرها الإمام فخر الدّين (1)رحمه اللّه في مواضع كثيرة،و نحن نذكر بعضها؛فالأولى:قالت المعتزلة:هذا يدلّ على أن يقال:

الثّواب على اللّه واجب،لأنّ الجزاء لا يجوز المطالبة به.

و قد أجاب عنه الإمام فخر الدّين رحمه اللّه بأجوبة كثيرة،و أظنّ به أنّه لم يذكر ما أقوله فيه و هو ما ذكروه، و لو صحّ لما كان في الوعد بهذه الأشياء فائدة؛و ذلك لأنّ العقل إذا حكم بأنّ ترك الجزاء قبيح،و علم بالعقل أنّ القبيح من اللّه لا يوجد،علم أنّ اللّه يعطي هذه الأشياء لأنّها أجزية،و إيصال الجزاء واجب.و أمّا إذا قلنا بمذهبنا فتكون الآيات مفيدة مبشّرة،لأنّ البشارة لا تكون إلاّ بالخبر عن أمر غير معلوم.

لا يقال:الجزاء كان واجبا على اللّه،و أمّا الخبر بهذه الأشياء فلا يذكرها مبشّرا.

لأنّا نقول:إذا وجب نفس الجزاء فما أعطانا اللّه تعالى من النّعم في الدّنيا جزاء،فثواب الآخرة لا يكون إلاّ تفضّلا منه،غاية ما في الباب أنّه تعالى كمّل النّعمة بقوله:«هذا جزاؤكم»أي جعلته لكم جزاء،و لم يكن متعيّنا و لا واجبا،كما أنّ الكريم إذا أعطى من جاء بشيء يسير شيئا كثيرا،فيظنّ أنّه يودعه إيداعا أو يأمره بحمله إلى موضع،فيقول له:«هذا لك»فيفرح،ثمّ إنّه يقول:«هذا إنعام عظيم يوجب على خدمة كثيرة» فيقول له:«هذا جزاء ما أتيت به،و لا أطلب منك على هذا خدمة،فإن أتيت فلها ثواب جديد»فيكون هذا غاية الفضل.

و عند هذا نقول:هذا كلّه إذا كان الآتي غير العبد، و أمّا إذا فعل العبد ما أوجب عليه سيّده فلا يستحقّ عليه أجرا و لا سيّما إذا أتى بما أمر به على نوع اختلال، فما ظنّك بحالنا مع اللّه عزّ و جلّ؟مع أنّ السّيّد لا يملك من عبده إلاّ البنية،و اللّه يملك منّا أنفسنا و أجسامنا.

ثمّ إنّك اذا تفكّرت في مذهب أهل السّنّة تجدهم قد حقّقوا معنى العبوديّة غاية التّحقيق،و اعترفوا أنّهم عبيد لا يملكون شيئا،و لا يجب للعبد على السّيّد دين، و المعتزلة لم يحقّقوا العبوديّة،و جعلوا بينهم و بين اللّهّ.

ص: 546


1- هذا و ما بعده كلام بعض تلاميذه أو من تأخّر عنهم نقلا عن الرّازيّ.

معاملة توجب مطالبة...

المسألة الثّانية:قالوا:لو كان في الآخرة رؤية لكانت جزاء،و قد حصر اللّه الجزاء فيما ذكر.

و الجواب عنه أن نقول:لم قلتم:إنّها لو كانت تكون جزاء،بل تكون فضلا منه فوق الجزاء؟وهب أنّها تكون جزاء،و لكن لم قلتم:إنّ ذكر الجزاء حصر؟و إنّه ليس كذلك،لأنّ من قال لغيره:«أعطيتك كذا جزاء على عمل»لا ينافي قوله:«و أعطيتك شيئا آخر فوقه أيضا جزاء عليه».

وهب أنّه حصر،لكن لم قلتم:إنّ القربة لا تدلّ على الرّؤية؟فإن قيل:قال في حقّ الملائكة: وَ لاَ الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ النّساء:172،و لم يلزم من قربهم الرّؤية؟ نقول:أجبنا أنّ قربهم مثل قرب من يكون عند الملك لقضاء الأشغال،فيكون عليه التّكليف و الوقوف بين يديه بالباب تخرج أوامره عليه،كما قال تعالى:

وَ يَفْعَلُونَ ما يُؤْمَرُونَ التّحريم:6،و قرب المؤمن قرب المنعم من الملك،و هو الّذي لا يكون إلاّ للمكالمة و المجالسة في الدّنيا،لكن المقرّب المكلّف ليس كلّما يروح إلى باب الملك يدخل عليه،و أمّا المنعم لا يذهب إليه إلاّ و يدخل عليه،فظهر الفرق.[ثمّ أطال البحث حول الرّؤية ثمّ في المسألة الثّالثة حول عمل العباد فلاحظ]

(26:155)

البيضاويّ: أي جزوا جزاء،أو أخفى للجزاء،فإنّ إخفاءه لعلوّ شأنه،و قيل:هذا لقوم أخفوا أعمالهم، فأخفى اللّه ثوابهم.(2:236)

11- إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً. الدّهر:9

الباقر عليه السّلام:و اللّه ما قالوا هذا لهم.و لكنّهم أضمروه في أنفسهم،فأخبر اللّه بإضمارهم يقولون:لا نريد منكم جزاء تكافئوننا به و لا شكورا تثنون علينا به،و لكنّا إنّا أطعمناكم لوجه اللّه و طلب ثوابه.(الكاشانيّ 5:260)

الطّوسيّ: أي لا نطلب بهذا الإطعام مكافأة عاجلة.(10:210)

البروسويّ: لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً على ذلك بالمال و النّفس.و الفرق بين الجزاء و الأجر:أنّ الأجر ما يعود من ثواب العمل دنيويّا كان أو أخرويّا،و يقال فيما كان عن عقد و ما يجري مجرى العقد،و لا يقال إلاّ في النّافع.و أمّا الجزاء فيقال فيما كان عن عقد و غير عقد، و يقال في النّافع و الضّارّ،و المجازاة:المكافأة،و هي مقابلة نعمة بنعمة هي كفؤها.[إلى أن قال:]

و في«التّأويلات النّجميّة»: (لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً) بالذّكر الجميل في الدّنيا.(10:266)

الطّباطبائيّ: لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً الجزاء:مقابلة العمل بما يعادله إن خيرا فخيرا و إن شرّا فشرّا،و يعمّ الفعل و القول،لكنّ المراد به في الآية بقرينة مقابلته«الشّكور»مقابلة إطعامهم عملا لا لسانا.

(20:127)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ هذا المنهج ليس منحصرا بالإطعام؛إذ إنّ جميع أعمالهم خالصة لوجه اللّه تعالى، و لا ينتظر من النّاس شكرا و تقديرا.و المعروف في الإسلام أنّ العمل لا يثمّن إلاّ بخلوص النّيّة،و إذا

ص: 547

ما كانت أهداف الأعمال غير إلهيّة،رياء كانت أو لهوى النّفس،أو لشكر و تقدير ينتظر من النّاس،أو لمكافئات مادّيّة،فليس لذلك من ثمن معنويّ و إلهيّ.

و قد أشار النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إلى ذلك؛إذ قال:«لا عمل إلاّ بالنّيّة،و إنّما الأعمال بالنّيّات».(19:228)

لاحظ:«ر و د»و«ط ع م».

12- إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً.

الدّهر:22

قتادة :غفر لهم الذّنب.(الطّبريّ 29:223)

الطّبريّ: يقال لهؤلاء الأبرار حينئذ:إنّ هذا الّذي أعطيناكم من الكرامة،كان لكم ثوابا على ما كنتم في الدّنيا تعملون من الصّالحات.(29:223)

نحوه الطّوسيّ(10:219)،و الواحديّ(4:405)، و الزّمخشريّ(4:200)،و الطّبرسيّ(5:412)، و أبو حيّان(8:401)،و الشّربينيّ(4:459)، و أبو السّعود(6:448).

الفخر الرّازيّ: اعلم أنّ في الآية وجهين:

الأوّل:قال ابن عبّاس:المعنى أنّه يقال لأهل الجنّة بعد دخولهم فيها،و مشاهدتهم لنعيمها:إنّ هذا كان لكم جزاء،قد أعدّه اللّه تعالى لكم إلى هذا الوقت،فهو كلّه لكم بأعمالكم على قلّة أعمالكم،كما قال حاكيا عن الملائكة،إنّهم يقولون لأهل الجنّة: سَلامٌ عَلَيْكُمْ بِما صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدّارِ الرّعد:24،و قال: كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً بِما أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيّامِ الْخالِيَةِ الحاقّة:

24،و الغرض من ذكر هذا الكلام أن يزداد سرورهم، فإنّه يقال للمعاقب:«هذا بعملك الرّديء»فيزداد غمّه و ألم قلبه،و يقال للمثاب:«هذا بطاعتك»فيكون ذلك تهنئة له و زيادة في سروره.و القائل بهذا التّفسير جعل القول مضمرا،أي و يقال لهم هذا الكلام.

الوجه الثّاني:أن يكون ذلك إخبارا من اللّه تعالى لعباده في الدّنيا،فكأنّه تعالى شرح جواب أهل الجنّة، أنّ هذا كان في علمي و حكمي جزاء لكم يا معاشر عبادي،لكم خلقتها،و لأجلكم أعددتها.

و بقي في الآية سؤالان:

السّؤال الأوّل:إذا كان فعل العبد خلفا للّه،فكيف يعقل أن يكون فعل اللّه جزاء على فعل اللّه؟الجواب:

الجزاء هو الكافي،و ذلك لا ينافي كونه فعلا للّه تعالى.

السّؤال الثّاني:[راجع إلى شكر اللّه لعمل العبد،لاحظ:

«ش ك ر»](30:255)

البيضاويّ: على إضمار القول و الإشارة إلى ما عدّ من ثوابهم.(2:527)

الآلوسيّ: إِنَّ هذا الّذي ذكر من فنون الكرامات الجليلة الشّأن كانَ لَكُمْ جَزاءً بمقابلة أعمالكم الصّالحة الّتي اقتضاها حسن استعدادكم و اختياركم،و الظّاهر أنّ المجيء بالفعل للتّحقيق و الدّوام.

و جوّز أن يكون المراد كان في علمي و حكمي.[إلى أن قال:]

و جوّز أن يكون خطابا من اللّه تعالى في الدّنيا،كأنّه سبحانه بعد أن شرح ثواب أهل الجنّة قال:إنّ هذا كان في علمي و حكمي جزاء لكم يا معشر عبادي،و كان سعيكم مشكورا.

ص: 548

قيل:و هو لا يغني عن الإضمار ليرتبط بما قبله،و قد ذكر سبحانه من الجزاء ما تهشّ له الألباب،و أعقبه جلّ و علا بما يدلّ على الرّضا الّذي هو أعلى و أغلى لدى الأحباب.(29:164)

الطّباطبائيّ: حكاية ما يخاطبون به من عنده تعالى عند توفيته أجرهم،أو بحذف القول،و التّقدير:

و يقال لهم:إنّ هذا كان لكم جزاء«إلخ».(20:131)

مكارم الشّيرازيّ: قال البعض:إنّها نعمة ما فوقها نعمة،و موهبة هي أعلى من كلّ المواهب،و هو شكر اللّه للإنسان.(كان)فعل ماض و يخبر عن الماضي،و يحتمل أن يكون إشارة إلى أنّ هذه النّعم كانت موفّرة لكم من قبل،لأنّ من يهتمّ كثيرا بضيفه يهيّئ وسائل الضّيافة له من قبل.(19:239)

الجزية
اشارة

قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ. التّوبة:29

ابن عبّاس: حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ عن أنفسهم بأيديهم يمشون بها و هم كارهون.(الطّبريّ 10:110)

تؤخذ الجزية من الذّمّيّ و توجأ عنقه.

(البيضاويّ 1:412)

مجاهد :...حين أمر محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه بغزوة تبوك.(الطّبريّ:10:110)

عكرمة:أي تأخذها و أنت جالس،و هو قائم.

(الطّبريّ 10:110)

الطّبريّ: و(الجزية)الفعلة،من جزى فلان فلانا ما عليه،إذا قضاه،يجزيه،و(الجزية):مثل القعدة و الجلسة.

و معنى الكلام:حتّى يعطوا الخراج عن رقابهم، الّذي يبذلونه للمسلمين دفعا عنها.

و ذكر أنّ هذه الآية نزلت على رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في أمره بحرب الرّوم،فغزا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بعد نزولها غزوة تبوك.

(10:109)

الزّجّاج: قيل:معنى عَنْ يَدٍ عن ذلّ،و قيل:

(عن يد)عن قهر و ذلّ،كما تقول:«اليد في هذا لفلان»، أي الأمر النّافذ لفلان.

و قيل:( عَنْ يَدٍ أي عن إنعام عليهم بذلك،لأنّ قبول الجزية منهم و ترك أنفسهم نعمة عليهم،و يد من المعروف جزيلة.(2:442)

عبد الجبّار:كيف يصحّ فيمن يكفر باللّه تعالى أن يسوغ له الكفر ببذل الجزية؟

و جوابنا:أنّ قتلهم لأجل كفرهم و هو شرعيّ لا عقليّ.و يجوز أن يكون الصّلاح في ذلك ما لم يعطوا الجزية،فإذا أعطوا حرم قتلهم.

و ربّما يكون في ذلك هدايتهم للإسلام إذا أقرّوا ثمّ سمعوا الشّرائع.

و قد قيل:إنّ قتلهم على الشّرك لو لم يجز تركه، لأدّى إلى الإكراه،و قد قال تعالى: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ البقرة:256.

ص: 549

فإن قيل:فأنتم متى قلتم ذلك فإنّ في الكفّار من لا يرضى منه إلاّ بالقتل،فيجب أن يكون مكرها على الإسلام؟

و جوابنا:أنّه لا كافر إلاّ و قد يجوز أن يتخلّص ببعض الوجوه،و إن كان مقيما على الكفر فلا يلزم ذلك.

(164)

الطّوسيّ: و الآية صريحة بأنّ هؤلاء الّذين هم أهل الكتاب الّذين يؤخذ منهم الجزية لا يؤمنون باللّه و لا باليوم الآخر،و أنّه يجب قتالهم حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ.

و من قال:إنّهم يجوز أن يكونوا عارفين باللّه تعالى، قال:الآية خرجت مخرج الذّمّ لهم،لأنّهم بمنزلة من لا يقرّ به في عظم الجرم،كما أنّهم بمنزلة المشركين في عبادة اللّه بالكفر.

و قال الجبّائيّ: لأنّهم يضيفون إليه ما لا يليق به، فكأنّهم لا يعرفونه،و إنّما جمعت هذه الأوصاف لهم و لم يذكروا بالكفّار من أهل الكتاب للتّحريض على قتالهم،بما هم عليه من صفات الذّمّ الّتي توجب البراءة منهم،و العداوة لهم...

و قوله:(حتّى يعطوا الجزية...)

فالجزية:عطيّة عقوبة جزاء على الكفر باللّه،على ما وصفه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على أهل الذّمّة.

و هو على وزن:جلسة،و قعدة لنوع من الجزاء.

و إنّما قيل: عَنْ يَدٍ ليفارق حال الغصب على إقرار أحد.

و الجزية لا تؤخذ عندنا إلاّ من اليهود و النّصارى و المجوس.و أمّا غيرهم من الكفّار-على اختلاف مذاهبهم من عبّاد الأصنام و الأوثان،و الصّابئة و غيرهم -فلا يقبل منهم غير الإسلام أو السّبي.

و إنّما كان كذلك لما علم اللّه تعالى من المصلحة في إقرار هؤلاء على كفرهم و منع ذلك في غيرهم،لأنّ هؤلاء على كفرهم يقرّون بألسنتهم بالتّوحيد و بعض الأنبياء،و إن لم يكونوا على الحقيقة عارفين.و أولئك يجحدون ذلك كلّه،فلذلك فرّق بينهما.

و إن قيل:إعطاء الجزية منهم لا يخلو أن يكون طاعة أو معصية،فإن كان معصية فكيف أمر اللّه بها؟و إن كان طاعة وجب أن يكونوا مطيعين للّه؟

قلنا:إعطاؤهم ليس بمعصية،و أمّا كونها طاعة للّه فليس كذلك،لأنّهم إنّما يعطونها دفعا للقتل عن أنفسهم لا طاعة للّه،فإنّ الكافر لا يقع منه طاعة عندنا بحال، لأنّه لو فعل طاعة للّه لاستحقّ الثّواب،و الإحباط باطل، فكان يجب أن يكون مستحقّا للثّواب،و ذلك خلاف الإجماع.(5:236)

الزّمخشريّ: سمّيت جزية،لأنّها طائفة ممّا على أهل الذّمّة أن يجزوه،أي يقضوه،أو لأنّهم يجزون بها من منّ عليه بالإعفاء عن القتل.[ثمّ ذكر وصف المعطي و الآخذ،فراجع](2:184)

نحوه الفخر الرّازيّ.(16:30)

ابن عطيّة: [تعرّض لأحكام الجزية و أقوال الفقهاء و المعطي و الآخذ و شرائطهما،فراجع](3:22) نحوه أبو حيّان.(5:29)

الطّبرسيّ: مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وصف

ص: 550

الّذين ذكرهم بأنّهم من أهل الكتاب،و هم اليهود و النّصارى.

و قال أصحابنا:إنّ المجوس حكمهم حكم اليهود و النّصارى حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ أي نقدا من يده إلى يد من يدفعه إليه من غير نائب،كما يقال:«كلّمته فما بفم».

و قيل:معناه عن قدرة لكم عليهم و قهر لهم،كما يقال:«كان اليد لفلان».

و قيل:يد لكم عليهم،و نعمة تسدّونها إليهم بقبول الجزية منهم.(3:22)

البيضاويّ: حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ ما تقرّر عليهم أن يعطوه.مشتقّ من:جزى دينه،إذا قضاه.(عن يد) حال من الضّمير في يعطوا،أي عن يد مؤاتية،بمعنى منقادين،أو عن يدهم،بمعنى مسلّمين بأيديهم غير باعثين بأيدي غيرهم،و لذلك منع من التّوكيل فيه،أو عن غنيّ،و لذلك قيل:لا تؤخذ من الفقير،أو عن يد قاهرة عليهم،بمعنى عاجزين أذلاّء،أو إنعام عليهم فإنّ إبقاءهم بالجزية نعمة عظيمة،أو من الجزية بمعنى نقدا مسلّمة عن يد إلى يد.[ثمّ تعرّض لبعض آراء الفقهاء في العطاء و مقدارها فراجع](1:412)

نحوه أبو السّعود.(3:140)

السّمين:و(الجزية):«فعلة»لبيان الهيئة كالرّكبة، لأنّها من الجزاء على ما أعطوه من الأمن،(و عن يد) حال،أي يعطوها مقهورين أذلاّء.(3:458)

الشّربينيّ: و هي الخراج المضروب على رقابهم، في نظير سكناهم في بلاد الإسلام آمنين،مأخوذ من «المجازاة»لكفّنا عنهم.

و قيل:من«الجزاء»بمعنى القضاء،قال اللّه تعالى:

وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً البقرة:

48،أي لا تقضي.[ثمّ أدام نحو البيضاويّ](1:601)

البروسويّ: (الجزية)«فعلة»من جزى دينه، إذا قضاه.سمّي ما يعطيه المعاهد-ممّا تقرّر عليه بمقتضى عهده-جزية،لوجوب قضائه عليه،أو لأنّها تجزي عن الذّمّيّ،أي تقضي و تكفي عن القتل،فإنّه إذا قبلها يسقط عنه القتل.(3:412)

الآلوسيّ: [نحو البيضاويّ ثمّ قال:]

أو من:جزيته بما فعل،أي جازيته،لأنّهم يجزون بها من منّ عليهم بالعفو عن القتل.

و في«الهداية»أنّها جزاء الكفر،فهي من«المجازاة».

و قيل:أصلها الهمز،من:الجزء و التّجزئة،لأنّها طائفة من المال يعطى.

و قال الخوارزميّ: إنّها معرّب«كزيت»،و هو الخراج بالفارسيّة،و جمعها:جزى،كلحية و لحى.(10:78)

الطّباطبائيّ: ...لا يشكّ في أنّ قتال أهل الكتاب حتّى يعطوا الجزية،ليس لغرض تمتّع أولياء الإسلام و لا المسلمين،من متاع الحياة الدّنيا و استرسالهم و انهماكهم في الشّهوات،على حدّ المترفين من الملوك و الرّؤساء،المسرفين من أقوياء الأمم.

و إنّما غرض الدّين في ذلك أن يظهر دين الحقّ و سنّة العدل و كلمة التّقوى،على الباطل و الظّلم و الفسق، فلا يعترضها في مسيرها اللّعب و الهوى،فتسلم التّربية الصّالحة المصلحة من مزاحمة التّربية الفاسدة المفسدة،

ص: 551

حتّى لا ينجرّ إلى أن تجذب هذه إلى جانب،و تلك إلى جانب،فيتشوّش أمر النّظام الإنسانيّ إلاّ أن لا يرتضي واحد أو جماعة التّربية الإسلاميّة لنفسه أو لأنفسهم، فيكونون أحرارا فيما يرتضونه لأنفسهم من تربية دينهم الخاصّة،على شرط أن يكونوا على شيء من دين التّوحيد،و هو اليهوديّة أو النّصرانيّة أو المجوسيّة،و أن لا يتظاهروا بالمزاحمة،و هذا غاية العدل و النّصفة من دين الحقّ الظّاهر على غيره.

و أمّا(الجزية)فهي عطيّة ماليّة مأخوذة منهم، مصروفة في حفظ ذمّتهم و حسن إدارتهم،و لا غنى عن مثلها لحكومة قائمة على ساقها،حقّة أو باطلة.

و من هذا البيان يظهر أنّ المراد بهذه المحرّمات:

المحرّمات الإسلاميّة الّتي عزم اللّه أن لا تشيع في المجتمع الإسلاميّ العالميّ،كما أنّ المراد ب(دين الحقّ)هو الّذي يعزم أن يكون هو المتّبع في المجتمع.

و لازم ذلك أن يكون المراد بالمحرّمات:المحرّمات الّتي حرّمها اللّه و رسوله محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم الصّادع بالدّعوة الإسلاميّة،و أن يكون الأوصاف الثّلاثة: اَلَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ الآية،في معنى التّعليل تفيد حكمة الأمر بقتال أهل الكتاب.

و بذلك كلّه يظهر فساد ما أورد على هذا الوجه،أنّه لا يعقل أن يحرّم أهل الكتاب على أنفسهم ما حرّم اللّه و رسوله علينا إلاّ إذا أسلموا،و إنّما الكلام في أهل الكتاب لا في المسلمين العاصين.

وجه الفساد أنّه ليس من الواجب أن يكون الغرض من قتالهم أن يحرّموا ما حرّم الإسلام و هم أهل الكتاب، بل أن لا يظهر في النّاس التّبرّز بالمحرّمات من غير مانع يمنع شيوعها،و الاسترسال فيها،كشرب الخمر،و أكل لحم الخنزير،و أكل المال بالباطل على سبيل العلن،بل يقاتلون ليدخلوا في الذّمّة،فلا يتظاهروا بالفساد و يحتبس الشّرّ فيما بينهم أنفسهم.

و لعلّه إلى ذلك الإشارة بقوله: وَ هُمْ صاغِرُونَ.

[إلى أن قال:]

و الاعتبار بما ذكر في صدر الآية من أوصافهم المقتضية لقتالهم،ثمّ إعطاؤهم الجزية لحفظ ذمّتهم،يفيد أن يكون المراد بصغارهم:خضوعهم للسّنّة الإسلاميّة، و الحكومة الدّينيّة العادلة في المجتمع الإسلاميّ، فلا يكافئوا المسلمين و لا يبارزوهم بشخصيّة مستقلّة حرّة،في بثّ ما تهواه أنفسهم،و إشاعة ما اختلقته هوساتهم،من العقائد و الأعمال المفسدة للمجتمع الإنسانيّ،مع ما في إعطاء المال بأيديهم من الهوان.

فظاهر الآية:أنّ هذا هو المراد من«صغارهم» لا إهانتهم و السّخريّة بهم من جانب المسلمين،أو أولياء الحكومة الدّينيّة،فإنّ هذا ممّا لا يحتمله السّكينة و الوقار الإسلاميّ و إن ذكر بعض المفسّرين.

و اليد:الجارحة من الإنسان و تطلق على القدرة و النّعمة.فإن كان المراد به في قوله: حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ هو المعنى الأوّل،فالمعنى حتّى يعطوا الجزية متجاوزة عن يدهم إلى يدكم.و إن كان المراد هو المعنى الثّاني،فالمعنى حتّى يعطوا الجزية عن قدرة و سلطة لكم عليهم(و هم صاغرون)غير مستعلين عليكم و لا مستكبرين.

ص: 552

فمعنى الآية-و اللّه أعلم-قاتلوا أهل الكتاب،لأنّهم لا يؤمنون باللّه و اليوم الآخر إيمانا مقبولا غير منحرف عن الصّواب،و لا يحرّمون ما حرّمه الإسلام ممّا يفسد اقترافه المجتمع الإنسانيّ،و لا يدينون دينا منطبقا على الخلقة الإلهيّة،قاتلوهم و دوموا على قتالهم،حتّى يصغروا عندكم و يخضعوا لحكومتكم،و يعطوا في ذلك عطيّة ماليّة،مضروبة عليهم يمثّل صغارهم،و يصرف في حفظ ذمّتهم،و حقن دمائهم،و حاجة إدارة أمورهم.

(9:239)

مكارم الشّيرازيّ: و(الجزية)مأخوذة من مادّة الجزاء،و معناها المال المأخوذة من غير المسلمين الّذين يعيشون في ظلّ الحكومة الإسلاميّة،و هذه التّسمية لأنّها جزاء حفظ مال غير المسلمين و أرواحهم.هذا ما يستفاد من كلام الرّاغب في«مفرداته»فلا بأس بمراجعتها.

و الصّاغر مأخوذ من«الصّغر»على زنة«الكبر» و خلاف معناه،و معناه الرّاضي بالذّلّة.و المراد من الآية:

أنّ الجزية ينبغي أن تدفع في حال من الخضوع للإسلام و القرآن.

و بتعبير آخر:هي علامة للحياة السّلميّة،و قبول كون الدّافع للجزية من الأقلّيّة المحفوظة و المحترمة بين الأكثريّة الحاكمة.

و ما ذهب إليه بعض المفسّرين من أنّ المراد من (الجزية)في الآية هو تحقير أهل الكتاب و إهانتهم و السّخر منهم،فلا يستفاد ذلك من المفهوم اللّغويّ لكلمة الآية،و لا ينسجم و روح تعاليم الإسلام السّمحة، و لا ينطبق مع سائر التّعاليم أو الدّستور الّذي وصلنا في شأن معاملة الأقلّيّات.

و ما ينبغي التّنويه به هنا هو أنّ الآية و إن ذكرت شرط الجزية من بين شروط الذّمّة فحسب،إلاّ أنّ التّعبير ب وَ هُمْ صاغِرُونَ إشارة إجماليّة إلى سائر شروط الذّمّة،لأنّه يستفاد من هذه الجملة بأنّهم-مثلا- يعيشون في محيط إسلاميّ،فليس لهم أن يظاهروا أعداء الإسلام،و لا يكون لهم إعلام مضادّ للإسلام،و لا يقفوا حجر عثرة في رقيّه و تقدّمه،و ما إلى ذلك،لأنّ هذه الأمور تتنافى و روح الخضوع و التّسليم للإسلام، و التّعاون مع المسلمين.

ما هي الجزية؟

تعدّ الجزية ضريبة ماليّة«إسلاميّة»و هي تتعلّق بالأفراد لا بالأموال و لا بالأراضي،أو بتعبير آخر:هي ضريبة ماليّة سنويّة على الرّءوس.

و يعتقد بعضهم أنّها ليست من أصل عربيّ،و إنّما هي فارسيّة قديمة،و أصلها«كزيت»و معناها الأموال الّتي تؤخذ للدّعم العسكريّ،أو ما يصطلح عليه في عصرنا ب«المجهود الحربيّ».

لكن الكثير يعتقدون أنّ هذه الكلمة«الجزية» عربيّة خالصة.و كما ذكرنا آنفا فهي مأخوذة من «الجزاء»لأنّ الماليّة المذكورة أو الضّريبة الّتي تدفع،إنّما هي جزاء الأمن الّذي توفّره الحكومة الإسلاميّة للأقلّيّات المذهبيّة (1).

و الجزية كانت قبل الإسلام،و يعتقد بعضهم أنّ أوّل من أخذ الجزية هو كسرى أنوشروان الملك السّاسانيّ،

ص: 553


1- الدّينيّة...و«المذهبيّة»اصطلاح فارسيّ.

لكنّنا لا نقطع بذلك (1).بل المقطوع به أنّ أنوشروان كان يأخذ من أبناء وطنه الجزية،و كان يأخذ ممّن لم يكن موظّفا في الدّولة و عمره أكثر من عشرين عاما و أقلّ من خمسين عاما،مبلغا سنويّا يتراوح بين 12 و 18 و 6 و 4 دراهم،على أنّه ضريبة سنويّة على كلّ فرد.

و قد كتبوا أنّ فلسفة هذه الضّرائب أو حكمتها هي الدّفاع عن موجوديّة الوطن و استقلاله و أمنه،و هي وظيفة عامّة على جميع النّاس،فبناء على ذلك متى ما قام جماعة فعلا بالمحافظة على الوطن و لم يستطع الآخرون أن يجنّدوا أنفسهم للدّفاع عن الوطن-لأنّهم يكتسبون و يتّجرون مثلا-فإنّ على الجماعة الثّانية أن تقوم بمصارف المقاتلين،فتدفع ضرائب سنويّة للدّولة.

و ما لدينا من القرائن يؤيّد فلسفة الجزية،سواء قبل الإسلام أو بعده.

فمسألة السّنّ في من يعطي الجزية في عصر أنوشروان الّذي ذكرناه آنفا«و هي أنّ الجزية تقع على من عمره عشرون عاما إلى خمسين عاما»دليل واضح على هذا المطلب،لأنّ أصحاب هذه المرحلة من العمر كانوا قادرين على حمل السّلاح،و المساهمة في الحفاظ على أمن البلاد،إلاّ أنّهم كانوا يدفعون الجزية لأعمالهم و كسبهم.

و الشّاهد الآخر على ذلك:أنّه لا تجب الجزية«في الإسلام»على المسلمين،لأنّ الجهاد واجب عليهم جميعا،و عند الضّرورة يجب على الجميع أن يتّجهوا نحو ساحات القتال ليقفوا بوجه العدوّ،إلاّ أنّه لمّا كانت الأقلّيّات المذهبيّة غير مفروض عليها الجهاد،فعليها أن تدفع المال مكان الجهاد،ليكون لهم نصيب في الدّفاع عن الوطن الّذي يتمتّعون بالحياة فيه،و حفظه.

ثمّ إنّ سقوط الجزية عن الأطفال و الشّيوخ و المقعدين و النّساء و العمي،دليل آخر على هذا الموضوع.

ممّا ذكرناه يتّضح أنّ الجزية إعانة ماليّة فحسب، يقدّمها أهل الكتاب إزاء ما يتحمّله المسلمون من مسئوليّة في الحفاظ عليهم و على أموالهم.

فبناء على ذلك فإنّ من يزعم أنّ الجزية نوع من أنواع حقّ التّسخير،لم يلتفت إلى روحها و حكمتها و فلسفتها،فهو لم يلتفت إلى هذه الحقيقة،و هي أنّ أهل الكتاب متى دخلوا في أهل الذّمّة،فإنّ الحكومة الإسلاميّة يجب عليها أن ترعاهم و تحافظ عليهم، و تمنعهم من كلّ أذى أو سوء.

و مع ملاحظة أنّ أهل الذّمّة عند دفعهم الجزية، بالإضافة إلى أنّها تمنحهم حقّ التّمتّع بالحياة مع المسلمين في أمن و صون،فليس عليهم أيّ تعهّد من المساهمة في القتال مع المسلمين و في جميع الأمور الدّفاعيّة،و يتّضح أنّ مسئوليّتهم إزاء الحكومة الإسلاميّة أقلّ من المسلمين بمراتب.

أي إنّهم يتمتّعون بجميع المزايا في الحكومة الإسلاميّة،بدفعهم مبلغا ضئيلا،و يكونون سواء هم و المسلمون،في حين أنّهم-في غير هذه الصّورة- لا قدرة لهم بوجه الحوادث و الأمور الأخرى.ا.

ص: 554


1- المقصود من«لا نقطع بذلك»أي لا نقطع أنّه أوّل من أخذ،و ليس المقصود منه«الجزية»فهي مقطوع بها.

و من الأدلّة الّتي تؤيّد فلسفة هذا الموضوع،أنّه في المعاهدات الّتي كانت-في صدر الإسلام أو الحكومة الإسلاميّة-بين المسلمين و أهل الكتاب في شأن الجزية،في تلك المعاهدات تصريح بأنّ على أهل الكتاب أن يدفعوا الجزية،و في قبال ذلك على المسلمين أن يمنعوهم-أي يحفظوهم-و أن يدافعوا عنهم إذا داهمهم العدوّ الخارجيّ.

و هذه المعاهدات كثيرة،و نورد مثلا منها،و هي المعاهدة الّتي تمّت بين خالد بن الوليد مع المسيحيّين الّذين كانوا يقطنون حول«الفرات».

نصّ كتاب المعاهدة:

هذا كتاب من خالد بن الوليد لصلوبا بن نسطونا و قومه،إني عاهدتكم على الجزية و المنعة،فلك الذّمّة و المنعة،و ما منعناكم فلنا الجزية و إلاّ فلا،كتب سنة اثنتي عشرة في صفر (1).

و الّذي يسترعي النّظر هو أنّنا نقرأ في هذه المعاهدة و أمثالها أنّه متى ما قصّر المسلمون في الحفاظ على أهل الذّمّة أو لم يمنعوهم،فالجزية تعاد إليهم أو لا تؤخذ منهم عندئذ أصلا.

و ينبغي الالتفات إلى هذه المسألة،و هي أنّ الجزية ليس لها مقدار معيّن،و ميزانها بحسب استطاعة الّذين يدفعونها،غير أنّه ممّا يستفاد من التّواريخ أنّها-أي الجزية-مبلغ ضئيل،و هذا المبلغ لا يتجاوز الدّينار (2).

في السّنة،و ربّما قيّد في المعاهدة أنّ على دافعي الجزية أن يدفعوا بمقدار استطاعتهم جزية.

و من جميع ما تقدّم ذكره يتّضح أنّ جميع ما أثير من شبهات أو إشكالات في هذا الصّدد،باطل لا اعتبار له، و يثبت أنّ هذا الحكم الإسلاميّ حكم عادل و منصف.

(5:534)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ:«الجزاء»على وجهين:

أحدهما:القضاء،كقوله: وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ الآية،في موضعين البقرة:48،123.

و الثّاني:الثّواب،كقوله: جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ السّجدة:17،و الأحقاف:14،و الواقعة:

24،و قوله: جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ فصّلت:28،و قوله: جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ القمر:14، أي جزاء لنوح بما كفروا به.(172)

الفيروزآباديّ: «الجزاء»و هو الغناء و الكفاية و المكافأة بالشّيء،و ما فيه الكفاية من المقابلة إن خيرا فخير و إن شرّا فشرّ.

و قد ورد في القرآن على ستّة أوجه:

الأوّل:بمعنى المكافأة و المقابلة وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى الليل:19،أي تقابل.

الثّاني:بمعنى الأداء و القضاء وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً البقرة:48،أي لا تقضي

ص: 555


1- نقلا عن تفسير المنار،ج 10،ص 294.
2- من المناسب أن أشير إلى أنّ المقصود بالدّينار ليس هو الدّينار المتعارف بيننا،كالدّينار العراقيّ أو الدّينار الأردنيّ أو الدّينار الكويتيّ و هلمّ جرّا،بل هو الدّينار الذّهبيّ الّذي يعادل مثقالا و نصف أو أدنى من ذلك بقليل.

و لا تؤدّي.

الثّالث:بمعنى الغنية و الكفاية وَ اخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَ لا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً لقمان:33.

الرّابع:بمعنى العوض و البدل فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ المائدة:95،أي فبدله و مبدله.

الخامس:خراج أهل الذّمّة حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ التّوبة:29.

السّادس:بمعنى ثواب الخير و الشرّ اَلْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ المؤمن:17،ثمّ يختلف:

فالجزاء على الإحسان هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ الرّحمن:60.

و جزاء السّيّئة مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ النّساء:

123، وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها الشّورى:40.

و الجزاء على شكر النّعم إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً الدّهر:22.

و جزاء الصّبر على البلاء و الابتلاء وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا الدّهر:22، إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا المؤمنون:111، يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا الفرقان:

75.

و جزاء العمل الصّالح و كسب الخيرات جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ السّجدة:17. جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ التّوبة:82.

و جزاء كسب السّيّئات و عمل المعاصي هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ النّمل:90، إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ الطّور:16.

و جزاء الورع و التّقوى كَذلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ النّحل:31.

و جزاء عداوة أهل الحقّ ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللّهِ النّارُ فصّلت:28.

و جزاء القول الباطل اَلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ الأنعام:93.

و جزاء الجامعين بين الإساءة و الإحسان ...لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى النّجم:31.

و جزاء على خزائن الخاصّ جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتُ عَدْنٍ البيّنة:8.

و جزاء عطائيّ بلا واسطة علّة و وسيلة عنديّة جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً النّبأ:36.(2:380)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجزاء،أي المكافأة؛ يقال:جزيته بما صنع أجزيه جزاء،و جازيته مجازاة و جزاء،أي كافأته،و جزيت عنك فلانا:كافأته، و أجزيت عنه:كافأت عنه.و اجتزيته:طلبت منه الجزاء.

و جزى عنّي هذا الأمر:قضى عنّي،و جزت عنك شاة و أجزت:قضت،و في الحديث:«و لا تجزي عن أحد بعدك»أي لا تقضي.و جزيت فلانا حقّه:قضيته، و تجازيت ديني على فلان:تقاضيته،فأنا متجاز، و أمرت فلانا يتجازى ديني،أي يتقاضاه.

و الجزية:خراج الأرض و ما يؤخذ من الذّمّيّ،كأنّها

ص: 556

جزت عن قتله،و الجمع:جزى و جزي.

2-و وردت«الجزية»أيضا في بعض اللّغات السّاميّة بألفاظ مختلفة،كما وردت في اللّغة الفارسيّة القديمة«الفهلويّة»بلفظ«گزيت»و«گزيت».

و قد كشفت المعالم الأثريّة في اليمن عن عراقة هذا اللّفظ و أصالته العربيّة؛إذ جاء ذكره في النّصوص المعينيّة القديمة.و لكنّ«آرثر جفري»تشبّث في «مفرداته»برأي أحد نظرائه القائل بأعجميّته،ريثما تترجم هذه النّصوص ترجمة صحيحة كما زعم،حتّى يمكن الرّكون إليها.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الفعل ماضيا(4)مرّات،و مضارعا(69) مرّة،و اسم فاعل مرّة،و اسم مصدر(42)مرّة،و اسما مرّة في«108»آية مكّيّة و مدنيّة،في أصناف شتّى من السّعداء و الأشقياء،معظمها في الآخرة،و قليل منها في الدّنيا:

جزاء الصّابرين:

1- وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً الدّهر:12

2- أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ بِما صَبَرُوا وَ يُلَقَّوْنَ فِيها تَحِيَّةً وَ سَلاماً الفرقان:75

3- إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ المؤمنون:111

جزاء الشّاكرين:

4- إِنّا أَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ حاصِباً إِلاّ آلَ لُوطٍ نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ* نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ القمر:34،35

5 و 6- وَ ما مُحَمَّدٌ إِلاّ رَسُولٌ... وَ مَنْ يَنْقَلِبْ عَلى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللّهَ شَيْئاً وَ سَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ* وَ ما كانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلاّ بِإِذْنِ اللّهِ كِتاباً مُؤَجَّلاً وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الدُّنْيا نُؤْتِهِ مِنْها وَ مَنْ يُرِدْ ثَوابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْها وَ سَنَجْزِي الشّاكِرِينَ آل عمران:144،145

جزاء المحسنين:

7- وَ أَمّا مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَ سَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً الكهف:88

8- هَلْ جَزاءُ الْإِحْسانِ إِلاَّ الْإِحْسانُ

الرّحمن:60

9- وَ الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ* لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ الزّمر:33،34

10- وَ وَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ وَ يَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنا وَ نُوحاً هَدَيْنا مِنْ قَبْلُ وَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ داوُدَ وَ سُلَيْمانَ وَ أَيُّوبَ وَ يُوسُفَ وَ مُوسى وَ هارُونَ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ

الأنعام:84

11- وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ يوسف:22

12- وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ اسْتَوى آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ القصص:14

13- سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ* إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ الصّافّات:79،80

14- وَ نادَيْناهُ أَنْ يا إِبْراهِيمُ* قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيا إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ الصّافّات:104 و 105

ص: 557

15- سَلامٌ عَلى إِبْراهِيمَ* كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ الصّافّات:109،و 110

16- سَلامٌ عَلى مُوسى وَ هارُونَ* إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ الصّافّات:120،121

17- سَلامٌ عَلى إِلْ ياسِينَ* إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ الصّافّات:130،131

18- كُلُوا وَ اشْرَبُوا هَنِيئاً بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ* إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ المرسلات:43،44

19- فَأَثابَهُمُ اللّهُ بِما قالُوا جَنّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ

المائدة:85

جزاء المتّقين:

20- جَنّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَها تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ

النّحل:31

21- قُلْ أَ ذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَ مَصِيراً الفرقان:15

22- إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً* حَدائِقَ وَ أَعْناباً* وَ كَواعِبَ أَتْراباً* وَ كَأْساً دِهاقاً* لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا كِذّاباً* جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً النّبأ:31-36

جزاء الصّادقين و المتصدّقين:

23- فَلَمّا دَخَلُوا عَلَيْهِ قالُوا يا أَيُّهَا الْعَزِيزُ مَسَّنا وَ أَهْلَنَا الضُّرُّ وَ جِئْنا بِبِضاعَةٍ مُزْجاةٍ فَأَوْفِ لَنَا الْكَيْلَ وَ تَصَدَّقْ عَلَيْنا إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ يوسف:88

24- لِيَجْزِيَ اللّهُ الصّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَ يُعَذِّبَ الْمُنافِقِينَ إِنْ شاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً الأحزاب:24

جزاء الّذين آمنوا و عملوا الصّالحات:

25- وَ ما أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاّ مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا وَ هُمْ فِي الْغُرُفاتِ آمِنُونَ سبأ:37

26- وَ مَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِناً قَدْ عَمِلَ الصّالِحاتِ فَأُولئِكَ لَهُمُ الدَّرَجاتُ الْعُلى* جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ ذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكّى

طه:75،76

27- إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ* جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها أَبَداً البيّنة:7،8

28- إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ بِالْقِسْطِ يونس:4

29- لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْكافِرِينَ الرّوم:45

30- لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ سبأ:4

الجزاء بأحسن ما كانوا يعملون:

31- وَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَحْسَنَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ

العنكبوت:7

32- وَ لا يُنْفِقُونَ نَفَقَةً صَغِيرَةً وَ لا كَبِيرَةً وَ لا يَقْطَعُونَ وادِياً إِلاّ كُتِبَ لَهُمْ لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ التّوبة:121

ص: 558

33- لِيَجْزِيَهُمُ اللّهُ أَحْسَنَ ما عَمِلُوا وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَ اللّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ النّور:38

34- لِيُكَفِّرَ اللّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَ يَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ الزّمر:35

35 و 36- ما عِنْدَكُمْ يَنْفَدُ وَ ما عِنْدَ اللّهِ باقٍ وَ لَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ* مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَياةً طَيِّبَةً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ. النّحل:96،97

جزاء الأبرار:

37- إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزاءً وَ لا شُكُوراً الدّهر:9

38- إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً الدّهر:22

جزاء المزكّين:

39- اَلَّذِي يُؤْتِي مالَهُ يَتَزَكّى* وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى الليل:18،19

جزاء المستغفرين:

40- وَ الَّذِينَ إِذا فَعَلُوا فاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَ مَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللّهُ... أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ جَنّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَ نِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ

آل عمران:136

جزاء ما كانوا يسعون و يكسبون:

41- وَ أَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى* وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى* ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى النّجم:39-41

42- إِنَّ السّاعَةَ آتِيَةٌ أَكادُ أُخْفِيها لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى طه:15

43- وَ تَرَى الْمُجْرِمِينَ يَوْمَئِذٍ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفادِ* لِيَجْزِيَ اللّهُ كُلَّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ إبراهيم:51

44- سَيَحْلِفُونَ بِاللّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ التّوبة:95

45- قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيّامَ اللّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ التّوبة:95

45- قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيّامَ اللّهِ لِيَجْزِيَ قَوْماً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ الجاثية:14

46- فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلافَ رَسُولِ اللّهِ وَ كَرِهُوا أَنْ يُجاهِدُوا...* فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلاً وَ لْيَبْكُوا كَثِيراً جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ التّوبة:82

47- وَ ذَرُوا ظاهِرَ الْإِثْمِ وَ باطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ

الأنعام:120

48- وَ خَلَقَ اللّهُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَ لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ

الجاثية:22

49- وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا نَكالاً مِنَ اللّهِ وَ اللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ المائدة:38

50- اَلْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ لا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ المؤمن:17

51- ثُمَّ قِيلَ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ذُوقُوا عَذابَ الْخُلْدِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ يونس:52

جزاء ما كانوا يعملون.

ص: 559

52- وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَكُبَّتْ وُجُوهُهُمْ فِي النّارِ هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ النّمل:90

53- فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً وَ لا تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ يس:54

54- إِنَّكُمْ لَذائِقُوا الْعَذابِ الْأَلِيمِ* وَ ما تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ الصّافّات:38،39

55- اِصْلَوْها فَاصْبِرُوا أَوْ لا تَصْبِرُوا سَواءٌ عَلَيْكُمْ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ الطّور:16

56- يا أَيُّهَا الَّذِينَ كَفَرُوا لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ التّحريم:7

57- وَ تَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ الجاثية:28

58- وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ

الأعراف:147

59- وَ لِلّهِ الْأَسْماءُ الْحُسْنى فَادْعُوهُ بِها وَ ذَرُوا الَّذِينَ يُلْحِدُونَ فِي أَسْمائِهِ سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ

الأعراف:180

60- ...وَ جَعَلْنَا الْأَغْلالَ فِي أَعْناقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ سبأ:33

61- أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَنَّةِ خالِدِينَ فِيها جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ الأحقاف:14

62- وَ حُورٌ عِينٌ* كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ* جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ الواقعة:22-24

63- فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ السّجدة:17

جزاء ما كانوا يصدفون:

64- ...فَقَدْ جاءَكُمْ بَيِّنَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنْ كَذَّبَ بِآياتِ اللّهِ وَ صَدَفَ عَنْها سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ بِما كانُوا يَصْدِفُونَ الأنعام:157

جزاء المجرمين:

65- إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ

الأعراف:40

66- وَ لَقَدْ أَهْلَكْنَا الْقُرُونَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَمّا ظَلَمُوا وَ جاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّناتِ وَ ما كانُوا لِيُؤْمِنُوا كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ يونس:13

67- تُدَمِّرُ كُلَّ شَيْءٍ بِأَمْرِ رَبِّها فَأَصْبَحُوا لا يُرى إِلاّ مَساكِنُهُمْ كَذلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ الأحقاف:25

جزاء الظّالمين:

68- لَهُمْ مِنْ جَهَنَّمَ مِهادٌ وَ مِنْ فَوْقِهِمْ غَواشٍ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ الأعراف:41

69- قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ يوسف:75

70- وَ مَنْ يَقُلْ مِنْهُمْ إِنِّي إِلهٌ مِنْ دُونِهِ فَذلِكَ نَجْزِيهِ جَهَنَّمَ كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ الأنبياء:29

71- كَمَثَلِ الشَّيْطانِ إِذْ قالَ لِلْإِنْسانِ اكْفُرْ... فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النّارِ خالِدَيْنِ فِيها وَ ذلِكَ جَزاءُ الظّالِمِينَ الحشر:16،17

72- إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النّارِ وَ ذلِكَ جَزاءُ الظّالِمِينَ المائدة:29

ص: 560

72- إِنِّي أُرِيدُ أَنْ تَبُوءَ بِإِثْمِي وَ إِثْمِكَ فَتَكُونَ مِنْ أَصْحابِ النّارِ وَ ذلِكَ جَزاءُ الظّالِمِينَ المائدة:29

جزاء المفترين:

73- إِنَّ الَّذِينَ اتَّخَذُوا الْعِجْلَ سَيَنالُهُمْ غَضَبٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَ ذِلَّةٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُفْتَرِينَ

الأعراف:152

74- وَ قالُوا هذِهِ أَنْعامٌ وَ حَرْثٌ حِجْرٌ لا يَطْعَمُها إِلاّ مَنْ نَشاءُ بِزَعْمِهِمْ وَ أَنْعامٌ حُرِّمَتْ ظُهُورُها... سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ الأنعام:138

جزاء المسرفين:

75- وَ كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ أَسْرَفَ وَ لَمْ يُؤْمِنْ بِآياتِ رَبِّهِ وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَ أَبْقى طه:127

جزاء المستكبرين و الفاسقين:

76- ...وَ لَوْ تَرى إِذِ الظّالِمُونَ فِي غَمَراتِ الْمَوْتِ وَ الْمَلائِكَةُ باسِطُوا أَيْدِيهِمْ أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَ كُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ الأنعام:93

77- وَ يَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النّارِ أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا وَ اسْتَمْتَعْتُمْ بِها فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ بِما كُنْتُمْ تَفْسُقُونَ الأحقاف:20

جزاء المسيئين:

78- فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ فصّلت:27

79- وَ الَّذِينَ كَسَبُوا السَّيِّئاتِ جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها... أُولئِكَ أَصْحابُ النّارِ هُمْ فِيها خالِدُونَ

يونس:27

80- لَيْسَ بِأَمانِيِّكُمْ وَ لا أَمانِيِّ أَهْلِ الْكِتابِ مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ وَ لا يَجِدْ لَهُ مِنْ دُونِ اللّهِ وَلِيًّا وَ لا نَصِيراً النّساء:123

جزاء الحسنة و السّيّئة:

81- مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ

الأنعام:160

82- مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزَى الَّذِينَ عَمِلُوا السَّيِّئاتِ إِلاّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ القصص:84

83- وَ لِلّهِ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ أَساؤُا بِما عَمِلُوا وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى

النّجم:31

84- وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها فَمَنْ عَفا وَ أَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللّهِ إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ

الشّورى:40

85- مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها وَ مَنْ عَمِلَ صالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثى وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ المؤمن:40

جزاء القاتلين:

86- وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ وَ أَعَدَّ لَهُ عَذاباً عَظِيماً. النّساء:93

جزاء الكافرين:

87- كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ... أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ آل عمران:87

ص: 561

87- كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ... أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ آل عمران:87

88- وَ اقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَ أَخْرِجُوهُمْ مِنْ حَيْثُ أَخْرَجُوكُمْ وَ... فَإِنْ قاتَلُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ كَذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ البقرة:191

89- ثُمَّ أَنْزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلى رَسُولِهِ وَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ وَ أَنْزَلَ جُنُوداً لَمْ تَرَوْها وَ عَذَّبَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ذلِكَ جَزاءُ الْكافِرِينَ التّوبة:26

90- تَجْرِي بِأَعْيُنِنا جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ القمر:14

91- فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ* ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَ هَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ

سبأ:16،17

92- وَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ نارُ جَهَنَّمَ لا يُقْضى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَ لا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذابِها كَذلِكَ نَجْزِي كُلَّ كَفُورٍ فاطر:36

جزاء الطّاغين:

93- إِنَّ جَهَنَّمَ كانَتْ مِرْصاداً* لِلطّاغِينَ مَآباً* لابِثِينَ فِيها أَحْقاباً* لا يَذُوقُونَ فِيها بَرْداً وَ لا شَراباً* إِلاّ حَمِيماً وَ غَسّاقاً* جَزاءً وِفاقاً النّبأ:21-26

جزاء الباغين:

94- وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ شُحُومَهُما إِلاّ ما حَمَلَتْ ظُهُورُهُما أَوِ الْحَوايا أَوْ مَا اخْتَلَطَ بِعَظْمٍ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَ إِنّا لَصادِقُونَ الأنعام:146

جزاء الّذين يحاربون اللّه و رسوله:

95- إِنَّما جَزاءُ الَّذِينَ يُحارِبُونَ اللّهَ وَ رَسُولَهُ وَ يَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَساداً أَنْ يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ مِنْ خِلافٍ أَوْ يُنْفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابٌ عَظِيمٌ

المائدة:33

جزاء من جحد أو كفر بآيات اللّه.

96- ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللّهِ النّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ فصّلت:28

97- ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَ قالُوا أَ إِذا كُنّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً

الإسراء:98

98- أُولئِكَ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ...* ذلِكَ جَزاؤُهُمْ جَهَنَّمُ بِما كَفَرُوا وَ اتَّخَذُوا آياتِي وَ رُسُلِي هُزُواً

الكهف:105،106

99- ثُمَّ أَنْتُمْ هؤُلاءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ وَ تُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِنْكُمْ مِنْ دِيارِهِمْ تَظاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِالْإِثْمِ وَ الْعُدْوانِ وَ إِنْ يَأْتُوكُمْ أُسارى تُفادُوهُمْ وَ هُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْراجُهُمْ أَ فَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتابِ وَ تَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَما جَزاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذلِكَ مِنْكُمْ إِلاّ خِزْيٌ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ يُرَدُّونَ إِلى أَشَدِّ الْعَذابِ وَ مَا اللّهُ بِغافِلٍ عَمّا تَعْمَلُونَ البقرة:85

جزاء من تبع الشّيطان:

100- قالَ اذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً الإسراء:63

يوم لا يجزى نفس عن نفس:

101- وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَ لا يُقْبَلُ مِنْها شَفاعَةٌ وَ لا يُؤْخَذُ مِنْها عَدْلٌ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ البقرة:123

ص: 562

102- وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً وَ لا يُقْبَلُ مِنْها عَدْلٌ وَ لا تَنْفَعُها شَفاعَةٌ وَ لا هُمْ يُنْصَرُونَ.

البقرة:48

103- يا أَيُّهَا النّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَ اخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَ لا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً إِنَّ وَعْدَ اللّهِ حَقٌّ فَلا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا وَ لا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللّهِ الْغَرُورُ لقمان:33

جزاء المشرّعين:

104- وَ قالُوا ما فِي بُطُونِ هذِهِ الْأَنْعامِ خالِصَةٌ لِذُكُورِنا وَ مُحَرَّمٌ عَلى أَزْواجِنا وَ إِنْ يَكُنْ مَيْتَةً فَهُمْ فِيهِ شُرَكاءُ سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ إِنَّهُ حَكِيمٌ عَلِيمٌ.

الأنعام:139

جزاء الزّنى و السّرقة في مصر:

105- وَ اسْتَبَقَا الْبابَ وَ قَدَّتْ قَمِيصَهُ مِنْ دُبُرٍ وَ أَلْفَيا سَيِّدَها لَدَى الْبابِ قالَتْ ما جَزاءُ مَنْ أَرادَ بِأَهْلِكَ سُوءاً إِلاّ أَنْ يُسْجَنَ أَوْ عَذابٌ أَلِيمٌ يوسف:25

106- قالُوا تَاللّهِ لَقَدْ عَلِمْتُمْ ما جِئْنا لِنُفْسِدَ فِي الْأَرْضِ وَ ما كُنّا سارِقِينَ* قالُوا فَما جَزاؤُهُ إِنْ كُنْتُمْ كاذِبِينَ* قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ كَذلِكَ نَجْزِي الظّالِمِينَ يوسف:73-71

جزاء الصّيد من الحرم:

107- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَ أَنْتُمْ حُرُمٌ وَ مَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّداً فَجَزاءٌ مِثْلُ ما قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ... المائدة:95

الجزية:

108- قاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ لا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لا يُحَرِّمُونَ ما حَرَّمَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ وَ لا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ. التّوبة:29

و يلاحظ أوّلا:أنّ الماضي جاء(4)مرّات موزّعة بين الدّنيا و الآخرة سواء:فاثنتان منها:(1 و 3)في جزاء الصّابرين في الآخرة و الآخرة مستقبلة قهرا،فيخطر بالبال أنّ الماضي فيهما بمعنى المستقبل،اعتبارا للأمر المحقّق الوقوع في المستقبل واقعا بالفعل،تأكيدا على صدقه،و هذا الوجه جار في(1)فقط،لأنّ سياقها في وصف الأبرار يوم القيامة إِنّا نَخافُ مِنْ رَبِّنا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً* فَوَقاهُمُ اللّهُ شَرَّ ذلِكَ الْيَوْمِ وَ لَقّاهُمْ نَضْرَةً وَ سُرُوراً* وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا جَنَّةً وَ حَرِيراً أمّا الثّانية فحكاية حوار بين اللّه و أهل النّار يوم القيامة كما يأتي:

و اثنتان منها:(91 و 94)حكاية ما جرى على قوم سبأ و اليهود:

ففي الأوّل: لَقَدْ كانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آيَةٌ [إلى أن قال:] ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا... فجزاهم اللّه بكفرهم بإرسال السّيل العرم عليهم،و تبديلهم بجنّتين ذوات أكل خمط...

و في الثّانية: وَ عَلَى الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا كُلَّ ذِي ظُفُرٍ وَ مِنَ الْبَقَرِ وَ الْغَنَمِ حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ... ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ و فيها بحوث:

1-خصّ الماضي في(1)و(3)بجزاء الصّابرين بالحسنى،ففي(1)جزاهم جنّة و حريرا متّكئين على الأرائك...ممّا دلّت على السّكون و الاطمئنان و الرّاحة

ص: 563

و طيب العيش في آيات متوالية،و هي جزاء الأبرار الّذين عملوا أعمالا صالحة،كالوفاء بالنّذر و إطعام الطّعام مسكينا و يتيما و أسيرا،و غيرها،إلاّ أنّ الجزاء في الآية موقوف على الصّبر،أي أنّ جملة أعمالهم الصّالحة اللاّتي شكّلت منهم جماعة الأبرار ترجع إلى صبرهم على فعل الطّاعات و ترك المعاصي،فالصّبر رأس الطّاعات و دعامتها.لاحظ:الأبرار و الصّابرين في«ب ر ر» و«ص ب ر».

و أمّا(3)فجاء في حوار من اللّه مع الكفّار إِنَّهُ كانَ فَرِيقٌ مِنْ عِبادِي يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنّا فَاغْفِرْ لَنا وَ ارْحَمْنا وَ أَنْتَ خَيْرُ الرّاحِمِينَ* فَاتَّخَذْتُمُوهُمْ سِخْرِيًّا حَتّى أَنْسَوْكُمْ ذِكْرِي وَ كُنْتُمْ مِنْهُمْ تَضْحَكُونَ* إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ فركّز من بين أعمالهم صبرهم عليها،و لا سيّما على سوء اتّخاذهم سخريّة من قبل أعدائهم،فيبدو أنّ صبرهم على هذا أشدّ من صبرهم على أعمالهم الصّالحة،فأوقف جزاءهم على صبرهم عليه.

2-جاء الفعل في(1)بصيغة الغائب وَ جَزاهُمْ بِما صَبَرُوا و في(3)بصيغة المتكلّم وحده تعطّفا بهم إِنِّي جَزَيْتُهُمُ الْيَوْمَ بِما صَبَرُوا مؤكّدا ب(إنّى)مزيدا في إكرامهم،و مقابلة لما نالهم من الهوان بسبب السّخريّة و الضّحك من قبل أعدائهم،فإنّها تدعو إلى جزاء الإهانة بالإكرام،و العداء بالولاء.

3-ذكر(اليوم)في(3)و هو مراد في(1)أيضا، تسجيلا على تحقّق إكرامهم و جزاءهم في ذلك اليوم، و هذا بدوره يزيد في الإكرام أيضا.

4-ذيّل الجزاء في(3)بقوله: أَنَّهُمْ هُمُ الْفائِزُونَ بصيغة الحصر الّتي تنبئ عن بلوغ الجزاء أوجه،و نهايته.

5-جاء جزاء الصّابرين بأحسن أعمالهم مؤكّدا بالقسم و نون التّأكيد في(35) وَ لَنَجْزِيَنَّ الَّذِينَ صَبَرُوا أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ ما كانُوا يَعْمَلُونَ و هذا ينبئ أيضا عن بلوغ الجزاء نهايته،و سنتداولها بالبحث،و كلّ هذه راجعة إلى جزاء الصّابرين الفائزين بصيغة الماضي.أمّا جزاء الباغين الخاسرين بهذه الصّيغة فكما يأتي:

1-جزى اللّه في(91)و(94)كلاّ من قوم سبأ و اليهود بسلب نعمائهم في حياتهم الدّنيا،تسجيلا على توغّلهم في الرّكون إلى الدّنيا و ما فيها:سبأ بسلب جنّتيهم اللّتين كانوا يرزقون من ثمارهما،و اليهود بتحريم ما كانوا يشتهون من اللّحوم عليهم.

فلمّا كانت رذيلة هؤلاء في بطونهم فعاقبهم اللّه و جزاهم بما يرجع إلى بطونهم جزاء وفاقا.

2-جاء في جزاء سبأ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَ هَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ و سياق الآيات قبلها ظاهر في إرادة الكفران منها دون الكفر-كما قيل-فإنّهم لم يشكروا ما رزقهم اللّه؛حيث قال: كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَ اشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَ رَبٌّ غَفُورٌ* فَأَعْرَضُوا...

أمّا اليهود فجزاهم ببغيهم إذ كانوا قوما باغين،و من جملة بغيهم:تكذيبهم ما أخبر به النّبيّ ممّا حرّم اللّه عليهم؛حيث قال: جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ وَ إِنّا لَصادِقُونَ فَإِنْ كَذَّبُوكَ... فقد جمعت الفريقين رذيلة الكفر و الكفران و رفض الشّكر و الإيمان.

ص: 564

3-بالغ اللّه في جزاء الفريقين بصيغة واحدة،و هي (جزيناهم)بضمير الجمع(نا)الدّالّ على عظم الجرم و الاهتمام بالجزاء،مع فارق بينهما بأمرين:

الأوّل:قال في الأولى: جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا دون (كفرهم)،و في الثّانية جَزَيْناهُمْ بِبَغْيِهِمْ دون(بما بغوا)و مرجعهما واحد،إلاّ أنّ الفعل أو فى بالمراد من المصدر.

الثّاني:ذيّل الأولى ب هَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ و هذه بما فيها من الاستفهام الإنكاريّ أو التّقريريّ، و تكرار الجزاء و(الكفران)بلفظي(نجازى)و(الكفور) أبلغ و أوفى بالمقصود أيضا،و اكتفى في الثّانية ب وَ إِنّا لَصادِقُونَ.

ثانيا:جاءت في«جزاء الشّاكرين»ثلاث آيات (4-6)بفارق بينها:ففي(4)بشأن آل لوط بأسلوب بالغ في الجزاء نَجَّيْناهُمْ بِسَحَرٍ* نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنا كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ فعبّر اللّه عن نفسه بصيغة الجمع ثلاث مرّات:(نا)مرّتين،و(نجزى)مرّة،مع الجمع بين(النّجاة و النّعمة)و(عندنا)و(الجزاء)و إضافة إلى التّركيز كقانون قوله:(من شكر)و هو أوفى و أعمّ من(الشّاكرين).و هذه خاصّة بجزاء الدّنيا.

أمّا في(5 و 6)فجاء بشأن من آمن بالنّبيّ محمّد عليه السّلام وَ سَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ و وَ سَنَجْزِي الشّاكِرِينَ مع(سين)الاستعجال فيهما و بصيغة الغيبة في الأولى، و المتكلّم جمعا في الثّانية.و التّكرار بصيغتين فيهما و إن أكّد الجزاء إلاّ أنّه لا يبلغ مبلغ التّأكيد في(4)،و مع ذلك فإنّهما ظاهرتان في جزاء الآخرة،و إن احتملتا الدّارين:

الدّنيا و الآخرة معا.

ثالثا:جاء:جزاء الحسنى،و الإحسان،و المحسنين في «13»آية:(7-19)و فيها بحوث:

1-جاء في(7) وَ أَمّا مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى وَ سَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنا يُسْراً فركّز لمن آمن و عمل صالحا جزاء الحسنى مع القول له(يسرا) و لم يذكر فيها يوم القيامة،فالجزاء فيها يعمّ الدّنيا و الآخرة،و إن يشعر(سنقول)بما يقوله لهم في الآخرة.

و هذه خاصّة بجزاء الحسنى،دون جزاء الإحسان.

2-و قد أتى في(8)بقانون عامّ في«جزاء الإحسان» و هو أنّ جزاء الإحسان ليس إلاّ الإحسان،مؤكّدا له بأسلوب الاستفهام التّقريريّ،و تعميما للدّنيا و الآخرة،كأنّه حقّ طبيعيّ للإحسان،و للمحسنين.

[لاحظ نصّ الفخر الرّازيّ في هذه الآية]

3-جاء جزاء المحسنين«11»مرّة ففي(9): وَ الَّذِي جاءَ بِالصِّدْقِ وَ صَدَّقَ بِهِ أُولئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ* لَهُمْ ما يَشاؤُنَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ.

فركّز أوّلا:في سياق الحصر مبالغة:أنّهم هم المتّقون.

و ثانيا:أنّ لهم ما يشاءون بإيكال الجزاء بحسب ما يشاءون.و هذا توسيع و تكريم بالغ لهم.

و ثالثا:أنّ جزاءهم مضمون لهم عند ربّهم الّذي ربّاهم،و أنعم عليهم في حياتهم الدّنيا.و هذا ضمان مقرون يشاهد.

و رابعا:أكّدها بإعطاء قانون عامّ،و هو أنّ ذلك جزاء المحسنين بدل«ذلك جزاءهم»،فصرّح بأنّ هؤلاء محسنون،و أنّ ذلك جزاء المحسنين.و قد جمع اللّه فيها بين

ص: 565

الصّدق و التّصديق و التّقوى.و أتمّها بما هو أهمّ و أعمّ منها،و هو أنّهم محسنون،و أنّ جزاءهم كان على إحسانهم،لأنّه نتيجة تلك الخصال و جماعها.

4-و جاء في 8 آيات:(10-17)جزاء المحسنين بما وهب اللّه من النّبوّة و الحكم جملة من الأنبياء عليهم السّلام، ابتداء بنوح و إبراهيم و إسحاق و يعقوب و ذرّيّتهم إلى موسى و هارون إلى داود و سليمان و أيّوب و يوسف و إلياس،تركيزا على أمور:

الأوّل:ذكر نوحا في عداد المحسنين مرّتين:في (10 و 13)،و إبراهيم ثلاث مرّات(10 و 14 و 15)، و موسى و هارون معا مرّتين(10 و 16)،و موسى وحده مرّة(12)،و ذكر غيرهم من الأنبياء،كلّ واحد مرّة خلال الآيات،حسب مراتبهم عنده.

الثّاني:أنّ خمسا من الآيات(13-17)جاءت في سورة الصّافّات بسياق واحد،و هو ابتداؤها ب(سلام على)إلاّ في(14)لأنّها نداء و ليست بسلام،و تذييلها ب إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ -إلاّ في(15)ففيها (كذلك...)بدون(إنّا)اعتمادا على ما قبلها.

الثّالث:جاء في(13)بشأن نوح سَلامٌ عَلى نُوحٍ فِي الْعالَمِينَ دون غيرها،و لعلّه باعتبار أنّ نوحا هو آدم الثّاني،و أنّه بعد آدم أب للعالمين جميعا.

الرّابع:جاء في(11) وَ لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْناهُ حُكْماً وَ عِلْماً بشأن يوسف،و لَمّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ اسْتَوى بشأن موسى بزيادة(و استوى)الدّالّ على زيادة رشده،و معلوم أنّ مبلغ أشدّهما يختلف مدّة،كما يبدو من قصصهما في القرآن.و قد جاء في مدّة استكمال الإنسان على العموم. حَتّى إِذا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَ بَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً الأحقاف:15،لكنّهما أوتيا حكما و علما قبل بلوغ الأربعين.

5-جاء في(18 و 19)جزاء المحسنين في الآخرة بنفس السّياقين إِنّا كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ و ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ، و سنتكلّم في الإحسان و أحسن ما كانوا يعملون.

رابعا:جاء(جزاء المتّقين)في ثلاث آيات(20 -22)و كلّها في الجنّة باختلاف:فعلا و مصدرا:

ففي(20) لَهُمْ فِيها ما يَشاؤُنَ كَذلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ، و في(21) أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كانَتْ لَهُمْ جَزاءً وَ مَصِيراً، و(22) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفازاً... لا يَسْمَعُونَ فِيها لَغْواً وَ لا كِذّاباً* جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً، لاحظ«و ق ي»:متّقين.

خامسا:و جاء في(23)جزاء المتصدّقين بشأن يوسف حيال إخوته،لكنّ الجزاء عامّ إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ، و كذلك جزاء الصّادقين في(24) لِيَجْزِيَ اللّهُ الصّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ فتعطيان قانونا عامّا شاملا جزاء الدّنيا و الآخرة،و هما مشتركان في صيغة المضارع الغائب المشعر بالاستمرار و الدّوام.إلاّ أنّ الأولى جاءت جملة اسميّة مؤكّدة إِنَّ اللّهَ يَجْزِي...، و الثّانية جملة فعليّة لِيَجْزِيَ اللّهُ فيبدو أنّ التّصدّق أفضل من الصّدق،مع وحدة المادّة،و اختلاف المعنى بينهما.

سادسا:جاء الإيمان مع العمل الصّالح فيما يقرب من (53)آية-لاحظ:«أ م ن»،و«ع م ل»-لكن ما جاء

ص: 566

منها مع(الجزاء)ثلاث صور:

الأولى:من آمن و عمل صالحا أو صالحات«6» مرّات:(25-30)و كلّها جزاء الآخرة بأساليب متفاوتة شدّة و خفّة،و جملة اسميّة أو فعليّة:

فالاسميّة في ثلاث:(25): فَأُولئِكَ لَهُمْ جَزاءُ الضِّعْفِ بِما عَمِلُوا، و(26): وَ ذلِكَ جَزاءُ مَنْ تَزَكّى، و(27): جَزاؤُهُمْ عِنْدَ رَبِّهِمْ جَنّاتُ عَدْنٍ....

و الفعليّة بسياق واحد في ثلاث أيضا:(28-30):

لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ بتفاوت فيها بألفاظ(بالقسط)و(من فضله)أو ما قارنهما صدرا و ذيلا من الخير.

الثّانية:جزاؤهم بأحسن ما كانوا يعملون(6)مرّات أيضا:(31-36)بسياقين متساويين عددا كلّ واحد ثلاث مرّات أيضا:ففي(31-33):«يجزيهم أحسن ما،»و في(34-36):«يجزيهم أجرهم باحسن ما» بزيادة:«أجرهم و الباء».

و فيها فرق آخر:ففي أكثرها(أحسن ما-أو الّذي- كانوا يعملون)ممّا دلّ على أنّ اللّه يجزيهم،بأحسن أعمالهم الّتي داوموا عليها،و في(33):(أحسن ما عملوا)،و ليست صريحة في الاستمرار.

الثّالثة:الجزاء بما كانوا يعملون بتفاوت غيبة و خطابا،و شدّة و خفّة للفريقين(12)مرّة بإزاء(12) مرّة في الصّورتين الأولى و الثّانية،فلأهل النّار(9)مرّات (52-60)،و لأهل الجنّة(3)مرّات-أي ثلث أهل النّار -:(61-63).و أشدّها ثلاث:(58-60) هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ بالاستفهام الإقراريّ، بإعطاء قانون طبيعيّ،كما سبق.

سابعا:جاء في(11)آية:(41-51)بدل(العمل) (السّعي)،أو(الكسب)أو(الاقتراف):ففي(41) لَيْسَ لِلْإِنْسانِ إِلاّ ما سَعى* وَ أَنَّ سَعْيَهُ سَوْفَ يُرى* ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى، و في(42) لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى ففي الأولى الجزاء هو نفس السّعي،و في الثّانية الجزاء بسبب ما يسعى،و الأولى أبلغ.

و جاء في(38) إِنَّ هذا كانَ لَكُمْ جَزاءً وَ كانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُوراً و هي قد جمعت بين الأمرين،أي الجزاء نفس السّعي و بسببه،و كلّها لأهل الجنّة،و أمّا آيات الاقتراف و الكسب فكلّها لأهل النّار،بتفاوت شدّة و خفّة،و اسميّة و فعليّة أيضا:فجاء في(47):

إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ جمعت بين الكسب و الاقتراف،و في الباقي بِما كانُوا يَكْسِبُونَ و نحوها بدون الاقتراف، و أشدّها(51) هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ.

و استثنيت منها الآية(49)فهي تشريع لجزاء السّارق في الدّنيا،لاحظ:«س ع ي»،و«ق ر ف»، و«ك س ب»و«س ر ق».

ثامنا:جاء في(81-85)جزاء الحسنة و السّيّئة معا.و فيها بحوث:

1-جزاء السّيّئة مثلها لا يزيد عليها:ففي(81 و 85) مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ أو مَنْ عَمِلَ سَيِّئَةً فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها و في(84) وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها و في(79) جَزاءُ سَيِّئَةٍ بِمِثْلِها و في(82 و

ص: 567

83)و غيرها من الآيات أنّ جزاءهم يكون حسب عملهم،و أنّهم لا يظلمون بتضاعف عذابهم،و في(80) مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ.

2-و جاء في(78)في جماعة من المشركين الّذين كانوا يلغون في استماع القرآن: فَلَنُذِيقَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا عَذاباً شَدِيداً وَ لَنَجْزِيَنَّهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ أي أنّهم يعذّبون بأسوء أعمالهم،و ليس معناه أنّ كلّ سيّئة لهم تجزى بأسوء ما عملوا.

3-و جاء في(81) مَنْ جاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثالِها و في(82) فَلَهُ خَيْرٌ مِنْها، و في يونس:26 لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنى وَ زِيادَةٌ، و في(33):

وَ يَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ، و في(83): وَ يَجْزِيَ الَّذِينَ أَحْسَنُوا بِالْحُسْنَى.

و لا اختلاف بينها إلاّ بالإجمال و التّفصيل ابتداء بالحسنى ثمّ بالحسنى و زيادة.ثمّ بخير منها،ثمّ بعشر أمثالها.فجزاء الحسنة بعشر أمثالها هي تفصيل لما قبلها، لكنّها قد تتضاعف بأكثر من العشر،كما جاء في جزاء الإنفاق: مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَ اللّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ البقرة:261، و جاء في(85)-و مثلها كثير- يُرْزَقُونَ فِيها بِغَيْرِ حِسابٍ، أو(بما يشاءون).

عاشرا:جاءت آيات في جزاء الأبرار و المستغفرين و المزكّين لأهل الجنّة،و آيات في جزاء أهل النّار من الّذين يصدفون عن آيات اللّه،و المجرمين،و الظّالمين، و المفترين،و المسرفين،و المستكبرين،و الفاسقين، و المسيئين،و القاتلين،و الكافرين،و الباغين،و من جحد أو كفر بآيات اللّه،و من اتّبع الشّيطان، و المشرّعين،و جزاء الزّنى و السّرقة،و غيرها بأساليب مختلفة نكل البحث فيها إلى لغاتها،و نكتفي هنا بأمور شاملة و جامعة للجزاء:

1-ينقسم الجزاء في الآيات إلى:خير و شرّ،حسب انقسام النّاس إلى صالح و طالح،و مؤمن و كافر،و مطيع و فاسق،و إلى جزاء الدّنيا و الآخرة تشريعا و غير تشريع،حسب هذا الجدول:

الخير و الشّرّ معا(8)آيات:24،44،45،(81- 85).

الخير وحده:(46)آية:(1-8)،(10-22)،(25 -41)،(61،62،63).

الشّرّ وحده:(57)آية:(43-60)،(64-80)، (86-107)فالشّرّ-مع الأسف-غلب الخير بما يقرب من الضّعف.

الجزاء في الدّنيا و الآخرة(8)آيات:(8،23،24، 42،43،48،50،99).

الجزاء في الآخرة(89)آية:(1،2،3)،(5-9)، (18-22)،(25-40)،(43-68)،(70-103).

الجزاء في الدّنيا(18)آية:منها تشريع،و هي:

(49،86،88،94،104-107)،و غير التّشريع عشر و هي(4،10-17،89)فجزاء الآخرة أضعاف جزاء الدّنيا.

و آيات التّشريع نوعان:(4)منها ما شرّعه النّاس و هي:(69،105،106)-و قد جاءت في قصّة يوسف-

ص: 568

(104)و هي ما شرّعه المشركون،و الأربع الباقية تشريع اللّه في مواضيع مختلفة،فلاحظ.

2-(79)آية منها مكّيّ،و(29)مدنيّ،فكان التّرغيب و التّرهيب في مكّة أكثر من المدينة،لأنّ أهلها كانوا أشدّ كفرا و عنادا للحقّ،و كانوا يقاومون الإسلام 13 عاما قبل الهجرة،و سبعا بعدها.

3-أكّد اللّه في آيات بأنّ النّاس لا يجزون إلاّ ما عملوا أو سعوا أو كسبوا-و قد بحثنا فيها-و أضاف إليها في آيات بأنّه يعمل فيهم بالقسط و أنّهم لا يظلمون ففي (28) لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ بِالْقِسْطِ، و في(48) وَ لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ و في(50)(لا ظلم اليوم)،و في(53) فَالْيَوْمَ لا تُظْلَمُ نَفْسٌ شَيْئاً و في(81) وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ و في(84) وَ جَزاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُها.. .إِنَّهُ لا يُحِبُّ الظّالِمِينَ و في(93) جَزاءً وِفاقاً.

4-و من مظاهر قسطه في«الجزاء»أنّ أحدا لا يجزى عن غيره:ففي(101 و 102) وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً، و في(103) وَ اخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَ لا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً.

5-و من مظاهر رحمته على المؤمنين أنّه جعل جزاء من عمل السّيّئات المغفرة،ففي(40) جَزاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ، و في(30) أُولئِكَ لَهُمْ مَغْفِرَةٌ، و في(31) لَنُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئاتِهِمْ، و في(34) لِيُكَفِّرَ اللّهُ عَنْهُمْ أَسْوَأَ الَّذِي عَمِلُوا وَ يَجْزِيَهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ الَّذِي كانُوا يَعْمَلُونَ فجمع بين التّكفير عنهم أسوء أعمالهم، و جزائهم بأحسن ما عملوا.

6-و من مظاهر غضبه على الكفّار حبط أعمالهم، ففي(58) وَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ لِقاءِ الْآخِرَةِ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ لاحظ«ح ب ط».

و أنّ عذاب الآخرة أشدّ و أبقى من عذاب الدّنيا،كما قال في(75): وَ لَعَذابُ الْآخِرَةِ أَشَدُّ وَ أَبْقى.

و أنّه يعذّبهم عذاب الهون و لا سيّما المستكبرين، فإنّهم يطلبون العظمة فيجزون الهون،ففي(76) اَلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَ كُنْتُمْ عَنْ آياتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ، و في(77) فَالْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ بِما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ فِي الْأَرْضِ.

و أنّ عذرهم لا يسمع،ففي(56) لا تَعْتَذِرُوا الْيَوْمَ إِنَّما تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ.

و أنّ من جملة جزاء القاتل متعمّدا اللّعنة و الغضب، ففي(86) وَ مَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِناً مُتَعَمِّداً فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِداً فِيها وَ غَضِبَ اللّهُ عَلَيْهِ وَ لَعَنَهُ، و فيمن كفروا بعد إيمانهم أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ.

7-بين مادّة جزي و أجر مناسبات سبقت في«أ ج ر» و من جملتها أنّ أكثر هاتين المادّتين جاءتا في عجز الآيات،فلاحظ.

8-قد ذكر أصحاب«الوجوه و النّظائر»وجوها كثيرة في معنى«الجزاء»،و هي واحدة مفهوما،و متعدّدة مصداقا،و أنّهم كثيرا ما خلطوا بين المصداق و المفهوم في

ص: 569

لغات القرآن،فلاحظ.

الحادي عشر:تقدّم في صدر البحث أنّ المضارع جاء(69)مرّة فأعلم أنّ(46)منها معلوم و(23)منها مجهول.أمّا المعلوم ف(22)متكلّم جمعا(نجزى)و(10) منها غائب(يجزى اللّه)أو(اللّه يجزى)كلّهما بدون تسويف،و(7)منها معلوما و مجهولا مع التّسويف (سيجزي اللّه أو سنجزى أو سيجزون).

و لكلّ من المعلوم و المجهول و التّسويف و غيره وجه نبيّنها على سبيل المثال:فقد جاء في(10-18)بشأن المحسنين، وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ سياقا واحدا بصيغة الجمع المتكلّم معلوما بدون تسويف،لأنّها تتصدّى بيان جزاء المحسنين في الدّنيا جزاء محترما مقارنا بالتّكريم و التّعظيم.

أمّا(20)فجاء بشأن المتّقين كَذلِكَ يَجْزِي اللّهُ الْمُتَّقِينَ، و في(23)بشأن المتصدّقين إِنَّ اللّهَ يَجْزِي الْمُتَصَدِّقِينَ، و في(24)بشأن الصّادقين لِيَجْزِيَ اللّهُ الصّادِقِينَ كلّها بصيغة الغائب مسندا إلى (اللّه).

و جاءت في(4،5،6)بشأن الشّاكرين ثلاث صيغ: كَذلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ و سَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ و سَنَجْزِي الشّاكِرِينَ، و من ذلك نعلم أنّ حال الشّاكرين و المحسنين أعلى عند اللّه من المتّقين و الصّادقين و المتصدّقين و لكلّ فضل،و أنّ الشّاكرين خصّوا بثلاثة أساليب غيبة مع التّسويف،و متكلّما جمعا مع التّسويف و بدونه،و لعلّ اختلاف الصّيغ كان بحسب اختلاف درجات الشّاكرين.

أمّا المجهول ففي(2) أُوْلئِكَ يُجْزَوْنَ الْغُرْفَةَ، و(39) وَ ما لِأَحَدٍ عِنْدَهُ مِنْ نِعْمَةٍ تُجْزى، و(41) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى، و(42) لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما تَسْعى، و(48) لِتُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ، و(50) اَلْيَوْمَ تُجْزى كُلُّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ، و(51) هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاّ بِما كُنْتُمْ تَكْسِبُونَ، و(52) هَلْ تُجْزَوْنَ إِلاّ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، و(57) اَلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، و(58 و 60) هَلْ يُجْزَوْنَ إِلاّ ما كانُوا يَعْمَلُونَ، ،و(76 و 77) اَلْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذابَ الْهُونِ، و(80) مَنْ يَعْمَلْ سُوءاً يُجْزَ بِهِ، و(81) وَ مَنْ جاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلا يُجْزى إِلاّ مِثْلَها و كذلك (82 و 83 و 85)،فإن ثقل الفعل فيها جميعا على أنّ الجزاء يناسب و يوازن العمل دون من يجزي،و لهذا جاء الفعل فيها مجهولا.

و عكسها(101 و 102) وَ اتَّقُوا يَوْماً لا تَجْزِي نَفْسٌ عَنْ نَفْسٍ شَيْئاً و(103) وَ اخْشَوْا يَوْماً لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ... فثقل الفعل فيها على أنّ أحدا لا يجزي عن غيره،أي على الجازي دون الجزاء،فجاء الفعل في مثلها معلوما.

أمّا التّسويف و غيره فإذا أوقفنا النّظر في مواضع التّسويف،نرى أنّ جميعها متعلّق بالآخرة،و أنّ اللّه شدّد الجزاء للصّالحين و المسيئين معا بسين التّسويف الدّالّة على المستقبل القريب العاجل،ففي(5) وَ سَيَجْزِي اللّهُ الشّاكِرِينَ، و(6) وَ سَنَجْزِي الشّاكِرِينَ، و(47) سَيُجْزَوْنَ بِما كانُوا يَقْتَرِفُونَ، و(59) سَيُجْزَوْنَ ما كانُوا يَعْمَلُونَ -بصيغة المجهول فيهما-،و(64)

ص: 570

سَنَجْزِي الَّذِينَ يَصْدِفُونَ عَنْ آياتِنا سُوءَ الْعَذابِ و(74)بشأن المفترين: سَيَجْزِيهِمْ بِما كانُوا يَفْتَرُونَ، و(104) سَيَجْزِيهِمْ وَصْفَهُمْ.

الثّاني عشر:جاء(جزاء)مصدرا و اسم مصدر (42)مرّة،و قد كرّر في ثلاث آيات:(69) قالُوا جَزاؤُهُ مَنْ وُجِدَ فِي رَحْلِهِ فَهُوَ جَزاؤُهُ، و(96) ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللّهِ النّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ، و(100) فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً و الأولى تشريع مصريّ-أو إسرائيليّ إن كان من وضع يوسف عليه السّلام حين كان عزيزا في مصر كما قيل-كرّر لبيان الجزاء[لاحظ النّصوص التّفسيريّة في هذه الآية]و الأخيرتان بشأن أهل النّار كرّر تشديدا.

و على العموم فأينما جاء(جزاء)فثقل الكلام على نفس الجزاء دون المجزى و المجزيّ به إلاّ تبعا، فلاحظ.

هذا إضافة إلى أنّ المصدر إعرابا قسمان:مفعول و جملة اسميّة،و كلاهما يشعران بالتّشديد و التّأكيد أو الاستمرار و التّأبيد.

أمّا المفعول فقسمان:

أحدهما:مفعول مطلق-و يحتمل بعضها مفعولا لأجله-مثل(22) جَزاءً مِنْ رَبِّكَ عَطاءً حِساباً، و(44 و 46) جَزاءً بِما كانُوا يَكْسِبُونَ، و(49) وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا، و(61 و 62 و 63) جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ، و(90) جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ، و(93) جَزاءً وِفاقاً، و(96) جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ، و(100) جَزاءً مَوْفُوراً.

و ثانيهما:مفعول به،مثل(41) ثُمَّ يُجْزاهُ الْجَزاءَ الْأَوْفى.

و أمّا الجملة الاسميّة فقسمان أيضا:إمّا(الجزاء) مبتدأ،مثل(7) فَلَهُ جَزاءً الْحُسْنى، أو خبر،مثل(9) ذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ و لكلّ منهما نظائر،فلاحظ.

الثّالث عشر:جاء منها لفظان آخران:اسم فاعل من المجرّد،و فعل مضارع من المزيد،و كلاهما جاءا مع فعل من المجرّد ماضيا و مضارعا:فالأوّل(103):

لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَ لا مَوْلُودٌ هُوَ جازٍ عَنْ والِدِهِ شَيْئاً، و الثّاني(91): ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَ هَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ.

و في كلّ من الآيتين بحوث:أمّا الأولى ففيها:

1-القراءة المشهورة (يَجْزِي) بفتح الياء و قرئت (يجزي) بضمّ الياء معلوما و مجهولا،و لا فرق بينهما إلاّ ما سبق من أنّ ثقل الفعل في المجهول على أصل الجزاء دون المجزي أو المجزى.

2-قالوا في قراءة(لا يجزى):لا يغنى،لا ينفع، لا يقضي،لا يحمل،و المعنى واحد.و أصل الجزاء:

المكافأة،مثل جزاه اللّه خيرا.فإذا عدّي ب(عن)يفيد معنى النّيابة و التّحمّل عن الآخر،و المراد أنّ كلّ إنسان مسئول عن عمله.و لا يتحمّله غيره.

و قيل:المراد أنّ كلّ إنسان مشغول بنفسه دون غيره،و لو كان أقرب أقاربه،فهذا بمعنى يَوْمَ تَرَوْنَها تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمّا أَرْضَعَتْ الحجّ:2،و الأوّل هو الصّواب،أي لا يغني والد عن ولده و لا ولد عن والده

ص: 571

شيئا.

و قيل:لا يفدي الوالد بنفسه عن ولده و لا ولده يفدي بنفسه عن والده،و هو بعيد عن السّياق.

3-(جاز)في المصحف بغير ياء و الوقف عليه أيضا، و الأصل«جازي»فحذفت الياء تخفيفا في سلسلة من التّحوّلات اللّفظيّة الّتي فرضها النّحاة.

4-جملة لا يَجْزِي والِدٌ عَنْ وَلَدِهِ صفة ل(يوما) و(لا مولود)عطف على(والد)حذف الفعل(يجزي) تأكيدا على قربهما،و يحتمل أن يكون مولود ابتداء جملة معطوفة على(يجزي)،و جملة(هو جاز عن والده شيئا) صفة ل(مولود)و(شيئا)مفعول(جاز)سدّ مسدّ مفعول (يجزى)أو هو مفعولهما معا،أي لا يجزي و لا جاز شيئا، و هذا تأكيد آخر على قربهما؛حيث جمعهما-أي ما يرجع إليهما-في مفعول واحد.

5-ذكر فيهما معا شخصين في غاية الشّفقة و المحبّة، و هما الوالد و الولد،ليستدلّ بالأدنى على الأعلى،أي إذا لا يتحمّل الوالد و الولد عن كلّ منهما شيئا من الجزاء،مع نهاية قربهما،فغيرهما لا يتحمّله بطريق أولى.

6-ذكر الولد و الوالد فيه لطيفة،و هي أنّ من الأمور ما يبادر الأب إلى التّحمّل عن ولده المال و تحمّل الآلام، و الولد لا يتحمّلها عن والده مثل ما يتحمّله هو عن ولده، و فيها ما يبادر الولد إلى تحمّله عن الوالد كالإهانة،قاله الفخر الرّازيّ و أوضحه،فلاحظ.

7-لمّا كان الوالد أكثر شفقة على ولده بدأ بجزائه عن ولده،ثمّ تلاه بجزاء الولد عنه.

8-عبّر عن جزاء الوالد بجملة فعليّة،و عن جزاء الولد بجملة اسميّة-إن قلنا:إنّ(و لا مولود هو جاز عن والده)جملة مستقلّة-مع تبديل(يجزي)ب(جاز)لأنّ الجملة الاسميّة،و اسم الفاعل كلاهما يفيدان الدّوام و الاستمرار،إشعارا بأنّ الولد حقيق بدوام عطفه لوالده أكثر من عطف والده عليه،تكريما لحقّ الأبوّة.

9-بدّل(الولد)ب(المولود)لأنّه أشدّ عطوفة من لفظ (الولد)مع أنّ فيها تفنّنا؛حيث جمع بين(الولد) و(الوالد)و(المولود).

10-كرّر كلاّ من(الوالد)و(الولد)مرّتين تأكيدا على قربهما:(الوالد)بلفظ واحد،و(الولد)بلفظين:

(الولد)و(المولود).

11-أضيف كلّ من الوالد و الولد إلى ضمير الآخر:

(عن ولده)و(عن والده)إشعارا بقربهما.

12-و كلّ ذلك تأكيد على نهاية قرب بعضهما بعضا،و شدّة تعاطفهما؛بحيث لا تجد لفظا آخر يؤدّي معناه،و يقوم مقامه.

13-ذكر القرطبيّ روايات دلّت على أنّ الأب يثاب بموت أبنائه و وجود بناته،و فيها إثبات ما نفته الآية.

و أجاب بأنّ المراد بالآية أنّه لا يحمل والد ذنب ولده،و لا مولود ذنب والده،و لا يؤاخذ أحدهما عن الآخر،و المعنيّ بتلك الرّوايات أنّ صبر الوالد على موت الأبناء و الإحسان إلى البنات يحجبه عن النّار،و ليس فيها أنّ الوالد يجزي عن أولاده أو يتحمّل أعمالهم.

14-و من ذلك يعلم أنّ حقّ قضاء دين الأب على ولده،و كذا سائر الحقوق الّتي حمّلتها الشّريعة على عاتقه،و لا سيّما الولد الأكبر لا تصادم الآية قليلا

ص: 572

و لا كثيرا.

و أمّا الآية الثّانية ففيها بحوث أيضا:

1-قرئت(نجازى)بالنّون معلوما،بنصب(الكفور)، و بالياء مجهولا برفع(الكفور).و قال الطّبريّ:«إنّهما قراءتان مشهورتان»لكنّ القراءة الأولى:(نجازى) أوفق ب(جزيناهم).

2-جاء في عقاب قوم سبأ: ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا وَ هَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ فكلّ من(جزيناهم) و(نجازى)فيها جاء في العقاب دون الثّواب،و الجزاء في اللّغة و في القرآن مشترك بين الثّواب و العقاب و النّعمة و النّقمة و الخير و الشّرّ.

أمّا المجازاة فقد قيل:إنّها خاصّ بالعقاب و النّقمة و الشّرّ،يقال:جازاه على معصيته،و جزاه على طاعته.

و قيل في وجهه:إنّ المجازاة هي المكافأة و هي خاصّة بأهل الكبائر و الكفر.

قال الفخر الرّازيّ: «لعلّ من قال ذلك أخذه من أنّ المجازاة من«المفاعلة»و هي في أكثر الأمر تكون بين اثنين يؤخذ من كلّ واحد جزاء في حقّ الآخر،و في النّعمة لا تكون مجازاة،لأنّ اللّه مبتدئ بالنّعم».

و قال أبو مسلم: «المجازاة من التّجازي و هو التّقاضي،أي لا يقتضي و لا يرتجع ما أعطي إلاّ الكافر، و أنّهم لمّا كفروا النّعمة اقتضوا ما أعطوا،أي ارتجع منهم» و ليس قولهما بمقنع شيئا.

و قد حكى الآلوسيّ عن أبي إسحاق: «تقول:

جزيت الرّجل في الخير و جازيته في الشّرّ»ثمّ حكى عن بعض الأجلّة:«ينبغي أنّ أبا إسحاق أراد بذلك إذا أرسلت الفعلين و لم تذكر المفعول الثّاني لهما،أمّا إذا ذكرته فيستعمل كلّ منهما في الخير و الشّرّ».و أشكل عليه بأنّ (جزيناهم)مستعمل في الشّرّ مع عدم ذكر المفعول الثّاني.و كيف كان فإنّه لا يحلّ المشكلة.

و عندنا أنّ المجازاة من«المفاعلة»و هي بين اثنين، و اختصّ المجازاة بالشّرّ،لأنّ جزاء الشّرّ يكرهه المجاز و لا يقبله،فكأنّه يعارض المجيز و يقاومه و فيه إشعار بشدّة العذاب.

أمّا الخير فيستقبله و لا يقاومه،فكأنّه ليس بين اثنين متعارضين أو متعاملين نظير«ضارب زيد عمرا» أي ضرب كلّ منهما الآخر،بل الجزاء من اللّه على العبد، و هذا وجه لطيف لم يذكروه،و لعلّ الفخر الرّازيّ عناه، فلاحظ نصّه.

و بذلك يرتفع ما قيل:بم خصّ الجزاء بالكفور مع أنّه عامّ للمؤمن و الكافر؟فإنّ المراد به جزاء الشّرّ الّذي يكرهه المجاز و يقاومه،و هو خاصّ بالكفور،سواء أريد به كفر العقيدة أو كفران النّعمة الّذي يساعده السّياق، كما سبق.لاحظ:«ك ف ر».

3-جاءت«المجازاة»في سياق الاستفهام الإنكاريّ أو التّقريريّ تأكيدا و تشديدا عليها،كأنّها أمر مسلّم لا ينبغي إنكاره،و فيه إشعار بعدل اللّه تعالى.

4-كلّ من(جزيناهم)و(نجازى)جاء في الشّرّ و العقاب،لكنّهما مختلفان مجرّدا و مزيدا،و ماضيا و مضارعا!

و الجواب عن اختلافهما ماضيا و مضارعا:أنّ الأوّل حكاية ما وقع في الماضي،و الثّاني بيان سنّة اللّه اللاّئقة

ص: 573

بشأنه الدّائمة إلى الأبد.و أمّا سرّ اختلافهما مجرّدا و مزيدا:

فإنّ(جزيناه)ذكر قريبا ممّا أنعم اللّه عليهم فأتى بلفظ مشترك بين الخير و الشّرّ،و أنّه ابتداء العقاب ثمّ اشتدّ عقابه،فقال:(نجازى)المشعر بشدّة العذاب-كما سبق- و قد ذكر الآلوسيّ فيه وجها لا يتّضح مراده،و لعلّه أراد ما قلنا،فلاحظ.

5-الظّاهر أنّ وَ هَلْ نُجازِي إِلاَّ الْكَفُورَ بمنزلة التّعليل ل ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بِما كَفَرُوا و العلّة عامّ، و المعلّل له خاصّ،و له نظائر في ذيل الآيات.

6-اختلفوا في إعراب ذلِكَ جَزَيْناهُمْ و في المشار إليه،فقال أبو السّعود:إشارة إلى مصدر(جزيناهم)أي الجزاء،أو إلى ما ذكر من التّبديل،و أنّ ما فيه من البعد إشارة إلى بعد رتبته.

و محلّه على الأوّل نصب على أنّه مصدر مؤكّد للفعل،أي جزيناهم ذلك الجزاء الفظيع،و على الثّاني نصب على أنّه مفعول ثان للفعل،و اختاره الطّباطبائيّ.

و عند بعضهم أنّ ذلك-أي ما حلّ بالقوم من نكال- مبتدأ حذف خبره،تقديره:ذلك ما جزيناهم به،و أنّ ذلِكَ جَزَيْناهُمْ بدل عن هذا المحذوف،أو عطف بيان له!

و لعلّ الأقرب أنّها مبتدأ و خبره جزيناهم،حذف منها العائد،و التّقدير:ذلك جزيناهم به أو إيّاه بكفرهم،و كيف كان فالمعنى واحد.

الرّابع عشر:كلّ ذلك راجع إلى«الجزاء».و هناك لفظ آخر اختلفوا في معناه و في مادّته،و هو«الجزية» جاءت مرّة واحدة في(108)،و فيها بحوث:

1-أكثرهم قالوا:إنّها من«ج ز ي»و إن اختلفوا في وجه تسميتها،و حكى الآلوسيّ قولا بأنّها من«ج ز ء» سمّيت بها لأنّها طائفة و جزء من المال تدفع.و قال الزّمخشريّ:«إنّها طائفة ممّا على أهل الذّمّة أن يجزوه، أي يقضوه،و لأنّهم يجزون بها من منّ عليهم بالإعفاء عن القتل»فجمع فيها بين«جزى»و«جزأ»،و الأوّل هو الأولى،لأنّها تنطق و تكتب(جزية)بالياء،و لما ذكر في وجه تسميتها كما يأتي.

2-الجزية:«الفعلة»مثل القعدة و الجلسة،تعني مقدار ما يدفع و يقضى أو نوعا منه،أو لبيان الهيئة كالرّكبة،من:جزى فلان فلانا ما عليه،و جزى دينه، أي قضاه،سمّي ما يعطيه المعاهد:جزية،لوجوب قضاءه عليه حسب المعاهدة،أو لأنّها تجزي عن قتله و رقبته، أو عن أسره،أو عن كفره،أو لأنّها جزاء ما عاهد المسلمون عليه من الدّفاع عنه،أو لأنّها عطيّة عقوبة جزاء على الكفر باللّه.و لا بأس بأن يكون لكلّ منها دخل فيها.

3-قالوا:إنّها نزلت في حرب الرّوم الّذين كانوا من أهل الكتاب-أي غزوة تبوك-كما في الآية،و أريد بهم اليهود و النّصارى،ثمّ ألحق بهم المجوس،و التزم بها بعض المذاهب كالإماميّة،و لا تؤخذ من المشركين عامّة.

و خصّهم محمّد بن حسن الشّيبانيّ في كتابه«السّير الكبير»بمشركي العرب،و عمّم حكم الجزية الهنود الّذين يعبدون الأصنام أيضا.و قد ذكر اللّه قبلها المشركين و لم يذكر الجزية،فالسّياق دلّ على اختصاصها بأهل الكتاب،و التّفصيل موكول إلى الفقه.

ص: 574

و قد ألّفت فيها كتب خاصّة،و هي خراج على الرّقاب و الرّءوس،دون الرّقبات و الأراضي فإنّها تسمّى (خراجا)لا(جزية).

4-اختلفوا في أنّها لفظ عربيّ أو فارسيّ،لكنّهم اتّفقوا على أنّ لها سابقة قبل الإسلام،فلاحظ النّصوص و الأصول اللّغويّة.

5-و اختلفوا في حَتّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ في موضعين:(عن يد)و(صاغرون).

أمّا(عن يد)فقيل:«عن أنفسهم بأيديهم يمشون بها»أو«عن إنعام عليهم بذلك،لأنّ قبول الجزية منهم و ترك أنفسهم نعمة عليهم و يد من المعروف جزيلة»،أو «ليفارق حال الغصب على إقرار أحد»أو«نقدا من يده إلى يد من يدفعه إليه من غير نائب،كما يقال:كلّمته فما بفم،و لذلك منع عن التّوكيل فيه»أو«يعطوا منقادين عن يد مواتية»أو«عن غنى،و لذلك قيل:لا تؤخذ من الفقير».

فالأمر في(عن يد)دائر بين متضادّين:الإهانة بهم أو إكرامهم،و سنعرف أنّ سياق الآية يناسب أيّ الأمرين.

و أمّا(صاغرين)فقيل:«و هم كارهون»أو«توجأ عنقه»أو«تأخذها و أنت جالس و هو قائم»أو«غير مستعلين عليكم،و لا قاهرين»أو«خاضعين للسّنّة الإسلاميّة بعدم تظاهرهم بما حرّمه اللّه».

6-سياق الآية و خصوصا ذيلها عَنْ يَدٍ وَ هُمْ صاغِرُونَ يعطي أنّ الجزية إنّما يأخذه المسلمون من أهل الكتاب،من موضع قدرتهم و سلطانهم عليهم و على الدّفاع عنهم،و هم في ذمّة الإسلام،و لا يفهم منها الإهانة بهم بل السّلطة عليهم.و التّاريخ الإسلاميّ يشهد بذلك،فلاحظ النّصوص و لا سيّما نصّ الطّباطبائيّ و مكارم،كي تقنع بذلك،فإنّ السّكينة و الوقار الإسلاميّ-كما قال الطّباطبائيّ-لا يحتمل الإهانة بهم،كيف و المسلمون عاقدوهم على الاحتفاظ بهم و بدينهم!

7-هناك خلاف بين نظريّتين من المفسّرين القدامى و المعاصرين،فالمعاصرون أصروا على أنّ موقف الإسلام من أهل الذّمّة عار عن أيّ ظلم و إهانة بل فيها من العطوفة و صيانة الحقوق فوق ما ينشده أصحاب حقوق الأمم و البشر.

أمّا القدامى فأشكلوا بأنّ«الجزية»لا تعادل الكفر، فإنّه يستدعي جزاء أشدّ كالقتل و الأسر و الاستعباد.

قال القاضي عبد الجبّار:«كيف يصحّ فيمن يكفر باللّه تعالى أن يسوغ له الكفر ببذل الجزية؟»و أجاب بأنّ قتلهم لكفرهم شرعيّ لا عقليّ،فيجوز أن تكون المصلحة فيه ما لم يعطوا الجزية،فإذا أعطوها حرم قتلهم.

و ربّما يكون فيه هدايتهم للإسلام.

و أجاب عمّن وجّهه بأنّه لو لم يجز ترك القتل بالجزية لأدّى إلى الإكراه،و قد قال تعالى: لا إِكْراهَ فِي الدِّينِ البقرة:256،بأنّ في الكفّار من لا يرضى منه إلاّ القتل فيجب أن يكون مكرها؟!

و الحقّ أنّ اللّه فرّق ب«الجزية»بين أهل الكتاب و المشركين لئلاّ يكونوا سواء،و بذلك نجح الإسلام في تسليم أهل الذّمّة للمسلمين و التّعايش معهم.

ص: 575

و إن صرّحت الآية بأنّ هؤلاء الّذين يؤخذ منهم الجزية لا يؤمنون باللّه و لا باليوم الآخر في نفس الأمر،إلاّ أنّهم يظهرون الإيمان بذلك بألسنتهم،و فرق بينهم و بين المشركين عبدة الأوثان،على أنّ الجزية-كما سبق- بإزاء ما ضمن المسلمون من الدّفاع عنهم،و ليس عوضا عن قتلهم.

و قد طرح الطّوسيّ سؤالا:عن أنّ إعطاء الجزية لا يخلو أن يكون طاعة أو معصية؟و أجاب بأنّه ليس شيئا منهما،و إنّما هو جزاء قتلهم.

و عندنا أنّه لا وجه لهذا السّؤال،و الجواب أمام أحكام اللّه تعالى.

ص: 576

ج س د

اشارة

جسدا

لفظ واحد،4 مرّات،مكّيّة

في 4 سور مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجسد:للإنسان،و لا يقال لغير الإنسان:

جسد،من خلق الأرض.و كلّ خلق لا يأكل و لا يشرب -من نحو الملائكة و الجنّ-ممّا يعقل فهو جسد.

و كان عجل بني إسرائيل جسدا لا يأكل و لا يشرب و يصيح،و قوله تعالى: وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ الأنبياء:8،أي ما جعلناهم خلقا مستغنين عن الطّعام.

و دم جسد جاسد،أي قد يبس.[ثمّ استشهد بشعر] و الجسد:الدّم نفسه.

و الجسد:اليابس.

و الجساد:الزّعفران و نحوه،من الصّبغ الأحمر و الأصفر الشّديد الصّفرة.

و ثوب مجسد:مشبع عصفرا أو زعفرانا،و جمعه:

مجاسد.

و الجساد:وجع في البطن يسمّى البجيذ (1).[ثمّ استشهد بشعر]

صوت مجسّد،أي مرقوم على محنة و نغمات.

(6:47)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الجسد:الزّعفران،و منه قيل للثّوب:مجسد،إذا صبغ بالزّعفران.

(الأزهريّ 10:568)

الفرّاء: المجسد،و المجسد واحد،و هو من أجسد،أي ألزق بالجسد،إلاّ أنّهم استثقلوا الضّمّ فكسروا الميم،كما قالوا للمطرف:مطرف،و للمصحف:

ص: 577


1- و في الأزهريّ(10:569):يسمّى:بجيدق.

مصحف.(الأزهريّ 10:568)

اللّحيانيّ: إنّها لحسنة الأجساد،كأنّهم جعلوا كلّ جزء منه جسدا،ثمّ جمعوه على هذا.(ابن سيده 7:260)

ابن الأعرابيّ: المجاسد:جمع المجسد،و هو القميص الّذي يلي البدن.(الأزهريّ 10:568)

يقال للزّعفران:الريهقان،و الجاديّ: و الجساد، بكسر الجيم.

مثله ابن السّكّيت.(الأزهريّ 10:568)

ابن السّكّيت: [نقل قول الفرّاء ثمّ قال:]و قال غيره:المجسد:ما أشبع صبغه من الثّياب،و الجمع:

مجاسد.

و المجسد،بكسر الميم:الّذي على الجسد من الثّياب.(إصلاح المنطق:120)

يقال:على فلان ثوب مشبع من الصّبغ،و عليه ثوب مفدم.فإذا قام قياما من الصّبغ قيل:قد أجسد ثوب فلان إجسادا فهو مجسد.

و يقال للزّعفران:الجساد.(الجوهريّ 2:457)

الحربيّ: صنم أجسد رأسه:يبس الدّم على رأسه من كثرة ما يلطخ به.(1:210)

ابن دريد :و الجسد:جسد الإنسان.

و دم جسد و جسيد،إذا جفّ،و يقال للدّم أيضا:

جاسد.

و ثوب مجسد،إذا صبغ بالجساد،و هو الزّعفران، فإذا قلت:هذا الثّوب مجسد بكسر الميم،فهو الثّوب الّذي يلي الجسد.

و دفع البصريّون هذا،فقالوا:لا يقال إلاّ ثوب مجسد إذا كان قد أشبع بالزّعفران،و ما أشبهه.

و ذو المجاسد:رجل من العرب كان يلبس الثّياب المجسدة،فسمّي بذلك.(2:65)

الصّاحب:الجسد:للإنسان،معروف.

و ما قد يبس من الدّماء:جسد و جاسد.

و الجساد:الزّعفران.و الثّوب المجسد:المصبوغ بالعصفر و الزّعفران.

و الجساد:وجع في البطن كالبجّيذق.

و صوت مجسّد،أي مرقوم على نغمات.(7:5)

الجوهريّ: الجسد:البدن،تقول منه:تجسّد،كما تقول من الجسم:تجسّم.

و الجسد أيضا:الزّعفران أو نحوه من الصّبغ،و هو الدّم أيضا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجسد أيضا:مصدر قولك:جسد به الدّم يجسد، إذا لصق به،فهو جاسد و جسد.[ثمّ استشهد بشعر]

و المجسد:الأحمر.و يقال:المجسد:ما أشبع صبغه من الثّياب،و الجمع:مجاسد.

و المجسد،بكسر الميم:ما يلي الجسد من الثّياب.

و قال بعضهم:قوله تعالى: فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً طه:88،أي أحمر من ذهب.(2:456)

ابن فارس: الجيم و السّين و الدّال يدلّ على تجمّع الشّيء و اشتداده؛من ذلك جسد الإنسان.

و المجسد:الّذي يلي الجسد من الثّياب.

و الجسد و الجسد من الدّم:ما يبس،فهو جسد و جاسد،قال الطّرمّاح:

*منها جاسد و نجيع*

ص: 578

و قال قوم:الجسد:الدّم نفسه،و الجسد:اليابس.

و ممّا شذّ عن الباب:الجساد:الزّعفران.فإذا قلت:

هذا المجسد-بكسر الميم-فهو الثّوب الّذي يلي الجسد.و هذا عند الكوفيّين.فأمّا البصريّون فلا يعرفون إلاّ مجسدا،و هو المشبع صبغا.(1:457)

أبو هلال :الفرق بين الطّلل و الجسد:أنّ الجسد يفيد الكثافة و لا يفيد الطّلل و الشّخص ذلك و هو من قولك:دم جاسد،أي جامد.و الجسد أيضا:الدّم بعينه.

[ثمّ استشهد بشعر]

فيجوز أن يقال:إنّه سمّي جسدا لما فيه من الدّم، فلهذا خصّ به الحيوان،فيقال:جسد الإنسان و جسد الحمار.و لا يقال:جسد الخشبة،كما يقال:جرم الخشبة.

و إن قيل ذلك فعلى التّقريب و الاستعارة.

و يقال:ثوب مجسد،إذا كان يقوم من كثافة صبغه.

و قيل للزّعفران:جساد،تشبيها بحمرة الدّم.

الفرق بين الجسد و البدن.[تقدّم في«ب د ن»]

(131)

الهرويّ: الجسد:معناه الجثّة.(1:360)

الثّعالبيّ: الجسد:الدّم اليابس.(65)

ابن سيده: الجسد:جسم الإنسان،و لا يقال لغيره من الأجسام المغتذية.[إلى أن قال:]

و جمعه:أجساد.

و الجاسد من كلّ شيء:ما اشتدّ و يبس.

و الجسد،و الجسد،و الجاسد و الجسيد:الدّم اليابس،و قد جسد.

و الجسد،و الجساد:الزّعفران.

و ثوب مجسّد و مجسد:مصبوغ بالزّعفران،و قيل:

هو الأحمر.

و المجسد:الثّوب الّذي يلي جسد المرأة فتعرّق فيه.

و الجساد:وجع يأخذ في البطن.

و صوت مجسّد:مرقوم على محنة و نغم.(7:260)

الجساد:الزّعفران و العصفر و نحوهما،من كلّ صبغ شديد الحمرة أو الصّفرة.

أجسد الثّوب و نحوه،و جسّده:صبغه بالجساد فهو مجسد.(الإفصاح 1:391)

الطّوسيّ: الجسد:جسم الحيوان مثل البدن،و هو روح و جسد،و الرّوح:ما لطف،و الجسد:ما غلظ.

و الجسم يقع على جسد الحيوان و غيره من الجمادات.

(4:578)

الرّاغب: الجسد كالجسم لكنّه أخصّ،قال الخليل رحمه اللّه:لا يقال الجسد لغير الإنسان من خلق الأرض و نحوه.

و أيضا فإنّ الجسد ما له لون و الجسم يقال:لما لا يبين له لون كالماء و الهواء،و قوله عزّ و جلّ: وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ الأنبياء:8،يشهد لما قال الخليل...[ثمّ أدام نحو ما تقدّم عن اللّغويّين](93)

المدينيّ: في حديث أبي ذرّ،رضي اللّه عنه:«أنّ امرأته ليس عليها أثر المجاسد»هي جمع مجسد،بضمّ الميم،و هو الثّوب المصبوغ المشبع بالجساد،و هو الزّعفران،و العصفر أيضا.(1:328)

نحوه ابن الأثير.(1:271)

الصّغانيّ: الجساد،بالضّمّ:وجع في البطن،

ص: 579

يسمّى:بيجيذق،معرّب:پيچيده (1).(2:211)

الفيّوميّ: الجسد،جمعه:أجساد،و لا يقال لشيء من خلق الأرض:جسد.

و قال في«البارع»:لا يقال:الجسد إلاّ للحيوان العاقل،و هو الإنسان و الملائكة و الجنّ.و لا يقال لغيره:

جسد إلاّ للزّعفران؛و للدّم إذا يبس أيضا جسد و جاسد.

(1:101)

الفيروزآباديّ: الجسد محرّكة:جسم الإنسان و الجنّ و الملائكة،و الزّعفران كالجساد ككتاب،و عجل بني إسرائيل،و الدّم اليابس كالجسد و الجاسد و الجسيد.

و جسد الدّم به كفرح:لصق.

و ثوب مجسد و مجسّد:مصبوغ بالزّعفران.

و كمبرد:ثوب يلي الجسد.

و كغراب:وجع في البطن.

و صوت مجسّد كمعظّم:مرقوم على نغمات و محنة.

(1:293)

مجمع اللّغة :الجسد:الجسم الجامد لا يأكل و لا يشرب،و قد يجيء مرادفا للجسم.

و ما ورد في القرآن ظاهره على المعنى الأوّل.

(1:193)

محمّد إسماعيل إبراهيم: الجسد:الجسم أو البدن،و يغلب إطلاقه على جسم الإنسان و إن أطلق على غيره أحيانا.(1:107)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة،هو الجسم الظّاهريّ المادّيّ من كلّ ذي روح،إذا صرف النّظر عن روحه،و يكون النّظر و التّوجّه إلى جسمه من حيث هو.

و على هذا فلا يطلق على أجسام الجنّ و الملائكة، لكونهم من عالم ما وراء المادّة،نعم يقال فيهم:إنّ الجنّ قد تجسّد،فالتّجسّد صحيح في حقّهم.

و لمّا كان من لوازم البدن المادّيّ:التّلوّن و كونه في معرض ألوان مختلفة،و بها يتحقّق فيه الاختلاف و التّغيّر،و لا يتراءى فيه إلاّ اللّون؛فيطلق«الجساد» مصدرا على اللّون العارض للجسد،باعتبار تظاهر الجسد و ظهوره في الخارج بهذا اللّون،و في الحقيقة إنّه إطلاق على الجسد.

ثمّ لمّا كان أحسن لون طبيعيّ في الزّمان السّابق هو الزّعفران،فأطلق«الجساد»عليه،و قولهم:جسد و مجسد؛اشتقاق انتزاعيّ.

و كذلك إطلاق«الجسد»على الدّم؛فإنّ تكوّن الجسد و البدن و حركته و بقاء صورته و جريان أمره و نظم أعضائه بالدّم.

فاللّون صورة ظاهريّ للجسد،و الدّم صورة باطنيّ له،و بهذا يظهر الفرق بين الجسد و الجسم،فإنّ الجسم عامّ.

مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً... الأعراف:148، فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ طه:88،إشارة إلى كون العجل جسما بلا روح،و بهذا التّعبير يثبت صحّة إطلاق هذه الكلمة على أجسام الحيوان.

وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ الأنبياء:8،أي أجسادا بلا روح،فإنّ من لوازم الجسد الحيّ،الارتزاق».

ص: 580


1- هو بالفارسيّة«پيچيده».

و سائر الأمور.

وَ أَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ص:34،أي بدنا بلا روح.(2:89)

النّصوص التّفسيريّة

جسدا

1- وَ اتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ... الأعراف:148

ابن عبّاس: مجسّدا صغيرا.(138)

وهب بن منبّه:لحما و دما.

(الطّبرسيّ 2:480)

نحوه الخازن.(2:238)

الفرّاء: كان جسدا مجوّفا.(1:393)

الزّجّاج: و الجسد هو الّذي لا يعقل و لا يميّز،إنّما معنى الجسد معنى الجثّة فقط.(2:377)

مثله ابن الجوزيّ.(3:261)

البغويّ: حيّا لحما و دما...و قيل:كان جسدا مجسّدا من ذهب لا روح فيه،كان يسمع منه صوت.

(2:235)

الزّمخشريّ: بدنا ذا لحم و دم كسائر الأجساد...

و انتصاب(جسدا)على البدل من(عجلا).(2:118)

مثله النّسفيّ(2:77)،و الشّربينيّ(1:517)، و نحوه أبو السّعود(3:31).

ابن عطيّة: أي جثّة و جمادا،و قيل:كان جسدا بلا رأس.و هذا تعلّق بأنّ الجسد في اللّغة ما عدا الرّأس.

و قيل:إنّ اللّه جعل له لحما و دما.(2:455)

الطّبرسيّ: أي مجسّدا لا روح فيه.(2:480)

ابن الأنباريّ: ذكر الجسد دلالة على عدم الرّوح منه،و أنّ شخصه شخص مثال و صورة،غير منضمّ إليهما روح و لا نفس.(ابن الجوزيّ 3:261)

الفخر الرّازيّ: هل انقلب ذلك التّمثال لحما و دما-على ما قاله بعضهم-أو بقي ذهبا،كما كان قبل ذلك؟

و الجواب:الذّاهبون إلى الاحتمال الأوّل احتجّوا على صحّة قولهم بوجهين:

الأوّل:قوله تعالى: عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ و الجسد اسم للجسم الّذي يكون من اللّحم و الدّم.

و منهم من نازع في ذلك،و قال:بل الجسد اسم لكلّ جسم كثيف،سواء كان من اللّحم و الدّم،أو لم يكن كذلك.

و الحجّة الثّانية:أنّه تعالى أثبت له خوار،و ذلك إنّما يتأتّى في الحيوان.و أجيب عنه:بأنّ ذلك الصّوت لمّا أشبه الخوار لم يبعد إطلاق لفظ الخوار عليه.(15:6)

نحوه ملخّصا النّيسابوريّ.(9:50)

العكبريّ: (جسدا)نعت،أو بدل،أو بيان من (حليّهم).و يجوز أن يكون صفة ل(عجل)قدّم فصار حالا،و أن يكون متعلّقا ب(اتّخذ)،و المفعول الثّاني محذوف،أي إلها.(1:595)

القرطبيّ: (جسدا)أي مصمتا،غير أنّهم كانوا يسمعون منه خوارا.و قيل:قلبه اللّه لحما و دما.

(7:285)

ص: 581

البيضاويّ: بدنا ذا لحم و دم،أو جسدا من الذّهب خاليا من الرّوح.و نصبه على البدل.(1:369)

نحوه البروسويّ.(3:242)

أبو حيّان: و انتصب(جسدا)قال الزّمخشريّ:على البدل،و قال الحوفيّ:على النّعت،و أجازهما أبو البقاء.

و أن يكون عطف بيان.

و إنّما قال:(جسدا)لأنّه يمكن أن يتّخذ مخطوطا أو مرقوما في حائط أو حجر أو غير ذلك،كالتّماثيل المصوّرة بالرّقم و الخطّ و الدّهان و النّقش،فبيّن تعالى أنّه ذو جسد.(4:391)

السّمين:فيه ثلاثة أوجه:أحدها:أنّه نعت، الثّاني:أنّه عطف بيان،الثّالث:أنّه بدل،قاله الزّمخشريّ،و هو أحسن،لأنّ«الجسد»ليس مشتقّا، فلا ينعت به إلاّ بتأويل،و عطف البيان في النّكرات قليل، أو ممتنع عند الجمهور.[ثمّ أدام نحو أبي حيّان إلى أن قال:]

قوله: لَهُ خُوارٌ في محلّ النّصب نعتا ل(عجلا)، و هذا يقوّي كون(جسدا)نعتا،لأنّه إذا اجتمع نعت و بدل،قدّم النّعت على البدل.(3:344)

الكاشانيّ: (جسدا)خاليا من الرّوح.(2:238)

نحوه شبّر(2:416)،و القاسميّ(7:2857).

الآلوسيّ: (جسدا)بدل من(عجلا)أو عطف بيان أو نعت له،بتأويل متجسّدا.[إلى أن قال:]

و جاء المجسد أيضا بمعنى الأحمر،و بعض فسّر الجسد به هنا،فقال:أي أحمر من ذهب.(9:63)

مكارم الشّيرازيّ: ...و كلمة(جسدا)شاهد على أنّ ذلك العجل لم يكن حيوانا حيّا،لأنّ القرآن يستعمل هذه اللّفظة في جميع الموارد في القرآن الكريم بمعنى الجسم المجرّد من الحياة و الرّوح.(5:206)

2- وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَ ما كانُوا خالِدِينَ. الأنبياء:8

الضّحّاك: لم أجعلهم جسدا ليس فيهم أرواح لا يأكلون الطّعام،و لكن جعلناهم جسدا فيها أرواح يأكلون الطّعام.(الطّبريّ 17:5)

قتادة :ما جعلناهم جسدا إلاّ ليأكلوا الطّعام.

(الطّبريّ 17:5)

ابن قتيبة :ما جعلنا الأنبياء قبله أجساما لا تأكل الطّعام و لا تموت،فنجعله كذلك.(284)

المبرّد: العرب إذا جاءت بين الكلامين بجحدين كان الكلام إخبارا،فمعنى الآية:إنّما جعلناهم جسدا ليأكلوا الطّعام.

و مثله في الكلام:ما سمعت منك،و لا أقبل منك، معناه إنّما سمعت منك لأقبل منك.

و إذا كان الجحد في أوّل الكلام كان الكلام مجحودا جحدا حقيقيّا،و هو كقولك:ما زيد بخارج.

مثله ثعلب.(الأزهريّ 10:566)

الطّبريّ: لم نجعلهم ملائكة لا يأكلون الطّعام، و لكن جعلناهم أجسادا مثلك،يأكلون الطّعام.[إلى أن قال:]

و قال: ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً فوحّد الجسد،و جعله موحّدا،و هو من صفة الجماعة.و إنّما جاز ذلك،لأنّ

ص: 582

الجسد بمعنى المصدر،كما يقال في الكلام:و ما جعلناهم خلقا لا يأكلون.(17:5)

نحوه الطّوسيّ(7:233)،و البغويّ(3:284).

الزّجّاج: جَسَداً هو واحد ينبئ عن جماعة،أي و ما جعلناهم ذوي أجساد إلاّ ليأكلوا الطّعام.(3:385)

الأزهريّ: جعل اللّيث قول اللّه جلّ و عزّ:

وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ كالملائكة.

و هو غلط،و معناه الإخبار،كما قال النّحويّون:أي جعلناهم جسدا ليأكلوا الطّعام،و هذا يدلّ على أنّ ذوي الأجساد يأكلون الطّعام،و أنّ الملائكة روحانيّون لا يأكلون الطّعام،و ليسوا جسدا.(10:567)

الزّمخشريّ: المعنى و ما جعلنا الأنبياء عليهم السّلام قبله ذوي جسد غير طاعمين.و وحّد«الجسد»لإرادة الجنس،كأنّه قال:ذوي ضرب من الأجساد،و هذا ردّ لقولهم: ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ الفرقان:7.

(2:564)

نحوه الفخر الرّازيّ(22:144)،و النّسفيّ(3:73)، و شبّر(4:186).

الطّبرسيّ: هذا ردّ لقولهم: ما لِهذَا الرَّسُولِ...

و معناه و ما جعلنا الأنبياء قبلك أجسادا لا يأكلون الطّعام و لا يموتون،حتّى يكون أكلك الطّعام و شربك و موتك علّة في ترك الإيمان بك فإنّا لم نخرجهم عن حدّ البشريّة بالوحي.

قال الكلبيّ: الجسد المجسّد:الّذي فيه الرّوح و يأكل و يشرب؛فعلى هذا يكون ما يأكل و يشرب جسما.و قال مجاهد:الجسد ما لا يأكل و لا يشرب؛فعلى هذا يكون ما يأكل و يشرب نفسا.(4:40)

نحوه المراغيّ(17:10)،و الطّباطبائيّ(14:254)، و فضل اللّه(15:194).

العكبريّ: قوله تعالى:(جسدا)هو مفرد في موضع الجمع،و المضاف محذوف،أي ذوي أجساد، و لا يَأْكُلُونَ صفة لأجساد.

و(جعلناهم)يجوز أن يكون متعدّيا إلى اثنين،و أن يتعدّى إلى واحد،فيكون(جسدا)حالا،و(لا يأكلون) حالا أخرى.(2:912)

القرطبيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و قيل:لم يقل:أجسادا،لأنّه أراد و ما جعلنا كلّ واحد منهم جسدا.(11:272)

البيضاويّ: و توحيد«الجسد»لإرادة الجنس،أو لأنّه مصدر في الأصل،أو على حذف المضاف،أو تأويل الضّمير بكلّ واحد،و هو جسم ذو لون،و لذلك لا يطلق على الماء و الهواء،و منه الجساد للزّعفران.

و قيل:جسم ذو تركيب،لأنّ أصله لجمع الشّيء و اشتداده.(2:68)

الشّربينيّ: أي ذوي جسد و لحم و دم،متّصفين بأنّهم لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ بل جعلناهم أجسادا يأكلون و يشربون،و ليس ذلك بمانع من إرسالهم.[إلى أن قال نحو البيضاويّ ثمّ أضاف:]

و هو في الماء مبنيّ على أنّه لا لون له،و إنّما يتلوّن بلون ظرفه أو مقابله،لأنّه جسم شفّاف.لكن قال الإمام الرّازيّ:بل له لون و يرى،و مع ذلك لا يحجب عن رؤية ما وراءه.(2:497)

ص: 583

أبو السّعود: وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً بيان لكون الرّسل عليهم السّلام أسوة لسائر أفراد الجنس،في أحكام الطّبيعة البشريّة،إثر بيان كونهم أسوة في نفس البشريّة،و الجسد:جسم الإنسان و الجنّ و الملائكة.

و نصبه إمّا أنّه مفعول ثان«للجعل»لكن لا بمعنى جعله جسدا،بعد أن لم يكن كذلك،كما هو المشهور من معنى التّصيير،بل بمعنى جعله كذلك ابتداء،على طريقة قولهم:سبحان من صغّر البعوض و كبّر الفيل،كما مرّ في قوله تعالى: وَ جَعَلْنا آيَةَ النَّهارِ مُبْصِرَةً الإسراء:12.

و إمّا حال من الضّمير،و الجعل إبداعيّ،و إفراده لإرادة الجنس المنتظم للكثير أيضا.(4:325)

البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

قال في«التّأويلات النّجميّة»يشير إلى أنّ الأنبياء و الأولياء خلقوا محتاجين إلى الطّعام بخلاف الملائكة، و ذلك لا يقدح في النّبوّة و الولاية،بل هو من لوازم أحوالهم و توابع كمالهم،فإنّ لهم فيه فوائد جمّة.

منها:أنّ الطّعام للرّوح الحيوانيّ الّذي هو مركب الرّوح الإنسانيّ كالدّهن للسّراج،و هو منبع جميع الصّفات النّفسانيّة الشّهوانيّة،و هو مركب الشّوق و المحبّة الّتي بها يقطع السّالك الصّادق مسالك البعاد، و يعبر العاشق مهالك الفراق،للوصول إلى كعبة الوصال.

و منها:أنّ أكل الطّعام من نتائج الهوى و هو يميل النّفس إلى مشتهياتها،و السّير إلى اللّه بحسب نهي النّفس عن الهوى،كقوله تعالى: وَ نَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوى* فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِيَ الْمَأْوى النّازعات:40،41،و لذا قال المشايخ:لو لا الهوى ما سلك أحد طريقا إلى اللّه.

و منها:أنّ كثيرا من علم الأسماء الّتي علّم اللّه آدم، منوط بأكل الطّعام،مثل علم ذوق المذوقات،و علم التّلذّذ بالمشتهيات،و علم لذّة الشّهوة،و علم الجوع، و علم العطش،و علم الشّبع و الرّيّ،و علم هضم الطّعام و ثقله،و علم الصّحّة و المرض،و علم الدّاء و الدّواء، و أمثاله و العلوم الّتي تتعلّق به كعلوم الطّبّ بأجمعها، و العلوم الّتي هي توابعها،كمعرفة الأدوية و الحشائش، و خواصّها و طباعها و غيرها...(5:456)

الآلوسيّ: وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً بيان لكون الرّسول عليه السّلام أسوة لسائر أفراد الجنس في أحكام الطّبيعة البشريّة.[و نقل بعض أقوال اللّغويّين و قال:]

و قيل:هو جسم ذو تركيب و ظاهره أنّه أعمّ من الحيوان،و منهم[من]خصّه به.و قال بعضهم:هو في الأصل مصدر:جسد الدّم يجسد،أي التصق.و أطلق على الجسم المركّب،لأنّه ذو أجزاء ملتصق بعضها ببعض.

ثمّ الظّاهر أنّ الّذي يقول بتخصيصه بحيث لا يشمل غير العاقل من الحيوان مثلا،غاية ما يدّعي أنّ ذلك بحسب أصل وضعه،و لا يقول بعدم جواز تعميمه.[إلى أن قال:]

و في«التّسهيل»أنّه يستغني بتثنية المضاف و جمعه عن تثنية المضاف إليه و جمعه في الأعلام،و كذا ما ليس فيه لبس من أسماء الأجناس.(17:13)

3- وَ لَقَدْ فَتَنّا سُلَيْمانَ وَ أَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ. ص:34

ص: 584

ابن عبّاس: شيطانا.(382)

مثله سعيد بن جبير،و الحسن(الطّبريّ 23:157) و زيد بن عليّ(غريب القرآن:348).

هو صخر الجنّيّ،تمثّل على كرسيّه جسدا.

(الطّبريّ 23:156)

الجسد:الشّيطان الّذي كان دفع إليه سليمان خاتمه، فقذفه في البحر،و كان ملك سليمان في خاتمه،و كان اسم الجنّيّ صخرا.(الطّبريّ 23:157)

الشّعبيّ: إنّه ولد له ولد فخاف عليه،فأودعه في السّحاب يغذّى في اليوم كالجمعة،و في الجمعة كالشّهر و في الشّهر كالسّنة،فلم يشعر إلاّ و قد وقع على كرسيّه ميّتا.(الماورديّ 5:96)

مجاهد :شيطانا،يقال له:آصر.

شيطانا،يقال له:آصف... (1)(الطّبريّ 23:157)

قتادة :[و كان اسم الشّيطان الّذي جلس على كرسيّه]سيّد.(الماورديّ 5:97)

السّدّيّ: الشّيطان حين جلس على كرسيّه أربعين يوما.[إلى أن قال:]

و كان اسمه حبقيق.(412)

الفرّاء: يريد صنما،و يقال:شيطان.(2:405)

نحوه ابن قتيبة.(379)

الطّبريّ: شيطانا متمثّلا بإنسان،ذكروا أنّ اسمه صخر.و قيل:اسمه آصف،و قيل:إنّ اسمه آصر،و قيل:

إنّ اسمه حبقيق.(23:156)

الجبّائيّ: إنّه ولد له ولد ميّت،جسد بلا روح فألقي على سريره.(الطّبرسيّ 4:476)

الزّجّاج: جاء في التّفسير:أنّه كان لسليمان ابن فخاف عليه الشّياطين،لأنّ الشّياطين كانت تقدر (2)الرّاحة ممّا كانت فيه بموت سليمان،فقالت:إن بقي له ولد لم ننفكّ (3)ممّا نحن فيه،فغذاه في السّحاب إشفاقا عليه فمات،فألقي على كرسيّه جسد.فجائز أن يكون هذا مجازاته على ذنبه،و جائز أن يكون،فأثكله اللّه ولده.

و أكثر ما جاء في التّفسير:أنّ(جسدا)هاهنا شيطان،و أنّ سليمان أمر ألاّ يتزوّج امرأة إلاّ من بني إسرائيل،فتزوّج من غيرهم امرأة كانت تعبد غير اللّه، فعاقبه اللّه بأن سلبه ملكه،و كان ملكه في خاتمه فدفعه عند دخوله الحمّام إلى شيطان.و جاء في التّفسير:أنّه يقال له:صخر،فطرحه في البحر فمكث أربعين يوما، يتبه في الأرض،حتّى وجد الخاتم في بطن سمكة.و كان شيطان تصوّر في صورته و جلس مجلسه،و كان أمره ينفذ في جميع ما كان ينفذ فيه أمر سليمان،خلا نساء سليمان،إلى أن ردّ اللّه عليه ملكه.(4:332)

أبو مسلم الأصفهانيّ: إنّه جسد سليمان مرض، فكان جسده ملقى على كرسيّه.(الماورديّ 5:96)

نحوه بيان الحقّ النّيسابوريّ(2:248)،و المراغيّ (23:120).

النّقّاش: إنّه أكثر من وطأ جواريه طلبا للولد، فولد له نصف إنسان،فهو كان الجسد الملقى على كرسيّه.

(الماورديّ 5:96)ك.

ص: 585


1- و الرّواية طويلة أخذنا موضع الحاجة،إن شئت تفصيله راجع:«ف ت ن».
2- تتوقّع الخلاص منه.
3- لم نخلص من الفكاك.

النّحّاس:قد رويت في ذلك أخبار؛منها:أنّ شيطانا غلب على ملكه أيّاما،و منها:أنّ الشّياطين قتلت ابنه خوفا من أن يملكهم بعده،و ألقته على كرسيّه، و اللّه أعلم بما كان من ذلك.

و الكلام يوجب أنّه أزيل ملكه،فجلس آخر على كرسيّه.(6:113)

الماورديّ: في هذا الجسد أربعة أقاويل.[فذكر قول ابن بحر (1)و الشّعبيّ و النّقّاش ثمّ قال:]

الرّابع:أنّ اللّه كان قد جعل ملك سليمان في خاتمه، فكان إذا أجنب أو ذهب للغائط خلعه من يده و دفعه إلى أوثق نسائه،حتّى يعود فيأخذه،فدفعه مرّة إلى بعض نسائه و ذهب لحاجته،فجاء شيطان فتصوّر لها في صورة سليمان،فطلب الخاتم منها فأعطته إيّاه،و جاء سليمان بعده فطلبه،فقالت:قد أخذته،فأحسّ سليمان.(5:96)

الطّوسيّ: [ذكر قول ابن عبّاس الثّاني و مجاهد و السّدّيّ إلى أن قال:]

و الّذي قاله المفسّرون من أهل الحقّ و من نزّه الأنبياء عن القبائح و نزّه اللّه تعالى عن مثل ذلك،هو أنّه لا يجوز أن يمكّن اللّه تعالى جنيّا ليتمثّل في صورة نبيّ،لما في ذلك من الاستبعاد.و إنّ النّبوّة لا تكون في الخاتم، و أنّه تعالى لا يسلب النّبيّ نبوّته،و ليس في الآية شيء من ذلك،و إنّما قال فيها:إنّه ألقي على كرسيّه جسدا.

و قيل:في معنى ذلك الجسد أقوال:

منها:إنّ سليمان قال يوما في مجلسه،و فيه جمع كثير:

لأطوفنّ اللّيلة على مائة امرأة تلد كلّ امرأة منهنّ غلاما يضرب بالسّيف في سبيل اللّه،و كان له-في ما يروى- عدد كثير من السّراري.فأخرج الكلام على سبيل المحبّة لهذا الحال،فنزّهه اللّه عمّا ظاهره الحرص على الدّنيا،لئلاّ يقتدى به في ذلك.فلم يحمل من نسائه إلاّ امرأة واحدة ولدا ميّتا،فحمل حتّى وضع على كرسيّه جسدا بلا روح،تنبيها له على أنّه ما كان يجب أن يظهر منه ما ظهر،فاستغفر اللّه و فزع إلى الصّلاة و الدّعاء على وجه الانقطاع،لا على أنّ ذلك كان صغيرة.

و من قال من حيث إنّه لم يستثن مشيئة اللّه في ذلك، فقوله فاسد،لأنّه و إن لم يذكر مشيئة اللّه لفظا،فلا بدّ من تقديرها في المعنى،و إلاّ لم يأمن أن يكون خبره كذبا، و ذلك لا يجوز على الأنبياء عند من جوّز الصّغائر عليهم.

قال الحسن و غيره:لا يجوز على الأنبياء.

و منها:إنّه روي أنّ الجنّ لمّا ولد لسليمان ولد قالوا:

لنلقينّ منه ما لقينا من سليمان،فلمّا ولد له ولد أشفق منهم،فاسترضعه في المزن،فلم يشعر إلاّ و قد وضع على كرسيّه ميّتا،تنبيها على أنّ الحذر لا ينفع مع القدر.

و منها:إنّه ذكر أنّه ولد لسليمان ولد ابتلاه بصبره في إماتة ولده على كرسيّه.و قيل:إنّه أماته في حجره،و هو على كرسيّه،فوضعه من حجره.

و منها:ما ذكره أبو مسلم،فإنّه قال:يجوز أن يكون الجسد جسد سليمان،و أن يكون ذلك لمرض امتحنه اللّه به،و تقديره:و ألقينا منه على كرسيّه جسدا لشدّة المرض،كما يقولون:فلان لحم على وضم،إذا كان ضعيفا،و جسد بلا روح،تغليظا للعلّة،و قوّة الضّعف.

(8:562)ر.

ص: 586


1- هو أبو مسلم محمّد بن بحر.

نحوه أبو الفتوح(16:278)،و الطّبرسيّ(4:476).

الواحديّ: يعني الشّيطان الّذي كان على كرسيّه يقضي بين النّاس.(3:554)

البغويّ: [ذكر بعض الرّوايات ثمّ قال:]

و أشهر الأقاويل أنّ الجسد الّذي ألقي على كرسيّه هو صخر الجنّيّ...(4:72)

ابن عطيّة: و اختلف النّاس في الجسد الّذي ألقي على كرسيّه،فقال الجمهور:هو الجنّيّ المذكور،سمّاه (جسدا)،لأنّه كان قد تمثّل في جسد سليمان و ليس به.

و هذا أصحّ الأقوال و أبينها معنى.[ثمّ ذكر بعض الأقوال و أضاف:]

و هذا كلّه غير متّصل بمعنى هذه الآية.(3:505)

ابن الجوزيّ: فيه قولان:

أحدهما:أنّه شيطان،قاله ابن عبّاس،و الجمهور، و في اسم ذلك الشّيطان ثلاثة أقوال:

أحدها:شيطانا مريدا لم يسخّر لسليمان.

و الثّاني:آصف،قاله مجاهد،إلاّ أنّه ليس بالمؤمن الّذي عنده الاسم الأعظم،إلاّ أنّ بعض ناقلي التّفسير حكى أنّه آصف الّذي عنده علم من الكتاب،و أنّه لمّا فتن سليمان سقط الخاتم من يده فلم يثبت،فقال آصف:

أنا أقوم مقامك إلى أن يتوب اللّه عليك.فقام في مقامه، و سار بالسّيرة الجميلة.و هذا لا يصحّ،و لا ذكره من يوثق به.

و الثّالث:حبقيق،قاله السّدّيّ،و المعنى أجلسنا على كرسيّه في ملكه شيطانا.[إلى أن قال:القول الثّاني...و هو قول الشّعبيّ السّابق،ثمّ قال:]

و المفسّرون على القول الأوّل.(7:132)

الفخر الرّازيّ: [راجع:«ف ت ن»]

(26:207-209)

نحوه ابن عربيّ(2:353)،و النّيسابوريّ(32:91).

العكبريّ: (جسدا)هو مفعول(ألقينا)،و قيل:هو حال من مفعول محذوف،أي ألقيناه،قيل:سليمان، و قيل:ولده،على ما جاء في التّفسير.(2:1101)

القرطبيّ: قيل:شيطان في قول أكثر أهل التّفسير،ألقى اللّه شبه سليمان عليه السّلام،عليه و اسمه صخر بن عمير صاحب البحر...(15:199)

السّمين:[نحو العكبريّ و أضاف:]

...و لكن(جسدا)جامد فلا بدّ من تأويله بمشتقّ،أي ضعيفا أو فارغا.(5:536)

البروسويّ: المراد به في الآية القالب بلا روح.

(8:31)

الآلوسيّ: و إنّما قال سبحانه:(جسدا)لأنّه [الشّيطان]إنّما تمثّل بصورة غيره و هو سليمان عليه السّلام،و تلك الصّورة المتمثّلة ليس فيها روح صاحبها الحقيقيّ،و إنّما حلّ في قالبها ذلك الشّيطان،فلذا سمّيت جسدا.و عبارة «القاموس»صريحة في أنّ الجسد يطلق على الجنّيّ.[ثمّ نقل أقوال بعض المفسّرين](23:199)

القاسميّ: أي جسما مجسّدا،كناية عن صنم- على ما رووه-و إنّما أوثر الجسد عليه إجلالا لسليمان عليه السّلام، و إشارة إلى أنّ قصّته-إن صحّت-كانت أمرا عرض و زال،بدليل قوله تعالى: ثُمَّ أَنابَ. (14:5102)

الطّباطبائيّ: الجسد هو الجسم الّذي لا روح فيه.

ص: 587

قيل:المراد بالجسد الملقى على كرسيّه،هو سليمان نفسه لمرض امتحنه اللّه به،و تقدير الكلام:ألقيناه على كرسيّه جسدا،أي كجسد لا روح فيه من شدّة المرض.

و فيه:أنّ حذف الضّمير من(ألقيناه)و إخراج الكلام على صورته الّتي في الآية الظّاهرة،في أنّ الملقى هو الجسد،مخلّ بالمعنى المقصود،لا يجوز حمل أفصح الكلام فيه.

و لسائر المفسّرين أقوال مختلفة في المراد من الآية، تبعا للرّوايات المختلفة الواردة فيها.و الّذي يمكن أن يؤخذ من بينها إجمالا أنّه كان جسد صبيّ له،أماته اللّه و ألقى جسده على كرسيّه،و لقوله: ثُمَّ أَنابَ* قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي إشعار أو دلالة على أنّه كان له عليه السّلام فيه رجاء أو أمنيّة في اللّه،فأماته اللّه سبحانه و ألقاه على كرسيّه،فنبّهه أن يفوّض الأمر إلى اللّه و يسلم له.

(17:204)

عبد الكريم الخطيب :هذه الآية هي إشارة إلى هذه الفتنة الّتي فتن بها سليمان،و هو اشتغاله بهذا المتاع من الخيل،و حشد هذا الجهد منه و من حاشيته،و رعيّته في سبيله.

ففي قوله تعالى: وَ أَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً إشارة إلى أنّ اللّه سبحانه و تعالى قد فتنه بهذا المتاع الكثير الّذي ساقه إليه،و أنّ هذا المتاع كان عبئا ثقيلا على(كرسيّه)أي سلطانه،الّذي كان ينبغي أن يكون مكان النّبوّة فيه أبرز و أظهر من مقام الملك.و هذا هو السّرّ في كلمة(جسدا)الّذي يمثّل المتاع الدّنيويّ،الّذي يضمّه هذا الملك.إنّ كرسيّ سليمان قد ثقل فيه ميزان الملك،و كاد يجور على المكان الّذي ينبغي أن يكون للنّبوّة فيه الحظّ الأوفر،و النّصيب الأوفى!

و يجوز أن يكون قوله تعالى: وَ أَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً بمعنى و ألقيناه على كرسيّه جسدا،فيكون (جسدا)حال،بمعنى كائنا جسدا،على حين أنّ روحه قد زايله في تلك الحال،فرأى-من عالم روحه-وجوده الجسديّ قائما على الكرسيّ ملتصقا به.و هذا ما يعرف في الروحيّة الحديثة باسم«الطّرح الرّوحيّ»حيث تستطيع بعض الأرواح أن تنفصل عن أجسادها في حال اليقظة،فيرى الإنسان بروحه عوالم كثيرة بعيدة، و يشهد من وراء حجب المادّة الكثيفة ما يشهده عن قرب و عيان،و ممّا يشهده في حاله تلك وجوده الجسديّ.

و قد يكون سليمان عليه السّلام رأى في حال من أحوال الطّرح الرّوحيّ ذاته الجسديّة،على كرسيّ ملكه،على حين رأى ذاته الرّوحيّة بعيدة عن هذا الكرسيّ،فأنكر مقامه على هذا الكرسيّ،و هو على تلك الحال الّتي انفصلت فيها،أو كانت تنفصل عنه النّبوّة.(12:1086)

مكارم الشّيرازيّ: و قد أورد المفسّرون و المحدّثون تفسيرات متعدّدة في هذا المجال،أفضلها و أوضحها ما يلي:

إنّ سليمان عليه السّلام كان متزوّجا من عدّة نساء،و كان يأمل أن يرزق بأولاد صالحين شجعان،ليساعدوه في إدارة شئون البلاد و جهاد الأعداء،فحدّث نفسه يوما قائلا:لأطوفنّ على نسائي كي أرزق بعدد من الأولاد، لعلّهم يساعدونني في تحقيق أهدافي،و لكنّه غفل عن

ص: 588

قول:إن شاء اللّه،بعد تمام حديثه مع نفسه،تلك العبارة الّتي تبيّن توكّل الإنسان على اللّه سبحانه و تعالى،في كلّ الأمور و الأحوال،فلم يرزق سوى ولد ميّت ناقص الخلقة،جيء به و ألقي على كرسيّ سليمان عليه السّلام.

غرق سليمان عليه السّلام-هنا-في تفكير عميق،و تألّم، لكونه غفل عن اللّه لحظة واحدة،و اعتمد على قواه الذّاتيّة،فتاب إلى اللّه و عاد إليه...

و هناك تفسير آخر يمكن طرحه بعد التّفسير الأوّل، و هو أنّ اللّه سبحانه و تعالى امتحن سليمان بمرض شديد؛ بحيث طرحه على كرسيّه كجسد بلا روح من شدّة المرض،و عبارة«جسد بلا روح»مألوفة و دارجة في اللّغة العربيّة؛إذ تطلق على الإنسان الضّعيف و العليل.

