عنوان و نام پديدآور : المعجم فی فقه لغه القرآن و سر بلاغته / اعداد قسم القرآن لمجمع البحوث الاسلامیه ؛ بارشاد و اشراف محمد واعظ زاده الخراسانی .
مشخصات نشر : مشهد: بنیاد پژوهشهای اسلامی ، 1419ق . = -1377.
مشخصات ظاهری : ج.
فروست : الموسوعة القرآنیة الکبری.
شابک : دوره 964-444-179-6 : ؛ دوره 978-964-444-179-0: ؛ 1430000 ریال (دوره، چاپ دوم) ؛ 25000 ریال : ج. 1 964-444-180-X : ؛ 30000 ریال : ج. 2 964-444-256-3 : ؛ 32000 ریال : ج. 3 964-444-371-3 : ؛ 67000 ریال (ج. 10) ؛ ج.12 978-964-971-136-2 : ؛ ج.19 978-600-06-0028-0 : ؛ ج.21 978-964-971-484-4 : ؛ ج.28 978-964-971-991-7 : ؛ ج.30 978-600-06-0059-4 : ؛ 1280000 ریال : ج.36 978-600-06-0267-3 : ؛ 950000 ریال : ج.37 978-600-06-0309-0 : ؛ 1050000 ریال : ج.39 978-600-06-0444-8 : ؛ 1000000 ریال : ج.40 978-600-06-0479-0 : ؛ ج.41 978-600-06-0496-7 : ؛ ج.43 978-600-06-0562-9 :
يادداشت : عربی .
يادداشت : جلد سی و ششم تا چهلم باشراف جعفر سبحانی است.
يادداشت : جلد سی و ششم با تنقیح ناصر النجفی است.
يادداشت : جلد سی و هفتم تا چهل و سوم با تنقیح علیرضا غفرانی و ناصر النجفی است.
يادداشت : مولفان جلد چهل و یکم ناصر نجفی، محمدحسن مومن زاده، سیدعبدالحمید عظیمی، سیدحسین رضویان، علی رضا غفرانی، محمدرضا نوری، ابوالقاسم حسن پور، سیدرضا سیادت، محمد مروی ...
يادداشت : ج . 2 (چاپ اول : 1420ق . = 1378).
يادداشت : ج . 3 (چاپ اول: 1421ق . = 1379).
يادداشت : ج.3 (چاپ دوم: 1429ق. = 1387).
يادداشت : ج. 10 (چاپ اول: 1426ق. = 1384).
يادداشت : ج.21 (چاپ اول: 1441ق.=1399) (فیپا).
يادداشت : ج.36 (چاپ دوم : 1440ق.=1398)(فیپا).
يادداشت : ج.37 (چاپ اول : 1440ق.=1397)(فیپا).
يادداشت : ج.39 (چاپ اول: 1441ق.=1399) ( فیپا).
يادداشت : ج.40 - 41(چاپ اول: 1442ق.= 1399) (فیپا).
يادداشت : جلد دوازدهم تا پانزدهم این کتاب در سال 1398 تجدید چاپ شده است.
يادداشت : ج.19 و 28 و 30 ( چاپ دوم: 1442ق = 1400 ) (فیپا).
يادداشت : ج.21 (چاپ دوم: 1399).
يادداشت : ج.38 (چاپ دوم: 1399).
يادداشت : ج.30 (چاپ دوم: 1399).
يادداشت : ج.29 (چاپ دوم: 1399).
يادداشت : ج.12 (چاپ چهارم: 1399).
يادداشت : ج.32 (چاپ دوم: 1399).
مندرجات : ج.3. ال و - ا ن س
موضوع : قرآن -- واژه نامه ها
Qur'an -- Dictionaries
موضوع : قرآن -- دایره المعارف ها
Qur'an -- Encyclopedias
شناسه افزوده : واعظ زاده خراسانی ، محمدِ، 1385-1304.
شناسه افزوده : سبحانی تبریزی ، جعفر، 1308 -
شناسه افزوده : Sobhani Tabrizi, Jafar
شناسه افزوده : نجفی ، ناصر، 1322 -
شناسه افزوده : غفرانی، علیرضا
شناسه افزوده : بنیاد پژوهشهای اسلامی. گروه قرآن
شناسه افزوده : بنیاد پژوهش های اسلامی
رده بندی کنگره : BP66/4 /م57 1377
رده بندی دیویی : 297/13
شماره کتابشناسی ملی : 582410
اطلاعات رکورد کتابشناسی : فیپا
ص: 1
ص: 2
ص: 3
ص: 4
الأستاذ محمّد واعظزاده الخراسانيّ
ناصر النّجفيّ
قاسم النّوريّ
محمّد حسن مؤمن زاده
حسين خاك شور
السيّد عبد الحميد عظيمي
السيّد جواد سيّدي
السيّد حسين رضويان
علي رضا غفراني
محمّد رضا نوري
السيّد علي صبّاغ دارابي
أبو القاسم حسن پور
خضر فيض اللّه
محمّد ملكوتي نسب
و قد فوّض عرض الآيات و ضبطها إلى أبي الحسن الملكيّ و مقابلة النصوص إلى محمّد جواد الحويزيّ و عبد الكريم الرّحيميّ و تنضيد الحروف إلى حسين الطّائيّ في قسم الكمبيوتر.
ص: 5
ص: 6
المقدّمة 9
ج ب ن 11
ج ب ه 17
ج ب ي 25
ج ث ث 47
ج ث م 53
ج ث و-ي 63
ج ح د 73
ج ح م 89
ج د ث 99
ج د د 105
ج د ر 135
ج د ل 149
ج ذ ذ 235
ج ذ ع 247
ج ذ و 261
ج ر ح 271
ج ر د 295
ج ر ر 303
ج ر ز 321
ج ر ع 339
ج ر ف 349
ج ر م 359
ج ر ي 403
ج ز أ 429
ج ز ع 445
ج ز ي 461
ج س د 577
ج س س 595
ج س م 609
ج ع ل 623
ج ف أ 653
ج ف ن 661
ج ف و 669
ج ل ب 679
ج ل د 699
ج ل س 729
ج ل ل 741
ج ل و-ي 761
ج م ح 787
ج م د 795
ج م ع 805
ج م ل 869
الأعلام المنقول عنهم بلا واسطة و أسماء كتبهم 895
الأعلام المنقول عنهم بالواسطة 902
ص: 7
ص: 8
بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
نحمد اللّه تعالى على نعمائه كلّها،و نصلّي و نسلّم على رسوله المصطفى نبيّنا محمّد و على آله الطّيّبين الطّاهرين و صحبه المنتجبين.
نشكره تعالى على أن وفّقنا لتأليف المجلّد التّاسع من موسوعتنا القرآنيّة:«المعجم في فقه لغة القرآن و سرّ بلاغته»،و تقديمه إلى روّاد العلوم القرآنيّة،و المختصّين بمعرفة لغاته،و أسرار بلاغته،و رموز إعجازه،و طرائف تفسيره.
و قد اشتمل هذا الجزء على شرح(42)مفردة قرآنيّة من حرف الجيم،ابتداء من (ج ب ن)و انتهاء ب(ج م ل)،و أوسع المواد فيه بحثا و تنقيبا هي(ج ز ي).
ثمّ نسأله تعالى،و نبتهل إليه أن يتمّ علينا نعمته و يكمل لنا رحمته و يساعدنا و يأخذ بأيدينا،و يسدّد خطانا بما يضارع الأمل في استمرار العمل،إنّه خير ظهير، و بالإجابة جدير.
محمّد واعظزاده الخراسانيّ
مدير قسم القرآن بمجمع البحوث الإسلاميّة
ص: 9
ص: 10
الجبين
لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة
الخليل :الجبنّ،مثقّل،الّذي يؤكل،و تجبّن اللّبن:
صار كالجبنّ.
و رجل جبان و امرأة جبانة،و رجال جبناء و نساء جبانات.
و أجبنته:حسبته جبانا.
و الجبين:حرف الجبهة ما بين الصّدغين،منفصلا عن النّاحية،كلّ ذلك جبين واحد،و بعضهم يقول:هما جبينان.
و الجبّانة:واحدة،و الجبابين كثيرة.(6:153)
المفضّل الضّبّيّ: العرب تقول:فلان جبان الكلب،إذا كان نهاية في السّخاء.[ثمّ استشهد بشعر]
(الأزهريّ 11:123)
ابن شميّل: الجبّانة:ما استوى من الأرض و ملس و لا شجر فيه،و فيه آكام و جلاه،و قد تكون مستوية لا آكام فيها و لا جلاه،و لا تكون«الجبّانة»في الرّمل و لا في الجبل،و قد تكون في القفاف و الشّقائق.و كلّ صحراء:جبّانة.(الأزهريّ 11:124)
أبو عمرو الشّيبانيّ: قاتلته فما أجبنته،و سألته فما أبخلته.(1:126)
أبو زيد :امرأة جبان و جبانة.(الأزهريّ 11:124)
اللّحيانيّ: و الجبين مذكّر لا غير،و الجمع:أجبن و أجبنة و جبن.(ابن سيده 7:465)
ابن السّكّيت: رجل جبان و قوم جبناء و جبن، و قد جبن الرّجل؛و يقال:جبن بالفتح.(176)
و يقال:جبن و جبنة،بضمّ الجيم و الباء و تسكينها أيضا.و بعضهم يضمّ الجيم و الباء و يثقّل النّون،فيقول:
جبن و جبنّة،و بعضهم يضمّ أوّلها و يسكّن ثانيها.
(إصلاح المنطق:118)
شمر:قال أبو خيرة:الجبّان:ما استوى من الأرض
ص: 11
في ارتفاع،و يكون كريم المنبت.(الأزهريّ 11:124)
الدّينوريّ: الجبابين:كرام المنابت،و هي مستوية في ارتفاع،الواحدة:جبّانة.(ابن سيده 7:465)
الأزهريّ: في الحديث:أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم احتضن أحد ابني بنته،و هو يقول:«إنّكم لتجبّنون و تبخّلون، و تجهّلون،و إنّكم لمن ريحان اللّه».
يقال:جبّنت الرّجل،و بخّلته،و جهّلته،إذا نسبته إلى الجبن،و البخل،و الجهل.و أجبنته،و أبخلته، و أجهلته،إذا وجدته جبانا بخيلا جاهلا.
يريد:أنّ الولد لمّا صار سببا لجبن الأب عن الجهاد، و إنفاق المال،و الافتتان به،كان كأنّه نسبه إلى هذه الخلال،و رماه بها،و كانت العرب تقول:«الولد مجنبة (1)مبخلة».[و نقل كلام اللّيث ثمّ قال:]
قلت:و على هذا كلام العرب،و الجبهة بين الجبينين.
و يقال:اجتبن فلان اللّبن،إذا اتّخذه جبنّا.
(11:123)
الصّاحب:الجبنّ مثقّل:ما يؤكل،و تجبّن اللّبن.
و رجل جبان،و امرأة جبانة و جبان.و أجبنته:
وجدته جبانا.و رجال جبناء و أجبان،و نسوة جبائن و جبناء.و يقال للجبان:جبّان،بالتّشديد.
و الجبين:حرف الجبهة ما بين الصّدغين،متّصلا بحذاء النّاصية،و جمعه:جبائن.(7:132)
الجوهريّ: الجبن:هذا الّذي يؤكل،و الجبنة أخصّ منه،و الجبن أيضا:صفة الجبان.و الجبن،بضمّ الجيم و الباء لغة فيهما و بعضهم يقول:جبن و جبنّة،بالضّمّ، و التّشديد.
و قد جبن فهو جبان،و جبن أيضا بالضّمّ فهو جبين.
و قالوا:امرأة جبان،كما قالوا:حصان و رزان،عن ابن السّرّاج.
و أجبنته:وجدته جبانا.و جبّنته تجبينا:نسبته إلى الجبن.
و يقال:«الولد مجبنة مبخلة»لأنّه يحبّ البقاء و المال لأجله.
و الجبّان و الجبّانة بالتّشديد:الصّحراء.
و تجبّن الرّجل:غلظ.
و الجبين فوق الصّدغ،و هما جبينان عن يمين الجبهة و شمالها.(5:2090)
ابن فارس: الجيم و الباء و النّون ثلاث كلمات لا يقاس بعضها ببعض.فالجبن:الّذي يؤكل،و ربّما ثقّلت نونه مع ضمّ الباء.و الجبن:صفة الجبان، و الجبينان:ما عن يمين الجبهة و شمالها،كلّ واحد منهما جبين.(1:503)
أبو سهل الهرويّ: الجبن:للّذي يؤكل بضمّ الباء، و كذبت من الجبن،و هو الفزع.(التّلويح:61)
ابن سيده: الجبان من الرّجال:الّذي يهاب التّقدّم على كلّ شيء ليلا كان أو نهارا.سيبويه:و الجمع:جبناء شبّهوه ب«فعيل»لأنّه مثله في العدّة و الزّيادة.و الأنثى:
جبان و جبانة.
و قد جبن يجبن،و جبن جبنا،و جبانة.
و أجبنه:وجده جبانا،أو حسبه إيّاه.
و حكى سيبويه:هو يجبّن،أي يرمى بذلك و يقال له.ة.
ص: 12
و الجبينان:حرفان مكتنفا الجبهة من جانبيها فيما بين الحاجبين،مصعدا إلى قصاص الشّعر.
و قيل:هما ما بين القصاص إلى الحاجبين.
و قيل:حروف الجبهة:ما بين الصّدغين متّصلا عداء النّاصية،كلّ ذلك جبين واحد.
و الجبن و الجبن:الّذي يؤكل،و الواحدة من كلّ ذلك بالهاء.
و تجبّن اللّبن:صار كالجبن.
و الجبّان،و الجبّانة:المقبرة.و هو عند سيبويه اسم كالقذاف.(7:465)
الرّاغب: وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ الصّافّات:103، فالجبينان جانبا الجبهة.و الجبن:ضعف القلب عمّا يحقّ أن يقوى عليه،و رجل جبان و امرأة جبان، و أجبنته:وجدته جبانا و حكمت بجبنه،و الجبن:
ما يؤكل،و تجبّن اللّبن صار كالجبن.(87)
الزّمخشريّ: رجل جبان،و رجال جبناء،و في حديث خالد:«فلا نامت أعين الجبناء»و امرأة جبان، و نساء جبانات.[ثمّ استشهد بشعر]
كقولهم:امرأة جواد،و يقال:جبانة.سمع بعض العرب يقول:الضّبع جبانة لا تقبل على الصّفير،إذا صفر بها فرّت.
و أجبنت فلانا و أبخلته:وجدته كذلك.و عن عمرو ابن معد يكرب:«قاتلناكم فما أجبنّاكم».و جبّنته:
نسبته إلى الجبن.و خرجوا إلى الجبّانة و الجبّان،و هي الصّحراء.[ثمّ استشهد بشعر]
و رجل صلت الجبين.و تجبّن اللّبن و تكبّد:صار كالجبن و الكبد.
و من المجاز:فلان شجاع القلب،جبان الوجه أي حييّ.(أساس البلاغة:51)
[ذكر حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم المتقدّم عن الأزهريّ و قال:]
معناه:إنّ الولد يوقع أباه في الجبن،خوفا من أن يقتل فيضيع ولده بعده،و في البخل إبقاء على ماله له، و في الجهل شغلا به عن طلب العلم.(الفائق 1:185)
ابن الأثير: في حديث الشّفاعة:«فلمّا كنّا بظهر الجبّان»الجبّان و الجبّانة:الصّحراء،و تسمّى بهما المقابر،لأنّها تكون في الصّحراء،تسمية للشّيء بموضعه.و قد تكرّر في الحديث ذكر الجبن و الجبان،هو ضدّ الشّجاعة و الشّجاع.(1:237)
الفيّوميّ: جبن جبنا وزان:قرب قربا،و جبانة بالفتح،و في لغة من باب«قتل»فهو جبان،أي ضعيف القلب،و امرأة جبان أيضا،و ربّما قيل:جبانة،و جمع المذكّر:جبناء،و جمع المؤنّث:جبانات.
و أجبنته:وجدته جبانا.
و الجبن:المأكول،فيه ثلاث لغات،رواها أبو عبيدة عن يونس بن حبيب سماعا عن العرب،أجودها سكون الباء،و الثّانية ضمّها للإتباع،و الثّالثة-و هي أقلّها- التّثقيل.و منهم من يجعل التّثقيل من ضرورة الشّعر.
و الجبين:ناحية الجبهة من محاذاة النّزعة إلى الصّدغ،و هما جبينان عن يمين الجبهة و شمالها،قاله الأزهريّ و ابن فارس و غيرهما،فتكون الجبهة بين جبينين.و جمعه:جبن،بضمّتين مثل بريد و برد،و أجبنة
ص: 13
مثل أسلحة.
و الجبّانة مثقّل الباء و ثبوت الهاء أكثر من حذفها، هي المصلّى في الصّحراء،و ربّما أطلقت على المقبرة،لأنّ المصلّى غالبا تكون في المقبرة.(1:91)
الفيروزآباديّ: الجبن:بالضّمّ و بضمّتين و كعتلّ:
معروف،و قد تجبّن اللّبن:صار كالجبن.
و رجل جبان كسحاب و شدّاد و أمير:هيوب للأشياء لا يقدم عليها،جمعها:جبناء،و هي جبان و جبانة و جبين،و قد جبن ككرم جبانة و جبنا بالضّمّ و بضمّتين.
و أجبنه وجده أو حسبه جبانا كاجتبنه،و هو يجبّن تجبينا يرمى به.
و الجبينان:حرفان مكتنفا الجبهة من جانبيها،فيما بين الحاجبين مصعدا إلى قصاص الشّعر،أو حروف الجبهة ما بين الصّدغين متّصلا بحذاء النّاصية كلّه جبين، جمعه:أجبن و أجبنة و جبن بضمّتين.
و الجبّان و الجبّانة مشدّدتين:المقبرة و الصّحراء و المنبت الكريم،أو الأرض المستوية في ارتفاع.
و اجتبن اللّبن:اتّخذه جبنا.
و هو جبان الكلب:نهاية في الكرم.(4:210)
الطّريحيّ: في الدّعاء:«نعوذ باللّه من الجبن،لأنّه يمنع الإغلاظ على العصاة».الجبن بالضّمّ فالسّكون:
صفة الجبان.
و منه حديث عليّ عليه السّلام:«لا تجزي صلاة لا يصيب الأنف فيها ما يصيب الجبينين».
يجوز نصب الأنف و الجبينين معا بالمفعوليّة،و رفعهما بالفاعليّة،و نصب الأوّل و رفع الثّاني،و عكسه.(6:224)
محمود شيت:الجبان:ضعيف القلب خرقا،و هي صفة من أرذل صفات العسكريّ.
الجبن:اللّبن الجامد الّذي يقدّم طعاما للعسكريّين.
(1:135)
العدنانيّ: الخبز و الجبن و الجبن و الجبنّ.
و يقولون:يأكل الفقراء خبزا و جبنا.و الصّواب:
جبنا أو جبنا أو جبنّا.و تسمّى القطعة من الجبن:جبنة.
و الجبن:جمع الجبين.
و الجبن:ضعف القلب من شدّة الخوف،فالرّجل جبان،أو جبّان،أو جبين.و المرأة جبان و جبانة، و الجمع:جبانات،و هم:جبناء.
(معجم الأخطاء الشّائعة:54)
المصطفويّ: الأصل الواحد فيها هو ما يقابل الشّجاعة،و يعبّر عنه بالمهابة في الإقدام و التّقدّم إلى أمر، و يلازم التّأخّر و الحذر و الاتّقاء.
و بمناسبة هذا المعنى يطلق على«الجبين»فإنّه وراء الجبهة،و الرّجل الشّجاع يقدّم جبهته،فكأنّ الجبين جبان و متأخّر عن جبهة البراز،مضافا إلى أنّ الشّجاعة تتجلّى في الجبهة،كما أنّ الجبن يتجلّى في الجبين.
و أمّا الجبن:فإنّه ما يتأخّر و يتجمّع و يتحصّل من اللّبن،فكأنّه في الجبهة المتأخّرة.و لا يبعد أن نقول:إنّ هذه الكلمة بهذا المعنى مأخوذة من العبريّة،فإنّ الأصل فيها هو ما يؤكل و يتحصّل من اللّبن.
قاموس عبريّ-عربيّ-(جبن)-أحدب،أحنى
ص: 14
ظهره،صنع الجبن.
(جبان)-صانع الجبن،بائع الجبن.
فيكون لفظ«الجبن»بمعنى ما يؤكل،مأخوذا من اللّغة العبريّة لا من مادّة«جبن»عربيّة،بمعنى ما يقابل الشّجاعة.[ثمّ ذكر الآيات](2:50)
فلمّا اسلما و تلّه للجبين.الصّافّات:103
الطّبريّ: يقول:و صرعه للجبين،الجبينان،ما عن يمين الجبهة،و عن شمالها،و للوجه جبينان،و الجبهة بينهما.(23:80)
نحوه الماورديّ(5:61)،و الطّوسيّ(8:517)، و الواحديّ(3:530).
الآلوسيّ: الجبين:أحد جانبي الجبهة،و شذّ جمعه على:أجبن،و قياسه في القلّة:أجبنة ككثيب و أكثبة، و في الكثرة جبنان و جبن ككثبان و كثب،و اللاّم لبيان ما خرّ عليه،كما في قوله تعالى: وَ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ الإسراء:109.و قوله:
*و خرّ صريعا لليدين و للفم*
و ليست للتّعدية.(23:130)
نحوه الطّباطبائيّ(17:152)،و عبد المنعم الجمّال (4:2623).
مكارم الشّيرازيّ: قال البعض:إنّ المراد من عبارة تَلَّهُ لِلْجَبِينِ هو أنّه وضع جبين ولده طبقا لاقتراحه على الأرض حتّى لا تقع عيناه على وجه ابنه، فتتهيّج عنده عاطفة الأبوّة،و تمنعه من تنفيذ الأمر الإلهيّ.(14:333)
راجع«ت ل ل».
1-الأصل في هذه المادّة:الجبن،ضدّ الشّجاعة، يقال:جبن الرّجل يجبن جبنا و جبنا،فهو جبان و هم جبناء،و هي جبان و جبانة و هنّ جبانات،و جبن يجبن جبانة فهو جبين.و أجبنه:وجده جبانا،أو حسبه إيّاه، و جبّنه تجبينا:نسبه إلى الجبن،و فلان يجبّن:يرمى بالجبن و يقال له،و يقال:الولد مجبنة مبخلة،لأنّه يحبّ البقاء و المال لأجله.
و الجبين ما بين القصاص إلى الحاجبين،و قيل:فوق الصّدغ،و هما جبينان عن يمين الجبهة و شمالها.
و القول الأوّل أقرب إلى الاستعمال،لأنّه يقال:
عرق جبينه و انبسط،و قطّب جبينه،فبينه و بين «الجبهة»ترادف،كما أنّه أقرب إلى هذا الأصل أيضا، لأنّه ينقبض و ينكمش عند الخوف،و هي صفة الجبان.
و الجبن و الجبن و الجبنّ:الّذي يؤكل،لأنّ اللّبن يتجمّع و يتضامّ عند ما يصير جبنّا؛يقال:تجبّن اللّبن، أي صار كالجبن،و اجتبن فلان اللّبن:اتّخذه جبنا، و يقال مجازا:تجبّن الرّجل،أي غلظ.
و منه الجبّان و الجبّانة:الصّحراء،و تسمّى بهما المقابر أيضا،لأنّها تكون في الصّحراء،تسمية للشّيء بموضعه.و هو من هذا الباب،لأنّ الصّحراء مظنّة التّيه،
ص: 15
فينتاب سالكها الخوف،فيهاب التّقدّم لاجتيازها و قطعها،و تنتاب هذه الحالة كذلك من يدخل المقابر و يزورها،فهي قفراء موحشة.
و الجبّان و الجبّانة أيضا:ما استوى من الأرض في ارتفاع،و يكون كريم المنبت،و هذا المعنى مأخوذ من كرامة الجبين و علوّه في وجه الإنسان و الحيوان.
2-و لا نستبعد بتاتا أن يكون«الجبين»أصلا برأسه هنا؛إذ هو ليس صفة على«فعيل»بمعنى«فاعل»أو «مفعول»،بل اسم صريح،و يدلّ على ذلك عدم اشتقاقه من فعل،أو اشتقاق لفظ منه،و كذا جمعه على:أجبن و أجبنة و جبن،فهي صيغ تستعمل للأسماء دون الصّفات غالبا.
كما ورد هذا المعنى في العبريّة بلفظ«جبن»، و ما يقاربه في الآراميّة و السّريانيّة بلفظ«جبينا»،أي الحاجب.و هذا ما حمل بعض المستشرقين على القول بأنّ«الجبين»دخيل في العربيّة،و أنّه دخل هذه اللّغة من الآراميّة و السّريانيّة (1)،و هو ليس بشيء.كما ذهب بعض المسلمين إلى أنّ الجبن:الّذي يؤكل،لفظ عبريّ، و هو قول-كسابقه-لا يؤبه به.
فَلَمّا أَسْلَما وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ الصّافّات:103 لاحظ«ت ل ل».
ص: 16
جباههم
لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مدنيّة
الخليل :الجبهة:مستوى ما بين الحاجبين إلى النّاصية.
و الأجبه:العريض الجبهة.و الجبه:مصدره.[ثمّ استشهد بشعر]
و جبهته:استقبلته بكلام فيه غلظ.
و الجبهة:اسم يقع على الخيل لا يفرد.
و الجبهة:النّجم الّذي يقال له:جبهة الأسد.
(3:395)
الضّبّيّ: جاءتنا جبهة من النّاس،يعنون جماعة.
(ابن السّكّيت:40)
الكسائيّ: جبهنا الماء جبها،إذا وردته و ليست عليه قامة و لا أداة.(الأزهريّ 6:66)
أبو عبيدة :في الحديث:«ليس في الجبهة و لا في النّخّة صدقة»الجبهة:الخيل.(الأزهريّ 6:66)
الأصمعيّ: الجبهة هي موضع السّجود.
(الفيّوميّ 1:91)
أبو عبيد: «إنّ اللّه قد أراحكم من الجبهة و السّجّة و البجّة»هذه آلهة كانوا يعبدونها في الجاهليّة.
(الأزهريّ 6:66)
ابن الأعرابيّ: قال بعض العرب:«لكلّ جابه جوزة،ثمّ يؤذّن»،أي لكلّ من ورد علينا سقيه ثمّ منع من الماء.(الأزهريّ 6:67)
ابن السّكّيت: جبهه يجبهه جبها.(442)
و قد جبهته،إذا صككت جبهته.
(إصلاح المنطق:370)
وردنا ماء له جبيهة،إمّا كان ملحا فلم ينضح ما لهم الشّرب،و إمّا كان آجنا،و إمّا كان بعيد القعر غليظا سقيه،شديدا أمره.(الأزهريّ 6:66)
ابن أبي اليمان :الجبهة:جبهة الإنسان،
ص: 17
و الجبهة:من منازل القمر،و الجبهة:القطعة من الخيل.
(670)
ابن دريد :جبهة الرّجل:معروفة،و الجمع:جباه.
و جبهة القوم:سيّدهم.
و رجل أجبه:عريض الجبهة،و الأنثى:جبهاء.
و الجابه:الّذي يلقاك بوجهه من الطّير و الوحش يتشاءم به،و هو النّاطح أيضا.
و في الحديث:«ليس في الجبهة صدقة»يريد الخيل، و اللّه أعلم.
و جبهت الرّجل بالكلام،إذا لقيته بما يكرهه، و لا يكون إلاّ بقبيح.(1:215)
الأزهريّ: أبو سعيد الضّرير:الجبهة:الرّجال الّذين يسعون في حمالة أو مغرم أو جبر فقير،فلا يأتون أحدا إلاّ استحيا من ردّهم،فتقول العرب في الرّجل يعطي في مثل هذه الحقوق:رحم اللّه فلانا فقد كان يعطي في الجبهة.
و تفسير قوله:«ليس في الجبهة صدقة»أنّ المصدّق إن وجد في أيدي هذه الجبهة إبلا تجب فيها الصّدقة لم يأخذ منها الصّدقة،لأنّهم جمعوها لمغرم أو حمالة.
سمعت أبا عمرو الشّيبانيّ يحكيها عن العرب،و هي الجمّة و البركة.
قال أبو سعيد: و أمّا قوله:«إنّ اللّه أراحكم من الجبهة و السّجّة»،فالجبهة هاهنا:المذلّة،قال:و السّجّة:
السّجاج،و هو المذيق من اللّبن...
و في النّوادر:اجتبهت ماء كذا و كذا اجتباها،إذا أنكرته و لم تستمرئه.(6:66)
الصّاحب: [نحو الخليل و الكسائيّ و أضاف:]
و جبهنا الماء جبها:وردناه و ليس عليه قامة و لا أداة.
و الاجتباه:الاستجفاء،و الخوف أيضا.
و التّجبيه:أن يحمل الزّانيان على حمار يقابل بين أقفائهما.
و جاءنا جبهة من النّاس،أي جماعة،و قيل:
سيّدهم.و كذلك الجماعة من الخيل،و منه الحديث:
«ليس في الجبهة صدقة».و هي المذلّة أيضا.
و الجابه:ضدّ القعيد من الظّباء.
و اجتبهت البلد و الإنسان:كرهته و استوهلته.
(3:384)
الجوهريّ: الجبهة للإنسان و غيره.و رجل أجبه بيّن الجبه،أي عظيم الجبهة،و امرأة جبهاء،و بتصغيره سمّي جبيهاء الأشجعيّ.
و الجبهة:جبهة الأسد،و هي أربعة أنجم ينزلها القمر.
و الجبهة من النّاس:الجماعة.
و جبهته:صككت جبهته.
و جبهته بالمكروه،إذا استقبلته به.
و جبهنا الماء جبها:وردناه و ليست عليه أداة الاستقاء.(6:2229)
ابن فارس: الجيم و الباء و الهاء كلمة واحدة،ثمّ يشبّه بها،فالجبهة:الخيل،و الجبهة من النّاس:
الجماعة.و الجبهة:كوكب،يقال:هو جبهة الأسد.
و من الباب قولهم:جبهنا الماء،إذا وردناه و ليست عليه قامة و لا أداة.و هذا من الباب لأنّهم قابلوه و ليس
ص: 18
بينهم و بينه ما يستعينون به على السّقي.
و العرب تقول:«لكلّ جابه جوزة،ثمّ يؤذّن».
فالجابه ما ذكرناه،و الجوزة:قدر ما يشرب ثمّ،و يجوز.
(1:503)
ابن سيده: الجبهة:موضع السّجود،و قيل:هي مستوى ما بين الحاجبين إلى النّاصية.و وجدت بخطّ عليّ ابن حمزة في المصنّف:«فإذا انحسر الشّعر عن حاجبي جبهتيه»و لا أدري كيف هذا إلاّ أن يريد الجانبين.
و جبهة الفرس:ما تحت أذنيه و فوق عينيه،و جمعها:
جباه.
و رجل أجبه:واسع الجبهة حسنها،و الاسم:
الجبه.و قيل:الجبه:شخوص الجبهة.
و فرس أجبه:شاخص الجبهة،مرتفعها عن قصبة الأنف.
و جبهه جبها:صكّ جبهته.
و الجابه:الّذي يلقاك بوجهه أو بجبهته من الطّير و الوحش،و هو يتشاءم به،و استعار بعض الأغفال الجبهة للقمر.[ثمّ استشهد بشعر]
و جبهة القوم:سيّدهم،على المثل.
و جاءتنا جبهة من النّاس،أي جماعة.
و جبه الرّجل يجبهه جبها:ردّه عن حاجته، و استقبله بما يكره.و الجبهة:صنم كان يعبد من دون اللّه تعالى.
و رجل جبّه،كجبّإ:جبان...(4:175)
و الأجبه:الواسع الجبهة الحسنها،أو الضّخم الجبهة المتأخّر منابت الشّعر،و الأنثى:جبهاء،و الجمع:جبه، و قد جبه كفرح،و الجباهيّ:العظيم الجبهة.