و في نهاية الأمر تاب سليمان إلى اللّه،و أعاد اللّه إليه صحّته،و عاد كما كان قبل مرضه،و المراد من(أناب) هنا عودة الصّحّة و العافية إليه.

بالطّبع هناك إشكال ولد على هذا التّفسير؛إذ أنّ عبارة(ألقينا)كان يجب أن تأتي بصورة(ألقيناه)حتّى تتناسب مع التّفسير المذكور أعلاه،يعني أنّا ألقينا سليمان على كرسيّه جسدا بلا روح.في حين أنّ هذه العبارة لم ترد في الآية بتلك الصّورة،و إنّ تقديرها مخالف للظّاهر.

عبارة(أناب)في هذا التّفسير جاءت بمعنى عودة الصّحّة و العافية إليه،و هذا أيضا مخالف للظّاهر.أمّا إذا اعتبرنا أنّ معنى(أناب)هو التّوبة و العودة إلى اللّه،فإنّها لا تلحق أيّ ضرر بالتّفسير،و لهذا فإنّ الشّيء الوحيد المخالف لظاهر الآية هنا،هو حذف ضمير عبارة(ألقيناه).

«القصص الكاذبة و القبيحة الّتي تحدّثت عن فقدان خاتم سليمان،و عثور أحد الشّياطين عليه،و جلوس ذلك الشّيطان على عرش سليمان-كما ورد في بعض الكتب الّتي لا يستبعد أن يكون مصدرها هو كتاب «التّلمود»اليهوديّ المليء بالخرافات الإسرائيليّة-هذه القصص لا تتناسب مع العقل و المنطق.

و هذه القصص-في حقيقة الأمر-إنّما هي دليل انحطاط أفكار مبتدعيها،و لهذا فإنّ المحقّقين المسلمين أينما ذكروها أعلنوا بصراحة خلوّها من الصّحّة،و كونها مجرّد اختلاقات.(14:459)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجسد،و هو جسم الإنسان خاصّة،يقال منه:تجسّد،كما يقال:تجسّم، و الجمع:أجساد.

و المجسد و المجسد:الثّوب الّذي يلي جسد المرأة فتعرق فيه،يقال:أجسد الثّوب،أي ألزق بالجسد، و الجمع:مجاسد.

و الجسد و الجسد و الجاسد و الجسيد:الدّم اليابس، لأنّه عماد الجسم و نظامه،فلمّا يبس قاربه في الشّدّة؛ يقال:جسد به الدّم يجسد جسدا،أي لصق به.

و الجساد:الزّعفران و العصفر و نحوهما من الصّبغ الأحمر و الأصفر،و الجمع:مجاسد،و هو تشبيه بحمرة الدّم و جماده إذا يبس،يقال:قد أجسد ثوب فلان إجسادا فهو مجسد،أي صبغ،و ثوب مجسّد:مشبّع بالزّعفران أو العصفر.

و الجساد:وجع يأخذ في البطن،كأنّه يستوعب

ص: 589

الجسد كافّة.

و صوت مجسّد:مرقوم على نغمات و ألحان،تشبيها بجسد يبعث صوتا صداحا.

2-و قد استعمل«الجسد»كثيرا في النّصوص العربيّة القديمة و الحديثة على السّواء،كسائر مترادفاته،و هي:

الجسم و البدن و الجثّة و الجثمان بيد أنّه غير معروف في سائر اللّغات السّاميّة،كذا البدن و الجثمان،و أشهرها في هذه اللّغات-و منها العربيّة-الجسم مطلقا،كما لم يعرف لفظ«الجثّة»إلاّ في العربيّة و النّبطيّة.

3-و يطلق المتصوّفة لفظ«الجسد»غالبا على الصّورة المثاليّة،و يعتبره الفلاسفة روحا تظهر في جسم ناريّ كالجنّ،أو نوريّ كالأرواح الملكيّة و الإنسانيّة.

و التّجسّد عند النّصارى تحويل الكلمة جسدا في شخص المسيح،كما جاء في إنجيل يوحنّا(1:14):

«و الكلمة صار جسدا و حلّ بيننا»،زاعمين أنّ للمسيح طبيعتين:إلهيّة«لاهوت»،و إنسانيّة«ناسوت»في أقنوم واحد،هو الأقنوم الثّاني من الثّالوث الأقدس؛ سُبْحانَ اللّهِ وَ تَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ القصص:68.

الاستعمال القرآنيّ

جاءت منها كلمة واحدة أربع مرّات في أربع من المكّيّات:

1- وَ اتَّخَذَ قَوْمُ مُوسى مِنْ بَعْدِهِ مِنْ حُلِيِّهِمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ أَ لَمْ يَرَوْا أَنَّهُ لا يُكَلِّمُهُمْ وَ لا يَهْدِيهِمْ سَبِيلاً اتَّخَذُوهُ وَ كانُوا ظالِمِينَ الأعراف:148

2- فَأَخْرَجَ لَهُمْ عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ فَقالُوا هذا إِلهُكُمْ وَ إِلهُ مُوسى فَنَسِيَ طه:88

3- وَ لَقَدْ فَتَنّا سُلَيْمانَ وَ أَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ ص:34

4- وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ وَ ما كانُوا خالِدِينَ الأنبياء:8

يلاحظ أوّلا:أنّ(1)و(2)بشأن العجل الّذي اتّخذه بنو إسرائيل و عبدوه،و(3)بشأن الجسد الّذي ألقي على كرسيّ سليمان،و كلّها إثبات،أمّا(4)فجاءت بشأن الأنبياء عليهم السّلام نفيا.

ثانيا:في(1)و(2)بحوث:

1-أسند في(1)اتّخاذ العجل إلى بني إسرائيل قوم موسى،لأنّهم عبدوه،أمّا في(2)فأسند صنعه و إخراجه إلى السّامريّ،و جاءت قبلها حكاية عن قوم موسى جوابا لتعنيف موسى إيّاهم على إخلافهم موعده قالُوا ما أَخْلَفْنا مَوْعِدَكَ بِمَلْكِنا وَ لكِنّا حُمِّلْنا أَوْزاراً مِنْ زِينَةِ الْقَوْمِ فَقَذَفْناها فَكَذلِكَ أَلْقَى السّامِرِيُّ طه:87،كما أسند إضلالهم قبل آيتين إلى السّامريّ أيضا قالَ فَإِنّا قَدْ فَتَنّا قَوْمَكَ مِنْ بَعْدِكَ وَ أَضَلَّهُمُ السّامِرِيُّ طه:85.

و بالتّأمّل فيها يظهر أنّ السّامريّ أخرج لهم ممّا حمّلوه من زينة عدوّهم،عجلا و دعاهم إلى عبادته و أضلّهم،فاتّخذوه إلها.

2-جاء فيهما عِجْلاً جَسَداً لَهُ خُوارٌ بسياق واحد،و اختلفوا في أنّه هل تبدّل لحما و دما بلا روح استنادا إلى أنّ الجسد اسم للجسم من اللّحم و الدّم دون سائر الأجسام،و أنّ اللّه أثبت له خوارا،و يتأتّى ذلك من الحيوان،أو بقي ذهبا استنادا إلى أنّ الجسد اسم لكلّ

ص: 590

جسم،و أنّ الصّوت أشبه خوار الحيوان؟

و عندنا أنّ الجسد و الخوار كلاهما خاصّ بالحيوان إلاّ أنّهما أطلقا هنا تشبيها على سبيل الاستعارة.و كان هذا هو المتوقّع عن الزّمخشريّ حسب أسلوبه في التّفسير، إلاّ أنّه قال فيه:«بدنا ذا لحم و دم كسائر الأجسام» و لا اعتبار هنا بالرّوايات الإسرائيليّة.

3-اختلفوا في إعرابها هل أنّ(جسدا)بدل من (عجلا)-و اختاره الزّمخشريّ و تبعه جماعة-أو نعت له، أو عطف بيان من(عجلا)أو من(حليّهم)-و هذا الأخير خاصّ ب(1)و لا يصحّ لاختلاف إعرابهما-و احتمل العكبريّ كونه صفة ل(عجلا)قدّم فصار حالا.و لا وجه له لأنّه لم يقدّم على(عجلا).و أمّا«السّمين»فذكر الأقوال و رجّح البدل،و نفى كونه صفة،لأنّه ليس مشتقّا،فلا ينعت به إلاّ بتأويل(متجسّدا)كما نفى كونه عطف بيان،لأنّه في النّكرات قليل،أو ممتنع عند الجمهور،فالبدل متعيّن.

-و على كلّ حال ف(عجلا)مفعول ل(اتّخذ)في(1) و مفعوله الثّاني(إلها)محذوف-و ل(اخرج)في(2)و ليس له إلاّ مفعول واحد،و أيضا(له خوار)فيهما في محلّ النّصب نعتا ل(عجلا).

قال السّمين:«و هذا يقوّي كون(جسدا)نعتا لا بدلا،لأنّه إذا اجتمع نعت و بدل قدّم النّعت على البدل».و لو صحّ هذا لاختصّ بالمفرد دون الجملة،مع احتمال أن يكون(له خوار)حالا.

4-قال أبو حيّان:«و إنّما قال جسدا،لأنّه يمكن أن يتّخذ مخطوطا،أو مرقوما في حائط أو حجر أو غير ذلك،كالتّماثيل المصوّرة بالرّقم و الخطّ و الدّهان-الجلد الأحمر-و النّقش،فبيّن اللّه أنّه ذو جسد.

و هذا تعليل لطيف إلاّ أنّ تعليله بأنّه جسم أشبه جسدا بلا روح كما تقدّم منّا ألطف منه،و يوافق سائر الآيات أيضا،و لا بأس بالجمع بين الوجهين.و أمّا تعليله بأنّه جسد أي مجسّد أحمر ملوّن بلون الذّهب،فبعيد جدّا،لأنّه مدح له،و سياق الآيتين ذمّ و تحقير له.

ثالثا:لقد اختلف المفسّرون في تفسير(3) وَ أَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً و أتوا بالسّديد و السّقيم ممّا لا يليق بشأن نبيّ اللّه سليمان،و أخفّها إساءة،ما رواه أبو هريرة عن النّبيّ أنّه أخبر بكثرة أولاده في المستقبل، و لم يستثن،فولد له ولد واحد ميّتا و ألقي على كرسيّه، و نحن نعلم أنّ المفسّرين يعجبون بكلّ كلمة مبهمة في القرآن و لا سيّما في ثنايا القصص،لكي يطيلوا الكلام في تأويلها و توجيهها ممّا يشبه الأساطير،مع خلوّها عن فائدة أو هداية،و القرآن كتاب هداية و ليس كتاب القصص و الأساطير،و هذه الكلمة(جسدا)من هذا القبيل.

و يبدو أنّ جملة ممّا لفّقوه فيه من المواريث الإسرائيليّة،لأنّ القصّة جاءت بشأن ملك سليمان،و له قصص كثيرة في الإسرائيليّات،و لكنّنا لم نجدها في العهد القديم،فلعلّها كانت شائعة بين اليهود في أساطيرهم الأخيرة،فاعتمد عليها المفسّرون الأوائل،و كم لها من نظير!

و لعلّ أحسن ما قيل فيه هو ما احتمله أبو مسلم و العكبريّ و أوضحه الطّباطبائيّ،من أنّ سليمان بما كان له

ص: 591

من الملك و ما في قلبه من الآمال،ألقي على كرسيّه من شدّة المرض كجسد بلا روح.و توضيحه منّا:إذا مررنا في سورة(ص)على قصص داود و سليمان نرى أنّ اللّه أمر النّبيّ بالصّبر على ما كان المشركون يقولونه في حقّه، فذكّره بقصّة داود عليه السّلام ليقتدي به و يستغفر عمّا ضاق به صدره ممّا يقوله الكافرون،كأنّه ذنب صدر عنه،فقال في الآية(17)منها: اِصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَ اذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ ذَا الْأَيْدِ إِنَّهُ أَوّابٌ فحكى جملة ممّا آتاه اللّه من تسخير الجبال و الطّير و الملك و فصل الخطاب،إلى أن دخل عليه خصمان بغى بعضهما على بعض،فحكم بينهما بالحقّ إلى أن قال: وَ ظَنَّ داوُدُ أَنَّما فَتَنّاهُ فَاسْتَغْفَرَ رَبَّهُ وَ خَرَّ راكِعاً وَ أَنابَ* فَغَفَرْنا لَهُ ذلِكَ... ص:24، 25،فالتّفتين هذا-كما جاء في التّفاسير-ما صدر عن داود ممّا أشبه ما تخاصما إليه،و بعد عدّة آيات،رجع إلى قصّة سليمان في(30)بنفس السّياق،فقال: وَ وَهَبْنا لِداوُدَ سُلَيْمانَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوّابٌ ثمّ حكى قصّة ما عرض عليه من الخيل و اشتغاله بها و حبّه و مسحه إيّاها بالسّوق و الأعناق حتّى غروب الشّمس-و كان ذلك فتنة له-فاستغفر منها كما قال: وَ لَقَدْ فَتَنّا سُلَيْمانَ وَ أَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً ثُمَّ أَنابَ* قالَ رَبِّ اغْفِرْ لِي وَ هَبْ لِي مُلْكاً... ص:34،35،فيبدو أنّ اللّه فتنه بما أحبّ من الخيل و اشتغل بها،فأصابه المرض و ألقي على كرسيّه من شدّة المرض كجسد بلا روح،ثمّ استغفر اللّه، فغفر له و زاد في ملكه بتسخير الرّيح و الشّياطين له،كما جاء في الآيات بعدها.

يخطر بالبال أنّ اللّه أبان لنا في قصصهما-و قد جمع لهما النّبوّة و الملك-خطورة الملك حتّى لو كان الملك نبيّا من الأنبياء.

بقي الكلام في سرّ حذف ضمير المفعول الرّاجع إلى سليمان-بناء على هذا الوجه-حيث قال: وَ أَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً دون(و ألقيناه)و قد أشكل هذا على الطّباطبائيّ،فضعّف به هذا القول.

و عندنا أنّه تكريم لسليمان؛حيث أبهم الكلام إبهاما فلم يصرّح به،و اكتفى بما في(كرسيّه)و(أناب)من الضّمير الرّاجع إليه،فإنّ في وَ أَلْقَيْنا عَلى كُرْسِيِّهِ جَسَداً تجسيم له بصورة قبيحة،فذكره مبهما.

رابعا:في(4)بحوث:

1-إنّها جواب عن قول المشركين في صدر الآيات، من هذه السّورة وَ أَسَرُّوا النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُوا هَلْ هذا إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُكُمْ الأنبياء:3،و ليس فيها ذكر عن أكل الطّعام،لكنّه جاء في غيرها مثل: ما لِهذَا الرَّسُولِ يَأْكُلُ الطَّعامَ وَ يَمْشِي فِي الْأَسْواقِ الفرقان:7،و ليس فيها و لا في غيرها من الآيات ذكر عن الخلود،و لكنّه في زعمهم كان لازما لمن لا يأكل الطّعام.و قد فصّلنا القول في أمثال هذه الآية في(بشر)المعجم 5:620،فلاحظ.

2-قالوا في: وَ ما جَعَلْناهُمْ جَسَداً لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ تبعا للمبرّد:«أنّ العرب إذا جاءت بين الكلامين بجحدين كان الكلام إخبارا،فمعنى الآية إنّما جعلناهم جسدا ليأكلوا الطّعام،أي يرجع الكلام عن النّفي إلى الإثبات،لأنّ نفي النّفي إثبات،مثل«ما سمعت منك،و لا أقبل منك»أي إنّما سمعت منك لأقبل منك، و يوافقه قول قتادة في تفسير الآية:«ما جعلناهم جسدا

ص: 592

إلاّ ليأكلوا الطّعام»،و قول الضّحّاك:«و لكن جعلناهم جسدا فيها أرواح يأكلون الطّعام».و قول الطّبريّ:

«لم نجعلهم ملائكة لا يأكلون الطّعام،و لكن جعلناهم أجسادا مثلك يأكلون الطّعام».

3-قالوا في إفراد(جسدا)بدل(أجسادا)وفقا ل(جعلناهم)وجوها جمعها البيضاويّ في قوله:

«و توحيد الجسد لإرادة الجنس،أو لأنّه مصدر في الأصل،أو على حذف المضاف-أي ذوي جسم-أو تأويل الضّمير بكلّ واحد».

و نضيف إليها أنّ الإفراد للتّحقير،كأنّ جميعهم جسد بلا روح اكتفاء ب لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ فإنّها جمع يرفع الإبهام النّاشئ من إفراد(جسدا)لأنّه صفة له و مجموع الصّفة و الموصوف مفعول ل(جعلناهم)كما يأتي.

4-(جسدا)مفعول ثان ل(جعلناهم)و احتمل أبو السّعود كونه حالا عن الضّمير،فرقا بين الجعل الإبداعيّ و الجعل التّصييريّ،و لا وجه لما قاله،فلاحظ.

5-جملة لا يَأْكُلُونَ الطَّعامَ صفة ل(جسدا) و يلوح من الطّبرسيّ(4:39)أنّها حال منه،قال:

«تقديره غير آكلين الطّعام».

6-و عند البروسويّ كلام في فوائد الطّعام للأنبياء، نقلا عن«التّأويلات النّجميّة»ليس هنا محلّها،لاحظ «ط ع م».

ص: 593

ص: 594

ج س س

اشارة

تجسّسوا

لفظ واحد،مرّة واحدة في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :جسسته بيدي،أي لمسته لأنظر مجسّه، أي ممسّه.

و الجسّ:جسّ الخبر،و منه التّجسّس للجاسوس.

و الجسّاسة:دابّة في جزيرة البحر تجسّ الأخبار و تأتي الدّجّال.

و الجواسّ من الإنسان:اليدان و العينان و الفم و الشّمّ،الواحدة:جاسّة؛و يقال:بالحاء.(6:5)

أبو عمرو الشّيبانيّ: جسّ،إذا اختبر.

(الأزهريّ 10:449)

الجاسوس:صاحب سرّ الشّرّ،و النّاموس:صاحب سرّ الخير.(الخطّابيّ 1:84)

اللّحيانيّ: تجسّست فلانا و من فلان:بحثت عنه، كتحسّست.(ابن سيده 7:177)

ابن أبي اليمان:التّجسّس و التّحسّس:للأخبار، أي البحث عنها.(464)

ثعلب :التّحسّس بالحاء:أن يطلبه لنفسه، و التّجسّس بالجيم:أن يطلبه لغيره.(الهرويّ 1:361)

ابن دريد :جسّ الشّيء يجسّه جسّا،إذا لمسه بيده.

و مجسّ الشّيء و مجسّته:الموضع الّذي تقع عليه يدك منه إذا جسسته.

و قد يكون الجسّ بالعين أيضا،يقال:جسّ الشّخص بعينه،إذا أحدّ النّظر إليه ليستثبت.[ثمّ استشهد بشعر](1:51)

جاسوس:كلمة عربيّة،و هو«فاعول»من تجسّس.

(3:390)

الأزهريّ: يقال:تجسّست الخبر و تحسّسته،بمعنى واحد.

ص: 595

و العرب تقول:فلان ضيّق المجسّ،إذا لم يكن واسع السّرب.و فلان واسع المجسّ،إذا كان واسع السّرب رحيب الصّدر.

و يقال:إنّ في مجسّك لضيقا.(10:448)

الصّاحب: الجسّ:جسّ الخبر،و منه التّجسّس و الجاسوس.

و الجسّاسة:دابّة في جزائر البحر تجسّ الأخبار.

و المجسّ و المجسّة:ممسّة ما جسسته.

و الجواسّ من الإنسان:بمنزلة الحواسّ.

و الجسّ:جسّ النّصيّ و الصّلّيان؛حيث يخرج من الأرض على غير أرومة.

و اجتسّته الإبل،و في المثل في شواهد الظّاهر على الباطن:«أفواهها مجاسّها»أي حيث يجسّ من الإبل و الغنم.

و جسّ:زجر للبعير،لا يصرّف منه فعل.(6:387)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«...و لا تجسّسوا و لا تحسّسوا»التّجسّس:البحث عن باطن أمور النّاس، و أكثر ما يقال ذلك في الشّرّ.

و أمّا«التّحسّس»بالحاء فقد اختلفوا في تفسيره، فقال بعضهم:هو كالتّجسّس سواء،و قرأ الحسن:

(و لا تحسّسوا) .

و يقال:خرج القوم يتحسّسون الأخبار و يتحسّبون و يتنحّسون،أي يطلبونها و يسألون عنها.[ثمّ استشهد بشعر]

و منهم من فرّق بينهما،روى الوليد عن الأوزاعيّ عن يحيى بن أبي كثير أنّه قال:التّجسّس:البحث عن عورات المسلمين،و التّحسّس:الاستماع لحديث القوم.

و كان أبو عمرو يقول:التّحسّس بالحاء:أن يطلبه لنفسه،و التّجسّس:أن يكون رسولا لغيره.

و كان يقول في الفرق بين النّمّام و القتّات و القسّاس نحوا من ذلك،قال:النّمّام:الّذي يكون مع القوم يتحدّثون فينمّ حديثهم،و القتّات:الّذي يتسمّع على القوم و هم لا يعلمون،ثمّ ينمّ حديثهم،و القسّاس:

الّذي يقسّ الأخبار،أي يسأل النّاس عنها،ثمّ ينثوها على أصحابها،سمعته يقول ذلك.(1:84)

الجوهريّ: جسّه بيده و اجتسّه،أي مسّه.

و المجسّة:الموضع الّذي يجسّه الطّبيب،و في المثل:

«أفواهها مجاسّها»لأنّ الإبل إذا أحسنت الأكل اكتفى النّاظر إليها بذلك،في معرفة سمنها من أن يجسّها.

و جسست الأخبار و تجسّستها،أي تفحّصت عنها، و منه الجاسوس.(3:913)

نحوه الرّازيّ.(119)

ابن فارس: الجيم و السّين أصل واحد،و هو تعرّف الشّيء بمسّ لطيف،يقال:جسست العرق و غيره جسّا.

و الجاسوس«فاعول»من هذا،لأنّه يتخبّر ما يريده بخفاء و لطف.(1:414)

الماورديّ: في الفرق بينهما وجهان:

أحدهما:أنّ التّجسّس بالجيم هو البحث،و منه قيل:

رجل جاسوس،إذا كان يبحث عن الأمور؛و بالحاء هو ما أدركه الإنسان ببعض حواسّه.

الثّاني:أنّه بالحاء:أن يطلبه لنفسه،و بالجيم:أن يكون رسولا لغيره،و التّجسّس أن يجسّ الأخبار لنفسه

ص: 596

و لغيره.(5:334)

ابن سيده: جسّه بيده يجسّه جسّا:لمسه.

و المجسّة:الموضع الّذي تقع عليه يده إذا جسّه.

و جسّ الشّخص بعينه:أحدّ النّظر إليه ليستبينه و يستثبته.[ثمّ استشهد بشعر]

و جسّ الخبر و تجسّسه:بحث عنه.

و الجاسوس:الّذي يتجسّس الأخبار.

و الجسّاسة:دابّة في جزائر البحر تجسّ الأخبار و تأتي بها الدّجّال،زعموا.

و جواسّ الإنسان:معروفة،و هي عند الأوائل:

الحواسّ.

و جسّاس:اسم رجل،و كذلك جساس.[و قد استشهد لهما بشعر](7:177)

الرّاغب: أصل الجسّ:مسّ العرق و تعرّف نبضه، للحكم به على الصّحّة و السّقم،و هو أخصّ من الحسّ.

فإنّ الحسّ:تعرّف ما يدركه الحسّ،و الجسّ:تعرّف حال ما من ذلك.و من لفظ«الجسّ»اشتقّ الجاسوس.(93)

مثله الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:382)

الزّمخشريّ: جسّ الطّبيب يده،و مجسّته حارّة.

و جسّ الشّاة:غبطها،و كيف ترى مجسّتها؟فتقول:دالّة على السّمن.

و في مثل:«أفواهها مجاسّها»أي إذا رأيتها تجيد الأكل أو لا،فكأنّما جسستها.

و من المجاز:جسّوه بأعينهم،و فلان واسع المجسّ، كما تقول:رحيب الذّراع،و في ضدّه:ضيّق المجسّ.و إنّ في مجسّتك لضيقا،و تجسّسوا الأخبار،و هو من جواسيس العدوّ.و اجتسّت الإبل البارض:التمسته بأفواهها.(أساس البلاغة:59)

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: «إيّاكم و الظّنّ،فإنّ الظّنّ أكذب الحديث،و لا تجسّسوا،و لا تحسّسوا».

هو بالجيم:تعرّف الخبر بتلطّف و نيقة،و منه الجاسوس.

و جسّ الطّبيب اليد.و بالحاء:تطلّب الشّيء بحاسّة كالتّسمّع على القوم.(الفائق 1:214)

المدينيّ: في حديث تميم رضي اللّه عنه،قال:«أنا الجسّاسة»إنّما سمّيت به،لأنّها تتجسّس الأخبار للدّجال.(1:328)

ابن الأثير: (لا تجسّسوا)التّجسّس بالجيم:

التّفتيش عن بواطن الأمور،و أكثر ما يقال في الشّرّ.

و الجاسوس:صاحب سرّ الشّرّ،و النّاموس:صاحب سرّ الخير.و قيل:التّجسّس بالجيم:أن يطلبه لغيره، و بالحاء:أن يطلبه لنفسه.

و قيل بالجيم:البحث عن العورات،و بالحاء:

الاستماع.و قيل:معناهما واحد،في تطلّب معرفة الأخبار.

(1:272)

نحوه الطّريحيّ.(4:57)

الصّغانيّ: و الجسّاس:الأسد.

و العرب تقول:فلان ضيّق المجسّة،إذا لم يكن واسع السّرب،و لم يكن رحيب الصّدر.

و يقال:في مجسّك ضيق.

و جسّ بالكسر:زجر للبعير.و قال ابن دريد:

لم يتصرّف له فعل.(3:332)

الفيّوميّ: جسّه بيده جسّا من باب«قتل»،

ص: 597

و اجتسّه ليتعرّفه.

و جسّ الأخبار و تجسّسها:تتبّعها،و منه الجاسوس، لأنّه يتتبّع الأخبار و يفحص عن بواطن الأمور،ثمّ استعير لنظر العين.

و قيل في الإبل:«أفواهها مجاسّها»لأنّ الإبل إذا أحسنت الأكل اكتفى النّاظر إليها بذلك في معرفة سمنها.

و قيل للموضع الّذي يمسّه الطّبيب:مجسّة.

و الجاسّة:لغة في الحاسّة،و الجمع:الجواسّ.

(1:101)

الفيروزآباديّ: الجسّ:المسّ باليد كالاجتساس، و موضعه:المجسّة،و تفحّص الأخبار كالتّجسّس، و منه:الجاسوس و الجسيس،لصاحب سرّ الشّرّ.

و الجواسّ:الحواسّ،و في المثل:أحناكها،أو يقال:

«أفواهها مجاسّها»لأنّ الإبل إذا أحسنت الأكل اكتفى النّاظر بذلك في معرفة سمنها من أن يجسّها و يضبثها، يضرب في شواهد الأشياء الظّاهرة المعربة عن بواطنها.

و فلان ضيّق المجسّة:غير رحيب الصّدر.

و جسّه بعينه:أحدّ النّظر إليه ليستثبت.

و الجسّاسة:دابّة تكون في الجزائر تجسّ الأخبار، فتأتي بها الدّجّال.

و الجسّاس ككتّان:الأسد المؤثّر في الفريسة ببراثنه.

و جسّ بالكسر:زجر للبعير.

(و لا تجسّسوا)أي خذوا ما ظهر و دعوا ما ستر اللّه عزّ و جلّ،أو لا تفحصوا عن بواطن الأمور،أو لا تبحثوا عن العورات.

و اجتسّت الإبل الكلأ:رعته بمجاسّها.(2:211)

مجمع اللّغة: الأصل في الجسّ:مسّ الجسم لتعرّف حاله،كمسّ العرق لتعرّف نبضه للحكم به على الصّحّة و المرض.

جسّ الشّيء جسّا:مسّه بيده يتعرّفه.

و التّجسّس:تتبّع الأخبار،و الفحص عن بواطن الأمور.(1:194)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:107)

محمود شيت: تجسّس الخبر:بحث عنه و فحصه.

الجاسوس:العين و الوكيل.

المجسّ:جهاز لاسلكيّ يكون عند المشاة و القطعات الأرضيّة للاتّصال بالطّائرات في الجوّ، لتوجيهها إلى الأهداف المناسبة.(1:143)

المصطفويّ: الجسّ هو التّعرّف و التّخبّر بتدبير و لطف،و الحسّ:أعمّ منه لكونه مطلق الإدراك و الإحساس.(2:91)

النّصوص التّفسيريّة

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَ لا تَجَسَّسُوا... الحجرات:12

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: يا معشر من أسلم بلسانه و لم يخلص الإيمان إلى قلبه،لا تذمّوا المسلمين و لا تتّبعوا عوراتهم، فإنّه من تتبّع عوراتهم تتبّع اللّه عورته،و من تتبّع اللّه عورته يفضحه و لو في بيته.(البحرانيّ 9:148)

ابن مسعود: ...إنّا قد نهينا عن التّجسّس،فإن ظهر لنا شيء أخذنا به.(الزّمخشريّ 3:568)

ابن عبّاس: لا تبحثوا عن عيب أخيكم،و لا تطلبوا

ص: 598

ما ستر اللّه عليه.(437)

نهى اللّه المؤمن أن يتتبّع عورات المؤمن.

(الطّبريّ 26:135)

مجاهد :خذوا ما ظهر لكم و دعوا ما ستر اللّه.

(الطّبريّ 26:135)

الإمام الباقر عليه السّلام: أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يؤاخي الرّجل على الدّين،فيحصي عليه عثراته و زلاّته،ليعنّفه بها يوما ما.(البحرانيّ 9:148)

قتادة :هل تدرون ما التّجسّس أو التّجسيس؟هو أن تتبّع،أو تبتغي عيب أخيك،لتطّلع على سرّه.

(الطّبريّ 26:135)

الأوزاعيّ: هو البحث عمّا خفي حتّى يظهر.

(الماورديّ 5:334)

ابن زيد :...حتّى أنظر في ذلك و أسأل عنه،حتّى أعرف،حقّ هو أم باطل؟فسمّاه اللّه تجسّسا،يتجسّس كما يتجسّس الكلاب.(الطّبريّ 26:135)

الفرّاء: القرّاء مجتمعون على الجيم.(3:73)

أبو عبيدة :(و لا تجسّسوا)و لا تحسّسوا سواء، و التّجسّس:التّبحّث،يقال:رجل جاسوس.[ثمّ استشهد بشعر](2:220)

الماورديّ: في التّجسّس و التّحسّس وجهان:

أحدهما:أنّ معناهما واحد،قاله ابن عبّاس.و قرأ الحسن بالحاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و الوجه الثّاني:أنّهما مختلفان.(5:334)

الأخفش: ليس يبعد أحدهما[التّجسّس و التّحسّس]عن الآخر،إلاّ أنّ التّجسّس عمّا يكتم، و منه الجاسوس،و التّحسّس بالحاء:البحث عمّا تعرفه.

(الطّبرسيّ 5:137)

الطّوسيّ: قيل:للمؤمن حقّ على المؤمن ينافي التّجسّس عن مساوئه.

و قيل:يجب على المؤمن أن يتجنّب ذكره المستور عند النّاس بقبيح،لأنّ عليهم أن يكذّبوه و يردّوا عليه، و إن كان صادقا عند اللّه،لأنّ اللّه ستره عن النّاس.و إنّما دعا اللّه تعالى المؤمن إلى حسن الظّنّ في بعضهم ببعض للألفة و التّناصر على الحقّ،و نهوا عن سوء الظّنّ،لما في ذلك من التّقاطع و التّدابر.(9:350)

الواحديّ: التّجسّس:البحث عن عيوب المسلمين و عوراتهم،يقول:لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه حتّى يطّلع عليه إذا ستره اللّه.(4:156)

نحوه البغويّ(4:262)،و مجمع اللّغة(1:194)، و عزّة دروزة(10:131).

الزّمخشريّ: قرئ (و لا تحسّسوا) بالحاء،و المعنيان متقاربان.و يقال:تجسّس الأمر،إذا تطلّبه و بحث عنه «تفعّل»من الجسّ،كما أنّ التّلمّس بمعنى التّطلّب من اللّمس،لما في اللّمس من الطّلب.و قد جاء بمعنى الطّلب، في قوله تعالى: وَ أَنّا لَمَسْنَا السَّماءَ الجنّ:8.

و التّحسّس:التّعرّف من الحسّ،و لتقاربهما قيل لمشاعر الإنسان:الحواسّ بالحاء و الجيم.

و المراد:النّهي عن تتّبع عورات المسلمين و معايبهم و الاستكشاف عمّا ستروه.(3:568)

نحوه أبو السّعود.(6:117)

ابن عطيّة: أي لا تبحثوا على مخبآت أمور النّاس،

ص: 599

و ادفعوا بالّتي هي أحسن،و اجتزوا بالظّواهر الحسنة.

و قرأ الحسن و أبو رجاء و ابن سيرين و الهذليّون:

(لا تحسّسوا) بالحاء غير منقوطة.

و قال بعض النّاس: التّجسّس بالجيم:في الشّرّ، و التّحسّس بالحاء:في الخير،و هكذا ورد القرآن،و لكن قد يتداخلان في الاستعمال.

و قال أبو عمرو ابن العلاء: التّجسّس:ما كان من وراء وراء،و التّحسّس بالحاء:الدّخول و الاستعلام؛ و صحّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«و لا تجسّسوا و لا تحسّسوا و لا تدابروا،و كونوا عباد اللّه إخوانا».(5:151)

الفخر الرّازيّ: قال تعالى: وَ لا تَجَسَّسُوا إتماما لما سبق لأنّه تعالى لمّا قال: اِجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ فهم منه أنّ المعتبر اليقين،فيقول القائل:أنا أكشف فلانا، يعني أعلمه يقينا و أطّلع على عيبه مشاهدة،فأعيب فأكون قد اجتنبت الظّنّ،فقال تعالى:و لا تتّبعوا الظّنّ، و لا تجتهدوا في طلب اليقين في معايب النّاس.

(28:134)

القرطبيّ: قرأ أبو رجاء و الحسن باختلاف، و غيرهما (و لا تحسّسوا) بالحاء.

و اختلف هل هما بمعنى واحد أو بمعنيين،فقال الأخفش:ليس تبعد إحداهما من الأخرى،لأنّ التّجسّس:البحث عمّا يكتم عنك،و التّحسّس بالحاء:

طلب الأخبار و البحث عنها.و قيل:إنّ التّجسّس بالجيم:

هو البحث،و منه قيل:رجل جاسوس،إذا كان يبحث عن الأمور،و بالحاء:هو ما أدركه الإنسان ببعض حواسّه.

و قول ثان في الفرق:أنّه بالحاء:تطلّبه لنفسه، و بالجيم:أن يكون رسولا لغيره،قاله ثعلب؛و الأوّل أعرف.جسست الأخبار و تجسّستها،أي تفحّصت عنها،و منه الجاسوس.

و معنى الآية:خذوا ما ظهر و لا تتبّعوا عورات المسلمين،أي لا يبحث أحدكم عن عيب أخيه،حتّى يطّلع عليه بعد أن ستره اللّه.[ثمّ أتى بروايات في حرمة التّجسّس](16:332)

نحوه ابن كثير(6:380)،و الآلوسيّ(26:157).

البيضاويّ: و لا تبحثوا عن عورات المسلمين «تفعّل»من الجسّ،باعتبار ما فيه من معنى الطّلب كالتّلمّس.و قرئ بالحاء من الحسّ الّذي هو أثر الجسّ و غايته،و لذلك قيل للحواسّ:الجواسّ.(2:410)

نحوه المشهديّ.(9:607)

الخازن :أي لا تبحثوا عن عيوب النّاس.نهى اللّه البحث عن المستور من أمور النّاس و تتبّع عوراتهم، حتّى لا يظهر على ما ستره.[ثمّ ذكر روايات و بعض الأقوال المتقدّمة](6:189)

نحوه الشّربينيّ.(4:70)

البروسويّ: وَ لا تَجَسَّسُوا أصله:«لا تتجسّسوا» حذف منه إحدى التّاءين،أي و لا تبحثوا عن عورات المسلمين و عيوبهم«تفعّل»من الجسّ،لما فيه من معنى الطّلب.فإنّ جسّ الخبر:طلبه و التّفحّص عنه.فإذا نقل إلى باب«التّفعّل»يحدث معنى التّكلّف منضمّا إلى ما فيه من معنى الطّلب،يقال:جسست الأخبار،أي تفحّصت عنها.و إذا قيل:تجسّستها،يراد معنى التّكليف كالتّلمّس،فإنّه«تفعّل»من اللّمس،و هو المسّ باليد

ص: 600

لتعرّف حال الشّيء.فإذا قيل:تلمّس،يحدث معنى التّكلّف و الطّلب مرّة بعد أخرى.و قد جاء بمعنى «الطّلب»في قوله: وَ أَنّا لَمَسْنَا السَّماءَ الجنّ:8.

و قرئ بالحاء من الحسّ الّذي هو أثر الجسّ و غايته، و لتقاربهما يقال للمشاعر:الحواسّ،بالحاء و الجيم.

و في«الإحياء»:التّجسّس بالجيم في تطلّع الأخبار، و بالحاء المهملة في المراقبة بالعين،و في«إنسان العيون»:

التّحسّس للأخبار بالحاء المهملة أن يفحص الشّخص عن الأخبار بنفسه،و بالجيم أن يفحص عنها بغيره.

و جاء تحسّسوا و لا تجسّسوا انتهى.[إلى أن قال:] في الحديث:«لا تتبّعوا عورات المسلمين،فإنّ من تتبّع عورات المسلمين تتبّع اللّه عورته،حتّى يفضحه، و لو في جوف بيته.[ثمّ استشهد بشعر و ذكر بعض الأحاديث](9:86)

القاسميّ: و لمّا كان من ثمرات سوء الظّنّ التّجسّس،فإنّ القلب لا يقنع بالظّنّ،و يطلب التّحقيق فيشتغل بالتّجسّس،ذكر سبحانه النّهي عنه،إثر سوء الظّنّ لذلك،فقال تعالى: وَ لا تَجَسَّسُوا. [ثمّ ذكر روايات](15:5463)

مغنيّة: وَ لا تَجَسَّسُوا التّجسّس:تتبّع العورات و العثرات،و البحث عنها في الخفاء.و هو محرّم كتابا و سنّة و إجماعا و عقلا،فمن الكتاب قوله تعالى:

وَ لا تَجَسَّسُوا، و قوله: لا تَدْخُلُوا بُيُوتاً غَيْرَ بُيُوتِكُمْ -إلى- حَتّى يُؤْذَنَ لَكُمْ النّور:28.

و من السّنّة قول الرّسول الأعظم صلّى اللّه عليه و سلّم:«من اطّلع عليك فحذفته بحصاة ففقأت عينيه فلا جناح عليك».

و قد أجمع الفقهاء قولا واحدا على العمل بهذا الحديث.

أمّا العقل فإنّه يعتبر التّجسّس غزوا لحياة النّاس، و اعتداء على حرّيّاتهم و أشيائهم الخاصّة بهم،من معلومات و عادات.

تذكّرت،و أنا أكتب هذه الكلمات مقالا مطوّلا في هذا الموضوع،نشرته جريدة الأهرام،عدد 27-6- 1969،قرأته آنذاك،و احتفظت به في ملفّ قصاصات الصّحف الّتي أحتفظ بها و أدّخرها إلى وقت الحاجة، فرجعت إلى المقال،و قرأته من جديد،فإذا بي أقرأ ما لا يبلغه الخيال،و فيما يلي بعض ما جاء فيه:

«لقد تساقطت الجدران في الولايات المتّحدة حتّى أصبح الأمريكيّون بفضل الغزو الالكتروني المنظّم يشعرون بأنّ الجدران ليست لها آذان و حسب،بل عيون و عدسات أيضا،كما تقول«مجلّة التّايم».لقد اخترعوا في الولايات المتّحدة جهازا بحجم المليم الصّغير،يسترق و يسجّل السّمع،و يمكن وضعه في «الجاكت (1)»كالزّر،و هو في متناول كلّ فرد،و يتراوح ثمنه بين 10 و 15 دولارا.و في نيويورك تجّار يعلنون في الصّحف عن أجهزة تسترق السّمع من بيوت النّاس و منازلهم،و تعرض في الأسواق كلعب الأطفال، و لا يزيد ثمنها على 18 دولارا،و إذا وضع واحد من هذه الأجهزة في سيّارة،تقبع في اتّجاه العمارة-سجّل كلّ كلمة تقال في داخل العمارة.بل هناك جهاز لاستراق السّمع لا يزيد حجمه على حبّة العدس الصّغيرة يمكن أن يوضع في القلم و ما أشبه،و تعمل بطّاريته بين 18 و 50 ساعةة.

ص: 601


1- رداء يشبه السّترة.

و أيضا اخترعوا في الولايات المتّحدة جهازا صغيرا للإرسال،يذيع ما يدور في البيوت على بعد 50 قدما منها،و ثمنه 400 دولار.و أعجب من ذلك كلّه«كاميرا» تصوّر من وراء الجدران كلّ ما يفعله الإنسان بالحمّام و المخدع،في أحلك الظّلمات.و أيضا يمكن رسم وشم على الطّفل ساعة ولادته،و بسببه ترصد جميع حركاته طول حياته.و يوجد في أنحاء الولايات المتّحدة شركات تجمع المعلومات و التّحرّكات الخاصّة للشّخصيّات السّياسيّة و العلميّة و الأدبيّة و الماليّة و غيرهم،و تسجّل أقوالهم و تصوّر أفعالهم حتّى الجنسيّة مع الزّوجات و غيرهنّ،و تزوّد من شاء بهذه المعلومات مقابل دولار واحد،و تسمّى هذه الشّركات«بنوك المعلومات».كلّ ذلك و ما إليه يحدث على علم من السّلطة دون أن تحرّك ساكنا،لأنّه معتاد و مألوف تماما كبيع الجرائد».

هذا قليل من كثير.فقد ألّف الباحثون كتبا خاصّة في هذا الموضوع،و لو اقتصر تجسّس الأمريكيّين على بعضهم البعض،لقلنا مع الموالين لهم:إنّ لكلّ بلد تمام الحرّيّة في أن يختار لنفسه ما يشاء،و لكن الأمريكيّين تجاوزوا ذلك إلى التّجسّس على دول الأرض و شعوبها بالطّائرات و الأقمار الصّناعيّة.و لا تعجب أيّها القارئ فإنّ الولايات المتّحدة بلد الحضارة و الدّيمقراطيّة، و سيّدة العالم الحرّ،و قائدة الاستعمار الجديد،و فوق ذلك تؤمن باللّه و المثل العليا.و لا شيء أدلّ على إيمانها باللّه و اليوم الآخر من مذبحة«سنونج ماي»بفيتنام الجنوبيّة، و من تزويدها إسرائيل بأحدث الأسلحة لتقضي بها على شعب فلسطين،و تقتل أبناءه بالجملة،و تلقي الصّواريخ من طائرات الفانتوم على أطفال المدارس في الجمهوريّة العربيّة المتّحدة.حقّا أنّ الولايات المتّحدة أعظم دولة في هذا الميدان،و العاقبة للمتّقين.(7:120)

الطّباطبائيّ: وَ لا تَجَسَّسُوا. التّجسّس بالجيم:

تتبّع ما استتر من أمور النّاس للاطّلاع عليها،و مثله:

التّحسّس بالحاء المهملة،إلاّ أنّ التّجسّس بالجيم يستعمل في الشّرّ،و التّحسّس بالحاء يستعمل في الخير، و لذا قيل:معنى الآية لا تتبّعوا عيوب المسلمين لتهتكوا الأمور الّتي سترها أهلها.(18:323)

ابن عاشور :التّجسّس:من آثار الظّنّ،لأنّ الظّنّ يبعث عليه حين تدعو الظّانّ نفسه إلى تحقيق ما ظنّه سرّا،فيسلك طريق التّجنيس (1)،فحذّرهم اللّه من سلوك هذا الطّريق للتّحقّق،ليسلكوا غيره إن كان في تحقيق ما ظنّ فائدة.

و التّجسّس:البحث بوسيلة خفيّة و هو مشتقّ من الجسّ،و منه سمّي الجاسوس.

و التّجسّس من المعاملة الخفيّة عن المتجسّس عليه.

و وجه النّهي عنه أنّه ضرب من الكيد و التّطلّع على العورات.و قد يرى المتجسّس من المتجسّس عليه ما يسوءه،فتنشأ عنه العداوة و الحقد.و يدخل صدره الحرج و التّخوّف بعد أن كانت ضمائره خالصة طيّبة؛ و ذلك من نكد العيش.

و ذلك ثلم للأخوة الإسلاميّة،لأنّه يبعث على إظهار التّنكّر،ثمّ إن اطّلع المتجسّس عليه على تجسّس الآخر ساءه،فنشأ في نفسه كره له و انثلمت الأخوّة ثلمةس.

ص: 602


1- الظّاهر:التّجسّس.

أخرى،كما وصفنا في حال المتجسّس،ثمّ يبعث ذلك على انتقام كليهما من أخيه.

و إذ قد اعتبر النّهي عن التّجسّس من فروع النّهي عن الظّنّ،فهو مقيّد بالتّجسّس الّذي هو إثم أو يفضي إلى الإثم،و إذا علم أنّه يترتّب عليه مفسدة عامّة صار التّجسّس كبيرة.و منه التّجسّس على المسلمين لمن يبتغي الضّرّ بهم.

فالمنهيّ عنه هو التّجسّس الّذي لا ينجرّ منه نفع للمسلمين أو دفع ضرّ عنهم،فلا يشمل التّجسّس على الأعداء،و لا تجسّس الشّرطة على الجناة و اللّصوص.

(26:211)

فضل اللّه : وَ لا تَجَسَّسُوا بالبحث عن أسرار الآخرين الخفيّة،ممّا لا يريدون اطّلاع النّاس عليه من قضاياهم الذّاتيّة أو الاجتماعيّة أو الاقتصاديّة أو العسكريّة و غير ذلك،لأنّ اللّه أعطى الحياة الخاصّة حرمة شرعيّة لم يجز للغير اقتحامها،و جعل للإنسان الحقّ في منع غيره من الاعتداء أو التّلصّص عليها بأيّة وسيلة من وسائل المعرفة الظّاهرة أو الخفيّة.

و قد يكون من الضّرورة التّنبيه على أنّ هذا المبدأ الاجتماعيّ لا يشمل الحالات الّتي تمسّ فيها المصلحة العليا للإسلام و المسلمين،و الّتي قد تستدعي الاطّلاع على بعض الأوضاع الخفيّة للأشخاص و المواقع و الأحداث المتعلّقة بالآخرين،ممّا يخاف ضرره،أو يراد نفعه،أو يركّز قاعدته،فيجوز لوليّ أمر المسلمين اللّجوء إلى هذا الأسلوب في نطاق الضّرورة الأمنيّة و السّياسيّة و الاقتصاديّة،انطلاقا من قاعدة التّزاحم بين المهمّ و الأهمّ،لتغليب المصلحة الّتي تقف في مستوى الأهمّيّة القصوى على المفسدة النّاشئة من التّجسّس، فإنّ حرمة المسلمين تتقدّم على حرمة الشّخص أو الأشخاص،في ذلك كلّه.(21:153)

مكارم الشّيرازيّ: و التّجسّس و التّحسّس كلاهما بمعنى البحث و التّقصّي،إلاّ أنّ الكلمة الأولى غالبا ما تستعمل في البحث عن الأمور غير المطلوبة،و الكلمة الثّانية على العكس فهي تستعمل في البحث عن الأمور المطلوبة أو المحبوبة،و منه ما ورد على لسان يعقوب في وصيّته ولده يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ يوسف:87.

و في الحقيقة أنّ سوء الظّنّ باعث على التّجسّس، و التّجسّس باعث على كشف الأسرار و ما خفي من أمور النّاس،و الإسلام لا يبيح أبدا كشف أسرار النّاس.

و بتعبير آخر:أنّ الإسلام يريد أن يكون النّاس في حياتهم الخاصّة آمنين من كلّ الجهات،و بديهيّ أنّه لو سمع الإسلام لكلّ أحد أن يتجسّس على الآخرين،فإنّ ماء وجوه النّاس و حيثيّاتهم تمضي مع الرّيح،و تنشأ «حياة جهنّميّة»يعذّب فيها جميع أفراد المجتمع.

و بالطّبع فإنّ هذا الأمر لا ينافي وجود أجهزة «مخابرات»في الحكومة الإسلاميّة لمواجهة المؤامرات.

و لكن هذا لا يعني أنّ لهذه الأجهزة حقّ التّجسّس في حياة النّاس الخاصّة،كما سنبيّن ذلك بإذن اللّه فيما بعد.

و أخيرا فإنّ الآية تضيف في آخر هذه الأوامر و التّعليمات ما هو في الحقيقة نتيجة عن الآمرين السّابقين و معلولهما،فتقول: وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً.

ص: 603

و هكذا فإنّ سوء الظّنّ هو أساس التّجسّس، و التّجسّس يستوجب إفشاء العيوب و الأسرار، و الاطّلاع عليها يستوجب الاغتياب،و الإسلام ينهى عن جميعها علّة و معلولا.

و لتقبيح هذا العمل يتناول القرآن مثلا بليغا يجسّد هذا الأمر،فيقول: أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ!

ملاحظات:

1-الأمن الاجتماعيّ الكامل:

إنّ الأوامر أو التّعليمات السّتّة الواردة في الآيتين آنفتي (1)الذّكر«1-النّهي عن السّخريّة.2-و اللّمز.3- و التّنابز بالألقاب.4-و سوء الظّنّ.5-و التّجسّس.6- و الاغتياب».متى ما تحقّقت في المجتمع،فإنّ ماء الوجه و الحيثيّات في ذلك المجتمع تكون مضمونة من جميع الجهات،فلا يستطيع أحد أن يسخر من الآخرين-على أنّه أفضل-و لا يمدّ لسانه باللّمز،و لا يستطيع أن يهتك حرمتهم باستعمال الألقاب القبيحة،و لا يحقّ له حتّى أن يسيء الظّنّ،و لا يتجسّس عن حياة الأفراد الخاصّة، و لا يكشف عيوبهم الخفيّة باغتيابهم.

و بتعبير آخر إنّ للإنسان رءوس أموال أربعة،يجب أن تحفظ جميعا في حصون هذا القانون و هي:النّفس و المال و النّاموس و ماء الوجه.

و التّعابير الواردة في الآيتين محلّ البحث، و الرّوايات الإسلاميّة تدلّ على أنّ ماء وجه الأفراد كأنفسهم و أموالهم،بل هو أهمّ من بعض الجهات.

إنّ الإسلام يريد أن يحكم المجتمع أمن مطلق،لا أنّ النّاس لا يضرب بعضهم بعضا فحسب،بل أسمى من ذلك أيضا أن يكونوا آمنين من ألسنتهم،و أرقى من ذلك أن يكونوا آمنين من تفكيرهم و ظنّهم أيضا.و أن يحسّ كلّ منهم أنّ الآخر لا يرشقه بنبال الاتّهامات في منطقة أفكاره.

و هذا الأمن في أعلى مستوى،و لا يمكن تحقّقه إلاّ في مجتمع مذهبيّ (2)مؤمن.يقول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في هذا الصّدد:

«إنّ اللّه حرّم من المسلم دمه و ماله و عرضه و أن يظنّ به السّوء».

إنّ سوء الظّنّ لا أنّه يؤثّر على الطّرف المقابل و يسقط حيثيّته فحسب،بل هو بلاء عظيم على صاحبه،لأنّه يكون سببا لإبعاده عن التّعاون مع النّاس،و يخلق له دنيا من الوحشة و الغربة و الانزواء،كما ورد في حديث عن أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام أنّه قال:«من لم يحسن ظنّه استوحش من كلّ أحد».

و بتعبير آخر إنّ ما يفصل حياة الإنسان عن الحيوان و يمنحها الحركة و الرّونق و التّكامل هو روح التّعاون الجماعيّ،و لا يتحقّق هذا الأمر إلاّ في صورة أن يكون الاعتماد على النّاس و حسن الظّنّ بهم حاكما،في حين أنّ سوء الظّنّ يهدم قواعد هذا الاعتماد،و تنقطع به روابط التّعاون،و تضعف به الرّوح الاجتماعيّة.

إنّ سيّئي النّظرة و الظّنّ يخافون من كلّ شيء و يستوحشون من كلّ أحد،و يستولي على أنفسهم نظرة

ص: 604


1- الحجرات:11،12.
2- الاصطلاح العربيّ:«دينيّ».

الخوف،فلا يستطيعون أن يقفوا على وليّ و مؤنس يطوي الهموم،و لا يجدون شريكا للنّشاطات الاجتماعيّة، و لا معينا و نصيرا ليوم الشّدّة.

و لا بأس بالالتفات إلى هذه اللّطيفة،و هي أنّ المراد من«الظّنّ»هنا هو الظّنّ الّذي لا يستند إلى دليل،فعلى هذا إذا كان الظّنّ في بعض الموارد مستندا إلى دليل فهو ظنّ معتبر،و هو مستثنى من هذا الحكم كالظّنّ الحاصل من شهادة نفرين عادلين.

2-لا تجسّسوا

رأينا أنّ القرآن يمنع جميع أنواع التّجسّس بصراحة تامّة،و حيث إنّه لم يذكر قيدا أو شرطا في الآية،فيدلّ هذا على أنّ التّجسّس في أعمال الآخرين و السّعي إلى إذاعة أسرارهم إثم،إلاّ أنّ القرائن الموجودة داخل الآية و خارجها تدلّ على أنّ هذا الحكم متعلّق بحياة الأفراد الشّخصيّة و الخصوصيّة.

و يصدق هذا الحكم أيضا في الحياة الاجتماعيّة في صورة أن لا يؤثّر في مصير المجتمع.لكن من الواضح أنّه إذا كان لهذا الحكم علاقة بمصير المجتمع أو مصير الآخرين،فإنّ المسألة تأخذ طابعا آخر،و من هنا فإنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم كان قد أعدّ أشخاصا و أمرهم أن يكونوا عيونا لجمع الأخبار و استكشاف المجريات و استقصائها، ليحيطوا بما له علاقة بمصير المجتمع.

و من هذا المنطلق أيضا يمكن للحكومة الإسلاميّة أن تتّخذ أشخاصا يكونون عيونا لها أو منظّمة واسعة للإحاطة بمجريات الأمور و أن يواجهوا المؤامرات ضدّ المجتمع،أو إرباك الوضع الأمنيّ في البلاد،فيتجسّسوا للمصلحة العامّة حتّى لو كان ذلك في داخل الحياة الخاصّة للأفراد.

إلاّ أنّ هذا الأمر لا ينبغي أن يكون ذريعة لهتك حرمة هذا القانون الإسلاميّ الأصيل،و أن يسوّغ بعض الأفراد لأنفسهم أن يتجسّسوا في حياة الأفراد الخاصّة، بذريعة التّآمر و الإخلال بالأمن فيفتحوا رسائلهم مثلا، و أن يراقبوا الهاتف،و يهجموا على بيوتهم بين حين و آخر.

و الخلاصة:أنّ الحدّ بين التّجسّس و جمع الأمور الضّروريّة لحفظ أمن المجتمع دقيق و ظريف جدّا.

و ينبغي على مسئولي إدارة الأمور الاجتماعيّة أن يراقبوا هذا الحدّ بدقّة،لئلاّ تهتك حرمة أسرار النّاس،و لئلاّ يتهدّد أمن المجتمع و الحكومة الإسلاميّة.(16:505)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الجسّ،و هو لمس الشّيء لتعرّف ما فيه،يقال:جسّه بيده،يجسّه جسّا و اجتسّه، أي مسّه و لمسه،و المجسّة:الموضع الّذي تقع عليه يده إذا جسّه،و ما يجسّه الطّبيب أيضا،و هو المجسّ.يقال مجازا:فلان ضيّق المجسّ،و في مجسّه ضيق،إذا لم يكن واسع الصّدر.

و الجواسّ:الحواسّ،و هي اليدان و العينان و الفم و الأنف و الأذن،واحدتها:جاسّة،و في المثل:«أفواهها مجاسّها»،لأنّ الإبل إذا أحسنت الأكل،اكتفى النّاظر بذلك في معرفة سمنها من أن يجسّها،و جسّ الشّخص بعينه:أحدّ النّظر إليه ليستبينه و يستثبته.

ص: 605

و جسّ الخبر يجسّه جسّا:بحث عنه و فحص فهو جاسوس،و تجسّس فلانا و من فلان:بحث عنه كتحسّس،يقال:تجسّس الخبر و تحسّسه،إلاّ أنّ التّجسّس أكثر ما يقال في الشّرّ،و يطلبه الإنسان لغيره، و التّحسّس أن يطلبه لنفسه،كما سيأتي في«ح س س» إن شاء اللّه.

2-و قد ابتدع المعاصرون اصطلاح«الجاسوسيّة»، و هو مصدر صناعيّ يطلق على جهاز سرّيّ للغاية،يقوم أعضاؤه بمهمّة التّجسّس في نطاق إقليميّ و دوليّ لحساب دولة أو منظّمة.و يستخدم هذا الجهاز معدّات دقيقة و معقّدة،يسخّرها في التّنصّت و التّصوير برّا و بحرا و جوّا، فترصد حركات الأفراد و سكناتهم،و تحصي أنفاسهم في بيوتهم و مقرّ عملهم،و عبادتهم و استجمامهم.

كما عمدت الحكومات إلى تأسيس منظّمة،تناط بها مهمّة إحباط خطط هذا الجهاز و شلّ نشاطه،أو التّخفيف من وطأته،و أسمته«ضدّ الجاسوسيّة».

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد مرّة واحدة،في سورة مدنيّة:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَ لا تَجَسَّسُوا وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً أَ يُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَ اتَّقُوا اللّهَ إِنَّ اللّهَ تَوّابٌ رَحِيمٌ الحجرات:12

يلاحظ أوّلا:أنّ الفرّاء قال:القرّاء مجتمعون على الجيم،في(لا تجسّسوا)لكن حكي عن الحسن و أبي الرّجا و ابن سيرين و الهذليّين بالحاء،و سكت عنها الطّبريّ، فيبدو أنّها قراءة شاذّة لم يقرأ بها القرّاء السّبعة و لا العشرة.و أصله:«لا تتجسّسوا»،فحذف منه إحدى التّاءين،و فيه معنى التّكلّف في الطّلب.

ثانيا:أنّهم قالوا:الفرق بينهما أنّ التّجسّس في الشّرّ،و التّحسّس في الخير،و كذلك جاء في القرآن فإنّ التّجسّس في الآية في الشّرّ،و في يا بَنِيَّ اذْهَبُوا فَتَحَسَّسُوا مِنْ يُوسُفَ وَ أَخِيهِ يوسف:87،في الخير، و قد يتداخلان،و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«و لا تجسّسوا و لا تحسّسوا»و هما في الشّرّ.و الأوّل من الجسّ و هو تعرّف ما بطن،و الثّاني من الحسّ و هو تعرّف ما ظهر، و كذلك جاء في القرآن،لاحظ«ح س س»،و لهذا قيل لمشاعر الإنسان:الحواسّ.

و قيل:فرق ثان بينهما أنّه بالحاء:تطلّبه لنفسه، و بالجيم:أن يكون رسولا لغيره،و لا وجه له،بل تخطّئه الآيتان.

ثالثا:قالوا:إنّما قال: وَ لا تَجَسَّسُوا بعد قوله:

اِجْتَنِبُوا كَثِيراً مِنَ الظَّنِّ إذ فهم منه عدم العبرة بالظّنّ،فيقول القائل:أنا أكشف فلانا حتّى أعلمه يقينا، و اطّلع على عيبه مشاهدة لا ظنّا،فقال:(و لا تجسّسوا) أي لا تجتهدوا في طلب اليقين في معايب النّاس.

رابعا:قال مغنيّة:التّجسّس:تتبّع العورات و العثرات،و هو محرّم كتابا و سنّة و إجماعا و عقلا،و ذكر الآيات و الرّوايات،ثمّ التفت إلى ما قرأه في الجرائد عن الغزو الإلكترونيّ عند الأمريكيّين في بلادهم،و في دول الأرض،لاحظ.

خامسا:استثنى فضل اللّه و مكارم الشّيرازيّ من

ص: 606

ذلك الحالات الّتي تمسّ فيها المصلحة العليا للإسلام و المسلمين،و الّتي قد تستدعي الاطّلاع على بعض الأوضاع الخفيّة للأشخاص،و المواقع و الأحداث المتعلّقة بالآخرين،ممّا يخاف ضرره أو يراد نفعه،أو يركّز قاعدته،فيجوز لوليّ الأمر اللّجوء إلى هذا الأسلوب في نطاق الضّرورة الأمنيّة و السّياسيّة و الاقتصاديّة،انطلاقا من قاعدة التّزاحم بين المهمّ و الأهمّ،و احتجاجا بأنّ النّبيّ عليه السّلام أعدّ عيونا لاستكشاف المؤامرات الّتي كانت تصدر عن الأعداء، عملا بقوله: وَ أَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ الأنفال:

60،و لا شكّ أنّ الاستعلامات من أشدّ القوى.

و عندنا أنّ أمثال هذه الحاجات خارجة من سياق الآية،لأنّها جاءت بشأن المؤمنين بعضهم لبعض،كما قال: وَ لا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً فلا استثناء إطلاقا من الآية.

سادسا:قد أطال البحث بعضهم في الغيبة لذكرها في الآية،و هي موكولة إلى«غ ي ب»فانتظر.

ص: 607

ص: 608

ج س م

اشارة

لفظان،مرّتان،في سورتين مدنيّتين

الجسم 1:-1 أجسامهم 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجسم:يجمع البدن و أعضاءه من النّاس، و الإبل و الدّوابّ،و نحوه ممّا عظم من الخلق الجسيم، و الفعل:جسم جسامة.

و الجسام يجري مجرى الجسيم.

و الجسمان:جسم الرّجل،و يقال:إنّه لنحيف الجسمان.(6:60)

الكسائيّ: [رجل]جسيم و جسام.

(إصلاح المنطق:109)

أبو عبيدة :تجسّمت فلانا من بين القوم،أي اخترته،كأنّك قصدت جسمه،كما تقول:تأيّيته،أي قصدت آيته و شخصه.[ثمّ استشهد بشعر]

(الجوهريّ 5:1887)

أبو زيد :الجسم:الجسد،و كذلك الجسمان و الجثمان.(الجوهريّ 5:1887)

الأصمعيّ: الجسم و الجسمان،الجسد،و الجثمان:

الشّخص.

و جماعة جسم الإنسان أيضا:يقال له:الجسمان، مثل ذئب و ذؤبان.(الجوهريّ 5:1887)

ابن الأعرابيّ: الجسم:الأمور العظام.

و الجسم:الرّجال العقلاء.(الأزهريّ 10:600)

ابن السّكّيت: تجسّمت الأمر،أي ركبت أجسمه و جسيمه،أي معظمه.و كذلك تجسّمت الرّمل و الجبل، أي ركبت أعظمه.(الجوهريّ 5:1888)

ابن دريد :الجسم،و الجمع:جسوم و أجسام،و كلّ شخص مدرك:جسم.و الجسمان و الجثمان:الجسم بعينه.

و بنو جوسم:حيّ من العرب قديم،فأمّا بنو جوشم بالشّين فقوم من جرهم درجوا.

و رجل جسيم و جسام.

و بنو جاسم أيضا:حيّ قديم،و جاسم:موضع

ص: 609

بالشّام.(2:94)

الأزهريّ: جسمان الرّجل،و جثمانه:واحد.

و رجل جسمانيّ و جثمانيّ،إذا كان ضخم الجثّة.

(10:599)

الصّاحب:الجسم:معروف،يجمع البدن و أعضاءه،و جمعه:جسوم.

و الجسيم:العظيم الخلق،جسم يجسم جسامة، و الجسام كذلك.

و الجسمان:جسم الرّجل،و قيل:هو جمع الجسم.

و تجسّمت الأمر:بمعنى تجشّمته.

و تجسّمته من بين القوم،أي اخترته.

و تجسّم الأمر:ركب أجسمه.

و إذا أخذت نحو الأرض تريدها،قلت:تجسّمتها.

(7:19)

الجوهريّ: و قد جسم الشّيء،أي عظم فهو جسيم و جسام بالضّمّ،و الجسام بالكسر:جمع جسيم.

و تجسّمت الأرض،إذا أخذت نحوها تريدها.[ثمّ استشهد بشعر]

و تجسّم من الجسم،و الأجسم:الأضخم.[ثمّ استشهد بشعر]

و جاسم:قرية بالشّام.(5:1887)

نحوه الرّازيّ.(119)

ابن فارس: الجيم و السّين و الميم يدلّ على تجمّع الشّيء.فالجسم كلّ شخص مدرك،كذا قال ابن دريد.

و الجسيم:العظيم الجسم،و كذلك الجسام و الجسمان:

الشّخص.(1:457)

أبو هلال:الفرق بين الجسم و الجرم:أنّ جرم الشّيء هو خلقته الّتي خلق عليها،يقال:فلان صغير الجرم،أي صغير من أصل الخلقة.و أصل الجرم في العربيّة:القطع،كأنّه قطع على الصّغر أو الكبر.

و قيل:الجرم أيضا:الكون،و الجرم:الصّوت؛أورد ذلك بعضهم.و قال بعضهم:الجرم:اسم لجنس الأجسام.

و قيل:الجرم:الجسم المحدود،و الجسم هو الطّويل العريض العميق،و ذلك أنّه إذا زاد في طوله و عرضه و عمقه قيل:إنّه جسم (1)و أجسم من غيره،فلا تجيء المبالغة من لفظ اسم عند زيادة معنى إلاّ و ذلك الاسم موضوع لما جاءت المبالغة من لفظ اسمه،أ لا ترى أنّه لا يقال:هو أقدر من غيره،إلاّ و المعلومات له أجلى.

و أمّا قولهم:أمر جسيم فمجاز،و لو كان حقيقة لجاز في غير المبالغة،فقيل:أمر جسيم.و كلّ ما لا يطلق إلاّ في موضع مخصوص فهو مجاز.

الفرق بين الجسم و الشّيء:أنّ الشّيء ما يرسم به بأنّه يجوز أن يعلم و يخبر عنه،و الجسم هو الطّويل العريض العميق،و اللّه تعالى يقول: وَ كُلُّ شَيْءٍ فَعَلُوهُ فِي الزُّبُرِ القمر:52،و ليس أفعال العباد أجساما.

و أنت تقول لصاحبك:لم تفعل في حاجتي شيئا، و لا تقول:لم تفعل فيها جسما.

و الجسم:اسم عام يقع على الجرم و الشّخص و الجسد و ما بسبيل ذلك،و الشّيء أعمّ،لأنّه يقع على الجسم و غير الجسم.م.

ص: 610


1- هكذا في الأصل،و الظّاهر:جسيم.

الفرق بين الجسم و الشّخص:أنّ الشّخص ما ارتفع من الأجسام،من قولك:شخص إلى كذا،إذا ارتفع، و شخصت بصري إلى كذا،أي رفعته إليه،و شخص إلى بلد كذا،كأنّه ارتفع إليه.و الإشخاص يدلّ على السّخط و الغضب،مثل الإحصار.(130)

ابن سيده: الجسم:جماعة البدن و الأعضاء،من النّاس و غيرهم،من الأنواع العظيمة الخلق.و استعاره بعض الخطباء للأعراض،فقال-بذكر علم القوافي-:

لا ما يتعاطاه الآن أكثر النّاس من التّحلّي باسمه،دون مباشرة جوهره و جسمه.

و كأنّه إنّما كنى بذلك عن الحقيقة،لأنّ جسم الشّيء حقيقة،و اسمه ليس بحقيقة؛أ لا ترى أنّ العرض ليس بذي جسم و لا جوهر،إنّما ذلك كلّه استعارة و مثل.

و الجمع:أجسام،و جسوم.

و الجسمان:جماعة الجسم.

جسم الرّجل و غيره جسامة،فهو جسيم و جسام، و جسّام،و الأنثى من كلّ ذلك بالهاء.

و الجسيم:ما ارتفع من الأرض و علاه الماء.[ثمّ استشهد بشعر]

و بنو جوسم:حيّ قدموا من العرب،و كذلك:بنو جاسم.

و جاسم:موضع بالشّام.(7:282)

الجسم و الجسمان:مجتمع البدن و أعضاؤه،من النّاس و الإبل و الدّوابّ،ممّا عظم من الخلق.

و قيل:كلّ شخص مدرك حيوانا كان أو جمادا أو نباتا،الجمع:أجسام و جسوم.

جسم الشّيء يجسم جسما،و جسم جسامة:

عظم فهو جسيم و جسام،أي بدين،و الجمع:جسام.

(الإفصاح 1:20)

الطّوسيّ: يقال:جسم يجسم جسامة،يعني ضخم ضخامة،و رجل جسيم:عظيم الخلق.و جسّمه تجسيما،و تجسّم تجسّما.و هو أجسم منه،أي أضخم.

و أصل الباب:الضّخم.

و الجسم:هو الذّاهب في الجهات الثّلاث:الطّول، و العرض،و العمق.(2:291)

الرّاغب: الجسم:ما له طول و عرض و عمق، و لا تخرج أجزاء الجسم عن كونها أجساما و إن قطع ما قطع و جزّئ ما قد جزّئ،قال اللّه تعالى: وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ البقرة:247، وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ المنافقون:4،تنبيها أن لا وراء الأشباح معنى معتدّ به.

و الجسمان قيل:هو الشّخص،و الشّخص قد يخرج من كونه شخصا بتقطيعه و تجزئته،بخلاف الجسم.(94)

الزّمخشريّ: رجل جسيم،و فيه جسامة.و تقول:

رجال جسام،و وجوه و سام،و ما فيهم حسام.

و من المجاز:أمر جسيم،و هو من جسام الأمور و جسيمات الخطوب.و تجسّمت الأمر:ركبت جسيمه و معظمه.و فلان يتجشّم المجاشم،و يتجسّم المعاظم.[ثمّ استشهد بشعر]

و تجسّموا من العشيرة رجلا فأرسلوه،أي اختاروا أكبرهم.و تجسّموا من الإبل ناقة فانحروها.

و تجسّم في عيني كذا:تصوّر.و تجسّم فلان من

ص: 611

الكرم،و كأنّه كرم قد تجسّم.(أساس البلاغة:60)

الطّبرسيّ: و الجسم:حدّه الطّويل العريض العميق،بدلالة قولهم:جسم جسامة،أي ضخم،و هذا جسيم،أي ضخيم،و هذا أجسم من هذا،إذا زاد عليه في الطّول و العرض و العمق.

و قيل:الجسم هو المؤلّف،و قيل:هو القائم بنفسه، و الصّحيح الأوّل.(1:351)

قال ابن دريد: الجسم كلّ شخص مدرك.و كلّ عظيم الجسم:جسيم و جسام،و الأجسم:العظيم الجسم.[ثمّ استشهد بشعر]

و اختلف المتكلّمون في حدّ الجسم،فقال المحقّقون منهم:هو الطّويل العريض العميق،و لذلك متى ازداد ذهابه في هذه الجهات الثّلاث قيل:أجسم و جسيم.

و قيل:هو المؤلّف،و قيل:هو القائم بالنّفس،و معناه أنّه لا يحتاج إلى محلّ.و الصّحيح القول الأوّل.

و الأجسام:ما تأتلف من الجواهر،و هي أجزاء لا تتجزّأ ائتلفت بمعان،يقال لها:المؤتلفات.فإذا رفعت عنها بقيت أجزاء لا تتجزّأ.و اختلف في أقلّ أجزاء الأجسام،و الصّحيح أنّه ما تألّف من ثمانية أجزاء، و قيل:من ستّة أجزاء،عن أبي الهذيل،و قيل:من أربعة أجزاء،عن البلخيّ.(5:291)

الفيروزآباديّ: الجسم بالكسر:جماعة البدن أو الأعضاء،و من النّاس و سائر الأنواع:العظيمة الخلق كالجسمان بالضّمّ،و جمعه:أجسام و جسوم.

و ككرم:عظم،فهو جسيم و جسام،كغراب،و هي بهاء.

و الجسيم:البدين،و ما ارتفع من الأرض و علاه الماء،و جمعه:جسام ككتاب.

و بنو جوسم:حيّ درجوا،و بنو جاسم:حيّ قديم.

و تجسّم الأمر و الرّمل ركب معظمها،و الأرض:أخذ نحوها،و فلانا:اختاره.

و الأجسم:الأضخم.

و كصاحب:بلدة بالشّام.(4:91)

الطّريحيّ: و الجسم في عرف المتكلّمين:هو الطّويل العريض العميق،فهو ما يقبل القسمة في الأبعاد الثّلاثة،و السّطح:ما يقبلها في الطّول و العرض،و الخطّ:

ما يقبلها في الطّول لا غير،و النّقطة:هي الّتي لا تقبل القسمة في شيء من الأبعاد.فالسّطح:طرف الجسم، و الخطّ:طرف السّطح،و النّقطة:طرف الخطّ.

و رجل له جسم و جمال،أي متانة و حسن.

و جسم الشّيء جسامة،و زان ضخم ضخامة.

و جسم جسما،من باب«تعب»:عظم،فهو جسيم،أي عظيم.

و جسيم عطيّتك:عظيمها.

و سألت عن أمر جسيم،أي عظيم.

و تجسّمت الأمر،أي ركبت أجسمه،أي معظمه.

(6:29)

مجمع اللّغة :الجسم:جسد الحيّ،و قد يطلق مرادفا للجسد.

و ما ورد في القرآن من المعنى الأوّل.و جمع جسم:

أجسام.(1:194)

محمّد إسماعيل إبراهيم:الجسم:الجسد أو

ص: 612

البدن،و كلّ جرم ذي أبعاد من طول و عرض و عمق، و الجمع:أجسام.(1:107)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الجسم عبارة عن كلّ ما يستقرّ في مكان أو حيّز،و يكون محسوسا،فهو أعمّ من أن يكون من الإنسان أو الحيوان أو النّبات أو الجماد، و ليس فيه نظر إلى كونه متخلّية عن الرّوح أم لا،كما في الجسد،و لا إلى كونه على هيئة مخصوصة أم لا،كما في الجثم.

و باعتبار اشتداد الجسميّة و ظهور قوّته يشتقّ منه أفعال و صيغ انتزاعيّة،فيقال:جسم:و جسيم،و تجسّم، و أمثالها.

و أمّا إطلاق هذه المادّة على الأمور العظيمة فمجاز و من الاستعارة.[إلى أن قال:]

و لا يخفى ما هو التّناسب في اللّفظ و المعنى بين:الجثم و الجسم،و الجشم و الجشأ و الجسد.و قد مرّ البحث عن الجثم و الجسد.(2:90)

النّصوص التّفسيريّة

الجسم

...وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ... البقرة:247

ابن عبّاس: (و الجسم):الطّول و القوّة.(35)

كان طالوت يومئذ أعلم رجل في بني إسرائيل و أجمله (1)و أتمّه.(الواحديّ 1:357)

الحسن :زيادة في العلم و عظما في الجسم.

(الطّوسيّ 2:291)

السّدّيّ: أتى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بعصا،تكون مقدارا على طول الرّجل الّذي يبعث فيهم ملكا،فقال:إنّ صاحبكم يكون طوله طول هذه العصا.فقاسوا أنفسهم بها، فلم يكونوا مثلها،فقاسوا طالوت بها،فكان مثلها.

(الطّبريّ 2:605)

الكلبيّ: زاده بسطة في العلم بالحرب،و الجسم بالطّول،و كان يفوق النّاس برأسه و منكبيه،و إنّما سمّي (طالوت)لطوله.(الواحديّ 1:357)

وهب بن منبّه: اجتمع بنو إسرائيل،فكان طالوت فوقهم من منكبيه فصاعدا.(الطّبريّ 2:605)

الجبّائيّ: كان إذا قام الرّجل،فبسط يده رافعا لها نال رأسه.(الطّوسيّ 2:291)

الطّبريّ: فإنّه يعني بذلك أنّ اللّه بسط له في العلم و الجسم،و آتاه من العلم فضلا على ما أتي غيره من الّذين خوطبوا بهذا الخطاب،و ذلك أنّه ذكر أنّه أتاه وحي من اللّه.

و أمّا في الجسم،فإنّه أوتي من الزّيادة في طوله عليه ما لم يؤته غيره منهم.(2:905)

الزّجّاج: و اعلم أنّ الزّيادة في الجسم ممّا يهيب به العدوّ،و أعلمهم أنّه يؤتي ملكه من يشاء،و هو جلّ و عزّ لا يشاء الاّ ما هو الحكمة و العدل.(1:329)

القمّيّ: كان أعظمهم جسما و كان شجاعا قويّا و كان أعلمهم،إلاّ أنّه كان فقيرا فعابوه بالفقر،فقالوا:

لم يؤت سعة من المال.(1:81)

الماورديّ: يعني زيادة العلم و عظما في الجسم.

ص: 613


1- أي في الجسم.

و اختلفوا هل كان ذلك فيه قبل الملك؟فقال وهب بن منبّه،و السّدّيّ: كان له ذلك قبل الملك،و قال ابن زيد:

زيادة ذلك بعد الملك.(1:315)

الطّوسيّ: قال أصحابنا:فيها دلالة على أنّ من شرط الإمام أن يكون أعلم رعيّته و أفضلهم في خصال الفضل،لأنّ اللّه تعالى علّل تقديمه عليهم،بكونه أعلم و أقوى،فلو لا أنّه شرط و إلاّ لم يكن له معنى.(2:292)

البغويّ: فضيلة وسعة في العلم بالحرب و في الجسم بالطّول،و قيل:الجسم بالجمال،و كان طالوت أجمل رجل في بني إسرائيل في وقته و أعلمهم.

(1:334)

نحوه الميبديّ.(1:662)

الزّمخشريّ: الملك لا بدّ أن يكون من أهل العلم، فإنّ الجاهل مزدرأ غير منتفع به،و أن يكون جسيما يملأ العين جهارة،لأنّه أعظم في النّفوس و أهيب في القلوب.و البسطة:السّعة و الامتداد.

و روي أنّ الرّجل القائم كان يمدّ يده فينال رأسه.

(1:379)

ابن عطيّة: و بيّن لهم مع ذلك تعليل اصطفائه طالوت،و أنّه زاده بسطة في العلم و هو ملاك الإنسان، و الجسم الّذي هو معينه في الحرب و عدّته عند اللّقاء.

(1:332)

الطّبرسيّ: كان[طالوت]أعلم بني إسرائيل في وقته و أجملهم و أتمّهم،و أعظمهم جسما و أقواهم شجاعة.و قيل:كان إذا قام الرّجل فبسط يده رافعا لها، نال رأسه.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن الطّوسيّ](1:352) ابن الجوزيّ: [نحو ما تقدّم عن الماورديّ و أضاف:]

و المراد بتعظيم الجسم،فضل القوّة؛إذ العادة أنّ من كان أعظم جسما،كان أكثر قوّة.(1:294)

الفخر الرّازيّ: و اللّه تعالى بيّن أنّه أهل الملك، و قرّر ذلك بأنّه حصل له وصفان أحدهما:العلم،و الثّاني القدرة،و هذان الوصفان أشدّ مناسبة لاستحقاق الملك من الوصفين الأوّلين (1)،و بيانه من وجوه:

أحدها:أنّ العلم و القدرة من باب الكمالات الحقيقيّة،و المال و الجاه ليسا كذلك.

الثّاني:أنّ العلم و القدرة من الكمالات الحاصلة لجوهر نفس الإنسان،و المال و الجاه أمران منفصلان عن ذات الإنسان.

الثّالث:أنّ العلم و القدرة لا يمكن سلبهما عن الإنسان،و المال و الجاه يمكن سلبهما عن الإنسان.

الرّابع:أنّ العالم بأمر الحروب و القويّ الشّديد على المحاربة،يكون الانتفاع به في حفظ مصلحة البلد،و في دفع شرّ الأعداء،أتمّ من الانتفاع بالرّجل النّسيب الغنيّ إذا لم يكن له علم بضبط المصالح،و قدرة على دفع الأعداء؛فثبت بما ذكرنا أنّ إسناد الملك إلى العالم القادر، أولى من إسناده إلى النّسيب الغنيّ.[إلى أن قال:]

قال بعضهم:المراد بالبسطة في الجسم:طول القامة، و كان يفوق النّاس برأسه و منكبه؛و إنّما سمّي طالوت لطوله.

و قيل:المراد من البسطة في الجسم:الجمال،و كانر.

ص: 614


1- و هما أنّه ليس من أهل بيت الملك،و أنّه فقير.

أجمل بني إسرائيل.

و قيل:المراد القوّة.و هذا القول عندي أصحّ،لأنّ المنتفع به في دفع الأعداء هو القوّة و الشّدّة،لا الطّول و الجمال.(6:186)

نحوه النّيسابوريّ.(2:311)

القرطبيّ: و بيّن لهم مع ذلك تعليل اصطفاء طالوت،و هو بسطته في العلم الّذي هو ملاك الإنسان، و الجسم الّذي هو معينه في الحرب و عدّته عند اللّقاء.

فتضمّنت بيان صفة الإمام و أحوال الإمامة،و أنّها مستحقّة بالعلم و الدّين و القوّة لا بالنّسب،فلا حظّ للنّسب فيها مع العلم و فضائل النّفس،و أنّها متقدّمة عليه،لأنّ اللّه تعالى أخبر أنّه اختاره عليهم لعلمه و قوّته،و إن كانوا أشرف منتسبا.[إلى أن قال:]

و قيل:سمّي طالوت لطوله.و قيل:زيادة الجسم كانت بكثرة معاني الخير و الشّجاعة،و لم يرد عظم الجسم.[ثمّ استشهد بشعر]

قلت:و من هذا المعنى قوله صلّى اللّه عليه و سلّم لأزواجه:

«أسرعكنّ لحاقا بي أطولكنّ يدا»فكنّ يتطاولن، فكانت زينب أوّلهنّ موتا،لأنّها كانت تعمل بيدها و تتصدّق،خرّجه مسلم.(3:246)

البيضاويّ: لمّا استبعدوا تملّكه لفقره و سقوط نسبه ردّ عليهم ذلك أوّلا:بأنّ العمدة فيه اصطفاء اللّه سبحانه و تعالى،و قد اختاره عليكم و هو أعلم بالمصالح منكم.

و ثانيا:بأنّ الشّرط فيه وفور العلم ليتمكّن من معرفة الأمور السّياسيّة،و جسامة البدن لتكون أعظم خطرا في القلوب،و أقوى على مقاومة العدوّ و مكابدة الحروب،لا ما ذكرتم،و قد زاده اللّه فيهما،و كان الرّجل القائم يمدّ يده فينال رأسه.(1:129)

مثله الكاشانيّ(1:252)،و نحوه البروسويّ(1:

384)،و شبّر(1:251)،و القاسميّ(3:645)، و أبو السّعود(1:287).

النّسفيّ: قالوا:كان أعلم بني إسرائيل بالحرب و الدّيانات في وقته،و أطول من كلّ إنسان برأسه و منكبه.و البسطة:السّعة و الامتداد.و الملك لا بدّ أن يكون من أهل العلم،فإنّ الجاهل ذليل مزدرأ غير منتفع به،و أن يكون جسيما،لأنّه أعظم في النّفوس، و أهيب في القلوب.(1:125)

الخازن :[نحو البغويّ و أضاف:]

و قيل:المراد به القوّة،لأنّ العلم بالحروب و القوّة على الأعداء ممّا فيه حفظ المملكة.(1:215)

أبو حيّان :و أمّا البسطة في الجسم،فقيل:أريد بذلك معاني الخير و الشّجاعة و قهر الأعداء.و الظّاهر أنّه الامتداد و السّعة في الجسم.[إلى أن قال:]

و بما أعطاه من السّعة في العلم،و هو الوصف الّذي لا شيء أشرف منه،و من بسطة الجسم فإنّ لذلك عظما في النّفوس و هيبة و قوّة،و كثيرا ما تمدّحت العرب بذلك.

[ثمّ استشهد بشعر]

و قالوا في المدح:طويل النّجاد رفيع العماد،و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذا ماشى الطّوال طالهم.[إلى أن قال:]

و في قصّة طالوت دلالة على أنّ الإمامة ليست وراثة.(2:258)

ص: 615

ابن كثير:أي و هو مع هذا أعلم منكم و أنبل، و أشكل منكم،و أشدّ قوّة و صبرا في الحرب،و معرفة بها،أي أتمّ علما و قامة منكم.و من هاهنا ينبغي أن يكون الملك ذا علم و شكل حسن،و قوّة شديدة في بدنه و نفسه.(1:534)

الشّربينيّ: و في الجسم الّذي به يتمكّن من الظّفر بمن بارزه من الشّجعان و قصده من سائر الأقران، و يكون أعظم خطرا في القلوب،و أقوى على مقاومة العدوّ و مكابدة الحروب.(1:161)

الآلوسيّ: ردّ عليهم بأبلغ وجه و أكمله،كأنّه قيل:لا تستبعدوا تملّكه عليكم لفقره،و انحطاط نسبه عنكم.

أمّا أوّلا:فلأنّ ملاك الأمر هو اصطفاء اللّه تعالى، و قد اصطفاه و اختاره،و هو سبحانه أعلم بالمصالح منكم.

و أمّا ثانيا:فلأنّ العمدة وفور العلم ليتمكّن به من معرفة الأمور السّياسيّة،و جسامة البدن ليكون أعظم خطرا في القلوب،و أقوى على كفاح الأعداء،و مكابدة الحروب لا ما ذكرتم،و قد خصّه اللّه تعالى بحظّ وافر منهما.

و أمّا ثالثا:فلأنّه تعالى مالك الملك على الإطلاق، و للمالك أن يمكّن من شاء من التّصرّف في ملكه بإذنه.

و أمّا رابعا:فلأنّه سبحانه واسع الفضل يوسع على الفقير فيغنيه،عليم بما يليق بالملك من النّسيب و غيره.

و في تقديم البسطة في العلم،على البسطة في الجسم:

إيماء إلى أنّ الفضائل النّفسانيّة أعلى و أشرف من الفضائل الجسمانيّة،بل يكاد لا يكون بينهما نسبة،لا سيّما ضخامة الجسم.و لهذا حمل بعضهم«البسطة»فيه هنا على الجمال أو القوّة،لا على المقدار كطول القامة،كما قيل:إنّ الرّجل القائم كان يمدّ يده حتّى ينال رأسه.فإنّ ذلك لو كان كمالا لكان أحقّ الخلق به رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، مع أنّه عليه الصّلاة و السّلام كان ربعة من الرّجال.

و لعلّ ذكر ذلك على ذلك التّقدير،لأنّه صفة تزيد الملك المطلوب لقتال العمالقة حسنا،لأنّهم كانوا ضخاما ذوي بسطة في الأجسام،و كان ظلّ ملكهم(جالوت) ميلا على ما في بعض الأخبار،لا أنّها من الأمور الّتي هي عمدة في الملوك من حيث هم،كما لا يخفى على من تحقّق بأنّ المرء بأصغريه،لا بكبر جسمه و طول برديه.

(2:167)

رشيد رضا :و المتبادر عندي أنّ معناه فضّله و اختاره عليكم بما أودع فيه من الاستعداد الفطريّ للملك،و لا ينافي هذا كون اختياره كان بوحي من اللّه، لأنّ هذه الأمور هي بيان لأسباب الاختيار،و هي أربعة:

1-الاستعداد الفطريّ.2-السّعة في العلم الّذي يكون به التّدبير.3-و بسطة الجسم المعبّر بها عن صحّته و كمال قواه،المستلزم ذلك لصحّة الفكر على قاعدة«العقل السّليم في الجسم السّليم»و للشّجاعة و القدرة على المدافعة و للهيبة و الوقار.4-توفيق اللّه تعالى الأسباب له.(2:477)

نحوه المراغيّ.(1:218)

النّهاونديّ: و بسطة في الجسم،و عظمة في الجثّة، و طولا في القامة،و شدّة في البطش.

و توضيح الجواب:أنّ شرافة النّسب و كثرة المال،

ص: 616

ليستا من الكمالات الحقيقيّة،و ممّا له دخل في لياقة الملك و أهليّة الإمارة و إنّما الدّخيل في استحقاق هذا المنصب العلم بأحكام الدّين و سياسة الملك،و عظمة الجسم و كمال القوى و الشّجاعة،فبالعلم تدبّر المملكة و تنظّم الأمور،و بالجسامة تعظّم مهابته في الأنظار، و بالشّجاعة يكايد الأعداء و يقاوم في الهيجاء.

و لذا كان أمير المؤمنين عليه السّلام عليّ بن أبي طالب أحقّ بالخلافة من سائر الصّحابة،لأنّه كان أعلم و أزهد و أشجع من جميع النّاس بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فكان بخلافته أولى.و هذا مع قطع النّظر عن اصطفائه اللّه و نصبه بالنّصّ الصّريح على ولايته.

قيل:كان طالوت أطول من جميع بني إسرائيل برأسه و منكبه،حتّى أنّ الرّجل القائم كان يمدّ يده فينال رأسه،و كان أجمل و أقوى من جميعهم.(1:172)

مغنيّة:و المراد ببسطة الجسم:السّلامة من الأمراض،لأنّ المرض يمنع من القيام بواجبات الرّئاسة.

و قيل:إنّ طالوت كان أطول من الرّجل المعتاد بمقدار ذراع اليد.(1:380)

الطّباطبائيّ: و بالجملة الغرض من الملك أن يدبّر صاحبه المجتمع تدبيرا يوصل كلّ فرد من أفراده إلى كماله اللاّئق به،و يدفع كلّ ما يمانع ذلك.و الّذي يلزم وجوده في نيل هذا المطلوب أمران:أحدهما:العلم بجميع مصالح حياة النّاس و مفاسدها،و ثانيهما:القدرة الجسميّة على إجراء ما يراه من مصالح المملكة.(2:287)

عبد الكريم الخطيب :ثمّ إنّ هذا الّذي اصطفاه عليهم قد زاده اللّه بسطة في العلم و الجسم،فإذا كان فيهم من يفضله في المال،فهو يفضلهم في كمال الجسم و تمام العقل،و ذلك ممّا يكمل به الملك و يجمل به الملوك إجمال و روعة في المظهر،و في المخبر معا.(1:307)

المصطفويّ: أي في البدن المحسوس،و البسطة فيه:

قوّة بدنه و القدرة،و شدّة القوى البدنيّة مع بسطة في الظّاهر.(2:90)

أجسامهم

وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ... المنافقون:4

ابن عبّاس: وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ يا محمّد،عبد اللّه بن أبيّ و صاحبيه تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ صور أجسامهم و حسن منظرهم.(472)

كان عبد اللّه بن أبيّ جسيما فصيحا،ذلق اللّسان، فإذا قال سمع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قوله.(ابن الجوزيّ 8:274)

الطّبريّ: يقول جلّ ذكره لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:و إذا رأيت هؤلاء المنافقين يا محمّد تعجبك أجسامهم،لاستواء خلقها،و حسن صورها.(28:107)

الطّبريّ: يقول جلّ ذكره لنبيّه محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم:و إذا رأيت هؤلاء المنافقين يا محمّد تعجبك أجسامهم، لاستواء خلقها،و حسن صورها.(28:107)

نحوه الفخر الرّازيّ.(30:14)

الزّجّاج: كأنّه وصفهم بتمام الصّور و حسن الإبانة.

(5:176)

الماورديّ: يعني حسن منظرهم و تمام خلقهم.

(6:15)

الطّوسيّ: بحسن منظرهم و جميل زيّهم.(10:12)

ص: 617

الواحديّ: يعني أنّ لهم أجساما و مناظر.(4:302)

مثله البغويّ(5:98)،و ابن الجوزيّ(8:274)، و الخازن(7:82)،و نحوه المراغيّ(28:108).

الزّمخشريّ: كان عبد اللّه بن أبيّ رجلا جسيما صبيحا فصيحا ذلق اللّسان،و قوم من المنافقين في مثل صفته و هم رؤساء المدينة،و كانوا يحضرون مجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فيستندون فيه و لهم جهارة المناظر و فصاحة الألسن،فكان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و من حضر يعجبون بهياكلهم،و يسمعون إلى كلامهم.(4:109)

نحوه النّسفيّ(4:259)،و النّيسابوريّ(28:58)، و أبو حيّان(8:272)،و أبو السّعود(6:251)، و الآلوسيّ(28:110)،و عزّة دروزة(10:85).

ابن عطيّة: توبيخ لهم لأنّهم كانوا رجالا أجمل شيء و أفصحه،فكان نظرهم يروق،و قولهم يخيب، [إلى أن قال:]

و كان عبد اللّه بن أبيّ من أبهى المنافقين و أطولهم، و يدلّ على ذلك أنّه لم يوجد قميص يكسو العبّاس غير قميصه.(5:312)

الطّبرسيّ: بحسن منظرهم و تمام خلقتهم،و جمال بزّتهم.(5:292)

القرطبيّ: أي هيئاتهم و مناظرهم.[ثمّ نقل كلام ابن عبّاس و أضاف:]

وصفه اللّه بتمام الصّورة و حسن الإبانة.(18:124)

البيضاويّ: لضخامتها و صباحتها.(2:478)

مثله الكاشانيّ.(5:177)

ابن كثير :أي و كانوا أشكالا حسنة و ذوي فصاحة و ألسنة،و إذا سمعهم السّامع يصغي إلى قولهم لبلاغتهم، و هم مع ذلك في غاية الضّعف و الخور و الهلع و الجزع و الجبن.(7:16)

الشّربينيّ: لضخامتها و صباحتها،فإنّ عنايتهم كلّها بصلاح ظواهرهم و ترفيه أنفسهم،فهم أشباح و قوالب ليس وراءها ألباب و حقائق.(4:294)

البروسويّ: لضخامتها،و يروقك منظرهم لصباحة وجوههم.[إلى أن قال:]

و كان ابن أبيّ جسيما صبيحا فصيحا يحضر مجلس رسول اللّه عليه السّلام في نفر من أمثاله و هم رؤساء المدينة، و كان عليه السّلام و من معه يعجبون بهياكلهم و يسمعون إلى كلامهم،و أنّ الصّباحة و حسن المنظر لا يكون إلاّ من صفاء الفطرة في الأصل و لذا قال عليه السّلام:«أطلبوا الخير عند حسان الوجوه»أي غالبا،و كم من رجل قبيح الوجه.

قضاء للحوائج.[ثمّ استشهد بشعر](9:532)

سيّد قطب :فهم أجسام تعجب،لا أناسيّ تتجاوب!و ما داموا صامتين فهم أجسام معجبة للعيون.

فأمّا حين ينطقون فهم خواء من كلّ معنى،و من كلّ حسن،و من كلّ خالجة.(6:3574)

القاسميّ: لتناسب أشكالهم و حسن مناظرهم ورائهم.(16:5808)

مغنيّة:جمال في المنظر،و قبح في المخبر،و بتعبير الإمام عليّ عليه السّلام«قلوبهم دويّة-أي مريضة-و صفاحهم نقيّة».(7:331)

الطّباطبائيّ: الظّاهر أنّ الخطاب في(رايتهم) و(تسمع)خطاب عامّ،يشمل كلّ من رآهم و سمع

ص: 618

كلامهم،لكونهم في أزياء حسنة و بلاغة من الكلام، و ليس خطابا خاصّا بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.و المراد أنّهم على صباحة من المنظر و تناسب من الأعضاء،إذا رآهم الرّائي أعجبته أجسامهم،و فصاحة و بلاغة من القول إذا سمع السّامع كلامهم مال إلى الإصغاء إلى قولهم،لحلاوة ظاهره و حسن نظمه.(19:280)

عبد الكريم الخطيب :هذه صورة للمنافق تمثّل ظاهره،و باطنه جميعا.فالمنافق متجمّل في ظاهره، مجتهد في تزويق هذا الظّاهر،و في طلائه بالألوان الزّاهية،حتّى يخدع النّاس عن باطنه الّذي يعلم هو فساده أكثر ممّا يعلم النّاس منه.و لهذا فهو يبالغ في تسوية مظهره،و في تجميله حتّى يستر بهذا الزّيف ما يخفي باطنه،و حتّى يغطّي بهذا البخور الّذي يطلقه على هذا العفن الّذي يفوح منه.

فقوله تعالى: وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ بيان لما تقع عليه العين من ظاهر المنافقين،فيما يبدو من تسوية هندامهم،و حسن زيّهم.(14:959)

المصطفويّ: أي ظواهر أبدانهم و بسطتها،ثمّ رأيتهم ضعفاء العقول و البصائر،متزلزلين متردّدين.

فظهر لطف التّعبير هنا بالأجسام لا بالأجساد.

(2:91)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الجسم،أي بدن الإنسان و الحيوان و الأشياء،و الجمع:أجسام و جسوم،يقال:

جسم الرّجل و غيره يجسم جسامة،فهو جسيم و هم جسام و هي جسيمة.و جسم الشّيء:عظم،فهو جسيم و جسام.

و الجسمان:الجسم،يقال:إنّه لنحيف الجسمان، و رجل جسمانيّ و جثمانيّ:ضخم الجثّة.

و الجسيم:ما ارتفع من الأرض و علاه الماء.

و الجسم:ما ارتفع من الأرض و علاه الماء.

و الجسم:الأمور العظام،و الرّجال العقلاء.

2-و قيل أيضا:تجسّمت الأرض،أي أخذت نحوها أريدها و أقصدها،و تجسّمت الرّمل و الجبل:ركبت أعظمه،و تجسّمت فلانا من بين القوم:اخترته.و كلّ ذلك من«تجشّمت»بالشّين،لاحظ«ج ش م».

و لعلّ«ثاء»الجثمان بدل من«السّين»؛إذ هذا الضّرب من الإبدال شائع،يقال:ساخت رجله في الأرض و ثاخت،أي دخلت فيها،و الوطس و الوطث:

الضّرب الشّديد بالخفّ.

3-و شاع في هذا العصر نوع من الرّياضة البدنيّة، تسمّى«الكمال الجسمانيّ»يهتمّ من يمارسها باندماج أعضائه و تنمية عضلاته،حتّى يصبح عضلا أفتل.و يعدّ الفلاسفة هذا الكمال كمالا في الصّفات المادّيّة،و هو أدنى مرتبة عندهم من الكمال الذّاتيّ النّفسانيّ.و القرآن اعتبرهما معا في قوله: وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ البقرة:247،كما يأتي.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظان:مفردا مدحا،و جمعا ذمّا،في آيتين مدنيّتين.

1- وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ وَ اللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ البقرة:247

ص: 619

1- وَ قالَ لَهُمْ نَبِيُّهُمْ إِنَّ اللّهَ قَدْ بَعَثَ لَكُمْ طالُوتَ مَلِكاً قالُوا أَنّى يَكُونُ لَهُ الْمُلْكُ عَلَيْنا وَ نَحْنُ أَحَقُّ بِالْمُلْكِ مِنْهُ وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ قالَ إِنَّ اللّهَ اصْطَفاهُ عَلَيْكُمْ وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ وَ اللّهُ يُؤْتِي مُلْكَهُ مَنْ يَشاءُ وَ اللّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ البقرة:247

2- وَ إِذا رَأَيْتَهُمْ تُعْجِبُكَ أَجْسامُهُمْ وَ إِنْ يَقُولُوا تَسْمَعْ لِقَوْلِهِمْ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ قاتَلَهُمُ اللّهُ أَنّى يُؤْفَكُونَ

المنافقون:4

يلاحظ أوّلا:أنّ الآيتين مدنيّتان جاءت أولاهما في قصّة طالوت خلال قصص بني إسرائيل في سورة البقرة الّتي ركّزت حوالي مائة آية منها في بدو الهجرة في التّعريف ببني إسرائيل ليعلم المؤمنون سابقتهم و لا يخدعوا بهم،و ليعلموا هم أنفسهم بأنّ اللّه أخبر النّبيّ عليه السّلام و المؤمنين بخفايا أحوالهم فيعترفوا بأنّه وحي من اللّه تعالى و يؤمنوا به.و ثانيتهما في وصف المنافقين -و منشؤهم المدينة-لئلاّ ينخدع المؤمنون بحسن منظرهم و طلاقة لسانهم.و ليعرفوا هم أنفسهم بأنّ اللّه أوحى إلى نبيّه ببواطن أمورهم فيرجعوا عن وشمة النّفاق،و يؤمنوا به،فالآيتان متناسقتان لجوّ المدينة.

ثانيا:في(1)بحوث:

1-فيها دلالة على صحّة ما اعتبره الإماميّة في إمام المسلمين من جهتين:

الأولى:اختصاص طالوت بأنّه مبعوث للملك من اللّه تعالى،كما اعتبرت الإماميّة في الإمام النّصّ من اللّه و الرّسول.

الثّانية:اشترط العلم البالغ و المعرفة الكاملة نفسا، و القدرة و الشّجاعة جسما،و قالوا:إنّ طالوت كان أعلمهم و أجسمهم،و لم يكن أكثرهم مالا كما أحبّوا.

و تقول الإماميّة:يجب أن يكون الإمام أعلم النّاس و أشجعهم،و يوجد اعتراف بذلك في ثنايا التّفاسير حتّى من أهل السّنّة.

2-جاء فيها وَ زادَهُ بَسْطَةً فِي الْعِلْمِ وَ الْجِسْمِ تعقيبا لقولهم: وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ ف(السّعة) بمعنى الكثرة تناسب المال،أمّا(البسطة)فتناسب الجسم ظاهرا و العلم باطنا.

3-قال بعضهم:بسط الجسم:عبارة عن طول قامة طالوت،فقد بالغوا فيه بما يخرج عن المتعارف،و يلحق بالأساطير الإسرائيليّة.و قال بعضهم:هو عبارة عن الجمال و تناسب الأعضاء و السّلامة عن الأمراض.

و الأنسب منها بمنصب الملك هو القدرة و الشّجاعة،لأنّه بهما يدبّر الأمور و يسيطر عليها و يدفع الأعداء،كما أنّه ببسطة العلم و كماله يحلّ المشكلات و يغلب العويصات.

و الفخر الرّازيّ بعد ذكر الأقوال قال:و هذا القول-أي القوّة و القدرة-عندي أصحّ،لأنّ المنتفع به في دفع الأعداء هو القوّة و الشّدّة لا الطّول و الجمال،و قد علّل اختيار العلم و القدرة للملك بوجوه أربعة،فلاحظ.

و العجيب من الزّمخشريّ حيث قال في بسطة الجسم:«و أن يكون جسيما يملأ العين جهارة،لأنّه أعظم في النّفوس و أهيب في القلوب».

4-و للطّباطبائيّ فيها كلمة الفصل:بأنّ الغرض من (الملك)تدبير المجتمع تدبيرا صالحا يوصل كلّ فرد إلى كماله اللاّئق به،و دفع ما يمنعه عن ذلك،و هذا المطلوب

ص: 620

إنّما يحصل بالعلم بجميع مصالح الحياة و مفاسدها، و بالقدرة على إجرائها.

5-مع أنّ لبسط كلّ من العلم و الجسم دخلا عظيما لا ينكر في انتظام أمور الرّاعي و الرّعيّة،و الحاكم و المحكومين إلاّ أنّ اللّه قدّم العلم،و ختم الآية بقوله:

وَ اللّهُ واسِعٌ تفضيلا له و ترجيحا لجانب الرّوح على الجسم معنى،إضافة إلى الأجناس فيهما لفظا.

6-قوله: واسِعٌ عَلِيمٌ كأنّه مقابلة لقولهم: وَ لَمْ يُؤْتَ سَعَةً مِنَ الْمالِ أي أنّ سعة المال لا تعدّ شيئا قبال سعة العلم.

ثالثا:في(2)بحوث أيضا:

1-عند الطّباطبائيّ أنّ الخطاب في الآية عامّ لكلّ من رآهم و سمع كلامهم و لا يختصّ بالنّبيّ،و يؤيّده أنّ سياق السّورة التّعريف بالمنافقين و أوصافهم للنّاس،لا للنّبيّ فقط.

2-جاء في السّورة أبرز أمارات النّفاق:منطقا و منظرا و قلبا:فمن منطقهم تأكيد الشّهادة بالرّسالة بالأيمان الكاذبة،و قولهم للنّاس: لا تُنْفِقُوا عَلى مَنْ عِنْدَ رَسُولِ اللّهِ حَتّى يَنْفَضُّوا و قولهم: لَئِنْ رَجَعْنا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الْأَعَزُّ مِنْهَا الْأَذَلَّ المنافقون:7،8.

و من مظهرهم جمال ظاهرهم و عظم أجسامهم، و من خصائصهم القلبيّة و الرّوحيّة:اتّخاذهم أيمانهم جنّة،و أنّهم كالخشب المسنّدة أجسام بلا روح،لخوفهم البالغ حيث يحسبون كلّ صيحة عليهم،و نفرتهم عن الاستغفار و ضنّتهم بالمؤمنين من أن ينفق عليهم أحد، و باحتقارهم و سوء الظّنّ بهم بأنّهم إنّما آمنوا طمعا في المال و الطّعام،لا للّه و الرّسول.

3-جاء«أجسام»بدل«أجساد»تحقيرا لهم،لأنّ الأجسام تتبادر منها الجمادات،كالحجر و الخشب ممّا لا روح فيها،و يفسّرها: كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ أي كأنّهم تماثيل و ليسوا أناسيّ،كما قال سيّد قطب:«فهم أجسام تعجب،لا أناسيّ تتجاوب».و قال مغنيّة:«جمال في المنظر و قبح في المخبر».

4-و هذا يعطينا خبرة في معرفة المنافق بأنّه يبالغ في حسن منظره و بلاغة منطقه،فلا يفتتن المؤمنون بذلك حتّى يختبروهم و تتبيّن لهم حالهم.

5-و من فضول الكلام في التّفاسير الكلاميّة من تعريف الجسم و تحديده بماله طول و عرض و ضخامة، فإنّه أجنبيّ عن الآية.

ص: 621

ص: 622

ج ع ل

اشارة

48 لفظا،346 مرّة:256 مكّيّة،90 مدنيّة

في 66 سورة:49 مكّيّة،17 مدنيّة

جعل 77:59-18 يجعلوه 1:1

جعله 9:4-5 تجعل 6:3-3

جعلها 2:2 تجعلني 2:2

جعلهم 3:3 تجعلنا 3:2-1

جعلكم 9:6-3 تجعلون 2:1-1

جعلا 1:1 تجعلونه 1:-1

جعلوا 11:9-2 تجعلوا 5:1-4

جعلته 1:1 أجعل 1:-1

جعلتم 3:2-1 لأجعلنّك 1:1

جعلت 1:1 نجعل 13:10-3

جعلنا 70:58-12 لنجعله 1:1

جعلناه 15:13-2 نجعلها 2:2

جعلناها 8:6-2 نجعلهما 1:1

جعلناهم 12:12 نجعلهم 3:3

جعلناهنّ 1:1 لنجعلك 1:-1

جعلناك 3:3 اجعل 14:8-6

جعلناكم 4:2-2 اجعله 1:1

جعلنى 4:4 اجعلنى 3:3

جعل 1:1 اجعلنا 2:1-1

يجعل 28:13-15 اجعلوا 2:2

يجعله 5:3-2 جاعل 3:1-2

يجعلكم 1:1 جاعلك 1:-1

يجعلنى 1:1 لجاعلون 1:1

يجعلون 5:4-1 جاعلوه 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :جعل جعلا:صنع صنعا؛و جعل أعمّ، لأنّك تقول:جعل يأكل،و جعل يصنع كذا،و لا تقول:

صنع يأكل.

و الجعل:ما جعلت لإنسان أجرا له على عمل يعمله،

ص: 623

و الجعالة أيضا.

و الجعالات:ما يتجاعل النّاس بينهم عند بعث أو أمر يحزبهم من السّلطان.

و الجعل:دابّة من هوامّ الأرض.

و الجعل:واحدها:جعلة،و هي النّخل الصّغار.

و الجعال و الجعالة:خرقة تنزل بها القدر عن رأس النّار،يتّقى بها من الحرّ.(1:229)

سيبويه :جعلت متاعك بعضه فوق بعض:ألقيته.

و جعل الطّين خزفا،و القبيح حسنا:صيّره إيّاه.

و جعل البصرة بغداد:ظنّها إيّاها.

و جعل يفعل كذا:أقبل و أخذ.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن سيده 1:327)

الكسائيّ: أجعلت القدر إجعالا،إذا أنزلتها بالجعال.و كذلك من«الجعل»في العطيّة:أجعلت له، بالألف.(الأزهريّ 1:374)

أبو عمرو الشّيبانيّ: جعلت هذا الأمر دبر أذني، و اجعله دبر أذنك لا يهدك.(1:249)

الأصمعيّ: الجعال:الخرقة الّتي تنزل بها القدور.

مثله أبو عبيد.(الأزهريّ 1:374)

هي الجعالة بالفتح،من الشّيء تجعله للإنسان.

الجعل:قصار النّخل.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 1:374)

ابن الأعرابيّ: جعل:صيّر،و جعل:أقبل، و جعل:خلق،و جعل:قال،و منه قوله: إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا الزّخرف:3،أي قلناه.

(الأزهريّ 1:373)

أجعلت الكلبة و السّباع كلّها،إذا اشتهت الفحل.

(الأزهريّ 1:374)

الجعل:القصر مع السّمن و اللّجاج.

(الأزهريّ 1:375)

شمر: الجعائل:جمع الجعيلة،و هو أن يضرب البعث على رجل فيعطي رجلا ليخرج مكانه.و الجاعل:

المعطي.و المجتعل:الآخذ.(الهرويّ 1:367)

ابن بزرج: قالت الأعراب:لنا لعبة يلعب بها الصّبيان نسمّيها:«جبّى جعل»يضع الصّبيّ رأسه على الأرض ثمّ يتقلّب على ظهره و لا يجرون«جبّى جعل»إذا أرادوا به اسم رجل.فإذا قالوا:هذا جعل بغير«جبّى» أجروه.(الأزهريّ 1:374)

الزّجّاج: جعلت زيدا أخاك:نسبته إليك.

(ابن سيده 1:327)

المبرّد: الجعال:الّذي يوضع فيه البرمة و ربّما توقّيت به حرارتها.(2:69)

كراع النّمل:و يقال للجعل:أبو وجزة،بلغة طيّئ.

و رجل جعل:أسود دميم،مشبّه بالجعل.و قيل:

هو اللّجوج،لأنّ الجعل يوصف باللّجاجة،يقال:رجل جعل.و جعل الإنسان:رقيبه.(ابن منظور 11:112)

ابن دريد :الجعل[من النّخل]:ما نالته اليد.

(1:43)

الجعل:دويبّة معروفة.و أرض مجعلة:كثيرة الجعلان.و ماء مجعل:إذا وقعت فيه الجعلان.

و الجعل:النّخل إذا فات اليد؛الواحدة:جعلة.و قال قوم:بل الجعل مثل البعل.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 624

و الجعل:مصدر:جعلت له جعلا.

و الجعل:معروف،و الجعول:الرّأل زعموا،و قد جاء في الشّعر الفصيح الواو زائدة.

و الجعال:الخرقة الّتي تنزل بها القدر.[ثمّ استشهد بشعر]

و بنو جعال:حيّ من العرب.(2:101)

و جعول و هو الرّأل،لغة يمانيّة.(3:365)

الجعول:الرّأل،ولد النّعام.(الأزهريّ 1:375)

القاليّ: و الجعلة:أرض لبني عامر بن صعصعة.

(2:289)

الأزهريّ: و يقال:جعل فلان يصنع كذا و كذا، كقولك:طفق و علق يفعل كذا و كذا.

و يقال:جعلته أحذق النّاس بعمله،أي صيّرته.

و الجعل:دابّة سوداء من دوابّ الأرض،تجمع جعلانا،و ماء مجعل و جعل،إذا تهافتت فيه الجعلان.

و من أمثال العرب:«لزق بامرئ جعله»،يقال ذلك عند التّنغيص و الإفساد.[ثمّ استشهد بشعر](1:373)

الصّاحب: جعل بمعنى صنع،إلاّ أنّه أعمّ،يقال:

جعل يفعل كذا،و لا يقال:صنع،و لا يجعل.

و الجعالة و الجعيلة:واحد،و قد جعلت له الجعل.

و هو يجاعله،أي يرشوه.

و أجعلت لفلان إجعالا:من الجعل.

و الجعال و الجعالة:ما ينزل به القدر من خرقة أو غيرها،و قد أجعلتها:أنزلتها به.

و جعال الفهميّ: شاعر.

و كلبة مجعل:أرادت السّفاد.

و ماء جعل و مجعل:ماتت فيه الجعلان؛و الواحد:

جعل،و هي دابّة.

و رجل جعل:لجوج،و قد يقال ذلك لسواده تشبيها بالدّابّة.

و في مثل:«سدك به جعله»،أي لزق به من يكرهه.

و الجعل-واحده:جعلة-:النّخل القصيرة الصّغار.

(1:256)

الخطّابيّ: و يقال لكلّ ذات ظلف إذا أرادت الفحل:استحرمت،و لكلّ ذات حافر:استودقت، و لكلّ ذات مخلب كالكلب و نحوه:صرفت،و استجعلت.

(1:411)

في حديث ابن عبّاس:«الرّشوة في الحكم سحت..و جعيلة الغرق».و أمّا«جعيلة الغرق»فهي ما يجعل للغائص على استخراج المتاع الّذي غرق في البحر،يقال:جعلت له جعيلة و جعالة بفتح الجيم،أي جعلا.[إلى أن قال:]

فأمّا إذا جعل للغائص جعلا في طلب متاعه،كان ذلك جائزا،كما لو جعلها لطالب العبد،لأنّه إنّما يأخذ الجعل على كدّ نفسه لا على ردّ عبده.(2:475)

الجوهريّ: جعلت كذا أجعله جعلا و مجعلا.

و جعله اللّه نبيّا،أي صيّره.

و جعلوا الملائكة إناثا،أي سمّوهم.

و الجعل:النّخل القصار؛الواحدة:جعلة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجعل بالضّمّ:ما جعل للإنسان من شيء على الشّيء يفعله،و كذلك الجعالة بالكسر؛و الجعيلة مثله.

ص: 625

و الجعل:دويبّة (1)،و قد جعل الماء بالكسر جعلا،أي كثر فيه الجعلان.

و الجعال:الخرقة الّتي تنزل بها القدر عن النّار، و الجمع:جعل،مثل كتاب و كتب.و أجعلت القدر،أي أنزلتها بالجعال.

و أجعلت لفلان،من الجعل في العطيّة.

و أجعلت الكلبة و استجعلت فهي مجعل،إذا أرادت السّفاد،و كذلك سائر السّباع.

و اجتعل و جعل بمعنى.[ثمّ استشهد بشعر]

(4:1656)

ابن فارس: الجيم و العين و اللاّم كلمات غير منقاسة،لا يشبه بعضها بعضا.فالجعل:النّخل يفوت اليد؛و الواحدة:جعلة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجعول:ولد النّعام.

و الجعال:الخرقة الّتي تنزل بها القدر عن الأثافيّ.

و الجعل و الجعالة و الجعيلة:ما يجعل للإنسان على الأمر يفعله.

و جعلت الشّيء:صنعته.

و كلبة مجعل،إذا أرادت السّفاد.

و الجعلة:اسم مكان.[ثمّ استشهد بشعر]

فهذا الباب كما تراه لا يشبه بعضه بعضا.(1:460)

أبو هلال :الفرق بين الجعل و العمل:أنّ العمل هو إيجاد الأثر في الشّيء،على ما ذكرنا؛و الجعل:تغيير صورته بإيجاد الأثر فيه و بغير ذلك،أ لا ترى أنّك تقول:

جعل الطّين خزفا،و جعل السّاكن متحرّكا.و تقول:

عمل الطّين خزفا؛و لا تقول:عمل السّاكن متحرّكا،لأنّ الحركة ليست بأثر يؤثّر به في الشّيء.

و الجعل أيضا يكون بمعنى«الإحداث»و هو قوله تعالى: وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ الأنعام:1،و قوله تعالى: وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ النّحل:78، و يجوز أن يقال:إنّ ذلك يقتضي أنّه جعلها على هذه الصّفة الّتي هي عليها،كما تقول:جعلت الطّين خزفا.

و الجعل أيضا يدلّ على«الاتّصال»و لذلك جعل طرفا للفعل فتستفتح به،كقولك:جعل يقول،و جعل ينشد.[ثمّ استشهد بشعر]

و جاء أيضا بمعنى«الخبر»في قوله تعالى: وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً الزّخرف:19، أي أخبروا بذلك.

و بمعنى«الحكم»في قوله تعالى: أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ التّوبة:19،أي حكمتم بذلك،و مثله جعله اللّه حراما و جعله حلالا،أي حكم بتحليله و تحريمه، و جعلت المتحرّك متحرّكا،أي جعلت ماله صار متحرّكا،و له وجوه كثيرة أوردناها في كتاب«الوجوه و النّظائر».

و الجعل:أصل الدّلالة على الفعل،لأنّك تعلمه ضرورة؛و ذلك أنّك إذا رأيت دارا مهدّمة ثمّ رأيتها مبنيّة،علمت التّغيّر ضرورة،و لم تعلم حدوث شيء إلاّ بالاستدلال.(110)

الهرويّ: يكون«جعل»بمعنى عمل و هيّأ،يقال:

جعلت الشّيء بعضه فوق بعض.و يقال:جعل يقول، أي أخذ يقول.ة.

ص: 626


1- كذا،و الظّاهر دويبّة.

و جعل فلان زيدا أعلم النّاس،إذا وصفه بذلك، و حكم به.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

و في حديث ابن عمر أنّه ذكر عنده الجعائل،فقال:

«لا أغزو على أجر و لا أبيع أجري من الجهاد».

الجعالة:أن يضرب البعث فيخرج من الأربعة و الخمسة رجل واحد،و يجعل له.و منه حديث ابن عبّاس:«إن جعله عبدا أو أمّة فغير طائل،و إن جعله في كراع أو سلاح فلا بأس».(1:365)

الثّعالبيّ: للعرب كلام تخصّ به معاني في الخير و الشّرّ،و في اللّيل و النّهار و غيرهما.[إلى أن قال:]

و من ذلك قوله تعالى: فَجَعَلْناهُمْ أَحادِيثَ سبأ:

19،أي مثّلنا بهم،و لا يقال:جعلوا أحاديث،إلاّ في الشّرّ.(375)

ابن سيده: جعل الشّيء يجعله جعلا،و اجتعله، كلاهما:وضعه.[ثمّ استشهد بشعر]

و جعله يجعله جعلا:صنعه.

و تجاعلوا الشّيء:جعلوه بينهم.

و جعل له كذا على كذا:شارطه به عليه،و كذلك:

جعل للعامل كذا.

و الجعالة،و الجعالة،و الجعالة-الكسر و الضّمّ عن اللّحيانيّ-و الجعيلة-كلّ ذلك:ما جعله له على عمله.

و الجعالة بالفتح:الرّشوة،عن اللّحيانيّ أيضا.

و خصّ مرّة بالجعالة:ما يجعل للغازي؛و ذلك إذا وجب على الإنسان غزو،فجعل مكانه رجلا آخر،بجعل يشترطه.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجعله جعلا،و أجعله له:أعطاه إيّاه.

و الجعالة:ما يتجاعلونه عند البعوث أو الأمر يحزبهم من السّلطان.

و الجعال و الجعالة:ما تنزل به القدر،من خرقة أو غيرها.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجعل القدر:أنزلها بالجعال.

و أجعلت الكلبة،و الذّئبة،و الأسدة،و كلّ ذات مخلب و هي مجعل،و استجعلت:أحبّت السّفاد.

و الجعلة:الفسيلة،و قيل:الوديّة،و قيل:النّخلة القصيرة،و قيل:هي الفائتة لليد،و الجمع:جعل.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجعل:دويبّة،و الجعل أيضا من النّخل:كالبعل.

و الجعل:دويبّة،قيل:هو أبو جعران؛و جمعه:جعلان.

و ماء جعل،و مجعل:ماتت فيه الجعلان و الخنافس.

و أرض مجعلة:كثيرة الجعلان.

و رجل جعل:أسود دميم،مشبّه بالجعل،و قيل:

هو اللّجوج،لأنّ الجعل يوصف باللّجاجة،يقال:رجل جعل.

و جعل الإنسان:رقيبه.و في المثل:«سدك بامرئ جعله»يضرب للرّجل يريد الخلاء لطلب حاجة، فيلزمه آخر،يمنعه من ذكرها أو عملها.[ثمّ استشهد بشعر]

و كلّ ذلك على التّمثيل بالجعل.

و الجعول:ولد النّعام؛يمانيّة.و جعيل:اسم رجل؛ و بنو جعال:حيّ.(1:327)

الطّوسيّ: الفرق بين الجعل و الفعل:أنّ:جعل الشّيء،قد يكون بإحداث غيره كجعل الطّين خزفا،

ص: 627

و لا يكون فعله إلاّ بإحداثه.

و الفرق بين الجعل و التّغيير:أنّ تغيير الشّيء لا يكون إلاّ بتصييره على خلاف ما كان،و جعله يكون بتصييره على مثل ما كان،كجعل الإنسان نفسه ساكتا على استدامة الحال.(5:465)

الجعل و التّصيير و العمل نظائر في اللّغة.(6:109)

و الجعل:حصول الشّيء على المعنى الّذي يقدر عليه،و قد يكون ذلك بمحذوف نفسه،و قد يكون بحدوث غيره له.

و الجعل على أربعة أوجه:

أوّلها:إحداث النّفس،كجعل البناء و النّساجة و غير ذلك.

و الثّاني:بقلبه،كجعل الطّين خزفا.

و الثّالث:بالحكم،كجعله كافرا أو مؤمنا.

و الرّابع:بالدّعاء إلى الفعل،كجعله صادقا و داعيا.

(10:137)

و الجعل على أربعة أقسام:

أحدها:بمعنى الإحداث،كقوله: وَ جَعَلْنَا اللَّيْلَ وَ النَّهارَ آيَتَيْنِ الإسراء:12،و قوله: وَ جَعَلْنَا السَّماءَ سَقْفاً مَحْفُوظاً الأنبياء:32.

الثّاني:بمعنى قلبه من حال،كجعل النّطفة علقة إلى أن تصير إنسانا.

الثّالث:بمعنى الحكم أنّه على صفة،كما قال أنّه جعل رؤساء الضّلالة يدعون إلى النّار،أي حكم بذلك.

الرّابع بمعنى اعتقد أنّه على حال،كقولهم:جعل فلان فلانا راكبا،إذا اعتقد فيه ذلك.(8:154)

الرّاغب:«جعل»لفظ عامّ في الأفعال كلّها،و هو أعمّ من:فعل و صنع و سائر أخواتها،و يتصرّف على خمسة أوجه:

الأوّل:يجري مجرى:صار و طفق،فلا يتعدّى،نحو:

جعل زيد يقول كذا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الثّاني:يجري مجرى أوجد،فيتعدّى إلى مفعول واحد،نحو قوله عزّ و جلّ: وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ الأنعام:1، وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ النّحل:78.

و الثّالث:في إيجاد شيء من شيء و تكوينه منه، نحو: اَللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً النّحل:72، وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً النّحل:81، وَ جَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً الزّخرف:10.

و الرّابع:في تصيير الشّيء على حالة دون حالة،نحو:

اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً البقرة:22،و قوله:

جَعَلَ لَكُمْ مِمّا خَلَقَ ظِلالاً النّحل:81، وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً نوح:16،و قوله تعالى: إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا الزّخرف:3.

و الخامس:الحكم بالشّيء على الشّيء حقّا كان أو باطلا:فأمّا الحقّ،فنحو قوله تعالى: إِنّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ القصص:7.

و أمّا الباطل،فنحو قوله عزّ و جلّ: وَ جَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً الأنعام:136، وَ يَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَناتِ النّحل:57، اَلَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ الحجر:91.

و الجعالة:خرقة ينزّل بها القدر.

ص: 628

و الجعل و الجعالة و الجعيلة:ما يجعل للإنسان بفعله، فهو أعمّ من الأجرة و الثّواب.

و كلب يجعل:كناية عن طلب السّفاد.

و الجعل دويبّة.(94)

الزّمخشريّ: جعل اللّه الظّلمات و النّور:خلقهما.

وَ جَعَلَ الشَّمْسَ سِراجاً نوح:16:صيّرها كذلك.

و جعل يفعل كذا.

و أنزل القدر بالجعال و الجعالة،و هي الخرقة.

و أعطى العامل جعله و جعالته و جعالته و جعيلته، أي أجره،و أعطى العمّال جعالاتهم و جعائلهم.

و قسموا الجعالات،و هي ما يتجاعله النّاس بينهم عند البعث و الأمر،يحزبهم من السّلطان.

و أجعلت لفلان فعمل لي كذا،أي بيّنت له جعلا.

و فلان يجاعل فلانا:يصانعه برشوة.

و قد أجعلت الكلبة،أي اشتهت الفحل،و كلبة مجعل.

و كأنّهم الجعلان يدفعن النّتن بآنافها.

و من المجاز:«سدك به جعله»إذا لزمه أمر مكروه.

و تقول:«مررت بجعل،يرمي بشعل»أي بأسود يأتي بحجج زهر.(أساس البلاغة:61)

الجعيلة و الجعالة:الجعل،و هو ما يجعل لمن يغوص على متاع أو إنسان غرق في الماء.(الفائق 1:74)

ابن عمر ذكر عنده الجعائل،فقال:«لا أغزو على أجر،و لا أبيع أجري من الجهاد»،جمع:جعالة بالفتح و الكسر أو جعيلة،و هي جعل يدفعه المضروب عليه البعث إلى من يغزو عنه.

قال الأسديّ:

*فأعطيت الجعالة مستميتا*

و منه حديث مسروق رحمه اللّه:«إنّه كان يكره الجعائل».(الفائق 1:217)

الطّبرسيّ: و«جعل»يكون على وجوه:

أحدها:أن يتعدّى إلى مفعولين،نحو جعلت الطّين خزفا،أي صيّرت.

و ثانيها:أن يأتي بمعنى«صنّع»يتعدّى إلى مفعول واحد،نحو قوله: وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ الأنعام:1.

و ثالثها:أن يأتي بمعنى«التّسمية»كقوله تعالى:

وَ جَعَلُوا لِلّهِ أَنْداداً إبراهيم:30،أي سمّوا له.

و رابعها:أن يأتي بمعنى أفعال المقاربة،نحو:جعل زيد يفعل كذا.(1:56)

الجعل و الخلق و الإحداث نظائر.(1:60)

الجعل:إيجاد ما به يكون الشّيء،على صفة لم يكن عليها.(3:91)

ابن الأثير: [و ذكر حديث ابن عمر و قال:]

الجعائل:جمع جعيلة،أو جعالة بالفتح،و الجعل:

الاسم بالضّمّ،و المصدر بالفتح.يقال:جعلت كذا جعلا و جعلا،و هو الأجرة على الشّيء فعلا أو قولا.

و المراد في الحديث أن يكتب الغزو على الرّجل فيعطي رجلا آخر شيئا ليخرج مكانه،أو يدفع المقيم إلى الغازي شيئا فيقيم الغازي و يخرج هو.

و قيل:الجعل أن يكتب البعث على الغزاة،فيخرج من الأربعة و الخمسة رجل واحد،و يجعل له جعل.

و منه حديث ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:«إن جعله

ص: 629

عبدا أو أمة فغير طائل،و إن جعله في كراع أو سلاح فلا بأس»أي إنّ الجعل الّذي يعطيه للخارج إن كان عبدا أو أمة يختصّ به فلا عبرة به،و إن كان يعينه في غزوة بما يحتاج إليه من سلاح أو كراع فلا بأس به.

و منه حديثه الآخر:«جعيلة الغرق سحت»و هو أن يجعل له جعلا ليخرج ما غرق من متاعه،جعله سحتا لأنّه عقد فاسد بالجهالة الّتي فيه.

و فيه:«كما يدهده الجعل بأنفه».الجعل:حيوان معروف كالخنفساء.(1:276)

القرطبيّ: و العرب تفرّق بين جعل إذا كانت بمعنى خلق و بين جعل إذا لم تكن بمعنى خلق.فإذا كانت بمعنى خلق فلا تعدّيها إلاّ إلى مفعول واحد،و إذا لم تكن بمعنى خلق عدّتها إلى مفعولين.(15:328)

البيضاويّ: و«جعل»من الأفعال العامّة،يجيء على ثلاثة أوجه:بمعنى صار و طفق،فلا يتعدّى.[ثمّ استشهد بشعر]

و بمعنى«أوجد»فيعدّى إلى مفعول واحد،كقوله تعالى: وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ الأنعام:1.

و بمعنى«صيّر»و يتعدّى إلى مفعولين،كقوله تعالى:

جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً البقرة:22.

و التّصيير يكون بالفعل تارة و بالقول و العقد أخرى.

(1:33)

أبو حيّان :لم يذكر النّحويّون في معاني جعل:

شرع،بل ذكروا أنّها تأتي بمعنى:خلق،و بمعنى ألقى، و بمعنى صيّر،و بمعنى الأخذ في الفعل،فتكون من أفعال المقاربة.و ذكر بعضهم بمعنى«سمّى».(4:33)

الفيّوميّ: جعلت الشّيء جعلا:صنعته أو سمّيته.

و الجعل بالضّمّ:الأجر،يقال:جعلت له جعلا.

و الجعالة-بكسر الجيم و بعضهم يحكي التّثليث- و الجعيلة،مثال كريمة:لغات في«الجعل».

و أجعلت له بالألف:أعطيته جعلا،فاجتعله هو،إذا أخذه.

و الجعل و زان عمر:الحرباء،و هي ذكر«أمّ حبين» و جمعه:جعلان،مثل صرد و صردان.(1:102)

الفيروزآباديّ: جعله كمنعه جعلا و يضمّ، و جعالة و يكسر،و اجتعله:صنعه،و الشّيء جعلا:

وضعه،و بعضه فوق بعض ألقاه،و القبيح حسنا:صيّره، و البصرة بغداد:ظنّها إيّاها،و له كذا على كذا:شارطه به عليه.

و جعل يفعل كذا:أقبل و أخذ.

و يكون بمعنى سمّى،و منه وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً الزّخرف:19.

و بمعنى التّبيين إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا الزّخرف:3.

و بمعنى الخلق وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ الأنعام:1.

و بمعنى التّشريف جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً البقرة:

143، جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً المائدة:97.

و بمعنى التّبديل: جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها هود:82.

و بمعنى الحكم الشّرعيّ(جعل اللّه الصّلوات المفروضات خمسا).

و بمعنى التّحكّم البدعيّ اَلَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ الحجر:91.

ص: 630

و بمعنى التّحكّم البدعيّ اَلَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ الحجر:91.

و قد تكون لازمة و هي الدّاخلة في أفعال المقاربة.

[ثمّ استشهد بشعر]

و جعلت زيدا أخاك:نسبته إليك.

و الجعالة مثلّثة،و ككتاب و قفل و سفينة:ما جعله على عمله.

و تجاعلوا الشّيء:جعلوه بينهم.

و كسحابة:الرّشوة،و ما تجعل للغازي إذا غزا عنك بجعل،و يكسر و يضمّ.

و بالكسر و الضّمّ:خرقة ينزّل بها القدر كالجعال بالكسر.

و أجعله جعلا و أجعله له:أعطاه،و القدر:أنزلها بالجعال،و الكلبة و غيرها أحبّت السّفاد،كاستجعلت فهي مجعل.

و الجعلة:الفسيلة،أو النّخلة القصيرة،أو الرّديئة، أو الفائتة لليد،الجمع:جعل.

و الجعل كالبعل:من النّخل،و كصرد:الرّجل الأسود الدّميم أو اللّجوج،و الرّقيب،و دويبّة،الجمع:

جعلان بالكسر.

و أرض مجعلة كمحسنة:كثيرتها.و ماء جعل بالكسر و ككتف و محسن:كثرت فيه أو ماتت فيه،و قد جعل كفرح و أجعل.

و الجعول كجرول:ولد النّعام.

و بنو جعال ككتاب:حيّ[إلى أن قال:]

و الجاعل:المعطي،و المجتعل،الآخذ.

و الجعل محرّكة:القصر في سمن،و اللّجاج.

و جاعله:رشاه.(3:359)

الطّريحيّ: و الجعالة هي في اللّغة:ما يجعل للإنسان على عمل.

و شرعا على ما قرّره الفقهاء و أهل العلم:صيغة ثمرتها تحصيل المنفعة بعوض مع عدم اشتراط العمل في العلم و العوض؛و الجمع:الجعالات و الجعائل.

و الجعل كصرد:دويبّة كالخنفساء،أكبر منها، شديدة السّوداء،في بطنه لون حمرة،و النّاس يسمّونه أبا جعران،لأنّه يجمع الجعر اليابس و يدّخره في بيته.

و يسمّى الزّعقوق،تعضّ البهائم في فروجها فتهرب.

للذّكر قرنان،يوجد كثيرا في مراح البقر و الجواميس و مواضع الرّوث،تتولّد غالبا من أحشاء البقر،و من شأنه جمع النّجاسة.و له جناحان لا يكادان يريان إلاّ اذا طار،و له ستّة أرجل،و يمشي القهقريّ إلى خلف،و هو مع ذلك مهتد إلى بيته.

و من عادته يحرس النيام،فمن قام منصرفا إلى حاجته تبعه؛و ذلك من شهوته للغائط،لأنّه قوته.

و في الحديث:«إنّ اللّه ليعذّب الجعل في جحره بحبس المطر عن الأرض الّتي هي بمحلّها،لمجاورتها أهل المعاصي،و لها السّبيل إلى غيرهم».(5:338)

مجمع اللّغة :جعل يجعل جعلا فهو جاعل، و الجعل يأتي لمعان ترجع إلى ما يأتي:

1-الخلق و الإيجاد.

2-التّصيير حقيقة أو حكما.

3-الحكم و التّشريع و التّقرير.(1:194)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:107)

ص: 631

العدنانيّ: و يقولون:هذا يجعلني أن أواصل الدّراسة،و الصّواب:هذا يجعلني أواصل الدّراسة،أي يحملني على مواصلتها،لأنّ زيادة«أن»على المفعول به الثّاني ل«جعل»يجعل تأويلها و ما بعدها بالمصدر متعذّرا؛ إذ لا يجوز أن نقول:هذا يجعلني مواصلة الدّراسة.

(معجم الأخطاء الشّائعة:56)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:

ما يقرب من التّقدير و التّقرير و التّدبير،بعد الخلق و التّكوين.

و التّقدير بعد التّكوين قد يتحقّق في زمان التّكوين خارجا،و هو متأخّر اعتبارا و لحاظا،كما في: جَعَلَ الشَّمْسَ ضِياءً وَ الْقَمَرَ نُوراً يونس:5، وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَ حَفَدَةً النّحل:72، وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ النّحل:78، ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ السّجدة:8، وَ جَعَلْنا فِي الْأَرْضِ رَواسِيَ الأنبياء:31.

و قد يتحقّق في زمان بعد التّكوين،كما في جاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلاً فاطر:1، فَجَعَلَهُ غُثاءً أَحْوى الأعلى:5، إِنّا خَلَقْناكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَ أُنْثى وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً الحجرات:13، اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ مَهْداً طه:53.

و قد يتحقّق التّقدير في إعطاء مقام و منزلة بعد التّكوين،كما في: إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ المائدة:20.

إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ الأعراف:69، وَ جَعَلْنا مَعَهُ أَخاهُ هارُونَ وَزِيراً الفرقان:35، وَ كُلاًّ جَعَلْنا صالِحِينَ الأنبياء:72، وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنا الأنبياء:

73.

و قد يكون في التّشريع و الأحكام،كما في: فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً الإسراء:33، وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ الأحزاب:4، وَ الْبُدْنَ جَعَلْناها لَكُمْ مِنْ شَعائِرِ اللّهِ الحجّ:36، لا تَجْعَلُوا دُعاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعاءِ بَعْضِكُمْ النّور:63.

و قد يكون التّقدير من المخلوق،كما في: يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ البقرة:19، يَجْعَلُونَ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ الحجر:96، أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ رَدْماً الكهف:95، جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ يوسف:

70، فَاجْعَلْ لِي صَرْحاً لَعَلِّي أَطَّلِعُ القصص:38.

و الحاصل أنّ«الجعل»إنّما يتحقّق مفهومه إذا استعمل منسوبا إلى آثار التّكوين أو لوازمه أو خواصّه، أو فيما يتعلّق عليه،فإنّ التّقدير و ما يقرب منه كالتّدبير و التّنظيم و الحكم-و يجمعها مفهوم الجعل-فإنّه أعمّ إنّما يكون بعد الخلق و التّكوين.

و أمّا ما يقال في تفسيره من الخلق و الصّنع و التّسمية و التّصيير و الإعطاء و أمثال ذلك:فإنّما هو تفسير بمناسبة المورد،و ليس من الحقيقة بشيء،و حقيقة الجعل هو ما يقرب من التّقدير و التّقرير.

و أمّا إطلاق«الجعول»على ولد النّعام:فإنّ النّعام يقال في حقّه:إنّه لا يسمع صوتا و لا يشرب ماء، و الشّامّة منه قويّة جدّا،و يدرك بما ما لا يدركه بالسّمع سائر الحيوانات في الجملة،فلا بدّ أنّ ولده من أوّل نشوئه يكون مدبّرا و متفكّرا في أموره،و مقدّرا معايشه و أطوار حياته.

ص: 632

و أمّا الجعل بمعنى الأجر:فهو من الأصل،و هو ما يقرّر بين الأجير و من يعمل له،أي حقّ عمله و أجره المقدّر قبل العمل.

و أمّا الخرقة:فإنّها أحسن وسيلة مقدّرة لتنزيل القدر الكبير و السّاخن،من الأثافيّ إلى الأرض.

و أمّا الجعل بمعنى النّخل:فإنّه كما في«اللّسان»قصار النّخل،أو أنّه من النّخل كالبعل.و كلّ واحد منهما يحتاج إلى الإصلاح و التّدبير.

ثمّ إنّه لا يخفى ما في مفهوم«الجعل»من التّقدير و التّدبير،فكلّ مورد من الآيات الكريمة يذكر فيه لفظ «الجعل»،ففيه مفهوم التّقدير و التّدبير مقرّر،فلا يرد إشكال بالنّسبة إلى«جعل»ممّا جعله اللّه في أيّ مورد.

(2:92)

النّصوص التّفسيريّة

جعل

1- اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً وَ السَّماءَ بِناءً... البقرة:22

الزّجّاج: و يجوز في قوله: جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ وجهان:الإدغام و الإظهار،تقول:جعل لكم،و جعل لكم الأرض،فمن أدغم فلاجتماع حرفين من جنس واحد و كثرة الحركات،و من أظهر و هو الوجه و عليه أكثر القرّاء.فلأنّهما منفصلان من كلمتين.(1:99)

البغويّ: و الجعل هاهنا بمعنى الخلق.(1:93)

مثله الخازن(1:33)،و القاسميّ(2:68).

ابن عطيّة:و(جعل)بمعنى صيّر في هذه الآية، لتعدّيها إلى مفعولين.(1:105)

مثله أبو السّعود(1:83)،و نحوه النّسفيّ(1:29)، و حسنين مخلوف(1:20)،و الطّالقانيّ(1:84).

القرطبيّ: قوله تعالى: اَلَّذِي جَعَلَ معناه هنا «صيّر»لتعدّيه إلى مفعولين.

و يأتي بمعنى«خلق»و منه قوله تعالى: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَ لا سائِبَةٍ المائدة:103،و قوله: وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ الأنعام:1.

و يأتي بمعنى«سمّى»و منه قوله تعالى: حم* وَ الْكِتابِ الْمُبِينِ* إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا الزّخرف:

3،و قوله: وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً الزّخرف:19، أي سموّهم.

و يأتي بمعنى«أخذ».[ثمّ استشهد بشعر]

و قد تأتي زائدة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد قيل في قوله تعالى: وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ: إنّها زائدة

و جعل و اجتعل بمعنى واحد.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:228)

البيضاويّ: و(جعل)من الأفعال العامّة،يجيء على ثلاثة أوجه:بمعنى:صار و طفق،فلا يتعدّى.[ثمّ استشهد بشعر]

و بمعنى«أوجد»فيعدّى إلى مفعول واحد،كقوله تعالى: وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ.

و بمعنى«صيّر»و يتعدّى إلى مفعولين،كقوله تعالى:

ص: 633

جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً، و التّصيير يكون بالفعل تارة و بالقول و العقد أخرى.(1:33)

نحوه السّمين.(1:148)

أبو حيّان :(جعل)بمعنى صيّر،لذلك نصبت (الأرض)و(فراشا)،(و لكم)متعلّق ب(جعل).

و أجاز بعضهم أن ينتصب(فراشا)و(بناء)على الحال،على أن يكون(جعل)بمعنى خلق،فيتعدّى إلى واحد و غاير اللّفظ،كما غاير في قوله: خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ الأنعام:1؛لأنّه قصد إلى ذكر جملتين،فغاير بين اللّفظين،لأنّ التّكرار ليس في الفصاحة،كاختلاف اللّفظ،و المدلول واحد.

(1:97)

أبو روق:كلّ شيء في القرآن«جعل»فهو خلق.

(السّيوطيّ 2:163)

الآلوسيّ: [قال نحو أبي حيّان و أضاف:]

و عبّر سبحانه هنا ب(جعل)و فيما تقدّم ب«خلق» لاختلاف المقام،أو تفنّنا في التّعبير،كما في قوله تعالى:

خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ الأنعام:1.(1:187)

2- جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ... المائدة:97

الطّبريّ: صيّر اللّه الكعبة.(7:76)

نحوه ابن الجوزيّ(2:429)،و البيضاويّ(1:

293)،و الخازن(2:80)،و البروسويّ(2:444)، و الآلوسيّ(7:35)،و النّهاونديّ(1:427)،و حسنين مخلوف(1:207).

الفخر الرّازيّ: (جعل)فيه قولان:الأوّل:أنّه بيّن و حكم،الثّاني:أنّه صيّر؛فالأوّل:بالأمر و التّعريف، و الثّاني:بخلق الدّواعي في قلوب النّاس لتعظيمه و التّقرّب إليه.(12:99)

نحوه النّسفيّ(1:304)،و مثله النّيسابوريّ(7:

33).

القرطبيّ: (جعل)هنا بمعنى خلق.(6:324)

نحوه أبو السّعود.(2:323)

أبو حيّان :و(جعل)هنا بمعنى صيّر.و قيل:(جعل) بمعنى بيّن،و ينبغي أن يحمل هذا على تفسير المعنى؛إذ لم ينقل،(جعل)مرادفة لهذا المعنى،لكنّه من حيث التّصيير يلزم منه التّبيين و الحكم.(4:25)

نحوه السّمين.(2:614)

رشيد رضا :الجعل هنا إمّا خلقيّ تكوينيّ و هو التّصيير،و إمّا أمريّ تكليفيّ و هو التّشريع.(7:116)

3- ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَ لا سائِبَةٍ وَ لا وَصِيلَةٍ وَ لا حامٍ... المائدة:103

أبو عبيدة :ما حرّم...(1:177)

الطّبريّ: ما بحر اللّه بحيرة،و لا سيّب سائبة و لا وصل وصيلة،و لا حمى حاميا،و لكنّكم الّذين فعلتم ذلك أيّها الكفرة،فحرّمتموه افتراء على ربّكم.(7:86)

نحوه المراغيّ.(7:44)

الطّوسيّ: أي ما حرّمها على ما حرّمها أهل الجاهليّة،و لا أمر بها.(4:40)

مثله الطّبرسيّ.(2:252)

ص: 634

الزّمخشريّ: ما شرّع و لا أمر بالتّبحير و التّسييب و غير ذلك.(1:649)

ابن عطيّة: و(جعل)في هذه الآية لا يتّجه أن تكون بمعنى خلق اللّه،لأنّ اللّه تعالى خلق هذه الأشياء كلّها،و لا هي بمعنى صيّر لعدم المفعول الثّاني،و إنّما هي بمعنى:ما سنّ و لا شرع،فتعدّت تعدّي هذه الّتي بمعناه إلى مفعول واحد.(2:247)

ابن الجوزيّ: ما أوجب ذلك،و لا أمر به.(2:436)

الفخر الرّازيّ: و أمّا(جعل)فله وجوه:

أحدها:الحكم،و منه قوله: وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً الزّخرف:19.

و ثانيها:الخلق،و منه قوله: وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ الأنعام:1.

و ثالثها:بمعنى التّصيير،و منه قوله: إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا الزّخرف:3.

إذا عرفت هذا فنقول:قوله: ما جَعَلَ اللّهُ أي ما حكم اللّه بذلك و لا شرّع و لا أمر به.(12:109)

نحوه الخازن.(2:82)

الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ... و الجعل هو الخلق،بدليل قوله تعالى: جَعَلَ مِنْها زَوْجَها الزّمر:6،و قوله تعالى: وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ الأنعام:1،و خالق هذه الأشياء هو اللّه تعالى؟

قلنا:المراد بالجعل هنا:الإيجاب و الأمر،أي ما أوجبها و لا أمر بها.

و قيل:المراد بالجعل:التّحريم.(مسائل الرّازيّ:78)

القرطبيّ: (جعل)هنا بمعنى سمّى،كما قال تعالى:

إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا أي سمّيناه.و المعنى في هذه الآية:ما سمّى اللّه،و لا سنّ ذلك حكما،و لا تعبّد به شرعا،بيد أنّه قضى به علما،و أوجده بقدرته و إرادته خلقا،فإنّ اللّه خالق كلّ شيء من خير و شرّ،و نفع و ضرّ،و طاعة و معصية.(6:335)

البيضاويّ: و معنى(ما جعل):ما شرّع و وضع، و لذلك تعدّى إلى مفعول واحد و هو البحيرة.(1:295)

نحوه شبّر(2:219)،و القاسميّ(6:2183).

النّيسابوريّ: ما حكم بذلك و لا شرّع.(7:43)

نحوه النّهاونديّ(1:430)،و عزّة دروزة(11:

198)،و حسنين مخلوف(1:209).

أبو حيّان :[نقل كلام الزّمخشريّ و ابن عطيّة ثمّ قال:]

لم يذكر النّحويّون في معاني«جعل»شرّع،بل ذكروا أنّها تأتي بمعنى خلق و بمعنى ألقى و بمعنى صيّر و بمعنى الأخذ في الفعل،فتكون من أفعال المقاربة،و ذكر بعضهم بمعنى سمّى.