(الإفصاح 1:22)
جبهه بالكلام يجبهه جبها:لقيه بما يكره،و التّجبيه:
أن يحمّر وجوه الزّانيين و يحملا على بعير أو حمار، و يخالف بين وجوههما.(الإفصاح 1:193)
الرّاغب: الجبهة:موضع السّجود من الرّأس،قال اللّه تعالى: فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ التّوبة:
35،و النّجم يقال له:جبهة تصوّرا أنّه كالجبهة للمسمّى بالأسد،و يقال لأعيان النّاس:جبهة،و تسميتهم بذلك كتسميتهم بالوجوه.(87)
الزّمخشريّ: جبهة ذات بهجة.و رجل أجبه:
عريض الجبهة.و جبهته:ضربت جبهته
و من المجاز:هو جبهة قومه،كما يقال:وجههم، و جاءني جبهة بني فلان:لسرواتهم،و جاءت جبهة الخيل:لخيارها.[ثمّ استشهد بشعر]
و جبهه:لقيه بما يكره.و لقيت منه جبهة،أي مذلّة و أذى،و جبهنا الماء:وردناه و لا آلة سقي،فلم يكن منّا إلاّ النّظر إلى وجه الماء،و منه جبهنا الشّتاء:جاءنا و لم نتهيّأ له.(أساس البلاغة:51)
«أخرجوا صدقاتكم،فإنّ اللّه تعالى قد أراحكم من الجبهة و السّجّة و البجّة»الجبهة:المذلّة،من جبهه،إذا استقبله بالأذى.(الفائق 1:184)
المدينيّ: في الحديث:«أنّه سأل اليهود عن حدّ الزّاني عندهم،فقالوا:التّجبية.فقال:و ما التّجبية؟ قالوا:أن تحمّم وجوه الزّانيين،و يحملا على بعير، و يخالف بين وجوههما».
ص: 19
أصل التّجبية:أن يحمل اثنان على دابّة،و يجعل قفا أحدهما إلى قفا الأخر،كذا ذكروه.
و القياس:أن يقابل بين وجوههما،لأنّه مأخوذ من الجبهة.
و ذكر صاحب«التّتمّة»أنّه يشبه أن يكون أصله الهمز،و أنّه التّجبئة،و هي الرّدع و الزّجر.يقال:جبأته فجبأ،أي ردعته فارتدع.و التّجبية أيضا:أن ينكّس رأسه،فيحتمل أنّ من فعل به ذلك نكّس رأسه استحياء،فسمّي ذلك الفعل تجبئة.
و يحتمل أن يكون تجبيها من الجبه،و هو الاستقبال بالمكروه،و أصله:إصابة الجبهة.يقال:جبهته،إذا أصبت جبهته،كما يقال:رأسته.(1:294)
ابن الأثير: في حديث الزّكاة:«ليس في الجبهة صدقة»الجبهة:الخيل.و قال أبو سعيد الضّرير قولا فيه بعد و تعسّف.(1:237)
الفيّوميّ: الجبهة من الإنسان،تجمع على:جباه، مثل كلبة و كلاب.
و جبهته أجبهه بفتحتين:أصبت جبهته،و الجبهة أيضا:الجماعة من النّاس،و الخيل.(1:91)
الفيروزآباديّ: الجبهة:موضع السّجود من الوجه،أو مستوى ما بين الحاجبين إلى النّاصية،و سيّد القوم،و منزل للقمر،و الخيل،و لا واحد لها،و سروات القوم،أو الرّجال السّاعون في حمالة و مغرم،فلا يأتون أحدا إلاّ استحيا من ردّهم،و المذلّة،و اسم صنم، و القمر.
و الأجبه:الأسد،و الواسع الجبهة الحسنها أو الشّاخصها،و هي جبهاء،و الاسم:الجبه محرّكة.
و جبهه كمنعه:ضرب جبهته و ردّه،أو لقيه بما يكره،و الماء:ورده و لا آلة سقي،فلم يكن منه إلاّ النّظر إلى وجه الماء،و الشّتاء القوم:جاءهم و لم يتهيّئوا له.
و الجابه:الّذي يلقاك بوجهه أو جبهته من طائر أو وحش و يتشاءم به.
و الجبّه كسكّر:الجبّاء.
و اجتبه الماء و غيره:أنكره و لم يستمرئه.
و التّجبية:أن يحمّر وجوه الزّانيين و يحملا على بعير أو حمار،و يخالف بين وجوههما،و كان القياس أن يقابل بين وجوههما،لأنّه من الجبهة.
و التّجبية أيضا:أن ينكّس رأسه.و يحتمل أن يكون من هذا،لأنّ من فعل به ذلك ينكّس رأسه خجلا،أو من جبهه:أصابه بمكروه.(4:284)
الجزائريّ: الجبهة:مسجد الرّجل الّذي يصيبه ندب السّجود.و الجبينان:يكتنفانها من كلّ جانب جبين.(78)
محمود شيت: الجبهة:هي عدّة مناطق حركات داخلة في حدود جغرافيّة معيّنة.و منطقة الحركات:هي قسم من ساحة الحركات.و ساحة الحركات:هي السّاحة الّتي يتمكّن أحد الخصمين من القتال فيها،و هي قسم من ساحة الحرب.و ساحة الحرب:هي جميع البلاد الّتي يحتمل أن يقاتل فيها الفريقان المتخاصمان في البرّ و البحر.
في الفتح الإسلاميّ مثلا،كانت ساحة الحرب في أيّام عمر بن الخطّاب رضي اللّه عنه،هي البلاد الّتي يقاتل
ص: 20
فيها الجيش الإسلاميّ في العراق و في أرض الشّام و في بلاد فارس و في مصر...
و كانت ساحة الحرب،فيها عدّة ساحات حركات:
ساحة حركات العراق،و ساحة حركات أرض الشّام، و ساحة حركات بلاد فارس،و ساحة حركات مصر...
و كان في ساحة حركات العراق مثلا عدّة جبهات:
جبهة حركات محور ديالى،و جبهة حركات محور دجلة، و جبهة حركات محور الفرات...إلخ.
و كان في كلّ جبهة من هذه الجبهات مناطق حركات،فمثلا ساحة حركات دجلة حتّى الموصل شمالا، كان هناك منطقة حركات تكريت،و منطقة حركات الموصل.(1:136)
العدنانيّ: جبهة و جبين
و يخطئون عند ما يظنّون أنّ الجبهة و الجبين اسمان لمسمّى واحد.ف«الجبهة»هي:مستوى ما بين الحاجبين إلى مقدّم شعر الرّأس.بينما«الجبين»هو ناحية فوق الصّدغ،و هما«جبينان»عن يمين الجبهة و شمالها.
و يجمع الجبين على:أجبن و أجبنة و جبن.
أمّا جمع جبهة فهو جباه و جبهات.
جاء في الآية(103)من سورة الصّافّات وَ تَلَّهُ لِلْجَبِينِ تلّه:صرعه على وجهه.
و جاء في الآية(35)من سورة التّوبة فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ.
جبهت عدوّي
و يقولون:جابهت عدوّي،أي:استقبلته بكلام فيه غلظة-الغين مثلّثة-و أصبته بما يكره.
و الصّواب:جبهت عدوّي،أي لقيته بمكروه،و هو مجاز.
و قال ابن سيده في«المحكم»:جبهته،إذا استقبلته بكلام فيه غلظة.و جبهته بالمكروه،إذا استقبلته به.
أقابل المخاطر وجها لوجه
(لا)أجابهها
و يقولون:أجابه المخاطر وجها لوجه.و الصّواب:
أقابل المخاطر وجها لوجه.فيستعملون«جابه»قياسا على عاين و واجه و شافه.و هذا لم يسمع عن العرب.
فلو صحّ أنّ المعنى المقصود بالمجابهة هو المقابلة جبهة لجبهة،لكان ذكرنا وجها لوجه حشوا سخيفا.فكيف به،و هو لا يصحّ؟!(معجم الأخطاء الشّائعة:54)
المصطفويّ: ظهر أنّ الأصل الواحد فيها:هو موضع السّجود من الرّأس،و قلنا في الجبن:أنّ ظهور الشّجاعة و تجلّي التّشخّص يكون في الجبهة،و بهذا الاعتبار يطلق على من كان موجّها و مقدّما من الأفراد أو من الجماعة،و يطلق أيضا على الخيل مطلقا،أو إذا كان في مقدّم الجماعة.و أمّا قولهم:جبهت و أمثاله،فمن الاشتقاق الانتزاعيّ.(2:52)
يَوْمَ يُحْمى عَلَيْها فِي نارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوى بِها جِباهُهُمْ وَ جُنُوبُهُمْ وَ ظُهُورُهُمْ هذا ما كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ. التّوبة:35
ص: 21
الطّوسيّ: (جباههم)جمع جبهة،و هي صفحة أعلى الوجه فوق الحاجبين.و جبهه بالمكروه يجبهه جبها،إذا استقبله به.(5:248)
الميبديّ: خصّ المواضع الثّلاث من البدن،و هي الجبهة و الجنب و الظّهر بالكيّ،لأنّ البخيل إذا سأله السّائل زوى جبهته ثمّ أعرض عنه ثمّ وليه ظهره.
(4:133)
ابن عطيّة: قرأ قوم (جباهم) بالإدغام،و أشمّوها الضّمّ.(3:29)
أبو حيّان :خصّت هذه المواضع بالكيّ.قيل:لأنّه في الجبهة أشنع و في الجنب و الظّهر أوجع.و قيل:لأنّها مجوّفة فيصل إلى أجوافها الحرّ،بخلاف اليد و الرّجل.
(5:37)
أبو السّعود :لأنّ جمعهم لها و إمساكهم كان لطلب الوجاهة بالغنى و التّنعّم بالمطاعم الشّهيّة و الملابس البهيّة،أو لأنّهم ازورّوا عن السّائل و أعرضوا عنه و ولّوه ظهورهم،أو لأنّها أشرف الأعضاء الظّاهرة فإنّها المشتملة على الأعضاء الرّئيسة الّتي هي الدّماغ و القلب و الكبد،أو لأنّها أصول الجهات الّتي هي مقاديم البدن و مآخره و جنباه.(3:144)
نحوه البروسويّ.(3:418)
الكاشانيّ: إنّ الجباه كناية عن مقاديم البدن.
(2:340)
الآلوسيّ: [نحو ما تقدّم عن أبي السّعود و أضاف:]
و يبقى عليه نكتة الاقتصار على هذه الأربع من بين الجهات السّتّ،و تكلّف لها بعضهم بأنّ الكانز وقت الكنز لحذره من أن يطّلع عليه أحد يلتفت يمينا و شمالا و أماما و وراء،و لا يكاد ينظر إلى فوق أو يتخيّل أنّ أحدا يطّلع عليه من تحت،فلمّا كانت تلك الجهات الأربع مطمح نظره و مظنّة حذره دون الجهتين الأخريين اقتصر عليها دونهما،و هو مع ابتنائه على اعتبار الدّفن في الكنز في حيّز المنع،كما لا يخفى.
و قيل:إنّما خصّت هذه المواضع،لأنّ داخلها جوف بخلاف اليد و الرّجل،و فيه أنّ البطن كذلك،و في جمعه مع الظّاهر لطافة أيضا.
و قيل:لأنّ الجبهة محلّ الوسم لظهورها،و الجنب محلّ الألم،و الظّهر محلّ الحدود،لأنّ الدّاعي للكانز على الكنز و عدم الإنفاق خوف الفقر الّذي هو الموت الأحمر، حيث إنّه سبب للكدّ و عرق الجبين و الاضطراب يمينا و شمالا،و عدم استقرار الجنب لتحصيل المعاش مع خلوّ المتّصف به عمّا يستند إليه و يعوّل في المهمّات عليه، فلملاحظة الأمن من الكدّ و عرق الجبين تكوى جبهته، و لملاحظة الأمن من الاضطراب و الطّمع في استقرار الجنب يكوى جنبه،و لملاحظة استناد الظّهر و الاتّكال على ما يزعم أنّه الرّكن الأقوى و الوزر الأوقى يكوى ظهره،و قيل:غير ذلك،و هي أقوال يشبه بعضها بعضا، و اللّه تعالى أعلم بحقيقة الحال.(10:88)
الطّباطبائيّ: و لعلّ تخصيص الجباه و الجنوب و الظّهور،لأنّهم خضعوا لها،و هو السّجدة الّتي تكون بالجباه،و لاذوا إليها و اللّواذ بالجنوب،و اتّكئوا عليها و الاتّكاء بالظّهور،و قيل:غير ذلك،و اللّه أعلم.(9:252)
1-الأصل في هذه المادّة:الجبهة،و هي مستوى
ص: 22
ما بين الحاجبين إلى النّاصية،و الجمع جباه،يقال:جبهه يجبهه جبها،أي صكّ جبهته.و الجبه:شخوص الجبهة، و الأجبه:العريض الجبهة،يقال:رجل أجبه بيّن الجبه، أي واسع الجبهة حسنها،و امرأة جبهاء:عريضة الجبهة.
و فرس أجبه:شاخص الجبهة مرتفعها عن قصبة الأنف، و جبهة الفرس:ما تحت أذنيه و فوق عينيه.
و الجابه:الّذي يلقاك بوجهه أو بجبهته من الطّير و الوحش،و هو يتشاءم منه.
و الجبهة:سيّد القوم،و الجماعة من أعيان النّاس، يقال:جاءتنا جبهة من النّاس،و هي أيضا الرّجال الّذين يسعون في حمالة أو مغرم أو جبر فقير،لا يكاد أحد يردّهم،و تقول العرب في الرّجل الّذي يعطي في مثل هذه الحقوق:رحم اللّه فلانا،فقد كان يعطي في الجبهة.
و الجبهة:النّجم الّذي يقال له:جبهة الأسد،و هي أربعة أنجم ينزلها القمر.
و منه قولهم:جبه الرّجل يجبهه جبها،أي ردّه عن حاجته و استقبله بما يكره،و جبه فلانا:استقبله بكلام فيه غلظة،و هو من:جبهه جبها،أي صكّ جبهته.
و يقال أيضا:اجتبهت ماء كذا اجتباها،أي أنكرته و لم استمرئه،و ورد ماء له جبيهة،أي بعيد القعر،غليظ سقيه،شديد أمره،و جبه الماء جبها،أي ورده و ليست عليه قامة و لا أداة للاستسقاء.
2-و ليس منه:رجل جبّه،أي جبان،لأنّه مبدل من الهمز،نظير أرقت الماء و هرقته،و أصله جبّا؛يقال:
جبأت عن الأمر،أي هبته و ارتدعت عنه.
و كذلك التّجبية،فأصله«التّجبئة»،و هو أن يحمل رجل على دابّة فينكّس رأسه،أو يحمل رجلان عليها،و يجعل قفا أحدهما إلى قفا الآخر،و هذا لا ينقاس على الأصل،فاحتمل بعضهم له وجوها.
و قد تنبّه لذلك المدينيّ،فقال:«و القياس أن يقابل بين وجوههما،لأنّه مأخوذ من الجبهة.و ذكر صاحب (التّتمّة)أنّه يشبه أن يكون أصله الهمز،و أنّه (التّجبئة)،و هي الرّدع و الزّجر،يقال:جبأته فجبأ،أي ردعته فارتدع.و التّجبية أيضا:أن ينكّس رأسه، فيحتمل أنّ من فعل به ذلك نكّس رأسه استحياء، فسمّي ذلك الفعل تجبئة».
جاءت الجبهة مرّة واحدة،في سورة مدنيّة:و قد مضت.
يلاحظ أوّلا:قال الكاشانيّ:إنّ«الجباه»كناية عن مقاديم البدن،و لا شاهد له،بل إردافها ب«الجنوب و الظّهور»كالتّصريح بأنّ المراد بها معناها المشهور،و هو أعلى الوجه فوق الحاجبين إلى قصاص الشّعر،و هو أوفق بكونها علامة،كما سيأتي.
ثانيا:ذكروا لاختصاص المواضع الثّلاثة بالكيّ وجوها:
1-أنّ البخيل إذا سأله السّائل زوى عنه جبهته،ثمّ أعرض عنه بجنبه،ثمّ ولاّه ظهره،فتكوى بها هذه الأعضاء عقوبة لما صدر عنها.
2-أنّ الكيّ في الجبهة شنيع إذ يراه كلّ من نظر إليه، و في الجنب و الظّهر أوجع،لأنّهما مجوّفتان فيصل الحرّ إلى الجوف،بخلاف اليد و الرّجل و الجبهة.
3-أنّ الّذي يكنز الذّهب و الفضّة و الأموال
ص: 23
و لا ينفقها في سبيل اللّه إنّما يطلب بها الوجاهة و التّنعّم بالغنى،و بالمطاعم الشّهيّة و الملابس البهيّة،فتكوى جباههم لإزالة الوجاهة،و جنوبهم و ظهورهم لإزالة أثر تلك المطاعم و الملابس.
4-أنّها أشرف الأعضاء المشتملة على الأعضاء الرّئيسيّة الّتي هي الدّماغ و القلب و الكبد،و لأنّها أصول الجهات الأربع الّتي هي مقاديم البدن و مآخره و جنباه.
5-أنّ الّذي يكنزها لحذره من أن يطّلع عليه أحد يلتفت يمينا و شمالا،و أماما و وراء.
و لا يكاد ينظر إلى فوق،أو يتخيّل أنّ أحدا يطّلع عليه من تحت،فلمّا كانت تلك الجهات الأربع مطمح نظره و مظنّة حذره،دون الجهتين الآخرتين من الجهات السّتّ اقتصر عليها دونهما.
6-إنّ الجهة موضع الوسم لظهورها،و الجنب موضع الألم،و الظّهر موضع الحدود.
7-إنّ إمساكه عن إنفاقها نشأ عن خوفه الفقر الّذي هو الموت الأحمر،لأنّه سبب الكدّ و عرق الجبين، و الاضطراب يمينا و شمالا،و عدم استقرار الجنب لتحصيل المعاش،مع خلوّه عمّا يستند إليه ظهره، و يعوّل عليه في الملمّات،فتكوى بها جزاء لما يخافه من الكدّ و الاضطراب،و عدم الاعتماد في هذه الأعضاء.
8-لأنّهم خضعوا لتلك الأموال بالجباه،لاذوا إليها بالجنوب،و اتّكئوا عليها بالظّهور.
9-و هذه الوجوه متقاربة لا يخلو شيء منها من لطف،كما لا يخلو من ضعف.و يخطر بالبال وجه آخر:
و هو أنّ الكيّ في هذه الأعضاء للّذين يكنزون الذّهب و الفضّة كالعلامة لهؤلاء في جهنّم من بين أهلها،كما أنّ اللّون الأحمر على ظهر الماشية و رأسها و عقبها علامة لصاحبها،و قد جاء في الرّوايات علامات لكلّ طائفة من أهل النّار.فالكيّ عذاب و علامة لهم معا،و بذلك جمع اللّه لهم بين العذاب الجسمانيّ و الروحانيّ.
ثالثا: اَلَّذِينَ يَكْنِزُونَ في الآية عطف على صدر الآية: إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبارِ وَ الرُّهْبانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوالَ النّاسِ بِالْباطِلِ... التّوبة:34.
و لعلّها بيان و علّة لها بمنزلة الكبرى للصّغرى،أي إنّ هؤلاء الأحبار و الرّهبان من أظهر مصاديق الّذين يكنزون الذّهب و الفضّة،و هم باعتبار منصبهم الّذي يحاكي الزّهد و الإعراض عن الدّنيا يخفون الأموال الّتي اكتسبوها بالباطل،و يكنزونها ذهبا و فضّة لئلاّ يطّلع عليها أتباعهم،فينكشف سرّهم،و يظهر خبث باطنهم، و يعرف أهل ملّتهم دغلهم و حيلهم،فشخّصهم اللّه بهذه العلامات من بين أهل النّار،و قد وبّخهم تهكّما في ذيل الآيتين ب فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ الانشقاق:24، و فَذُوقُوا ما كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ التّوبة:35،و بذلك جمع لهم بين الألم الجسمانيّ و الألم الرّوحيّ مرّة أخرى.
رابعا:يبدو أنّ اختصاص هؤلاء بلفظ«الجباه»مرّة واحدة،في سورة مدنيّة-و المدينة موطن اليهود،و قد خصّ اللّه حوالي مائة من آيات سورة البقرة بهم-يكاد يكون إفشاء لسرّهم للمؤمنين و لأهل ملّتهم معا، ليجتنبوا دسائسهم،لاحظ«ح ب ر»،و«ر ه ب».
ص: 24
9 ألفاظ،12 مرّة:8 مكّيّة،4 مدنيّة
في 12 سورة:10 مكّيّة،2 مدنيّة
يجبى 1:1 اجتبينا 1:-1
اجتباه 3:2-1 اجتبيناهم 1:1
اجتباكم 1:-1 يجتبي 2:1-1
اجتبيتها 1:-1 يجتبيك 1:1
الجواب 1:1
الخليل :جبيت الخراج جباية،أي جمعته و حصّلته.و جبى المستقي الماء في الحوض جبيا و جبى.
[ثمّ استشهد بشعر]
و الجبى:محفر البئر.و الجبى:نثيلة البئر،و هي ترابها الّذي حولها.تراها من بعيد،تقول:أرى جبى بئر و جبى حوض.
و الجابية:حوض ضخم واسع،تشرب منه الإبل في مركوّ من الأرض.
و التّجبية:ركوع كركوع المصلّي.و التّجبية:أن يجبّى الرّجل على وجهه باركا.
و اجتبى الرّجل الرّجل،إذا قرّبه،قال اللّه تعالى:
فَاجْتَباهُ رَبُّهُ القلم:50،أي:قرّبه.(6:192)
الأخفش الأكبر:الإجباء:بيع الحرث قبل صلاحه.
(الأزهريّ 11:214)
الكسائيّ: يقال منه:جبيت الماء في الحوض أجبيه جبى،مقصور.(الأزهريّ 11:214)
جبيت الماء في الحوض و جبوته،أي جمعته.
(الجوهريّ 6:2297)
أبو زيد :الجابية:الحوض.(63)
الأصمعيّ: الجبا،مقصور:ما حول البئر و الجبا بكسر الجيم:ما جمعت في الحوض من الماء،و يقال له أيضا:جبوة و جباوة.(الأزهريّ 11:214)
نحوه القاليّ.(2:248)
ص: 25
ابن الأعرابيّ: العرب تقول:«إذا جاءت السّنة جاء معها الجابي و الحابي»فالجابي:الجراد،و الحابي:
الذّئب،و لم يهمزهما.(الأزهريّ 11:214)
الجبى:أن يتقدّم السّاقي للإبل قبل ورودها بيوم فيجبي لها الماء في الحوض،ثمّ يوردها من الغد.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 7:511)
أبو عبيد: الإجباء:بيع الحرث قبل أن يبدو صلاحه،و قيل:«من أجبى فقد أربى»أي من عيّن فقد أربى.(الأزهريّ 11:215)
في حديث ابن مسعود في ذكر القيامة حين ينفخ في الصّور،قال:«فيقومون فيجبّون تجبية رجل واحد قياما لربّ العالمين».
التّجبية تكون في حالين:أحدهما:أن يضع يديه على ركبتيه و هو قائم،و الآخر:أن ينكبّ على وجهه باركا،و هو السّجود.(الجوهريّ 6:2298)
ابن السّكّيت: المقراة:الحوض العظيم يقرى فيه الماء،أي يجمع،و هي الجابية.يقال:قريت الماء،أي جمعته و جبيته أيضا مثله،و منه قول اللّه تعالى: وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ سبأ:13.(الأضداد:173)
شمر: جبيت أجبي جيبا،و جبوت أجبو جبوا و جباية و جباوة.و الجابي:الجراد.[ثمّ استشهد بشعر]
(الأزهريّ 11:214)
الدّينوريّ: الجبايا:الرّكايا الّتي تحفر و تنصب فيها قضبان الكرم.(ابن سيده 7:511)
ابن أبي اليمان :و الاجتباء:الاختيار،قال اللّه جلّ ثناؤه: فَاجْتَباهُ رَبُّهُ القلم:50.(49) المبرّد: سمعت أعرابيّة تنشد:
نفى الذّمّ عن رهط المحلّق جفنة
كجابية الشّيخ العراقيّ تفهق
«جابية السّبح»تريد النّهر الّذي يجري على جابيته،فماؤها لا ينقطع لأنّ النّهر يمدّه.(1:4)
ابن دريد :جبى الخراج يجبيه و يجباه جبيا و جباية.
و الجبى:الحوض الّذي يجبى فيه الماء،أي يجمع، و الماء الّذي يجبى فيه الجبى.[ثمّ استشهد بشعر]
و الجبى:ما حول البئر،لغة يمانيّة،و يجمع:أجباء، و الجباء:الماء الّذي يجتمع بعينه.و الجابية:الحوض العظيم.[ثمّ استشهد بشعر](3:199)
نفطويه: الجوابي:جمع الجابية،و هي حفيرة كالحوض و نحوه.(الهرويّ 1:316)
ابن الأنباريّ: [الجبى]هو جمع جبية.و الجبى:
ما حول الحوض يكتب بالياء.و الجبا:موضع.
(الأزهريّ 11:214)
القاليّ: الجابية:الحوض الّذي يجبى فيه الماء،أي يجمع،و جمعها:جواب،قال اللّه عزّ و جلّ: وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ سبأ:13.(2:300)
الأزهريّ: [بعد نقل كلام الأصمعيّ قال:]
الجبى:ما جمع في الحوض من الماء الّذي يستقى من البئر.
جباية الخراج:جمعه و تحصيله،مأخوذة منه.
(11:214،215)
الصّاحب:جبى الخراج يجبي جباية و جبية،و يجبو
ص: 26
جباوة و يجباه.
و جبى المستقي يجبي جبيا في الحوض،و يجبو جبوا و جبيا و جباوة و جبية.
و الجبى:محفر البئر تراه من بعيد،و الجميع:الأجباء.
و الجابية:حوض ضخم واسع،تشرب منه الإبل.
و الجباة-غير مهموز-من الأرض:ما تطامن منها، و الجميع:جبى.و جبّى يجبّي،إذا ركع.و التّجبية:أن تضع يديك على ركبتيك و أنت قائم،و أن يجبّى باركا على وجهه.
و المجبّي:الملحّ في الجري المسرع.
و لعبة للعرب تسمّى:جبّى جعل.و جعل:اسم رجل.
(7:198)
الجوهريّ: الجبا بالفتح،مقصور:نثيلة البئر،و هي ترابها الّذي حولها تراه من بعيد،و منه:امرأة جبأى على «فعلى»مثال و حمى،إذا كانت قائمة الثّديين.
و الجبى بالكسر،مقصورا:الماء المجموع في الحوض للإبل،و كذلك الجبوة و الجباوة.
و الجابية:الحوض الّذي يجبى فيه الماء للإبل.[ثمّ استشهد بشعر]
و الجمع:الجوابي،و منه قوله تعالى: وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ سبأ:13.
و الجابية:مدينة بالشّام.
و جبيت الخراج جباية و جبوته جباوة،و لا يهمز، و أصله الهمز.
و الإجباء:بيع الزّرع قبل أن يبدو صلاحه،و في الحديث:«من أجبى فقد أربى»و أصله الهمز.
و التّجبية:أن يقوم الإنسان قيام الرّاكع.(6:2297)
ابن فارس: الجيم و الباء و ما بعده من المعتلّ أصل واحد،يدلّ على جمع الشّيء و التّجمّع،يقال:جبيت المال أجبيه جباية،و جبيت الماء في الحوض.و الحوض نفسه:جابية.[ثمّ استشهد بشعر]
و الجبا،مقصور:ما حول البئر.و الجبا بكسر الجيم:
ما جمع من الماء في الحوض أو غيره،و يقال له:جبوة و جباوة.(1:503)
الهرويّ: وَ اجْتَبَيْناهُمْ أي اخترناهم،مأخوذ من:جبيت الماء في الحوض،إذا جمعته.و يقال:جبيت المال،إذا حصّلته لنفسك.
يقال:و الجبا:مفتوح الجيم:ما حول البئر،و منه الحديث:«قعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على جباها،فسقينا و استقينا».
و الجبا،بالكسر:ما جمعت فيه من الماء.
و في حديث سعد:«نبطيّ في جبوته»
و يقال:جبيت الخراج و جبوته،و هو حسن الجبية و الجبوة.[ثمّ نقل قول أبي عبيد في معنى التّجبية و أضاف:]
و قد حمله بعض النّاس على قوله:«فيخرّون سجودا لربّ العالمين»فجعل السّجود هو التّجبية.(1:316)
الشّريف المرتضى:الإجباء في اللّغة العربيّة:هو أن يباع الزّرع قبل أن يبدو صلاحه،يقال:أجبى الرّجل يجبي إجباء،إذا فعل ذلك.
فمعنى ما روي عنه عليه السّلام«من أجبى فقد أربى»أنّ من باع الزّرع قبل أن يبدو صلاحه-و قد نهى عن ذلك
ص: 27
و حظر عليه-يجري مجرى من أربى،لأنّه فاعل لمعصية محظورة عليه،و إن لم يكن بيع ما لم يبد صلاحه ربا في الحقيقة و لا معناه،غير أنّه جار مجراه في الحظر و المعصية، و جار مجرى قول القائل:«من زنى فقد سرق»أي هو عاص مخالف للّه تعالى،كما أنّ ذاك بهذه الحال.
(2:398)
ابن سيده: جبيت الخراج جباية،و جباوة،الأخير نادر.
و جبيته من القوم،و جبيته القوم.[ثمّ استشهد بشعر]
و جبى الماء في الحوض جبيا،و جبى،و جبى:جمعه.
و حكى سيبويه:جبى يجبى،و هي عنده ضعيفة.
و الجبى:محفر البئر.
و الجبى:شفة البئر،عن أبي ليلى.
و الجابية:الحوض الضّخم.[ثمّ استشهد بشعر]
و جبّى الرّجل:وضع يديه على ركبتيه في الصّلاة أو على الأرض،و هو أيضا انكبابه على وجهه.[ثمّ استشهد بشعر]
و اجتبى الشّيء:اختاره،و قوله تعالى: قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها الأعراف:203،معناه عند ثعلب:جئت بها من نفسك.
و الإجباء:بيع الزّرع قبل أن يبدو صلاحه.
و الجابية:جماعة القوم.[ثمّ استشهد بشعر]
و الجابي:الجراد الّذي يجبي كلّ شيء.[ثمّ استشهد بشعر]
و باب الجابية:بدمشق.
و إنّما قضينا أنّ هذا كلّه من الياء لظهور الياء،و لأنّها لام،و اللاّم ياء أكثر منها واوا.(7:511)
الرّاغب: يقال:جبيت الماء في الحوض:جمعته، و الحوض الجامع له:جابية،و جمعها:جواب،قال اللّه تعالى: وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ سبأ:13،و منه استعير جبيت الخراج جباية،و منه قوله تعالى: يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ القصص:57.
و الاجتباء:الجمع على طريق الاصطفاء،قال عزّ و جلّ: فَاجْتَباهُ رَبُّهُ القلم:50،و قال تعالى:
وَ إِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها الأعراف:
203،أي يقولون:هلاّ جمعتها،تعريضا منهم بأنّك تخترع هذه الآيات و ليست من اللّه.
و اجتباء اللّه العبد:تخصيصه إيّاه بفيض إلهيّ، يتحصّل له منه أنواع من النّعم،بلا سعي من العبد،و ذلك للأنبياء و بعض من يقاربهم من الصّدّيقين و الشّهداء.
[ثمّ ذكر الآيات](87)
الزّمخشريّ: جبى الخراج جباية:جمعه يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ القصص:57،و جبى الماء في الحوض،و اسقوني من جبى حوضكم.
و لفلان قدر كالخابية،و جفنة كالجابية وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ سبأ:13.
و جبّى تجبية،إذا ركع،و فلان لا يجبّى:لا يصلّي.
و من المجاز:فلان يجتبي جبي المجد،أي يقوم بالمجد، و يجمعه لنفسه.[ثمّ استشهد بشعر]
و اجتباه:اختاره،مستعار منه،لأنّ من جمع شيئا لنفسه فقد اختصّه و اصطفاه،و هو من جبوة اللّه
ص: 28
و صفوته.(أساس البلاغة:51)
[ذكر حديث ابن مسعود المتقدّم عن أبي عبيد و أضاف:]
قيل لكلّ واحد من الرّاكع و السّاجد:مجبّ،لأنّه يجمع بانحنائه بين أسفل بطنه و أعالي فخذيه.
(الفائق 1:187)
المدينيّ: في حديث الحديبيّة:«فقعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم على جباها»الجبا مقصور:ما حول البئر،و الجبا:
الماء،و الحوض الّذي فيه الماء.و الجبى بالكسر:
ما جمعت فيه من الماء،و القياس الفتح أيضا.
و في حديث جابر:«كانت اليهود تقول:إذا نكح الرّجل امرأته مجبّية جاء الولد أحول»التّجبية:أن يأتيها من خلفها،من قولهم:جبّى الرّجل،إذا أكبّ على وجهه، و جبّى يجبّى إذا ركع،أو وضع يديه على ركبتيه قائما أو باركا.(1:295)
ابن برّيّ: جبيت الخراج و جبوته،لا أصل له في الهمز سماعا و قياسا.أمّا السّماع فلكونه لم يسمع فيه الهمز،و أمّا القياس فلأنّه من«جبيت»أي جمعت و حصّلت،و منه:جبيت الماء في الحوض و جبوته.