و قد جاء حذف أحد مفعولي ظنّ و أخواتها إلاّ أنّه قليل،و الحمل على ما سمع أولى من إثبات معنى لم يثبت في لسان العرب.فيحتمل أن يكون المفعول الثّاني محذوفا،أي ما صيّر اللّه بحيرة و لا سائبة و لا وصيلة و لا حاميا مشروعة،بل هي من شرع غير اللّه.(4:34)

أبو السّعود :و معنى ما جَعَلَ ما شرّع و ما وضع،و لذلك عدّي إلى مفعول واحد هو بحيرة و ما عطف عليها،و مِنْ مزيدة لتأكيد النّفي،فإنّ

ص: 635

الجعل التّكوينيّ كما يجيء تارة متعدّيا إلى مفعولين و أخرى إلى واحد،كذلك الجعل التّشريعيّ يجيء مرّة متعدّيا إلى مفعولين،كما في قوله تعالى: جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنّاسِ المائدة:97،و أخرى إلى واحد.(2:328)

البروسويّ: و هو الجعل التّشريعيّ،و يتعدّى إلى واحد،أي ما شرّع و ما وضع و ما سنّ.(2:451)

الآلوسيّ: [أشار إلى قول أبي حيّان ثمّ ردّ عليه بقوله:]

و ليس كما قال فإنّ الرّاغب نقل ذلك عن أهل اللّغة، و هو ثقة لا يفتري عليهم.(7:43)

الطّباطبائيّ: الجعل المنفيّ متعلّق بأوصافها دون ذواتها،فإنّ ذواتها مخلوقة للّه سبحانه من غير شكّ، و كذلك أوصافها من جهة أنّها أوصاف فحسب،و إنّما الّذي تقبل الإسناد إليه تعالى و نفيه هي أوصافها،من جهة كونها مصادر لأحكام كانوا يدّعونها لها،فهي الّتي تقبل الإسناد و نفيه،فنفي:جعل البحيرة و أخواتها في الآية،نفي لمشروعيّة الأحكام المنتسبة إليها المعروفة عندهم.(6:156)

4- اَلْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ... الأنعام:1

ابن عبّاس: خلق الكفر و الإيمان أو اللّيل و النّهار.

(105)

نحوه زيد بن عليّ(186)،و أبو عبيدة(1:185)، و الواحديّ(2:251)،و البغويّ(2:108)، و أبو البركات(1:313)،و الخازن(2:96)،و حسنين مخلوف(1:214).

الطّبريّ: فإن قال:قائل:فما معنى قوله إذن:

(جعل)؟

قيل:إنّ العرب تجعلها ظرفا للخبر و الفعل،فتقول:

جعلت أفعل كذا،و جعلت أقوم و أقعد،تدلّ بقولها جعلت على اتّصال الفعل،كما تقول:علقت أفعل كذا، لا أنّها في نفسها فعل،يدلّ على ذلك قول القائل:جعلت أقوم،و إنّه لا جعل هناك سوى القيام،و إنّما دلّ بقوله:

«جعلت»على اتّصال الفعل و دوامه.[ثمّ استشهد بشعر]

فكذلك كلّ جعل في الكلام،إنّما هو دليل على فعل له اتّصال،لا أنّ له حظّا في معنى الفعل،فقوله: وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ إنّما هو أظلم ليلهما،و أنار نهارهما.

(7:143)

الماورديّ: يعني و خلق،فغاير بين اللّفظ،ليكون أحسن في النّظم.(2:92)

الزّمخشريّ: (جعل)يتعدّى إلى مفعول واحد إذا كان بمعنى:أحدث و أنشأ،كقوله: وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ الأنعام:1،و إلى مفعولين إذا كان بمعنى صيّر، كقوله: وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً الزّخرف:19.

و الفرق بين الخلق و الجعل:أنّ الخلق فيه معنى التّقدير،و في الجعل معنى التّضمين،كإنشاء شيء من شيء،أي تصيير شيء شيئا أو نقله من مكان إلى مكان، و من ذلك جَعَلَ مِنْها زَوْجَها، وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ لأنّ الظّلمات من الأجرام المتكاثفة و النّور من

ص: 636

النّار.(2:3)

نحوه البيضاويّ(1:301)،و النّسفيّ(2:2)، و النّيسابوريّ(7:66)،و الكاشانيّ(2:106)،و شبّر (2:234)

ابن عطيّة: (جعل)هاهنا بمعنى خلق،لا يجوز غير ذلك،و تأمّل لم خصّت اَلسَّماواتِ وَ الْأَرْضَ ب(خلق)،و اَلظُّلُماتِ وَ النُّورَ ب(جعل)؟

قال الطّبريّ: (جعل)هذه هي الّتي تتصرّف في طرق الكلام،كما تقول:جعلت كذا،فكأنّه قال:و جعل إظلامها و إنارتها.

و هذا غير جيّد،لأنّ(جعل)إذا كانت على هذا النّحو،فلا بدّ أن يرتبط معها فعل آخر،كما يرتبط في أفعال المقاربة،كقولك:كاد زيد يموت،جعل زيد يجيء و يذهب.و أمّا إذا لم تربط معها فعل،فلا يصحّ أن تكون تلك الّتي ذكر الطّبريّ.(2:266)

ابن الجوزيّ: و المراد بالجعل:الخلق.و قيل:إنّ (جعل)هاهنا صلة.(3:2)

الفخر الرّازيّ: [ذكر نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و إنّما حسن لفظ«الجعل»هاهنا،لأنّ النّور و الظّلمة لمّا تعاقبا صار كأنّ كلّ واحد منهما إنّما تولّد من الآخر.

(12:150)

نحوه القاسميّ.(6:2234)

أبو حيّان :[نقل كلام الزّمخشريّ و أضاف:]

و ما ذكره من أنّ(جعل)بمعنى«صيّر»في قوله:

وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ لا يصحّ،لأنّهم لم يصيّروهم إناثا،و إنّما قال بعض النّحويّين:إنّها بمعنى سمّى.و قول الطّبريّ(جعل)هنا هي الّتي تتصرّف في طرف الكلام، كما تقول:جعلت أفعل كذا،فكأنّه قال:و جعل إظلامها و إنارتها تخليط،لأنّ تلك من أفعال المقاربة تدخل على المبتدإ و الخبر،و هذه الّتي في الآية تعدّت إلى مفعول واحد،فهما متباينان معنى و استعمالا.(4:68)

السّمين:(جعل)هنا تتعدّى لمفعول واحد،لأنّها بمعنى خلق،هكذا عبارة النّحويّين ظاهرها أنّهما مترادفان،إلاّ أنّ الزّمخشريّ فرّق بينهما.[ثمّ ذكر أقوال الطّبريّ و الزّمخشريّ و غيرهم](3:3)

أبو السّعود :و الجعل هو الإنشاء و الإبداع كالخلق، خلا أنّ ذلك مختصّ بالإنشاء التّكوينيّ،و فيه معنى التّقدير و التّسوية،و هذا عامّ له كما في الآية الكريمة، و التّشريعيّ أيضا كما في قوله تعالى: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ المائدة:103،و أيّاما كان فهو إنباء عن ملابسة مفعوله بشيء آخر بأن يكون فيه،أوّله،أو منه،أو نحو ذلك،ملابسة مصحّحة،لأن يتوسّط بينهما شيء.

(2:348)

مثله الآلوسيّ(7:81)،و نحوه البروسويّ(3:3)، و المراغيّ(7:70).

رشيد رضا :و أمّا جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ فهو في الحسّيّات بمعنى إيجادهما،لأنّ هذا هو معنى الجعل المتعدّي إلى مفعول واحد.(7:292)

الطّباطبائيّ: و الجعل في قوله: وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ بمعنى الخلق،غير أنّ الخلق لمّا كان مأخوذا في الأصل من:خلق الثّوب،كان التّركيب من أجزاء شتّى مأخوذا في معناه،بخلاف الجعل.و لعلّ هذا هو

ص: 637

السّبب في تخصيص«الخلق»بالسّماوات و الأرض لما فيها من التّركيب،بخلاف الظّلمة و النّور،و لذا خصّا باستعمال«الجعل»،و اللّه أعلم.(7:7)

جعله

1- وَ ما جَعَلَهُ اللّهُ إِلاّ بُشْرى... آل عمران:126

الزّجّاج: و ما جعل ذكر المدد إلاّ بشرى لكم و لتمكّنوا في حربكم.(1:467)

الطّوسيّ: الهاء في قوله: وَ ما جَعَلَهُ اللّهُ عائدة على ذكر الإمداد و الوعد،فيعود على معلوم بالدّلالة عليه غير مذكور باسمه،لأنّ«يمدد»يدلّ على الذّكر للإمداد،و مثله: ...حَتّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ ص:32، أي الشّمس.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال قوم:إنّ الضّمير راجع إلى الإمداد نفسه.

و الأوّل أقوى،لأنّ«البشرى»في صفات الإنزال، و ذلك يليق بذكر الإمداد.(2:582)

نحوه الطّبرسيّ.(1:499)

ابن عطيّة: الضّمير في وَ ما جَعَلَهُ اللّهُ عائد على الإنزال و الإمداد.(1:505)

نحوه الطّباطبائيّ.(4:9)

أبو حيّان :الظّاهر أنّ الهاء في(جعله)عائدة على المصدر المفهوم من(يمددكم)و هو الإمداد.و جوّز أن يعود على التّسويم أو على النّصر أو على التّنزيل أو على العدد أو على الوعد.(3:51)

البروسويّ: وَ ما جَعَلَهُ اللّهُ عطف على مقدّر، أي فأمدّكم به،و ما جعل اللّه ذلك الإمداد بإنزال الملائكة عيانا بشيء من الأشياء.(2:91)

الآلوسيّ: [نحو أبي حيّان و أضاف:]

و(جعل)متعدّية لواحد أو مفعول لها إن جعلت متعدّية لاثنين،و على الأوّل الاستثناء مفرّغ من أعمّ العلل،أي و ما جعل إمدادكم بإنزال الملائكة لشيء من الأشياء إلاّ للبشارة لكم بأنّكم تنصرون،و على الثّاني مفرّغ من أعمّ المفاعيل،أي و ما جعله اللّه تعالى شيئا من الأشياء إِلاّ بُشْرى لَكُمْ. (4:46)

2- وَ ما جَعَلَهُ اللّهُ إِلاّ بُشْرى... الأنفال:10

الفرّاء: هذه الهاء للإرداف:ما جعل اللّه الإرداف إلاّ بشرى.(1:404)

الزّجّاج: أي ما جعل اللّه المدد إلاّ بشرى.

(2:403)

الطّوسيّ: الهاء في قوله: جَعَلَهُ اللّهُ يحتمل أن تكون عائدة إلى الإمداد،لأنّه معتمد الكلام،و قال الفرّاء:هي راجعة إلى الإرداف.

و يحتمل أن تكون عائدة على الخبر بالمدد،لأنّ تقديم ذلك إليهم بشارة في الحقيقة،أخبر اللّه تعالى أنّه لم يجعل هذا الّذي أخبر به من إمداد الملائكة إلاّ بشرى، و إنّما جعله بأن أراده به فقلبه إلى هذا المعنى.و قيل:جعله بشرى بأن أمر الملائكة أن تبشّر به.(5:100)

مثله الطّبرسيّ.(2:524)

الزّمخشريّ: فإن قلت:إلام يرجع الضّمير في وَ ما جَعَلَهُ؟

قلت:إلى قوله: أَنِّي مُمِدُّكُمْ الأنفال:9،لأنّ

ص: 638

المعنى:فاستجاب لكم بإمدادكم.(2:146)

نحوه البروسويّ.(3:318)

الفخر الرّازيّ: [نقل كلام الفرّاء ثمّ قال:]

قال الزّجّاج:ما جعل اللّه المردفين إلاّ بشرى،و هذا أولى،لأنّ الإمداد بالملائكة حصل بالبشرى.

(15:131)

أبو حيّان :و الضّمير في (وَ ما جَعَلَهُ) عائد على الإمداد المنسبك من (أَنِّي مُمِدُّكُمْ) أو على المدد،أو على الوعد الدّالّ عليه وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أو على الألف،أو على الاستجابة،أو على الإرداف،أو على الخبر بالإمداد،أو على جبريل،أقوال محتملة مقولة أظهرها الأوّل،و لم يذكر الزّمخشريّ غيره.(4:466)

الآلوسيّ: وَ ما جَعَلَهُ اللّهُ كلام مستأنف لبيان أن المؤثّر الحقيقيّ هو اللّه تعالى،ليثق به المؤمنون، و لا يقنطوا من النّصر عند فقدان أسبابه.و«الجعل»متعدّ إلى واحد،و هو الضّمير العائد إلى المصدر المنسبك في أَنِّي مُمِدُّكُمْ على قراءة الفتح،و المصدر المفهوم من ذلك على الكسر،و اعتبار القول و رجوع الضّمير إليه ليس بمعتبر من القول،أي و ما جعل إمدادكم بهم لشيء من الأشياء.[إلى أن قال:]

و قيل:إن«الجعل»متعدّ إلى اثنين،ثانيهما(بشرى) على أنّه استثناء من أعمّ المفاعيل،و اللاّم متعلّقة بمحذوف مؤخّر،أي و ما جعله اللّه تعالى شيئا من الأشياء إلاّ بشارة لكم،و لتطمئنّ به قلوبكم فعل ما فعل لا لشيء آخر.و الأوّل هو الظّاهر،و في الآية إشعار بأنّ الملائكة لم يباشروا قتالا،و هو مذهب لبعضهم.(9:174)

الطّباطبائيّ: الضّميران في قوله:(جعله)و قوله:

(به)للإمداد بالملائكة،على ما يدلّ عليه السّياق،و المعنى أنّ الإمداد بالملائكة إنّما كان لغرض البشرى و اطمئنان نفوسكم لا ليهلك بأيديهم الكفّار،كما يشير إليه قوله تعالى بعد: إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُوا الَّذِينَ آمَنُوا سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ... الأنفال:12.(9:21)

جعلوا

1- وَ جَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ... الأنعام:136

ابن عبّاس: وصفوا للّه.(120)

ابن عطيّة: الضّمير في(جعلوا)عائد على كفّار العرب،العادلين بربّهم الأوثان،الّذين تقدّم الرّدّ عليهم، من أوّل السّورة.(2:348)

الطّبرسيّ: أي كفّار مكّة و من تقدّمهم من المشركين.و الجعل هنا بمعنى الوصف و الحكم.(2:370)

البيضاويّ: أي مشركو العرب.(1:332)

السّمين:جعل هنا بمعنى صيّر،فتتعدّى لاثنين، أوّلهما:قوله:(نصيبا)،و الثّاني:قوله:(للّه).(3:184)

2- ...أَمْ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ... الرّعد:16

الزّمخشريّ: أَمْ جَعَلُوا بل اجعلوا،و معنى الهمزة الإنكار.(2:355)

مثله البيضاويّ(1:517)،و القاسميّ(9:3666)، و نحوه النّيسابوريّ(13:78)،و الخازن(4:11)، و حسنين مخلوف(1:402).

ص: 639

الآلوسيّ: أَمْ جَعَلُوا أي بل اجعلوا للّه جلّ و علا شُرَكاءَ خَلَقُوا كَخَلْقِهِ سبحانه و تعالى.و الهمزة لإنكار الوقوع،و ليس المنكر هو الجعل،لأنّه واقع منهم،و إنّما هو الخلق كخلقه تعالى،و المعنى أنّهم لم يجعلوا للّه تعالى شركاء خلقوا كخلقه.(13:128)

الطّباطبائيّ: في التّعبير بقوله: جَعَلُوا و عَلَيْهِمْ دون أن يقال:جعلتم و عليكم،دليل على أنّ الكلام مصروف عنهم إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،دون أن يؤمر بإلقائه إليهم.(11:325)

3- ...وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ... الرّعد:33

الزّمخشريّ: و يجوز أن يقدّر ما يقع خبرا للمبتدإ و يعطف عليه(و جعلوا)و تمثيله:أ فمن هو بهذه الصّفة لم يوحّدوه(و جعلوا)له و هو اللّه الّذي يستحقّ العبادة وحده.(2:361)

القرطبيّ: (و جعلوا)حال،أي أو قد جعلوا،أو عطف على(استهزئ)أي استهزءوا و جعلوا،أي سمّوا.

(9:322)

البيضاويّ: استئناف أو عطف على(كسبت)إن جعلت(ما)مصدريّة.و يجوز أن يقدّر ما يقع خبرا للمبتدإ و يعطف عليه(و جعلوا)أي أ فمن هو بهذه الصّفة لم يوحّدوه،و جعلوا له شركاء.و يكون الظّاهر فيه موضع الضّمير للتّنبيه،على أنّه المستحقّ للعبادة.

(1:521)

أبو حيّان :[بعد أن ذكر قول الزّمخشريّ قال:]

و في هذا التّوجيه إقامة الظّاهر مقام المضمر في قوله:

وَ جَعَلُوا لِلّهِ أي و جعلوا له.و فيه حذف الخبر عن المقابل،و أكثر ما جاء هذا الخبر مقابلا.(5:394)

السّمين:قوله: وَ جَعَلُوا يجوز أن يكون استئنافا،و هو الظّاهر،جيء به للدّلالة على الخبر المحذوف.(4:245)

الآلوسيّ: جملة مستأنفة،و فيها دلالة على الخبر المحذوف.

و جوّز أن تكون معطوفة على كَسَبَتْ على تقدير أن تكون(ما)مصدريّة لا موصولة و العائد محذوف،و لا يلزم اجتماع الأمرين حتّى يخصّ كلّ نفس بالمشركين.

و أبعد من قال:إنّها عطف على«استهزئ.»

و جوّز أن تكون حاليّة على معنى:أ فمن هذه صفاته كمن ليس كذلك.(13:160)

4- وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً... الزّخرف:15

ابن عبّاس: و جعلوا:وصفوا.(412)

الواحديّ: و معنى الجعل هاهنا:الحكم بالشّيء.

(4:66)

نحوه الطّبرسيّ.(5:41)

البغويّ: و معنى الجعل هاهنا الحكم بالشّيء، و القول كما تقول:جعلت زيدا أفضل النّاس،أي وصفته و حكمت به.(4:156)

نحوه الفخر الرّازيّ(27:200)،و الخازن(6:

110)،و البروسويّ(8:357).

ابن عطيّة: الضّمير في(جعلوا)لكفّار قريش

ص: 640

و العرب،و الضّمير في(له)للّه تعالى.(5:48)

لاحظ«ج ز ء».

و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً... الزّخرف:19.

6- ...جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ... نوح:7

ابن عطيّة: يحتمل أن يكون حقيقة،و يحتمل أن يكون عبارة عن إعراضهم،و شدّة رفضهم لأقواله.(5:373)

البروسويّ: أي سدّوا مسامعهم من استماع الدّعوة.فالجعل المذكور كناية عن هذا السّدّ،و لا مانع من الحمل على حقيقته بأن يدخلوا أصابعهم في ثقب آذانهم،قصدا إلى عدم الاستماع.(10:174)

الآلوسيّ: و في نسبة الجعل إلى الأصابع و هو منسوب إلى بعضها،و إيثار الجعل على الإدخال ما لا يخفى.(29:72)

جعلنا

1- وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَ أَمْناً...

البقرة:125

راجع«ب ي ت»(البيت).

2- ..وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ... البقرة:143

راجع«ق ب ل»(القبلة).

3- وَ كَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها.. الأنعام:123

الطّوسيّ: معنى قوله: كَذلِكَ جَعَلْنا أي جعلنا ذا المكر من المجرمين،كما جعلنا ذا النّور من المؤمنين، فكلّما فعلنا بهؤلاء فعلنا بأولئك،إلاّ أنّ أولئك اهتدوا بحسن اختيارهم و هؤلاء ضلّوا بسوء اختيارهم،لأنّ كلّ واحد منهما«جعل»بمعنى صار به كذا،إلاّ أنّ الأوّل باللّطف،و الثّاني بالتّمكين من المكر،فصار كأنّه جعل كذا.(4:281)

مثله الطّبرسيّ(2:360)،و ابن شهرآشوب(1:

176).

الفخر الرّازيّ: الكاف في قوله: وَ كَذلِكَ يوجب التّشبيه،و فيه قولان:

الأوّل:و كما جعلنا في مكّة صناديدها ليمكروا فيها، كذلك جعلنا في كلّ قرية أكابر مجرميها.

الثّاني:أنّه معطوف على ما قبله،أي كما زيّنّا للكافرين أعمالهم،كذلك جعلنا.(13:174)

القرطبيّ: (مجرميها)مفعول أوّل ل«جعل»، (أكابر)مفعول ثان على التّقديم و التّأخير.و جعل بمعنى صيّر.(7:79)

البيضاويّ: و(جعلنا)بمعنى صيّرنا،و مفعولاه (أكابر مجرميها)على تقديم المفعول الثّاني،أو فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ، و(مجرميها)بدل،و يجوز أن يكون مضافا إليه إن فسّر«الجعل»بالتّمكين،و أفعل التّفضيل إذا أضيف جاز فيه الإفراد و المطابقة.(1:329)

أبو حيّان :و(جعلنا)بمعنى صيّرنا،و مفعولها الأوّل (أَكابِرَ مُجْرِمِيها) ،و (فِي كُلِّ قَرْيَةٍ) المفعول الثّاني،و(اكابر)

ص: 641

على هذا مضاف إلى(مجرميها).(4:215)

السّمين:و(جعل)تصييريّة فتتعدّى لاثنين، و اختلف في تقديرهما،و الصّحيح أن يكون فِي كُلِّ قَرْيَةٍ مفعولا ثانيا قدّم على الأوّل،و الأوّل(أكابر) مضافا ل(مجرميها).(3:171)

البروسويّ: (و كذلك)أي كما صيّرنا في مكّة فسّاقها أكابر، جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ متعلّق بالفعل (أكابر)مفعول ثان،جمع:أكبر،بمعنى عظيم،(مجرميها) مفعول أوّل،جمع:مجرم.(3:98)

الآلوسيّ: (جعل)بمعنى صيّر المتعدّية لمفعولين.

و اختلف في تعيينهما،فقيل: فِي كُلِّ قَرْيَةٍ مفعول ثان، و (أَكابِرَ مُجْرِمِيها) بالإضافة هو الأوّل،و قيل:(أكابر) مفعول أوّل و مُجْرِمِيها بدل منه،و قيل: أَكابِرَ مفعول ثان و(مجرميها)مفعول أوّل،لأنّه معرفة،فيتعيّن أنّه المبتدأ بحسب الأصل،و التّقدير:جعلنا في كلّ قرية مجرميها أكابر،فيتعلّق الجارّ و المجرور بالفعل.(8:19)

الطّباطبائيّ: و الجعل في قوله: جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها كالجعل في قوله: وَ جَعَلْنا لَهُ نُوراً الأنعام:122،فالأنساب أنّه بمعنى الخلق، و المعنى خلقنا في كلّ قرية أكابر مجرميها ليمكروا فيها، و كون مكرهم غاية للخلقة و غرضا للجعل،نظير كون دخول النّار غرضا إلهيّا في قوله: وَ لَقَدْ ذَرَأْنا لِجَهَنَّمَ كَثِيراً مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ... الأعراف:179.

(7:340)

عبد الكريم الخطيب :الجعل:التّقدير،و إقامة الشّيء على الوجه المراد منه،و توجيهه الوجهة المناسبة له،و هذا في كلّ أمر يجعله اللّه.(4:305)

4- وَ لَقَدْ مَكَّنّاكُمْ فِي الْأَرْضِ وَ جَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ... الأعراف:10

الطّوسيّ: فالجعل:وجود ما به يكون الشّيء على خلاف ما كان،مثل أن تقول:جعلت السّاكن متحرّكا، لأنّك فعلت فيه الحركة،و نظيره التّصيير و العمل، و جعل الشّيء أعمّ من حدوثه،لأنّه قد يكون بحدوث غيره فيه ممّا يتغيّر به.(4:382)

مثله الطّبرسيّ.(2:400)

السّمين:يجوز أن يكون بمعنى خلق،فتعدّى لواحد،فيتعلّق الجارّان بالجعل أو بمحذوف،على أنّهما حالان من(معايش)لأنّهما لو تأخّرا لجاز أن يكونا وصفين.

و يجوز أن تكون التّصييريّة فتتعدّى لاثنين،أوّلهما:

(معايش)،و الثّاني:أحد الجارّين،و الآخر إمّا حال فيتعلّق بمحذوف و إمّا متعلّقة بنفس الجعل،و هو الظّاهر.

(3:237)

أبو السّعود :و الجعل بمعنى الإنشاء و الإبداع،أي أنشأنا و أبدعنا لمصالحكم و منافعكم فيها أسبابا تعيشون بها.و كلّ واحد من الظّرفين متعلّق به أو بمحذوف وقع حالا من مفعوله المنكّر؛إذ لو تأخّر لكان صفة له، و تقديمهما على المفعول من أنّ حقّهما التّأخير عنه،لما مرّ غير مرّة من الاعتناء بشأن المقدّم و التّشويق إلى المؤخّر، فإنّ النّفس عند تأخير ما حقّه التّقديم لا سيّما عند كون المقدّم منبئا عن منفعة للسّامع،تبقى مترقّبة لورود

ص: 642

المؤخّر،فيتمكّن فيها عند الورود فضل تمكّن.

و أمّا تقديم اللاّم على«في»فلما أنّه المنبئ عمّا ذكر من المنفعة،فالاعتناء بشأنه أتمّ،و المسارعة إلى ذكره أهمّ.

و لهذا قيل:إنّ الجعل متعدّ إلى مفعولين،ثانيهما أحد الظّرفين على أنّه مستقرّ،قدّم على الأوّل،و الظّرف الآخر إمّا لغو متعلّق بالجعل،أو بالمحذوف الواقع حالا من المفعول الأوّل،كما مرّ.و أنت خبير بأنّه لا فائدة معتدّ بها في الإخبار بجعل المعايش حاصلة لهم أو حاصلة في الأرض.(2:477)

نحوه البروسويّ(3:138)،و الآلوسيّ(8:85)، و رشيد رضا(8:327).

5- ...وَ جَعَلْنا مِنَ الْماءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَ فَلا يُؤْمِنُونَ.

الأنبياء:30

راجع«م و ه»(الماء).

6- وَ جَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا... يس:9

الطّوسيّ: و معنى(جعلنا)يحتمل وجهين:

أحدهما:أنّه كما شبّههم بمن جعله مغلولا مقيّدا، أجرى عليه صفة«الجعل»بأنّه مشبّه للمجعول،مغلولا مقيّدا.

و الثّاني:أنّه أراد البيان عن الحالة الّتي شبّه بها المغلول المقيّد،كما يقول القائل:جعلني فلان حمارا، و جعلني ميّتا،إذا وصفه بالحماريّة و الموت،و شبّهه بالحمار و الميّت،و هذا واضح.(8:444)

جعلناه

1- ثُمَّ جَعَلْناهُ نُطْفَةً فِي قَرارٍ مَكِينٍ. المؤمنون:13 راجع«ن ط ف»(نطفة).

2- إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ.

الزّخرف:3

سعيد بن جبير: أنزلناه.(ابن الجوزيّ 7:302)

مثله السّدّيّ.(الطّبرسيّ 5:39)

مجاهد :قلناه.(الطّبرسيّ 5:39)

الزّجّاج: معناه إنّا بيّنّاه قرآنا عربيّا.(4:405)

نحوه الثّوريّ.(القرطبيّ 16:61)

الطّوسيّ: و قوله: إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا إخبار منه تعالى،أنّه جعل القرآن الّذي ذكره عربيّا بأن يفعله على طريقة العرب،في مذاهبها في الحروف و المفهوم، و مع ذلك فإنّه لا يتمكّن أحد منهم من إنشاء مثله و الإتيان بما يقاربه في علوّ طبقته في البلاغة و الفصاحة، إمّا لعدم علمهم بذلك أو صرفهم على حسب اختلاف النّاس فيه.و هذا يدلّ على جلالة موقع التّسمية في التّمكّن به،و التّعذّر مع فقده.

و فيه دلالة على حدوثه،لأنّ المجعول هو المحدث، و لأنّ ما يكون عربيّا لا يكون قديما لحدوث العربيّة.

فإن قيل:معنى(جعلناه)سمّيناه،لأنّ الجعل قد يكون بمعنى التّسمية.

قلنا:لا يجوز ذلك هاهنا،لأنّه لو كان كذلك،لكان الواحد منّا إذا سمّاه عربيّا فقد جعله عربيّا،و كان يجب لو كان القرآن على ما هو عليه،و سمّاه اللّه أعجميّا أن

ص: 643

يكون أعجميّا أو كان يكون بلغة العجم و سمّاه عربيّا أن يكون عربيّا،و كلّ ذلك فاسد.(9:180)

نحوه الطّبرسيّ.(5:39)

الزّمخشريّ: (جعلناه)بمعنى صيّرناه معدّى إلى مفعولين،أو بمعنى خلقناه معدّى إلى واحد.(3:477)

ابن عطيّة: معناه سمّيناه و صيّرناه،و هو إخبار عليه وقع القسم،و الضّمير في(جعلناه)عائد على(الكتاب).

(5:45)

الفخر الرّازيّ: القائلون بحدوث القرآن احتجّوا بهذه الآية من وجوه:

الأوّل:أنّ الآية تدلّ على أنّ القرآن مجعول، و المجعول هو المصنوع المخلوق.فإن قالوا:لم لا يجوز أن يكون المراد أنّه سمّاه عربيّا؟

قلنا:هذا مدفوع من وجهين:

الأوّل:أنّه لو كان المراد بالجعل هذا،لوجب أنّ من سمّاه عجميّا أن يصير عجميّا و إن كان بلغة العرب، و معلوم أنّه باطل.

الثّاني:أنّه لو صرف الجعل إلى التّسمية لزم كون التّسمية مجعولة،و التّسمية أيضا كلام اللّه؛و ذلك يوجب أنّه فعل بعض كلامه،و إذا صحّ ذلك في البعض،صحّ في الكلّ.

الثّاني:أنّه وصفه بكونه(قرانا)و هو إنّما سمّى قرآنا لأنّه جعل بعضه مقرونا بالبعض،و ما كان كذلك كان مصنوعا معمولا.

الثّالث:أنّه وصفه بكونه(عربيّا)و هو إنّما كان عربيّا،لأنّ هذه الألفاظ إنّما اختصّت بمسمّياتهم،بوضع العرب و اصطلاحاتهم؛و ذلك يدلّ على كونه معمولا و مجعولا.(27:193)

القرطبيّ: و معنى(جعلناه)أي سمّيناه و وصفناه، و لذلك تعدّى إلى مفعولين.(16:61)

البروسويّ: إن قلت:هذا يدلّ على أنّ القرآن مجعول،و المجعول مخلوق،و قد قال عليه السّلام القرآن كلام اللّه غير مخلوق.

قلت:المراد بالجعل هنا:تصيير الشّيء على حالة دون حالة،فالمعنى إنّا صيّرنا ذلك الكتاب قرآنا عربيّا بإنزاله بلغة العرب و لسانها،و لم نصيّره أعجميّا بإنزاله بلغة العجم،مع كونه كلامنا و صفتنا قائمة بذاتنا عرية عن كسوة العربيّة،منزّهة عنها و عن توابعها.(8:349)

الآلوسيّ: إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا جواب للقسم،و الجعل بمعنى التّصيير المعدّى لمفعولين،لا بمعنى الخلق المعدّى لواحد،لا لأنّه ينافي تعظيم القرآن بل لأنّه يأباه ذوق المقام المتكلّم فيه،لأنّ الكلام لم يسبق لتأكيد كونه مخلوقا،و ما كان إنكارهم متوجّها عليه بل هو مسوق لإثبات كونه قرآنا عربيّا مفصّلا واردا على أساليبهم،لا يعسر عليهم فهم ما فيه،و درك كونه معجزا.

(25:64)

الطّباطبائيّ: الضّمير:للكتاب،و قُرْآناً عَرَبِيًّا أي مقروء باللّغة العربيّة،و لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ غاية الجعل و غرضه.[لاحظ«قرأ»(القرآن)](18:83)

3- ...وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ...

الشّورى:52

الطّبريّ: و قال جلّ ثناؤه:(و لكن جعلناه)،فوحّد

ص: 644

الهاء،و قد ذكر قبل(الكتاب و الإيمان)لأنّه قصد به الخبر عن(الكتاب).

و قال بعضهم:عنى به(الإيمان)و(الكتاب)و لكن وحّد الهاء،لأنّ أسماء الأفعال يجمع جميعها الفعل،كما يقال:إقبالك و إدبارك يعجبني،فيوحّد،و هما اثنان.

(25:46)

الزّجّاج: و لم يقل:جعلناهما،لأنّ المعنى جعلنا الكتاب نورا،و هو دليل على الإيمان.(4:404)

ابن عطيّة: الضّمير في(جعلناه)عائد على (الكتاب).(5:44)

ابن الجوزيّ: في هاء الكناية قولان:أحدهما:

أنّها ترجع إلى القرآن،و الثّاني:إلى الإيمان.(7:299)

النيسابوريّ: و الضّمير في(جعلناه)للقرآن،أو الإيمان،أو لهما جميعا.(25:39)

البروسويّ: أي الرّوح الّذي أوحينا إليك، و الجعل بمعنى التّصيير لا بمعنى الخلق،و حقيقته:أنزلناه.

(8:348)

الآلوسيّ: وَ لكِنْ جَعَلْناهُ أي الرّوح الّذي أوحيناه إليك.و قال ابن عطيّة:الضّمير ل(الكتاب)، و قيل:ل(الإيمان)و رجّح بالقرب.و قيل:ل(الكتاب و الإيمان)و وحّد،لأنّ مقصدهما واحد،فهو نظير وَ اللّهُ وَ رَسُولُهُ أَحَقُّ أَنْ يُرْضُوهُ التّوبة:62.(25:60)

الطّباطبائيّ: ضمير(جعلناه)للرّوح.(18:77)

جعلناها

فَجَعَلْناها نَكالاً لِما بَيْنَ يَدَيْها... البقرة:66 راجع«ن ك ل»(نكالا).

جعلناهم

وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ وَ يَوْمَ الْقِيامَةِ لا يُنْصَرُونَ. القصص:41

ابن عبّاس: خذلناهم.(327)

الطّوسيّ: أخبر اللّه تعالى أنّه جعل فرعون و قومه أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النّارِ.

و قيل:في معناه قولان:

أحدهما:أنّا عرفنا النّاس أنّهم كانوا كذلك،كما يقال:جعله رجل شرّ بتعريفه حاله.

و الثّاني:أنّا حكمنا عليهم بذلك،كما قال: ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَ لا سائِبَةٍ المائدة:103،و كما قال:

وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ الأنعام:100،و إنّما قال ذلك،و أراد أنّهم حكموا بذلك،و سمّوه.[ثمّ ذكر أقسام الجعل و قد تقدّم في النّصوص اللّغويّة](8:54)

الواحديّ: وَ جَعَلْناهُمْ أي في الدّنيا.(3:400) مثله ابن الجوزيّ.(6:224)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله: وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ... القصص:41 فقد تمسّك به الأصحاب في كونه تعالى خالقا للخير و الشّرّ.

قال الجبّائيّ: بقوله: وَ جَعَلْناهُمْ أي بيّنّا ذلك من حالهم و سمّيناهم به،و منه قوله: وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً الزّخرف:19.

و تقول أهل اللّغة في تفسير فسقه و بخله:جعله فاسقا و بخيلا،لا أنّه خلقهم أئمّة،لأنّهم حال خلقه لهم

ص: 645

كانوا أطفالا.

و قال الكعبيّ: إنّما قال: وَ جَعَلْناهُمْ أَئِمَّةً من حيث خلّى بينهم و بين ما فعلوه و لم يعاجل بالعقوبة،و من حيث كفروا و لم يمنعهم بالقسر،و ذلك كقوله: فَزادَتْهُمْ رِجْساً التّوبة:125،لما زادوا عندها.و نظير ذلك أنّ الرّجل يسأل ما يثقل عليه،و إن أمكنه،فإذا بخل به قيل للسّائل:جعلت فلانا بخيلا،أي قد بخلته.(24:254)

نحوه النّيسابوريّ.(20:45)

أبو حيّان :و«جعل»هنا بمعنى صيّر،أي صيّرناهم أئمّة.(7:120)

مثله السّمين(5:345)،و البروسويّ(6:407).

أبو السّعود : وَ جَعَلْناهُمْ أي صيّرناهم في عهدهم.[إلى أن قال:]

و قيل:سميّناهم أئمّة دعاة إلى النّار،كما في قوله تعالى: وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً الزّخرف:19.

فالأنسب حينئذ أن يكون«الجعل»بعدهم فيما بين الأمم،و تكون الدّعوة إلى نفس النّار.

و قيل:معنى الجعل:منع الألطاف الصّارفة عن ذلك.

(5:124)

و قد تقدّم بعض النّصوص في«أ م م»،(أئمّة)،فراجع.

الأصول اللّغويّة

1-لهذه المادّة أصول عديدة،لا يمكن إرجاعها إلى أصل واحد بتاتا،و من فعل ذلك فقد«راهن على الصّعبة»كما يقول المثل:«و خبط خبط عشواء».

و أصل مشتقّاتها إمّا اسم ذات،و إمّا اسم معنى.

أ-اسم الذّات:

الجعل:دابّة سوداء من دوابّ الأرض،و الجمع:

جعلان،و قد جعل الماء جعلا:كثر فيه الجعلان،و ماء جعل و مجعل:ماتت فيه الجعلان و الخنافس،و تهافتت فيه،و أرض مجعلة:كثيرة الجعلان.

يقال:مجازا:رجل جعل،أي أسود دميم مشبّه بالجعل،و هو اللّجوج أيضا،لأنّ الجعل يوصف باللّجاجة.و جعل الإنسان:رقيبه.

و الجعال و الجعالة و الجعال:ما تنزل به القدر من خرقة أو غيرها،و الجمع:جعل.يقال:جعل القدر و أجعلها إجعالا،أي أنزلها بالجعال.

و الجعلة:الفسيلة و النّخلة القصيرة،و الجمع:جعل.

و الجعول:الرّأل،و هو ولد النّعام،و واوه زائدة.

ب-اسم المعنى:

الصّنع:جعل الشّيء يجعله جعلا و مجعلا و اجتعله:

صنعه.

و التّصيير:جعل الطّين خزفا،و القبيح حسنا، صيّره إيّاه،و جعلته أحذق النّاس بعمله:صيّرته.

و الشّروع:جعل يفعل كذا:أخذ و شرع.

و النّسب:جعلت زيدا أخاك:نسبته إليك.

و الاشتهاء:أجعلت الكلبة و الذّئبة و الأسدة و كلّ ذات مخلب،و استجعلت:أحبّت السّفاد و اشتهت الفحل،فهي مجعل.

و الإعطاء:جعل للعامل كذا،و هو الجعل و الجعيلة و الجعال و الجعالة و الجعالة و الجعالة.يقال:جعل له جعلا

ص: 646

و جعلا،أي أعطاه أجرا على الشّيء فعلا أو قولا، و جعلت له جعلا على أن يفعل كذا و كذا،و أجعله جعلا و أجعله له:أعطاه إيّاه،و تجاعلوا الشّيء:جعلوه بينهم.

و الجعالة و الجعالات:ما يتجاعلونه عند البعوث،أو الأمر يحزبهم من السّلطان،و الجعالة:الرّشوة.

2-و استعمل المحقّقون الإيرانيّون المعاصرون في علم الحديث لفظ«الجعل»بمعنى الوضع في كلتا اللّغتين:

العربيّة و الفارسيّة،يعنون به الصّنع؛إذا عرّف بعضهم الحديث الموضوع بقوله:«الموضوع:من الوضع بمعنى الجعل (1)».و نسبوا إليه،فقالوا:«الخبر الجعليّ»،و جمعوه على«جعليّات»،و اشتقّوا منه مصدرا صناعيّا:

«الجعليّة»،و قالوا أيضا:«حديث مجعول»،و جمع على «مجعولات».

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها(48)لفظا:ماضيا معلوما بصيغ مختلفة (234)مرّة،و مجهولا مرّة،و مضارعا معلوما بصيغ مختلفة(83)مرّة.و أمرا مفردا و جمعا(22)مرّة،و اسم فاعل مفردا و جمعا(6)مرّات في(346)آية.

و يلاحظ أوّلا:ذكر اللّغويّون و المفسّرون وجوها في معنى«الجعل»في القرآن،فهي عند أبي هلال أربعة وجوه:

1-الإحداث: وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ الأنعام:1،و وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ النّحل:

78،و احتمل في مثلهما أنّه جعلها على هذه الصّفة الّتي هي عليها،كما تقول:جعلت الطّين خزفا.و معنى قوله هذا أنّه جعل الظّلمات ظلمات و النّور نورا،و جعل السّمع سمعا و الأبصار أبصارا.

2-الاتّصال:و لذلك جعل طرفا للفعل فتستفتح به، و تقول:جعل يقول:و هذا من أفعال المقاربة و الشّروع مثل طفق و أخذ و شرع.

3-الخبر: وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً الزّخرف:19،أي أخبروا بذلك.و هذا عندنا من تشريع النّاس كما يأتي.

4-الحكم: أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ التّوبة:19،أي حكمتم بذلك.هذا مثل سابقه من تشريع النّاس.

و قال:له وجوه كثيرة أوردناها في كتاب(الوجوه و النّظائر).و لم نقف عليه.

و عند الطّوسيّ على أربعة أوجه أيضا و لم يذكر الآيات:

1-:إحداث النّفس كجعل البناء و النّساجة و غير ذلك.

1-:إحداث النّفس كجعل البناء و النّساجة و غير ذلك.

2-قلبه كجعل الطّين خزفا.

3-الحكم كجعله كافرا أو مؤمنا.

4-الدّعاء إلى الفعل كجعله صادقا و داعيا.

و عند الرّاغب على خمسة أوجه:

1-يجري مجرى صار و طفق،فلا يتعدّى،نحو:جعل زيد يقول.

2-يجري مجرى أوجد فيتعدّى إلى مفعول واحد،نحو وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ و وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ....

ص: 647


1- تلخيص مقياس الهداية للمامقانيّ(72).

3-إيجاد شيء من شيء و تكوينه منه: وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً النّحل:72، وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الْجِبالِ أَكْناناً النّحل:81، وَ جَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً الزّخرف:10.

4-تصيير الشّيء على حالة دون حالة: اَلَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الْأَرْضَ فِراشاً البقرة:22، جَعَلَ لَكُمْ مِمّا خَلَقَ ظِلالاً النّحل:82، وَ جَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُوراً نوح:16، جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا الزّخرف:3.

5-الحكم بالشّيء على الشّيء حقّا أو باطلا،فالحقّ مثل: وَ جاعِلُوهُ مِنَ الْمُرْسَلِينَ القصص:7،و الباطل نحو: وَ جَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ الأنعام:136، وَ يَجْعَلُونَ لِلّهِ الْبَناتِ النّحل:57، اَلَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ الحجر:91،و هذه تشريع من اللّه أو من غيره.

و عند الزّمخشريّ ثلاثة وجوه:الخلق،و التّصيير، و جعل يفعل.و مثله البيضاويّ.

و عند الطّبرسيّ أربعة وجوه:1-أن يتعدّى إلى مفعولين،و هو التّصيير.

2-الصّنع و يتعدّى إلى مفعول واحد وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ الأنعام:1.

3-التّسمية: وَ جَعَلُوا لِلّهِ أَنْداداً إبراهيم:30، أي سمّوا له.

4-جعل يفعل،من أفعال المقاربة.

و عند الفيروزآباديّ نحو ما ذكر و أضاف:

5-التّبيين: إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا الزّخرف:3.

6-التّشريف: جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً البقرة:143، جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً المائدة:97.

7-التّبديل: جَعَلْنا عالِيَها سافِلَها هود:82.

8-التّحكّم البدعيّ: جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ الحجر:91.

9-النّسبة مثل:جعلت زيدا أخاك:نسبته إليك.

10-الظّنّ مثل:جعل البصرة بغداد:ظنّها إيّاها.

و عند أبي السّعود الإنشاء و الإبداع في بعض الآيات.و هذا راجع إلى الإيجاد و الخلق.

و عند مجمع اللّغة ترجع معانيه إلى ثلاثة وجوه:

1-الخلق و الإيجاد.

2-التّصيير حقيقة أو حكما.

3-الحكم و التّشريع و التّقرير.

و عند المصطفويّ أنّها جميعا ترجع إلى التّقدير و التّدبير بعد الخلق و التّكوين،و فصّلها.

هذه خلاصة نصوصهم فلاحظها،و هي قريبة من بعضها البعض.إلاّ أنّ بعضهم أدخل مفهوم السّياق في معنى الجعل،مثل التّشريف و النّسبة و الظّنّ و الخبر.

و كلّها داخل في المعنى العامّ و هو الإيجاد،و ليس هو التّقدير و التّدبير كما زعمه المصطفويّ،فلاحظ الأصول اللّغويّة.

ثانيا:أنّ«الجعل»في الآيات ينقسم إلى:ما هو فعل اللّه و ما هو فعل غيره،و إلى تكوينيّ و تشريعيّ،و إلى بسيط و مركب.و من مجموع(346)آية(161)آية لغير اللّه،و(285)آية للّه تكوينا و تشريعا فيهما على هذا التّفصيل:

1-الجعل التّكوينيّ من اللّه،و هو نوعان:بسيط

ص: 648

بمعنى«الخلق»فيتعدّى بمفعول واحد،و مركّب بمعنى التّصيير،فيتعدّى بمفعولين.

أمّا البسيط فجاء في آيات مثل: وَ جَعَلَ الظُّلُماتِ وَ النُّورَ الأنعام:1، وَ هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ النُّجُومَ لِتَهْتَدُوا بِها الأنعام:97، وَ جَعَلَ مِنْها زَوْجَها الأعراف:189، وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً النّحل:72،في آيات وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَ أَنْهاراً الرّعد:3، وَ مِنْ كُلِّ الثَّمَراتِ جَعَلَ فِيها زَوْجَيْنِ الرّعد:3، وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ وَ الْأَفْئِدَةَ النّحل:78،في آيات،و جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ يونس:67، وَ جَعَلَ لَكُمْ فِيها سُبُلاً الزّخرف:10،و نحوها،فالجعل في أمثالها ممّا جاء بمفعول واحد بمعنى الإيجاد و الخلق.

و لك أن تعيد جميعها إلى الجعل المركّب بأن تعتبر الغايات المذكورة فيها بمنزلة المفعول الثّاني للجعل،فمعنى جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِتَسْكُنُوا فِيهِ وَ النَّهارَ مُبْصِراً يونس:67،جعل اللّيل سكنا و النّهار مبصرا.و الشّاهد عليه أنّ كلاّ من اللّيل و النّهار فيها جاء مفعولا أوّل لفعل (جعل)فليكن ما بعدهما كذلك مفعولا ثانيا له.

و إنّما بدلت غايات إعلاما بمنافعها لطفا و منّة منه تعالى على العباد.

و كذا ما جاء بسيطا مع(في)ظرفا له مثل: اُذْكُرُوا نِعْمَتَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِياءَ المائدة:20، جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ يوسف:70، وَ جَعَلَ فِيها رَواسِيَ وَ أَنْهاراً الرّعد:3، جَعَلَ فِي السَّماءِ بُرُوجاً الفرقان:61،و وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ الحجّ:78،و نظائرها،فمعناها:جعل ما ذكر مستقرّا في مواضعها.

و من هذا القبيل: قَدْ جَعَلَ رَبُّكِ تَحْتَكِ سَرِيًّا مريم:24، وَ جَعَلَ بَيْنَهُما بَرْزَخاً وَ حِجْراً مَحْجُوراً الفرقان:53، وَ جَعَلَ بَيْنَ الْبَحْرَيْنِ حاجِزاً النّمل:

61،و نحوها ممّا بدّل المفعول الثّاني فيه ظرفا و مستقرّا للجعل.

و كذا ما جاء مع(من)مثل: وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَزْواجِكُمْ بَنِينَ وَ حَفَدَةً النّحل:72، وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً النّحل:80،فقد جعل المفعول الأوّل فيها مدخول(من) فمعنى جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْواجاً النّحل:72، جعل النّساء-و هنّ بشر من جنسكم-أزواجا لكم، و ما جاء ملاصقا ل(مع)أو(على)مثل: اَلَّذِي جَعَلَ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ ق:26، وَ جَعَلَ عَلى بَصَرِهِ غِشاوَةً الجاثية:23،فقد جعل المفعول الثّاني مدخولا لهما.

و لك أن تؤولها إلى جعل الحقيقة،كما جوّز أبو هلال في وَ جَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَ الْأَبْصارَ النّحل:78،أنّه جعلها على هذه الصّفة أي جعل السّمع سمعا و البصر بصرا.أو كما قال الطّباطبائيّ في ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَ لا سائِبَةٍ وَ لا وَصِيلَةٍ وَ لا حامٍ... المائدة:103:

«الجعل المنفيّ متعلّق بأوصافها دون ذواتها،فإنّ ذواتها مخلوقة للّه سبحانه عن غير شكّ،و كذا أوصافها من جهة أنّها أوصاف فحسب،و إنّما الّذي يقبل الإسناد إليه تعالى و نفيه هو أوصافها،من جهة كونها مصادر لأحكام كانوا

ص: 649

يدّعونها لها...»أي هي نفي لمشروعيّتها فيرجع إلى ما قال غيره:أي ما شرّعها،أو إلى قول أبي هلال:أي ما جعل حقائقها بهذه الأوصاف تشريعا،و المآل واحد.

و قد تردّد المفسّرون في بعض الآيات في تعيين المفعولين،مثل: وَ جَعَلُوا لِلّهِ... نَصِيباً الأنعام:136، و وَ جَعَلْنا لَكُمْ فِيها مَعايِشَ الحجر:20،و وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الرّعد:33،و إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا الزّخرف:3،و نحوها،فلاحظ النّصوص.

1-الجعل التّكوينيّ من اللّه بقسميه البسيط و المركّب جاء في كثير ممّا خلق اللّه في الآفاق و الأنفس،إثباتا لعلمه و قدرته،و رحمته و منّته.و قد جاءت بعناوينها و رقم آياتها في هذه القائمة دون نصوصها،حذرا من التّطويل:

جعل الأرض و السّماء:(19 آية):

البقرة:22،طه:53،الزّخرف:10،المؤمن:64، الملك:15،نوح:19،النّمل:61،فصّلت:9 و 10، الأعراف:10،الكهف:7،الأنبياء:31 و 32، المرسلات:25 و 27،النّبأ:6،المؤمن:64،الفرقان:

61،الحجر:16.

جعل اللّيل و النّهار:(10 آيات):

يونس:67،الفرقان:47 و 62)،القصص:

71 و 73،المؤمن:61،الإسراء:12،الأنعام:96، النّبأ:72،النّحل:86.

جعل النّجوم:(آية واحدة):الأنعام:97.

جعل الشّمس و القمر:(13 آية):الأنعام:96، يونس:5،نوح:16.

جعل زوجين لكلّ ثمرة(آية واحدة)الرّعد:3.

جعل الأزواج و البنين:(آية واحدة)النّحل:72.

جعل الأنهار:(آية واحدة)الأنعام:6.

جعل الإنسان نطفة:(آية واحدة)المؤمنون:13.

جعل الظّلمات و النّور:(3 آيات)الأنعام:1 و 122، النّور:40.

جعل السّمع و الأبصار و الأفئدة:(آيتين)السّجدة:

9،الملك:23.

جعل بيوتكم سكنا:(آية واحدة)النّحل:80.

جعل جلود الأنعام بيوتا.(آية واحدة)الأنعام:80.

جعل كلّ شيء حيّ من الماء:(آية واحدة)الأنبياء:

30.

جعل الجبال أكنانا:(آية واحدة)النّحل:81.

جعل الفلك و الأنعام لتركبوا:(آيتين):المؤمن:

79،الزّخرف:12.

2-التّكوينيّ من غير اللّه،في مثل: فَلَمّا جَهَّزَهُمْ بِجَهازِهِمْ جَعَلَ السِّقايَةَ فِي رَحْلِ أَخِيهِ يوسف:70.

إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلا فِي الْأَرْضِ وَ جَعَلَ أَهْلَها شِيَعاً القصص:4.

فَإِذا أُوذِيَ فِي اللّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النّاسِ كَعَذابِ اللّهِ العنكبوت:10.

إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ

الفتح:26.

فَجَعَلَهُمْ جُذاذاً إِلاّ كَبِيراً لَهُمْ. الأنبياء:58.

اَلَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ الحجر:91.

وَ جَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِها أَذِلَّةً النّمل:34.

جَعَلُوا أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ نوح:7.

ص: 650

أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَ بَيْنَهُمْ رَدْماً الكهف:95.

قالَ لَئِنِ اتَّخَذْتَ إِلهَاً غَيْرِي لَأَجْعَلَنَّكَ مِنَ الْمَسْجُونِينَ الشّعراء:29.

تَجْعَلُونَهُ قَراطِيسَ تُبْدُونَها وَ تُخْفُونَ كَثِيراً.

الأنعام:91.

فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجاً عَلى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنا وَ بَيْنَهُمْ سَدًّا الكهف:94.

يَجْعَلُونَ أَصابِعَهُمْ فِي آذانِهِمْ مِنَ الصَّواعِقِ

البقرة:19.

وَ أَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ

يوسف:15

3-الجعل التّشريعيّ من اللّه جاءت مرّات في مواضيع إثباتا و نفيا:

1-الكعبة و القبلة: جَعَلَ اللّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرامَ قِياماً لِلنّاسِ وَ الشَّهْرَ الْحَرامَ وَ الْهَدْيَ وَ الْقَلائِدَ...

المائدة:97

2- وَ إِذْ جَعَلْنَا الْبَيْتَ مَثابَةً لِلنّاسِ وَ أَمْناً...

البقرة:125

3- ...وَ ما جَعَلْنَا الْقِبْلَةَ الَّتِي كُنْتَ عَلَيْها إِلاّ لِنَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلى عَقِبَيْهِ البقرة:143

ب-البحيرة و السّائبة:

4- ما جَعَلَ اللّهُ مِنْ بَحِيرَةٍ وَ لا سائِبَةٍ وَ لا وَصِيلَةٍ وَ لا حامٍ وَ لكِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يَفْتَرُونَ عَلَى اللّهِ الْكَذِبَ وَ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ المائدة:103

ج-الظّهار:

5- ...وَ ما جَعَلَ أَزْواجَكُمُ اللاّئِي تُظاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهاتِكُمْ... الأحزاب:4

د-الأدعياء:

6- وَ ما جَعَلَ أَدْعِياءَكُمْ أَبْناءَكُمْ ذلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْواهِكُمْ... الأحزاب:4

ه-الموالي:

7- وَ لِكُلٍّ جَعَلْنا مَوالِيَ مِمّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَ الْأَقْرَبُونَ... النّساء:33

و-شرعة و شريعة:

8- ...وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَهُمْ عَمّا جاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَ مِنْهاجاً وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً... المائدة:48

9- ثُمَّ جَعَلْناكَ عَلى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْها وَ لا تَتَّبِعْ أَهْواءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ الجاثية:18

ز-قتل النّفس و القصاص:

10- وَ لا تَقْتُلُوا النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاّ بِالْحَقِّ وَ مَنْ قُتِلَ مَظْلُوماً فَقَدْ جَعَلْنا لِوَلِيِّهِ سُلْطاناً فَلا يُسْرِفْ فِي الْقَتْلِ إِنَّهُ كانَ مَنْصُوراً الإسراء:33

ح-الحكم بين النّاس:

11- يا داوُدُ إِنّا جَعَلْناكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النّاسِ بِالْحَقِّ... ص:26

ط-القرآن،و هو تكوينيّ ملحق بالتّشريعيّ:

12- وَ لَوْ جَعَلْناهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقالُوا لَوْ لا فُصِّلَتْ آياتُهُ ءَ أَعْجَمِيٌّ وَ عَرَبِيٌّ... فصّلت:44

13- وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ رُوحاً مِنْ أَمْرِنا ما كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتابُ وَ لاَ الْإِيمانُ وَ لكِنْ جَعَلْناهُ نُوراً نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشاءُ مِنْ عِبادِنا... الشّورى:52

14- إِنّا جَعَلْناهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ

الزّخرف:3

ص: 651

4-الجعل التّشريعيّ من النّاس،و أكثرها راجع إلى الشّرك باللّه عقيدة و تشريعا:

أ-جعل الشّركاء و الأنداد للّه:

1- وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ الْجِنَّ وَ خَلَقَهُمْ وَ خَرَقُوا لَهُ بَنِينَ وَ بَناتٍ بِغَيْرِ عِلْمٍ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمّا يَصِفُونَ

الأنعام:100

2- ...أَمْ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ... الرّعد:16

3- أَ فَمَنْ هُوَ قائِمٌ عَلى كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَتْ وَ جَعَلُوا لِلّهِ شُرَكاءَ... الرّعد:33

4- وَ جَعَلُوا لِلّهِ أَنْداداً لِيُضِلُّوا عَنْ سَبِيلِهِ قُلْ تَمَتَّعُوا فَإِنَّ مَصِيرَكُمْ إِلَى النّارِ إبراهيم:30

5- وَ إِذا مَسَّ الْإِنْسانَ ضُرٌّ دَعا رَبَّهُ مُنِيباً إِلَيْهِ ثُمَّ إِذا خَوَّلَهُ نِعْمَةً مِنْهُ نَسِيَ ما كانَ يَدْعُوا إِلَيْهِ مِنْ قَبْلُ وَ جَعَلَ لِلّهِ أَنْداداً... الزّمر:8

6- فَلا تَجْعَلُوا لِلّهِ أَنْداداً وَ أَنْتُمْ تَعْلَمُونَ

البقرة:22

7- لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَتَقْعُدَ مَذْمُوماً مَخْذُولاً الإسراء:22

8- ...وَ لا تَجْعَلْ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَتُلْقى فِي جَهَنَّمَ مَلُوماً مَدْحُوراً الإسراء:39

9- اَلَّذِي جَعَلَ مَعَ اللّهِ إِلهاً آخَرَ فَأَلْقِياهُ فِي الْعَذابِ الشَّدِيدِ ق:26

10- فَلَمّا آتاهُما صالِحاً جَعَلا لَهُ شُرَكاءَ فِيما آتاهُما فَتَعالَى اللّهُ عَمّا يُشْرِكُونَ الأعراف:190

ب-جعل النّصيب و النّسب للّه:

11- وَ جَعَلُوا لِلّهِ مِمّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَ الْأَنْعامِ نَصِيباً الأنعام:136

12- وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً وَ لَقَدْ عَلِمَتِ الْجِنَّةُ إِنَّهُمْ لَمُحْضَرُونَ الصّافّات:158

13- وَ جَعَلُوا لَهُ مِنْ عِبادِهِ جُزْءاً إِنَّ الْإِنْسانَ لَكَفُورٌ مُبِينٌ الزّخرف:15

ج-جعل الملائكة إناثا:

14- وَ جَعَلُوا الْمَلائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبادُ الرَّحْمنِ إِناثاً... الزّخرف:19

د-جعل اللّه عرضة لأيمانهم:

15- وَ لا تَجْعَلُوا اللّهَ عُرْضَةً لِأَيْمانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَ تَتَّقُوا وَ تُصْلِحُوا بَيْنَ النّاسِ وَ اللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ

البقرة:224

ه-جعل اللّه الكعبة كفيلا:

16- وَ أَوْفُوا بِعَهْدِ اللّهِ إِذا عاهَدْتُمْ وَ لا تَنْقُضُوا الْأَيْمانَ بَعْدَ تَوْكِيدِها وَ قَدْ جَعَلْتُمُ اللّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلاً إِنَّ اللّهَ يَعْلَمُ ما تَفْعَلُونَ النّحل:91

و-جعل الحلال و الحرام:

17- قُلْ أَ رَأَيْتُمْ ما أَنْزَلَ اللّهُ لَكُمْ مِنْ رِزْقٍ فَجَعَلْتُمْ مِنْهُ حَراماً وَ حَلالاً... يونس:59

ز-جعل سقاية الحاجّ كالإيمان باللّه:

18- أَ جَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَ عِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ... التّوبة:19

ح-جعل الحميّة الجاهليّة:

19- إِذْ جَعَلَ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْحَمِيَّةَ حَمِيَّةَ الْجاهِلِيَّةِ... الفتح:26

ط-جعل القرآن عضين:

20- اَلَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ الحجر:91

ص: 652

ج ف أ

اشارة

جفاء

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

أبو عمرو ابن العلاء: يقال:قد أجفأت القدر، و ذلك إذا غلت فانصبّ زبدها،أو سكنت فلا يبقى منه شيء.(أبو عبيدة 1:329)

الخليل: جفأ الزّبد يجفأ جفأ،و الاسم:الجفاء.

و أجفأت القدر زبدها و جفأت به،أي رمت به و طرحته.

و جفأت الرّجل،أي احتملته و ضربت به الأرض.

و الجفاء:الزّبد فوق الماء،قال اللّه عزّ و جلّ: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً الرّعد:17.(6:188)

أبو زيد :يقال:جفأت الرّجل،إذا صرعته، و أجفأت القدر بزبدها،إذا ألقت زبدها،من هذا اشتقاقه.(الأزهريّ 11:208)

ابن الأعرابيّ: يقال:جفأت الغثاء عن الوادي، و جفأت القدر،أي مسحت زبدها الّذي فوقها من غليها،فإذا أمرت قلت:اجفأها.

و يقال:أجفأت القدر،إذا علا زبدها.

(الأزهريّ 11:207)

تجفّأت الأرض،إذا رعيت.

جفأت النّبت و اجتفأته،إذا قلعته.

تجفّأت الأرض،إذا أكل نبتها الجدب.

في قوله:و تجتفئوا بقلا:تصيبوا بقلا.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 11:208)

يقال:جفأت الغثاء عن الوادي،أي كشفت.

و أجفأت البلاد،إذا ذهب خيرها،و كذلك تجفّأت.

(الصّغانيّ 1:12)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في لحوم الحمر الأهليّة أنّه نهى عنها و نادى مناديه بذلك،قال:

ص: 653

«فأجفئوا القدور».هكذا يروى الحديث بالألف،و هو في الكلام:فجفئوا،بغير ألف،و معناه أنّهم أكفئوها،أي قلبوها،يقال منه:جفأت الرّجل و غيره،إذا احتملته، ثمّ ضربت به الأرض.(1:358)

نحوه الأزهريّ.(11:208)

ابن السّكّيت: الجفاء:ما جفأه الوادي إذا رمى به.

(الأزهريّ 11:207)

يقال:قد جفأت القدر بزبدها،إذا ألقته عند الغليان،و قد جفت المرأة ولدها.(إصلاح المنطق:156)

الزّجّاج: جفأت الباب أجفؤه جفأ و أجفأته إجفاء، إذا أغلقته.و قال الحرمازيّ:إذا فتحته.(الصّغانيّ 1:12)

ابن دريد :جفأت الشّيء أجفؤه جفأ،إذا انتزعته.

و أصل ذلك أن تنتزع الشّجيرة من الأرض بأصلها.

و ذهب الشّيء جفاء،إذا انجفأ فذهب،و منه قوله عزّ و جلّ: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً الرّعد:17.

(3:227)

تقول:جفأت الرّجل جفأ،إذا صرعته.(3:279)

الأزهريّ: و قال أبو عون الحرمازيّ:أجفأت الباب و جفأته،إذا فتحته،و يقال:جفأت القدر جفأ،و كفأتها كفأ،إذا قلبتها،فصببت ما فيها،حكاه النّضر.[ثمّ استشهد بشعر](11:208)

الصّاحب:جفأ الزّبد فوق الماء و القدر،و هو يجفأ جفوءا،و الجفاء:الاسم.

و أجفأت القدر زبدها تجفئه،و أجفأتها:كفأتها.

و يقال:جفأ الوادي و أجفأ،إذا رمى بجفائه و غثائه.

و الجفاء:الباطل.و الخالية من السّفن.

و جاء جفاء من النّاس،أي طائفة.

و جفأت به الأرض:طرحته بها و صرعته،و أجفأته أيضا.

و أجفأ الرّجل:ضعف و انكسر،و يقال:جفأته.

و تجفّأت الأرض،إذا لم يبق فيها بقل،و قد رعي ما فيها.

و أجفأ الرّجل ماشيته،إذا أتعبها بالسّير و لم يعلفها، فهي مجفأة.(7:195)

الجوهريّ: الجفاء:ما نفاه السّيل،قال اللّه تعالى:

فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً الرّعد:17،أي باطلا.

و جفأ الوادي جفأ،إذا رمى بالقذى و الزّبد،و كذلك القدر إذا رمت بزبدها عند الغليان.و أجفأت:لغة فيه.

و جفأت القدر أيضا،إذا كفأتها أو أملتها فصببت ما فيها.و لا تقل:أجفأتها.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا الّذي في الحديث:«فأجفئوا قدورهم بما فيها» فهي لغة مجهولة.

و جفأت الرّجل أيضا:صرعته.

و اجتفأت الشّيء:اقتلعته و رميت به.(1:41)

ابن فارس: [ذكر المعتلّ و قال:]

و قد اطّرد هذا الباب حتّى في المهموز،فإنّه يقال:

جفأت الرّجل،إذا صرعته فضربت به الأرض و اجتفأت البقلة،إذا اقتلعتها من الأرض.و أجفأت القدر بزبدها،إذا ألقته،إجفاء،و منه قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«ما لم تصطبحوا أو تغتبقوا أو تجتفئوا بها بقلا»في رواية من يرويها بالجيم.

و من هذا الباب تجفّأت البلاد،إذا ذهب خيرها.[ثمّ

ص: 654

استشهد بشعر](1:466)

الهرويّ: و في حديث جرير:«خلق اللّه الأرض السّفلى من الزّبد الجفاء»أي من زبد اجتمع للماء.

و في حديث البراء:«انطلق جفاء من النّاس إلى هذا الحيّ من هوازن»أراد سرعان النّاس،شبّههم بجفاء السّيل.(369)

نحوه ابن الأثير.(1:277)

ابن سيده: جفأ الرّجل جفأ:صرعه.

و أجفأ به:طرحه.

و جفأ به الأرض:ضربها به.

و جفأ البرمة في القصعة جفأ:أكفأها.

و جفا الوادي يجفأ جفأ:رمى بالزّبد و القذر.

و كذلك:جفأت القدر بزبدها،و أجفأت به، و أجفأته.

و اسم الزّبد:الجفاء،و في التّنزيل: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً الرّعد:17.

و الجفاء:الباطل أيضا.

و جفأ الوادي:مسح غثاءه.

و جفأ القدر:مسح زبدها.

و جفأ الباب جفأ،و أجفأه:أغلقه.

و جفأ البقل و الشّجر يجفؤه جفأ،و اجتفأه:قلعه من أصله.

يقال:اجتفأ الشّيء:اقتلعه ثمّ رمى به.(7:491)

الرّاغب: قال اللّه تعالى: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً الرّعد:17،و هو ما يرمي به الوادي أو القدر من الغثاء إلى جوانبه،يقال:أجفأت القدر زبدها:ألقته إجفاء،و أجفأت الأرض:صارت كالجفاء في ذهاب خيرها.

و قيل:أصل ذلك الواو لا الهمز،و يقال:جفت القدر و أجفت،و منه الجفاء،و قد جفوته أجفوه جفوة و جفاء.

و من أصله أخذ:جفا السّرج عن ظهر الدّابّة:

رفعه عنه.(94)

الزّمخشريّ: ذهب الزّبد جفاء،أي مدفوعا مرميّا به،قد جفأه الوادي إلى جنباته.و يقال:جفأت القدر بزبدها،و مرّ جفاء من العسكر إلى البيات،أي جماعة معتزلة من معظمه.و تقول:سامه جفاء و نبذه جفاء،إذا عزله عن صحبته.(أساس البلاغة:61)

الفيروزآباديّ: جفأه كمنعه:صرعه،و البرمة في القصعة:كفأها،و الوادي و القدر:رميا بالجفاء،أي الزّبد كأجفأ،و القدر:مسح زبدها،و الوادي:مسح غثاءه، و الباب:أغلقه كأجفأه،و فتحه ضدّ،و البقل:قلعه من أصله كاجتفأه.

و الجفاء كغراب:الباطل،و السّفينة الخالية.

و أجفأ ماشيته:أتعبها بالسّير و لم يعلفها،و به:

طرحه،و البلاد:ذهب خيرها كتجفّأت،و العام جفأة إبلنا،و هو أن ينتج أكثرها.(1:11)

مجمع اللّغة :جفأت القدر تجفأ جفأ:رمت بزبدها عند الغليان.

و جفأ الوادي غثاءه:رمى بالزّبد و القذى.

و الجفاء:ما جفأته القدر أو جفأه الوادي.

و ذهب الزّبد جفاء،أي مدفوعا مرميّا به لا بقاء له.

(1:201)

ص: 655

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:108)

المصطفويّ: [سيأتي في جفو]

النّصوص التّفسيريّة

جفاء

...فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً... الرّعد:17

مجاهد :جمودا في الأرض.(الطّبريّ 13:136)

قتادة :يتعلّق بالشّجر،فلا يكون شيئا،مثل الباطل.

(الطّبريّ 13:136)

ابن إسحاق :مرميّا.(الماورديّ 3:107)

الفرّاء: قوله: فَيَذْهَبُ جُفاءً ممدود،أصله:

الهمزة،يقول:جفأ الوادي غثاءه جفأ.و قيل:الجفاء، كما قيل:الغثاء؛و كلّ مصدر اجتمع بعضه إلى بعض،مثل القماش و الدّقاق و الغثاء و الحطام،فهو مصدر.و يكون في مذهب اسم على هذا المعنى،كما كان العطاء اسما على الإعطاء،فكذلك الجفاء و القماش،لو أردت مصدره قلت:قمشته قمشا.و الجفاء،أي يذهب سريعا كما جاء.

(2:62)

ابن قتيبة :و الجفاء:ما رمى به الوادي إلى جنباته، يقال:أجفأت القدر بزبدها،إذا ألقت زبدها عنها.

(227)

نحوه السّجستانيّ.(97)

الطّبريّ: و قد زعم بعض أهل العربيّة من أهل البصرة،أنّ معنى قوله: فَيَذْهَبُ جُفاءً تنشفه الأرض،و يقال:جفا الوادي و أجفى في معنى نشف، و انجفى الوادي،إذا جاء بذلك الغثاء،و غثى الوادي،فهو يغثي غثيا و غثيانا.

و ذكر عن العرب أنّها تقول:جفأت القدر أجفؤها، إذا أخرجت جفاءها،و هو الزّبد الّذي يعلوها،و أجفأتها إجفاء:لغة.قال:و قالوا:جفأت الرّجل جفأ:صرعته.

و قيل: فَيَذْهَبُ جُفاءً بمعنى جفأ،لأنّه مصدر من قول القائل:جفأ الوادي غثاءه،فخرج مخرج الاسم و هو مصدر.[ثمّ ذكر نحو الفرّاء](13:138)

الزّجّاج: أي فيذهب ذلك لا ينتفع به،و الجفاء:

ما جفأ الوادي،أي رمى به.(3:145)

النّحّاس: قال أبو زيد:و كان رؤبة يقرأ (فيذهب جفالا) يقال:جفلت الرّيح السّحاب،إذا قطّعته و أذهبته.

(3:489)

الرّمّانيّ: جافيا على وجه الأرض.

(الماورديّ 3:107)

الطّوسيّ: إخبار منه تعالى أنّ الزّبد الّذي يعلو على الماء و النّار يذهب باطلا و هالكا،و الجفاء ممدود مثل الغثاء،و أصله:الهمز.(6:240)

البغويّ: أي:ضائعا باطلا،و الجفاء:ما رمى به الوادي من الزّبد،و القدر إلى جنباته.[إلى أن قال:]

معناه:أنّ الباطل و إن علا في وقت فإنّه يضمحلّ.

و قيل:(جفاء)أي متفرّقا،يقال:جفأت الرّيح الغيم،إذا فرّقته و ذهبت به.(3:14)

نحوه الخازن.(4:13)

الميبديّ: أي باطلا من جفأت القدر و أجفأت، إذا غلت و علا زبدها،فإذا سكنت لم يبق منه شيء.

و بناء«فعال»ممّا يرمى و يطرح.و قيل:جفأ الوادي

ص: 656

و أجفأ،إذا نشف.(5:186)

الزّمخشريّ: (جفاء)يجفؤه السّيل،أي يرمي به، و جفأت القدر بزبدها،و أجفأ السّيل و أجفل.و في قراءة رؤبة ابن العجّاج (جفالا) .(2:356)

نحوه أبو حيّان.(5:358)

ابن عطيّة: (جفاء)مصدر من قولهم:أجفأت القدر،إذا غلت حتّى خرج زبدها و ذهب.(3:308)

الطّبرسيّ: أي باطلا متفرّقا؛بحيث لا ينتفع به.

(3:287)

الفخر الرّازيّ: و المعنى:أنّ الزّبد قد يعلو على وجه الماء و يربو و ينتفخ،إلاّ أنّه بالآخرة يضمحلّ،و يبقى الجوهر الصّافي من الماء و من الأجساد السّبعة.فكذلك الشّبهات و الخيالات قد تقوى و تعظم،إلاّ أنّها بالآخرة تبطل و تضمحلّ و تزول،و يبقى الحقّ ظاهرا لا يشوبه شيء من الشّبهات.

و في قراءة رؤبة بن العجّاج (جفالا) و عن أبي حاتم:

لا يقرأ بقراءة رؤبة،لأنّه كان يأكل الفأر.(19:37)

نحوه الآلوسيّ.(13:131)

البيضاويّ: يجفأ به،أي يرمي به السّيل أو الفلزّ المذاب،و انتصابه على الحال،و قرئ (جفالا) و المعنى واحد.(1:518)

نحوه أبو السّعود.(3:450)

النّسفيّ: (جفاء)حال،أي متلاشيا،و هو ما تقذفه القدر عند الغليان،و البحر عند الطّغيان،و الجفء:

الرّمي،و جفأت الرّجل:صرعته.(2:247)

ابن كثير :أي لا ينتفع به بل يتفرّق و يتمزّق و يذهب في جانبي الوادي،و يعلّق بالشّجر،و تنسفه الرّياح،كذلك خبث الذّهب و الفضّة و الحديد و النّحاس،يذهب و لا يرجع منه شيء و لا يبقى إلاّ الماء، و ذلك الذّهب و نحوه ينتفع به.(4:82)

نحوه القاسميّ(9:3667)،و المراغيّ(13:88).

مكارم الشّيرازيّ: الجفاء،بمعنى الإلقاء و الإخراج،و لهذا نكتة لطيفة،و هي أنّ الباطل يصل إلى درجة لا يمكن فيها أن يحفظ نفسه،و في هذه اللّحظة يلقى خارج المجتمع.و هذه العمليّة تتمّ في حالة هيجان الحقّ، فعند غليان الحقّ يظهر الزّبد و يطفو على سطح ماء القدر،و يقذف إلى الخارج.و هذا دليل على أنّ الحقّ يجب أن يكون في حالة هيجان و غليان دائما،حتّى يبعد الباطل عنه.(7:333)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجفاء،أي الزّبد و الغثاء، يقال:جفأ الوادي غثاءه يجفأ جفأ،أي رمى بالزّبد و القذى،و جفأت الغثاء عن الوادي:كشفته،و كذا جفأت القدر،أي مسحت زبدها الّذي فوقها من غليها، و جفأت هي:رمت بزبدها عند الغليان،و أجفأت به و أجفأته.

و جفأ الرّجل جفأ:صرعه،و أجفأ به:طرحه، و جفأ به الأرض:ضربها به،و هو تشبيه بطرح القدر زبدها و رميها له عند الغليان.

و جفأ البقل و الشّجر يجفؤه جفأ و اجتفأه:قلعه من أصله،و تسهّل همزته أيضا،فيقال:جفوت البقل

ص: 657

و جفيته و اجتفيته،و ذكره بعضهم في مادّة«ج ف و» أيضا،و هو ليس منها.

و تجفّأت الأرض:رعيت،و تجفّأت البلاد:ذهب خيرها،و كلاهما مشتقّ من قولهم:جفأ البقل،أي قلعه من أصله.

2-و أمّا قولهم:جفأ البرمة في القصعة جفأ،أي أكفأها،أو أمالها،فصبّ ما فيها،فهو من«ك ف أ»،يقال:

كفأ الشّيء و الإناء و أكفأه و كفّأه و اكتفأه،أي قلبه و أماله.

و إبدال الكاف جيما مشهور بين العرب قديما و حديثا،نحو:السّهج و السّهك:مرور الرّيح،يقال:ريح سيهك و سيهج،و ريح سيهوك و سيهوج،أي شديدة.

و تبدل الكاف جيما مفخّمة في كثير من المفردات في اللّهجة العراقيّة،نحو:كبير و چبير،و بكر و بچر، و يحوك و يحوچ.و منها ضمير الخطاب المؤنّثة مفردا و جمعا،نحو:كتابك و كتابچ،و كتابكن و كتابچن.و هي من اللّغات غير الفصيحة لأهل اليمن،فهم يقولون في الكعبة:الجعبة (1)،إلاّ أنّ أهل العراق لا يتابعونهم في كلّ ذلك،بل يلفظون الكاف صحيحة في أغلب كلامهم،نحو:

الكعبة.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد في سورة الرّعد المدنيّة عند القوم،و لا شاهد لها،لاحظ المدخل:فصل مكّيّ السّور و مدنيّها:

أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَداً رابِياً وَ مِمّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النّارِ ابْتِغاءَ حِلْيَةٍ أَوْ مَتاعٍ زَبَدٌ مِثْلُهُ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَ الْباطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً وَ أَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْأَمْثالَ

الرّعد:17

يلاحظ أنّ في الآية بحوثا:

1-اضطربت كلماتهم في أنّ(جفاء)مصدر،أو اسم مصدر،أو وصف بمعنى المرميّ،أو اسم للزّبد.قال الفرّاء:«كلّ مصدر اجتمع بعضه إلى بعض مثل القماش و الدّقاق و الحطام فهو مصدر،و يكون في مذهب اسما على هذا المعنى،كما كان العطاء اسما على الإعطاء، فكذلك الجفاء و القماش،لو أردت مصدره قلت:قمشته قمشا.و يبدو أنّه مصدر انتقل إلى الاسم و الصّفة».و قال الطّبريّ:«خرج مخرج الاسم و هو مصدر».

2-و اضطربت كلماتهم في معناها أيضا مثل:جمودا في الأرض،ما تعلّق بالشّجر،غثاء،ما ذهب سريعا كما جاء،ما رمى به الوادي إلى جنباته،الزّبد الّذي يعلو القدر إذا غلى،متفرّقا،متلاشيا...

و الظّاهر أنّ كلّها تفسير باللاّزم،أمّا الزّبد فقد جاء اسما في الآية لما يعلو الوادي و القدر كلاهما،و جاء «الجفاء»حالا توصيفا للزّبد،و ليس عينه حيث قال:

فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً، و يقابله وَ أَمّا ما يَنْفَعُ النّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الْأَرْضِ فالجفاء ما لا نفع فيه كالزّبد، أو قل:مرميّا متفرّقا،ما يذهب سريعا.و يؤيّده قول البيضاويّ:«يجفأ أي يرمى به»و قول النّسفيّ:«الجفء:

ص: 658


1- «المزهر»للسّيوطيّ(1:222).

الرّمي»و قد فسّرها«مكارم»بالإلقاء و الإخراج،و هو سهو لأنّها لازم و ليست متعدّية.

3-و لا ريب أنّها-في الآية-مثل للباطل قبال الحقّ كَذلِكَ يَضْرِبُ اللّهُ الْحَقَّ وَ الْباطِلَ كما أنّ صدر الآية:

فَسالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِها مثل لما فطر اللّه عليه الأشخاص و الأشياء من الطّبيعة و القابليّة.و قد أطال بعض المفسّرين في بيانه،لاحظ النّصوص.

4-استظهر«مكارم»نكتة من الآية،و هي«أنّ الباطل ينتهي إلى درجة لا يحفظ نفسه،فيلقى في خارج المجتمع،و ذلك عند هيجان الحقّ،فلا بدّ أن يكون الحقّ دائما في حالة الهيجان دافعا للباطل».

و لا ندري من أين قيّد بقاء الحقّ بالهيجان،فإنّ صريح الآية أنّ ذهاب الباطل و بقاء الحقّ من طبيعتهما، لا من هيجان الحقّ و انضعاف الباطل تدريجا.

ص: 659

ص: 660

ج ف ن

اشارة

جفان

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجفن:ضرب من العنب،و يقال:هو نفس الكرم،بلغة اليمن.

و يقال:الجفن و الجفنة:قضيب من الكرم.

و الجفنة:الّتي للطّعام،و جمعها:الجفان.

و الجفن:للسّيف و العين،و جمعهما:جفون.

و جفنة:قبيلة من اليمن،ملوك بالشّام.[ثمّ استشهد بشعر](6:146)

الأصمعيّ: الجفنة:الأصل من أصول الكرم، و جمعها:الجفن،و هي الجبلة.

الجفن:ظلف النّفس عن الشّيء الدّنيء،يقال:

جفنها جفنا.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 11:112)

اللّحيانيّ: لبّ الخبز ما بين جفنيه،و جفنا الرّغيف:

وجهاه من فوق و من تحت.(الأزهريّ 11:113)

ابن الأعرابيّ: الجفن:الكرم،و الجفن:جفن العين،و الجفن:جفن السّيف الّذي يغمد فيه،و الجفنة:

معروفة،و تجمع:جفانا،و العدد:الجفنات.

و آل جفنة:ملوك من أهل اليمن،كانوا استوطنوا الشّام.[ثمّ استشهد بشعر]

التّجفين (1):كثرة الجماع،و قال أعرابيّ:أضواني دوام التّجفين.(الأزهريّ 11:112)

الجفن:قشر العنب الّذي فيه الماء،و يسمّى الخمر:

ماء الجفن،و السّحاب:جفن الماء.

الجفنة:الكرمة،و الجفنة:الخمر،و الجفنة:

الرّجل الكريم،و أجفن،إذا أكثر الجماع.

(الأزهريّ 11:113)

الدّينوريّ: و من الشّجر الطّيّب الرّيح:الجفن

ص: 661


1- كذا،و الظّاهر:التّجفين.

و الغار،و الجفن أيضا:جفن الكرم.

(الأزهريّ 11:113)

و قال بعض الأعراب:هي صلبة صغيرة مثل العيشوم،و لها عيدان صلاب رقاق قصار،و ورقها أخضر أغبر،و نباتها في غلظ الأرض،و هي أسرع البقل نباتا إذا مطرت،و أسرعها هيجا.

(ابن سيده 7:457)

ابن دريد :الجفن:جفن السّيف،و الجفن:جفن العين.

و قد فصّل بينهما قوم من أهل اللّغة فيما زعموا، فقالوا:جفن السّيف،و جفن العين،و لا أدري ما صحّته.

و الجفنة:معروفة،و الجفن:الكرم،و قال قوم:بل أصل الكرم:جفنة.

و بنو جفنة:حيّ من العرب.و جمع الجفنة:

جفان،و جفنات في أدنى العدد،و جمع الجفن:جفون و أجفان،و أجفن في أدنى العدد.

و يقال:جفن الرّجل نفسه عن كذا و كذا،إذا ظلفها عنه.[ثمّ استشهد بشعر](2:108)

الأزهريّ: و في حديث عمر:«أنّه انكسرت قلوص من نعم الصّدقة فجفّنها».معنى جفّنها،أي نحرها و طبخها،و أطعم لحمها في الجفان،و دعا عليها النّاس حتّى أكلوها.[ثمّ استشهد بشعر]

[و نقل القول الثّاني للأصمعيّ،و قال:]

قال أبو سعيد:لا أعرف الجفن بمعنى ظلف النّفس.

و من أمثالهم:«و عند جفينة الخبر اليقين».

و قال ابن السّكّيت:و لا تقل:«جهينة».و جفينة اسم رجل في المثل.(11:113)

الصّاحب: الجفن:جفن العين و السّيف،و ضرب من العنب،و قيل:نفس الكرم و ورقه.

و ظلف النّفس عن الشّيء:جفن نفسه.

و جفنة الطّعام:معروفة.

و جفنة:قبيلة من اليمن،ملوك.

و التّجفين:إطعام النّاس،جفّن فلان لفلان:اتّخذ له طعاما.[ثمّ ذكر حديث عمر]

و جفينة في قولهم:«عند جفينة الخبر اليقين» هو رجل كان عنده علم رجل مقتول.(7:126)

الجوهريّ: الجفن:جفن العين،و الجفن أيضا:

غمد السّيف،و الجفن:اسم موضع.

و الجفن:قضبان الكرم،الواحدة:جفنة.

و الجفنة كالقصعة،و الجمع:الجفان و الجفنات بالتّحريك،لأنّ ثاني«فعلة»يحرّك في الجمع إذا كان اسما،إلاّ أن يكون ياء أو واوا،فيسكّن حينئذ.

و جفنة:قبيلة من اليمن.[ثمّ بحث حول قولهم:

«و عند جفينة الخبر اليقين»أنّه جفينة أو جهينة]

(5:2092)

نحوه الطّريحيّ.(6:225)

ابن فارس: الجيم و الفاء و النّون أصل واحد،و هو شيء يطيف بشيء و يحويه.فالجفن:جفن العين، و الجفن:جفن السّيف.و جفن:مكان.و سمّي الكرم جفنا لأنّه يدور على ما يعلق به،و ذلك مشاهد.(1:465)

الهرويّ: و في الحديث:«أنّه قيل له:أنت كذا و أنت كذا و أنت الجفنة الغرّاء»معناه:أنّ العرب كانت

ص: 662

تدعو السّيّد المطعام جفنة،لأنّه يضعها و يطعم النّاس فيها،فسمّي باسمها.[ثمّ استشهد بشعر](1:371)

الثّعالبيّ: الجفن:غلاف السّيف.(138)

أبو سهل الهرويّ: الجفنة بفتح الجيم:القصعة العظيمة من الخشب.(46)

نحوه مجمع اللّغة(1:201)،و محمّد إسماعيل(1:

108).

ابن سيده: الجفن:غطاء العين من أعلى و أسفل.

و الجمع:أجفن،و أجفان،و جفون.

و إنّه لشديد جفن العين،أي يغلبه النّوم.

و جفن السّيف:غمده.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجفنة:أعظم ما يكون من القصاع،و الجمع:

جفان،و جفن عن سيبويه كهضبة و هضب.

و جفن الجزور:اتّخذ منها طعاما.[إلى أن قال:]

و الجفنة:ضرب من العنب.

و الجفنة:الكرم،و قيل:أصله،و قيل:قضيب من قضبانه،و قيل:ورقه.و الجمع من كلّ ذلك:جفن.[ثمّ استشهد بشعر]

و جفّن الكرم،و تجفّن:صار له أصل.

و الجفن أيضا من الأحرار:نبتة تنبت متسطّحة، و إذا يبست تقبّضت و اجتمعت،و لها حبّ كأنّه الحلبة.

و أكثر منبتها الآكام،و هي تبقى سنين يابسة،و أكثر راعيتها الحمر و المعزى.

و جفن نفسه عن الشّيء:ظلفها.[ثمّ استشهد بشعر]

و جفنة:قبيلة من الأزد.

و جفينة:اسم خمّار،و في المثل:«و عند جفينة الخبر اليقين»كذا رواه أبو عبيد و ابن السّكّيت.

قال ابن السّكّيت: و لا تقل:«جهينة».و كان أبو عبيدة يرويه«حفينة»بالحاء غير معجمة.(7:456)

الجفن:ما ارتقى من الكرم في الشّجر فتجفّن به،أي تمكّن.(الإفصاح 2:1126)

الرّاغب: الجفنة:خصّت بوعاء الأطعمة، و جمعها:جفان،قال عزّ و جلّ: وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ، و في حديث:«و أت (1)الجفنة الغرّاء»أي الطّعام، و قيل:للبئر الصّغيرة:جفنة،تشبيها بها.

و الجفن:خصّ بوعاء السّيف و العين،و جمعه:

أجفان،و سمّي الكرم جفنا تصوّرا أنّه وعاء العنب.

(94)

الزّمخشريّ: بنو فلان يقرون في الجفان.و جفّنوا:

صنعوا جفانا،و جفّن فلان لفلان،و أتنا نجفّن لك.

[ثمّ ذكر حديث عمر]

و تجفّن فلان:انتسب إلى آل جفنة.

و شرب فلان ماء الجفن،و هو الكرم،و الجفنة:

الكرمة.

و تحالفوا على القتال ففضّوا أجفانهم،و غضّوا أجفانهم،أي كسروا غمودهم.

و من المجاز:أنت الجفنة الغرّاء:للجواد المضياف.[ثمّ استشهد بشعر]

و لبّ الخبز:ما بين جفنيه،و هما وجهاه.

(أساس البلاغة:61)

[و في حديث]«و أنت الجفنة الغرّاء»،شبّهوهت.

ص: 663


1- أوردها أكثر اللّغويّين:أنت.

بالجفنة الغرّاء،و هي البيضاء من الدّسم،نعتا له بأنّه مضياف مطعام،أو أرادوا:أنت ذو الجفنة.[ثمّ استشهد بشعر](الفائق 1:220)

المدينيّ: في حديث أبي قتادة،رضي اللّه عنه:

«ناد،يا جفنة الرّكب»أي يا صاحب جفنة الرّكب، حذف المضاف و أقام المضاف إليه مقامه،لعلمهم بأنّ «الجفنة»لا تنادى و لا تجيب و لا تحضر،إرادة للتّخفيف في الكلام،نحو قوله تعالى: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف:82.(1:336)

ابن الأثير: و في حديث الخوارج:«سلّوا سيوفكم من جفونها»جفون السّيوف:أغمادها،واحدها:جفن.

(1:280)

الفيّوميّ: جفن العين:غطاؤها من أعلاها و أسفلها،و هو مذكّر،و جفن السّيف:غلافه،و الجمع:

جفون،و قد يجمع على أجفان.

و جفنة الطّعام:معروفة،و الجمع:جفان،و جفنات، مثل كلبة و كلاب و سجدات.(1:103)

الفيروزآباديّ: الجفن:غطاء العين من أعلى و أسفل،و الجمع:أجفن و أجفان و جفون،و غمد السّيف و يكسر،و أصل الكرم أو قضبانه أو ضرب من العنب، و ظلف النّفس من المدانس،و شجر طيّب الرّيح،و موضع بالطّائف.

و الجفنة:الرّجل الكريم،و البئر الصّغيرة، و القصعة.جمعها:جفان و جفنات،و قبيلة باليمن.

و جفن النّاقة:نحرها و أطعم لحمها في الجفان.

و جفّن تجفينا و أجفن:جامع كثيرا.

«و عند جفينة الخبر اليقين»هو اسم خمّار،و لا تقل:

«جهينة».

أو قد يقال لأنّ حصين بن عمرو بن معاوية بن عمرو بن كلاب خرج و معه رجل من بني جهينة يقال له:الأخنس،فنزلا منزلا،فقام الجهنيّ إلى الكلابيّ فقتله و أخذ ماله.و كانت صخرة بنت عمرو بن معاوية تبكيه في المواسم،فقال الأخنس:

تساءل عن حصين كلّ ركب

و عند جهينة الخبر اليقين

(4:211)

الزّبيديّ: قال شيخنا رحمه اللّه تعالى:«و من أبدع الجناس و ألطفه أنشدنيه شيخنا الإمام محمّد بن الشّاذليّ رحمه اللّه تعالى:

أجفانهم نفت الغرار كما انتفى

ماضي الغرار بهم من الأجفان.

الغرار الأوّل:النّوم،و الثّاني:حدّ السّيف.و أجفان الأوّل:أجفان العين،و الثّاني:الأغماد.(9:162)

محمود شيت:أ-الجفن:غمد السّيف،و غمد الخنجر،و غمد الحربة.

ب-الجفنة:القصعة الّتي يتناول فيها الجنود طعامهم.

(1:144)

المصطفويّ: قال في اللّسان:«الجفنة:أعظم ما يكون من القصاع».و هذا المعنى بمناسبة الأصل في هذه المادّة؛و هو ما يحيط و يطيف بشيء كالغلاف،و غطاء العين،و القصعة الكبيرة باعتبار إحاطتها،فهي كغطاء العين.(2:96)

ص: 664

النّصوص التّفسيريّة

جفان

يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ وَ قُدُورٍ راسِياتٍ... سبأ:13

مجاهد :صحاف.(الماورديّ 4:439)

مثله البيضاويّ(2:257)،و المشهديّ(8:257)، و نحوه أبو السّعود(5:251)،و الطّباطبائيّ(16:363).

الفرّاء: و هي القصاع الكبار.(2:356)

نحوه الطّوسيّ(8:383)،و البغويّ(3:674)، و الميبديّ(8:118)،و المراغيّ(22:65).

الطّبرسيّ: أي صحاف كالحياض الّتي يجبى فيها الماء،أي يجمع،و كان سليمان عليه السّلام يصلح طعام جيشه في مثل هذه الجفان،فإنّه لم يمكنه أن يطعمهم في مثل قصاع النّاس لكثرتهم.

و قيل:إنّه كان يجمع على كلّ جفنة ألف رجل يأكلون بين يديه.(4:383)

الفخر الرّازيّ: و قدّم«الجفان»في الذّكر على «القدور»مع أنّ القدور آلة الطّبخ و الجفان آلة الأكل، و الطّبخ قبل الأكل؟

فنقول:لمّا بيّن الأبنية الملكيّة أراد بيان عظمة السّماط الّذي يمدّ في تلك الدّور،و أشار إلى«الجفان» لأنّها تكون فيه،و أمّا«القدور»فلا تكون فيه، و لا تحضر هناك،و لهذا قال: راسِياتٍ أي غير منقولات.ثمّ لمّا بيّن حال الجفان العظيمة،كان يقع في النّفس أنّ الطّعام الّذي يكون فيها في أيّ شيء يطبخ، فأشار إلى القدور المناسبة للجفان.(25:248)

نحوه أبو حيّان.(7:265)

الشّربينيّ: أي قصاع و صحاف يؤكل فيها، واحدتها:جفنة.(3:287)

البروسويّ: (و جفان)و هي جمع جفنة،و هي القصعة العظيمة،فإنّ أعظم القصاع الجفنة،ثمّ القصعة تليها،تشبع العشرة،ثمّ الصّحفة تشبع الخمسة،ثمّ المئكلة تشبع الرّجلين و الثّلاثة،ثمّ الصّحيفة تشبع الرّجل.فتفسير الجفان بالصّحاف-كما فعله البعض- منظور فيه.(7:275)

الآلوسيّ: و(جفان):جمع جفنة،و هي ما يوضع فيها الطّعام مطلقا،كما ذكره غير واحد.[و أدام الكلام نحو البروسويّ و أضاف:]

و عليه فالمراد هنا المطلق لظاهر قوله تعالى:

(كالجواب).(22:119)

مثله القاسميّ.(14:4943)

عزّة دروزة :(جفان):جمع جفنة و هي طبق الطّعام الكبير.(5:35)

مكارم الشّيرازيّ: (جفان):جمع جفنة،بمعنى إناء الطّعام.(13:373)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجفن،أي غطاء العين من أعلى و أسفل،و الجمع:أجفن و أجفان و جفون؛يقال:إنّه لشديد جفن العين،أي يغلبه النّوم.و الجفن أيضا:غمد السّيف،لأنّه يحويه.و جفنا الرّغيف:وجهاه من فوق

ص: 665

و من تحت،يقال:«لبّ الخبز ما بين جفنيه»تشبيها بجفني العين.

و الجفنة:القصعة الكبيرة،و هي أعظم القصاع، لأنّها تحوي ما يطبخ فيها،و الجمع:جفان و جفن،يقال:

جفن الجزور،أي نحرها و طبخها و اتّخذ منها طعاما، و جعل لحمها في الجفان،و دعا عليها النّاس حتّى أكلوها.

و هي أيضا الرّجل الكريم،لأنّه يضعها و يطعم النّاس فيها،فسمّي باسمها.

و الجفن:ظلف النّفس عن الشّيء الدّنيء،أي منعها عنه كما يمنع جفن العين ما يضرّها،يقال:جفن الرّجل نفسه عن كذا جفنا،أي ظلفها و منعها.

و التّجفين:كثرة الجماع:قال أعرابيّ:أضواني دوام التّجفين،و أجفن فلان:أكثر الجماع،سمّي بذلك لأنّ الغطاء يحويه.

2-و قال الخليل :«الجفن:ضرب من العنب، و يقال:هو نفس الكرم بلغة اليمن».

و تكلّم بعض في سبب تسميته بذلك،فقال ابن فارس:«لأنّه يدور على ما يعلق به»،و قال الرّاغب:

«تصوّرا أنّه وعاء العنب».

و ينبئ قول الخليل :«الكرم بلغة اليمن»بأنّه لغة غير مشهورة،فليس من الصّواب أن يقحم في هذه المادّة؛ لأنّها تشذّ عن الأصل،كما يستشفّ من تعليلي ابن فارس و الرّاغب.

و الجفن بهذا المعنى أعرف في سائر اللّغات السّاميّة، كالعبريّة و الآراميّة و السّريانيّة و الآثوريّة،و ينسب اللّغويّون بعض اللّغات أحيانا إلى أهل اليمن،و هي في الأصل ساميّة غير عربيّة.

3-كما ذكر أبو حنيفة الدّينوريّ لفظ«الجفن»اسما لبعض كبار الشّجر و دقاقها،و صوابه«الكفن»،و هو ضرب من الإبدال،انظر مادّة«ج ف أ».

4-و ممّا يجدر ذكره أنّ بين«ج ف ن»و«ك ف ن» اشتقاقا أكبر؛إذ الجفن و الكفن بمعنى واحد،و هو التّغطية،فمن الثّاني:الكفن،و هو ثوب الميّت،و في الحديث:«فأهدى له شاة و كفنها»أي ما يغطّيها من الرّغفان،يقال:كفنت الخبزة في الملّة،أي واريتها بها.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد اسما مجموعا،في سورة مكّيّة:

يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ وَ قُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ سبأ:13

و يلاحظ أنّ في الآية بحوثا:

1-الجفان:جمع جفنة،و كانت ممّا يعمله الجنّ لسليمان،فإنّ ضمير الجمع في(يعملون)راجع إلى الجنّ في الآية السّابقة.

2-إردافها بالمحاريب-و هي بيوت شريفة- و التّماثيل،و كذلك تشبيهها ب(الجواب)و هي الحياض الكبار،و ب قُدُورٍ راسِياتٍ و هي القدور الكبار الرّاسية في مكانها،كلّ ذلك دلّ على أنّ«الجفان»كانت صحافا كبارا جدّا يأكل منها جماعة؛و بذلك يبطل ما قيل:

من أنّها مطلق ما يوضع فيه الطّعام،فلو كانت كذلك في أصل اللّغة،و لكنّ المراد بها في الآية الكبار منها.

ص: 666

قال الفرّاء و غيره:«هي القصاع الكبار»أو«طبق الطّعام الكبير».و قال الطّبرسيّ:«كان سليمان عليه السّلام يصلح طعام جيشه في مثل هذه الجفان،فإنّه لم يمكنه أن يطعمهم في مثل قصاع النّاس لكثرتهم،و قيل:إنّه كان يجمع على كلّ جفنة ألف رجل يأكلون بين يديه».

و قال البروسويّ: «و هي القصعة العظيمة،فإنّ أعظم القصاع الجفنة،ثمّ القصعة تليها تشبع العشرة، ثمّ الصّحفة تشبع الخمسة،ثمّ المئكلة تشبع الرّجلين و الثّلاثة،ثمّ الصّحيفة تشبع الرّجل،ثمّ قال:فتفسير الجفان ب«الصّحاف»كما فعله البعض منظور فيه...»

3-أثار الفخر الرّازيّ سؤالا:«لم قدّم الجفان على القدور في الذّكر مع أنّ القدور آلة الطّبخ،و الجفان آلة الأكل،و الطّبخ مقدّم على الأكل؟

و أجاب بأنّها لمّا بيّنت الأبنية الملكيّة أراد بيان عظمة السّماط الّذي يمدّ في تلك الدّور،و الجفان فيها، و أمّا القدور فلم تكن فيها و لا حاضرة معها،و لهذا قال:

قُدُورٍ راسِياتٍ أي غير منقولات،و كانت في المطبخ.و كان يقع في النّفس أنّ الطّعام الّذي كان فيها في أيّ شيء يطبخ؟فأشار إلى القدور الكبار المناسبة لتلك الجفان».

و نحن نزيد عليه:«أنّ القدور الرّاسيات»مع (الجواب)جاءت لتشبيه«الجفان»بها،رمزا إلى المماثلة بين ما يؤكل فيه و ما يطبخ فيه،لا أنّها كانت ممّا يعملها الجنّ له.و(الجواب)رمز إلى كمّيّة الماء اللاّزم في طبخ هذا المقدار من الطّعام،و كان في حياض كبيرة إلى جانب القدور الرّاسيات.

ص: 667

ص: 668

ج ف و

اشارة

تتجافى

لفظ واحد،مرّة واحدة في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :جفا الشّيء يجفو جفاء،ممدود،كالسّرج يجفو عن الظّهر،إذا لم يلزم الظّهر،و كالجنب يجفو عن الفراش؛و تجافى مثله.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجفاء:يقصر و يمدّ:نقيض الصّلة،و الجفوة:ألزم في ترك الصّلة من الجفاء،لأنّ الجفاء قد يكون في فعلاته،إذا لم يكن له ملق.(6:190)

أبو زيد :أجفيت الماشية فهي مجفاة،إذا أتعبتها و لم تدعها تأكل،و ذلك إذا ساقها سوقا شديدا.

(الأزهريّ 11:206)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الجفاية:السّفينة الفارغة، فإذا كانت مشحونة فهي غامد و آمد،و يقال أيضا:

غامدة و آمدة،و الخنّ:الفارغة أيضا.

(الأزهريّ 11:206)

أبو عبيد: [في حديث ذكر حامل القرآن]«...غير الغالي فيه و لا الجافي عنه»فالغالي فيه:هو المتعمّق حتّى يخرجه ذلك إلى إكفار النّاس،كنحو من مذهب الخوارج و أهل البدع،و الجافي عنه:التّارك له و للعمل به و لكن القصد من ذلك.(2:157)

ابن السّكّيت: يقال:جفوته فهو مجفوّ،و جاء في الشّعر مجفيّ.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 11:207)

ابن دريد :و الجفو من قولهم:جفاه يجفوه جفوا، و اشتقاقه من تجافي الشّيء عن الشّيء،إذا ارتفع.

(2:108)

الأزهريّ: و الحجّة في أنّ«جفا»يكون لازما مثل تجافى.

قول العجّاج يصف ثورا وحشيّا:

*و شجر الهدّاب عنه فجفا*

ص: 669

يقول:رفع هدّاب الأرض بقرنه حتّى تجافى عنه.

و يقال:جافيت جنبي عن الفراش فتجافى، و أجفيت القتب عن ظهر البعير فجفا.

[و في حديث]أبي هريرة: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«الحياء من الإيمان و الإيمان في الجنّة،و البذاء من الجفاء،و الجفاء في النّار».

قلت:يقال:جفوته أجفوه جفوة،أي مرّة واحدة، و جفاء كثيرا،مصدر عامّ.

و الجفاء يكون في الخلقة و الخلق،يقال:رجل جافي الخلقة،و جافي الخلق،إذا كان كزّا غليظ العشرة.

و يكون الجفاء في سوء العشرة،و الخرق في المعاملة، و التّحامل عند الغضب،و السّورة على الجليس.

(11:206)

الصّاحب: جفا الشّيء يجفو جفاء،كالسّرج يجفو عن الظّهر،إذا لم يلزم،و الجنب يجفو عن الفراش.

و أجفاني خشونة الفراش.

و أجفيت القتب عن البعير:رفعته عنه.

و الجفاء:نقيض الصّلة،و الجفوة ألزم.

و جفيت الرّجل،بمعنى جفأته أي صرعته.

(7:194)

الجوهريّ: الجفاء ممدود:خلاف البرّ.و قد جفوت الرّجل أجفوه جفاء،فهو مجفوّ.و لا تقل:جفيت،و أمّا قول الرّاجز:

*فلست بالجافي و لا المجفيّ*

فإنّما بناه على جفي،فلمّا انقلبت الواو ياء-فيما لم يسمّ فاعله-بني المفعول عليه.

و فلان ظاهر الجفوة بالكسر،أي ظاهر الجفاء.

و جفا السّرج عن ظهر الفرس،و أجفيته أنا،إذا رفعته عنه.[ثمّ استشهد بشعر]

و جافاه عنه فتجافى جنبه عن الفراش،أي نبا.

و استجفاه،أي عدّه جافيا.(6:2303)

ابن فارس: الجيم و الفاء و الحرف المعتلّ يدلّ على أصل واحد:نبوّ الشّيء عن الشّيء من ذلك جفوت الرّجل أجفوه،و هو ظاهر الجفوة،أي الجفاء.و جفا السّرج عن ظهر الفرس و أجفيته أنا.و كذلك كلّ شيء إذا لم يلزم شيئا،يقال:جفا عنه يجفو.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجفاء:خلاف البرّ،و الجفاء:ما نفاه السّيل،و منه اشتقاق الجفاء.(1:465)

الهرويّ: و في الحديث:«كان يجافي عضديه عن جنبيه في السّجود»أي يباعدهما.

و في صفته:«ليس بالجافي و لا المهين»أي ليس بالغليظ الخلقة و لا المحتقر،و يقال:ليس بالّذي يجفو أصحابه و يهينهم.

و في حديث عمر:«لا تزهدن في جفاء الحقو (1)» يقول:لا تزهدن في تغليظ الإزار.يعني النّساء.(372)

ابن سيده: جفا الشّيء جفاء،و تجافى:لم يلزم مكانه.

و أجفيته أنا:أزلته عن مكانه.[ثمّ استشهد بشعر]

و جفا جنبه عن الفراش،و تجافى:نبا عنه و لم يطمئنّ عليه.و.

ص: 670


1- في«اللّسان»لا تزهدنّ في جفاء الحقو.

و جفا الشّيء عليه:ثقل،و لمّا كان في معناه، و كان«ثقل»يتعدّى ب«على»،عدّوه ب«على»أيضا، و مثل هذا كثير.

و الجفاء:نقيض الصّلة،و هو من ذلك؛و قد جفاه جفوا،و جفاء.[ثمّ استشهد بشعر]

و جفا ماله:لم يلازمه.

و رجل فيه جفوة و جفوة،و إنّه لبيّن الجفوة.فإذا كان هو المجفوّ قيل:به جفوة.

و قول المعزى حين قيل لها:ما تصنعين في اللّيلة المطيرة؟فقالت:الشّعر دقاق و الجلد رقاق،و الذّنب جفاء،و لا صبر بي عن البيت.لم يفسّر اللّحيانيّ «جفاء».و عندي أنّه من النّبوّة و التّباعد و قلّة اللّزوق.

و أجفى الماشية،أتعبها و لم يدعها تأكل،و لا علفها قبل ذلك.(7:561)

الزّمخشريّ: جفاني فلان:فعل بي ما ساءني و استجفيته.و الأدب صناعة مجفوّ أهلها.و جفت المرأة ولدها فلم تتعاهده.و ثوب جاف:غليظ،و قد جفا ثوبه.و هو من جفاة العرب.و جفا السّرج عن ظهر الفرس،و جنب النّائم عن الفراش و تجافى...و أجفاه صاحبه و جافاه.[ثمّ استشهد بشعر]

و جافى عضديه.

و من المجاز:أصابته جفوة الزّمان و جفاوته.

(أساس البلاغة:61)

المدينيّ: في الحديث:«اقرءوا القرآن و لا تجفوا عنه»أي تعاهدوه،و لا تبعدوا عن تلاوته.و الجفاء:ترك الصّلة و البرّ،و أجفاه:أبعده و أقصاه،و جفوته جفوة بالكسر،و الجفوة:المرّة.

و منه قوله عليه الصّلاة و السّلام:«البذاء من الجفاء» أي من غلظ الطّبع.

و منه الحديث الآخر:«من بدا جفا»أي غلظ طبعه لقلّة اختلاطه بالنّاس،فيترك المروءة و الصّلة.

(1:337)

ابن الأثير: [في حديث]«إذا سجدت فتجاف» و هو من الجفاء:البعد عن الشّيء،يقال:جفاه،إذا بعد عنه،و أجفاه،إذا أبعده.(1:280)

الفيّوميّ: جفا السّرج عن ظهر الفرس يجفو جفاء:ارتفع،و جافيته فتجافى،و جفوت الرّجل أجفوه:

أعرضت عنه أو طردته،و هو مأخوذ من جفاء السّيل، و هو ما نفاه السّيل،و قد يكون مع بغض.

و جفا الثّوب يجفو،إذا غلظ فهو جاف،و منه جفاء البدو،و هو غلظتهم و فظاظتهم.(104)

الفيروزآباديّ: جفا جفاء و تجافى:لم يلزم مكانه، و اجتفيته:أزلته عن مكانه.

و جفا عليه كذا:ثقل،و الجفاء:نقيض الصّلة، و يقصر.

جفاه جفوا و جفاء،و فيه جفوة و يكسر،أي جفاء، فإن كان مجفوّا،قيل:به جفوة.

و جفا ماله:لم يلازمه.و السّرج عن فرسه:رفعه، كأجفاه.

و رجل جافي الخلقة و الخلق:كزّ غليظ،و استجفى الفراش و غيره:عدّه جافيا.

و أجفى الماشية:أتعبها و لم يدعها تأكل.

ص: 671

جفيته أجفيه:صرعته،و الجفاية بالضّمّ:السّفينة الفارغة،و المجفيّ:المجفوّ.(4:314)

الطّريحيّ: يقال:تجافى جنبه عن الفراش،إذا لم يستقرّ عليه من خوف أو وجع أو همّ.

و في حديث المسبوق بالصّلاة:«إذا جلس يتجافى و لا يتمكّن من القعود»أي يرتفع عن الأرض و يجلس مقعيا غير متمكّن،لأنّه أقرب إلى القيام.

[و في الحديث:]«الاستنجاء باليمين من الجفاء»أي فيه بعد عن الآداب الشّرعيّة.

و«تجافوا عن الدّنيا»أي تباعدوا عنها و اتركوها لأهلها.

و في حديث الجريدة للميّت:«يتجافى عنه العذاب ما دامت رطبة»أي يرتفع عنه عذاب القبر ما دامت كذلك.

و الجفاء بالمدّ:غلظ الطّبع و البعد و الإعراض،يقال:

«جفوت الرّجل أجفوه»إذا أعرضت عنه.

و الجفاوة:قساوة القلب.

و في الحديث:«من لا يفعل كذا جفوته يوم القيامة» أي أبعدته عنّي يوم القيامة،و لم أقرّبه إليّ.

و في حديث الصّلاة:«إنّما يفعل ذلك أهل الجفاء من النّاس»أي غليظو الطّباع،البعيدون عن آداب الشّرع.

و في حديث العلم:«لا يقبض اللّه العلم بعد ما يهبطه، و لكن يموت العالم فيذهب بما يعلم،فتليهم الجفاة فيضلّون و يضلّون»يريد بالجفاة:الّذين يعملون بالرّأي و نحوه،ممّا لم يرد به شرع.

و في حديث السّفر:«زاد المسافر الحداء و الشّعر ما كان منه،ليس فيه جفاء»أي بعد عن آداب الشّرع.

و في حديث الإبل:«فيها الشّقاء و الجفاء»أي المشقّة و العناء و عدم الخير،لأنّها إذا أقبلت أدبرت.

(1:88)

المصطفويّ: التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو رفع اليد أو النّبوّ عن محلّ أو مقام معنويّ، يقتضي الأصل أن يستقرّ فيه،كالسّرج الّذي يلزم أن يستقرّ في ظهر الفرس،و الإنسان المستقرّ عند النّوم في الفراش،و الزّبد المستقرّ في أعالي السّيل،و الرّجل إذا استقرّ بمقتضى العدل في محلّ ظاهريّ أو مقام معنويّ، و الإنسان يلزم أن يحسن في حقّه و يوصل و يبرّ،ثمّ ينفى و يرتفع عنه ذلك الحقّ.

و هذا هو الفرق بين الجفاء و الظّلم،فإنّ الجفاء أمر عدميّ خاصّ يستلزم وقوع الظّلم،بخلاف الظّلم فإنّه أمر وجوديّ.[ثمّ ذكر آيتين،لاحظ النّصوص التّفسيريّة](2:96)

النّصوص التّفسيريّة

تتجافى

تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ. السّجدة:16

معاذ بن جبل: إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال له:«أ لا أدلّك على أبواب الخير؟الصّوم جنّة،و الصّدقة تكفّر الخطيئة،و قيام العبد في جوف اللّيل»،و تلا هذه الآية (تتجافى)إلخ.(الطّبريّ 21:102)

ص: 672

أبو الدّرداء: صلاة الصّبح و العشاء في جماعة.

(الماورديّ 4:363)

نحوه الضّحّاك.(ابن عطيّة 4:362)

ابن عبّاس: تتجافى لذكر اللّه،كلّما استيقظوا ذكروا اللّه إمّا في الصّلاة،و إمّا في قيام،أو في قعود،أو على جنوبهم،فهم لا يزالون يذكرون اللّه.(الطّبريّ 21:102) نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 21:101)

أنس بن مالك: أنّ هذه الآية نزلت في رجال من أصحاب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،كانوا يصلّون فيما بين المغرب و العشاء.

نحوه قتادة(الطّبريّ 21:100)،و عكرمة (الماورديّ 4:363).

إنّ هذه الآية نزلت في انتظار الصّلاة الّتي تدعى العتمة.

نحوه عطاء.(الطّبريّ 21:101)

مجاهد :يقومون يصلّون من اللّيل.

نحوه الحسن.(الطّبريّ 21:101)،و مالك و الأوزاعيّ(الماورديّ 4:363)

ابن زيد :هؤلاء المتهجّدون لصلاة اللّيل.

(الطّبريّ 21:101)

الفرّاء: يقال:هو النّوم قبل العشاء.كانوا لا يضعون جنوبهم بين المغرب و العشاء حتّى يصلّوها،و يقال:إنّهم كانوا في ليلهم كلّه(تتجافى):تقلق.(2:331)

أبو عبيدة :مجازه:ترتفع عنها و تتنحّى،لأنّهم يصلّون باللّيل.[ثمّ استشهد بشعر](2:132)

الطّبريّ: تتنحّى جنوب هؤلاء الّذين يؤمنون بآيات اللّه،الّذين وصفت صفتهم،و ترتفع من مضاجعهم الّتي يضطجعون لمنامهم،و لا ينامون.[إلى أن قال:] (و تتجافى)تتفاعل،من الجفاء،و الجفاء:النّبوّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و إنّما وصفهم تعالى ذكره بتجافي جنوبهم عن المضاجع،لتركهم الاضطجاع للنّوم شغلا بالصّلاة.

و اختلف أهل التّأويل في الصّلاة الّتي وصفهم جلّ ثناؤه،أنّ جنوبهم تتجافى لها عن المضطجع،فقال بعضهم:هي الصّلاة بين المغرب و العشاء،و قال:نزلت هذه الآية في قوم كانوا يصلّون في ذلك الوقت.

و قال آخرون:عني بها صلاة المغرب.

و قال آخرون:لانتظار صلاة العتمة.

و قال آخرون:عني بها قيام اللّيل.

و قال آخرون:إنّما هذه صفة قوم لا تخلو ألسنتهم من ذكر اللّه.

و الصّواب من القول في ذلك أن يقال:إنّ اللّه وصف هؤلاء القوم بأنّ جنوبهم تنبو عن مضاجعهم،شغلا منهم بدعاء ربّهم،و عبادته خوفا و طمعا،و ذلك نبوّ جنوبهم عن المضاجع ليلا،لأنّ المعروف من وصف الواصف رجلا بأنّ جنبه نبا عن مضجعه،إنّما هو وصف منه له بأنّه جفا عن النّوم في وقت منام النّاس المعروف؛و ذلك اللّيل دون النّهار،و كذلك تصف العرب الرّجل إذا وصفته بذلك،يدلّ على ذلك قول عبد اللّه بن رواحة الأنصاريّ رضي اللّه عنه،في صفة نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.

يبيت يجافي جنبه عن فراشه

إذا استثقلت بالمشركين المضاجع

ص: 673

فإذا كان ذلك كذلك،و كان اللّه تعالى ذكره لم يخصّص في وصفه هؤلاء القوم بالّذي وصفهم به،من جفاء جنوبهم عن مضاجعهم،من أحوال اللّيل و أوقاته، حالا و وقتا دون حال و وقت،كان واجبا أن يكون ذلك على كلّ آناء اللّيل و أوقاته.و إذا كان كذلك كان من صلّى ما بين المغرب و العشاء،أو انتظر العشاء الآخرة،أو قام اللّيل أو بعضه،أو ذكر اللّه في ساعات اللّيل،أو صلّى العتمة،ممّن دخل في ظاهر قوله: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ لأنّ جنبه قد جفا عن مضجعه،في الحال الّتي قام فيها للصّلاة،قائما صلّى أو ذكر اللّه،أو قاعدا بعد أن لا يكون مضطجعا،و هو على القيام أو القعود قادر.غير أنّ الأمر و إن كان كذلك،فإنّ توجيه الكلام إلى أنّه معنيّ به قيام اللّيل،أعجب إليّ،لأنّ ذلك أظهر معانيه،و الأغلب على ظاهر الكلام،و به جاء الخبر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(21:99)

الزّجّاج: معنى(تتجافى)ترتفع و تفارق المضاجع.

(4:207)

نحوه الماورديّ.(4:361)

التّجافي:التّنحّي إلى جهة فوق.

(ابن عطيّة 4:362)

و مثله الرّمانيّ.(القرطبيّ 14:100)

السّجستانيّ: أي ترتفع و تنبو عن الفرش.(149) نحوه البغويّ(3:597)،و الخازن(5:185).

الطّوسيّ: أي يرتفعون عن مواضعهم الّتي ينامون عليها،فالتّجافي:تعاطي الارتفاع عن الشّيء،و مثله النّبوّ،يقال:جفا عنه يجفو جفاء،إذا نبا عنه؛و تجافى عنه يتجافى تجافيا،و استجفاه استجفاء.(8:302)

الواحديّ: ترتفع جنوبهم،يقال:جفا الشّيء عن الشّيء،و تجافى عنه،إذا لم يلزمه و نبا عنه.(3:452)

الميبديّ: يعني يجافون جنوبهم عن مضاجعهم للتّهجّد.و التّجافي:التّجنّب عن الشّيء،أخذ من «الجفاء»من لم يوافقك فقد جافاك.[ثمّ استشهد بشعر]

(7:531)

الزّمخشريّ: ترتفع و تتنحّى.(3:243)

مثله البيضاويّ(2:235)،و النّسفيّ(3:288)، و النّيسابوريّ(21:65)،و الكاشانيّ(4:156).

ابن عطيّة: جفا الرّجل الموضع،إذا تركه،و تجافى الجنب عن مضجعه،إذا تركه،و جافى الرّجل جنبه عن مضجعه،و منه في الحديث:«و يجافي بضبعيه»أي يبعدهما عن الأرض و عن يديه،فقوله: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ أي تبعد و تزول.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال الضّحّاك: تجافي الجنب،هو أن يصلّي الرّجل العشاء و الصّبح في جماعة،و هذا قول حسن يساعده لفظ الآية.

و قال الجمهور من المفسّرين: أراد بهذا التّجافي:

صلاة النّوافل باللّيل.(4:362)

القرطبيّ: أي ترتفع و تنبو عن مواضع الاضطجاع.و هو في موضع نصب على الحال،أي متجافية جنوبهم.[إلى أن قال:بعد نقل قول أبي الدّرداء و الضّحّاك]

قلت:و هذا قول حسن،و هو يجمع الأقوال بالمعنى؛ و ذلك أنّ منتظر العشاء إلى أن يصلّيها في صلاة و ذكر للّه

ص: 674

جلّ و عزّ،كما قال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا يزال الرّجل في صلاة ما انتظر الصّلاة».(14:99)

أبو السّعود :أي تنبو و تنحّى.[إلى أن قال:]

و الجملة مستأنفة لبيان بقيّة محاسنهم،و هم المتهجّدون باللّيل.(5:204)

البروسويّ: استئناف لبيان بقيّة محاسن المؤمنين.

و التّجافي:النّبوّ و البعد،أخذ من«الجفاء»فإنّ من لم يوافقك فقد جافاك و تجنّب و تنحّى عنك.و المعنى ترتفع و تتنحّى أضلاعهم.

و في إسناد التّجافي إلى الجنوب دون أن يقال:

يجافون جنوبهم،إشارة إلى أنّ حال أهل اليقظة و الكشف ليس كحال أهل الغفلة و الحجاب،فإنّهم لكمال حرصهم على المناجاة ترتفع جنوبهم عن المضاجع حين ناموا بغير اختيارهم كأنّ الأرض ألقتهم من نفسها،و أمّا أهل الغفلة فيتلاصقون بالأرض لا يحرّكهم محرّك.

(7:119)

الآلوسيّ: تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ جملة مستأنفة لبيان بقيّة محاسنهم،و جوّز أن يكون حاليّة أو خبرا ثانيا للمبتدإ،و التّجافي:البعد و الارتفاع.

(21:130)

الطّباطبائيّ: و التّجافي عن المضاجع كناية عن ترك النّوم.(16:263)

مكارم الشّيرازيّ: فيقومون في اللّيل،و يتّجهون إلى ربّهم و محبوبهم،و يشرعون بمناجاته و يلتذّون بها.

نعم،إنّ هؤلاء يستيقظون و يحيون قدرا من اللّيل في حين أنّ عيون الغافلين تغطّ في نوم عميق،و حينما تتعطّل برامج الحياة العاديّة،و تصل المشاغل الفكريّة إلى أدنى مستوى،و يعمّ الهدوء و الظّلام كلّ الأرجاء،و يقلّ وجود خطر التّلوّث بالرّياء في العبادة،و الخلاصة:عند توفّر أفضل الظّروف لحضور القلب،فإنّهم يتّجهون بكلّ وجودهم إلى معبودهم،و يطأطئون رءوسهم إلى أعتاب معشوقهم و يخبرونه بما في قلوبهم،فهم أحياء بذكره، و كئوس قلوبهم طافحة بحبّه و عشقه.(13:113)

فضل اللّه :فيبتعدون عن النّوم فيها،و يلجئون إلى أماكن صلاتهم.(18:235)

المصطفويّ: أي ترتفع و تنبو و تتنحّى عنها، و الحال أنّ كونهم في المضاجع يقتضي الاستراحة و إدامتها.

و التّعبير بصيغة«تفاعل»،للإشارة إلى إدامة النّبوّ و التّنحّي في ليالي السّنة،و بالجنوب و المضاجع،للإشارة إلى أنّ المضجع و وضع الجنب على الأرض في حال الاضطجاع يقتضيان إدامة الرّقدة و الاستراحة.(2:96)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجفاء،و هو النّبوّ و عدم الاستقرار،يقال:جفا السّرج عن ظهر الفرس يجفو جفاء و تجافى،أي لم يلزم مكانه،و أجفيت القتب عن ظهر البعير:أنزلته عنه،و كذا جافيته عنه فتجافى.

و جفا جنبه عن الفراش و تجافى:نبا عنه و لم يطمئنّ عليه،و جافاه عنه فتجافى،و استجفاه:عدّه جافيا.

و أجفى الماشية فهي مجفاة:أتعبها و لم يدعها تأكل و لا علفها قبل ذلك،و ذلك إذا ساقها سوقا شديدا،و جفا

ص: 675

ما له:لم يلازمه.

و الجفا و الجفاء:خلاف البرّ،نقيض الصّلة،و هو منه أيضا،لأنّه نبوّ و إعراض،يقال:جفاه جفوا و جفاء،أي ترك صلته و برّه و غلظ عليه.

و الجفوة و الجفوة:الجفاء،إلاّ أنّ الجفاء-كما قال الأزهريّ-يكون في الخلقة و الخلق،يقال:رجل جافي الخلقة و جافي الخلق،و في الكثرة أيضا؛و الجفوة و الجفوة في القلّة،يقال:جفوته جفوة،أي مرّة واحدة،و رجل فيه جفوة و جفوة،و إنّه لبيّن الجفوة.و إذا كان هو المجفوّ، قيل:به جفوة.

2-و الجفاية:السّفينة الفارغة،من«ج ف ي»كما ذهب إليه الفيروزآباديّ و غيره؛إذ لو كان من«ج ف و» لقيل فيه:الجفاوة أيضا،نظير ما جاء على«فعالة»بالواو و الياء،مثل:النّقاوة و النّقاية:الجيّد من كلّ شيء، و العجاوة و العجاية:عصبة في فرسن البعير،لأنّ اليائيّ لا يأتي منه الواو عادة،مثل:البراية:ما بري من العود و غيره؛حيث ما قيل فيه:البراوة قطّ.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد،فعلا في آية من سورة مكّيّة:

إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا الَّذِينَ إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً وَ سَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ* تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ السّجدة:15،16

يلاحظ أنّ في الآية بحوثا:

1-أنّها إكمال لآية قبلها،و قد بيّن اللّه فيهما لمن آمن حقّ الإيمان بآيات اللّه خصالا على وجه الحصر إِنَّما يُؤْمِنُ بِآياتِنَا أي هؤلاء هم الّذين آمنوا بآياتنا حقّا دون غيرهم.و الخصال هي:1- إِذا ذُكِّرُوا بِها خَرُّوا سُجَّداً. 2- وَ سَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ 3- وَ هُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ. 4- تَتَجافى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضاجِعِ. 5- يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَ طَمَعاً.

وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ.

6-ثمّ ذكر جزاءهم بقوله: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ السّجدة:

17.

2-و الآيتان بيان للإيمان الكامل،و لهما نظائر في القرآن:

منها: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَ إِذا تُلِيَتْ عَلَيْهِمْ آياتُهُ زادَتْهُمْ إِيماناً وَ عَلى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ* اَلَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَ مِمّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ* أُولئِكَ هُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَهُمْ دَرَجاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَ مَغْفِرَةٌ وَ رِزْقٌ كَرِيمٌ الأنفال:2-4

و منها: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتّى يَسْتَأْذِنُوهُ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَأْذِنُونَكَ أُولئِكَ الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ... النّور:62.

و منها: إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتابُوا وَ جاهَدُوا بِأَمْوالِهِمْ وَ أَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أُولئِكَ هُمُ الصّادِقُونَ الحجرات:15.

و في معناها آيات كثيرة تتطلّب الاهتمام بها و دراستها معا.

ص: 676

3-أثار الطّبريّ سؤالا هل الآية خاصّة بمن تتجافى جنوبهم عن المضاجع لصلاة اللّيل فقط،أو تعمّ صلاة العشاء،و بعد أن خصّها باللّيل دون النّهار،رجّح اختصاصها بصلاة اللّيل؟

و عندنا أنّ منطق الآية هو ما اختاره الطّبريّ، و لا بأس بشمولها للنّوم في النّهار و لا سيّما قبل صلاة الظّهر أو العصر بمفهومها،فإنّ المراد بها لفت الأنظار إلى أنّ المؤمنين يهتمّون بأمر الصّلاة،حتّى خلال نومهم، فتتجافى جنوبهم عن المضاجع لأدائها في وقتها،من غير فرق بين اللّيل النّهار..

4-عدّ المصطفويّ: فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفاءً الرّعد:17،من هذه المادّة و ليس كذلك،و إن تقاربا بالاشتقاق الأكبر لفظا و معنى.

5-صيغة«التّفاعل»في(تتجافى)من بين معاني هذا الباب تناسب التّدرّج،أي تبعد جنوبهم عن المضاجع مرّة بعد أخرى مثل توارد القوم،أي وردوا جماعة بعد أخرى دون الدّوام،كما قاله المصطفويّ،لأنّه ليس من معاني التّفاعل.و هذا يكشف عمّا ذكرنا من شدّة اهتمامهم بالصّلاة حتّى في أثناء النّوم،أي شدّة العلاقة بالصّلاة تسلبهم الرّاحة في المضاجع،و استقرار الجنوب عليها، فذكر الجنوب و المضاجع رمز إلى ما يناسب النّوم ليلا من استقرار الجنوب عليها راحة.

ص: 677

ص: 678

ج ل ب

اشارة

لفظان،مرّتان:1 مكّيّة،1 مدنيّة

في سورتين:1 مكّيّة،1 مدنيّة

اجلب 1:1 جلابيبهنّ 1:-1

النّصوص اللّغويّة

أبو عمرو ابن العلاء: و المجلب:الّذي يجعل العوذة في جلب،ثمّ يخاط على الفرس.

(الخليل 6:130)

الخليل: الجلب:ما يجلب من السّبي أو الغنم، و الجمع:أجلاب،و الفعل:يجلبون.

و عبد جليب،و عبيد جلباء،إذا كانوا جلبوا من أيّامهم و سنتهم.

و الجلب و الجلبة في جماعات النّاس،و الفعل:أجلبوا من الصّياح و نحوه.

و الجلوبة:ما يجلب للبيع،نحو النّاب و الفحل و القلوص.و أمّا كرام الإناث و الفحولة الّتي تنتسل، فليست من الجلوبة.

و يقال لصاحب الإبل:هل في إبلك جلوبة؟أي شيء جلبته للبيع.

و في الحديث:«لا جلب في الإسلام»،اختلفوا فيه، فقيل:لا جلب في جري الخيل،و قيل:لا يستقبل الجلب في الشّراء،و قيل:هو أن يجلب المصدّق غنم القوم،أي يجمعها عنده،و إنّما ينبغي أن يأتي أفنيتهم فيصدّقها هناك.

و الجلبة:القرفة الّتي تنتشر على اليد عند همومها بالبرء.

و أجلبت القرحة،فهي مجلبة و جالبة،و قروح جوالب.[ثمّ استشهد بشعر]

و قروح جلّب مثله.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلبة:أن يجلب جلد الإنسان على عظمه في السّنة الشّديدة.

و جلب الرّحل:نقش خشب الرّحل و أحناؤه، و ما يؤسر به،و يشدّ سوى صنقه و أنساعه.[ثمّ استشهد

ص: 679

بشعر]

و الجلبان:الملك،الواحدة بالهاء،و هو حبّ أغبر أكدر على لون الماش،إلاّ أنّه أشدّ كدرة منه و أعظم جرما،يطبخ.

و الجالبة و الجوالب من شدائد الدّهر:حالات تجيء بآفات و تجلبها.

و الجلباب:ثوب أوسع من الخمار دون الرّداء،تغطّي به المرأة رأسها و صدرها.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلب و الجلب من السّحاب:تراه كأنّه جبل.

و الجلبة:العوذة الّتي يخرز عليها الجلد،و جمعها:

الجلب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلبة:الحديدة يرقع بها القدح،و هي حديدة صغيرة.

و الجلبة في الجبل،إذا تراكم بعض الصّخر على بعض،فلم يكن فيه طريق تأخذ فيه الدّوابّ.

(6:130)

سيبويه :يقولون:جلب الجرح و أجلب،يريدون بهما شيئا واحدا.(4:70)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الجلائب:الّتي يجلبونها إلى رجل على الماء،ليس له ما يحتمل عليه،فيجلبون إليه من إبلهم،فيحملونه،و الواحدة:جلوبة.و أمّا الجلب:

فالّذي يجلب للبيع،و هي الأجلاب.(1:115)

الجلبة:العوذة.

أجلب عليها.(1:124)

جلّب بضرع ناقتك،أي شدّة عليها،يعني الصّرار.

أجلب لفرسك،أي اتّخذ له جلبة،و هي العروة.(1:133)

الجلب من الأرض:ما بقي من العشب في بطون الرّياض لم ييبس و يبس سائره،و الواحدة:جلبة.

*رعت ظمؤها نصفين حتّى تجلّبت*

قوله:تجلّبت،أي أكلت جلبه.(1:134)

يقال:جلب الرّحل و جلبه،و هو أحناؤه.

و الجلب أيضا من السّحاب،تراه كأنّه جبل،و هو الجلب.[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:36)

جلب الرّحل و جلبه:عيدانه.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 11:91)

الفرّاء: الجلب:جمع جلبة،و هي السّنة الشّبهاء.

و الجلب:جمع جلبة،و هي بقلة.(الأزهريّ 11:95)

إنّه من الجلبة،و هو الصّياح.و ربّما قالوا:الجلب كما قالوا:الغلبة و الغلب،و الشّفقة،و الشّفق.

(الفخر الرّازيّ 21:6)

أبو زيد :الجلبة:الشّدّة،و الجهد،و الجوع.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 11:92)

الأصمعيّ: إذا علت القرحة جلدة للبرء،قيل:

جلب يجلب و يجلب،و أجلب يجلب.

(الأزهريّ 11:91)

اللّحيانيّ: جلب لأهله يجلب،و أجلب:كسب، و طلب،و احتال.

امرأة جليب في نسوة جلبى،و جلائب.

(ابن سيده 7:436)

ابن الأعرابيّ: أجلب الرّجل الرّجل،إذا توعّده بالشّرّ،و جمع عليه الجمع،بالجيم.

ص: 680

و أجلب الرّجل،إذا نتجت ناقته سقبا،و كذلك إذا كانت إبله تنتج الذّكور،فقد أجلب،و إذا كانت تنتج الإناث،فقد أحلب.و يدعو الرّجل على صاحبه فيقول:

أجلبت و لا أحلبت،أي كان نتاج إبلك ذكورا لا إناثا، ليذهب لبنه.(الأزهريّ 11:91)

الجلباب:الإزار،و معنى قوله:[في حديث عليّ عليه السّلام]:

«فليعدّ للفقر جلبابا»يريد لفقر الآخرة و نحو ذلك.

(الأزهريّ 11:93)

جلب الدّم،و أجلب:يبس.(ابن سيده 7:437)

و ما في السّماء جلبة،أي غيم يطبّقها.

(ابن سيده 7:438)

من خرزات الأعراب:الينجلب،و هو للرّجوع بعد الفرار.[ثمّ استشهد بشعر](الصّغانيّ 1:90)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«لا جلب و لا جنب و لا شغار في الإسلام».

الجلب في شيئين:يكون في سباق الخيل،و هو أن يتبع الرّجل الرّجل فرسه،فيركض خلفه و يزجره و يجلب عليه،ففي ذلك معونة للفرس على الجري،فنهى عن ذلك.

و الوجه الآخر في الصّدقة:أن يقدم المصدّق فينزل موضعا،ثمّ يرسل إلى المياه فيجلب أغنام أهل تلك المياه عليه فيصدّقها هناك،فنهى عن ذلك.و لكن يقدم عليهم فيصدّقهم على مياههم و بأفنيتهم.(1:434)

قلت:و معنى قول ابن الأعرابيّ:الجلباب:الإزار، و لم يرد به إزار الحقو،و لكنّه أراد به الإزار الّذي يشتمل به،فيجلّل جميع الجسد،و كذلك إزار اللّيل،هو الثّوب السّابغ الّذي يشتمل به النّائم،فيغطّي جسده كلّه.

(الأزهريّ 11:93)

ابن السّكّيت: جلب الجرح يجلب،و هو جرح جالب،إذا كانت عليه قشرة غليظة عند البرء،و أجلب لغة.(108)

يقال:أصابت بني فلان جلبة شديدة،أي سنة شديدة.(27)

الجلباب:الخمار.(665)

يقال:أجلب قتبه فهو مجلب،إذا جعل عليه جلدة رطبة فطيرا،ثمّ تركها عليه حتّى تيبس.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد أجلب الجرح،إذا علته جلدة للبرء.

و قد جلب على فرسه يجلب جلبا،إذا صاح به من خلفه و استحثّه ليسبق.و قد جلب الجلب.و قد أجلب، إذا صاح.[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:261)

يقال:هم يحلبون عليه،و يجلبون عليه،بمعنى واحد،أي يعينون عليه.(الأزهريّ 11:90)

قالت العامريّة:الجلباب:الخمار،و قيل:جلباب المرأة:ملاءتها الّتي تشتمل بها،واحدها:جلباب، و الجماعة:جلابيب.(الأزهريّ 11:93)

أبو حاتم: و المجلّب:الّذي فيه جلبة رعد،يعني في سحابه.(الأضداد:115)

و قال حسّان لمزينة و قد قتلوا أباه،فجعلهم جلابيب،أي سفلة:

أرى الجلابيب قد عزّوا و قد كثروا

و ابن الفريعة أمسى بيضة البلد

(الأضداد:118)

ص: 681

شمر: الجلبّانة من النّساء:الجافية الغليظة،كأنّ عليها جلبة،أي قشرة غليظة.[ثمّ استشهد بشعر]

و في حديث الحديبيّة:«ألاّ يدخل المسلمون مكّة إلاّ بجلبّان السّلاح»قال بعضهم:جلبّان السّلاح:القراب بما فيه.

كأنّ اشتقاق الجلبّان من«الجلبّة»،و هي الجلدة الّتي تجعل على القتب،و الجلدة الّتي تغشّى التّميمة،لأنّه كالغشاء للقراب.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 11:94)

ابن قتيبة :و في حديث عليّ عليه السّلام:«من أحبّنا -أهل البيت-فليعدّ للفقر جلبابا أو تجفافا».

معنى قوله:فليعدّ للفقر جلبابا و تجفافا،أي ليرفض الدّنيا و ليزهد فيها،و ليصبر على الفقر و التّقلّل،و كنّي عن الصّبر بالجلباب و التّجفاف،لأنّه يستر الفقر كما يستر الجلباب و التّجفاف البدن.(الأزهريّ 11:93)

الدّينوريّ: لم أسمعه[الجلبّان]من الأعراب إلاّ بالتّشديد،و ما أكثر من يخفّفه،و لعلّ التّخفيف لغة.

(ابن سيده 7:440)

و الجلّبان بتشديد اللاّم:الخلّر،لغة في الجلبان، بتخفيف اللاّم ساكنة.(الصّغانيّ 1:89)

ابن أبي اليمان :و الجلباب:القميص.(175)

و الإجلاب:الاجتماع.(180)

المبرّد: الجلباب:ما يستر الكلّ،مثل الملحفة.

(3:313)

ثعلب :جلب الرّحل:غطاؤه.(7:439)

الزّجّاج: باب الجيم من فعلت و أفعلت،و المعنى واحد...جلب الجرح و أجلب،إذا أخذ في البرء، و صارت فيه جلدة رفيعة.(فعلت و أفعلت:8)

باب الجيم من فعلت و أفعلت،و المعنى مختلف...جلب الرّجل الشّيء من أرض إلى أرض،إذا ساقه؛و أجلب على العدوّ إجلابا،إذا جمع عليه.

(فعلت و أفعلت:9)

ابن دريد :[نحو أبي عبيد و أضاف:]

و جلبت الإبل من البدو إلى المصر جلبا.[ثمّ استشهد بشعر]

أجلب الجرح و جلب،إذا ركبه جلبة،و هي قشرة تركب الجرح عند البرء؛و الجرح جالب و مجلب.

و الجلب و الجلب:خشب الرّحل بلا كسوة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجليب و المجلوب:الأعجميّ يجلب من بلده إلى بلد الإسلام.

و الجلبة:اختلاط الأصوات.

و الجلب و الجلب:السّحاب الّذي لا ماء فيه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلبة:لغة يمانيّة،و هي الرّوبة الّتي تصبّ على اللّبن الحليب ليروب.و كلّ شيء جلبته من إبل أو خيل أو غير ذلك من الحيوان للتّجارة،فهو جلب.[ثمّ استشهد بشعر]

و جمع جلب:أجلاب.

و عبد جليب،و مجلوب.

و ناقة جلبة:لا لبن لها،و الجمع:جلاب.

و الجلبة:السّنة الشّديدة،يقال:أصابت النّاس جلبة،أي أزمة.[ثمّ استشهد بشعر](1:212)

ص: 682

و الجلبة السّنة المجدبة،و هي أيضا الجوع.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلبة:الفطرة.(3:299)

الأزهريّ: عن عائشة أنّها قالت:«كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إذا اغتسل من الجنابة دعا بشيء نحو الجلاّب،فأخذ بكفّه،فبدأ بشقّ رأسه الأيمن،ثمّ الأيسر،فقال بهما على وسط رأسه».

قلت:أراه أراد بالجلاّب:ماء الورد،و هو فارسيّ معرّب،و الورد يقال له:جل،و آب معناه الماء،فهو ماء الورد.(11:90)

[قيل:]امرأة جلبّانة و جلبّانة و تكلاّبة،إذا كانت سيّئة الخلق،صاحبة جلبة و مكالبة.

و الأجلاب:أن تأخذ قطعة قدّ فتلبسها رأس القتب، فتيبس عليه،و هي الجلبة.[ثمّ استشهد بشعر]

و التّجليب:أن تؤخذ صوفة،فتلقى على خلف النّاقة،ثمّ تطلى بطين أو عجين،لئلاّ ينهزها الفصيل.

يقال:جلّب ضرع حلوبتك،و يقال:جلّبته عن كذا و كذا تجليبا و أصفحته،إذا منعته.

و يقال:إنّه لفي جلبة صدق أي في بقعة صدق،و هي الجلب.

و يقال:جلبت الشّيء جلبا و جنبت الفرس جنبا، و المجلوب أيضا:جلب.و هذا كما يقال لما نفض من الشّجر:نفض،و للمعدود:عدد،و جمعه:أجلاب.

و الجلب:الجناية على الإنسان،و كذلك الأجل.

و قد جلب عليه،و أجل عليه،أي جنى عليه.

(11:94،95)

الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]

و أجلب الرّجل:نتجت ناقته سقبا،أو أتت إبله بالذّكور.و يقال في الدّعاء عليه:أجلبت و لا أحلبت، و الإحلاب ضدّه.

و الجلبة:الغيم الرّقيق،و كذلك الجلب.

و جلب الثّور و جلده:واحد.

و جلب الرّحل:نفس خشب الرّحل و أحناؤه و ما يؤسر به.

و الجالبة و الجوالب من الدّهر:حالات تجيء بآفات.

و الجلباب:ثوب واسع دون الرّداء،يقال:تجلببت.

و الجلب أيضا:ما يلبس من الثّياب،و جمعه:

أجلاب.

و الجلابيب:أغشية الخدور و القباب.

و الجلبّانة:العلجة الجافية من النّساء.

و رجل جلبّانة:سيّئ الخلق ضيّق الصّدر،و كذلك الجلبّانة بالكسر.

و الجلبّان في الحديث في أهل الحديبيّة:«صالحهم على أن يدخل هو و أصحابه ثلاثة أيّام لا يدخلها إلاّ بجلبّان السّلاح»فإنّه أوعيته بما فيها،مثل الغمد و السّيف.

و الجلب:صياح النّاس و جلبتهم،جلّبوا و أجلبوا.

و الجلبان،بوزن الصّلتان:الكثير الجلبة.

و الجالب:الّذي يصيح بما تأخّر من خيله،و جمعه:

جلاّب.

و أجلبت بماله:ذهبت به،و الّذي يطرد به:المجلب.

و الجلبة من الكلإ:المتفرّقة،و جمعها:جلب

ص: 683

و أجلب،و هي أيضا:بقايا أعسان الشّجر.

و جلبة العضاه:ورق الشّجر نفسه إذا تغيّر.

و جلب الجبال:شواهقها،الواحدة:جلبة.و إذا تراكم بعض الصّخر على بعض فلم يكن فيه طريق.

و الجلبة:الحديدة الصّغيرة الّتي يرفأ بها القدح، و هي مثل الضّبّة.و قطعة جلد رطب على رأس القتب فييبس عليه،و قطعة أدم تخرز على السّقاء.و هي للقوس أيضا،يقال:أجلبت على قوسك بسير إجلابا.

و الجلبة:كلب الزّمان.و هي الجوع أيضا، و العوذة الّتي يخرز عليها الجلد،و جمعها:جلب.

و المجلب:الّذي يتّخذ لفرسه جلبة.

و التّجليب:أن تأخذ صوفة فتلفّها على أخلاف النّاقة إذا أردت تغزيرها،ثمّ تطليها بطين أو بعجين أو خطميّ.

و الينجلب:من خرزات العرب،للحبّ و للبغض.

(7:113)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه صالح أهل الحديبيّة أن لا يدخلوا مكّة إلاّ بجلبّان السّلاح».

الجلبّان:شيء شبيه بالجراب من الأدم،يضع فيه الرّاكب سيفه بقرابه،و يضع فيه سوطه،يعلّقه الرّاكب من واسطة رحله أو من آخره.(1:578)

الجوهريّ: جلب الشّيء يجلبه و يجلبه جلبا و جلبا،و جلبت الشّيء إلى نفسي و اجتلبته بمعنى.

و الجلوبة:ما يجلب للبيع،و الجليب:الّذي يجلب من بلد إلى غيره.

و الجلبة:جليدة تعلو الجرح عند البرء،تقول منه:

جلب الجرح يجلب و يجلب،و أجلب الجرح مثله.

و الجلبة أيضا مثل الكلبة،و هي شدّة الزّمان،يقال:

أصابتنا جلبة الزّمان،و كلبة الزّمان.[ثمّ استشهد بشعرين]

و الجلبة أيضا:جلدة تجعل على القتب.

و الجلب و الجلب:سحاب رقيق ليس فيه ماء.[ثمّ استشهد بشعر]

و جلب الرّحل أيضا و جلبه:عيدانه.[ثمّ استشهد بشعر]

و جلب على فرسه يجلب بالضّمّ جلبا،إذا صاح به من خلفه و استحثّه للسّبق،و أجلب عليه مثله.

و أجلب قتبه:غشّاه بالجلبة،و هو أن يجعل عليه جلدة رطبة فطيرا ثمّ يتركها عليه حتّى تيبس.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجلبه،أي أعانه.و أجلبوا عليه،إذا تجمّعوا و تألّبوا،مثل أحلبوا.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجلب الرّجل،أي نتجت إبله ذكورا،لأنّه يجلب أولادها فتباع.و أحلب بالحاء،إذا نتجت إناثا.

و الجلباب:الملحفة.

و المصدر الجلببة،و لم تدغم لأنّها ملحقة بدحرجة.

و الجلب و الجلبة:الأصوات،تقول منه:جلّبوا بالتّشديد.

و الجلب الّذي جاء النّهي عنه،هو أن لا يأتي المصدّق القوم في مياههم لأخذ الصّدقات،و لكن يأمرهم بجلب نعمهم إليه.و يقال:بل هو الجلب في

ص: 684

الرّهان،و هو أن يركب فرسه رجلا،فإذا قرب من الغاية تبع فرسه،فجلّب عليه و صاح به ليكون هو السّابق، و هو ضرب من الخديعة.

و الجلب و الأجلاب:الّذين يجلبون الإبل و الغنم للبيع.

و الجلبان:الخلّر،و هو شيء يشبه الماش.(1:10)

ابن فارس: الجيم و اللاّم و الباء أصلان:أحدهما:

الإتيان بالشّيء من موضع إلى موضع،و الآخر:شيء يغشّي شيئا.

فالأوّل:قولهم:جلبت الشّيء جلبا.[إلى أن قال:]

و الأصل الثّاني:الجلبة:جلدة تجعل على القتب.

و الجلبة:القشرة على الجرح إذا برأ،يقال:جلب الجرح و أجلب.و جلب الرّحل:عيدانه؛فكأنّه سمّي بذلك على القرب.و الجلب:سحاب يعترض رقيق،و ليس فيه ماء.

و من هذا اشتقاق«الجلباب»و هو القميص، و الجمع:جلابيب.[ثمّ استشهد بشعر](1:469)

الثّعالبيّ: فإذا علته[الجرح]جلدة للبرء،قيل:

جلب يجلب،و أجلب يجلب.(150)

الضّوضاء:اجتماع أصوات النّاس و الدّوابّ،و كذلك الجلبة.(215)

و من الأنبجات:الجلاّب.السّكنجبين.الخلنجبين، الميبة.(306)

ابن سيده: الجلب:سوق الشّيء من موضع إلى آخر.

جلبه يجلبه،و يجلبه جلبا و جلبا،و اجتلبه.[ثمّ استشهد بشعرين]

و قد انجلب الشّيء،و استجلب الشّيء:طلب أن يجلب إليه.

و الجلب:ما جلب من خيل و إبل و متاع،و في المثل:

«النّفاض يقطّر الجلب»أي أنّه إذا أنفض القوم،أي نفدت أزوادهم،قطّروا إبلهم للبيع،و الجمع:أجلاب.

و عبد جليب:مجلوب،و الجمع:جلبى،و جلباء كما قالوا:قتلى،و قتلاء.

و الجليبة،و الجلوبة:ما جلب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلوبة:الإبل يحمل عليها متاع القوم،الواحد و الجميع فيه سواء.

و جلوبة الإبل:ذكورها.

و أجلب الرّجل:نتجت إبله ذكورا،يقال للمنتج:

أ أجلبت أم أحلبت؟أي أولدت إبلك جلوبة أم ولدت حلوبة،و هي الإناث؟

و الجلب،و الجلبة:اختلاط الصّوت.و قد جلب القوم يجلبون و يجلبون،و أجلبوا،و جلّبوا.

و جلّب على الفرس،و أجلب؛و جلب يجلب،قليلة:

زجره.

و قيل:هو إذا ركب فرسا و قاد خلفه آخر يستحثّه؛ و ذلك في الرّهان،و في الحديث:«لا جلب و لا جنب».

فالجلب:أن يتخلّف الفرس في السّباق فيحرّك وراءه الشّيء،يستحثّ فيسبق.و الجنب:أن يجنب مع الفرس الّذي يسابق به فرس آخر،فيرسل حتّى إذا دنا تحوّل راكبه على الفرس المجنوب،فأخذ السّبق.

و قيل:الجلب:أن يرسل في الحلبة فيجمع له جماعة

ص: 685

تصيح به ليردّ عن وجهه،و الجنب:أن يجنب فرس جامّ فيرسل من دون الميطان-و هو الموضع الّذي ترسل فيه الخيل-و هو مرح و الآخر معايا.

و زعم قوم أنّها في الصّدقة،و الجنب:أن تأخذ شاء هذا و لم تحلّ فيها الصّدقة فتجنّبها إلى شاء هذا،حتّى تأخذ منها الصّدقة.

و قوله:«و لا جلب»أي لا تجلب إلى المياه و لا إلى الأمصار،و لكن يتصدّق بها في مراعيها.

و رعد مجلّب:مصوّت.و غيث مجلّب:كذلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و امرأة جلاّبة،و مجلّبة،و جلبّانة،و جلبّانة، و جلبنانة،و جلبنانة:مصوّتة صخّابة كثيرة الكلام،سيّئة الخلق،و هذه اللّغات عامّتها عن الفارسيّ.[ثمّ استشهد بشعر]

قال ابن جنّيّ: ليست لام جلبّانة بدلا من راء جربّانة،يدلّك على ذلك:وجودك لكلّ واحد منهما أصلا و متصرّفا و اشتقاقا صحيحا،فأمّا جلبّانة:فمن الجلبة و الصّياح؛لأنّها الصّخابة.و أمّا جربّانة:فمن جرّب الأمور و تصرّف فيها؛أ لا تراهم قالوا:«تخصي حمارها» فإذا بلغت المرأة من البذلة و الحنكة إلى خصاء عيرها، فناهيك بها في التّجربة و الدّربة.و هذا وفق الصّخب و الضّجر،لأنّه ضدّ الحياء و الخفر.

و رجل جلبّان،و جلبّان:ذو جلبة.

و الجلبة:القشرة الّتي تعلو الجرح عند البرء.و قد جلب يجلب،و يجلب،و أجلب.

و الجلبة في الجبل:حجارة تراكم بعضها على بعض، فلم يكن فيه طريق تأخذ فيه الدّوابّ.

و الجلبة من الكلإ:قطعة متفرّقة ليست بمتّصلة.

و الجلبة:العضاه إذا اخضرّت و غلظ عودها و صلب شوكها.

و الجلبة:السّنة الشّديدة.

و قيل:الجلبة:شدّة الزّمان.

و الجلبة:شدّة الجوع.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجوالب:الآفات و الشّدائد.

و الجلبة:جلدة تجعل على القتب،و قد أجلب:[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلبة:حديدة تكون في الرّحل.و قيل:هو ما يؤسر به،سوى صفّته (1)و أنساعه.

و الجلبة:حديدة صغيرة يرقع بها القدح.

و الجلبة:العوذة تخرز عليها جلدة.

و جلبة السّكّين:الّتي تضمّ النّصاب على الحديدة.

و الجلب،و الجلب:الرّحل بما فيه،و قيل:خشبه بلا أنساع و لا أداة.

و الجلب،و الجلب:السّحاب الّذي لا ماء فيه، و قيل:هو السّحاب المعترض،تراه كأنّه جبل،[ثمّ استشهد بشعر]و الجمع:أجلاب.

و أجلب الرّجل:توعّد بشرّ،و جمع الجمع.و كذلك:

جلب يجلب جلبا،و في التّنزيل: وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ الإسراء:64،و قد قرئ:

(و اجلب) .

و الجلباب:القميص.ه.

ص: 686


1- الخليل :صنقه.

و الجلباب:ثوب واسع دون الملحفة تلبسه المرأة، و قيل:هو ما تغطّى به الثّياب من فوق كالملحفة،و قيل:

هو الخمار.و قد تجلبب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلباب:الملك.

و الجلباب:مثّل به سيبويه و لم يفسّره أحد،قال السّيرافيّ،و أظنّه يعني:الجلباب.

و الجلبّان من القطانيّ:معروف.

و الينجلب:خرزة يؤخّذ بها للرّجال.حكى اللّحيانيّ عن العامريّة أنّهنّ يقلن:«أخذته بالينجلب، فلا يرم و لا يغب،و لا يزل عند الطّنب».(7:435)

الطّوسيّ: فالاجتلاب:السّوق بجلبة من السّائق، و في المثل:«إذا لم تغلب فاجلب»يقال:جلب يجلب جلبا،و أجلب إجلابا،و اجتلب اجتلابا،و استجلب استجلابا،و جلّب تجليبا:مثل صوّت،و أصل الجلبة:

شدّة الصّوت،و به يقع السّوق.(6:499)

الرّاغب: أصل الجلب:سوق الشّيء،يقال:جلبت جلبا.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجلبت عليه:صحت عليه بقهر،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ الإسراء:

64،و الجلب المنهيّ عنه في قوله:«لا جلب»قيل:هو أن يجلب المصدّق أغنام القوم عن مرعاها فيعدّها.و قيل:

هو أن يأتي أحد المتسابقين بمن يجلب على فرسه،و هو أن يزجره و يصيح به،ليكون هو السّابق.

و الجلبة:قشرة تعلو الجرح،و أجلب فيه.

و الجلب:سحابة رقيقة تشبه الجلبة.

و الجلابيب:القمص و الخمر،الواحد:جلباب.(95) الزّمخشريّ: جلب الشّيء و أجتلبه،و الجالب مرزوق.و اشتر من الجلب،و عبد جليب.و طارت جلبة الجرح،و جلب الجراح،أي قشورها.و أجلب عليهم.و ما هذه الجلبة؟و ما هذا الجلب و اللّجب؟و أدنت عليها من جلبابها،و تجلببت،و جلببتها.

و من المجاز:جلبته جوالب الدّهر،و هذا ممّا يجلب الأحزان،و لكلّ قضاء جالب،و لكلّ درّ حالب.

(أساس البلاغة:61)

الجلب:بمعنى الجلبة،و هي التّصويت.

(الفائق 1:224)

الجلباب:الرّداء،و قيل:ثوب أوسع من الخمار، تغطّي به المرأة رأسها و صدرها.(الفائق 2:430)

المدينيّ: في حديث سالم:«قدم أعرابيّ بجلوبة فنزل على طلحة،رضي اللّه عنه،فقال طلحة:نهى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أن يبيع حاضر لباد».

[قيل:]الجلوبة:ما يجلب للبيع من رذال المال دون الكريم،و قال الأصمعيّ:هي الإبل من أيّ جنس كانت.

يقال:جلب يجلب و يجلب جلبا و جلبا،فهو جالب و جلاّب،و ذلك جلب للمجلوبة.و هذا هو المعنيّ بالحديث،كأنّه أراد أن يبيعها له طلحة،فلذلك روى له الحديث.

في حديث مالك:«تؤخذ الزّكاة من الجلبان».

الجلبان:حبّ كالماش،و يقال له:الخلّر،الواحد:جلبانة، و قيل:غير ذلك.(1:338)

ابن الأثير: و في حديث عليّ رضي اللّه عنه:«أراد أن يغالط بما أجلب فيه»يقال:أجلبوا عليه،إذا تجمّعوا

ص: 687

و تألّبوا.و أجلبه:أعانه.و أجلب عليه،إذا صاح به و استحثّه.

و منه حديث العقبة:«إنّكم تبايعون محمّدا على أن تحاربوا العرب و العجم مجلبة»أي مجتمعين على الحرب، هكذا جاء في بعض الرّوايات بالباء،و الرّواية بالياء تحتها نقطتان.[ثمّ ذكر أحاديث و قد سبقت](1:282)

الفيّوميّ: جلبت الشّيء جلبا،من بابي«ضرب و قتل».و الجلب بفتحتين«فعل»بمعنى«مفعول»و هو ما تجلبه من بلد إلى بلد.

و جلب على فرسه جلبا،من باب«قتل»بمعنى استحثّه للعدو بوكز أو صياح أو نحوه؛و أجلب عليه بالألف لغة.

و في حديث:«لا جلب و لا جنب»بفتحتين فيهما، فسّر بأنّ ربّ الماشية لا يكلّف جلبها إلى البلد،ليأخذ السّاعي منها الزّكاة،بل تؤخذ زكاتها عند المياه.[إلى أن قال:]

و الجلباب:ثوب أوسع من الخمار و دون الرّداء.

و تجلببت المرأة:لبست الجلباب.

و الجلبان:حبّ من القطانيّ،ساكن اللاّم.و بعضهم يقول سمع فيه فتح اللاّم مشدّدة.(1:104)

الفيروزآباديّ: جلبه يجلبه و يجلبه جلبا و جلبا، و اجتلبه:ساقه من موضع إلى آخر،فجلب هو و انجلب.

و استجلبه:طلب أن يجلب له.

و الجلب محرّكة:ما جلب من خيل أو غيرها كالجليبة و الجلوبة،الجمع:أجلاب.

و اختلاط الصّوت كالجلبة،جلبوا يجلبون و يجلبون و أجلبوا و جلّبوا.

و«لا جلب و لا جنب»هو أن يرسل في الحلبة فيجتمع له جماعة تصيح به ليردّ عن وجهه،أو هو أن لا تجلب الصّدقة إلى المياه و الأمصار،و لكن يتصدّق بها في مراعيها،أو أن ينزل العامل موضعا ثمّ يرسل من يجلب إليه الأموال من أماكنها ليأخذ صدقتها،أو أن يتبع الرّجل فرسه فيركض خلفه و يزجره و يجلب عليه.

و جلب لأهله:كسب و طلب و احتال كأجلب، و على الفرس:زجره كجلّب و أجلب.

و عبد جليب:مجلوب،الجمع:جلبى و جلباء كقتلى و قتلاء.

و امرأة جليب:من جلبى و جلائب.

و الجلوبة:ذكور الإبل أو الّتي يحمل عليها متاع القوم،الجمع و الواحد سواء.

و رعد مجلّب:مصوّت،و امرأة جلاّبة و مجلّبة و جلبّانة و جلبنانة و جلبنانة:مصوّتة صخّابة مهذارة سيّئة الخلق،و رجل جلبّان و جلبّان:ذو جلبة.

و جلب الدّم:يبس و توعّد بشرّ،أو جمع الجمع كأجلب في الكلّ،و على فرسه:صاح،و الجرح:برأ يجلب و يجلب في الكلّ،و كسمع:اجتمع.

و الجلبة بالضّمّ:القشرة تعلو الجرح عند البرء، و القطعة من الغيم،و الحجارة تراكم بعضها على بعض فلم يبق فيها طريق للدّوابّ،و القطعة المتفرّقة من الكلإ،و السّنة الشّديدة،و العضاه المخضرّة،و شدّة الزّمان،و الجوع،و جلدة تجعل على القتب،و حديدة تكون في الرّحل،و حديدة يرقع بها القدح،و العوذة

ص: 688

تخرز عليها جلدة،و من السّكّين:الّتي تضمّ النّصاب على الحديدة،و الرّوبة تصبّ على الحليب،و البقعة، و بقلة.

و الجلب:الجناية جلب كنصر،و بالكسر:الرّحل بما فيه،أو غطاؤه،و خشبه بلا أنساع و أداة.

و بالضّمّ و يكسر:السّحاب لا ماء فيه،أو المعترض كأنّه جبل.

و بالضّمّ:سواد اللّيل،و موضع.

و الجلباب كسرداب و سنمّار:القميص،و ثوب واسع للمرأة دون الملحفة،أو ما تغطّي به ثيابها من فوق كالملحفة،أو هو الخمار،و جلببه فتجلبب،و الملك.

و الجلنباة:السّمينة.

و الجلاّب كزنّار:ماء الورد معرّب،و قرية بالرّهى، و نهر،و عليّ بن محمّد الجلاّبيّ مؤرّخ.

و أجلب قتبه:غشّاه بالجلد الرّطب حتّى يبس، و فلانا:أعانه،و القوم:تجمّعوا،و جعل العوذة في الجلبة،و ولدت إبله ذكورا.

و جلّيب كسكّيت:موضع.

و الجلبّان:نبت،و يخفّف.

و الجراب:من الأدم أو قراب الغمد.

و الينجلب:خرزة للتّأخيذ أو للرّجوع بعد الفرار.

و التّجليب:المنع،و أن تؤخذ صوفة فتلقى على خلف النّاقة،فتطلى بطين أو نحوه،لئلاّ ينهزه الفصيل.

و الدّائرة المجتلبة،و يقال:دائرة المجتلب:من دوائر العروض،سمّيت لكثرة أبحرها،أو لأنّ أبحرها مجتلبة.(1:48)

الطّريحيّ: الجلابيب:جمع جلباب،و هو ثوب واسع،أوسع من الخمار و دون الرّداء،تلويه المرأة على رأسها،و تبقي منه ما ترسله على صدرها.

و الجلاّب:الّذي يشتري الغنم و غيرها من القرى، و يجيء بها و يبيعها بالمدينة،و يتوسّع به فيطلق أيضا على الّذي يجلب الأرزاق إلى البلدان،و منه:«الجالب مرزوق و المحتكر ملعون».

و في الحديث:«لا بأس أن يبيع الرّجل الجلب»و هو الّذي يجلب من بلد إلى بلد.

و فيه أيضا:«لا تتلقّوا الجلب»أي المجلوب الّذي جاء من بلدة للتّجارة.

و في حديث مكّة:«إنّ الحطّابين و المجتلبة أتوا النّبيّ، فأذن لهم أن يدخلوها حلالا».و المراد بالمجتلبة:الّذين يجلبون الأرزاق.

و في الحديث:«إذا صار التّلقّي أربع فراسخ فهو جلب».

و جلبة الرّجال بفتح الثّلاثة:اختلاط الأصوات.

(2:23-25)

المصطفويّ: إنّ الأصل الواحد في كلمة«الجلب»:

هو السّوق من جانب إلى جانب آخر،و الإتيان بشيء من محلّ إلى محلّ آخر.

و هذا المعنى تختلف خصوصيّاته بالصّيغ و بضميمة الحروف.فيقال:جلب الشّيء،أي ساقه.و جلبت عليه،أي استحثّه للعدو،و أجلبه،أي أعانه.فإنّ «على»تدلّ على الاستعلاء و التّسلّط،و صيغة«إفعال» على التّعدية،أي جعله جالبا،و هو معنى التّقوية

ص: 689

و الإعانة.

و أمّا الجلبة،فهي«فعلة»بمعنى ما يجلب،كالقشرة المطلوبة في الجرح حتّى يتحقّق البرء،و الجلدة تجعل على القتب لمحافظته،فهي ما يجلب حصولها بعد تماميّة القتب أو الرّحل.

و أمّا الجلباب،فهو مصدر كدحراج.و أصل جلبب:

ثلاثيّ،ثمّ ألحق بتكرير اللاّم بالرّباعيّ.و تكرير اللاّم يدلّ على دوام الجلب و استمراره،إلى أن يلازم من يجلبه،و هذا هو معنى الجلباب.

فالتّعبير بالمصدر في مقام إرادة الذّات،يدلّ على المبالغة في مفهومه،و الزّيادة:تدلّ على زيادة معنى الجلب،و الزّيادة في الآخر:تدلّ على الاستمرار.

و مفهوم«الجلب»:يقتضي التّماميّة،فيدلّ على أنّ «الجلب»إنّما يتحقّق بعد تماميّة الجالب من جهة اللّوازم الأوّليّة،فلا يقال:إنّ القميص أو الخمار أو نحوهما من الملابس الضروريّة،موارد لمفهوم الجلب.

فظهر بهذه القرائن أنّ«الجلباب»هو ما قيل:إنّه ما يغطّي الثّياب،و يستر البدن و الثّياب معا،و الملاءة:

الّتي يشتمل بها،و الملحفة،و الرّداء:الّذي يستر تمام البدن،و يلبس فوق الثّياب.

فالجلباب بهذا المعنى،هو الّذي يقتضيه و يجلبه حجاب المرأة و سترها،كما أنّ الفقر يقتضي الاشتمال بالصّبر و إحاطته على الفقير،و محجوبيّة المرأة و عفّتها تقتضي أن تجلبب بالبيت،و البيت جلبابها.

فحقيقة الجلباب:هي ما يجلب و يلازم،و يغطّي الجالب.[ثمّ ذكر الآيات](2:99)

النّصوص التّفسيريّة

اجلب

وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ... الإسراء:64

ابن الأعرابيّ: أي أجمع عليهم و توعّدهم بالشّرّ.

(الأزهريّ 11:91)

الطّبريّ: و أجمع عليهم من ركبان جندك و مشاتهم من يجلب عليهم بالدّعاء إلى طاعتك، و الصّرف عن طاعتي.(15:118)

الزّجّاج: أي أجمع عليهم كلّ ما تقدر عليه من مكايدك.(3:250)

مثله السّجستانيّ(108)،و نحوه الخازن(4:136).

الجصّاص :إنّ الإجلاب هو السّوق بجلبة من السّائق.و الجلبة:الصّوت الشّديد.(3:205)

الماورديّ: و الجلب هو السّوق بجلبة من السّائق، و في المثل:إذا لم تغلب فأجلب.(3:255)

البغويّ: يقال:أجلبوا و جلبوا،إذا صاحوا،يقول:

صح بخيلك و احثثهم بالإغواء.(3:142)

نحوه البيضاويّ.(1:591)

الميبديّ: أي صح عليهم،و أصله:الجلبة،و هي شدّة الصّوت،و المعنى احثثهم عليهم بالإغواء و الدّعاء إلى طاعتك،و الصّدّ عن طاعتي.(5:578)

الزّمخشريّ: (و اجلب)من الجلبة،و هي الصّياح.(2:456)

نحوه أبو السّعود(4:144)،و القاسميّ

ص: 690

(10:3947)،و المراغيّ(15:68).

ابن عطيّة: أي هوّل،و الجلبة:الصّوت الكثير المختلط الهائل.

و قرأ الحسن: (و اجلب) بوصل الألف،و ضمّ اللاّم.

(3:470)

الطّبرسيّ: أي أجمع عليهم ما قدرت عليه من مكايدك و أتباعك و ذرّيّتك و أعوانك.(3:426)

الفخر الرّازيّ: قوله: وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ معناه على قول الفرّاء:صح عليهم بخيلك و رجلك،و على قول الزّجّاج:أجمع عليهم كلّ ما تقدر عليه من مكايدك؛ و تكون الباء في قوله:(بخيلك)زائدة على هذا القول.

و على قول ابن السّكّيت:معناه أعن عليهم بخيلك و رجلك،و مفعول الإجلاب-على هذا القول-محذوف، كأنّه يستعين على إغوائهم بخيله و رجله،و هذا أيضا يقرب من قول ابن الأعرابيّ.(21:6)

القرطبيّ: أصل الإجلاب:السّوق بجلبة من السّائق،يقال:أجلب إجلابا.و الجلب و الجلبة:

الأصوات،تقول منه:جلّبوا بالتّشديد.و جلب الشّيء يجلبه و يجلبه جلبا و جلبا.و جلبت الشّيء إلى نفسي و اجتلبته،بمعنى.

و أجلب على العدوّ إجلابا،أي جمّع عليهم،فالمعنى أجمع عليهم كلّما تقدر عليه من مكايدك.(10:288)

النّسفيّ: أجمع و صح بهم،من الجلبة و هو الصّياح.

(2:320)

ابن كثير :و احمل عليهم بجنودك خيالتهم و رجلتهم.[إلى أن قال:]

و معناه تسلّط عليهم بكلّ ما تقدر عليه،و هذا أمر قدريّ.(4:325)

البروسويّ: في«الكواشي»جلب و أجلب واحد، بمعنى الحثّ و الصّياح،أي صح عليهم بأعوانك و أنصارك.(5:181)

طنطاوي: هذا تمثيل لسلطته على من يغويهم برجل مغير صاح على قوم،فاستفزّهم من أماكنهم، و أجلب عليهم بجنده حتّى استأصلهم.(9:76)

عزّة دروزة :الإجلاب بمعنى السّوق،أو الهجوم بشدّة و ضجّة.(3:249)

عبد الكريم الخطيب :أي أجمع أمرك،و ادع كلّ ما تملك من قوّة.و أجلب القوم:جاءوا من كلّ صوب؛و منه«الجلب»و هم التّجّار الواردون على السّوق.(8:518)

مكارم الشّيرازيّ: (أجلب)مأخوذ من«إجلاب» و في الأصل من«جلبة»و هي تعني الصّرخة الشّديدة، و الأجلاب تعني الطّرد مع الأصوات و الصّرخات.

و أمّا النّهي عن«الجلب»الوارد في الرّوايات،فهو إمّا أن يعني أنّ الّذي يذهب إلى المزارع لجمع الزّكاة، يجب عليه أن لا يصيح و يصرخ،بحيث يخيف الأحياء، أو أنّه يعني أنّ على المتسابقين عند سباق الخيل أن لا يصرخوا في وجوه الخيل الأخرى،حتّى تكون لهم الأسبقيّة.(9:47)

المصطفويّ: أي اجعل نفسك متهيّأ،و تجمّع عليهم.

و مرجع التّجمّع و التّألّب عليه إلى جلب النّفس،

ص: 691

ليتجمّع عليه،بالخيل و الرّجل.(2:101)

جلابيبهنّ

يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَ بَناتِكَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ... الأحزاب:59

ابن مسعود:إنّ الجلباب:الرّداء.

مثله الحسن.(الماورديّ 4:423)

ابن عبّاس: من جلبابهنّ،و هي المقنعة و الرّداء.

(357)

أمر اللّه نساء المؤمنين إذا خرجن من بيوتهنّ في حاجة،أن يغطّين وجوههنّ من فوق رءوسهنّ بالجلابيب،و يبدين عينا واحدة.(الطّبريّ 22:46)

نحوه السّدّيّ.(368)

كانت الحرّة تلبس لباس الأمة،فأمر اللّه نساء المؤمنين أن يدنين عليهنّ من جلابيبهنّ،و إدناء الجلباب:أن تقنّع و تشدّ على جبينها.

نحوه قتادة.(الطّبريّ 22:46)

الجلابيب:جمع جلباب،و هو خمار المرأة،و هي المقنعة تغطّي جبينها و رأسها إذا خرجت لحاجة،بخلاف خروج الإماء اللاّتي يخرجن مكشّفات الرّءوس و الجباه.

مثله مجاهد.(الطّوسيّ 8:361)

الرّداء الّذي يستر من فوق إلى أسفل.

(الزّمخشريّ 3:274)

عبيدة السّلمانيّ: أن تضع رداءها فوق الحاجب ثمّ تديره حتّى تضعه على أنفها.(الزّمخشريّ 3:274)

سعيد بن جبير:إنّه القناع.(الماورديّ 4:423)

الحسن :الجلابيب:الملاحف تدنيها المرأة على وجهها.(الطّوسيّ 8:361)

الكسائيّ: يتقنّعن بملاحفهنّ،منضمّة عليهنّ.

(الزّمخشريّ 3:274)

قطرب: إنّه كلّ ثوب تلبسه المرأة فوق ثيابها.

(الماورديّ 4:424)

الجبّائيّ: أراد بالجلابيب:الثّياب و القميص و الخمار و ما تستتر به المرأة.

مثله أبو مسلم الأصفهانيّ.(الطّبرسيّ 4:370)

البغويّ: جمع الجلباب،و هو الملاءة الّتي تشتمل بها المرأة فوق الدّرع و الخمار.(3:664)

مثله الميبديّ(8:89)،و الخازن(5:227)، و طنطاوي(16:38).

الزّمخشريّ: الجلباب:ثوب واسع أوسع من الخمار و دون الرّداء،تلويه المرأة على رأسها و تبقي منه ما ترسله على صدرها.

فإن قلت:ما معنى(من)في(من جلابيبهنّ)؟

قلت:هو للتّبعيض إلاّ أنّ معنى التّبعيض محتمل وجهين:

أحدهما:أن يتجلببن ببعض ما لهنّ من الجلابيب، و المراد أن لا تكون الحرّة مبتذلة في درع و خمار كالأمة و الماهنة،و لها جلبابان فصاعدا في بيتها.

و الثّاني:أن ترخي المرأة بعض جلبابها و فضله على وجهها تتقنّع،حتّى تتميّز من الأمة.(3:274)

ابن عطيّة: و الجلباب:ثوب أكبر من

ص: 692

الخمار.(4:399)

القرطبيّ: [بعد نقل أقوال المفسّرين قال:]

و الصّحيح أنّه الثّوب الّذي يستر جميع البدن.

(14:243)

البيضاويّ: يغطّين وجوههنّ و أبدانهنّ بملاحفهنّ إذا برزن لحاجة.و(من)للتّبعيض،فإنّ المرأة ترخي بعض جلبابها و تتلفّع ببعض.(2:252)

نحوه أبو السّعود(5:239)،و البروسويّ(7:240).

النّيسابوريّ: و معنى التّبعيض في مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ أن يكون للمرأة جلابيب فتقتصر على واحد منها،أو أريد طرف من الجلباب الّذي لها.و كانت النّساء في أوّل الإسلام على عادتهنّ في الجاهليّة مبتذلات يبرزن في درع و خمار من غير فصل بين الحرّة و الأمة،فأمرن بلبس الأردية و الملاحف و ستر الرّأس و الوجوه.(22:30)

أبو حيّان :و الجلابيب:الأردية الّتي تستر من فوق إلى أسفل[إلى أن قال:]

و الظّاهر أنّ قوله: وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يشمل الحرائر و الإماء.و الفتنة بالإماء أكثر لكثرة تصرّفهنّ بخلاف الحرائر،فيحتاج إخراجهنّ من عموم النّساء إلى دليل واضح.

و(من)في(من جلابيبهنّ)للتّبعيض،و(عليهنّ) شامل لجميع أجسادهنّ،أو(عليهنّ):على وجوههنّ، لأنّ الّذي كان يبدو منهنّ في الجاهليّة هو الوجه.

(7:250)

الشّربينيّ: و الجلباب:القميص،و ثوب واسع دون الملحفة تلبسه المرأة،و الملحفة:ما ستر اللّباس، و الخمار و هو كلّ ما غطّى الرّأس.و قال البغويّ:الجلباب:

الملاءة الّتي تشتمل بها المرأة فوق الدّرع و الخمار،و قال حمزة الكرمانيّ:قال الخليل:كلّ ما يستر به من دثار و شعار و كساء فهو جلباب.

و الكلّ تصحّ إرادته هنا،فإن كان المراد القميص فإدناؤه إسباغه حتّى يغطّي بدنها و رجليها،و إن كان ما يغطّي الرّأس فإدناؤه ستر وجهها و عنقها،و إن كان المراد ما يغطّي الثّياب فإدناؤه تطويله و توسيعه؛بحيث يستر جميع بدنها و ثيابها،و إن كان المراد ما دون الملحفة، فالمراد ستر الوجه و اليدين.(3:271)

الآلوسيّ: [راجع:«د ن و»](22:88)

الطّباطبائيّ: الجلابيب:جمع جلباب،و هو ثوب تشتمل به المرأة،فيغطّي جميع بدنها،أو الخمار الّذي تغطّي به رأسها و وجهها.(16:339)

ابن عاشور :و الجلابيب:جمع جلباب،و هو ثوب أصغر من الرّداء،و أكبر من الخمار و القناع،تضعه المرأة على رأسها،فيتدلّى جانباه على عذاريها،و ينسدل سائره على كتفها و ظهرها،تلبسه عند الخروج و السّفر.

و هيئات لبس الجلابيب مختلفة باختلاف أحوال النّساء تبيّنها العادات.(21:328)

الصّابونيّ: [بعد نقل أقوال بعض اللّغويّين و المفسّرين قال:]

و الخلاصة:فإنّ الجلباب هو الّذي يستر جميع بدن المرأة،و هو يشبه الملاءة-الملحفة-المعروفة في زماننا.

(2:375)

ص: 693

الأمر بالحجاب إنّما جاء بعد أن استقرّ أمر الشّريعة على وجوب ستر العورة،فلا بدّ أن يكون السّتر المأمور به هنا زائدا على ما يجب من ستر العورة،و لهذا اتّفقت عبارات المفسّرين-على اختلاف ألفاظها-على أنّ المراد بالجلباب:الرّداء الّذي تستر به المرأة جميع بدنها فوق الثّياب،و هو ما يسمّى في زماننا بالملاءة،أي الملحفة،و ليس المراد ستر العورة،كما ظنّ بعض النّاس.

في هذا التّفصيل و التّوضيح:(أزواجك،بناتك، نساء المؤمنين)ردّ صريح على الّذين يزعمون أنّ الحجاب إنّما فرض على أزواج النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم خاصّة.فإنّ قوله تعالى: وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يدلّ دلالة قاطعة على أنّ جميع نساء المؤمنين مكلّفات بالحجاب،و أنّهنّ داخلات في هذا الخطاب العامّ الشّامل،فكيف يزعمون أنّ الحجاب لم يفرض على المرأة المسلمة؟!(2:378)

مكارم الشّيرازيّ: أمّا المراد من«الجلباب»فقد ذكر المفسّرون و أرباب اللّغة عدّة معان له:

1-أنّه الملحفة،و هي قماش أطول من الخمار،يغطّي الرّأس و الرّقبة و الصّدر.

2-أنّه المقنعة و الخمار.

3-أنّه القميص الفضفاض الواسع.

و مع أنّ هذه المعاني تختلف عن بعضها،إلاّ أنّ العامل المشترك فيها أنّها تستر البدن.

و تجدر الإشارة إلى أنّ«الجلباب»يقرأ بكسر الجيم و فتحها.إلاّ أنّ ما يبدو أظهر هو أنّ المراد:الحجاب الّذي يكون أكبر من الخمار و أقصر من العباءة،كما ذكر صاحب«لسان العرب».(13:322)

المصطفويّ: أي لبس الجلباب أقرب من المعروفيّة بالعفّة و التّقوى و المحجوبيّة،فيعرفن به و لا يؤذين.

فالمراد من المعروفيّة:التّعرّف بالتّقوى و الحجاب، لا التّعرّف الشّخصيّ،فإنّ التّعرّف الشّخصي يتحقّق كاملا بدون الجلباب،و الجلباب مانع عن ذلك التّعرّف.

و هذا دليل آخر على أنّ المراد من«الجلباب» ما يغطّي بدنه و ثيابه،حتّى يتحقّق المحجوبيّة و التّقوى و السّتر الكامل،و يعرفن بها.

و أمّا صيغة الجمع(جلابيب)فهي باعتبار جماعة النّساء و في مقابلها.و أمّا كلمة«من»الدّالّة على التّبعيض،فباعتبار لزوم التّستّر بواحد من الجلابيب.

(2:100)

راجع«د ن و».

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:السّوق،و التّغطية،فمن الأوّل:الجلب؛يقال:جلب الشّيء يجلبه و يجلبه جلبا فانجلب،و اجتلبه،أي ساقه من موضع إلى آخر، و استجلبه:طلب أن يجلب إليه.

و الجلب:ما جلب من خيل و إبل و سبي و متاع،و هو الّذي يجلبها أيضا،و الجمع:أجلاب،يقال:جلبت الشّيء أجلبه جلبا.

و الجليب:الّذي يجلب من بلد إلى غيره،يقال:عبد جليب،و امرأة جليب أيضا،و الجمع:جلبى لكليهما، و جلباء للأوّل و جلائب للثّاني،و الجليبة:ما جلب.

ص: 694

و الجلوبة:ما يجلب للبيع،نحو:النّاب و الفحل و القلوص،يقال:هل لك في إبلك جلوبة؟يعني شيئا جلبته للبيع.و الجلوبة:الإبل يحمل عليها متاع القوم، و هي ذكورها أيضا،يقال:أ أجلبت أم أحلبت؟أي أولدت إبلك جلوبة أم ولدت حلوبة-و الحلوبة:الإناث- و الجمع:جلائب.

و أجلب الرّجل:نتجت إبله ذكورا؛إذ تجلب أولادها فتباع،و يقال للدّعاء عليه:أجلبت و لا أحلبت،أي كان نتاج إبلك ذكورا لا إناثا،ليذهب لبنه.و منه:جلب الرّجل يجلب جلبا،و أجلبه:توعّده شرّا.

و جلب لأهله يجلب و أجلب:كسب و طلب و احتال،لأنّه يسوق إليهم ما يقتاتون به.

و الجلب:الجناية على الإنسان،و قد جلب عليه، لأنّه شيء يجلب عليه و يساق إليه،كالجرح و الاجتراح.

و الجلب و الجلبة:اختلاط الصّوت؛يقال:جلب القوم يجلبون و يجلبون،و أجلبوا و جلّبوا.و أجلب على الفرس و جلّب،و جلب يجلب جلبا:زجره و صاح به من خلفه و استحثّه للسّبق.

و رجل جلبّان و جلبّان:ذو جلبة،و امرأة جلاّبة و مجلّبة و جلبّانة و جلبّانة و جلبنانة و جلبنانة:ذات جلبة و سيّئة الخلق.و رعد مجلّب،و كذا غيث مجلّب:مصوّت.

و من الثّاني:الجلبة:الجلدة الّتي تغشّى التّميمة، لأنّها كالغشاء للقراب،و هي أيضا الجلدة الّتي توضع على القتب،و قد أجلب قتبه:غشّاه بالجلبة.

و جلبان و جلبّان السّلاح:القراب بما فيه،مشتقّ من الجلبة.

و الجلبة:القشرة الّتي تعلو الجرح عند البرء،و قد جلب يجلب و يجلب و أجلب.و جلب الدّم و أجلب:

يبس،و قرحة مجلبة و جالبة،و قروح جوالب و جلّب.

و الجلبة:الغيم،على التّشبيه بجلبة الجرح أو القتب، يقال:ما في السّماء جلبة،أي غيم يطبّقها.

و جلبة السّكّين:الّتي تضمّ النّصاب على الحديدة.

و الجلب و الجلب:سحاب رقيق لا ماء فيه،و الجمع:

أجلاب.

و الجلب و الجلب أيضا:الرّحل بما فيه،لأنّه يغطّي ظهر الدّابّة،و قيل:جلب الرّحل:غطاؤه،و جلبه:

عيدانه.

و التّجليب:أن تؤخذ صوفة،فتلقى على خلف النّاقة ثمّ تطلى بطين أو عجين،لئلاّ ينهزها الفصيل،يقال:

جلّب ضرع حلوبتك،و جلّبته عن كذا و كذا تجليبا:

منعته.

و منه أيضا:الجلباب،و هو قميص أو ملحفة أو خمار تغطّي به المرأة رأسها و صدرها،و الجمع:جلابيب، يقال:تجلببت المرأة،أي لبست الجلباب،و جلببه إيّاه:

ألبسه الجلباب.

و الجلباب:اسم على وزن«فعلال»،مثل:قنطار و شملال،و الجلببة:مصدر على وزن«فعللة»و هو ملحق بما جاء على هذا الوزن،مثل:دحرجة و زلزلة،و لو لا ذلك لأدغمت الباء الأولى في الثّانية،فيصبح«جلبّة»، و هذا ينبئ عن زيادة الباء الثّانية،فيعضد قول من ذهب

ص: 695

هذا المذهب دون الأولى.

2-و زعم«آرثر جفري»أنّ اشتقاق«الجلباب»من «ج ل ب»صعب بعيد الملتمس،و قال:«يظهر أنّ الجلباب مفردة قديمة معرّبة،لأنّها استعملت في الشّعر العربيّ القديم».و اعتبره«نولدكه»لفظا حبشيّا،يعني الرّداء و اللّبّادة،رغم اعترافه بوروده في النّصوص القديمة كثيرا.

و يبدو أنّ اختلاف اللّغويّين في وصف الجلباب قد أغرى المستشرقين باعتساف هذا القول،بيد أنّهم اتّفقوا جميعا على كونه غطاء،يختلف وصفه و حاله باختلاف المكان و الزّمان،كاختلافهم في وصف الإبريق،و اتّفاقهم جميعا على أعجميّته.

3-و قد دخلت هذه المادّة معاني أخرى تصحيفا أو إبدالا،أمّا التّصحيف فقولهم:أجلبوا عليه،و هو من «ح ل ب»،يقال:حلب القوم يحلبون حلبا و حلوبا،أي اجتمعوا و تألّبوا من كلّ وجه،و نحوه:أحلب بنو فلان مع بني فلان،أي جاءوا أنصارا لهم،و المحلب:

النّاصر،و حالبت الرّجل:نصرته و عاونته.

و من الإبدال:الجلبة و الكلبة:القحط و الشّدّة، و جلبة الزّمان و كلبته:شدّته.

و الجلبة و الكلبة:ما يؤسر به،يقال:أسير مكلّب، أي مشدود بالقدّ،و كلب عليه القدّ:أسر به فيبس و عضّه.

و الجلبة و الكلبة أيضا:عضاه شاكة.و كلّ ذلك من «ك ل ب»لأنّ أصله الكلب،الحيوان المعروف،و هو يدلّ-كما قال ابن فارس-على تعلّق الشّيء بالشّيء في شدّة،و شدّة جذب.

و في الحديث:«كان إذا اغتسل دعا بشيء مثل الحلاب»،أي ما يحلب فيه الغنم كالمحلب،كما روي بالجيم«الجلاّب»،أي ماء الورد،و هو معرّب«گلاب» الفارسيّ،و لكنّ لغة«الحاء»أنسب.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظان:فعل أمر ثلاثيّا من باب الإفعال في آية مكّيّة،و اسم مجموعا رباعيّا في آية مدنيّة:

1- وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ وَ شارِكْهُمْ فِي الْأَمْوالِ وَ الْأَوْلادِ وَ عِدْهُمْ وَ ما يَعِدُهُمُ الشَّيْطانُ إِلاّ غُرُوراً الإسراء:64

2- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ وَ بَناتِكَ وَ نِساءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ ذلِكَ أَدْنى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَ كانَ اللّهُ غَفُوراً رَحِيماً

الأحزاب:59

يلاحظ أوّلا:أنّ في(1)بحوثا:

1-قالوا في وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ :أجمع عليهم،صح عليهم،احثثهم بالإغواء،هوّل عليهم بالإغواء،هوّل عليهم،أجمع و صح بهم،احمل عليهم بجنودك،تسلّط عليهم بكلّ ما تقدر عليه،أجمع أمرك و ادع كلّ ما تملك من قوّة،أجمع نفسك متهيّأ،و تجمّع عليهم.و كلّها تفسير باللّوازم.و أصل المعنى:سوق المذكورات عليهم بجمعهم و حثّهم و حملهم و الصّيحة و نحوها،و السّوق أحد أصلين،ذكرهما ابن فارس لهذه المادّة،و جاء في كلام كثير منهم.

ص: 696

2-قال طنطاوي:«هذا تمثيل لسلطته على من يغويهم برجل مغير صاح على قوم فاستفزّهم من أماكنهم،و أجلب عليهم بجنده حتّى استأصلهم».و بناء عليه فالآية تمثيل و تشبيه جمعيّ لطرق إغواء الشّيطان من يغويهم،فلا تحمل الألفاظ على حقيقتها،و هو حقّ لا بأس به.

3-الآية جاءت عقيب قول الشّيطان،بعد الرّجم و الطّرد من قبل اللّه: أَ رَأَيْتَكَ هذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لَأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إِلاّ قَلِيلاً الإسراء:62،و بعد قول اللّه له: اِذْهَبْ فَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزاؤُكُمْ جَزاءً مَوْفُوراً الإسراء:63،فالأمر بالاستفزاز و الإجلاب عليهم و بالإشراك في الأموال و الأولاد،و بوعدهم غرورا،كلّها بيان لما يفعل الشّيطان بمن تبعه.و الأمر فيها للتّقريع،دون الإيجاب و التّكليف.

و توضّحه الآية بعدها: إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَ كَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً الإسراء:65،أي أنّ اللّه كفيل بحفظ عباده من إغواء الشّيطان،دون من اتّبعه بهواه.قال ابن كثير:«و هذا أمر قدريّ»أي فرضيّ و تقديريّ،كأنّه أمره اللّه بذلك.

ثانيا:في(2)بحوث أيضا:

1-أنّها جاءت عقيب آيتين،فيهما ذكر الّذين يؤذون اللّه و رسوله و المؤمنين و المؤمنات،و هم المنافقون الّذين جاء ذكرهم في آيات بعدها؛حيث أنذرهم بالأخذ و التّقتيل بكلّ مكان: أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا وَ قُتِّلُوا تَقْتِيلاً الأحزاب:61،فيبدو أنّ للآية علاقة بما كان المنافقون يؤذون به المؤمنات،و هذا ما قاله الطّبرسيّ من أنّهم كانوا يؤذون الإماء،لأنّهنّ كنّ مكشوفات الرّءوس و الجباه،و كانوا قد يعترضون للحرائر،و ادّعوا أنّهم حسبوهنّ إماء،فأمر اللّه الحرائر بإدناء جلابيبهنّ، ليعرفن أنّهنّ حرائر،فلا يؤذين،حسما لكيد المنافقين.

و قال النّيسابوريّ:«كانت النّساء في أوّل الإسلام على عادتهنّ في الجاهليّة مبتذلات يبرزن في درع و خمار، من غير فصل بين الحرّة و الأمة،فأمرن بلبس الأردية و الملاحف،و ستر الرّأس و الوجوه».

2-الجلابيب:جمع جلباب،و اتّفقت كلمتهم في أنّه ما يستر المرأة،و اختلفت في وصفه:هل هو مقنعة،أو خمار أو رداء يستر من فوق إلى أسفل،أو الثّياب و القميص و الخمار و ما تستتر به المرأة،أو الملاءة الّتي تشتمل بها المرأة فوق الدّرع و الخمار،أو هو ثوب واسع أوسع من الخمار و دون الرّداء،تلويه المرأة على رأسها، و تبقي منه ما ترسله على صدرها،أو ثوب أكبر من الخمار،أو الثّوب الّذي يستر جميع البدن،أو القميص، و ثوب واسع دون الملحفة،و الملحفة:ما ستر اللّباس و الخمار،و هو كلّ ما غطّى الرّأس،أو كلّ ما يستر به من دثار و شعار و كساء فهو جلباب،أو هو مردّد بين ما يشمل جميع البدن،أو الخمار الّذي يغطّي الرّأس و الوجه،أو الجلابيب مختلفة باختلاف أحوال النّساء و العادات.

و نقول:لعلّ الاختلاف في توصيف الجلابيب نشأ من اختلاف العادات،حسب الأزمنة و الأمكنة،و لكن المدار على ما كان معمولا عند نزول الآية،و لا عبرة بما شاع منها بعدها في البلاد.

ص: 697

3-و قد نشأ من اختلافهم في«جلباب»اختلافهم في حدّ ما يجب على المرأة ستره من بدنها،فمن قال:إنّه الخمار و المقنعة و نحوهما أوجب ستر الرّأس و الوجه، و من قال:إنّه ثوب شامل للبدن يلبس فوق الثّياب كالرّداء،فأوجب ستر البدن دون الوجه.و التّحقيق في ذلك يتمّ بالبحث في آية سورة النّور:31 و هي:

وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ ما ظَهَرَ مِنْها وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ وَ لا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاّ لِبُعُولَتِهِنَّ...

فقال غير واحد:أنّ الخمار-و جمعه خمر-ما يستر به الرّأس-و لم يذكروا الوجه معه-فأمرن أن يضربن بخمرهنّ على الجيوب ليسترن بها الصّدور و الأعناق، فلا تدلّ على ستر الوجه و الجبهة،بل هناك في الحديث ما يدلّ على جواز إبدائهما مع الكفّين.

نعم،جاء عن ابن عبّاس في آية(2):«أنّهنّ أمرن أن يغطّين وجوههنّ من فوق رءوسهنّ بالجلابيب»و في رواية أخرى عنه:«إدناء الجلباب:أن تقنّع و تشدّ على جبينها،و عن الحسن:«الجلابيب:الملاحف تدنيها المرأة على وجهها».

و تمام البحث في علم الفقه،لاحظ«خ م ر»و راجع «روائع البيان في تفسير آيات الأحكام»لمحمّد عليّ الصّابونيّ(2:142).فتجد فيها إشباع الكلام،حول هذه المسألة.

4-قالوا في مِنْ جَلاَبِيبِهِنَّ :إنّ(من)للتّبعيض، أي بعض جلابيبها إذا كانت لها جلابيب،أو جزء من جلبابها،و الجمع باعتبار تعدّد النّساء،و هذا أقرب إلاّ أنّه يخطر بالبال كونه للابتداء،لأنّ الجلابيب هي مبدأ الإدناء.

5-قال أبو حيّان في يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ :إنّ(عليهنّ) شامل لجميع أجسادهنّ،أو على وجوههنّ،لأنّ الّذي كان يبدو منهنّ في الجاهليّة هو الوجه...».

و عندنا أنّ قوله:«الّذي كان يبدو منهنّ هو الوجه» يكذّبه التّاريخ،و آية النّور الدّالّة على أنّهنّ كنّ يبدين زينتهنّ و نحورهنّ و صدورهنّ فنهين عنها،و كذا قوله:

وَ لا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجاهِلِيَّةِ الْأُولى الأحزاب:33، فهو إمّا شامل لجميع البدن غير الوجه و الكفّين،أو الصّدور و النّحور،فهو في معنى وَ لْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلى جُيُوبِهِنَّ.

ص: 698

ج ل د

اشارة

8 ألفاظ،13 مرّة:6 مكّيّة،7 مدنيّة

في 6 سور:3 مكّيّة،3 مدنيّة

فاجلدوا 1:-1 جلودا 1:-1

فاجلدوهم 1:-1 جلودهم 4:3-1

جلود 2:2 جلودكم 1:1

الجلود 1:-1 جلدة 2:-2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجلد:غشاء جسد الحيوان،و يقال:

جلدة العين و نحوها.

و قوله جلّت عظمته: وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ فصّلت:

21،يفسّر:لفروجهم،فكنّي بالجلود عنها.

و الجلد:ما صلب من الأرض و استوى متنه، و الجميع:أجلاد.

و هذه أرض جلدة،و مكان جلد،و الجميع:جلدات.

و ناقة جلدة و نوق جلدات،و هي القويّة على العمل و السّير،و تجمع على:جلاد.

و جلده بالسّوط جلدا،أي ضرب جلده.

و جلّدت البوّ تجليدا،أي حشوته بالتّبن،و القطعة من البوّ:جلدة،و الجمع:جلد.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلاد بالسّيوف:الضّراب.

و جلدت به الأرض،أي صرعته.

و الجليد:ما جمد من الماء،و ما وقع على الأرض من الصّقيع فجمد.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل جلد:جليد،و قد جلد جلادة.

و المجالد مثل المآلي،واحدها:مجلد،و هي من جلود.

و الجلد أن يسلخ جلد البعير أو غيره،فيلبسه غيره من الدّوابّ.[ثمّ استشهد بشعر](6:81)

اللّيث:يقال للنّاقة النّاجية:جلدة،و إنّها لذات مجلود،أي فيها جلادة.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 10:656)

ص: 699

سيبويه: و إذا أراد الرّجل أن يدخل نفسه في أمر حتّى يضاف إليه و يكون من أهله،فإنّك تقول:«تفعّل» و ذلك تشجّع و تبصّر و تحلّم و تجلّد و تمرّأ.(4:71)

أبو عمرو الشّيبانيّ: المجلّد:الحوار يلبس جلد آخر مات قبله،لترأمه أمّ الميّت.(1:119)

جلد عليه الدّم،إذا يبس عليه.(1:132)

أحرجته إلى كذا و أوجيته و أجلدته و أدمغته و أدغمته،إذا أحوجته إليه.(الأزهريّ 10:657)

الفرّاء: القلفة و القلفة،و الرّغلة و الرّغلة و الجلدة، كلّه:الغرلة.(الأزهريّ 10:655)

الجلد من الإبل:الّتي لا أولاد معها،فتصبر على الحرّ و البرد.(الأزهري 10:658)

إذا ولدت الشّاة فمات ولدها،فهي شاة جلد،و يقال لها أيضا:جلدة.

و جماع جلدة:جلد،و جلدات.

(الأزهريّ 10:659)

أبو زيد :حملت الإناء فاجتلدته و اجتلدت ما فيه، إذا شربت كلّ ما فيه.(الأزهريّ 10:659)

فلان يجلد بكلّ خير،أي يظنّ به.

(الهرويّ 1:381)

الأصمعيّ: الجلد:ما لم يوطّأ،و هو منقطع المنحاة.

(الأضداد:43)

و إذا كان البعير رقيق الجلد بيّن الغبرة و الحمرة، واسع مواضع المجّ،ليّن الوبرة،تنفذه شعرة هي أطول من سائر الشّعر،فهو خوّار و هي الخور.

فإذا غلظ الجلد و اشتدّ العظم،و قصرت الشّعرة، و اشتدّت الفصوص؛فهي جلدة و هي الجلاد،و هي من كلّ لون أقلّ الإبل لبنا.(الكنز اللّغويّ:150)

الجلد من الإبل:الكبار الّتي لا صغار فيها.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهري 10:657)

الجلد:أن يسلخ جلد البعير أو غيره من الدّوابّ، فيلبسه غيره من الدّوابّ.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 10:658)

أبو عبيد: و هي[مجالد]خرق تمسكها النّوائح إذا نحن بأيديهنّ.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 10:657)

ابن الأعرابيّ: الجلد و الجلد:واحد،مثل شبه و شبه.(الأزهريّ 10:656)

جلدت الأرض من الجليد،و أجلد النّاس،و جلد البقل.

و يقال في الصّقيع و الضّريب:مثله.ضربت الأرض، و أضربنا،و ضرب البقل.

جززت الضّأن،و حلقت المعزى،و جلدت الجمل، لا تقول العرب غير ذلك.(الأزهريّ 10:657)

ابن السّكّيت: و الجلد:مصدر جلد يجلد.و الجلد:

الإبل الّتي لا أولاد لها.و الجلد:الإبل الّتي لا ألبان لها.

و الجلد:أن يسلخ جلد الحوار ثمّ يحشى ثماما أو غيره من الشّجر،ثمّ يعطف عليه أمّه فترأمه.

قال ابن الأعرابيّ: الجلد و الجلد واحد،و ليس بمعروف،مثل شبه و شبه.(إصلاح المنطق:46)

الجلد:الغليظ من الأرض.

و التّجليد للإبل بمنزلة السّلخ للشّاء،و قد جلّدت النّاقة،إذا سلختها.(الأزهريّ 10:656)

ص: 700

المبرّد: و الجليد:يقع من السّماء،و هو ندى فيه جمود،فتبيضّ له الأرض،و هو دون الثّلج،يقال له:

الجليد،و الضّريب،و السّقيط،و الصّقيع.(1:150)

فإذا خرقت[الشّجاج]العظم و بلغت أمّ الدّماغ، و هي جليدة قد ألبست الدّماغ فهي الآمّة.(1:285)

ابن دريد :الجلد:معروف،و الجلد:معروف و هو الشّديد،رجل جلد بيّن الجلادة و الجلودة و الجلد.

و يقال:ما له معقول و لا مجلود،أي عقل و لا جلادة.

و أرض جلد،أي صلبة شديدة.

و الجليد:ما يسقط من السّماء من النّدى فيجمد على الأرض،و هو السّقيط و الضّريب أيضا،من الثّلج الرّقيق.

و أجلاد الرّجل:جسمه،و كذلك تجاليده.[ثمّ استشهد بشعر]

و المجلد:قطعة من نعل أو جلد،تأخذه النّائحة فتلطم به وجهها،و الجمع:مجالد.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلد:جلد حوار يسلخ فيلبس حوارا آخر، لتشمّه أمّ المسلوخ فترأمه.[ثمّ استشهد بشعر]

و فرس مجلّد،إذا كان لا يجزع،من ضرب السّوط.

و بنو جلد:حيّ من العرب،و قد سمّت العرب:جلدا و جليدا و جليدا و مجلدا و مجالدا.

و جلود:موضع أحسبه،و إليه ينسب الرّجل إذا قيل:جلوديّ.فأمّا جلوديّ فخطأ،إلاّ أن تنسبه إلى بيع الجلود.(2:67)

الأزهريّ: الجلد من الإبل:الّتي لا ألبان لها،و قد ولّى عنها أولادها.

و يدخل في الجلد:بنات اللّبون فما فوقها من السّنّ.

و يجمع الجلد:أجلادا،و أجاليد.و يدخل فيها المخاض، و العشار،و الحيال.

فإذا وضعت أولادها زال عنها اسم الجلد،و قيل لها:العشار و اللّقاح.

[قيل]:تمرة جلدة:صلبة مكتنزة.[ثمّ استشهد بشعر]

و المجلّد:مقدار من الحمل معلوم المكيلة و الوزن.

و يقال:فلان عظيم الأجلاد و التّجاليد،إذا كان ضخما قويّ الأعضاء و الجسم.

و جمع الأجلاد:أجالد،و هي الأجسام؛و في حديث القسامة...«ردّوا الأيمان على أجالدهم»أي عليهم أنفسهم.

و كذلك:التّجاليد.[ثمّ استشهد بشعر]

و جلود:قرية بإفريقيّة،إذا نسب إليها قيل:

جلوديّ بفتح الجيم.

و يقال لمئلاة النّائحة:مجلد،و جمعه:مجالد.

(10:657،و 658)

الخطّابيّ: في حديث الزّبير أنّه قال:«لمّا التقينا يوم بدر،و سلّط اللّه علينا النّعاس،فو اللّه إن كنت لأتشدّد فيجلد بي،ثمّ أتشدّد فيجلد بي»أي يغلبني النّوم،حتّى يصرعني،يقال:جلدت بالرّجل الأرض، إذا صرعته.

و من هذا حديث حذيفة:«أنّ رجلا قال:يا رسول اللّه،أبيت عندك اللّيلة فأصلّي معك؟قال:أنت لا تطيق ذلك،فقال:إنّي أحبّ ذلك يا رسول اللّه قال:فجاء

ص: 701

الرّجل فدخل معه،فافتتح رسول اللّه السّورة الّتي تذكر فيها البقرة،و ترتّل في القراءة و ركع،ثمّ افتتح آل عمران،فجلد بالرّجل نوما»أي سقط إلى الأرض من شدّة النّوم،يقال:جلد بالرّجل،و لبط به،و لبج به،بمعنى واحد.(2:208)

الجوهريّ: الجلد:واحد الجلود،و الجلدة:أخصّ منه.[ثمّ استشهد بشعر]

و تجليد الجزور مثل سلخ الشّاة،يقال:جلّد جزوره،و قلّما يقال:سلخ.

و فرس مجلّد،إذا كان لا يجزع من الضّرب.

و جلده الحدّ جلدا،أي ضربه و أصاب جلده، كقولك:رأسه و بطنه.

و المجلد:قطعة من جلد تكون في يد النّائحة،تلطم به وجهها.

و الجلد:جلد حوار يسلخ فيلبس حوارا آخر، لتشمّه أمّ المسلوخ فترأمه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلد:الكبار من النّوق الّتي لا أولاد لها و لا ألبان، الواحدة بالهاء.و الجلد أيضا:الأرض الصّلبة.[ثمّ استشهد بشعر]

و كذلك الأجلد.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمع:الأجلاد و الأجالد.

و الجلد:الصّلابة و الجلادة،تقول منه:جلد الرّجل بالضّمّ،فهو جلد و جليد،بيّن الجلد،و الجلادة، و الجلودة،و المجلود،و هو مصدر مثل المحلوف و المعقول.

[ثمّ استشهد بشعر]

و ربّما قالوا:رجل جضد:يجعلون اللاّم مع الجيم ضادا إذا سكنت.و قوم جلد،و جلداء،و أجلاد.

و التّجلّد:تكلّف الجلادة.

و المجالدة:المبالطة،و تجالد القوم بالسّيوف و اجتلدوا.

و أجلاد الرّجل:جسمه و بدنه،و كذلك تجاليده.

و الجلدة بالتّسكين:واحدة الجلاد،و هي أدسم الإبل لبنا.

و الجلاد من النّخل:الكبار الصّلاب.[ثمّ استشهد بشعر]

و شاة جلدة،إذا لم يكن لها لبن و لا ولد.(2:458)

ابن فارس: الجيم و اللاّم و الدّال أصل واحد،و هو يدلّ على قوّة و صلابة.فالجلد معروف،و هو أقوى و أصلب ممّا تحته من اللّحم.و الجلد:صلابة الجلد.

و الأجلاد:الجسم،يقال لجسم الرّجل:أجلاده و تجاليده.و المجلد:جلد يكون مع النّادبة،تضرب به وجهها عند المناحة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلد فيه قولان:أحدهما:أن يسلخ جلد البعير و غيره فيلبسه غيره من الدّوابّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و القول الثّاني:أن يحشى جلد الحوار ثماما أو غيره، و تعطف عليه أمّه،فترأمه.[ثمّ استشهد بشعر]

(1:471)

أبو هلال :الفرق بين ذلك[النّفاذ،و قد بيّنه قبله] و الجلادة:أنّ أصل الجلادة:صلابة البدن،و لهذا سمّي الجلد جلدا،لأنّه أصلب من اللّحم.و قيل:الجليد لصلابته،و قيل للرّجل الصّلب على الحوادث:جلد و جليد من ذلك،و قد جالد قرنه و هما يجالدان،إذا اشتدّ

ص: 702

أحدهما على صاحبه،و يقال للأرض الصّلبة:الجلد، بتحريك اللاّم.(68)

الفرق بين الشّدّة و الجلد:أنّ الجلد:صلابة البدن، و منه الجلد لأنّه أصلب من اللّحم،و الجلد:الصّلب من الأرض.

و قيل:يتضمّن:«الجلد»معنى القوّة و الصّبر، و لا يقال للّه:«جليد»لذلك.(86)

الهرويّ: و في حديث عليّ رضي اللّه عنه:«كنت أدلو بتمرة أشترطها جلدة»الجلدة:هي اليابسة اللّحاء الجيّدة.

و في حديث الهجرة:«حتّى إذا كنّا بأرض جلدة كأنّها مجصّصة»أي صلبة.

و في الحديث: «أنّه استحلف خمسة نفر في قسامة، فدخل رجل من غيرهم،فقال:«ردّوا الأيمان على أجالدهم»قال القتيبيّ:و الأجالد:جمع الأجلاد،و هو جسم الرّجل،يقال:فلان عظيم الأجلاد و ضئيل الأجلاد،يراد الجسم.و مثله من الجمع:قوم و أقوام، و قول و أقوال.

قلت:و التّجاليد:مثل الأجلاد،يقال:هو عظيم الأجلاد و التّجاليد،و يقال:ما أشبه أجلاده بأجلاد أبيه، أي شخصه.[ثمّ استشهد بشعر]

و روى الرّبيع عن الشّافعيّ قال:«كان مجالد يجلد» أي يكذّب.

قال أبو حمزة،في قول الشّافعيّ: ينبغي أن يكون:

يتّهم،و اللّه أعلم.وضعه موضع الشّرّ.(380)

أبو سهل: القلفة و الجلدة،بضمّ القاف و الجيم، و هما بمعنى واحد،للّذي يقطعه الخاتن من زبّ الغلام.

(60)

ابن سيده: الجلد،و الجلد:المسك من جميع الحيوان،الأخيرة عن ابن الأعرابيّ،حكاها ابن السّكّيت عنه،قال:و ليست بالمشهورة.

و الجمع:أجلاد و جلود،و قوله تعالى: وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ فصّلت:21 قيل:معناه لفروجهم،كنى عنها بالجلود.

و عندي:أنّ الجلود هنا:مسوكهم الّتي تباشر المعاصي.

و الجلدة:الطّائفة من الجلد.

و أجلاد الإنسان و تجاليده:جماعة شخصه.و قيل:

جسمه؛و ذلك لأنّ الجلد محيط بهما.[ثمّ استشهد بشعر]

و عظم مجلّد:لم يبق عليه إلاّ الجلد.[ثمّ استشهد بشعر]

و جلّد الجزور:نزع عنها جلدها كما تسلخ الشّاة، و خصّ بعضهم به البعير.

و الجلد:أن يسلخ جلد البعير أو غيره فيلبسه غيره من الدّوابّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلد:جلد البوّ يحشى ثماما و يخيّل به للنّاقة، فتحسبه ولدها إذا شمّته،فترأم بذلك على ولد غيرها.

و جلّد البوّ:ألبسه الجلد.

و المجلد:قطعة من جلد تمسكها النّائحة بيدها، و تلطم بها خدّها.و الجمع:مجاليد،عن كراع.

و عندي:أنّ مجاليد:جمع مجلاد،لأنّ«مفعلا و مفعالا»يعتقبان على هذا النّحو كثيرا.

ص: 703

و جلده بالسّوط،يجلده جلدا:ضربه.

و امرأة جليد،و جليدة،كلتاهما عن اللّحيانيّ،أي مجلودة،من نسوة:جلدى،و جلائد.

و عندي:أنّ جلدى:جمع جليد،و جلائد:جمع جليدة.

و فرس مجلّد:لا يجزع من ضرب السّوط.

و جلد به الأرض:ضربها.

و جالدناهم بالسّيوف مجالدة و جلادا:ضاربناهم.

و جلدته الحيّة:لدغته،و خصّ بعضهم به الأسود من الحيّات،قالوا:و الأسود يجلد بذنبه.

و الجلد:الشّدّة و القوّة،و رجل جلد،و جليد،من قوم أجلاد،و جلداء،و جلاد،و جلد.و قد جلد جلادة، و جلودة.و الاسم:الجلد،و الجلود.

و تجلّد:أظهر الجلد،و قوله:

و كيف تجلّد الأقوام عنه

و لم يقتل به الثّأر المنيم

عدّاه بعن؛لأنّ فيه معنى:تصبّر.

و أرض جلد:صلبة مستوية المتن غليظة،و الجمع:

أجلاد.

و الجلاد من النّخل:الغزيرة،و قيل:هي الّتي لا تبالي بالجدب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلاد من الإبل:الغزيرات اللّبن،و هي المجاليد.

و قيل:الجلاد:الّتي لا لبن لها و لا نتاج.[ثمّ استشهد بشعر]

و ناقة جلدة:مدرار،عن ثعلب،و المعروف:أنّها الصّلبة الشّديدة.

و الجلد من الغنم و الإبل:الّتي لا أولاد لها و لا ألبان، كأنّه اسم للجمع.

و قيل:إذا مات ولد الشّاة فهي جلدة،و جمعها:جلاد.

و قيل:الجلد،و الجلدة:الشّاة الّتي يموت ولدها حين تضعه.

و الجلد من الإبل:الكبار الّتي لا صغار فيها.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجليد:ما يسقط من السّماء على الأرض من النّدى فيجمد.و أرض مجلودة:أصابها الجليد.

و إنّه ليجلد بكلّ خير،أي يظنّ به.و رواه أبو حاتم:

يجلذ،بالذّال.

و اجتلد ما في الإناء:شربه كلّه.

و صرّحت بجلدان،و جلداء:يقال ذلك في الأمر إذا بان.

و بنو جلد:حيّ.

و جلد،و جليد،و مجالد:أسماء.[ثمّ استشهد بشعر]

و جلود:موضع،و منه فلان الجلوديّ،و العامّة تقول:الجلوديّ.(7:326)

الجلد:السّريع الخفيف.جلد جلادة و جلودة:قوي فهو جلد،و الجمع:أجلاد.(الإفصاح 1:278)

الرّاغب: الجلد:قشر البدن،و جمعه:جلود.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]

و الجلد:الجلد المنزوع عن الحوار،و قد جلد جلدا فهو جلد و جليد،أي قويّ،و أصله لاكتساب الجلد قوّة.

و يقال:ما له معقول و لا مجلود،أي عقل و جلد؛ و أرض جلدة،تشبيها بذلك،و كذا ناقة جلدة.

ص: 704

و جلّدت كذا،أي جعلت له جلدا.

و فرس مجلّد:لا يفزع من الضّرب.و إنّما هو تشبيه بالمجلّد الّذي لا يلحقه من الضّرب ألم.

و الجليد:الصّقيع،تشبيها بالجلد في الصّلابة.

(95)

الحريريّ: ما له معقول و لا مجلود،أي ليس له عقل و لا جلد.(165)

الزّمخشريّ: جلده بالسّياط،و جلّد الكتاب:

ألبسه الجلد و جلّد البعير:كشطه عنه،و أريد دابّة من دوابّ رجلك،و كسوة من ثياب جلدك،و جالدوهم بالسّيوف:ضاربوهم.و استحرّ بينهم الجلاد و المجالدة، و تجالدوا و اجتلدوا،و جلدت به الأرض:صرعته.[ثمّ استشهد بشعر]

و جلدت الأرض:من الجليد،و أرض مجلودة.و هو عظيم الأجلاد و التّجاليد،و هي جسمه و أعضاؤه.

و رجل جلد و جليد.

و فيه جلد و مجلود،و تجلّد للشّامتين.

و من المجاز:جلدته على هذا الأمر:أجبرته عليه.

و إنّ فلانا ليجلد بخير،أي يظنّ به الخير.

(أساس البلاغة:62)

أبو بكر رضي اللّه عنه،في قصّة المهاجرة:«إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال لي:أ لم يأن للرّحيل؟فقلت:بلى،فارتحلنا حتّى إذا كنّا بأرض جلدة»هي الصّلبة.

و منها حديث عليّ عليه السّلام:«إنّه كان ينزع الدّلو بتمرة،و يشترط أنّها جلدة»و ذلك أنّ الرّطبة إذا صلّبت طابت جدّا.(الفائق 1:228)

المدينيّ: في الحديث:«حسن الخلق يذيب الخطايا،كما تذيب الشّمس الجليد».

الجليد:ما سقط من الصّقيع فجمد.

في حديث سراقة،رضي اللّه عنه:«وحل بي فرسي،و إنّي لفي جلد من الأرض».الجلد من الأرض:

ما صلب.

و في الحديث:«فنظر إلى مجتلد القوم،فقال:الآن حمي الوطيس»أي إلى موضع الجلاد،و هو الضّرب بالسّيف.

و يجوز أن يكون مصدر اجتلد،أي جالد.و قيل:

جالدناهم بالسّيف،من التّجلّد و الثّبات في المضاربة.

و يقال:جلدته بالسّوط جلدا،أي ضربت جلده.

و جلدت به الأرض:ضربتها به،و المجلود:المصروع.

(1:338)

ابن الأثير: في حديث الطّواف:«ليرى المشركون جلدهم»الجلد:القوّة و الصّبر.

و منه حديث عمر:«كان أجوف جليدا»أي قويّا في نفسه و جسمه.

و منه حديث ابن سيرين:«كان أبو مسعود تشبّه تجاليده بتجاليد عمر»أي جسمه بجسمه.

و في الحديث:«قوم من جلدتنا»أي من أنفسنا و عشيرتنا.

و منه حديث أبي هريرة في بعض الرّوايات:«أيّما رجل من المسلمين سببته أو لعنته أو جلدّه»هكذا رواه بإدغام التّاء في الدّال،و هي لغيّة.(1:284)

الفيّوميّ: جلدت الجاني جلدا،من باب

ص: 705

«ضرب»:ضربته بالمجلد،بكسر الميم،و هو السّوط، الواحدة:جلدة:مثل ضرب و ضربة.

و جلد الحيوان:ظاهر البشرة.(1:104)

الفيروزآباديّ: الجلد بالكسر و التّحريك:المسك من كلّ حيوان،الجمع:أجلاد و جلود.

و أجلاد الإنسان و تجاليده:جماعة شخصه أو جسمه.

و عظم مجلّد كمعظّم:لم يبق عليه إلاّ الجلد.

و تجليد الجزور:نزع جلدها.

و جلده يجلده:ضربه بالسّوط و أصاب جلده، و على الأمر:أكرهه،و جاريته:جامعها،و الحيّة:

لدغت.

و الجلد محرّكة:جلد البوّ يحشى ثماما،و يخيّل للنّاقة، فترأم بذلك على غير ولدها،أو جلد حوار يلبس حوارا آخر لترأمه أمّ المسلوخة،و الأرض الصّلبة المستوية المتن،و الشّاة يموت ولدها حين تضع كالجلدة محرّكة فيهما،و الكبار من الإبل لا صغار فيها،و من الغنم و الإبل ما لا أولاد لها و لا ألبان،و الشّدّة و القوّة،و هو جلد و جليد من أجلاد و جلداء و جلاد و جلد.

جلد ككرم جلادة و جلودة و جلدا و مجلودا و تجلّد:

تكلّفه.

و ككتاب:الصّلاب الكبار من النّخل،و من الإبل:

الغزيرات اللّبن كالمجاليد،أو ما لا لبن لها و لا نتاج.

و كمنبر:قطعة من جلد تمسكها النّائحة و تلدم بها خدّها،الجمع:مجاليد.

و جالدوا بالسّيوف:تضاربوا.

و الجليد:ما يسقط على الأرض من النّدى فيجمد، و الأرض مجلودة،و جلدت كفرح و أجلدت.و القوم أجلدوا:أصابهم الجليد.

و أنّه ليجلد بكلّ خير:يظنّ،و قول الشّافعيّ:كان مجالد يجلد،أي يكذّب.

و جلد به كعني:سقط.

و اجتلد ما في الإناء:شربه كلّه.

و صرّحت بجلدان و جلداء،بمعنى جدّاء.

و بنو جلد:حيّ،و كقبول:قرية بالأندلس،منه حفص بن عاصم.

و أمّا الجلوديّ رواية مسلم فبالضّمّ لا غير،و وهم الجوهريّ في قوله:و لا تقل:الجلوديّ،أي بالضّمّ.

و الجلد:الذّكر وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا فصّلت:21.أي لفروجهم.

و أجلده إليه،أي ألجأه و أحوجه.

و المجلّد:من يجلّد الكتب.

و كمعظّم:مقدار من الحمل معلوم الكيل و الوزن.

و فرس مجلّد:لا يفزع من الضّرب.(1:293)

الجلد:و هو قشر البدن،و الجمع:جلود.[إلى أن قال:]

و جلده:نحو بطنه و ظهره،أو ضربه بالجلد،نحو عصاه،إذا ضربه بالعصا.و في الحديث:«من مسّ جلده جلدي لم تمسّ النّار جلده أبدا».

(بصائر ذوي التّمييز 2:387)

محمّد إسماعيل إبراهيم: جلده بالسّوط:ضربه به،و الجلدة:المرّة الواحدة من الجلد،و الجلد:غشاء الجسم للإنسان و الحيوان،و الجمع:جلود.(1:109)

ص: 706

العدنانيّ: المجلّد و المجلّدة.

و يخطّئون من يسمّي الكتاب الملبس جلدا:مجلّدة، و يقولون:إنّ الصّواب هو:المجلّد،كما يسمّيه المغرب، و المدّ،و محيط المحيط و المتن.

و جاء في الأساس:جلّد الكتاب:ألبسه الجلد، فاسم المفعول منه يجب أن يكون مجلّدا.

و لمّا كان المجلّد هو الّذي يجلّد الكتب،كما يقول القاموس،و التّاج،و أقرب الموارد في الذّيل،فالكتاب الّذي يجلّده يسمّى:مجلّدا.

و لكن:

يستعمل مجمع اللّغة العربيّة بدمشق،و مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة،في معجمه«الوسيط»كلتا الكلمتين:

المجلّد و المجلّدة.فإذا عنت الأولى:الكتاب المجلّد،فإنّ الثّانية تعني:الأوراق،أو الكرّاسات،أو إضمامات الورق المجلّدة.

و أنا أرى أنّ«المجلّد»أعلى،لأنّه أكثر استعمالا، و أقلّ حروفا،و لأنّه مذكّر كالكتاب ينعت المذكّر المحذوف بنعت مذكّر مثله،و لأنّ المذكّر-و يا للأسف- أقوى من المؤنّث في اللّغة العربيّة.و هذا حملني على تأليف كتاب في ظلم«الضّاد»لحوّاء،دفاعا عنها.

و يجمعون المجلّد و المجلّدة على المجلّدات.(124)

محمود شيت:أ-جلد:ضربه بالسّوط.

ب-جلد:صبر على المكروه،يقال:جلد القائد و جلد الجنديّ.

ج-جالد بالسّيف:قاتل به.

د-الجلاّد:الّذي يتولّى الجلد.

ه-المجلد:السّوط الّذي يجلد به،جمعه:مجالد.

(1:145)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو القشر المحيط الحافظ،و لا بدّ أن يكون صلبا بنسبة المورد ليتحقّق الحفظ،و هذا يختلف باختلاف الموارد،فيقال:جلد البدن،جلد الكتاب،جلد الفاكهة، جلد الحيوان،جلد الجرح،و أمثالها.

و يشتق منها أفعال بالاشتقاق الانتزاعيّ،فيقال:

جلده بالسّوط،و جلّد الكتاب.و باعتبار هذا المعنى يطلق«الجلد»على الأرض الصّلبة،أي على قشر من الأرض صار صلبا كالجلد،و على الكبار من النّوق الّتي لا أولاد لها و لا ألبان،فكأنّها ليست إلاّ كالقشر الخارجيّ و الغشاء المحسوس الّذي ليس له معنى،و من هذا المعنى:جلد الرّجل فهو جلد و جليد،أي أنّه في حفظ الظّاهر و من جهة الأعمال الخارجيّة و الفعّاليّة الصّوريّة متصلّب،شديد المراقبة و كثير العمل،من دون نظر إلى جهة المعنى.

و ظهر أنّ معنى جلده جلدة ليس ضربه بالسّوط، بل أصاب الجلد،كما أنّ رأسه،بمعنى أصاب الرّأس، و محصوله الضّرب على الرّأس.

فالجلدة:إصابة واحدة و هي صيغة للمرّة.

و المجلدة:للآلة،أي آلة إصابة الجلد كالسّوط و نحوه.

و الجلاد و المجالدة:إدامة الإصابة على الجلد،و نتيجتها المضاربة و المقاتلة.[ثمّ ذكر الآيات](2:104)

ص: 707

النّصوص التّفسيريّة

فاجلدوا

اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ... النّور:2

البغويّ: (فاجلدوا)فاضربوا كلّ واحد منهما مائة جلدة،يقال:جلده،إذا ضرب جلده.كما يقال:رأسه و بطنه،إذا ضرب رأسه و بطنه.

و ذكر بلفظ«الجلد»لئلاّ يبرّح و لا يضرب بحيث يبلغ اللّحم،و قد وردت السّنّة أنّه يجلد مائة[جلدة] و يغرب عاما،و هو قول أكثر أهل العلم.و إن كان الزّاني محصنا فعليه الرّجم،ذكرناه في سورة النّساء.

(3:379)

نحوه الميبديّ.(6:482)

الزّمخشريّ: أي جلّدهما،و يجوز أن يكون الخبر:

(فاجلدوا).و إنّما دخلت الفاء لكون الألف و اللاّم بمعنى «الّذي»و تضمينه معنى الشّرط تقديره:الّتي زنت و الّذي زنا فاجلدوهما،كما تقول:من زنى فاجلدوه.

[إلى أن قال:]

و في لفظ«الجلدة»إشارة إلى أنّه لا ينبغي أن يتجاوز الألم إلى اللّحم.و المرأة تجلد قاعدة و لا ينزع من ثيابها إلاّ الحشو و الفرو.(3:47)

الفخر الرّازيّ: في كيفيّة إقامة الحدّ،أمّا الجلد فاعلم أنّ المذكور في الآية هو الجلد،و هذا مشترك بين الجلد الشّديد،و الجلد الخفيف،و الجلد على كلّ الأعضاء أو على بعض الأعضاء،فحينئذ لا يكون في الآية إشعار بشيء من هذه القيود،بل مقتضى الآية أن يكون الآتي بالجلد-كيف كان-خارجا عن العهدة،لأنّه أتى بما أمر به،فوجب أن يخرج من العهدة،[و له بحث مستوفى في كيفيّة الحدّ و زمانه و مكانه فراجع](23:145)

القرطبيّ: [تلخيصه:]

1-لا خلاف أنّ المخاطب بهذا الأمر الإمام و من ناب منابه.[ثمّ ذكر أقوال الفقهاء في ذلك]

2-أجمع العلماء على أنّ الجلد بالسّوط يجب، و السّوط الّذي يجب أن يجلد به يكون سوطا بين سوطين لا شديدا و لا ليّنا.[ثمّ ذكر الرّوايات]

3-اختلف العلماء في تجريد المجلود في الزّنى.[ثمّ ذكر آراءهم]

4-و اختلفوا في المواضع الّتي تضرب من الإنسان في الحدود.[ثمّ بيّن أقوالهم]

5-الضّرب الّذي يجب هو أن يكون مؤلما لا يجرح و لا يبضع،و لا يخرج الضّارب يده من تحت إبطه.[ثمّ أشار إلى الأقوال]

6-الضّرب في الحدود كلّها سواء.[ثمّ بيّن الدّليل عليه و الأقوال له]

7-الحدّ الّذي أوجب اللّه في الزّنى و الخمر و القذف و غير ذلك،ينبغي أن يقام بين أيدي الحكّام،و لا يقيمه إلاّ فضلاء النّاس و خيارهم،يختارهم الإمام لذلك.

[و أدام الكلام فيه]

8-نصّ اللّه تعالى على عدد الجلد في الزّنى و القذف.

[ثمّ ذكر الدّليل](12:161)

نحوه الصّابونيّ.(2:9)

ص: 708

البيضاويّ: الجلد:ضرب الجلد،و هو حكم يختصّ بمن ليس بمحصن،لما دلّ على أنّ حدّ المحصن هو الرّجم.(2:117)

أبو حيّان :و الجلد:إصابة الجلد بالضّرب،كما تقول:رأسه و بطنه و ظهره،أي ضرب رأسه و بطنه و ظهره.و هذا مطّرد في أسماء الأعيان الثّلاثيّة العضويّة.

و الظّاهر اندراج الكافر و العبد و المحصن في هذا العموم، و هو لا يندرج فيه المجنون،و لا الصّبيّ بإجماع.

(6:428)

نحوه البروسويّ.(6:114)،و الشّوكانيّ(4:26).

الآلوسيّ: و الجلد:ضرب الجلد،و قد اطّرد صوغ «فعل»المفتوح العين الثّلاثي من أسماء الأعيان،فيقال:

رأسه و ظهره و بطنه،إذا ضرب رأسه و ظهره و بطنه.

و جوّز الرّاغب أن يكون معنى جلده:ضربه بالجلد، نحو عصاه:ضربه بالعصا،و المراد هنا المعنى الأوّل.فإنّ الأخبار قد دلّت على أنّ الزّانية و الزّاني يضربان بسوط لا عقدة عليه،و لا فرع له.(18:77)

عبد الكريم الخطيب :ففي قوله تعالى:

فَاجْلِدُوا...

أوّلا:عزل للمؤمنين،عن جماعة الزّناة الّذين تحقّق المجتمع من هذا الدّاء الّذي نزل بهم.

و ثانيا:إلزام للمؤمنين ألاّ يقفوا موقفا سلبيّا،من هذا الدّاء الّذي يتهدّدهم إن هم تغاضوا عنه،و لم يأخذوا لأنفسهم وقاية منه.

و بهذا يكون معنى الآية:الزّانية و الزّاني،ها هما قد أصيبا بهذا الدّاء الخبيث،و إنّه لكي تدفعوا عن أنفسكم شرّ هذا الدّاء،فاجلدوا كلّ واحد منهما مائة جلدة، و لا تأخذكم بهما رأفة في دين اللّه،إن كنتم تؤمنون باللّه و اليوم الآخر؛إذ لستم أنتم أرأف بالنّاس من ربّ النّاس.

(9:1202)

فاجلدوهم

وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً... النّور:4

الحسن :يجلد و عليه ثيابه.(الطّوسيّ 7:408)

الإمام الباقر عليه السّلام:و يجلد الرّجل قائما.و المرأة قاعدة.(الطّوسيّ 7:409)

الماورديّ: و هذا حدّ أوجبه اللّه على القاذف للمقذوفة يجب بطلبها،و يسقط بعفوها،و فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها:أنّه من حقوق الآدميّين،لوجوبه بالطّلب، و سقوطه بالعفو،و هذا مذهب الشّافعيّ.

الثّاني:من حقوق اللّه لأنّه لا ينتقل إلى مال،و هذا مذهب أبي حنيفة.

الثّالث:أنّه من الحقوق المشتركة بين حقّ اللّه و حقّ الآدميّين،لتمازج الحقّين،و هذا مذهب بعض المتأخّرين.

و لا يكمل حدّ القذف بعد البلوغ و العقل،إلاّ بحرّيّتهما و إسلام المقذوف و عفافه.فإن كان المقذوف كافرا أو عبدا عزّر قاذفه و لم يحدّ،و إن كان القاذف كافرا حدّ حدّا كاملا،و إن كان عبدا حدّ نصف الحدّ.(4:74)

الطّوسيّ: و الحدّ حقّ المقذوفة،لا يزول بالتّوبة.

و قال قوم:توبته متعلّقة بإكذابه نفسه،و هو المرويّ في

ص: 709

أخبارنا،و به قال الشّافعيّ.و قال مالك بن أنس:

لا يحتاج إلى ذلك فيه.قال أبو حنيفة:و متى كان القاذف عبدا أو أمة،فعليه أربعون جلدة.

و قد روى أصحابنا:أنّ الحدّ ثمانون في الحرّ و العبد، و ظاهر العموم يقتضي ذلك،و به قال عمر بن عبد العزيز،و القاسم بن عبد الرّحمن.(7:409)

القشيريّ: لئلاّ يستبيحوا أعراض المسلمين،و لئلاّ يهتكوا أستار النّاس،أمر بتأديبهم،و إقامة الحدّ عليهم، إذا لم يأتوا بالشّهداء.(4:266)

البغويّ: (فاجلدوهم)أي اضربوهم ثمانين جلدة.

(3:382)

الميبديّ: (فاجلدوهم)يعني الأحرار منهم،فإنّ حدّ المملوك على النّصف:أربعون،و الخطاب للإمام و الحكّام.و(جلدة)نصب على التّمييز.(6:486)

الزّمخشريّ: فإن قلت:كيف يجلد القاذف؟

قلت:كما جلد الزّاني،إلاّ أنّه لا ينزع عنه ثيابه إلاّ ما ينزع عن المرأة من الحشو و الفرو؛و القاذفة أيضا كالزّانية.و أشدّ الضّرب ضرب التّعزير،ثمّ ضرب الزّنى،ثمّ ضرب شرب الخمر،ثمّ ضرب القاذف...

(3:50)

ابن عطيّة: الجلد:الضّرب،و المجالدة:المضاربة في الجلود،أو بالجلود،ثمّ استعير الجلد لغير ذلك من سيف و غيره.[ثمّ استشهد بشعر](4:164)

مثله الشّوكانيّ.(4:11)

الطّبرسيّ: (فاجلدوهم)أي فاجلدوا الّذين يرمونهنّ بالزّنى.(4:126)

الفخر الرّازيّ: المخاطب بقوله:(فاجلدوهم)هو الإمام-على ما بيّنّاه في آية الزّنى-أو المالك على مذهب الشّافعيّ،أو رجل صالح ينصبه النّاس عند فقد الإمام.

(23:159)

العكبريّ: (فاجلدوهم)أي فاجلدوا كلّ واحد منهم،فحذف المضاف.(2:964)

أبو حيّان :(فاجلدوهم)أمر للإمام و نوّابه بالجلد، و الظّاهر وجوب الجلد و إن لم يطالب المقذوف،و به قال ابن أبي ليلى.

و قال أبو حنيفة و أصحابه و الأوزاعيّ و الشّافعيّ:

لا يحدّ إلاّ بمطالبته،و قال مالك كذلك.إلاّ أن يكون الإمام سمعه يقذفه فيحدّه إذا كان مع الإمام شهود عدول،و إن لم يطالب المقذوف.

و الظّاهر أنّ العبد القاذف-حرّا-إذا لم يأت بأربعة شهداء حدّ ثمانين،لاندراجه في عموم وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ النّور:4،و به قال عبد اللّه بن مسعود و الأوزاعيّ.(6:432)

الفاضل المقداد:اشتملت على أحكام ثلاثة [منها]الأمر بالجلد مائة،و الجلد:ضرب الجلد بحيث لا يتجاوز ألمه إلى اللّحم.و هذا الحكم مخصوص بالسّنّة و الكتاب.

أمّا السّنّة فبالزّيادة تارة،كما في حقّ البكر الذّكر، فإنه يزاد التّغريب سنة،لقوله عليه السّلام:«البكر بالبكر جلد مائة و تغريب عام».و منعه أبو حنيفة و الخبر يبطل قوله، و كذا عمل الصّحابة.و قوله:إنّ الآية ناسخة للخبر ضعيف،لأنّ عدم ذكر التّغريب ليس ذكرا لعدمه،

ص: 710

لتكون ناسخة له،و فعل الصّحابة متأخّر عن الآية، فكيف يكون التّغريب منسوخا بها!

و بالإبدال تارة،كما في حقّ المحصن و المحصنة،فإنّ حدّهما الرّجم.هذا إن قلنا بعدم ضمّ الجلد إلى الرّجم، و إلاّ فهو أيضا زيادة.نعم،قيل:الضّمّ في حقّ الشّيخين خاصّة.و قيل:عامّ و هو الحقّ،لأنّ عليّا عليه السّلام جلد سراجة يوم الخميس و رجمها يوم الجمعة،و قال:

جلدتها بكتاب اللّه،و رجمتها بسنّة رسول اللّه.و كانت سراجة شابّة،و فعله صلّى اللّه عليه و سلّم حجّة.(2:340)

الشّربينيّ: (فاجلدوهم)أي أيّها المؤمنون من الأئمّة و نوّابهم ثَمانِينَ جَلْدَةً لكلّ واحد منهم لكلّ محصنة و حدّ القاذف الرّقيق و لو مبعّضا أو مكاتبا أربعون جلدة على النّصف من الحرّ،لآية النّساء فَعَلَيْهِنَّ نِصْفُ ما عَلَى الْمُحْصَناتِ مِنَ الْعَذابِ النّساء:25.

فهذه الآية مخصوصة بتلك؛إذ لا فرق بين الذّكر و الأنثى،و لا بين حدّ الزّنى و حدّ القذف،و يدلّ على أنّ المراد بالآية الأحرار.(2:599)

المشهديّ: (فاجلدوهم)أي الّذين يرمونهنّ بالزّنى. ثَمانِينَ جَلْدَةً حدّا لقذفهم و رميهم بالزّنى.

(7:14)

البروسويّ: و نصب(جلدة)على التّمييز،أي اضربوا كلّ واحد من الرّامين ثمانين ضربة إن كان القاذف حرّا،و أربعين إن كان عبدا،لظهور كذبهم و افترائهم بعجزهم،عن الإتيان بالشّهداء.(6:118)

القاسميّ: (فاجلدوهم)أي كلّ واحد من الرّامين.

و تخصيص النّساء لخصوص الواقعة،و لأنّ قذفهنّ أغلب و أشنع،و إلاّ فلا فرق فيه بين الذّكر و الأنثى.

(12:4449)

عبد الكريم الخطيب :و الجلد مضافا إليه الفضح على الملإ،هو عقوبة غير المحصن و المحصنة.و هذا الجلد غير منكور ما فيه من استخفاف بإنسانيّة الإنسان، و امتهان لكرامته،و إسقاط لمروّته.

نعم،إنّ الإسلام يأخذ هذا الإنسان بكلّ هذا التّجريم و التّجريح،في مقابل جنايته تلك الّتي جناها على المجتمع.

(9:1208)

جلود

وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً... النّحل:80

ابن عبّاس: من أصوافها و أوبارها و أشعارها.

(228)

نحوه النّسفيّ(2:295)،و المراغيّ(14:121).

ابن قتيبة :يعني قباب الأدم و غيرها.(247)

البغويّ: يعني الخيام و القباب و الأخبية و الفساطيط،من الأنطاع و الأدم.(3:90)

مثله الطّبرسيّ(3:377)،و نحوه النّيسابوريّ(14:

102)،و الخازن(4:88)،و البروسويّ(5:66).

الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ المراد الأنطاع،و قد تعمل العرب البيوت من الأدم،و هي جلود الأنعام.(20:92)

البيضاويّ: هي القباب المتّخذة من الأدم،و يجوز أن يتناول المتّخذة من الوبر و الصّوف و الشّعر،فإنّها من حيث إنّها نابتة على جلودها،يصدق عليها أنّها من

ص: 711

جلودها.(1:565)

نحوه الشّربينيّ(2:253)،و القاسميّ(10:3843).

الطّباطبائيّ: أي من جلودها بعد الدّبغ،و هي الأنطاع و الأدم.(12:314)

و الجلود

يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَ الْجُلُودُ. الحجّ:20

أبو حيّان :و يصل ذلك الذّوب إلى الظّاهر و هو الجلد،فيؤثّر في الظّاهر تأثيره في الباطن،كما قال تعالى:

فَقَطَّعَ أَمْعاءَهُمْ محمّد:15.

و الظّاهر عطف(و الجلود)على(ما)،من قوله:

يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ و أنّ الجلود تذاب كما تذاب الأحشاء.

و قيل:التّقدير:و تخرق الجلود،لأنّ الجلود لا تذاب إنّما تجمع على النّار و تنكمش.[ثمّ استشهد بشعر]

(6:360)

نحوه السّمين الحلبيّ.(5:135)

الشّربينيّ: (يصهر)أي يذاب(به)من شدّة حرارته(ما فى بطونهم)من شحم و غيره(و الجلود)، فيكون أثره في الباطن و الظّاهر سواء.و قال ابن عبّاس:

يسقون ماء إذا دخل بطونهم أذابها،و الجلود مع البطون.

(2:544)

البروسويّ: تشوى جلودهم فتتساقط،عطف على(ما)،و تأخيره عنه لمراعاة الفواصل،أي إذا صبّ الحميم على رءوسهم يؤثّر من فرط حرارته في باطنهم نحو تأثيره في ظاهرهم،فيذاب به أحشاؤهم،كما يذاب به جلودهم،ثمّ يعاد كما كان.(6:18)

الآلوسيّ: (و الجلود)عطف على(ما)،و تأخيره عنه قيل:إمّا لمراعاة الفواصل،أو للإشعار بغاية شدّة الحرارة،بإيهام أنّ تأثيرها في الباطن أقدم من تأثيرها في الظّاهر،مع أنّ ملابستها على العكس.

و قيل:إنّ التّأثير في الظّاهر غنيّ عن البيان،و إنّما ذكر للإشارة إلى تساويهما،و لذا قدّم الباطن،لأنّه المقصود الأهمّ.

و قيل:التّقدير:و يحرق الجلود،لأنّ الجلود لا تذاب و إنّما تجتمع على النّار و تنكمش.و في«البحر»أنّ هذا من باب علّفتها تبنا و ماء باردا،و قال بعضهم:لا حاجة إلى التزام ذلك،فإنّ أحوال تلك النّشأة أمر آخر.

(17:134)

جلودهم

1- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها... النّساء:56

ابن عبّاس: يبدّلون جلودا بيضاء كأمثال القراطيس.(البغويّ 1:647)

الحسن :تأكلهم النّار كلّ يوم سبعين ألف مرّة،كلّما أكلتهم قيل لهم:عودوا،فيعودون كما كانوا.

(البغويّ 1:647)

السّدّيّ: يبدّل الجلد جلدا غيره من لحم الكافر،ثمّ يعاد الجلد لحما،ثمّ يخرج من اللّحم جلدا آخر.

(البغويّ 1:648)

الطّبريّ: فإن سأل سائل،فقال:و ما معنى قوله

ص: 712

جلّ ثناؤه: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها؟ و هل يجوز أن يبدّلوا جلودا غير جلودهم، الّتي كانت لهم في الدّنيا،فيعذّبوا فيها؟فإن جاز ذلك عندك،فأجز أن يبدّلوا أجساما و أرواحا غير أجسامهم و أرواحهم،الّتي كانت لهم في الدّنيا فتعذّب،و إن أجزت ذلك،لزمك أن يكون المعذّبون في الآخرة بالنّار،غير الّذين أوعدهم اللّه العقاب على كفرهم به،و معصيتهم إيّاه،و أن يكون الكفّار قد ارتفع عنهم العذاب؟

قيل:إنّ النّاس اختلفوا في معنى ذلك،فقال بعضهم:

العذاب إنّما يصل إلى الإنسان الّذي هو غير الجلد و اللّحم،و إنّما يحرق الجلد ليصل إلى الإنسان ألم العذاب، و أمّا الجلد و اللّحم فلا يألمان؛قالوا:فسواء أعيد على الكافر جلده الّذي كان له في الدّنيا،أو جلد غيره،إذ كانت الجلود غير آلمة و لا معذّبة،و إنّما الآلمة المعذّبة النّفس الّتي تحسّ الألم،و يصل إليها الوجع؛قالوا:و إذا كان ذلك كذلك،فغير مستحيل أن يخلق لكلّ كافر في النّار في كلّ لحظة و ساعة من الجلود ما لا يحصى عدده، و يحرق ذلك عليه،ليصل إلى نفسه ألم العذاب،إذا كانت الجلود لا تألم.

و قال آخرون:بل الجلود تألم،و اللّحم و سائر أجزاء جرم بني آدم،و إذا أحرق جلده أو غيره من أجزاء جسده،وصل ألم ذلك إلى جميعه.

قالوا:و معنى قوله: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها بدّلناهم جلودا غير محترقة؛ و ذلك أنّها تعاد جديدة،و الأولى كانت قد احترقت فأعيدت غير محترقة،فلذلك قيل:(غيرها)لأنّها غير الجلود الّتي كانت لهم في الدّنيا،الّتي عصوا اللّه و هي لهم.

قالوا:و ذلك نظير قول العرب للصّائغ إذا استصاغته خاتما من خاتم مصوغ،بتحويله عن صياغته الّتي هو بها إلى صياغة أخرى:صغ لي من هذا الخاتم خاتما غيره،فيكسره و يصوغ له منه خاتما غيره،و الخاتم المصوغ بالصّياغة الثّانية هو الأوّل،و لكنّه لمّا أعيد بعد كسره خاتما،قيل:هو غيره،قالوا:فكذلك معنى قوله:

كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لمّا احترقت الجلود،ثمّ أعيدت جديدة بعد الاحتراق، قيل:هي غيرها،على ذلك المعنى.

و قال آخرون:معنى ذلك كلّما نضجت جلودهم:

سرابيلهم،بدّلناهم سرابيل من قطران غيرها،فجعلت سرابيل القطران لهم جلودا،كما يقال للشّيء الخاصّ بالإنسان:هو جلدة ما بين عينيه و وجهه،لخصوصه به، قالوا:فكذلك سرابيل القطران،الّتي قال اللّه في كتابه:

سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ وَ تَغْشى وُجُوهَهُمُ النّارُ إبراهيم:50.

لمّا صارت لهم لباسا لا تفارق أجسامهم،جعلت لهم جلودا،فقيل:كلّما اشتعل القطران في أجسامهم و احترق،بدّلوا سرابيل من قطران آخر.قالوا:و أمّا جلود أهل الكفر من أهل النّار،فإنّها لا تحرق،لأنّ في احتراقها إلى حال إعادتها فناءها،و في فنائها راحتها، قالوا:و قد أخبر اللّه تعالى ذكره عنها أنّهم لا يموتون، و لا يخفّف عنهم من عذابها.

قالوا:و جلود الكفّار أحد أجزاء أجسامهم،و لو جاز أن يحترق منها شيء فيفنى،ثمّ يعاد بعد الفناء في

ص: 713

النّار،جاز ذلك في جميع أجزائها،و إذا جاز ذلك وجب أن يكون جائزا عليهم الفناء،ثمّ الإعادة و الموت،ثمّ الإحياء،و قد أخبر اللّه عنهم أنّهم لا يموتون.قالوا:و في خبره عنهم أنّهم لا يموتون،دليل واضح أنّه لا يموت شيء من أجزاء أجسامهم،و الجلود أحد تلك الأجزاء.

(5:142)

نحوه الطّبرسيّ(2:62)،و الخازن(1:456).

عبد العزيز بن يحيى:إنّ اللّه عزّ و جلّ يلبس أهل النّار جلودا لا تألم،فتكون زيادة عذاب عليهم، كلّما احترق جلد بدّلهم جلدا غيره.(البغويّ(1:648)

البغويّ: فإن قيل:كيف تعذّب جلود لم تكن في الدّنيا و لم تعصه؟

قيل:يعاد الجلد الأوّل في كلّ مرّة.و إنّما قال:جلودا غيرها لتبدّل صفتها،كما تقول:صنعت من خاتمي خاتما غيره،فالخاتم الثّاني هو الأوّل إلاّ أنّ الصّناعة و الصّفة تبدّلت،و كمن يترك أخاه صحيحا ثمّ بعد مدّة يراه مريضا دنفا،فيقول:أنا غير الّذي عهدت،و هو عين الأوّل،إلاّ أنّ صفته تغيّرت.(1:648)

الزّمخشريّ: فإن قلت:كيف تعذّب مكان الجلود العاصية جلود لم تعص؟

قلت:العذاب للجملة الحسّاسة،و هي الّتي عصت لا للجلد.

و عن فضيل:يجعل النّضيج غير نضيج،و عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«تبدّل جلودهم كلّ يوم سبع مرّات».(1:534)

الفخر الرّازيّ: الجلود العاصية إذا احترقت،فلو خلق اللّه مكانها جلودا أخرى و عذّبها،كان هذا تعذيبا لمن لم يعص،و هو غير جائز.

و الجواب عنه من وجوه:

الأوّل:أن يجعل النّضج غير النّضيج،فالذّات واحدة و المتبدّل هو الصّفة،فإذا كانت الذّات واحدة كان العذاب لم يصل إلاّ إلى العاصي،و على هذا التّقدير المراد بالغيريّة:التّغاير في الصّفة.

الثّاني:المعذّب هو الإنسان،و ذلك الجلد ما كان جزء من ماهيّة الإنسان،بل كان كالشّيء الملتصق به الزّائد على ذاته.فإذا جدّد اللّه الجلد و صار ذلك الجلد الجديد سببا لوصول العذاب إليه،لم يكن ذلك تعذيبا إلاّ للعاصي.

الثّالث:أنّ المراد بالجلود:السّرابيل،قال تعالى:

سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ إبراهيم:50،فتجديد الجلود إنّما هو تجديد السّرابيلات.طعن القاضي فيه،فقال:

«إنّه ترك للظّاهر».و أيضا السّرابيل من القطران لا توصف بالنّضج،و إنّما توصف بالاحتراق.

الرّابع:يمكن أن يقال:هذا استعارة عن الدّوام و عدم الانقطاع،كما يقال لمن يراد وصفه بالدّوام:كلّما انتهى فقد ابتدأ،و كلّما وصل إلى آخره فقد ابتدأ من أوّله،فكذا قوله: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها يعني كلّما ظنّوا أنّهم نضجوا و احترقوا و انتهوا إلى الهلاك،أعطيناهم قوّة جديدة من الحياة؛ بحيث ظنّوا أنّهم الآن حدثوا و وجدوا،فيكون المقصود بيان دوام العذاب و عدم انقطاعه.

الخامس:قال السّدّيّ: «إنّه تعالى يبدّل الجلود من لحم الكافر،فيخرج من لحمه جلد آخر»و هذا بعيد لأنّ

ص: 714

لحمه متناه،فلا بدّ و أن ينفد،و عند نفاد لحمه لا بدّ من طريق آخر في تبديل الجلد،و لم يكن الطّريق مذكورا أوّلا،و اللّه أعلم.(10:134)

القرطبيّ: و المعنى في الآية:تبدّل الجلود جلودا أخر.فإن قال من يطعن في القرآن من الزّنادقة:كيف جاز أن يعذّب جلدا لم يعصه؟

قيل له:ليس الجلد بمعذّب و لا معاقب،و إنّما الألم واقع على النّفوس؛لأنّها هي الّتي تحسّ و تعرف،فتبديل الجلود زيادة في عذاب النّفوس،يدلّ عليه قوله تعالى:

لِيَذُوقُوا الْعَذابَ و قوله تعالى: كُلَّما خَبَتْ زِدْناهُمْ سَعِيراً الإسراء:97.

فالمقصود تعذيب الأبدان و إيلام الأرواح،و لو أراد الجلود،لقال:ليذقنّ العذاب.[ثمّ أدام نحو الطّبريّ]

(5:253)

الشّوكانيّ: و المعنى أنّها كلّما احترقت جلودهم بدّلهم اللّه جلودا غيرها،أي أعطاهم مكان كلّ جلد محترق جلدا آخر غير محترق.فإنّ ذلك أبلغ في العذاب للشّخص،لأنّ إحساسه لعمل النّار في الجلد الّذي لم يحترق،أبلغ من إحساسه لعملها في الجلد المحترق.

و قيل:المراد بالجلود:السّرابيل الّتي ذكرها في قوله:

سَرابِيلُهُمْ مِنْ قَطِرانٍ إبراهيم:50،و لا موجب لترك المعنى الحقيقيّ هاهنا،و إن جاز إطلاق الجلود على السّراويل مجازا.[ثمّ استشهد بشعر](1:612)

الآلوسيّ: أي أعطيناهم مكان كلّ جلد محترق عند احتراقه جلدا جديدا مغايرا للمحترق صورة،و إن كانت مادّته الأصليّة موجودة،بأن يزال عنه الإحراق؛ فلا يراد أنّ الجلد الثّاني لم يعص فكيف يعذّب،و ذلك لأنّه هو العاصي باعتبار أصله،فإنّه لم يبدّل إلاّ صفته.

و عندي أنّ هذا السّؤال ممّا لا يكاد يسأله عاقل فضلا عن فاضل؛و ذلك لأنّ عصيان الجلد و طاعته و تألّمه و تلذّذه غير معقول،لأنّه من حيث ذاته لا فرق بينه و بين سائر الجمادات من جهة عدم الإدراك و الشّعور،و هو أشبه الأشياء بالآلة.فيد قاتل النّفس ظلما مثلا آلة له،كالسّيف الّذي قتل به و لا فرق بينهما، إلاّ بأنّ اليد حاملة للرّوح،و السّيف ليس كذلك،و هذا لا يصلح وحده سببا لإعادة اليد بذاتها و إحراقها،دون إعادة السّيف و إحراقه،لأنّ ذلك الحمل غير اختياريّ.

فالحقّ أنّ العذاب على النّفس الحسّاسة بأيّ بدن حلّت و في أيّ جلد كانت،و كذا يقال في النّعيم.

و يؤيّد هذا إنّ من أهل النّار من يملأ زاوية من زوايا جهنّم،و أنّ سنّ الجهنّميّ كجبل أحد،و أنّ أهل الجنّة يدخلونها على طول آدم عليه السّلام ستّين ذراعا في عرض سبعة أذرع.و لا شكّ أنّ الفريقين لم يباشروا الشّرّ و الخير بتلك الأجسام،بل من أنصف رأى أنّ أجزاء الأبدان في الدّنيا لا تبقى على كمّيّتها كهولة و شيوخة، و كون الماهيّة واحدة لا يفيد،لأنّا لم ندع فيما نحن فيه أنّ الجلد الثّاني يغاير الأوّل كمغايرة العرض للجوهر أو الإنسان للحجر،بل كمغايرة زيد المطيع لعمرو العاصي مثلا،على أنّه لو قيل:إنّ الكافر يعذّب أوّلا ببدن من حديد تحلّه الرّوح،و ثانيا ببدن من غيره،كذلك لم يسغ لأحد أن يقول:إنّ الحديد لم يعص فكيف أحرق بالنّار! و لو لا ما علم من الدّين بالضّرورة من المعاد الجسمانيّ،

ص: 715

بحيث صار إنكاره كفرا،لم يبعد عقلا القول بالنّعيم و العذاب الرّوحانيّين فقط.(5:58)

عبد الكريم الخطيب :و الجلد هو حاسّة الإحساس في الإنسان،و لذا كان العذاب الأخرويّ واقعا عليه،و كانت النّار الّتي تتّصل به أشبه بثوب من النّار ذاتها،كلّما بلى هذا الثّوب،تجدّد لأصحاب النّار ثوب آخر مكانه.(3:818)

[لاحظ«ب د ل»]

2- حَتّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ* وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَ هُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ. فصّلت:20،21

الإمام عليّ عليه السّلام:الجلود:الفروج.

(الكاشانيّ 4:356)

مثله السّدّيّ(427)،و ابن قتيبة(389)،و ابن زيد(الماورديّ 5:176).

ابن عبّاس: جلودهم:أعضاؤهم.

(وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ) :لأعضائهم،و يقال:لفروجهم:

لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا. (402)

الجلود:الأيدي،و الأرجل.(الماورديّ 5:176)

الإمام الصّادق عليه السّلام:الجلود:الفروج و الأفخاذ.

(الكاشانيّ 4:356)

الطّبريّ: و قد قيل:عني بالجلود في هذا الموضع:

الفروج.[إلى أن قال:]

قال عبيد اللّه بن أبي جعفر:(جلودهم):الفروج.

و هذا القول الّذي ذكرناه عمّن ذكرنا في معنى الجلود،و إن كان معنى يحتمله التّأويل،فليس بالأغلب على معنى الجلود،و لا بالأشهر.و غير جائز نقل معنى ذلك المعروف على الشّيء الأقرب إلى غيره،إلاّ بحجّة يجب التّسليم لها.(24:106)

نحوه ابن عطيّة.(5:11)

الماورديّ: فيه ثلاثة أقاويل:

أحدها:[قول ابن زيد]

الثّاني:لجلودهم أنفسها،و هو الظّاهر.

الثّالث:[قول ابن عبّاس الأخير]

و قيل:إنّ أوّل ما يتكلّم منه فخذه الأيسر و كفّه الأيمن.(5:176)

الطّوسيّ: و قيل:المراد بالجلود:الفروج،على طريق الكناية.و قيل:لا،بل الجلود المعروفة،و هو الظّاهر.(9:117)

ابن الأثير: الجلود هاهنا تفسّر حقيقة و مجازا.أمّا الحقيقة فيراد بها الجلود مطلقا،و أمّا المجاز فيراد بها الفروج خاصّة.و هذا هو المانع البلاغيّ الّذي يرجّح جانب المجاز على الحقيقة،لما فيه من لطف الكناية عن المكنّى عنه.

و قد يسأل هاهنا في التّرجيح بين الحقيقة و المجاز، عن غير الجانب البلاغيّ،و يقال:ما بيان هذا التّرجيح؟

فيقال:طريقة لفظ«الجلود»عامّ،فلا يخلو إمّا أن يراد به الجلود مطلقا،أو يراد به الجوارح الّتي هي أدوات الأعمال خاصّة.و لا يجوز أن يراد به الجلود على الإطلاق،لأنّ شهادة غير الجوارح الّتي هي الفاعلة،

ص: 716

شهادة باطلة؛إذ هي شهادة غير شاهد.و الشّهادة هنا يراد بها الإقرار،فتقول اليد:أنا فعلت كذا و كذا،و تقول الرّجل:أنا مشيت إلى كذا و كذا،و كذلك الجوارح الباقية تنطق مقرّة بأعمالها.فترجّح بهذا أن يكون المراد به شهادة الجوارح.

و إذا أريد به الجوارح،فلا يخلو إمّا أن يراد به الكلّ أو البعض.فإن أريد به الكلّ،دخل تحته السّمع و البصر،و لم يكن لتخصيصهما بالذّكر فائدة.و إن أريد به البعض،فهو بالفرج أخصّ منه بغيره من الجوارح، لأمرين:

أحدهما:أنّ الجوارح كلّها قد ذكرت في القرآن الكريم شاهدة على صاحبها بالمعصية ما عدا الفرج، فكان حمل الجلد عليه أولى،ليستكمل ذكر الجميع.

الآخر:أنّه ليس في الجوارح ما يكره التّصريح بذكره إلاّ الفرج،فكنّي عنه بالجلد،لأنّه موضع يكره التّصريح فيه بالمسمّى على حقيقته.

فإن قيل:إنّ تخصيص السّمع و البصر بالذّكر من باب التّفصيل،كقوله تعالى: فاكِهَةٌ وَ نَخْلٌ وَ رُمّانٌ الرّحمن:68،و النّخل و الرّمّان من الفاكهة.

قلت في الجواب:هذا القول عليك لا لك،لأنّ النّخل و الرّمّان إنّما ذكرا لتفضيل لهما في الشّكل أو في الطّعم، و الفضيلة هاهنا في ذكر الشّهادة إنّما هي تعظيم لأمر المعصية،و غير السّمع و البصر أعظم في المعصية،لأنّ معصية السّمع إنّما تكون في سماع غيبة،أو في سماع صوت مزمار أو وتر،أو ما جرى هذا المجرى.و معصية البصر إنّما تكون في النّظر إلى محرّم،و كلتا المعصيتين لا حدّ فيها.و أمّا المعاصي الّتي توجد من غير السّمع و البصر فأعظم،لأنّ معصية اليد توجب القطع،و معصية الفرج توجب جلد مائة أو الرّجم،و هذا أعظم،فكان ينبغي أن تخصّ بالذّكر دون السّمع و البصر.و إذا ثبت فساد ما ذهبت إليه،فلم يكن المراد بالجلود:إلاّ الفروج خاصّة.(القاسميّ 14:5197)

الفخر الرّازيّ: ما رأيت للمفسّرين في تخصيص هذه الأعضاء الثّلاثة بالذّكر سببا و فائدة،و أقول:لا شكّ أنّ الحواس خمسة:السّمع،و البصر،و الشّمّ،و الذّوق، و اللّمس،و لا شكّ أنّ آلة اللّمس هي الجلد.فاللّه تعالى ذكر هاهنا من الحواسّ و هي السّمع و البصر و اللّمس، و أهمل ذكر نوعين و هما الذّوق و الشّمّ،لأنّ الذّوق داخل في اللّمس من بعض الوجوه،لأنّ إدراك الذّوق إنّما يتأتّى بأن تصير جلدة اللّسان و الحنك مماسّة لجرم الطّعام،فكان هذا داخلا فيه،فبقي حسّ الشّمّ و هو حسّ ضعيف في الإنسان،و ليس للّه فيه تكليف و لا أمر و لا نهي.

إذا عرفت هذا فنقول:نقل عن ابن عبّاس أنّه قال:

المراد من شهادة الجلود:شهادة الفروج،قال:و هذا من باب الكنايات،كما قال: وَ لكِنْ لا تُواعِدُوهُنَّ سِرًّا البقرة:235،و أراد النّكاح،و قال: أَوْ جاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغائِطِ النّساء:43،و المراد قضاء الحاجة.و عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«أوّل ما يتكلّم من الآدميّ فخذه و كفّه».و على هذا التّقدير فتكون هذه الآية و عيدا شديدا في الإتيان بالزّنى،لأنّ مقدّمة الزّنى إنّما تحصل بالكفّ، و نهاية الأمر فيها إنّما تحصل بالفخذ.(14:116)

ص: 717

أبو السّعود: بأن ينطقها اللّه تعالى أو يظهر عليها آثار ما اقترفوا بها.و عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما أنّ المراد بشهادة الجلود:شهادة الفروج و هو الأنسب بتخصيص السّؤال بها في قوله تعالى: وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا فإنّ ما تشهد به من الزّنى أعظم جناية و قبحا،و أجلب للخزي و العقوبة ممّا يشهد به السّمع و الأبصار من الجنايات المكتسبة بتوسّطهما.

و قيل:المراد بالجلود:الجوارح،أي سألوها سؤال توبيخ،لما روي أنّهم قالوا لها:فعنكنّ كنّا ننازل،و في رواية:بعدا لكنّ و سحقا،عنكنّ كنت أجادل.و صيغة جمع العقلاء في خطاب الجلود في قوله تعالى: قالُوا أَنْطَقَنَا اللّهُ... (5:441)

البروسويّ: (جلودهم):ظواهر أنفسهم و بشراتهم بما لامست محظورا،و الجلد:قشر البدن.

و قيل:المراد بالجلود:الجوارح و الأعضاء.(8:247)

الشّوكانيّ: [نقل كلام الفخر الرّازيّ ثمّ قال:]

إذا عرفت من كلامه هذا وجه تخصيص الثّلاثة بالذّكر،عرفت منه وجه تخصيص الجلود بالسّؤال،لأنّها قد اشتملت على ثلاث حواسّ،فكان تأتي المعصية من جهتها أكثر.

و أمّا على قول من فسّر الجلود بالفروج،فوجه تخصيصها بالسّؤال ظاهر،لأنّه ما يشهد به الفرج من الزّنى أعظم قبحا،و أجلب للخزي و العقوبة.(4:641)

الآلوسيّ: [نقل كلام أبي السّعود ثمّ قال:]

و فيه نظر،و لعلّ إرادة الظّاهر أولى،و لعلّ تخصيص السّؤال بالجلود،لأنّها بمرأى منهم،بخلاف السّمع و البصر،أو لأنّها هي مدركة العذاب بالقوّة المودعة فيها،كما يشعر به قوله تعالى: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ. (24:115)

القاسميّ: [نقل كلام ابن الأثير ثمّ قال:]

و ناقشه ابن أبي الحديد في«الفلك الدّائر»بما محصّله:

أنّ حمل الجلد على الفرج إنّما يتعيّن،إذا كان بين لفظتي الجلد و الفرج أو معناهما مناسبة.و لا نجد مناسبة إلاّ أن يكون لأجل أنّ الجلد جزء من أجزاء ماهيّة الفرج،فعبّر عن الكلّ بالبعض،و هو بعيد جدّا،انتهى.

و أقول:مقصود من أثر عنه:إرادة الفروج بالجلود، هو إرادة الفرد الأهمّ و الأقوى؛و ذلك لأنّ الجلود تصدق على ما حواه الجسم من الأعضاء و العضلات الّتي تكتسب الجريمة.

و لا يخفى أنّ أهمّها بالعناية و أولاها بالإرادة هو الفروج،لأنّ معصيتها تربي على الجميع.

و قد عهد في مفسّري السّلف اقتصارهم في التّأويل من العامّ على فرده الأهمّ،كقصرهم(سبيل اللّه)على الجهاد،مع أنّ(سبيل اللّه)يصدق على كلّ ما فيه خير و قربة و نفع و معونة على الطّاعة،إلاّ أنّ أهمّ الجميع هو جهاد الّذين يصدّون عن الحقّ؛فذكر الجهاد لا ينفي غيره.و هذه فائدة ينبغي أن يحرص على فهمها كلّ من له عناية بالتّفسير،فإنّها من فوائده الجليلة،و ينحلّ بها إشكالات ليست بالقليلة،و اللّه الموفّق.

و قوله تعالى: وَ هُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ إنّما من تمام كلام الجلود،أو مستأنف من كلامه تعالى.و على كلّ،فهو مقرّر لما قبله،بأنّ القادر

ص: 718

على الخلق أوّل مرّة،قادر على إنطاق كلّ شيء.

(14:5198)

عبد الكريم الخطيب :ثمّ هناك«الجلد»و هو هذا الثّوب الّذي يكسو الإنسان،و يحوي كيانه كلّه،و هو موضع الإحساس فيه،و يمثّل حاسّة اللّمس،إلى جوانب الحواسّ الأخرى،من السّمع و البصر و الذّوق و الشّمّ الّتي يحويها كلّها الوعاء الجلديّ.

و قد فسّر بعض العلماء«الجلد»بالفرج،و هو تأويل بعيد،لا تساعد عليه اللّغة،و إن كانت الفروج من الجوارح الّتي تهدّد النّاس بأفدح الأخطار و أشنعها.

فكان حمل الجلود عليها منظورا فيه إلى إقامة أفصح الشّهود و أكثرهم دلالة على جرم المجرمين.و هذا ما نرى أنّ القرآن الكريم لم يقصد إليه هنا،و إلاّ لأنطق القلوب الّتي هي موطن الفساد،و قائدي الضّلال عند أهل الفساد و الضّلال و الكفر!

كذلك فسّر بعض العلماء المحدّثين«الجلد»ببصمات الأصابع؛حيث لكلّ إنسان بصمة أصابعه الّتي لا يشاركه فيها إنسان غيره.و هذا التّأويل محمول فيه الجلد على أنّه الّذي يكشف عن شخصيّة الإنسان،و ينادي عليه أنّ هذا هو فلان«المجرم»فخذوه.

و هذا المعنى أيضا غير وارد فيما سيقت الآية الكريمة له،و هو أنّ اللّه سبحانه و تعالى أقام على الكافرين و المشركين و الضّلاّل شهودا عليهم من الجوارح الّتي كانت في الدّنيا من القوى المسخّرة لهم،و الّتي كانت نعما من نعم اللّه الجليلة عندهم،لو أنّهم أحسنوا الانتفاع بها، و لكنّهم وجّهوها غير وجهتها الّتي خلقها اللّه لها.و كان ذلك عدوانا على هذه الجوارح ذاتها،بتكليفها ما لو كانت لها إرادة لأبت أن تفعله.

فلمّا جاء يوم الحساب،و لم يكن للإنسان سلطان عليها في هذا اليوم،لأنّ إرادته قد تعطّلت،تمثّلت هذه الجوارح شخوصا،تقف من صاحبها موقف الخصومة، و تنطق بما ارتكب بها صاحبها من منكرات،ليقتصّ لها اللّه سبحانه من صاحبها،المعتدي عليها.

و الجلود هنا هي-كما قلنا-الثّوب الّذي يكسو الكيان الإنسانيّ كلّه،و يحوي في داخله هذا الهيكل البشريّ،و ما حوى من مشاعر،و أحاسيس و وجدانات.

فشهادة الجلد شهادة شاملة لكلّ ما شهدت به هذه الجوارح من الألسنة،و الأيدي،و الأرجل،تستدرك ما فات هذه الجوارح أن تشهد عليه،ممّا لم يكن داخلا في نطاق وظيفتها.و لهذا فإنّهم-أي أهل الضّلال- يتّجهون إلى جلودهم وحدها بالاستنكار عليها،أن تؤدّي هذه الشّهادة الّتي تدينهم و تدين جلودهم معهم.

وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَ هُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ فصّلت:21.

و الجلود قد أنطقها اللّه سبحانه الّذي أنطق كلّ شيء، فكلّ شيء ناطق للّه سبحانه و تعالى،كما أنّ كلّ شيء مسبّح بحمده،كما يقول سبحانه: وَ إِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلاّ يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ الإسراء:44،فليس المراد بالنّطق هنا نطق اللّسان،و إنّما المراد هو إفصاح الموجود عن وجوده، و الإبانة عن ولائه لخالقه،بأيّة صورة من الصّور.و من هذه الصّور انتظام الموجود في نظام الوجود،و جريانه

ص: 719

على ما أقيم عليه.(12:1303-1305)

الطّباطبائيّ: و المراد بالجلود،على ظاهر إطلاق الآية:مطلق الجلود و شهادتها على أنواع المعاصي الّتي تتمّ بالجلود،من التّمتّعات المحرّمة كالزّنى و نحوه،و يمكن حينئذ أن تعمّم الجلود بحيث تشمل شهادتها ما شهدت الأيدي و الأرجل المذكورة،في قوله: اَلْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلى أَفْواهِهِمْ وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ يس:65، على بعد.

و قيل:تخصيص الجلود بالذّكر تقريع لهم و زيادة تشنيع و فضاحة،و خاصّة لو كان المراد بالجلود:

الفروج.و قيل:غير ذلك.(17:379)

مكارم الشّيرازيّ: ما هو المقصود من(جلود) بصيغة الجمع؟

الظّاهر أنّ المقصود بذلك هو جلود الأعضاء المختلفة للجسم،جلد اليد و الرّجل و الوجه،و غير ذلك.

أمّا الرّوايات الّتي تفسّر ذلك ب«الفروج»فهي في الحقيقة من باب بيان المصداق،و ليس حصر مفهوم الجلود في ذلك.

و من جانب آخر ربّ سائل يسأل:لما ذا تشهد العين و الأذن و الجلود فقط،دون أعضاء الجسم الأخرى؟و هل الشّهادة مقتصرة على هذه الأعضاء؟أو أنّ هناك أعضاء أخرى تشهد؟

ما نستفيده من الآيات القرآنيّة الأخرى أنّ هناك أعضاء أخرى في جسم الإنسان تشهد عليه،إذ نقرأ في الآية قوله تعالى: وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يس:65،و قوله تعالى: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ النّور:24.

و هكذا يتّضح أنّ هناك أعضاء أخرى تقوم بالإدلاء بالشّهادة،إلاّ أنّ ما تذكره الآية الّتي بين أيدينا من أعضاء تعتبر في الدّرجة الأولى،لأنّ معظم أعمال الإنسان تتمّ بمساعدة العين و الأذن،و أنّ الجلود هي أوّل من يقوم بملامسة الأعمال.[إلى أن قال:]

و الطّريف هنا أنّ أولئك يسألون جلودهم دون باقي الأعضاء من الشّهود كالعين و الأذن.

قد يكون السّبب في ذلك أنّ شهادة الجلود هي أغرب و أعجب من جميع الأعضاء الأخرى،و أوسع منها جميعا،فتلك الجلود الّتي يجب عليها أن تذوق طعم العذاب الإلهيّ-قبل غيرها من الأعضاء-تقوم بمثل هذه الشّهادة،و هذا الأمر محيّر حقّا.(15:349)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: الجلود على وجهين:

أحدهما:الجلود بعينها،كقوله: كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها النّساء:56.

الثّاني:الفروج،كقوله: حَتّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ فصّلت:20، و قوله: وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا فصّلت:

21،و قوله: وَ لا أَبْصارُكُمْ وَ لا جُلُودُكُمْ فصّلت:22.

(181)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجلد،أي غشاء جسد

ص: 720

الحيوان،و الجمع:جلود و أجلاد؛و الجلدة:طائفة من الجلد،يقال:جلدة العين و غيرها،و فلان من جلدتنا، أي من عشيرتنا.

و أجلاد الإنسان و تجاليده:جسمه و بدنه،لأنّ الجلد محيط بهما،يقال:فلان عظيم الأجلاد و التّجاليد،أي ضخم قويّ الأعضاء و الجسم،و كذا فلان عظيم الأجلاد و ضئيل الأجلاد،و ما أشبه أجلاده بأجلاد أبيه،أي شخصه و جسمه.

و عظم مجلّد:لم يبق عليه إلاّ الجلد.

و جلّد الجزور:نزع عنها جلدها كما تسلخ الشّاة، يقال:جلّد جزوره.

و الجلد جلد البوّ يحشى ثماما،و يخيّل للنّاقة فتحسبه ولدها إذا شمّته،فترأم بذلك على ولدها،يقال:جلّد البوّ،أي ألبسه الجلد.

و المجلدة:قطعة من جلد تمسكها النّائحة بيدها، و تلطم بها وجهها و خدّها،و الجمع:مجاليد.

و الجلد:الضّرب بالسّوط؛يقال:جلده يجلده جلدا،و جلده الحدّ جلدا:ضربه و أصاب جلده، كقولك:رأسه و بطنه.و فرس مجلّد:لا يجزع من ضرب السّوط،و امرأة جليد و جليدة:مجلودة،من نسوة جلدى و جلائد.

و جلدته بالسّيف جلدا:ضربت جلده،و جالدناهم بالسّيوف مجالدة و جلادا:ضاربناهم،و كذا تجالد القوم و اجتلدوا،و الجلاّد:من يتولّى الجلد بالسّوط و القتل بالسّيف.

و جلدت به الأرض:صرعته،و ضربتها به،و جلد به:رمي إلى الأرض.

و الجلد:القوّة و الشّدّة،تشبيها بالجلد،يقال:جلد الرّجل يجلد جلادة و جلودة،فهو جلد و جليد،و بيّن الجلد و الجلادة و الجلودة،و قوم جلد و جلداء و أجلاد و جلاد،و تجلّد الرّجل:تكلّف الجلادة.

و الجلاد من النّخل:الكبار الصّلاب،واحدتها:

جلدة،و تمرة.جلدة:صلبة مكتنزة.

و الجلاد من الإبل:الصّلبة الشّديدة،يقال:ناقة جلدة و نوق جلدات،و هي القويّة على العمل و السّير.

و جلدته الحيّة:لدغته،أي عضّت جلده.

و الجلد من الإبل و الغنم:الّتي لا أولاد لها و لا ألبان، مفردتها:جلدة،و جمعها:أجلاد و أجاليد.

و الجليد:ما جمد من الماء و سقط على الأرض من الصّقيع فجمد،و أرض مجلودة:أصابها الجليد،يقال:

جلدت الأرض،و أجلد النّاس،و جلد البقل.

و المجلّد:مقدار من الحمل معلوم المكيلة و الوزن، و كأنّه صنع من الجلد أوّل الأمر،ثمّ شاع في كلّ ما ناظره، و إن لم يصنع من الجلد.

و اجتلد ما في الإناء:شربه كلّه،يقال:حملت الإناء فاجتلدته و اجتلدت ما فيه،أي شربت كلّ ما فيه، فكأنّه رماه إلى جوفه.

2-أمّا قولهم:أرض جلد و جلدة،أي صلبة،فهو إبدال من«ك ل د»،يقال منه:تكلّد الرّجل،أي غلظ لحمه و تغزّر،و الكلدة:الأرض الصّلبة،أو قطعة من الأرض غليظة.

و قولهم:إنّه ليجلد بكلّ خير،أي يظنّ به،أصله

ص: 721

«يجلذ»من«ج ل ذ».

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الفعل أمرا مع المصدر مرّتين،و الاسم جمعا (9)مرّات:

1- اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما مِائَةَ جَلْدَةٍ وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ النّور:2

2- وَ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَداءَ فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً وَ لا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً وَ أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ النّور:4

3- وَ اللّهُ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ بُيُوتِكُمْ سَكَناً وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً تَسْتَخِفُّونَها يَوْمَ ظَعْنِكُمْ وَ يَوْمَ إِقامَتِكُمْ وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها أَثاثاً وَ مَتاعاً إِلى حِينٍ النّحل:80

4- اَللّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتاباً مُتَشابِهاً مَثانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَ قُلُوبُهُمْ إِلى ذِكْرِ اللّهِ ذلِكَ هُدَى اللّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشاءُ وَ مَنْ يُضْلِلِ اللّهُ فَما لَهُ مِنْ هادٍ الزّمر:23

5- هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا فِي رَبِّهِمْ فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيابٌ مِنْ نارٍ يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ* يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَ الْجُلُودُ

الحجّ:19 و 20

6- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِآياتِنا سَوْفَ نُصْلِيهِمْ ناراً كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ إِنَّ اللّهَ كانَ عَزِيزاً حَكِيماً النّساء:56

7 و 8 و 9- وَ يَوْمَ يُحْشَرُ أَعْداءُ اللّهِ إِلَى النّارِ فَهُمْ يُوزَعُونَ* حَتّى إِذا ما جاؤُها شَهِدَ عَلَيْهِمْ سَمْعُهُمْ وَ أَبْصارُهُمْ وَ جُلُودُهُمْ بِما كانُوا يَعْمَلُونَ* وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا قالُوا أَنْطَقَنَا اللّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَ هُوَ خَلَقَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَتِرُونَ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْكُمْ سَمْعُكُمْ وَ لا أَبْصارُكُمْ وَ لا جُلُودُكُمْ وَ لكِنْ ظَنَنْتُمْ أَنَّ اللّهَ لا يَعْلَمُ كَثِيراً مِمّا تَعْمَلُونَ

فصّلت:19-22

يلاحظ أوّلا:أنّ فيها محورين:الجلد و الجلد:

و جاء في المحور الأوّل الأمر بالجلد-و هو ضرب الجلد-في(1)و(2):مائة جلدة للزّاني،و ثمانين جلدة للقذف،و(جلدة)تمييز للعدد:مجرورة ب(مائة) و منصوبة ب(ثمانين).قال الزّمخشريّ:«و في لفظ الجلدة إشارة إلى أنّه ينبغي أن لا يتجاوز الألم إلى اللّحم».

و الأولى أن يقال:لا يتجاوز أثر الضّرب إلى اللّحم جرحا،و إلاّ فالألم يتجاوز الجلد إلى اللّحم قهرا.قال البغويّ:«و ذكر بلفظ(الجلد)لئلاّ يبرّح و لا يضرب بحيث يبلغ اللّحم».و يدلّ ما بعده وَ لا تَأْخُذْكُمْ بِهِما رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللّهِ على شدّة الضّرب،فإنّ الضّرب الخفيف لا يستدعي الرّأفة.

و للمفسّرين و الفقهاء أقوال في كيفيّة الضّرب و حدّه مستندين إلى السّنّة،لأنّ الكتاب ساكت عنها.

لاحظ القرطبيّ(12:162)فما بعدها.

ثانيا:بدأ اللّه حكم الجلد و عامّة أحكام الفاحشة و الأسرة بسورة فرضها،و بيّن فيها آيات اهتماما بها،

ص: 722

فقال: سُورَةٌ أَنْزَلْناها وَ فَرَضْناها وَ أَنْزَلْنا فِيها آياتٍ بَيِّناتٍ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ النّور:1.

ثالثا:في(1)بحوث:

1-قدّم مفعول الفعل عليه،فقال: اَلزّانِيَةُ وَ الزّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ واحِدٍ مِنْهُما اهتماما به كما قدّم في وَ السّارِقُ وَ السّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما المائدة:38، و جاء(فاجلدوا)و(فاقطعوا)في الآيتين بفاء الجزاء تقبيحا و تقليلا لهما كأنّهما لا يقعان،و أنّه لو فرض وقوعهما فحكمهما الجلد و القطع،فكأنّ السّياق يتضمّن الشّرط.قال الزّمخشريّ:«و إنّما دخلت الفاء لكون الألف و اللاّم بمعنى(الّذي)و تضمينه معنى الشّرط، و تقديره:الّتي زنت و الّذي زنى فاجلدوهما،كما تقول:

من زنى فاجلدوه».

2-ذكر الزّانية و الزّاني معا،لأنّ العمل مشترك بينهما و قائم بهما.

3-قدّمت الزّانية على الزّاني-مع أنّه هو الفاعل و هي مفعول بها-لشيوع الزّانيات في ذلك الزّمان،و كان لإماء العرب و البغايا رايات،و كنّ مجاهرات بذلك، و داعيات للرّجال إليهنّ،و لما قيل من أنّ الزّنى في النّساء أعرّ،و هو لأجل الحبل أضرّ،و أنّ الشّهوة في المرأة أكثر، و عليها أغلب،و لأنّ العار بالنّساء ألحق؛إذ موضوعهنّ الحجب و الصّيانة،و لأنّهنّ الباعثات لها لتبرّجهنّ و إبداء زينتهنّ و إغرائهنّ الرّجال،فصدّر بها تغليظا و تشديدا لهنّ.-لاحظ القرطبيّ(12:160)-و هذا بخلاف السّارق و السّارقة؛حيث قدّم السّارق لأنّ السّرقة على الرّجال غالبة،و ذكرت السّارقة اهتماما بها لئلاّ يغفل عنها.

4-جاء الزّنى و السّرقة كلاهما بلفظ اسم الفاعل الدّالّ على نوع من الاستمرار،أي من عادته الزّنى و السّرقة،فلا يصدقان بقول مطلق إلاّ على الّذين يديمون العمل.هذا هو مقتضى الصّيغة لكنّهم لم يعتنوا بها عملا بالسّنّة،و تحمل الصّيغة الحاكية عن العادة و الدّوام على أنّ التّعبير بها كان تشديدا لأمر الزّنى و السّرقة،و أنّهما بدرجة من القباحة و الشّناعة،أنّ من أتى بأحدهما مرّة بمثابة من كانت عادته ذلك،فيتّصف بوصف الدّائم، و على كلّ حال فصيغة الفاعل منهما أفحش من لفظ الفعل،لاحظ«ز ن ي».

5-هناك بحث في أمثال الآيتين من آيات الحدود و غيرها ممّا وجّه فيه الخطاب إلى المؤمنين عامّة،دون النّبيّ عليه السّلام أو أولياء الأمور و الحكّام و القضاة،مع أنّ الفقهاء متّفقون على أنّ إجراء الحدود من وظائف ولاة الأمر،فما هو وجه هذه الخطابات؟

و يخطر بالبال أنّها وجّهت إلى المؤمنين من أجل الاهتمام بها،و أنّها من الوظائف الاجتماعيّة الّتي كلّف بها المؤمنون جميعا لكي يهتمّوا بإجرائها،و لا يدعوها معطّلة،أو معلّقة؛و ذلك بإعانتهم الأولياء الّذين بيدهم أزمّة الأمور حتّى يتمكّنوا من إجرائها،و ليس معنى الخطاب عامّة أنّ لكلّ أحد من المؤمنين إجراءها من دون إرجاعها إلى وليّ الأمر،و إلاّ لاختلّ النّظام و يصبح الأمر فوضى،و هذا نظير حكم وجوب طاعة أولي الأمر و من مصاديقه.

و هذه الخطابات دليل على أنّ شئون الحكومة من

ص: 723

وجهة نظر القرآن لا تقام إلاّ برضى الشّعب المسلم و دعمه،و اشتراكه في إقامة الدّولة الإسلاميّة.و هذا باب من التّشريع السّياسيّ يتطلّب بحثا طويلا،كما أنّها دليل على أنّ النّاس مكلّفون بدفع المفاسد الاجتماعيّة سواء ما يقوم بها الحكّام أو غيرهم،و هذا شعبة و فرع من الأمر بالمعروف و النّهي عن المنكر.

رابعا:كلّ ما قلناه في الزّنى و السّرقة فهو جار في القذف،و لا فرق بينهما إلاّ من وجوه ثلاثة:

الأوّل:أنّ آية القذف(2)جاء فيها بدل القاذف و القاذفة: اَلَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ و فيها مسحة من الدّوام و الاستمرار أيضا،لكن ليست بذلك الوضوح.

الثّاني:أنّها خاصّة بالرّجال لأنّهم يقذفون المحصنات غالبا،و شذّ القذف من ناحية النّساء،و لو وقع فحكمهنّ حكم الرّجال سواء.

الثّالث:أنّ حدّ القذف حقّ للمقذوف يجب بطلبها و يسقط بعفوها،لأنّه من حقوق الآدميّين،و هذا عند الإماميّة و الشّافعيّ،و عند أبي حنيفة أنّه حقّ اللّه، و عند بعض المتأخّرين أنّه من الحقوق المشتركة بين حقّ اللّه و حقّ النّاس.و التّفصيل موكول إلى الفقه و خارج عن منطوق الآية،لاحظ«ق ذ ف».

خامسا:و جاء في المحور الثّاني«الجلود»جمعا فقط، و هي قسمان:جلود الحيوان في(3)و هي نعمة من اللّه للإنسان في الدّنيا،و جلود الإنسان في الباقي و هي قسمان أيضا:جلودهم في الدّنيا مدحا و خوفا من اللّه،في(4) و السّياق في هاتين مدح،و جلودهم في الآخرة تعذيبا في (5-9)و كلّها ذمّ.فجلود الإنسان فيها غلبت الحيوان بنسبة 1/9،و في جلود الإنسان غلب الذّمّ و العذاب على الرّحمة بنسبة 1/8،و إليك التّفصيل:

سادسا:جاء في(3) وَ جَعَلَ لَكُمْ مِنْ جُلُودِ الْأَنْعامِ بُيُوتاً اختلفوا في أنّ المراد بالبيوت:الخيام الّتي تنسج من أشعارها و أوبارها،أو الّتي تصنع من الأدم و الأنطاع،أو القسمان معا.فالجلود في الوجه الثّاني أريد بها نفسها،و في الأوّل و الأخير تعمّ متعلّقاتها،و التّعميم أولى و أصدق لشيوع القسمين بين العرب،إلاّ أنّ ذيلها:

وَ مِنْ أَصْوافِها وَ أَوْبارِها وَ أَشْعارِها أَثاثاً وَ مَتاعاً إِلى حِينٍ جعل متعلّقات الجلود صنفا مقابلا لها،فالمراد بالجلود نفسها فقط،و هذه نكتة لم يلتفتوا إليها،و لعلّها أوجبت اختيار أكثرهم الوجه الأوّل.

سابعا:جاءت في(4)الجلود مرّتين في وصف القرآن و أثره البالغ في قلوب الّذين يخشون ربّهم،و في (جلودهم)أي في ظاهرهم و باطنهم فتقشعرّ به جلودهم أوّلا ثمّ تلين به جلودهم و قلوبهم إلى ذكر اللّه،و فيها بحوث:

1-لا ريب أنّ القرآن أثّر بدء في باطنهم و قلوبهم، لأنّها موضع الخشية،و منها تتجاوز إلى ظاهرهم و جلودهم،إلاّ أنّ القرآن قدّم اقشعرار الجلود على خشية القلوب و لينها،لأنّه الأثر الظّاهر المشهود الدّالّ على الباطن،تقديما للمحسوس على المعقول،و للدّليل على المدلول عليه.

2-أنّه قد خصّ الأثر الظّاهر أوّلا بالجلود،و هو الاقشعرار الحاكي عن وجود الخوف و الاضطراب في

ص: 724

الباطن،من دون التّصريح به،ثمّ عقّبه باللّين الحاكي عن الاطمئنان و الائتمان،و عمّه للجلود و القلوب جميعا، و معنى ذلك أنّ الخوف و الاضطراب بالقرآن للّذين يخشون ربّهم بمثابة من الشّدّة و العظمة لا يحكيها سوى اقشعرار الجلود،فاكتفى بها.أمّا الأمن و الاطمئنان فيبصران و يدركان في الجلود و القلوب معا،ابتداء بالجلود و انتهاء بالقلوب،عكس ما هو الواقع،لأنّهما في الجلود محسوسان،و في القلوب مدركان.

3-قال الطّباطبائيّ(17:256):(تقشعرّ)صفة (الكتاب)و ليس استئنافا،و الاقشعرار تقبّض الجلد تقبّضا شديدا،لخشية عارضة عن استماع أمر هائل أو رؤيته...و لم يذكر«القلوب»عند ذكر الاقشعرار،لأنّ المراد بالقلوب:النّفوس،و لا اقشعرار لها و إنّما لها الخشية»و هذا وجه آخر غير ما ذكرناه في اختصاص الاقشعرار بالجلود.

4-كأنّ التّعبير عن شدّة الخوف و الاضطراب باقشعرار الجلود استعارة بليغة نظير:زيد أسد،من دون أن يقع في الجلود اقشعرار حقيقة.و له نظائر في القرآن، و في كلام البلغاء،لاحظ«قرآن و قلب».

ثامنا:جاء في(5)من جملة عذاب الّذين كفروا يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ* يُصْهَرُ بِهِ ما فِي بُطُونِهِمْ وَ الْجُلُودُ فاختلفوا في(و الجلود)هل هي عطف على(ما فى بطونهم)فيكون المعنى يصهر و يذوب ما في بطونهم من الأحشاء و تذوب به جلودهم،فيتأثّر بها ظاهرهم و باطنهم بالذّوبان،أو هي فاعل فعل محذوف(يخرق)أي و يخرق جلودهم،لأنّ الجلود لا تذاب بل تخرق و تنكمش على النّار؟

و قد أثير فيها سؤال:لم أخّرت الجلود عن«ما فى البطون»مع أنّ الجلود هي الّتي تمسّ و تتأثّر أوّلا بالنّار، و منها تنفد النّار إلى الباطن؟

و الجواب عنه بوجوه:

1-أنّه لرعاية الفواصل،و كأنّهم أرادوا بها حرف الدّال،لكثرته في الفواصل قبلها و بعدها،مثل:يزيد، شهيد،عديد،حميد،و إلاّ فليس هناك تناسق بينها من حيث الصّيغة،مع أنّه لا يدوم أيضا،فقبلها،يشاء و بعدها:الحريق،حرير،أليم،السّجود.و هذا الأخير يناسب(الجلود)وزنا و ختاما بالدّال.

2-أنّه للإشعار بغاية شدّة الحرارة بإيهام أنّ أثرها في الباطن يسبق أثرها في الظّاهر مع أنّ ملابستها على العكس.

3-أنّ تأثيرها في الظّاهر غنيّ عن البيان،و إنّما ذكر للإشارة إلى تساويهما،فقدّم الباطن لأنّه المقصود الأهمّ.

4-ربّما يخطر بالبال أنّها توهّم أنّ النّار تنبع من باطنهم،لأنّه موضع النّيّات،و هي منشأ الشّرور أو الخيرات«إنّما الأعمال بالنّيّات»و هذا مدفوع بأنّ صدر الآية: يُصَبُّ مِنْ فَوْقِ رُؤُسِهِمُ الْحَمِيمُ و هذا صريح في أنّ منشأ العذاب في الظّاهر،نعم،هذا لا ينفي أن يكون له منشأ من الباطن أيضا.و الّذي يسهّل الخطب أنّ التّمثيل و التّشبيه غالب على أمثال هذه الآية،فالتّفنّن فيها مسموح و مقبول.

تاسعا:جاءت(جلود)في(6)مرّتين أيضا:

كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها،

ص: 725

و فيها بحوث:

1-إضافة(جلود)جمعا إليهم باعتبار أنّ لكلّ منهم جلدا،مثل: فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ المائدة:6،أو باعتبار أنّ لكلّ منهم-و هو حيّ-جلودا حقيقة،لأنّ جلد كلّ إنسان يتبدّل دائما ما دام حيّا،فلعلّ الجلود المتبدّلة في الآخرة هي الّتي تبدّلت في الدّنيا،و قد صدرت منها المعاصي و السّيّئات.

2-في تبديل«الجلود»للعذاب سؤال معروف،و هو أنّ الجلود المبدّلة غير عاصية،فكيف تعذّب!و لهم أجوبة أنهاها الفخر الرّازيّ إلى خمسة؛أصدقها اثنان:

أحدهما:أنّ الجلود لا تعذّب و إنّما النّفوس هي الّتي تذوق العذاب،و الجلود بمنزلة الثّياب لها.

ثانيهما:أنّها استعارة عن دوام العذاب و عدم انقطاعه،كما يقال لمن يراد وصفه بالدّوام:كلّما انتهى فقد ابتدأ...أي كلّما ظنّوا أنّهم نضجوا و احترقوا و أنهوا إلى الهلاك أعطيناهم قوّة جديدة من الحياة،بحيث ظنّوا أنّهم الآن وجدوا.

و عندنا أنّ أصل السّؤال-كما قال الآلوسيّ-لا ينبغي أن يصدر عن عاقل فضلا عن فاضل،لأنّ عصيان الجلد و طاعته و تألّمه و تلذّذه غير معقول،لأنّ الإدراك و الشّعور للنّفس و البدن بجميع أعضائه كالآلة للنّفس الحسّاسة.مع أنّ ما احتملناه من أنّ الجلود المتبدّلة في الجحيم هي المتبدّلة في الدّنيا دافع للسّؤال.

3-تكرار(الجلود)فيها تجسيم بليغ للعذاب و دوامه،كتكرارها في(4).

عاشرا:جاءت«الجلود»في الآيات(7 و 8 و 9) ثلاث مرّات في كلّ آية مرّة،و كلّها راجعة إلى شهادة جلود أهل النّار عليهم يوم الحشر،و فيها بحوث:

1-في تكرار«الجلود»تجسيم لشدّة العذاب،كما سبق في(6).

2-أوّلت الجلود:بالفروج،أو بالفروج و الأفخاذ، لأنّهما أوّل ما يسأل عمّا صدر عنهما،و كلا الوجهين مرويّان-أو بالأيدي و الأرجل،أو بالأعضاء،أو ببصمات الأصابع،و نحوها و كلّها-كما اعترف بها الطّبريّ و الطّوسيّ و غيرهما-خلاف الظّاهر،فلا يقبل إلاّ بحجّة يجب التّسليم لها،كقول المعصوم،و هو موجود،إلاّ أنّه قابل للحمل على أنّ ما ذكر أوّل ما يسأل،فلا يمنع شمولها لجلودهم كلّها.و يؤيّده اختصاص الآية(8)بذكر الجلود فقط،و سنبحث فيه.

3-قيل في وجه التّعبير عن الفروج:بالجلود،أنّه كناية حذرا من ذكر القبيح،كما يعبّر عن الجماع بالمسّ، أو لأنّ الفروج معصيتها أكبر و أغلب،و هذا معهود من مفسّري السّلف من اقتصارهم في التّأويل من العامّ على فرده الأهمّ،كقصرهم(سبيل اللّه)على(الجهاد).و عند ابن أبي الحديد أنّ في هذه القاعدة تنحلّ إشكالات كثيرة في التّأويلات المرويّة.