و الجابي:الّذي يجمع المال (1)للإبل،و الجباوة:اسم الماء المجموع.
الجبا بالفتح:الحوض،و الجبا بالكسر:الماء.[ثمّ استشهد بشعر](ابن منظور 14:128،129)
ابن الأثير: و في حديث ثقيف:«أنّهم اشترطوا ألاّ يعشروا و لا يحشروا و لا يجبّوا،فقال:لكم ألاّ تعشروا، و لا تحشروا،و لا خير في دين ليس فيه ركوع».
أصل التّجبية:أن يقوم الإنسان قيام الرّاكع،و قيل:
هو أن يضع يديه على ركبتيه و هو قائم،و قيل:هو السّجود.و المراد بقولهم:«لا يجبّوا»أنّهم لا يصلّون.
و لفظ الحديث يدلّ على الرّكوع،لقوله في جوابهم:
و لا خير في دين ليس فيه ركوع،فسمّى الصّلاة ركوعا، لأنّه بعضها.
و منه حديث الرّؤيا:«فإذ أنا بتلّ أسود عليه قوم مجبّون ينفخ في أدبارهم بالنّار».و في حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه:«كيف أنتم إذا لم تجتبوا دينارا و لا درهما».
الاجتباء:«افتعال»من الجباية،و هو استخراج الأموال من مظانّها.
و منه حديث سعد رضي اللّه عنه:«نبطيّ في جبوته» الجبوة و الجبية:الحالة من جبي الخراج و استيفائه.
و فيه:«إنّه اجتباه لنفسه»أي اختاره و اصطفاه.
(1:238)
الفيّوميّ: جبيت المال و الخراج أجبيه جباية:
جمعته،و جبوته أجبوه جباوة مثله.(1:91)
الفيروزآباديّ: جبى الخراج كرمى و سعى جباية و جباوة بكسرهما،و القوم و منهم،و الماء في الحوض جبا مثلّثة و جبيا:جمعه.
و الجبا كالعصا:محفر البئر و شفتها،و أن يتقدّم ساقي الإبل بيوم قبل ورودها فيجبي لها ماء في الحوض ثمّ يوردها.
و الجابية:حوض ضخم،و الجماعة،و قرية بدمشق، و باب الجابية من أبوابها.ء.
ص: 29
و الجابي:الجراد.
و الجبايا:الرّكايا تحفر و تنصب فيها قضبان الكرم.
و اجتباه:اختاره.
و جبّى تجبية:وضع يديه على ركبتيه أو على الأرض،و انكبّ على وجهه.
و الإجباء:أن يغيّب الرّجل إبله عن المصدّق،و بيع الزّرع قبل بدوّ صلاحه.
و التّجبية:أن تقوم قيام الرّاكع.
و جبا كسعى و رمى جبوة و جبا و جباوة و جباية بكسرهنّ،و جبا و الجباوة و الجبوة و الجباة و الجبا بكسرهنّ و الجباوة:ما جمع في الحوض من ماء.
و الجبا:الحوض،أو مقام من يستقي على الطّيّ، و ما حول البئر،الجمع:أجباء.(4:312)
مجمع اللّغة :جبى الماء و الخراج يجبيه جبيا و جباية:جمعه.
و اجتبى الشّيء:افتعله و اخترعه.
و اجتبى الشّخص:استخلصه و اصطفاه.
و يقال:للحوض الّذي يجمع فيه الماء:جابية، و جمعه:جواب.(1:181)
نحوه محمّد إسماعيل إبراهيم.(1:101)
محمود شيت:الجابي:الموظّف الّذي يجبي المال من العسكريّين،يقال:جابي دار الضّبّاط،جابي جمعيّة مساكن الضّبّاط.
الجابية:حوض سقي الدّوابّ،يقال:جابية المعسكر.
الجابية السّفريّة:الجابية الّتي تستعمل في معسكرات العراء في التّدريب،أو في المراحل.
(1:138)
المصطفويّ: و الظّاهر من موارد الاستعمال أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الجمع بقيد الانتخاب و الاستخراج و إطلاق هذه المادّة إذا أريد منها هذا القيد، فيقال:جبيت الخراج،إذا حصّلته و أخرجته من أموالهم.و جبيت المال،إذا استخرجته و جمعته من الأموال و تراب حول البئر،باعتبار استخراجه من البئر.
و الجبا هو الماء الّذي يجمع و يستحصل من المياه،و هكذا نظائرها.
و أمّا الاجتباء:فمعناه الجبي بإضافة خصوصيّة الصّيغة،فإنّها تدلّ على الدّقّة و الامتياز الخاصّ.[ثمّ ذكر الآيات](2:53)
...أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً... القصص:57
ابن عبّاس: يحمل إليه ألوان كلّ شيء من الثّمرات.(328)
أي يجمع إليه ثمرات كلّ أرض و بلد.
(القرطبيّ 13:300)
نحوه الماورديّ(4:260)،و الطّبرسيّ(4:260)
الفرّاء: ذكّرت(يجبى)و إن كانت«الثّمرات»مؤنّثة لأنّك فرّقت بينهما ب(إليه).[ثمّ استشهد بشعر](2:308)
ص: 30
أبو عبيدة: مجازه يجمع كما يجبى الماء في الجابية فيجمع للواردة.(2:108)
الطّبريّ: يجمع إليه و هو من قولهم:جبيت الماء في الحوض،إذا جمعته فيه،و إنّما أريد بذلك:يحمل إليه ثمرات كلّ بلد.(20:94)
أبو زرعة: قرأ نافع: (تجبى إليه) بالتّاء،لتأنيث الثّمرات.و قرأ الباقون بالياء،لأنّ تأنيث الثّمرات غير حقيقيّ،فإذا كان كذلك كان بمنزلة الوعظ و الموعظة إذا ذكّرت جاز،و كذلك إذا أنّثت.(548)
الطّوسيّ: أي يجلب إلى هذا الّذي جعلناه حرما ثمرات كلّ شيء.فمن قرأ بالتّاء فلتأنيث الثّمرات،و من قرأ بالياء،فلأنّ التّأنيث غير حقيقيّ.(8:165)
البغويّ: قرأ أهل المدينة (تجبى) بالتّاء لأجل الثّمرات،و الآخر بالياء للحائل بين الاسم المؤنّث و الفعل،أي يجلب و يجمع.(3:540)
الزّمخشريّ: تجلب و تجمع.قرئ بالياء و التّاء، و قرئ (تجنى) بالنّون من الجني،و تعديته ب«إلى»كقوله:
يجنى إلى فيه و يجنى إلى الخافة.(3:185)
نحوه ابن عطيّة(4:293)،و النّسفيّ(3:241).
الفخر الرّازيّ: يجمع،من قولهم:جبيت الماء في الحوض،إذا جمعته.قرأ أهل المدينة (تجبى) بالتّاء،و أهل الكوفة و أبو عمرو بالياء،و ذلك أنّ تأنيث«الثّمرات» تأنيث جمع و ليس بتأنيث حقيقيّ،فيجوز تأنيثه على اللّفظ و تذكيره على المعنى.(25:3)
البيضاويّ: يحمل إليه و يجمع فيه...(2:197)
نحوه الشّربينيّ(3:110)،و أبو السّعود(5:130)، و الكاشانيّ(4:98).
البروسويّ: يحمل إلى ذلك الحرم و يجمع فيه،من قولك:جبيت الماء في الحوض،أي جمعته،و الحوض الجامع له:جابية.(6:417)
نحوه الآلوسيّ.(20:97)
عبد الكريم الخطيب :تحمل إليهم ممّا في أيديها من ثمرات و خيرات،كما تحمل إليهم ممّا في قلوبها من توقير و تكريم.(10:367)
مكارم الشّيرازيّ: اللّه الّذي جعل هذه الأرض المالحة و المليئة بالصّخور و الخالية من الأشجار و الأنهار، جعلها حرما تهفو إليه القلوب،و يؤتى إليه بالثّمرات من مختلف نقاط العالم،كلّ ذلك بيد قدرته القاهرة.
(12:240)
1- شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَ هَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ. النّحل:121
ابن عبّاس: اصطفاه بالنّبوّة و الإسلام.(232)
أبو عبيدة :اختاره.(1:369)
نحوه القمّيّ(1:391)،و الواحديّ(3:90)، و البغويّ(3:101)،و القرطبيّ(10:198).
الطّبريّ: اصطفاه و اختاره لخلّته.(14:191)
نحوه الطّوسيّ(6:438)،و ابن كثير(4:234)، و الميبدىّ(5:468)،و طه الدّرّة(7:544).
الزّمخشريّ: اختصّه و اصطفاه للنّبوّة.(2:434) مثله النّسفيّ(2:304)،و النّيسابوريّ(14:129)،
ص: 31
و نحوه شبّر(3:455)،و القاسميّ(10:3875).
ابن عطيّة: تخيّره.(3:431)
الفخر الرّازيّ: أي اصطفاه للنّبوّة.و الاجتباء هو أن تأخذ الشّيء بالكلّيّة،و هو«افتعال»من جبيت، و أصله:جمع الماء في الحوض،و الجابية هي الحوض.
(20:135)
العكبريّ: يجوز أن يكون حالا،و«قد»معه مرادة،و أن يكون خبرا ثانيا ل(إنّ)و أن يكون مستأنفا.
(2:809)
الشّربينيّ: أي اصطفاه للنّبوّة،و اختاره لخلقه.
(2:269)
نحوه شبّر.(3:455)
البروسويّ: اختاره للنّبوّة.(5:94)
نحوه المراغيّ.(14:158)
الآلوسيّ: أصل الاجتباء:الجمع على طريق الاصطفاء،و يطلق على تخصيص اللّه تعالى العبد بفيض إلهيّ،يتحصّل له منه أنواع من النّعم بلا سعي منه، و يكون للأنبياء عليهم السّلام و من يقاربهم.(14:250)
الطّباطبائيّ: الاجتباء من الجباية،و هو الجمع، و اجتباء اللّه الإنسان هو إخلاصه لنفسه،و جمعه من التّفرّق في المذاهب المختلفة.(12:368)
عبد الكريم الخطيب :أي و كان شاكرا لأنعم ربّه إذ اجتباه ربّه،أي اصطفاه لرسالته،و أخرجه من عالم الكفر المتكاثف حوله،و هداه إلى الحقّ و الخير و الإيمان.
(7:392)
2- ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى. طه:122
ابن عبّاس: اصطفاه.(267)
الفرّاء: اختاره.(2:194)
ابن قتيبة :ليس الاجتباء الاختيار،تقول العرب:اجتبت فلانا إلى مودّتي،و فلان يجتبي فلانا إلى نفسه،إذا قرّبه و أدناه،فمعنى اجتباه ربّه قرّبه إلى رحمته، و الدّليل على ذلك قوله: فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى.
(ابن أبي اليمان:50)
الطّبريّ: اصطفاه ربّه من بعد معصيته إيّاه،فرزقه الرّجوع إلى ما يرضى عنه،و العمل بطاعته.(16:224)
البغويّ: اختاره و اصطفاه.(3:278)
مثله الميبديّ(6:184)،و ابن عطيّة(4:68)، و الشّربينيّ(2:489)،و فضل اللّه(15:167).
الزّمخشريّ: فإن قلت:ما معنى ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ ؟ قلت:ثمّ قبله بعد التّوبة و قرّبه إليه،من جبى إلى كذا فاجتبته.و نظيره:جليت على العروس فاجتليتها،و منه قوله عزّ و جلّ: وَ إِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها الأعراف:203،أي هلاّ جبيت إليك فاجتبيتها.و أصل الكلمة:الجمع،و يقولون:اجتبت الفرس نفسها،إذا اجتمعت نفسها راجعة بعد النّفار.(2:557)
الطّبرسيّ: أي اصطفاه اللّه تعالى و اختاره للرّسالة.
(4:34)
نحوه النّيسابوريّ.(16:166).
البيضاويّ: اصطفاه و قرّبه بالحمل على التّوبة و التّوفيق لها،من جبى إليّ كذا فاجتبيته،مثل جليت على
ص: 32
العروس فاجتليتها.و أصل معنى الكلمة:الجمع.(2:63) نحوه النّسفيّ(3:68)،و أبو حيّان(6:286)، و أبو السّعود(4:314)،و البروسويّ 5:439).
الآلوسيّ: [نحو البيضاويّ و أضاف:]
فالمجتبى كأنّه في الأصل من جمعت فيه المحاسن حتّى اختاره غيره و قرّبه.(16:275)
الطّباطبائيّ: بمعنى الجمع على طريق الاصطفاء، ففيه جمعه تعالى عبده لنفسه لا يشاركه فيه أحد،و جعله من المخلصين بفتح اللاّم.و على هذا المعنى يتفرّع عليه قوله: فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى كأنّه كان ذا أجزاء متفرّقة متشتّتة،فجمعها من هنا و هناك إلى مكان واحد،ثمّ تاب عليه و رجع إليه و هداه،و سلك به إلى نفسه.
(14:223)
3- فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحِينَ. القلم:50
ابن عبّاس: فاصطفاه ربّه بالتّوبة.(482)
ردّ اللّه إليه الوحي و شفعه في قومه.(أبو حيّان 8:317)
الطّبريّ: فاجتبى صاحب الحوت ربّه،يعني اصطفاه و اختاره لنبوّته.(29:45)
نحوه ابن عطيّة(5:354)،و القرطبيّ(18:254)
الطّوسيّ: اختار اللّه يونسا.(10:91)
الواحديّ: استخلصه و اصطفاه.(4:342)
الميبديّ: أي جدّدنا اجتباءه و أعدنا اصطفاءه بعد المحنة،كقوله في آدم: وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى* ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ طه:121،122.
و قيل: فَاجْتَباهُ رَبُّهُ أي اختاره لرسالته.(10:198)
الزّمخشريّ: فجمعه إليه و قرّبه بالتّوبة عليه،كما قال: ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى طه:122.
(4:148)
الطّبرسيّ: أي اختاره اللّه نبيّا.(5:341)
نحوه الشّربينيّ.(4:366)
البيضاويّ: بأن ردّ الوحي إليه،أو استنبأه،إن صحّ أنّه لم يكن نبيّا قبل هذه الواقعة.(2:498)
النّسفيّ: اصطفاه لدعائه و عذره.(4:284)
أبو السّعود :عطف على مقدّر،أي فتداركته نعمة من ربّه.[ثمّ قال نحو البيضاويّ](6:291)
الكاشانيّ: بأن ردّ إليه الولاية.(5:215)
البروسويّ: عطف على مقدّر،أي فتداركته نعمة و رحمة من ربّه،فجمعه إليه،و قرّبه بالتّوبة عليه بأن ردّ إليه الوحي،و أرسله إلى مائة ألف أو يزيدون.يقال:
جبيت الماء في الحوض:جمعته،الجامع له:جابية، و الاجتباء:الجمع على طريق الاصطفاء.
و قيل:استنبأه،إن صحّ أنّه لم يكن نبيّا قبل هذه الواقعة.
و من أنكر الكرامات و الإرهاص لا بدّ أن يختار القول الأوّل،لأنّ احتباسه في بطن الحوت و عدم موته هناك لمّا لم يكن إرهاصا و لا كرامة لا بدّ أن يكون معجزة؛ و ذلك يقتضي أن يكون رسولا قبل هذه الواقعة
(10:126)
نحوه الآلوسيّ(29:37)،و المراغيّ(29:47).
مكارم الشّيرازيّ: فقد حمّله اللّه مسئوليّة
ص: 33
قومه مرّة أخرى،و عاد إليه يبلّغهم رسالة ربّه،ممّا كانت نتيجته أن آمن قومه جميعا،و قد منّ اللّه تعالى عليهم بألطافه و نعمه و إفضاله لفترة طويلة.(18:511)
وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ... الحجّ:78
ابن عبّاس: اختاركم لدينه.(284)
نحوه ابن قتيبة(295)،و الزّجّاج(3:439)، و الماورديّ(4:42)،و الواحديّ(3:281)،و البغويّ (3:354)،و الطّبرسيّ(4:97).
ابن زيد :هو هداكم.(الطّبريّ 17:205)
الطّبريّ: هو اختاركم لدينه،و اصطفاكم لحرب أعدائه،و الجهاد في سبيله.(17:205)
الطّوسيّ: فالاجتباء هو اختيار الشّيء لما فيه من الصّلاح.و قيل:معناه اختاركم لدينه و جهاد أعدائه، و الحقّ يجتبى،و الباطل يتّقى.و لا بدّ أن يكون ذلك خطابا متوجّها إلى من اختاره اللّه بفعل الطّاعات،دون أن يكون ارتكب الكبائر الموبقات،و إن كان سبق منه جهاد في سبيل اللّه.(7:344)
الميبديّ: أي اختاركم لدينه و لجهاد عدوّه و نصرة نبيّه،و اختاركم من سائر الأمم.(6:406)
نحوه الزّمخشريّ.(3:24)
الفخر الرّازيّ: معناه أنّ التّكليف تشريف من اللّه تعالى للعبد،فلمّا خصّكم بهذا التّشريف فقد خصّكم بأعظم التّشريفات،و اختاركم لخدمته و الاشتغال بطاعته،فأيّ رتبة أعلى من هذا،و أيّ سعادة فوق هذا، و يحتمل في اجتبائكم:خصّكم بالهداية و المعونة و التّيسير.(23:73)
القرطبيّ: أي اختاركم للذّبّ عن دينه،و التزام أمره،و هذا تأكيد للأمر بالمجاهدة،أي وجب عليكم أن تجاهدوا،لأنّ اللّه اختاركم له.(12:100)
مثله طه الدّرّة.(9:269)
البيضاويّ: أي اختاركم لدينه و نصرته،و فيه تنبيه على المقتضي للجهاد و الدّاعي إليه.(2:101)
نحوه النّسفيّ(3:112)،و أبو السّعود(4:399)، و البروسويّ(6:64)،و النّيسابوريّ(17:124)
أبو حيّان :أي اختاركم لتحمّل تكليفاته،و في قوله:
(هو)تفخيم و اختصاص،أي هو لا غيره.(6:391)
الشّربينيّ: أي اختاركم لدينه و لنصرته،و جعل الرّسالة فيكم و الرّسول منكم،و جعله أشرف الرّسل و دينه أشرف الأديان،و كتابه أعظم الكتب،و جعلكم -لكونكم أتباعه-خير الأمم.(2:568)
نحوه المراغيّ.(17:148)
فضل اللّه :و اختاركم من بين خلقه لتكونوا الأمّة المرحومة الدّاعية المجاهدة،الّتي تحمل من خلال الرّسول محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم رسالة الإسلام للنّاس كافّة،و حمّلكم مسئوليّة ذلك،و تلك كرامة إلهيّة لا تفوقها كرامة، تفرض عليكم رعايتها و تحريكها في الاتّجاه الّذي يحبّه اللّه.(16:126)
ص: 34
وَ إِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ. الأعراف:203
ابن عبّاس: هلاّ تكلّفتها من اللّه،و يقال:تخلّقتها من تلقاء نفسك.(144)
لو لا تلقّيتها.
لو لا أحدثتها فأنشأتها.(الطّبريّ 9:161)
نحوه السّدّيّ(277)،و البغويّ(2:262).
لو لا تقبّلتها من اللّه.(الطّبريّ 9:161)
معناه اختلقتها،و اقتلعتها من قبل نفسك.
(الطّوسيّ 5:78)
مجاهد :لو لا اقتضبتها،قالوا:تخرجها من نفسك.
(الطّبريّ 9:161)
الضّحّاك: لو لا أخذتها أنت،فجئت بها من السّماء.
(الطّبريّ 9:161)
قتادة :أي لو لا أتيتنا بها من قبل نفسك.هذا قول كفّار قريش.
لو لا جئت بها من نفسك.
لو لا تلقّيتها من ربّك.(الطّبريّ 9:161)
ابن زيد :لو لا تقوّلتها،جئت بها من عندك.
(الطّبريّ 9:161)
الفرّاء: هلاّ اقتلعتها.و هو كلام العرب،جائز أن يقال:اختار الشّيء،و هذا اختياره.(1:402)
اجتبيت الكلام و اختلقته و ارتجلته،إذا افتعلته من قبل نفسك.(الطّبريّ 9:161)
الطّبريّ: هلاّ اخترتها و اصطفيتها،من قول اللّه تعالى: وَ لكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ آل عمران:179،يعني:يختار و يصطفي.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في تأويل ذلك،فقال بعضهم:معناه هلاّ افتعلتها من قبل نفسك و اختلقتها؟ بمعنى هلاّ اجتبيتها اختلاقا؟كما تقول العرب:لقد اختار فلان هذا الأمر،و تخيّره اختلاقا.
و قال آخرون:معنى ذلك:هلاّ أخذتها من ربّك، و تقبّلتها منه.
و أولى التّأويلين بالصّواب في ذلك،تأويل من قال تأويله:هلاّ أحدثتها من نفسك،لدلالة قول اللّه: ...قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ...، يبيّن ذلك أنّ اللّه إنّما أمر نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم بأن يجيبهم بالخبر عن نفسه،أنّه إنّما يتّبع ما ينزل عليه ربّه،و يوحيه إليه،لا أنّه يحدث من قبل نفسه قولا،و ينشئه،فيدعو النّاس إليه.(9:160)
الزّجّاج: أي هلاّ اختلقتها،أي هلاّ أتيت بها من نفسك،فأعلمهم صلّى اللّه عليه و سلّم أنّ الآيات من قبل اللّه جلّ ثناؤه.
(2:397)
نحوه الخازن.(2:271)
الماورديّ: هلاّ اخترتها لنفسك.(2:290)
الميبديّ: أي هلاّ تقوّلتها من نفسك،و اخترعتها من عندك.تقول:اجتبيت الشّيء و اخترعته و اختلقته، بمعنى.(3:826)
الزّمخشريّ: هلاّ اجتمعتها افتعالا من عند نفسك، لأنّهم كانوا يقولون: ما هذا إِلاّ إِفْكٌ مُفْتَرىً سبأ:
ص: 35
43،أو هلاّ أخذتها منزلة عليك مقترحة.(2:139)
ابن عطيّة: و معنى اللّفظة في كلام العرب:تخيّرتها و اصطفيتها.و قال ابن عبّاس و قتادة و مجاهد و ابن زيد و غيرهم:المراد بهذه اللّفظة:هلاّ اخترتها و اختلقتها من قبلك و من عند نفسك.
و المعنى أنّ كلامك كلّه كذلك على ما كانت قريش تزعمه.و قال ابن عبّاس أيضا و الضّحّاك:المراد:هلاّ تلقّيتها من اللّه و تخيّرتها عليه؛إذ تزعم أنّك نبيّ و أنّ منزلتك عنده منزلة الرّسالة،فأمره اللّه عزّ و جلّ أن يجيب بالتّسليم للّه تعالى،و أنّ الأمر في الوحي إليه ينزله متى شاء،لا معقّب لحكمه في ذلك.(2:493)
الفخر الرّازيّ: [نحو الفرّاء و ابن زيد ثمّ قال:]
لأنّهم كانوا يقولون:إن هذا إلاّ إفك مفترى،أو يقال:هلاّ اقترحتها على إلهك و معبودك إن كنت صادقا في أنّ اللّه يقبل دعاءك و يجيب التماسك،و عند هذا أمر رسوله أن يذكر الجواب الشّافي،و هو قوله: قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي. (15:101)
نحوه النّيسابوريّ.(9:111)
البيضاويّ: هلاّ جمعتها تقوّلا من نفسك كسائر ما تقرؤه،أو هلاّ طلبتها من اللّه.(1:382)
نحوه النّسفيّ(2:92)،و الشّربينيّ(1:549)، و أبو السّعود(3:71)و الكاشانيّ(2:261).
الآلوسيّ: [نحو الزّمخشريّ ثمّ أضاف:]
و ممّا ذكرنا يعلم أنّ ل«اجتبى»معنيين:جمع و أخذ، و يختلف المراد حسب الاختلاف في تفسير الآية.[ثمّ ذكر اختلاف اللّغويّين في أصله و قال:]
و من جعل الأصل شيئا لا ينكر الاستعمال في الآخر مجازا،كما لا يخفى.(9:149)
الطّباطبائيّ: كلام منهم جار مجرى التّهكّم و السّخريّة،و المعنى على ما يعطيه السّياق:أنّك إذا أتيتهم بآية كذّبوا بها،و إذا لم تأتهم بآية كما لو أبطأت فيها قالوا:لو لا اجتبيت ما تسمّيه آية و جمعتها من هنا و هناك فأتيت بها.(8:382)
...وَ اجْتَبَيْناهُمْ وَ هَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ.
الأنعام:87
مجاهد :أخلصناهم.(الطّبريّ 7:262)
أبو عبيدة :أي اخترناهم،يقال:اجتبى فلان كذا لنفسه،أي اختار.(1:200)
نحوه الطّوسيّ.(4:212)
الطّبريّ: و اخترناهم لديننا و بلاغ رسالتنا إلى من أرسلناهم إليه،كالّذي اخترنا ممّن سمّينا،يقال منه:
اجتبى فلان لنفسه كذا،إذا اختاره و اصطفاه،يجتبيه اجتباء.(7:262)
الزّجّاج: مثل اخترناهم،و هو مأخوذ من جبيت الماء في الحوض،إذا جمعته.(2:269)
القمّيّ: أي اختبرناهم.(1:209)
البغويّ: اخترناهم و اصطفيناهم.(2:142)
مثله الخازن.(2:129)
الميبديّ: أي استخلصناهم بالنّبوّة.(3:416)
ابن عطيّة: معناه تخيّرناهم و أرشدناهم
ص: 36
و ضممناهم إلى خاصّتنا،و أرشدناهم إلى الإيمان و الفوز برضى اللّه تعالى.(2:318)
الفخر الرّازيّ: يفيد النّبوّة،لأنّ الاجتباء إذا ذكر في حقّ الأنبياء عليهم السّلام لا يليق به إلاّ الحمل على النّبوّة و الرّسالة.(13:67)
الطّباطبائيّ: [نقل قول الرّاغب في اللّغة ثمّ قال:]
و الّذي ذكره من معنى الاجتباء،و إن كان كذلك على ما يفيده موارد وقوعه في كلامه تعالى،لكنّه لازم المعنى الأصليّ بحسب انطباقه على صنعه فيهم.و الّذي يعطيه سياق الآيات أنّ العناية تعلّقت بمعنى الكلمة الأصليّ،و هو الجمع من مواضع و أمكنة مختلفة متشتّتة، فيكون تمهيدا لما يذكر بعده من الهداية إلى صراط مستقيم،كأنّه يقول:و جمعناهم على تفرّقهم حتّى إذا اجتمعوا و انضمّ بعضهم إلى بعض،هديناهم جميعا إلى صراط كذا و كذا.(7:247)
و بهذا المعنى جاء قوله: اَللّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ... الشّورى:13،و قوله: وَ مِمَّنْ هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا... مريم:58.
1- ...وَ ما كانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَ لكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ... آل عمران:179
مجاهد :يخلصهم لنفسه.(الطّبريّ 4:188)
أبو عبيدة :يختار.(1:109)
الزّجّاج: سببه أنّ قوما قالوا:هلاّ جعلنا اللّه أنبياء؟ فأخبر اللّه تعالى أنّه يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ، و(من)في الآية لتبيين الصّفة لا للتّبعيض،لأنّ الأنبياء كلّهم مجتبون.(الطّوسيّ 3:63)
الواحديّ: أي يختار لمعرفة ذلك.(1:526)
نحوه الميبديّ.(2:362)
الزّمخشريّ: فيخبره ببعض المغيبات فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ آل عمران:179،بأن تقدّروه حقّ قدره، و تعلموه وحده مطلعا على الغيوب،و أن تنزلوهم منازلهم بأن تعلموهم عبادا مجتبين لا يعلمون إلاّ ما علّمهم اللّه،و لا يخبرون إلاّ بما أخبرهم اللّه به من الغيوب،و ليسوا من علم الغيب في شيء.(1:483)
ابن عطيّة: معناه:يختار و يصطفي،و هي من جبيت الماء و المال.(1:546)
نحوه أبو حيّان.(3:126)
الطّبرسيّ: أي يختار من يشاء فيطلعه على الغيب، أي يوقفه على علم الغيب و يعرّفه إيّاه.(1:545)
الفخر الرّازيّ: أي و لكنّ اللّه يصطفي من رسله من يشاء،فخصّهم بإعلامهم أنّ هذا مؤمن و هذا منافق.
و يحتمل:و لكنّ اللّه يجتبي من رسله من يشاء فيمتحن خلقه بالشّرائع على أيديهم حتّى يتميّز الفريقان بالامتحان،و يحتمل أيضا أن يكون المعنى:و ما كان اللّه ليجعلكم كلّكم عالمين بالغيب،من حيث يعلم الرّسول حتّى تصيروا مستغنين عن الرّسول،بل اللّه يخصّ من يشاء من عباده بالرّسالة،ثمّ يكلّف الباقين طاعة هؤلاء الرّسل.(9:111)
أبو السّعود :و التّعرّض للاجتباء للإيذان بأنّ الوقوف على أمثال تلك الأسرار الغيبيّة لا يتأتّى إلاّ ممّن
ص: 37
رشّحه اللّه تعالى لمنصب جليل،تقاصرت عنه همم الأمم،و اصطفاه على الجماهير لإرشادهم.
و تعميم الاجتباء لسائر الرّسل عليهم السّلام،للدّلالة على أنّ شأنه عليه السّلام في هذا الباب أمر متين،له أصل أصيل جار على سنّة اللّه تعالى المسلوكة فيما بين الرّسل الخالية عليهم السّلام.
(2:71)
نحوه الآلوسيّ(4:138)،و المراغيّ(4:143).
حسنين مخلوف:من الاجتباء بمعنى الاختيار.
و اجتباء اللّه العبد:تخصيصه إيّاه بفيض إلهيّ،يحصل له منه أنواع من النّعم بلا كسب منه.(1:134)
مكارم الشّيرازيّ: أي أنّه يختار في كلّ عصر من بين أنبيائه من يطلعهم على شيء من تلك الغيوب، و يوقفهم على بعض الأسرار،بحكم احتياج القيادة الرّساليّة إلى ذلك.(3:20)
نحوه فضل اللّه.(6:408)
وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ. يوسف:6
عكرمة :يصطفيك.(الطّبريّ 12:153)
نحوه الطّبريّ.(12:153)
الحسن :بالنّبوّة.(الماورديّ 3:8)
مقاتل:بالسّجود لك.(القرطبيّ 9:138)
الفرّاء: جواب لقوله: إِنِّي رَأَيْتُ أَحَدَ عَشَرَ كَوْكَباً يوسف:4،[إلى أن قال:]و(يجتبيك):
يصطفيك.(2:36)
أبو عبيدة:أي يختارك.(1:302)
نحوه ابن قتيبة.(212)
الزّجّاج: معناه يختارك و يصطفيك،و هو مشتقّ من جبيت الشّيء،إذا حصّلته لنفسك،و منه جبيت الماء في الحوض.(3:91)
نحوه ابن عطيّة(3:220)،و الشّربينيّ(2:90).
عبد الجبّار: مسألة:قالوا:ثمّ ذكر تعالى بعدها ما يدلّ على أنّه يختصّ بالطّاعة بعض عباده،فقال:
وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ.
و الجواب عن ذلك قد سلف في نظائره،و لأنّ الاجتباء هو الاختصاص،و لم يقل تعالى:إنّه خصّه بخلق الطّاعة فيه،فالمراد إذا أنّه اختاره و اختصّه بأن حمّله الرّسالة،و كان يعقوب عليه السّلام يعلم أنّه تعالى سيبعثه رسولا و يختصّه بذلك،فقال ما قال،و بيّن أنّه يعلّمه من تأويل الأحاديث،و يعني بذلك كلام اللّه،لأنّها الأحاديث الّتي يعرف تأويلها الأنبياء عليهم السّلام.
(متشابه القرآن 1:390)
الماورديّ: فيه ثلاثة أقاويل:
أحدها:بحسن الخلق و الخلق.
الثّاني:بترك الانتقام.
الثّالث:[قول الحسن المتقدّم](3:8)
الطّوسيّ: هذه حكاية ما قال يعقوب لابنه يوسف عليه السّلام،و قوله له:إنّ اللّه يجتبيك و يختارك، و يصطفيك و يكرمك بذلك،كما أكرمك بأن أراك في منامك هذه الرّؤية.
ص: 38
فوجه التّشبيه و هو إعطاء الرّؤيا بإعطاء الاجتباء، مع ما انضاف إليه من الصّفات الكريمة المحمودة الّتي ذكرها.و الاجتباء:اختيار معالي الأمور للمجتبى،مثل ما اختاره اللّه تعالى ليوسف من الخصال الكريمة و الأمور السّنيّة.(6:98)
نحوه البغويّ(3:215)،و الزّمخشريّ(2:303).