4-ذكرت في(7 و 9)السّمع و الأبصار و الجلود فما هو وجه اختصاصها بالذّكر من الحواسّ الخمس؟

و الجواب أنّ هذا السّؤال أثاره الفخر الرّازيّ أوّلا -كما صرّح به و تبعه الآخرون-و أجاب بأنّ الحواسّ خمس:السّمع و البصر و الشّمّ و الذّوق و اللّمس،و آلة اللّمس الجلد،فاللّه اكتفى هنا بثلاث و أهمل الشّمّ

ص: 726

و الذّوق،لأنّ الذّوق داخل في اللّمس،لأنّه يرجع إلى جلد الفم،و الشّمّ حسّ ضعيف،ليس فيه تكليف حتّى يسأل.

و قد أورد عليه بأنّ غير السّمع و البصر أعظم في المعصية،لأنّ معصية السّمع تنحصر في سماع الغيبة أو اللّهو و نحوهما،و معصية البصر في النّظر إلى محرّم،و لا حدّ في شيء منهما،و معصية غيرهما من الأعضاء أهمّ، فمعصية اليد توجب الحدّ.و معصية الفرج توجب الجلد أو الرّجم،فكان ينبغي أن تخصّا بالذّكر.

ثمّ إنّ مطلق الجسم ليس فيه معصية و لا حدّ؟و هذا هو الّذي أوجب أن حملها ابن الأثير على الفرج فقط.

و قد قيل في وجه اختصاص السّمع و البصر بالذّكر:

أنّه ما في معصية إلاّ و لهما دخل فيها.

و هناك سؤال آخر:ما وجه اختصاصهما بالذّكر في الآيتين مع ذكر شهادة الأيدي و الأرجل أيضا في:

وَ تُكَلِّمُنا أَيْدِيهِمْ وَ تَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِما كانُوا يَكْسِبُونَ يس:65،و هي مع الألسن في: يَوْمَ تَشْهَدُ عَلَيْهِمْ أَلْسِنَتُهُمْ وَ أَيْدِيهِمْ وَ أَرْجُلُهُمْ... النّور:24؟

و عندنا أنّ القرآن يتفنّن في ذكر الأشهاد في تلك الآيات،فلوحظ في بعضها ما له دخل في جميع المعاصي كالسّمع و البصر و الجلود-لو أريد بها العموم-و في بعضها ما تصدر عنه المعصية كالأيدي و الأرجل و الألسنة،مع أنّ شهادة الألسنة تعدّ اعترافا بجميع المعاصي الّتي صدرت عن الإنسان.و هناك بحث طويل في ذلك بين ابن الأثير و ابن أبي الحديد و القاسميّ، فلاحظ.

و سؤال ثالث:ما وجه اختصاص الجلود من بين الأعضاء في سؤال أهل العذاب في(8) وَ قالُوا لِجُلُودِهِمْ لِمَ شَهِدْتُمْ عَلَيْنا؟

و أجيب بأنّ الجلود تعمّ جميع الجوارح-لو أريد بها الجميع دون الفرج خاصّة-فقامت مقامها-مع أنّ شهادة الجلود أعجب و أغرب من غيرها،لأنّ الأعضاء الّتي تصدر عنها المعصية هي المسئولة عنها بالذّات، و الجلود مسئولة تبعا لها،فلم يشهدون عليها؟و لهذا أجابتهم الجلود: قالُوا أَنْطَقَنَا اللّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ.

و لك أن تقول:إنّ«الجلود»تعمّ القريب منها و البعيد فتعتبر أقرب الأعضاء إلى الإنسان،أو أنّها جميعا تشهد بأصواتها شهادة واحدة،أو كانت أصواتها تعلو أصوات غيرها،أو أنّها بمرأى منهم بخلاف السّمع و البصر،أو لأنّها تلمس العذاب بالقوّة المودعة فيها،كما تشير إليه كُلَّما نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْناهُمْ جُلُوداً غَيْرَها لِيَذُوقُوا الْعَذابَ فترفع صوتها بالشّهادة،كما أنّها تباشر المعصية مع جميع الأعضاء و الحواسّ،فيوجّه خطابهم إليها.

5-هناك بحث في كيفيّة شهادة الأعضاء و كلامها، و في أنّها شهادة جبريّة كما يشهد به: أَنْطَقَنَا اللّهُ الَّذِي أَنْطَقَ كُلَّ شَيْءٍ فلا حجّة فيها،و تمام البحث في «ش ه د»فانتظر.

الحادي عشر:الآيتان(1)و(2)مدنيّتان مضمونهما تشريع،كما هي الحال في آيات الأحكام غالبا.و قد خصّتا بصيغة الفعل و المصدر.و التّسع الباقية

ص: 727

المختصّة بذكر الجلود بأقسامها،أكثرها مكّيّة،و اثنتان منها(5)و(6)مدنيّة-لو كانت سورة الحجّ مدنيّة- و ليس فيها تشريع بل واحدة منها،و هي(3)الجلود فيها نعمة تعود إلى الرّكن الأوّل من العقيدة،و هو التّوحيد،و تخصّ الحيوان،و الباقي في جلود الإنسان واحدة منها و هي(4)جاء بشأن القرآن و أثره في جلود المؤمنين،و هي خاصّة بالدّنيا،و ترجع إلى الرّكن الثّاني من العقيدة،أي النّبوّة،و الخمس الباقية خاصّة بعذاب الجلود و شهادتها في الآخرة،فترجع إلى الرّكن الثّالث من العقيدة و هو المعاد،و التّركيز في العقيدة بالوحي القرآنيّ في مكّة أمسّ،و إن استمرّ في المدنيّات أيضا، و لهذا جاء في(5)-على خلاف فيها-و(6)أيضا.

ص: 728

ج ل س

اشارة

المجالس

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :ناقة جلس و جمل جلس،أي وثيق.

و الجلس:ما ارتفع عن الغور من أرض نجد،و تقول:

أغاروا و أجلسوا و غاروا و جلسوا.

و جلس يجلس جلوسا،و هو حسن الجلسة.

و الجلسيّ: ما حول الحدقة،و يقال:ظاهر العين.

و الجلّسان:دخيل،و هو بالفارسيّة كلّشان.[ثمّ استشهد بشعر](6:54)

أبو عمرو الشّيبانيّ: الجلس:الطّويلة.[ثمّ استشهد بشعر](1:138)

الفرّاء: المجلسة:المجلس،كالمكان و المكانة.

(الصّغانيّ 3:334)

الأصمعيّ: المجلس:القوم.[ثمّ استشهد بشعر]

(أبو زيد:29)

يقال:أنجد الرّجل فهو منجد،و جلس فهو جالس، إذا أتى جلسا،و هي نجد.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن السّكّيت:484)

المجلس:النّاس.[ثمّ استشهد بشعر]

(القاليّ 1:95)

اللّحيانيّ: هو المجلس و المجلسة.يقال:ارزن في مجلسك و مجلستك.

كلّ عظيم من الإبل و الرّجال:جلس.

(ابن سيده 7:271،272)

ابن الأعرابيّ: الجلس:بقيّة العسل في الوعاء.

(الثّعالبيّ: 238)

الجلس بكسر الجيم:الفدم.

و الجلس:البقيّة من العسل تبقى في الإناء.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 10:584)

ص: 729

ابن السّكّيت: جلس القوم،إذا أتوا نجدا،و هو الجلس.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 10:583)

ثعلب :الجلسة،أي الجلوس.(54)

ابن دريد :جلس يجلس جلوسا و أجلسه غيره، فهو مجلس.

قال أبو حاتم:قالت أمّ الهيثم:جلست الرّخمة،إذا جثمت.

و يقال:جلس جلسة حسنة.

و يقال:هؤلاء جلاّس الملك و جلساؤه.

و الجلاس:مصدر جالسته مجالسة و جلاسا،و ذكر أعرابيّ رجلا فقال:كريم النّحاس طيّب الجلاس؛ و النّحاس:الأصل.

و الجلس:الغلظ من الأرض،و من ذلك قولهم:ناقة جلس،لصلابتها و غلظها.[ثمّ استشهد بشعر]

و يسمّى نجد:الجلس،لغلظه و ارتفاعه،و يقال للمنجد:جالس.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد سمّت العرب جلاّسا و جلاسا.(2:94)

القاليّ: الجلس:نجد،و جلسنا:أتينا الجلس.

(2:330)

الأزهريّ: جلس أصله:جلز،فقلبت الزّاي سينا، كأنّه جلز جلزا،أي قتل حتّى اكتنز و اشتدّ أسره.

و قالت طائفة:يسمّى جلسا لطوله و ارتفاعه.

و الجلس:ما ارتفع عن الغور في بلاد نجد.

و جبل جلس،إذا كان طويلا.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:فلان جليسي،و أنا جليسه،و هو حسن الجلسة.(10:583)

الصّاحب: ناقة جلس و جمل جلس،أي ضخم.

و الجلس:العسل البيضاء،و الغدير،و الوقب.

و الجلس:ما ارتفع من الغور من أرض نجد،يقال:

غاروا و جلسوا،و هو الجبل،و السّهم الطّويل.

و جلس الرّجل يجلس جلوسا،و هو حسن الجلسة.

و الجلسة:المرّة الواحدة.

و المجلس:هم القوم الجلوس.

و الجلسيّ: ما حول الحدقة،و هو ظاهر العين.

(7:13)

الخطّابيّ: [في حديث أبي عوانة]عن جابر:«أنّه صنع لرسول اللّه طعاما فدعاه و دعا حواريّه،فأكلوا حتّى شبعوا،و إنّ مجلس بني عوف ينظرون إليه»يريد جماعتهم،و يقال:حضر القاضي مجلس بني فلان،أي جماعتهم.[ثمّ استشهد بشعر](1:137)

الجوهريّ: جلس جلوسا،و أجلسه غيره،و قوم جلوس.

و المجلس:موضع الجلوس؛و المجلس بفتح اللاّم:

المصدر.

و رجل جلسة،مثال همزة،أي كثير الجلوس.

و الجلسة بالكسر:الحال الّتي يكون عليها الجالس.

و جالسته فهو جلسي و جليسي،كما تقول:خدني و خديني.

و تجالسوا في المجالس.

و الجلس:الغليظ من الأرض،و منه جمل جلس و ناقة جلس،أي وثيق جسيم.و شجرة جلس و شهد جلس،أي غليظ.

ص: 730

و يقال:امرأة جلس،للّتي تجلس في الفناء و لا تبرح.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلس:أيضا نجد،يقال:جلس الرّجل،إذا أتى نجدا.[ثمّ استشهد بشعر](3:914)

ابن فارس: الجيم و اللاّم و السّين كلمة واحدة و أصل واحد،و هو الارتفاع في الشّيء،يقال:جلس الرّجل جلوسا؛و ذلك يكون عن نوم و اضطجاع.و إذا كان قائما،كانت الحال الّتي تخالفها القعود،يقال:قام و قعد،و أخذه المقيم و المقعد.

و الجلسة:الحال الّتي يكون عليها الجالس،يقال جلس جلسة حسنة؛و الجلسة:المرّة الواحدة.

و يقال:جلس الرّجل،إذا أتى نجدا؛و هو قياس الباب،لأنّ نجدا خلاف الغور،و فيه ارتفاع.

و يقال لنجد:الجلس،و منه الحديث:«أنّه أعطاهم معادن القبليّة غوريّها و جلسيّها».[ثمّ استشهد بشعر]

قال أبو حاتم:قالت أمّ الهيثم:جلست الرّخمة،إذا جثمت.

و الجلس:الغلظ من الأرض،و من ذلك قولهم:ناقة جلس،أي صلبة شديدة.فهذا الباب مطّرد كما تراه، فأمّا قول الأعشى:

لنا جلّسان عندها و بنفسج

و سيسنبر و المرزجوش منمنما

فيقال:إنّه فارسيّ،و هو جلشان،نثار الورد.

(1:473)

أبو هلال :الفرق بين النّدي و المجلس و المقامة:

أنّ النّدي هو المجلس للأهل،و من ثمّ قيل:هو أنطقهم في النّدي.

و لا يقال في المجلس إذا خلا من أهله:نديّ.و قد تنادي القوم،إذا تجالسوا في النّدي.

و المقامة بالضّمّ:المجلس يؤكل فيه و يشرب، و المقامة بالفتح:المجلس الّذي يتحدّث فيه،و المقامة بالفتح أيضا:الجماعة.

و أمّا المقام:فالإقامة،و المقام بالفتح:مصدر قام يقوم مقاما،و المقام أيضا:موضع القيام.(252)

الفرق بين المجلس و المحفل:أنّ المحفل هو المجلس الممتلئ من النّاس،من قولهم:ضرع حافل،إذا كان ممتلئا.(253)

الهرويّ: في الحديث:«أنّه أعطى بلال بن الحارث معادن القبليّة غوريّها و جلسيّها»أي نجديّها.و يقال لنجد جلس و كلّ مرتفع:جلس،و جبل جلس،أي مشرف مرتفع.و جلس يجلس جلسا فهو جالس،إذا أتى نجدا.

و في الحديث:«و إنّ مجلس بني عوف ينظرون إليه» أي أهل المجلس.[ثمّ استشهد بشعر]

و هذا كقولك للجماعة:المقامة،أي أهل المقامة.

(1:381)

الثّعالبيّ: المجلس:مكان استقرار النّاس في البيوت.(292)

ابن سيده: الجلوس:القعود؛جلس يجلس جلوسا،فهو جالس،من قوم جلوس،و جلاّس؛ و أجلسه.

و الجلسة:الهيئة الّتي تجلس عليها،بالكسر على

ص: 731

ما يطّرد عليه هذا النّحو.

و المجلس:موضع الجلوس،و هو من الظّروف غير المتعدّى إليها الفعل بغير«في».قال سيبويه:لا تقول:هو مجلس زيد.و قوله تعالى: (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ) المجادلة:11،قيل:يعني به مجلس النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.و قرئ: (فِي الْمَجالِسِ) .و قيل:يعني ب(المجالس)مجالس الحرب،كما قال تعالى: مَقاعِدَ لِلْقِتالِ آل عمران:121.

و المجلس:جماعة الجلوس.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد جالسه مجالسة،و جلاسا،و ذكر بعض الأعراب رجلا،فقال:كريم النّحاس طيّب الجلاس.

و الجلس،و الجليس،و الجلّيس:المجالس،و هم:

الجلساء،و الجلاّس.

و قيل:الجلس:يقع على الواحد و الجميع و المؤنّث و المذكّر.

و حكى اللّحيانيّ: أنّ المجلس و الجلس ليشهدون بكذا و كذا،يريد:أهل المجلس.و هذا ليس بشيء إنّما هو على ما حكاه ثعلب من أنّ المجلس:الجماعة من الجلوس.

و هذا أشبه بالكلام،لقوله:الجلس الّذي هو لا محالة اسم لجمع فاعل في قياس قول سيبويه،أو جمع له في قياس قول الأخفش.

و جلس الشّيء:أقام،قال أبو حنيفة:الورس يزرع سنة فيجلس عشر سنين،أي يقيم في الأرض و لا يتعطّل.و لم يفسّر يتعطّل.

و الجلّسان:نثار الورد في المجلس.و الجلّسان:الورد الأبيض.و الجلّسان:ضرب من الرّيحان،و به فسّر قول الأعشى:

لنا جلّسان عندها و بنفسج*

و جلست الرّخمة:جثمت.

و الجلس:الجبل،و الجلس:الصّخرة العظيمة الشّديدة،و الجلس:ما ارتفع عن الغور،و الجلس:نجد؛ سمّيت بذلك.

و جلس القوم يجلسون جلسا:أتوا الجلس.[ثمّ استشهد بشعر]

و ناقة جلس:شديد مشرفة،شبّهت بالصّخرة؛ و الجمع:أجلاس.[ثمّ استشهد بشعر]

و الكبر:جلاّس.

و جمل جلس:كذلك،و الجميع:جلاس.

و قدح جلس:طويل خلاف نكس.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلسيّ: ما حول الحدقة،و قيل:ظاهر العين.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلس:العسل،و قيل:هو الشّديد منه.[ثمّ استشهد بشعر]

و قد سمّت:جلاّسا و جلاسا،قال سيبويه عن الخليل :هو مشتقّ.(7:270)

الجلس و الجليس:المتين الصّلب من العسل.

(الإفصاح 1:464)

ناقة جلس و جمل جلس:معصوب الخلق و اللّحم، المرتفع الطّويل من كلّ شيء؛الجمع:أجلاس و جلاس.

و أصل الجلس:الغليظ من الأرض.(الإفصاح 2:730)

الرّاغب: أصل الجلس:الغليظ من الأرض،و سمّي

ص: 732

النّجد جلسا لذلك.و روي أنّه عليه السّلام أعطاهم المعادن القبليّة غوريّها و جلسها.

و جلس أصله:أن يقصد بمقعده جلسا من الأرض، ثمّ جعل الجلوس لكلّ قعود،و المجلس لكلّ موضع يقعد فيه الإنسان،قال اللّه تعالى: إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللّهُ لَكُمْ المجادلة:11.

(96)

البطليوسيّ: و الجلوس:ضدّ القيام،و الجلسة:

هيئة الجلوس بالكسر،و الجلسة بالفتح:المرّة الواحدة منه،و الجلس و الجليس و المجالس سواء.

و جلس:اسم لنجد،يقال:جلس الرّجل،إذا أتى نجدا.[ثمّ استشهد بشعر]

و يوم الجلّسان:يوم كان ينثر فيه الورد في المجلس.

(579)

الزّمخشريّ: هو حسن الجلسة،و هذا جليسه و جلسه و مجالسه،و لا تجالس من لا تجانس،و تجالسوا فتآنسوا،و رأيتهم مجلسا،أي جالسين.[ثمّ استشهد بشعر]

و رآني قائما فاستجلسني.و جلس القوم:أنجدوا، و رأيتهم يعدون جالسين،أي منجدين.

و ناقة جلس:مشرفة.و كأنّه كسرى مع جلسائه في جلّسانه،و هو قبّة كانت له ينثر عليه من كوى،في أعلاها الورد.تعريب كلّشان.[ثمّ استشهد بشعر]

و جلست الرّخمة:جثمت.و فلان جليس نفسه،إذا كان من أهل العزلة.(أساس البلاغة:62)

المدينيّ: في الحديث:«لا تجلسوا على القبور» قيل:أراد الجلوس للحديث.و يحتمل إجلال القبر من أن يوطأ،و هو الأظهر عندي،لقوله عليه الصّلاة و السّلام:«إنّ الميّت يتأذّى،بما يتأذّى منه الحيّ»،و قوله عليه الصّلاة و السّلام:«كسر عظم الميّت ككسره حيّا».

و قد ورد من الآثار ما يدلّ على هذا المعنى.(1:339)

ابن الأثير: و في حديث النّساء:«بزولة و جلس، يقال:امرأة جلس،إذا كانت تجلس في الفناء و لا تتبرّج.

(1:286)

الصّغانيّ: [نقل بعض الأقوال الماضية ثمّ قال:]

و قد سمّوا جلاسا بالضّمّ و تخفيف اللاّم و جلاّسا بالفتح و التّشديد.[ثمّ استشهد بشعر]

الجلس:الغدير،و الوقت.

و الجلسيّ: ما حول الحدقة،و هو ظاهر العين.

و الجلس:السّهم الطّويل.(3:334)

الفيّوميّ: جلس جلوسا،و الجلسة بالفتح:للمرّة، و بالكسر:النّوع و الحالة الّتي يكون عليها،كجلسة الاستراحة و التّشهّد،و جلسة الفصل بين السّجدتين، لأنّها نوع من أنواع الجلوس.و النّوع هو الّذي يفهم منه معنى زائد على لفظ الفعل،كما يقال:إنّه لحسن الجلسة.

و الجلوس:غير القعود،فإنّ الجلوس هو الانتقال من سفل إلى علو،و القعود هو الانتقال من علو إلى سفل؛ فعلى الأوّل يقال لمن هو نائم أو ساجد:اجلس،و على الثّاني يقال لمن هو قائم:اقعد.

و قد يكون«جلس»بمعنى«قعد»يقال:جلس متربّعا و قعد متربّعا.و قد يفارقه،و منه:جلس بين شعبها،أي حصل و تمكّن؛إذ لا يسمّى هذا قعودا،فإنّ

ص: 733

الرّجل حينئذ يكون معتمدا على أعضائه الأربع.و يقال:

جلس متّكئا،و لا يقال:قعد متّكئا،بمعنى الاعتماد على أحد الجانبين.

و قال الفارابيّ و جماعة:الجلوس نقيض القيام،فهو أعمّ من القعود.و قد يستعملان بمعنى الكون و الحصول، فيكونان بمعنى واحد،و منه يقال:جلس متربّعا و جلس بين شعبها،أي حصل و تمكّن.

و الجليس:من يجالسك«فعيل»بمعنى«فاعل».

و المجلس:موضع الجلوس،و الجمع:المجالس.

و قد يطلق«المجلس»على أهله مجازا،تسمية للحالّ باسم المحلّ،يقال:اتّفق المجلس.(1:105)

الفيروزآباديّ: جلس يجلس جلوسا و مجلسا كمقعد،و أجلسته،و المجلس:موضعه كالمجلسة.

و الجلسة بالكسر:الحالة الّتي يكون عليها الجالس.

و كتؤدة:الكثير الجلوس.

و جلسك و جليسك و جلّيسك:مجالسك،و جلاّسك:

جلساؤك.

و الجلس بالفتح:الغليظ من الأرض،و من العسل، و من الشّجر،و النّاقة الوثيقة الجسم،و بقيّة العسل في الإناء،و المرأة تجلس في الفناء لا تبرح،أو الشّريفة، و بلاد نجد،و أهل المجلس،و الغدير،و الوقت،و السّهم الطّويل،و الخمر،و الجبل العالي.

و بالكسر:الرّجل الفدم.

و الجلسيّ بالكسر:ما حول الحدقة.

و الجلّسان بتشديد اللاّم المفتوحة:معرّب جلشن.

(2:212)

السّيوطيّ: [قاعدة في الألفاظ يظنّ بها التّرادف و ليست منه]

و من ذلك القعود و الجلوس،فالأوّل لما فيه لبث بخلاف الثّاني،و لهذا يقال:قواعد البيت و لا يقال:

جوالسه،للزومها و لبثها،و يقال:جليس الملك و لا يقال:قعيده،لأنّ مجالس الملوك يستحبّ فيها التّخفيف،و لهذا استعمل الأوّل في قوله: مَقْعَدِ صِدْقٍ القمر:55،للإشارة إلى أنّه لا زوال له،بخلاف تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ المجادلة:11،لأنّه يجلس فيه زمانا يسيرا.(الإتقان 2:366)

الطّريحيّ: [نحو الفيّوميّ و أضاف:]

و منه الحديث القدسيّ: «أنا جليس من ذكرني».

و المجالسة:الألفة و المخالطة و المصاحبة،و في حديث عيسى عليه السّلام:«يا روح اللّه لمن نجالس؟فقال:من يذكّر لم اللّه رؤيته،و يزيد في عملكم منطقه،و يرغّبكم في الآخرة عمله»الحديث.

قال بعض الأفاضل من المعاصرين: فيه إشعار بأنّ من لم يكن على هذه الصّفات لا ينبغي مجالسته و لا مخالطته،فكيف من كان موصوفا بأضدادها كأكثر أبناء زماننا!فطوبى لمن وفّقه اللّه تعالى لمباعدتهم و الاعتزال عنهم،و الأنس باللّه وحده و الوحشة منهم، فإنّ مخالطتهم تميت القلب و تفسد الدّين،و يحصل بسببها للنّفس ملكات مهلكة مؤدّية إلى الخسران المبين.و قد ورد في الحديث:«فرّ من النّاس فرارك من الأسد» انتهى.(4:58)

مجمع اللّغة :جلس يجلس جلوسا:قعد،و بعض

ص: 734

اللّغويّين يرى أنّ الجلوس لمن كان مضطجعا و القعود لمن كان قائما،و الأرجح أنّهما مترادفان.

و المجلس بكسر اللاّم:موضع الجلوس،و جمعه:

مجالس.(1:203)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:109)

العدنانيّ: قوّم العصا لا جلّسها.

يقول محيط المحيط:جلّس العصا.و الفعل جلّس هنا عامّيّ.و الصّواب:قوّم العصا،أي جعلها تستقيم و تعتدل.

و لم أعثر على الفعل«جلّس»في أيّ معجم آخر.

و معجم أقرب الموارد،الّذي كان في معظم الأحيان ينقل عن«محيط المحيط»،فيخطّئ مثله عند ما يخطّئ، و يصيب مثله عند ما يصيب،أحجم عن نقل الفعل «جلّس»عنه،و لا أدري من أين جاءنا به صاحب «محيط المحيط».(124)

محمود شيت:جلس:قعد،و الطّائرة:جثمت.

الجلسة:مرّة الجلوس.جلسة المحكمة:حصّة من الوقت يجلس فيها أعضاؤها للنّظر في المحاكمة،جمعها:

جلسات.

المجلس:مكان الجلوس.رئيس المحكمة العسكريّة و أعضاؤها يقال:المجلس العرفيّ،جمعه:مجالس.

(1:146)

المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الحقيقة في هذه المادّة، هي التّجمّع على مكان على هيئة مخصوصة،بين القيام و الاضطجاع،و هذا المعنى يتحقّق في الخارج بالاختيار أو بالطّبيعة،كالأرض الصّلبة المنحطّة،و الجمل الجسيم المتجمّع،و القطعة من أرض تجمّعت و ارتفعت على هيئة مخصوصة كالجالس،و هذا مفهوم عرفيّ يطلق على مصاديق مختلفة باعتبارات،كما في كلمة«نشست» الفارسيّة.

و أمّا قيد أن يكون عن نوم و اضطجاع:فليس بمعتبر،فمفهومها أعمّ من أن يكون عن قيام أو عن اضطجاع،كما روي في«المصباح المنير»عن الفارابيّ و غيره:إنّ الجلوس نقيض القيام،فهو أعمّ من القعود.(2:105)

النّصوص التّفسيريّة

المجالس

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللّهُ لَكُمْ وَ إِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا... المجادلة:11

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:ينبغي للجلساء في الصّيف أن يكون بين كلّ اثنين،مقدار عظم الذّراع،لئلاّ يشقّ بعضهم على بعض في الحرّ.(البحرانيّ 9:430)

ابن عبّاس: نزلت هذه الآية في شأن ثابت من قيس بن شمّاس،و قصّته في سورة الحجرات.

و يقال:نزلت في نفر من أهل بدر،منهم ثابت بن قيس بن شمّاس،جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و كان النّبيّ جالسا في صفّة صفيّة يوم الجمعة فلم يجدوا مكانا يجلسون فيه، فقاموا على رأس المجلس،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لمن لم يكن من أهل بدر:«يا فلان قم و يا فلان قم من مكانك ليجلس فيه من كان من أهل بدر»و كان النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يكرم

ص: 735

أهل بدر فعرف النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم الكراهيّة لمن أقامه من المجلس،فأنزل اللّه فيهم هذه الآية.(461)

ذلك في مجلس القتال.(الطّبريّ 28:17)

مجاهد :مجلس النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،كان يقال:ذاك خاصّة.

(الطّبريّ 28:17)

الضّحّاك: كان هذا للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و من حوله خاصّة، يقول:استوسعوا حتّى يصيب كلّ رجل منكم مجلسا من النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و هي أيضا مقاعد للقتال.(الطّبريّ 28:17)

الحسن :إنّ ذلك في الحرب و القتال.

(الماورديّ 5:492)

قتادة :كانوا إذا رأوا من جاءهم مقبلا ضنّوا بمجلسهم عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فأمرهم أن يفسح بعضهم لبعض.

نحوه ابن زيد.(الطّبريّ 28:17)

كان النّاس يتنافسون في مجلس النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فقيل لهم:

إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا.

(الطّبريّ 28:17)

أنّها في مجالس الذّكر كلّها.(الماورديّ 5:492)

الإمام الصّادق عليه السّلام:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذا دخل منزلا قعد في أدنى المجلس إليه حين يدخل.

[و في رواية]كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أكثر ما يجلس تجاه القبلة.

[و في رواية أخرى]من رضي بدون التّشرّف من المجلس لم يزل اللّه عزّ و جلّ و ملائكته يصلّون عليه حتّى يقوم.(البحرانيّ 9:429)

مقاتل:إنّه في مجالس صلاة الجمعة.

(الماورديّ 5:492)

الطّبريّ: [نقل الأقوال ثمّ قال:]

و الصّواب من القول في ذلك أن يقال:إنّ اللّه تعالى ذكره أمر المؤمنين أن يتفسّحوا في المجلس،و لم يخصّص بذلك مجلس النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم دون مجلس القتال،و كلا الموضعين يقال له:مجلس،فذلك على جميع المجالس من مجالس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و مجالس القتال.

و اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء الأمصار (تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ) على التّوحيد،غير الحسن البصريّ و عاصم،فإنّهما قرءا ذلك(في المجالس)على الجماع،و بالتّوحيد قراءة ذلك عندنا، لإجماع الحجّة من القرّاء عليه.(28:17)

الزّجّاج: و جاء في التّفسير أنّ(المجلس)هاهنا يعني به مجلس النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.و قيل:(في المجالس)مجالس الحرب،مثل قوله تعالى: مَقاعِدَ لِلْقِتالِ.

فأمّا ما أمروا به في مجلس النّبيّ عليه السّلام،فقيل:إنّ الآية نزلت بسبب عبد اللّه بن شمّاس و كان من أهل الصّفّة، و كان من يجلس في مجلس النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم من ذوي الغنى و الشّرف،كأنّهم لا يوسّعون لمن هو دونهم،فأمر اللّه المؤمنين بالتّواضع،و أن يفسحوا في المجلس لمن أراد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ليتساوى النّاس بالأخذ بالحظّ منه.(5:139)

أبو زرعة:قرأ عاصم (فِي الْمَجالِسِ) بالألف، جعله عامّا،أي إذا قيل لكم:توسّعوا في المجالس،أي مجالس العلماء و العلم فتفسّحوا.

و قرأ الباقون: (فى المجلس) على التّوحيد،أي في مجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم خاصّة.(704)

ص: 736

نحوه شبّر.(6:176)

الطّوسيّ: قرأ عاصم وحده (تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ) على الجمع لاختلافها،الباقون في (الْمَجالِسِ) على التّوحيد،لأنّهم ذهبوا مذهب الجنس، لأنّه مصدر يدلّ على القليل و الكثير،لأنّهم أرادوا مجلس النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم؛فعلى هذا الوجه:الإفراد.و من جمع أراد كلّ جالس مجلسا،أي موضع جلوس.(9:550)

نحوه الواحديّ.(4:265)

الزّمخشريّ: [نحو الزّجّاج و أضاف:]

و قرئ (فى المجلس) بفتح اللاّم و هو الجلوس،أي توسّعوا في جلوسكم و لا تتضايقوا فيه.(4:75)

ابن عطيّة: و قال بعض النّاس:إنّما الآية مخصوصة في مجلس النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في سائر المجالس،و يدلّ على ذلك قراءة من قرأ(فى المجلس)،و من قرأ(فى المجالس) فذلك مراده أيضا،لأنّ لكلّ أحد مجلسا في بيت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و موضعه،فتجمع لذلك.

و قال جمهور أهل العلم:السّبب مجلس النّبيّ عليه السّلام، و الحكم في سائر المجالس الّتي هي للطّاعات،و منه قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أحبّكم إلى اللّه ألينكم مناكب في الصّلاة و ركبا في المجالس»،و هذا قول مالك رحمه اللّه،و قال:

ما أرى الحكم إلاّ يطّرد في مجالس العلم و نحوها غابر الدّهر،و يؤيّد هذا القول قراءة من قرأ:(فى المجالس).

و من قرأ:(فى المجلس)فذلك على هذا التّأويل اسم جنس،فالسّنّة المندوب إليها هي التّفسّح.و القيام منهيّ عنه في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم؛حيث نهى أن يقوم الرّجل فيجلس الآخر مكانه.

فأمّا القيام إجلالا فجائز بالحديث قوله عليه السّلام حين أقبل سعد بن معاذ:«قوموا إلى سيّدكم»،و واجب على المعظّم ألاّ يحبّ ذلك و يأخذ النّاس به،لقوله عليه السّلام:«من أحبّ أن يتمثّل له الرّجال قياما فليتبوّأ مقعده من النّار».

(5:278)

نحوه أبو السّعود(6:218)،و شبّر(6:176).

الطّبرسيّ: [ذكر بعض الأقوال و أضاف:]

و قيل:المراد به:مجالس الذّكر كلّها.(5:252)

الفخر الرّازيّ: ذكروا في الآية أقوالا،الأوّل:أنّ المراد مجلس رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،كانوا يتضامّون فيه تنافسا على القرب منه،و حرصا على استماع كلامه،و على هذا القول ذكروا في سبب النّزول وجوها.[ثمّ ذكر الوجوه إلى أن قال:]

القول الثّاني:و هو اختيار الحسن:أنّ المراد تفسّحوا في مجالس القتال،و هو كقوله:(مقاعد للقتال)و كان الرّجل يأتي الصّفّ فيقول:تفسّحوا،فيأبون لحرصهم على الشّهادة.

و القول الثّالث:أنّ المراد به جميع المجالس و المجامع.

قال القاضي:و الأقرب أنّ المراد منه مجلس الرّسول عليه السّلام،لأنّه تعالى ذكر المجلس على وجه يقتضي كونه معهودا،و المعهود في زمان نزول الآية ليس إلاّ مجلس الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم الّذي يعظم التّنافس عليه،و معلوم أنّ للقرب منه مزيّة عظيمة لما فيه من سماع حديثه،و لما فيه من المنزلة،و لذلك قال عليه السّلام:«ليليني منكم أولو الأحلام و النّهى»و لذلك كان يقدّم الأفاضل من أصحابه،و كانوا لكثرتهم يتضايقون،فأمروا بالتّفسّح

ص: 737

إذا أمكن،لأنّ ذلك أدخل في التّحبّب،و في الاشتراك في سماع ما لا بدّ منه في الدّين،و إذا صحّ ذلك في مجلسه، فحال الجهاد ينبغي أن يكون مثله،بل ربّما كان أولى، لأنّ الشّديد البأس قد يكون متأخّرا عن الصّفّ الأوّل، و الحاجة إلى تقدّمه ماسّة،فلا بدّ من التّفسّح،ثمّ يقاس على هذا سائر مجالس العلم و الذّكر.(29:268)

نحوه البروسويّ(9:403)،و الآلوسيّ(28:27).

القرطبيّ: قرأ السّلمي و زرّ بن حبيش و عاصم (فى المجالس)،و قرأ قتادة و داود ابن أبي هند و الحسن باختلاف عنه (إذا قيل لكم تفاسحوا) ،الباقون (تفسّحوا فى المجلس) ،فمن جمع فلأنّ قوله: (تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ) ينبئ أنّ لكلّ واحد مجلسا،و كذلك إن أريد به الحرب.و كذلك يجوز أن يراد:مسجد النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و جمع، لأنّ لكلّ جالس مجلسا.و كذلك يجوز إن أريد بالمجلس المفرد:مجلس النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و يجوز أن يراد به الجمع على مذهب الجنس،كقولهم:كثر الدّينار و الدّرهم.

قلت:الصّحيح في الآية أنّها عامّة في كلّ مجلس اجتمع المسلمون فيه للخير و الأجر،سواء كان مجلس حرب أو ذكر أو مجلس يوم الجمعة؛فإنّ كلّ واحد أحقّ بمكانه الّذي سبق إليه.قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«من سبق إلى ما لم يسبق إليه فهو أحقّ به»،و لكن يوسّع لأخيه ما لم يتأذّ بذلك، فيخرجه الضّيق عن موضعه.[ثمّ ذكر بعض الرّوايات و الأحكام الفقهيّة](17:297)

نحوه النّسفيّ.(4:234)

أبو حيّان :[بعد نقل الأقوال قال:]

و قرئ (فى المجلس) بفتح اللاّم،و هو الجلوس، أي توسّعوا في جلوسكم،و لا تتضايقوا فيه.و الظّاهر أنّ الحكم مطّرد في المجالس الّتي للطّاعات و إن كان السّبب مجلس الرّسول.

و قيل:الآية مخصوصة بمجلس الرّسول عليه الصّلاة و السّلام،و كذا مجالس العلم،و يؤيّده قراءة من قرأ (فِي الْمَجالِسِ) و يتأوّل الجمع على أنّ لكلّ أحد مجلسا في بيت الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم.(8:236)

الشّربينيّ: (فى المجلس)أي الجلوس أو مكانه،لأجل من يأتي فلا يجد مجلسا يجلس فيه.[ثمّ ذكر الأقوال](4:229)

الطّباطبائيّ: و الآية تتضمّن أدبا من آداب المعاشرة،و يستفاد من سياقها أنّهم كانوا يحضرون مجلس النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فيجلسون ركاما لا يدع لغيرهم من الواردين مكانا يجلس فيه فأدّبوا بقوله: إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا إلخ،و الحكم عامّ،و إن كان مورد النّزول مجلس النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم.

و المعنى:يا أيّها الّذين آمنوا إذا قيل لكم:توسّعوا في المجالس ليسع المكان معكم غيركم،فتوسّعوا وسّع اللّه لكم في الجنّة.(19:188)

نحوه فضل اللّه.(22:73)

مكارم الشّيرازيّ: أشير تكرارا إلى الآداب الإسلاميّة مقرونة مع المسائل الأساسيّة،و منها ما يتعلّق بالمجالس؛حيث آداب التّحيّة،و الدّخول إلى المجلس،و آداب الدّعوة إلى الطّعام،و آداب التّكلّم مع الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،و آداب التّفسّح للأشخاص القادمين، خصوصا ذوي الفضيلة و السّابقين في العلم و الإيمان.

ص: 738

و هذا يرينا بوضوح أنّ القرآن الكريم قد اعتبر لكلّ موضوع-في مكانه-أهمّيّة و قيمة خاصّة،و لا يسمح لمن لا يبالي أن يخلّ بالآداب الإنسانيّة للمعاشرة.

و قد نقلت في كتب الحديث مئات الرّوايات عن الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و الأئمّة الأطهار عليهم السّلام حول آداب المعاشرة مع الآخرين.جمعها المحدّث الكبير الشّيخ الحرّ العامليّ في كتابه«وسائل الشّيعة ج 8»حيث رتّبها في(166)بابا.

و ملاحظة الجزئيّات الموجودة في هذه الرّوايات ترشدنا إلى مبلغ اهتمام الإسلام بالآداب الاجتماعيّة؛ حيث تتناول هذه الرّوايات حتّى طريقة الجلوس، و طريقة التّكلّم و الابتسامة و المزاح و الإطعام،و طريقة كتابة الرّسائل،بل حتّى طريقة النّظر إلى الآخرين،و قد حدّدت التّعليمات المناسبة لكلّ منها،و الحديث المفصّل عن هذه الرّوايات يخرجنا عن البحث التّفسيريّ،إلاّ أنّنا نكتفي بحديث واحد عن الإمام أمير المؤمنين عليه السّلام؛حيث يقول:«ليجتمع في قلبك الافتقار إلى النّاس،و الاستغناء عنهم،فيكون افتقارك إليهم في لين كلامك و حسن سيرتك،و يكون استغناؤك عنهم في نزاهة عرضك و بقاء عزّك».(18:125)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجلوس،أي القعود، يقال:جلس يجلس جلوسا،فهو جالس و هم جلوس و جلاّس،و أجلسته أنا.

و الجلسة:الهيئة الّتي يجلس عليها الجالس،يقال:

هو حسن الجلسة.

و المجلس و المجلسة:موضع الجلوس،يقال:

ارزن في مجلسك و مجلستك.

و المجلس أيضا:جماعة الجلوس.

و الجلس و الجليس و الجلّيس:المجالس،يقال:هو جلسي و جليسي،و أنا جليسه،و فلانة جليستي،و هم جلسائي و جلاّسي،و قد جالسته مجالسة و جلاسا، و تجالسوا في المجالس.

و جلست الرّخمة:جثمت.

و جلس الشّيء:أقام،قال أبو حنيفة الدّينوريّ:

الورس يزرع سنة فيجلس عشر سنين،أي يقيم في الأرض و لا يتعطّل.

و رجل جلسة:كثير الجلوس.

و امرأة جلس:تجلس في الفناء و لا تبرح.

و الجلس:الجبل؛يقال:جبل جلس،أي طويل، و هو أيضا الصّخرة العظيمة الشّديدة،و كلّ مرتفع من الأرض،كأنّه جالس على الأرض،جاثم عليها.

و الجلس:اسم آخر لنجد،سمّيت بذلك لأنّ أرضها مرتفعة؛يقال:جلس القوم يجلسون جلسا،أي أتوا نجدا،و جلس السّحاب:أتى نجدا.

2-و قيل:شجرة جلس،أي غليظة،و ناقة جلس و جمل جلس:وثيق جسيم،و كلّ ذلك من«ج ل ز»، و كأنّه جلز جلزا،أي فتل حتّى اكتنز و اشتدّ أسره، يقال منه:جمل جلنزى،أي غليظ شديد.

3-و الجلّسان:الورد الأبيض،أو ضرب من الرّيحان، أو نثار الورد في المجلس،و هو فارسيّ معرّب لفظ «گلشن»،نحو:الجلّنار،معرّب«گلنار»،أي زهر الرّمّان.

ص: 739

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد اسم مكان،جمعا في سورة مدنيّة:

يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا يَفْسَحِ اللّهُ لَكُمْ وَ إِذا قِيلَ انْشُزُوا فَانْشُزُوا يَرْفَعِ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ وَ اللّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ المجادلة:11

يلاحظ أوّلا:أنّ الجلوس و القعود متقاربان معنى، فهما يحكيان حالة الاستقرار على الأرض بين القيام و الاستلقاء،فقيل:إنّهما مترادفان،و قيل:الفرق بينهما أنّ الجلوس:الانتقال من الاستلقاء،و القعود:الانتقال من القيام،و لا شاهد على الأوّل من القرآن لو لم يكن شاهدا على خلافه،فإنّ المجالس تقال غالبا لمكان الجلوس عن قيام دون استلقاء،كما أنّ المقاعد كذلك دائما.فلو قيل:إن القعود خاصّ بما يكون عن قيام، و الجلوس مطلق غير مقيّد به،لكان صوابا.

ثانيا:لم يأت من مادّة«الجلوس»في القرآن سوى لفظ واحد مرّة في هذه الآية المدنيّة،و هو«المجلس»أو «المجالس»على اختلاف القراءة،مع أنّ«العقود»جاء بصيغ مختلفة 31 مرّة في المكّيّات و المدنيّات،و كثير منها و لا سيّما المدنيّات منها استعارة عن التّخلّف عن القتال،مثل فَضَّلَ اللّهُ الْمُجاهِدِينَ عَلَى الْقاعِدِينَ أَجْراً عَظِيماً النّساء:95،أو غيره مثل: وَ الْقَواعِدُ مِنَ النِّساءِ اللاّتِي لا يَرْجُونَ نِكاحاً... النّور:60،«لاحظ ق ع د»و لم يأت مكانها لفظ من الجلوس،فكأنّه لا يستعار به عمّا استعير به القعود،و إنّما يستعمل في معناه اللّغويّ و ما بمعناه مجازا،مثل أنّ المجالس-كما جاء في النّصوص-قد أطلقت على الجماعة باعتبار اجتماعهم في مجلس واحد.

ثالثا:اختلفت القراءة فيها مفردا و جمعا-بكسر اللاّم،و شذّ(المجلس)بفتح اللاّم بمعنى المجلوس- و اختار الطّبريّ«الإفراد»لإجماع الحجّة من القرّاء عليه،لكنّ القراءة المشهورة عندنا:الجمع.و هذا الخلاف له أثر في ما يأتي من الخلاف،في عمومها و خصوصها.

رابعا:اختلفوا في أنّه خاصّ بمجلس النّبيّ أو عامّ لسائر المجالس؟و عندنا أنّ نزولها كان في واقعة ذكروها في مجلس النّبيّ إلاّ أنّها جاءت بلفظ عامّ،و نحن نعلم أنّ النّزول لا يخصّص العامّ،نعم قراءة«المجلس»تنصرف إلى مجلس النّبيّ،لأنّ اللاّم فيه للعهد و إن احتمل الجنس، بخلاف(المجالس)فإنّ اللاّم فيها ظاهرة في العموم.

و كيف كان فاحتمال أنّها خاصّة بمقاعد القتال-كما قيل- بعيد عن سياقها،لأنّ الأمر فيها بالتّفسّح و النّشوز لا يناسب مقاعد القتال،فإنّ المراد بها المعسكرات،كما قال: وَ إِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الْمُؤْمِنِينَ مَقاعِدَ لِلْقِتالِ آل عمران:121،بل يناسب قصّة نزولها أيضا حيث إنّ النّبيّ عليه السّلام أمر بنشوز غير البدريّين عن مجلسه ليخلو المجلس لهم.

خامسا:تذييل الآية ب يَرْفَعِ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجاتٍ... يناسب ما ورد في قصّة نزولها من إقعاد النّبيّ البدريّين مكان غيرهم بعد أمره بنشوزهم،و هذا يدعونا إلى إكرام العلماء في المجالس، و تفضيلهم على غيرهم.

ص: 740

ج ل ل

اشارة

الجلال

لفظ واحد،مرّتان،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :جلّ في عيني،أي عظم،و أجللته،أي أعظمته.

و كلّ شيء يدقّ،فجلاله خلاف دقاقه.

و جلّ كلّ شيء:عظّمه،و تقول:ما له دقّ و لا جلّ.

و الجلّ:سوق الزّرع إذا حصد عنه السّنبل.

و الجلّة:وعاء التّمر،من خوص.

و جلّ الدّابّة:معروف.

و جلال كلّ شيء:غطاؤه كالحجلة و شبهها،و هو واحد،و الجمع:أجلّة.

و جلّ و جلاّن:حيّان من العرب.

و إبل جلاّلة،أي تأكل العذرة،كره لحمها و لبنها حتّى الانتفاع بظهرها،و كذلك من الأنعام.

و الجلّة:البعر،و هو يجتلّه،أي يلتقطه.

و ناقة تجلّ عن الكلال،أي أجلّ من أن تكلّ لصلابتها.

و ناقة جلالة و جمل جلال:ضخم،مخرج من«فعيل».

حمل و حمل جلاجل:صافي النّهيق.

و الجلّة:العظام من الإبل و المعز و نحوه.

و الجليل:الكلأ و هو الثّمام،و جمعه:الأجلّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و جلّ في عيني،أي احتقر و تهاون،و هذه من المضادّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلل،بمعنى الأجلّ.(6:17)

اللّيث:جلّ جلال اللّه،و هو الجليل،ذو الجلال و الإكرام.

و يقال:جلّة جريم:للعظام الأجرام.

(الأزهريّ 10:486)

ص: 741

أبو عمرو الشّيبانيّ: جلّ بيت فلان،أي حيث ضرب و بني،و الفسطاط مثله.(1:118)

الجلل:الصّغير،و الجليل:العظيم،و لا أعرف «الجلل»في معنى العظيم.(ثلاثة كتب في الأضداد:10)

الأمويّ: الجلل في كلام العرب من الأضداد.يقال للكبير:جلل،و الصّغير:جلل.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 10:487)

الأصمعيّ: و الجلل:العظيم،و الجلل:الهيّن،يقال:

قد جلّت مصيبتهم،أي عظمت.[ثمّ استشهد بأشعار]

و يقال:فعلت هذا من جللك،أي من أجلك.[ثمّ استشهد بشعر](ثلاثة كتب في الأضداد:9 و 10)

جلّ يجلّ جلاّ،إذا التقط البعر،و اجتلّه:مثله.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 10:486)

يقال:ذاك الأمر جلل في جنب هذا الأمر،أي صغير يسير.

و الجلل:العظيم أيضا،فأمّا الجليل فلا يكون إلاّ العظيم.

و يقال:فعلت ذلك من جلل كذا و كذا،أي من عظمه في صدره.[ثمّ استشهد بشعر]

و مشيخة جلّة،أي مسانّ،و الواحد منهم:جليل.

(الأزهريّ 10:487)

ابن الأعرابيّ: أتيت فلانا فما أجلّني و لا أحشاني، أي ما أعطاني جليلة و لا حاشية.و الحواشي:صغار الإبل.(إصلاح المنطق:384)

الجلّة:المسانّ من الإبل،يكون واحدا أو جمعا، و يقع على الذّكر و الأنثى،بعير جلّ و ناقة جلّة.

(ابن سيده 7:204)

قلت لأعرابيّ: ما المجلّة؟و كانت في يده كرّاسة، فقال:الّتي في يدك.[ثمّ استشهد بشعر]

(أساس البلاغة:62)

أبو عبيد: الجلول:شراع السّفينة،الواحد:جلّ.

(الأزهريّ 10:489)

كلّ كتاب عند العرب فهو مجلّة.

(ابن فارس 1:419)

ابن الأنباريّ: من ضمّ الجيم من الجلّى قصر، و من فتح الجيم مدّ.

الجلاّء:الخصلة العظيمة.[ثمّ استشهد بشعر]

و لا يقال:الجلال إلاّ للّه تبارك و تعالى.

(الأزهريّ 10:488)

أبو نصر الباهليّ: يقال:جلّت النّاقة،إذا أسنّت.

و جلّت الهاجن عن الولد،أي صغرت.

(الجوهريّ 4:1660)

ابن السّكّيت: و الجلّ:قصب الزّرع إذا حصد.

و جلّ الشّيء:معظمه.(إصلاح المنطق:34)

و الجلّ:شراع السّفينة،و الجلّ أيضا:مصدر جلّ البعر يجلّه جلاّ،إذا لقطه.

و الجلّ:جلّ الدّابّة،و جلّ الشّيء:معظمه.

(إصلاح المنطق:128)

و يقال:ما له دقيقة و لا جليلة،معناه ما له ناقة و لا شاة.(إصلاح المنطق:384)

المبرّد: و الجلل يكون للصّغير و يكون للكبير،من ذلك قوله:«كلّ شيء ما خلا اللّه جلل»،أي صغير.[ثمّ استشهد بشعر للكبير](42)

ص: 742

نحوه القاليّ.(2:102)

ابن دريد :جلّ الشّيء:معظمه،و جلّ الدّابّة، و جلّها:لغة تميميّة معروفة.

و يقال:أخذت جلّ هذا و جلّه،إذا تجلّلته و أخذت جلاله.

و يقال:قوم جلّة:ذوو أخطار و الجلّة:البعرة.

و الجليل:الثّمام.و نهي عن أكل لحم الجلاّلة،و هي الّتي تأكل البعر و الرّجيع.

و الجلّة:من جلال التّمر،عربيّ معروف،و الجمع:

جلل.[ثمّ استشهد بأشعار]

و المجلّة:الصّحيفة.[ثمّ استشهد بأشعار](1:54)

و المجلّة:صحيفة يكتب فيها شيء من الحكمة، و الجمع:مجالّ،غير مصروف.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:111)

أمر جلل:عظيم،و أمر جلل:يسير،و هو من الأضداد.(3:188)

القاليّ: جلّ القوم يجلّون جلولا،و جلال القوم يجلّون جلاء،إذا خرجوا من بلد إلى بلد،و منه قيل:

استعمل فلان على الجالّة و الجالية،و هو أن يجعل على قوم خرجوا من بلد إلى بلد؛فالجالّة من«جللت» و الجالية من«جلوت».

و جلّ البعر يجلّه جلاّ،إذا التقطه؛و الجلّة:البعر.

و الإبل الجلاّلة:الّتي تأكل الجلّة،و يقال:خرج الإماء يجتللن،أي يأخذن الجلّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و المجتلّة:الّتي تلقط الجلّة...

و جلّ الرّجل يجلّ جلّة:إذا عظم و غلظ،و كذلك الصّبيّ و العود.

و إبل جلّة،أي مسنّة،و قد جلّت،إذا أسنّت.

و مشيخة جلّة،أي مسانّ،و الواحد:جليل.

و المجلّة:صحيفة كان يكتب فيها شيء من الحكم.[ثمّ استشهد بشعر](1:249)

الأزهريّ: روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أنّه نهى عن أكل الجلاّلة»،و الجلاّلة:الّتي تأكل الجلّة،و الجلّة:البعر، فاستعير و وضع موضع العذرة.(10:486)

يقال:جلّ الرّجل عن وطنه يجلّ جلولا،و جلا يجلو جلاء،و أجلى يجلي إجلاء،إذا أخلّ بوطنه.

و يقال:تجلّل الدّراهم،أي خذ جلالها.

و تجلّل فلان بعيره،إذا علا ظهره.

و الجليل:الثّمام،الواحدة:جليلة.

و هذه ناقة قد جلّت،أي أسنّت.

و المجلّة:صحيفة يكتب فيها.[ثمّ استشهد بشعر]

(10:488)

و تجاللت الشّيء تجالاّ،و تجلّلت،إذا أخذت جلاله، و تداققته،إذا أخذت دقاقه.

و هذه ناقة تجلّ عن الكلال،أي هي أجلّ من أن تكلّ لصلابتها.

و ناقة جلالة:ضخمة.و بعير جلال:مخرج من جليل.

و يقال:أنت جللت هذا على نفسك و أنت جررته، أي جنيته.

و فعلت ذاك من جرّاك و من جللك و جلالك،أي من أجلك.(10:489)

الصّاحب:الجلالة:عظمة اللّه عزّ و جلّ في عيني،

ص: 743

و أجللته:رأيته جليلا.

و جلّ كلّ شيء:معظمه.

و الجلال:ضدّ الدّقاق،و ما له دقّ و لا جلّ.و اجتلّ الشّيء:أخذ جلاله.و جللنا الأقط نجلّه جلاّ،و هو أن يعزل جلاله من دقاقه.

و ما أجلّني و لا أحشاني،أي ما أعطاني جليلة و لا حاشية.

و ما له جليلة و لا دقيقة،أي إبل و غنم.

و جلّت النّاقة:أسنّت،و ناقة جلالة.و جمل جلال:

ضخم.

و حمار جلال:صافي النّهيق.

و تجاللت كذا:أخذت جلاله.و أنا أتجالّه.

و الجلّ:سوق الزّرع إذا حصد السّنبل عنه.

و الجلّة:تتّخذ من خوص للتّمر.

و جلّ الدّابّة،و جلال كلّ شيء:غطاؤه.و جللت البعير و هو مجلول:من الجلّ.

و الجلّ،بالفتح:شراع السّفينة،و جمعه:جلول و أجلال.[ثمّ استشهد بشعر]

و الإبل الجلاّلة:الّتي تأكل العذرة،و قد كره لحومها و ألبانها.

و الجلّة:البعر يجتلّ،أي يلقط.و جلّ الرّجل يجلّ جلاّ،بمعنى اجتلّ.و ماء مجلول:وقع فيه الجلّة.

و فعلت ذلك من جلل كذا و من جلاله،أي من أجله.

و أمر جلل:عظيم،و صغير؛و هو من الأضداد.

و أجلّ فلان،أي ضعف،و أجلّ:قوي،و هو من الأضداد.

و في المثل:«جلّت الهاجن عن الولد»أي صغرت عن أن تلد.

و الجليلة:الثّمامة.

و استعمل فلان على الجالّة و الجالية.

و جلّ الرّجل من بلده يجلّ جلولا،بمعنى جلا.

و المجلّة:الكتاب.

و جلاّن،من عنزة.و جلّ،من عديّ الرّباب.

و الجلّة:العظام من الإبل و المعز.(6:405)

الخطّابيّ: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أجلّوا اللّه يغفر لكم»بالجيم،أي أسلموا.[إلى أن قال:]

قال بعض أصحابنا:يريد بقوله:أجلّوا اللّه،أي قولوا:يا ذا الجلال،أو آمنوا باللّه ذي الجلال.(1:689)

في حديث عمر:«...في المسجد نسوة قد تجاللن...» قوله:تجاللن،أي طعنّ في السّنّ و كبرن،يقال:تجالّت المرأة فهي متجالّة،و جلّت فهي جليلة،إذا كبرت و عجزت.[ثمّ استشهد بشعر](2:121)

الجوهريّ: الجلّ بالفتح:الشّراع،و الجمع:جلول.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلّة:البعر،يقال:إنّ بني فلان وقودهم الجلّة، و وقودهم الوألة،و هم يجتلّون الجلّة،أي يلقطون البعر.

و الجلّ بالضّمّ:واحد جلال الدّوابّ،و جمع الجلال:

أجلّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و جلّ الشّيء:معظمه.

و الجلّى:الأمر العظيم،و جمعها:جلل،مثل كبرى و كبر.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 744

و الجلّة:وعاء التّمر.

و الجلّ:بالكسر:قصب الزّرع إذا حصد.

و يقال أيضا:ما له دقّ و لا جلّ،أي دقيق و لا جليل.

و الجلّة من الإبل:المسانّ،و هو جمع:جليل،مثل صبيّ و صبيّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و مشيخة جلّة،أي مسانّ.

و المجلّة:الصّحيفة فيها الحكمة.

و جلال اللّه:عظمته.

و قولهم:فعلته من جلالك،أي من أجلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلاّلة:البقرة الّتي تتّبع النّجاسات،و في الحديث:

«نهي عن لبن الجلاّلة».

و الجلال بالضّمّ:العظيم،و الجلالة:النّاقة العظيمة.

و الجلل:الأمر العظيم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلل أيضا:الهيّن،و هو من الأضداد.[ثمّ استشهد بشعر]

و فعلت ذاك من جللك،أي من أجلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجليل:العظيم.و الجليل:الثّمام،و هو نبت ضعيف يحشى به خصاص البيوت.[ثمّ استشهد بشعر]

الواحدة:جليلة،و الجمع:جلائل.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلجل:واحد الجلاجل،و صوته الجلجلة، و صوت الرّعد أيضا.

و المجلجل:السّحاب الّذي فيه صوت الرّعد.

و جلجلت الشّيء،إذا حرّكته بيدك.

و تجلجل في الأرض،أي ساخ فيها و دخل.

يقال:تجلجلت قواعد البيت،أي تضعضعت.و في الحديث:«إنّ قارون خرج على قومه يتبختر في حلّة له، فأمر اللّه الأرض فأخذته،فهو يتجلجل فيها إلى يوم القيامة».

و حمار جلاجل بالضّمّ،أي صافي النّهيق.

و جلاجل بالفتح:موضع.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلجلان:ثمرة الكزبرة.قال أبو الغوث:هو السمسم في قشره قبل أن يحصد.

و الجلجلان.حبّة القلب.يقال:أصبت جلجلان قلبه.

و جلّ القوم من البلد يجلّون بالضّمّ جلولا،أي جلوا و خرجوا إلى بلد آخر،فهم جالّة.

يقال:استعمل فلان على الجالّة،كما يقال على الجالية،و هما بمعنى.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال أيضا:جلّ البعر يجلّه جلاّ،أي التقطه،و منه سمّيت الدّابّة الّتي تأكل العذرة:الجلاّلة،و كذلك اجتللت البعر.

و جلّ فلان يجلّ بالكسر جلالة،أي عظم قدره، فهو جليل.[ثمّ استشهد بأشعار]

و جلّ الرّجل أيضا،أي أسنّ.

و أتيت فلانا فما أجلّني و ما أحشاني،أي ما أعطاني جليلة و لا حاشية.فالجليلة:الّتي نتجت بطنا واحدا، و الحواشي:صغار الإبل.

و يقال:ما أجلّني و ما أدقّني،أي ما أعطاني كثيرا و لا قليلا.

ص: 745

و يقال:ما له جليلة و لا دقيقة،أي ما له ناقة و لا شاة.

[ثمّ استشهد بشعر]

و جلّل الشّيء تجليلا،أي عمّ.

و المجلّل:السّحاب الّذي يجلّل الأرض بالمطر،أي يعمّ.

و تجليل الفرس،أن تلبسه الجلّ.

و تجلّله،أي علاه،و تجلّله،أي أخذ جلاله.

و التّجالّ:التّعاظم،يقال:فلان يتجالّ عن ذلك، أي يترفّع عنه.(4:1657)

ابن فارس: الجيم و اللاّم أصول ثلاثة:جلّ الشّيء:عظم،و جلّ الشّيء:معظمه،و جلال اللّه:

عظمته،و هو ذو الجلال و الإكرام.و الجلل:الأمر العظيم.

و الجلّة:الإبل المسانّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلالة:النّاقة العظيمة.و الجليلة:خلاف الدّقيقة، و يقال:ما له دقيقة و لا جليلة،أي لا ناقة و لا شاة.

و أتيت فلانا فما أجلّني و لا أحشاني،أي ما أعطاني صغيرا و لا كبيرا،من الجلّة و لا من الحاشية.و أدقّ فلان و أجلّ، إذا أعطى القليل و الكثير.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:فعلت ذاك من جلالك،قالوا:معناه من عظمك في صدري.[ثمّ استشهد بشعر]

و الأصل الثّاني:شيء يشمل شيئا،مثل جلّ الفرس،و مثل المجلّل:الغيث الّذي يجلّل الأرض بالماء و النّبات.و منه الجلول،و هي شرع السّفن.[ثمّ استشهد بشعر]

الواحد:جلّ.

و الأصل الثّالث:من الصّوت،يقال:سحاب مجلجل،إذا صوّت،و الجلجل مشتقّ منه.و من الباب جلجلت الشّيء في يدي،إذا خلطته ثمّ ضربته.[ثمّ استشهد بشعر]

و محتمل أن يكون جلجلان السّمسم من هذا،لأنّه يتجلجل في سنفه إذا يبس.

و ممّا يحمل على هذا قولهم:أصبت جلجلان قلبه، أي حبّة قلبه.و منه الجلّ:قصب الزّرع،لأنّ الرّيح إذا وقعت فيه جلجلته.و محتمل أن يكون من الباب الأوّل لغلظه،و منه الجليل و هو الثّمام.[ثمّ استشهد بشعر]

و أمّا المجلّة:فالصّحيفة،و هي شاذّة عن الباب،إلاّ أن تلحق بالأوّل،لعظم خطر العلم و جلالته.

و ممّا شذّ عن الباب:الجلّة:البعر.(1:417)

أبو هلال :فرّق بعضهم بين الجليل و الكبير،بأن قال:الجليل في أسماء اللّه تعالى،هو العظيم الشّأن المستحقّ للحمد،و الكبير فيما يجب له من صفة الحمد.

و الأجلّ بما ليس فوقه من هو أجلّ منه.

و أمّا الأجلّ من ملوك الدّنيا،فهو الّذي ينفرد في الزّمان،بأعلى مراتب الجلالة.

و الجلال إذا أطلق كان مخصوصا بعظم الشّأن، و يقال:حكم جليلة،للنّفع بها،و يوصف المال الكثير بأنّه جليل،و لا يوصف الرّمل الكثير بذلك،لما كان من عظم النّفع في المال.

و سمّيت الجلّة جلّة لعظمها.و المجلّة:الصّحيفة، سمّيت بذلك لما فيها من عظم الحكم و العهود.

الفرق بين الجلالة و الهيبة:أنّ الجلالة ما ذكرناه، و الهيبة:خوف الإقدام على الشّيء،فلا يوصف اللّه بأنّه

ص: 746

يهاب،كما لا يوصف بأنّه لا يقدم عليه،لأنّ الإقدام هو الهجوم من قدّام،فلا يوصف اللّه تعالى بأنّ له قدّاما و وراء.و الهيبة هو أن يعظم في الصّدور فيترك الهجوم عليه.(151)

الهرويّ: في حديث آخر:«جوالّ القرى»يعني الحمير الّتي تأكل العذرة.

و في الحديث:«إنّ لي فرسا أجلّها كلّ يوم فرقا من كذا»أي أعطيها إيّاه علفا.و هم يضعون الإجلال موضع الإعطاء.

و في الحديث:«فجاء إبليس في صورة شيخ جليل» أي مسنّ.[ثمّ استشهد بشعر](1:385)

الثّعالبيّ: إذا كانت[النّاقة]عظيمة فهي كهاة و جلالة.(177)

الجلل:اليسير،و الجلل:العظيم،لأنّ اليسير قد يكون عظيما عند ما هو أيسر منه،و العظيم قد يكون صغيرا عند ما هو أعظم منه.(315)

ابن سيده: جلّ الشّيء يجلّ جلالا و جلالة،و هو جلّ و جليل و جلال:عظم.و الأنثى:جليلة،و جلالة.

و أجلّه:عظّمه.

و التّجلّة:الجلالة،اسم كالتّدورة و التّهنئة.[ثمّ استشهد بشعر]

و جلّ الشّيء:و جلاله:معظمه،و تجلّل الشّيء:

أخذ جلّه و جلاله.و تجالّ عن ذلك:تعاظم،و الجلّى:

الأمر العظيم.

و جلّ الرّجل جلالا،فهو جليل:أسنّ و احتنك، و الجمع:جلّة؛و الأنثى:جليلة.و جلّة الإبل و الغنم:

مسانّها.و قيل:الجلّة:النّاقة الثّنيّة إلى أن تبزل،و قيل:

الجلّة:الجمل إذا أثنى.

و ما له دقيقة و لا جليلة،أي شاة و لا ناقة.

و أتيته فما أجلّني و لا أحشاني،أي لم يعطني جليلة و لا حاشية،و هي الصّغيرة من الإبل،و في المثل:«غلبت جلّتها حواشيها».

و الجلل:الشّيء العظيم و الصّغير،و هو من الأضداد.

[ثمّ أورد شعرا و تفسيره]

و الجلجل:الأمر العظيم كالجلل.

و الجلّ:نقيض الدّق.

و الجلال:نقيض الدّقاق.

و الجلّ من المتاع:القطف و الأكسية و البسط و نحوه، عن أبي عليّ.

و الجلّ،و الجلّ:قصب الزّرع إذا حصد.

و الجلّة:وعاء يتّخذ من الخوص،يوضع فيه التّمر، عربيّة معروفة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمع:جلال،و جلل.[ثمّ استشهد بشعر]

و جلال كلّ شيء:غطاؤه.

و تجلّل الفحل النّاقة،و الفرس الحجر:علاها.

و الجلّة:البعر،و قيل:هو البعر الّذي لم ينكسر.

و إبل جلاّلة:تأكل العذرة،و قد نهي عن لحومها و ألبانها.

و جلّ البعر جلاّ:جمعه بيده.

و اجتلّ الإماء:التقطن الجلّة للوقود.

و جلّ القوم عن منازلهم يجلّون جلولا:جلوا،و منه قيل:استعمل فلان على الجالّة و على الجالية.

ص: 747

و فعله من جلّك،و جللك،و جلالك،و تجلّتك، و إجلالك،و من أجل إجلالك،أي من أجلك.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:من جللك،أي من عظمتك.

و المجلّة:الصّحيفة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجليل:الثّمام؛حجازيّة،واحدته:جليلة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلّ:شراع السّفينة،و جمعه:جلول.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلّ:الياسمين،و قيل:هو الورد أبيضه و أحمره و أصفره،فمنه جبليّ و منه قرويّ.واحدته:جلّة،حكاه أبو حنيفة،قال:و هو كلام فارسيّ،و قد دخل في العربيّة.

و جلّ،و جلاّن:حيّان.و جلّ:اسم.[ثمّ استشهد بشعر](7:204)

الرّاغب: الجلالة:عظم القدر،و الجلال بغير الهاء:

التّناهي في ذلك،و خصّ بوصف اللّه تعالى،فقيل: ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ الرّحمن:27،و لم يستعمل في غيره.

و الجليل:العظيم القدر.و وصفه تعالى بذلك إمّا لخلقه الأشياء العظيمة المستدلّ بها عليه،أو لأنّه يجلّ عن الإحاطة به،أو لأنّه يجلّ أن يدرك بالحواسّ.

و موضوعه للجسم العظيم الغليظ،و لمراعاة معنى الغلظ فيه قوبل بالدّقيق،و قوبل العظيم بالصّغير،فقيل:

جليل و دقيق،و عظيم و صغير.

و قيل للبعير:جليل،و للشّاة،دقيق،اعتبارا لأحدهما بالآخر،فقيل:ما له جليل و لا دقيق، و ما أجلّني و لا أدقّني،أي ما أعطاني بعيرا و لا شاة،ثمّ صار مثلا في كلّ كبير و صغير.

و خصّ الجلالة بالنّاقة الجسيمة،و الجلّة بالمسانّ منها.

و الجلل:كلّ شيء عظيم،و جللت كذا:تناولت، و تجلّلت البقر:تناولت جلاله.و الجلل:المتناول من البقر،و عبّر به عن الشّيء الحقير،و على ذلك قوله:كلّ مصيبة بعده جلل.

و الجلل:معظم الشّيء،فقيل:جلّ الفرس،و جلّ الثّمن.

و المجلّة:ما يغطّى به الصّحف،ثمّ سمّيت الصّحف مجلّة.

و أمّا الجلجلة:فحكاية الصّوت،و ليست من ذلك الأصل في شيء،و منه:سحاب مجلجل،أي مصوّت.

فأمّا سحاب مجلّل فمن الأوّل،كأنّه يجلّل الأرض بالماء و النّبات.(94)

الزّمخشريّ: جلّ في عيني،و جلّ عن كذا.و هذه ناقة تجلّ عن الإعياء.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجللت فلانا:وجدته جليلا.و أنا أجلّك عن هذا.

و ما له دقّ و لا جلّ،و لا دقيقة و لا جليلة.و أتيته فما أدقّني و لا أجلّني.و ما أجلّني و لا أحشاني،أي ما أعطاني من الجلّة و لا الحاشية.و أخذ جلّه،و كبره و عظمه،بمعنى.

و هذا شيء جلل،أي هيّن.[ثمّ استشهد بشعر]

و قوم أجلّة.و إبل جلّة.[ثمّ استشهد بشعر]

و جلّت هذه النّاقة:أسنّت.و فلان يتجالّ علينا:

يتعاظم.و هو من إخواني و صدقاني و جلاّني.و أنا أتجالّه،أي أعظّمه.و ركب فلان الجلّى،و ركبوا الجلل،

ص: 748

كالكبرى و الكبر.و قرأ مجلّة لقمان،أي صحيفته.

و جلّله:غطّاه،و تجلّل بثوبه:تغطّى به.و حصان مجلّل.و سحاب مجلجل مجلّل،أي راعد مطبّق بالمطر.

و جلجل الياسر القداح:حرّكها.و استعمل فلان على الجالية و الجالّة،و هم الّذين ينهضون من أرض إلى أرض،يقال:جلّ عن البلد جلولا،بمعنى جلا عنه.

و من المجاز:تجلّله الهمّ و المرض.[ثمّ استشهد بشعر]

(أساس البلاغة:62)

[في حديث]النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«نهى عن لحوم الجلاّلة» كني عن العذرة بالجلّة،و هي البعرة،فقيل لآكلتها:

جلاّلة و جالّة،و قد جلّ الجلّة و اجتلّها:التقطها،و ماء مجلول:وقعت فيه الجلّة.(1:223)

المدينيّ: في حديث أنس:«ألقى إلينا مجالّ» المجالّ:الصّحف،جمع مجلّة.

و في حديث آخر،قال:«ما معك؟قال:مجلّة لقمان» يعني كتابا فيه حكمة لقمان.[ثمّ استشهد بشعر]

و قيل:هو من جلّ،لجلال الحكمة.و هي مصدر كالمذلّة،فسمّي بها كما سمّي بالكتاب،أو بمعنى الجلال.

و في الحديث:«أنّه جلّل فرسا له سبق بردا عدنيّا» جلّله،أي ألبسه إيّاه،و جعله جلاّ له.

في الحديث أنّه قال للضّحّاك بن سفيان:«أخذت جلّة أموالهم»الجلّة:العظام من الإبل،و جلّ كلّ شيء و جلّه:معظمه.

يقال:ما له دقّ و لا جلّ،و يقال:هلك دقّ ماله و جلّه.

و قيل:الجلّة:المسانّ من الإبل،و قيل:هي ما بين الثّنيّ إلى البازل.

و منه حديث جابر:«تزوّجت امرأة قد تجالّت»أي اسنّت و كبرت،و مشيخة جلّة:مسانّ،واحدهم:

جليل،و جلّت النّاقة:أسنّت.

و في الحديث:«نسوة قد تجاللن»أي كبرن و طعنّ في السّنّ،يقال:تجالّت المرأة فهي متجالّة،و جلّت فهي جليلة،إذا كبرت و عجزت.

في حديث العبّاس:«أنّه قال يوم بدر:القتل جلل ما عدا محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم».أي هيّن يسير.

و الجلل:من الأضداد،يكون اليسير،و يكون العظيم،و أجلّ فلان،إذا ضعف و إذا قوي،و في المثل:

«جلّت الهاجن عن الولد»أي صغرت العناق عن أن تلد،و قيل:هو من«جلّ».

و في حديث عليّ،رضي اللّه عنه:«اللّهمّ جلّل قتلة عثمان خزيا»أي غطّهم به،و ألبسهم إيّاه،كما يتجلّل الرّجل بالثّوب.

و مطر مجلّل:لا يدع موضعا،و منه حديث الاستسقاء:«و إبلا مجلّلا»أي يجلّل الأرض بمائه،أو بنباته،كأنّه يكسوها إيّاه.

في الحديث:«يستر المصلّي مثل مؤخّرة الرّحل في مثل جلّة السّوط»أي في مثل غلظه.

في الحديث:«لا تصحب الملائكة رفقة فيها جلجل» الجلجل:كلّ شيء علّق في عنق دابّة،أو رجل صبيّ يصوّت.

الجليل:الثّمام عند أهل الحجاز،واحدتها:جليلة، و ثمامة.و قيل:هو الثّمام إذا عظم و جلّ.

ص: 749

و في حديث عمر،رضي اللّه عنه:«قال له رجل:

التقطت شبكة على ظهر جلاّل»هو اسم لطريق نجد إلى مكّة.(1:341)

ابن الأثير: في أسماء اللّه تعالى«ذو الجلال و الإكرام»الجلال:العظمة،و منه الحديث:«ألظّوا بيا ذا الجلال و الإكرام».

و منه الحديث الآخر:«أجلّوا اللّه يغفر لكم»أي قولوا:يا ذا الجلال و الإكرام،و قيل:أراد عظّموه.و جاء تفسيره في بعض الرّوايات،أي أسلموا.و يروى بالحاء المهملة،و هو كلام أبي الدّرداء في الأكثر.

و من أسماء اللّه تعالى:الجليل،و هو الموصوف بنعوت الجلال و الحاوي جميعها،هو الجليل المطلق،و هو راجع إلى كمال الصّفات،كما أنّ الكبير راجع إلى كمال الذّات، و العظيم راجع إلى كمال الذّات و الصّفات.

و في حديث الدّعاء:«اللّهمّ اغفر لي ذنبي كلّه دقّه و جلّه»أي صغيره و كبيره،و يقال:ما له دقّ و لا جلّ.

[ثمّ ذكر الأحاديث السّابقة](1:287)

الصّغانيّ: أجلّ،إذا ضعف و إذا قوي.

(الأضداد:226)

الفيّوميّ: جلّ الشّيء يجلّ بالكسر:عظم،فهو جليل،و جلال اللّه:عظمته.

و جلّ يجلّ أيضا:خرج من بلد إلى آخر فهو جالّ، و الجمع:جالّة.و منه قيل لليهود الّذين أخرجوا من الحجاز:جالّة،و هي جالية أيضا،ثمّ نقل الاسم إلى الجزية،و قيل:استعمل فلان على الجالّة،كما يقال:على الجالية.

و جلّة التّمر:الوعاء،و جمعها:جلال،مثل برمة و برام.

و جلّ الشّيء بالضّمّ أيضا:معظمه.

و جلّ الدّابّة:كثوب الإنسان يلبسه،يقيه البرد، و الجمع:جلال و أجلال.

و الجلّة بالفتح:البعرة،و تطلق على العذرة.

و جلّ فلان البعر جلاّ،من باب«قتل»:التقطه فهو جالّ،و جلاّل مبالغة،و منه قيل للبهيمة تأكل العذرة:

جلاّلة و جالّة أيضا،و الجمع:جلاّلات،على لفظ الواحدة و جوالّ،مثل دابّة و دوابّ.

و جلّل المطر الأرض بالتّثقيل:عمّها و طبّقها،فلم يدع شيئا إلاّ غطّى عليه،قاله ابن فارس في متخيّر الألفاظ.و منه يقال:جلّلت الشّيء،إذا غطّيته.

و الجلّى«فعلى»:الأمر الشّديد،و الخطب العظيم.

(1:105)

الجرجانيّ: الجلال من الصّفات:ما يتعلّق بالقهر و الغضب.(التّعريفات:34)

الفيروزآباديّ: جلّ يجلّ جلالة و جلالا:أسنّ و احتنك،فهو جليل من جلّة،و جلالا:عظم فهو جليل و جلّ بالكسر و الفتح،و كغراب و رمّان و هي جليلة و جلالة.و أجلّه:عظّمه،و التّجلّة:اسم.

و جلّ الشّيء و جلاله بضمّهما:معظمه.

و تجلّله:علاه،و أخذ جلّه.

و تجالّ عنه:تعاظم.

و الجلّى كربّى:الأمر العظيم،الجمع:جلل.

و قوم جلّة بالكسر:عظماء سادة ذوو أخطار،و هي

ص: 750

المسانّ منّا و من الإبل،للواحد و الجمع،و الذّكر و الأنثى، أو هي الثّنيّة إلى أن تبزل،أو الجمل إذا أثنى،أو يقال:

بعير جلّ و ناقة جلّة.

و بالضّمّ:قفّة كبيرة للتّمر.

و الجلل محرّكة:العظيم و الصّغير،ضدّ.

و الجلّ بالكسر:ضدّ الدّقّ،و من المتاع:البسط و الأكسية و نحوها،و قصب الزّرع إذا حصد،و يضمّ و يفتح.

و بالضّمّ و بالفتح:ما تلبسه الدّابّة لتصان به،و قد جلّلتها و جللتها،الجمع:جلال و أجلال،و بالفتح:

الشّراع و يضمّ،الجمع:جلول،و اسم أبي حيّ من العرب.

و الجليل و الحقير،ضدّ.

و بالضّمّ و يفتح:الياسمين،و الورد أبيضه و أحمره و أصفره،الواحدة بهاء،و ماء قرب واقصة،و جلّ بن خقّ بالضّمّ في طيّئ.

و جلّ بيتك:حيث ضرب و بني.

و بالضّمّ:الضّخم،و جبل،و معظم الشّيء.

و جلاّل كشدّاد:اسم لطريق نجد إلى مكّة.

و الجلاّلة:البقرة تتبّع النّجاسات،و ككناسة:النّاقة العظيمة.

و الجلّة،بالضّمّ:وعاء من خوص،الجمع:جلال و جلل.

و الجلّة مثلّثة:البعر أو البعرة،أو الّذي لم ينكسر.

و جلّ البعر جلاّ و جلّة:جمعه بيده،و اجتلّه:التقطه للوقود.

و فعله من جلّك بالضّمّ،و جلالك،و جللك محرّكة، و تجلّتك،و إجلالك بالكسر،و من أجل إجلالك،و من أجلك بمعنى.

و جللت هذا على نفسك:جنيته.

و جلّوا عن منازلهم يجلّون جلولا و جلاّ:جلوا،و هم الجالّة،و الأقط:أخذوا جلاله.

و جلّ و جلاّن:حيّان.[إلى أن قال:]

و الجلل محرّكة:الأمر العظيم و الهيّن الحقير،ضدّ...

و المجلّة،بالفتح:الصّحيفة فيها الحكمة،و كلّ كتاب.

و كأمير:العظيم،و الثّمام،الجمع:جلائل.و الجليلة:الّتي نتجت بطنا واحدا،أو ما أجلّني:ما أعطانيها،و النّخلة العظيمة الكثيرة الحمل،الجمع:جلال.

و أجلّ:قوي و ضعف،ضدّ.و اجتللته و تجاللته:

أخذت جلاله.(3:360)

الطّريحيّ: و منه حديث عليّ عليه السّلام في النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:

«و إنّ المصاب بك لجليل»،و مثله:«كلّ مصيبة بعدك جلل»بفتح جيم و لام أولى،أي هيّن.

و في حديث غسل الميّت:«و تغسله مرّة أخرى بماء و شيء من جلال الكافور أي بقليل و يسير منه.

و في حديث وقت الفجر:«حين ينشقّ إلى أن يتجلّل الصّبح السّماء»أي يعلوها بضوء و يعمّها،من قولهم:تجلّله،أي علاه.

و قولهم:جلّل الشّيء تجليلا،أي عمّه.

و في الحديث:«الإمام كالشّمس الطّالعة المجلّلة بنورها للعالم».

و في الخبر:«إنّ القلب ليتجلّل في الجوف ليطلب

ص: 751

الحقّ فإذا أصابه اطمأنّ»هو من الجلجلة:التّحريك و شدّة الصّوت.

و الجلجلة:صوت الرّعد.

و تجلجلت قواعد البيت،أي تضعضعت.

و تجليل الفرس:أن يلبسه جلّه و يغطّيه به.و منه حديث الهدي:«ما أكثر ما لا يقلّد و لا يشعر و لا يجلّل» بجيم و لامين،كما يستفاد من الأخبار كأنّه صفة أخرى للهدي كالإشعار و التّقليد.

و في حديث عليّ عليه السّلام:«كان يكره أن يجلّل التّمر» أي يجعل في الجلّة و يباع ذلك،لأنّه لا يطّلع عليه،فربّما كان رديئا.(5:339)

محمّد إسماعيل إبراهيم:جلّ الشّيء يجلّ:

عظم،و أجللته:عظّمته،و جلّ عن كذا:تنزّه و تقدّس.

و ذو الجلال و الإكرام،أي ذو العظمة و الاستغناء المطلق، و صاحب الفضل و الإحسان إلى عباده.(109)

العدنانيّ: الأمر الجلل:العظيم و اليسير و يخطّئون من يستعمل كلمة«الجلل»للأمر اليسير،و يقولون:إنّها للأمر العظيم.[ثمّ استشهد بأشعار]

و الحقيقة هي أنّ كلمة«الجلل»تقال للأمر العظيم و اليسير.[ثمّ استشهد بأشعار]

و في حديث العبّاس يوم بدر،قال:«القتلى جلل ما عدا محمّدا»أي هيّن يسير.

و أجمع على أنّ«الجلل»من الأضداد،فيقال:جلل لليسير،و جلل للعظيم،كلّ من:ابن قتيبة«أدب الكاتب»،و ابن الأنباريّ،و الصّحاح،و الثّعالبيّ«فقه اللّغة»الّذي قال:«الجلل:اليسير،و الجلل:العظيم،لأنّ اليسير قد يكون عظيما عند ما هو أيسر منه،و العظيم قد يكون صغيرا عند ما هو أعظم منه»و ابن الأثير «النّهاية»و اللّسان،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و المتن،و التّضادّ،و الوسيط،و أنا أنصح بأن لا نستعمل كلمة«الجلل»إلاّ للأمر العظيم:

أ-دفعا للوقوع في اللّبس عند اختيار أحد المعنيين المتضادّين.

ب-لأنّ هذا المعنى هو المألوف لدينا.

ج-لأنّ«المصباح المنير»اكتفى بقوله:جلّ الشّيء يجلّ:عظم،فهو جلل.

د-لأنّ الجليل و الجلّى القريبين في حروفهما من الجلل،لا يكونان إلاّ للأمر العظيم.(125)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو العظمة،و هذا المعنى يختلف باختلاف الموضوعات،ففي كلّ مورد بحسبه،يقال:جلّ الشّيء:

عظم،و جلّ الشّيء:معظم قسمة منه،و الجلالة:النّاقة العظيمة.

و أمّا جلّ يجلّ بمعنى الخروج من بلد:فهذا المعنى مأخوذ من مادّة:جلا و أجلى إجلاء،فقلبت الواو بمناسبة العين لاما،كما في قلب اللاّم ياء«أمليت»و هذا نوع من الاشتقاق،و هو الاشتقاق الأكبر.

و أمّا الجلّة بمعنى البعر،فهو مأخوذ من اللّغة العبريّة:

قاموس عبريّ-عربيّ- جالال، جلل-روث،براز،غائط،بعر.فهذا المعنى ليس من مادّة«الجلال»بمعنى العظمة.

و هكذا لغة:فعلته من جلالك،أي من أجلك؛فإنّها

ص: 752

مأخوذة من العبريّة أيضا،كما في[القاموس المذكور] جلل-من أجل،بسبب.

و يمكن أن يكون مأخوذا من الجلال،أي بملاحظة عظمتك،كما مرّ.

و أمّا جلّ الفرس و المجلّل:فباعتبار تحقّق العظمة و المنزلة في الفرس،بلبس الجلّ و هو لباسه،و هكذا عظمة الأرض و منزلتها إنّما يتحقّق بالمطر المحيط بها، حتّى تنبت النّباتات المخضرّة.

و أمّا المجلّة:فهو أيضا من معنى العظمة،لكونه مورد تقدير و تجليل،و لا يبعد أن يكون هذا المعنى أيضا مأخوذا من العبريّة:

قاموس عبريّ-عربيّ- مجيلاه- درج،لفيفة من الرّقّ،أو ورق البرديّ،تدوّن عليها وثيقة.فلا يكون شذوذ في هذه اللّغات.

و أمّا الجلجل:فالأصل فيه أنّه من أسماء الأصوات، و الأفعال المشتقّة منه مشتقّات انتزاعيّة،كما في جرجر.

وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ الرّحمن:

27،فإنّ وجهه هو المستحقّ للتّعظيم و التّكريم،و له العظمة و الكرامة،و المراد من الوجه:ما يكون له وجهة الرّبّ و ظهور الحقّ،و أمّا الموجودات بحدودها فتشملها جملة كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ راجع«و ج ه».

و أمّا التّعبير في الآية الكريمة بصيغة«الجلال»مجرّدا و لازما دون«التّجليل»،كما في كلمة«الإكرام:فإنّ العظمة الذّاتيّة ثابتة له بنحو أكمل،فهو عظيم حقّا و جليل ذاتا،و لا يستطيع لممكن أن يعظّمه،و أيضا أنّ ثبوت الجلال للوجه يقتضي الحكم بلزوم الإكرام.

«كلّيّات أبي البقاء»:عظيم:العظيم نقيض الحقير، كما أنّ الكبير نقيض الصّغير،و العظيم فوق الكبير،لأنّ العظيم لا يكون حقيرا لكونهما ضدّان،و الكبير قد يكون حقيرا،كما أنّ الصّغير قد يكون عظيما؛إذ ليس كلّ منهما ضدّا للآخر،و العظمة تستعمل في الأجسام و غيرها،و الجلال لا يستعمل إلاّ في غير الأجسام.

(2:107)

النّصوص التّفسيريّة

1- وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ.

الرّحمن:27

ابن عبّاس: ذو العظمة و السّلطان.(451)

مثله النّسفيّ.(4:209)

الفرّاء: هذه و الّتي في آخرها(ذى)كلتاهما في قراءة عبد اللّه-ذى-تخفضان في الإعراب،لأنّهما من صفة ربّك تبارك و تعالى،و هي في قراءتنا وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ، (ذو)تكون من صفة وجه ربّنا تبارك و تعالى.(3:116)

نحوه الطّبريّ.(27:134)

الطّوسيّ: و معنى(ذو الجلال)ذو العظمة بالإحسان.(9:473)

البغويّ: ذو العظمة و الكبرياء.(4:334)

الميبديّ: جلال اللّه سبحانه:عظمته و استحقاقه لأوصاف الكمال.

و قيل:الجلال:التّنزيه،من قولهم:هو أجلّ من

ص: 753

هذا.(9:413)

الزّمخشريّ: صفة ل(وجه)،و معناه الّذي يجلّه الموحّدون عن التّشبيه بخلقه و عن أفعالهم،أو الّذي يقال له:ما أجلّك و أكرمك!أو من عنده الجلال و الإكرام للمخلصين من عباده،و هذه الصّفة من عظيم صفات اللّه.

(4:46)

نحوه أبو حيّان.(8:193)

الطّبرسيّ: أي العظمة و الكبرياء،و استحقاق الحمد و المدح بإحسانه الّذي هو في أعلى مراتب الإحسان و إنعامه الّذي هو أصل كلّ إنعام.و قيل:معناه أنّه أهل أن يعظّم و ينزّه عمّا لا يليق بصفاته،كما يقول الإنسان لغيره:أنا أكرمك عن كذا و أجلّك عنه،كقوله:

أهل التّقوى،أي أهل أن يتّقى.(5:202)

ابن الجوزيّ: و المعنى أنّ اللّه تعالى مستحقّ أن يجلّ و يكرم،و لا يجحد و لا يكفر به،و قد يحتمل أن يكون المعنى:أنّه يكرم أهل ولايته و يرفع درجاتهم، و قد يحتمل أن يكون أحد الأمرين،و هو(الجلال)مضافا إلى اللّه تعالى،بمعنى الصّفة له،و الآخر مضافا إلى العبد بمعنى الفعل منه،كقوله تعالى: هُوَ أَهْلُ التَّقْوى وَ أَهْلُ الْمَغْفِرَةِ المدّثّر:56،فانصرف أحد الأمرين إلى اللّه و هو المغفرة،و الآخر إلى العباد و هو التّقوى.

(8:114)

الفخر الرّازيّ: الجلال:إشارة إلى كلّ صفة هي من باب النّفي،كقولنا:اللّه ليس بجسم و لا جوهر و لا عرض، و لهذا يقال:جلّ أن يكون محتاجا،و جلّ أن يكون عاجزا،و التّحقيق فيه:أنّ(الجلال)هو بمعنى العظمة، غير أنّ العظمة أصلها في القوّة و(الجلال)في الفعل،فهو عظيم لا يسعه عقل ضعيف فجلّ عن أن يسعه كلّ فرض معقول.[إلى أن قال:]

و(الجلال و الاكرام)وصفان مرتّبان على أمرين سابقين،فالجلال مرتّب على فناء الغير و الإكرام على بقائه تعالى،فيبقى الفرد و قد عزّ أن يحدّ أمره بفناء من عداه و ما عداه،و يبقى و هو مكرم قادر عالم،فيوجد بعد فنائهم من يريد.(29:107)

القرطبيّ: الجلال:عظمة اللّه و كبرياؤه،و استحقاقه صفات المدح،يقال:جلّ الشّيء،أي عظم،و أجللته، أي عظّمته و الجلال:اسم من جلّ.(17:165)

البيضاويّ: ذو الاستغناء المطلق و الفضل العامّ.

(2:442)

النّيسابوريّ: معناه:ذو النّعمة و التّعظيم.

(27:66)

الخازن :أي ذو العظمة و الكبرياء،و معناه الّذي يجلّه الموحّدون عن التّشبيه بخلقه.(7:5)

ابن كثير :أي هو أهل أن يجلّ فلا يعصى،و أن يطاع فلا يخالف،كقوله تعالى: وَ اصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَداةِ وَ الْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ الكهف:28،و كقوله إخبارا عن المتصدّقين: إِنَّما نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللّهِ الدّهر:9.(6:490)

الشّربينيّ: أي العظمة الّتي لا ترام،و هو صفة ذاته الّتي تقتضي إجلاله،عن كلّ ما لا يليق به.(4:165)

الكاشانيّ: ذو الاستغناء المطلق و الفضل العامّ؛ و ذلك لأنّك إذا استقريت جهات الموجودات و تصفّحت

ص: 754

وجوهها،وجدتها بأسرها فانية في حدّ ذاتها إلاّ وجه اللّه،أي الوجه الّذي يلي جهته.(5:110)

أبو السّعود :أي ذو الاستغناء المطبق و الفضل التّامّ،و قيل:الّذي عنده الجلال و الإكرام للمخلصين من عباده،و هذه من عظائم صفاته تعالى.[إلى أن قال:]

في وصفه تعالى بذلك بعد ذكر فناء الخلق و بقائه تعالى،يفيض عليهم بعد فنائهم أيضا آثار لطفه و كرمه، حسبما ينبئ عنه قوله تعالى: فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ فإنّ إحياءهم بالحياة الأبديّة و إثابتهم بالنّعيم المقيم أجلّ النّعماء و أعظم الآلاء.(6:178)

نحوه البروسويّ.(9:298)

الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ و أضاف:]

و فسّر بعض المحقّقين(الجلال)بالاستغناء المطلق، (و الاكرام)بالفضل التّامّ،و هذا ظاهر.

و وجه الأوّل بأنّ(الجلال)العظمة،و هي تقتضي ترفّعه تعالى عن الموجودات،و يستلزم أنّه سبحانه غنيّ عنها،ثمّ ألحق بالحقيقة،و لذا قال الجوهريّ:عظمة الشّيء:الاستغناء عن غيره،و كلّ محتاج حقير،و قال الكرمانيّ:إنّه تعالى له صفات عدميّة،مثل لا شريك له،و تسمّى صفات الجلال لما أنّها تؤدّي بجلّ عن كذا جلّ عن كذا،و صفات وجوديّة كالحياة و العلم،و تسمّى صفات الإكرام،و فيه تأمّل.

و الظّاهر أنّ(ذو)صفة للوجه،و يتضمّن الوصف بما ذكر-على ما ذكره البعض-الإشارة إلى أنّ فناء(من عليها)لا يخلّ بشأنه عزّ و جلّ،لأنّه الغنيّ المطلق.

و الإشارة إلى أنّه تعالى بعد فنائهم يفيض على الثّقلين من آثار كرمه ما يفيض،و ذلك يوم القيامة.

و وصف«الوجه»بما وصف،يبعد كونه عبارة عن العمل الصّالح أو الجهة-على ما سمعت آنفا-و كأنّ من يقول بذلك يقول:(ذو)خبر مبتدإ محذوف،هو ضمير راجع إلى الرّبّ،و هو في الأصل صفة له،ثمّ قطعت عن التّبعيّة،و يؤيّده قراءة أبيّ،و عبد اللّه (ذي الجلال) بالياء،على أنّه صفة تابعة للرّبّ.

و ذكر الرّاغب أنّ هذا الوصف قد خصّ به عزّ و جلّ، و لم يستعمل في غيره،فهو من أجلّ أوصافه سبحانه.

(27:109)

القاسميّ: أي العظمة و العلوّ و الكبرياء.

(15:5620)

الطّباطبائيّ: في(الجلال)شيء من معنى الاعتلاء و التّرفّع المعنويّ على الغير،فيناسب من الصّفات ما فيه شائبة الدّفع و المنع،كالعلوّ و التّعالي و العظمة و الكبرياء و التّكبّر و الإحاطة و العزّة و الغلبة.

و يبقى للإكرام من المعنى ما فيه نعت البهاء و الحسن الّذي يجذب الغير و يولّهه،كالعلم و القدرة و الحياة و الرّحمة و الجود و الجمال و الحسن و نحوها،و تسمّى:

صفات الجمال،كما تسمّى القسم الأوّل:صفات الجلال، و تسمّى الأسماء أيضا على حسب ما فيها من صفات الجمال أو الجلال بأسماء الجمال أو الجلال.

فذو الجلال و الإكرام:اسم من الأسماء الحسنى، جامع بمفهومه بين أسماء الجمال و أسماء الجلال جميعا.

(19:101)

مكارم الشّيرازيّ: أمّا(ذو الجلال و الاكرام)

ص: 755

و الّذي هو وصف ل(الوجه)،فإنّه يشير إلى صفات الجمال و الجلال للّه سبحانه،لأنّ(ذو الجلال)تنبئنا عن الصّفات الّتي يكون اللّه أفضل و أجلّ منها(الصّفات السّلبيّة).و كلمة(الاكرام)تشير إلى الصّفات الّتي تظهر حسن و قيمة الشّيء،و هي الصّفات الثّبوتيّة للّه سبحانه،كعلمه و قدرته.(17:368)

2- تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ.

الرّحمن:78

الطّوسيّ: و قوله: ذِي الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ خفض، لأنّه بدل من قوله:(ربّك).و معنى(الجلال)العظمة (و الاكرام)الإعظام بالإحسان و الإنعام...

و من قرأ (ذو الجلال) بالرّفع أراد أنّ اسم اللّه فيه البركة،و إذا قرئ بالخفض دلّ على أنّ اسم اللّه غير اللّه، لأنّه لو كان اسمه هو اللّه لجرى مجرى ذكر وجهه،أ لا ترى أنّه لمّا قال: وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ و رفعه،لأنّه أراد:اللّه تعالى،و هاهنا بخلافه.(9:486)

البغويّ: قرأ أهل الشّام (ذو الجلال) بالواو، و كذلك هو في مصاحفهم إجراء على الاسم.(4:346)

الميبديّ: [نحو البغويّ و أضاف:]

و(الجلال)لا يستعمل إلاّ للّه سبحانه و تعالى، (و الاكرام)هو أن يكرم أولياءه،بالإنعام عليهم و الإحسان إليهم.(9:433)

الزّمخشريّ: قرئ (ذو الجلال) صفة للاسم.

(4:50)

نحوه الكاشانيّ.(5:117)

ابن الجوزيّ: و كان ابن عامر يقرأ (ذو الجلال) و كذلك هي في مصاحف أهل الشّام،و الباقون(ذى الجلال)،و كذلك هي في مصاحف أهل الحجاز و العراق،و هم متّفقون على الموضع الأوّل أنّه«ذو».

(8:129)

الفخر الرّازيّ: القراءة المشهورة هاهنا (ذِي الْجَلالِ) و في قوله تعالى: وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ لأنّ الجلال للرّبّ،و الاسم غير المسمّى.

و أمّا«وجه الرّبّ»فهو الرّبّ،فوصف هناك «الوجه»و وصف هاهنا«الرّبّ»دون«الاسم».و لو قال:و يبقى الرّبّ،لتوهّم أنّ الرّبّ إذا بقي ربّا،فله في ذلك الزّمان مربوب.فإذا قال:«وجه»أنسى المربوب، فحصل القطع بالبقاء للحقّ،فوصف الوجه يفيد هذه الفائدة،و اللّه أعلم.(29:138)

ابن عربيّ: أي الجلال في صورة الجمال،و الجمال في صورة الجلال،اللّذان لا يحجب أحدهما عن الآخر عند البقاء بعد الفناء للمحبوبين المحبّين،السّابقين إلى غاية الدّرجات،بخلاف(الجلال و الاكرام)المذكورين قيل:فإنّهما هناك يحجب أحدهما عن الآخر،لعدم تحقّق الفاني بالوجود الحقّانيّ،و الرّجوع إلى تفاصيل الصّفات، شهودها في عين الجمع.(2:583)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجلال،أي العظمة و العموم،و منه:الجليل:العظيم،صفة من صفات اللّه جلّ جلاله.يقال:جلّ الشّيء يجلّ جلالا و جلالة،أي

ص: 756

عظم،و هو جلّ و جليل و جلال،و هي جليلة و جلالة، و هم أجلّة و أجلاّء.

و رجل جليل:خطير،و قوم جلّة:ذوو أخطار.

و أجلّة:عظّمه،و تجالّ الرّجل:تعاظم فهو متجالّ، و تجالّت المرأة:تعاظمت فهي متجالّة،يقال:فلان يتجالّ عن ذلك،و التّجلّة:الجلالة.

و جلّ الشّيء و جلاله:معظمه،يقال:تجاللت الشّيء تجالاّ،و تجلّلته،تجلّلا،أي أخذت جلاله،و تجلّل الدّراهم،أي خذ جلالها.

و الجليل:الثّمام إذا عظم و جلّ،و ذو الجليل:واد لبني تميم ينبت الجليل،أي الثّمام،واحدته:جليل، و جمعه:جلائل.

و بعير جلال:عظيم،و ناقة جلالة:ضخمة،و هذه ناقة تجلّ عن الكلال،أي أجلّ من أن تكلّ لصلابتها.

و الجلّ:نقيض الدّقّ،يقال:ما له دقّ و لا جلّ،أي لا دقيق و لا جليل.

و الجليلة:نقيض الدّقيقة،يقال:ما له دقيقة و لا جليلة،أي ما له شاة و لا ناقة،و أتيته فما أجلّني و لا أحشاني،أي لم يعطني جليلة و لا حاشية،و الحاشية:

الصّغيرة من الإبل،و ما أجلّني و لا أدقّني،أي ما أعطاني كثيرا و لا قليلا.

و جلّ الرّجل جلالا:أسنّ و احتنك،فهو جليل و هم جلّة،و الأنثى:جليلة.يقال:مشيخة جلّة،أي مسانّ، و جلّة الإبل:مسانّها،واحدتها:جليل،يقال:جلّت النّاقة،أي أسنّت.

و المجلّة:الصّحيفة فيها الحكمة،لعظم خطر العلم و جلالته.

و فعلت ذلك من جلل كذا و كذا،أي من عظمه في صدري،و فعلت ذاك من جلّك و جللك و جلالك و تجلّتك و إجلالك،و من أجل إجلالك،أي من عظمك في عيني.

و الجلّى:الأمر العظيم،و الجمع:جلل،و الجلاّء:

الخصلة العظيمة.

و المجلّل:السّحاب الّذي يجلّل الأرض بالمطر،أي يعمّ،يقال:جلّل الشّيء تجليلا،أي عمّ.

و جلّ الدّابّة و جلّها:الّذي تلبسه لتصان به، و الجمع:جلال و أجلال،لأنّه يستوعب ظهرها،و جلال كلّ شيء:غطاؤه،نحو الحجلة و ما أشبهها،و جلّل الفرس:ألبسه الجلّ،و الجلّ:الكساء يلبس السّفينة.

و الجلّ:شراع السّفينة،و كأنّه كساؤها،بل هو لغة في الجلّ،و هي لغة بني سعد.

و الجلّ من المتاع:القطف و الأكسية و البسط،و نحو ذلك.

و الجلّة:وعاء يتّخذ من الخوص يوضع فيه التّمر يكنز فيها،و الجمع:جلال و جلل،و هو بمنزلة الغطاء له.

و تجلّل الفحل النّاقة و الحجر:علاها،و تجلّل فلان بعيره:علا ظهره،و هو عموم و تغطية.

2-و جاءت بعض مشتقّات هذه المادّة من الأضداد في كلام العرب،نحو:الجلل،أي الشّيء العظيم و الصّغير، يقال:هذا الأمر جلل في جنب هذا الأمر،أي صغير يسير.و جلّ فلان في عيني،أي عظم،و احتقر و تهاون.

و جلّت النّاقة:أسنّت،و جلّت الهاجن عن الولد:صغرت.

ص: 757

و جاء بعضها أيضا ضدّ العظمة فحسب،أي بمعنى الصّغير و الحقير و الضّئيل،و منه:الجلّ و الجلّ:قصب الزّرع و سوقه إذا حصد عنه السّنبل.

و الجلّة و الجلّة:البعر،يقال:جلّ البعر يجلّه جلاّ، أي جمعه و التقطه بيده،و اجتلّ اجتلالا،التقط الجلّة للوقود،و إنّ بني فلان وقودهم الجلّة،و هم يتجلّون الجلّة:

يلتقطون البعر،و خرجت الإماء يجتللن:يلتقطن البعر.

و إبل جلاّلة:تأكل العذرة،و الجلاّلة:البقرة الّتي تأكل الجلّة و العذرة،يقال:جلّت الدّابّة الجلّة و اجتلّتها،أي التقطتها،فهي جالّة و جلاّلة.

3-كما استعملت في هذه المادّة لغات من«ج ل و»، كقولهم:استعمل فلان على الجالية و الجالّة،و الأصل فيها:«الجالة»بدون تشديد،أي استعمل على جزية أهل الذّمّة،لأنّهم جلوا عن أوطانهم.

و جلّ الرّجل عن وطنه يجلّ و يجلّ جلولا:أخلى موطنه،و جلّ القوم من البلد يجلّون جلولا:جلوات و خرجوا إلى بلد آخر.

أمّا قولهم:أنت جللت هذا على نفسك تجلّه،أي جررته و جنيته،فهي لغة،و الأصل فيها«الرّاء»أي من:

جرّ يجرّ.

4-و الجلّ:الورد أبيضه و أحمره و أصفره،واحدته:

جلّة،و هو معرّب من الفارسيّة،و أصله فيها«گل»،أي الورد مطلقا.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد مرّتين،وصفا للّه تعالى،في آيتين من سورة الرّحمن:

1- كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ* وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ الرّحمن:26،27

2- تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ

الرّحمن:78

يلاحظ أوّلا:أنّ هناك خلافا بينهم في معنى (الجلال و الاكرام)في الآيتين،فأكثرهم قالوا:

(ذو الجلال)أي ذو العظمة و السّلطان،أو ذو العظمة و الكبرياء المستحقّ لصفات الكمال،أو الّذي يقال له:

ما أجلّك و أكرمك!أو من عنده الجلال و الإكرام للمخلصين من عباده،أو الاستغناء المطلق،أو هو أهل أن يجلّ فلا يعصى،و أن يطاع فلا يخالف؛و عليه ف(الجلال)معنى ثبوتي.

و قال بعضهم:(الجلال)التّنزيه،من قولهم:هو أجلّ من هذا،أو الّذي يجلّه الموحّدون عن التّشبيه بخلقه و عن أفعالهم.قال الفخر الرّازيّ:الجلال إشارة إلى كلّ صفة هي من باب النّفي،كقولنا:اللّه ليس بجسم.[إلى أن قال:]

و التّحقيق فيه أنّ(الجلال)هو بمعنى العظمة،غير أنّ العظمة أصلها في القوّة و الجلال في الفعل،فهو عظيم لا يسعه عقل ضعيف...و هذا هو الحقّ عندنا؛و عليه فصفات الجلال و الجمال كلّها ثبوتيّة،تنفي كلّ نقص عنه و تثبت كلّ كمال له.

قال الطّباطبائيّ: «في الجلال شيء من معنى الاعتلاء و التّرفّع المعنويّ على الغير،فيناسب من الصّفات ما فيه شائبة الدّفع و المنع كالعلوّ و التّعالي و العظمة و الكبرياء و التّكبّر و الإحاطة و العزّة و الغلبة»و كأنّه أراد إرجاع الصّفات السّلبيّة إلى أنّ أصلها الصّفات الثّبوتيّة.

ص: 758

و ما أحسن و أجمل قول ابن عربيّ: «أي الجلال في صورة الجمال،و الجمال في صورة الجلال اللّذان لا يحجب أحدهما عن الآخر عند البقاء بعد الفناء...»و هذا الوصف خاصّ باللّه لا يوصف به غيره،و هو أجلّ صفاته، كما نصّ عليه الرّاغب.

و أمّا(الإكرام)فلاحظه أكثرهم أنّه فعل اللّه،أي هو ذو إحسان إلى النّاس بالإنعام عليهم،و آخرون أنّه فعل النّاس بشأن اللّه،أي هو أهل أن يكرم و يجلّل،و لا يجحد و لا يكفر به.و الظّاهر أنّه فعل اللّه يستتبع فعل النّاس، كما أنّ الجلال صفة لذاته يستتبع إجلال النّاس له تعالى.

ثانيا:في الآيتين قراءتان(ذو الجلال)و(ذى الجلال)فالقراءة المشهورة في(1)(ذو الجلال)و في (2)(ذى الجلال)و وجّهوا الرّفع في(1)بأنّ (ذو الجلال)صفة(وجه ربّك)،و الخفض بأنّه صفة ربّك،و كذلك وجّهوا الرّفع في(2)بأنّه صفة(اسم ربّك)،و الخفض فيه بأنّه صفة(ربّك)و يرجّح الرّفع في (1)بأنّه المناسب لما قبلها: كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ فقوله:

وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ إشارة إلى أنّ فناء من عليها لا يخلّ بشأنه عزّ و جلّ،فإنّه ذو جلال و سلطان على كلّ شيء غيره،فلا يناله فناء بل هو باق يفيض على الثّقلين من آثار كرمه و ألوان نعمه،و بأنّ وجه اللّه هو اللّه ذو الجلال و الإكرام.

و يرجّح الخفض في(2)بأنّ اسم الرّبّ غير الرّبّ، و الرّبّ هو ذو الجلال و الإكرام دون اسمه،و أيضا:

تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ يحكي أنّ اسمه الّذي يتبارك به، و لا يتبارك باللّه الّذي هو ذو الجلال و الإكرام.فيرجّح من القراءتين في الآيتين ما يناسب ما قبلهما.قاله الفخر الرّازيّ و أضاف:و لو قال:«و يبقى الرّبّ،بدل (وجه ربّك)لتوهّم أنّ الرّبّ إذا بقي ربّا فله في ذلك الزّمان مربوب،فإذا قال:(وجه)أنسى المربوب،فحصل القطع ببقاء الحقّ،فوصف(الوجه)يفيد هذه الفائدة، و اللّه أعلم»لاحظ«و ج ه،و ر ب ب».

ثالثا:قال الفخر الرّازيّ في(1): ذُو الْجَلالِ وَ الْإِكْرامِ «وصفان مرتّبان على أمرين سابقين:-أي في كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ* وَ يَبْقى وَجْهُ رَبِّكَ -فالجلال مرتّب على فناء الغير،و الإكرام على بقائه تعالى فيبقى الفرد،و قد عزّ أن يحدّ أمره بفناء من عداه و ما عداه، و يبقى و هو مكرم قادر عالم فيوجد بعد فنائهم من يريد».

و قال الكاشانيّ،تعليلا لبقاء وجهه و فناء غيره:

«لأنّك إذا استقريت جهات الموجودات و تصفّحت وجوهها،وجدتها بأسرها فانية في حدّ ذاتها إلاّ وجه اللّه،أي الوجه الّذي يلي جهته»و في كلامهما لطائف فتأمّل.

رابعا:اختلفوا في سورة الرّحمن أنّها مكّيّة أو مدنيّة،و لكن سياقها كما اعترف به الطّباطبائيّ-و كذلك محتواها الشّامل للمبدإ و المعاد-أقرب إلى المكّيّات، و على كلّ ف(الجلال)الوحيد من مادّتها في القرآن، و في هذه السّورة بالذّات،الحاوية لألوان نعمائه في الدّنيا و الآخرة،يبدو أنّه لغة إحدى المدينتين،و أنّه مبدأ نعمائه و إكرامه،و لهذا جمع بين جلاله و إكرامه تقديما جلاله على إكرامه في الآيتين،رمزا إلى أنّ جلاله الّذي هو من أعظم صفاته مبدأ كلّ أفعاله و نعمائه،و أنّ كلّها إحسان و إكرام،و تفضّل و عطاء.

ص: 759

ص: 760

ج ل و-ي

اشارة

4 ألفاظ،5 مرّات:4 مكّيّة،1 مدنيّة

في 4 سور:3 مكّيّة،1 مدنيّة

الجلاء 1:-1 يجلّيها 1:1

جلاّها 1:1 تجلّى 2:2

النّصوص اللّغويّة

الخليل :جلا الصّيقل السّيف جلاء،ممدود، و اجتلاه لنفسه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الماشطة تجلو العروس جلوة و جلوة،و قد جليت على زوجها.و اجتلاها زوجها،أي نظر إليها.

و أمر جليّ: واضح،و تقول:أجل لنا هذا الأمر،أي أوضحه،و ما أقمت عندهم إلاّ جلاء يوم واحد،أي بياض يوم.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:جلا اللّه عنك المرض،أي كشفه،و جلّيت عن الزّمان و عن الشّيء،إذا كان مدفونا فأظهرته،و اللّه يجلّي السّاعة،أي يظهرها،و البازي يجلّي،إذا آنس الصّيد فرفع طرفه و رأسه.

و تجلّيت الشّيء:نظرت إليه،قال اللّه عزّ و جلّ:

فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ الأعراف:143،أي ظهر و بان.

قال الحسن:تجلّى،أي بدا للجبل نور العرش.

و الجلا،مقصور:الإثمد،لأنّه يجلو البصر.

و الجبهة الجلواء:الواسعة الحسنة،و الرّجل أجلى.

و الجلاء:أن يجلو قوم عن بلادهم،يقال:أجليناهم عن بلادهم فجلوا،أي تحوّلوا و تركوها.

و الجالية:أهل الذّمّة الّذين تحوّلوا من أرض إلى أرض،و الجميع:الجوالي.

و أجلى القوم عن الشّيء،أي أفرجوا عنه بعد ما كانوا مقبلين عليه،محدقين به.

و تقول:أجلو عنه و أجليت عنه الهمّ،أي فرّجته عنه.و الانجلاء:الانكشاف عن الهموم.

و جلا:اسم.[ثمّ استشهد بشعر](6:179)

ص: 761

سيبويه:في خطبة الحجّاج:

أنا ابن جلا و طلاّع الثّنايا

متى أضع العمامة تعرفوني

جلا فعل ماض،فكأنّه قال:ابن الّذي جلا،أي أوضح و كشف.(الطّبرسيّ 2:474)

الكسائيّ: السّماء جلواء،أي مصحية.

(ابن فارس 1:468)

فعلت ذاك من إجلاك و أجلاك،و من جلالك،أي فعلته من جرّاك.(الأزهريّ 11:188)

الفرّاء: يقال:جلوت العروس جلوة،و جلوت السّيف جلاء.[ثمّ استشهد بشعر](الحربيّ 5:118)

يقال:«أجليت عن بلاده،و جلاهم الجلاء فأجلوا.

و الجلاء ممدود مفتوح.(الحربيّ 5:128)

يقال:أجلوا عن قتيل:انكشفوا عنه.

(الحربيّ 5:129)

[المجالي]الواحد:مجلى،و اشتقاقه من«الجلاء»و هو ابتداء الصّلع إذا ذهب شعر رأسه إلى نصفه.

(الجوهريّ 6:2305)

أبو زيد :يقال:جلوت بصري بالكحل جلوا، و انجلى الفم انجلاء،و جلوت عنّي همّي جلوا،إذا أذهبته.

و أجليت العمامة عن رأسي،إذا رفعتها مع طيّها عن جبينك.(الأزهريّ 11:186)

الأصمعيّ: و الجلا:انحسار الشّعر من مقدّم الرّأس،رجل أجلى و امرأة جلواء،و قد جلى يجلي جلا، مقصور.[ثمّ استشهد بشعر](القاليّ 1:251)

يقال:جلوت العروس أجلوها جلاء ممدود، و جلاها زوجها و صيفا،إذا أعطاها،و يقال:ما جلوتها؟ قال كذا.(الحربيّ 1:117)

يقال:جلوت بصري بالكحل جلوا،و جلوت السّيف جلاء ممدود.(الحربيّ 1:118)

يقال:جلا من بلد إلى بلد جلاء ممدود،و جلّ يجلّ جلولا في معنى واحد،إذا خرج من بلد إلى بلد.أجلوا:

انكشفوا.[ثمّ استشهد بشعر](الحربيّ 1:128)

يقال:جلاّ يجلّي تجلية،و هو الطّائر إذا نظر.[ثمّ استشهد بشعر](الحربيّ 1:129)

اللّحيانيّ: جليت الفضّة:لغة في:جلوتها.

(ابن سيده 7:507)

أبو عبيد: في حديث أمّ سلمة:«أنّها كانت تكره للحدّ (1)أن تكتحل بالجلاء»،هو عندنا الإثمد،سمّي بذلك لأنّه يجلو البصر فيقوّيه،أو يجلو الوجه فيحسنه.

[ثمّ استشهد بشعر](2:366)

ابن الأعرابيّ: جلاه عن وطنه فجلا،أي طرده فهرب،و جلا أيضا،إذا علا،و جلا،إذا اكتحل.و الجلا مقصور،و الجلاء ممدود،و الجلا مقصور:الإثمد.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 11:185)

يقال للسّيّد:ابن جلا.(الهرويّ 1:388)

أبو نصر الباهليّ: التّجلّي:النّظر بالأشراف.

(الأزهريّ 11:187)

الدّينوريّ: جلا النّحل يجلوها جلاء:دخّن عليها لاشتيار العسل.(ابن سيده 7:548)

المبرّد: قوله[ثعلب في الشّعر]:كالصّقر جلّى:ّ.

ص: 762


1- كذا،و يأتي عن المدينيّ:المجدّ.

تأويل التّجلّي أن يكون يحسّ شيئا فيتشوّف إليه،فهذا معنى«جلّى».

قال العجّاج: «تجلّي البازي إذا البازي كسره»أي نظر.و يقال:تجلّى فلان فلانة تجلّيا،و اجتلاها اجتلاء، أي نظر إليها و تأمّلها،و الأصل واحد.(1:200)

و العرب تقول:جلح الرّجل يجلح جلحا،و جله يجله جلها،و جلي يجلى جلى،و المعنى واحد.[ثمّ استشهد بشعر](2:112)

القاليّ: يقال:هو ابن جلا،أي المنكشف المشهور الأمر.[ثمّ استشهد بشعر](1:251)

الأزهريّ: يقال:جلا القوم عن أوطانهم يجلون، و أجلوا يجلون،و جلّوا يجلّون،إذا خرجوا من بلد إلى بلد،و منه يقال:استعمل فلان على الجالية،و الجالّة، لغتان.

و الجلاء:ممدود:مصدر جلا عن وطنه،و يقال:

أجلاهم السّلطان فأجلوا و جلوا،أي أخرجهم فخرجوا.

و قيل لأهل الذّمّة:الجالية،لأنّ عمر بن الخطّاب أجلاهم عن جزيرة العرب-لما تقدّم من أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فيهم-فسمّوا جالية.و لزمهم هذا الاسم أين حلّوا،ثمّ لزم كلّ من لزمته الجزية من أهل الكتاب بكلّ بلد،و إن لم يجلوا عن أوطانهم.[إلى أن قال:]

و قد جلى يجلي جلى،فهو أجلى.

و انجلى الظّلام انجلاء،إذا انكشف.

و يقال للرّجل إذا كان عالي الشّرف،لا يخفي مكانه:

هو ابن جلا.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:تجلّى فلان مكان كذا،إذا علاه،و الأصل:

تجلّله.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:أخبرني عن جليّة الأمر،أي حقيقته.[ثمّ استشهد بشعر](11:186)

الصّاحب:جلا الصّيقل السّيف جلاء؛و اجتلاه لنفسه.و سيف جليّ،أي مجلوّ.

و جليت الفضّة و جلوتها.

و الماشطة تجلوا العروس جلوة و جلوة،و جليت العروس إلى زوجها،و جلوتها فهي مجلوّة،و اجتليتها.

و الجلي بوزن«الخزي»:الكوّة من السّطح لا غير، و سمّيت بذلك،لأنّه يجتلى منها إلى خارجها،أي ينظر إليه،يقال:اجتليته و نظرت إليه.

و جلأت الرّجل:صرعته،و جلأ به الأرض،أي رمى به.

و أمر جليّ: واضح،و اجل الأمر،أي أوضحه.

و الجلاء:البيان و الأمر الواضح،و الجلاء:الأمر البيّن.

و جلّى اللّه عنه المرض.

و جلّيت عن الزّمان و الشّيء،إذا كان مدفونا فأظهرته.

و تجلّيت الشّيء:نظرت إليه،و البازي يجلّي تجلية.

و جاء فلان بغير جليّة،أي بغير يقين.[ثمّ استشهد بشعر]

و جلا الغيم و الشّرّ،إذا تكشّف و انجلى.

و الجلا مقصور:الإثمد؛سمّي به لأنّه يجلو البصر.

و جبهة جلواء،و هي الواسعة الحسنة.

و رجل أجلى و قد جلى يجلى،و هو ذهاب شعر مقدّم الرّأس.

ص: 763

و المجالي:مقاديم الرّأس،الواحد:مجلى.

و ابن جلا:المشهور المعروف،و قيل:هو ابن جلا اللّيثيّ،و كان صاحب فتك.

و كاشفت الرّجل و جاليته:بمعنى.

و الجلاء ممدود:أن يجلو قوم عن بلادهم،أي يتحوّلون عنها و يدعونها،يقال:أجليناهم عن بلادهم فجلوا و أجلوا،أي تنحّوا.

و الجالية:هم أهل الذّمّة،و الجميع:الجوالي.

و جلّى الرّجل عن بلده.

و استعمل فلان على الجالّة و الجالية.

و يقال للقوم إذا كانوا مقبلين على شيء محدقين به ثمّ أفرجوا عنه.قيل:أجلوا عنه.

و أجليت عنه الهمّ،إذا فرّجت عنه.

و أجلوا عن قتيل،بالألف لا غير.

و إذا عنيت الانكشاف قلت:انجلت عنه الهموم،كما تنجلي الظّلمة.(7:178)

الخطّابيّ: في نعت عليّ:«أنّه كان أجلح»و هو الّذي انحسر الشّعر عن مقدّم رأسه.فأمّا الأجلى فهو الّذي انحسر الشّعر عن مقدّم رأسه حتّى يتّصل بالصّلعة.

[ثمّ استشهد بشعر]

و في نعت المهديّ: أنّه أجلى الجبهة.(2:191) الجوهريّ: الجليّ:نقيض الخفيّ،و الجليّة:الخبر اليقين.

و الجالية:الّذين جلوا عن أوطانهم،يقال:استعمل فلان على الجالية،أي على جزية أهل الذّمّة.و الجالّة أيضا مثل الجالية.

و الجلاء بالفتح و المدّ:الأمر الجليّ،تقول منه:جلالي الخبر،أي وضح.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجلاء أيضا:الخروج من البلد،و قد جلوا عن أوطانهم،و جلوتهم أنا،يتعدّى و لا يتعدّى.و يقال أيضا:أجلوا عن البلد،و أجليتهم أنا،كلاهما بالألف.

و أجلوا عن القتيل لا غير،أي انفرجوا عنه.

و جلوت،أي أوضحت و كشفت.

و جلا:اسم رجل،سمّي بالفعل الماضي.[ثمّ استشهد بشعر]

و جلوت بصري بالكحل.و جلوت همّي عنّي،أي أذهبته.

و جلوت السّيف جلاء بالكسر،أي صقلت.

و جلوت العروس جلاء أيضا،عن أبي نصر، و جلوة،و اجتليتها بمعنى،إذا نظرت إليها مجلوّة.

و الجلاء أيضا:كحل.[ثمّ استشهد بشعر]

و جلاها زوجها وصيفا،أي أعطاها،يقال:

ما جلوتها بالكسر؟فيقال:كذا و كذا.

و يقال:ما جلاء فلان؟أي بأيّ شيء يخاطب من الأسماء و الألقاب فيعظّم به.

و اجتليت العمامة عن رأسي،إذا رفعتها مع طيّها عن جبينك.

و الجلاء:انحسار الشّعر عن مقدّم الرّأس،مثل الجله،يقال منه:رجل أجلى بيّن الجلاء.

و المجالي:مقادم الرّأس،و هي مواضع الصّلع.

و جلّى ببصره تجلية،إذا رمى به،كما ينظر الصّقر إلى الصّيد.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 764

و يقال أيضا:جلّى الشّيء،أي كشفه،و هو يجلّي عن نفسه،أي يعبّر عن ضميره.و انجلى عنه الهمّ،أي انكشف.و تجلّى الشّيء،أي تكشّف.

و تجالينا،أي انكشفت حال كلّ واحد منّا لصاحبه.

و جلوى:اسم فرس خفاف بن ندبة.(6:2303) نحوه الرّازيّ.(124)

ابن فارس: الجيم و اللاّم و الحرف المعتلّ أصل واحد،و قياس مطّرد،و هو انكشاف الشّيء و بروزه، يقال:جلوت العروس جلوة و جلاء،و جلوت السّيف جلاء.[ثمّ ذكر بعض الأقوال المتقدّمة](1:468)

الهرويّ: في الحديث:«إنّكم تبايعون محمّدا على أن تحاربوا العرب و العجم مجلية»أي حربا مخرجة عن الدّار و المال.

و العرب تقول:اختاروا،فإمّا حرب مجلية و إمّا سلم مخزية،أي إمّا حرب و دمار و خروج عن الدّار،و إمّا صلح و قرار على صغار.[ثمّ استشهد بشعر](1:387)

نحوه الزّمخشريّ.(الفائق 1:225)

ابن سيده: جلا القوم عن الموضع،و منه،جلوا و جلاء،و أجلوا.

و فرّق أبو زيد بينهما،فقال:جلوا من الخوف، و أجلوا من الجدب.

و أجلاهم هو،و جلاهم،لغة،و كذلك:اجتلاهم.

[ثمّ استشهد بشعر]

و جلوة النّحل:طردها بالدّخان.

و جلا الأمر،و جلاّه،و جلّى عنه:كشفه و أظهره؛ و قد انجلى،و تجلّى.و أمر جليّ:واضح.

و جلا السّيف و المرآة و نحوهما،جلوا،و جلاء:

صقلهما.

و جلا عينه بالكحل جلوا و جلاء.و الجلا:الكحل، لأنّه يجلو العين.[ثمّ استشهد بشعر]

و جلا العروس على بعلها جلوة،و جلوة،و جلوة، و جلاء،و اجتلاها،و جلاّها.

و جلاّها زوجها وصيفة:أعطاها إيّاها في ذلك الوقت.

و جلوتها:ما أعطاها،و قيل:هو ما أعطاها من غرّة أو دراهم.

و اجتلى الشّيء:نظر إليه،و جلّى ببصره:رمى، و جلّى البازي تجليا،و تجلية:رفع رأسه ثمّ نظر.[ثمّ استشهد بشعر]

و جبهة جلواء:واسعة،و السّماء جلواء:مصحية، و ليلة جلواء:مصحية مضيئة.

و الجلا:انحسار مقدّم الشّعر،و قيل:هو دون الصّلع،و قيل:هو أن يبلغ انحسار الشّعر نصف الرّأس.

و قد جلى جلا،و هو أجلى.

و قيل:الأجلى:الحسن الوجه الأنزع.

و ابن جلا:الواضح الأمر.و ابن جلا اللّيثيّ،سمّي بذلك لوضوح أمره،و ابن أجلى:كابن جلا.[ثمّ استشهد بشعرين]

و ما أقمت عنده إلاّ جلاء يوم،أي بياضه.

و جلى اللّه عنك،أي كشف،يقال ذلك للمريض.

و أجلى يعدو:أسرع بعض الإسراع.

و أجلى:موضع بين فلجة و مطلع الشّمس،فيه هضيبات حمر،و هي تنبت النّصيّ و الصّلّيان.

ص: 765

و جلوى،مقصور:قرية.و جلوى:فرس خفاف بن ندبة.[ثمّ استشهد بشعر]

و جلوى،أيضا:فرس قرواش بن عوف،و جلوى، أيضا:فرس لبني عامر.(7:548)

الطّوسيّ: و الجلاء:الانتقال عن الدّيار و الأوطان للبلاء.و قيل:هو الفرار عن الأوطان،يقال:جلا القوم عن منازلهم جلاء،و أجليتهم إجلاء.(9:560)

نحوه الطّبرسيّ.(5:256)

الرّاغب: أصل الجلو:الكشف الظّاهر،يقال:

أجليت القوم عن منازلهم فجلوا عنها،أي أبرزتهم عنها، و يقال:جلاه.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال اللّه عزّ و جلّ: وَ لَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا الحشر:3،و منه جلالي خبر، و خبر جليّ،و قياس جليّ.و لم يسمع فيه «جال».

و جلوت العروس جلوة،و جلوت السّيف جلاء.

و السّماء جلواء،أي مصحية.

و رجل أجلى:انكشف بعض رأسه عن الشّعر.

و التّجلّي قد يكون بالذّات،نحو: وَ النَّهارِ إِذا تَجَلّى اللّيل:2،و قد يكون بالأمر و الفعل،نحو: فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ الأعراف:143.

و قيل:فلان ابن جلا،أي مشهور.

و أجلوا عن قتيل إجلاء.(96)

نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:389)

الزّمخشريّ: جليت فلانة على زوجها أحسن جلوة فاجتلاها و تجلاّها.

و أعطى العروس جلوتها و جلوتها،و هي ما يعطيها عند الزّفاف.و يقال:ما جلوتك؟فتقول:وصيف.

و نظرت إلى مجاليها.

و جلا الصّيقل السّيف و المرآة جلاء،و مرآة مجلوّة، و سيفي عند الجلاّء،و هذا دواء يجلو البصر.

و جلالي الشّيء و انجلى و تجلّى،و جلاه لي فلان.

و جلوا عن بلادهم جلاء،و وقع عليهم الجلاء، و أجليناهم عنها و جلوناهم.

و يقال للقوم إذا كانوا مقبلين على شيء محدقين به ثمّ انكشفوا عنه:قد أفرجوا عنه و أجلوا عنه؛يقال:

أجلوا عن قتيل.و رجل أجلى الجبين و به جلا.

و من المجاز:هو ابن جلا:للرّجل المشهور،أي ابن رجل قد وضح أمره و شهر.

و ما جلاؤك؟أي ما اسمك؟

و ما أقمت عنده إلاّ جلاء يوم واحد،أي بياضه.

و انجلت عنه الهموم،و قد أجلوا الهموم بكذا،و جلا اللّه عنك المرض.

و هذا أمر جليّ،غير خفيّ،و أخبرني عن جليّة الأمر،و هي ما ظهر من حقيقته.(أساس البلاغة:63)

ذكر المهديّ من ولد الحسن رضي اللّه عنهما،فقال:

رجل أجلى الجبين،أقنى الأنف،ضخم البطن،أزيل الفخذين،أفلج الثّنايا،بفخذه اليمنى شامة.

الجلا:ذهاب شعر الرّأس إلى نصفه،و الجلح:دونه، و الجله:فوقه.(الفائق 1:230)

أبو الدّرداء رضي اللّه عنه:«إنّ القلب يدثّر كما يدثر السّيف،فجلاؤه ذكر اللّه»

ص: 766

الجلاء:مصدر كالصّقال،و يحتمل أن يراد ما يجلى به.

(الفائق 1:411)

الطّبرسيّ: التّجلّي:الظّهور،و يكون تارة بالظّهور، و تارة بالدّلالة.[ثمّ استشهد بشعر](2:474)

المدينيّ: في حديث ابن سيرين:«أنّه كره أن يجلّي الرّجل امرأته شيئا ثمّ لا يفي به».يقال:جلّى الرّجل امرأته وصيفا:أعطاها إيّاه،و يقال:ما جلوتها؟أي ما أعطيتها عند جلوتها،و ما تعطى جلوة أيضا.

في صفة المهديّ:«أجلى الجبهة»الأجلى و الأجلح و الأجله:الخفيف ما بين النّزعتين،و جبهة جلواء:

واسعة حسنة و هو البيان.

و قيل:الجلاء:ذهاب الشّعر إلى نصفه،و الجلح دونه،و الجله فوقه.

و في حديث أمّ سلمة:«كرهت للمحدّ أن تكتحل بالجلاء»و هو الإثمد،لأنّه يجلو البصر.

و قال الجبّان:الجلاء،بالمدّ و القصر:ضرب من الكحل،و ذكره بفتح الجيم،قال:و قيل:هو الحلاء بالحاء.

في حديث أبي شجرة،عن عبد اللّه بن عمر مرفوعا:

«إنّ ربّي عزّ و جلّ،قد رفع لي الدّنيا،و أنا أنظر إليها جلّيانا من اللّه عزّ و جلّ»بتشديد اللاّم،أي إظهارا و كشفا،و على وزنه:الصّلّيان«فعلّيان»من الجلاء أيضا.

(1:344)

ابن الأثير: في حديث كعب بن مالك:فجلا رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم للنّاس أمرهم ليتأهّبوا»أي كشف و أوضح.

و منه حديث الكسوف:«حتّى تجلّت الشّمس»أي انكشفت و خرجت من الكسوف،يقال:تجلّت و انجلت، و قد تكرّر في الحديث.[إلى أن قال:]

و منه حديث الحوض:«يرد عليّ رهط من أصحابي فيجلون عن الحوض»هكذا روي في بعض الطّرق،أي ينفون و يطردون.و الرّواية بالحاء المهملة و الهمز.

و في حديث الكسوف:«فقمت حتّى تجلاّني الغشي» أي غطّاني و غشّاني.و أصله:تجلّلني،فأبدلت إحدى اللاّمات ألفا،مثل تظنّى و تمطّى في تظنّن و تمطّط.

و يجوز أن يكون معنى«تجلاّني الغشي»ذهب بقوّتي و صبري،من الجلاء،أو ظهر بي،و بان عليّ.(1:290)

الفيّوميّ: جلوت العروس جلوة-بالكسر؛ و الفتح لغة-و جلاء مثل كتاب،و اجتليتها مثله.

و جلوت السّيف و نحوه:كشفت صدأه جلاء أيضا.

و جلا الخبر للنّاس جلاء بالفتح و المدّ:وضح و انكشف،فهو جليّ.و جلوته:أوضحته،يتعدّى و لا يتعدّى.

و جلوت عن البلد جلاء بالفتح و المدّ أيضا:

خرجت،و أجليت مثله.

و يستعمل الثّلاثيّ و الرّباعيّ متعدّيين أيضا،فيقال:

جلوته و أجليته.و الفاعل من الثّلاثيّ:جال،مثل قاص، و الجماعة:جالية.

و منه قيل لأهل الذّمّة الّذين أجلاهم عمر رضي اللّه عنه عن جزيرة العرب:جالية،ثمّ نقلت الجالية إلى الجزية الّتي أخذت منهم،ثمّ استعملت في كلّ جزية تؤخذ،و إن (1)لم يكن صاحبها جلا عن وطنه،فيقال:ن.

ص: 767


1- هذا هو الصّحيح،و في الأصل:و إن يكن.

استعمل فلان على الجالية؛و الجمع:الجوالي.

و أجلى القوم عن القتيل:تفرّقوا عنه،بالألف لا غير،قاله ابن فارس.و قال الفارابيّ أيضا:«أجلوا عن القتيل:انفرجوا».

و أجلوا منزلهم،إذا تركوه من خوف،يتعدّى بنفسه،فإن كان لغير خوف تعدّى بالحرف،و قيل:

أجلوا عن منزلهم.

و تجلّى الشّيء:انكشف.(1:106)

الفيروزآباديّ: جلا القوم عن الموضع و منه جلوا و جلاء،و أجلوا:تفرّقوا،أو جلا من الخوف و أجلى من الجدب،و جلاه الجدب و أجلاه و اجتلاه.

و جلا النّحل جلاء:دخّن عليها ليشتار العسل.

و السّيف و المرآة جلوا و جلاء:صقلهما،و الهمّ عنه:

أذهبه،و فلانا الأمر:كشفه عنه كجلاّه و جلّى عنه،و قد انجلى و تجلّى،و بثوبه:رمى به.

و جلا:علا،و العروس على بعلها جلوة و يثلّث، و جلاء ككتاب،و اجتلاها:عرضها عليه مجلوّة، و حلاها و جلاّها زوجها وصيفة أو غيرها:أعطاها إيّاها في ذلك الوقت،و جلوتها بالكسر:ما أعطاها.

و اجتلاه:نظر إليه.

و الجلاء كسماء:الأمر الجليّ.و أقمت جلاء يوم:

بياضه،و بالكسر:الكحل أو كحل خاصّ.

و جلّى ببصره تجلية:رمى،و البازي تجلية و تجلّيا:

رفع رأسه ثمّ نظر.

و الجلا مقصورة:انحسار مقدّم الشّعر أو نصف الرّأس أو هو دون الصّلع،جلي كرضي جلا،و النّعت أجلى و جلواء.

و جبهة جلواء:واسعة،و سماء جلواء:مصحية.

و الأجلى:الحسن الوجه الأنزع،و ابن الجلاء:

الواضح الأمر كابن أجلى،و رجل معروف.

و أجلى يعدو:أسرع،و موضع.

و جلوى كسكرى:قرية و أفراس.

و الجليّ كغنيّ: الواضح.

و فعلته من أجلاك و يكسر،أي من أجلك.

و الجالية:أهل الذّمّة،لأنّ عمر رضي اللّه تعالى عنه أجلاهم عن جزيرة العرب.

و ما جلاؤه بالكسر،أي بما ذا يخاطب من الألقاب الحسنة.

و اجلولى:خرج من بلد إلى بلد،و محمّد بن جلوان، و جلوان بن سمرة و يكسر محدّثان،و ابن الجلاّ مشدّدة مقصورة من كبار الصّوفيّة.

الجلي كعذي:الكوّة من السّطح لا غير.

و جليت الفضّة:جلوتها،و اللّه يجلّي السّاعة:يظهرها.

و تجلّى كذا:علاه،و الشّيء:نظر إليه.

و المجلّي:السّابق في الحلبة.(4:314)

مجمع اللّغة :جلا القوم عن المكان«سما يسمو»:

خرجوا عنه إلى غيره،و المصدر:الجلاء،بمعنى الخروج.

و جلا الأمر يجلوه،و جلاّه يجلّيه تجلية:كشفه و أظهره.

و تجلّى الشّيء:تكشّف و بان و ظهر.(1:203)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:110)

العدنانيّ: يجلو المرآة و الفضّة و السّيف و نحوها

ص: 768

و يجليها و يخطّئون من يقول:فلان يجلي المرآة و الفضّة و السّيف و نحوها،أي يكشف صدأها و يصقلها.

و يقولون:إنّ الصّواب هو:يجلوها ابن السّكّيت في «إصلاح المنطق»و الصّحاح،و معجم مقاييس اللّغة، و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و الأساس،و المختار، و اللّسان،و المصباح،و تذكرة عليّ»و لكن:

يجيز الفعلين«يجلوها و يجليها»كليهما:القاموس، و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن، و الوسيط.

أمّا فعلها فهو:

1-جلاها يجلوها جلوا و جلاء،فهي:مجلوّة.

2-جلى المرآة و نحوها يجليها جليا و جلاء،فهي:

مجليّة.

و يخطئ محيط المحيط و متن اللّغة بفتحهما الجيم في المصدر:جلاء،و الصّواب كسرها:جلاء.

جلا العدوّ أو(جلا الجيش العدوّ)عن المدينة،أجلى العدوّ أو(أجلى الجيش العدوّ)عن المدينة.

و يخطّئون من يقول:أجلى العدوّ عن المدينة، و يقولون:إنّ الصّواب هو:جلا العدوّ عن المدينة،لأنّ الفعل أجلى متعدّ؛إذ جاء في:

أ-معجم مقاييس اللّغة:أجليتهم أنا إجلاء.

ب-و في مفردات الرّاغب الأصفهانيّ:أجليت القوم عن منازلهم.

ج-و في الأساس:1-أجليناهم عن بلادهم.

2-أجلوا الهموم بكذا(مجاز).

و لكن:

أجاز استعمال الفعلين:جلا و أجلى لازمين،أي جلا العدوّ عن المدينة،و أجلى عنها،كلّ من أبي زيد الأنصاريّ،و أدب الكاتب،و الصّحاح،و النّهاية، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و ممّا قاله أبو زيد:يقال:جلا من الخوف،و أجلى من الجدب.

و اكتفى ابن السّكّيت،في«تهذيب الألفاظ»بقوله:

أجلى:انكشف.

و الفعلان«جلا،و أجلى»يأتيان متعدّيين أيضا،كما تقول المعجمات:

أ-جلا جيشنا الأعداء عن المدينة.

ب-أجلى جيشنا الأعداء عن المدينة.

انجلى عنّا الهمّ،تجلّى عنّا الهمّ.

و يخطّئون من يقول:انجلى عنّا الهمّ:انكشف، معتمدين على أنّ معجم مقاييس اللّغة.و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و المصباح أهملوا ذكر الفعل«انجلى».

و لكن:

ذكر جملة:انجلى عنه الهمّ،كلّ من الصّحاح، و الأساس.و المختار.و اللّسان،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و الوسيط.

و تقول المعجمات:إنّ جملة:تجلّى عنّا الهمّ،تحمل معنى جملة:انجلى عنّا الهمّ،أو جلا عنّا الهمّ.(125)

المصطفويّ: الحقيقة في هذه المادّة:هي الانكشاف،و هو نقيض الخفاء،كما أنّ الظّهور خلاف البطون.

ص: 769

ثمّ إنّ إطلاق الانكشاف في مورد رفع السّتر و المانع، يقال:كشف الضّرّ و السّوء،و انكشف الرّجز و العذاب.

فمتعلّق«انكشف»هو المانع و السّتر،و هذا بخلاف «الجلاء»فمتعلّقه نفس المجلوّ،فتفسيره بالانكشاف أو الظّهور أو بنظيرهما من باب ضيق في اللّفظ.(2:109)

النّصوص التّفسيريّة

الجلاء

وَ لَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النّارِ. الحشر:3

ابن عبّاس: (الجلاء)(الجلا).الخروج من المدينة إلى الشّام.(463)

و(الجلاء):إخراجهم من أرضهم إلى أرض أخرى.

(الطّبريّ 28:31)

كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قد حاصرهم حتّى بلغ منهم كلّ مبلغ فأعطوه ما أراد منهم،فصالحهم على أن يحقن لهم دماءهم و أن يخرجهم من أرضهم و أوطانهم،و يسيرهم إلى أذرعات الشّام،و جعل لكلّ ثلاثة منهم بعيرا و سقاء.

نحوه الضّحّاك.(الطّبريّ 28:32)

قتادة :خروج النّاس من البلد إلى البلد.

(الطّبريّ 28:31)

زيد بن عليّ عليه السّلام:معناه الخروج من أرض إلى أرض و هو الحشر،و يقال:القتل.(412)

الزّهريّ: كان النّضير من سبط لم يصبهم جلاء فيما مضى،و كان اللّه قد كتب عليهم الجلاء و لو لا ذلك لعذّبهم في الدّنيا بالقتل و السّبي.(الطّبريّ 28:31)

نحوه الميبديّ.(10:35)

أبو يعلى:فقد دلّت هذه الآية على جواز مصالحة أهل الحرب على الجلاء من ديارهم،من غير سبي، و لا استرقاق،و لا جزية،و لا دخول في ذمّة.[ثمّ أدام الكلام في نسخه و شرائطه](ابن الجوزيّ 8:206)

الطّبريّ: وَ لَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ من أرضهم و ديارهم لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا بالقتل و السّبي، و لكنّه رفع العذاب عنهم في الدّنيا بالقتل،جعل عذابهم في الدّنيا الجلاء وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النّارِ مع ما حلّ بهم من الخزي في الدّنيا بالجلاء عن أرضهم و دورهم.(28:31)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:يعني ب(الجلاء):الفناء لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا بالسّبي.

و الثّاني:يعني ب(الجلاء):الإخراج عن منازلهم لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا يعني بالقتل،قاله عروة.

(5:501)

الطّوسيّ: معناه لو لا أنّ اللّه كتب في اللّوح المحفوظ بما سبق في علمه،أنّهم يجلون عن ديارهم،يعني اليهود.

لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا بعذاب الاستئصال.(9:560)

نحوه الطّبرسيّ.(5:258)

الواحديّ: قضى عليهم أنّهم يخرجون من أوطانهم إلى الشّام و خيبر.(4:270)

البغويّ: الخروج من الوطن لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا بالقتل و السّبي،كما فعل ببني قريظة.(5:53)

ص: 770

نحوه البيضاويّ(2:464)،و النّسفيّ(4:239)، و الخازن(7:49)،و أبو السّعود(6:225)،و الكاشانيّ (5:154)،و شبّر(6:184)،و القاسميّ(16:3575)

الزّمخشريّ: فلو لا أنّه كتب عليهم الجلاء و اقتضته حكمته و دعاه إلى اختياره أنّه أشقّ عليهم من الموت. لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا بالقتل،كما فعل بإخوانهم بني قريظة.(4:81)

نحوه ابن الجوزيّ.(8:206)

ابن عطيّة: أخبر اللّه تعالى في هذه الآية أنّه كتب على بني إسرائيل جلاء،و كانت بنو النّضير ممّن حلّ بالحجاز بعد موت موسى عليه السّلام بيسير،لأنّهم كانوا من الجيش الّذي رجع،و قد عصوا في أن لم يقتلوا الغلام ابن ملك العماليق لجماله و عقله،و قد كان موسى عليه السّلام قال لهم:لا تستحيوا أحدا.فلمّا رجع ذلك الجيش إلى بني إسرائيل بالشّام وجدوا موسى ميّتا،و قال لهم بنو إسرائيل:أنتم عصاة،و اللّه لا دخلتم علينا بلادنا،فقال أهل ذلك الجيش عند ذلك:ليس لنا أحبّ من البلاد الّتي غلبنا أهلها.فانصرفوا إلى الحجاز فكانوا فيه،فلم يجر عليهم الجلاء الّذي أجراه بخت نصّر على أهل الشّام.

و قد كان اللّه تعالى كتب في الأزل على بني إسرائيل جلاء،فنالهم هذا الجلاء على يدي محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و لو لا ذلك (لعذّبهم)اللّه(فى الدّنيا)بالسّيف و القتل،كأهل بدر و غيرهم.(5:284)

نحوه أبو حيّان.(8:243)

الفخر الرّازيّ: معنى(الجلاء)في اللّغة:الخروج من الوطن و التّحوّل عنه.

فإن قيل:إنّ(لو لا)تفيد انتفاء الشّيء لثبوت غيره، فيلزم من ثبوت الجلاء عدم التّعذيب في الدّنيا،لكنّ الجلاء نوع من أنواع التّعذيب،فإذا يلزم من ثبوت الجلاء عدمه و هو محال.

قلنا:معناه و لو لا أن كتب اللّه عليهم الجلاء لعذّبهم في الدّنيا بالقتل،كما فعل بإخوانهم بني قريظة.و أمّا قوله: وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النّارِ فهو كلام مبتدأ و غير معطوف على ما قبله؛إذ لو كان معطوفا على ما قبله، لزم أن لا يوجد،لما بيّنّا أنّ(لو لا)تقتضي انتفاء الجزاء لحصول الشّرط.(29:282)

القرطبيّ: أي لو لا أنّه قضى أنّه سيجليهم عن دارهم،و أنّهم يبقون مدّة فيؤمن بعضهم و يولد لهم من يؤمن لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا أي بالقتل و السّبيّ،كما فعل ببني قريظة.(18:5)

نحوه النّيسابوريّ.(28:28)

الشّربينيّ: أي الخروج من ديارهم،و الجولان في الأرض.فأمّا معظمهم فأجلاهم بخت نصّر من بلاد الشّام إلى العراق،و أمّا هؤلاء فحماهم اللّه تعالى بمهاجرة رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم من ذلك الجلاء،و جعله على يده صلّى اللّه عليه و سلّم،فأجلاهم فذهب بعضهم إلى خيبر و بعضهم إلى الشّام،مرّة بعد مرّة.(4:240)

البروسويّ: أي الخروج من أوطانهم على ذلك الوجه الفظيع،و قد سبق الكلام في(الجلاء).

و(لو لا)امتناعيّة و ما بعدها مبتدأ،فإنّ(أن)مخفّفة من الثّقيلة،اسمها ضمير الشّأن المقدّر،أي و لو لا أنّه، و(كتب اللّه)خبرها،و الجملة في محلّ الرّفع بالابتداء،

ص: 771

بمعنى و لو لا كتاب اللّه عليهم الجلاء واقع في علمه أو في لوحه لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا بالقتل و السّبي،كما فعل ببني قريظة من اليهود.

قال بعضهم: لمّا استحقّوا بجرمهم العظيم قهرا عظيما،أخذوا بالجلاء الّذي جعل عديلا لقتل النّفس، لقوله تعالى: وَ لَوْ أَنّا كَتَبْنا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُوا مِنْ دِيارِكُمْ ما فَعَلُوهُ إِلاّ قَلِيلٌ مِنْهُمْ النّساء:

66،مع أنّ فيه احتمال إيمان بعضهم بعد مدّة،و إيمان من يتولّد منهم.(9:421)

الآلوسيّ: [نحو القرطبيّ و أضاف:]

و يقال فيه:الجلأ مهموزا من غير ألف كالنّبإ،و بذلك قرأ الحسن بن صالح و أخوه عليّ بن صالح و طلحة.

و(أن)مصدريّة لا مخفّفة،و اسمها ضمير شأن-كما توهمه عبارة«الكشّاف»-و قد صرّح بذلك الرّضيّ.(28:42)

الطّباطبائيّ: الجلاء:ترك الوطن،و كتابة الجلاء عليهم:قضاؤه في حقّهم،و المراد بعذابهم في الدّنيا:

عذاب الاستئصال أو القتل و السّبي.

و المعنى و لو لا أن قضى اللّه عليهم الخروج من ديارهم و ترك وطنهم،لعذّبهم في الدّنيا بعذاب الاستئصال أو القتل و السّبي،كما فعل ببني قريظة،و لهم في الآخرة عذاب النّار.(19:202)

عبد الكريم الخطيب :أي إنّ هؤلاء القوم الّذي كتب اللّه عليهم الجلاء،و قضى عليهم به،لو نظروا إلى المستقبل القريب،و رأوا ما سوف يحلّ بإخوانهم من بني قريظة،من قتل،إذن لحمدوا اللّه و شكروا له،أن كان الجلاء هو الجزاء الّذي أخذوا به،فأجلوا عن المدينة، فكان بعضهم في خيبر،و بعضهم في الشّام.

و هذا يعني أنّ اليهود في الجزيرة العربيّة كانوا يومئذ بين أمرين من أمر اللّه:إمّا الجلاء،و إمّا القتل و السّبي، و أنّ أحسنهم حظّا من كتب عليهم الجلاء.و في هذا إرهاص بالبقيّة الباقية من اليهود في المدينة،و أنّهم إذا لم يجلوا عنها،عذّبوا في الدّنيا بالقتل و بالسّبي.أمّا في الآخرة فلهم جميعا عذاب النّار.(14:852)

مكارم الشّيرازيّ: بدون شكّ فإنّ الجلاء عن الوطن،و ترك قسم كبير من رءوس الأموال الّتي جهدوا جهدا بليغا في الحصول عليها،هو بحدّ ذاته أمر مؤلم لهم.

و بناء على هذا،فإنّ الآية إن لم تقصد هذا العذاب،فإنّ بانتظارهم عذابا آخر هو القتل أو الأسر بيد المسلمين، إلاّ أنّ اللّه سبحانه أراد لهم التّيه في الأرض و التّشرّد في العالم،لأنّ هذا أشدّ ألما و أسى على نفوسهم؛إذ كلّما تذكّروا أرضهم و ديارهم و مزارعهم-و بساتينهم الّتي أصبحت بيد المسلمين،و كيف أنّهم شرّدوا منها بسبب نقضهم العهد و مؤامراتهم ضدّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،ممّا سبّب حرمانهم من تلك النّعم-فإنّ ألمهم و حزنهم و متاعبهم ستضاعف،و خاصّة على المستوى النّفسيّ.

نعم إنّ اللّه أراد لهذه الطّائفة المغرورة و المخدوعة و الّذين لا عهد لهم أن تبتلى بمثل هذا المصير البائس.

(18:162)

نحوه فضل اللّه.(33:100)

جلاّها

وَ النَّهارِ إِذا جَلاّها. الشّمس:3

ص: 772

مجاهد: أضاءها.(الماورديّ 6:282)

قتادة :إذا غشيها النّهار.(الطّبريّ 30:208)

الفرّاء: جلّى الظّلمة،فجاز الكناية عن الظّلمة و لم تذكر،لأنّ معناها معروف،أ لا ترى أنّك تقول:

أصبحت باردة،و أمست باردة،و هبّت شمالا،فكنّى عن مؤنّثات لم يجر لهنّ ذكر؛لأنّ معناها معروف.(2663)

نحوه الزّجّاج.(5:332)

الطّبريّ: [نقل قول الفرّاء ثمّ قال:]

و الصّواب عندنا في ذلك ما قاله أهل العلم الّذين حكينا قولهم،لأنّهم أعلم بذلك،و إن كان للّذي قاله من ذكرنا قوله من أهل العربيّة وجه.(30:208)

الماورديّ: فيه وجهان:

أحدهما:أضاءها،يعني الشّمس لأنّ ضوءها بالنّهار يجلّي ظلمة اللّيل.

الثّاني:أظهرها،لأنّ ظهور الشّمس بالنّهار.[ثمّ استشهد بشعر]

و يحتمل ثالثا:أنّ النّهار جلّى ما في الأرض من حيوانها حتّى ظهر لاستتاره ليلا و انتشاره نهارا.

(6:282)

الطّوسيّ: قسم آخر بالنّهار إذا جلاّها،يعني الشّمس بضوئها المبين بجرمها.[ثمّ ذكر قول الفرّاء]

(10:357)

نحوه الطّبرسيّ.(5:498)

الواحديّ: جلّى الظّلمة و كشفها،و جازت الكناية عن الظّلمة و إن لم تذكر،لأنّ المعنى معروف.(4944)

نحوه البغويّ.(5:258)

الميبديّ: الهاء راجعة إلى الأرض،أي جلّى الأرض،أو إلى الشّمس،أي جلّى الشّمس و كشفها بإضاءتها؛و ذلك لأنّ الشّمس إنّما يتبيّن إذا انبسط النّهار.

(10:505)

الزّمخشريّ: عند انتفاخ النّهار و انبساطه،لأنّ الشّمس تنجلي في ذلك الوقت تمام الانجلاء.

و قيل:الضّمير للظّلمة أو للدّنيا أو للأرض،و إن لم يجر لها ذكر،كقولهم:أصبحت باردة،يريدون الغداة، و أرسلت،يريدون السّماء إذا يغشاها فتغيب و تظلم الآفاق.[ثمّ بحث حول واو العطف في هذه الآيات]

(4:258)

ابن عطيّة: معناه كشف و ضوى،و الفاعل ب(جلاّ) على هذه التّأويلات(النّهار)،و يحتمل أن يكون الفاعل اللّه تعالى،كأنّه قال:و النّهار إذا جلّى اللّه الشّمس، فأقسم بالنّهار في أكمل حالاته.(5:488)

الفخر الرّازيّ: [ذكر الوجهين في ضمير(جلاّها) كما تقدّم عن الزّمخشريّ](31:191)

أبو حيّان :[ذكر قول الزّمخشريّ و ناقشه في واو العطف و أطال الكلام](8:48)

البيضاويّ: جلّى الشّمس فإنّها تتجلّى،إذا انبسط النّهار أو الظّلمة أو الدّنيا أو الأرض،و إن لم يجر ذكرها للعلم بها.(2:561)

نحوه النّسفيّ(4:360)،و الشّربينيّ(4:541)، و أبو السّعود(6:433).

ابن كثير :[نقل كلام الطّبريّ ثمّ قال:]

قلت:و لو أنّ هذا القائل تأوّل ذلك بمعنى وَ النَّهارِ إِذا جَلاّها أي البسيطة لكان أولى،و لصحّ تأويله في وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها فكان أجود و أقوى،و اللّه أعلم، و لهذا قال مجاهد: وَ النَّهارِ إِذا جَلاّها إنّه كقوله:

ص: 773

قلت:و لو أنّ هذا القائل تأوّل ذلك بمعنى وَ النَّهارِ إِذا جَلاّها أي البسيطة لكان أولى،و لصحّ تأويله في وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها فكان أجود و أقوى،و اللّه أعلم، و لهذا قال مجاهد: وَ النَّهارِ إِذا جَلاّها إنّه كقوله:

وَ النَّهارِ إِذا تَجَلّى اللّيل:2.و أمّا ابن جرير فاختار عود الضّمير في ذلك كلّه على(الشّمس)لجريان ذكرها.

(7:300)

البروسويّ: أي جلّى الشّمس،فإنّها تنجلي عند انبساط النّهار و استيفائه تمام الانجلاء،فكأنّه جلاّها مع أنّها الّتي تبسطه،يعني لمّا كان انتشار الأثر،و هو زمان ارتفاع النّهار زمانا لانجلاء الشّمس و كان الجلاء واقعا فيه،أسند فعل التّجلية إليه إسنادا مجازيّا،مثل:نهاره صائم،أو جلّى الظّلمة أو الدّنيا أو الأرض،و إن لم يجر لها ذكر،للعلم بها.

و فيه إشارة إلى نهار استيلاء نور الرّوح و قيام سلطانها و استواء نورها،إذا جلاّها و أبرزها في غاية الظّهور،كالنّهار عند الاستواء في تجلية الشّمس.

(10:441)

نحوه ابن عاشور.(30:324)

شبّر: عند انبساطه فإنّها تبرز فيه،فكأنّه أبرزها.

(6:415)

الآلوسيّ: [نقل كلام البروسويّ و غيره في عود الضّمير ثمّ قال:]

و الأوّل أولى،لذكر المرجع و اتّساق الضّمائر.

(30:141)

القاسميّ: بيان للحالة الّتي ينطق فيها النّهار بتلك الحكمة الباهرة و الآية الظّاهرة،و هي حالة الصّحو.أمّا يوم الغيم الّذي لا تظهر فيه الشّمس فحاله أشبه بحال اللّيل الّذي يقسم به قوله: وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها الشّمس:4.(7:6168)

الطّباطبائيّ: التّجلية:الإظهار و الإبراز،و ضمير التّأنيث للأرض،و المعنى و أقسم بالنّهار إذا أظهر الأرض للأبصار.[ثمّ ذكر أقوال المفسّرين في مرجع الضّمير و قال:]و هي وجوه بعيدة.(20:292)

نحوه مكارم الشّيرازيّ.(20:213)

عبد الكريم الخطيب :فإذا غلب الرّأي على الهوى،و أخذ الإنسان طريق الحقّ،عاد إلى العقل سلطانه،و تجلّت في الإنسان آيات شمسه،فأضاءت كلّ شيء حوله.(15:1584)

المصطفويّ: أي كانت خفيّة،فكشف عنها خفاءها.(2:109)

لا يجلّيها

يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ... الأعراف:187

ابن عبّاس: لا يبيّن وقتها و حينها.(142)

مجاهد :لا يأتي بها.(الطّبريّ 9:138)

السّدّيّ: يقول:لا يرسلها لوقتها إلاّ هو.

(الطّبريّ 9:139)

الزّجّاج: لا يظهرها في وقتها إلاّ هو.(2:393)

نحوه الطّوسيّ(5:54)،و الواحديّ(2:433)، و البغويّ(2:256)،و ابن الجوزيّ(3:297)،و شبّر (2:442)،و القاسميّ(7:2916)،و مغنيّة(3:431)

ص: 774

الزّمخشريّ: أي لا تزال خفيّة،لا يظهر أمرها و لا ينكشف خفاء علمها إلاّ هو وحده،إذا جاء بها في وقتها بغتة،لا يجلّيها بالخبر عنها قبل مجيئها أحد من خلقه،لاستمرار الخفاء بها على غيره،إلى وقت وقوعها.

(2:134)

نحوه الطّبرسيّ(2:506)،و البيضاويّ(1:380)، و النّسفيّ(2:89)،و أبو حيّان(4:434)،و الشّربينيّ (1:542)،و الكاشانيّ(2:258)،و المراغيّ(9:129).

ابن عطيّة: معناه يظهرها،و الجلاء:البيّنة الشّهود.

[ثمّ استشهد بشعر](2:484)

الفخر الرّازيّ: التّجلية:إظهار الشّيء،و التّجلّي:

ظهوره،و المعنى لا يظهرها في وقتها المعيّن(إلاّ هو)،أي لا يقدر على إظهار وقتها المعيّن بالإعلام و الإخبار إلاّ هو.(15:81)

نحوه الخازن(2:265)،و أبو السّعود(3:62)، و البروسويّ(3:291)،و الآلوسيّ(9:132).

الطّباطبائيّ: أي لا يظهرها و لا يكشف عنها في وقتها و عند وقوعها،إلاّ اللّه سبحانه.و يدلّ على أنّ ثبوتها و وجودها و العلم بها واحد،أي إنّها محفوظة في مكمن الغيب عند اللّه تعالى،يكشف عنها و يظهرها متى شاء،من غير أن يحيط بها غيره سبحانه،أو يظهر لشيء من الأشياء.

و كيف يمكن أن يحيط بها شيء من الأشياء أو ينكشف عنده،و تحقّقها و ظهورها يلازم فناء الأشياء، و لا شيء منها يسعه أن يحيط بفناء نفسه أو يظهر له فناء ذاته،و النّظام السّببيّ الحاكم في الكون يتبدّل عند وقوعها، و هذا العلم الّذي يصحبها من هذا النّظام!(8:370)

المصطفويّ: أي لا يكشف ما يمنع جلاءها إلاّ هو، فإنّ عالم الطّبيعة و حدود المادّة غشاء عن جلاء السّاعة، و إذا انكشف هذا العالم تجلّى عالم السّاعة،و لا يكشفه و لا يجلّيها لوقت مسمّاة إلاّ اللّه العزيز المتعال،فعلمها عنده.(2:110)

تجلّى

1- ...فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً... الأعراف:143

كعب الأحبار: ما تجلّى من عظمة اللّه للجبل إلاّ مثل سمّ الخياط حتّى صار دكّا.

مثله عبد اللّه بن سلاّم.(البغويّ 2:230)

ابن عبّاس: ما تجلّى منه إلاّ قدر الخنصر.

(الطّبريّ 9:530)

نحوه السّدّيّ.(البغويّ 2:230)

ظهر نور ربّه للجبل،جبل زبير.(البغويّ 2:230)

لمّا وقع نوره عليه تدكدك.(أبو حيّان 4:384)

سهل بن سعد: إنّ اللّه تعالى أظهر من سبعين ألف حجاب نورا قدر الدّرهم.(البغويّ 2:230)

الضّحّاك: أظهر اللّه من نور الحجب مثل منخر ثور.

(البغويّ 2:230)

الحسن :لمّا ظهر وحي ربّه للجبل.

(الطّبرسيّ 2:475)

الزّجّاج: ظهر و بان.(2:373)

نحوه الواحديّ.(2:406)

ص: 775

الشّريف المرتضى: التّجلّي هاهنا:التّعريف و الإعلام و الإظهار لما تقتضي المعرفة،كقولهم:هذا كلام جليّ،أي واضح.[ثمّ استشهد بشعر]

أراد أنّ تدبيره دلّ عليه حتّى علم أنّه المدبّر له و إن كان نائيا عن وقع الأسنّة،فأقام ما ظهر من دلالة فعله مقام مشاهدته،و عبّر عنه بأنّه تجلّى منه.(2:220)

الماورديّ: في التّجلية أربعة أقاويل:

أحدها:أنّه ظهر بآياته الّتي أحدثها في الجبل، لحاضري الجبل.

و الثّاني:أنّه أظهر للجبل من ملكوته ما تدكدك به، لأنّ الدّنيا لا تقوم لما يبرز من ملكوت السّماء.

و الثّالث:أنّه أبرز قدر الخنصر من العرش.

و الرّابع:ظهر أمره للجبل.(2:258)

الطّوسيّ: [ذكر الوجوه الثّلاثة الأولى في كلام الماورديّ و أضاف:]

و يجوز أن يكون المراد فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لأهل الجبل،كما قال: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف:82.

و التّجلّي هو الظّهور،و يكون ذلك تارة بالرّؤية و أخرى بالدّلالة.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال قوم:معناه فلمّا تجلّى بالجبل لموسى.قالوا:

و حروف الصّفات تتعاقب،فيكون«اللاّم»بمعنى«الباء».

(4:570)

الزّمخشريّ: فلمّا ظهر له اقتداره،و تصدّى له أمره و إرادته.(2:114)

نحوه البيضاويّ(1:368)،و أبو السّعود(3:27)، و شبّر(2:412)،و مغنيّة(3:391).

ابن عطيّة:قال المتأوّلون المتكلّمون كالقاضي ابن الباقلاّنيّ و غيره:إنّ اللّه عزّ و جلّ خلق للجبل حياة و حسّا و إدراكا يرى به،ثمّ تجلّى له،أي ظهر و بدا سلطانه،فاندكّ الجبل لشدّة المطلع،فلمّا رأى موسى ما بالجبل صعق،و هذا المعنى هو المرويّ عن ابن عبّاس.

و أسند الطّبريّ عن حمّاد بن زيد عن ثابت عن أنس عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قرأ فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا قال:فوضع الإبهام قريبا من خنصره،قال:

فساخ الجبل،فقال حميد لثابت:تقول هذا؟فرفع ثابت يده فضرب صدر حميد،و قال:يقوله رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و يقوله أنس،و أكتمه أنا؟

و قالت فرقة:المعنى فلمّا تجلّى اللّه للجبل بقدرته و سلطانه اندكّ الجبل.

و هذا التّأويل يتمسّك به المعتزلة تمسّكا شديدا، لقولهم:إنّ رؤية اللّه عزّ و جلّ غير جائزة.و قائله من أهل السّنّة إنّما يقوله مع اعتقاده جواز الرّؤية،و لكنّه يقول:إنّه أليق بألفاظ الآية من أن تحمل الآية:أنّ الجبل خلق له إدراك و حياة.

و قال الزّجّاج:من قال:إنّ التّقدير فلمّا تجلّى أمر ربّه فقد أخطأ،و لا يعرف أهل اللّغة ذلك،و ردّ أبو عليّ في «الإغفال»عليه.(2:451)

الطّبرسيّ: أي ظهر أمر ربّه لأهل الجبل،فحذف، و المعنى أنّه سبحانه أظهر من الآيات ما استدلّ به من كان عند الجبل،على أنّ رؤيته غير جائزة.

و قيل:معناه ظهر ربّه بآياته الّتي أحدثها في الجبل لأهل الجبل،كما يقال:الحمد للّه الّذي تجلّى لنا بقدرته.

ص: 776

فكلّ آية يجدّدها اللّه سبحانه فكأنّه يتجلّى للعباد بها، فلمّا أظهر الآية العجيبة في الجبل،صار كأنّه ظهر لأهله.

و قيل:إنّ(تجلّى)بمعنى جلّى،كقولهم:حدّث و تحدّث،و تقديره:جلّى ربّه أمره للجبل،أي أبرز في ملكوته للجبل ما تدكدك به.و يؤيّده ما جاء في الخبر أنّ اللّه تعالى أبرز من العرش مقدار الخنصر،فتدكدك به الجبل.(2:475)

الفخر الرّازيّ: [له كلام لاحظ«رأي»]

(14:232)

أبو حيّان :و التّجلّي بمعنى الظّهور الجسمانيّ مستحيل على اللّه تعالى.

و قيل:ظهر جزء من العرش للجبل فتصرّع من هيبته.

و قيل:ظهر أمره تعالى.

و قيل:تجلّى لأهل الجبل،يريد موسى و السّبعين الّذين معه.[إلى أن قال:]

و الظّاهر نسبة التّجلّي إليه تعالى-على ما يليق به من غير انتقال و لا وصف-يدلّ على الجسميّة.(4:384)

الجرجانيّ: التّجلّي:ما ينكشف للقلوب من أنوار الغيوب،إنّما جمع الغيوب باعتبار تعدّد موارد التّجلّي، فإنّ لكلّ اسم إلهيّ بحسب حيطته و وجوهه تجلّيات متنوّعة،و أمّهات الغيوب الّتي تظهر التّجلّيات من بطائنها سبعة:

غيب الحقّ و حقائقه.

و غيب الخفاء المنفصل من الغيب المطلق بالتّمييز الأخفى في حضرة أو أدنى.

و غيب السّرّ المنفصل من الغيب الإلهيّ بالتّمييز الخفيّ في حضرة قاب قوسين.

و غيب الرّوح،و هو حضرة السّرّ الوجوديّ المنفصل بالتّمييز الأخفى،و الخفيّ في التّابع الأمريّ.

و غيب القلب،و هو موقع تعانق الرّوح و النّفس، و محلّ استيلاد السّرّ الوجوديّ،و منصّة استجلائه في كسوة أحديّة جمع الكمال.

و غيب النّفس،و هو أنس المناظرة.

و غيب اللّطائف البدنيّة،و هي مطارح أنظاره، لكشف ما يحقّ له جمعا و تفصيلا.

التّجلّي الذّاتيّ: ما يكون مبدؤه الذّات من غير اعتبار صفة من الصّفات معها،و إن كان لا يحصل ذلك إلاّ بواسطة الأسماء و الصّفات،إذ لا يتجلّى الحقّ من حيث ذاته على الموجودات إلاّ من وراء حجاب من الحجب الأسمائيّة.

و التّجلّي الصّفاتيّ: ما يكون مبدؤه صفة من الصّفات،من حيث تعيّنها و امتيازها عن الذّات.(23)

الشّربينيّ: أي أظهر من نوره قدّر نصف أنملة الخنصر،كما في حديث صحّحه الحاكم.(1:514)

البروسويّ: أي ألقى عليه من نوره فاضطرب بدنه من رهبته.(3:236)

الآلوسيّ: أي ظهر له على الوجه اللاّئق بجنابه تعالى،بعد جعله مدركا لذلك.[إلى أن قال:]

و قيل:هذا مثل لظهور اقتداره سبحانه،و تعلّق إرادته بما فعل بالجبل لا أنّ ثمّ تجلّيا.و هو نظير ما قرّر في قوله تعالى: أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ يس:82،من

ص: 777

أنّ المراد:أنّ ما قضاه سبحانه و أراد كونه يدخل تحت الوجود من غير توقّف،لا أنّ ثمّة قولا.

و تعقّبه صاحب«الفرائد»بأنّ هذا المعنى غير مفهوم من الآية،لأنّ(تجلّى)مطاوع جلّيته،أي أظهرته،يقال:

جلّيته فتجلّى،أي أظهرته فظهر،و لا يقدّر«تجلّى اقتداره»لأنّه خلاف الأصل،على أنّ هذا الحمل بعيد عن المقصود بمراحل.[ثمّ ذكر رواية النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عن ابن عطيّة و أضاف:]

و هذا كما لا يخفى من المتشابهات الّتي يسلك فيها طريق التّسليم و هو أسلم و أحكم،أو التّأويل بما يليق بجلال ذاته تعالى.(9:45)

ابن عاشور :و التّجلّي:حقيقة الظّهور و إزالة الحجاب،و هو هنا مجاز.و لعلّه أريد به إزالة الحوائل المعتادة الّتي جعلها اللّه حجابا بين الموجودات الأرضيّة و بين قوى الجبروت،الّتي استأثر اللّه تعالى بتصريفها على مقادير مضبوطة و متدرّجة،في عوالم مترتّبة ترتيبا يعلمه اللّه.

و تقريبه للأفهام شبيه بما اصطلح عليه الحكماء في ترتيب العقول العشرة،و تلك القوى تنسب إلى اللّه تعالى،لكونهما آثارا لقدرته بدون واسطة.فإذا أزال اللّه الحجاب المعتاد بين شيء من الأجسام الأرضيّة و بين شيء من تلك القوى المؤثّرة تأثيرا خارقا للعادة، اتّصلت القوّة بالجسم اتّصالا،تظهر له آثار مناسبة لنوع تلك القوّة،فتلك«الإزالة»هي الّتي استعير لها التّجلّي، المسند إلى اللّه تعالى تقريبا للأفهام.فلمّا اتّصلت قوّة ربّانيّة بالجبل،تماثل اتّصال الرّؤية،اندكّ الجبل.

و ممّا يقرّب هذا المعنى ما رواه التّرمذيّ و غيره من طرق،عن أنس أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قرأ قوله تعالى: فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ فوضع إبهامه قريبا من طرف خنصره يقلّل مقدار التّجلّي.(8:276)

المصطفويّ: أي فإذا كشف عن موسى عليه السّلام غشاء الطّبيعة و حجاب التّعلّقات المادّيّة،و جعل بصر قلبه كالحديد،عند إرادة تجلّيه للجبل،فلم يستطع موسى توجّها،و اندكّ الجبل.(2:110)

2- وَ النَّهارِ إِذا تَجَلّى. الليل:2

سعيد بن جبير: إذا ظهر.(الماورديّ 6:286)

مجاهد :إذا أضاء.(الماورديّ 6:286)

الحسن :أي جلّى اللّيل فأذهب ظلمته.

(الطّوسيّ 10:362)

الطّبريّ: أقسم بالنّهار إذا هو أضاء فأنار و ظهر للأبصار.(30:216)

نحوه الزّجّاج(5:335)،و الطّوسيّ(10:363)، و الواحديّ(4:501)،و ابن الجوزيّ(9:145)، و فضل اللّه(24:293).

ابن خالويه :(تجلّى)فعل ماض،و هذا التّاء تدخل في الماضي مثل تذكّر و تجبّر.(107)

الماورديّ: [نقل قول ابن جبير و مجاهد ثمّ قال:]

و يحتمل ثالثا:إذا أظهر ما فيه من الخلق،و هذا قسم ثان.(6:286)

الزّمخشريّ: ظهر بزوال ظلمة اللّيل،أو تبيّن و تكشّف بطلوع الشّمس.(4:260)

ص: 778

نحوه الفخر الرّازيّ(31:198)،و الشّربينيّ(4:

544)،و شبّر(6:418).

ابن عطيّة: أي ظهر وضوى الآفاق.[ثمّ استشهد بشعر](5:490)

الطّبرسيّ: أي بان و ظهر من بين الظّلمة،و فيه أعظم النّعم؛إذ لو كان الدّهر كلّه ظلاما لما أمكن الخلق طلب معايشهم،و لو كان ذلك كلّه ضياء لما انتفعوا بسكونهم و راحتهم.(5:501)

أبو حيّان :(تجلّى)انكشف و ظهر إمّا بزوال ظلمة اللّيل،و إمّا بنور الشّمس.[إلى أن قال:]

و قرأ الجمهور(تجلى)فعلا ماضيا،فاعله ضمير النّهار.و قرأ عبد اللّه عبيد بن عمير (تتجلّى) بتاءين يعني الشّمس.و قرئ (تجلى) بضمّ التّاء و سكون الجيم،أي الشّمس.(8:483)

ابن كثير :أي بضيائه و إشراقه.(7:305)

البروسويّ: ظهر بزوال ظلمة اللّيل،أي إن كان المغشيّ غير الشّمس،أو تبيّن و تكشّف بطلوع الشّمس، أي إن كان المغشيّ الشّمس،و اختلاف الفاصلتين بالمضيّ،و الاستقبال لما ذكرنا في السّورة السّابقة.

(10:447)

نحوه الآلوسيّ(30:147)،و الطّباطبائيّ(20:

302).

بنت الشّاطئ: في الاستعمال القرآنيّ:جاءت المادّة في خمسة مواضع،إحداها آية الحشر في الجلاء عن الأرض: وَ لَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النّارِ الحشر:3.

و المرّات الأربع الباقية في:تجلّى النّور الإلهيّ بآية الأعراف: فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً الأعراف:143.

و أمر السّاعة: قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ الأعراف:187.

و في إشراق النّهار،بآيتي الشّمس: وَ النَّهارِ إِذا جَلاّها الشّمس:3،و اللّيل: وَ النَّهارِ إِذا تَجَلّى.

و الآية لم تذكر مفعول(يغشى)و قد تأوّلوه إمّا على تقدير:يغشى النّهار كلّه،كقوله تعالى: يُغْشِي اللَّيْلَ النَّهارَ الرّعد:3.أو الشّمس،كقوله تعالى: وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها الشّمس:4،و قيل:الأرض و جميع ما فيها يغشاها اللّيل بظلامه.

و مثله وقوف من وقف عند وَ النَّهارِ إِذا تَجَلّى، ليتأوّل سبب التّجلّي إمّا بزوال ظلمة اللّيل،و إمّا بنور الشّمس.

و نرى أنّ القرآن الكريم في إمساكه عن ذكر متعلّق ل(يغشى)أو(تجلّى)يصرفنا عن تأويل محذوف أو مقدّر،لنلتفت إلى أنّ الغشية و التّجلّي من اللّيل و النّهار، هما المقصودان بالتّنبيه و الالتفات،بما أغنى عن ذكر مفعول أو متعلّق.(2:101)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجلاء،و هو كحل يجلو البصر،أي يوضّحه و يكشف غشاوته،و هو الجلا و الجلاء أيضا،يقال:جلوت بصري بالكحل أجلوه جلوا و جلاء،ثمّ توسّع في غير الكحل ممّا يزيل الرّين

ص: 779

و الصّدأ،فقالوا:جلا الصّيقل السّيف و المرآة و نحوهما جلوا و جلاء،أي صقلهما،و اجتلاه لنفسه.و الماشطة تجلو العروس،أي تصقلها،يقال:جلوت العروس جلاء و جلوة،و اجتليتها:نظرت إليها مجلوّة.

و جلوة الزّوج:ما أعطاها زوجها،فيجلو بذلك ماران على قلبها،و عكّر صفوها،يقال:جلا فلان امرأته وصيفة،و جلاّها حين اجتلاها،أي أعطاها عند جلوتها،و ما جلا فلان؟أي بأيّ شيء يخاطب من الأسماء و الألقاب،فيعظّم به.

و تجلّيت الشّيء و اجتليته:نظرت إليه،إلاّ أنّه ليس كلّ نظر،بل نظر استشراف،تشبيها بالبصر المجلوّ بالجلاء،يقال:جلّى البازي تجلّيا و تجلية،أي رفع رأسه ثمّ نظر،و جلّى ببصره تجلية:رمى به،كما ينظر الصّقر إلى الصّيد.

و الجلاء:البياض،و هو تشبيه بأثر الكحل في البصر،أي الوضوح و النّصوع،يقال:ما أقمت عنده إلاّ جلاء يوم واحد،أي بياضه،و ابن جلا و ابن أجلى:

الصّبح،لوضوحه،و ابن جلا:الواضح الأمر و السّيّد، يقال:جاليته بالأمر،أي جاهرته،و تجالينا:انكشف حال كلّ واحد منّا لصاحبه،و اجتليت العمامة عن رأسي:رفعتها مع طيّها عن جبيني.

و انجلى الظّلام:انكشف،كما كشف الكحل غشاوة البصر،و كذا انجلى عنه الهمّ،يقال:انجلت عنه الهموم كما تنجلي الظّلمة،و جلوت عنّي همّي جلوا:أذهبته، و أجليت عنه الهمّ:فرّجت عنه.و أجلى اللّه عنك:

كشف،و يقال للمريض:جلا اللّه عنه المرض،أي كشفه.

و الجلاء:الأمر البيّن الواضح،يقال:جلالي الخبر، أي وضح،فهو جليّ،و أخبرني عن جليّة الأمر،أي حقيقته،و جلا الأمر و جلاّه و جلّى عنه:كشفه و أظهره، و قد انجلى و تجلّى،و الجليّة:البصيرة،يقال:عين جليّة، أي بصيرة.

و الجلاء:خروج القوم من البلد،لأنّهم سواد فانجلوا كما ينجلي سواد اللّيل،يقال:جلا القوم عن أوطانهم يجلون جلاء و أجلوا،أي خرجوا منها، و جلاهم السّلطان عن البلاد و أجلاهم فأجلوا:أخرجهم فخرجوا.و جلا القوم عن الموضع و منه جلوا و جلاء و أجلوا:تفرّقوا،و جلوا من الخوف،و أجلوا من الجدب، و أجلاهم هو و جلاّهم و اجتلاهم،فهم جالية و جالّة، يقال:استعمل فلان على الجالية،أي على جزية أهل الذّمّة.

و جلوة النّحل:طردها بالدّخان،يقال:جلا النّحل يجلوها جلاء،أي دخّن عليها لاشتيار العسل.

2-و بين هذه المادّة و مادّة«ج ل ي»اشتقاق أكبر، ف«الجلا»:انحسار مقدّم الشّعر،و قد جلي يجلى جلا، و هو أجلى،و المجالي:مقاديم الرّأس،و هي مواضع الصّلع،واحدها:مجلى،و هذا نظير قولهم في«ج ل و»:

انجلى الظّلام،أي انكشف.

و قولهم:جلى السّيف و المرآة يجليهما جليا،أي صقلهما،لغة فيه،و أصله«الواو»كما تقدّم.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الفعل مزيدا في المكّيّات(4)مرّات،

ص: 780

و المصدر مجرّدا في آية مدنيّة مرّة:

1- وَ النَّهارِ إِذا جَلاّها* وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها

الشّمس:3،4

2- يَسْئَلُونَكَ عَنِ السّاعَةِ أَيّانَ مُرْساها قُلْ إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ ثَقُلَتْ فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ لا تَأْتِيكُمْ إِلاّ بَغْتَةً الأعراف:187

3- وَ لَمّا جاءَ مُوسى لِمِيقاتِنا وَ كَلَّمَهُ رَبُّهُ قالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قالَ لَنْ تَرانِي وَ لكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكانَهُ فَسَوْفَ تَرانِي فَلَمّا تَجَلّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَ خَرَّ مُوسى صَعِقاً فَلَمّا أَفاقَ قالَ سُبْحانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَ أَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ الأعراف:143

4- وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى* وَ النَّهارِ إِذا تَجَلّى

الليل:1،2

5- وَ لَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللّهُ عَلَيْهِمُ الْجَلاءَ لَعَذَّبَهُمْ فِي الدُّنْيا وَ لَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذابُ النّارِ الحشر:3

يلاحظ أوّلا:أنّ فيها محورين:التّجلّي و الجلاء، و المحور الأوّل كلّه فعل من«فعّل»مرّتين ماضيا و مضارعا،في(1)و(2)،و من«تفعّل»مرّتين أيضا، ماضيا في(3)و(4).

ثانيا:الأفعال كلّها في نفس الأمر راجعة إلى اللّه تعالى،فإنّ التّجلّي من خواصّ النّور اَللّهُ نُورُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ النّور:35،و هو الّذي جلّى النّهار في(1) فتجلّى النّهار في(4)،و هو يجلّي السّاعة لوقتها فتنكشف في(2)و اللّه هو الّذي تجلّى للجبل في(3).

ثالثا:هناك علاقة بين التّجلية و التّجلّي و بين النّهار في(1)و(4)و فيهما بحوث:

1-ضمير الفاعل في(جلاّها)حسب السّياق يرجع إلى النّهار كالضّمير في وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها و في وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها، و عليه جرى المفسّرون إلاّ أنّ ابن عطيّة قال:«و يحتمل أن يكون الفاعل اللّه تعالى،كأنّه قال:

و النّهار إذا جلّى اللّه الشّمس»و هذا مبنيّ على رجوع الضّمير في: وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها و ما بعدها إلى اللّه فهو الّذي بنى السّماء و طحى الأرض،و سوّى النّفس و هكذا،و هذا ليس بعيدا،و إن أبيت إلاّ رعاية السّياق، و هو رجوع الضّمير في(جلاّها)إلى(النّهار)و في (يغشيها)إلى(الليل)،فلا تنكر أنّها جميعا فعل اللّه،فهو الّذي يجلّي النّهار،و يجلّي فيه الشّمس،و يغشّي اللّيل و يغشّي(فيه)الشّمس.و من أجل ذلك قلنا:إنّ الأفعال في هذه الآيات راجعة إلى اللّه لفظا أو معنى.

2-هناك اختلاف في ضمير المفعول في(جلاّها) و(يغشاها)مع الاتّفاق على أنّ الضّمير في(ضحيها) و(تليها)راجع إلى الشّمس،فليكن كذلك في ما بعدهما، و المعنى حينئذ:النّهار يجلّي الشّمس و يكشفها و اللّيل يغشاها و يسترها،لظهور الشّمس في النّهار و استتارها في اللّيل،و اختاره أكثرهم جريا للسّياق.

و هناك أقوال أخرى جمعها الزّمخشريّ في قوله:

«و قيل:الضّمير للظّلمة،أو الدّنيا،و إن لم يجر لها ذكر، كقولهم:أصبحت باردة:يريدون الغداة،و أرسلت:

يريدون السّماء إذا يغشاها فتغيب،و تظلم الآفاق» و نحوه قال البيضاويّ.و قال الماورديّ بعد ذكر وجهين لرجوعه إلى الشّمس:«و يحتمل ثالثا:أنّ النّهار جلّى ما في الأرض من حيوانها حتّى ظهر،لاستتاره ليلا

ص: 781

و انتشاره نهارا»و اختار الطّبريّ رجوعه إلى الشّمس تبعا لمن تقدّمه بحجّة أنّهم أعلم بذلك،و نحن نوافقه جريا على السّياق لا تبعا و اقتداء بمن ذكرهم،فهل اختار أولئك هذا الوجه إلاّ حفاظا للسّياق؟!

و العجب من الطّباطبائيّ حيث أرجع الضّمير إلى الأرض،و حكم في ما سواها بأنّها وجوه بعيدة!!

3-البروسويّ أرجع ضمير الفاعل و المفعول إلى (النّهار)و(الشّمس)ثمّ نبّه على لطيفة بلاغيّة،و هي أنّه إسناد مجازيّ عكس ما هو الواقع،فإنّ الشّمس هي الّتي تبسط النّهار،و تجلّيه إطلاقا للأثر على المؤثّر لكشفه عنه، فقال:«لمّا كان انتشار الأثر-و هو زمان ارتفاع النّهار- زمانا لانجلاء الشّمس و كان الانجلاء واقعا فيه،أسند فعل التّجلية إليه إسنادا مجازيّا،مثل«نهاره صائم».

و مثله جار في وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها أيضا».

4-تأوّل أهل التّأويل من العرفاء و المتصوّفة هذه الآية و ما شابهها على حالات النّفس-و باب التّأويل واسع-فقال البروسويّ:«و فيه إشارة إلى نهار استيلاء نور الرّوح و قيام سلطانها و استواء نورها إذا جلاّها و أبرزها في غاية الظّهور،كالنّهار عند الاستواء في تجلية الشّمس».و نحوه قال في: وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها و غيرها فلاحظ.

و قال عبد الكريم الخطيب:«فإذا غلب الرّأي على الهوى،و أخذ الإنسان طريق الحقّ،عاد إلى العقل سلطانه،و تجلّت في الإنسان آيات شمسه،فأضاءت كلّ شيء حوله».

5-الإسناد في وَ النَّهارِ إِذا تَجَلّى حقيقيّ،لأنّه مطاوعة«جلّى»فالنّهار يتجلّى مهما كان الّذي يجلّيه:اللّه أو الشّمس.أمّا في وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى فمجازيّ-كما سبق-و لهذا لم يختلفوا في رجوع ضمير الفاعل من (تجلّى)إلى(النّهار)و إن اختلفوا في التّعبير عن معناه، بقولهم:إذا ظهر،إذا أضاء،إذا أضاء فأنار و ظهر للأبصار،إذا ظهر بزوال ظلمة اللّيل،أو تبيّن و تكشّف بطلوع الشّمس،أو ظهر من بين ظلمة اللّيل،أو تجلّى بضيائه و إشراقه،أو ظهر و ضوى الآفاق،أو أظهر ما فيه من الخلق،أو جلّى اللّيل فأذهب ظلمته.

و(تجلّى)في كلّها لازم سوى الثّلاث الاخيرة؛حيث جاء فيهما(تجلّى)بمعنى«جلّى»،و هذا تفسير باللاّزم،أو تجوّز في الإسناد،كما تقدّم و(تجلّى)فعل ماض من «التّفعّل»و شذّت قراءة (تتجلّى) و (تجلى) من دون تفاوت في المعنى.

6-مع اتّفاقهم على أنّ التّجلّي:ظهور النّهار،تردّدوا في أنّه لظهور الشّمس أو لزوال اللّيل،و هذا التّردّد ناجم عن الخلاف في وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشى ما هو المغشيّ فيها كما يأتي.

7-(يغشى)بخلاف(تجلّى)متعدّ لم يذكر مفعوله، فقاسوها على وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها في(1)أي يغشي الشّمس أو الأرض و ما فيها،يغشاها اللّيل بظلامه كما قالوا في: وَ النَّهارِ إِذا جَلاّها جلّى الشّمس أو الأرض أو الظّلمة.

و ترى عائشة بنت الشّاطئ أنّ القرآن في إمساكه عن ذكر متعلّق ل«يغشى»و«تجلّى»-و قد عدّت(تجلّى) متعدّيا-يصرفنا عن تأويل محذوف أو مقدّر،لنلتفت

ص: 782

إلى أنّ الغشية و التّجلّي من اللّيل و النّهار هما المقصودان بالتّنبيه و الالتفات بما أغنى عن ذكر مفعول أو متعلّق، مثل زيد يعطي.

و لا بأس بما قالت إلاّ أنّها غفلت عن أنّ للرّويّ دخلا في سياقة هذه الأقسام في السّورتين و في غيرهما، و قد أظهر متعلّقاتهما في(جلاّها)و(يغشيها)لذلك،و إن اختلفوا في مرجع الضّمير.

8-نبّه البروسويّ في(1)و(4)على أنّ الإتيان فيهما بصيغة الماضي في التّجلية و بالمضارع في الغشية، للدّلالة على أنّه لا يجري على اللّه زمان،فالمستقبل عنده كالماضي،مع مراعاة الفواصل.و الثّاني هو الوجه عندنا كما أشرنا إليه آنفا،إضافة إلى ما يخطر بالبال من التّنبيه على تأخّر اللّيل عن النّهار،من وجهة نظر القرآن- لاحظ اللّيل و النّهار-و على ظهور النّهار و غياب اللّيل دائما،فكأنّ النّهار موجود عندنا و اللّيل غائب عنّا، لم يوجد بعد.

9-قدّم حدث النّهار على اللّيل في(1)و أخّر عنه في (4)فما هو الفارق بينهما؟

و الجواب أنّ التّقديم و التّأخير في(1)تتابع و تناسق للآيتين قبلهما؛حيث قدّم فيهما الشّمس على القمر، و النّهار مظهر الشّمس و اللّيل مظهر القمر،و ليس الأمر كذلك في(4)حيث لم يتقدّمها الشّمس و القمر،بل أقسم اللّه فيها باللّيل و النّهار تنبيها على تعاقب البلاء و النّعماء.

و على الجملة ففي الأقسام القرآنيّة مناسبة بين القسم و جوابه،لاحظ«المدخل»بحث الأقسام.

10-و تلك عشرة كاملة-أقسم اللّه بهذه الآيات السّماويّة من الشّمس و القمر و النّجوم و ما يتبعها من اللّيل و النّهار و الضّحى و السّجى و التّجلية و الغشاوة، مقارنا بما يحدث فيها من الحالات الدّالّة على أنّها آثار قدرة اللّه فيها،و على حدوثها ذاتا،و إلاّ لم يعترضها تبديل و تغيير،فلاحظ وَ الشَّمْسِ وَ ضُحاها* وَ الْقَمَرِ إِذا تَلاها* وَ النَّهارِ إِذا جَلاّها* وَ اللَّيْلِ إِذا يَغْشاها الشّمس:(1-4)،و غيرها،و هذا آخر البحوث في(1) و(4).

رابعا:في(2)أجاب اللّه عن سؤالهم عن وقت السّاعة،بأنّ علمها عند اللّه،لا يجلّيها لوقتها إلاّ هو.

و السّؤال خاصّ بوقتها،أمّا الجواب فيشمل أمرين:

1-العلم بها خاصّ باللّه إِنَّما عِلْمُها عِنْدَ رَبِّي.

2-هو الّذي يظهرها في وقتها لا يُجَلِّيها لِوَقْتِها إِلاّ هُوَ.

و من أجل ذلك اختلفت كلماتهم في تفسيرها،بين من خصّ التّجلية بالسّاعة نفسها،و من عمّها للعلم بها.

فالفريق الأوّل قالوا:لا يأتي بها،لا يرسلها لوقتها، لا يظهرها في وقتها،لا يبيّن وقتها و حينها و نحوها.

و الفريق الثّاني قالوا:لا يظهر أمرها و لا ينكشف خفاء علمها إلاّ هو،لا يظهرها في وقتها المعيّن،أي لا يقدر على إظهار وقتها المعيّن بالإعلام و الإخبار إلاّ هو،لا يظهرها و لا يكشف عنها في وقتها و عند وقوعها إلاّ اللّه سبحانه،قاله الطّباطبائيّ ثمّ قال:«و يدلّ ذلك على أنّ ثبوتها و وجودها و العلم بها واحد،أي إنّها محفوظة في مكمن الغيب عند اللّه تعالى،يكشف عنها و يظهرها متى شاء،من غير أن يحيط بها غيره

ص: 783

سبحانه...»فكأنّه أشار أنّ السّاعة موجودة فعلا لكنّها خفيّة،و اللّه يكشفها في وقتها.

فهذا سرّ التّعبير عنها ب(يجلّيها)لأنّ التّجلية:إظهار الشّيء الخفيّ،دون إيجاد الشّيء المعدوم.و إليه أشار المصطفويّ بقوله:«أي لا يكشف ما يمنع جلاءها إلاّ هو فإنّ عالم الطّبيعة و حدود المادّة غشاء عن جلاء السّاعة...»فإنّ التّجلية رفع السّتار عن الشّيء الخفيّ، و في كلامهما لطف ليس في كلام غيرهما.

خامسا:في(3)حكاية سؤال موسى ربّه ليريه نفسه،و إجابة اللّه إيّاه ب(لن ترنى)و أمره بالنّظر إلى الجبل إذا تجلّى اللّه للجبل،فإن استقرّ مكانه فسوف يراه موسى.و هذا تعليق على المحال؛إذ لمّا تجلّى اللّه للجبل جعله دكّا و خرّ موسى صعقا،فلمّا أفاق من صعقته تاب إلى اللّه ممّا تمنّى من المحال،و فيها بحوث:

1-اختلفوا في كيفيّة تجلّي الرّبّ-بعد اتّفاقهم على أنّ ذات اللّه لا يتجلّى كما تتجلّى الأجسام للأنظار-على وجوه:مثل تجلّي نوره-قاله أكثرهم-تجلّي عظمته،أو تدبيره،أو قدرته و إرادته و سلطانه،و تجلّي بعض آياته، أو تجلّي ملكوته،أو عرشه،أو تجلّي أمره،أو وحيه،أو هو مثل لظهور اقتداره و إرادته بما فعل بالجبل،لا أنّ هناك تجلّيا،و هو مثل: أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ يس:82، أو تجلّي أسمائه و صفاته-و هو راجع إلى ما تقدّمه-أو نحوها،و كلّها تأويل للآية تجنّبا عمّا هو ظاهرها من ظهوره كالأجسام.

و أمسك بعضهم عن تأويلها،فقال:ظهر لموسى على الوجه اللاّئق بجنابه من غير انتقال و لا وصف،يدلّ على الجسميّة،أو قال:«هي من المتشابهات الّتي يسلك فيها طريق التّسليم،و هو أسلم و أحكم،أو التّأويل بما يليق بجلال ذاته تعالى».أو قال:«لعلّه أريد به إزالة الحوائل المعتادة الّتي جعلها حجابا بين الموجودات الأرضيّة و بين قوى الجبروت الّتي استأثر اللّه تعالى بتصريفها على مقادير مضبوطة و متدرّجة في عوالم مترتّبة ترتيبا يعلمه اللّه».ثمّ شبّهها بالعقول العشرة عند الحكماء.

2-ليس التّأويل فيها خاصّا بالمتكلّمين من المعتزلة و غيرهم الّذين تستحيل عندهم رؤية اللّه،بل يعمّ أهل السّنّة القائلين بجواز الرّؤية،لأنّ المشكلة هنا ليست في الرّؤية بل في التّجسيد المحال على اللّه عند الجميع.

3-و منهم من قال:إنّ(تجلّى)بمعنى«جلّى»كقولهم:

«حدّث و تحدّث»أي جلّى ربّه أمره للجبل،أي أبرز في ملكوته للجبل ما تدكدك به.

4-و منهم من قال:إنّ معناه فلمّا تجلّى بالجبل لموسى فيكون(اللاّم)بمعنى(الباء).

5-و منهم من قال:خلق للجبل حياة و حسّا و إدراكا يرى به،ثمّ ظهر و بدا سلطانه،فاندكّ الجبل لشدّة المطلع.

6-و منهم من زعم أنّ المراد بالجبل:أهل الجبل، مثل: وَ سْئَلِ الْقَرْيَةَ يوسف:82،و هم موسى و من كان معه في الجبل.

و نحن نقول:هذه الخلافات دليل على أنّ الآية من المتشابهات،و فيها مسلكان:التّأويل بما يرفع التّشابه، أو التّسليم بما أراد اللّه بها من غير تأويل،و هو الموافق

ص: 784

لقوله: وَ الرّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا آل عمران:7.

سادسا:المحور الثّاني الجلاء في(5)و فيها بحوث:

1-نزلت في شأن طائفة من اليهود القاطنين ب«يثرب»منذ قرون قبل بعثة النّبيّ عليه السّلام،و هم بنو النّضير الّذين أجلاهم النّبيّ من المدينة إلى الشّام و خيبر، لمّا أرادوا خيانته عليه السّلام.

2-قد سبق أنّ معنى الجلاء يرجع إلى التّجلية؛من حيث أنّ بجلاء القوم عن أرضهم تتجلّى و تنكشف الأرض بعد استتارها بهم.و فسّره بعضهم بالفناء،و هو بعيد.

3-جاءت عن بعضهم قراءة(جلأ)بحذف الألف، بدل(جلاء)و كأنّها قراءة شاذّة.ذكرها الآلوسيّ، و لم يذكرها الطّبريّ و غيره.

4-قال البروسويّ في وَ لَوْ لا أَنْ كَتَبَ اللّهُ :(ان) مخفّفة من الثّقيلة،و اسمها ضمير الشّأن المقدّر،أي و لو لا أنّه،و(كتب اللّه)خبرها،و الجملة في محلّ الرّفع بالابتداء،بمعنى و لو لا كتاب اللّه عليهم واقع في علمه أو في لوحه...

و قال الآلوسيّ: «أن مصدريّة لا مخفّفة من الثّقيلة، و اسمها ضمير الشّأن كما توهمه عبارة«الكشّاف»،و قد صرّح بذلك الرّضيّ»ففيها قولان،و لكلّ وجه و المعنى واحد.لاحظ«المغني»كلمة«أن».

ص: 785

ص: 786

ج م ح

اشارة

يجمحون

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :جمحت السّفينة جموحا:تركت قصدها فلم يضبطها الملاّحون.

و جمح الفرس بصاحبه جماحا،إذا ذهب جريا غالبا.

و كلّ شيء مضى لوجهه على أمر فقد جمح.[ثمّ استشهد بشعر]

و فرس جموح:جامح؛الذّكر و الأنثى في النّعتين سواء.

و الجمّاح،و الجميع:الجماميح:شبه سنبل في رءوس الحليّ و الصّلّيان (1).و جمحوا بكعابهم مثل جبحوا.

و الجمّاح:شيء يلعب به الصّبيان،يأخذون ثلاث ريشات فيربطونها،و يجعلون في وسطها تمرة أو عجينا أو قطعة طين فيرمونه،فذلك الجمّاح.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمّاحة و الجماميح:رءوس الحليّ و الصّلّيان و نحو ذلك،ممّا يخرج على أطرافه شبه سنبل،غير أنّه كأذناب الثّعالب.

و الجماح:موضع.[ثمّ استشهد بشعر](3:88)

الأمويّ: الجمّاح:ثمرة تجعل على رأس خشبة يلعب بها الصّبيان.(الأزهريّ 4:168)

أبو عمرو الشّيبانيّ: قال أبو الجرّاح:«الجمّاح:

أمصوخ (2)من ثمام،يجعل في رأسه شوكة سمرة،أو شوكة سلمة،ثمّ تجعله على الأرض،و تقول:انبشه،أي اضربه به،فإن أصابه و ارتزّ فيه أخذه،و هو الأنبوش،و هي الأنابيش».(1:128)

ص: 787


1- بكسرتين مشدّدة اللاّم:نبت واحدته ب«هاء»،أي صلّيانة.«القاموس».
2- الحربيّ:أمسوخ بدل«أمصوخ».

مثله الحربيّ.(3:906)

أبو زيد :جمحت المرأة من زوجها تجمح جماحا، و هو خروجها من بيته إلى أهلها قبل أن يطلّقها،و مثله:

طمحت طماحا.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:168)

الأصمعيّ: من عيوب الخيل الجماح:أن يركب وجهه يعدو بفارسه.(الحربيّ 3:906)

ابن الأعرابيّ: الجمّاح:المنهزمون من الحرب.

و الجمّاح:سهم صغير يلعب به الصّبيان.

و فرس جموح:سريع،و فرس جموح،إذا لم يثن رأسه.

الجمّاح:سهم أو قصبة يجعل عليه طين،ثمّ يرمى به الطّير.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:169)

شمر: الجمّاح:سهم لا ريش له أملس،في موضع النّصل منه تمر أو طين،يرمى به الطّائر فيلقيه و لا يقتله،حتّى يأخذه راميه،يقال له:الجمّاح و الجبّاح.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:169)

الدّينوريّ: الجمّاح:سهم الصّبيّ،يجعل في طرفه تمرا معلوكا،بقدر عفاص القارورة،ليكون أهدى له،و ليس له ريش،و ربّما لم يكن له فوق أيضا.و جمع الجمّاح:جماميح و جمامح.(ابن سيده 3:99)

الحربيّ: الجموح:الشّديد الرّأس الّذي يغلب فارسه،ثمّ يتوجّه به حيث شاء.(2:446)

التّجميح:النّظر بخوف.(3:909)

ابن دريد :جبخ الصّبيان بالكعاب و جمحوها،إذا طرحوها ليلعبوا بها.(1:206)

و جمح الدّابّة جمحا و جماحا،إذا اعتزّ فارسه على رأسه حتّى يغلبه.

و قد سمّت العرب جمّاحا-و هو أبو بطن منهم- و جميحا،و جمحا و هو أبو بطن من قريش.

و تجامح الصّبيان بالكعاب،إذا رمى كعبا بكعب حتّى يزيله عن موضعة.

و الجمّاح:سهم يجعل على رأسه طين كالبندقة، يرمي به الصّبيان الطّير.[ثمّ استشهد بشعر](2:59)

الجمّاح:سهم يلعب به الصّبيان.(3:411)

الأزهريّ: يقال:جمح و طمح،إذا أسرع،و لم يردّ وجهه شيء.

فرس جموح،له معنيان:أحدهما:يوضع موضع العيب؛و ذلك إذا كان من عادته ركوب الرّأس لا يثنيه راكبه،و هذا من الجماح الّذي يردّ منه بالعيب.

و المعنى الثّاني في الفرس الجموح:أن يكون سريعا نشيطا مروحا،و ليس بعيب يردّ منه،و مصدره:

الجموح.[ثمّ استشهد بشعر]

[و قيل:]العرب تسمّي ذكر الرّجل جميحا و رميحا، و تسمّي هن المرأة شريحا،لأنّه من الرّجل يجمح فيرفع رأسه،و هو منها يكون مشروحا،أي مفتوحا.(4:168)

الصّاحب:جمح الفرس بصاحبه جماحا،إذا ذهب يجري جريا عاليا،و كذلك كلّ شيء مضى لوجهه.

و فرس جموح:جامح.

و جمحوا بكعابهم:مثل جبحوا.

و الجمّاحة و الجماميح:رءوس الحليّ و الصّلّيان.

و في المثل:«أخفّ من الجمّاح»و هو سهم يلعب به الصّبيان.

ص: 788

و الجمّاح:أرض،و الجمح:جبل لبني نمير، و جمح:جبل.(2:417)

الجوهريّ: جمح الفرس جموحا و جماحا،إذا اعتزّ فارسه و غلبه،فهو فرس جموح.

و جمحت المرأة من زوجها،و هو خروجها من بيته إلى أهلها قبل أن يطلّقها.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجموح من الرّجال:الّذي يركب هواه،فلا يمكن ردّه.[ثمّ استشهد بشعر]

و جمح،أي أسرع.

و الجمّاح بالضّمّ و التّشديد:سهم بلا نصل مدوّر الرّأس،يتعلّم الصّبيّ به الرّمي.(1:360)

ابن فارس: الجيم و الميم و الحاء أصل واحد مطّرد، و هو ذهاب الشّيء قدما بغلبة و قوّة،يقال:جمح الدّابّة جماحا،إذا اعتزّ فارسه حتّى يغلبه،و فرس جموح.[ثمّ استشهد بشعر]

و جمح الصّبيّ الكعب بالكعب،إذا رماه حتّى يزيله عن مكانه.و في هذه نظر،لأنّها تقال بغير هذا اللّفظ.

و قد ذكرت (1).

و الجمّاح:سهم يجعل على رأسه طين كالبندقة يرمي به الصّبيان.[ثمّ استشهد بشعر]

قال بعض أهل اللّغة:الجموح:الرّاكب هواه،فأمّا قوله تعالى: لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَ هُمْ يَجْمَحُونَ التّوبة:57، فإنّه أراد يسعون،و هو ذاك.[ثمّ استشهد بشعر]

و جمحت المرأة إلى أهلها:ذهبت من غير إذن.

(1:476)

الثّعالبيّ: [من عيوب عادات الفرس]

فإذا كان يركب رأسه لا يردّه شيء فهو:جموح.

(174)

ابن سيده: جمحت المرأة تجمح جماحا:خرجت من بيت زوجها إلى أهلها قبل أن يطلّقها.[ثمّ استشهد بشعر]

و جمح الفرس بصاحبه جمحا و جماحا:ذهب يجري جريا غالبا.و فرس جامح و جموح،الذّكر و الأنثى في جموح سواء.

و كلّ شيء مضى لشيء على وجهه فقد جمح.

و جمحت السّفينة تجمح جموحا:تركت قصدها فلم يضبطها الملاّحون.

و جمحوا بكعابهم:ك«جبحوا».

و تجامح الصّبيان بالكعاب،إذا رموا كعبا بكعب حتّى يزيله عن موضعه.

و الجماميح:رءوس الحليّ و الصّلّيان و نحو ذلك،ممّا يخرج على أطرافه شبّه السّنبل،غير أنّه ليّن كأذناب الثّعالب،واحدته:جمّاحة.

و الجمّاح:شيء يتّخذ من الطّين الحرّ أو من التّمر و الرّماد فيصلّب،و يكون في رأس المعراض ترمى به الطّير.[ثمّ استشهد بشعر]

[ثمّ ذكر أقوالا أخرى في معاني الجمّاح و قد مرّت]

و قد سمّوا:جمّاحا و جميحا و جمحا،و هو أبو بطن من قريش.(3:98)

الطّوسيّ: الجماح:مضيّ الماء مسرعا،على وجهه لا يردّه شيء عنه.(5:280)».

ص: 789


1- انظر«المجمل».

نحوه الطّباطبائيّ.(9:309)

الرّاغب: أصله في الفرس إذا غلب فارسه بنشاطه، في مروره و جريانه؛و ذلك أبلغ من النّشاط و المرح.

و الجماح:سهم يجعل على رأسه كالبندقة يرمي به الصّبيان.(96)

الزّمخشريّ: جمح الفرس براكبه:اعتزّه على رأسه،و ذهب جريا غالبا لا يملكه.و تقول:هذه دابّة سمحة،ما بها جمحة و لا رمحة.و فرس جموح،و به جماح و جموح.

و من المجاز:جمحت المرأة إلى أهلها:ذهبت إليهم من غير إذن بعلها.و فلان جموح و جامح:راكب لهواه.[ثمّ استشهد بشعر]

لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَ هُمْ يَجْمَحُونَ التّوبة:57،أي يجرون جري الخيل الجامحة.

و جمحت السّفينة:تركت قصدها.و جمحت المفازة بالقوم:طوّحت بهم من بعدها.[ثمّ استشهد بشعر]

و جمح بفلان مراده،إذا لم ينله.(أساس البلاغة:63)

المدينيّ: في حديث عمر بن عبد العزيز:«فطفق يجمّح إلى الشّاهد النّظر»أي يديم مع فتح العين،و مثله:

التّجمّح.(1:346)

ابن الأثير: [في الحديث]«أنّه جمح في أثره»أي أسرع إسراعا لا يردّه شيء،و كلّ شيء مضى لوجهه على أمر فقد جمح.[ثمّ ذكر كلام المدينيّ و قال:]

هكذا جاء في كتاب أبي موسى،و كأنّه-و اللّه أعلم- سهو،فإنّ الأزهريّ و الجوهريّ و غيرهما ذكروه في حرف الحاء قبل الجيم،و فسّروه هذا التّفسير، و سيجيء في بابه،و لم يذكره أبو موسى في حرف الحاء.

(1:291)

الصّغانيّ: و الجمّاح:المنهزمون من الحرب.

(2:17)

الفيّوميّ: جمح الفرس براكبه يجمح بفتحتين، جماحا بالكسر،و جموحا:استعصى حتّى غلبه،فهو جموح بالفتح و جامح،يستوي فيه الذّكر و الأنثى.

و جمح،إذا عار،و هو أن ينفلت فيركب رأسه، فلا يثنيه شيء.و ربّما قيل:جمح،إذا كان فيه نشاط و سرعة.

و الجماح من الأوّلين مذموم،و من الثّالث محمود، لكنّ الثّالث مهجور الاستعمال و إن كان منقولا.

و جمحت المرأة:خرجت من بيتها غضبى بغير إذن بعلها،فالجموح هو الرّاكب هواه.(1:107)

الفيروزآباديّ: جمح الفرس كمنع جمحا و جموحا و جماحا،و هو جموح:اعتزّ فارسه و غلبه،و المرأة زوجها:خرجت من بيته إلى أهلها قبل أن يطلّقها، و أسرع،و الصّبيّ الكعب بالكعب:رماه حتّى أزاله عن مكانه.

و كرمّان:المنهزمون من الحرب،و سهم بلا نصل مدوّر الرّأس يتعلّم به الرّمي،و تمرة تجعل على رأس خشبة يلعب بها الصّبيان،و ما يخرج على أطرافه شبه سنبل ليّن كرءوس الحليّ و الصّلّيان،و نحوه.جمعه:

جماميح،و جاء في الشّعر:جمامح.

و ككتّان و زبير و زفر و صبوح:أسماء.

و عبد اللّه بن جمح بالكسر:شاعر عبقسيّ.

ص: 790

و كزبير:الذّكر.

و كزفر:جبل لبني نمير.

و الجموح:فرس مسلم بن عمرو الباهليّ،و الرّجل يركب هواه فلا يمكن ردّه.(1:226)

رشيد رضا :الجمّاح:السّرعة الشّديدة الّتي تتعسّر مقاومتها أو تتعذّر.(10:486)

مجمع اللّغة :جمح الفرس يجمح جموحا:انفلت فركب رأسه،لا يثنيه شيء.(1:204)

محمود شيت: و يقال:جمح من الحرب:انهزم، فهو جامح،جمعه:جمّاح.

جمح الفرس:عتا عن أمر صاحبه حتّى غلبه،فهو جامح.يقال:فرس جموح:قويّ الرّأس،عنيد،جمعه:

جوامح،و جمّاح.و السّفينة:تركت قصدها فلم يضبطها الملاّحون.

الجمّاح:عتاد التّدريب الّذي فيه صوت العتاد و لا يقتل،جمعه:جماميح.(1:149)

المصطفويّ: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو خروج المملوك و من بمنزلته عن سلطة مالكه و ذهابه بسرعة،خلافا و عدوانا،و هو في عمله متجاوز عن الحقّ و متّبع هوى نفسه.

و المصداق الأتمّ لهذا المعنى هو الفرس الجموح،ثمّ من يخرج عن طاعة من بيده أمره،من ربّ أو مولى أو زوج أو وليّ.

و أمّا معنى السّعي أو الجري أو السّرعة و نظائرها، فمن لوازم ذلك الأصل الواحد.

و لا يخفى أنّ كلمات«جمز»،«جنح»،«جنف»قريبة من هذه الكلمة.(2:111)

النّصوص التّفسيريّة

لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَ هُمْ يَجْمَحُونَ. التّوبة:57

زيد بن عليّ عليه السّلام:معناه:يطمحون،و هو الإسراع.

(210)

نحوه أبو عبيدة.(1:262)

الفرّاء: مسرعين،الجمح هاهنا:الإسراع.

(1:443)

ابن قتيبة :أي يسرعون روغانا عنك،و منه قيل:

فرس جموح،إذا ذهب في عدوه فلم يثنه شيء.

(188)

نحوه السّجستانيّ.(79)

الطّبريّ: و هم يسرعون في مشيهم،و قيل:إنّ الجماح مشي بين المشيين.[ثمّ استشهد بشعر]

و إنّما وصفهم اللّه بما وصفهم به من هذه الصّفة، لأنّهم إنّما أقاموا بين أظهر أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على كفرهم و نفاقهم و عداوتهم لهم،و لما هم عليه من الإيمان باللّه و برسوله،لأنّهم كانوا في قومهم و عشيرتهم،و في دورهم و أموالهم،فلم يقدروا على ترك ذلك و فراقه، فصانعوا القوم بالنّفاق،و دافعوا عن أنفسهم و أموالهم و أولادهم بالكفر و دعوى الإيمان،و في أنفسهم ما فيها من البغض لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و أهل الإيمان به،و العداوة لهم،فقال اللّه واصفهم بما في ضمائرهم.(10:154)

الزّجّاج: أي يسرعون إسراعا لا يردّ وجوههم

ص: 791

شيء،و من هذا قيل:فرس جموح،للّذي إذا حمل لم يردّه اللّجام.(2:455)

نحوه أبو الفتوح(9:268)،و ابن الجوزيّ(3:

454)،و الفخر الرّازيّ(16:96)،و النّسفيّ(2:131)، و النّيسابوريّ(10:109)،و الشّربينيّ(1:622).

الماورديّ: أي يسرعون.[ثمّ استشهد بشعر]

(2:373)

الواحديّ: وَ هُمْ يَجْمَحُونَ مثل ما يجمح الفرس،و المعنى أنّ هؤلاء المنافقين لا بصيرة لهم في الدّين و لا احتساب،و إنّما هم كالمسخّرين حتّى و لو وجدوا أحد هذه الأشياء لأسرعوا إليه،طلبا للفرار.

(2:504)

نحوه شبّر.(3:86)

البغويّ: يسرعون في إباء و نفور،و لا يردّ وجوههم شيء.و معنى الآية أنّهم لو يجدون مخلصا منكم و مهربا لفارقوكم.(2:358)

نحوه الطّبرسيّ(3:40)،و القرطبيّ(8:166)، و الخازن(3:88)،و البروسويّ(3:450)،و القاسميّ (8:3177).

الزّمخشريّ: [نحو الزّجّاج و أضاف:]

و قرأ أنس رضي اللّه عنه (يجمزون) فسئل،فقال:

يجمحون و يجمزون و يشتدّون واحد.(2:196)

نحوه البيضاويّ.(1:419)

ابن عطيّة: و قرأ جمهور النّاس (يَجْمَحُونَ) معناه:

يسرعون مصمّمين غير منثنين.[ثمّ استشهد بشعر]

و قرأ أنس بن مالك (يجمزون) و معناه يهربون،و منه قولهم في حديث الرّجم:«فلمّا إذ لقته الحجارة جمز».

(3:46)

نحوه أبو حيّان.(5:55)

ابن كثير :أي يسرعون في ذهابهم عنكم،لأنّهم إنّما يخالطونكم كرها لا محبّة،و ودّوا أنّهم لا يخالطونكم.

و لكن للضّرورة أحكام.و لهذا لا يزالون في همّ و حزن و غمّ،لأنّ الإسلام و أهله لا يزالون في عزّ و نصر و رفعة، فلهذا كلّما سرّ المسلمون ساءهم ذلك،فهم يودّون أن لا يخالطوا المؤمنين،و لهذا قال: لَوْ يَجِدُونَ... إلخ.

(3:410)

نحوه المراغيّ(10:139)،و رشيد رضا(10:486).

أبو السّعود :[نحو الزّجّاج ثمّ قال:]

و فيه إشعار بكمال عتوّهم و طغيانهم.و قرئ (يجمزون) بمعنى يجمحون و يشتدّون،و منه الجمّازة.

(3:161)

الآلوسيّ: [نحو الزّجّاج،ثمّ ذكر قراءة أنس و أضاف:]

و منه الجمّازة[أي]النّاقة الشّديدة العدو.و أنكر بعضهم كون ما ذكر قراءة،و زعم أنّه تفسير،و هو مردود.(10:119)

عبد الكريم الخطيب : لَوْ يَجِدُونَ... إلخ،هو تصوير لحجم الفزع الّذي يعيش في كيان الكافرين و المنافقين...[إلى أن قال:]

و(يجمحون)أي يفرّون ركضا مسرعين.

و هذه المخابئ الّتي يلجأ إليها هؤلاء الفارّون من وجه الحياة،هي كلّ ما يمكن أن يتصوّر الفرار إليه،في عالم

ص: 792

الإنسان،أو الحيوان،أو الهوامّ.و في هذا ما يدلّ على أنّ المنافقين يلتمسون أيّ مفرّ يفرّون إليه،و يدفنون وجودهم فيه.

بل و أكثر من هذا إنّهم في سبيل الاحتفاظ بالحياة، و في طلب الفرار من الموت لا يأنفون أن يكونوا على أيّة صورة من صور الأحياء،من حشرات،و هوامّ، و دوابّ،و نحوها،المهمّ عندهم هو أن يعيشوا،و ليس من الهمّ عندهم في شيء الصّورة الّتي يكون عليها العيش.(5:801)

المصطفويّ: أي يخرجون عن الجماعة و يميلون عن الحقّ،و يسرعون إلى جانب أهوائهم النّفسانيّة.

(2:111)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجموح،أي غلبة الفرس صاحبه و قهره،يقال:جمح الفرس بصاحبه يجمح جمحا و جموحا و جماحا،فهو جامح و جموح،أي ذهب يجري جريا غالبا،و اعتزّ صاحبه و غلبه،و يقال أيضا:جمح جماحا:ركب رأسه لا يثنيه راكبه،و جمح جموحا:أسرع نشيطا مروحا.

ثمّ استعمل في كلّ شيء مضى لشيء على وجهه، يقال:جمحت المرأة تجمح جماحا من زوجها،أي خرجت من بيته إلى أهلها قبل أن يطلّقها،و الجموح من الرّجال:الّذي يركب هواه فلا يمكن ردّه،و جمحت السّفينة تجمح جموحا:تركت قصدها فلم يضبطها الملاّحون.

و الجمّاح:قصبة أو سهم صغير بلا نصل مدوّر الرّأس،يتعلّم به الصّبيان الرّمي،أو يلعب به الصّبيان، يجعلون على رأسه تمرة أو طينا لئلاّ يعقر،أو يرمى به الطّائر فيلقيه و لا يقتله،حتّى يأخذه راميه،و الجمح:

جماميح.

و الجمّاح أيضا:المنهزمون من الحرب،و كأنّهم جمحوا بقوّادهم،و جمح إليه:أسرع،و هو تشبيه بإسراع الفرس نشيطا مروحا.

2-و قولهم:جمحوا بكعابهم،يبدو أنّ الأصل فيه «الباء»؛إذ يقال منه:جبحوا بها،أي رموا بها لينظروا أيّها يخرج فائزا،و كذا قولهم:تجامح الصّبيان بالكعاب، أي رموا كعبا بكعب حتّى يزيله عن موضعه؛و ذلك لأنّ «الباء»و«الميم»مخرجهما من بين الشّفتين معا،و كلاهما حرف مهجور،إلاّ أنّ«الباء»أشدّ جهرا.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد،في سورة مدنيّة:

لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغاراتٍ أَوْ مُدَّخَلاً لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَ هُمْ يَجْمَحُونَ التّوبة:57

يلاحظ أوّلا:أنّ الآية في سورة التّوبة،و ابتداؤها إلى(36)إدانة للمشركين و ذكر لمواقفهم،و بعدها إلى آخر السّورة آيات الدّعوة إلى غزوة تبوك و النّفر إليها؛ إذ قد تثاقل عنها المؤمنون،و تخلّف عنها المنافقون، و فيها أوصافهم و مواقفهم،و في خلالها مدح للمهاجرين و الأنصار الّذين جاهدوا بأموالهم و أنفسهم في سبيل اللّه، و بيان لحكم الأشهر الحرم و النّسيء،و إدانة الأحبار

ص: 793

و الرّهبان في تجافيهم عن الإنفاق،و كنزهم الذّهب و الفضّة.

و الآية تعدّ من زمرة أوصاف المنافقين القاعدين عن القتال،أنّه قد بلغ إعراضهم عن الحرب مبلغا لو وجدوا ملجأ أو مغارات،أو مدّخلا لفرّوا إليها،و هم يجمحون إعراضا عن النّبيّ و المؤمنين و استهانة بهم.

ثانيا:فسّر أكثرهم(يجمحون)ب(يسرعون)و قد عرفت أنّ أصل المعنى غلبة الفرس صاحبه و قهره جريا راكبا رأسه.و عليه ففي الآية استعارة لطيفة؛حيث شبّههم في فرارهم بفرس غلب صاحبه و ركب رأسه، فالإسراع جزء من المعنى المراد لا كلّه،و لهذا قال الواحديّ في معناه:«يجمحون مثل ما يجمح الفرس».

ثالثا:حكي عن أنس بن مالك أنّه قرأ (يجمزون) أي يهربون،و كأنّها كانت قراءة شاذّة،و لهذا لم يذكرها الطّبريّ،و أنكر بعضهم كون ما ذكر قراءة،و زعم أنّه تفسير.و ربّما تشهد به رواية الزّمخشريّ«قرأ أنس (يجمزون) فسئل؟فقال:يجمحون و يجمزون و يشتدّون واحد».

ص: 794

ج م د

اشارة

جامدة

لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة

النّصوص اللّغويّة

الخليل :جمد الماء يجمد جمودا.

و يقال:لك جامد هذا المال و ذائبه،و الذّائب:

الظّاهر،و الجامد:الغائب الباطن.

و يقال:ذاب لفلان عليك حقّ،أي وجب و ظهر.

و مخّة جامدة،أي صلبة.

و رجل جامد العين:قلّ دمعه.

و سنة جماد:جامدة لا كلأ فيها و لا خصب.

و عين جماد:لا دمع فيها.

و الجمد:الماء الجامد.

و أجمد القوم:قلّ خيرهم و بخلوا.

و الجمد:من أعلام الأرض كالنّشز المرتفع،و يجمح على أجماد و جماد.

و الجماديان:اسمان معرفة لشهرين،فإذا أضفت قلت:شهرا جمادى،و شهر جمادى.(6:89)

الكسائيّ: ظلّت العين جمادى،أي جامدة لا تدمع.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 10:681)

ابن شميّل: الجمد:قارة ليست بطويلة في السّماء، و هي غليظة،تغلظ مرّة،و تلين أخرى،تنبت الشّجر، و لا تكون إلاّ في أرض غليظة.سمّيت جمدا من جمودها، أي يبسها.

و الجمد:أصغر الآكام يكون مستديرا،و القارة:

مستديرة طويلة في السّماء،و لا ينقادان في الأرض، و كلاهما غليظ الرّأس،و يسميّان جميعا أكمة.و جماعة الجمد:جماد،ينبت البقل و الشّجر.

و أمّا الجمود فأسهل من الجمد،و أشدّ مخالطة للسّهول،و تكون الجمود في ناحية القفّ،و ناحية السّهول.(الأزهريّ 10:678)

ص: 795

أبو عمرو الشّيبانيّ: الجمد:أبرق الأرض، أسافل القفّ،و هي الجماد،منها مكان سهل،و آخر غليظ.(1:122)

و قال الأزديّ: الجمد:القطع،و هو في الثّوب:

الخرق.[ثمّ استشهد بشعر](1:133)

و أرض جماد:جامدة لم يصبها مطر،و لا شيء فيها.

سيف جمّاد:صارم.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 10:679)

قد روي في بعض الحديث:«إذا وقعت الجوامد بطلت الشّفعة»و الجامد:الحدّ بين الدّارين.

(الخطّابيّ 2:106)

الفرّاء: الجماد:الحجارة،واحدها:جمد.

(الأزهريّ 10:681)

الشّهور كلّها مذكّرات إلاّ جماديين،فإنّهما مؤنّثتان.

[ثمّ استشهد بشعر]

فإن سمعت تذكير جمادى فإنّما يذهب به إلى الشّهر.

و الجمح:جماديات،على القياس.و لو قيل:جماد، لكان قياسا.(ابن سيده 7:349)

أبو عبيدة :المجمد:الأمين مع شحّ لا يخدع.

(الأزهريّ 10:678)

الأصمعيّ: [الجمد]هو المكان المرتفع الغليظ.

(الأزهريّ 10:678)

الشّتاء عند العرب جمادى،لجمود الماء فيه.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 10:680)

ابن الأعرابيّ: جمد الرّجل يجمد فهو جامد،إذا بخل بما يلزمه من الحقّ.

و أجمد يجمد إجمادا فهو مجمد،إذا كان أمينا بين القوم.

و الجامد:البخيل.(الأزهريّ 10:677)

أكثر ما تستعمل العرب في الماء جمد و في السّمن و غيره جمس.(ابن دريد 2:68)

الجوامد:الأرف،و هي الحدود بين الأرضين، واحدها:جامد.

و فلان مجامدي،إذا كان جارك بيت بيت،و كذلك:

مصاقبي،و مؤارفي،و متاخمي.(الأزهريّ 10:679)

ابن السّكّيت: يقال:إنّه لجماد الكفّ،أي جامد الكفّ.و سنة جماد:لا مطر فيها،و ناقة جماد:لا لبن بها، و رجل مجمد.[ثمّ استشهد بشعر](75)

أبو الهيثم: جمادى ستّة،هي جمادى الآخرة، و هي تمام ستّة أشهر من أوّل السّنة،و رجب هو السّابع و جمادى خمسة،هي جمادى الأولى،و هي الخامسة من أوّل شهور السّنة.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 10:680)

الدّينوريّ: جمادى عند العرب:الشّتاء كلّه،في جمادى كان الشّتاء أو في غيرها،أو لا ترى أنّ جماديين بين يدي شعبان،و هو مأخوذ من التّشتّت و التّفرّق،لأنّه في قبل الصّيف،و فيه التّصدّع عن المبادي و الرّجوع إلى المحاضر.(ابن سيده 7:349)

الزّجّاج: جمد الماء جمودا،و أجمد الرّجل إجمادا،إذا بخل و لم يعط شيئا.(فعلت و أفعلت:9)

جمادى:مؤنّثة و التّأنيث للاسم،فإن ذكرت في شعر فإنّما يقصد بها الشّهر،و هي غير مصروفة للتّأنيث

ص: 796

و العلميّة،و الجمع على لفظها:جماديات،و الأولى و الآخرة صفة لها.فالآخرة بمعنى المتأخّرة،قالوا:

و لا يقال:جمادى الأخرى،لأنّ الأخرى بمعنى الواحدة، فتتناول المتقدّمة و المتأخّرة،فيحصل اللّبس،فقيل:

الآخرة،لتختصّ بالمتأخّرة.(الفيّوميّ:107)

ابن دريد :جمد الماء و الدّم جمودا،إذا يبس فهو جامد.

و الجمد:الثّلج الّذي يسقط من السّماء،و أرض جمد و جمد و جمد،و الجمع:أجماد،إذا كانت صلبة شديدة.

و سنة جماد:لا مطر فيها،و ناقة جماد:لا لبن لها.

و المجمد:البخيل المتشدّد.

و سمّيت جمادى،لجمود الماء فيها أيّام سمّيت الشّهور.

و قال قوم:المجمد:الّذي لم يفز قدحه في الميسر.

[ثمّ استشهد بشعر](2:68)

ابن الأنباريّ: أسماء الشّهور كلّها مذكّرة إلاّ جماديين فهما مؤنّثتان،تقول:مضت جمادى بما فيها.[ثمّ استشهد بشعر]

فإن جاء تذكير جمادى في شعر،فهو ذهاب إلى معنى الشّهر،كما قالوا:هذه ألف درهم،على معنى هذه الدّراهم.(الفيّوميّ:107)

خالد: رجل مجمد:بخيل شحيح.

(الأزهريّ 10:678)

الأزهريّ: و يجمع الجمد أجمادا أيضا.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجماد:النّاقة لا لبن بها.

و سنة جماد:لا مطر فيها.[ثمّ استشهد بشعر]

(10:679)

الصّاحب:[نحو الخليل ثمّ قال:]

و إذا دعي على الرّجل بأن يمنع و يؤبس ممّا عنده، قيل:جماد جماد.

و الجماد و الجماد:ضرب من البرود و الثّياب.

و الجمد:الخرق في الثّوب،و القطع في اللّحم.

و سيف جمّاد:قصّال.

و الجمد من النّوق:الّتي لا تنفطر بشيء من لبن، و نوق جمدة.

و المجمد:الّذي يطبق يديه على القداح في الميسر، و هو الأمين.و قيل:هو الّذي يجمد على القوم،أي يوجب عليهم ما وجب،من قولهم:جمد لي عليه حقّ، أي وجب،و أجمدته أنا عليه.

و الجمد:الحجر النّاتئ على وجه الأرض.(7:55)

الجوهريّ: و الجمد بالتّسكين:ما جمد من الماء.

و هو نقيض الذّوب،و هو مصدر سمّي به.

الجمد،بالتّحريك:جمع جامد مثل خادم و خدم، يقال:قد كثر الجمد.

و جمد الماء يجمد جمدا و جمودا،أي قام،و كذلك الدّم و غيره إذا يبس.

أسماء الشّهور،و هو«فعالى»من الجمد.

و جمادى الأولى و جمادى الآخرة،بفتح الدّال،من أسماء الشّهور،و هو«فعالى»من الجمد.

و الجمد:مثل عسر و عسر:مكان صلب مرتفع.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمع:أجماد و جماد،مثل رمح و أرماح و رماح.

ص: 797

و الجماد بالفتح:الأرض الّتي لم يصبها مطر،و ناقة جماد:لا لبن لها،و سنة جماد:لا مطر فيها.

و يقال للبخيل:جماد له،أي لا زال جامد الحال.

و إنّما بني على الكسر،لأنّه معدول عن المصدر،أي الجمود،كقولهم:فجار،أي الفجرة.و هو نقيض قولهم:

حماد،بالحاء في المدح.[ثمّ استشهد بشعر]

و عين جمود:لا دمع لها.

و المجمد:البرم،و ربّما أفاض بالقداح لأجل الأيسار.[ثمّ استشهد بشعر](2:459)

ابن فارس: الجيم و الميم و الدّال أصل واحد،و هو جموس الشّيء المائع من برد أو غيره،يقال:جمد الماء يجمد،و سنة جماد:قليلة المطر.و هذا محمول على الأوّل، كأنّ مطرها جمد.

و يقول العرب للبخيل:جماد له،أي لا زال جامد الحال،و هو خلاف«حماد».[ثمّ استشهد بشعر]

(1:477)

ابن سيده: جمد الماء و الدّم و غيرهما من السّيّالات يجمد جمودا،و جمد.و ماء جمد:جامد.

و جمّد الماء و العصارة و نحوهما:حاول أن يجمد.

و الجمد:الثّلج.

و لك جامد المال و ذائبه،أي صامته و ناطقه.و قيل:

حجره و شجره.

و مخّه جامدة:صلبة.

و رجل جامد العين:قليل الدّمع.

و جمادى:من أسماء الشّهور،معرفة،سمّيت بذلك لجمود الماء فيها عند تسمية الشّهور.[ثمّ نقل الأقوال و قال:]

و شاة جماد:لا لبن لها،و ناقة جماد:كذلك:لا لبن لها.

و قيل:هي أيضا:البطيئة،و لا يعجبني.

و سنة جماد:لا مطر فيها،و أرض جماد:لم تمطر.

و قيل:هي الغليظة.

و الجمد،و الجمد،و الجمد:ما ارتفع من الأرض، و الجمع:أجماد،و جماد.

و رجل جماد الكفّ:بخيل.و قد جمد يجمد:بخل، و منه قول محمّد بن عمران التّيميّ:إنّا و اللّه ما نجمد عند الحقّ،و لا نتدقّق عند الباطل،حكاه ابن الأعرابيّ.

و المجمد:البخيل المتشدّد.و قيل:هو الّذي لا يدخل في الميسر،و لكنّه يدخل بين أهل الميسر، فيضرب بالقداح،و توضع على يديه و يؤتمن عليها، فيلزم الحقّ من وجب عليه و لزمه.

و قيل:هو الّذي لم يفز قدحه في الميسر.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجمد القوم:قلّ خيرهم.

و الجماد:ضرب من الثّياب.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمد:جبل،مثّل به سيبويه و فسّره السّيرافيّ.

[ثمّ استشهد بشعر]

و جمدان:موضع بين قديد و عسفان.[ثمّ استشهد بشعر](7:349)

الزّمخشريّ: انقش وعدك في الجلمد و لا تنقشه في الجمد.

و من المجاز:جمد لي عليه حقّ و ذاب،أي وجب.

و أجمدته عليه:أوجبته.

ص: 798

و سنة جماد،و أرض جماد:لا حيّ فيهما،و ناقة جماد:لا لبن بها.

و رجل جامد الكفّ و جماد الكفّ،و مجمد:بخيل.

و أجمد القوم:بخلوا و قلّ خيرهم،و من ثمّ قيل للبرم:

المجمد،و جمدت يده.

و هو جامد العين،و جماد العين،و جمودها،و له عين جمود:قليلة الدّمع.

و ما زلت أضربه حتّى جمد.

و سيف جمّاد:يجمد من يضرب به.[ثمّ استشهد بشعر]

و لك جامد هذا المال و ذائبه.و جماد له:دعاء على البخيل بجمود الحال،و نقيضه:حماد له.[ثمّ استشهد بشعر](أساس البلاغة:63)

ابن الأثير: الجمد،بضمّ الجيم و الميم:جبل معروف،و روي بفتحهما.

و فيه ذكر«جمدان»هو بضمّ الجيم و سكون الميم في آخره نون:جبل على ليلة من المدينة،مرّ عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال:سيروا هذا جمدان،سبق المفرّدون.

(1:292)

الصّغانيّ: الجمد،بالفتح:القطع.

و سيف جمّاد:قطّاع.[ثمّ استشهد بأشعار]

و الجوامد:الأرف،و هي الحدود بين الأرضين، واحدها:جامد،و منه الحديث:«إذا وضعت الجوامد فلا شنعة (1)».

و يقال:فلان مجامدي،إذا كان جارك بيت بيت.

و رجل مجمد،إذا كان أمينا بين القوم.(2:214)

الفيّوميّ: جمد الماء و غيره جمدا،من باب«قتل» و جمودا:خلاف ذاب،فهو جامد.

و جمدت عينه:قلّ دمعها،كناية عن قسوة القلب، و جمد كفّه كناية عن البخل.

و ماء جمد بالسّكون تسمية بالمصدر:خلاف الذّائب.

و الجمد بالفتح:جمع جامد،مثل خادم و خدم.

و جمادى:من الشّهور مؤنّثة.

و يحكى أنّ العرب حين وضعت الشّهور وافق الوضع الأزمنة فاشتقّ للشّهور معان من تلك الأزمنة،ثمّ كثر حتّى استعملوها في الأهلّة و إن لم توافق ذلك الزّمان، فقالوا:رمضان لمّا أرمضت الأرض من شدّة الحرّ، و شوّال لمّا شالت الإبل بأذنابها للطّروق،و ذو القعدة لمّا ذلّلوا القعدان للرّكوب،و ذو الحجّة لمّا حجّوا،و المحرّم لمّا حرّموا القتال أو التّجارة،و الصّفر لمّا غزوا فتركوا ديار القوم صفرا،و شهر ربيع لمّا أربعت الأرض و أمرعت، و جمادى لمّا جمد الماء،و رجب لمّا رجّبوا الشّجر،و شعبان لمّا أشعبوا العود.(107)

الفيروزآباديّ: جمد الماء و كلّ سائل كنصر و كرم،جمدا و جمودا:ضدّ ذاب فهو جامد و جمد،سمّي بالمصدر.

و جمّد تجميدا:حاول أن يجمد.

و الجمد محرّكة:الثّلج،و جمع جامد،و الماء الجامد.

و الجماد:الأرض،و السّنة لم يصبها مطر،و النّاقة البطيئة،و الّتي لا لبن لها،و ضرب من الثّياب،و يكسر.).

ص: 799


1- الظّاهر:فلا شفعة،كما حكاه«الخطّابيّ سابقا»عن أبي عمرو الشّيبانيّ.و كذا ابن الأثير لاحظ(ش ف ع).

و يقال للبخيل:جماد كقطام،ذمّا له،و هو جماد الكفّ،و جمد:بخل.

و كحبارى:من أسماء الشّهور معرفة مؤنّثة،الجمع:

جماديات،و جمادى:خمسة الأولى،و جمادى:ستّة الآخرة.

و ظلّت العين جمادى:جامدة لا تدمع،و عين جمود، و رجل جامد العين.

و الجمد بالضّمّ و بضمّتين و بالتّحريك:ما ارتفع من الأرض،الجمع:أجماد و جماد.

و أجمد بن عجيّان:صحابيّ فرد.

و الجوامد:الحدود بين الأرضين.[إلى أن قال:]

و جمده:قطعه،و سيف جمّاد:صارم.

و جامد المال و ذائبه:صامته و ناطقه.

و جمد حقّي:وجب،و أجمدته.

و المجمد:البخيل و المتشدّد،و الأمين في القمار أو بين القوم،و الدّاخل في جمادى،و القليل الخير.

و هو مجامدي:جاري بيت بيت.(1:294)

مجمع اللّغة :جمد الماء و غيره من السّوائل يجمد جمودا:ضدّ سال،فهو جامد،و هي جامدة.و قد يراد بالجامد:ما سكن و ثبت،لأنّه في مقابلة السّائل الّذي يلزمه عدم القرار.(1:204)

محمّد إسماعيل إبراهيم:جمد الماء:تماسكت أجزاؤه و صار جليدا،و الجامد:ما لا حياة فيه كالحجر، و الجامد:الثّابت أيضا.(110)

العدنانيّ: جمد الماء و جمد.

و يخطّئون من يقول:جمد الماء،و يقولون:إنّ الصّواب هو:جمد الماء،معتمدين على ما جاء في معجم ألفاظ القرآن الكريم،و أدب الكاتب،و معجم مقاييس اللّغة،و الأساس،و المختار،و اللّسان،و المصباح،و أقرب الموارد،و الوسيط.

و لكن:

أجاز فتح الميم في«جمد»و ضمّها«جمد و جمد»كلّ من القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط،و الإفصاح في فقه اللّغة،و المتن.

و فعله هو:جمد أو جمد يجمد جمدا،و جمودا،فهو جامد و جمد.

و من معاني«جمد»:

جمدت عينه تجمد جمودا:قلّ دمعها-مجاز-فهي جامدة و جمود.

جمدت النّاقة،أو الشّاة:قلّ لبنها،مجاز.

جمدت الأرض:لم يصبها مطر،مجاز.

جمدت السّنة:لم يقع فيها مطر-مجاز-فهي جامدة و جماد.

جمد فلان:بخل،مجاز.

جمده بالسّيف:قطعه،مجاز.

جمد حقّ فلان:وجب،مجاز.(126)

المصطفويّ: ظهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الجمود في مقابل الجريان،ثمّ إنّ الجمود و كذلك الجريان مادّيّ أو معنويّ؛فالمادّيّ كما في انجماد الماء و الشّيء الصّلب،و المعنويّ كما في البخل،فإنّ البخيل كأنّ قلبه منجمد لا جريان في باطنه و روحه.

و لا يخفى أنّ المراد من الجريان:هو الشّأنيّ و بالقوّة،

ص: 800

فيشمل ما هو مائع بالفعل و جار بالقوّة،و الجامد ما يقابله.[ثمّ فسّر الآية و قال:]

وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ النّمل:88،أي ثابتة ساكنة صلبة واقفة، مع أنّها تمرّ كالسّحاب و تسير و تتغيّر و تتبدّل أجزاؤها، فهي في الظّاهر جامدة،و بنظر البصيرة و الدّقّة سائرة متغيّرة.

فالجمود في الآية الشّريفة قد ذكر في مقابل المرور:

فإنّ في الجمود قيدين:الصّلابة و السّكون،و النّاظر إلى الجبل يحسبه كذلك،مع أنّه يمرّ دائما كمرور السّحاب في الفضاء.

و الظّاهر أنّ الجموس فيه قيد واحد،و هو الصّلابة فقط.و اللّغتان تشتركان في مفهوم التّجمّع و الصّلابة، و نظيرهما في مفهوم التّجمّع كلمات:جمع،جلد،جمر، جيل،جفل،جعب،جسم.(2:112)

النّصوص التّفسيريّة

جامدة

وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ. النّمل:88

ابن عبّاس: ساكنة مستقرّة.(322)

قائمة.(الطّبريّ 20:21)

ابن قتيبة :أي واقفة.(327)

مثله الماورديّ.(4:230)

البغويّ: قائمة واقفة.(3:519)

مثله الخازن.(5:132)

الميبديّ: قائمة واقفة مستقرّة مكانها.(7:262)

الزّمخشريّ: جامدة،من جمد في مكانه،إذا لم يبرح،تجمع الجبال فتسير كما تسير الرّيح السّحاب، فإذا نظر إليها النّاظر حسبها واقفة ثابتة في مكان واحد.

(3:162)

البيضاويّ: ثابتة في مكانها.(2:185)

مثله الكاشانيّ(4:79)،و نحوه أبو السّعود(5:

106)،و البروسويّ(6:375)،و الآلوسيّ(19:34).

النّسفيّ: واقفة ممسكة عن الحركة،من جمد في مكانه،إذا لم يبرح.(3:223)

أبو حيّان :الجمود:سكون الشّيء و عدم حركته.

(7:81)

و جامدة،من جمد مكانه،إذا لم يبرح منه.و هذه الحال للجبال عقيب النّفخ في الصّور،و هي أوّل أحوال الجبال تموج و تسير،ثمّ ينسفها اللّه فتصير كالعهن،ثمّ تكون هباء منبثّا في آخر الأمر وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ جملة حاليّة،أي تحسبها في رأي العين ثابتة مقيمة في أماكنها و هى سائرة.(7:100)

ابن كثير :أي تراها كأنّها ثابتة باقية على ما كانت عليه.(5:260)

نحوه المراغيّ.(20:24)

الشّربينيّ: أي قائمة ثابتة في مكانها لا تتحرّك، لأنّ الأجرام الكبار إذا تحرّكت في سمت واحد لا تكاد تتبيّن حركتها.(3:77)

أبو السّعود :أي ثابتة في أماكنها،إمّا بدل منه أو

ص: 801

حال من ضمير(ترى)أو من مفعوله.(5:106)

نحوه الآلوسيّ.(19:340)

الطّباطبائيّ: أي تظنّها الآن-و لم تقم القيامة بعد- جامدة غير متحرّكة،و الجملة معترضة أو حاليّة.

(15:401)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجمد،أي صلابة الماء من البرودة،يقال:قد كثر الجمد،و هو الجمد أيضا.ثمّ عمّم لكافّة السّوائل،فتوسّع معناه تبعا لذلك؛يقال:جمد الماء و الدّم و غيرهما يجمد جمودا و جمدا،أي قام و يبس، و جمد الماء و العصارة:حاول أن يجمد.و ماء جمد:

جامد،يقال:لك جامد المال و ذائبه،أي ما جمد منه و ذاب،و قيل:صامته و ناطقه،أو حجره و شجره؛ و الأوّل أقرب إلى الاشتقاق،و مخّة جامدة:صلبة.

و الجماديان:جمادى الأولى،و هو الشّهر الخامس من الشّهور العربيّة،و جمادى الآخرة،و هو الشّهر السّادس منها،و الجمع:جماديات؛و سمّيا بذلك لجمود الماء فيهما عند تسمية الشّهور.

و رجل جامد العين:قليل الدّمع،و عين جمود:

لا دمع لها،يقال:ظلّت العين جمادى،أي جامدة لا تدمع.

و شاة جماد:لا لبن فيها،و كذا ناقة جماد،أو هي القليلة اللّبن من يبوستها،يقال:جمدت تجمد جمودا.

و سنة جماد:لا مطر فيها،و سنة جامدة:لا كلأ فيها و لا خصب و لا مطر.

و أرض جماد:يابسة لم يصبها مطر،و لا شيء فيها.

و الجمد و الجمد و الجمد:الأرض الصّلبة الشّديدة، و الجمع:أجماد و جماد.و الجمد و الجمد:مكان صلب مرتفع.

و الجمد:أصغر الآكام،يكون مستديرا صغيرا،سمّي بذلك لجموده-أي يبسه،و الجمع:جماد و أجماد.

و الجمود:أسهل من الجمد،و أشدّ مخالطة للسّهول.

و الجماد:الحجارة،واحدها:جمد.

و الجامد:الحدّ بين الدّارين،و الجمع:جوامد،يقال:

فلان مجامدي،أي جاري بيت بيت،و هو تشبيه بالأرض الجمد،أي الصّلبة.

و سيف جمّاد:صارم،و كأنّ دم من يضرب به يجمد لصرامته،كما يقال:ضرب فلان حتّى برد،أي مات.

و رجل جماد الكفّ:بخيل،و قد جمد يجمد و أجمد يجمد إجمادا،أي بخل،يقال:جماد له،أي لا زال جامد الحال.و أجمد القوم:قلّ خيرهم و بخلوا،و رجل مجمد:

بخيل شحيح.

2-و أطلق المولّدون لفظ«الجماد»على القسم الثّالث من الكائنات،و هي:الحيوان و النّبات و الجماد، نظرا إلى سكونه و انعدام الحياة فيه،خلافا لقسيميه:

الحيوان و النّبات.كما قسّموا الأشياء وفقا لحالاتها إلى الهيئات الثّلاث:السّائل،و الجامد،و الغازيّ.

و استعمل الفلاسفة لفظ«الجمود»في حالات النّفس،و عرّفوه بأنّه«هيئة حاصلة للنّفس،بها يقتصر على استيفاء ما ينبغي و ما لا ينبغي».

و يطلق الجمود-هذا اليوم-على الفكر أيضا،

ص: 802

فتسمّى حالة عدم إعمال العقل في ما يعلم للوصول إلى ما لا يعلم«الجمود الفكريّ»،و هو اصطلاح سياسيّ.

و استعمل اصطلاح«تجميد الأموال»في المجال الاقتصاديّ،بمعنى حجرها من قبل الدّولة،فتصبح في عداد الأموال غير المنقولة خلال مدّة قد تطول أو تقصر؛ و ذلك لغرض اقتصاديّ أو سياسيّ.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها لفظ واحد:(جامدة)في سورة مدنيّة:

وَ تَرَى الْجِبالَ تَحْسَبُها جامِدَةً وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ صُنْعَ اللّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ النّمل:88

يلاحظ أوّلا:أنّهم فسّروا(جامدة)قائمة،واقفة، ساكنة،مستقرّة مكانها،ثابتة في مكانها،تراها كأنّها ثابتة،و نحوها.و قد مرّ أنّ أصل المادّة:صلابة الماء من البرودة،فيخطر بالبال أنّها كناية عن شدّة تماسك الجبال يومئذ فهي ترى كالمياه الجامدة.و فيه لطف ليس في تفسيرها بالواقفة و نحوها،و كأنّهم فسّروها بذلك نظرا إلى ما بعدها: وَ هِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحابِ و لكنّه لا يمنع إرادة المعنى الكنائيّ منها،لأنّ الوقوف و السّكون و نحوهما لازم للمعنى الكنائيّ،و لك أن تستأنس له ب(تحسبها)أي تظنّ كأنّها جامدة،و هو تمثيل.

ثانيا:هذه الآية جاءت عقيب وَ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّماواتِ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ النّمل:87،فحملها كثير منهم على حوادث تقع بين يدي السّاعة إثر زلازل و انفجارات،فتتلاشى الجبال يومئذ زعما منهم أنّها مثل وَ سُيِّرَتِ الْجِبالُ فَكانَتْ سَراباً النّبأ:20،إلاّ أنّ قرائن كثيرة دلّت على أنّ المراد بها:حالة الجبال في الدّنيا،لأنّها من قبيل آيات التّوحيد،و أنّها تشير إلى حركة الأرض الّتي لا تحسّ، و أنّك تحسبها جامدة و هي تمرّ مرّ السّحاب،و أنّ تشبيهها بحركة السّحاب تناسب الحركات الهادئة،دون الانفجار أو الزّلازل العظيمة،و أنّ التّعبير عنها بالإتقان يحاكي نظم العالم،و لا يناسب حالة انهياره و تلاشيه.

و حملها صدر المتألّهين على الحركة الجوهريّة عنده، لاحظ الآية في(جبال)نصّ المكارم.و الطّباطبائيّ رجّح أوّلا رجوعها إلى أعلام القيامة،و قال:«المراد بها تمثيل الواقعة،مثل تَرَى النّاسَ سُكارى الحجّ:2،أي هذا حالها المشهودة في هذا اليوم تشاهدها لو كنت مشاهدا، و قوله: تَحْسَبُها جامِدَةً أي تظنّها الآن-و لم تقم القيامة بعد-جامدة غير متحرّكة».فيبدو أنّه أراد الجمع بين علاقتها بالقيامة و وضعها في الدّنيا.لكنّه حملها ثانيا على قولين آخرين،ترجعان إلى حركة الجبال في الدّنيا:

الحركة الجوهريّة-و رجّحها-و الحركة الانتقاليّة، لكنّه ضعّفهما بلزوم انقطاع الآية عمّا قبلها و ما بعدها من آيات القيامة،ثمّ انقطاع قوله: إِنَّهُ خَبِيرٌ بِما تَفْعَلُونَ عمّا قبله.و الآية بعد ذلك كلّه تتطلّب بحثا أوفى.لاحظ نصوصها في«ج ب ل».

ثالثا:مجيء لفظ واحد(جامدة)منها في سورة مكّيّة،ربّما دلّ على عدم شيوعها في البلدين لو لا دلالتها على اختصاصها بمكّة،و له نظائر في القرآن،ينبغي البحث فيها في«المدخل».

ص: 803

ص: 804

ج م ع

اشارة

32 لفظا،129 مرّة:79 مكّيّة،50 مدنيّة

في 44 سورة:33 مكّيّة،11 مدنيّة

جمع 3:3 جميعا 49:21-28

جمعهم 1:1 مجمع 2:2

جمعوا 1:-1 الجمع 3:1-2

جمعناهم 2:-2 جمعا 3:2-1

جمعناكم 1:1 جمعه 1:1

جمع 2:2 جمعهم 1:1

يجمع 3:2-1 جمعكم 1:1

يجمعكم 2:1-1 الجمعان 4:1-3

ليجمعنّكم 2:1-1 أجمعون 3:3

نجمع 1:1 أجمعين 23:21-2

يجمعون 3:2-1 أجمعوا 2:2

تجمعوا 1:-1 أجمعوا 2:2

جامع 3:-3 اجتمعوا 1:-1

مجموع 1:1 اجتمعت 1:1

لمجموعون 1:1 مجتمعون 1:1

جميع 4:3-1 الجمعة 1:-1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجمع:مصدر جمعت الشّيء،و الجمع أيضا:اسم لجماعة النّاس،و الجموع:اسم لجماعة النّاس.

و المجمع:حيث يجمع النّاس،و هو أيضا اسم للنّاس.

و الجماعة:عدد كلّ شيء و كثرته.

و الجماع:ما جمع عددا،فهو جماعة،كما تقول لجماع الخباء:أخبية،قال الحسن:«اتّقوا هذه الأهواء الّتي جماعها الضّلالة و معادها إلى النّار».

و كذلك«الجميع»إلاّ أنّه اسم لازم،يقال:رجل جميع،أي مجتمع في خلقه.

و أمّا المجتمع فالّذي استوت لحيته،و بلغ غاية

ص: 805

شبابه،و لا يقال للنّساء.

و المسجد الجامع نعت به،لأنّه يجمع أهله.و مسجد الجامع خطأ بغير الألف و اللاّم،لأنّ الاسم لا يضاف إلى النّعت لا يقال:هذا زيد الفقيه.

و تقول:جمّع النّاس،أي شهدوا الجمعة و قضوا الصّلاة.

و جمّاع كلّ شيء:مجتمع خلقه،فمن ذلك:جمّاع جسد الإنسان:رأسه،و جمّاع الثّمرة و نحوها،إذا اجتمعت براعيمها في موضع واحد.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:ضربته بجمع كفّي،و منهم من يكسر الجيم، و أعطيته من الدّراهم جمع الكفّ،كما تقول:ملء الكفّ.

و ماتت المرأة بجمع،أي مع ما في بطنها،و كذلك يقال إذا ماتت عذراء.

و ترك فلان امرأته بجمع و سار،أي تركها و قد أثقلت.

و استجمع للمرء أموره،إذا استجمع و هيّئ له ما يسرّ به من أمره.[ثمّ استشهد بشعر]

و استجمع السّيل،أي اجتمع،و استجمع الفرس جريا.[ثمّ استشهد بشعر]

و سمّي«جمع»جمعا،لأنّ النّاس يجتمعون إليها من المزدلفة بين الصّلاتين،المغرب و العشاء الآخرة.

و المجامعة و الجماع:كناية عن الفعل،و اللّه يكنّي عن الأفعال،قال اللّه عزّ و جلّ: أَوْ لامَسْتُمُ النِّساءَ النّساء:43،كنّي عن النّكاح.(1:239)

الكسائيّ: أكبر البرام:الجماع،ثمّ الّتي تليها المئكلة.(الأزهريّ 1:401)

يقال:أجمعت الأمر و على الأمر،إذا عزمت عليه، و الأمر مجمع.(الجوهريّ 3:1199)

اللّيث: الجمعة:يوم خصّ به لاجتماع النّاس في ذلك اليوم،و تجمع على:الجمعات و الجمع.و الفعل منه جمّع النّاس،أي شهدوا الجمعة.(الأزهريّ 1:398)

يقال:لك هذا المال أجمع،و لك هذه الحنطة جمعاء، و هؤلاء نسوة هنّ جمع لك،غير منوّن و لا مصروف.

(الأزهريّ 1:401)

أبو عمرو الشّيبانيّ: أجمع بناقتك:و هو أن يصرّ أخلافها كلّها.(1:117)

أجمع فلان إبل فلان،إذا جمعها فاستاقها،فقد جمعها.

(1:120)

تركت المرأة بجمع،أي عذراء،و هي بجمع منّي،أي لم أمسسها.

و تقول:ضربه بجمع يده.

و الجماعة:أجماع.(1:126)

استجمع بهو فلان،إذا ارتحلوا بأجمعهم.(1:129)

المجمعة:الأرض القفر،و المجمعة:ما اجتمع من الرّمال،و هي المجامع.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 1:401)

الفرّاء: الإجماع:الإعداد و العزيمة على الأمر.[إلى أن قال:]

إذا أردت جمع المتفرّق،قلت:جمعت القوم فمجموعون،كما قال اللّه تعالى: ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ هود:103.

و إذا أردت كسب المال قلت:جمّعت المال،كقول اللّه

ص: 806

تبارك و تعالى: اَلَّذِي جَمَعَ مالاً وَ عَدَّدَهُ الهمزة:2.

(1:473)

الإجماع:الإحكام و العزيمة على الشّيء،تقول:

أجمعت الخروج و أجمعت على الخروج،مثل أزمعت.[ثمّ استشهد بشعر](2:185)

أبو زيد :و يقال:غدوت و أمري مجمع،أي أجمعت عليه للخروج.[ثمّ استشهد بشعر](133)

و يقال:للبن كلّ باهل:فواق،و لبن كلّ مصرورة:

جمع.(260)

ماتت النّساء بأجماع،و الواحدة:بجمع؛و ذلك إذا ماتت و ولدها في بطنها،ماخضا كانت أو غير ماخض.

و إذا طلّق الرّجل امرأته و هي عذراء لم يدخل بها قيل:طلّقت بجمع،أي طلّقت و هي عذراء لم يدخل بها، و كذلك إذا ماتت و هي عذراء قيل:ماتت بجمع.

(الأزهريّ 1:399)

الأصمعيّ: جمعت الشّيء،إذا جئت به من هاهنا و هاهنا،و أجمعته،إذا صيّرته جميعا.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهريّ 1:397)

يقال:أدام اللّه جمعة بينكما،كقولك:أدام اللّه ألفة ما بينكما.(الأزهريّ 1:399)

[في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم]«بع الجمع بالدّراهم و ابتع بالدّراهم جنيبا».

كلّ لون من النّخل لا يعرف اسمه فهو جمع،يقال:قد كثر الجمع في أرض فلان،لنخل يخرج من النّوى.

و مزدلفة يقال لها:جمع،و قال ابن عبّاس:«بعثني رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في الثّقل من جمع بليل».

(الأزهريّ 1:400)

قدر جماع و جامعة،و هي العظيمة.

(الأزهريّ 1:401)

اللّحيانيّ: ذهب الشّهر بجمع و بجمع،أي أجمع.

و فلان جميع الرّأي،أي ليس بمنتشر الرّأي.

(الأزهريّ 1:401)

أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم حين ذكر الشّهداء، فقال:«و منهم أن تموت المرأة بجمع».

قال أبو زيد: يعني أن تموت و في بطنها ولد،و قال الكسائيّ مثل ذلك،قال:و يقال أيضا:بجمع،لم يقله إلاّ الكسائيّ.

و قال غيرهما: قد تكون الّتي تموت بجمع أن تموت و لم يمسسها رجل،لحديث آخر يروى عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم مرفوعا:«أيّما امرأة ماتت بجمع لم تطمث دخلت الجنّة».

(1:82)

ابن الأعرابيّ: الجمعاء:النّاقة الكافّة الهرمة.

(الأزهريّ 1:401)

ابن السّكّيت: و يقال:ماتت بجمع و جمع،و هو أن تموت و ولدها في بطنها.(348)

و إذا كانت المرأة عذراء،كما هي قالت:إنّي بجمع.

(379)

يقال:أخذت الشّيء بأجمعه و أجمعه،و حذافيره، و أخذه بجملته.(503)

قال أبو عبيدة: يقال:جاء بحجر جمع الكفّ،و جمع الكفّ،و وجأته بجمع كفّي و جمع كفّي.

و يقال:هلكت فلانة بجمع،أي و ولدها في بطنها،

ص: 807

و جمع لغة.

و يقال أيضا للعذراء:هي بجمع و جمع،و قالت الدّهناء ابنة مسحل-امرأة العجّاج حين نشزت عليه- للوالي:«أصلحك اللّه إنّي منه بجمع»و إن شئت بجمع،أي عذراء لم يفتضّني.(إصلاح المنطق:36)

يقال:قد أجمع أمره فهو مجمع،إذا عزم عليه.[ثمّ استشهد بشعر]

يقال:لهبّ مجمع،إذا حزق و ضمّ من طوائفه.

و يقال:قد أجمع ناقته،إذا صرّ أخلافها جمع.

و يقال:جمعت الشّيء المتفرّق أجمعه جمعا.

و يقال للجارية إذا شبّت:قد جمعت الثّياب،أي لبست الدّرع و الخمار و الملحفة.(إصلاح المنطق:263)

يقال:أمر بني فلان بجمع،إذا كان مكتوما لم يفشوه، و لم يعلم به أحد.(إصلاح المنطق:406)

أجمع الرّجل بناقته،إذا صرّ أخلافها أجمع،و كذلك أكمش بها.

و جمّعت الدّجاجة تجميعا،إذا جمّعت بيضها في بطنها.

(الأزهريّ 1:402)

أبو الهيثم: أجمع أمره،أي جعله جميعا بعد ما كان متفرّقا،و تفرّقه:أنّه جعل يدبّره،فيقول مرّة:أفعل كذا، و مرّة أفعل كذا،فلمّا عزم على أمر بحكم أجمعه،أي جعله جميعا.

و كذلك يقال:أجمعت النّهب؛و النّهب:إبل القوم الّتي أغار عليها اللّصوص،فكانت متفرّقة في مراعيها، فجمعوها من كلّ ناحية حتّى اجتمعت لهم،ثمّ طردوها و ساقوها،فإذا اجتمعت قيل:أجمعوها.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 1:397)

المبرّد: الجمّاع:الضّروب من النّاس المتفرّقون.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمع:اسم لجماعة النّاس،و يجمع جموعا.

(الأزهريّ 1:399)

الزّجّاج: و جمع الرّجل المال و غيره جمعا،و أجمع على الأمر إجماعا،إذا عزم عليه.(فعلت و أفعلت:9)

ابن دريد :الجمع:خلاف التّفريق،جمعت الشّيء أجمعه جمعا،إذا ضممت بعضه إلى بعض،و اجتمع القوم اجتماعا لفرح أو خصومة،و أجمعت على الأمر إجماعا،إذا عزمت عليه،و أجمعت الشّيء،إذا ألّفته من مواضع شتّى.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمّاع:ما تجمّع من أشابة النّاس و أخلاطهم.[ثمّ استشهد بشعر]

و كلّ شيء تجمّع و انضمّ بعضه إلى بعض فهو جمّاع.

[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:ماتت المرأة بجمع،إذا ماتت و ولدها في بطنها.

و يقال:فلانة عند زوجها بجمع،إذا لم يصل إليها.

و ضربته بجمع يدي،إذا ضممت كفّك و ضربته بها.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجماع:كناية عن النّكاح،و جامعت الرّجل على الأمر مجامعة و جماعا،إذا مالأته عليه.

و أيّام جمع:أيّام منى.

و الجمعة:مشتقّة من اجتماع النّاس فيها للصّلاة،

ص: 808

و نادوا الصّلاة جامعة،أي اجتمعوا لها.

و فلاة مجمعة:يجتمع فيها القوم و لا يفترقون خوف الضّلال.

و الجوامع:الأغلال،الواحدة:جامعة.[ثمّ استشهد بشعر]

و المجمعة:الموضع الّذي يجتمع النّاس فيه، و الجمع:مجامع.

و قد سمّت العرب:جامعا،و جمّاعا،و مجمّعا، و جميعا.(2:103)

الأزهريّ: قال بعضهم:جمعت أمري،و الجمع:أن تجمع شيئا إلى شيء.و الإجماع:أن تجعل المتفرّق جميعا، فإذا جعلته جميعا بقي جميعا،و لم يكد يتفرّق،كالرّأي المعزوم عليه الممضى.[إلى أن قال:]

و قال بعضهم:أجمعت الإبل:سقتها جميعا،و أجمعت الأرض سائلة،و أجمع المطر الأرض،إذا سال رغابها و جهادها كلّها.

الجمعة:تثقّل،و الأصل فيها التّخفيف:جمعة فمن ثقّل أتبع الضّمّة،و من خفّف فعلى الأصل،و القرّاء قرءوها بالتّثقيل.

و قال اللّيث:يقال:المسجد الجامع نعت له،لأنّه علامة للاجتماع يجمع أهله،و لا يقال:مسجد الجامع.

قلت:النّحويّون أجازوا جميعا ما أنكره اللّيث.

و العرب تضيف الشّيء إلى نفسه و إلى نعته إذا اختلف اللّفظان،كما قال اللّه جلّ و عزّ: وَ ذلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ البيّنة:5،و معنى الدّين:الملّة،كأنّه قال:و ذلك دين الملّة القيّمة.

و أخبرني المنذريّ عن أبي الهيثم أنّه قال:العرب تضيف الاسم إلى نعته،كقوله جلّ و عزّ: وَعْدَ الصِّدْقِ الأحقاف:16،و وَعْدَ الْحَقِّ إبراهيم:

22،و صلاة الأولى،و مسجد الجامع.

قلت:و ما علمت أحدا من النّحويّين أبى إجازته، و إنّما هو الوعد الصّدق،و المسجد الجامع،و الصّلاة الأولى.(1:398)

و يقال:ضربوه بأجماعهم،إذا ضربوه بأيديهم، و ضربه بجمع كفّه،و يقال:أمركم بجمع فلا تفشوه،أي أمركم مجتمع فلا تفرّقوه بالإظهار.(1:399)

و يقال:فلان جماع لبني فلان،إذا كانوا يأوون إلى رأيه و سؤدده،كما يقال:مربّ لهم.

و اشترى دابّة جامعا:تصلح للسّرج و الإكاف، و أتان جامع:أوّل ما تحمل.

و يقال:استأجرته مشاهرة و مجامعة،أي كلّ جمعة بكذا.

و استجمع البقل،إذا يبس كلّه.و استجمع الوادي، إذا لم يبق منه موضع إلاّ سال.و استجمع القوم،إذا ذهبوا كلّهم لم يبق منهم أحد،كما يستجمع الوادي بالسّيل.

و روي عن عمر بن عبد العزيز أنّه قال:«عجبت لمن لاحن النّاس كيف لا يعرف جوامع الكلم»يقول:

كيف لا يقتصر على الإيجاز و يترك الفضول من الكلام، و هو من قول النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«أوتيت جوامع الكلم»يعني القرآن و ما جمع اللّه عزّ و جلّ بلطفه من المعاني الجمّة في الألفاظ القليلة،كقوله تعالى: خُذِ الْعَفْوَ وَ أْمُرْ بِالْعُرْفِ وَ أَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ الأعراف:199.(1:401)

ص: 809

الصّاحب:الجمع:المجتمعون،و الجمّاع:المتفرّقون، و قيل:جمّاع النّاس:أخلاطهم.

و الجموع:اسم لجماعة النّاس،و جماع:للجمع أيضا،و المجمع كذلك،يكون اسما للنّاس و للموضع.

و جماع الشّيء و جميعه:واحد.

و رجل جميع:مجتمع في خلقه،و المجتمع:الّذي بلغ غاية شبابه.

و جمّاع كلّ شيء:مجتمع خلقه،و من ذلك جمّاع جسد الإنسان:رأسه.

و جمّاع الثّمرة و نحوها،إذا اجتمعت براعيم في موضع واحد على حملها.

و قدر جماع و جامع و جامعة:عظيمة تستوعب شاة،و جمع الجماع:أجمعة

و الجمع:الدّقل يخلط بعضه ببعض من تمر خمسين نخلة.و قيل:كلّ لون لا يعرف اسمه من التّمر،فهو جمع.

و الجمع:الصّمغ الأحمر.

و جمع:موضع بمكّة.

و يوم الجمع:يوم القيامة.

و نعامة جمع:لم يسفدها الظّليم بعد،و منه ماتت المرأة بجمع،إذا لم تقتضّ.و يقال أيضا:ماتت بجمع،إذا ماتت و في بطنها ولد.و ذهب و ترك امرأته بجمع،أي قد أثقلت.

و ضربته بجمع كفّي و بجمعه أيضا.

و أعطيته جمع كفّي،أي ملأ.

و أمرهم بجمع،أي مكتوم.

و ذهب الشّهر بجمع،و بجمع مكسورا،أي كلّه.

و مررت بجمعة مجتمعين،أي بجماعة.

و قيل:سمّيت الجمعة جمعة،لأنّه جمع فيه خلق آدم،و قيل:لاجتماع النّاس فيه.و قد جمّع:شهد الجمعة و الجماعة.

و جمل جامع،و هو حين يخلف بزولا لأربع سنين، حتّى يقعه على حاله سنة أو سنتين،لا يزيده الكبر و لا ينقصه؛و ناقة جامع أيضا،و لا يقال لغير الإبل.

و أتان جامع:في أوّل ما تحمل،و ناقة جامع:غزيرة، و دابّة جامع:تصلح للسّرج و الإكاف.

و الجامعة:الغلّ.

و جمعتنا جامعة:أي أمر.

و لك هذا أجمع و هذه جمعاء و هنّ جمع،و جاءوني بأجمعهم و بأجمعهم.

و استجمع الشّيء:بمعنى اجتمع،و استجمع الفرس جريا،و استجمع الزّرع:سنبل كلّه.

و أجمع بناقته:صرّ جميع أخلافها.

و المجمعات:البلدان لا يقطعها إلاّ الجماعة من مخافتها،و أرى أنّه من أجمع،أي صار ذا جمع.

و أجمعت كذا،أي أعددته،و أجمعته:عزمت عليه.

و إذا جمعت الإبل ثمّ سيقت فهو الإجماع،فإذا لم تسق فهو الجمع.

و نهب مجمع:مجموع.

و المجمعة من الخطبة:الّتي لا يدخلها خلل.

و فسّر قوله:«جمعتها من أينق غزار»على:اخترتها.

و ما جمعت بامرأة و عن امرأة،أي ما بنيت.

و الجارية إذا شبّت قيل:جمعت الثّياب،أي لبست

ص: 810

الدّرع و الخمار و غيرهما.

و فلان جماع القوم،أي يأوون إليه.

و هو جميع الرّأي:ليس بمنتشره.(1:270)

الخطّابيّ: في حديث أبي سعيد رضي اللّه عنه قال:

«بع الجمع بالدّراهم،ثمّ ابتع بالدّراهم جنيبا».

و الجنيب:لون جيّد من ألوان التّمر،و الجمع:

الرّديء منه،و سمّي جمعا لأنّه أخلاط جمعت،و كانوا يبيعون صاعين من الجمع بصاع من الجنيب.و هذا محرّم لما فيه من الرّبا،فأمر من عنده تمر رديء،فأراد أن يأخذ به خيرا منه،أن يبيعه بالدّراهم،ثمّ يشتري بها التّمر الجيّد.(2:443)

في حديث معاذ:«أنّه وجد أهل مكّة يجمّعون في الحجر فنهاهم عن ذلك».

ليس المعنى في نهيه عن صلاة الجمعة في الحجر، ما ذهب إليه بعض من كره صلاة الفريضة في البيت، و لا ما ذهب إليه من كره الصّلاة في الحجر،و إنّما المعنى أنّ معاذا وجدهم يجمّعون قبل أن تزول الشّمس و تفيء الكعبة من وجهها،فكانوا يصلّونها في الحجر يستظلّون به،فنهاهم عن تقديم الصّلاة قبل وقتها.

و لا أعلم جوازها قبل الزّوال في قول أحد من أهل العلم،إلاّ شيء يروى عن ابن مسعود،و تأوّلوا فيه خبرا رواه عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم.(2:309)

في حديث ابن عبّاس:في قوله تعالى: ...وَ جَعَلْناكُمْ شُعُوباً وَ قَبائِلَ الحجرات:13،قال:الشّعوب:

الجمّاع،و القبائل:الأفخاذ يتعارفون بها».

الجمّاع:يكون بمعنيين:أحدهما:أن يراد به منشأ النّسب و أصل المولد،و جمّاع كلّ شيء:مجتمع أصله.

و يقال:لما اجتمع في الغصن من براعيم النّور:هذا جمّاع الثّمر،أي مجتمع أصله.

و لا أراه ذهب إلى هذا،لأنّ الشّعوب هم العجم، و من لا يعرف له أصل نسب فهم شعوب،أي متفرّقون من أصول شتّى،و إنّما أريد بالجمّاع هاهنا:الفرق المختلفة من النّاس.(2:459)

الجوهريّ: جمعت الشّيء المتفرّق فاجتمع.

و الرّجل المجتمع:الّذي بلغ أشدّه.و لا يقال ذلك للنّساء.

و يقال للجارية إذا شبّت:قد جمعت الثّياب،أي قد لبست الدّرع و الخمار و الملحفة.

و تجمّع القوم،أي اجتمعوا من هاهنا و هاهنا.

و جمّاع النّاس بالضّمّ:أخلاطهم،و هم الأشابة من قبائل شتّى.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمع:مصدر قولك:جمعت الشّيء.و قد يكون اسما لجماعة النّاس،و يجمع على:جموع.و الموضع:مجمع و مجمع،مثال مطلع و مطلع.

و الجمع أيضا:الدّقل،يقال:ما أكثر الجمع في أرض بني فلان:لنخل يخرج من النّوى و لا يعرف اسمه.

و يقال أيضا للمزدلفة:جمع،لاجتماع النّاس فيها.

و جمع الكفّ بالضّمّ،و هو حين تقبضها،يقال:

ضربته بجمع كفّي.

و جاء فلان بقبضة ملء جمعه.[ثمّ استشهد بشعر]

و تقول:أخذت فلانا بجمع ثيابه.

و أمر بني فلان بجمع و جمع،أي لم يقتضّها.قالت

ص: 811

دهناء بنت مسحل امرأة العجاج للعامل:«أصلح اللّه الأمير،إنّي منه بجمع»أي عذراء لم يقتضّني.

و ماتت فلانة بجمع و جمع،أي ماتت و ولدها في بطنها.

و جمعة من تمر،أي قبضة منه.

و يوم الجمعة:يوم العروبة،و كذلك يوم الجمعة بضمّ الميم.و يجمع على:جمعات و جمع.

و أتان جامع،إذا حملت أوّل ما تحمل.

و قدر جامعة،و هي العظيمة.

و الجامعة:الغلّ،لأنّها تجمع اليدين إلى العنق.

و المسجد الجامع،و إن شئت قلت:مسجد الجامع بالإضافة،كقولك:الحقّ اليقين و حقّ اليقين،بمعنى مسجد اليوم الجامع،و حقّ الشّيء اليقين،لأنّ إضافة الشّيء إلى نفسه لا تجوز إلاّ على هذا التّقدير.

و كان الفرّاء يقول:العرب تضيف الشّيء إلى نفسه لاختلاف اللّفظين.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمعاء من البهائم:الّتي لم يذهب من بدنها شيء.

و أجمع بناقته،أي صرّ أخلافها جمع...

و يقال أيضا:أجمع أمرك و لا تدعه منتشرا.[ثمّ استشهد بشعر]

و قوله تعالى: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَ شُرَكاءَكُمْ يونس:71،أي و ادعوا شركاءكم،لأنّه لا يقال:

أجمعت شركائي،إنّما يقال:جمعت.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجمعت الشّيء:جعلته جميعا.[ثمّ استشهد بشعر]

و أولات ذي العرجاء:مواضع،نسبها إلى مكان فيه أكمة عرجاء،فشبّه الحمر بإبل انتهبت و حزقت من طوائفها.

و المجموع:الّذي جمع من هاهنا و هاهنا و إن لم يجعل كالشّيء الواحد.

و فلاة مجمعة:يجتمع القوم فيها و لا يتفرّقون،خوف الضّلال و نحوه،كأنّها هي الّتي جمعتهم.

و استجمع السّيل:اجتمع من كلّ موضع،و يقال للمستجيش:استجمع كلّ مجمع،و استجمع الفرس جريا.[ثمّ استشهد بشعر]

و جمع:جمع جمعة،و جمع جمعاء في توكيد المؤنّث، تقول:رأيت النّسوة جمع،غير مصروف،و هو معرفة بغير الألف و اللاّم،و كذلك ما يجري مجراه من التّواكيد، لأنّه توكيد للمعرفة.

و أخذت حقّي أجمع في توكيد المذكّر،و هو توكيد محض.و كذلك:أجمعون و جمعاء و جمع،و أكتعون و أبتعون و أبصعون،لا يكون إلاّ تأكيدا تابعا لما قبله، لا يبتدأ و لا يخبّر به و لا عنه،و لا يكون فاعلا و لا مفعولا، كما يكون غيره من التّواكيد اسما مرّة و توكيدا أخرى، مثل نفسه و عينه و كلّه.

و أجمعون:جمع أجمع،و أجمع واحد في معنى جمع و ليس له مفرد من لفظه.و المؤنّث:جمعاء،و كان ينبغي أن يجمعوا«جمعاء»بالألف و التّاء،كما جمعوا«أجمع» بالواو و النّون،و لكنّهم قالوا في جمعها:جمع.

و يقال:جاء القوم بأجمعهم و بأجمعهم أيضا بضمّ الميم،كما تقول:جاءوا بأكلبهم:جمع كلب.

و جميع:يؤكّد به،يقال:جاءوا جميعا،أي كلّهم.

و الجميع:ضدّ المتفرّق.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 812

و الجميع:الجيش.[ثمّ استشهد بشعر]

و جماع الشّيء بالكسر:جمعه،تقول:جماع الخباء:الأخبية،لأنّ الجماع ما جمع عددا،يقال:الخمر جماع الإثم.و قدر جماع أيضا:للعظيمة.

و جمّع القوم تجميعا،أي شهدوا الجمعة و قضوا الصّلاة فيها.و جمع فلان مالا و عدّده.

و مجمّع:لقب قصيّ بن كلاب،سمّي بذلك لأنّه جمّع قبائل قريش و أنزلها مكّة و بنى دار النّدوة.

و المجامعة:المباضعة.و جامعه على أمر كذا،أي اجتمع معه.(3:1198-1200)

ابن فارس: الجيم و الميم و العين أصل واحد،يدلّ على تضامّ الشّيء،يقال:جمعت الشّيء جمعا،و الجمّاع:

الأشابة من قبائل شتّى.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال للمرأة إذا ماتت و في بطنها ولد:ماتت بجمع، يقال:هي أن تموت المرأة و لم يمسسها رجل.[ثمّ استشهد بشعر،و نقل بعض الأقوال المتقدّمة](1:479)

أبو هلال :الفرق بين الجمع و الحشر:أنّ الحشر هو الجمع مع السّوق،و الشّاهد قوله تعالى: وَ ابْعَثْ فِي الْمَدائِنِ حاشِرِينَ الشّعراء:36،أي ابعث من يجمع السّحرة و يسوقهم إليك،و منه يوم الحشر،لأنّ الخلق يجمعون فيه و يساقون إلى الموقف.

و قال صاحب«المفصّل»:لا يكون الحشر إلاّ في المكروه،و ليس كما قال،لأنّ اللّه تعالى يقول: يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً مريم:85،و تقول:

القياس جمع بين مشتبهين يدلّ الأوّل على صحّة الثّاني، و لا يقال في ذلك:حشر،و إنّما يقال:الحشر فيما يصحّ فيه السّوق على ما ذكرنا.

و أقلّ الجمع،عند شيوخنا ثلاثة،و كذلك عند الفقهاء،و قال بعضهم:اثنان،و احتجّ بأنّه مشتقّ من اجتماع شيء إلى شيء.و هذا و إن كان صحيحا فإنّه قد خصّ به شيء بعينه،كما أنّ قولنا:دابّة،و إن كان يوجب اشتقاقه إن جرى على كلّ ما دبّ،فإنّه قد خصّ به شيء بعينه.

فأمّا قوله عليه الصّلاة و السّلام:«الاثنان فما فوقهما جماعة»فإنّ ذلك ورد في الحكم لا في تعليم الاسم،لأنّ كلامه صلّى اللّه عليه و سلّم يجب أن يحمل على ما يستفاد من جهته دون ما يصحّ أن يعلم من جهته.

و أمّا قوله تعالى: هذانِ خَصْمانِ اخْتَصَمُوا الحجّ:19،و قوله تعالى: وَ كُنّا لِحُكْمِهِمْ شاهِدِينَ الأنبياء:78،يعني داود و سليمان عليهما السّلام،فإنّ ذلك مجاز، كقوله تعالى: إِنّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَ إِنّا لَهُ لَحافِظُونَ الحجر:9،و لو كان لفظ«الجمع»حقيقة في الاثنين، لعقل منه الاثنان كما يعقل منه الثّلاثة،و إذا كان قول الرّجل:رأيت الرّجال،لا يفهم منه إلاّ ثلاثة،علمنا أنّ قول الخصم باطل.(117)

الفرق بين الجمع و التّأليف.[تقدّم في«أ ل ف» فراجع]

الفرق بين الضّمّ و الجمع:أنّ الضّمّ جمع أشياء كثيرة،و خلافه البثّ و هو تفريق أشياء كثيرة،و لهذا يقال:اضمامة من كتب،لأنّها أجزاء كثيرة،ثمّ كثر حتّى استعمل في الشّيئين فصاعدا،و الأصل ما قلنا،و الشّاهد قوله عليه الصّلاة و السّلام:«ضمّوا مواشيكم حتّى

ص: 813

تذهب فحمة اللّيل»و يجوز أن يقال:إنّ ضمّ الشّيء إلى الشّيء هو أن يلزقه به،و لهذا يقال:ضممته إلى صدري،و الجمع لا يقتضي ذلك.(119)

الفرق بين المجاورة و الاجتماع،قال عليّ بن عيسى:

المجاورة تكون بين جزءين،و الاجتماع بين ثلاثة أجزاء فصاعدا؛و ذلك أنّ أقلّ الجمع ثلاثة،و الشّاهد تفرّقة أهل اللّغة بين التّثنية و الجمع،كتفرقتهم بين الواحد و التّثنية.

فالاثنان ليس بجمع،كما أنّ الواحد ليس باثنين.

قال:و لا يكاد العارف بالكلام يقول:اجتمعت مع فلان إلاّ إذا كان معه غيره،فإذا لم يكن معه غيره قال:

أحضرته،و لم يقل:اجتمعت معه.

كذا قال:و الّذي يقولونه:إنّ أصل المجاورة في العربيّة تقارب المحالّ،من قولك:أنت جاري و أنا جارك و بيننا جوار،و لهذا قال بعض البلغاء:الجوار:قرابة بين الجيران،ثمّ استعملت المجاورة في موضع الاجتماع مجازا، ثمّ كثر ذلك حتّى صار كالحقيقة.(121)

الفرق بين قولنا:الجمع،و قولنا:أجمع:أنّ أجمع اسم معرفة يؤكّد به الاسم المعرفة،نحو قولك:المال لك أجمع و هذا مالك أجمع.

و لا ينصرف،لأنّه«أفعل»معرفة،و الشّاهد على أنّه معرفة أنّه لا يتبع نكرة أبدا،و يجمع فيقال:عندي إخوانك أجمعون،و مررت بإخوانك أجمعين،و لا يكون إلاّ تابعا.لا يجوز:مررت بأجمعين و جاءني أجمعون.

و مؤنّثه جمعاء،يقال:طفت بدارك جمعاء،و يجمع فيقال:مررت بجواريك جمع،و جاءني جواريك جمع.

و أجمع:جمع جمع،تقول:جاءني القوم بأجمعهم،كما تقول:جاءني القوم بأفلسهم و أكلبهم و أعبدهم،و ليس هذا الحرف من حروف التّوكيد،و الشّاهد دخول العامل عليه و إضافته.

و«أجمع»الّذي هو للتّوكيد لا يضاف و لا يدخل عليه عامل.

و من أجاز فتح الجيم في قولك:جاءني القوم بأجمعهم،فقد أخطأ.(122)

الفرق بين الجماعة و الفوج و الثّلّة و الزّمرة و الحزب:

أنّ الفوج:الجماعة الكثيرة،و منه قوله تعالى: وَ رَأَيْتَ النّاسَ يَدْخُلُونَ فِي دِينِ اللّهِ أَفْواجاً النّصر:2،و ذلك أنّهم كانوا يسلمون في وقت،ثمّ نزلت هذه الآية و قبيلة قبيلة.و معلوم أنّه لا يقال للثّلّة:فوج،كما يقال لهم:

جماعة.

و الثّلّة:الجماعة تندفع في الأمر جملة،من قولك:

ثللت الحائط،إذا نفضت أسفله فاندفع ساقطا كلّه،ثمّ كثر ذلك حتّى سمّي كلّ بشر ثلاّ،و منه ثلّ عرشه،و قيل:

الثّلل:الهلاك.

و الزّمرة:جماعة لها صوت لا يفهم،و أصله من «الزّمار»و هو صوت الأنثى من النّعام،و منه قيل:

الزّمرة.و قرب منها الزّجلة،و هي الجماعة لها زجل، و هو ضرب من الأصوات.

و قال أبو عبيدة:الزّمرة:جماعة في تفرقة،و الحزب:

الجماعة تتحزّب على الأمر،أي تتعاون.و حزب الرّجل:

الجماعة الّتي تعينه فيقوى أمره بهم،و هو من قولك:حزبني الأمر،إذا اشتدّ عليّ،كأنّه فري إذا المرء (1).(229)ل.

ص: 814


1- هكذا في الأصل.

الفرق بين الجماعة و البوش:أنّ البوش:هم الجماعة الكثيرة من أخلاط النّاس،و لا يقال لبني الأب الواحد:

بوش.و يقال أيضا:جماعة من الحمير،و لا يقال:بوش من الحمير،لأنّ الحمير كلّها جنس واحد.

و أمّا العصبة:فالعشرة و ما فوقها قليلا،و منه قوله عزّ و جلّ: وَ نَحْنُ عُصْبَةٌ يوسف:8.

و قيل:هي من العشرة إلى الأربعين،و هي في العربيّة الجماعة من الفرسان و الرّكب،ركبان الإبل خاصّة،و لا يقال للفرسان:ركب،و العدي:رجال يعدون في الغزو،و الرّجل:جمع راجل،و النّفيضة هي الطّليعة،و هم قوم يتقدّمون الجيش فينفضون الأرض، أي ينظرون ما فيها،من قولك:نفضت المكان إذا نظرت، و المقنب:نحو الثّلاثين يغزى بهم،و الحظيرة:نحو الخمسة إلى العشرة يغزى بهم،و الكتيبة:العسكر المجتمع فيه آلات الحرب،من قولك:كتبت الشّيء،إذا جمعته،و أسماء الجماعات كثيرة،ليس هذا موضع ذكرها،و إنّما نذكر المشهور منها،فمن ذلك:

الفرق بين الجماعة و الطّائفة:أنّ الطّائفة في الأصل:

الجماعة الّتي من شأنها الطّوف في البلاد للسّفر.و يجوز أن يكون أصلها:الجماعة الّتي تستوي بها حلقة يطاف عليها،ثمّ كثر ذلك حتّى سمّي كلّ جماعة طائفة.

و الطّائفة في الشّريعة قد تكون اسما لواحد،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ إِنْ طائِفَتانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُما الحجرات:9،و لا خلاف في أنّ اثنين إذا اقتتلا كان حكمهما هذا الحكم،و روي في قوله عزّ و جلّ: وَ لْيَشْهَدْ عَذابَهُما طائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ النّور:2،أنّه أراد واحدا.

و قال: (1)يجوز قبول الواحد بدلالة قوله تعالى:

فَلَوْ لا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طائِفَةٌ التّوبة:122،إلى أن قال: لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ أي ليحذروا،فأوجب العمل في خبر الطّائفة،و قد تكون الطّائفة واحدا.

الفرق بين الجماعة و الفريق:أنّ الجماعة الثّانية من جماعة أكثر منها،تقول:جاءني فريق من القوم.و فريق الخيل:ما يفارق جمهورها في الحلبة فيخرج منها،و في مثل:«أسرع من فريق الخيل»،و الجماعة:تقع على جميع ذلك.

الفرق بين الجماعة و الفئة:أنّ الفئة هي الجماعة المتفرّقة من غيرها،من قولك:فأوت رأسه،أي فلقته، و انفأى الفرج،إذا انفرج مكسورا.

و الفئة في الحرب:القوم يكونون ردء المحاربين، يعنون إليهم إذا حالوا،و منه قوله عزّ و جلّ: أَوْ مُتَحَيِّزاً إِلى فِئَةٍ الأنفال:16،ثمّ قيل لجمع كلّ من يمنع أحدا و ينصره:فئة.

و قال أبو عبيدة:الفئة:الأعوان.(230)

الفرق بين الجماعة و الملأ:أنّ الملأ:الأشراف الّذين يملئون العيون جمالا و القلوب هيبة.و قال بعضهم:الملأ:

الجماعة من الرّجال دون النّساء.و الأوّل الصّحيح و هو من ملأت.

و يجوز أن يكون الملأ:الجماعة الّذين يقومون بالأمور،من قولهم:هو مليء بالأمر،إذا كان قادرا عليه.

و المعنيان يرجعان إلى أصل واحد،و هو الملء.ل.

ص: 815


1- القائل مجهول.

الفرق بين الجماعة و الشّرذمة:أنّ الشّرذمة:البقيّة من البقيّة و القطف منه،قال اللّه عزّ و جلّ: لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ الشّعراء:54،أي قطعة و بقيّة،لأنّ فرعون أضلّ منهم الكثير فبقيت منهم شرذمة،أي قطعة.[ثمّ استشهد بشعر](232)

الهرويّ: و في الحديث:«أوتيت جوامع الكلم» يعني القرآن،جمع اللّه بلطفه في الألفاظ اليسيرة منه معاني كثيرة.

و منه ما جاء في صفته صلّى اللّه عليه و سلّم:«يتكلّم بجوامع الكلم» يعني أنّه كان كثير المعاني قليل الألفاظ...

و في الحديث:«من بهيمة جمعاء»أراد السّليمة من العيوب،سمّيت بذلك لاجتماع سلامة أعضائها لها، لا جدع بها و لا كيّ...

و في حديث ابن عبّاس:«بعثني النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في الثّقل من جمع بليل»يعني من المزدلفة.

و في الحديث:«كان في جبل تهامة جمّاع غصبوا المارّة»الجمّاع:جماعات من قبائل شتّى متفرّقة،فإذا كانوا مجتمعين قيل:جمع.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال الحسن:«اتّقوا هذه الأهواء فإنّ جماعها الضّلالة»الجماع:ما جمع عددا،و كذلك الجميع.

و في الحديث:«كان إذا مشى مشى مجتمعا»أي كان يسرع في مشيه،و لم يمش مسترخيا.(1:396)

الثّعالبيّ: إذا اجتمعت لحيته[الغلام]و بلغ غاية شبابه،فهو:مجتمع.(111)

إذا جعل[الإنسان]إبهامه على طرف السّبّابة و أصابعه في الرّاحة،فهو:الجمع.(195)

ابن سيده:جمع الشّيء عن تفرقة،يجمعه جمعا، و جمّعه و أجمعه فاجتمع و اجدمع،و هي مضارعة، و كذلك تجمّع،و استجمع.

و متجمّع البيداء:معظمها و محتفلها.[ثمّ استشهد بشعر]

و رجل مجمع و جمّاع.

و الجمع،و جمعه جموع:المجتمعون.

و الجماعة،و الجميع،و المجمع،و المجمعة:كالجمع، و قد استعملوا ذلك في غير النّاس،حتّى قالوا:جماعة الشّجر،و جماعة النّبات.[إلى أن قال:]

و إبل جمّاعة:مجتمعة.[ثمّ استشهد بشعر]

و المجمعة:مجلس الاجتماع.[ثمّ استشهد بشعر]

و جمعت المرأة الثّياب:لبست الدّرع،و الملحفة، و الخمار،يكنى به عن سنّ الاستواء.

و أجمع:من الألفاظ الدّالّة على الإحاطة،و ليست بصفة،و لكن يعمّ بها ما قبله من الأسماء،و يجرى على إعرابه،فلذلك قال النّحويّون:صفة.و الدّليل على أنّه ليس بصفة،قولهم:أجمعون،فلو كان صفة لم يسلّم جمعه، و لكان مكسّرا.و الأنثى:جمعاء،و كلاهما معرفة لا تنكّر عند سيبويه.

و أمّا ثعلب فحكى فيه التّعريف و التّنكير جميعا، قال:تقول:أعجبني القصر أجمع و أجمع؛الرّفع على التّوكيد،و النّصب على الحال.

و الجمع:جمع،معدول عن جمعاوات،أو جماعى.

و لا يكون معدولا عن جمع،لأنّ«أجمع»ليس بوصف، فيكون كحمراء و حمر.

ص: 816

قال أبو عليّ: باب أجمع و جمعاء،و أكتع و كتعاء، و ما يتبع ذلك من بقيّته،إنّما هو اتّفاق و توارد وقع في اللّغة،على غير ما كان في وزنه منها،لأنّ باب«أفعل» و«فعلاء»إنّما هو للصّفات،و جميعها:تجيء على هذا الموضع نكرات،نحو أحمر و حمراء،و أصفر و صفراء،و هذا و نحوه صفات و نكرات.فأمّا أجمع و جمعاء:فاسمان معرفتان،و ليسا بصفتين،فإنّما ذلك اتّفاق وقع بين هذه الكلم المؤكّد بها.

و جاءوا بأجمعهم و أجمعهم،أي جمعهم.

و الجماع:ما جمع عددا،و قال الحسن رحمه اللّه:اتّقوا هذه الأهواء الّتي جماعها الضّلالة،و ميعادها النّار.

و اجتمع الرّجل:استوت لحيته،و بلغ غاية شبابه.

و لا يقال للنّساء.

و رجل جميع:مجتمع الخلق.و رجل جميع الرّأي و مجتمعه:شديده.

و المسجد الجامع:الّذي يجمع أهله،و قد يضاف، و أنكره بعضهم.و قد أمعنت شرح ذلك بحقيقته من الإعراب،في الكتاب«المخصّص».

و جمّاع كلّ شيء:مجتمع خلقه،و جمّاع جسد الإنسان:رأسه،و جمّاع الثّمر:تجمّع براعيمه في موضع واحد على حمله،و جمّاع الثّريّا:مجتمعها.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمّاع:أخلاط من النّاس،و قيل:هم الضّروب المتفرّقون من النّاس.[ثمّ استشهد بشعر]

و امرأة جمّاع:قصيرة.و كلّ ما تجمّع و انضمّ بعضه إلى بعض:جمّاع.

و ضربه بحجر جمع الكفّ و جمعها،أي ملئها.و هي منه بجمع و جمع،أي بكر.و ماتت المرأة بجمع و جمع،أي و ولدها في بطنها.و هي بجمع و جمع،أي مثقلة.و ناقة جمع:في بطنها ولد.[ثمّ استشهد بشعر]

و امرأة جامع:في بطنها ولد،و كذلك الأتان أوّل ما تحمل.و دابّة جماع:تصلح للسّرج و الإكاف.

و الجمع:كلّ لون من التّمر،لا يعرف اسمه.و قيل:

هو التّمر الّذي يخرج من النّوى.

و جامعها مجامعة و جماعا:نكحها.و جامعه على الأمر:مالأه،و المصدر كالمصدر.

و قدر جماع،و جامعة:عظيمة.و قيل:هي الّتي تجمع الجزور.

و جمع أمره،و أجمعه،و أجمع عليه:عزم،كأنّه جمع نفسه له.و قرئ: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَ شُرَكاءَكُمْ يونس:

71،بالقطع،و الوصل.قال الفارسيّ:من قطع أراد:

فأجمعوا أمركم،و أجمعوا شركاءكم.[ثمّ استشهد بشعر]

و فلاة مجمّعة:يجتمع فيها القوم خوف الضّلال؛ كأنّها تجمّعهم.

و الجمعة:و الجمعة،و الجمعة:يوم العروبة،سمّي به، لاجتماع النّاس فيه.و قيل:الجمعة على تخفيف الجمعة، و الجمعة:الّتي تجمع النّاس كثيرا،كما قالوا:رجل لعنة، يكثر لعن النّاس،و رجل ضحكة:يكثر الضّحك.

و زعم ثعلب أنّ أوّل من سمّاه به كعب بن لؤيّ، و كان يقال لها:العروبة.

و قال الفرّاء:روي عن ابن عبّاس رضوان اللّه عليه أنّه قال:إنّما سمّي يوم الجمعة،لأنّ اللّه جمع فيه خلق آدم.و قال قوم:إنّما سمّيت الجمعة في الإسلام،و ذلك

ص: 817

لاجتماعهم في المسجد.

و قال ثعلب:إنّما سمّي يوم الجمعة،لأنّ قريشا كانت تجتمع إلى قصيّ في دار النّدوة.