الميبديّ: أي كما أراك ربّك هذه الرّؤيا،كذلك يخصّك و يصطفيك بالنّبوّة.(5:8)
نحوه أبو حيّان.(5:281)
البيضاويّ: للنّبوّة و الملك أو لأمور عظام، و الاجتباء:من جبيت الشّيء،إذا حصّلته لنفسك.
(1:487)
نحوه النّسفيّ.(2:212)
البروسويّ: (و كذلك)أي مثل اجتبائك و اختيارك من بين إخوتك لمثل هذه الرّؤيا العظيمة، الدّالّة على شرف و عزّ و كبرياء شأنك.فالكاف في محلّ النّصب على أنّه صفة مصدر محذوف يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ يختارك و يصطفيك لما هو أعظم منها كالنّبوّة،و يبرز مصداق تلك الرّؤيا في عالم الشّهادة؛إذ لا بدّ لكلّ صورة مرئيّة في عالم المثال حقيقة واقعة في عالم الشّهادة.
(4:215)
الطّباطبائيّ: في معنى الاجتباء:جمع أجزاء الشّيء و حفظها من التّفرّق و التّشتّت،و فيه سلوك و حركة من الجابي نحو المجبيّ،فاجتباه اللّه سبحانه عبدا من عباده،هو أن يقصده برحمته و يخصّه بمزيد كرامته، فيجمع شمله و يحفظه من التّفرّق في السّبل المتفرّقة الشّيطانيّة المفرّقة للإنسان،و يركبه صراطه المستقيم، و هو أن يتولّى أمره و يخصّه بنفسه،فلا يكون لغيره فيه نصيب،كما أخبر تعالى بذلك في يوسف عليه السّلام إذ قال:
إِنَّهُ مِنْ عِبادِنَا الْمُخْلَصِينَ يوسف:24.
(11:79)
عبد الكريم الخطيب :أي كما بدأ اللّه بلطفه بك و تكريمه إيّاك صغيرا،فإنّه سيتولاّك برعايته،و يفيض عليك من نعمه كبيرا،فيجتبيك،أي يختارك، و يصطفيك للرّسالة و النّبوّة.(6:1236)
يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ وَ قُدُورٍ راسِياتٍ... سبأ:13
ابن عبّاس: قطاع كالجواب كحياض الإبل لا تتحرّك.(360)
مجاهد :حياض الإبل.(الطّبريّ 22:71)
نحوه الضّحّاك(الطّبريّ(22:71)،و الحسن (الطّبريّ 22:72)،و الفرّاء(2:356).
قتادة :جفان كجوبة الأرض من العظم،و الجوبة من الأرض:يستنقع فيها الماء.(الطّبريّ 22:71)
السّدّيّ: كالحائط.(الماورديّ 4:439)
أبو عبيدة :واحدتها:جابية،و هي الحوض الّذي يجبى فيه الماء.[ثمّ استشهد بشعر](2:144)
نحوه الطّبريّ(22:71)،و الطّوسيّ(8:383)، و البغويّ(5:234).
ابن قتيبة :(الجوابي)،الحياض،جمع جابية.[ثمّ
ص: 39
استشهد بشعر](354)
أبو عليّ: إثبات الياء مع الألف و اللاّم أجود، و حذفها يجوز.(الطّوسيّ 8:383)
الزّجّاج: أكثر القرّاء على الوقف بغير ياء،و كان الأصل الوقف بالياء،إلاّ أنّ الكسرة تنوب عنها، و كانت بغير ألف و لام الوقف عليها بغير ياء،تقول:هذه جواب،فأدخلت الألف و اللاّم،و ترك الكلام على ما كان عليه قبل دخولهما.و الجوابي:جمع جابية، و الجابية:الحوض الكبير.[ثمّ استشهد بشعر](4:246)
أبو زرعة: قرأ ابن كثير(كالجوابي)بالياء في الوصل و الوقف،على الأصل.و الجوابي:جمع جابية و هي الحوض الكبير.[ثمّ استشهد بشعر]
و قرأ أبو عمرو و ورش(كالجوابي)بالياء في الوصل، و حذفا في الوقف تبعا الأصل في الدّرج،و تبعا المصحف في الوقف.
و قرأ الباقون:بحذف الياء في الحالين:اجتزءوا عن الكسر بالياء.(584)
الواحديّ: جمع الجبيّة،و هي الحوض الكبير يجبي الماء،أي يجمعه.قال المفسّرون:يعني قصاعا في العظم كحياض الإبل،يجتمع على القصعة الواحدة ألف رجل يأكلون منها.(3:489)
نحوه الميبديّ.(8:124)
الزّمخشريّ: الجوابي:الحياض الكبار.[ثمّ استشهد بشعر]
لأنّ الماء يجبى فيها،أي يجمع،جعل الفعل لها مجازا، و هي من الصّفات العالية كالدّابّة.قيل:كان يقعد على الجفنة ألف رجل.و قرئ بحذف الياء اكتفاء بالكسرة، كقوله تعالى: يَوْمَ يَدْعُ الدّاعِ القمر:6.(3:282)
نحوه البيضاويّ(2:257)،و النّيسابوريّ(22:
44)،و أبو السّعود(5:251)،و البروسويّ(7:275).
الطّبرسيّ: أي صحاف كالحياض الّتي يجبى فيها الماء،أي يجمع،و كان سليمان عليه السّلام يصلح طعام جيشه في مثل هذه الجفان،فإنّه لم يمكنه أن يطعمهم في مثل قصاع النّاس لكثرتهم.(4:383)
الآلوسيّ: أي كالحياض العظام،جمع جابية،من الجباية،أي الجمع.فهي في الأصل مجاز في الطّرف أو النّسبة،لأنّها يجبى إليها لا جابية،ثمّ غلبت على الإناء المخصوص غلبة الدّابّة في ذوات الأربع،و جاء تشبيه الجفنة بالجابية في كلامهم.[ثمّ استشهد بشعر]
(22:119)
بنت الشّاطئ: الجفان:جمع جفنة،و الجوابي:
جمع جابية،وحيدتان في القرآن.
و تفسير الجفان بالحياض تقريب،مع ملاحظة أنّ الجفان تتّخذ للطّعام على وجه الاختصاص-و يشهد له بيت طرفة (1)-على حين يغلب أن تكون الحياض للماء.
و كذلك تفسير الجوابي بالواسعة،هو على وجه التّقريب،و يبقى للجوابي دلالة العمق مع السّعة،حين يكون الاتّساع أحيانا بغير عمق.(311)
1-الأصل في هذه المادّة:الجبى،و هو الجمع،يقال:
ص: 40
جبى السّاقي الماء في الحوض يجبيه و يجباه جبى و جبى و جبى و جبيا و جباية،أي جمعه.و استعمل هذا المعنى في جمع الخراج و تحصيله أيضا يقال:جبى الخراج و الشّيء يجبيه و يجباه جباية،و هو جاب.
و الجابية:الحوض الضّخم،و الجماعة أيضا،و الجمع:
الجوابي.
و من المجاز:اجتبى الرّجل الرّجل:اختاره و اصطفاه،من قولهم:جبى الشّيء،أي خلّصه لنفسه.
و جبّى الرّجل تجبية:وضع يديه على ركبتيه،أو على الأرض،أو انكبّ على وجهه،فكأنّه يجمع بين أعضائه في هذه الأحوال.
2-و بين«جبى»اليائيّ و«جبا»الواويّ اشتقاق أكبر؛إذ يقال من الثّاني:«جبا الماء و الحوض و الخراج يجبوه جبوا و جبوة و جباوة،أي جمعه و حصّله، و الجباوة:اسم الماء المجموع،و الجبوة و الجبوة و الجباوة و الجبا و الجبا:ما جمع في الحوض من الماء.
و لذا عدّهما اللّغويّون قاطبة مادّة واحدة،تبعا لسيبويه؛حيث قال:«أدخلوا الواو على الياء لكثرة دخول الياء عليها،و لأنّ للواو خاصّة كما أنّ للياء خاصّة.إلاّ الفيروزآباديّ،فقد فرّق بينهما،و لكنّه رغم ذلك خلط بعض مشتقّات الواويّ باليائيّ و بالعكس، و تبعه الزّبيديّ شارح القاموس،دون أن يستدرك عليه.
3-كما خلط آخرون المهموز بهذين الأصلين، كالجابئ،أي الجراد،نقل صاحب اللّسان عن التّهذيب:
«سمّي الجراد الجابئ لطلوعه؛يقال:جبأ علينا فلان،أي طلع،و الجابئ:الجراد،يهمز و لا يهمز».و حينما ترك الهمز لكثرة الاستعمال،حسبه بعضهم من«جبى»،قال ابن سيده:«الجابي:الجراد الّذي يجبي كلّ شيء».
و الإجباء:بيع الزّرع قبل أن يبدو صلاحه أو يدرك، أو هو أن يغيّب الرّجل إبله عن المصدّق،من:أجبأته، أي واريته،و في الحديث:«و من أجبى فقد أربى».قال ابن الأثير:«و الأصل في هذه اللّفظة الهمز،و لكنّه روي هكذا غير مهموز،فإمّا أن يكون تحريفا من الرّاوي،أو يكون ترك الهمز للازدواج بأربى».
و الجبأ:التّراب،و عدّه الجوهريّ من«ج ب و»، فقال:«الجبا:نثيلة البئر،و هو ترابها الّذي حولها،تراها من بعيد»،و تعقّبه الزّبيديّ بقوله:«أصله الهمز».
جاءت(12)مرّة:مجرّدا مرّتين:(1)و(12)، و مزيدا من باب الافتعال عشر مرّات:
1- وَ قالُوا إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا أَ وَ لَمْ نُمَكِّنْ لَهُمْ حَرَماً آمِناً يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ رِزْقاً مِنْ لَدُنّا وَ لكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لا يَعْلَمُونَ
القصص:57
2- أُولئِكَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ مِنْ ذُرِّيَّةِ آدَمَ وَ مِمَّنْ حَمَلْنا مَعَ نُوحٍ وَ مِنْ ذُرِّيَّةِ إِبْراهِيمَ وَ إِسْرائِيلَ وَ مِمَّنْ هَدَيْنا وَ اجْتَبَيْنا إِذا تُتْلى عَلَيْهِمْ آياتُ الرَّحْمنِ خَرُّوا سُجَّداً وَ بُكِيًّا مريم:58
3- وَ مِنْ آبائِهِمْ وَ ذُرِّيّاتِهِمْ وَ إِخْوانِهِمْ وَ اجْتَبَيْناهُمْ وَ هَدَيْناهُمْ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ الأنعام:87
4- ما كانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ ما كانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَ لكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ وَ إِنْ تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ
ص: 41
4- ما كانَ اللّهُ لِيَذَرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلى ما أَنْتُمْ عَلَيْهِ حَتّى يَمِيزَ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَ ما كانَ اللّهُ لِيُطْلِعَكُمْ عَلَى الْغَيْبِ وَ لكِنَّ اللّهَ يَجْتَبِي مِنْ رُسُلِهِ مَنْ يَشاءُ فَآمِنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ وَ إِنْ تُؤْمِنُوا وَ تَتَّقُوا فَلَكُمْ أَجْرٌ عَظِيمٌ
آل عمران:179
5- شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصّى بِهِ نُوحاً وَ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَ ما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَ مُوسى وَ عِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَ لا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللّهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَ يَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ الشّورى:13
6- ...وَ عَصى آدَمُ رَبَّهُ فَغَوى* ثُمَّ اجْتَباهُ رَبُّهُ فَتابَ عَلَيْهِ وَ هَدى طه:121،122
7- إِنَّ إِبْراهِيمَ كانَ أُمَّةً قانِتاً لِلّهِ حَنِيفاً وَ لَمْ يَكُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ* شاكِراً لِأَنْعُمِهِ اجْتَباهُ وَ هَداهُ إِلى صِراطٍ مُسْتَقِيمٍ النّحل:120،121
8- وَ كَذلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَ يُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحادِيثِ وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ عَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ إِنَّ رَبَّكَ عَلِيمٌ حَكِيمٌ يوسف:6
9- لَوْ لا أَنْ تَدارَكَهُ نِعْمَةٌ مِنْ رَبِّهِ لَنُبِذَ بِالْعَراءِ وَ هُوَ مَذْمُومٌ* فَاجْتَباهُ رَبُّهُ فَجَعَلَهُ مِنَ الصّالِحِينَ
القلم:49،50
10- وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْراهِيمَ... الحجّ:78
11- وَ إِذا لَمْ تَأْتِهِمْ بِآيَةٍ قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ الأعراف:203
12- يَعْمَلُونَ لَهُ ما يَشاءُ مِنْ مَحارِيبَ وَ تَماثِيلَ وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ وَ قُدُورٍ راسِياتٍ اعْمَلُوا آلَ داوُدَ شُكْراً وَ قَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ سبأ:13
يلاحظ أوّلا:أنّه جاء مجرّدا بالمعنى اللّغويّ الأصليّ مرّتين فعلا و اسما:
الأولى في(1): يُجْبى إِلَيْهِ ثَمَراتُ كُلِّ شَيْءٍ و فيها بحوث:
1-وهب اللّه أهل مكّة-و هي أرض قفر غير ذي زرع-جباية الثّمار إليهم من أطراف البلاد،كما وهبهم جوار البيت الحرام و التّوطّن في البلد الآمن قديما، و خصّهم بنعمة النّبوّة حديثا.و قد اعتذروا لرفضهم هذه النّبوّة-و هي الهدى-بأنّهم لو اتّبعوا الهدى مع النّبيّ، و آمنوا بما جاء به من الكتاب يتخطّفون من أرضهم، فأبان اللّه لهم بأنّه كما جبى إليهم الثّمرات من بلاد بعيدة -و هي نعم مادّيّة-و لم يتخطّفوا من أرضهم،كذلك آتاهم ثمرات شجرة النّبوّة-و هي النّعم المعنويّة-الّتي وهبها اللّه الرّسل بصور شتّى،فجمعها لهم تماما-على فترة من الرّسل و شذوذ من الهدى-في هذا الدّين الحنيف.
فيبدو أنّه مثّل هذه الموهبة المعنويّة العظمى بتلك النّعم المادّيّة الصّغرى،فردّ اعتذارهم الباطل بأنّه تعالى خصّهم فضلا عن هذه الثّمرات بجوار البيت الحرام، و بأنّهم من ذرّيّة إبراهيم عليه السّلام،فاختصاصهم بالهدى أولى بهم و أليق من تلك الثّمرات،فأين ثمار الأشجار من ثمار الإيمان؟
ص: 42
2-قولهم: إِنْ نَتَّبِعِ الْهُدى مَعَكَ نُتَخَطَّفْ مِنْ أَرْضِنا، يعلن خطورة مصاحبتهم للنّبيّ في دعوته، لأنّه يدعو إلى التّوحيد،و النّاس مشركون،فيقابلونهم بإخراجهم من أرضهم،كما أخرجوا جماعة ممّن آمن به من ذي قبل،و كادوا أن يخرجوا النّبيّ منها،و قد فرض اللّه الهجرة على المؤمنين لئلاّ تمنعهم علاقتهم بأرضهم من الهدى.
3-جاء(يجبى)مجهولا إيماء إلى كثرة تلك الثّمار، و أنّها تجبى إليهم من كلّ مكان،و بأياد كثيرة لا تحصى.
4-قد سبق أنّ أصل المادّة يدلّ على جمع الماء في الحوض،فهي تمثّل لنا أنّ آثار الإيمان و الهداية كالأنهار الجارية،تجمع في جابية الشّريعة.
5-الجمع بين الثّمرات و الحرم الآمن يمثّل لنا أنّ القلوب تهفوا إلى البيت من كلّ بلد كما تجبى إليه الثّمرات منها.
الثّانية في(12): وَ جِفانٍ كَالْجَوابِ ف(الجواب) جمع الجابية.و أصلها:(الجوابي)-و قد قرئت بها-و هي ظرف يجمع فيه الماء للإبل.و هذه جاءت وفق متن اللّغة بلا إيماء و كناية،و الأولى جاءت كناية و تمثيلا.
ثانيا:جاء الفعل من باب«الافتعال»في غيرهما من الآيات،و أريد به اختيار الرّسل للرّسالة في ثمان منها:
(2-9)،و اختيار هذه الأمّة لدعوتها إلى الإسلام مرّة في (10)،و أريد به الاختلاق في(11)،و فيها جهات من البحث:
1-باب«الافتعال»له معان أقربها و ألصقها بهذه الآيات المبالغة في الفعل،مثل اكتسب،أي بالغ في الكسب،فالاجتباء هو المبالغة في الجمع،و اجتباء الرّسل،هو المبالغة في جمع القيم فيهم،و اختصاصهم بالنّبوّة من بين النّاس،و قد عبّروا عنه ب اخترناهم، اصطفيناهم،أخلصناهم و نحوها.
قال الفخر الرّازيّ: «الاجتباء إذا ذكر في حقّ الأنبياء عليهم السّلام لا يليق به إلاّ الحمل على النّبوّة و الرّسالة».
و قال الآلوسيّ: «المجتبى كأنّه في الأصل من جمعت فيه المحاسن حتّى اختاره غيره و قرّبه».
و قال الطّباطبائيّ: «في معنى الاجتباء جمع أجزاء الشّيء و حفظها من التّفرّق و التّشتّت،و فيه حركة من الجابي نحو الجبى،فاجتباء اللّه عبدا من عباده،هو أن يقصده برحمته و يخصّه بمزيد كرامته فيجمع شمله، و يحفظه من التّفرّق في السّبل المتفرّقة الشّيطانيّة المفرّقة للإنسان،و يركبه الصّراط المستقيم،و هو أن يتولّى أمره و يخصّه بنفسه،فلا يكون لغيره فيه نصيب».
فقد لاحظوا فيه«الجمع»إلاّ أنّ الآلوسيّ اعتبر جمع المحاسن و القيم في النّبيّ،و الطّباطبائيّ اعتبر جمع النّبيّ من التّفرّق و اختصاصه باللّه فيتولّى أمره،و من ذلك ظهر أنّ الاختيار و الاصطفاء و الإخلاص و نحوها كلّها لازم للمعنى،و كناية عن المبالغة في جمع القيم في الرّسل.
و يظهر من بعضهم أنّ الاجتباء هو مطاوعة الجبي، قال البيضاويّ:من«جبى إليّ كذا فاجتبيته،مثل جلبت عليّ العروس فاجتبيتها»و أصل معنى الكلمة«الجمع» و تبعه غيره.و الأوّل هو الأقرب.
2-آيات اجتباء الرّسل صنفان:صنف منها يعمّ الأنبياء كافّة،فهم نخبة من البشر،جمع اللّه فيهم القيم.
ص: 43
و هذا في(2-5)،و صنف منها يخصّ نبيّا من الأنبياء، ابتداء بآدم أبي البشر(6)،ثمّ إبراهيم(7)ثمّ يوسف(8) ثمّ يونس(9).
3-و قد اجتبى اللّه آدم بعد أن عصى ربّه و تاب اللّه عليه و هداه(6).و كذلك اجتبى يونس(9)بعد أن صدر عنه ما شانه فتداركته رحمة من ربّه،أمّا غيرهما من الأنبياء فاجتباهم ابتداء من غير سبق ما يشينهم،نعمة منه إليهم.
4-قد جمع اللّه(الهدى)و ضمّها إلى الاجتباء في(2) و(3)و(5)و(6)و(7)،و هذا نصّ في أنّ الأنبياء أكرموا بالنّبوّة مع الهداية،و الهداية مقدّمة النّبوّة،فاللّه يهدي الأنبياء ثمّ يجتبيهم لوحيه و رسالته.
5-ربط اللّه في(4)بين الاطّلاع على الغيب و بين الرّسالة،رمزا إلى أنّه لا يعلم الغيب إلاّ اللّه،و الرّسل يعلمونه من اللّه و بوحي منه.
6-خصّت الآية(10)و هي خطاب إلى المؤمنين الأوائل بأنّ اللّه اجتباهم لهذه الدّعوة،و هي ملّة أبيهم إبراهيم عليه السّلام،بعد أن وصفه في(7)بأنّه كان أمّة،قانتا للّه،حنيفا،و لم يكن من المشركين،شاكرا لأنعمه، فاجتباه و جمع فيه هذه القيم الكبرى،و هداه إلى صراط مستقيم.
و الاجتباء فيها هو أنّه تعالى جمع فيهم من الصّفات و الخصال ما يعدّهم لتلقّي هذه الدّعوة بقلوبهم،و لنشرها بين الأمم بجهادهم و جهودهم،و رفع عنهم الحرج في دينهم،فقال: وَ جاهِدُوا فِي اللّهِ حَقَّ جِهادِهِ هُوَ اجْتَباكُمْ وَ ما جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ الحجّ:78،و قد وصفهم ب وَ كَذلِكَ جَعَلْناكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَداءَ عَلَى النّاسِ وَ يَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً البقرة:
143،فقد منّ عليهم و بالغ فيهم فاجتباهم لهذه الدّعوة، كما اجتبى رسله بالنّبوّة.
و منه نستشعر بأنّ العرب الإبراهيميّة كانت مستعدّة لها أكثر من غيرها من الشّعوب،فالآية نظير الآية(8) حيث قال تعالى ليوسف: وَ يُتِمُّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكَ وَ عَلى آلِ يَعْقُوبَ كَما أَتَمَّها عَلى أَبَوَيْكَ مِنْ قَبْلُ إِبْراهِيمَ وَ إِسْحاقَ، و مثلها(2)و(3)و(5)حيث أكّدت الوراثة في النّبوّة عن الآباء.
7-جاء في(11)خطاب الكفّار للنّبيّ عليه السّلام قالُوا لَوْ لا اجْتَبَيْتَها، و قد فسّروها ب:تكلّفتها،تخلّقتها، أحدثتها،اختلعتها،تقوّلتها،افتعلتها،اخترعتها،جئت بها من نفسك،اصطنعتها افتعالا من نفسك و نحوها، و مآلها واحد،أي أنّهم كانوا يتّهمونه بأنّه يفتري على اللّه،و يتقوّل الآيات من عند نفسه،كما قالوا: ما هذا إِلاّ إِفْكٌ مُفْتَرىً سبأ:43،فهذا تعريض منهم له بأنّك لم تقوّل على اللّه آية،كما كنت تتقوّل عليه الآيات قبلها؟
و الحقّ أنّ اجتبى جاء هنا بمعناه الشّائع،و هو الاختيار،و الاختلاق و التّكلّف و نحوها،لازم المعنى يستفاد من السّياق،أي إذا أنت تختار الآية و تسندها إلى اللّه فقد اختلقتها.
و فسّره آخرون ب(لو لا تلقّيتها من ربّك)أي إذا أنت تزعم أنّك نبيّ و أنّ منزلتك عنده منزلة الرّسالة، فهلاّ اقترحتها على ربّك إن كنت صادقا في أنّ اللّه يقبل دعاءك،و يجيب طلبك.
ص: 44
و حاصل الوجهين أنّ الأمر في لَوْ لا اجْتَبَيْتَها يدور بين التّقوّل من عند نفسه،و بين الأخذ من ربّه،أي بين الافتراء على اللّه و الاقتراح عليه،و كلاهما تعريض للنّبيّ عليه السّلام،فالأوّل تعريض له بأنّه يفتري على اللّه، و الثّاني تعريض له بأنّه يدّعي القرب من اللّه بالرّسالة فيجيبه متى دعاه و يقبل منه ما اقترح عليه فلم لا يدعوه الآن ليجيبه فينزّل عليه الآية؟
و قد حكى الطّبريّ القولين،و فضّل الأوّل استنادا إلى ما بعده: قُلْ إِنَّما أَتَّبِعُ ما يُوحى إِلَيَّ مِنْ رَبِّي و عندنا أنّه ليس صريحا في نفي الافتراء،بل يحتمله كما يحتمل نفي الاقتراح،أي إنّي لا اقترح على اللّه الآيات، بل اتّبع ما أوحي إليّ من ربّي الّذي ربّاني و علّمني و هداني بالوحي،من دون أن أقترح عليه شيئا.و يؤيّده ذيل الآية: هذا بَصائِرُ مِنْ رَبِّكُمْ وَ هُدىً وَ رَحْمَةٌ...
و الآية بعدها: وَ إِذا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَ أَنْصِتُوا....
ثالثا:توجد علاقة بين الاجتباء و البعث،بشأن الأنبياء،لاحظ«ب ع ث».
رابعا:الآيات كلّها مكّيّة سوى آية آل عمران(4) فهي خطاب للمؤمنين بأنّه سوف يختبرهم و يميّز بين الخبيث و الطّيّب منهم لاختلاطهم بالمنافقين في المدينة، و في نفس الوقت دفع لشبهة علم النّبيّ بالغيب،و لعلّ اليهود هم الّذين طرحوها و ألقوها بين المؤمنين.و أمّا آية سورة الحجّ(10)فمردّدة بين المكّيّة و المدنيّة،كما سبقت منّا مرارا.
و سرّ اختصاصها بمكّة هو إصرار أهلها على إنكار النّبوّات رأسا فاحتاجوا إلى التّأكيد لها مرارا.
ص: 45
ص: 46
اجتثّت
لفظ واحد،مرّة واحدة،في سورة مكّيّة
الخليل :الجثّ:قطعك الشّيء من أصله، و الاجتثاث أوحى (1)منه،و اللاّزم:انجثّ و اجتثّ أيضا.
و شجرة مجتثّة:لا أصل لها في الأرض.
و المجتثّ من«العروض»«مستفعلن فاعلات» مرّتين.و لا يجيء من هذا النّحو أنقص منه و لا أطول إلاّ بالزّحاف.[إلى أن قال:]
و الجثّة:خلق البدن الجسيم.
و جثثت منه و جئثت،و رجل مجثوث و مجئوث،أي قد جثّ،يعني أفزع.(6:12)
الأخفش الأكبر:الجثيثة:ما تساقط من أصول النّخل.(الأزهريّ 10:472)
الكسائيّ: جئث الرّجل جأثا،و جثّ جثّا،فهو مجئوث،و مجثوث،إذا فزع و خاف.(الأزهريّ 10:472)
أبو عمرو الشّيبانيّ: الجثيثة:النّخلة الّتي كانت نواة فحفر لها و حملت بجرثومتها،و قد جثّت جثّا.
(الأزهريّ 10:472)
الأصمعيّ: في صغار النّخل أوّل ما يقلع منها شيء من أمّه:فهو الجثيث و الوديّ و الهراء و الفسيل.
(الأزهريّ 10:471)
أبو عبيد: منه حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في المغاري،في أوّل يوم ما رأى جبريل عليه السّلام قال:«فجثيت منه فرقا» و بعضهم يقول:«جئثت».قال الكسائيّ:هما جميعا من الرّعب،يقال:رجل مجئوث و مجثوث.(1:246)
ابن الأعرابيّ: جثّ المشتار،إذا أخذ العسل بجثّه و محارينه،و هو ما مات من النّحل في العسل.
(الأزهريّ 10:471)
و جثّ الجراد:ميّته.(ابن سيده 7:194)
ص: 47
ابن السّكّيت:و جثّ منّي فرقا،امتلأ منّي رعبا.
(182)
ابن أبي اليمان :الجثّ:القلع.(226)
الزّجّاج: و معنى اجتثّت في اللّغة:أخذت جثّته بكمالها.(3:161)
ابن دريد :جثثت الشّجر و غيرها جثّا،إذا انتزعتها من أصلها،و فسّر قوله جلّ ثناؤه: اُجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ إبراهيم:26،من هذا، و اللّه أعلم.و المجثّة و المجثاث:حديدة يقلع بها الفسيل،و الفسيلة:جثيثة.[ثمّ استشهد بشعر](1:43)
و الجثّ:ما ارتفع من الأرض حتّى يكون له شخص، مثل الأكيمة الصّغيرة و نحوها.[ثمّ استشهد بشعر]
و أحسب أنّ جثّة الرّجل من هذا اشتقاقها.و قال قوم من أهل اللّغة:لا تسمّى جثّة إلاّ أن يكون قاعدا أو نائما.فأمّا القائم فلا يقال:جثّته إنّما يقال:قمّته.
و زعموا أنّ أبا الخطّاب الأخفش كان يقول:لا أقول:جثّة الرّجل إلاّ لشخصه على سرج أو رحل،و يكون معتمّا، و لم يسمع عن غيره.(1:44)
الصّاحب:[نحو الخليل و أضاف:]
و الجثيث:الوادئ من النّخل،و قيل:هي الّتي جثّت،أي نقلت.و الجثيثة:الثّقيلة من الفسلان.
و الجثّة:خلق البدن،و الجماعة من النّاس، و الجميع:جثث.
و المجتثّ من«العروض»:«مستفعلن فاعلاتن» مرّتين.
و الجثّ:خرشاء العسل من شمعه و ما فيه من ميّت النّحل.و قيل:جثّ النّحل:دويّها.
و جثّ فلان بغائطه:رمى به.
و جثّه بالعصا:ضربه بها.[إلى أن قال:]
و يقولون:وقعت منه في جثّة،أي في بلاء.
و الجثيث:ما تساقط في أصول الشّجر.(6:398)
الجوهريّ: الجثّة:شخص الإنسان قاعدا أو نائما.
و جثّه:قلعه،و اجتثّه:اقتلعه.
و الجثيث من النّخل:الفسيل،و الجثيثة:الفسيلة.
و لا تزال جثيثة حتّى تطعم،ثمّ هي نخلة.
و المجثّة و المجثاث:حديدة يقطع بها الفسيل.
و الجثّ بالفتح:الشّمع،و يقال:هو كلّ قذى خالط العسل،من أجنحة النّحل و أبدانها.[ثمّ استشهد بشعر]
(1:277)
ابن فارس: الجيم و الثّاء يدلّ على تجمّع الشّيء، و هو قياس صحيح.فالجثّة:جثّة الإنسان،إذا كان قاعدا أو نائما،و الجثّ:مجتمع من الأرض مرتفع كالأكمة.قال ابن دريد:«و أحسب أنّ جثّة الرّجل من هذا».
و يقال:الجثّ:قذى يخالط العسل.[ثمّ استشهد بشعر]
و يقال:الجثّ:الشّمع،و القياس واحد و يقال:نبت جثاجث:كثير،و لعلّ«الجثجاث»من هذا.و جثثت من الرّجل،إذا فزعت،و ذلك أنّ المذعور يتجمّع.
فإن قال قائل:فكيف تقيس على هذا جثثت الشّيء و اجتثثته إذا قلعته،و الجثيث من النّخل:الفسيل، و المجثّة:الحديدة الّتي تقتلع بها الشّيء؟
فالجواب:أنّ قياسه قياس الباب،لأنّه لا يكون
ص: 48
مجثوثا إلاّ و قد قلع بجميع أصوله و عروقه،حتّى لا يترك منه شيء.فقد عاد إلى ما أصّلناه.(1:425)
أبو هلال :الفرق بين الشّخص و الجثّة:أنّ الجثّة أكثر ما تستعمل في النّاس،و هو شخص الإنسان إذا كان قاعدا أو مضطجعا،و أصله:الجثّ،و هو القطع،و منه قوله تعالى: اُجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ.
و المجثاث:الحديدة الّتي يقلع بها الفسيل،و يقال للفسيل:الجثيث،فيسمّى شخص القاعد:جثّة،لقصره كأنّه مقطوع (1).(131)
ابن سيده: الجثّ:القطع،و قيل:انتزاع الشّجر من أصوله.جثّه يجثّه جثّا و اجتثّه،فانجثّ،و اجتثّ.
و المجتثّ:ضرب من«العروض»،على التّشبيه بذلك،كأنّه اجتثّ من الخفيف،أي قطع.
و قال أبو إسحاق:سمّي مجتثّا،لأنّك اجتثثت أصل الجزء الثّالث،و هو«مف»فوقع ابتداء البيت من «عولات مس».
و الجثيث:أوّل ما يقلع من الفسيل من أمّه،واحدته:
جثيثة.[ثمّ استشهد بشعر]
و المجثّة،و المجثاث:ما جثّ به الجثيث.
و الجثيث:ما يسقط من العنب في أصول الكرم.
و جثّة الإنسان:شخصه متّكئا أو مضطجعا، و جمعها:جثث،و أجثاث.الأخيرة على طرح الزّائد، كأنّه جمع:جثّ.[ثمّ استشهد بشعر]
و قد يجوز أن يكون«أجثاث»جمع:جثث الّذي هو جمع:جثّة،فيكون على هذا جمع جمع.
و الجثّ:ما أشرف من الأرض فصار له شخص.
و الجثّ:خرشاء العسل،و هو ما كان عليها من فراخها أو أجنحتها.
و الجثّ:غلاف الثّمرة.
و جثّ الرّجل جثّا:فزع.(7:193)
الجثّ:كلّ قذى يخالط العسل من أجنحة النّحل و أبدانها و فراخها و موتاها،و غير ذلك.
(الإفصاح 1:465)
الجثّ:الرّمل اليابس الخشن.(الإفصاح 2:1053)
معنى اجتثّ الشّيء في اللّغة:أخذ جثّته بكمالها، جثثته أجثّه جثّا.و اجتثثته:اقتلعته و قطعته،فانجثّ الشّيء و اجتثّ.(الإفصاح 2:1355)
الرّاغب: يقال:جثثته فانجثّ و جسسته فاجتسّ، قال اللّه عزّ و جلّ: اُجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ أي اقتلعت جثّته.
و المجثّة:ما يجثّ به.
و جثّة الشّيء:شخصه النّاتئ.و الجثّ:ما ارتفع من الأرض كالأكمة،و الجثيثة سمّيت به،و لما يأتي جثّته بعد طحنه.
و الجثجاث:نبت.(88)
الزّمخشريّ: فلان صغير الجثّة،و هي شخصته قاعدا،و لهم همم دقاق إلى جثث ضخام.و جثّه و اجتثّه:
استأصله اُجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ.
و شجر مجتثّ:لا أصل له في الأرض.
(أساس البلاغة:51)
[و في حديث المبعث«فجئثت منه فرقا»]م.
ص: 49
جئث الرّجل:قلع من مكانه فزعا.و الثّاء بدل من فاء جئف الشّيء بمعنى جعف،إذا قلع من أصله.[ثمّ استشهد بشعر]
و روي:«فجثثت»و هو أيضا من جثّ و اجتثّ،إذا قلع.(الفائق 1:183)
ابن الأثير: و في حديث أبي هريرة:«قال رجل للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«ما نرى هذه الكمأة إلاّ الشّجرة الّتي اجتثّت من فوق الأرض،فقال:بل هي من المنّ»اجتثّت،أي قطعت،و الجثّ:القطع.
و في حديث أنس:«اللّهمّ جاف الأرض عن جثّته» أي جسده.(1:238)
الصّغانيّ: الانجثاث:الانقلاع.
و جثّ الرّجل،على ما لم يسمّ فاعله:إذا فزع و خاف.و الجثّة:البلاء.
و الجثّ:الدّويّ.
و جثّت النّحل تجثّ:إذا سمعت لها دويّا.(1:355)
الفيّوميّ: الجثّة:للإنسان إذا كان قاعدا أو نائما، فإن كان منتصبا فهو طلل،و الشّخص يعمّ الكلّ.
و جثثت الشّيء أجثّه من باب«قتل»و اجتثثته:
اقتلعته.(1:91)
الفيروزآباديّ: الجثّ:القطع،أو انتزاع الشّجر من أصله،و بالضّمّ:ما أشرف من الأرض حتّى يكون كأكمة صغيرة،و خرشاء العسل،و ميّت الجراد،و غلاف الثّمرة، و الشّمع،أو كلّ قذى خالط العسل من أجنحة النّحل.
و المجثّة و المجثاث:ما جثّ به الجثيث،و هو ما غرس من فراخ النّخل.
و جثّة الإنسان بالضّمّ:شخصه،و بالكسر:البلاء.
و جثّ:فزع و ضرب،و النّحل:رفعت دويّها.
و بحر المجتثّ وزنه:مستفعلن فاعلاتن فاعلاتن.
(1:169)
المصطفويّ: «الجثّ»يدلّ على الجمع بطريق القلع،كما أنّ«الجبي»كان الجمع بطريق الانتخاب، و«الجبّ»بمعنى مطلق التّجمّع.
و الجثّة وزان فعلة:ما يتجمّع بعنوان جسد الإنسان، بحيث يلاحظ فيه هذا العنوان فقط كالجثّ.
و الجثيث:باعتبار تجمّعه و انقلاعه و استخراجه من الأرض على أطراف النّخل.و صدق هذا العنوان مشروط في الأوّل بالنّوم أو القعود،و في الثّاني بعدم الاستقلال حتّى يقال:إنّه نخل.(2:54)
وَ مَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ ما لَها مِنْ قَرارٍ. إبراهيم:26
ابن عبّاس: اقتلعت.(213)
مثله الماوردي(3:134)،و الطّوسيّ(6:293).
قتادة :استؤصلت من فوق الأرض.
(الطّبريّ 13:212)
مثله الزّجّاج(3:161)،و ابن القيّم(332)، و فضل اللّه(13:107)
مؤرّج السّدوسيّ: أخذت جثّتها و هي نفسها، و الجثّة:شخص الإنسان قاعدا أو قائما.
(القرطبيّ 9:362)
ص: 50
ابن قتيبة: أي استؤصلت و قطعت.(232)
مثله الخازن.(4:34)
الطّبريّ: استؤصلت،يقال منه:اجتثثت الشّيء أجتثّه اجتثاثا،إذا استأصلته.(13:212)
البغويّ: انقلعت.(3:38)
الميبديّ: أي استؤصلت جثّته و قلعت بتمامها، لأنّ عروقها قريبة من الظّاهر لا تثبت زمانا،بخلاف النّخلة و كثير من سائر الأشجار،كذلك الكافر ليس لقوله و لا لعمله أصل يستقرّ على الأرض،و لا فرع يصعد إلى السّماء.(5:253)
الزّمخشريّ: في مقابلة قوله: أَصْلُها ثابِتٌ و معنى اجتثّت استؤصلت،و حقيقة الاجتثاث:أخذ الجثّة كلّها.(2:377)
مثله الفخر الرّازيّ(19:121)،و النّسفيّ(2:261)، و النّيسابوريّ(13:126)،و المراغيّ(13:147)، و الحجازيّ(13:63)،و نحوه البيضاويّ(1:530)، و البروسويّ(4:415)،و الآلوسيّ(13:214).
الطّبرسيّ: أي اقتطعت و استؤصلت و اقتلعت جثّته من الأرض.(3:313)
القرطبيّ: جثّه:قلعه،و اجتثّه:اقتلعه من فوق الأرض،أي ليس لها أصل راسخ يشرب بعروقه من الأرض.(9:362)
ابن عطيّة: [ذكر أقوال المتقدّمين و قال:]
و الظّاهر عندي أنّ التّشبيه وقع بشجرة غير معيّنة إذا وجدت فيها هذه الأوصاف.فالخبث،هو أن تكون العضاه،أو كشجر السّموم أو نحوها،إذا اجتثّت-أي اقتلعت،حيث جثّتها بنزع الأصول و بقيت في غاية الوهاء و الضّعف-لتقلبها أقلّ ريح.فالكافر يرى أنّ بيده شيئا و هو لا يستقرّ و لا يغني عنه،كهذه الشّجرة الّتي يظنّ بها على بعد أو للجهل بها أنّها شيء نافع و هي خبيثة الجني غير باقية.(3:336)
أبو حيّان :و اُجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مقابل لقوله: أَصْلُها ثابِتٌ أي لم يتمكّن لها أصل و لا عرق في الأرض،و إنّما هي نابتة على وجه الأرض.
(5:423)
1-الأصل في هذه المادّة:الجثّ،أي قطع أصل الشّجر،ثمّ عمّم في كلّ قطع،يقال:جثّه يجثّه جثّا، و جثثته و اجتثثته فانجثّ،و اجتثّ الشّيء:أخذت جثّته بكمالها،و شجرة مجتثّة:ليس لها أصل في الأرض.
و الجثيث:أوّل ما يقلع من الفسيل من أمّه،واحدته:
جثيثة،أي الفسيلة،و لا تزال جثيثة حتّى تطعم،ثمّ هي نخلة.
و المجثّة و المجثاث:حديدة يقلع بها الفسيل.
و الجثّ:الشّمع،و الجراد الميّت،و ما مات من النّحل في العسل،يقال:جثّ المشتار،أي أخذ العسل بجثّه و محارينه،أي ما مات فيه من النّحل.
2-و لقد أبعد ابن فارس في هذا الأصل كثيرا؛إذ جعل الأصل لهذا الباب:تجمّع الشّيء،و زعم أنّه قياس صحيح،و قاس عليه جثّة الإنسان،و الجثّ،أي مجتمع الأرض المرتفع،و الجثّ،و هو ما يجتمع في العسل، و الشّمع.و دعم هذا القياس بقوله:«نبت جثاجث:
كثير،و لعلّ الجثجاث من هذا»،و«جثثت من الرّجل،
ص: 51
إذا فزعت منه،و ذلك أنّ المذعور يتجمّع»!
و نحن نكرّر عليه سؤاله:«فكيف تقيس على هذا جثثت الشّيء و اجتثثته،إذا قلعته،و الجثيث من النّخل:
الفسيل،و المجثّة:الحديدة الّتي يقتلع بها الشّيء»؟
و لا نقتنع بقوله:«قياسه قياس الباب،لأنّه لا يكون مجثوثا إلاّ و قد قلع بجميع أصوله و عروقه،حتّى لا يترك منه شيء،فقد عاد إلى ما أصّلناه»لأنّه تمحّل بيّن.
ثمّ إنّ أصل ما أصّل عليه ليس من هذا الباب،لأنّ «الجثاجث»و«الجثجاث»من مادّة«ج ث ج ث»، و معنى الفزع من المهموز،قال ابن السّكّيت:«قد جئف الرّجل و جئث و زئد،إذا فزع»،و قال الحربيّ في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«فجثثت منه»أراد«جئثت»فجعل مكان الهمزة ثاء.و الجثّة:شخص الشّيء،و الجثّ:الأرض المرتفعة،و غلاف الثّمرة،من«الجفّة»و«الجفّ»،فالثّاء بدل عن الفاء،و الفاء أكثر ما يعتري الثّاء من سائر الحروف عند الإبدال،مثل:الجدف و الجدث،و الفناء و الثّناء،و الفوم و الثّوم،و غيرها كثير.
جاءت مرّة واحدة،في سورة مكّيّة:و قد سبقت يلاحظ أوّلا:أنّ(اجتثّت)جاءت وصفا لشجرة خبيثة نبتت على سطح الأرض لا قرار لها،مثلا لكلمة خبيثة لا بقاء لها،و مقابلة لكلمة«طيّبة»الّتي هي كشجرة طيّبة لها قرار ثابت في تخوم الأرض.
ثانيا:تمثيل الكلمة طيّبها و خبيثها بالشّجرة بنوعيها،من أجل نموّها و سرايتها و أثرها الباقي و الزّائل.
لاحظ«ك ل م»و«ش ج ر».
ثالثا:جاء في جانب الكلمة«الطّيّبة»أنّها شجرة طيّبة أصلها ثابت و فرعها في السّماء.أمّا الكلمة«الخبيثة» فاجتثّت من فوق الأرض،فلا فرع لها،كما لا أصل لها، فلهذا سكت عن أصلها و فرعها و اكتفى بأنّها اجتثّت من فوق الأرض.
رابعا:جاءت(اجتثّت)ماضيا مؤنّثا مجهولا من باب«الافتعال»الدّالّ على الضّعف مرّة واحدة،تقليلا و تحقيرا لها،كأنّها انفعلت و غابت عن الأذهان و اختفت عن الآذان و الأبصار،كأن لم تكن شيئا مذكورا،و هذا يحكي منتهى ضعفها،كما أنّ الكلمة الطّيّبة لها أصل في تخوم الأرض و فرعها في السّماء،ترتفع بلا حدود و إلى غير نهاية،و هذا يحكي منتهى قوّتها.
خامسا:جاءت الكلمة بنوعيها في آيتين،ثمّ طبّقهما اللّه في آية بعدها على فريقين:على المؤمنين الّذين وصفهم بأنّ اللّه يثبّتهم بإيمانهم الصّادق بالقول الثّابت في الحياة الدّنيا و الآخرة،و على الظّالمين الّذين يضلّهم اللّه بظلمهم البالغ و يفعل بهم ما يشاء.فلم يذكر الحياتين بشأنهم اكتفاء بما سبق،و تعميما لحال الظّالمين بأنّ اللّه يفعل بهم ما يشاء من الذّلّ و الهوان و العذاب في جميع الأحوال،و هي تشمل الدّنيا و الآخرة،إلاّ أنّ إهمال حالهم أبلغ من اختصاصها بالدّنيا و الآخرة.
سادسا:وصف في هذه أهل«الكلمة الطّيبة» بالمؤمنين الّذين يثبّتهم اللّه بالقول الثّابت،و أهل«الكلمة الخبيثة»بالظّالمين الّذين يضلّهم اللّه،و البحث في الهداية و الإضلال المنسوبتين إلى اللّه،يأتي في«ض ل ل» و«ه د ي»،فانتظر.
ص: 52
جاثمين
لفظ واحد،5 مرّات مكّيّة،في 3 سور مكّيّة
عكرمة: المجثّمة:الشّاة،ترمى بالنّبل حتّى تقتل.
(الأزهريّ 11:26)
الخليل :جثم يجثم جثوما،أي لزم مكانا لا يبرح.
و في بعض الوصف:إذا شرب على العسل،جثم على المعدة،ثمّ قذف بالدّاء.
و الجاثوم:الكابوس،أي الدّيثان.
و الجثّامة:الرّجل البليد،و السّيّد الحليم.
و الجثمان بمنزلة الجسمان،جامع لكلّ شيء،تريد جسمه و ألواحه.
و الجثوم للطّير كالرّبوض للغنم.
و«نهى عن المجثّمة»و هي المصبورة من الطّير و الأرانب و أشباههما،ممّا يجثم بالأرض إذا لزمتها و لبدت عليها.فإن حبسها إنسان قيل:جثّمها فهي مجثّمة،أي محبوسة،فإن فعلت هي،قيل:جثمت فهي جاثمة.
(6:100)
اللّيث: و الجثمة و الحثمة:كلاهما الأكمة،و هي الجثوم.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 11:27)
أبو زيد :الجثمان:الجسمان،يقال:ما أحسن جثمان الرّجل و جسمانه!أي جسده.[ثمّ استشهد بشعر] (الجوهريّ 5:1882)
الأصمعيّ: جثمت و جثوت واحد.
(الأزهريّ 11:27)
الجثمان:الشّخص،و الجسمان:الجسم.[ثمّ استشهد بشعر](الجوهريّ 5:1882) أبو عبيد:أمّا المجثّمة الّتي نهي عنها،فإنّها المصبورة أيضا،و لكنّها لا تكون إلاّ في الطّير و الأرانب و أشباه ذلك ممّا يجثم،لأنّ الطّير يجثم في الأرض و غيرها
ص: 53
إذا لزمته و لبدت عليه،فإن حبسها إنسان قيل:قد جثّمت،أي فعل ذلك بها،و هي مجثّمة،و هي المحبوسة، فإذا فعلت هي من غير فعل أحد قيل:قد جثمت تجثم جثوما فهي جاثمة.(1:155)
ابن الأعرابيّ: الجاثوم:هو الكابوس،و هو الدّيثان.(الأزهريّ 11:26)
شمر: المجثّمة:هي الشّاة الّتي ترمى بالحجارة حتّى تموت،ثمّ تؤكل.
و الشّاة لا تجثم،إنّما الجثوم للطّير،و لكنّه استعير.
و يقال:جثم فلان بالأرض يجثم جثوما،إذا لصق بها و لزمها،فهو جاثم.[ثمّ استشهد بشعر]
و جثمت العذوق،إذا عظمت فلزمت مكانها.[ثمّ استشهد بشعر]
و يقال:جثمانيّة الماء:وسطه و مجتمعه و مكانه.[ثمّ استشهد بشعر]
و يقال للّذي يقع على الإنسان و هو نائم:جاثوم و جثم و جثمة،و رازم،و ركّاب،و جثّامة.و هو هذا النّجث الّذي يقع على النّائم.(الأزهريّ 11:26)
الدّينوريّ: الجثم:العذق إذا عظم بسره شيئا، و الجمع:جثوم.(ابن سيده 7:375)
المبرّد: [قال]الحطيئة:
أبوا غير ضرب يجثم الهام وقعه
و طعن كأفواه المزفّتة الحمر
«يجثم الهام وقعه»إنّما هو مثل.يقال:جثم الطّائر كما يقال:برك الجمل،و ربض البعير.(1:232)
ثعلب :و جثّم اللّيل جثوما:انتصف.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 7:374)
ابن دريد :و جثم الطّائر يجثم و يجثم جثما و جثوما،إذا ألصق صدره بالأرض،و موقعه:
مجثمه،و كذلك السّبع،و ربّما استعير لغير السّبع و الطّير.[ثمّ استشهد بشعر]
و جثمان كلّ شيء:جسمه،يقال:أتانا بثريد كجثمان القطاة،أي كشخصها.[ثمّ استشهد بشعر]
و يقال:جثّمت الطّين أو التّراب،إذا جمعته،و هي الجثمة.
و في الحديث:«نهي عن المجثّمة»قال بعضهم:هي الشّاة تشدّ ثمّ ترمى حتّى تقتل،و جثمت الطّائر،إذا رميته و هو جاثم.
و الجاثوم:الّذي يسقط على النّاس في النّوم.
(2:33)
الجوهريّ: جثم الطّائر،أي تلبّد بالأرض،يجثم و يجثم جثوما،و كذلك الإنسان.[ثمّ استشهد بشعر]
و يقال:رجل جثمة و جثّامة:للنّئوم الّذي لا يسافر.
و المجثّمة:المصبورة إلاّ أنّها في الطّير خاصّة و الأرانب و أشباه ذلك،تجثم ثمّ ترمى حتّى تقتل؛و قد نهي عن ذلك.
و يقال:جاءنا بثريد مثل جثمان القطاة.(5:1882)
ابن فارس: الجيم و الثّاء و الميم أصل صحيح،يدلّ على تجمّع الشّيء.فالجثمان:شخص الإنسان،و جثم،إذا لطئ بالأرض،و جثم الطّائر يجثم.و في الحديث:«نهي عن المجثّمة»و هي المصبورة على الموت.(1:505)
الهرويّ: و الجثوم للنّاس و الطّيور بمنزلة البروك
ص: 54
للإبل.(1:319)
الأزهريّ: [و قيل:]الجثّامة:الرّجل الّذي لا يبرح بيته؛و هو اللّبد (1)أيضا.(11:27)
الصّاحب: [نحو الخليل و أضاف:]
و الجثمان:بمنزلة الجسمان،و هو معظم كلّ شيء.
و الجاثوم:الكابوس،و كذلك الجثمة.
و تجثّم الطّائر تجثّما،إذا سفد و نزا.
و دارة الجثوم:لبني الأضبط بن كلاب،و الجثوم:ماء لهم.
و إذا استقلّ الزّرع من الأرض شيئا سمّي:جثما، يقال:جثّم الزّرع.(7:79)
ابن سيده: جثم الإنسان و الطّائر و النّعامة و الخشف و الأرنب و اليربوع يجثم،و يجثم جثما و جثوما،فهو جاثم:لزم مكانه فلم يبرح.و قيل:هو أن يقع على صدره.
و جمع الجاثم:جثوم.
و الجثام،و الجاثوم:الدّيثان و الكابوس،يجثم على الإنسان.
و الجثّامة:السّيّد الحليم.
و المجثّمة:المحبوسة،و في الحديث:«أنّه نهي عن المجثّمة».قال بعضهم:لا يكون إلاّ في الطّائر و الأرنب.
و جثّم الطّين و التّراب و الرّماد:جمعها،و هي الجثمة.
و الجثم و الجثم:الزّرع إذا ارتفع عن الأرض شيئا، و استقلّ نباته.و قد جثم يجثم.
و جثمت العذوق تجثم،بضمّ الثّاء،جثوما:عظم بسرها شيئا.
و الجثمان:الجسم.(7:374)
و الجثوم:جبل.[ثمّ استشهد بشعر]
[ثمّ قال مقلوبه:«ث ج م»سرعة الصّرف عن الشّيء،و«م ث ج»:مثج بالشّيء:غذي به]
(7:374)
الطّوسيّ: الجثوم:السّقوط على الوجوه،و قيل:
هو القعود على الرّكب،يقال:جثم على القلب،إذا ثقل عليه.(6:22)
الرّاغب: و الجثمان:شخص الإنسان قاعدا.
و رجل جثمة و جثّامة:كناية عن النّئوم و الكسلان.
(88)
الزّمخشريّ: جثم الطّائر،و هذا مجثمة،«و نهي عن المجثّمة»و هي المصبورة،و جاء بثريدة كجثمان القطاة،و رأيت تمرا مثل جثمان الجزور.
و من المجاز:فلان جثّامة:لا ينهض للمكارم.
(أساس البلاغة:51)
«نهي عن المجثّمة»هي البهيمة تجثّم،ثمّ ترمى حتّى تقتل.(الفائق 1:190)
«ثمّ تجثّمها لينكحها»تجثّمها:من تجثّم الطّائر أنثاه، إذا علاها للسّفاد.(الفائق 1:222)
ابن الأثير: فيه:«أنّه نهي عن المجثّمة»هي كلّ حيوان ينصب و يرمى ليقتل،إلاّ أنّها تكثر في الطّير و الأرانب و أشباه ذلك ممّا يجثم في الأرض،أي يلزمها و يلتصق بها.و جثم الطّائر جثوما،و هو بمنزلة البروك للإبل.(1:239)ه.
ص: 55
الفيّوميّ: جثم الطّائر و الأرنب يجثم من باب «ضرب»جثوما،و هو كالبروك من البعير،و ربّما أطلق على الظّباء و الإبل.
و الفاعل:جاثم و جثّام مبالغة،ثمّ استعير الثّاني مؤكّدا بالهاء للرّجل الّذي يلازم الحضر و لا يسافر، فقيل:فيه جثّامة،و زان:علاّمة و نسّابة،ثمّ سمّي به.
(1:91)
الفيروزآباديّ: جثم الإنسان و الطّائر و النّعام و الخشف و اليربوع يجثم جثما و جثوما،فهو جاثم و جثوم:لزم مكانه فلم يبرح،أو وقع على صدره،أو تلبّد بالأرض.
و اللّيل جثوما:انتصف،و الزّرع:ارتفع عن الأرض و استقلّ نباته،و هو جثم و يحرّك.
و العذق جثوما:عظم بسره و هو جثم.
و الطّين و التّراب و الرّماد:جمعه،و هي الجثمة بالضّمّ.
و كغراب:الكابوس كالجاثوم.
و الجثّامة:البليد،و السّيّد الحليم،و نوّام لا يسافر كالجاثوم و الجثمة كهمزة و صرد.
و الجثمان:بالضّمّ:الجسم،و الشّخص،و جثمانيّة الماء في قول الفرجيّة:
و باتت بجثمانيّة الماء نيبها
إلى ذات زجل كالمآتم حسّرا
أرادت الماء نفسه أو وسطه أو مجتمعه.و الجثوم بالضّمّ:ماء لهم،و جبل،و الأكمة كالجثمة محرّكة،و دارة الجثوم:لبني الأضبط.(4:88)
مجمع اللّغة:جثم يجثم جثوما:لزم مكانه لاصقا بالأرض لا يبرح،فهو جاثم و هم جاثمون.(1:182)
محمّد إسماعيل إبراهيم:جثم الطّائر،وقع على صدره،أو لزم مكانه.
و جثم الإنسان:لزم مكانه فلم يبرح،أو لصق بالأرض فهو جاثم،و الجمع:جاثمون.(1:102)
المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو التّجمّع من جهة الاستقرار و السّكون،و التّثبّت على المكان،فهي قريبة من الجثّ و الجبيّ و الجبّ.(2:55)
1- فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ.
الأعراف:78
ابن عبّاس: ميّتين لا يتحرّكون.(131)
نحوه ابن زيد(الطّبريّ 8:233)،و النّيسابوريّ(8:
167).
خامدين ميّتين لا يتحرّكون.(الواحديّ 2:384)
نحوه البيضاويّ.(1:357)
الإمام الصّادق عليه السّلام: [في حديث طويل يقول في آخره:]
فلمّا كان نصف اللّيل أتاهم جبرئيل عليه السّلام،فصرخ عليهم صرخة خرقت تلك الصّرخة أسماعهم،و فلقت قلوبهم،و صدعت أكبادهم،و قد كانوا في تلك الثّلاثة الأيّام قد تحنّطوا و تكفّنوا،و علموا أنّ العذاب نازل بهم،
ص: 56
فماتوا أجمعين في طرفة عين صغيرهم و كبيرهم،فلم يبق لهم ثاغية و لا راغية و لا شيء إلاّ أهلكه اللّه،فأصبحوا في ديارهم و كانت مضاجعهم موتى أجمعين،ثمّ أرسل اللّه عليهم مع الصّيحة النّار من السّماء،فأحرقتهم أجمعين.
(العروسيّ 2:49)
أبو عبيدة :أي بعضهم على بعض جثوم،و له موضع آخر:جثوم على الرّكب.[ثمّ استشهد بشعر]
(1:218)
الطّبريّ: يعني سقوطا صرعى لا يتحرّكون،لأنّهم لا أرواح فيهم قد هلكوا،و العرب تقول للبارك على الرّكبة:جاثم.[ثمّ استشهد بشعر](8:233)
ابن الأنباريّ: قال المفسّرون:معنى جاثمين بعضهم على بعض،أي عند نزول العذاب بهم:سقط بعضهم على بعض كما يجثم الطّير.(الواحديّ 2:384)
الماورديّ: و في الجاثم قولان:
أحدهما:أنّه البارك على ركبتيه،لأنّهم أصبحوا موتى على هذه الحال.
و الثّاني:معناه أنّهم أصبحوا كالرّماد الجاثم،لأنّ الصّاعقة أحرقتهم.
و قيل:إنّه كان بعد العصر.(2:236)
الطّوسيّ: و معنى(جاثمين)باركين على ركبهم موتى.(4:485)
نحوه الطّباطبائيّ.(8:183)
الرّاغب: استعارة للمقيمين من قولهم:جثم الطّائر، إذا قعد و لطئ بالأرض.(88)
الزّمخشريّ: (جاثمين)هامدين لا يتحرّكون موتى، يقال:النّاس جثم،أي قعود لا حراك بهم و لا ينبسون نبسة،و منه المجثّمة الّتي جاء النّهي عنها،و هي البهيمة تربط و تجمع قوائمها لترمى.(2:91)
نحوه النّسفيّ.(2:62)
الطّبرسيّ: أي صرعى ميّتين،ساقطين لا حركة بهم.(2:441)
الفخر الرّازيّ: [ذكر قول الزّمخشريّ و أضاف:]
فثبت أنّ الجثوم عبارة عن السّكون و الخمود.ثمّ اختلفوا،فمنهم من قال:لمّا سمعوا الصّيحة العظيمة تقطّعت قلوبهم و ماتوا جاثمين على الرّكب،و قيل:بل سقطوا على وجوههم،و قيل:وصلت الصّاعقة إليهم فاحترقوا و صاروا كالرّماد،و قيل:بل عند نزول العذاب عليهم سقط بعضهم على بعض،و الكلّ متقارب.(14:165)
القرطبيّ: أي لا صقين بالأرض على ركبهم و وجوههم،كما يجثم الطّائر،أي صاروا خامدين من شدّة العذاب،و أصل الجثوم للأرنب و شبهها،و الموضع مجثم.[ثمّ استشهد بشعر]
و قيل:احترقوا بالصّاعقة فأصبحوا ميّتين،إلاّ رجلا واحدا كان في حرم اللّه،فلمّا خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه.(7:242)
أبو حيّان :و قيل:معناه حمما محترقين كالرّماد الجاثم.ذهب هذا القائل إلى أنّ الصّيحة اقترن بها صواعق محرقة.(4:331)
أبو السّعود :[نحو الزّمخشريّ و أضاف:]
و المراد كونهم كذلك عند ابتداء نزول العذاب بهم من غير اضطراب و لا حركة،كما يكون عند الموت
ص: 57
المعتاد،و لا يخفى ما فيه من شدّة الأخذ و سرعة البطش، اللّهمّ إنّا بك نعوذ من نزول سخطك و حلول غضبك.
و(جاثمين)خبر ل(اصبحوا)و الظّرف متعلّق به، و لا مساغ لكونه خبرا و جاثمين حالا،لإفضائه إلى كون الإخبار بكونهم في دارهم مقصودا بالذّات،و كونهم جاثمين قيدا تابعا له غير مقصود بالذّات.(2:512)
نحوه البروسويّ(3:192)،و الآلوسيّ(8:165).
رشيد رضا :الجثوم للإنسان و الطّير كالبروك للإبل،فالأوّل:وقوع النّاس على ركبهم و خرورهم على وجوههم،و الثّاني:وقوع الطّير لاطئة بالأرض في حال سكونها باللّيل،أو قتلها في الصّيد.
و المعنى أنّهم لم يلبثوا و قد وقعت الصّاعقة بهم أن سقطوا مصعوقين،و جثموا هامدين خامدين.(8:507)
المراغيّ: أي لم يلبثوا أن سقطوا مصعوقين جثثا هامدة،حين نزلت بهم الصّيحة في أرضهم.(8:202)
مكارم الشّيرازيّ: و جاثم في الأصل:مشتقّ من مادّة«جثم»بمعنى القعود على الرّكب،و التّوقّف في مكان واحد.و لا يبعد أن يكون هذا التّعبير إشارة إلى أنّ الزّلزلة و الرّجفة جاءتهم و هم في حالة نوم هنيئة، فجلسوا على أثرها فجأة،و بينما كانوا قاعدين على ركبهم لم تمهلهم الرّجفة بل ماتوا و هم على هذه الهيئة،إمّا خوفا،و إمّا بسبب انهيار الجدران عليهم،و إمّا بفعل الصّاعقة الّتي رافقت الزّلزال.(5:94)
و بهذا المعنى جاءت الآية(91)من سورة الأعراف.
2- وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ. هود:67
ابن زيد :مبيّتين،لأنّ الصّيحة كانت بياتا في اللّيل.(الماورديّ 2:480)
الطّبريّ: قد جثمتهم المنايا،و تركتهم خمودا بأفنيتهم.(12:68)
الماورديّ: في(جاثمين) وجهان:أحدهما:[قول ابن زيد المتقدّم]،الثّاني:هلكى بالجثوم.
و في الجثوم تأويلان:أحدهما:أنّه السّقوط على الوجه،الثّاني:أنّه القعود على الرّكب.(2:481)
نحوه الطّوسيّ.(6:22)
البغويّ: صرعى هلكى.(2:455)
مثله الخازن.(3:196)
الميبديّ: ميّتين صرعى،و الجثوم:السّقوط على الوجه،فأماتهم اللّه إلاّ رجلا كان في حرم اللّه،فمنعه حرم اللّه من عذاب اللّه.و جاء في الخبر أنّه أبو ثقيف.
(4:412)
ابن عطيّة: أي باركين قد صعق بهم،و هو تشبيه بجثوم الطّير،و بذلك يشبه جثوم الأثافي و جثوم الرّماد.
(3:187)
الطّبرسيّ: أي ميّتين واقعين على وجوههم، و يقال:(جاثمين)أي قاعدين على ركبهم.(3:175)
الفخر الرّازيّ: الجثوم هو السّكون،يقال للطّير إذا باتت في أوكارها:إنّها جثمت،ثمّ إنّ العرب أطلقوا هذا اللّفظ على ما لا يتحرّك من الموت،فوصف اللّه تعالى هؤلاء المهلكين بأنّهم سكنوا عند الهلاك،حتّى كأنّهم ما كانوا أحياء.(18:22)
ص: 58
القرطبيّ: أي ساقطين على وجوههم،قد لصقوا بالتّراب كالطّير إذا جثمت.(9:62)
الشّربينيّ: أي باركين على الرّكب ميّتين.
(2:68)
أبو السّعود :(جاثمين)هامدين موتى لا يتحرّكون، و المراد كونهم كذلك عند ابتداء نزول العذاب بهم من غير اضطراب و حركة،كما يكون ذلك عند الموت المعتاد،و لا يخفى ما فيه من الدّلالة على شدّة الأخذ و سرعته،اللّهمّ إنّا نعوذ بك من حلول غضبك.
(3:330)
نحوه الآلوسيّ(12:91)،و القاسميّ(9:3463).
البروسويّ: [مثل أبي السّعود و أضاف:]
و جثومهم:سقوطهم على وجوههم،أو الجثوم:
السّكون.[ثمّ قال نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]
قال في«بحر العلوم»:يقال:النّاس جثم،أي قعود لا حراك بهم و لا ينبسون نبسة،و منه المجثّمة الّتي نهى الشّرع عنها،و هي البهيمة تربط و تجمع قوائمها لترمى.
(4:160)
رشيد رضا :أي ساقطين على وجوههم مصعوقين، لم ينج منهم أحد،شبّهوا بالطّير في لصوقها بالأرض.