قال اللّحيانيّ: كان أبو زياد و أبو الجرّاح يقولان:

مضت الجمعة بما فيها،فيوحّدان و يؤنّثان و كانا يقولان:

مضى السّبت بما فيه،و مضى الأحد بما فيه،فيوحّدان و يذكّران.و اختلفا فيما بعد هذا:فكان أبو زياد يقول:

مضى الاثنان بما فيه،و مضى الثّلاثاء بما فيه،و كذلك الأربعاء و الخميس.

قال:و كان أبو الجرّاح يقول:مضى الاثنان بما فيهما، فيثنّي،و مضى الثّلاثاء بما فيهنّ.

و مضى الأربعاء بما فيهنّ،و مضى الخميس بما فيهنّ، فيجمع و يؤنّث؛يخرج ذلك مخرج العدد.

و جمّع النّاس:شهدوا الجمعة،و قضوا الصّلاة فيها.

و حكى ثعلب عن ابن الأعرابيّ:لا تك جمعيّا،بفتح الميم، أي ممّن يصوم الجمعة،وحدها.

و جمع:المزدلفة،معرفة كعرفات.[ثمّ استشهد بشعر]

و يوم الجمعة:يوم القيامة.

و استأجر الأجير مجامعة؛و جماعا عن اللّحيانيّ،أي استأجره كلّ جمعة بشيء.و جامع الأجير مجامعة و جماعا.

و استجمع الفرس جريا:تكمّش له.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجامعة:الغلّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجمع النّاقة،و بها:صرّ أخلافها،و حلبها.

و أرض مجمعة:جدب،لا تفرّق فيها الرّكاب لرعي.

و الجامع:البطن،يمانيّة.

و جامع،و جمّاع،و مجمّع:أسماء.

و الجميعى:موضع.(1:347)

نحوه الفيّوميّ.(1:108)

الرّاغب: الجمع:ضمّ الشّيء بتقريب بعضه من بعض،يقال:جمعته فاجتمع.[ثمّ ذكر الآيات إلى أن قال:]

و أجمعت كذا،أكثر ما يقال فيما يكون جمعا يتوصّل إليه بالفكرة،نحو فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَ شُرَكاءَكُمْ يونس:

71.[ثمّ استشهد بشعر]

و قال تعالى: فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ طه:64،و يقال:

أجمع المسلمون على كذا:اجتمعت آراؤهم عليه.و نهب مجمع:ما توصّل إليه بالتّدبير و الفكرة.و قوله عزّ و جلّ:

إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ آل عمران:173،قيل:

جمعوا آراءهم في التّدبير عليكم،و قيل:جمعوا جنودهم.

و جميع و أجمع و أجمعون:يستعمل لتأكيد الاجتماع على الأمر.فأمّا«أجمعون»فتوصف به المعرفة،و لا يصحّ نصبه على الحال،نحو قوله تعالى: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ الحجر:30، وَ أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ يوسف:93.

فأمّا«جميع»فإنّه قد ينصب على الحال فيؤكّد به من حيث المعنى،نحو: اِهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً البقرة:38، و قال: فَكِيدُونِي جَمِيعاً هود:55.

و قولهم:يوم الجمعة،لاجتماع النّاس للصّلاة،قال تعالى: إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ الجمعة:9.

ص: 818

و مسجد الجامع،أي الأمر الجامع أو الوقت الجامع، و ليس«الجامع»وصفا للمسجد.

و جمّعوا:شهدوا الجمعة،أو الجامع أو الجماعة.و أتان جامع،إذا حملت.و قدر جماع،جامع:عظيمة.

و استجمع الفرس جريا:بالغ،فمعنى الجمع ظاهر.

و قولهم:ماتت المرأة بجمع:إذا كان ولدها في بطنها فلتصوّر اجتماعهما.

و قولهم:هي منه بجمع:إذا لم تفتضّ،فلاجتماع ذلك العضو منها،و عدم التّشقّق فيه.

و ضربه بجمع كفّه:إذا جمع أصابعه فضربه بها.

و أعطاه من الدّراهم جمع الكفّ،أي ما جمعته كفّه.

و الجوامع:الأغلال،لجمعها الأطراف.(97)

الزّمخشريّ: ما جاءني إلاّ جميعة منهم،و كنت في مجمع من النّاس.و هذا الكلام أولج في المسامع،و أجول في المجامع.و معه جمع غير جمّاع،و هم الأشابة.[ثمّ استشهد بشعر]

و في الحديث:«كان في جبل تهامة جمّاع قد غصبوا المارّة».

و هم كجمّاع الثّريّا،و هي كواكبها المجتمعة.[ثمّ استشهد بشعر]

و تفتّحت جمّاعات الثّمر.

و قدر جامعة و جماع:تجمع الشّاة.و هذا الباب جماع الأبواب.و عن الحسن:«اتّقوا هذه الأهواء الّتي جماعها الضّلالة و معادها النّار»و فلان جماع لبني فلان:يأوون إليه و يجتمعون عنده.

و اشترى فلان دابّة جامعا،أي يصلح للسّرج و الإكاف.

و جمعتهم جامعة،أي أمر من الأمور الّتي يجتمع لها.

[ثمّ استشهد بشعر]

وَ إِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ النّور:62.

و أخرج في جامعة،و هي الغلّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و رأيتهم أجمعين،و جاءوا بأجمعهم،و هو يعمل نهاره أجمع،و ليلته جمعاء،و رأيتهنّ جمع،و هو جميع الرّأي و جميع الأمر.[ثمّ استشهد بشعر]

و حيّ جميع.و رجل مجتمع:استوت لحيته و بلغ غاية شبابه.و كنت في جامع البصرة.و جمّع القوم:شهدوا الجمعة.و أدام اللّه جمعة بينكما،كما تقول ألفة بينكما.

و أجمعوا الأمر،و أجمعوا عليه.

و فلانة بجمع،أي عذراء.و ضربه بجمع كفّه.

و استجمع لفلان أمره و استجمع السّيل،و استجمع الفرس جريا.[ثمّ استشهد بشعر]

و استجمع الوادي،إذا لم يبق منه موضع إلاّ سال.

و عن بعض العرب:الرّمّة و فلج لا يستجمعان إنّما يسيلان في نواحيهما و أضواجهما.و استجمع القوم:ذهبوا كلّهم.

و جمعوا لبني فلان،إذا حشدوا لقتالهم إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ آل عمران:173.

و أجمعت القدر غليا.[ثمّ استشهد بشعر]

و من الكناية:فلانة قد جمعت الثّياب،أي كبرت، لأنّها تلبس الدّرع و الخمار و الملحفة.

و من المجاز:أمر بني فلان بجمع،أي مكتوم،استعير، من قولهم:فلانة بجمع،يقال:أمركم بجمع فلا تفشوه.

(أساس البلاغة:64)

ص: 819

النّبيّ صلّى اللّه عليه و آله قال في الشّهداء:«و منهم أن تموت المرأة بجمع»يقال:ماتت بجمع و جمع،أي حاملة أو غير مطموثة.

و منه حديثه:«أيّما امرأة ماتت بجمع لم تطمث دخلت الجنّة».

و حقيقة الجمع و الجمع أنّهما بمعنى المفعول كالذّخر و الذّبح،و منه قولهم:«ضربه بجمع كفّه»أي بمجموعها، و أخذ فلان بجمع ثياب فلان.

فالمعنى:ماتت مع شيء مجموع فيها غير منفصل عنها:حمل أو بكارة.(الفائق 1:231)

المدينيّ: في الحديث:«له سهم جمع»أي له سهم من الخير،جمع له فيه حظّان.

و قال الأخفش: السّهم من الغنيمة كسهم غيره من الجيش،و الجمع هو الجيش،و استدلّ بقوله تعالى:

يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ آل عمران:155.

في الحديث:«إنّ خلق أحدكم يجمع في بطن أمّه أربعين يوما».

في الحديث:«من لم يجمع الصّيام من اللّيل فلا صيام له»الإجماع:إحكام النّيّة و العزيمة،يقال:أجمعت الرّأي و أزمعته،بمعنى واحد.(1:350)

ابن الأثير: في أسماء اللّه تعالى:«الجامع»هو الّذي يجمع الخلائق ليوم الحساب.و قيل:هو المؤلّف بين المتماثلات،و المتباينات،و المتضادّات في الوجود...

و الحديث الآخر:«كان يستحقّ الجوامع من الدّعاء»هي الّتي تجمع الأغراض الصّالحة و المقاصد الصّحيحة،أو تجمع الثّناء على اللّه تعالى و آداب المسألة...

و الحديث الآخر:«قال له:أقرئني سورة جامعة، فأقرأه إِذا زُلْزِلَتِ الْأَرْضُ زِلْزالَها الزّلزال:1،أي أنّها تجمع أسباب الخير،لقوله فيها: فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ* وَ مَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ الزّلزال:7،8.

و الحديث الآخر:«حدّثني بكلمة تكون جماعا، فقال:اتّق اللّه فيما تعلم»الجماع:ما جمع عددا،أي كلمة تجمع كلمات.

و منه الحديث:«الخمر جماع الإثم»أي مجمعه و مظنّته...

و في الحديث:«رأيت خاتم النّبوّة كأنّه جمع»يريد مثل جمع الكفّ،و أن يجمع الأصابع و يضمّها،يقال:

ضربه بجمع كفّه،بضمّ الجيم.

و في حديث عمر رضي اللّه عنه:«صلّى المغرب،فلمّا انصرف درأ جمعة من حصى المسجد»الجمعة:

المجموعة،يقال أعطني جمعة من تمر،و هو كالقبضة.

و حديث صلاة السّفر:«ما لم أجمع مكثا»أي ما لم أعزم على الإقامة،و قد تكرّر في الحديث.

و في حديث أحد:«و إنّ رجلا من المشركين جميع اللّأمة»أي مجتمع السّلاح.

و منه حديث الحسين:«أنّه سمع أنس بن مالك و هو يومئذ جميع»أي مجتمع الخلق قويّ،لم يهرم و لم يضعف.

و الضّمير راجع إلى أنس.

و في حديث الجمعة:«أوّل جمعة جمّعت بعد المدينة بجواثى»جمّعت بالتّشديد،أي صلّيت.و يوم الجمعة

ص: 820

سمّي به لاجتماع النّاس فيه...

و في حديث أبي ذرّ:«و لا جماع لنا فيما بعد»أي لا اجتماع لنا.

و فيه:«فجمعت عليّ ثيابي»أي لبست الثّياب الّتي نبرز بها إلى النّاس،و من الإزار و الرّداء و العمامة و الدّرع و الخمار.

و فيه:«فضرب بيده مجمع ما بين عنقي و كتفي»أي حيث يجتمعان،و كذلك:مجمع البحرين:ملتقاهما.

(1:295)

الجرجانيّ: الجمع و التّفرقة:الفرق:ما نسب إليك،و الجمع:ما سلب عنك،و معناه أنّ ما يكون كسبا للعبد من إقامة وظائف العبوديّة و ما يليق بأحوال البشريّة فهو فرق،و ما يكون من قبل الحقّ من إبداء معان و ابتداء لطف و إحسان فهو جمع.و لا بدّ للعبد منهما، فإنّ من لا تفرقة له لا عبوديّة له،و من له جمع له لا معرفة له،فقول العبد: إِيّاكَ نَعْبُدُ إثبات للتّفرقة بإثبات العبوديّة،و قوله: إِيّاكَ نَسْتَعِينُ طلب للجمع؛ فالتّفرقة:بداية الإرادة،و الجمع:نهايتها.

جمع الجمع:مقام آخر أتمّ و أعلى من الجمع؛فالجمع:

شهود الأشياء باللّه،و التّبرّي من الحول و القوّة إلاّ باللّه.

و جمع الجمع:الاستهلاك بالكلّيّة و الفناء عمّا سوى اللّه،و هو المرتبة الأحديّة.

الجمعيّة:اجتماع الهمم في التّوجّه إلى اللّه تعالى، و الاشتغال به عمّا سواه،و بإزائها التّفرقة.

جمع المذكّر:ما لحق آخره واو مضموم ما قبلها، أو ياء مكسور ما قبلها،و نون مفتوحة.

الجمع الصّحيح:ما سلم فيه نظم الواحد و بناؤه.

جمع المؤنّث:هو ما لحق بآخره ألف و تاء،سواء كان لمؤنّث كمسلمات،أو مذكّر كدريهمات.

جمع المكسّر:هو ما تغيّر فيه بناء واحده كرجال.

جمع القلّة:هو الّذي يطلق على عشرة فما دونها من غير قرينة،و على ما فوقها بقرينة.

جمع الكثرة:عكس جمع القلّة،و يستعار كلّ واحد منهما للآخر،كقوله تعالى: ثَلاثَةَ قُرُوءٍ البقرة:228، في موضع أقراء.(34)

الفيروزآباديّ: الجمع كالمنع:تأليف المتفرّق، و الدّقل،أو صنف من التّمر،أو النّخل خرج من النّوى لا يعرف اسمه،و القيامة،و الصّمغ الأحمر،و جماعة النّاس؛الجمع:جموع كالجميع،و لبن كلّ مصرورة، و الفواق:لبن كلّ باهلة كالجميع،و بلا لام:المزدلفة.

و يوم جمع:يوم عرفة،و أيّام جمع:أيّام منى.

و المجموع:ما جمع من هاهنا و هاهنا و إن لم يجعل كالشّيء الواحد.

و الجميع:ضدّ المتفرّق،و الجيش،و الحيّ المجتمع، و علم كجامع.

و أتان جامع:حملت أوّل ما تحمل،و جمل جامع و ناقة جامعة:أخلفا بزولا،و لا يقال هذا إلاّ بعد أربع سنين.

و دابّة جامع:تصلح للإكاف و السّرج.

و قدر جامع و جامعة و جماع ككتاب:عظيمة، الجمع:جمع بالضّمّ.

و الجامعة:الغلّ.

ص: 821

و مسجد الجامع و المسجد الجامع:لغتان،أي مسجد اليوم الجامع؛أو هذه خطأ.

و جامع الجار:فرضة لأهل المدينة.

و الجامع:بلدة بالغوطة.

و الجامعان:الحلّة المزيديّة.

و جمعت الجارية الثّياب:شبّت.

و جمّاع النّاس كرمّان:أخلاطهم من قبائل شتّى، و من كلّ شيء مجتمع أصله،و كلّ ما تجمّع و انضمّ بعضه إلى بعض.

و المجمع كمقعد و منزل:موضع الجمع،و كمقعدة:

الأرض القفر،و ما اجتمع من الرّمال،و موضع ببلاد هذيل له يوم.

و جمع الكفّ بالضّمّ،و هو حين تقبضها،جمعه:

أجماع.

و أمرهم بجمع،أي مكتوم مستور.

و هي من زوجها بجمع،أي عذراء.

و ذهب الشّهر بجمع،أي كلّه،و يكسر فيهنّ.

و ماتت بجمع مثلّثة:عذراء،أو حاملا،أو مثقلة.

و جمعة من تمر بالضّمّ:قبضة منه.

و الجمعة:المجموعة.

و يوم الجمعة و بضمّتين و كهمزة:معروف،الجمع كصرد و جمعات بالضّمّ و بضمّتين و تفتح الميم.

و أدام اللّه جمعة ما بينكما بالضّمّ:ألفة ما بينكما.

و الجمعاء:النّاقة الهرمة،و من البهائم الّتي لم يذهب من بدنها شيء،و تأنيث أجمع،و هو واحد في معنى جمع، و جمعه:أجمعون،و هو توكيد محض،و تقدّم في«ب ت ع».

و جاءوا بأجمعهم و تضمّ الميم:كلّهم.

و جماع الشّيء:جمعه،يقال:جماع الخباء:الأخبية، أي جمعها،لأنّ الجماع ما جمع عددا،و في الحديث:

«أوتيت جوامع الكلم»أي القرآن،«و كان يتكلّم بجوامع الكلم»أي كان كثير المعاني قليل الألفاظ.

و سمّوا كشدّاد و قتادة و ثمامة.

و ما جمعت بامرأة قطّ و عن امرأة:ما بنيت.

و الإجماع:الاتّفاق،و صرّ أخلاف النّاقة جمع، و جعل الأمر جميعا بعد تفرّقه،و الإعداد،و التّجفيف، و الإيباس،و سوق الإبل جميعا،و العزم على الأمر:

أجمعت الأمر و عليه،و الأمر مجمع.

و كمحسن:العام المجدب،و قوله تعالى: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَ شُرَكاءَكُمْ يونس:71،أي و ادعوا شركاءكم،لأنّه لا يقال:أجمعوا شركاءكم،أو المعنى أجمعوا مع شركائكم على أمركم.

و المجمعة ببناء المفعول مخفّفة:الخطبة الّتي لا يدخلها خلل.

و أجمع المطر الأرض:سال رغابها و جهادها كلّها.

و التّجميع:مبالغة الجمع،و أن تجمع الدّجاجة بيضها في بطنها.

و اجتمع:ضدّ تفرّق كاجدمع و تجمّع و استجمع، و الرّجل:بلغ أشدّه،و استوت لحيته.

و استجمع السّيل:اجتمع من كلّ موضع،و له أموره اجتمع له كلّ ما يسرّه،و الفرس جريا:بالغ.

و تجمّعوا:اجتمعوا من هاهنا و هاهنا.

و المجامعة:المباضعة.

ص: 822

و جامعه على أمر كذا:اجتمع معه،و مشى مجتمعا:

مسرعا في مشيه.(3:14)

نحوه مع تفاوت مجمع اللّغة(1:205)،و محمّد إسماعيل إبراهيم(1:110)

العدنانيّ: جمع الجمع.

و يخطّئون من يجمع الجمع،فيقول في جمال:

جمالات،و لكن:

أ-قال الأشمونيّ في«شرح الخلاصة»:«قد تدعو الضّرورة إلى جمع الجمع،كما تدعو إلى تثنيته،فكما يقال في جماعتين من الجمال:جمالان،كذلك يقال في جماعاتها:جمالات،و إذا قصد تكسيره كسّر نظرا إلى ما يشاكله من الآحاد،فيكسّر مثل تكسيره،كقولهم في أعبد:أعابد و في أسلحة:أسالح،و في أقوال:أقاويل.

و ما كان من الجموع على وزن«مفاعل»أو«مفاعيل» لم يجز جمعه جمع تكسير،لأنّه لا نظير له في الآحاد، فيحمل عليه».

ب-و جاء في الجزء السّادس من مجلّة مجمع فؤاد الأوّل للّغة العربيّة بالقاهرة،أنّ مؤتمر المجمع قرّر أنّ جمع الجمع مقيس عند الحاجة،في الجلسة الرّابعة للمؤتمر،في 22 كانون الثّاني 1944.

و في المعجمات عدد كبير من جموع الجمع مثل:

1-مصير،و مصران،و مصارين.

2-و غراب،و غربان،و غرابين.

المراد بما يشاكله:ما يكون مثله في عدد الحروف، و مقابلة المتحرّك منها بالمتحرّك في الآخر،و السّاكن بالسّاكن،من غير اعتبار لنوع الحركة،فقد تختلف فيهما،فيكون أحدهما متحرّكا بالفتحة،و الآخر بالضّمّة أو بالكسرة.

فالمهمّ ليس نوع الحركة فيهما،و إنّما المهمّ أن يكون كلّ من الحرف و نظيره في التّرتيب متحرّكا.

جمع المصدر:

و يقولون:إنّ المصادر لا تثنّى و لا تجمع،لأنّ المصدر يراد منه الجنس،أي جنس الفعل من حيث هو،و هذا ظاهر في المصادر الّتي لا يقصد منها بيان العدد أو النّوع.

أمّا إذا قصد منها بيان العدد،فقد اتّفقوا على حقّ تثنيته و جمعه،نحو:رميت رميتين أو رميات.فإن قصد منه بيان النّوع،فقد منع جمعه بعض النّحويّين.

و لكن:

أ-أجاز جمعه كثير من علماء العربيّة،و استشهدوا بقوله تعالى في الآية العاشرة من سورة الأحزاب:

وَ تَظُنُّونَ بِاللّهِ الظُّنُونَا.

ب-و جاء في«كلّيّات أبي البقاء»«و إذا قصد به أي المصدر،الأنواع،جاز تثنيته و جمعه».ثمّ قال:«و يجوز جمع المصادر و تثنيتها إذا كان في آخرها تاء التّأنيث، كالتّلاوات و التّلاوتين».

ج-و جاء في الجزء السّادس من مجلّة مجمع فؤاد الأوّل للّغة العربيّة بالقاهرة،أنّ مؤتمر المجمع قرّر في الجلسة الرّابعة للمؤتمر،في 22 كانون الثّاني 1944،أنّه يجوز جمع المصدر عند ما تختلف أنواعه.

الجمعة،الجمعة،الجمعة،راجع مادّة«الأسبوع»في حرف السّين.(126)

جاء القوم أجمعهم،بأجمعهم،بأجمعهم.

ص: 823

و يخطّئون من يقول:جاء القوم بأجمعهم،و يقولون:

إنّ الصّواب هو:جاء القوم أجمعهم.و الحقيقة أنّ كلتا الجملتين صحيحة.و كلمة«أجمع»في الجملة الّتي يخطّئونها،لا بدّ أن تضاف إلى ضمير المؤكّد،و أن تسبقها الباء الزّائدة الجارّة،و هي زائدة لازمة لا تفارقها.

و جاء في«النّحو الوافي»(4:504):تعرب كلمة «أجمع»توكيدا مجرور اللّفظ بالباء الزّائدة اللاّزمة،في محلّ رفع أو نصب أو جرّ،على حسب حالة المؤكّد- المتبوع-و هذا الإعراب أوضح و أيسر من إعرابها بدلا من المتبوع،مجرورة اللّفظ بالباء،في محلّ رفع أو نصب أو جرّ،لأنّ صاحب هذا الإعراب لا يجعل«أجمع»هنا من ألفاظ التّوكيد،برغم أنّها-عنده-تؤدّي معناه،و تضاف إلى ضمير مطابق للمؤكّد.

و ممّن أجاز لنا أن نقول:

أ-جاء القوم بأجمعهم:ابن السّكّيت«تهذيب الألفاظ،باب أخذ الشّيء بأجمعه»،و الألفاظ الكتابيّة «باب أخذ الشّيء بأجمعه»و الصّحاح،و الأساس، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و محيط المحيط،و أقرب الموارد،و المتن،و النّحو الوافي،و الوسيط.

ب-و جاء القوم بأجمعهم:ابن السّكّيت«باب أخذ الشّيء بأجمعه»و الصّحاح،و المختار،و اللّسان، و المصباح،و القاموس،و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و أقرب الموارد،و المتن،و النّحو الوافي.

استجمع قواه:

و يخطّئون من يقول:استجمع فلان قواه،لأنّ استجمع فعل لازم،من معانيه:

أ-تجمّعت،و يقال:استجمع القوم:تجمّعوا من كلّ صوب.

ب-استجمع السّيل:اجتمع من كلّ موضع.

ج-استجمع الوادي:لم يبق منه موضع إلاّ سال ماؤه.

د-استجمع البقل و نحوه:يبس.

ه-استجمع للجري أو الوثوب:تحفّز.

و-استجمع الرّجل:بلغ أشدّه و استوى.

ز-استجمعت له أموره:اجتمع له كلّ ما يسرّه.

ح-استجمع النّاس:ذهبوا كلّهم.

و لكن:

1-يقال للمستجيش الّذي يجمع الجنود للجيش:

استجمع كلّ مجمع.«الصّحاح،و التّاج،و المدّ».

2-قالت لجنة الألفاظ و الأساليب،التّابعة لمجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة،في مؤتمره في دورته الثّالثة و الأربعين،من 3 ربيع الأوّل 1397 ه،الموافق ل 21 شباط(فبراير)1977-إلى 17 ربيع الأوّل 1397 ه، الموافق ل(7)آذار(مارس)1977 ما يأتي:

يشيع استعمال جملة«استجمع قواه»كثيرا في لغة المعاصرين،في مثل قولهم:استجمع فلان أفكاره.و هو ما يعترض عليه بأنّ صيغة«استجمع»لم ترد في معجمات اللّغة إلاّ لازمة،يقال:استجمع السّيل،أي تجمّع من كلّ صوب.

درست اللّجنة هذا،ثمّ انتهت إلى أنّ اللّفظ يمكن قبوله،على أساس أنّ السّين و التّاء فيه للطّلب المجازيّ

ص: 824

أو التّقديريّ،فكأنّ فلانا يستدعي أفكاره أو قواه لتتجمّع.و قد أثبت فريق من كبار النّحاة أنّ الطّلب يكون بهذا المعنى الّذي تستند اللّجنة إليه في توجيه اللّفظ،كما أنّ دلالة السّين و التّاء على الطّلب قياسيّة في قرارات المجمع.

هذا إلى أنّ صيغة«استفعل»تأتي بمعنى«فعل»و من أمثلة ذلك:علا و استعلى،فتح و استفتح،نسخ و استنسخ.

و لهذا كلّه ترى اللّجنة أنّ استعمال هذا اللّفظ صحيح في المعنى الّذي يستعمل فيه.

و بعد مناقشات حول هذا القرار،تبيّن أنّ أكثريّة المؤتمرين لا اعتراض لهم عليه،فأعلن قبول المؤتمر له.

(128)

محمود شيت :1-أ-الاجتماع:علم الاجتماع:علم في نشوء الجماعات و نموّها و طبيعتها و قوانينها و نظمها، و يقال:رجل اجتماعيّ:مزاول للحياة الاجتماعيّة،كثير المخالطة للنّاس.

ب-الجامع:من أسماء اللّه الحسنى.و المسجد الجامع:الّذي تصلّى فيه الجمعة.و يقال:مسجد جامع.

و أمر جامع:له خطر يجتمع له النّاس.و كلام جامع:

قلّت ألفاظه و كثرت معانيه.و قدر جامع:عظيمة، الجمع:جوامع.

ج-الجامعة:الغلّ،يجمع اليدين إلى العنق.

و مجموعة معاهد علميّة،تسمّى كلّيّات،تدرس فيها الآداب و العلوم و الفنون.و قدر جامعة:عظيمة و كلمة جامعة:كثيرة المعاني في إيجازها،الجمع:جوامع.

د-الجماعة:العدد الكثير من النّاس و الشّجر و النّبات،و طائفة من النّاس يجمعها غرض واحد.

ه-الجماعيّة«في الاقتصاد السّياسيّ»:مذهب اشتراكيّ يقرّر أنّ أموال الإنتاج يجب أن تكون للدّولة، و أن تلغى الملكيّة الخاصّة الواردة عليها،و أنّ أموال الاستهلاك هي وحدها الّتي تكون محلاّ للملكيّة الخاصّة.و في القانون الدّوليّ العامّ:المعاهدة الجماعيّة، و هي اتّفاق بين أكثر من دولتين.

و-الجمع:الجماعة،و المجتمعون،و الجيش.و في علم الرّياضة:ضمّ الأعداد أو الحدود الجبريّة المتشابهة.

و يوم الجمع:يوم القيامة.و يوم جمع:يوم عرفة.

و أيّام جمع كذلك:أيّام منى،الجمع:جموع.

ز-الجمعة:المجموعة،و الألفة.

و الجمعة و الجمعة،و الجمعة:ما يلي الخميس من أيّام الأسبوع،الجمع:جمع.

س-الجمعيّة:طائفة تتألّف من أعضاء لغرض خاصّ و فكرة مشتركة.

ع-المجتمع:موضع الاجتماع،و الجماعة من النّاس.

ف-المجمع:موضع الاجتماع،و المجتمعون، و الملتقى،و مؤسّسة للنّهوض باللّغة أو العلوم أو الفنون و نحوها،الجمع:مجامع.

2-أ-جمع الجند:ضمّ بعضهم إلى بعض.

ب-جمّع الجند:جمعهم.

ج-تجمّع:أمر،و هو أحد الإيعازات العسكريّة لجمع الجنود للتّدريب،أو لواجب معيّن.

د-الاجتماع:اجتماع الجنود بآمرهم أو قائدهم

ص: 825

لتدريبهم،أو لإلقاء محاضرة عليهم،أو لإصدار الأوامر إليهم.

موضع الاجتماع:الموضع الّذي تجتمع فيه القطعات العسكريّة للتّقدّم.أو للهجوم،أو لاحتلال موضع دفاعيّ،أو للانسحاب.

ه-الجامعة:الغلّ،يجمع اليدين (1)أو العنق.

و-الجماعة:بعض العسكريّين في مجموعة واحدة.

ز-الجماعيّة:يقال الحرب الجماعيّة:الحرب الّتي تحشد لها الطّاقات المادّيّة و المعنويّة للأمّة.و تسمّى:

الحرب الاعتصابيّة في بعض جيوش الدّول العربيّة.

(1:150)

المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو انضمام شيء إلى آخر،و يعبّر عنه ب«الاجتماع»، و مصاديق هذا المفهوم مختلفة كما رأيت.

و يظهر الاختلاف في هذا المفهوم باختلاف الصّيغ، فيقال جمعه و هو جامع و ذلك مجموع.

و إذا أريد الثّبوت و اللّزوم و الاتّصاف به،فيقال:

جميع و جمع.

و إذا أريد صدور الفعل بالرّغبة و الاختيار و القبول، فيقال:اجتمع.و إذا أريد التّعدية إلى مفعولين،فيقال:

أجمعته،أي عزمته،فإنّ مرجعه إلى جمع أفكاره و آرائه أن يريد كذا،فمعنى وَ أَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يوسف:15،جمعوا آراءهم و أفكارهم أن يجعلوه،فالمفعول الأوّل محذوف،و هذا معنى العزم و التّصميم،فإنّه نتيجة جمع الحواسّ و اتّفاق الآراء.

و أمّا«أجمع»في مقام التّأكيد:فهو في الأصل صيغة تفضيل،إلاّ أنّه استعمل في عرفهم في مقام الإشارة إلى تأكيد الجمعيّة فقط.[و نقل بعضا من قول الجوهريّ ثمّ قال:]

ثمّ إنّ الجمع إمّا بالنّسبة إلى أفراد الإنسان:

(جمعناكم)المرسلات:38، جامِعُ النّاسِ آل عمران:9، اِجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ الإسراء:88.

مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ هود:103، تُوبُوا إِلَى اللّهِ جَمِيعاً النّور:31.

أو بالنّسبة إلى موضوعات خارجيّة: جَمَعَ مالاً الهمزة:2، مِمّا يَجْمَعُونَ آل عمران:157، لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً البقرة:29، مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ الكهف:60، لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً الأنفال:

63.

أو بالنّسبة إلى الأعمال و المعاني: فَجَمَعَ كَيْدَهُ طه:60، فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً النّساء:139، لِلّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً الرّعد:31، عَلى أَمْرٍ جامِعٍ النّور:

62، فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً الرّعد:42.

و أمّا ما جاء للتّأكيد: فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ الحجر:30.(2:114)

النّصوص التّفسيريّة

جمع

1- فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى. طه:60

راجع«ك ي د-كيده».

ص: 826


1- كذا،و الصّحيح:و العنق.

2- وَ جَمَعَ فَأَوْعى. المعارج:18

راجع«و ع ي»(اوعى).

3- جَمَعَ مالاً وَ عَدَّدَهُ. الهمزة:2

الطّوسيّ: قرأ حمزة و الكسائيّ و خلف و ابن عامر و أبو جعفر و روح(جمّع)بالتّشديد على التّكثير،الباقون بالتّخفيف،لأنّه يقع على القليل و الكثير.و من شدّد أراد جمعه من وجوه شتّى شيئا بعد شيء.(و عدّده)أي جعله عدّة.و من قرأ مخفّفا أراد جمع مالا و عددا،أي و قوما ذوي عدد أنصارا.[إلى أن قال:]

و قوله: اَلَّذِي جَمَعَ مالاً وَ عَدَّدَهُ نعت للهمزة الّذي تقدّم ذكره في أنّه يجمع المال و يحبّه،و لا يخرج حقّ اللّه منه.(10:406)

الفخر الرّازيّ: قرأ حمزة و الكسائيّ و ابن عامر (جمّع)بالتّشديد و الباقون بالتّخفيف،و المعنى في:جمع و جمّع واحد متقارب،و الفرق أنّ(جمّع)بالتّشديد يفيد أنّه جمعه من هاهنا و هاهنا،و أنّه لم يجمعه في يوم واحد، و لا في يومين،و لا في شهر و لا في شهرين،يقال:فلان يجمّع الأموال،أي يجمعها من هاهنا و هاهنا،و أمّا(جمع) بالتّخفيف فلا يفيد ذلك.(32:92)

البروسويّ: بدل من(كلّ)كأنّه قيل:ويل للّذي جمع مالا.و إنّما وصفه اللّه بهذا الوصف المعنويّ،لأنّه يجري مجرى السّبب للهمزة و اللّمزة،من حيث إنّه أعجب بنفسه ممّا جمع من المال،و ظنّ أنّ كثرة المال سبب لعزّ المرء و فضله،فلذا استنقص غيره.و إنّما لم يجعل وصفا نحويّا ل(كلّ)لأنّه نكرة لا يصحّ توصيفها بالموصولات.(10:508)

الآلوسيّ: بدل من(كلّ)،بدل كلّ،و قيل:بدل بعض من كلّ.و قال الجاربرديّ:يجوز أن يكون صفة له، لأنّه معرفة،على ما ذكره الزّمخشريّ في قوله تعالى:

وَ جاءَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَعَها سائِقٌ وَ شَهِيدٌ ق:21؛إذ جعل جملة مَعَها سائِقٌ حالا من كُلُّ نَفْسٍ لذلك، و لا يخفى ما فيه.و يجوز أن يكون منصوبا أو مرفوعا على الذّمّ.(30:230)

لاحظ«ع د د»(عدّده)

لجمعهم

...وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ. الأنعام:35

الطّبريّ: إنّ الّذين يكذّبونك من هؤلاء الكفّار يا محمّد،فيحزنك تكذيبهم إيّاك،لو أشاء أن أجمعهم على استقامة من الدّين،و صواب من محجّة الإسلام،حتّى تكون كلمة جميعكم واحدة،و ملّتكم و ملّتهم واحدة، لجمعتهم على ذلك،و لم يكن بعيدا عليّ،لأنّي القادر على ذلك بلطفي،و لكنّي لم أفعل ذلك لسابق علمي في خلقي و نافذ قضائي فيهم،من قبل أن أخلقهم و أصوّر أجسامهم.(7:184)

الزّجّاج: فيه غير قول،فأحدها:أنّه لو شاء اللّه أن يطبعهم على الهدى لفعل ذلك،و قول آخر: وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى أي لو شاء لأنزل عليهم آية تضطرّهم إلى الإيمان،كقوله جلّ و عزّ: إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ عَلَيْهِمْ مِنَ السَّماءِ آيَةً فَظَلَّتْ أَعْناقُهُمْ لَها خاضِعِينَ

ص: 827

الشّعراء:4.(2:244)

الطّوسيّ: ثمّ أخبر أنّه لو شاء أن يجمعهم على الإيمان-على وجه الإلجاء-لكان على ذلك قادرا،لكنّه ينافي ذلك الغرض بالتّكليف،و جرى ذلك مجرى قوله:

إِنْ نَشَأْ نُنَزِّلْ...، فإنّه أراد بذلك الإخبار عن قدرته،و أنّه لو شاء ألجأهم إلى الإيمان لكان عليه قادرا.

و لا يدلّ ذلك على أنّه لم يشأ منهم الإيمان على وجه الاختيار منهم،أو لم يشأ أن يفعل ما يؤمنون عنده مختارين،لأنّ اللّه تعالى قد شاء منهم الإيمان على هذا الوجه.و إنّما أفاد نفي المشيئة لما يلجئهم إلى الإيمان،لأنّه متى ألجأهم إليهم لم يكن ذلك إيمانا.

و الغرض بالآية أن يبيّن تعالى أنّ الكفّار لم يغلبوا اللّه بكفرهم و لا قهروه بخلافه،و أنّه لو أراد أن يحول بينهم و بينه لفعل،لكنّه يريد أن يكون إيمانهم على وجه يستحقّون به الثّواب،و لا ينافي التّكليف.(4:132)

القشيريّ: و لو أراد الحقّ-سبحانه-لخفّف عنهم، و لو شاء أن يهديهم لكان لهم مقيل في الصّدور،و مثوى على النّشاط،و لكن من كبسته العزّة لم تنعشه الحيلة.

(2:164)

الزّمخشريّ: بأن يأتيهم بآية ملجئة،و لكنّه لا يفعل لخروجه عن الحكمة.(2:16)

ابن عطيّة: يحتمل إمّا بأن يخلقهم مؤمنين،و إمّا بأن يكسبهم الإيمان بعد كفرهم،بأن يشرح صدورهم، و الهدى:الإرشاد،و هذه الآية تردّ على القدريّة المفوّضة الّذين يقولون:إنّ القدرة لا تقتضي أن يؤمن الكافر،و إنّ ما يأتيه الإنسان من جميع أفعاله لا خلق للّه فيه تعالى عن قولهم.(2:288)

الطّبرسيّ: بالإلجاء،و إنّما أخبر عزّ اسمه عن كمال قدرته،و أنّه لو شاء لألجأهم إلى الإيمان و لم يفعل ذلك، لأنّه ينافي التّكليف،و يسقط استحقاق الثّواب الّذي هو الغرض بالتّكليف.(2:296)

الفخر الرّازيّ: تقديره:و لو شاء اللّه هداهم لجمعهم على الهدى.و حيثما جمعهم على الهدى،وجب أن يقال:

إنّه ما شاء هداهم،و ذلك يدلّ على أنّه تعالى لا يريد الإيمان من الكافر بل يريد إبقاءه على الكفر.

و الّذي يقرّب هذا الظّاهر،إنّ قدرة الكافر على الكفر إمّا أن تكون صالحة للإيمان،أو غير صالحة له،فإن لم تكن صالحة له،فالقدرة على الكفر مستلزمة للكفر، و غير صالحة للإيمان،فخالق هذه القدرة يكون قد أراد هذا الكفر منه،لا محالة.

و أمّا إن كانت هذه القدرة،كما أنّها صلحت للكفر فهي أيضا صالحة للإيمان،فلمّا استوت نسبة القدرة إلى الطّرفين،امتنع رجحان أحد الطّرفين على الآخر،إلاّ لداعية مرجّحة،و حصول تلك الدّاعية ليس من العبد، و إلاّ وقع التّسلسل،فثبت أنّ خالق تلك الدّاعية هو اللّه تعالى،و ثبت أنّ مجموع القدرة مع الدّاعية الحاصلة موجب للفعل،فثبت أنّ خالق مجموع تلك القدرة مع تلك الدّاعية المستلزمة لذلك الكفر مريد لذلك الكفر، و غير مريد لذلك الإيمان.فهذا البرهان اليقينيّ قويّ ظاهر بهذه الآية،و لا بيان أقوى من أن يتطابق البرهان مع ظاهر القرآن.قالت المعتزلة:المراد:و لو شاء اللّه أن يلجئهم إلى الإيمان لجمعهم عليه.قال القاضي:و الإلجاء

ص: 828

هو أن يعلمهم أنّهم لو حاولوا غير الإيمان لمنعهم منه، و حينئذ يمتنعون من فعل شيء غير الإيمان.

و مثاله:أنّ أحدنا لو حصل بحضرة السّلطان و حضر هناك من حشمه الجمع العظيم،و هذا الرّجل علم أنّه لو همّ بقتل ذلك السّلطان لقتلوه في الحال،فإنّ هذا العلم يصير مانعا له من قصد قتل ذلك السّلطان،و يكون ذلك سببا لكونه ملجأ إلى ترك ذلك الفعل،فكذا هاهنا.

إذا عرفت الإلجاء،فنقول:أنّه تعالى إنّما ترك فعل هذا الإلجاء،لأنّ ذلك يزيل تكليفهم،فيكون ما يقع منهم كأن لم يقع.و إنّما أراد تعالى أن ينتفعوا بما يختارونه من قبل أنفسهم من جهة الوصلة إلى الثّواب؛و ذلك لا يكون إلاّ اختيارا.

و الجواب:أنّه تعالى أراد منهم الإقدام على الإيمان، حال كون الدّاعي إلى الإيمان و إلى الكفر على السّويّة،أو حال حصول هذا الرّجحان،و الأوّل تكليف ما لا يطاق، لأنّ الأمر بتحصيل الرّجحان حال حصول الاستواء، تكليف بالجمع بين النّقيضين،و هو محال.و إن كان الثّاني فالطّرف الرّاجح يكون واجب الوقوع،و الطّرف المرجوح يكون ممتنع الوقوع،و كلّ هذه الأقسام تنافي ما ذكروه من المكنة و الاختيار،فسقط قولهم بالكلّيّة، و اللّه أعلم.(12:207)

القرطبيّ: أي لخلقهم مؤمنين و طبعهم عليه.بيّن تعالى أنّ كفرهم بمشيئة اللّه ردّا على القدريّة.و قيل المعنى:أي لأراهم آية تضطرّهم إلى الإيمان،و لكنّه أراد عزّ و جلّ أن يثيب منهم من آمن و من أحسن.(6:418)

البيضاويّ: أي و لو شاء اللّه جمعهم على الهدى، لوفّقهم للإيمان حتّى يؤمنوا،و لكن لم تتعلّق به مشيئته، فلا تتهالك عليه.و المعتزلة أوّلوه بأنّه لو شاء اللّه لجمعهم على الهدى بأن يأتيهم بآية ملجئة،و لكن لم يفعل لخروجه عن الحكمة.(1:308)

أبو حيّان :أي إمّا بخلق ذلك في قلوبهم أوّلا فلا يضلّ أحد،و إمّا بخلقه فيهم بعد ضلالهم.و دلّ هذا التّعليق على أنّه تعالى ما شاء منهم جميعهم الهدى،بل أراد إبقاء الكافر على كفره.(4:115)

الشّربينيّ: أي لوفّقهم له،و لكن لم يشأ ذلك فلم يؤمنوا.(1:418)

أبو السّعود :أي لو شاء اللّه تعالى أن يجمعهم على ما أنتم عليه من الهدى لفعله،بأن يوفّقهم للإتيان فيؤمنوا معكم.و لكن لم يشأ لعدم صرف اختيارهم إلى جانب الهدى،مع تمكّنهم التّامّ منه في مشاهدتهم للآيات الدّاعية إليه،لا أنّه تعالى لم يوفّقهم له،مع توجّههم إلى تحصيله.(2:378)

الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]

و قال المعتزلة:المراد لو شاء سبحانه جمعهم على الهدى لفعل،بأن يأتيهم بآية ملجئة إليه،لكنّه جلّ شأنه لم يفعل ذلك،لخروجه عن الحكمة،و الحقّ ما عليه أهل السّنّة.(7:139)

مكارم الشّيرازيّ: أي لو أراد حملهم على الاستسلام و الرّضوخ لدعوتك و الإيمان باللّه،لكان على ذلك قديرا.

غير أنّ الإيمان الإجباريّ لا طائل تحته؛إنّ خلق البشر للتّكامل مبنيّ على أساس حرّيّة الاختيار

ص: 829

و الإرادة،ففي حالة حرّيّة الاختيار وحدها يمكن تمييز المؤمن من الكافر،و الصّالح من غير الصّالح،و المخلص من الخائن،و الصّادق من الكاذب.

أمّا في الإيمان الإجباريّ فلن يكون ثمّة اختلاف بين الطّيّب و الخبيث،و على صعيد الإجبار تفقد كلّ هذه المفاهيم معانيها تماما.(4:249)

فضل اللّه : وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى بطريقة إلهيّة تكوينيّة كما ألهم الأشياء الكونيّة قوانينها.و سننها الطّبيعيّة،و كما خلق النّاس على أشكال معيّنة في اللّون و الحجم و الشّكل،و لكنّه شاء للإرادة الإنسانيّة أن تتحرّك من موقع الاختيار لينطلق الإنسان بالإيمان من موقع الحرّيّة في حركة العقيدة في الحياة فسر في طريقك على هدى اللّه،و لا تصغ إليهم، و أعرض عنهم،فذلك هو الخطّ الأصيل في فكرة العمل الرّساليّ و أسلوبه.(9:86)

جمعوا

اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً... آل عمران:173

الطّبريّ: قد جمعوا الرّجال للقائكم،و الكرّة إليكم لحربكم.(4:178)

الطّبرسيّ: أي جمعوا جموعا كثيرة لكم،و قيل:

جمعوا الإناث و الرّجال.(1:541)

الفخر الرّازيّ: أي جمعوا لكم الجموع،فحذف المفعول،لأنّ العرب تسمّي الجيش جمعا،و يجمعونه جموعا.(9:100)

فضل اللّه:جمعوا جموعهم و جنودهم،و آراءهم لقتالكم.و الجمع:لمّ الأشياء المتفرّقة،و ضمّها بعضها إلى بعض.و أكثر ما يستعمل«جمع»في الأعيان،و«أجمع» في الآراء.(6:385)

فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ. آل عمران:25

راجع«ي و م»(ليوم)

جمعناكم

هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَ الْأَوَّلِينَ. المرسلات:38

ابن عبّاس: يا معشر المكذّبين(و الأوّلين)قبلكم و الآخرين بعدكم.(498)

الطّوسيّ: معناه أنّ اللّه يجمع فيه الخلائق في يوم واحد في صعيد واحد.و الجمع:جعل الشّيء مع غيره إمّا في مكان واحد،أو محلّ واحد،أو في يوم واحد،أو وقت واحد،أو يجعل مع غيره في حكم واحد أو معنى واحد،كجمع الجماد و الحيوان في معنى الحدوث.

(10:233)

القشيريّ: فعلنا بكم ما فعلنا بهم في الدّنيا من الخذلان،كذلك اليوم سنفعل بكم ما نفعل بهم من دخول النّيران.(6:241)

البغويّ: يعني مكذّبي هذه الأمّة،و الأوّلين:الّذين كذّبوا أنبياءهم.(5:198)

نحوه الطّبرسيّ(5:419)،و الشّربينيّ(4:466).

الزّمخشريّ: كلام موضّح لقوله: هذا يَوْمُ الْفَصْلِ لأنّه إذا كان يوم الفصل بين السّعداء و الأشقياء،و بين الأنبياء و أممهم،فلا بدّ من جمع الأوّلين و الآخرين،حتّى يقع ذلك الفصل بينهم.

ص: 830

الزّمخشريّ: كلام موضّح لقوله: هذا يَوْمُ الْفَصْلِ لأنّه إذا كان يوم الفصل بين السّعداء و الأشقياء،و بين الأنبياء و أممهم،فلا بدّ من جمع الأوّلين و الآخرين،حتّى يقع ذلك الفصل بينهم.

(4:205)

نحوه الفخر الرّازيّ(30:281)،و النّيسابوريّ (29:140)

أبو السّعود :خطاب لأمّة محمّد عليه الصّلاة و السّلام(و الأوّلين)من الأمم،و هذا تقرير و بيان للفصل.(6:350)

نحوه البروسويّ.(10:289)

الطّباطبائيّ: و الخطاب في: جَمَعْناكُمْ وَ الْأَوَّلِينَ لمكذّبي هذه الأمّة بما أنّهم من الآخرين، و لذا قوبلوا بالأوّلين،قال تعالى: ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ هود:103،و قال: وَ حَشَرْناهُمْ فَلَمْ نُغادِرْ مِنْهُمْ أَحَداً الكهف:47.(20:154)

مكارم الشّيرازيّ: جمعنا في هذا اليوم جميع بني البشر من دون استثناء للحساب،و فصل الخصام في هذه العرصة و المحكمة العظمى.(19:267)

جمع

وَ خَسَفَ الْقَمَرُ* وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ. القيمة:8،9 الإمام عليّ عليه السّلام:يجعلان في نور الحجب.

مثله ابن عبّاس.(الميبديّ 10:302)

ابن مسعود: جمع بينهما في طلوعهما من المغرب كالبعيرين القرينين.(الطّبرسيّ 5:395)

مجاهد :كوّر يوم القيامة.(الطّبريّ 29:180)

جمع بينهما في ذهاب ضوئهما بالخسوف،ليتكامل ظلام الأرض على أهلها،حتّى يراها كلّ أحد بغير نور و ضياء.(الطّبرسيّ 5:395)

عطاء: يجمعان يوم القيامة ثمّ يقذفان في البحر، فيكون نار اللّه الكبرى.(البغويّ 5:183)

ابن زيد :جمعا فرمي بهما في الأرض.

(الطّبريّ 29:180)

الفرّاء: في قراءة عبد اللّه(و جمع بين الشّمس و القمر)يريد:في ذهاب ضوئها أيضا،فلا ضوء لهذا و لا لهذه،فمعناه جمع بينهما في ذهاب الضّوء،كما تقول:

هذا يوم يستوي فيه الأعمى و البصير،أي يكونان فيه أعميين جميعا.و يقال:جمعا كالثّورين العقيرين في النّار.

و إنّما قال:(جمع)و لم يقل:جمعت لهذا،لأنّ المعنى جمع بينهما،فهذا وجه،و إن شئت جعلتهما جميعا في مذهب ثورين،فكأنّك قلت:جمع النّوران،جمع الضّياءان،و هو قول الكسائيّ.

و قد كان قوم يقولون:إنّما ذكرنا فعل الشّمس،لأنّها لا تنفرد بجمع حتّى يشركها غيرها،فلمّا شاركها مذكّر كان القول فيهما:جمعا،و لم يجر:جمعتا.فقيل لهم:كيف تقولون:الشّمس جمع و القمر؟فقالوا:جمعت،و رجعوا عن ذلك القول.(3:209)

نحوه الطّبريّ.(29:180)

الزّجّاج: أي جمعا في ذهاب نورهما.(5:252)

نحوه الميبديّ.(10:302)

الماورديّ: فيه أربعة أوجه:

أحدها:أنّه جمع بينهما في طلوعهما من المغرب،

ص: 831

أسودين مكوّرين مظلمين مقرنين.

الثّاني:جمع بينهما في ذهاب ضوئهما بالخسوف، لتكامل إظلام الأرض على أهلها،حكاه ابن شجرة.

الثّالث:جمع بينهما في البحر حتّى صارا نار اللّه الكبرى (1).(6:153)

نحوه البغويّ(5:183)،و الزّمخشريّ(4:191).

الطّوسيّ: أي جمعا في ذهاب نورهما بما يراه الإنسان،و الجمع:جعل أحد الشّيئين مع الآخر.

و الجمع على ثلاثة أقسام:جمع في المكان،و جمع في الزّمان،و جمع الأعراض في المحلّ.و جمع الشّيئين في حكم أو صفة مجاز.(10:192)

نحوه الطّبرسيّ.(5:395)

الميبديّ: [نحو الماورديّ و أضاف:]

لم يقل:جمعت الشّمس،لأنّ معناه جمع بينهما.

(10:302)

ابن عطيّة: غلب عليه التّذكير على التّأنيث، و قيل:ذلك لأنّ تأنيث الشّمس غير حقيقيّ،و قيل:

و المراد بين الشّمس و القمر،و كذلك قرأ ابن أبي عبلة.

و اختلف المتأوّلون في معنى:الجمع بينهما،فقال عطاء بن يسار:يجمعان فيقذفان في النّار،و قيل:في البحر،فتصير نار اللّه العظمى.و قيل:يجمع الضّوءان فيذهب بهما.(5:403)

الفخر الرّازيّ: ذكروا في كيفيّة الجمع وجوها:

أحدها:أنّه تعالى قال: لاَ الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَها أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ يس:40،فإذا جاء وقت القيامة أدرك كلّ واحد منهما صاحبه و اجتمعا.

و ثانيها:جمعا في ذهاب الضّوء،فهو كما يقال:

الشّافعيّ يجمع ما بين كذا و كذا في حكم كذا.

و ثالثها:يجمعان أسودين مكوّرين،كأنّهما ثوران عقيران في النّار.و قيل:يجمعان ثمّ يقذفان في البحر، فهناك نار اللّه الكبرى.

و اعلم أنّ هذه الوجوه الّتي ذكرناها في قوله:

وَ خَسَفَ الْقَمَرُ* وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ إنّما تستقيم على مذهب من يجعل برق البصر من علامات القيامة فأمّا من يجعل برق البصر من علامات الموت،قال:معنى وَ خَسَفَ الْقَمَرُ أي ذهب ضوء البصر عند الموت، يقال:عين خاسفة،إذا فقئت حتّى غابت حدقتها في الرّأس،و أصلها من:خسفت الأرض،إذا ساخت بما عليها.

و قوله: وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ كناية عن ذهاب الرّوح إلى عالم الآخرة،كأنّ الآخرة كالشّمس،فإنّه يظهر فيها المغيبات و تتّضح فيها المبهمات،و الرّوح كالقمر فإنّه كما أنّ القمر يقبل النّور من الشّمس،فكذا الرّوح تقبل نور المعارف من عالم الآخرة.

و لا شكّ أنّ تفسير هذه الآيات بعلامات القيامة أولى من تفسيرها بعلامات الموت،و أشدّ مطابقة لها.

(30:220)

نحوه النّيسابوريّ.(29:107)

القرطبيّ: [اكتفى بنقل أقوال السّابقين](19:95)

أبو حيّان :جمع الشّمس و القمر،لم تلحق علامة التّأنيث،لأنّ تأنيث الشّمس مجاز أو لتغليب التّذكيرع.

ص: 832


1- و لم يذكر الرّابع.

على التّأنيث.و قال الكسائيّ:حمل على المعنى، و التّقدير:جمع النّوران أو الضّياءان.[إلى أن قال:]

و قيل:يجتمعان و لا يتفرّقان،و يقربان من النّاس فيلحقهم العرق لشدّة الحرّ،فكان المعنى يجمع حرّهما.

و قيل:يجمع بينهما في ذهاب الضّوء،فلا يكون ثمّ تعاقب ليل و لا نهار.(8:386)

نحوه الشّربينيّ.(4:440)

الآلوسيّ: حيث يطلعهما اللّه تعالى من المغرب-على ما روي عن ابن مسعود-و لا ينافيه الخسوف؛إذ ليس المراد به مصطلح أهل الهيئة،و هو ذهاب نور القمر لتقابل النّيّرين و حيلولة الأرض بينهما،بل ذهاب نوره لتجلّ خاصّ في ذلك اليوم،أو لاجتماعه مع الشّمس و هو المحاق.

و جوّز أن يكون الخسوف بالمعنى الاصطلاحيّ و يعتبر في وسط الشّهر مثلا،و يعتبر الجمع في آخره؛إذ لا دلالة على اتّحاد وقتيهما في النّظم الجليل.و أنت تعلم أنّ هذا خسوف يزري بحال أهل الهيئة،و لا يكاد يخطر لهم ببال،كالجمع المذكور.[ثمّ نقل الأقوال]

(29:139)

عبد الكريم الخطيب :أي أصبحا جرمين، لا يرى لهما الإنسان يومئذ ضوء؛حيث تكون الشّمس أشبه بالقمر،في أنّها جسم معتم مثله،فإنّ ضوء الشّمس إنّما يرى في كوكبنا الأرضيّ بعد أن يخترق الطّبقة الجوّيّة المحيط بالأرض،فإذا خرج الإنسان عن جوّ الأرض لم ير للشّمس ضوء،و رأى النّجوم في رائعة النّهار الّذي يكسو وجه الأرض حلّة من ضيائه.

و هذا يعني أنّ الإنسان سيخرج يوم القيامة من عالمه الأرضيّ إلى عالم آخر،تتبدّل فيه أحواله،و تتغيّر في نظره حقائق الأشياء على هذه الأرض،فيرى الشّمس و القمر معلّقين في هذا الفضاء،كلّ على هيئته فلا غروب للشّمس،و لا نقصان للقمر.(15:1317)

مكارم الشّيرازيّ: ذكرت معان متعدّدة للمفسّرين في ما يراد بالجمع بين الشّمس و القمر،فقد قيل:هو اجتماعهما،أو طلوعهما كليهما من المشرق و غروبهما من المغرب و قيل:اجتماعهما بعد زوال نوريهما.

و يحتمل أن ينجذب القمر تدريجيّا بواسطة الشّمس و باتّجاهها،ثمّ اجتماعهما معا بعد ذلك،و ينتهي بالتّالي ضياؤهما.

على كلّ حال فقد أشير هنا إلى قسمين من أهمّ الظّواهر الانقلابيّة لأواخر الدّنيا،أي إلى زوال نور القمر،و اجتماع الشّمس و القمر مع البعض،و هو ما أشير إليه في الآيات القرآنيّة الأخرى أيضا.فيقول تعالى في سورة التّكوير:1، إِذَا الشَّمْسُ كُوِّرَتْ، أي إذا أظلمت الشّمس،و نحن نعلم أنّ ضوء القمر من الشّمس، و عند ما يزول نور الشّمس يزول بذلك نور القمر، و بالتّالي تدخل الكرة الأرضيّة في الظّلام و العتمة المرعبة.(19:189)

فضل اللّه :في فضاء واحد بعد أن كانا منفصلين، و اختلّ نظامهما المعهود،و انتهى النّظام الكونيّ في توازن الزّمن على خطّ اللّيل و النّهار،عند ذلك يحيط الذّعر بهذا الإنسان من كلّ جانب،فهو يواجه الآن وضعا صعبا من أكثر الأوضاع خطورة،لأنّه لا يفهم شيئا ممّا يراه أو

ص: 833

يحيط به،و لذا كان السّؤال الصّعب الّذي يلحّ على وجدانه،في عمليّة هروب من هذا الواقع،في ما يشبه الصّراخ المذعور.(23:241)

ليجمعنّكم

1- اَللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً. النّساء:87

الطّبريّ: ليبعثنّكم من بعد مماتكم،و ليحشرنّكم جميعا إلى موقف الحساب،الّذي يجازى النّاس فيه بأعمالهم و يقضى فيه بين أهل طاعته و معصيته،و أهل الإيمان به و الكفر.(5:191)

نحوه الطّبرسيّ.(2:85)

الزّجّاج: و معنى(ليجمعنّكم)و اللّه أعلم،أي يجمعكم في الموت و في قبوركم.(2:87)

ابن عطيّة: و الجمع هنا بمعنى الحشر،فلذلك حسنت بعده(إلى)أي إليه السّوق و الحشر.(2:88)

الفخر الرّازيّ: و اللاّم لام القسم،و التّقدير:و اللّه ليجمعنّكم.

لقائل أن يقول:لم لم يقل:ليجمعنّكم في يوم القيامة.

و الجواب من وجهين:الأوّل:المراد ليجمعنّكم في الموت أو القبور إلى يوم القيامة.

الثّاني:التّقدير:ليضمّنّكم إلى ذلك اليوم،و يجمع بينكم و بينه بأن يجمعكم فيه.(10:217)

2- قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قُلْ لِلّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ... الأنعام:12

الفرّاء: إن شئت جعلت(الرّحمة)غاية كلام،ثمّ استأنفت بعدها(ليجمعنّكم)،و إن شئت جعلته في موضع نصب،كما قال: كَتَبَ رَبُّكُمْ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أَنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْكُمْ الأنعام:54.

و العرب تقول في الحروف الّتي يصلح معها جواب الأيمان ب(أن)المفتوحة و باللاّم،فيقولون:أرسلت إليه أن يقوم،و أرسلت إليه ليقومنّ،و كذلك قوله: ثُمَّ بَدا لَهُمْ مِنْ بَعْدِ ما رَأَوُا الْآياتِ لَيَسْجُنُنَّهُ يوسف:35، و هو في القرآن كثير.أ لا ترى أنّك لو قلت:بدا لهم أن يسجنوه،كان صوابا.(1:328)

الطّبريّ: [نقل قول الفرّاء و أضاف:]

و كان بعض نحويّي البصرة يقول:نصبت لام (ليجمعنّكم)لأنّ معنى(كتب)كأنّه قال:و اللّه ليجمعنّكم.

و الصّواب من القول في ذلك عندي أن يكون قوله:

كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ غاية،و أن يكون قوله:

(ليجمعنّكم)خبر مبتدإ،و يكون معنى الكلام حينئذ:

ليجمعنّكم اللّه أيّها العادلون باللّه ليوم القيامة الّذي لا ريب فيه،لينتقم منكم بكفركم به.

و إنّما قلت:هذا القول أولى بالصّواب من إعمال (كتب)في(ليجمعنّكم)،لأنّ قوله:(كتب)قد عمل في (الرّحمة)،فغير جائز و قد عمل في(الرّحمة)أن يعمل في (ليجمعنّكم)،لأنّه لا يتعدّى إلى اثنين.(7:157)

الزّجّاج: المعنى:ليجمعنّ هؤلاء المشركين الّذين خسروا أنفسهم،إلى هذا اليوم الّذي يجحدونه

ص: 834

و يكفرون به.

و الّذي عندي أنّ قوله: اَلَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ في موضع رفع على الابتداء،و خبره فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ، لأنّ(ليجمعنّكم)مشتمل على سائر الخلق،على الّذين خسروا أنفسهم و غيرهم.

و هذه اللاّم في(ليجمعنّكم)لام قسم،فجائز أن يكون تمام الكلام«كتب ربّكم على نفسه الرّحمة»ثمّ استأنف فقال:(ليجمعنّكم)،و كأنّ المعنى و اللّه ليجمعنّكم.

و جائز أن يكون(ليجمعنّكم)بدلا من(الرّحمة) مفسّرا لها،لأنّه لمّا قال:كتب ربّكم على نفسه،فسّر «رحمته»بأنّه يمهلهم إلى يوم القيامة،و يكون في الإمهال ما فسّرنا آنفا.(2:232)

نحوه الطّوسيّ.(4:91)

البغويّ: اللاّم فيه لام القسم،و النّون نون التّأكيد،مجازه:و اللّه ليجمعنّكم إلى يوم القيامة،أي في يوم القيامة.و قيل:معناه ليجمعنّكم في قبوركم إلى يوم القيامة.(2:113)

الميبديّ: أي ليضمّنّكم إلى هذا اليوم الّذي أنكرتموه،و ليجمعنّ بينكم و بينه.ردّ على منكري البعث،يقول:و اللّه ليجمعنّكم في يوم القيامة الّذي أنكرتموه.(3:306)

ابن عطيّة: و حكى المهدويّ:أنّ جماعة من النّحويّين قالت:إنّ(ليجمعنّكم)هو تفسير(الرّحمة) تقديره:أن يجمعكم،فيكون(ليجمعنّكم)في موضع نصب على البدل من(الرّحمة)،و هو مثل قوله:

...لَيَسْجُنُنَّهُ يوسف:35،المعنى أن يسجنوه.

و يلزم على هذا القول أن تدخل النّون الثّقيلة في الإيجاب،و هو مردود،و إنّما تدخل في الأمر و النّهي و باختصاص الواجب في القسم،و قالت فرقة،و هو الأظهر:إنّ اللاّم لام قسم،و الكلام مستأنف،و يتخرّج ذلك في(ليسجننّه).(2:272)

الطّبرسيّ: أي ليؤخّرنّ جمعكم إلى يوم القيامة، فيكون تفسيرا ل(الرّحمة)على ما ذكرناه أنّ المراد به إمهال العاصي ليتوب.

و قيل:إنّ هذا احتجاج على من أنكر البعث و النّشور،و يقول:ليجمعنّكم إلى اليوم الّذي أنكرتموه، كما تقول:جمعت هؤلاء إلى هؤلاء،أي ضممت بينهم في الجمع،يريد بجمع آخركم إلى أوّلكم قرنا بعد قرن.

(2:278)

الفخر الرّازيّ: أمّا قوله: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ ففيه أبحاث:

الأوّل:«اللاّم»في قوله:(ليجمعنّكم)لام قسم مضمر،و التّقدير:و اللّه ليجمعنّكم.

الثّاني:اختلفوا في أنّ هذا الكلام مبتدأ أو متعلّق بما قبله؟

فقال بعضهم:إنّه كلام مبتدأ؛و ذلك لأنّه تعالى بيّن كمال إلهيّته،بقوله: قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قُلْ لِلّهِ ثمّ بيّن تعالى أنّه يرحمهم في الدّنيا بالإمهال و دفع عذاب الاستئصال.و بيّن أنّه يجمعهم إلى يوم القيامة،فقوله: كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ أنّه يمهلهم، و قوله: لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا يمهلهم بل يحشرهم و يحاسبهم على كلّ ما فعلوا.

ص: 835

و القول الثّاني:أنّه متعلّق بما قبله،و التّقدير:كتب ربّكم على نفسه الرّحمة،و كتب ربّكم على نفسه ليجمعنّكم إلى يوم القيامة.[إلى أن قال:]

الثّالث:أنّ قوله: قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قُلْ لِلّهِ كلام ورد على لفظ الغيبة،و قوله:(ليجمعنّكم) كلام ورد على سبيل المخاطبة،و المقصود منه التّأكيد في التّهديد،كأنّه قيل:لمّا علمتم أنّ كلّ ما في السّماوات و الأرض للّه و ملكه،و قد علمتم أنّ الملك الحكيم لا يهمل أمر رعيّته،و لا يجوز في حكمته أن يسوّي بين المطيع و العاصي،و بين المشتغل بالخدمة و المعرض عنها،فهلاّ علمتم أنّه يقيم القيامة،و يحضر الخلائق و يحاسبهم في الكلّ![إلى أن قال:]

و قيل:فيه حذف،أي ليجمعنّكم إلى المحشر في يوم القيامة،لأنّ الجمع يكون إلى المكان لا إلى الزّمان.

و قيل:ليجمعنّكم في الدّنيا بخلقكم قرنا بعد قرن إلى يوم القيامة.(12:165)

القرطبيّ: اللاّم لام القسم،و النّون نون التّأكيد.

و قال الفرّاء و غيره:يجوز أن يكون تمام الكلام عند قوله:(الرّحمة)و يكون ما بعده مستأنفا على جهة التّبيين، فيكون معنى(ليجمعنّكم)ليمهلنّكم و ليؤخّرنّ جمعكم.

و قيل:المعنى ليجمعنّكم،أي في القبور إلى اليوم الّذي أنكرتموه.(6:395)

أبو حيّان :و الجمع هنا قيل:حقيقة،أي ليجمعنّكم في القبور إلى يوم القيامة.و الظّاهر أنّ(إلى)للغاية، و المعنى ليحشرنّكم منتهين إلى يوم القيامة.

و قيل:المعنى ليجمعنّكم في الدّنيا،يخلقكم قرنا بعد قرن إلى يوم القيامة.و قد تكون(إلى)هنا بمعنى اللاّم،أي ليوم القيامة،كقوله تعالى: إِنَّكَ جامِعُ النّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ آل عمران:9.

و أبعد من زعم أنّ(إلى)بمعنى(فيه)أي في يوم القيامة،و أبعد منه من ذهب إلى أنّها صلة،و التّقدير:

ليجمعنّكم يوم القيمة.

و الظّاهر أنّ الضّمير في(فيه)عائد إلى يوم القيامة، و فيه ردّ على من ارتاب في الحشر.و يحتمل أن يعود على«الجمع»و هو المصدر المفهوم من قولهم:

(ليجمعنّكم).(4:82)

نحوه الآلوسيّ.(7:105)

عبد الكريم الخطيب :في توكيد الفعل(ليجمعنّكم) بالقسم و بنون التّوكيد،إشارة أنّ البعث أمر كتبه اللّه سبحانه و تعالى على نفسه،كما كتب الرّحمة،و أنّ البعث هو رحمة من رحمة اللّه؛إذ هو إعادة الحياة الّتي ذهب بها الموت،و الحياة نعمة من نعم اللّه و رحمة من رحمته.

و في تعدية الفعل(ليجمعنّكم)بحرف الجرّ:(إلى) إشارة إلى أنّ«الجمع»هو استدعاء من جهات شتّى، و دعوة قاهرة إلى مكان معلوم،تصبّ فيه وفود المدعوّين،و تجتمع إليه،فمعنى«الجمع»هو السّوق،أي ليسوقنّكم إلى يوم القيامة؛إذ كان يوم القيامة هو موعد اللّقاء الّذي يلتقي عنده الموتى،المبعوثون من القبور.

(4:138)

نجمع

أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ. القيمة:3

ص: 836

الماورديّ: فنعيدها خلقا جديدا بعد أن صارت رفاتا.(6:151)

مثله القرطبيّ(19:91)،و نحوه الطّبرسيّ(5:395)

الميبديّ: أ يظنّ أنّا لن نبعثه بعد موته؟(6:222)

الميبديّ: بعد تفرّقها و بلاها فنحييه،و نبعثه بعد الموت.(10:301)

الزّمخشريّ: و هو لتبعثنّ.و قرأ قتادة (أن لن تجمع عظامه) على البناء للمفعول،و المعنى نجمعها بعد تفرّقها و رجوعها رميما و رفاتا مختلطا بالتّراب،و بعد ما سفّتها الرّياح و طيّرتها في أباعد الأرض.(4:190)

نحوه الفخر الرّازيّ(30:217)،و أبو السّعود(6:

335)،و البروسويّ(10:244).

ابن عطيّة: و قرأ جمهور النّاس: نَجْمَعَ عِظامَهُ بالنّون و نصب الميم من العظام،و قرأ قتادة(أن لن يجمع عظامه)بالياء و رفع الميم من العظام،و معنى ذلك في القيامة و بعد البعث من القبور،و قرأ أبو عمرو بإدغام العين.(5:402)

نحوه أبو حيّان.(8:385)

الطّباطبائيّ: و جمع العظام:كناية عن الإحياء بعد الموت.(20:104)

يجمعون

1- وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ. آل عمران:157

ابن عبّاس: في الدّنيا من الأموال.(59)

خير من طلاع الأرض ذهبة حمراء.

(الزّمخشريّ 1:474)

البغويّ: من الغنائم،قراءة العامّة (تجمعون) بالتّاء لقوله: (وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ) .و قرأ حفص عن عاصم (يَجْمَعُونَ) بالياء،يعني خير ممّا يجمع النّاس.(1:526)

نحوه الميبديّ.(2:323)

الزّمخشريّ: من الدّنيا و منافعها لو لم تموتوا.

(1:474)

ابن عطيّة: و قرأ جمهور النّاس (تجمعون) بالتّاء على المخاطبة،و هي أشكل بالكلام.و قرأ قوم منهم عاصم فيما روي عن حفص (يَجْمَعُونَ) بالياء،و المعنى ممّا يجمعه المنافقون و غيرهم.(1:533)

الفخر الرّازيّ: قرأ حفص عن عاصم (يَجْمَعُونَ) بالياء على سبيل الغيبة،و الباقون بالتّاء على وجه الخطاب.

أمّا وجه الغيبة،فالمعنى أنّ مغفرة اللّه خير ممّا يجمعه هؤلاء المنافقون من الحطام الفاني.

و أمّا وجه الخطاب،فالمعنى أنّه تعالى كأنّه يخاطب المؤمنين،فيقول لهم:مغفرة اللّه خير لكم من الأموال الّتي تجمعونها في الدّنيا.(9:58)

الطّباطبائيّ: الظّاهر أنّ المراد(ممّا يجمعون)هو المال و ما يلحق به،الّذي هو عمدة البغية في الحياة الدّنيا.(4:56)

2- قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ. يونس:58

ص: 837

2- قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ. يونس:58

ابن عبّاس: ممّا يجمع اليهود و المشركون من الأموال.(176)

نحوه الفرّاء.(1:469)

الطّبريّ: يقول:فإنّ الإسلام الّذي دعاهم إليه، و القرآن الّذي أنزله عليهم،خير ممّا يجمعون من حطام الدّنيا و أموالها و كنوزها.(11:124)

و اختلفت القرّاء في قراءة قوله: فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا فقرأ ذلك عامّة قرّاء الأمصار (فَلْيَفْرَحُوا) بالياء هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ بالياء أيضا،على التّأويل الّذي تأوّلناه من أنّه خبر عن أهل الشّرك باللّه.

يقول:فبالإسلام و القرآن الّذي دعاهم إليه، فليفرح هؤلاء المشركون،لا بالمال الّذي يجمعون،فإنّ الإسلام و القرآن خير من المال الّذي يجمعون.[إلى أن قال:]

و روي عن أبيّ بن كعب أنّه كان يقرأ (فبذلك فلتفرحوا هو خير ممّا تجمعون) بالتّاء.و كذلك كان الحسن البصريّ يقول؛غير أنّه-فيما ذكر عنه-كان يقرأ قوله: هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ بالياء؛الأوّل:على وجه الخطاب،و الثّاني:على وجه الخبر عن الغائب،و كان أبو جعفر القارئ-فيما ذكر عنه-يقرأ ذلك نحو قراءة أبيّ بالتّاء جميعا.

و الصّواب من القراءة في ذلك،ما عليه قرّاء الأمصار،من قراءة الحرفين جميعا بالياء فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ لمعنيين:

أحدهما:إجماع الحجّة من القرّاء عليه.

و الثّاني:صحّته في العربيّة؛و ذلك أنّ العرب لا تكاد تأمر المخاطب باللاّم و التّاء،و إنّما تأمره فتقول:افعل و لا تفعل.(11:126)

الطّوسيّ: من قرأ بالياء عنى به المخاطبين، و الغيّب،غير أنّه غلب الغيّب على المخاطبين،كما غلب التّذكير على التّأنيث،فكأنّه أراد المؤمنين و غيرهم.

و من قرأ بالتّاء كان المعنى فافرحوا بذلك أيّها المؤمنون،أي افرحوا بفضل اللّه،فإنّ ما آتاكموه من الموعظة شفاء ما في الصّدور خير ممّا يجمع غيركم من أعراض الدّنيا.(5:456)

البغويّ: أي خير ممّا يجمعه الكفّار من الأموال.

و قيل:كلاهما خبر عن الكفّار،و قيل:عن المؤمنين.

و قرأ أبو جعفر و ابن عامر: (فَلْيَفْرَحُوا) بالياء، و (تجمعون) بالتّاء،و قرأ يعقوب كلاهما بالتّاء.و وجه هذه القراءة أنّ المراد:فبذلك فليفرح المؤمنون،فهو خير ممّا يجمعونه من الأموال،مختلف عنه خطابا للمؤمنين.

(2:423)

الميبديّ: خير ممّا تجمعون من الأموال،لأنّ منافع القرآن و الإيمان تبقى لصاحبه،و منافع الأموال تفنى،و تورث صاحبها النّدامة في العقبى.(4:305)

ابن عطيّة: يريد من مال الدّنيا و حطامها الفاني، المؤذي في الآخرة.(3:127)

الفخر الرّازيّ: و قرئ (تجمعون) بالتّاء،و وجهه أنّه تعالى عنى المخاطبين و الغائبين،إلاّ أنّه غلب المخاطب على الغائب كما يغلب التّذكير على التّأنيث،فكأنّه أراد المؤمنين،هكذا قاله أهل اللّغة.

ص: 838

و فيه دقيقة عقليّة،و هو أنّ الإنسان حصل فيه معنى يدعوه إلى خدمة اللّه تعالى،و إلى الاتّصال بعالم الغيب و معارج الرّوحانيّات.

و فيه معنى آخر يدعوه إلى عالم الحسّ و الجسم و اللّذّات الجسدانيّة،و ما دام الرّوح متعلّقا بهذا الجسد، فإنّه لا ينفكّ عن حبّ الجسد،و عن طلب اللّذّات الجسمانيّة،فكأنّه تعالى خاطب الصّدّيقين العارفين.

و قال:حصلت الخصومة بين الحوادث العقليّة الإلهيّة و بين النّوازع النّفسانيّة الجسدانيّة،و التّرجيح لجانب العقل،لأنّه يدعوا إلى فضل اللّه و رحمته،و النّفس تدعو إلى جمع الدّنيا و شهواتها.و فضل اللّه و رحمته خير لكم ممّا تجمعون من الدّنيا،لأنّ الآخرة خير و أبقى و ما كان كذلك فهو أولى بالطّلب و التّحصيل.(17:119)

نحوه النّيسابوريّ.(11:93)

القرطبيّ: يعني في الدّنيا،و قراءة العامّة بالياء في الفعلين.و روي عن ابن عامر أنّه قرأ (فَلْيَفْرَحُوا) بالياء، (تجمعون) بالتّاء خطابا للكافرين.و روي عن الحسن أنّه قرأ بالتّاء في الأوّل،و (يَجْمَعُونَ) بالياء على العكس.

و روى أبان عن أنس أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«من هداه اللّه للإسلام و علّمه القرآن ثمّ شكا الفاقة،كتب اللّه الفقر بين عينيه إلى يوم يلقاه،ثمّ تلا قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ....

(8:354)

أبو حيّان :[بعد نقل القراءات قال:]يعني من حطام الدّنيا و متاعها.(5:172)

نحوه الشّربينيّ(2:26)،و أبو السّعود(3:252).

البروسويّ: من الأموال الفانية.[إلى أن قال:]

و لو كان في جمع حطام الدّنيا منفعة لانتفع قارون.

(4:54)

الآلوسيّ: من الأموال و الحرث و الأنعام و سائر حطام الدّنيا،فإنّها صائرة إلى الزّوال مشرفة عليه،و هو راجع إلى لفظ ذلك باعتبار مدلوله،و هو مفرد،فروعي لفظه و إن كان عبارة عن الفضل و الرّحمة.(11:141)

القاسميّ: أي من الأموال و أسباب الشّهوات؛إذ لا ينتفع بجميعها و لا يدوم،و يفوت به اللّذّات الباقية؛ بحيث يحال بينهم و بين ما يشتهون.(9:3362)

رشيد رضا :أي أنّ الفرح بفضله و برحمته أفضل و أنفع لهم،ممّا يجمعونه من الذّهب و الفضّة و الخيل المسوّمة و الأنعام و الحرث،و سائر متاع الحياة الدّنيا،مع فقدهما.(11:407)

الطّباطبائيّ: قوله: هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ بيان ثان لمعنى الحصر.

فظهر بذلك كلّه أنّ الآية تفريع على مضمون الآية السّابقة،فإنّه تعالى لمّا خاطب النّاس امتنانا عليهم،بأنّ هذا القرآن موعظة لهم و شفاء لما في صدورهم،و هدى و رحمة للمؤمنين منهم،فرّع عليه أنّه ينبغي لهم حينئذ أن يفرحوا بهذا الّذي امتنّ به عليهم من الفضل و الرّحمة، لا بالمال الّذي يجمعونه،فإنّ ذلك-و فيه سعادتهم و ما تتوقّف عليه سعادتهم-خير من المال الّذي ليس إلاّ فتنة،ربّما أهلكتهم و أشقتهم.(10:83)

تجمعوا

...وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ.

النّساء:23

ص: 839

الفرّاء:(ان)في موضع رفع،كقولك:و الجمع بين الأختين.(1:260)

نحوه الطّبريّ(4:323)،و الزّجّاج(2:35)، و الطّوسيّ(3:160).

الزّمخشريّ: (ان تجمعوا)في موضع الرّفع عطف على المحرّمات،أي و حرّم عليكم الجمع بين الأختين، و المراد حرمة النّكاح،لأنّ التّحريم في الآية تحريم النّكاح.

و أمّا الجمع بينهما في ملك اليمين،فعن عثمان و عليّ رضي اللّه عنهما أنّهما قالا:أحلّتهما آية و حرّمتهما آية، يعنيان هذه الآية،و قوله:«و ما ملكت ايمانكم،» فرجّح عليّ التّحريم،و عثمان التّحليل.(1:518)

ابن عطيّة: لفظ يعمّ الجمع بنكاح و بملك يمين، و أجمعت الأمّة على منع جمعهما بنكاح.[ثمّ أدام البحث في أحكامها الفقهيّة،فراجع](2:33)

الفخر الرّازيّ: (ان تجمعوا)في محلّ الرّفع،لأنّ التّقدير:حرّمت عليكم أمّهاتكم و بناتكم و الجمع بين الأختين.[ثمّ ذكر وجوه الجمع و تحريم الجمع فراجع]

(10:35)

جامع

...وَ إِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتّى يَسْتَأْذِنُوهُ. النّور:62

ابن عبّاس: في يوم الجمعة أو في غزوة.(299)

أمر من طاعة اللّه عامّ.(الطّبريّ 18:176)

مجاهد :طاعة اللّه.(الماورديّ 4:127)

و إذن الإمام يوم الجمعة أن يشير بيده.

(البغوي 3:432)

هو أمر الحرب و نحوه من الأمور الّتي يعمّ ضررها و نفعها.(النّيسابوريّ 18:132)

الضّحّاك: هو الجمعة و الأعياد،و كلّ شيء تكون فيه الخطبة.(النّيسابوريّ 18:132)

الزّهريّ: هو الجمعة إذا كانوا معه،لم يذهبوا حتّى يستأذنوه.(الطّبريّ 18:176)

زيد بن أسلم:أنّه الجهاد.(الماورديّ 4:127)

ابن زيد :الأمر الجامع:حين يكونون معه في جماعة الحرب أو جمعة،و الجمعة:من الأمر الجامع، لا ينبغي لأحد أن يخرج إذا قعد الإمام على المنبر يوم الجمعة إلاّ بإذن سلطان،إذا كان حيث يراه أو يقدر عليه،و لا يخرج إلاّ بإذن،و إذا كان حيث لا يراه و لا يقدر عليه،و لا يصل إليه،فاللّه أولى بالعذر.

(الطّبريّ 18:176)

يحيى بن سلاّم: الأمر الجامع:الجمعة و العيدان و الاستسقاء،و كلّ شيء يكون فيه الخطبة.

(الماورديّ 4:127)

مكحول:في يوم الجمعة،و في زحف،و في كلّ أمر جامع،قد أمر أن لا يذهب أحد في يوم جمعة حتّى يستأذن الإمام،و كذلك في كلّ جامع،أ لا ترى أنّه يقول:

وَ إِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ.

(الطّبريّ 18:176)

الفرّاء: كان المنافقون يشهدون الجمعة مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فيذكّرهم و يعيبهم بالآيات الّتي تنزل فيهم،

ص: 840

فيضجرون من ذلك.(2:262)

الطّبريّ: على أمر يجمع جميعهم من حرب حضرت،أو صلاة اجتمع لها،أو تشاور في أمر نزل.

(18:175)

الزّجّاج: قال بعضهم:كان ذلك في الجمعة،فهو -و اللّه أعلم-أنّ اللّه عزّ و جلّ أمر المؤمنين إذا كانوا مع نبيّه فيما يحتاج فيه إلى الجماعة،نحو الحرب للعدوّ،أو ما يحضرونه ممّا يحتاج إلى الجمع فيه،لم يذهبوا حتّى يستأذنوه.و كذلك ينبغي أن يكونوا مع أئمّتهم، لا يخالفونهم و لا يرجعون عنهم في جمع من جموعهم إلاّ بإذنهم،و للإمام أن يأذن،و له أن لا يأذن،على قدر ما يرى من الحظّ في ذلك،لقوله تعالى: فَإِذَا اسْتَأْذَنُوكَ لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ فَأْذَنْ لِمَنْ شِئْتَ مِنْهُمْ النّور:62.

(4:55)

الطّوسيّ: و هو الّذي يقتضي الاجتماع عليه و التّعاون فيه:من حضور حرب أو مشورة في أمر،أو في صلاة جمعة،و ما أشبه ذلك،لم ينصرفوا عن رسوله أو عن ذلك الأمر،إلاّ بعد أن يأذن لهم الرّسول في الانصراف،متى طلبوا الإذن من قبله.(7:465)

نحوه الطّبرسيّ.(4:158)

البغويّ: قال المفسّرون:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذا صعد المنبر يوم الجمعة،و أراد الرّجل أن يخرج من المسجد لحاجة أو عذر،لم يخرج حتّى يقوم بحيال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم حيث يراه،فيعرف أنّه إنّما قام ليستأذن،فيأذن لمن شاء منهم.[ثمّ نقل قول مجاهد و قال:]

قال أهل العلم:و كذلك كلّ أمر اجتمع عليه المسلمون مع الإمام،لا يخالفونه و لا يرجعون عنه إلاّ بإذن.و إذا استأذن فالإمام بالخيار إن شاء أذن له،و إن شاء لم يأذن.و هذا إذا لم يكن له سبب يمنعه من المقام، فإذا حدث سبب يمنعه من المقام،بأن يكون في المسجد فتحيض منهم امرأة أو يجنب رجل أو يعرض له مرض، فلا يحتاج إلى الاستئذان.(3:432)

الميبديّ: كالحجّة و العيدين،و كلّ اجتماع فيه.

و قيل:هو الجهاد،و قيل:مجلس تشاور و تدبير حرب.

(6:569)

الزّمخشريّ: و الأمر الجامع:الّذي يجمع له النّاس،فوصف الأمر بالجمع على سبيل المجاز؛و ذلك نحو:مقاتلة عدوّ،أو تشاور في خطب مهمّ،أو تضامّ لإرهاب مخالف،أو تماسح في حلف و غير ذلك،أو الأمر الّذي يعمّ بضرره أو بنفعه،و قرئ (امر جميع) .

و في قوله: وَ إِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ أنّه خطب جليل لا بدّ لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فيه من ذوي رأي و قوّة،يظاهرونه عليه و يعاونونه،و يستضيء بآرائهم و معارفهم و تجاربهم في كفايته،فمفارقة أحدهم في مثل تلك الحال ممّا يشقّ على قلبه،و يشعّث عليه رأيه.فمن ثمّ غلظ عليهم و ضيق عليهم الأمر في الاستئذان،مع العذر المبسوط و مساس الحاجة إليه و اعتراض ما يهمّهم و يعنيهم؛و ذلك قوله: لِبَعْضِ شَأْنِهِمْ. (3:78)

ابن عطيّة: و الأمر الجامع:يراد به ما للإمام حاجة إلى جمع النّاس فيه،لإذاعة مصلحة؛فأدب الإسلام اللاّزم في ذلك إذا كان الأمر حاضرا أن لا يذهب أحد لعذر إلاّ بإذنه،فإذا ذهب بإذن ارتفع عنه الظّنّ السّيّئ،

ص: 841

و الإمام الّذي يرتقب إذنه في هذه الآية هو إمام الإمرة.

(4:197)

الفخر الرّازيّ: قرئ (على امر جميع) ،ثمّ ذكروا في قوله: عَلى أَمْرٍ جامِعٍ وجوها:

أحدها:[نحو قول الزّمخشريّ و قد تقدّم]

و ثانيها:[قول الضّحّاك و قد تقدّم]

و ثالثها:عن مجاهد في الحرب و غيره.(24:39)

نحوه النّيسابوريّ.(18:132)

أبو حيّان :[نقل قول الزّمخشريّ مفصّلا ثمّ قال:]

و هو تفسير حسن،و يجري هذا المجرى إمام الإمرة إذا كان النّاس معه مجتمعين،لمراعاة مصلحة دينيّة.

فلا يذهب أحد منهم عن المجمع إلاّ بإذن منه،إذ قد يكون له رأي في حضور ذلك الذّاهب.(6:476)

الشّربينيّ: أي يجمعهم من حرب حضرت،أو صلاة جمعة،أو عيد أو جماعة،أو تشاور في أمر نزل.

و وصف الأمر بالجميع للمبالغة،أو من الإسناد المجازيّ، لأنّه لمّا كان سببا في جمعهم نسب الفعل إليه مجازا.

(2:643)

أبو السّعود :معطوف على(آمنوا)داخل معه في حيّز الصّلة،أي إنّما الكاملون في الإيمان الّذين آمنوا باللّه و رسوله عن صميم قلوبهم،و أطاعوهما في جميع الأحكام،الّتي من جملتها ما فصّل من قبل،من الأحكام المتعلّقة بعامّة أحوالهم المطّردة في الوقوع،و أحوالهم الواقعة بحسب الاتّفاق،كما إذا كانوا معه عليه الصّلاة و السّلام على أمر مهمّ،يجب اجتماعهم في شأنه كالجمعة و الأعياد و الحروب،و غيرها من الأمور الدّاعية إلى اجتماع أولي الآراء و التّجارب.و وصف الأمر بالجمع، للمبالغة.(4:487)

نحوه البروسويّ.(6:183)

الآلوسيّ: [نقل قول أبي السّعود و أقوال المفسّرين في المراد بالأمر الجامع ثمّ قال:]

و لا يخفى أنّ الأولى العموم،و إن كانت الآية نازلة في حفر الخندق.و لعلّ ما ذكر من باب التّمثيل،و وصف الأمر بالجمع مع أنّه سبب له،للمبالغة.و الظّاهر أنّ ذلك من المجاز العقليّ،و جوّز أن يكون هناك استعارة مكنيّة.

(18:223)

الطّباطبائيّ: و الأمر الجامع:هو الّذي يجمع النّاس للتّدبّر في أطرافه،و التّشاور و العزم عليه كالحرب و نحوها.

و المعنى و إذا كانوا مع الرّسول بالاجتماع عنده على أمر من الأمور العامّة،لم يذهبوا و لم ينصرفوا من عند الرّسول،حتّى يستأذنوه للذّهاب.(15:166)

مكارم الشّيرازيّ: و القصد من الأمر الجامع:كلّ عمل يقتضي اجتماع النّاس فيه،و يتطلّب تعاونهم،سواء كان عملا استشاريّا،أو مسألة حول الجهاد و مقاتلة العدوّ،أو صلاة جمعة في الظّروف السّابقة،و أمثالها.

و إذا وجدنا أنّ بعض المفسّرين قالوا:بأنّه يعني الاستشارة أو الجهاد أو صلاة الجمعة أو العيد،فنقول:

إنّهم عكسوا جانبا من معاني هذه الآية،و أنّ أسباب النّزول السّابقة أيضا هي من مصاديق هذا الحكم العامّ.

[ثمّ أدام البحث في النّظم و الانسجام،إن شئت فراجع] (11:155)

ص: 842

فضل اللّه:الأمر الجامع:الأمر الهامّ الّذي يقتضي الإجماع عليه،و التّعاون فيه.(16:366)

مجموع

إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وَ ذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ. هود:103

ابن عبّاس: يجمع فيه الأوّلون و الآخرون.

(191)

الطّبريّ: يحشر اللّه له النّاس من قبورهم، فيجمعهم فيه للجزاء و الثّواب و العقاب.(12:114)

الطّوسيّ: معناه أنّ يوم القيامة يوم يجمع فيه النّاس و يشهده جميع الخلائق،و ليس يوصف في هذه الصّفة يوم سواه،و الجمع:ضمّ أحد الشّيئين إلى الآخر.

و قيل:هو جعل الشّيئين فصاعدا في معنى.(6:63)

البغويّ: يعني يوم القيامة.(2:465)

الميبديّ: يحشر الخلائق كلّهم فيه،و ليس يوم بهذه الصّفة إلاّ يوم القيامة.(4:446)

نحوه الشّربينيّ.(2:79)

الزّمخشريّ: (ذلك)إشارة إلى يوم القيامة،لأنّ عذاب الآخرة دلّ عليه،و(النّاس)رفع باسم المفعول الّذي هو(مجموع)كما يرفع بفعله إذا قلت:يجمع له النّاس.

فإن قلت:لأيّ فائدة أوثر اسم المفعول على فعله؟

قلت:لما في اسم المفعول من دلالة على ثبات معنى الجمع لليوم،و أنّه يوم لا بدّ من أن يكون ميعادا مضروبا لجمع النّاس له،و أنّه الموصوف بذلك صفة لازمة،و هو أثبت أيضا لإسناد الجمع إلى النّاس،و أنّهم لا ينفكّون منه.

و نظيره قول المتهدّد:إنّك لمنهوب مالك محروب قومك،فيه من تمكّن الوصف و ثباته ما ليس في الفعل، و إن شئت فوازن بينه و بين قوله: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ التّغابن:9،تعثر على صحّة ما قلت لك.و معنى يجمعون له:يجمعون لما فيه من الحساب و الثّواب و العقاب.(2:292)

القرطبيّ: (ذلك يوم):ابتداء و خبر،(مجموع):

من نعته،(له النّاس):اسم ما لم يسمّ فاعله،و لهذا لم يقل:مجموعون.

فإن قدّرت ارتفاع(النّاس)بالابتداء،و الخبر (مجموع له)فإنّما لم يقل:مجموعون،على هذا التّقدير، لأنّ(له)يقوم مقام الفاعل،و الجمع:الحشر،أي يحشرون لذلك اليوم.(9:96)

البروسويّ: أي يجمع له الأوّلون و الآخرون للمحاسبة و الجزاء.و استعمال اسم المفعول حقيقة فيما تحقّق فيه وقوع الوصف،و قد استعمل هاهنا فيما لم يتحقّق مجازا،تنبيها على تحقّق وقوعه.(4:185)

الآلوسيّ: أي يجمع له النّاس للمحاسبة و الجزاء، فالنّاس نائب فاعل(مجموع).

و أجاز ابن عطيّة أن يكون مبتدأ،و(مجموع)خبره.

و فيه بعد؛إذ الظّاهر حينئذ أن يكون مجموعا،و عدل عن الفعل-و كان الظّاهر-ليدلّ الكلام على ثبوت معنى الجمع و تحقّق وقوعه لا محالة،و أنّ النّاس لا ينفكّون عنه،فهو أبلغ من قوله تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ التّغابن:9.

ص: 843

و فيه بعد؛إذ الظّاهر حينئذ أن يكون مجموعا،و عدل عن الفعل-و كان الظّاهر-ليدلّ الكلام على ثبوت معنى الجمع و تحقّق وقوعه لا محالة،و أنّ النّاس لا ينفكّون عنه،فهو أبلغ من قوله تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ التّغابن:9.

و إيضاحه أنّ في هذا دلالة على لزوم الوصف و لزوم الإسناد،و في ذلك على حدوث تعلّق الجمع بالمخاطبين و اختصاصه باليوم،و لهذا استدركه بقوله:«الجمع» فأضاف«اليوم»إليه ليدلّ على لزومه،و إنّما الحادث جمع الأوّلين و الآخرين دفعة.(12:138)

الطّباطبائيّ: أي ذلك اليوم الّذي يقع فيه عذاب الآخرة،يوم مجموع له النّاس.فالإشارة إلى اليوم الّذي يدلّ عليه ذكر عذاب الآخرة،«و لذلك أتى بلفظ المذكّر»، كما قيل،و يمكن أن يكون تذكير الإشارة ليطابق المبتدأ الخبر.

و وصف اليوم الآخر بأنّه مجموع له النّاس،دون أن يقال:سيجمع أو يجمع له النّاس،إنّما هو للدّلالة على أنّ:جمع النّاس له من أوصافه المقضيّة له الّتي تلزمه و لا تفارقه،من غير أن يحتاج إلى الإخبار عنه بخبر.

فمشخّص هذا اليوم أنّ النّاس مجموعون لأجله -و اللاّم للغاية-فلليوم شأن من الشّأن لا يتمّ إلاّ بجمع النّاس؛بحيث لا يغادر منهم أحد،و لا يتخلّف عنه متخلّف.و للنّاس شأن من الشّأن يرتبط به كلّ واحد منهم بالجميع،و يمتزج فيه الأوّل مع الآخر و الآخر مع الأوّل،و يختلط فيه الكلّ بالبعض و البعض بالكلّ،و هو حساب أعمالهم من جهة الإيمان و الكفر و الطّاعة و المعصية،و بالجملة من حيث السّعادة و الشّقاوة.

فإنّ من الواضح أنّ العمل الواحد من إنسان واحد يرتضع من جميع أعماله السّابقة المرتبطة بأحواله الباطنة،و يرتضع منه جميع أعماله اللاّحقة المرتبطة أيضا،بماله من الأحوال القلبيّة،و كذلك عمل الواحد بالنّسبة إلى أعمال من معه من بني نوعه،من حيث التّأثير و التّأثّر.

و كذلك أعمال الأوّلين بالنّسبة إلى أعمال الآخرين، و أعمال اللاّحقين بالنّسبة إلى أعمال السّابقين؛و في المتقدّمين أئمّة الهدى و الضّلال المسئولون عن أعمال المتأخّرين،و في المتأخّرين الأتباع و الأذناب المسئولون عن غرور متبوعيهم المتقدّمين،قال تعالى: فَلَنَسْئَلَنَّ الَّذِينَ أُرْسِلَ إِلَيْهِمْ وَ لَنَسْئَلَنَّ الْمُرْسَلِينَ الأعراف:

6،و قال: وَ نَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَ آثارَهُمْ وَ كُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ فِي إِمامٍ مُبِينٍ يس:12.(11:7)

مكارم الشّيرازيّ: و في ختام الآية إشارة إلى وصفين من أوصاف يوم القيامة؛حيث يقول القرآن:

ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ... و هي إشارة إلى أنّ القوانين و السّنن الإلهيّة كما هي عامّة في هذا العالم،فإنّ اجتماع النّاس في تلك المحكمة الإلهيّة أيضا عامّ،و سيكون في زمان واحد و يوم مشهود للجميع،يحضره النّاس كلّهم و يرونه.

من الطّريف هنا أنّ الآية تقول: ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ و لم تقل:(مجموع فيه النّاس)،و هذا التّعبير إشارة إلى أنّ يوم القيامة ليس ظرفا لاجتماع النّاس فحسب،بل هو هدف يمضي إليه النّاس في مسيرهم التّكامليّ.

و نقرأ في آية(9)من سورة التّغابن: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ. [و تمام الكلام في«ي و م» (يوم)فراجع](7:56)

ص: 844

جميع

أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ. القمر:44

الكلبيّ: أم يقول هؤلاء الكفّار:نحن جميع أمرنا ننتصر من أعدائنا.(الطّبرسيّ 5:193)

الزّجّاج: و المعنى بل أ يقولون:نحن جميع منتصر، فيدلون بقوّة و اجتماع عليك.(5:91)

الطّوسيّ: و يحتمل أن يكون أرادوا:نحن جميع، أي يد واحدة على قتاله و خصومته.(9:459)

نحوه الطّبرسيّ.(5:193)

الميبديّ: [نحو الطّوسيّ و أضاف:]

و قيل:نحن كثير مجمعون على الانتقام من محمّد.

(9:394)

الزّمخشريّ: جماعة أمرنا مجتمع.(4:41)

الفخر الرّازيّ: (جميع)فيه فائدتان:

إحداهما:الكثرة،و الأخرى:الاتّفاق،كأنّه قال:

نحن كثير متّفقون،فلنا الانتصار،و لا يقوم غير هذه اللّفظة مقامها من الألفاظ المفردة.

إنّما قلنا:إنّ فيه فائدتين،لأنّ«الجميع»يدلّ على الجماعة بحروفه الأصليّة من«ج م ع»و بوزنه و هو «فعيل»بمعنى«مفعول»،على أنّهم جمعوا جمعيّتهم العصبيّة.

و يحتمل أن يقال:معناه نحن الكلّ لا خارج عنّا، إشارة إلى أنّ من اتّبع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم لا اعتداد به،قال تعالى في نوح: أَ نُؤْمِنُ لَكَ وَ اتَّبَعَكَ الْأَرْذَلُونَ الشّعراء:

111، إِلاَّ الَّذِينَ هُمْ أَراذِلُنا بادِيَ الرَّأْيِ هود:27.

و على هذا(جميع)يكون التّنوين فيه لقطع الإضافة، كأنّهم قالوا:نحن جميع النّاس.(29:67)

القرطبيّ: أي جماعة لا تطاق لكثرة عددهم و قوّتهم.(17:145)

أبو حيّان :أي واثقون بجماعتنا منتصرون بقوّتنا، تقولون ذلك على سبيل الإعجاب بأنفسكم.(8:182)

البروسويّ: تبكيت،و الالتفات للإيذان باقتضاء حالهم للإعراض عنهم،و إسقاطهم عن رتبة الخطاب، و حكاية قبائحهم لغيرهم،يقال:نصره من عدوّه فانتصر،أي منعه فامتنع،أي بل أ يقولون واثقين بشوكتهم:نحن أولو حزم و رأي أمرنا مجتمع لا نرام و لا نضام،أو منتصر من الأعداء منتقم،لا نغلب،أو متناصر بنصر بعضنا بعضا.(9:282)

الآلوسيّ: [نحو البروسويّ و أضاف:]

ثمّ إنّ(جميع)على ما أشير إليه،بمعنى الجماعة الّتي أمرها مجتمع،و ليس من التّأكيد في شيء،بل هو خبر (نحن).و جوّز أن يكون بمعنى مجتمع خبر مبتدإ محذوف، و هو«أمرنا»و الجملة،خبر(نحن)،و أن يكون هو الخبر و الإسناد مجازيّ.(27:92)

الطّباطبائيّ: الجميع:المجموع،و المراد به وحدة مجتمعهم من حيث الإرادة و العمل.(19:84)

عبد الكريم الخطيب :و الجميع بمعنى الجمع، و عبّر عن الجمع بالجميع،إشارة إلى استطالتهم في الغرور،و إدلالهم بكثرة جمعهم.(14:645)

مكارم الشّيرازيّ: (جميع)جمع،بمعنى مجموع، و المقصود هنا هي الجماعة الّتي لها هدف و قدرة على إنجاز عمل،و التّعبير هنا ب(منتصر)تأكيد على هذا المعنى،

ص: 845

لأنّه من مادّة«انتصار»بمعنى الانتقام و الغلبة.

و الجدير بالذّكر هنا:أنّ الآية السّابقة كانت بصورة خطاب،أمّا في هذه الآية و الآيات اللاّحقة لها،فإنّ الحديث عن الكفّار كان بلغة الغائب،و هو نوع من أنواع التّحقير،أي أنّهم غير مؤهّلين للخطاب الإلهيّ المباشر.

و على كلّ حال فإنّ ادّعاءهم بالقوّة و القدرة ادّعاء فارغ و قول هراء،لأنّ الأقوام السّابقة من أمثال قوم عاد و ثمود و آل فرعون و أضرابهم،كانوا أكثر قوّة و سطوة، و مع ذلك فلم تغني عنهم قوّتهم شيئا،حينما واجهوا العذاب،و كانوا من الضّعف كالقشّة اليابسة؛تتقاذفها الأمواج من كلّ مكان.(17:316)

فضل اللّه :لأنّهم يرون لأنفسهم القوّة الغالبة على المسلمين،لكثرة العديد و العدّة الّتي يملكونها في مقابل المسلمين.(21:294)

مجمع

حَتّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ. الكهف:60

راجع«ب ح ر»(البحرين)]

الجمع

...وَ تُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَ فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ. الشّورى:7

السّدّيّ: يوم القيامة.(الطّبريّ 25:9)

الزّمخشريّ: يوم القيامة،لأنّ الخلائق تجمع فيه، قال اللّه تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ التّغابن:9.

و قيل:يجمع بين الأرواح و الأجساد،و قيل:يجمع بين كلّ عامل و عمله.[إلى أن قال:]

فإن قلت:كيف يكونون مجموعين متفرّقين في حالة واحدة؟

قلت:هم مجموعون في ذلك اليوم،مع افتراقهم في داري البؤس و النّعيم،كما يجتمع النّاس يوم الجمعة متفرّقين في مسجدين،و إن أريد بالجمع جمعهم في الموقف،فالتّفرّق على معنى مشارفتهم للتّفرّق.

(3:461)

ابن عطيّة: هو يوم القيامة،و سمّي(يوم الجمع) لاجتماع أهل الأرض فيه بأهل السّماء،أو لاجتماع بني آدم للعرض.(5:27)

الطّبرسيّ: و هو يوم القيامة،يجمع اللّه فيه الأوّلين و الآخرين،و أهل السّماوات و الأرضين؛ف(يوم الجمع) مفعول ثان ل(تنذر)و ليس بظرف.(2:22)

الفخر الرّازيّ: في تسميته ب(يوم الجمع)وجوه:

الأوّل:أنّ الخلائق يجمعون فيه،قال تعالى: يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ، فيجتمع فيه أهل السّماوات من أهل الأرض.

الثّاني:أنّه يجمع بين الأرواح و الأجساد.

الثّالث:يجمع بين كلّ عامل و عمله.

الرّابع:يجمع بين الظّالم و المظلوم.(27:148)

و بهذا المعنى جاء(يوم الجمع)في أقوال المفسّرين بأجمعهم.

جمعه

إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ. القيمة:17

ص: 846

ابن عبّاس: (جمعه)في صدرك(و قرانه)تقرؤه بعد.

أن نجمعه لك،(و قرانه)أن نقرئك فلا تنسى.

(الطّبريّ 29:189)

إنّ علينا جمعه في قلبك لتقرأه بلسانك.

(الماورديّ 6:156)

إنّ علينا بيانه من حلاله و حرامه،بذكره لك.

(الطّوسيّ 10:196)

الضّحّاك: إنّ علينا أن نجمعه لك حتّى نثبّته في قلبك.(الطّبريّ 29:189)

قتادة :حفظه و تأليفه.(الطّبريّ 29:189)

الطّبريّ: يقول تعالى ذكره:إنّ علينا جمع هذا القرآن في صدرك يا محمّد،حتّى نثبّته فيه،(و قرانه):

حتّى تقرأه بعد أن جمعناه في صدرك.(29:188)

الزّجّاج: أي إنّ علينا أن نقرئك فلا تنسى،و علينا تلاوته عليك.(5:253)

الميبديّ: أي(جمعه)في قلبك لتقرأه بلسانك.

(10:304)

الزّمخشريّ: (جمعه)في صدرك،و إثبات قراءته في لسانك.(4:191)

الفخر الرّازيّ: معناه علينا جمعه في صدرك و حفظك.

و قوله:(و قرانه)فيه وجهان:

أحدهما:أنّ المراد من القرآن:القراءة،و على هذا التّقدير ففيه احتمالان:

أحدهما:أن يكون المراد:جبريل عليه السّلام،سيعيده عليك حتّى تحفظه.

و الثّاني:أن يكون المراد:إنّا سنقرئك يا محمّد إلى أن تصير بحيث لا تنساه،و هو المراد من قوله: سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى الأعلى:6.

فعلى هذا الوجه الأوّل:القارئ جبريل عليه السّلام،و على الوجه الثّاني:القارئ محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.

و الوجه الثّاني:أن يكون المراد من القرآن:الجمع و التّأليف،من قولهم:ما قرأت النّاقة سلاّ قطّ،أي ما جمعت،و بنت عمرو بن كلثوم لم تقرأ جنينا،و قد ذكرنا ذلك عند تفسير«القرء».

فإن قيل:فعلى هذا الوجه يكون الجمع و القرآن واحدا،فيلزم التّكرار.

قلنا:يحتمل أن يكون المراد من الجمع:جمعه في نفسه و وجود الخارجيّ،و من القرآن جمعه في ذهنه و حفظه،و حينئذ يندفع التّكرار.(30:224)

و بهذا المعنى جاءت كلمة(جمعه)في أقوال جلّ المفسّرين إن شئت فراجع.

الجمعان

إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ...

آل عمران:155

الطّبريّ: يوم التقى جمع المشركين و المسلمين بأحد.(4:144)

الطّبرسيّ: جمع المسلمين و سيّدهم رسول اللّه، و جمع المشركين و رئيسهم أبو سفيان.(1:524)

راجع«ي و م»(يوم التقى)

ص: 847

الجمعة

إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ... الجمعة:9

ابن عبّاس: إنّما سمّي يوم الجمعة لأنّ اللّه جمع فيه خلق آدم.(ابن سيده 1:350)

الفرّاء: خفضها (1)الأعمش،فقال:(الجمعة)، و ثقّلها عاصم و أهل الحجاز.و فيها لغة:«جمعة»و هي لغة لبني عقيل،لو قرئ بها كان صوابا.

و الّذين قالوا:«الجمعة»ذهبوا بها إلى صفة اليوم أنّه يوم جمعة،كما تقول:رجل ضحكة،للّذي يكثر الضّحك.(3:156)

نحوه القرطبيّ.(18:97)

الزّجّاج: و قرئت(الجمعة)بإسكان الميم.و يجوز في اللّغة:«الجمعة»بفتح الميم،و لا ينبغي أن يقرأ بها إلاّ أن تثبت بها رواية عن إمام من القرّاء.

فمن قرأ(الجمعة)فهو تخفيف(الجمعة)لثقل الضّمّتين.و من قال في غير القراءة:«الجمعة»فمعناه الّتي تجمع النّاس،كما تقول:رجل لعنة،أي يكثر لعن النّاس،و رجل ضحكة،يكثر الضّحك.(5:171)

الماورديّ: و كان اسم يوم الجمعة في الجاهليّة:

العروبة،لأنّ أسماء الأيّام في الجاهليّة كانت غير هذه الأسماء،فكانوا يسمّون يوم الأحد أوّل،و الاثنين أهون، و الثّلاثاء جبار،و الأربعاء دبار،و الخميس مؤنس، و الجمعة:عروبة،و السّبت شيار.[ثمّ استشهد بشعر]

و أوّل من سمّاه يوم الجمعة كعب بن لؤيّ بن غالب، لاجتماع قريش فيه إلى كعب.و قيل:بل سمّي في الإسلام، لاجتماع النّاس فيه للصّلاة.(6:9)

الزّمخشريّ: يوم الجمعة:يوم الفوج المجموع، كقولهم:ضحكة للمضحوك منه.و يوم الجمعة بفتح الميم:

يوم الوقت الجامع،كقولهم:ضحكة و لعنة،و لعبة.و يوم الجمعة تثقيل للجمعة،كما قيل:عسرة في عسرة، و قرئ بهنّ جميعا.[و له مباحث أخرى فلاحظ]

(4:104)

الطّبرسيّ: و الجمعة و الجمعة:لغتان،و جمعها:جمع و جمعات.و إنّما سمّي جمعة،لأنّه تعالى فرغ فيه من خلق الأشياء،فاجتمعت فيه المخلوقات،و قيل:لأنّه تجتمع فيه الجماعات،و قيل:إنّ أوّل من سمّاها جمعة كعب بن لؤيّ...و قيل:إنّ أوّل من سمّاها جمعة الأنصار.

قال ابن سيرين:جمّع أهل المدينة قبل أن يقدم النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم المدينة.

و قيل:قبل أن تنزل الجمعة،قالت الأنصار:لليهود يوم يجتمعون فيه كلّ سبعة أيّام،و للنّصارى يوم أيضا مثل ذلك،فلنجعل يوما نجتمع فيه فنذكر اللّه عزّ و جلّ و نشكره،أو كما قالوا:يوم السّبت لليهود،و يوم الأحد للنّصارى،فاجعلوه يوم العروبة.فاجتمعوا إلى أسعد ابن زرارة،فصلّى بهم يومئذ و ذكّرهم،فسمّوه:يوم الجمعة حين اجتمعوا إليه،فذبح لهم أسعد بن زرارة شاة، فتغدّوا و تعشّوا من شاة واحدة؛و ذلك لقلّتهم،فأنزل اللّه تعالى في ذلك إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ الآية.فهذه أوّل جمعة جمعت في الإسلام.

ص: 848


1- الظّاهر يعني خفّفها،كما جاء في«القرطبيّ 18:97»و «ابن منظور 8:58».

فأمّا أوّل جمعة جمّعها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم بأصحابه، فقيل:إنّه قدم رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم مهاجرا حتّى نزل قبا على بني عمرو بن عوف،و ذلك يوم الاثنين لاثنتي عشرة ليلة خلت من شهر ربيع الأوّل حين الضّحى،فأقام بقباء يوم الاثنين و الثّلاثاء و الأربعاء و الخميس،و أسّس مسجدهم.ثمّ خرج من بين أظهرهم يوم الجمعة عامدا المدينة،فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم،قد اتّخذوا اليوم في ذلك الموضع مسجدا، و كانت هذه الجمعة أوّل جمعة جمّعها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في الإسلام،فخطب في هذه الجمعة،و هي أوّل خطبة خطبها بالمدينة فيما قيل.[ثمّ ذكر خطبة الرّسول في هذا اليوم](5:286)

نحوه أبو حيّان(8:268)،و البروسويّ(9:522).

الآلوسيّ: و الجمعة بضمّ الميم و هو الأفصح، و الأكثر الشّائع،و به قرأ الجمهور.و قرأ ابن الزّبير و أبو حيوة و ابن أبي عبلة و زيد بن عليّ و الأعمش بسكونها،و روي عن أبي عمرو-و هي لغة تميم-و جاء فتحها و لم يقرأ به،و نقل بعضهم الكسر أيضا.

و ذكروا أنّ الجمعة بالضّمّ مثل الجمعة بالإسكان، و معناه المجموع،أي يوم الفوج المجموع،كقولهم:ضحكة للمضحوك منه.

و أمّا الجمعة بالفتح،فمعناه الجامع،أي يوم الوقت الجامع،كقولهم:ضحكة لكثير الضّحك.

و قال أبو البقاء:الجمعة بضمّتين و بإسكان الميم:

مصدر بمعنى الاجتماع.

و قيل في المسكّن:هو بمعنى المجتمع فيه،كرجل ضحكة،أي كثير الضّحك منه،انتهى.

و قد صار يوم الجمعة علما على اليوم المعروف من أيّام الأسبوع.و ظاهر عبارة أكثر اللّغويّين:أنّ الجمعة وحدها من غير«يوم»صارت علما له و لا مانع منه، و إضافة العامّ المطلق إلى الخاصّ جائزة مستحسنة،فيما إذا خفي الثّاني كما هنا،لأنّ التّسمية حادثة-كما ستعلمه إن شاء اللّه تعالى-فليست قبيحة كالإضافة في إنسان زيد،و كانت العرب-على ما قال غير واحد-تسمّي يوم الجمعة:عروبة.

قيل:و هو علم جنس يستعمل ب«أل»و بدونها، و قيل:«أل»لازمة،قال الخفاجيّ:و الأوّل أصحّ.

و في«النّهاية»لابن الأثير:«عروبة»اسم قديم للجمعة،و كأنّه ليس بعربيّ،يقال:يوم عروبة،و يوم العروبة؛و الأفصح أن لا يدخلها الألف و اللاّم،انتهى.

و ما ظنّه من أنّه ليس بعربيّ جزم به:مختصر كتاب «التّذييل و التّكميل ممّا استعمل من اللّفظ الدّخيل»، لجمال الدّين عبد اللّه بن أحمد الشّهير بالشّيشيّ،فقال:

عروبة منكّرا و معرّفا،هو يوم الجمعة،اسم سريانيّ معرّب،ثمّ قال السّهيليّ:معنى العروبة الرّحمة فيما بلغنا عن بعض أهل العلم،انتهى.و هو غريب فليحفظ.[ثمّ بحث بحثا مستوفى عن يوم الجمعة،و أوّل من سمّاه الجمعة،و أوّل صلاة جمعة](28:99)

الطّباطبائيّ: و الجمعة بضمّتين أو بالضّمّ فالسّكون:

أحد أيّام الأسبوع،و كان يسمّى أوّلا يوم العروبة،ثمّ غلب عليه اسم الجمعة.و المراد بالصّلاة من يوم الجمعة، صلاة الجمعة المشرّعة يومها.(19:273)

ص: 849

مكارم الشّيرازيّ: لما ذا سمّي يوم الجمعة بهذا الاسم؟فهو لاجتماع النّاس في هذا اليوم للصّلاة،و هذه المسألة لها تاريخ سنبحثه في النّقاط القادمة.[ثمّ أدام البحث مفصّلا في كيفيّة صلاة الجمعة و شرائطها، و أهمّيّتها،و أوّل صلاة جمعة كانت في الإسلام،و فلسفة صلاة الجمعة،و أنّها كانت صلاة عباديّة و سياسيّة، و آدابها،و مضمون الخطبتين،و بأيّ عدد يمكن انعقاد صلاة الجمعة](18:308)

فضل اللّه :لإقامة هذه الصّلاة في جموع المسلمين، ليلتقوا جميعا-باسم اللّه-في عبادة اللّه المنفتحة على قضايا الحياة العامّة.(22:217)

الوجوه و النّظائر

الفيروزآباديّ: و قد ورد الجمع في القرآن على ثلاثين (1)وجها:

[و هي]لجمع المال و النّعمة جَمَعَ مالاً وَ عَدَّدَهُ الهمزة:2،و جمع النّهب و الغارة فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً العاديات:5،و جمع الإلزام و الحجّة جَمَعْناكُمْ وَ الْأَوَّلِينَ المرسلات:38،و جمع إظهار القدرة أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ القيمة:3،و جمع الهول و الهيبة (2)و جمع الشّمس و القمر (3)القيمة:9،و جمع القراءة و المتابعة إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ القيمة:17،و جمع الحرص و الآفة وَ جَمَعَ فَأَوْعى المعارج:18،و جمع يوم القيامة يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ التّغابن:9،و له نظائر.و جمع الجماعة و الجمعة إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ الجمعة:9،و جمع الانتظار بين الدّنيا و الآخرة لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ الواقعة:50،و جمع الحرب و الهزيمة سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ القمر:45،و جمع الإرادة و المشيئة جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ الشّورى:29،و جمع المصير و الرّجعة يَجْمَعُ بَيْنَنا وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ الشّورى:15،و جمع القضاء و الحكومة قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا سبأ:26،و جمع السّجدة و التّحيّة فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ الحجر:30 و ص:73،و جمع الوسواس و الغواية وَ جُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ الشّعراء:95،و جمع هديّة الهداية فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ الأنعام:149،و جمع الرّجوع من الغربة وَ أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ يوسف:

93،و جمع السّحرة للمكر و الحيلة فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ الشّعراء:38،و جمع النّاس للنّظارة و العبرة وَ قِيلَ لِلنّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ الشّعراء:39،و جمع التّعظيم و الحرمة عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتّى يَسْتَأْذِنُوهُ النّور:62،و جمع الغلبة و النّصرة فَجَمَعَ كَيْدَهُ طه:60، فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ طه:64،و جمع العجز و الجهالة قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ الإسراء:88،و جمع العرض و السّياسة فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً الكهف:99،و جمع التّأخير و المهلة إِنَّكَ جامِعُ النّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ آل عمران:9،و جمع التّعبير و الملامة فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ آل عمران:25،و جمع

ص: 850


1- لكنّه عدّ خمسة و ثلاثين وجها.
2- لم يمثّل لهذا الضرب،أو هو جمع الشّمس و القمر؛لأنّ في جمعهما للهول هيبة.
3- قوله تعالى: وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ القيمة:9.

التّحذير و الخشية إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ آل عمران:173،و جمع طلب العلم و الحكمة حَتّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما الكهف:60، 61،و جمع أرباب النّبوّة و الرّسالة يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ المائدة:109،و جمع الاتّفاق و العزّة فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَ شُرَكاءَكُمْ يونس:71،و جمع الجرأة و الغفلة وَ أَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ يوسف:15، و جمع الحضور في الحضرة يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ هود:103،و جمع الفضل و الرّحمة هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ يونس:58،و جمع الهدى و الضّلالة فَلَمّا تَراءَا الْجَمْعانِ الشّعراء:61،و جمع الظّفر و الغنيمة يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ الأنفال:41،و يقال للمجموع:جمع و جماعة و جميع.

و ورد الجمع في القرآن على ثلاثين وجها (1)أيضا:

للمنّة علينا بما في السّماوات و الأرض خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً البقرة:29،و تسخير الموجودات لنا وَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ الجاثية:13،و قرئ:جميعا منّة (2).رجوع الكلّ إليّ في العاقبة إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً يونس:4،حشر الكلّ عندنا وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً الأنعام:22،القوّة كلّها لنا أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً البقرة:165،العزّة كلّها لنا إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً يونس:65،نشر الكلّ من بطن الأرض جميعا يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً المجادلة:18، يودّ الكافر لو يفتدي بكلّ ما في الأرض جميعا وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً المعارج:14،اليهود لا يقاتلونكم إلاّ و هم في حصون حصينة لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ لا تحسبوا أنّ اليهود متّفقون ظاهرا و باطنا تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَ قُلُوبُهُمْ شَتّى الحشر:14،ادّعت كفّار مكّة أنّهم كلّهم متوازرون منتقمون نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ القمر:44،السّماء و الأرض في قبضة قدرتنا وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ الزّمر:67،جميع الشّفاعات مسلّمة بحكمنا قُلْ لِلّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً الزّمر:44،نحطّ العفو على الذّنوب كلّها إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً الزّمر:53،الخلائق كلّهم يأتون حضورا بحضرتنا وَ إِنْ كُلٌّ لَمّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ يس:32، فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ يس:

53،لمّا عصيتنا يا آدم اخرج من جهتنا مع سائر العاصين اِهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً البقرة:38.ادّعى عسكر فرعون أنّهم كلّهم على حذر في أمرهم وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ الشّعراء:56،لا بأس عليكم في التّفرّق و الاجتماع إذا كنتم أصدقاء أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً النّور:61، توبوا يا أهل الإيمان وَ تُوبُوا إِلَى اللّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ النّور:31،ناد يا محمّد إنّي رسول اللّه إلى كلّ الخلائق إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الأعراف:

158،و لو أردنا لهدينا الكلّ أَنْ لَوْ يَشاءُ اللّهُ لَهَدَى النّاسَ جَمِيعاً الرّعد:31،و لو أراد اللّه لأورد النّاس مورد الإيمان وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً يونس:99،تعلّق رجاء يعقوب بوصول أولاده إليه كلّهم عَسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً يوسف:83، نحن قهرنا فرعون و من معه فَأَغْرَقْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ جَمِيعاًس.

ص: 851


1- لكنّه عدّ تسعة و عشرون وجها.
2- نسبت هذه القراءة إلى ابن عبّاس.

الإسراء:103،سيبرز الكلّ في عرصات القيامة وَ بَرَزُوا لِلّهِ جَمِيعاً إبراهيم:21،الأخابث و ما عملوا إلى النّار فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً الأنفال:37،يعاقب بعضهم بعضا في دخولها حَتّى إِذَا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعاً الأعراف:38،و نحن نجمع المنافقين و الكافرين فيها إِنَّ اللّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَ الْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً النّساء:140،لأنّ جهنّم موعد المسيئين يملؤها منهم وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ الحجر:43، لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ هود:119.

(بصائر ذوي التّمييز 2:390-394)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة الجمع،أي جماعة النّاس و حشدهم،و جمعه:جموع؛يقال:تجمّع القوم،أي اجتمعوا من هاهنا و هاهنا،و قوم جميع:مجتمعون، و المجمع:اسم للنّاس و للموضع الّذي يجتمعون فيه، و المجمعة:مجلس الاجتماع،و الجمّاع:أخلاط النّاس،و الجماعة و الجميع و المجمع و المجمعة:الجمع في غير النّاس أيضا؛فيقال لجماعة الشّجر و جماعة النّبات.

و جمع الشّيء عن تفرقة يجمعه جمعا و جمّعه و أجمعه،فاجتمع و اجدمع و تجمّع و استجمع:جعله جميعا؛يقال:جمعت الشّيء،أي جئت به من هاهنا و هاهنا فهو مجموع،و استجمع السّيل:اجتمع من كلّ موضع،و متجمّع البيداء:معظمها و مختلفها،و جمّاع كلّ شيء:مجتمع خلقه،و جمّاع جسد الإنسان:رأسه، و جمّاع الثّمر:تجمّع براعمه في موضع واحد على حمله؛ و جمّاع الثّريّا:مجتمعها،و امرأة جمّاع:قصيرة،كأنّ أعضاءها تجمّعت و انضمّ بعضها إلى بعض،و المسجد الجامع:الّذي يجمع أهله.

و جمع الكفّ و جمعها:قبضها،و الجمع:أجماع؛يقال:

ضربه بحجر جمع الكفّ و جمعها،أي ملئها،و ضربوه بأجماعهم،أي بأيديهم،و أخذت فلانا بجمع ثيابه، و جاء فلان ملء جمعه.

و الجمعة:القبضة؛يقال:أعطني جمعة من تمر،أي قبضة منه.

و ماتت المرأة بجمع و جمع:ماتت و ولدها في بطنها فهي جامع،و هي بجمع و جمع:مثقلة،و ماتت النّساء بأجماع،و ناقة جمع:في بطنها ولد،و هي جامع أيضا.

و باتت فلانة منه بجمع و جمع:بكرا لم يفتضّها،و طلّقت المرأة بجمع:طلّقت و هي عذراء.

و الرّجل المجتمع:الّذي بلغ أشدّه؛يقال:اجتمع الرّجل،أي استوت لحيته و بلغ غاية شبابه،و لا يقال ذلك للجارية،و رجل جميع:مجتمع الخلق.

و جمعت المرأة الثّياب:لبست الدّرع و الملحفة و الخمار،يقال ذلك للجارية إذا شبّت،يكنّى به عن سنّ الاستواء.

و الجمع:كلّ لون من التّمر لا يعرف اسمه،كأنّه جمع صفات ما يعرف منه؛يقال:ما أكثر الجمع في أرض بني فلان!النّخل خرج من النّوى لا يعرف اسمه.

و الجمع:علم للمزدلفة،سمّيت بذلك لاجتماع النّاس بها.

ص: 852

و قدر جماع و جامعة:عظيمة،و هي الّتي تجمع الجزور.

و الجامع:البطن،لأنّه يجمع الأحشاء.

و الجامعة:الغلّ،لأنّها تجمع اليدين إلى العنق.

و أرض مجمعة:جدب لا تفرّق فيها الرّكاب لرعي.

و فلاة مجمعة و مجمّعة:يجتمع فيها القوم و لا يتفرّقون خوف الضّلال و نحوه،كأنّها هي الّتي تجمعهم.

و أجمعت الأرض سائلة،و أجمع المطر الأرض:سال رغابها و جهادها كلّها.

و استجمع الوادي:لم يبق منه موضع إلاّ سال.

و استجمع القوم:ذهبوا كلّهم لم يبق منهم أحد،كما يستجمع الوادي بالسّيل.

و استجمع الفرس جريا:تكمّش له.

و استجمع البقل:يبس كلّه،كأنّه انكمش و تضامّ.

و إبل جمّاعة:مجتمعة،و أجمعت الإبل:سقتها جميعا.

و أجمع النّاقة و بها:صرّ أخلافها جمع.

و جمّعت الدّجاجة تجميعا:جمعت بيضها في بطنها.

و الجمعاء من البهائم:الّتي لم يذهب من بدنها شيء، و هي الكافّة الهرمة أيضا.

و يوم الجمعة و الجمعة و الجمعة:يوم العروبة،سمّي بذلك لاجتماع النّاس فيه،و الجمع:جمعات و جمع؛يقال:

مضت الجمعة بما فيها،و جمّع الناس تجميعا:شهدوا الجمعة و قضوا الصّلاة فيها،و استأجر الأجير مجامعة و جماعا،أي كلّ جمعة بكراء.

و ذهب الشّهر بجمع و جمع،أي أجمع.

و جماع الشّيء:جمعه؛يقال:جماع الخباء:الأخبية، لأنّ الجماع ما جمع عددا.

و الجماعة:عدد كلّ شيء و كثرته.

و الكلام الجامع:ما قلّت ألفاظه و كثرت معانيه، و الجامع:من أسماء اللّه الحسنى،يجمع الخلائق ليوم الحساب،و أمر جامع:يجمع النّاس.

و فلان جماع لبني فلان،أي يأوون إلى رأيه و سؤدده.

و رجل جميع الرّأي و مجتمعه:شديده ليس بمنتشره.

و أمر بني فلان بجمع و جمع فلا تفشوه،أي مجتمع فلا تفرّقوه بالإظهار،يقال ذلك إذا كان مكتوما و لم يعلم به أحد.

و الإجماع:الإعداد و العزيمة على الأمر؛يقال:أجمع أمره،أي جعله جميعا بعد ما كان متفرّقا،و أجمع أمرك و لا تدعه منتشرا،و جمّع أمره و أجمعه و أجمع عليه:عزم عليه،و الأمر مجمع،كأنّه جمع نفسه له.

و جامعه على الأمر:مالأه عليه و اجتمع معه.

و الجماع و المجامعة:كناية عن النّكاح؛يقال:

جامعها مجامعة و جماعا،مثل:كامعها مكامعة و كماعا:

نكحها.

و جميع:يؤكّد به؛يقال:جاءوا جميعا كلّهم.

و أجمع:من الألفاظ الدّالّة على الإحاطة و ليست بصفة،و لكنّه يلمّ به ما قبله من الأسماء و يجري على إعرابه،و الجمع:أجمعون،و الأنثى:جمعاء.

2-و لحق هذه المادّة كثير من الكلام المولّد،و منه:

الإجماع،و هو أحد الأدلّة الأربعة عند جمهور المسلمين،

ص: 853

و هي:الكتاب،و السّنّة،و العقل عند الإماميّة-و القياس عند غيرهم-و الإجماع،و هو اتّفاق المجتهدين في عصر على أمر دينيّ.

و الاجتماع:علم يبحث في نشوء الجماعات الإنسانيّة و نموّها و طبيعتها و قوانينها و نظمها؛يقال:

رجل اجتماعيّ،أي مزاول للحياة الاجتماعيّة،كثير المخالطة للنّاس.

و التّجمّعات السّكنيّة:مجموعة من البيوت بنيت بانضمام بعضها إلى بعض عموديّة أو أفقيّة.

و التّجميع في الصّناعة:ضمّ قطع مختلفة معدّة سلفا إلى بعضها بعضا،لتكوين آلة أو جهاز كالسّيّارة.

و الجامعة:مجموعة معاهد علميّة تسمّى كلّيّات، تدرّس فيها الآداب و الفنون و العلوم.كما تطلق على مجموعة الحكومات أو الشّخصيّات،كجامعة الدّول العربيّة،و جامعة المدرّسين.

و الجماعيّة:مذهب اشتراكيّ يقرّر أنّ أموال الإنتاج يجب أن تكون للدّولة،و أن تلغى الملكيّة الخاصّة الواردة عليها،و أنّ أموال الاستهلاك هي وحدها الّتي تكون محلاّ للملكيّة الخاصّة.

و المجتمع:طائفة عظيمة من النّاس يخضعون لقوانين و نظم عامّة،كالمجتمع الإيرانيّ و المجتمع العراقيّ.

و الجمعيّة:طائفة تتألّف من أعضاء لغرض خاصّ و فكرة مشتركة،و منها:الجمعيّة العامّة للأمم المتّحدة، و جمعيّة الأدباء،و الجمعيّة التّعاونيّة،و الجمعيّة العلميّة.

و المجمع:مؤسّسة مهمّتها النّهوض باللّغة أو العلوم أو الفنون،كمجمع اللّغة العربيّة في القاهرة و بغداد و دمشق و عمّان،و مجمع البحوث الإسلاميّة التّابع للعتبة الرّضويّة المقدّسة في مشهد،و مجمع الفنون التّشكيليّة في بغداد و غيرها.

و هناك اصطلاحات مولّدة أخرى كثيرة في علوم كثيرة،كالرّياضيّات و المنطق و علم النّفس و الحيوان و الكيمياء و الفيزياء و الطّبّ و الصّناعة و الزّراعة و التّجارة و الاقتصاد،أحجمنا عن ذكرها احترازا من التّطويل و التّفصيل.

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الفعل مجرّدا ماضيا معلوما و مجهولا(10) مرّات،و مضارعا معلوما(12)مرّة،و مزيدا من باب «الإفعال»ماضيا و أمرا كلّ منهما مرّتين،و من باب «الافتعال»ماضيا مرّتين،و مصدرا أو اسم مصدر مفردا و تثنية(13)مرّة،و اسم فاعل(4)مرّات:(3)مجرّدا و مرّة مزيدا،و اسم مفعول و اسم مكان كلّ منهما مرّتين، و صفة مشبّهة تأكيدا(53)مرّة،و اسم تأكيد(26)مرّة، و اسما مرّة في(123)آية:

جمع و جمع:

1- فَتَوَلّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى طه:60

2- تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلّى* وَ جَمَعَ فَأَوْعى

المعارج:17،18

3- وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ* اَلَّذِي جَمَعَ مالاً وَ عَدَّدَهُ الهمزة:1،2

4- وَ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ الأنعام:35

ص: 854

4- وَ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكَ إِعْراضُهُمْ فَإِنِ اسْتَطَعْتَ أَنْ تَبْتَغِيَ نَفَقاً فِي الْأَرْضِ أَوْ سُلَّماً فِي السَّماءِ فَتَأْتِيَهُمْ بِآيَةٍ وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى فَلا تَكُونَنَّ مِنَ الْجاهِلِينَ الأنعام:35

5- هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَ الْأَوَّلِينَ

المرسلات:38

6- فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ وَ وُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ ما كَسَبَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ آل عمران:25

7- وَ تَرَكْنا بَعْضَهُمْ يَوْمَئِذٍ يَمُوجُ فِي بَعْضٍ وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً الكهف:99

8- اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزادَهُمْ إِيماناً وَ قالُوا حَسْبُنَا اللّهُ وَ نِعْمَ الْوَكِيلُ آل عمران:173

9- فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ

الشّعراء:38

10- وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ القيمة:9

يجمع:

11- يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ قالُوا لا عِلْمَ لَنا إِنَّكَ أَنْتَ عَلاّمُ الْغُيُوبِ المائدة:109

12- قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ وَ هُوَ الْفَتّاحُ الْعَلِيمُ سبأ:26

13- ...لَنا أَعْمالُنا وَ لَكُمْ أَعْمالُكُمْ لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ اللّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا وَ إِلَيْهِ الْمَصِيرُ

الشّورى:15

14- قُلِ اللّهُ يُحْيِيكُمْ ثُمَّ يُمِيتُكُمْ ثُمَّ يَجْمَعُكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَ لكِنَّ أَكْثَرَ النّاسِ لا يَعْلَمُونَ

الجاثية:26

15- يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ ذلِكَ يَوْمُ التَّغابُنِ...

التّغابن:9

16- اَللّهُ لا إِلهَ إِلاّ هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ وَ مَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً النّساء:87

17- قُلْ لِمَنْ ما فِي السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ قُلْ لِلّهِ كَتَبَ عَلى نَفْسِهِ الرَّحْمَةَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ لا رَيْبَ فِيهِ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ الأنعام:12

18- أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ

القيمة:3

19- وَ لَئِنْ قُتِلْتُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَوْ مُتُّمْ لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ آل عمران:157

20- قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَ بِرَحْمَتِهِ فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ يونس:58

21- أَ هُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَتَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنا بَيْنَهُمْ مَعِيشَتَهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا وَ رَفَعْنا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً سُخْرِيًّا وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ الزّخرف:32

22- حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهاتُكُمْ وَ... وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كانَ غَفُوراً رَحِيماً

النّساء:23

أجمعوا و أجمعوا:

23- فَلَمّا ذَهَبُوا بِهِ وَ أَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ... يوسف:15

24- ذلِكَ مِنْ أَنْباءِ الْغَيْبِ نُوحِيهِ إِلَيْكَ وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَ هُمْ يَمْكُرُونَ يوسف:102

25- وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَ تَذْكِيرِي بِآياتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَ شُرَكاءَكُمْ... يونس:71

ص: 855

25- وَ اتْلُ عَلَيْهِمْ نَبَأَ نُوحٍ إِذْ قالَ لِقَوْمِهِ يا قَوْمِ إِنْ كانَ كَبُرَ عَلَيْكُمْ مَقامِي وَ تَذْكِيرِي بِآياتِ اللّهِ فَعَلَى اللّهِ تَوَكَّلْتُ فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَ شُرَكاءَكُمْ... يونس:71

26- فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا وَ قَدْ أَفْلَحَ الْيَوْمَ مَنِ اسْتَعْلى طه:64

اجتمعوا:

27- قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً الإسراء:88

28- يا أَيُّهَا النّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ وَ إِنْ يَسْلُبْهُمُ الذُّبابُ شَيْئاً لا يَسْتَنْقِذُوهُ مِنْهُ ضَعُفَ الطّالِبُ وَ الْمَطْلُوبُ الحجّ:73

الجمع:

29- سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ القمر:45

30- قالَ إِنَّما أُوتِيتُهُ عَلى عِلْمٍ عِنْدِي أَ وَ لَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَ أَكْثَرُ جَمْعاً وَ لا يُسْئَلُ عَنْ ذُنُوبِهِمُ الْمُجْرِمُونَ

القصص:78

31- وَ نادى أَصْحابُ الْأَعْرافِ رِجالاً يَعْرِفُونَهُمْ بِسِيماهُمْ قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ الأعراف:48

32- فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً* فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً

العاديات:4،5

33- إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ القيمة:17

34- وَ مِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ وَ ما بَثَّ فِيهِما مِنْ دابَّةٍ وَ هُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ الشّورى:29

35- وَ كَذلِكَ أَوْحَيْنا إِلَيْكَ قُرْآناً عَرَبِيًّا لِتُنْذِرَ أُمَّ الْقُرى وَ مَنْ حَوْلَها وَ تُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَ فَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ الشّورى:7

الجمعان:

36- وَ اعْلَمُوا أَنَّما غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلّهِ خُمُسَهُ وَ... وَ ما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ الأنفال:41

37- إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطانُ بِبَعْضِ ما كَسَبُوا وَ لَقَدْ عَفَا اللّهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ آل عمران:155

38- وَ ما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ وَ لِيَعْلَمَ الْمُؤْمِنِينَ آل عمران:166

39- فَلَمّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنّا لَمُدْرَكُونَ الشّعراء:61

جامع و مجتمعون:

40- رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لا يُخْلِفُ الْمِيعادَ آل عمران:9

41- ...إِنَّ اللّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَ الْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً النّساء:140

42- إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رَسُولِهِ وَ إِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتّى يَسْتَأْذِنُوهُ... النّور:62

43- وَ قِيلَ لِلنّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ الشّعراء:39

مجمع:

44 و 45- وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً* فَلَمّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً

ص: 856

44 و 45- وَ إِذْ قالَ مُوسى لِفَتاهُ لا أَبْرَحُ حَتّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً* فَلَمّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً

الكهف:60،61

مجموع:

46- إِنَّ فِي ذلِكَ لَآيَةً لِمَنْ خافَ عَذابَ الْآخِرَةِ ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ وَ ذلِكَ يَوْمٌ مَشْهُودٌ هود:103

47- قُلْ إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ* لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ الواقعة:49 و 50

جميع و جميعا:

48- وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ الشّعراء:56

49- أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ القمر:44

50- وَ إِنْ كُلٌّ لَمّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ

يس:32

51- إِنْ كانَتْ إِلاّ صَيْحَةً واحِدَةً فَإِذا هُمْ جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ يس:53

52- هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ فَسَوّاهُنَّ سَبْعَ سَماواتٍ وَ هُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ البقرة:29

53- وَ لِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيها فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً إِنَّ اللّهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ البقرة:148

54- ...أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً وَ أَنَّ اللّهَ شَدِيدُ الْعَذابِ البقرة:165

55- اَلَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكافِرِينَ أَوْلِياءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَ يَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً

النّساء:139

56- لَنْ يَسْتَنْكِفَ الْمَسِيحُ أَنْ يَكُونَ عَبْداً لِلّهِ وَ لاَ الْمَلائِكَةُ الْمُقَرَّبُونَ وَ مَنْ يَسْتَنْكِفْ عَنْ عِبادَتِهِ وَ يَسْتَكْبِرْ فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً النّساء:172

57- لَقَدْ كَفَرَ الَّذِينَ قالُوا إِنَّ اللّهَ هُوَ الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً... المائدة:17

58- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ ما تُقُبِّلَ مِنْهُمْ وَ لَهُمْ عَذابٌ أَلِيمٌ المائدة:36

59- ...وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً واحِدَةً وَ لكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي ما آتاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْراتِ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ

المائدة:48

60- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ المائدة:105

61- وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا أَيْنَ شُرَكاؤُكُمُ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ الأنعام:22

62- وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ نَقُولُ لِلَّذِينَ أَشْرَكُوا مَكانَكُمْ أَنْتُمْ وَ شُرَكاؤُكُمْ فَزَيَّلْنا بَيْنَهُمْ وَ قالَ شُرَكاؤُهُمْ ما كُنْتُمْ إِيّانا تَعْبُدُونَ يونس:28

63- وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً يا مَعْشَرَ الْجِنِّ قَدِ اسْتَكْثَرْتُمْ مِنَ الْإِنْسِ... الأنعام:128

64- وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَ هؤُلاءِ إِيّاكُمْ كانُوا يَعْبُدُونَ سبأ:40

65- لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ يَجْعَلَ الْخَبِيثَ

ص: 857

بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُولئِكَ هُمُ الْخاسِرُونَ الأنفال:37

66- وَ أَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَ لكِنَّ اللّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ الأنفال:63

67- إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً وَعْدَ اللّهِ حَقًّا إِنَّهُ يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ لِيَجْزِيَ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ بِالْقِسْطِ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَهُمْ شَرابٌ مِنْ حَمِيمٍ وَ عَذابٌ أَلِيمٌ بِما كانُوا يَكْفُرُونَ يونس:4

68- قُلْ يا أَيُّهَا النّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً

الأعراف:158

69- وَ لا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ يونس:65

70- وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً أَ فَأَنْتَ تُكْرِهُ النّاسَ حَتّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ

يونس:99

71- قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ

يوسف:83

72- لِلَّذِينَ اسْتَجابُوا لِرَبِّهِمُ الْحُسْنى وَ الَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ أُولئِكَ لَهُمْ سُوءُ الْحِسابِ وَ مَأْواهُمْ جَهَنَّمُ وَ بِئْسَ الْمِهادُ الرّعد:18

73- وَ لَوْ أَنَّ قُرْآناً سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبالُ أَوْ قُطِّعَتْ بِهِ الْأَرْضُ أَوْ كُلِّمَ بِهِ الْمَوْتى بَلْ لِلّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَ فَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللّهُ لَهَدَى النّاسَ جَمِيعاً... الرّعد:31

74- وَ قَدْ مَكَرَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً يَعْلَمُ ما تَكْسِبُ كُلُّ نَفْسٍ وَ سَيَعْلَمُ الْكُفّارُ لِمَنْ عُقْبَى الدّارِ الرّعد:42

75- وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا

آل عمران:103

76- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً النّساء:71

77- مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً فاطر:10

78- قُلْ لِلّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً لَهُ مُلْكُ السَّماواتِ وَ الْأَرْضِ ثُمَّ إِلَيْهِ تُرْجَعُونَ الزّمر:44

79- وَ لَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ بَدا لَهُمْ مِنَ اللّهِ ما لَمْ يَكُونُوا يَحْتَسِبُونَ الزّمر:47

80- قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللّهِ إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ الزّمر:53

81- وَ ما قَدَرُوا اللّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ وَ السَّماواتُ مَطْوِيّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحانَهُ وَ تَعالى عَمّا يُشْرِكُونَ الزّمر:67

82- وَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً مِنْهُ إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ الجاثية:13

83- يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُهُمْ بِما عَمِلُوا أَحْصاهُ اللّهُ وَ نَسُوهُ وَ اللّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ

المجادلة:6

84- يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ المجادلة:18

ص: 858

84- يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً فَيَحْلِفُونَ لَهُ كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ المجادلة:18

85- يُبَصَّرُونَهُمْ يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ* وَ صاحِبَتِهِ وَ أَخِيهِ* وَ فَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ* وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ

المعارج:11-14

86- وَ بَرَزُوا لِلّهِ جَمِيعاً فَقالَ الضُّعَفاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنّا كُنّا لَكُمْ تَبَعاً فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنّا مِنْ عَذابِ اللّهِ مِنْ شَيْءٍ... إبراهيم:21

87- فَأَرادَ أَنْ يَسْتَفِزَّهُمْ مِنَ الْأَرْضِ فَأَغْرَقْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ جَمِيعاً الإسراء:103

88- قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً فَإِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنْ تَبِعَ هُدايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَ لا هُمْ يَحْزَنُونَ البقرة:38

89- قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدىً فَمَنِ اتَّبَعَ هُدايَ فَلا يَضِلُّ وَ لا يَشْقى طه:123

90- ...وَ تُوبُوا إِلَى اللّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ النّور:31

91- ...قالَ إِنِّي أُشْهِدُ اللّهَ وَ اشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ* مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً ثُمَّ لا تُنْظِرُونِ

هود:54،55

92- وَ قالَ مُوسى إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ إبراهيم:8

93- لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَ قُلُوبُهُمْ شَتّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ الحشر:14

94- ...لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً فَإِذا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلى أَنْفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِنْ عِنْدِ اللّهِ مُبارَكَةً طَيِّبَةً... النّور:61

95- مِنْ أَجْلِ ذلِكَ كَتَبْنا عَلى بَنِي إِسْرائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً... المائدة:32

96- قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ مِنَ الْجِنِّ وَ الْإِنْسِ فِي النّارِ كُلَّما دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَها حَتّى إِذَا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعاً... الأعراف:38

أجمعون و أجمعين:

97- فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَ الْغاوُونَ* وَ جُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ الشّعراء:94،95

98- فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ* فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ الحجر:29-31

99- فَإِذا سَوَّيْتُهُ وَ نَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ ساجِدِينَ* فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلاّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ ص:72-74

100- قالَ رَبِّ بِما أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ الحجر:39

101- قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ ص:82

102- قالَ اخْرُجْ مِنْها مَذْؤُماً مَدْحُوراً لَمَنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ الأعراف:18

103- لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ص:85

ص: 859

103- لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ ص:85

104- ...وَ تَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ هود:119

105- وَ لَوْ شِئْنا لَآتَيْنا كُلَّ نَفْسٍ هُداها وَ لكِنْ حَقَّ الْقَوْلُ مِنِّي لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ

السّجدة:13

106- إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلاّ مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ* وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ

الحجر:42،43

107- اَلَّذِينَ جَعَلُوا الْقُرْآنَ عِضِينَ* فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ الحجر:91،92

108- إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ

الدّخان:40

109- إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ ماتُوا وَ هُمْ كُفّارٌ أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ

البقرة:161

110- كَيْفَ يَهْدِي اللّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمانِهِمْ وَ شَهِدُوا أَنَّ الرَّسُولَ حَقٌّ وَ جاءَهُمُ الْبَيِّناتُ وَ اللّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ* أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ آل عمران:86،87

111- فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ مَكْرِهِمْ أَنّا دَمَّرْناهُمْ وَ قَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ النّمل:51

112- فَلَمّا آسَفُونا انْتَقَمْنا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ الزّخرف:55

113- وَ نَصَرْناهُ مِنَ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا إِنَّهُمْ كانُوا قَوْمَ سَوْءٍ فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ الأنبياء:77

114- لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ ثُمَّ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ الأعراف:124

115- قالَ آمَنْتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَسَوْفَ تَعْلَمُونَ لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ الشّعراء:49

116- وَ عَلَى اللّهِ قَصْدُ السَّبِيلِ وَ مِنْها جائِرٌ وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ النّحل:9

117- قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبالِغَةُ فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ الأنعام:149

118- اِذْهَبُوا بِقَمِيصِي هذا فَأَلْقُوهُ عَلى وَجْهِ أَبِي يَأْتِ بَصِيراً وَ أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ يوسف:93

119- قالُوا إِنّا أُرْسِلْنا إِلى قَوْمٍ مُجْرِمِينَ* إِلاّ آلَ لُوطٍ إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ الحجر:58،59

120- وَ إِنَّ لُوطاً لَمِنَ الْمُرْسَلِينَ* إِذْ نَجَّيْناهُ وَ أَهْلَهُ أَجْمَعِينَ الصّافّات:133،134

121- فَنَجَّيْناهُ وَ أَهْلَهُ أَجْمَعِينَ الشّعراء:170

122- وَ أَنْجَيْنا مُوسى وَ مَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ

الشّعراء:65

123- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ وَ ذَرُوا الْبَيْعَ ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ الجمعة:9

و يلاحظ أوّلا:أنّها(17)لفظا:

1-ماضيا معلوما(8)مرّات(1-8)أربعة منها فعل اللّه،و كلّها مدح:(3)منها في الآخرة:(5) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَ الْأَوَّلِينَ، و(6) فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ، و(7) وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً، و واحدة في الدّنيا:(4) وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى.