يقال:جثم الطّائر و الأرنب من باب«ضرب»جثوما، و هو كالبروك من البعير.(12:126)
مكارم الشّيرازيّ: الجاثم من مادّة جثم،على وزن«ردم»و معناه المصدريّ:الجلوس على الفخذ،كما يأتي بمعنى السّقوط للوجه.
و يستفاد طبعا من التّعبير ب(جاثمين)أنّ الصّيحة من السّماء كانت السّبب في موتهم،إلاّ أنّ أجسادهم كانت ملقاة على الأرض.لكن يستفاد من بعض الرّوايات أنّ الصّاعقة أحرقتهم بنارها،و لا منافاة بين الأمرين،لأنّ أثر الصّوت الموحش للصّاعقة يتّضح فورا.و أمّا آثار حرقها،و خاصّة لمن هم داخل العمارات،فيظهر بعدئذ.
(6:550)
و بهذا المعنى جاءت الآيتان هود(94)،و العنكبوت (37).
1-الأصل في هذه المادّة:الجثوم،و هو التّجمّع، يقال:جثم الطّائر يجثم و يجثم جثما و جثوما فهو جاثم، أي تلبّد بالأرض و لزق،و جثّمت الطّير فهي مجثّمة،أي حبست.و من ثمّ استعير لسائر الحيوان و الإنسان و الأشياء،يقال:جثمت الأرنب تجثم جثوما،فهي جثوم،و مكانها مجثم.
و جثم فلان بالأرض يجثم جثوما:لصق بها و لزمها، و هو جاثم،و الجمع جثوم.و الجاثم:البارك على رجليه كما يجثم الطّير،و الجاثمة:الّذي لا يبرح بيته،و رجل جثمة و جثّامة:النّئوم الّذي لا يسافر.
و جثم العسل على المعدة يجثم جثوما:لصق بها، يقال:إذا شربت العسل جثم على رأس المعدة،ثمّ قذف الدّاء.
و جثم فلان الطّين و التّراب و الرّماد:جمعها،و هي الجثمة،و الجثمة و الجثوم:الأكمة.
و الجثم:العذق إذا عظم بسره،و الجمع:جثوم؛يقال:
ص: 59
جثمت العذوق تجثم جثوما،أي عظمت فلزمت مكانها.
و الجثمان:الجسم،يقال:ما أحسن جثمان الرّجل و جسمانه!و الجثمان أيضا:الشّخص،يقال:جاءني بثريد مثل جثمان القطاة،أي كشخصها.
و جثمانيّة الماء:وسطه و مجتمعه و مكانه.
و الجاثوم و الجثام و الجثّامة و الجثم و الجثمة:
الكابوس يجثم على الإنسان.
و الجثّامة:البليد،و السّيّد الحليم،و هما من هذا الباب؛فالأوّل فدم ثقيل الفهم،و الثّاني يقبض يده عند الغضب،و لا يبطش بخصمه،رغم قدرته على ذلك.
و جثم اللّيل جثوما:انتصف،فكأنّه جمع بين نصفيه،أوّل اللّيل و آخره.
2-و بين«ج ث م»و«ج ث و»اشتقاق أكبر؛يقال للرّجل:إنّه لعظيم الجثوة و الجثّة.و جثوة الرّجل:
جسده،و الجثوة:مثل الجثمة،و هو التّراب المجتمع، و جثا يجثوا:جلس على ركبتيه فهو جاث،كالجاثم،و هو البارك على رجليه كما يجثم الطّير.
جاء منها لفظ واحد(5)مرّات في ثلاث سور مكّيّة:
1- فَعَقَرُوا النّاقَةَ وَ عَتَوْا عَنْ أَمْرِ رَبِّهِمْ وَ قالُوا يا صالِحُ ائْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الْمُرْسَلِينَ* فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ الأعراف:77،78
2- فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا صالِحاً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا وَ مِنْ خِزْيِ يَوْمِئِذٍ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ الْقَوِيُّ الْعَزِيزُ* وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ هود:66،67
3- وَ قالَ الْمَلَأُ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَوْمِهِ لَئِنِ اتَّبَعْتُمْ شُعَيْباً إِنَّكُمْ إِذاً لَخاسِرُونَ* فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ الأعراف:90،91
4- وَ لَمّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا شُعَيْباً وَ الَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ بِرَحْمَةٍ مِنّا وَ أَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دِيارِهِمْ جاثِمِينَ هود:94
5- وَ إِلى مَدْيَنَ أَخاهُمْ شُعَيْباً فَقالَ يا قَوْمِ اعْبُدُوا اللّهَ وَ ارْجُوا الْيَوْمَ الْآخِرَ وَ لا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ* فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ فَأَصْبَحُوا فِي دارِهِمْ جاثِمِينَ
العنكبوت:36،37
يلاحظ أوّلا:أنّه لم يأت منها إلاّ(جاثمين)خمس مرّات وصفا للعذاب الواقع على قومي صالح و شعيب بسياق واحد فَأَصْبَحُوا... جاثِمِينَ.
ثانيا:قالوا في معناه:ميّتين لا يتحرّكون،صرعى لا يتحرّكون،هامدين خامدين،لاصقين بالأرض على ركبهم،باركين على ركبهم موتى،مبيّتين،لأنّ الصّيحة كانت بياتا باللّيل،أصبحوا كالرّماد الجاثم،لأنّ الصّاعقة أحرقتهم،صرعى هلكى،ساكتين،سقط بعضهم على بعض،ساقطين على الوجوه،قاعدين على الرّكب و نحوها،و أكثرها-أي غير الأخيرين-تفسير بلازم المعنى،لأنّ الجثوم لغة كما حدّده الماورديّ:«السّقوط على الوجه أو القعود على الرّكب،فهو كناية عن الهلاك بذلّة.
ثالثا:(جاثمين)خبر(اصبحوا)،و ليس حالا كما قيل،و الجارّ متعلّق به،قدّم عليه رعاية لرويّ الآيات،
ص: 60
و لأنّها أصبحت مثلا قرآنيّا لهؤلاء،فجاءت بلفظ واحد.
رابعا:جاءت(1)و(2)بشأن قوم صالح،و في إحداهما فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ، و في الأخرى وَ أَخَذَ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ و معلوم أنّ الصّيحة تعقبها الرّجفة،فالصّيحة و الرّجفة متلازمتان،فلم يخل ما نزل بشأن القومين عنهما و هذا من لطائف القرآن.
خامسا:كلّما ذكرت الرّجفة،ذكر معها(دارهم) مفردا،و كلّما ذكرت الصّيحة ذكر معها(ديارهم)جمعا، تأكيدا لمزيد أثر الصّيحة الّتي كانت سبب الرّجفة،فهي تحطّم الدّيار و السّاكنين فيها جميعا.
سادسا:و أيضا كلّما ذكرت الصّيحة،جاء معها اَلَّذِينَ ظَلَمُوا تعليقا على الوصف و تعليلا بظلمهم الّذي جلب عليهم الصّيحة بما لها من الأثر البالغ.
سابعا:جاءت في الجميع(فاصبحوا)تفريعا بالفاء على ما قبلها،لكن جاءت فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ بالفاء وَ أَخَذَتِ... اَلصَّيْحَةُ بالواو،و السّرّ فيهما أنّ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ جاءت عقيب ما صدر عنهم من التّكذيب و الإعراض،مثل فَكَذَّبُوهُ فَأَخَذَتْهُمُ الرَّجْفَةُ في(5)و نظيرها في(1)و(3).أمّا وَ أَخَذَتِ... اَلصَّيْحَةُ فهي عطف على صدر الآيتين (3)و(4): فَلَمّا جاءَ أَمْرُنا نَجَّيْنا، و ليست تفريعا على ما قبلها فلاحظ.
ثامنا:الآيات كلّها مكّيّة كأكثر ما نزلت بشأن القومين:عاد و ثمود،و كانا من العرب البائدة،أسلاف العرب العرباء،لاحظ«ثمود و شعيب»فهي ككثير من القصص أنسب بأهل مكّة،و ألصق بابتداء الدّعوة.
ص: 61
ص: 62
لفظان،3 مرّات مكّيّة،في سورتين مكّيّتين
جاثية 1:1 جثيّا 2:2
الخليل :الجثوة:تراب مجموع كهيئة القبر.
و الجثو:مصدر الجاثي،و الجثوّ أيضا.(6:172)
ابن شميّل: يقال للرّجل:إنّه لعظيم الجثوة، و الجثّة.و جثوة الرّجل:جسده،و الجميع:الجثى.[ثمّ استشهد بشعر]
و القبر:جثوة،و ما ارتفع من الأرض،نحو ارتفاع القبر:جثوة.(الأزهريّ 11:172)
أبو عمرو الشّيبانيّ: ناقة ضخمة الجثوة،إذا كانت ضخمة البركة.(1:119)
و الجثوة:التّراب المجتمع.(الأزهريّ 11:172)
الفرّاء: جثوة من النّار،و جذوة،و جثوة و جذوة.
و الجثى:تراب مجموعة،واحدتها:جثوة.
(الأزهريّ 11:171)
ابن الأعرابيّ: الجاذي:على قدميه،و الجاثي:
على ركبتيه،و جثا على ركبتين،و هو الانتصاب.
(الحربيّ 3:1171)
و الجثوة:البدن و الوسط.(ابن سيده 7:540)
ابن دريد :و جثا الرّجل يجثوا جثوّا و جثيّا و جثوا، إذا برك على ركبتيه.و الجثوة و الجثوة و الجثوة:ثلاث لغات،من التّراب و غيره ما جمعته،و الجمع:جثى،و به سمّي القبر جثوة.[ثمّ استشهد بشعر](2:34)
الأزهريّ: و في الحديث:«فلان من جثى جهنّم».
و له معنيان فيما فسّر أبو عبيد:
أحدهما:أنّه ممّن يجثو على الرّكب فيها.
و الآخر:أنّه من جماعات أهل جهنّم،على رواية من روى«جثى»بالتّخفيف.
و من رواه«من جثيّ جهنّم»بتشديد الياء،فهو جمع الجاثي،قال اللّه تعالى: ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا مريم:68.[ثمّ استشهد بشعر]
ص: 63
و يقال:جثا فلان على ركبتيه،يجثو جثوّا و جثيّا.
(11:171)
الصّاحب: الجثوّ:مصدر الجاثي،و هم جثيّ و جثيّ.
و جثوت الإبل و الغنم:جمعتهما،و جثيتهما:نحوه.
و نعم مجثّ.
و في الحديث:«من دعا دعاء الجاهليّة فهو من جثى جهنّم»أي من جماعتها،و يروى«من جثيّ جهنّم»و هو جمع:جاث.
و الجثوة:تراب مجموع كهيئة القبر.
و يقال:جثوة و جثوة و جثوة من النّار،أي قطعة منها؛و كذلك من الشّجرة إذا قطعتها فأبقيت أصلها.
و الجثى:الأنصاب الّتي تذبح عليها الذّبائح.
و الجثى:الجاثوم باللّيل.
و الجثاء:الشّخص كالجماء،و الجثاء كذلك.
و الجثاء:الجزاء أيضا و القدر؛جثاء القوم كذا،أي زهاؤهم.(7:168)
الجوهريّ: الجثوة و الجثوة و الجثوة،ثلاث لغات:الحجارة المجموعة.
و جثى الحرم بالضّمّ و جثى الحرم أيضا بالكسر:
ما اجتمع فيه من حجارة الجمار.
و جثا على ركبتيه يجثو و يجثي جثيّا و جثوّا،على «فعول»فيهما،و أجثاه غيره.
و قوم جثيّ أيضا،مثل جلس جلوسا و قوم جلوس، و منه قوله تعالى: (وَ نَذَرُ الظّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) مريم:72، و(جثيّا)أيضا بكسر الجيم لما بعدها من الكسرة.
و جاثيته ركبتي إلى ركبته،و تجاثوا على الرّكب.
و سورة الجاثية:الّتي تلي الدّخان.(6:2298)
الهرويّ: قوله تعالى: (ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا) (1)مريم:68 جثيّ:جمع جاث،و هو الّذي يجثو على الرّكبة.
و في الحديث:«من دعا دعاء الجاهليّة فهو من جثى جهنّم»واحدة الجثا:جثوة،بضمّ الجيم،أي من جماعات جهنّم،نعوذ باللّه منها.
و الجثوة:الشّيء المجموع.(319)
ابن سيده: جثا يجثو جثوّا و جثيّا:جلس على ركبتيه للخصومة و نحوها.[ثمّ استشهد بشعر]
و قوم جثيّ،و جثيّ.
و قد تجاثوا في الخصومة مجاثاة،و جثاء،و هما من المصادر الآتية على غير أفعالها.
و جثا جثوا و جثوّا،كجذا جذوا و جذوّا،إذا قام على أطراف أصابعه،و عدّه أبو عبيد في البدل.و أمّا ابن جنّيّ فقال:ليس أحد الحرفين بدلا من صاحبه،بل هما لغتان.
و الجثوة،و الجثوة،و الجثوة:حجارة من تراب مجتمع كالقبر.و الجثوة:القبر،سمّي بذلك.و قيل:هي الرّبوة الصّغيرة،و قيل:هو الكومة من التّراب.[إلى أن قال:]
و الجثوة،و الجثوة،و الجثوة:لغة في الجذوة، و الجذوة،و الجذوة.و زعم يعقوب:أنّ الثّاء هنا بدل من الذّال.(7:539)
الرّاغب: جثى على ركبتيه جثوّا و جثيّا فهو جاث،ة.
ص: 64
نحو عتا يعتو عتوّا و عتيّا.و جمعه:جثيّ،نحو باك و بكيّ، و قوله عزّ و جلّ: (وَ نَذَرُ الظّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا) مريم:72، يصحّ أن يكون جمعا نحو:بكيّ،و أن يكون مصدرا موصوفا به.
و«الجاثية»في قوله عزّ و جلّ: وَ تَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً الجاثية:28،فموضوع موضع الجمع،كقولك:
جماعة قائمة و قاعدة.(88)
الطّوسيّ: و الجثوّ:البروك على طرف الأصابع، فهو أبلغ من«الجثو».(9:261)
الزّمخشريّ: جثا على ركبتيه جثوّا،و رأيته جاثيا بين يديه وَ تَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً الجاثية:28، و رأيتهم جثيّا عنده.
و في الحديث:«أنا أوّل من يجثو للخصومة بين يدي اللّه تعالى يوم القيامة»
و تجاثوا على الرّكب،و جاثى خصمه مجاثاة.
و صار فلان جثوة من تراب.[ثمّ استشهد بشعر]
(أساس البلاغة:52)
[نحو الهرويّ و أضاف:]
و الجثوة:ما جمع من تراب و غيره،فاستعيرت.
و روي جثيّ،و هو جمع جاث،من قوله تعالى:
حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا مريم:68.(الفائق 1:190)
الطّبرسيّ: الجثيّ:جمع الجاثي،و هو الّذي برك على ركبتيه.و أصله:جثوّ«فعول»من جثا يجثو.
(3:522)
المدينيّ: في حديث عامر:«رأيت قبور الشّهداء جثا»الجثا:جمع جثوة،و هي الحجر أو التّراب المجموع.
و في حديث آخر:«فإذا لم نجد حجرا جمعنا جثوة من تراب»أي قطعة تجمع فتكون كومة،و يقال:الجثوة، بضمّ الجيم و كسرها و فتحها.فجمع الأوليين:جثا و جثا،بضمّ الجيم و كسرها،و جمع المفتوحة:جثوات.
و منه الحديث:«من دعا دعاء الجاهليّة فهو من جثا جهنّم»أي جماعاتها؛و جثوت الإبل و الغنم،و جثيتها:
جمعتها.
و قيل:«هو من جثيّ جهنّم»جمع جاث،فعلى هذا يجوز بكسر الجيم و ضمّها كالعصيّ و العصيّ،أي من الّذين يجثون في جهنّم.
و في حديث إتيان المرأة في رواية:«مجثّاة»بدل مجبّية»،لو صحّ نقله،كأنّه أراد مجثّاة للرّكبة،يقال:
جثيته و أجثيته فجثا.
و منه حديث ابن عمر رضي اللّه عنهما:«إنّ النّاس يصيرون يوم القيامة جثا،كلّ أمّة تتبع نبيّها»،أي جماعة،و تروى هذه اللّفظة:«جثيّ»بتشديد الياء،جمع جاث،و هو الّذي يجلس على ركبتيه.(1:296)
الفيّوميّ: جثا على ركبته جثيّا و جثوّا،من بابي «علا ورمى»فهو جاث،و قوم جثيّ على«فعول».
(91)
الفيروزآباديّ: الجثوة،مثلّثة:الحجارة المجموعة، و الجسد،و الجذوة،و الوسط.
و جثا الحرم بالضّمّ و الكسر:ما اجتمع فيه من الحجارة الّتي توضع على حدود الحرم،أو الأنصاب تذبح عليها الذّبائح؛و وهم الجوهريّ.
و جثا كدعا ورمى،جثوّا و جثيّا بضمّهما:جلس على
ص: 65
ركبتيه،أو قام على أطراف أصابعه،و أجثاه غيره،و هو جاث:جمع جثيّ بالضّمّ و الكسر.
و جاثيت ركبتي إلى ركبته،و تجاثوا على الرّكب.
و الجثاء كسحاب:الشّخص،و يضمّ،و الجزاء،و القدر، و الزّهاء.و كسميّ:جبل.
و جثوت الإبل و جثيتها:جمعتها.(4:312)
الطّريحيّ: و في حديث عليّ عليه السّلام:«أنا أوّل من يجثو للخصومة»أي يجلس على الرّكب و أطراف الأصابع عند الحساب.
و الجثوّ و الجثيّ،بالضّمّ فيهما،بمعنى،و الفعل«جثا» كدعا ورمى.(1:81)
المصطفويّ: و الظّاهر أنّ حقيقة«الجثى (1)»قريبة من:الجذو و الجثم و الجثّ،بمعنى أنّ مفهومه مأخوذ من مفاهيم هذه الكلمات،فمعناه التّجمّع في مكان،على حالة بين القيام و القعود،و يعبّر عنها بالاستيفاز.
و هذه الهيئة تدلّ على الانتظار و التّرقّب و فقدان الاطمينان،و هذه حالة من لم يتعيّن له ثواب و لا عقاب، و هو ينتظر صدور الحكم في حقّه.
و«الجثيّ»بالكسر تبعا للعين و الياء،و الأصل على وزان«جلوس»جمعا،أي جاثمين مستوفزين،و صيغة جمع التّكسير تدلّ على التّحقير.(2:56)
وَ تَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً... الجاثية:28
سلمان الفارسيّ: إنّ في يوم القيامة ساعة هي عشر سنين،يخرّ النّاس فيها جثاء على ركبهم،حتّى إنّ إبراهيم عليه السّلام ينادي:نفسي،لا أسألك إلاّ نفسي.
(الواحديّ 4:100)
ابن عبّاس: جامعة.(422)
مجتمعة.(الماورديّ 5:267)
الجاثية:المجتمعة للحساب المترقّبة لما يعمل بها.
(النّيسابوريّ 25:79)
مجاهد :على الرّكب مستوفزين.
(الطّبريّ 25:154)
نحوه مجاهد،و النّحّاس.(النّحّاس 6:431)
الضّحّاك: على الرّكب عند الحساب.
(الطّبريّ 25:154)
نحوه الحسن(الماورديّ 5:267)،و ابن زيد (الطّبريّ 25:154).
عكرمة :متميّزة.(الماورديّ 5:267)
مؤرّج السّدوسيّ: خاضعة،بلغة قريش.
(الماورديّ 5:267)
يحيى بن سلاّم:أنّه للكفّار خاصّة.
(الماورديّ 5:267)
ابن عيينة: مستوفزين،و لا يكون المستوفز إلاّ على ركبتيه،و أطراف أصابعه.(النّحّاس 6:431)
الفرّاء: مجتمعة للحساب.(3:48)
ابن قتيبة :باركة على الرّكب.يراد:أنّها غير مطمئنّة.(405)
ص: 66
الطّبريّ: مجتمعة مستوفزة على ركبها من هول ذلك اليوم.(25:154)
السّجستانيّ: باركة على الرّكب،و تلك جلسة المخاصم و المجادل؛و منه قول عليّ بن أبي طالب رضوان اللّه عليه:«أنا أوّل من يجثو للخصومة».(171)
الماورديّ: أنّه عامّ للمؤمن و الكافر انتظارا للحساب.(5:267)
الواحديّ: جالسة على الرّكب عند الحساب كما يجثي بين يدي الحاكم،ينتظر القضاء.(4:100)
نحوه البغويّ(4:188)،و الميبديّ(9:135)، و النّسفيّ(4:138).
الزّمخشريّ: باركة مستوفزة على الرّكب.و قرئ (جاذية) ،و الجذو أشدّ استيفازا من الجثو،لأنّ الجاذي هو الّذي يجلس على أطراف أصابعه.(3:513)
نحوه البيضاويّ(2:383)،و أبو السّعود(6:63).
الشّربينيّ: أي مجتمعة لا يخالطها غيرها،و هي مع ذلك باركة على الرّكب،رعبا و استيفازا لما لعلّها تؤمر به جلسة المخاصم بين يدي الحاكم،تنتظر القضاء الحاكم و الأمر الجازم اللاّزم،لشدّة ما يظهر لها من هول ذلك اليوم.(3:600)
نحوه البروسويّ.(8:453)
الآلوسيّ: باركة على الرّكب مستوفزة،و هي هيئة المذنب الخائف المنتظر لما يكره.(25:155)
نحوه المراغيّ.(25:161)
القاسميّ: أي باركة،مستوفزة على الرّكب لا حراك بها،شأن الخائف المنتظر لما يكره؛و ذلك عند الحساب أو في الموقف الأوّل،وقت البعث قبل الجزاء.(14:5328)
مغنيّة: يحشر سبحانه النّاس يوم القيامة باركين على الرّكب ينتظرون الحساب و الجزاء.و غير بعيد أن يكون هذا كناية عن هول المطّلع،و روعة الفزع.(7:
31)
عزّة دروزة :(جاثية)من الجثوّ،و هو الجلوس على الرّكب جلسة المتقاضي أمام قاضيه،أو الجلوس جلسة القرفصاء،جلسة الانتظار لقضاء اللّه.
و ذكر بعض المفسّرين أنّ معناها متجمّعة إلى بعضها،منتظرة قضاء اللّه في أمرها.(5:266)
عبد الكريم الخطيب :و الجثوّ:الإناخة على الرّكب؛حيث تنحلّ عزائم النّاس من الهول المحيط بهم في هذا اليوم،فلا تحملهم أرجلهم،فيجثون على ركبهم،أي في هذا اليوم ترى كلّ قد اجتمعت،و جثت على ركبها.
(13:252)
مكارم الشّيرازيّ: يستفاد من بعض التّعابير الّتي وردت في كلمات المفسّرين الكبار أنّ أصحاب الدّعوى في الماضي كانوا يجلسون على هذه الهيئة في مجلس القضاء،ليميّزوا عن الآخرين،و سيجثو الجميع يوم القيامة في تلك المحكمة الكبرى لتتمّ محاكمتهم.
و يمكن أيضا أن يكون هذا التّعبير علامة على استعدادهم،لتقبّل أيّ أمر أو حكم يصدر بحقّهم،لأنّ الّذين يكونون على أهبة الاستعداد يجثون على الرّكب، أو أنّه إشارة إلى ضعف هؤلاء و عجزهم،و خوفهم و اضطرابهم الّذي سيعانونه.و جمع كلّ هذه المعاني في مفهوم الآية ممكن أيضا.
ص: 67
و للجاثية معان أخرى،من جملتها:الجمع الكثير المتراكم،أو جماعة جماعة،و يمكن أن تكون إشارة إلى تراكم البشر و ازدحامهم في محكمة العدل الإلهيّ،أو جلوس كلّ أمّة و فئة على حدة،و بمعزل عن الأمم الأخرى،إلاّ أنّ المعنى الأوّل هو الأنسب و الأشهر.
(16:211)
فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَ الشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا. مريم:68
ابن عبّاس: جميعا.(258)
يعني القعود.(الطّبريّ 16:107)
جماعات،جمع جثوة.(البغويّ 3:242)
نحوه الأخفش و الكلبيّ.(الماورديّ 3:383)
مجاهد :أي على ركبهم.(النّحّاس 4:346)
الضّحّاك: جمع جاث،أي جاثين على الرّكب.
مثله الحسن.(البغويّ 3:242)
نحوه الميبديّ(6:73)
العوفيّ: بروكا على الرّكب.(الماورديّ 3:383)
ابن زيد:الجثيّ: شرّ الجلوس.(ابن عطيّة 4:26)
السّدّيّ: أي قياما.(343)
قائمين على الرّكب لضيق المكان.(البغويّ 3:242)
الطّبريّ: و الجثيّ:جمع الجاثي.(16:106)
الزّجّاج: و(جثيّا)بالضّمّ و الكسر جميعا،و معنى جثيّا على ركبهم،لا يستطيعون القيام ممّا هم فيه.و جثيّ:
جمع جاث و جثى،مثل قاعد و قعود،و بارك و بروك.
و الأصل ضمّ الجيم،و جائز كسرها،إتباعا لكسرة الياء،و(جثيّا)منصوب على الحال.(3:338)
نحوه السّجستانيّ.(118)
النّحّاس: إنّهم لشدّة ما هم فيه،لا يقدرون على القيام.(4:347)
الطّوسيّ: جمع الجاثي،و هو الّذي برك على ركبتيه.
(7:141)
الزّمخشريّ: فإن قلت:ما معنى إحضارهم جثيّا؟
قلت:أمّا إذا فسّر الإنسان بالخصوص،فالمعنى أنّهم يقبلون من المحشر إلى شاطئ جهنّم عتلا على حالهم الّتي كانوا عليها في الموقف،جثاة على ركبهم غير مشاة على أقدامهم؛و ذلك أنّ أهل الموقف وصفوا بالجثوّ،قال اللّه تعالى: وَ تَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً الجاثية:28،على العادة المعهودة في مواقف المقاولات و المناقلات،من تجاثى أهلها على الرّاكب،لما في ذلك من الاستيفاز و القلق و إطلاق الجثا و خلاف الطّمأنينة،أو لما يدهمهم من شدّة الأمر الّتي لا يطيقون معها القيام على أرجلهم فيحبون على ركبهم حبوا.
و إن فسّر بالعموم،فالمعنى أنّهم يتجاثون عند موافاة شاطئ جهنّم.على أنّ(جثيّا)حال مقدّرة كما كانوا في الموقف متجاثين،لأنّه من توابع التّواقف للحساب،قبل التّوصّل إلى الثّواب و العقاب.(2:519)
نحوه البيضاويّ(2:38)،و أبو السّعود(4:252).
ابن عطيّة: جمع جاث،كقاعد و قعود و جالس و جلوس.و أصله«جثوو»و ليس في كلام العرب واو متطرّفة قبلها ضمّة،فوجب لذلك أن تعلّ،و لم يعتدّ
ص: 68
هاهنا بالسّاكن الّذي بينهما لخفّته و قلّة حوله،فقلبت ياء،فجاء«جثويا»فاجتمع الواو و الياء،و سبقت إحداهما بالسّكون،فقلبت ياء،ثمّ أدغمت،ثمّ كسرت التّاء للتّناسب بين الكسرة و الياء.
و قرأ الجمهور (جِثِيًّا) و (صِلِيًّا) مريم:70،بضمّ الجيم و الصّاد.و قرأ ابن وثّاب و طلحة و الأعمش (جثيّا) و (صليّا) ذاته بكسر الجيم و الصّاد.
و أخبر اللّه تعالى أنّه يحضر هؤلاء المنكرين للبعث مع الشّياطين،فيجثون حول جهنّم،و هي قعدة الخائف الذّليل على ركبتيه كالأسير.(4:26)
الطّبرسيّ: و المعنى يجثون حول جهنّم متخاصمين و يتبرّأ بعضهم من بعض،لأنّ المحاسبة تكون بقرب جهنّم.و قيل:جثيّا أي جماعات جماعات عن ابن عبّاس، كأنّه قيل:زمرا.و هو جمع جثوة،و جثوة هي المجموع من التّراب و الحجارة.(3:523)
الفخر الرّازيّ: و هذا الإحضار يكون قبل إدخالهم جهنّم،ثمّ إنّه تعالى يحضرهم على أذلّ صورة،لقوله تعالى: (جِثِيًّا) لأنّ البارك على ركبتيه صورته صورة الذّليل أو صورته صورة العاجز.
فإن قيل:هذا المعنى حاصل للكلّ،بدليل قوله تعالى: وَ تَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً الجاثية:28،و السّبب فيه جريان العادة أنّ النّاس في مواقف المطالبات من الملوك يتجاثون على ركبهم،لما في ذلك من الاستنظار و القلق،أو لما يدهمهم من شدّة الأمر الّذي لا يطيقون معه القيام على أرجلهم،و إذا كان هذا عامّا للكلّ فكيف يدلّ على مزيد ذلّ الكفّار؟
قلنا:لعلّ المراد أنّهم يكونون من وقت الحشر إلى وقت الحضور في الموقف على هذه الحالة،و ذلك يوجب مزيد الذّلّ في حقّهم.(21:241)
نحوه النّيسابوريّ.(16:75)
القرطبيّ: جمع:جاث،يقال:جثا على ركبتيه يجثو و يجثي جثوّا و جثيّا على«فعول»فيهما،و أجثاه غيره.
و قوم جثيّ أيضا،مثل جلس جلوسا و قوم جلوس، و«جثى»أيضا بكسر الجيم لما بعدها من الكسر.
و قال ابن عبّاس: (جثيّا)جماعات،و قال مقاتل:
جمعا جمعا،و هو على هذا التّأويل:جمع جثوة و جثوة و جثوة،ثلاث لغات،و هي الحجارة المجموعة و التّراب المجموع.[إلى أن قال:]
و قال الحسن و الضّحّاك: جاثية على الرّكب،و هو على هذا التّأويل:جمع جاث،على ما تقدّم؛و ذلك لضيق المكان،أي لا يمكنهم أن يجلسوا جلوسا تامّا.
و قيل:جثيّا على ركبهم للتّخاصم،كقوله تعالى:
ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ الزّمر:31.
(11:133)
النّسفيّ: (جثيّا)حال،جمع جاث،أي بارك على الرّكب،و وزنه«فعول»لأنّ أصله«جثوو»كسجود و ساجد،أي يعتلون من المحشر إلى شاطئ جهنّم عتلا على حالهم الّتي كانوا عليها في الموقف،جثاة على ركبهم غير مشاة على أقدامهم.(3:42)
الشّربينيّ: (جثيّا)حال مقدّرة من مفعول لَنُحْضِرَنَّهُمْ و هو جمع جاث،جمع على«فعول»نحو قاعد و قعود و جالس و جلوس،و أصله«جثوو»بواوين
ص: 69
أو«جثوي»من:جثا يجثو و يجثى،لغتان.[ثمّ أدام نحو الفخر الرّازيّ](2:439)
البروسويّ: أي جالسين على الرّكب،لما يعرضهم من شدّة الأمر الّتي لا يطيقون معها القيام على أرجلهم.
(5:349)
نحوه القاسميّ.(11:4157)
الآلوسيّ: و قرأ غير واحد من السّبعة بضمّها،و هو جمع«جاث»في القراءتين.و جوّز الرّاغب كونه مصدرا، نظير ما قيل في«بكيّ»و قد مرّ.و لعلّ إحضار الكفرة بهذه الحال إهانة لهم،أو لعجزهم عن القيام لما اعتراهم من الشّدّة.
و قال بعضهم:إنّ المحاسبة تكون حول جهنّم، فيجثون لمخاصمة بعضهم بعضا،ثمّ يتبرّأ بعضهم من بعض،و قال السّدّيّ:يجثون لضيق المكان بهم.فالحال على القولين مقدّرة،بخلافه على ما تقدّم.و قيل:إنّها عليه مقدّرة أيضا،لأنّ المراد الجثيّ حول جهنّم.
و من جعل الضّمير للكفرة و غيرهم قال:إنّه يحضر السّعداء و الأشقياء حول جهنّم ليرى السّعداء ما نجّاهم اللّه تعالى منه فيزدادوا غبطة و سرورا،و ينال الأشقياء ما ادّخروا لمعادهم،و يزدادوا غيظا من رجوع السّعداء عنهم إلى دار الثّواب،و شماتتهم بهم و يجثون كلّهم،ثمّ لما يدهمهم من هول المطّلع،أو لضيق المكان،أو لأنّ ذلك من توابع التّواقف للحساب،و التّقاول قبل الوصول إلى الثّواب و العقاب.
و قيل:إنّهم يجثون على ركبهم إظهارا للذّلّ في ذلك الموطن العظيم،و يدلّ على جثيّ جميع أهل الموقف ظاهر قوله تعالى: وَ تَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً.