ص: 860

1-ماضيا معلوما(8)مرّات(1-8)أربعة منها فعل اللّه،و كلّها مدح:(3)منها في الآخرة:(5) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَ الْأَوَّلِينَ، و(6) فَكَيْفَ إِذا جَمَعْناهُمْ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ، و(7) وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً، و واحدة في الدّنيا:(4) وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى.

و أربعة فعل النّاس و كلّها ذمّ:(1) فَتَوَلّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى، و(2) تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلّى* وَ جَمَعَ فَأَوْعى، و(3) اَلَّذِي جَمَعَ مالاً وَ عَدَّدَهُ، و(8) اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ.

2-و ماضيا مجهولا مرّتين:واحدة فعل اللّه في الآخرة مدحا:(10) وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ، و واحدة فعل النّاس في الدّنيا ذمّا:(9) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ.

3-و مضارعا معلوما(12)مرّة،منها:فعل اللّه(8) مرّات تعظيما و قهرا في الآخرة(11-18)،و فعل النّاس ذمّا على جمع المال(3)مرّات(19-21)، تشريعا مرّة:(22)،و الجمع في جميعها جمع الأعيان.

4-و ماضيا من باب«الإفعال»مرّتين بشأن إخوة يوسف ذمّا:(23) فَلَمّا ذَهَبُوا بِهِ وَ أَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ، و(24) وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَ هُمْ يَمْكُرُونَ.

5-و أمرا منه مرّتين أيضا ذمّا:(25)من قول نوح لقومه: فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَ شُرَكاءَكُمْ و(26)من قول موسى لقومه: فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا و الإجماع فيها بمعنى العزم و التّصميم،لاجتماع آراءهم على القبيح متعدّيا بمفعول،و هو أَنْ يَجْعَلُوهُ في الأولى،و(امرهم) في الثّانية،و(امركم)في الثّالثة،و(كيدكم)في الرّابعة.

6-ماضيا من باب«الافتعال»مرّتين أيضا،تعريضا و تعجيزا،إحداهما(27)في إعجاز القرآن: قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً.

و ثانيتهما(28)في إبطال ألوهيّة الأصنام: إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ.... و«الافتعال»فيهما بمعنى الجهد و تحمّل المشقّة، أي لو جمعوا جهدهم على ذلك لم يقدروا عليه.

و الجدير بالذّكر أنّ(اجتمع)جاء في الأولى مع (على)تعدية،أي لو اجتمعوا عليه،و في الثّانية مع(ل) علّة،أي لو اجتمعوا من أجله،و المآل واحد إلاّ أنّ الثّانية آكد في الاجتماع،و الدّليل على نهاية جهدهم و عجزهم في الأولى ذيلها: وَ لَوْ كانَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ ظَهِيراً و في الثّانية صدرها: لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً.

7 و 8-جاء مصدرا أو اسم مصدر(13)مرّة:(9) مرّات مفردا،و(4)مرّات تثنية.

أمّا المفرد فقسمان:فعل اللّه(5)مرّات،منها(4)في يوم القيامة:(7) وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً، و(15) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ، و(34) وَ هُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ، و(35) وَ تُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ، و مرّة بشأن القرآن(33) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ.

و فعل غير اللّه(4)مرّات:ثلاث في جمع النّاس و كثرتهم ذمّا في الدّنيا:(29) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ و(30) قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَ أَكْثَرُ جَمْعاً و(31) قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ، و واحدة بشأن العاديات(32):

ص: 861

فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً.

و أمّا التّثنية فجاءت(4)مرّات:ثلاث بلفظ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ :مرّة ليوم بدر مدحا:(36) وَ ما أَنْزَلْنا عَلى عَبْدِنا يَوْمَ الْفُرْقانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ، و مرّتين ليوم أحد ذمّا:(37) إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ، و(38) وَ ما أَصابَكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعانِ فَبِإِذْنِ اللّهِ.

و مرّة في اجتماع بني إسرائيل و جند فرعون عند البحر ذمّا:(39) فَلَمّا تَراءَا الْجَمْعانِ قالَ أَصْحابُ مُوسى إِنّا لَمُدْرَكُونَ فواحدة منها مدح،و الباقي ذمّ.

9 و 10-اسم فاعل(4)مرّات:(3)مفردا من المجرّد وصفا للّه تعظيما في الآخرة:مرّتين(40) رَبَّنا إِنَّكَ جامِعُ النّاسِ لِيَوْمٍ لا رَيْبَ فِيهِ و(41) إِنَّ اللّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَ الْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً، و الجملة الاسميّة و صيغة«فاعل»فيهما تعنيان الدّوام و التّأكيد،و مرّة مدحا للمؤمنين أمام الرّسول تكريما له:(42) وَ إِذا كانُوا مَعَهُ عَلى أَمْرٍ جامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتّى يَسْتَأْذِنُوهُ.

و مرّة من باب«الافتعال»ذمّا في قصّة فرعون و السّحرة:(43) وَ قِيلَ لِلنّاسِ هَلْ أَنْتُمْ مُجْتَمِعُونَ.

فالمجرّد منه جاء في أصحاب النّبيّ عليه السّلام و خصّ بالمدح، و«الافتعال»منه جاء في أصحاب فرعون و خصّ بالذّمّ لما فيه من المشقّة و العناء دون المجرّد،و الموصوف به في الأوليين هو(اللّه)،و في الثّالثة هو(أمر)،و في الرّابعة هو (النّاس).

11-اسم مفعول مرّتين وصفا للنّاس يوم القيامة، و حذف الفاعل فيهما-و هو اللّه-تعظيما و تهويلا ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ و إِنَّ الْأَوَّلِينَ وَ الْآخِرِينَ* لَمَجْمُوعُونَ إِلى مِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ.

12-اسم مكان مرّتين أيضا مدحا في قصّة موسى و فتاه عند مجمع البحرين:(44 و 45) حَتّى أَبْلُغَ مَجْمَعَ الْبَحْرَيْنِ أَوْ أَمْضِيَ حُقُباً* فَلَمّا بَلَغا مَجْمَعَ بَيْنِهِما نَسِيا حُوتَهُما. و الأقوال في(مجمع البحرين)مختلفة، لاحظ النّصوص.

13 و 14-(جميع و جميعا)وصفا تأكيد(49)مرّة:

(41 و 49-96)و هي أكثر ألفاظ هذه المادّة في القرآن، و أكثرها وصف للّه تعظيما أو لجمع النّاس يوم القيامة تخويفا.و طائفة منها وصف لغير اللّه،و سنتداولها بالبحث.

15 و 16-(أجمعون و أجمعين)وصفا تأكيد أيضا (26)مرّة(97-122)في مجالات مختلفة:

فاثنتان منها في سجود الملائكة لآدم مدحا:(97،98) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلاّ إِبْلِيسَ.

و الباقي كلّه ذمّ.

فاثنتان منها في يمين إبليس على إغواء آدم:(100) لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، و(101) قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ. فذكر في أولاهما طريقة الإغواء و هو التّزيين،دون الثّانية.

و ستّ منها في إملاء جهنّم من الجنّ و الإنس، و جمعهم فيها:(102) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكُمْ أَجْمَعِينَ، و(103) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنْكَ وَ مِمَّنْ تَبِعَكَ مِنْهُمْ أَجْمَعِينَ، و(104 و 105) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ، و(106) وَ إِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ، و(97) فَكُبْكِبُوا فِيها هُمْ وَ الْغاوُونَ*

ص: 862

وَ جُنُودُ إِبْلِيسَ أَجْمَعُونَ.

و واحدة في سؤال الّذين جعلوا القرآن عضين:

(107) فَوَ رَبِّكَ لَنَسْئَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ.

و واحدة منها في يوم الفصل:(108) إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقاتُهُمْ أَجْمَعِينَ، و اثنتان منها في لعنة اللّه على الكافرين:(109) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ، و(110) أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ.

17-و جاء اسما مرّة واحدة في(123) إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ و سنتداولها بالبحث.

ثانيا:الجمع في القرآن متعلّق بالأشخاص و الأشياء،و هو في أكثر الآيات فعل اللّه،حاكيا عن قهره و قدرته في الدّنيا و الآخرة،و عن تشريعه في الدّين،فله ثلاث مجالات:

الأوّل:توحيده و صفاته و أفعاله:

1-الهداية في(4) وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَجَمَعَهُمْ عَلَى الْهُدى، و(70) وَ لَوْ شاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ، و(116) وَ لَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ، و(117) فَلَوْ شاءَ لَهَداكُمْ أَجْمَعِينَ.

2-الشّفاعة:(78) قُلْ لِلّهِ الشَّفاعَةُ جَمِيعاً.

3-العزّة:(55) فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً، و(69) فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً، و(77) فَلِلّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعاً.

4-القوّة:(54) أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً.

5-القدرة:(81) وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ.

6-الغفران و التّوبة:(80) إِنَّ اللّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً.

7-المكر:(74) فَلِلّهِ الْمَكْرُ جَمِيعاً.

8-الأمر:(73) بَلْ لِلّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً.

9-الغرق و التّدمير و الهلاك:(87) فَأَغْرَقْناهُ وَ مَنْ مَعَهُ جَمِيعاً، و(112 و 113) فَأَغْرَقْناهُمْ أَجْمَعِينَ، و(111) أَنّا دَمَّرْناهُمْ وَ قَوْمَهُمْ أَجْمَعِينَ و(57) قُلْ فَمَنْ يَمْلِكُ مِنَ اللّهِ شَيْئاً إِنْ أَرادَ أَنْ يُهْلِكَ الْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَ أُمَّهُ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً.

10-اللّعنة:(109،110) أُولئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ و أُولئِكَ جَزاؤُهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ لَعْنَةَ اللّهِ وَ الْمَلائِكَةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ.

11-الرّكم:(65) وَ يَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلى بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً.

12-النّجاة:في لوط(120) إِذْ نَجَّيْناهُ وَ أَهْلَهُ أَجْمَعِينَ، و(121) فَنَجَّيْناهُ وَ أَهْلَهُ أَجْمَعِينَ، و في موسى(122) وَ أَنْجَيْنا مُوسى وَ مَنْ مَعَهُ أَجْمَعِينَ فقال في لوط(نجّيناه)و في موسى(أنجيناه)و الأوّل أشدّ و آكد من الثّاني،و لهذا كرّره مرّتين،و اكتفى في الثّاني بمرّة واحدة.

و قد نسب«تنجية لوط»مرّة ثالثة في(119)إلى الملائكة إِلاّ آلَ لُوطٍ إِنّا لَمُنَجُّوهُمْ أَجْمَعِينَ.

13-جمع القرآن:(33) إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَ قُرْآنَهُ.

14-الخلق و التّسخير:(52) هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً، و(82) وَ سَخَّرَ لَكُمْ ما فِي السَّماواتِ وَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً.

الثّاني:تشريع جملة من الأحكام.

منها:حكم قتل النّفس و إحياءها في(95) مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً.

ص: 863

منها:حكم قتل النّفس و إحياءها في(95) مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً وَ مَنْ أَحْياها فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً.

و منها:حرمة الجمع بين الأختين في النّكاح:(22) وَ أَنْ تَجْمَعُوا بَيْنَ الْأُخْتَيْنِ إِلاّ ما قَدْ سَلَفَ.

و منها:حكم الأكل من مال اليتيم لمن تولاّه:(94) لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُناحٌ أَنْ تَأْكُلُوا جَمِيعاً أَوْ أَشْتاتاً.

و منها:حكم الصّلاة يوم الجمعة:(123) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللّهِ.

و منها:حكم الحذر في الحرب:(76) يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ فَانْفِرُوا ثُباتٍ أَوِ انْفِرُوا جَمِيعاً.

و منها:وجوب التّوبة:(90) وَ تُوبُوا إِلَى اللّهِ جَمِيعاً أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ.

و منها:وجوب الاعتصام بحبل اللّه و حرمة التّفرّق:

(75) وَ اعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعاً وَ لا تَفَرَّقُوا.

الثّالث:جزاء الآخرة في(45 آية)-أي أكثر من ثلث آيات هذه المادّة-و هي أقسام:

1-جمع النّاس ليوم القيامة للحساب و الجزاء،و هي أكثرها.

2-جمع الرّسل يوم القيامة للسّؤال:(11) يَوْمَ يَجْمَعُ اللّهُ الرُّسُلَ فَيَقُولُ ما ذا أُجِبْتُمْ.

3-الجمع بين المؤمنين و الكافرين للتّحاكم و الفصل بينهم:(12) قُلْ يَجْمَعُ بَيْنَنا رَبُّنا ثُمَّ يَفْتَحُ بَيْنَنا بِالْحَقِّ، و(13) لا حُجَّةَ بَيْنَنا وَ بَيْنَكُمُ اللّهُ يَجْمَعُ بَيْنَنا، و(5) هذا يَوْمُ الْفَصْلِ جَمَعْناكُمْ وَ الْأَوَّلِينَ.

4-جمع العظام:(18) أَ يَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ.

5-جمع الأرض في قبضته:(81) وَ الْأَرْضُ جَمِيعاً قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيامَةِ.

6-جمع المنافقين و الكفّار في جهنّم:(41) إِنَّ اللّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَ الْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ. و(65) فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ، و(103 و 104) لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ مِنَ الْجِنَّةِ وَ النّاسِ أَجْمَعِينَ.

7-جمع النّاس من دون ذكر«يوم القيامة»و هو مراد:(34) وَ هُوَ عَلى جَمْعِهِمْ إِذا يَشاءُ قَدِيرٌ، و(35) وَ تُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ لا رَيْبَ فِيهِ...، و(53) أَيْنَ ما تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللّهُ جَمِيعاً.

8-الجمع لدى اللّه:(50) وَ إِنْ كُلٌّ لَمّا جَمِيعٌ لَدَيْنا مُحْضَرُونَ.

9-مرجعهم جميعا إلى اللّه:(59)و(60) إِلَى اللّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً، و(67) إِلَيْهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً.

10-حشر النّاس و بعثهم:(56) فَسَيَحْشُرُهُمْ إِلَيْهِ جَمِيعاً، (61 و 62) وَ يَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً، و(62، 63) وَ يَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعاً و(83) يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللّهُ جَمِيعاً.

11-جمع الشّمس و القمر يوم القيامة:(10) وَ جُمِعَ الشَّمْسُ وَ الْقَمَرُ.

سادسا:الجمع فعل غير اللّه في أمور:

1-جمع النّاس الأموال بسياق واحد ذمّا:(19) لَمَغْفِرَةٌ مِنَ اللّهِ وَ رَحْمَةٌ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ، و(21) وَ رَحْمَتُ رَبِّكَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ، و(20) فَبِذلِكَ فَلْيَفْرَحُوا هُوَ خَيْرٌ مِمّا يَجْمَعُونَ، و(2)في لظى النّار

ص: 864

تَدْعُوا مَنْ أَدْبَرَ وَ تَوَلّى* وَ جَمَعَ فَأَوْعى، و(3) اَلَّذِي جَمَعَ مالاً وَ عَدَّدَهُ، و الجمع في الثّلاث الأولى بصيغة المضارع الدّالّ على الدّوام،و في الأخيرتين بصيغة الماضي حكاية عن عذاب النّاس يوم القيامة، بإزاء جمعهم الأموال في الدّنيا.

2-جمع فرعون أنصاره و هزيمتهم:(1) فَتَوَلّى فِرْعَوْنُ فَجَمَعَ كَيْدَهُ ثُمَّ أَتى، و(9) فَجُمِعَ السَّحَرَةُ لِمِيقاتِ يَوْمٍ مَعْلُومٍ، و(26) فَأَجْمِعُوا كَيْدَكُمْ ثُمَّ ائْتُوا صَفًّا.

3-انتصار جمع فرعون و هزيمتهم و خوفهم:(29) و(49) سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَ يُوَلُّونَ الدُّبُرَ و أَمْ يَقُولُونَ نَحْنُ جَمِيعٌ مُنْتَصِرٌ، و(48) وَ إِنّا لَجَمِيعٌ حاذِرُونَ.

4-تهديد فرعون المؤمنين بقطع الأيدي و الأرجل و الصّلب:(114 و 115) لَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَ أَرْجُلَكُمْ مِنْ خِلافٍ وَ لَأُصَلِّبَنَّكُمْ أَجْمَعِينَ.

5-جمع النّاس لحرب المسلمين في غزوة أحد:(8) اَلَّذِينَ قالَ لَهُمُ النّاسُ إِنَّ النّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ.

6-عدم إغناء جمع الكفّار أنفسهم يوم القيامة و التّلاعن بينهم:(31) قالُوا ما أَغْنى عَنْكُمْ جَمْعُكُمْ وَ ما كُنْتُمْ تَسْتَكْبِرُونَ، و(86) وَ بَرَزُوا لِلّهِ جَمِيعاً... فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنّا...، و(96) قالَ ادْخُلُوا فِي أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِكُمْ... حَتّى إِذَا ادّارَكُوا فِيها جَمِيعاً.

7-أهل النّار يحبّون فداء جميع ما كان لهم ممّا في الأرض:(58) إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لِيَفْتَدُوا بِهِ مِنْ عَذابِ يَوْمِ الْقِيامَةِ...، و(72) وَ الَّذِينَ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَهُ لَوْ أَنَّ لَهُمْ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ، و(79) وَ لَوْ أَنَّ لِلَّذِينَ ظَلَمُوا ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً وَ مِثْلَهُ مَعَهُ لاَفْتَدَوْا بِهِ مِنْ سُوءِ الْعَذابِ يَوْمَ الْقِيامَةِ...، و(85) يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ... وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ثُمَّ يُنْجِيهِ.

8-هبوط آدم و زوجته و الشّيطان جميعا من الجنّة:

(88) قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً، و(89) قالَ اهْبِطا مِنْها جَمِيعاً.

9-اجتماع قومي هود و نوح عليهما السّلام على كيدهما:(91) وَ اشْهَدُوا أَنِّي بَرِيءٌ مِمّا تُشْرِكُونَ* مِنْ دُونِهِ فَكِيدُونِي جَمِيعاً، و(25) فَأَجْمِعُوا أَمْرَكُمْ وَ شُرَكاءَكُمْ.

10-قول موسى لآل فرعون:(92) إِنْ تَكْفُرُوا أَنْتُمْ وَ مَنْ فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً فَإِنَّ اللّهَ لَغَنِيٌّ حَمِيدٌ.

11-اليهود و المنافقون قلوبهم شتّى:(93) تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَ قُلُوبُهُمْ شَتّى.

12-سجود الملائكة إلاّ إبليس بسياق واحد:(98) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلاّ إِبْلِيسَ أَبى أَنْ يَكُونَ مَعَ السّاجِدِينَ، و(99) فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ* إِلاّ إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَ كانَ مِنَ الْكافِرِينَ، فصرّح في الثّانية بعلّة إبائه،و هي الاستكبار دون الأولى.

13-إغواء إبليس بني آدم:(100) لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ، و(101) قالَ فَبِعِزَّتِكَ لَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ.

14-إتيان إخوة يوسف بأهلهم:(118) وَ أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ، و(71) عَسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً.

ص: 865

14-إتيان إخوة يوسف بأهلهم:(118) وَ أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ، و(71) عَسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً.

15-جمع العاديات:(32) فَأَثَرْنَ بِهِ نَقْعاً* فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً.

16-عدم تأليف القلوب بإنفاق ما في الأرض:(66) لَوْ أَنْفَقْتَ ما فِي الْأَرْضِ جَمِيعاً ما أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ.

17-اجتماع الإنس و الجنّ للإتيان بمثل القرآن:

(27) قُلْ لَئِنِ اجْتَمَعَتِ الْإِنْسُ وَ الْجِنُّ عَلى أَنْ يَأْتُوا بِمِثْلِ هذَا الْقُرْآنِ لا يَأْتُونَ بِمِثْلِهِ.

18-اجتماع الأصنام على خلق ذباب:(28) إِنَّ الَّذِينَ تَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ لَنْ يَخْلُقُوا ذُباباً وَ لَوِ اجْتَمَعُوا لَهُ.

19-إجماع إخوة يوسف على كيده:(23) فَلَمّا ذَهَبُوا بِهِ وَ أَجْمَعُوا أَنْ يَجْعَلُوهُ فِي غَيابَتِ الْجُبِّ و(24) وَ ما كُنْتَ لَدَيْهِمْ إِذْ أَجْمَعُوا أَمْرَهُمْ وَ هُمْ يَمْكُرُونَ.

سابعا:ما نسب فيها الجمع إلى اللّه-و هي أكثرها- فسياقها مدح للّه تعالى في ذاته و صفاته و أفعاله و عدله في المؤمنين و الكافرين في الدّنيا و الآخرة.أمّا ما نسب الجمع فيها إلى غير اللّه فكلّها ذمّ سوى ثلاث:(98)بشأن الملائكة فَسَجَدَ الْمَلائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ، (118) بشأن إخوة يوسف وَ أْتُونِي بِأَهْلِكُمْ أَجْمَعِينَ، و(32) بشأن العاديات فَوَسَطْنَ بِهِ جَمْعاً، فالأولى مدح صريحا،و الأخيرتان سياقا و ليستا ذمّا.

ثامنا:لقد جمع اللّه بين الفعل و المصدر مرّتين:ماضيا و مضارعا في(7) فَجَمَعْناهُمْ جَمْعاً، و(15) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ، فسوّى فيهما بين الماضي و المضارع،و بين الغائب و المتكلّم،و بين المفرد و الجمع.

تاسعا:جاء(جمع)اسما ليوم القيامة مرّتين أيضا، في:(15) يَوْمَ يَجْمَعُكُمْ لِيَوْمِ الْجَمْعِ، و(35) وَ تُنْذِرَ يَوْمَ الْجَمْعِ، و نظيرها(المجموع)في(46) ذلِكَ يَوْمٌ مَجْمُوعٌ لَهُ النّاسُ، كما جمع بين(الجامع) و(جميعا)مرّة في(41) إِنَّ اللّهَ جامِعُ الْمُنافِقِينَ وَ الْكافِرِينَ فِي جَهَنَّمَ جَمِيعاً، و كرّر(جميعا)في آيتين:

(73) بَلْ لِلّهِ الْأَمْرُ جَمِيعاً أَ فَلَمْ يَيْأَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشاءُ اللّهُ لَهَدَى النّاسَ جَمِيعاً، و(95) فَكَأَنَّما قَتَلَ النّاسَ جَمِيعاً... فَكَأَنَّما أَحْيَا النّاسَ جَمِيعاً...

عاشرا:وزّعت آيات(الجمع)بين السّور المكّيّة و المدنيّة بنسبة 50/79 أي المكّيّة زادت على المدنيّة بأزيد من نصفها،و هذه تتناسب زيادة فعل اللّه على فعل غيره كما سبقت،فتوصيفه تعالى بما يرجع إلى التّوحيد و المعاد في مكّة،خطابا للمشركين المنكرين لهذين المبدءين كان أكثر و أشدّ و آكد،و هذه المادّة(الجمع)في نفسها تثير الشّدّة و البتّ في الكلام.

و الجدير بالذّكر أنّ سورتين-مكّيّة و مدنيّة-و هما آل عمران و الشّعراء كرّرت في كلّ منهما(8)مرّات، و هي أعلاها عددا،و بعدهما النّساء و المائدة:(7) مرّات،و هكذا تتنازل إلى واحدة في(14)سورة كلّها مكّيّة سوى الجمعة،و هي الحجّ-لو كانت مكّيّة- و القصص و النّحل،و الأنبياء،و النّمل،و السّجدة، و فاطر،و الدّخان،و الواقعة،و المعارج،و القيامة، و العاديات.

فيبدو أنّ تشديد الخطاب بهذه المادّة بدأ من واحد

ص: 866

إلى ثمانية،حسب المورد.

الحادي عشر:سورة الجمعة اختصّت بكلمة لم تكرّر في القرآن،جاءت بشأن أهمّ الصّلوات،و هي صلاة الجمعة في(يوم الجمعة)و قد سمّي به من أجلها في الإسلام -على خلاف فيه-و كانت تسمّى في الجاهليّة(يوم العروبة).

و الجمعة بضمّ الأوّل في الأصل بمعنى المجموع،كما سبق.و بفتحه بمعنى الجامع.

و فيها بحوث:

1-قرءوها(جمعة)و(جمعة)بسكون الميم و ضمّها،و يجوز فتحها في غير القرآن و لم يثبت قراءتها بها و هي-كما قال الفرّاء-صفة اليوم تفيد التّكثير،كما تقول:«رجل ضحكة»للّذي يكثر الضّحك.

2-أوّل من صلّى الجمعة هم الأنصار قبل الهجرة، فاجتمعوا إلى سيّدهم أسعد بن زرارة فصلّى بهم يومئذ، فسمّوه يوم الجمعة.ثمّ أنزل اللّه آية الجمعة بعد الهجرة، و سمّيت سورة باسمها تعظيما لها.و سياق الآية يشهد بأنّ يوم الجمعة كان معهودا قبلها بهذه الصّلاة،نزلت تأكيدا على الاهتمام بها لا تشريعا لها،و ذيلها و هي وَ إِذا رَأَوْا تِجارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْها... شاهد على ذلك أيضا؛حيث وبّخهم بالتّفرّق عنها إلى تجارة أو لهو.

3-أوّل جمعة جمّعها النّبيّ عليه السّلام في مسيره من«قبا» إلى«يثرب»فأقامها في بني سالم بن عوف في بطن واد لهم فخطب فيها،و هي أوّل خطبة خطبها بعد الهجرة.

4-لمّا كانت الهجرة بدو قيام النّبيّ عليه السّلام بأمر السّياسة،فصلاة الجمعة من أوّل أعماله السّياسيّة،جمع فيها بين العبادة و السّياسة-و السّياسة في الإسلام هي بنفسها عبادة-فاتّخذها النّبيّ عليه السّلام وسيلة لاتّصاله بالنّاس،في أوّل اجتماع سياسيّ عباديّ له،و لم يكن يتيسّر له القيام بها قبل الهجرة،كما لم يتمكّن يوم ذاك من الجهاد بالسّيف-و هو أهمّ عمل سياسيّ و أصعبه-مع كثرة الأعداء،حتّى هاجر،و لهذا فآيات القتال كلّها مدنيّة.

5-لصلاة الجمعة أحكام بعضها متّفق فيها بين المذاهب الفقهيّة،و بعضها مختلف فيها.و من أهمّ ما اختلفت فيها كلمة فقهاء الشّيعة الإماميّة هي مسألة وجوبها عينا في عصر الغيبة،لأنّها من شئون الإمام، و قد خصّوها بتأليف رسائل مطوّلة،و لها تاريخ طويل عندهم،لاحظ بحث صلاة الجمعة،تقرير بحث أستاذنا الأكبر آية اللّه البروجرديّ رحمه اللّه تعالى.

ص: 867

ص: 868

ج م ل

اشارة

7 ألفاظ،11 مرّة:8 مكّيّة،3 مدنيّة

في 9 سور:8 مكّيّة،1 مدنيّة

جميل 2:2 جمال 1:1

الجميل 1:1 الجمل 1:1

جميلا 4:1-3 جمالة 1:1

جملة 1:1

النّصوص اللّغويّة

الخليل :الجمل:يستحقّ هذا الاسم إذا بزل.

و ناقة جماليّة،أي في خلق جمل.و إذا نعتوا شيئا من هذا النّحو إلى نعت كثر ما يجيئون به على فعاليّ،نحو صهابيّ.

فأمّا قوله تعالى: كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ المرسلات:

33،فهو الأينق السّود،من غير أن يفرد الواحد،و لكن يقال لكلّ طائفة منها:جمالة،و الجميع:جمالات و جمائل.

و بعض يقول:أراد جمالا لا نوقا فيها.

و الجامل:قطيع من الإبل برعائها و أربابها كالبقر و الباقر.

و جمل البحر:ضرب من السّمك.

و جميل و جملانة:طائر من الدّخاخيل.

و من أمثال العرب:«اتّخذ فلان اللّيل جملا»إذا سرى كلّه،أو إذا ركبته و مضيت.

و الجميل:طائر شبيه بالعصفور و القنبر و الغرّ.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجميل:الإهالة المذابة،و اسم ذلك الذّائب:

الجمالة.

و الاجتمال:الادّهان بالجميل،و الاجتمال أيضا:أن تشوي لحما،فكلّما و كفت إهالته استودقته على خبز، ثمّ أعدته ثانية.

و الجمال:مصدر الجميل:و الفعل منه جمل يجمل، و قال اللّه تعالى: وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ النّحل:6،أي بهاء و حسن.

ص: 869

و يقال:جاملت فلانا مجاملة،إذا لم تصف له المودّة.

و ما سحته بالجميل.

و يقال:أجملت في الطّلب.

و الجملة:جماعة كلّ شيء بكماله،من الحساب و غيره.

و أجملت له الحساب و الكلام:من الجملة.

و حساب الجمّل:ما قطع على حروف أبي جاد.

و الجمّل:القلس الغليظ.

قال مبتكر:الجميل:اسم للحرّ.(6:141)

سيبويه :الجمّيل:البلبل:لا يتكلّم به إلاّ مصغّرا، فإذا جمعوا قالوا:جملان.(ابن سيده 7:450)

الجمال:رقّة الحسن،و الأصل:جمالة بالهاء،مثل صبح صباحة،لكنّهم حذفوا الهاء تخفيفا لكثرة الاستعمال.(الفيّوميّ 1:110)

الكسائيّ: و الجمال:الحسن،و قد جمل الرّجل بالضّمّ جمالا فهو جميل،و المرأة جميلة و جملاء أيضا.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجمل القوم،أي كثرت جمالهم.

(الجوهريّ 4:1661)

نحوه الزّجّاج.(فعلت و أفعلت:46)

أبو عمرو الشّيبانيّ: جمل أنف،إذا أوجعته الخزامة فسلس قياده.[ثمّ استشهد بشعر](1:54)

رأيت جميلة من النّعم و الغنم و المال:جماعة منه.

(1:114)

جملوا سخلهم،إذا عزلوه عن أمّهاته.(1:117)

الجمالة:الخيل.[ثمّ استشهد بشعر]

رأيت جامل الحيّ،و هم جماعتهم،بأموالهم و أنفسهم.(1:128)

الجميل:الإهالة.(1:133)

الجمل المحجوم:الّذي يربط لحياه بنسعة حتّى يبقى له قدر ما يأكل،مخافة أن يعضّ.(1:166)

جمل خشب:طويل القوائم.(1:230)

الجميلة:جميلة الظّباء و الحمام،و هي جماعتها.

الجمل:سمكة تكون في البحر،و لا تكون في العذب.

(الأزهريّ 11:108)

الفرّاء: الجمل:الكبع (1).

جملت الشّحم أجمله جملا،و يقال:أجملته-و جملت أجود-و اجتمل الرّجل.[ثمّ استشهد بشعر]

المجامل:الّذي يقدر على جوابك،فيتركه إبقاء على مودّتك.و المجامل:الّذي لا يقدر على جوابك فيتركه،و يحقد عليك إلى وقت ما.

(الأزهريّ 11:109)

(جمالات):جمع جمل،و الجمالات:ما جمع من الحبال و القلوس.(ابن فارس 1:481)

أبو عبيدة :رجل جميل و جمّال.

(إصلاح المنطق:108)

أبو زيد :جمّل اللّه عليك تجميلا،إذا دعوت له أن يجعله اللّه جميلا حسنا.[ثمّ استشهد بشعر]

(الأزهري 11:108)

الأصمعيّ: [في حديث عاصم بن أبي النّجود:]

«لقد أدركت أقواما يتّخذون هذا اللّيل جملا،ر.

ص: 870


1- حوت،يدعى أيضا:سمك البحر.

يشربون النّبيذ و يلبسون المعصفر،منهم زرّ و أبو وائل».

يقال للرّجل:إذا أحيا ليلة بالصّلاة أو سواها حتّى أصبح:قد اتّخذ اللّيل جملا.(أبو عبيد 2:454)

الجمالة:الخرقة تنزّل بها القدر.(الثّعالبيّ:236)

اللّحيانيّ: و قد جمل جمالا،فهو جميل،و جمال بالتّخفيف.

اجمل إن كنت جاملا.(ابن سيده 7:450)

أبو عبيد: عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،قال:«إن جاءت به أصيهب أثيبج حمش السّاقين،فهو لزوجها،و إن جاءت به أورق جعدا جماليّا خدلج السّاقين سابغ الأليتين،فهو للّذي رميت به».

قوله:الجماليّ،فإنّهم يروونها هكذا بفتح الجيم يذهبون إلى الجمال،و ليس هذا من الجمال في شيء.و لو أراد ذلك لقال:جميل،و لكنّه«جماليّ»بضمّ الجيم، يعني أنّه عظيم الخلق،شبّه خلقه بخلق الجمل،و لهذا قيل للنّاقة:جماليّة،لأنّها تشبّه بالفحل من الإبل في عظم الخلق.[ثمّ استشهد بشعر](1:260)

في حديث عمر حين قال:«لعن اللّه فلانا أ لم يعلم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قال:لعن اللّه اليهود،حرّمت عليهم الشّحوم،فجملوها فباعوها؟»قوله:جملوها،يعني أذابوها،و فيه لغتان،يقال:جملت الشّحم و أجملته،إذا أذبته؛و اجتملته أيضا.[ثمّ استشهد بشعر](2:113)

ابن الأعرابيّ: الجامل:الجمال.

الجمل:الكبع.(الأزهريّ 11:108)

الجميل:المرق،و ما أذيب من شحم أو إهالة،فهو جميل.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 11:110)

ابن السّكّيت: و يقال للإبل إذا لم تكن فيها أنثى و كانت ذكورة:هذه جمالة بني فلان.(67)

و يقال:أجملت الحساب أجمله إجمالا،و أجمل فلان في صنيعه يجمل إجمالا،و جملت الشّحم و الألية و اجتملت،إذا أذبتها.(إصلاح المنطق:251)

و يقال:قد أجمل الحساب يجمله إجمالا،و أجمل في صنيعته يجمل إجمالا،و قد جمل الشّحم يجمله جملا،إذا أذابه،و قد أجمل الرّجل،إذا أذاب الشّحم و الألية؛ و يقال لما أذيب منه:الجميل.[ثمّ استشهد بشعر]

(إصلاح المنطق:270)

استجمل البعير،إذا صار جملا،و يسمّى جملا إذا أربع،و استقرم بكر فلان:إذا صار قرما.

(الأزهريّ 11:110)

شمر:الجمل و النّاقة بمنزلة:الرّجل و المرأة.

(الأزهريّ 11:106)

أبو الهيثم :قال أعرابيّ:الجامل:الحيّ العظيم، و أنكر أن يكون الجامل:الجمال.[ثمّ استشهد بشعر]

و لم يضع الأعرابيّ شيئا في إنكاره أنّ الجامل الجمال.

(الأزهريّ 11:108)

الزّجّاج: جملت الشّحم جملا،إذا أذبته،و أجملت الأمر إجمالا،إذا أتيت فيه بالجميل.(فعلت و أفعلت:9)

ابن دريد :و الجمل معروف،و الجمع:جمال و جامل و أجمال و جمائل،و قد قالوا:جمّال و جمّالة،كما قالوا:حمّار و حمّارة،كلام عربيّ صحيح.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجميل: ضدّ القبيح،و الجمال:ضدّ القبح.و رجل

ص: 871

حسّان: جمّال،و امرأة حسّانة:جمّالة.

و الجمّل:الحبل من القنّب الغليظ،هكذا فسّر في قراءة من قرأ (حتّى يلج الجمّل فى سمّ الخياط) الأعراف:41،و اللّه أعلم.

و الجميل:طائر معروف من خشاش الطّير.

و جمل البحر:حوت من حيتانه.

و جمل:اسم امرأة.

و الجميل:الشّحم المذاب.[ثمّ ذكر حديث النّبيّ المتقدّم]

و قالت امرأة من العرب لابنتها:تجمّلي و تعفّفي،أي كلي الجميل و اشربي العفافة،و هو ما بقي في الضّرع من اللّبن.

و أجملت الشّيء إجمالا،إذا جمعته عن تفرقة.و أكثر ما يستعمل ذلك في الكلام الموجز،يقال:أجمل فلان الجواب.

و أمّا الجمل من الحساب فلا أحسبه عربيّا صحيحا.

و جومل:اسم امرأة،الواو زائدة.

و يقال:جمالك إن تفعل كذا و كذا،أي لا تفعله و الزم الأمر الجميل.[ثمّ استشهد بشعر]

و يقال:اتّبع ما هو أجمل و استرح.

و قد سمّت العرب جميلا و جميلا.(2:110)

و الجمّل من قولهم:حساب الجمّل،و أحسبها داخلة في العربيّة.

و الجمّل:حبل غليظ تشدّ به السّفن.(3:352)

و جميل:طائر،و قالوا:جميل.(3:421)

باب«فعل»يجمع على«فعال»...مثل جمل و جمال، و يجمع على«فعالة»مثل جمل و جمالة.(3:512)

الأزهريّ: [نقل قول أبي عمرو و أضاف:]

و كأنّ الجملة مأخوذة من الجميلة.

[و قيل:]الجامل:قطيع من الإبل،معها رعيانها و أربابها كالبقر و الباقر.(11:108)

[نقل قول ابن الأعرابيّ و أضاف:]

أراد بالجمل و الكبع:سمكة بحريّة تدعى الجمل.

[ثمّ استشهد بشعر]

و في حديث الملاعنة أنّه قال النّبيّ: «إن جاءت به أمّه أورق جعدا جماليّا فهو لفلان».

و الجماليّ: الضّخم الأعضاء التّامّ الأوصال،و ناقة جماليّة،كأنّها جمل عظما.[ثمّ استشهد بشعر]

يجمع جميل:جملانا.(11:109)

[و قيل:]جمّلت الجيش تجميلا،و جمّرته تجميرا،إذا أطلت حبسه.(11:110)

الفارسيّ: جمع الجمل:أجمال و جمال و جمل و جمالة و جمائل.[ثمّ استشهد بشعر]

(ابن سيده 7:447)

الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]

و الجامل:قطيع من الإبل معها رعاتها.

و أجمل القوم:كثرت جمالهم.

و يقولون:«اتّخذ اللّيل جملا»إذا ركب اللّيل.

و جملت الشّحم و أجملته-بمعنى-أي أذبته.

و الجمال:مصدر الجميل،و الفعل:جمل،و جاملته مجاملة،و أجملت في الطّلب،و رجل جمّال:مثل حسّان.

و الجملة:جماعة كلّ شيء بكماله من الحساب

ص: 872

و غيره،يقال:أجملت الحساب.

و حساب الجمل:للهند بالتّخفيف،و تشدّد الميم أيضا.

و الجميلة من الظّباء و الحمام:الجماعة،و كأنّها «فعيلة»من أجملت،أي جمعت جملة.

و الجميل:فرج المرأة.

و الجمّل:القلس الغليظ،و قد قرئ: (حتّى يلج الجمّل فى سمّ الخياط) .(7:121)

الجوهريّ: و الجامل:القطيع من الإبل مع رعاته و أربابه.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمّالة:أصحاب الجمال،مثل الخيّالة و الحمّارة.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمّال بالضّمّ و التّشديد:أجمل من الجميل.

و يقال للشّحم المذاب:جميل.

و جميل:طائر جاء مصغّرا،و الجمع:جملان،مثال كعيت و كعتان.

و جمل:اسم امرأة.

و الجملة:واحدة الجمل.

و قد أجملت الحساب،إذا رددته إلى الجملة.

و أجملت الصّنيعة عند فلان،و أجمل في صنيعه.

و المجاملة:المعاملة بالجميل.

و رجل جماليّ بالضّمّ و الياء مشدّدة،أي عظيم الخلق.و ناقة جماليّة:تشبّه بالفحل من الإبل في عظم الخلق.[ثمّ استشهد بشعر]

و حساب الجمّل بتشديد الميم.

و الجمّل أيضا:حبل السّفينة الّذي يقال له:

القلس،و هو حبال مجموعة.و به قرأ ابن عبّاس رضي اللّه عنهما: (حتّى يلج الجمّل فى سمّ الخياط).

و جمّله،أي زيّنه.

و التّجمّل:تكلّف الجميل.

و تجمّل:أي أكل الجميل،و هو الشّحم المذاب.

قالت امرأة لابنتها:«تجمّلي و تعفّفي»أي كلي الشّحم و اشربي العفافة،و هي ما بقي في الضّرع من اللّبن.

(4:1661)

ابن فارس: الجيم و الميم و اللاّم أصلان:أحدهما:

تجمّع و عظم الخلق،و الآخرة:حسن.

فالأوّل:قولك:أجملت الشّيء،و هذه جملة الشّيء.و أجملته:حصّلته،و قال اللّه تعالى: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً الفرقان:32.

و يجوز أن يكون«الجمل»من هذا،لعظم خلقه.

و الأصل الآخر:الجمال،و هو ضدّ القبح،و رجل جميل و جمال.قال ابن قتيبة:أصله من الجميل،و هو ودك الشّحم المذاب.يراد أنّ ماء السّمن يجري في وجهه.و يقال:جمالك أن تفعل كذا،أي اجمل و لا تفعله.

[ثمّ استشهد بشعر](1:481)

أبو هلال :الفرق بين الإحسان و الإجمال:أنّ الإجمال هو الإحسان الظّاهر،من قولك:رجل جميل، كأنّما يجري فيه السّمن،و أصل الجميل:الودك.

و اجتمل الرّجل،إذا طبخ العظام ليخرج و دكها.

و يقال:أحسن إليه،فيعدّى ب«إلى»و أجمل في أمره،لأنّه فعل الجميل في أمره.

و يقال:أنعم عليه،لأنّه دخله معنى علوّ نعمة عليه،

ص: 873

فهي غامرة له،و لذلك يقال:هو غريق في النّعمة، و لا يقال:غريق في الإحسان و الإجمال.

و يقال:أجمل الحساب،فيعدّى ذلك بنفسه،لأنّه مضمّن بمفعول ينبئ عنه من غير وسيلة.

و قد يكون الإحسان مثل الإجمال في استحقاق الحمد به،و كما يجوز أن يحسن الإنسان إلى نفسه يجوز أن يجمل في فعله لنفسه.(159)

الفرق بين الجمال و السّرو:أنّ السّرو هو الجودة، و السّريّ من كلّ شيء:الجيّد منه،يقال:طعام سريّ و فرس سريّ،و كلّ ما فضل جنسه فهو سريّ.

و سراة القوم:وجوههم لفضلهم عليهم،و لا يوصف اللّه تعالى بالسّرو،كما لا يوصف بالجودة و الفضل.

الفرق بين الحسن و الجمال:أنّ الجمال هو ما يشتهر و يرتفع به الإنسان من الأفعال و الأخلاق،و من كثرة المال و الجسم،و ليس هو من الحسن في شيء.أ لا ترى أنّه يقال:لك في هذا الأمر جمال،و لا يقال:لك فيه حسن،و في القرآن وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ النّحل:6،يعني الخيل و الإبل.

و الحسن في الأصل:الصّورة،ثمّ استعمل في الأفعال و الأخلاق.و الجمال في الأصل:للأفعال و الأخلاق و الأحوال الظّاهرة،ثمّ استعمل في الصّور.

و أصل الجمال في العربيّة:العظم،و منه قيل:

الجملة،لأنّها أعظم من التّفاريق.و الجمّل:الحبل الغليظ،و الجمل سمّي جملا لعظم خلقته،و منه قيل للشّحم المذاب:جميل،لعظم نفعه.

الفرق بين الجمال و النّبل:أنّ النّبل هو ما يرتفع به الإنسان من الرّواء و من المنظر و من الأخلاق و الأفعال، و ممّا يختصّ به من ذلك في نفسه دون ما يضاف،يقال:

رجل نبيل في فعله و منظره،و فرس نبيل في حسنه و تمامه.

و الجمال يكون في ذلك و في المال و في العشيرة و الأحوال الظّاهرة،فهو أعمّ من النّبل،أ لا ترى أنّه يقال:

لك في المال و العشيرة جمال و لا يقال:لك في المال نبل، و لا هو نبيل في ماله.

و الجمال أيضا يستعمل في موضع الحسن،فيقال:

وجه جميل،كما يقال:وجه حسن،و لا يقال:نبيل بهذا المعنى.

و يجوز أن يكون معنى قولهم:وجه جميل،أنّه يجري فيه السّمن،و يكون اشتقاقه من الجميل،و هو الشّحم المذاب.

الفرق بين الجمال و البهاء:أنّ البهاء:جهارة المنظر، يقال:رجل بهيّ،إذا كان مجهر المنظر و ليس هو في شيء من الحسن و الجمال.قال ابن دريد:بهي يبهى بهاء من النّبل،و قال الزّجّاج:من الحسن،و[الحقّ]الّذي قال ابن دريد:أ لا ترى أنّه يقال:شيخ بهيّ،و لا يقال:غلام بهيّ.

و يقال:بهاؤه بالتّمر،إذا أنست به،و ناقة بهاء،إذا أنست بالحالب.(217)

الثّعالبيّ: إذا كانت بها مسحة من جمال،فهي وضيئة و جميلة.(81)

ابن سيده: الجمل:الذّكر من الإبل،و قيل:إنّما يكون جملا إذا أربع،و قيل:إذا أجذع،و قيل:إذا بزل، و قيل:إذا أنثى.[ثمّ استشهد بشعر]

ص: 874

و قد أوقعوا الجمل على النّاقة،فقالوا:شربت لبن جملي،و هذا نادر و لا أحقّه.

و قيل:الجمالة:الطّائفة من الجمال،و قيل:هي القطعة من النّوق لا جمل فيها.

و كذلك:الجمالة،و الجمالة،عن ابن الأعرابيّ.

و الجامل:اسم للجمع،كالباقر و الكالب.

و قالوا:الجمّال و الجمّالة،كقولهم:الحمّار و الحمّارة.

و رجل جامل:ذو جمل.

و أجمل القوم:كثرت جمالهم.

و استجمل البعير:صار جملا.

و جمّل الجمل:عزله عن الطّروقة.

و ناقة جماليّة:وثيقة تشبه الجمل في خلقتها و شدّتها.[ثمّ استشهد بشعر]

و اتّخذ اللّيل جملا،إذا ركب في حاجته،و هو على المثل.[ثمّ استشهد بشعر]

و جمل البحر:سمكة من سمكه،قيل:طولها ثلاثون ذراعا.

و الجميل،و الجملانة،و الجميلانة:طائر من الدّخاخيل.

و الجمال:الحسن،يكون في الفعل و الخلق.

[ثمّ نقل كلام اللّحيانيّ: و قد جمل جمالا...و أضاف]

و جمّال،الأخيرة لا تكسّر.

و امرأة جملاء:جميلة،و هي أحد ما جاء من«فعلاء» لا«أفعل»لها.[ثمّ استشهد بشعر]

و جامل الرّجل:لم يصفه الإخاء،و ما سحه بالجميل.

و قال اللّحيانيّ: أجمل إن كنت جاملا.

فإذا ذهبوا إلى الحال قالوا:إنّه لجميل.

و جمالك ألاّ تفعل كذا و كذا،أي لا تفعله و الزم الأمر الأجمل.

و أجمل في طلب الشّيء:اتّأد و اعتدل فلم يفرط.

[ثمّ استشهد بشعر]

و جمل الشّيء:جمعه.

و الجميل:الشّحم يذاب ثمّ يجمل،أي يجمع.

و قيل:الجميل:الشّحم يذاب،فكلّما قطر و كفّ على الخبز ثمّ أعيد.

و قد جمله يجمله جملا،و أجمله:أذابه؛و اجتمله:

كاشتواه.

و قالت امرأة من العرب لابنتها:«تجمّلي و تعفّفي» أي كلي الجميل و اشربي العفافة،و هو باقي اللّبن في الضّرع،على تحويل التّضعيف.

و الجمول:المرأة الّتي تذيب الشّحم،و قالت امرأة لرجل تدعو عليه:«جملك اللّه»أي أذابك كما يذاب الشّحم.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجملة:جماعة الشّيء،و اجمل الشّيء:جمعه عن تفرقة،و أكثر ما يستعمل في الكلام الموجز.و اجمل له الحساب:كذلك.

و حساب الجمّل:الحروف المقطّعة على أبي جاد، قال ابن دريد:لا أحسبه عربيّا.

و قال بعضهم:هو حساب الجمل،بالتّخفيف، و لست منه على ثقة.

و الجمّل:القلس،و هي حبال السّفينة.

ص: 875

و الجمل:الجماعة من النّاس.

و جمل،و جومل:اسم امرأة.

و جمال:اسم بنت أبي مسافر.(7:447)

و جميل،و جميل:اسمان.

الجمال:الحسن في الخلق و الخلق،و قيل:الجمال:

رقّة الحسن،و قيل:صفة تلحظ في الأشياء،و تبعث في النّفس رضا و سرورا.

جمل الشّيء جمالا،فهو جميل و جمال و جمّال، و هي جميلة و جملاء.

و جمّله:زيّنه فتجمّل.(الإفصاح 1:122)

الرّاغب: الجمال:الحسن الكثير،و ذلك ضربان:

أحدهما:جمال يختصّ الإنسان به في نفسه أو بدنه أو فعله،و الثّاني:ما يوصل منه إلى غيره.

و على هذا الوجه ما روي عنه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«إنّ اللّه جميل يحبّ الجمال»تنبيها أنّه منه تفيض الخيرات الكثيرة فيحبّ من يختصّ بذلك.و قال تعالى: وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ النّحل:6.

و يقال:جميل و جمال و جمّال على التّكثير،قال اللّه:

فَصَبْرٌ جَمِيلٌ يوسف:18، فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً المعارج:5،و قد جاملت فلانا و أجملت في كذا، و جمالك،أي أجمل.

و اعتبر منه معنى الكثرة،فقيل لكلّ جماعة غير منفصلة:جملة،و منه قيل للحساب الّذي لم يفصّل و الكلام الّذي لم يبيّن تفصيله:مجمل.و قد أجملت الحساب و أجملت في الكلام،قال تعالى: وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً الفرقان:32، أي مجتمعا،لا كما أنزل نجوما مفترقة.

و قول الفقهاء:المجمل:ما يحتاج إلى بيان،فليس بحدّ له و لا تفسير،و إنّما هو ذكر أحد أحوال بعض النّاس معه،و الشّيء يجب أن تبيّن صفته في نفسه الّتي بها يتميّز،و حقيقة المجمل:هو المشتمل على جملة أشياء كثيرة غير ملخّصة.

و الجمل يقال:للبعير إذا بزل،و جمعه:جمال و أجمال و جمالة،قال اللّه تعالى: حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ الأعراف:40،و قوله: (جِمالَتٌ صُفْرٌ) المرسلات:33،جمع جمالة،و الجمالة:جمع جمل، و قرئ (جمالات) بالضّمّ،و قيل:هي القلوص.

و الجامل:قطعة من الإبل معها راعيها كالباقر.

و قولهم:«اتّخذ اللّيل جملا»فاستعارة،كقولهم:

«ركب اللّيل»و تسمية الجمل بذلك،يجوز أن يكون لما قد أشار إليه بقوله: وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ النّحل:6، لأنّهم كانوا يعدّون ذلك جمالا لهم.

و جملت الشّحم:أذبته،و الجميل:الشّحم المذاب، و الاجتمال:الادّهان به.و قالت امرأة لبنتها:تجمّلي و تعفّفي أي كلي الجميل و اشربي العفافة.(97)

الزّمخشريّ: فلان يعامل النّاس بالجميل.و جامل صاحبه مجاملة،و عليك بالمداراة و المجاملة مع النّاس.

و تقول:إذا لم يجمّلك مالك،لم يجد عليك جمالك.و أجمل في الطّلب،إذا لم يحرص.و إذا أصبت بنائبة فتجمّل،أي تصبّر.و جمالك يا هذا.[ثمّ استشهد بشعر]

و أجمل الحساب و الكلام ثمّ فصّله و بيّنه.و تعلّم حساب الجمّل.و أخذ الشّيء جملة.و جمل الشّحم:

ص: 876

أذابه.و اجتمل و تجمّل:أكل الجميل و هو الودك.

و اجتمل،إذا استوكف إهالة الشّحم على الخبز،و هو يعيده إلى النّار.و قالت أعرابيّة لبنتها:تجمّلي و تعفّفي، أي كلي الجميل و اشربي العفافة،أي بقيّة اللّبن في الضّرع.و تقول:خذ الجميل و أعطني الجمالة،و هي الصّهارة.

و استجمل البعير:صار جملا،لا يسمّى جملا إلاّ إذا بزل.و ناقة جماليّة:في خلق الجمل،أ لا ترى إلى قوله:

كأنّها جمل وهم ضخم.و رجل جماليّ:عظيم الخلق ضخم.

و من المجاز:اتّخذ اللّيل جملا.(أساس البلاغة:64)

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،حضّ على الصّدقة،فقام رجل قبيح السّنّة صغير القمّة يقود ناقة حسناء جملاء،فقال:هذه صدقة.

الجملاء:الجميلة،و هي«فعلاء»الّتي لا«أفعل»لها، كديمة هطلاء.(الفائق 2:201)

المدينيّ: في حديث عائشة:«و سألتها امرأة:أزمّ جملي»؟أي أصبيه عن إتيان النّساء غيري،تريد بالجمل الزّوج،كنت به عنه،لأنّ الجمل الذّكر من الإبل،و قيل:

إنّما يستحقّ هذا الاسم إذا بزل.

في حديث أبي عبيدة رضي اللّه عنه: «حين أذن في جمل البحر».قال أبو نصر صاحب الأصمعيّ:هو سمكة ضخمة.[ثمّ استشهد بشعر]

في حديث عمر:«لكلّ أناس في جميلهم خبر»، و يروى:«في بعيرهم»،و هو مثل يضرب في معرفة كلّ قوم بصاحبهم.(1:352)

ابن الأثير:في حديث القدر:«كتاب فيه أسماء أهل الجنّة و أهل النّار أجمل على آخرهم،فلا يزاد فيهم و لا ينقص».أجملت الحساب،إذا جمعت آحاده و كمّلت أفراده،أي أحصوا و جمعوا،فلا يزاد فيهم و لا ينقّص.

و منه الحديث:«يأتوننا بالسّقاء يجملون فيه الودك» هكذا جاء في رواية،و يروى بالحاء المهملة.و عند الأكثرين«يجعلون فيه الودك».

و منه حديث فضالة:«كيف أنتم إذا قعد الجملاء على المنابر،يقضون بالهوى و يقتلون بالغضب»الجملاء:

الضّخام الخلق،كأنّه جمع جميل،و الجميل:الشّحم المذاب.

و فيه:«همّ النّاس بنحر بعض جمائلهم»هي جمع جمل،و قيل:جمع جمالة،و جمالة:جمع جمل،كرسالة و رسائل،و هو الأشبه.

و في حديث أبي عبيدة:«أنّه أذن في جمل البحر» هو سمكة ضخمة شبيهة بالجمل،يقال لها:جمل البحر.

(1:297)

الفيّوميّ: الجمل:من الإبل بمنزلة الرّجل،يختصّ بالذّكر،قالوا:و لا يسمّى بذلك إلاّ إذا بزل.و جمعه:جمال و أجمال و أجمل و جمالة بالهاء،و جمع الجمال:جمالات.

و جمل الرّجل بالضّمّ و الكسر جمالا فهو جميل، و امرأة جميلة.

و تجمّل تجمّلا،بمعنى تزيّن و تحسّن إذا اجتلب البهاء و الإضاءة.

و أجملت الشّيء إجمالا:جمعته من غير تفصيل، و أجملت في الطّلب:رفقت.

ص: 877

و رجل جماليّ،بضمّ الجيم:عظيم الخلق،و قيل:

طويل الجسم.(1:110)

الجرجانيّ: الجمال من الصّفات:ما يتعلّق بالرّضا و اللّطف.(35)

الفيروزآباديّ: الجمل محرّكة و يسكّن ميمه معروف،و شذّ للأنثى فقيل:شربت لبن جملي،أو هو جمل إذا أربع أو أجذع أو بزل أو أثنى،الجمع:أجمال و جامل و جمل بالضّمّ و جمال بالكسر و جمالة و جمالات مثلّثين و جمائل و أجامل.

و الجامل:القطيع منها برعاته و أربابه،و الحيّ العظيم.

و كثمامة:الطّائفة منها أو القطيع من النّوق لا جمل فيها و يثلّث،و الخيل،الجمع:جمال،نادر.[ثمّ استشهد بشعر]

و الجميل:الشّحم الذّائب.

و استجمل البعير:صار جملا،و الجمّالة مشدّدة:

أصحابها،و ناقة جماليّة بالضّمّ:وثيقة كالجمل،و رجل جماليّ أيضا.

و الجمل محرّكة:النّخل،و سمكة طولها ثلاثون ذراعا.

و في المثل:«اتّخذ اللّيل جملا»أي سرى.

و كزبير و قبّيط و الجملانة و الجميلانة بضمّهما:

البلبل.

و الجمال:الحسن في الخلق و الخلق،جمل ككرم فهو جميل،كأمير و غراب و رمّان.

و الجملاء:الجميلة و التّامّة الجسم من كلّ حيوان.

و تجمّل:تزيّن و أكل الشّحم المذاب.

و جامله:لم يصفه الإخاء بل ماسحه بالجميل أو أحسن عشرته.

و جمالك أن لا تفعل كذا إغراء،أي الزم الأجمل و لا تفعل ذلك.

و جمل:جمع،و الشّحم:أذابه كأجمله و اجتمله.

و أجمل في الطّلب:اتّأد و اعتدل فلم يفرط، و الشّيء:جمعه عن تفرقة،و الحساب:ردّه إلى الجملة، و الصّنيعة:حسّنها و كثّرها.

و كأمير:الشّحم يذاب فيجمع،و درب جميل ببغداد،و الجملة بالضّمّ:جماعة الشّيء.

و كسكّر و صرد و قفل و عنق و جبل:حبل السّفينة و قرئ بهنّ (حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ) الأعراف:40.

و كسكّر:حساب الجمّل و قد يخفّف.

و كصحف:الجماعة منّا.

و جمّله تجميلا:زيّنه،و الجيش:أطال حبسهم.

و كسفينة:الجماعة من الظّباء و الحمام.

و سمّوا جمالا كسحاب،و جبل و أمير.(3:361)

الطّريحيّ: و في الحديث:«أجملوا في الطّلب»أي لا يكون كدّكم فيه كدّا فاحشا.

و هو يحتمل معنيين:

أحدهما:أن يكون المراد اتّقوا اللّه في هذا الكدّ الفاحش،أي لا تقيموا عليه،كما تقول:اتّقوا اللّه في فعل كذا،أي لا تفعله.

الثّاني:أن يكون المراد أنّكم إن اتّقيتم اللّه لا تحتاجون إلى هذا الكدّ و التّعب،و يكون إشارة إلى قوله تعالى: وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ الطّلاق:2،3.

ص: 878

الثّاني:أن يكون المراد أنّكم إن اتّقيتم اللّه لا تحتاجون إلى هذا الكدّ و التّعب،و يكون إشارة إلى قوله تعالى: وَ مَنْ يَتَّقِ اللّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً* وَ يَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ الطّلاق:2،3.

و فيه:«احلق فإنّه يزيد في جمالك»أي في تجمّلك و حسنك..

و مثله«حلق الرّأس مثلة لأعدائكم و جمال لكم» يعني هكذا في الملإ يرى.

و فيه:«إنّ اللّه يحبّ الجمال و التّجمّل».

الجمال:يقع على الصّور و المعاني،و منه:«إنّ اللّه جميل يحبّ الجمال»أي حسن الأفعال كامل الأوصاف.

و التّجمّل:تكلّف الجميل.

و في حديث الإسراء«ثمّ عرضت له امرأة حسناء جملاء»أي مليحة جميلة.و لا فعل لها من لفظها.

و الجمالان من المرأة:الشّعر و الوجه.

و أيّام الجمل:زمان مقاتلة عليّ عليه السّلام و عائشة بالبصرة،و سمّيت بها لأنّها كانت على جمل حينذاك.

و أصحاب الجمل،يعني عسكر عائشة.

و أجملت الحساب،إذا رددته عن التّفصيل إلى الجملة.و معناه أنّ الإجمال وقع على ما انتهى إليه التّفصيل.

و حساب الجمل بضمّ الجيم مخفّفا و مشدّدا:ما قطع على حروف«أبجد هوّز حطّي كلمن سعفص قرشت ثخذ ضظغ».

الألف واحد،و الباء اثنان،و الجيم ثلاثة.

ثمّ كذلك إلى الياء،و هي عشرة.

ثمّ الكاف عشرون،و اللاّم ثلاثون،و الميم أربعون.

ثمّ كذلك إلى القاف و هي مائة.

ثمّ الرّاء مائتان،ثمّ الشّين ثلاثمائة ثمّ التّاء أربعمائة.

ثمّ كذلك إلى الغين و هي ألف و هكذا.أيضا وردت به الرّواية عن أبي عبد اللّه عليه السّلام؛حيث قال:«الألف واحد،و الباء اثنان،و الجيم ثلاثة،و الدّال أربعة،و الهاء خمسة،و الواو ستّة،و الزّاء سبعة،و الحاء ثمانية،و الطّاء تسعة،و الياء عشرة،و الكاف عشرون،و اللاّم ثلاثون،و الميم أربعون،و النّون خمسون،و السّين ستّون، و العين سبعون،و الفاء ثمانون،و الصّاد تسعون،و القاف مائة،و الرّاء مائتان،و الشّين ثلاثمائة،و التّاء أربعمائة»إلى هنا،و لم يذكر البواقي،و لعلّ إهماله إيّاها لوضوح الأمر فيها.

و قد أجرى هذا الحساب في مقاطع أصابع اليدين العشرة بعدّ مراتب الأعداد الأربعة،فإن يعبّر في المقطع الأوّل عن الواحد،و بالثّاني عن الاثنين،و بالثّالث عن الثّلاثة،و هكذا.

و منه الحديث:«أسلم أبو طالب بحساب الجمل، و عقد بيده ثلاثا و ستّين،أي عقد على خنصره و بنصره الوسطى،و وضع إبهامه عليها،و أرسل السّبّابة،و قال:

لا إله إلاّ اللّه محمّد رسول اللّه».

و لا شكّ أنّ هذه الهيئة من قبض اليد هيئة من عقد على ثلاثة و ستّين بحساب الجمل.فإنّا لو عبّرنا عن العقد الأوّل بعشرين،و الثّاني بثلاثين،و الثّالث بأربعين، و الرّابع بخمسين،و الخامس بستّين،يبقى ممّا عدا السّبعة ثلاثة عقود،و هي تمام ما ذكر من العدد فيتمّ المطلوب.

و يكون حاصل الكلام:أسلم أبو طالب بحساب الجمل إسلاما محكما،هيئة من عقد على يده ثلاث و ستّين بحساب الجمل.

ص: 879

و ربّما كان إرساله للسّبّابة-على ما في بعض الأخبار- ليشير بها إلى جهة الحقّ عند ذكر الجلالة،ليتحقّق التّوكيد،و يطابق القول الاعتقاد.

و في حديث الصّادق عليه السّلام:«و قد سئل إنّ أبا طالب أسلم بحساب الجمل؟قال:بكلّ لسان».

و في كتاب«كمال الدّين»لابن بابويه،و حكى عن أبي القاسم بن روح قدّس سرّه،قال:في الحديث الّذي روي في أبي طالب أنّه أسلم بحساب الجمل و عقد بيده ثلاثة و ستّين:«إنّ معناه إله أحد جواد»انتهى.

و من تدبّر حروفها بالحساب المذكور وجدها كذلك،و قد بيّنّاه في«عقد».

و في كتاب«المناقب»لابن شهرآشوب:روى شعبة عن قتادة عن الحسن في حديث طويل،و فيه:«قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:يا عمّ إنّك تخاف عليّ أذى أعاديّ و لا تخاف على نفسك عذاب ربّي!فضحك أبو طالب، و قال:يا محمّد دعوتني و زعمت أنّك ناصحي،و لقد صدقت و كنت قدما أمينا.و عقد على ثلاث و ستّين، عقد الخنصر و البنصر،و عقد الإبهام على إصبعه الوسطى،يقول:لا إله إلاّ اللّه محمّد،رسول اللّه».

و في حديث سفيان الثّوريّ بسنده إلى أبي ذرّ الغفاريّ،قال:«و اللّه الّذي لا إله إلاّ هو ما مات أبو طالب حتّى آمن بلسان الحبشة،قال لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:يا محمّد أ تفقه لسان الحبشة؟قال:يا عمّ إنّ اللّه علّمني جميع الكلام،قال:يا محمّد اسدن لمصافا طالاها،يعني أشهد مخلصا لا إله إلاّ اللّه،فبكى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و قال:إنّ اللّه قد أقرّ عيني بأبي طالب».

و أجملت الصّنيعة عند فلان:فعلت عنده فعلا محمودا.و أجمل في صنيعه كذلك.

و المجمل من القرآن و غيره:خلاف المبيّن كالمشترك و المأوّل.

و المجاملة:حسن الصّنيعة مع النّاس،و المعاملة بالجميل،و منه:«و عليكم بمجاملة أهل الباطل».

(5:342)

مجمع اللّغة :الجمال:البهاء و رقّة الحسن.

و الصّبر الجميل:الّذي لا تبرّم معه.

و الصّفح الجميل:الّذي لا عتب فيه.

و السّراح الجميل:ما كان مصحوبا بإحسان،و هو كناية عن الطّلاق،و له حدود بيّنت في كتب الفقه.

و الهجر الجميل:الّذي لا أذى معه.

الجمل:الذّكر من الإبل إذا بلغ سنّا معيّنة،و جمعه:

جمال و جمالة،و ورد الجمع في القرآن على:جمالة.

الجملة:جماعة كلّ شيء بكماله.(1:208)

نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:111)

محمود شيت: أ-الجمل:الكبير من الإبل، واسطة النّقل في الصّحراء.

ب-جمّال:صاحب الجمل،و العامل عليه.

ج-إجماليّ: يقال تدريب إجماليّ:تدريب الجيش مجتمعا على تمارين الحرب،لإظهار الأخطاء و الدّروس، و لتعاون صنوف الجيش كلّها في القتال.(1:153)

المصطفويّ: و التّحقيق أنّ هذه المادّة في اللّغة العبريّة بمعنى النّضج و الانفطام،و بمناسبة هذا المعنى أطلقت على«الجمل»لنضجه في حياته و صبره،و تحمّله

ص: 880

على الشّدائد،و استقامته في إتمام عمله و سيره.

ثمّ استعملت في العربيّة بمعنى ما اجتمع فيه النّضج و التّناسب و النّظم.

و هذا المفهوم إمّا من جهة الصّورة و ظاهر الخلقة، كالجمال الظّاهريّ،فإنّ الجمال،هو التّناسب و الاعتدال في الأعضاء،في كلّ شيء بحسبه.

و إمّا من جهة المعنى و النّفس،كالصّبر الجميل و جمال النّفس،فإنّ الصّبر الجميل أن يقع مع الرّضا و من دون أن يشوبه خلاف،و جمال النّفس هو أن تتّصف النّفس بالصّفات الرّوحانيّة النّورانيّة بالتّناسب و الاعتدال.

فالنّضج مرجعه إلى الكمال و البلوغ و إدراك الوقت، و هذا المعنى يختلف باختلاف الموضوعات،كالنّضج في الثّمر و في الغلام.

و قلنا:إنّ إطلاق الجمل على الإبل بتناسب معنى النّضج،فإنّ النّضج في الأنعام المتوقّع منها حمل الأثقال و تحمّله و صبره:أن يتحقّق هذا المعنى المطلوب المتوقّع بنحو أحسن،و الجمل مصداق كامل لهذا المنظور.

كما أنّ المتوقّع المطلوب من البهيمة المرزوقة:أن تكون ذات لحم و شحم،و أن تبلغ حدّا تستفاد منها في الطّعام،فبلوغها في هذا المقام و من هذه الحيثيّة هو أن تدرك الشّحم،و هذا نضجها و كمال النّظم فيها.

فكما أنّ إطلاق الجمل بعد تحقّق عنوان البزل، كذلك إطلاق الجميل على الشّحم في صورة تحقّق القيد المذكور،لا مطلق الشّحم،و لا يبعد أن يكون لفظ الجميل موضوعا في الأصل على الجمل ذي شحم،ثمّ أطلق على نفس الشّحم.

و يناسب هذا المعنى أيضا:مفهوم الإجمال و الجملة و الجمعيّة و الجمع و التّحصيل و أمثالها،فإنّ مرجعها إلى حصول النّتيجة و البلوغ إلى المقصود،و حفظ النّظم و جمع ما تفرّق،حتّى يحصل التّناسب و الاعتدال.

و أمّا القلس:فكأنّه باعتبار تنظيم أمر السّفينة و انتهاء جريانها و حفظ حدودها،و ضبط برنامجها،و به تبلغ غاية مراحلها.

و أمّا حساب الجمّل بصيغة الجمع كطلّب جمع طالب،أو بالتّخفيف كجرعة و جرع،فهو الأعداد الأبجديّة المشهورة المأخوذة من العبريّة،و لا يبعد أن يكون التّلفّظ الصّحيح الأصيل هو مخفّفا،إمّا لكونها أعدادا لجمل أبجد هوّز حطّي كلمن...إلخ،فإنّ كلّ واحدة من هذه الكلمات جملة لغة.

أو أنّه مأخوذ من«الإجمال»بمعنى الجمع عن تفرقة، أو معاني أخر.

و ليعلم أنّ القيود و الخصوصيّات الّتي ذكرنا لهذه المادّة محفوظة في جميع مشتقّاتها،و لا بدّ من التّوجّه إليها في موارد استعمالاتها.[ثمّ ذكر الآيات](2:116)

النّصوص التّفسيريّة

جميل

وَ جاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَ اللّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ. يوسف:18

ص: 881

النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم: صبر لا شكوى فيه.(الطّبريّ 12:166)

ابن عبّاس: فعليّ صبر جميل بلا جزع.(195)

مثله مجاهد.(الطّبريّ 12:166)

الفرّاء: قوله: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ مثل قوله: فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ البقرة:196، فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ البقرة:

229،و لو كان«فصبرا جميلا»يكون كالآمر لنفسه بالصّبر لجاز.و هي في قراءة أبي (فصبرا جميلا) كذلك على النّصب بالألف.(2:39)

الزّجّاج: معناه صبر لا جزع فيه و لا شكوى إلى النّاس،و(صبر جميل)مرفوع على ضربين،المعنى فشأني صبر جميل،و الّذي أعتقده صبر جميل.و يجوز أن يكون على«فصبري صبر جميل»و هذا لفظ قطرب:

فصبري صبر جميل.و الأوّل مذهب الخليل و جميع أصحابه،و يجوز في غير القرآن فصبرا جميلا.[ثمّ استشهد بشعر للرّفع]

و (صَبْراً جَمِيلاً) منصوب على مثل «فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً» .(3:96)

نحوه الطّوسيّ(6:112)،و الواحديّ(2:604)، و الزّمخشريّ(2:308)،و ابن عطيّة(3:227)، و الفخر الرّازيّ(18:103).

راجع«ص ب ر».

الجميل

وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلاّ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ السّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ. الحجر:85

راجع«ص ف ح».

جميلا

1- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً.

الأحزاب:28

راجع«س ر ح».

2- فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً. المعارج:5

راجع«ص ب ر»

3- وَ اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً.

المزّمّل:10

راجع«ه ج ر»

جمال

وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ.

النّحل:6

ابن عبّاس: منظر حسن.(221)

السّدّيّ: قول النّاس إذا رأوها:هذه نعم فلان.

(الماورديّ 3:180)

الماورديّ: توجّه الأنظار إليها،و هو محتمل.

(3:180)

البغويّ: زينة.(3:72)

مثله ابن الجوزيّ(4:430)،و البيضاويّ(1:

549)،و الخازن(4:66)،و الشّربينيّ(2:217).

الميبديّ: زينة و حسن منظر،لأنّ الإنسان يعجب به.و قيل:عزّ و أبّهة عند نظرائكم.(5:356)

نحوه الطّبرسيّ(3:350)،و الطّباطبائيّ(12:211).

ص: 882

الزّمخشريّ: منّ اللّه بالتّجمّل بها كما منّ بالانتفاع بها،لأنّه من أغراض أصحاب المواشي بل هو من معاظمها،لأنّ الرّعيان إذا روّحوها بالعشيّ و سرّحوها بالغداة،فزيّنت بإراحتها و تسريحها الأفنية،و تجاوب فيها الثّغاء و الرّغاء،أنست أهلها و فرحت أربابها، و أجلّتهم في عيون النّاظرين إليها،و كسبتهم الجاه و الحرمة عند النّاس،و نحوه لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً النّحل:

8، يُوارِي سَوْآتِكُمْ وَ رِيشاً الأعراف:26.

(2:401)

ابن عطيّة: أي في المنظر.(3:379)

القرطبيّ: الجمال:ما يتجمّل به و يتزيّن،و الجمال:

الحسن.[إلى أن قال:]

قال علماؤنا:فالجمال يكون في الصّورة و تركيب الخلقة،و يكون في الأخلاق الباطنة،و يكون في الأفعال:

فأمّا جمال الخلقة،فهو أمر يدركه البصر و يلقيه إلى القلب متلائما،فتتعلّق به النّفس من غير معرفة بوجه ذلك،و لا نسبته لأحد من البشر.

و أمّا جمال الأخلاق،فكونها على الصّفات المحمودة من العلم و الحكمة و العدل و العفّة،و كظم الغيض و إرادة الخير لكلّ أحد.

و أمّا جمال الأفعال،فهو وجودها ملائمة لمصالح الخلق،و قاضية لجلب المنافع فيهم و صرف الشّرّ عنهم.

و جمال الأنعام و الدّوابّ من جمال الخلقة،و هو مرئيّ بالأبصار موافق للبصائر،و من جمالها كثرتها.(10:71)

أبو حيّان :[نحو القرطبيّ و أضاف:]

و المعنى أنّه لنا فيها جمال و عظمة عند النّاس باقتنائها،و دلالتها على سعادة الإنسان في الدّنيا،و كونه فيها من أهل السّعة،فمنّ اللّه تعالى بالتّجمّل بها،كما منّ بالانتفاع الضّروريّ،لأنّ التّجمّل بها من أغراض أصحاب المواشي و مفاخر أهلها،و العرب تفتخر بذلك.

[ثمّ استشهد بشعر](5:475)

أبو السّعود :أي زينة في أعين النّاس و وجاهة عندهم.(4:42)

مثله البروسويّ.(5:7)

الآلوسيّ: زينة في أعين النّاس و عظمة و وجاهة عندهم،و المشهور إطلاقه على الحسن الكثير،و يكون في الصّورة بحسن التّركيب و تناسق الأعضاء و تناسبها، و في الأخلاق باشتمالها على الصّفات المحمودة،و في الأفعال بكونها ملائمة للمصلحة من درء المضرّة و جلب المنفعة،و هو في الأصل مصدر«جمل»بضمّ الميم.[ثمّ استشهد بشعر]

و رأى بعضهم إطلاقه على التّجمّل،فظنّ أنّه مصدر بإسقاط الزّوائد.(14:99)

عزّة دروزة :المتبادر أنّ المقصد الإشارة إلى ما في منظر الأنعام و هي تغدو و تروح،من مشهد جميل و مأنوس،و بخاصّة بالنّسبة لأصحابها،و الحياة الّتي كان يحياها العرب الّذين هم أوّل من خوطبوا بالقرآن.

(6:56)

مغنيّة: المراد بالجمال هنا:جمال الأنعام في منظرها رائحة غادية،و بالخصوص إذا كانت سمينة و كثيرة، و...و هذا المنظر الجميل للأنعام الثّلاث،و هي غادية رائحة يبعث الأنس و الانشراح في نفوس أصحابها،

ص: 883

و يغبطهم النّاظر إليها.(4:498)

مكارم الشّيرازيّ: عبّر القرآن بكلمة(جمال) عن تلك الحركة الجماعيّة للأنعام،حين تسرح إلى مراعيها و تعود إلى مراحها،لما لها من جمال و رونق خاصّ يغبط الإنسان،و المعبّر عن حقيقة راسخة في عمق المجتمع.

فحركة الإبل إضافة إلى روعتها،فإنّها تطمئن المجتمع بأنّ ما تحتاجه من مستلزمات حياتك ها هو يسير بين عينيك،فتمتّع به و خذ منه ما تحتاجه،و لا داعي لأن ترتبط بهذا أو ذاك فتستضعف،و كأنّها تخاطبه:فأنت مكتف ذاتيّا بواسطتي.

ف«الجمال»جمال استغناء و اكتفاء ذاتيّ،و جمال إنتاج و تأمين متطلّبات أمّة كاملة،و بعبارة أوضح:جمال الاستقلال الاقتصاديّ،و قطع كلّ تبعيّة للغير.

و الحقيقة الّتي يدركها القرويّون و أبناء الرّيف أكثر من غيرهم،هي ما تعطيه حركة تلك الأنعام من راحة نفسيّة للإنسان،راحة الإحساس بعدم الحاجة و الاستغناء،راحة تأدية إحدى الوظائف الاجتماعيّة الهامّة.(8:124)

الجمل

إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ. الأعراف:40

ابن مسعود:ابن النّاقة،أو زوج النّاقة.

(الطّبريّ 8:178)

ابن عبّاس: (الجمّل):الحبال المجموعة.

(الفرّاء 1:379)

نحوه عكرمة.(الطّبريّ 8:178)

ذو القوائم.

هو الجمل العظيم لا يدخل في خرق الإبرة،من أجل أنّه أعظم منها.(الطّبريّ 8:179)

(الجمّل):حبال السّفن.

نحوه مجاهد.(الطّبريّ 8:181)

الحبل الغليظ.

نحوه عكرمة.(الطّبريّ 8:180،181) أبو العالية :الّذي له أربع قوائم.

مثله الضّحّاك.(الطّبريّ 8:179)

عكرمة :هو الحبل الّذي يصعد به إلى النّخل.

(الطّبريّ 8:180)

الحسن :الجمل الّذي يقوم في المربد.

البعير.

هو الجمل....هو الأشتر.(الطّبريّ 8:178،179)

الفرّاء: الجمل هو زوج النّاقة.(1:379)

الطّبريّ: أجمعت[القرّاء]على قراءة(الجمل)بفتح الجيم و الميم و تخفيف ذلك.و أمّا ابن عبّاس و عكرمة و سعيد بن جبير،فإنّه حكي عنهم أنّهم كانوا يقرءون ذلك(الجمّل)بضمّ الجيم،و تشديد الميم،على اختلاف في ذلك عن سعيد و ابن عبّاس.

فأمّا الّذين قرءوه بالفتح من الحرفين و التّخفيف، فإنّهم وجّهوا تأويله إلى الجمل المعروف.[إلى أن قال:]

و كأنّ من قرأ ذلك بتخفيف الميم و ضمّ الجيم،على

ص: 884

ما ذكرنا عن سعيد بن جبير،على مثال الصّرد و الجعل، وجّهه إلى جماع جملة من الحبال جمعت جملا،كما تجمع الظّلمة ظلما،و الخربة خربا.

و كان بعض أهل العربيّة ينكر التّشديد في الميم، و يقول:إنّما أراد الرّاوي الجمل بالتّخفيف فلم يفهم ذلك منه،فشدّده.

و حدّثت عن الفرّاء،عن الكسائيّ أنّه قال:الّذي رواه عن ابن عبّاس،كان أعجميّا.و أمّا من شدّد الميم و ضمّ الجيم،فإنّه وجّهه إلى أنّه اسم واحد،و هو الحبل أو الخيط الغليظ.

و الصّواب من القراءة في ذلك عندنا:ما عليه قرّاء الأمصار،و هو حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ بفتح الجيم و الميم من الجمل و تخفيفها.(8:178)

نحوه الماورديّ(2:223)،و الفخر الرّازيّ(14:

77)،و القرطبيّ(7:206)،و البيضاويّ(1:349).

الزّمخشريّ: [نقل القراءات و أضاف:]

و الجمل مثل في عظم الجرم.[ثمّ استشهد بشعر]

فقيل:لا يدخلون الجنّة حتّى يكون ما لا يكون أبدا، من ولوج هذا الحيوان-الّذي لا يلج إلاّ في باب واسع- في ثقب الإبرة.(2:78)

نحوه الطّبرسيّ(2:418)،و أبو السّعود(2:493)، و الآلوسيّ(8:118)،و رشيد رضا(8:418).

ابن عطيّة: [نقل رواية الكسائيّ عن ابن عبّاس و أضاف:]

و هذا ضعيف لكثرة أصحاب ابن عبّاس على القراءة المذكورة.(2:400)

ابن الجوزيّ: الجمل:هو الحيوان المعروف.

فإن قال قائل:كيف خصّ الجمل من دون سائر الدّوابّ،و فيها ما هو أعظم منه؟فعنه جوابان:

أحدهما:أنّ ضرب المثل بالجمل يحصّل المقصود؛ و المقصود أنّهم لا يدخلون الجنّة،كما لا يدخل الجمل في ثقب الإبرة،و لو ذكر أكبر منه أو أصغر منه،جاز، و النّاس يقولون:فلان لا يساوي درهما،و هذا لا يغني عنك فتيلا،و إن كنّا نجد أقلّ من الدّرهم و الفتيل.

و الثّاني:أنّ الجمل أكبر شأنا عند العرب من سائر الدّوابّ،فإنّهم يقدّمونه في القوّة على غيره،لأنّه يوقّر بحمله فينهض به دون غيره من الدّوابّ،و لهذا عجّبهم من خلق الإبل،فقال: أَ فَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ الغاشية:17،فآثر اللّه ذكره على غيره لهذا المعنى.

ذكر الجوابين ابن الأنباريّ،قال:و قد روى شهر بن حوشب عن ابن عبّاس أنّه قرأ: (حتّى يلج الجمّل) بضمّ الجيم و تشديد الميم،و قال:هو القلس الغليظ.

و هي قراءة أبي رزين،و مجاهد،و ابن محيصن، و أبي مجلز،و ابن يعمر،و أبان عن عاصم،قال:و روى مجاهد عن ابن عبّاس:(حتّى يلج الجمل)بضمّ الجيم و فتح الميم و تخفيفها.

قلت:و هي قراءة قتادة،و قد رويت عن سعيد بن جبير،و أنّه قرأ: (حتّى يلج الجمل) بضمّ الجيم و تسكين الميم.و هي قراءة عكرمة.

قال ابن الأنباريّ: ف(الجمل)يحتمل أمرين:يجوز أن يكون بمعنى الجمّل،و يجوز أن يكون بمعنى جملة من

ص: 885

الجمال،قيل في جمعها:جمل،كما يقال:حجرة،و حجر، و ظلمة،و ظلم!و كذلك من قرأ:(الجمل)يسوغ له أن يقول:الجمل،بمعنى الجمّل،و أن يقول:الجمل،جمع جملة،مثل بسرة،و بسر.و أصحاب هذه القراءات يقولون:الحبل و الحبال،أشبه بالإبرة و الخيوط من الجمال.و روى عطاء بن يسار عن ابن عبّاس أنّه قرأ:

(الجمل)بضمّ الجيم و الميم،و بالتّخفيف،و هي قراءة الضّحّاك،و الجحدريّ.و قرأ أبو المتوكّل،و أبو الجوزاء:

(الجمل)بفتح الميم،و بسكون الميم خفيفة.(3:197)

نحوه الخازن.(2:188)

أبو البقاء:يقرأ بفتح الجيم،و هو الجمل المعروف.

و يقرأ في الشّاذّ بسكون الميم،و الأحسن أن يكون لغة،لأنّ تخفيف المفتوح ضعيف.

و يقرأ بضمّ الجيم و فتح الميم و تشديدها،و هو الحبل الغليظ،و هو جمع مثل:صوّم و قوّم.

و يقرأ بضمّ الجيم و الميم مع التّخفيف،و هو جمع، مثل:أسد و أسد.

و يقرأ كذلك إلاّ أنّ الميم ساكنة؛و ذلك على تخفيف المضموم.(1:567)

البروسويّ: أي حتّى يدخل ما هو مثل في عظم الجرم و هو البعير،في ما هو مثل في ضيق المسلك و هو ثقب الإبرة،و ذلك ممّا لا يكون،فكذا ما توقف عليه.

و العرب إذا أرادت تأكيد النّفي علّقته بما يستحيل كونه.

[ثمّ استشهد بشعر]

و الجمل:زوج النّاقة،و إنّما يسمّى جملا إذا أربع،أي إذا دخل في السّنة السّابعة،فإنّه يقال له في السّنة السّابعة:رباع،و للأنثى:رباعية بالتّخفيف.(3:161)

مكارم الشّيرازيّ: إنّ هذا التّعبير كناية لطيفة عن استحالة هذا الأمر،و في الحقيقة اختير هذا المثال للإخبار عن عدم إمكان دخول هؤلاء الأشخاص في الجنّة بصورة حسّيّة،حتّى-كما لا يتردّد في عدم إمكان عبور الجمل بجثّته الكبيرة من خلال ثقب الإبرة- لا يشكّ أحد في عدم وجود طريق لدخول المستكبرين عن الآيات الإلهيّة في الجنّة مطلقا.

و(الجمل)في اللّغة يعني البعير الّذي خرجت أسنانه حديثا،و لكن أحد معاني الجمل هو الحبل القويّ و المتين الّذي تربط به السّفن أيضا.

و حيث إنّ بين الحبل و الإبرة تناسبا أقوى و أكثر، لهذا ذهب بعضهم إلى هذا المعنى عند تفسير الآية،و لكن أكثر المفسّرين الإسلاميّين رجّح المعنى الأوّل،و هم على حقّ في هذا الاتّجاه لأمور:

أوّلا:أنّ في أحاديث أئمّة الإسلام كذلك تعابير تناسب التّفسير الأوّل.

ثانيا:أنّه يلاحظ نظير هذا التّفسير حول الأثرياء المتكبّرين الأنانيّين في الإنجيل أيضا،ففي إنجيل لوقا:

الباب 18،الجملة 24 و 25،نقرأ هكذا:إنّ عيسى قال:

«ما أعسر دخول ذوي الأموال إلى ملكوت اللّه.لأنّ دخول الجمل من ثقب إبرة أيسر من أن يدخل غنيّ إلى ملكوت اللّه».

و لا أقلّ يستفاد من هذه العبارة،أنّ هذه الكتابة كانت متداولة بين الشّعوب منذ قديم الزّمان.

و هو مثل يستعمل في محاوراتنا اليوميّة الآن أيضا؛

ص: 886

إذ ربّما يقال بشأن الأشخاص المتعصّبين جدّا أحيانا، و المتساهلين جدّا أحيانا أخرى:إنّ فلانا أحيانا لا يمكنه الدّخول من باب المدينة،و لكنّه يدخل أحيانا من ثقب إبرة.

ثالثا:بالنّظر إلى أنّ استعمال لفظة الجمل في المعنى الأوّل«أي البعير»أكثر،بينما استعمالها في«الحبل الغليظ»قليل جدّا،لهذا يبدو أنّ التّفسير الأوّل أنسب.

(5:42)

نحوه فضل اللّه.(10:124)

جمالت

كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ. المرسلات:33

الإمام عليّ عليه السّلام: هي قطع النّحاس.

(الفخر الرّازيّ 30:276)

ابن عبّاس: الجمالات الصّفر:قلوس السّفن،الّتي تجمع فتوثق بها السّفن.

قلوس سفن البحر يحمل بعضها على بعض،حتّى تكون كأوساط الرّجال.(الطّبريّ 29:242)

سعيد بن جبير: قلوس الجسر.

الجبال.(الطّبريّ 29:242)

مجاهد :هي الإبل.

حبال الجسور.(الطّبريّ 29:241،242)

الحسن :الأينق السّود.

نحوه قتادة.(الطّبريّ 29:241)

الفرّاء: إنّ الجمل إنّما شبّه بالقصر،أ لا ترى قوله جلّ و عزّ:«كأنّه جمالات صفر»و الصّفر:سود الإبل، لا ترى أسود من الإبل إلاّ و هو مشرب بصفرة،فلذلك سمّت العرب سود الإبل:صفرا،كما سمّوا الظّباء:أدما لما يعلوها من الظّلمة في بياضها،و قد اختلف القرّاء في (جمالات)فقرأ عبد اللّه بن مسعود و أصحابه:(جمالة).

عن أبي عبد الرّحمن يرفعه إلى عمر بن الخطّاب رحمه اللّه،أنّه قرأ: (جمالات) و هو أحبّ الوجهين إليّ، لأنّ الجمال أكثر من الجمالة في كلام العرب.و هي تجوز، كما يقال:حجر و حجارة،و ذكر و ذكارة،إلاّ أنّ الأوّل أكثر.فإذا قلت:جمالات،فواحدها:جمال،مثل ما قالوا:رجال و رجالات،و بيوت و بيوتات،فقد يجوز أن تجعل واحد الجمالات:جمالة.و قد حكي عن بعض القرّاء:(جمالات)،فقد تكون من الشّيء المجمل،و قد تكون(جمالات)جمعا من جمع الجمال.كما قالوا:الرّخل و الرّخال،و الرّخال.(3:225)

نحوه الطّوسيّ(10:230)،و البغويّ(5:198)، و الميبديّ(10:341)،و أبو حيّان(8:407)، و أبو السّعود(6:350).

ابن قتيبة :(جمالات)،جمالات(صفر)أي إبل سود،واحدها:جمالة.و البعير الأصفر هو الأسود،لأنّ سواده تعلوه صفرة.(507)

الطّبريّ: [نحو الفرّاء إلاّ أنّه قال:]

و الصّواب من القول في ذلك:أنّ لقارئ ذلك اختيار أيّ القراءتين شاء،من كسر الجيم و قراءتها بالتّاء، و كسر الجيم و قراءتها بالهاء،الّتي تصير في الوصل تاء، لأنّهما القراءتان المعروفتان في قرّاء الأمصار.فأمّا ضمّ الجيم،فلا أستجيزه،لإجماع الحجّة من القرّاء على خلافه.

(29:241)

ص: 887

ابن خالويه: و قد قيل:جمل و جمالة،قال اللّه تعالى: جِمالَتٌ صُفْرٌ و قيل:يجمع جمل:جمالا، و جمال:جمالة،و جمالة:جمالات،فجمالات:جمع جمع الجمع.(194)

نحوه أبو زرعة(744)،و أبو البركات(2:488)، و البيضاويّ(2:531)،و النّسفيّ(4:323).

الماورديّ: و في تسميتها بالجمالات الصّفر وجهان:أحدهما:لسرعة سيرها،الثّاني:لمتابعة بعضها لبعض.(6:180)

فضل اللّه :أي في حجم الجمل الأصفر،حتّى يخيّل إليك أنّه جمل في كلّ اللّهب الأصفر.(23:296)

الوجوه و النّظائر

الحيريّ: الجميل على خمسة أوجه:

أحدها:صبر بلا جزع،كقوله: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ يوسف:18،و قوله: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً المعارج:5.

و الثّاني:إعراض بالقلب دون اللّسان،كقوله:

فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ الحجر:85.

و الثّالث:ما لا شكوى فيه،كقوله:(...فاصبر صبرا جميلا)في المعارج:5،و قيل:المنظر الحسن،كقوله:

وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ النّحل:6.

و الرّابع:بالسّنّة،كقوله: وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً الأحزاب:28.

و الخامس:لأجل اللّه تعالى،كقوله: وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً المزّمّل:10،قيل:الهجر الجميل أن يكون للّه لا لنفسك،و قيل:الهجر الجميل أن يكون بقلبك لا بلسانك،و قيل:الهجر الجميل كما قال اللّه تعالى:

وَ إِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً الفرقان:63.

(179)

الدّامغانيّ: فوجه منها:الجميل:الّذي ليس فيه شكوى،قوله: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ يوسف:18،يعني لا شكوى فيه،مثلها: فَصَبْرٌ جَمِيلٌ يوسف:83، نظيرها: فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً المعارج:5.

و الوجه الثّاني:الجميل:الحسن،قوله: وَ سَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً الأحزاب:49،أي حسنا على موجب الشّرع و أمثاله.(216)

الأصول اللّغويّة

1-الأصل في هذه المادّة:الجمل،و هو الذّكر من الإبل إذا بلغ بضع سنين،و الجمع:جمال و أجمال و جمّل و جمالة و جمائل و جمالات،يقال:استجمل البعير،أي صار جملا،و أجمل القوم:كثرت جمالهم،و جمّل الجمل:عزله عن الطّروقة،و في المثل:«اتّخذ اللّيل جملا»،أي ركبه في حاجته،و في حديث الحسين عليه السّلام ليلة عاشوراء في كربلاء؛قال لأصحابه حينما أحلّ لهم الذّهاب و التّفرّق عنه:«هذا اللّيل قد غشيكم فاتّخذوه جملا».

و الجامل:الجمال،و هو اسم للجمع،و رجل جامل:

ذو جمل،و الجمّالة:أصحاب الجمال.

و الجمالة:القطعة من النّوق لا جمل فيها،يقال:هذه جمالة بني فلان.أو هي الطّائفة من الجمال.

ص: 888

و الجمالة:القطعة من النّوق لا جمل فيها،و قيل:

الخيل،و إن صحّ هذا فهو على التّشبيه.

و ناقة جماليّة:وثيقة تشبه الجمل في خلقتها و شدّتها و عظمها.

و رجل جماليّ: ضخم الأعضاء تامّ الخلق،على التّشبيه بالجمل لعظمه.

و جمل البحر:الكبع،و هو حوت عظيم له زعنفة كالسّنام.

و الجمل:الجماعة من النّاس،تشبيه بعظمة الإبل.

و الجمل و الجمّل:الحبل الغليظ،تشبيه بعظمة الجمل.

و الجمالة:الحبل الغليظ،لأنّها قوى كثيرة جمعت فأجملت جملة.

و الجملة:جماعة الشّيء،و الجمع:جمل،اشتقّت من جملة الحبل.

و حساب الجمل و الجمّل:الحروف المقطّعة على «أبجد»لجمعها الحروف.

و أجمل الشّيء و الحساب و الكلام:جمعه عن تفرقة،و أجملت الحساب:جمعت آحاده و كمّلت أفراده.

و الجميل:الشّحم يذاب ثمّ يجمل،أي يجمع،و قد جمله يجمله جملا و أجمله:أذابه و استخرج دهنه، و قالت امرأة لرجل تدعو عليه:جملك اللّه،أي أذابك كما يذاب الشّحم.و تجمّل الرّجل:أكل الجميل، و اجتمل:ادّهن بالجميل،و الجمول:المرأة السّمينة،و الّتي تذيب الشّحم أيضا.

و الجمال:حسن الخلق،و هو من هذا الباب،لأنّه من صفات الجمل،كالجودة-أي السّماحة و كثرة العطاء-من الجواد،لأنّه ذريع سريع،و كالبعرة من البعير،انظر «ب ع ر»و«ج و د».أو لأنّ ماء السّمن يجري في وجه الجميل،كما ذهب إليه بعض.

و يقال منه:جمل يجمل جمالا،أي حسن في فعله و خلقه،فهو جميل و جمال و جمّال،و الجمّال:أجمل من الجميل،و المرأة جميلة و جملاء.

و جمّله:زيّنه،يقال:جمّل اللّه عليك تجميلا،أي جعلك جميلا حسنا.

و التّجمّل:تكلّف الجميل.

و المجاملة:المعاملة بالجميل.

و المجامل:الّذي يقدر على جوابك فيتركه إبقاء على مودّتك.

و جامل الرّجل مجاملة:لم يصفه الإخاء،و ماسحه بالجميل.

جمالك أن لا تفعل كذا و كذا:لا تفعله و الزم الأمر الأجمل.

و أجمل الصّنيعة عند فلان،و أجمل في صنيعه، و أجمل في طلب الشّيء:اتّأد و اعتدل فلم يفرط.

2-و جاء لفظ الجمل من هذه المادّة في جميع اللّغات السّاميّة بألفاظ مختلفة،إلاّ أنّها قريبة من اللّفظ العربيّ، و هذا يفصح عن عراقته في هذه اللّغات،و من ثمّ يعضد رأينا في جعله أصلا لهذه المادّة.

ص: 889

الاستعمال القرآنيّ

جاء منها الوصف«جميل»(7)مرّات،و الاسم(4) ألفاظ:

1- تَعْرُجُ الْمَلائِكَةُ وَ الرُّوحُ إِلَيْهِ فِي يَوْمٍ كانَ مِقْدارُهُ خَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ* فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً

المعارج:4،5

2- وَ جاؤُ عَلى قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِبٍ قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَ اللّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ. يوسف:18

3- قالَ بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً فَصَبْرٌ جَمِيلٌ عَسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ

يوسف:83

4- وَ ما خَلَقْنَا السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ وَ ما بَيْنَهُما إِلاّ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ السّاعَةَ لَآتِيَةٌ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ

الحجر:85

5- يا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْواجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَياةَ الدُّنْيا وَ زِينَتَها فَتَعالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَ أُسَرِّحْكُنَّ سَراحاً جَمِيلاً الأحزاب:28

6- يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نَكَحْتُمُ الْمُؤْمِناتِ ثُمَّ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ فَما لَكُمْ عَلَيْهِنَّ مِنْ عِدَّةٍ تَعْتَدُّونَها فَمَتِّعُوهُنَّ وَ سَرِّحُوهُنَّ سَراحاً جَمِيلاً

الأحزاب:49

7- وَ اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ وَ اهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً المزّمّل:10

8- وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَ حِينَ تَسْرَحُونَ النّحل:6

9- إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ* كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ المرسلات:32،33

10- إِنَّ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنا وَ اسْتَكْبَرُوا عَنْها لا تُفَتَّحُ لَهُمْ أَبْوابُ السَّماءِ وَ لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ وَ كَذلِكَ نَجْزِي الْمُجْرِمِينَ

الأعراف:40

11- وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً كَذلِكَ لِنُثَبِّتَ بِهِ فُؤادَكَ وَ رَتَّلْناهُ تَرْتِيلاً

الفرقان:32

يلاحظ أوّلا:أنّه جاء منها:«جميل»وصفا(7) مرّات على أنحاء:نكرة منصوبة(4)مرّات:وصفا ل(صبرا)في(1)و ل(سراحا)في(5)و(6)و ل(هجرا) في(7).و مرفوعة مرّتين:وصفا ل(صبر)في(2)و(3) و معرفة مرّة وصفا ل(الصّفح)في(4)،و فيها بحوث:

1-أنّها جميعا مدح و صفة،و الموصوف بها،إمّا خصلة أخلاقيّة و سلوك إنسانيّ كالصّبر في(1-3) و الصّفح في(4)و الهجر في(7)،و إمّا حكم شرعيّ كالسّراح في(5)و(6)و هو أيضا سلوك حسن و تعايش سلميّ بين الزّوجين،و لم يوصف به ظاهر الجسم سوى مرّة في(8)وصفا للحيوان،و هذا إن دلّ على شيء يدلّ على أنّ جمال الأخلاق-و هي أمور باطنيّة-و جمال الأفعال-و هي أمور ظاهريّة-أهمّ و أعلى من جمال الصّور و الأجسام،فأوّلتهما القرآن و خصّمها بالذّكر وصفا للإنسان.

2-أنّهم فسّروا الصّبر الجميل:بصبر لا جزع فيه و لا شكوى إلى النّاس.و الصّفح الجميل:بالعفو الجميل، و الهجر الجميل:بإظهار الموجدة عليهم من غير ترك الدّعاء إلى الحقّ،و السّراج الجميل:بالطّلاق من غير

ص: 890

خصومة بين الزّوجين،كلّ واحد حسب السّياق.لاحظ هذه الموادّ.

3-هذه الموادّ المتّصفة ب«جميل»لها علاقة بالصّبر، إمّا صريحا كما في الثّلاث الأولى،أو إيماء كالباقية،فكلّ من الصّفح و السّرح و الهجر الجميل يستقي من الصّبر و يبتني عليه.

4-أنّ سَراحاً جَمِيلاً -من بينها-راجع إلى التّشريع الخاصّ بالمدنيّات،فجاء مرّتين في سورة الأحزاب المدنيّة.أمّا الآيات الباقية فتحمل فضيلة أخلاقيّة و حسن سلوك مع النّاس في بدو البعثة، فخصّت بالمكّيّات.

5-جاء في قصّة يوسف حكاية عن أبيه يعقوب عليهما السّلام حين اشتدّ حزنه و أسفه على يوسف:

فَصَبْرٌ جَمِيلٌ مرّتين:مرّة حين جاء إخوة يوسف بقميصه متلطّخا بدم كذب،و مرّة حين أخبروه باعتقال أخي يوسف عند عزيز مصر،و ابتدأهم فيهما جميعا بقوله: بَلْ سَوَّلَتْ لَكُمْ أَنْفُسُكُمْ أَمْراً إيماء إلى أنّهم خانوا يوسف،و عقّبه في الأولى بقوله: وَ اللّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ إيماء إلى أنّهم ليسوا بصادقين في ادّعائهم«اكله الذئب،»و أنّه متفائل بحياة يوسف و رجوعه إليه،و في الثّانية بقوله: عَسَى اللّهُ أَنْ يَأْتِيَنِي بِهِمْ جَمِيعاً تصريحا بما كان متفائلا به من ذي قبل.

6-اختلفوا في قراءته رفعا و نصبا،و في إعرابه رفعا، فعن ابن عبّاس:«فعليّ صبر جميل»فقدّر الخبر،و غيره قدّر المبتدأ،فعن الخليل و أصحابه:«شأني صبر جميل، أو الّذي أعتقده صبر جميل»،و عن قطرب:«فصبري صبر جميل».

و يخطر بالبال أنّه اكتفى ب«فصبر جميل»تعجيلا و تركيزا ل(صبر جميل)لما ابتلي به،تسلية لنفسه و تسليما لربّه من دون إضافة مبتدإ أو خبر،و تنكيره للتّواضع أمام ربّه،أي ليس لي سوى بضاعة مزجاة،هي شيء يسير من صبر جميل لا جزع فيه و لا شكوى، و يعاضده فاء التّفريع و هي للتّرتيب باتّصال،فتقدير المبتدأ أو الخبر هنا-كما تكلّفه النّحويّون-مخلّ بالبلاغة و نقض للغرض.و لا يقاس هذا ب(1) فَاصْبِرْ صَبْراً جَمِيلاً فإنّه أمر من اللّه نظير غيره ممّا أمر اللّه بالصّبر، و هذا صبر من يعقوب،و بين الموقفين بون بعيد،بل هو -كما قال الفرّاء-نظير فَصِيامُ ثَلاثَةِ أَيّامٍ و فَإِمْساكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسانٍ البقرة 196،229.

و أمّا قراءته نصبا فعن أبيّ بن كعب: (فصبرا جميلا) و كأنّها قراءة شاذّة لم يذكرها الطّبريّ.بل ظاهر كلام الزّجّاج:«و يجوز في غير القرآن(فصبرا جميلا)»أنّها ليست قراءة أيضا،بل تفسير،مع أنّها رويت في الآية الأولى فقط رغم وحدة سياقهما،فاختلاف القراءة بينهما بعيد.

7-جاء(جميلا)نكرة رويّا للآيات كلّها سوى (الصّفح الجميل)في(4)فجاء معرفة،فما هو الفارق بينها و بينه؟

فنقول:أمّا التّنكير فيها فهو موافق لكلام العرب، لأنّها مفعول مطلق نوعيّ لفعل من مادّتها،و الشّائع في المفعول المطلق التّنكير،يراد به تنويع الفعل دون عمومه و شموله و لا إبهامه و إجماله،و لا تحقيره و تقليله،فليس التّنكير فيها لهذه الأمور بل لمجرّد التّنويع.

و أمّا(الصّفح الجميل)فهو و إن كان مفعولا مطلقا

ص: 891

أيضا عند علماء إعراب القرآن-لاحظ تفسير القرآن و إعرابه(7:350)للشّيخ محمّد عليّ طه الدّرّة، و الجدول في إعراب القرآن(7:268)لمحمود صافي-إلاّ أنّه أريد به النّوع البارز العالي عند النّاس من الصّفح الجميل،لا كلّ ما يعدّ صفحا جميلا،و هذا هو المناسب لما قبلها،و هو خلق السّماوات و الأرض و ما بينهما بالحقّ، و أنّ السّاعة آتية،و لما بعدها إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْخَلاّقُ الْعَلِيمُ الحجر:86،فإنّ الصّفح الملائم لعظم أمر الخلق و السّاعة،و لأنّ ربّك هو الخلاّق العليم هو صنف عظيم من الصّفح.

هذا بلحاظ المعنى،أمّا من حيث اللّفظ-و هو الّذي يحلّ المشكلة هنا و في كثير من الآيات-فهو رعاية الرّويّ،و هو هنا«الفعيل»معرفة،فبعدها:(الخلاّق العليم)،(و القرآن العظيم)و نحوهما.

و هذا بخلاف الرّويّ في تلك الآيات فإنّه فيها «فعيلا»فبعد(1) إِنَّهُمْ يَرَوْنَهُ بَعِيداً* وَ نَراهُ قَرِيباً المعارج:6،7،و هكذا،و في(5)قبلها(قديرا)و بعدهما (عظيما)،(يسيرا)،(كريما)،و في(6)قبلها(كبيرا) (وكيلا)و بعدها(رحيما)(حليما)و هكذا،و في(7) قبلها(تبتيلا)(وكيلا)،و بعدها(قليلا)(جحيما) (أليما)و هكذا.

ثانيا:جاء منها أربعة ألفاظ اسما في(8-11) فاثنان منها:(8)و(11)مدح و نعمة دنيويّة:أولاهما نعمة مادّيّة: وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ و ثانيتهما نعمة معنويّة بشأن القرآن: لَوْ لا نُزِّلَ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ جُمْلَةً واحِدَةً، و اثنان منها ذمّ و عذاب في الآخرة(9)و(10) وصفا لجهنّم كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ و حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ، و كلّها محسوس بصرا،و الأخير-و هو القرآن-محسوس سمعا و بصرا،و فيها بحوث:

1-قالوا في وَ لَكُمْ فِيها جَمالٌ حسن منظر،زينة و وجاهة و حرمة في أعين النّاس،كما في لِتَرْكَبُوها وَ زِينَةً النّحل:8،قال القرطبيّ:«الجمال:ما يتجمّل به و يتزيّن،و الجمال:الحسن»فتارة فسّروه بنفس الحسن، و أخرى بما يحصل به الحسن.و عندنا أنّ الجمال هنا هو الحسن المحسوس بالبصر لمن ينظر إلى قطيع من الغنم و الأنعام حين تغدو و تروح في هيئة جماعيّة،و هذا الجمال هو الجمال الجسمانيّ الفريد في القرآن يحسّه الإنسان في الحيوان لا في نفسه،و لكن لم يغفل القرآن عن حسن تقويمه،و تصويره و استوائه و عدله في لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ التّين:4،و وَ صَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ المؤمن:64،و اَلَّذِي خَلَقَكَ فَسَوّاكَ فَعَدَلَكَ الانفطار:7،و في غيرها من الآيات.

2-اختلفوا في(9) كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ قراءة و تفسيرا:

أمّا القراءة:فالمشهورة منها قراءتان: (جمالة) و (جمالات) بكسر الجيم مفردا و جمعا،و قد ساوى بينهما الطّبريّ بحجّة أنّهما قراءتان معروفتان في قرّاء الأمصار.

أمّا الفرّاء فرجّح(جمالات)بحجّة أنّ«الجمال»أكثر من «الجمالة»في كلام العرب،كما يقال:حجر و حجارة، و ذكر و ذكارة،إلاّ أنّ الأوّل أكثر،فإذا قلت:جمالات، فواحدها:جمال،مثل قولهم:رجال و رجالات،و بيوت و بيوتات،و قد يجوز أن تجعل واحد الجمالات:جمالة.

و حكى الفرّاء عن بعضهم«جمالات»بضمّ الجيم جمعا:

جمع الجمال،و رفضه الطّبريّ لإجماع الحجّة من القرّاء

ص: 892

على خلافه.

و عن ابن خالويه:«و قد قيل:جمل و جمالة،كما قال:(جمالة صفر).و قيل:يجمع جمل جمالا،و جمال جمالة،و جمالة جمالات،فجمالات جمع جمع الجمع!».

و أمّا التّفسير فأكثرهم قالوا:الجمالة الصّفر:هي الإبل السّود،فإنّ سوادها مشرب بالصّفرة،و هي الأينق من الإبل و أحسنها،و بعضهم فسّروها بقطع النّحاس-و هو مرويّ عن عليّ عليه السّلام-أي:هو بقلوس- أي حبال الجسور اللاّتي توثق بها السّفن في المراسي، لأنّها تشبه في عظمها أوساط الرّجال.

و للوقوف على معناها ينبغي ملاحظة ما قبلها:

اِنْطَلِقُوا إِلى ظِلٍّ ذِي ثَلاثِ شُعَبٍ* لا ظَلِيلٍ وَ لا يُغْنِي مِنَ اللَّهَبِ* إِنَّها تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ* كَأَنَّهُ جِمالَتٌ صُفْرٌ معناها عند الطّبرسيّ أنّ اللّه وعد المكذّبين و أمرهم بأن ينطلقوا إلى ظلّ هو دخان النّار ذي ثلاث شعب،تحيط المكذّبين من فوقهم و عن يمينهم و عن شمالهم كالسّرادق،ظلّ ليس بظليل يسترهم عن حرّ النّار،و يغنيهم عن لهبها،ظلّ ترمي بشرر،أي ما يتطاير من النّار من قطع تشبه القصر في كبرها، و الجمال السّود الصّفر في كبرها و لونها-و العرب تشبه الشّيء الكبير بالقصر و بالإبل السّود-و عليه فجمالة أو جمالات صفر هي جماعة الإبل.و تفسيره بحبال السّفن يرجع إلى الإبل السّود أيضا،لأنّه تشبيه بما شبّه بها.

و قد سبق منّا أنّ كثيرا ممّا جاء في وصف نعيم الجنّة أو نقم النّار تمثيل لا يعلم واقعها إلاّ اللّه.

3-في(10) حَتّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ -و هي وعيد للمكذّبين أيضا-اختلاف قراءة و تفسيرا.

أمّا القراءة ف(الجمل)-و قد أجمعت عليها كما صرّح به الطّبريّ،و(الجمّل)مشدّدا عن ابن عبّاس و عكرمة و سعيد بن جبير-و قد تردّد في نقلها الطّبريّ-و(الجمل) مخفّفا كالصّرد و الجعل،و هي الّتي نسبها بعض أهل العربيّة إلى ابن عبّاس و من تبعه بدل(الجمّل).

و أمّا التّفسير فب(الجمل)و هو الذّكر من الإبل الّذي لا يدخل إلاّ من باب واسع،و بالحبال الضّخام اللاّتي توثق بها السّفن،و فضّل هذا على الأوّل بأنّ الحبال أنسب هنا مثلا للاستحالة،لأنّها المناسب لسمّ الخياط.

و بهذا فضّلت القراءة الثّانية على الأولى.فلو اخترنا القراءة الجمع عليها تعيّن المعنى الأوّل و إلاّ فالثّاني أولى.

4-في(11)أشكل المشركون على القرآن أنّه لو لا نزّل جملة واحدة بل نزّل نجوما،فعدّوه نقصا فيه،لأنّهم سمعوا أهل الكتاب أنّ كتبهم نزلت جملة مع أنّهم لم ينظروا فيها و لا تلوها قطّ.و قد تصدّى القرآن لسرّ نزول القرآن نجوما مرّات،و فيه بحث طويل،لاحظ قرآن في«ق ر ء».

و ليس المراد بقولهم:(جملة واحدة)-كما هو واضح -ما اصطلح عليه النّحويّون في إطلاق«الجملة»على كلام مركّب من كلمات،بل المراد نزول القرآن كلّه مرّة واحدة كتابا مدروسا.و كأنّهم أرادوا به التّعريض به على النّبيّ عليه السّلام،بأنّه يتعلّم القرآن من غيره نجوما درسا درسا،ثمّ يقرؤها للنّاس نجوما،و لو كان من عند اللّه لعلّمه اللّه جملة واحدة،و آتاه كتابا،كما آتى الأنبياء من قبله.

ص: 893

ص: 894

فهرس الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و اسماء كتبهم

الآلوسيّ:محمود(1270) (1)

روح المعاني،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

ابن أبي الحديد:عبد الحميد(665)

شرح نهج البلاغة،ط:إحياء الكتب،بيروت.

ابن أبي اليمان:يمان(284)

التّقفية،ط:بغداد.

ابن الأثير:مبارك(606)

النّهاية،ط:إسماعيليان،قم.

ابن الأثير:عليّ(630)

الكامل،ط:دار صادر،بيروت.

ابن الأنباريّ:محمّد(328)

غريب اللّغة،ط:دار الفردوس،بيروت.

ابن باديس:عبد الحميد(1359)

تفسير القرآن،ط:دار الفكر،بيروت.

ابن جزيّ:محمّد(741)

التّسهيل،دار الكتاب العربيّ،بيروت.

ابن الجوزيّ:عبد الرّحمن(597)

زاد المسير،ط:المكتب الإسلامي،بيروت.

ابن خالويه:حسين(370)

إعراب ثلاثين سورة،ط:حيدرآباد دكّن.

ابن خلدون:عبد الرّحمن(808)

المقدّمة،ط:دار القلم،بيروت.

ابن دريد:محمّد(321)

الجمهرة،ط:حيدرآباد دكّن.

ابن السّكّيت:يعقوب(244)

1-تهذيب الألفاظ،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

2-إصلاح المنطق،ط:دار المعارف بمصر.

3-الإبدال،ط:القاهرة.

4-الأضداد،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن سيده:عليّ(458)

المحكم،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن الشّجريّ:هبة اللّه(542)

الأماليّ،ط:دار المعرفة،بيروت.

ابن شهرآشوب:محمّد(588)

متشابه القرآن،ط:طهران.

ابن عاشور:محمّد طاهر(1393)

ص: 895


1- هذه الأرقام تاريخ الوفيات بالهجريّة.

التّحرير و التّنوير،ط:مؤسّسة التّاريخ،بيروت.

ابن العربيّ:عبد اللّه(543)

أحكام القرآن،ط:دار المعرفة،بيروت.

ابن عربيّ:محيى الدّين(628)

تفسير القرآن،ط:دار اليقظة،بيروت.

ابن عطيّة:عبد الحقّ(546)

المحرّر الوجيز،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

ابن فارس:أحمد(395)

1-المقاييس،ط:طهران.

2-الصّاحبيّ،ط:مكتبة اللّغويّة،بيروت.

ابن قتيبة:عبد اللّه(276)

1-غريب القرآن،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة.

2-تأويل مشكل القرآن،ط:المكتبة العلميّة،القاهرة.

ابن القيّم:محمّد(751)

التّفسير القيّم،ط:لجنة التّراث العربي،لبنان.

ابن كثير:إسماعيل(774)

1-تفسير القرآن،ط:دار الفكر،بيروت.

2-البداية و النّهاية،ط:المعارف،بيروت.

ابن منظور:محمّد(711)

لسان العرب،ط،دار صادر،بيروت.

ابن ناقيا:عبد اللّه(485)

الجمان،ط:المعارف،الاسكندريّة.

ابن هشام:عبد اللّه

مغني اللّبيب،ط:المدني،القاهرة.

أبو البركات:عبد الرّحمن(577)

البيان،ط:الهجرة،قم.

أبو حاتم:سهل(248)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

أبو حيّان:محمّد(745)

البحر المحيط،ط:دار الفكر،بيروت.

أبو رزق:..(معاصر)

معجم القرآن،ط:الحجازيّ،القاهرة.

أبو زرعة:عبد الرّحمن(403)

حجّة القراءات،ط:الرّسالة،بيروت.

أبو زهرة:محمّد(1395)

المعجزة الكبرى،ط:دار الفكر،بيروت.

أبو زيد:سعيد(215)

النّوادر،ط:الكاثوليكيّة،بيروت.

أبو السّعود:محمّد(982)

إرشاد العقل السّليم،ط:مصر.

أبو سهل الهرويّ:محمّد(433)

التّلويح،ط:التّوحيد،مصر.

أبو عبيد:قاسم(244)

غريب الحديث،ط:دار الكتب،بيروت.

أبو عبيدة:معمر(209)

مجاز القرآن،ط:دار الفكر،مصر.

أبو عمرو الشّيبانيّ:اسحاق(206)

الجيم،ط:المطابع الأميريّة،القاهرة.

ابو الفتوح:حسين(554)

روض الجنان،ط:الآستانة الرّضويّة،مشهد.

أبو الفداء:إسماعيل(732)

المختصر،ط:دار المعرفة،بيروت.

أبو هلال:حسن(395)

الفروق اللّغويّة،ط:بصيرتي،قم.

أحمد بدوي(معاصر)

من بلاغة القرآن،ط:دار النّهضة،مصر.

الأخفش:سعيد(215)

معاني القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

الأزهريّ:محمّد(370)

تهذيب اللّغة،ط:دار المصر.

الإسكافيّ:محمّد(420)

درّة التّنزيل،ط:دار الآفاق،بيروت.

ص: 896

الأصمعيّ:عبد الملك(216)

الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

ايزوتسو:توشيهيكو(1371)

خدا و انسان در قرآن،ط:انتشار،طهران.

البحرانيّ:هاشم(1107)

البرهان،ط:مؤسّسة البعثة،بيروت.

البروسويّ:إسماعيل(1127)

روح البيان،ط:جعفريّ،طهران.

البستانيّ،بطرس(1300)

دائرة المعارف،ط:دار المعرفة،بيروت.

البغداديّ(629)

ذيل الفصيح،ط:التّوحيد،القاهرة.

البغويّ:حسين(516)

معالم التّنزيل،ط:دار إحياء التراث العربي،بيروت.

بنت الشّاطئ:عائشة(1378)

1-التّفسير البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

2-الإعجاز البيانيّ،ط:دار المعارف،مصر.

بهاء الدّين العامليّ:محمّد(1031)

العروة الوثقى،ط:مهر،قم.

بيان الحقّ:محمود(نحو 555)

وضح البرهان،ط:دار القلم،بيروت.

البيضاويّ:عبد اللّه(685)

أنوار التّنزيل،ط:مصر.

التّستريّ:محمّد تقيّ(1415)

نهج الصّباغة في شرح نهج البلاغة،ط:امير كبير، طهران.

التّفتازانيّ:مسعود(793)

المطوّل،ط:مكتبة الدّاوريّ،قم.

الثّعالبيّ:عبد الملك(429)

فقه اللّغة،ط:مصر.

ثعلب:أحمد(291)

الفصيح،ط:التّوحيد،مصر.

الجرجانيّ:عليّ(816)

التّعريفات،ط:ناصر خسرو،طهران.

الجزائريّ:نور الدّين(1158)

فروق اللّغات،ط:فرهنگ اسلامى،طهران.

الجصّاص:أحمد(370)

أحكام القرآن،ط:دار الكتاب،بيروت.

جمال الدّين عيّاد(معاصر)

بحوث في تفسير القرآن،ط:المعرفة،القاهرة.

الجواليقيّ:موهوب(540)

المعرّب،ط:دار الكتب:مصر.

الجوهريّ:إسماعيل(393)

صحاح اللّغة،ط:دار العلم،بيروت.

الحائريّ:سيّد علي(1340)

مقتنيات الدّرر،ط:الحيدريّة،طهران.

الحجازيّ:محمّد محمود(معاصر)

التّفسير الواضح،ط:دار الكتاب،مصر.

الحربيّ:إبراهيم(285)

غريب الحديث،ط:دار المدنيّ،جدّة.

الحريريّ:قاسم(516)

درّة الغوّاص،ط:المثنّى،بغداد.

حسنين مخلوف(معاصر)

صفوة البيان،ط:دار الكتاب،مصر.

حفنيّ:محمّد شرف(معاصر)

إعجاز القرآن البيانيّ،ط:الأهرام،مصر.

الحمويّ:ياقوت(626)

معجم البلدان،ط:دار صادر،بيروت.

الحيريّ:اسماعيل(431)

وجوه القرآن،ط:مؤسّسة الطّبع للآستانة الرّضويّة المقدّسة،مشهد.

الخازن:عليّ(741)

ص: 897

لباب التّأويل،ط:التّجاريّة،مصر.

الخطّابيّ:حمد(388)

غريب الحديث،ط:دار الفكر،دمشق.

الخليل:بن أحمد(175)

العين،ط:دار الهجرة،قم.

خليل ياسين(معاصر)

الأضواء،ط:الأديب الجديدة،بيروت.

الدّامغانيّ:حسين(478)

الوجوه و النّظائر،ط:جامعة تبريز.

الرّازيّ:محمّد(666)

مختار الصّحاح،ط:دار الكتاب،بيروت.

الرّاغب:حسين(502)

المفردات،ط:دار المعرفة،بيروت.

الرّاونديّ:سعيد(573)

فقه القرآن،ط:الخيّام،قم.

رشيد رضا:محمّد(1354)

المنار،ط:دار المعرفة،بيروت.

الزّبيديّ:محمّد(1205)

تاج العروس،ط:الخيريّة،مصر.

الزّجّاج:ابراهيم(311)

1-معاني القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

2-فعلت و أفعلت،ط:التّوحيد،مصر.

3-إعراب القرآن،ط:دار الكتاب،بيروت.

الزّركشيّ:محمّد(794)

البرهان،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة.

الزّركليّ:خير الدّين(معاصر)

الأعلام،ط:بيروت.

الزّمخشريّ:محمود(538)

1-الكشّاف،ط:دار المعرفة،بيروت.

2-الفائق،ط:دار المعرفة،بيروت.

3-أساس البلاغة،ط:دار صادر،بيروت.

السّجستانيّ:محمّد(330)

غريب القرآن،ط:الفنّيّة المتّحدة،مصر.

السّكّاكيّ:يوسف(626)

مفتاح العلوم،ط:دار الكتب،بيروت.

سليمان حييم(معاصر)

فرهنگ عبريّ،فارسي،ط:إسرائيل.

السّهيليّ:عبد الرّحمن(581)

روض الأنف،ط:دار الكتب العلميّة،بيروت.

سيبويه:عمرو(180)

الكتاب،ط:عالم الكتب،بيروت.

السّيوطيّ:عبد الرّحمن(911)

1-الإتقان،ط:رضي،طهران.

2-الدّرّ المنثور،ط:بيروت.

3-تفسير الجلالين،ط:مصطفى البالي،مصر(مع أنوار التّنزيل).

سيّد قطب(1387)

في ظلال القرآن،ط:دار الشّروق،بيروت.

شبّر:عبد اللّه(1342)

الجوهر الثّمين،ط:الألفين،الكويت.

الشّربينيّ:محمّد(977)

السّراج المنير،ط:دار المعرفة،بيروت.

الشّريف الرّضيّ:محمّد(406)

1-تلخيص البيان،ط:بصيرتي،قم.

2-حقائق التّأويل،ط:البعثة،طهران.

الشّريف العامليّ:محمّد(1138)

مرآة الأنوار،ط:آفتاب،طهران.

الشّريف المرتضى:عليّ(436)

الأمالي،ط:دار الكتب،بيروت.

شريعتي:محمّد تقي(1407)

تفسير نوين،ط:فرهنگ اسلامى،طهران.

شوقي ضيف(معاصر)

ص: 898

تفسير سورة الرّحمن،ط:دار المعارف بمصر.

الشّوكانيّ:محمّد(1250)

فتح القدير،دار المعرفة،بيروت.

الصّابونيّ:محمّد عليّ(معاصر)

روائع البيان،ط:الغزاليّ،دمشق.

الصّاحب:إسماعيل(385)

المحيط في اللّغة،ط:عالم الكتب،بيروت.

الصّغانيّ:حسن(650)

1-التّكملة،ط:دار الكتب،القاهرة.

2-الأضداد،ط:دار الكتب،بيروت.

صدر المتألهين:محمّد(1059)

تفسير القرآن،ط:بيدار،قم.

الصّدوق:محمّد(381)

التّوحيد،ط:النّشر الإسلاميّ،قم.

طه الدّرّة:محمّد علي

تفسير القرآن الكريم و إعرابه و بيانه،ط:دار الحكمة، دمشق.

الطّباطبائيّ:محمّد حسين(1402)

الميزان،ط:إسماعيليان،قم.

الطّبرسيّ:فضل(548)

مجمع البيان،ط:الإسلاميّة،طهران.

الطّبريّ:محمّد(310)

1-جامع البيان،ط:المصطفى البابي،مصر.

2-أخبار الأمم و الملوك،ط:الاستقامة،القاهرة.

الطّريحيّ:فخر الدّين(1085)

1-مجمع البحرين،ط:المرتضويّة،طهران.

2-غريب القرآن،ط:النّجف.

طنطاوي:جوهريّ(1358)

الجواهر،ط:مصطفى البابيّ،مصر.

الطّوسيّ:محمّد(460)

التّبيان،ط:النّعمان:النّجف.

عبد الجبّار:أحمد(415)

1-تنزيه القرآن،ط:دار النّهضة،بيروت.

2-متشابه القرآن،ط:دار التّراث،القاهرة.

عبد الرّحمن الهمذانيّ(329)

الألفاظ الكتابيّة،ط:دار الكتب،بيروت.

عبد الرّزّاق نوفل(معاصر)

الإعجاز العدديّ،ط:دار الشّعب،القاهرة.

عبد الفتّاح طبّارة(معاصر)

مع الأنبياء،ط:دار العلم،بيروت.

عبد الكريم الخطيب(معاصر)

التّفسير القرآنيّ،ط:دار الفكر،بيروت.

عبد المنعم الجمّال:محمّد(معاصر)

التّفسير الفريد،ط:...بإذن مجمع البحوث الإسلامى، الأزهر.

العدنانيّ:محمّد(1360)

معجم الأغلاط،ط:مكتبة لبنان،بيروت.

العروسيّ:عبد عليّ(1112)

نور الثّقلين،ط:إسماعيليان،قم.

عزّة دروزة:محمّد(1400)

تفسير الحديث،ط:دار إحياء الكتب القاهرة.

العكبريّ:عبد اللّه(616)

التّبيان،ط:دار الجيل،بيروت.

علي اصغر حكمت(معاصر)

نه گفتار در تاريخ أديان،ط:ادبيّات،شيراز.

العيّاشيّ:محمّد(نحو 320)

التّفسير،ط:الإسلاميّة،طهران.

الفارسيّ:حسن(377)

الحجّة،ط:دار المأمون،بيروت.

الفاضل المقداد:عبد اللّه(826)

كنز العرفان،ط:المرتضويّة،طهران.

الفخر الرّازيّ:محمّد(606)

ص: 899

التّفسير الكبير،ط:عبد الرّحمن،القاهرة.

فرات الكوفيّ:ابن إبراهيم

تفسير فرات الكوفيّ،ط:وزارة الثقافة و الإرشاد الإسلامي،طهران.

الفرّاء:يحيى(207)

معاني القرآن،ط:ناصر خسرو،طهران.

فريد وجديّ:محمّد(1373)

المصحف المفسّر،ط:دار مطابع الشّعب،بيروت.

فضل اللّه:محمّد حسين(معاصر)

من وحي القرآن،ط:دار الملاك،بيروت.

الفيروزآباديّ:محمّد(817)

1-القاموس المحيط،ط:دار الجيل،بيروت.

2-بصائر ذوي التّمييز،ط:دار التّحرير،القاهرة.

الفيّوميّ:أحمد(770)

مصباح المنير،ط:المكتبة العلميّة،بيروت.

القاسميّ:جمال الدّين(1332)

محاسن التّأويل،ط:دار إحياء الكتب،القاهرة.

القاليّ:إسماعيل(356)

الأماليّ،ط:دار الكتب،بيروت.

القرطبيّ:محمّد(671)

الجامع لأحكام القرآن،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

القشيريّ:عبد الكريم(465)

لطائف الإشارات،ط:دار الكتاب،القاهرة.

القمّيّ:عليّ(328)

تفسير القرآن،ط:دار الكتاب،قم.

القيسيّ:مكّيّ(437)

مشكل إعراب القرآن،ط:مجمع اللّغة،دمشق.

الكاشانيّ:محسن(1091)

الصّافيّ،ط:الأعلميّ،بيروت.

الكرمانيّ:محمود(505)

أسرار التّكرار،ط:المحمّديّة،القاهرة.

الكلينيّ:محمّد(329)

الكافي:ط:دار الكتب الإسلاميّة،طهران.

لويس كوستاز(معاصر)

قاموس سريانيّ-عربيّ،ط:الكاثوليكيّة،بيروت.

لويس معلوف(1366)

المنجد في اللّغة،ط:دار المشرق،بيروت.

الماورديّ:عليّ(450)

النّكت و العيون،ط:دار الكتب،بيروت.

المبرّد:محمّد(286)

الكامل،ط:مكتبة المعارف،بيروت.

المجلسيّ:محمّد باقر(1111)

بحار الأنوار،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مجمع اللّغة:جماعة(معاصرون)

معجم الألفاظ،ط:آرمان،طهران.

محمّد إسماعيل(معاصر)

معجم الألفاظ و الأعلام،ط:دار الفكر،القاهرة.

محمّد جواد مغنية(1400)

التّفسير الكاشف،ط:دار العلم للملايين،بيروت.

محمود شيت خطّاب

المصطلحات العسكريّة،ط:دار الفتح،بيروت.

المدنيّ:عليّ(1120)

أنوار الرّبيع،ط:النّعمان،نجف.

المدينيّ:محمّد(581)

المجموع المغيث،ط:دار المدني،جدّه.

المراغيّ:محمّد مصطفى(1364)

1-تفسير سورة الحجرات،ط:الأزهر،مصر.

2-تفسير سورة الحديد،ط:الأزهر،مصر.

المراغيّ:أحمد مصطفى(1371)

تفسير القرآن،ط:دار إحياء التّراث،بيروت.

مشكور:محمّد جواد(معاصر)

فرهنگ تطبيقى،ط:كاويان،طهران.

المشهديّ:محمّد(1125)

كنز الدّقائق،مؤسّسة النّشر الإسلاميّ،قم.

ص: 900

المصطفويّ:حسن(معاصر)

التّحقيق،ط:دار التّرجمة،طهران.

معرفت:محمّد هادى(معاصر)

التّفسير و المفسرون،ط:الجامعة الرّضوية،مشهد.

مقاتل:ابن سليمان(150)

الأشباه و النّظائر،ط:المكتبة العربيّة،مصر.

المقدسيّ:مطهّر(355)

البدء و التّاريخ،ط:مكتبة المثنّى،بغداد.

مكارم الشّيرازيّ:ناصر(معاصر)

الأمثل في تفسير كتاب اللّه المنزل،ط:مؤسسة البعثة، بيروت.

الميبديّ:أحمد(520)

كشف الأسرار،ط:أمير كبير،طهران.

الميلانيّ:محمّد هادي(1384)

تفسير سورتي الجمعة و التّغابن،ط:مشهد.

النّحّاس:أحمد(338)

معاني القرآن،ط:مكّة المكرّمة.

النّسفيّ:أحمد(710)

مدارك التّنزيل،ط:دار الكتاب،بيروت.

النّهاونديّ:محمّد(1370)

نفحات الرّحمن،ط:سنگى،علمى[طهران].

النّيسابوريّ:حسن(728)

غرائب القرآن،ط:مصطفى البابي،مصر.

هارون الأعور:ابن موسى(249)

الوجوه و النّظائر،ط:دار الحريّة،بغداد.

هاكس:الإمريكيّ(معاصر)

قاموس كتاب مقدّس،ط:مطبعة الإميريكيّ،بيروت.

الهرويّ:أحمد(401)

الغريبين،ط:دار إحياء التّراث.

هوتسما:مارتن تيودر(1362)

دائرة المعارف الإسلاميّة،ط:جهان،طهران.

اليزيديّ:يحيى(202)

غريب القرآن،ط:عالم الكتب،بيروت.

اليعقوبيّ:أحمد(292)

التّاريخ،ط:دار صادر،بيروت.

يوسف خيّاط(؟)

الملحق بلسان العرب،ط:أدب الحوزة،قم.

ص: 901

فهرس الأعلام المنقول عنهم بالواسطة

أبان بن عثمان.(200)

إبراهيم التّيميّ.(؟)

ابن أبي إسحاق:عبد اللّه.(129)

ابن أبي عبلة:إبراهيم.(153)

ابن أبي نجيح:يسار.(131)

ابن إسحاق:محمّد.(151)

ابن الأعرابيّ:محمّد.(231)

ابن أنس:مالك.(179)

ابن برّيّ:عبد اللّه.(582)

ابن بزرج:عبد الرّحمن.(؟)

ابن بنت العراقيّ(704)

ابن تيميّة:أحمد.(728)

ابن جريج:عبد الملك.(150)

ابن جنّيّ:عثمان.(392)

ابن الحاجب:عثمان.(646)

ابن حبيب:محمّد.(245)

ابن حجر:أحمد بن عليّ.(852)

ابن حجر:أحمد بن محمّد.(974)

ابن حزم:عليّ(456)

ابن حلزة:...(؟)

ابن خروف:عليّ.(609)

ابن ذكوان:عبد الرّحمن.(202)

ابن رجب:عبد الرّحمن.(795)

ابن الزّبير:عبد اللّه.(73)

ابن زيد:عبد الرّحمن.(182)

ابن سميقع:محمّد.(؟)

ابن سيرين:محمّد.(110)

ابن سينا:عليّ.(428)

ابن الشّخّير:مطرّف.(542)

ابن شريح:...(؟)

ابن شميّل:نضر.(203)

ابن الشّيخ:...(؟)

ص: 902

ابن عادل.(؟)

ابن عامر:عبد اللّه.(118)

ابن عبّاس:عبد اللّه.(68)

ابن عبد الملك:محمّد.(244)

ابن عساكر(؟)

ابن عصفور:عليّ(696)

ابن عطاء:واصل.(131)

ابن عقيل:عبد اللّه.(769)

ابن عمر:عبد اللّه.(73)

ابن عيّاش:محمّد.(193)

ابن عيينة:سفيان.(198)

ابن فورك:محمّد.(406)

ابن كثير:عبد اللّه.(120)

ابن كعب القرظيّ:محمّد.(117)

ابن الكلبيّ:هشام.(204)

ابن كمال باشا:أحمد.(940)

ابن كمّونة:سعد.(683)

ابن كيسان:محمّد(299)

ابن ماجه:محمّد.(273)

ابن مالك:محمّد.(672)

ابن مجاهد:أحمد.(324)

ابن محيصن:محمّد.(123)

ابن مسعود:عبد اللّه.(32)

ابن المسيّب:سعيد.(94)

ابن ملك:عبد اللطيف.(801)

ابن المنير:عبد الواحد.(733)

ابن النّحّاس:محمّد.(698)

ابن هانئ:...(؟)

ابن هرمز:عبد الرّحمن.(117)

ابن الهيثم:داود.(316)

ابن الورديّ:عمر.(749)

ابن وهب:عبد اللّه.(197)

ابن يسعون:يوسف.(542)

ابن يعيش:عليّ.(643)

أبو بحريّة:عبد اللّه.(80)

أبو بكر الإخشيد:أحمد.(366)

أبو بكر الأصمّ:...(201)

أبو الجزال الأعرابيّ.(؟)

أبو جعفر القارئ:يزيد.(132)

أبو الحسن الصّائغ.(؟)

أبو حمزة الثّماليّ:ثابت.(150)

أبو حنيفة:النعمان.(150)

أبو حيوة:شريح.(203)

أبو داود:سليمان.(275)

أبو الدّرداء:عويمر.(32)

أبو دقيش:...(؟)

أبو ذرّ:جندب.(32)

أبو روق:عطيّة.(؟)

أبو زياد:عبد اللّه.(؟)

أبو سعيد الخدريّ:سعد.(74)

أبو سعيد البغداديّ:أحمد.(285)

أبو سعيد الخرّاز:أحمد.(285)

ص: 903

أبو سليمان الدمشقيّ:

عبد الرّحمن.(215)

أبو السّمال:قعنب.(؟)

أبو شريح الخزاعيّ.(؟)

أبو صالح.(؟)

أبو الطّيّب.(؟)أبو العالية:رفيع.(90)

أبو عبد الرّحمن:عبد اللّه.(74)

أبو عبد اللّه:محمّد.(؟)

أبو عثمان الحيريّ:سعيد.(289)

أبو العلاء المعرّيّ:أحمد.(449)

أبو عليّ الأهوازيّ:حسن.(446)

أبو عليّ مسكويه:أحمد.(421)

أبو عمران الجونيّ:عبد الملك.(؟)

أبو عمرو ابن العلاء:زبّان.(154)

أبو عمرو الجرميّ:صالح.(225)

أبو الفضل الرّازيّ.(؟)

أبو قلابة:...(104)

أبو مالك:عمرو.(؟)

أبو المتوكّل:عليّ.(؟)

أبو مجلز:لاحق.(؟)

أبو محلّم:محمّد.(245)

أبو مسلم الأصفهانيّ:

محمّد.(322)

أبو منذر السّلاّم:...(؟)

أبو موسى الأشعريّ عبد اللّه.(44)

أبو نصر الباهليّ:أحمد.(231)

أبو هريرة:عبد الرّحمن.(59)

أبو الهيثم:...(276)

أبو يزيد المدنيّ:...(؟)

أبو يعلى:أحمد.(307)

أبو يوسف:يعقوب.(182)

أبيّ بن كعب.(21)

أحمد بن حنبل.(24)

الأحمر:عليّ.(194)

الأخفش الأكبر:عبد الحميد.(177)

إسحاق بن بشير.(206)

الأسديّ.(؟)

إسماعيل بن القاضي.(؟)

الأصمّ:محمّد.(346)

الأعشى:ميمون.(148)

الأعمش:سليمان.(148)

إلياس:...(؟)

أنس بن مالك.(93)

الأمويّ:سعيد.(200)

الأوزاعيّ:عبد الرّحمن.(157)

الأهوازيّ:حسن.(446)

الباقلاّنيّ:محمّد.(403)

البخاريّ:محمّد.(256)

براء بن عازب.(71)

البرجيّ:عليّ.(؟)

البرجميّ:ضابئ.(؟)

ص: 904

البقليّ.(؟)

البلخيّ:عبد اللّه.(319)

البلّوطيّ:منذر.(355)

بوست:جورج إدوارد.(1327)

التّرمذيّ:محمّد.(279)

ثابت البنانيّ.(127)

الثّعلبيّ:أحمد.(427)

الثّوريّ:سفيان.(161)

جابر بن زيد.(93)

الجبّائيّ:محمّد.(303)

الجحدريّ:كامل.(231)

جمال الدّين الأفغانيّ.(1315)

البغداديّ:ابن محمّد.(297)

جهرم بن صفوان.(128)

الحارث بن ظالم.(22 ق)

الحدّاديّ:...(؟)

الحرّانيّ:محمّد.(560)

الحسن بن يسار.(110)

حسن بن حيّ.(؟)

حسن بن زياد.(204)

حسين بن فضل.(548)

حفص:بن عمر.(246)

حمّاد بن سلمة.(167)

حمزة القارئ.(156)

حميد:ابن قيس.(؟)

الحوفيّ:عليّ.(430)

خصيف:...(؟)

الخطيب التّبريزيّ:يحيى.(502)

الخفاجيّ:عبد اللّه.(466)

خلف القارئ.(299)

الخويّيّ:محمّد.(693)

الخياليّ:أحمد.(862)

الدّقّاق.(؟)

الدّمامينيّ:محمّد.(827)

الدّوانيّ.(918)

الدّينوريّ:أحمد.(282)

الرّبيع بن أنس.(139)

ربيعة بن سعيد(؟)

الرّضيّ الأستراباديّ.(686)

الرّمّانيّ:عليّ.(384)

رويس:محمّد.(238)

الزّناتيّ.(؟)

الزّبير:بن بكّار.(256)

الزّجّاجيّ:عبد الرّحمن.(337)

الزّهراويّ:خلف(427)

الزّهريّ:محمّد.(128)

زيد بن أسلم.(136)

زيد بن ثابت.(45)

زيد بن عليّ.(122)

السّدّيّ:إسماعيل.(128)

سعد بن أبي وقّاص.(55)

سعد المفتي.(؟)

ص: 905

سعيد بن جبير.(95)

سعيد بن عبد العزيز.(167)

السّلميّ القارئ:عبد اللّه.(74)

السّلميّ:محمّد.(412)

سليمان بن جمّاز المدنيّ.(170)

سليمان بن موسى.(119)

سليمان التّيميّ.(؟)

السّمين:أحمد.(756)

سهل التّستريّ.(283)

السّيرافيّ:حسن.(368)

الشّاذليّ.(؟)

الشّاطبيّ(؟)

الشّافعيّ:محمّد.(204)

الشّبليّ:دلف.(334)

الشّعبيّ:عامر.(103)

شعيب الجبئيّ.(؟)

الشّقيق بن إبراهيم.(194)

الشّلوبينيّ:عمر.(645)

شمر بن حمدويه.(255)

أحمد.(872)

الشّهاب:أحمد.(1069)

شهاب الدّين القرافيّ.(684)

شهر بن حوشب.(100)

شيبان بن عبد الرّحمن.(؟)

شيبة الضّبّيّ.(؟)

شيذلة:عزيزيّ.(494)

صالح المريّ.(؟)

الصّيقليّ:محمّد.(565)

الضّبّيّ:يونس.(182)

الضّحّاك بن مزاحم.(105)

طاوس بن كيسان.(106)

الطّبقجليّ:أحمد.(1213)

طلحة بن مصرّف.(112)

حسين.(743)

عائشة:بنت أبي بكر.(58)

عاصم الجحدريّ.(128)

عاصم القارئ.(127)

عامر بن عبد اللّه.(55)

عبّاس بن الفضل.(186)

عبد الرّحمن بن أبي بكرة.(96)

عبد العزيز:...(612)

عبد اللّه بن أبي ليلى.(؟)

عبد اللّه بن الحارث.(86)

عبد اللّه الهبطيّ.(؟)

عبد الوهّاب النّجار.(1360)

عبيد بن عمير.(؟)

العتكيّ:عبّاد.(181)

العدويّ:...(؟)

عصام الدّين:عثمان.(1193)

عصمة بن عروة.(؟)

العطاء بن أسلم.(114)

عطاء بن سائب.(136)

ص: 906

عطاء الخراسانيّ:ابن عبد اللّه.(135)

عكرمة بن عبد اللّه.(105)

العلاء بن سيّابة.(؟)

عليّ بن أبي طلحة.(143)

عمارة بن عائد.(؟)

عمر بن ذرّ.(153)

عمرو بن عبيد.(144)

عمرو بن ميمون.(؟)

عيسى بن عمر.(149)

عطيّة.(111)

العينيّ:محمود.(855)

الغزاليّ:محمّد.(505)

الغزنويّ:...(582)

الفارابيّ:محمّد.(339)

الفاسيّ(؟)

الفضل الرّقاشيّ.(200)

قتادة بن دعامة.(118)

القزوينيّ:محمّد.(739)

قطرب:محمّد.(206)

القفّال:محمّد.(328)

محمّد.(521)

كراع النّمل:عليّ.(309)

الكسائيّ:عليّ.(189)

كعب الأحبار:ابن ماتع.(32)

الكعبيّ:عبد اللّه.(319)

الكفعميّ:إبراهيم(905)

الكلبيّ:محمّد.(146)

كلنبويّ.(؟)

الكيا الطّبريّ(؟)

اللّؤلؤيّ:حسن.(204)

اللّحيانيّ:عليّ.(220)

اللّيث بن المظفّر.(185)

محمّد.(333)

المازنيّ:بكر.(249)

مالك بن أنس.(179)

مالك بن دينار.(131)

المالكيّ(؟)

الملويّ.(؟)

مجاهد:جبر.(104)

المحاسبيّ:حارث.(243)

محبوب:...(؟)

محمّد أبي موسى.(؟)

محمّد بن حبيب.(245)

محمّد بن الحسن.(189)

محمد بن شريح الأصفهانيّ.(؟)

محمّد عبده:ابن حسن خير اللّه.(1323)

محمّد الشّيشنيّ.(؟)

مروان بن الحكم.(65)

المسهر بن عبد الملك.(؟)

مصلح الدّين اللاّري:محمّد.(979)

معاذ بن جبل.(18)

معتمر بن سليمان.(187)

ص: 907

المغربيّ:حسين.(418)

المفضّل الضّبّيّ:ابن محمّد.(182)

مكحول بن شهراب.(112)

المنذريّ:محمّد.(329)

المهدويّ:أحمد.(440)

السّدوسيّ:ابن عمر.(195)

موسى بن عمران.(604)

ميمون بن مهران.(117)

النّخعيّ:إبراهيم.(96)

نصر بن عليّ.(؟)

نعّوم بك:بن بشّار.(1340)

نفطويه:إبراهيم.(323)

النقّاش:محمّد.(351)

النّوويّ:يحيى.(676)

هارون بن حاتم.(728)

الهذليّ:قاسم.(175)

همّام بن حارث.(؟)

الواحديّ:عليّ.(468)

ورش:عثمان.(197)

وهب بن جرير.(207)

وهب بن منبّه.(114)

يحيى بن جعدة.(؟)

يحيى بن سعيد.(؟)

يحيى بن سلاّم.(200)

يحيى بن وثّاب.(103)

يحيى بن يعمر.(129)

يزيد بن أبي حبيب.(128)

يزيد بن رومان.(130)

يزيد بن قعقاع.(132)

يعقوب بن إسحاق.(202)

اليمانيّ:عمر.(؟)

ص: 908

تعريف مرکز

بسم الله الرحمن الرحیم
هَلْ یَسْتَوِی الَّذِینَ یَعْلَمُونَ وَالَّذِینَ لَا یَعْلَمُونَ
الزمر: 9

عنوان المکتب المرکزي
أصفهان، شارع عبد الرزاق، سوق حاج محمد جعفر آباده ای، زقاق الشهید محمد حسن التوکلی، الرقم 129، الطبقة الأولی.

عنوان الموقع : : www.ghbook.ir
البرید الالکتروني : Info@ghbook.ir
هاتف المکتب المرکزي 03134490125
هاتف المکتب في طهران 88318722 ـ 021
قسم البیع 09132000109شؤون المستخدمین 09132000109.