(16:118)
الطّباطبائيّ: الجثيّ في أصله على«فعول»جمع الجاثي،و هو البارك على ركبتيه.و نسب إلى ابن عبّاس أنّه جمع«جثوة»و هو المجتمع من التّراب و الحجارة، و المراد أنّهم يحضرون زمرا و جماعات متراكما بعضهم على بعض،و هذا المعنى أنسب للسّياق.(14:88)
مغنيّة:بعد أن يخرجوا من قبورهم على أسوأ حال تقعدهم الملائكة على الرّكب حول جهنّم لينظروا إليها، فيزدادوا حسرات و أنّات.(5:193)
مكارم الشّيرازيّ: إنّ هذه الآية توحي بأنّ محكمة الأفراد الكافرين و المجرمين قريبة من جهنّم.
و التّعبير بالجثيّ-مع العلم أنّ(جثيّا)جمع:جاث،و هو الّذي يجثو على ركبتيه-ربّما كان إشارة إلى ضعف و عجز و ذلّة هؤلاء،حتّى إنّهم لا قدرة لهم على الوقوف أحيانا.
إنّ لهذه الكلمة معاني أخرى أيضا،فمن جملتها أنّهم فسّروا(جثيّا)بمعنى جماعة جماعة،و بعضهم فسّرها بمعنى الكثرة و ازدحام بعضهم على بعض كالحجارة و التّراب،إلاّ أنّ التّفسير الأوّل هو الأنسب و الأشهر.
(9:431)
الدّامغانيّ: جثيّا على وجهين:
فوجه منها:جثيّا يعني جميعا،قوله: ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا مريم:68 يعني جميعا.
و الوجه الثّاني:جثيّا يعني جاثين على ركبهم،قوله:
ص: 70
وَ تَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً الجاثية:28،يعني جاثين على ركبهم.(230)
1-الأصل في هذه المادّة:الجثوّ،و هو تجمّع الشّيء، يقال:جثا فلان يجثو جثوّا و جثيّا،أي جلس على ركبتيه،و أجثاه غيره،و هو جاث،و الجمع:جثيّ و جثيّ و جثى،و الجاثية:مؤنّث الجاثي،يوضع موضع الجمع، يقال:جماعة جاثية.و تجاثوا على الرّكب مجاثاة و جثاة، و جاثيت ركبتي إلى ركبته.و جثا جثوا و جثوّا،أي قام على أطراف أصابعه،أو على قدمه،أو أقعى،و هو-كما يبدو-على التّوسّع.
و الجثوة:الجسد،يقال للرّجل:إنّه لعظيم الجثوة و الجثّة،و الجمع جثى،و جثى الحرم:ما اجتمع فيه من الحجارة،و هو القبر،و التّراب المجتمع.
و الجثوة:القبر،و الرّبوة الصّغيرة،و هو الجثوة أيضا.
2-و أمّا قول الفرّاء:«جذوة من النّار و جثوة»،فهو على البدل كما قال ابن السّكّيت،و الأصل فيه«الذّال» لأنّه مشتقّ من جذية الشّجرة،أي أصلها،كما سيأتي في «ج ذ و».
جاء منها لفظان:(جاثية)مرّة،و(جثيّا)مرّتين:
1- وَ تَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ الجاثية:28
2- فَوَ رَبِّكَ لَنَحْشُرَنَّهُمْ وَ الشَّياطِينَ ثُمَّ لَنُحْضِرَنَّهُمْ حَوْلَ جَهَنَّمَ جِثِيًّا مريم:68
3- ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَ نَذَرُ الظّالِمِينَ فِيها جِثِيًّا مريم:72
و يلاحظ أوّلا:أنّه«جثو»قريب من«جثم»في أحد معنييه،و هو القعود على الرّكبة،و هذا يحكي نهاية الذّلّة و العجز و انتظار السّوء،و الفرق بينهما أنّ«جثم» جاء في القرآن بشأن ما وقع من العذاب بقوم صالح و شعيب في الدّنيا،فليس فيه انتظار،و«جثو»جاء بشأن الآخرة حيث ينتظر النّاس أن يحيق بهم السّوء، فتشعر بشيء من الانتظار.
ثانيا:جاءت(جاثية)بشأن الأمم كافّة صالحها و طالحها،فقال: وَ تَرى كُلَّ أُمَّةٍ جاثِيَةً كُلُّ أُمَّةٍ تُدْعى إِلى كِتابِهَا الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ ما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ، و أمّا (جثيّا)بضمّ الجيم و كسره-جمع جاث-فجاء بشأن الكفّار و الشّياطين.
ثالثا:هذه المادّة اختصّت بسورتين مكّيّتين:مريم و الجاثية،فلعلّها كانت لغة أهل مكّة،أمّا«جثم»و إن غلبت عليه المكّيّة إلاّ أنّ واحدة من آياتها كانت مدنيّة، فلاحظ.
ص: 71
ص: 72
3 ألفاظ،12 مرّة مكّيّة،في 10 سور مكّيّة
جحدوا 2:2 يجحد 3:3
يجحدون 7:7
الخليل :الجحود:ضدّ الإقرار كالإنكار و المعرفة.
و الجحد:من الضّيق و الشّحّ،و رجل جحد:قليل الخير.[ثمّ استشهد بشعر](3:72)
أبو عمرو الشّيبانيّ: إنّه لجحد النّبت،إذا كان بخيلا،و إنّه لجحد النّائل،و إنّه لمجحد،إذا قلّ نائله.
(1:116)
الجحاديّ و الجخاديّ:الضّخم.(الإبدال:99)
أجحد الرّجل و جحد،إذا أنفض و ذهب ماله.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:125)
الفرّاء: الجحد و الجحد:الضّيق في المعيشة.
(الأزهريّ 4:125)
أبو زيد :جحدله جحدلة،إذا ضربه بالعصا فصرعه،وقذه أو لم يقذه.(95)
أبو عبيد: فرس جحد:و الأنثى جحدة،و الجميع:
جحاد،و هو الغليظ القصير.(الأزهريّ 4:125)
ابن السّكّيت: يقال:جحد الرّجل جحدا،و هو القليل الخير.و أرض جحدة،و هي اليابسة الّتي ليس بها خير.(19)
رجل جحد و مجحد،و هو الأنكد،القليل خيرا، الضّيّق مسكا،و قد جحد الرّجل يجحد جحدا.و أجحد، إذا قلّ خيره.[ثمّ استشهد بشعر](74)
الجحد:مصدر جحدت و الجحد:مصدر جحد النّبت،إذا قلّ و لم يطل.و يقال:كدأ النّبت.و يقال:رجل جحد و مجحد،إذا كان قليل الخير.و يقال:نكدا له و جحدا له.(إصلاح المنطق:50)
و الجحد و الجحد من قلّة الخير،يقال:رجل جحد و جحد.[ثمّ استشهد بشعر](إصلاح المنطق:86)
و يقال:أجحد الرّجل فهو مجحد،إذا كان ضيّقا قليل
ص: 73
الخير.و حكى لنا أبو عمرو عن بعضهم:هو الأنكد، القليل الخير،الضّيّق مسكا.و يقال أيضا في هذا المعنى:
قد جحد يجحد جحدا.[ثمّ استشهد بشعر]
و قد جحدت الشّيء أجحده جحدا.
(إصلاح المنطق:267)
شمر: الجحاديّة:قربة ملئت لبنا،أو غرارة ملئت تمرا أو حنطة.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 4:125)
الزّجّاج: جحد الرّجل و أجحد،إذا قلّ خيره.
(فعلت و أفعلت:8)
أجحدته:صادفته بخيلا.(الصّغانيّ 2:205)
ابن دريد :استعمل منها:جحد الرّجل يجحد جحودا،إذا أنكر ما عليه من حقّ.
و عام جحد:قليل المطر،و رجل جحد:فقير.
و الجحد:القلّة من كلّ شيء.و سمّت العرب:جحادة.
(2:53)
الأزهريّ: جحد عيشهم جحدا،إذا ضاق و اشتدّ.
[ثمّ استشهد بشعر](4:125)
الصّاحب: الجحود:ضدّ الإقرار.
و الجحد:الضّيق.و الشّحّ.
و رجل جحد:قليل الخير،يقال منه:جحد و أجحد،و الجحد:لغة فيه.
و الجحاديّ: الضّخم،و الخاء لغة فيه.
و الجحاديّة:قربة أو سقاء ملآن،أو غرارة مملوءة تمرا.
و الجحّاد:البطيء الإنزال.(2:395)
الجوهريّ: الجحود:الإنكار مع العلم،يقال:
جحده حقّه و بحقّه،جحدا و جحودا.
و الجحد أيضا:قلّة الخير،و كذلك الجحد بالضّمّ.
[ثمّ استشهد بشعر]
و الجحد بالتّحريك مثله،يقال:نكدا له و جحدا.
و جحد الرّجل بالكسر جحدا،فهو جحد،إذا كان ضيّقا قليل الخير.و أجحد،مثله.[ثمّ استشهد بشعر]
و عام جحد:قليل المطر.
و جحد النّبت،إذا قلّ و لم يطل.
و جحادة:اسم رجل.(2:451)
ابن فارس: الجيم و الحاء و الدّال أصل يدلّ على قلّة الخير،يقال:عام جحد:قليل المطر.و رجل جحد:
فقير،و قد جحد و أجحد.[إلى أن قال:]
و من هذا الباب:الجحود،و هو ضدّ الإقرار، و لا يكون إلاّ مع علم الجاحد به أنّه صحيح،قال اللّه تعالى: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ النّمل:
14،و ما جاء جاحد بخير قطّ.(1:425)
أبو هلال :الفرق بين الإنكار و الجحد:أنّ الجحد أخصّ من الإنكار،و ذلك أنّ الجحد إنكار الشّيء الظّاهر،و الشّاهد قوله تعالى: بِآياتِنا يَجْحَدُونَ فصّلت:28،فجعل الجحد ممّا تدلّ عليه الآيات، و لا يكون ذلك إلاّ ظاهرا.و قال تعالى: يَعْرِفُونَ نِعْمَتَ اللّهِ ثُمَّ يُنْكِرُونَها النّحل:83،فجعل الإنكار للنّعمة، لأنّ النّعمة قد تكون خافية.
و يجوز أن يقال:الجحد هو إنكار الشّيء مع العلم به، و الشّاهد قوله: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ النّمل:14،فجعل الجحد مع اليقين،و الإنكار يكون مع
ص: 74
العلم و غير العلم.
الفرق بين قولك:جحده و جحد به:أنّ قولك:
جحده يفيد أنّه:أنكره مع علمه به،و جحد به يفيد أنّه جحد ما دلّ عليه،و على هذا فسّر قوله تعالى:
وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ أي جحدوا ما دلّت عليه من تصديق الرّسل.
و نظير هذا قولك،إذا تحدّث الرّجل بحديث:كذّبته و سمّيته كاذبا،فالمقصود المحدّث.و إذا قلت:كذّبت به، فمعناه كذّبت بما جاء به،فالمقصود هاهنا الحديث.
و قال المبرّد:لا يكون الجحود إلاّ بما يعلمه الجاحد، كما قال اللّه تعالى: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ الأنعام:33.
الفرق بين الجحد و الكذب:أنّ الكذب هو الخبر الّذي لا مخبر له على ما هو به،و الجحد:إنكارك الشّيء الظّاهر،أو إنكارك الشّيء مع علمك به،فليس الجحد له إلاّ الإنكار الواقع على هذا الوجه،و الكذب يكون في إنكار و غير إنكار.(33)
ابن سيده: الجحد:نقيض الإقرار،جحده يجحده جحدا و جحودا،و جحده إيّاه.
و قوله تعالى: وَ جَحَدُوا بِها النّمل:14،عدّاه بالباء،لأنّه في معنى كفروا،و كذلك قوله تعالى:
وَ ما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ الأعراف:51،أي بكفرهم بآياتنا.
و الجحد و الجحد و الجحد:قلّة الخير.و قد جحد جحدا،فهو جحد و جحد و أجحد.
و أرض جحدة:يابسة لا خير فيها،و قد جحدت.
و جحد النّبات:قلّ و نكد.
و الجحد:القلّة من كلّ شيء،و قد جحد.و رجل جحد و جحد،كقولهم:نكد و نكد.
و نكدا له و جحدا،و نكدا له و جحدا،و نكدا و جحدا:دعاء عليه.(3:63)
الجحد:جحد النّبت يجحد جحدا:لم يطل،فهو جحد.(الإفصاح 2:1088)
الجحد و الجحد:قلّة الخير،و قيل:قلّة المال،و قيل:
القلّة من كلّ شيء.
جحد العيش يجحد جحدا و جحودا:ضاق و اشتدّ، فهو جحد و أجحد.
و أجحد فلان:ذهب ماله،و قلّ خيره.
(الإفصاح 2:1244)
الرّاغب: الجحود:نفي ما في القلب إثباته،و إثبات ما في القلب نفيه،يقال:جحد جحودا و جحدا،قال عزّ و جلّ: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ النّمل:14،و قال عزّ و جلّ: بِآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ المؤمن:63.
و«يجحد»يختصّ بفعل ذلك،يقال:رجل جحد، شحيح قليل الخير يظهر الفقر،و أرض جحدة:قليلة
النّبت،يقال:جحدا له و نكدا،و أجحد:صار ذا جحد.
(88)
الزّمخشريّ: جحده حقّه و بحقّه،جحدا و جحودا.
و ما أنت إلاّ جاحد جحد،أي قليل الخير،و فيك جحد و جحد كعدم و عدم،و قد جحد فلان و أجحد.[ثمّ استشهد بشعر]
ص: 75
و قلّة الخير على معنيين:الشّحّ و الفقر.و يقال:قد جحد عامنا،و عام جحد.(أساس البلاغة:52)
المدينيّ: الجحد:ضدّ الإقرار،و لا يكون جحدا إلاّ مع علم الجاحد به،بخلاف الإنكار،و كذلك الجحود.
و الجحد:قلّة الشّيء.(1:298)
الصّغانيّ: الجحاديّ،بالضّمّ و تشديد الياء:
الضّخم من كلّ شيء.[ثمّ ذكر مثل قول شمر و أبي عبيد و أضاف:]
الجحّاد:البطيء الإنزال.(2:205)
الفيّوميّ: جحده حقّه و بحقّه جحدا و جحودا:
أنكره،و لا يكون إلاّ على علم من الجاحد به.(1:91)
الفيروزآباديّ: جحده حقّه و بحقّه كمنعه جحدا و جحودا:أنكره مع علمه،و فلانا:صادفه بخيلا و كفرح:
قلّ و نكد،و النّبت:لم يطل.
و الجحد بالفتح و الضّمّ و التّحريك:قلّة الخير.
و جحد كفرح فهو جحد و جحد و أجحد.
و الجحّاد:البطيء الإنزال.
و الجحاديّ بالضّمّ:الضّخم من كلّ شيء،و بهاء:
القربة المملوءة لبنا،و الغرارة المملوءة تمرا أو حنطة.
و فرس جحد ككتف:غليظ قصير،و هي بهاء.
جمعه:ككتاب.
الجخاديّ بالضّمّ و تشديد الياء:الصّحن يحلب فيه، و الضّخم من الإبل،أو من كلّ شيء.(1:290)
الطّريحيّ: و الجحود،هو الإنكار مع العلم،يقال:
جحد حقّه جحدا و جحودا،أي أنكره مع علمه بثبوته.
(3:20)
مجمع اللّغة: جحد الحقّ أو الدّين يجحد جحودا:
أنكرهما،و هو يعلم.
و جحد بالنّعم أو بالآيات:كفر بهما.(1:182)
محمّد إسماعيل إبراهيم:جحد الأمر و به:
أنكره مع علمه به،و جحده حقّه و بحقّه:لم يعترف به، و جحد النّعمة:كفر بها،و الجحد في اللّغة:إنكارك بلسانك ما تستيقنه نفسك.(1:102)
المصطفويّ: و التّحقيق أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو ما يقابل الاعتراف و إظهار الوفاق،و يعبّر عنه ب«الإنكار».و هذا المعنى يختلف باختلاف الموضوعات و الموارد.
فإذا كان العام خلاف ما هو المتوقّع منه،و خلاف ما هو جار في الأعوام الماضية،فيقال:عام جحد.
و كذلك إذا كان الرّجل بعيدا عن الجريان الطّبيعيّ في أموره و معيشته،فيقال:رجل جحد،أي فقير في ضيق العيش،و هكذا النّبت إذا توقّف عن جريانه.
و أمّا قلّة الخير فهي من لوازم هذه المعاني.
و أمّا إطلاق«الجحد»على صيغة مستقبل دخلت عليها حرف«لم»أو«لمّا»؛فباعتبار مطلق الإنكار،سواء كان مع علم الجاحد أم لا.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]
فتحصّل أنّ الإنكار أعمّ من أن يكون باللّسان أو بالطّبيعة أو بالحال.(2:57)
1- وَ تِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ عَصَوْا رُسُلَهُ وَ اتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبّارٍ عَنِيدٍ. هود:59
ص: 76
1- وَ تِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ عَصَوْا رُسُلَهُ وَ اتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبّارٍ عَنِيدٍ. هود:59
ابن عبّاس: كذّبوا أنبياء اللّه.(الواحديّ 2:579)
الطّوسيّ: و الجحد:الخبر بأنّ المعنى ليس بكائن على صحّة،فعلى هذا جحدوا هؤلاء الكفّار بآيات اللّه، أي أخبروا بأنّ المعنى لا نعرف صحّته،و النّفي خبر بعدمه.(6:14)
الفخر الرّازيّ: المراد:جحدوا دلالة المعجزات على الصّدق،أو الجحد،و دلالة المحدثات على وجود الصّانع الحكيم،إن ثبت أنّهم كانوا زنادقة.(18:15)
القرطبيّ: أي كذّبوا بالمعجزات و أنكروها.(9:54)
البيضاويّ: كفروا بها.(1:472)
أبو حيّان :أي أنكروها،و أصل«جحد»أن يتعدّى بنفسه،لكنّه أجري مجرى«كفر»فعدّي بالباء،كما عدّي «كفر»بنفسه في قوله: أَلا إِنَّ عاداً كَفَرُوا رَبَّهُمْ هود:
60،إجراء له مجرى جحد.(5:235)
نحوه القاسميّ.(9:3459)
أبو السّعود :كفروا بها بعد ما استيقنوها.(3:326)
البروسويّ: كفروا بآيات ربّهم بعد ما استيقنوها، يعني أنّهم كانوا يعرفون أنّها حقّ،لكنّهم جحدوها كما يجحد المودع الوديعة و يستمرّ على جحوده و لا يرعوي.
(4:151)
رشيد رضا :أي كفروا بجنس الآيات الّتي يؤيّد بها رسله بجحود ما جاءهم به رسولهم منها.
...و الجحود بالآيات:تكذيب الدّلائل الواضحة عنادا في الظّاهر دون الباطن،كما قال في قوم فرعون:
وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا النّمل:14.(12:119)
2- وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ. النّمل:14
الإمام الصّادق عليه السّلام: الكفر في كتاب اللّه على خمسة أوجه:فمنها كفر الجحود على وجهين.[إلى قوله:]
و أمّا الوجه الآخر من الجحود على معرفة،و هو أن يجحد الجاحد و هو يعلم أنّه حقّ قد استقرّ عنده،و قد قال اللّه عزّ و جلّ: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا. (العروسيّ 4:75)
ابن جريج: الجحود:التّكذيب بها.
(الطّبريّ 19:140)
الطّبريّ: و كذّبوا بالآيات التّسع أن تكون من عند اللّه.(19:140)
نحوه البيضاويّ(2:172)،و الآلوسيّ(19:
168)،و القاسميّ(13:4662).
الطّوسيّ: و المعنى أنّهم عرفوها و علموها بقلوبهم،لكنّهم جحدوا بها بألسنتهم طلبا للعلوّ و التّكبّر،ففي ذلك دلالة على أنّهم كانوا معاندين،إذ جحدوا ما عرفوا.
و قال الرّمّانيّ: لا تدلّ على ذلك،لأنّ معرفتهم كانت بوقوعها على الحقيقة،فأمّا الاستدلال على أنّها من فعل اللّه و من قبله ليدلّ بها على صدق من أعطاها إيّاه،فبعد العلم بوقوعها.
و قال أبو عبيدة:الباء زائدة،و المعنى و جحدوها.
[ثمّ استشهد بشعر]
ص: 77
و قيل:إنّهم جحدوا ما دلّت عليه من تصديق الرّسول،كما تقول:كذّبت به،أي بما جاء به.(8:81)
البغويّ: أي أنكروا الآيات،و لم يقرّوا أنّها من عند اللّه.(3:492)
نحوه ابن الجوزيّ.(6:158)
الميبديّ: لا يكون الجحود إلاّ من علم من الجاحد،و قيل:لا يكون الجحود إلاّ بعد الإقرار بما عرف،و أصل الجحد:قلّة الخير.
و في الباء قولان:
أحدهما:زيادة.[ثمّ استشهد بشعر]
و الثّاني:باء السّبب،أي أزالوا الخير عنهم بسبب ردّهم آيات اللّه،و تكذيبهم حاملها.(7:183)
القرطبيّ: أي تيقّنوا أنّها من عند اللّه،و أنّها ليست سحرا،و لكنّهم كفروا بها،و تكبّروا أن يؤمنوا بموسى.
و هذا يدلّ على أنّهم كانوا معاندين.(13:163)
النّسفيّ: قيل:الجحود لا يكون إلاّ من علم من الجاحد.و هذا ليس بصحيح،لأنّ الجحود هو الإنكار، و قد يكون الإنكار للشّيء للجهل به،و قد يكون بعد المعرفة تعنّتا،كذا ذكر في«شرح التّأويلات»و ذكر في «الدّيوان»يقال:جحد حقّه و بحقّه بمعنى.(3:204)
الشّربينيّ: أي أنكروا كونها آيات موجبات لصدقه مع علمهم بإبطالهم،لأنّ الجحود:الإنكار مع العلم.(3:45)
البروسويّ: كذبوا بألسنتهم كونها آيات إلهيّة.
و الجحود:إنكار الشّيء بعد المعرفة و الإيقان تعنّتا، و أريد هنا التّكذيب لئلاّ يلزم استدراك قوله:
وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ. (6:324)
المراغيّ: أي و كذّبوا بألسنتهم و أنكروا دلالتها على صدقه،و أنّه رسول من ربّه.لكنّهم علموا في قرارة نفوسهم أنّها حقّ من عنده،فخالفت ألسنتهم قلوبهم، ظلما للآيات؛إذ حطّوها عن مرتبتها العالية و سمّوها سحرا،ترفّعا عن الإيمان بها،كما قال في آية أخرى:
فَاسْتَكْبَرُوا وَ كانُوا قَوْماً عالِينَ المؤمنون:47
و الخلاصة:إنّهم تكبّروا عن أن يؤمنوا بها،و هم يعلمون أنّها من عند اللّه.(19:125)
عبد الكريم الخطيب :الجحد و الجحود:الإنكار القائم على المكابرة،و التّحدّي للحقّ و الواقع.
(10:223)
مكارم الشّيرازيّ: يستفاد من هذا التّعبير أنّ الإيمان له حقيقة و واقعيّة غير العلم و اليقين،و يمكن أن يقع الكفر جحودا و إنكارا،بالرّغم من العلم بالشّيء.
و بعبارة أخرى:إنّ حقيقة الإيمان هي الإذعان و التّسليم في الباطن و الظّاهر للحقّ،فبناء على ذلك إذا كان الإنسان مستيقنا بشيء ما إلاّ أنّه لا يذعن له في الباطن أو الظّاهر فليس له إيمان،بل هو ذو كفر جحوديّ،و هذا هو ما نتحدّث عنه و نمرّ عليه في هذا البحث.
لذلك فإنّنا نقرأ حديثا عن الإمام الصّادق عليه السّلام يذكر فيه ضمن عدّه أقسام الكفر الخمسة:كفر الجحود،و يبيّن بعض شعبه بالتّعبير التّالي:هو أن يجحد الجاحد و هو يعلم أنّه حقّ قد استقرّ عنده.
و ممّا ينبغي الالتفات إليه أنّ القرآن يعدّ الباعث على
ص: 78
إنكار فرعون و قومه أمرين:الأوّل:الظّلم،و الثّاني:
العلوّ ظُلْماً وَ عُلُوًّا. (12:23)
فضل اللّه : وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا فلم يكن جحودهم الّذي بدر منها منطلقا من حالة فكريّة تبرّر لهم ذلك،ممّا يمكن أن يكونوا قد اكتشفوه في هذه الآيات من نقاط ضعف، و ما عرضه موسى في رسالته من مواقع رفض،بل كان منطلقا من مشاعر الظّلم العدوانيّ،الّذي يرفض أن يقف فيه الإنسان عند حدّه و حجمه الطّبيعيّ،و من طبيعة الاستعلاء الذّاتيّ أن يمنع الإنسان من القبول بالحقيقة الّتي يتحدّث بها النّاس،الّذين هم أقلّ منه قدرا و طبقة،في ما هي الموازين المألوفة لدى المجتمع في تقدير الأفراد، تبعا لقوّة المال و الجاه و النّسب.
و هذا هو الّذي يفسّر جحود الكثيرين من النّاس لحقائق الحياة و الإيمان،في طبيعة الموقف،في الوقت الّذي نلمح فيه الحقيقة في مواقع اليقين المشرق بالعمق الإيمانيّ،المتفجّر بينابيع النّور.
و ما ذا كانت النّتيجة؟هل استطاعوا أن يطمئنّوا إلى كفرهم و جحودهم و كبريائهم في مواقع السّلطة؟لم يبق لهم شيء من ذلك،فأغرقهم اللّه و أسقط كلّ دورهم الكافر و الظّالم،و تمّت كلمة ربّك صدقا و عدلا.
(17:191)
وَ كَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ مِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ. العنكبوت:47
قتادة :إنّما يكون الجحود بعد المعرفة.
(الطّبريّ 21:4)
الطّبريّ: و ما يجحد بأدلّتنا و حججنا إلاّ الّذي يجحد نعمنا عليه،و ينكر توحيدنا و ربوبيّتنا على علم منه، عنادا لنا.(21:4)
الإسكافيّ: وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ... وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظّالِمُونَ العنكبوت:
47،49،للسّائل أن يسأل عن تسمية الجاحدين في الآية الأولى بالكافرين و في الثّانية بالظّالمين،و أولئك ظالمون كما أنّ هؤلاء كافرون،فلما ذا اختصاص الأولى بتلك الصّفة و الثّانية بهذه الصّفة؟
و الجواب:أنّ من جحد آيات اللّه فقد كفر نعمته، و هذا أوّل ما يفعله،لأنّ ذلك متعلّق بما قبله ممّن تولّى خلقه و أنعم عليه بما استوجب به شكره،فأوّل فعله:كفر نعم اللّه،ثمّ إنّه مسيء إلى نفسه،ظالم بأن أبدلها من النّعيم الّذي عرض له عذابا لا يطيقه؛فكفره أوّل في الذّكر و ظلمه ثان،لأنّه فوّت نفسه عظيم الأجر آخرا في العمل،فقدّم الكافرين على الظّالمين لذلك.(353)
الطّوسيّ: لأنّ كلّ من جحد بآيات اللّه من المكلّفين فهو كافر،معاندا كان أو غير معاند.(8:215)
البغويّ: و ذلك أنّ اليهود و أهل مكّة عرفوا أنّ محمّدا نبيّ و القرآن حقّ فجحدوا.(3:563)
الميبديّ: [مثل البغويّ و أضاف:]
و الجحود أكثر ما يقال في إنكار اللّسان و القلب عارف.(7:396)
ص: 79
الزّمخشريّ: وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا مع ظهورها و زوال الشّبهة عنها إلاّ المتوغّلون في الكفر المصمّمون عليه.(3:208)
الطّبرسيّ: أي و ما ينكر دلالاتنا إلاّ الكافرون و لا يضرّك جحودهم.(4:287)
الفخر الرّازيّ: وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ تنفيرا لهم عمّا هم عليه،يعني أنّكم آمنتم بكلّ شيء، و امتزتم عن المشركين بكلّ فضيلة،إلاّ هذه المسألة الواحدة،و بإنكارها تلتحقون بهم و تبطلون مزاياكم، فإنّ الجاحد بآية يكون كافرا.(25:76)
البروسويّ: الجحد:نفي ما في القلب إثباته،أو إثبات ما في القلب نفيه.(6:478)
الآلوسيّ: و فسّر[الجحد]هنا بالإنكار عن علم، فكأنّه قيل:و ما ينكر آياتنا مع العلم بها. إِلاَّ الْكافِرُونَ. (21:4)
المراغيّ: أي و ما يكذّب بآياتنا و يجحد حقّها إلاّ من يستر الحقّ بالباطل،و يغطّي ضوء الشّمس بالوصائل،و يغمط حقّ النّعمة عليه،و ينكر التّوحيد عنادا و استكبارا.(21:6)
مكارم الشّيرازيّ: و مع الالتفات إلى أنّ مفهوم الجحود،هو أن يعتقد الإنسان بشيء ما و ينكره بلسانه، فإنّ مفهوم الجملة المتقدّمة أنّ الكفّار يعترفون في قلوبهم بعظمة هذه الآيات،و يرون علامات الصّدق عليها، و خطّة النّبيّ طريقته و حياته النّقيّة،و أنّ أتباعه هم المخلصون،و يعدّون كلّ ذلك دليلا على أصالته،إلاّ أنّهم ينكرون ذلك عنادا و تعصّبا،و تقليدا أعمى لأسلافهم و لآبائهم،و لحفظ منافعهم الشّخصيّة العابرة.
و على هذا فإنّ القرآن يحدّد مواقف الأمم المختلفة إزاء هذا الكتاب،و يصنّفهم إلى قسمين:
فقسم هم أهل الإيمان،و هم أعمّ من أن يكونوا علماء اليهود و النّصارى،أو المؤمنين بصدق أو المشركين العطاشى إلى الحقّ،و عرفوا الحقّ فتعلّقت قلوبهم به.
و قسم آخر هم المنكرون المعاندون،الّذين رأوا الحقّ إلاّ أنّهم أنكروه و أخفوا أنفسهم عنه كالخفّاش، لأنّ ظلمة الكفر كانت جزء من نسيج وجودهم،فهم يستوحشون من نور الإيمان.
و ممّا ينبغي الالتفات إليه أنّ هذا القسم-أو هذه الطّائفة-كانوا كفرة من قبل،و لكن التّأكيد على كفرهم ممكن أيضا؛و ذلك لأنّهم لم تتمّ الحجّة عليهم من قبل، و لكنّهم بعد أن تمّت عليهم الحجّة،فقد أصبحوا كافرين كفرا حقيقيّا،و حادوا بعلمهم و اطّلاعهم عن الصّراط المستقيم،و خطوا في دروب الضّلال.(12:381)
و بهذا المعنى جاءت الآية(49)من سورة العنكبوت،و الآية(32)من سورة لقمان.فلاحظ.
1- قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ.
الأنعام:33
ابن عبّاس: كذّبهم قومهم كما كذّبك قومك.
(108)
قتادة :يعلمون أنّك رسول اللّه
ص: 80
و يجحدون.(الطّبريّ 7:181)
السّدّيّ: لمّا كان يوم بدر قال الأخنس بن شريق لبني زهرة:إنّ محمّدا ابن أختكم،فأنتم أحقّ من كفّ عنه،فإنّه إن كان نبيّا لم تقاتلوه اليوم،و إن كان كاذبا كنتم أحقّ من كفّ عن ابن أخته.قفوا هاهنا،حتّى ألقى أبا الحكم،فإن غلب محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم رجعتم سالمين،و إن غلب محمّد فإنّ قومكم لا يصنعون بكم شيئا-فيومئذ سمّي الأخنس،و كان اسمه أبيّ-فالتقى الأخنس و أبو جهل، فخلا الأخنس بأبي جهل،فقال:يا أبا الحكم،أخبرني عن محمّد؟أ صادق أم كاذب،فإنّه ليس هاهنا من قريش أحد غيري و غيرك يسمع كلامنا؟فقال أبو جهل:
ويحك،و اللّه إنّ محمّدا لصادق،و ما كذب محمّد قطّ، و لكن إذا ذهب بنو قصيّ باللّواء،و الحجابة و السّقاية و النّبوّة،فما ذا يكون لسائر قريش؟و قوله تعالى:
بِآياتِ اللّهِ: هي محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم.(241)
ابن قتيبة :يريد:أنّهم كانوا لا ينسبوك إلى الكذب و لا يعرفونك به،فلمّا جئتهم بآيات اللّه جحدوها،و هم يعلمون أنّك صادق.
و الجحد يكون ممّن علم الشّيء فأنكره،يقول اللّه عزّ و جلّ: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا النّمل:14.(تأويل مشكل القرآن:322)
الزّمخشريّ: المعنى:أنّ تكذيبك أمر راجع إلى اللّه،لأنّك رسوله المصدّق بالمعجزات،فهم لا يكذّبونك في الحقيقة،و إنّما يكذّبون اللّه بجحود آياته،فاله عن حزنك لنفسك و إن هم كذّبوك و أنت صادق،و ليشغلك عن ذلك ما هو أهمّ و هو استعظامك بجحود آيات اللّه تعالى و الاستهانة بكتابه،و نحوه قول السّيّد لغلامه إذا أهانه بعض النّاس:إنّهم لم يهينوك و إنّما أهانوني،و في هذه الطّريقة قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ الفتح:10.
و قيل:فإنّهم لا يكذّبونك بقلوبهم و لكنّهم يجحدون بألسنتهم،و قيل:فإنّهم لا يكذّبونك لأنّك عندهم الصّادق الموسوم بالصّدق،و لكنّهم يجحدون بآيات اللّه.
و عن ابن عبّاس رضي اللّه عنهما:كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم يسمّى الأمين،فعرفوا أنّه لا يكذب في شيء و لكنّهم كانوا يجحدون.و كان أبو جهل يقول:ما نكذّبك،لأنّك عندنا صادق،و إنّما نكذّب ما جئتنا به.(2:15)
ابن عطيّة: يَجْحَدُونَ، حقيقته في كلام العرب:الإنكار بعد معرفة،و هو ضدّ الإقرار،و معناه على تأويل من رأى الآية في«المعاندين»مترتّب على حقيقته،و هو قول قتادة و السّدّي و غيرهما،و على قول من رأى أنّ الآية في«الكفّار»قاطبة دون تخصيص أهل العناد،يكون في اللّفظة تجوّز،و ذلك أنّهم لمّا أنكروا نبوّته و راموا تكذيبه بالدّعوى الّتي لا تعضدها حجّة، عبّر عن إنكارهم بأقبح وجوه الإنكار،و هو الجحد، تغليظا عليهم و تقبيحا لفعلهم؛إذ معجزاته و آياته نيّرة يلزم كلّ مفطور أن يعلمها و يقرّبها.
و جميع ما في هذه التّأويلات من نفي التّكذيب إنّما هو عن اعتقادهم،و أمّا أقوال جميعهم فمكذّبة،إمّا له و إمّا للّذي جاء به.
و كفر العناد جائز الوقوع بمقتضى النّظر،و ظواهر القرآن تعطيه،كقوله: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ النّمل:14،و غيرها.و ذهب بعض المتكلّمين إلى المنع من جوازه،و ذهبوا إلى أنّ المعرفة تقتضي الإيمان،و الجحد يقتضي الكفر،و لا سبيل إلى اجتماعهما،و تأوّلوا ظواهر القرآن،فقالوا في قوله تعالى:
ص: 81
و كفر العناد جائز الوقوع بمقتضى النّظر،و ظواهر القرآن تعطيه،كقوله: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ النّمل:14،و غيرها.و ذهب بعض المتكلّمين إلى المنع من جوازه،و ذهبوا إلى أنّ المعرفة تقتضي الإيمان،و الجحد يقتضي الكفر،و لا سبيل إلى اجتماعهما،و تأوّلوا ظواهر القرآن،فقالوا في قوله تعالى:
وَ جَحَدُوا بِها إنّها في أحكام التّوراة الّتي بدّلوها كآية الرّجم و غيرها.
و دفع ما يتصوّر العقل و يعقل من جواز كفر العناد على هذه الطّريقة صعب،أمّا أنّ كفر العناد من العارف باللّه و بالنّبوّة،فبعيد،لأنّه لا داعية إلى كفر العناد إلاّ الحسد،و من عرف اللّه و النّبوّة و أنّ محمّدا يجيئه ملك من السّماء،فلا سبيل إلى بقاء الحسد مع ذلك.أمّا أنّه جائز فقد رأى أبو جهل على رأس النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فحلا عظيما من الإبل قد همّ بأبي جهل،و لكنّه كفر مع ذلك.
و الّذي عندي في كفر حييّ بن أخطب و من جرى مجراه،أنّهم كانوا يرون صفات النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و يعرفونها أو أكثرها،ثمّ يرون من آياته زائدا على ما عندهم، فيتعلّقون في مغالطة أنفسهم بكلّ شبهة بأضعف سبب، و تتخالج ظنونهم فيقولون مرّة:هو ذلك،و مرّة:عساه ليسه،ثمّ ينضاف إلى هذا حسدهم و فقدهم الرّئاسة، فيتزايد و يتمكّن إعراضهم و كفرهم و هم على هذا،و إن عرفوا أشياء و عاندوا فيها،فقد قطعوا في ذلك بأنفسهم عن الوصول إلى غاية المعرفة و بقوا في ظلمة الجهل،فهم جاهلون بأشياء،معاندون في أشياء غيرها،و أنا أستبعد العناد مع المعرفة التّامّة.(2:286)
الطّبرسيّ: أي بالقرآن و المعجزات،يجحدون بغير حجّة سفها و جهلا و عنادا.و دخلت الباء في بِآياتِ اللّهِ و الجحد يتعدّى بغير الجارّ و المجرور،لأنّ معناه هنا التّكذيب،أي يكذّبون بآيات اللّه.
و قال أبو عليّ: الباء تتعلّق ب(الظّالمين)و المعنى و لكنّ الظّالمين بردّ آيات اللّه أو إنكار آيات اللّه يجحدون ما عرفوه من صدقك و أمانتك،و مثله قوله سبحانه:
وَ آتَيْنا ثَمُودَ النّاقَةَ مُبْصِرَةً فَظَلَمُوا بِها الإسراء:
59،أي ظلموا بردّها أو الكفر بها.(2:295)
ابن شهرآشوب:و هل الجحد بآياته إلاّ تكذيب نبيّه،نفى تكذيبهم بقلوبهم تديّنا و اعتقادا و إن كانوا يظهرون بأفواههم التّكذيب،كما قال: وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَ هُمْ يَعْلَمُونَ البقرة:146.
قال أبو زيد المدنيّ: لقي أبو جهل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم فصافحه أبو جهل،فقيل له في ذلك،فقال:و اللّه أعلم أنّه نبيّ، و لكن متى كنّا تبعا لبني عبد مناف،فأنزل اللّه الآية.
و قال الأخنس-و قد سئل عن النّبيّ بالسّرّ-:و اللّه إنّ محمّدا لصادق و ما كذب قطّ،و لكن إذا ذهب بنو قصيّ باللّواء و الحجابة و السّقاية و النّدوة و النّبوّة ما ذا يكون لقريش. فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ: لا يفعلون ذلك بحجّة، و لا يتمكّنون من إبطال ما جئت به،يقال:فلان لا يستطيع أن يكذّبني و لا يدفع قولي.(لا يكذّبونك):
لا يلقونك متقوّلا،كما تقول:قاتلته فما أحييته و حادثته فما أكذبته.قال الكسائيّ:أي لا ينسبونك إلى الكذب فيما أتيت به،لأنّه كان عندهم أمينا.قوله: وَ كَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَ هُوَ الْحَقُّ الأنعام:66،و لم يقل:و كذّبك قومك،المعنى في قوله:(لا يكذّبونك)إنّ تكذيبك راجع إليّ و عائد عليّ،و لست المختصّ به،لأنّه رسول اللّه،فمن
ص: 82
كذّبه كذّب اللّه لا يُكَذِّبُونَكَ في الأمر الّذي توافق فيه كتبهم و إن كذّبوك في غيره.
و قال المرتضى:لا يكذّبونك جميعهم و إن كذّبوك بعضهم،و هم الظّالمون الّذين ذكروا في الآية إنّهم يجحدون بآيات اللّه.و هذا تسلية للنّبيّ أنّه إن كذّبك بعضهم فإنّ فيهم من يصدّقك.(2:11)
نحوه الشّربينيّ(1:417)،و رشيد رضا(7:372).
الفخر الرّازيّ: ظاهر هذه يقتضي أنّهم لا يكذّبون محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم،و لكنّهم يجحدون بآيات اللّه.
و اختلفوا في كيفيّة الجمع بين هذين الأمرين على وجوه:
الوجه الأوّل:أنّ القوم ما كانوا يكذّبونه في السّرّ و لكنّهم كانوا يكذّبونه في العلانيّة و يجحدون القرآن و النّبوّة.ثمّ ذكروا لتصحيح هذا الوجه روايات:
إحداها:أنّ الحرث بن عامر من قريش قال:
يا محمّد،و اللّه ما كذبتنا قطّ،و لكنّا إن اتّبعناك نتخطّف من أرضنا،فنحن لا نؤمن بك لهذا السّبب.
و ثانيها:[رواية الأخنس،و قد مرّ ذكرها]
إذا عرفت هذا فنقول:معنى الآية على هذا التّقدير:
أنّ القوم لا يكذّبونك بقلوبهم و لكنّهم يجحدون نبوّتك بألسنتهم و ظاهر قولهم و هذا غير مستبعد،و نظيره قوله تعالى في قصّة موسى: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا.
الوجه الثّاني أنت في تأويل الآية:أنّهم لا يقولون:
إنّك أنت كذّاب،لأنّهم جرّبوك الدّهر الطّويل و الزّمان المديد،و ما وجدوا منك كذبا،البتّة،و سمّوك بالأمين فلا يقولون فيك:إنّك كاذب و لكن جحدوا صحّة نبوّتك و رسالتك،إمّا لأنّهم اعتقدوا أنّ محمّدا عرض له نوع خبل و نقصان،فلأجله تخيّل من نفسه كونه رسولا من عند اللّه.و بهذا التّقدير:لا ينسبونه إلى الكذب،أو لأنّهم قالوا:إنّه ما كذب في سائر الأمور،بل هو أمين في كلّها إلاّ في هذا الوجه الواحد.
الوجه الثّالث:في التّأويل:إنّه لمّا ظهرت المعجزات القاهرة على وفق دعواه،ثمّ إنّ القوم أصرّوا على التّكذيب،فاللّه تعالى قال له:إنّ القوم ما كذّبوك،و إنّما كذّبوني،و نظيره:أنّ رجلا إذا أهان عبدا لرجل آخر، فقال هذا الآخر:أيّها العبد إنّه ما أهانك،و إنّما أهانني، و ليس المقصود منه نفي الإهانة عنه بل المقصود تعظيم الأمر و تفخيم الشّأن و تقريره:أنّ إهانة ذلك العبد جارية مجرى إهانته،و نظيره قوله تعالى: إِنَّ الَّذِينَ يُبايِعُونَكَ إِنَّما يُبايِعُونَ اللّهَ الفتح:10.
و الوجه الرّابع في التّأويل،و هو كلام خطر بالبال:
هو أن يقال:المراد من قوله: فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ أي لا يخصّونك بهذا التّكذيب بل ينكرون دلالة المعجزة على الصّدق مطلقا،و هو المراد من قوله: وَ لكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ، و المراد أنّهم يقولون في كلّ معجزة:إنّها سحر،و ينكرون دلالة المعجزة على الصّدق على الإطلاق،فكان التّقدير:أنّهم لا يكذّبونك على التّعيين بل القوم يكذّبون جميع الأنبياء و الرّسل،و اللّه أعلم.(12:204)
نحوه المراغيّ.(7:109)
البيضاويّ: و لكنّهم يجحدون بآيات اللّه
ص: 83
و يكذّبونها،فوضع(الظّالمين)موضع الضّمير للدّلالة على أنّهم ظلموا بجحودهم،أو جحدوا لتمرّنهم على الظّلم،و الباء لتضمين الجحود معنى التّكذيب.
(1:308)
الخازن :يعني في العلانية؛و ذلك أنّهم جحدوا القرآن بعد معرفة الصّدق الّذي أنزل عليه،لعنادهم و كفرهم،كما قال اللّه تعالى في حقّ غيرهم: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا النّمل:14.
و قيل:ظاهر الآية يدلّ على أنّهم لم يكذّبوا محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم،و إنّما جحدوا آيات اللّه،و هي القرآن الدّالّ على صدقه.فعلى هذا يكون المعنى فإنّهم لا يكذّبونك، لأنّهم قد عرفوا صدقك،و إنّما جحدوا صحّة نبوّتك و رسالتك.(2:107)
أبو السّعود :أي و لكنّهم بآياته تعالى يكذّبون.
فوضع المظهر موضع المضمر،تسجيلا عليهم بالرّسوخ في الظّلم الّذي يعتبر جحودهم هذا فنّا من فنونه، و الالتفات إلى الاسم الجليل لتربية المهابة و استعظام ما أقدموا عليه من جحود آياته تعالى،و إيراد الجحود في مورد التّكذيب للإيذان بأنّ آياته تعالى من الوضوح؛ بحيث يشاهد صدقها كلّ أحد،و أنّ من ينكرها فإنّما ينكرها بطريق الجحود الّذي هو عبارة عن الإنكار مع العلم بخلافه،كما في قوله تعالى: وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ النّمل:14،و هو المعنيّ بقول من قال:إنّ نفي ما في القلب إثباته،أو إثبات ما في القلب نفيه.
و الباء متعلّقة ب(يجحدون)و يقال:جحد حقّه و بحقّه،إذا أنكره و هو يعلمه.و قيل:هو لتضمين الجحود معنى التّكذيب،و أيّا ما كان فتقديم الجارّ و المجرور للقصر.(2:375)
نحوه البروسويّ.(3:25)
الآلوسيّ: و إيراد الجحود في مورد التّكذيب للإيذان بأنّ آياته سبحانه من الوضوح؛بحيث يشاهد صدقها كلّ أحد،و أنّ من ينكرها فإنّما ينكرها بطريق الجحود،و هو كالجحد:نفي ما في القلب إثباته أو إثبات ما في القلب نفيه.
و الباء متعلّق ب«يجحدون»و الجحد يتعدّى بنفسه و بالباء،فيقال:جحده حقّه و بحقّه،و هو الّذي يقتضيه ظاهر كلام الجوهريّ و الرّاغب.و قيل:إنّما يتعدّى بنفسه،و الباء هاهنا لتضمينه معنى التّكذيب.
و أيّا ما كان فتقديم الجارّ و المجرور مراعاة لرءوس الآي أو للقصر.و نقل الطّبرسيّ عن أبي عليّ:أنّ الجارّ متعلّق ب(الظّالمين)و فيه خفاء.
و يحتمل أن يكون المعنى أنّه يحزنك قولهم،لأنّه تكذيب لي،فأنت لم تحزن لنفسك بل لما هو أهمّ و أعظم، و لا يخفى أنّ هذا خلاف المتبادر.
و قيل:معنى الآية فإنّهم لا يكذّبونك بقلوبهم و لكنّهم يجحدون بألسنتهم.
و قيل:المعنى أنّهم ليس قصدهم تكذيبك،لأنّك عندهم موسوم بالصّدق،و إنّما يقصدون تكذيبي و الجحود بآياتي،و نسب هذا إلى الكسائيّ.
و اعترض الرّضيّ هذا القول:بأنّه لا يجوز أن يصدّقوه صلّى اللّه عليه و سلّم في نفسه و يكذّبوا ما أتى به،لأنّ من المعلوم
ص: 84
أنّه عليه الصّلاة و السّلام كان يشهد بصحّة ما أتى به و صدقه،و أنّه الدّين القيّم و الحقّ الّذي لا يجوز العدول عنه،فكيف يجوز أن يكون صادقا في خبره و يكون الّذي أتى به فاسدا،بل إن كان صادقا فالّذي أتى به صحيح و إن كان الّذي أتى به فاسدا فلا بدّ أن يكون كاذبا فيه.
و قال مولانا سنان: إنّ حاصل المعنى أنّهم لا يكذّبونك في نفس الأمر،لأنّهم يقولون:إنّك صادق، و لكن يتوهّمون أنّه اعترى عقلك-و حاشاك-نوع خلل،فخيّل إليك أنّك نبيّ و ليس الأمر بذاك،و ما جئت به ليس بحقّ.
و قال الطّيّبيّ: مرادهم أنّك لا تكذب لأنّك الصّادق الأمين،و لكن ما جئت به سحر،و يعلم من هذا الجواب عن اعتراض الرّضيّ فتدبّر.
و قيل:معنى الآية أنّهم لا يكذّبونك فيما وافق كتبهم و إن كذّبوك في غيره.
و قيل:المعنى لا يكذّبك جميعهم و إن كذّبك بعضهم و هم الظّالمون المذكورون في هذه الآية.و على هذا لا يكون ذكر(الظّالمين)من وضع المظهر موضع المضمر، و قيل:غير ذلك،و لا يخفى ما هو الأليق بجزالة التّنزيل.
(7:135)
الطّباطبائيّ: كان ظاهر السّياق أن يقال:
و لكنّهم،فالعدول إلى الظّاهر للدّلالة على أنّ الجحد منهم إنّما هو عن ظلم منهم لا عن قصور و جهل و غير ذلك،فليس إلاّ عتوّا و بغيا و طغيانا،و سيبعثهم اللّه ثمّ إليه يرجعون.
و لذلك وقع الالتفات في الكلام من التّكلّم إلى الغيبة،فقيل: بِآياتِ اللّهِ و لم يقل:بآياتنا،للدّلالة على أنّ ذلك منهم معارضة مع مقام الألوهيّة و استعلاء عليه،و هو المقام الّذي لا يقوم له شيء.
و قد قيل في تفسير معنى الآية وجوه أخرى:
أحدها:ما عن الأكثر أنّ المعنى:لا يكذّبونك بقلوبهم اعتقادا،و إنّما يظهرون التّكذيب بأفواههم عنادا.
و ثانيها:أنّهم لا يكذّبونك و إنّما يكذّبونني،فإنّ تكذيبك راجع إليّ و لست مختصّا به.و هذا الوجه غير ما قدّمناه من الوجه و إن كان قريبا منه،و الوجهان جميعا على قراءة التّشديد.
و ثالثها:أنّهم لا يصادفونك كاذبا،تقول العرب:
قاتلناهم فما أجبناهم،أي ما صادفناهم جبناء،و الوجه ما تقدّم.(7:62)
2- اَلَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَ لَعِباً وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَ ما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ. الأعراف:51
ابن عبّاس: يكفرون.(128)
الطّبريّ: يكذّبون،و لا يصدّقون بشيء من ذلك.
(8:202)
الطّوسيّ: الجحد:إنكار معنى الخبر،و أمّا إنكار المنكر،فبكلّ ما يصرف عن فعله إلى تركه،و(ما)في الموضعين مع ما بعدها بمنزلة المصدر،و التّقدير:
كنسيانهم لقاء يومهم هذا،و كونهم جاحدين لآياتنا.
(4:448)
ص: 85
الخازن:يعني و نتركهم في النّار كما كانوا بدلائل وحدانيّتنا يكذّبون.(2:194)
الشّربينيّ: أي و ما كانوا منكرين أنّها من عند اللّه تعالى.(1:479)
أبو السّعود : وَ ما كانُوا... عطف على(ما نسوا) أي و كما كانوا منكرين بأنّها من عند اللّه تعالى إنكارا مستمرّا.(2:497)
الآلوسيّ: كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا... ذهب غير واحد إلى أنّ الكاف للتّعليل متعلّق بما عنده لا للتّشبيه إذ يمنع منه قوله تعالى: وَ ما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ لأنّه عطف على(ما نسوا)و هو يستدعي أن يكون مشبها به النّسيان مثله.
و تشبيه النّسيان بالجحود غير ظاهر،و من ادّعاه قال:المراد نتركهم في النّار تركا مستمرّا كما كانوا منكرين أنّ الآيات من عند اللّه تعالى إنكارا مستمرّا.
و قال القطب:الجحود في معنى النّسيان،و ظاهر كلام كثير من المفسّرين أنّ كلام أهل الجنّة إلى وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا لا أنّ اللّه حرّمهما على الكافرين فقط.
و قال بعضهم:إنّه ذلك لا غير،و عليه فيجوز أن يكون(الّذين)مبتدأ،و جملة فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ خبره، و الفاء فيه مثلها في قولك:الّذي يأتيني فله درهم،كما قيل.(8:127)
الطّباطبائيّ: الجحد:النّفي و الإنكار.(8:134)
فضل اللّه :و لم يكن لهم في جحودهم لها من حجّة أو برهان،بل كانت الحجّة للّه عليهم في ما أرسله من رسله،و ما أنزله من كتبه.(10:135)
و بهذا المعنى جاءت هذه الآيات:النّحل:71، و المؤمن:63،و فصّلت:15 و 28،و الأحقاف:126.
1-الأصل في هذه المادّة:الجحود،أي قلّة الخير، يقال:جحد الرّجل يجحد جحدا و جحدا و جحدا و جحودا،أي شحّ و قلّ خيره،و أجحدته:صادفته بخيلا،فهو جحد و جحد و أجحد و مجحد،و إنّه لجحد النّبت،أي بخيل،و إنّه لجحد النّائل،و إنّه لمجحد،أي قلّ نائله.
و جحد عيشه جحدا و جحدا و جحدا:ضاق و اشتدّ، و جحد،و أجحد:أنفض و ذهب ماله،فهو جحد،أي فقير.
و رجل جحد و جحد:مثل نكد و نكد وزنا و معنى، يقال:نكدا له و جحدا،و هو دعاء عليه.
و أرض جحدة:يابسة لا خير فيها،و قد جحدت، و جحد النّبت:قلّ و لم يطل،و عام جحد:قليل المطر.
و جحده حقّه و بحقّه يجحده جحدا و جحودا:أنكره و هو يعلمه،و كأنّه يفعل ذلك لقلّة خيره و شحّة طبعه.
2-و عدّ ابن السّكّيت (1):الجحاديّ و الجخاديّ:
الضّخم،من البدل،و نظيره الجحاديّة:القربة الّتي ملئت لبنا،أو الغرارة الّتي ملئت تمرا أو حنطة،و كذا فرس جحد:غليظ قصير،و الجمع:جحاد،و الأنثى جحدة؛إذ فيه معنى الغلظة و الضّخامة.
ص: 86
و ذكر صاحب«القاموس»:جحد فلانا،أي صادفه بخيلا،و تبعه شارحه صاحب«التّاج»،و لم يعزه إلى قائله،و لكنّ المشهور عند أرباب اللّغة:أجحده،كما ذكرناه.
جاءت فعلا ماضيا في(1)و(2)و مضارعا في الباقي في(12)آية:
1- وَ تِلْكَ عادٌ جَحَدُوا بِآياتِ رَبِّهِمْ وَ عَصَوْا رُسُلَهُ وَ اتَّبَعُوا أَمْرَ كُلِّ جَبّارٍ عَنِيدٍ هود:59
2- وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ ظُلْماً وَ عُلُوًّا فَانْظُرْ كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الْمُفْسِدِينَ النّمل:14
3- وَ كَذلِكَ أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ فَالَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَ مِنْ هؤُلاءِ مَنْ يُؤْمِنُ بِهِ وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الْكافِرُونَ العنكبوت:47
4- بَلْ هُوَ آياتٌ بَيِّناتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاَّ الظّالِمُونَ العنكبوت:49
5- وَ إِذا غَشِيَهُمْ مَوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ فَلَمّا نَجّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَ ما يَجْحَدُ بِآياتِنا إِلاّ كُلُّ خَتّارٍ كَفُورٍ لقمان:32
6- قَدْ نَعْلَمُ إِنَّهُ لَيَحْزُنُكَ الَّذِي يَقُولُونَ فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَ لكِنَّ الظّالِمِينَ بِآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ
الأنعام:33
7- اَلَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْواً وَ لَعِباً وَ غَرَّتْهُمُ الْحَياةُ الدُّنْيا فَالْيَوْمَ نَنْساهُمْ كَما نَسُوا لِقاءَ يَوْمِهِمْ هذا وَ ما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ الأعراف:51
8- كَذلِكَ يُؤْفَكُ الَّذِينَ كانُوا بِآياتِ اللّهِ يَجْحَدُونَ المؤمن:63
9- فَأَمّا عادٌ فَاسْتَكْبَرُوا فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَ قالُوا مَنْ أَشَدُّ مِنّا قُوَّةً أَ وَ لَمْ يَرَوْا أَنَّ اللّهَ الَّذِي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَ كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ فصّلت:15
10- ذلِكَ جَزاءُ أَعْداءِ اللّهِ النّارُ لَهُمْ فِيها دارُ الْخُلْدِ جَزاءً بِما كانُوا بِآياتِنا يَجْحَدُونَ فصّلت:28
11- وَ لَقَدْ مَكَّنّاهُمْ فِيما إِنْ مَكَّنّاكُمْ فِيهِ وَ جَعَلْنا لَهُمْ سَمْعاً وَ أَبْصاراً وَ أَفْئِدَةً فَما أَغْنى عَنْهُمْ سَمْعُهُمْ وَ لا أَبْصارُهُمْ وَ لا أَفْئِدَتُهُمْ مِنْ شَيْءٍ إِذْ كانُوا يَجْحَدُونَ بِآياتِ اللّهِ وَ حاقَ بِهِمْ ما كانُوا بِهِ يَسْتَهْزِؤُنَ
الأحقاف:26
12- وَ اللّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ فَمَا الَّذِينَ فُضِّلُوا بِرَادِّي رِزْقِهِمْ عَلى ما مَلَكَتْ أَيْمانُهُمْ فَهُمْ فِيهِ سَواءٌ أَ فَبِنِعْمَةِ اللّهِ يَجْحَدُونَ النّحل:71
يلاحظ أوّلا:أنّ سياقها يعطي أنّ الجحود:هو الإنكار عن علم،و به فسّره ابن فارس،فقال:
«و لا يكون إلاّ مع علم الجاحد به أنّه صحيح واضح، و احتجّ ب(2): وَ جَحَدُوا بِها وَ اسْتَيْقَنَتْها أَنْفُسُهُمْ.
ثانيا:أنّه تعلّق بالآيات إلاّ في(12)فتعلّق فيها بالنّعمة،و فيها إشعار بأنّ الآيات حسب مادّتها حقائق ساطعة و أعلام لامعة،لا سبيل إلى إنكارها إلاّ بعد العلم بها،فلهذه المادّة-من وجهة نظر القرآن-علاقة بالآيات و بالنّعمة،و الأولى هي الغالبة عليها لما ذكر.و أمّا النّعمة فشكرها حسن بل واجب عقلا،فجحدها كجحد الآيات البيّنات في القبح.
ص: 87
ثالثا:الآيات كلّها مكّيّة،فهل معنى ذلك أنّ(جحد) كان لغة أهل مكّة،أو يدلّ على شدّة عناد أهلها للنّبيّ عليه السّلام،و كان ذلك معروفا منهم فخصّهم القرآن به.
رابعا:وصف الجاحدون الآيات بأوصاف،تعليلا لجحودهم،و هي:اتّبعوا كلّ جبّار عنيد،مفسدين كافرين،ظالمين،ختّار كفور،اتخذوا دينهم لهوا و لعبا، يؤفكون،استكبروا بغير الحقّ،أعداء اللّه يستهزءون بآيات اللّه.
خامسا:أشكل الجمع بين إنكار الحقّ و العلم بأنّه حقّ،و كذا الجمع بين تصديق النّبيّ،و تكذيب الآيات على كثير منهم،و أوّلوا ما دلّ على ذلك بوجوه لا نرى تكرارها،فلاحظ النّصوص.
ص: 88
3 ألفاظ،26 مرّة:20 مكّيّة،6 مدنيّة
في 18 سورة:13 مكّيّة،5 مدنيّة
جحيم 2:2 الجحيم 23:17-6
جحيما 1:1
الخليل :الجحيم:النّار الشّديدة التّأجّج و الالتهاب،جحمت تجحم جحوما.
و جاحم الحرب:شدّة القتل في معركتها.[ثمّ استشهد بشعر]
و الجحمة:العين،بلغة حمير.[ثمّ استشهد بشعر]
و جحمتا الأسد:عيناه بكلّ لغة.
و الأجحم:الشّديد حمرة العين مع سعتها،و المرأة جحماء،و نساء جحم و جحماوات.(3:87)
اللّيث: كلّ نار توقد على نار:جحيم.
و الجمر بعضه على بعض:جحيم،و هي نار جاحمة.
(الأزهريّ 4:170)
أبو عمرو الشّيبانيّ: أجحم العينين:الجاحظ العينين.(1:119)
جحمت ناركم،تجحم،إذا كثر جمرها،و هي جحيم،و جاحمة.(1:120)
ابن الأعرابيّ: الجحام:داء معروف.
و الجحم:القليلو الحياء.(الأزهريّ 4:170)
الحربيّ: جحيم:نار،لأنّ الجحيم من أسماء النّار، قال اللّه تعالى: لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ التّكاثر:6،و هو أيضا شدّة القتل.[ثمّ استشهد بشعر](3:907)
ابن دريد :جحمت النّار،إذا اضطرمت،تجحم جحما و جحما.
و جمر جاحم،إذا اشتدّ اشتعاله،و منه اشتقاق «الجحيم»و اللّه أعلم بكتابه.
و جحّم الرّجل،إذا فتح عينه كالشّاخص،و العين جاحمة،و به سمّي الرّجل أجحم.
ص: 89
و الجحام:داء يصيب الإنسان في عينه فترم عيناه.
و الجحمة:العين،لغة يمانيّة.[ثمّ استشهد بشعر]
(2:59)
الأزهريّ: يقال:للنّار جاحم،أي توقّد و التهاب، و رأيت جحمة النّار،أي توقّدها.
و أخبرني المنذريّ عن أبي طالب في قولهم:فلان جحّام،و هو يتجاحم علينا،أي يتضايق،و هو مأخوذ من«جاحم الحرب»و هو ضيقها و شدّتها.
و قال بعضهم:هو يتجاحم،أي يتحرّق حرصا و بخلا،و هو من«الجحيم».(4:170)
الصّاحب:الجحيم:النّار الشّديدة التّأجّج.
و جاحم الحرب:شدّة القتل.و يقولون:ذاق فلان جاحما من الحرب فبرد،يقال ذلك للمحتمي في الحرب.
و الجحمة:العين،بلغة حمير.
و الأجحم:شديد حمرة العين مع سعتها،و المرأة:
جحماء،و نساء جحم و جحماوات.
و المجحّم:الّذي ينظر نظرا شديدا يجحظ فيه.
و رجل أجحم العين:مدوّرها.
و الجحام:داء يأخذ في رءوس الكلاب.
و رجل جحّام:ضيّق بخيل،من«جاحم الحرب».
و جحمت النّار جحوما:اضطرمت.(2:417)
الجوهريّ: الجحيم:اسم من أسماء النّار،و كلّ نار عظيمة في مهواة فهي جحيم،من قوله تعالى: قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ الصّافّات:97.
و الجاحم:المكان الشّديد الحرّ.
و الجحمة:العين،بلغة حمير.[ثمّ استشهد بشعر]
و جحم الرّجل:فتح عينيه كالشّاخص،و العين جاحمة.
و جحّمني بعينيه تجحيما:أحدّ إليّ النّظر.
و الأجحم:الشّديد حمرة العين مع سعتها،و المرأة جحماء.
و الجحام:داء يصيب الإنسان فترم عيناه.
و أجحم عن الشّيء:كفّ عنه،مثل أحجم.
(5:1883)
ابن فارس: الجيم و الحاء و الميم عظمها،به الحرارة و شدّتها.فالجاحم:المكان الشّديد الحرّ.[ثمّ استشهد بشعر]
و به سمّيت الجحيم جحيما.و من هذا الباب-و ليس ببعيد منه-الجحمة:العين،و يقال:إنّها بلغة اليمن.و كيف كان فهي من هذا الأصل،لأنّ العينين سراجان متوقّدان.[ثمّ استشهد بشعر]
قالوا:جحمتا الأسد:عيناه في اللّغات كلّها.و هذا صحيح،لأنّ عينيه أبدا متوقّدتان.
[ثمّ ذكر مثل الجوهريّ إلى أن قال:]
فأمّا قولهم:أجحم عن الشّيء،إذا كعّ عنه،فليس بأصل،لأنّ ذلك مقلوب عن«أحجم»،و قد ذكر في بابه.(1:429)
الهرويّ: يقال:جحّم فلان النّار،إذا عظّمها.
و يقال لعين الأسد:جحمة،لشدّة توقّدها.و رأيت جحمة النّار،و هي شدّة توقّدها.(322)
الثّعالبيّ: إذا اشتدّ تأجّجها[النّار]فهي جاحمة.
(308)
ص: 90
ابن سيده: أجحم عنه:كفّ،كأحجم.
و أجحم الرّجل:دنا أن يهلكه.
و الجحيم:النّار الشّديدة التّأجّج.
و قال الزّجّاج: الجحيم:كلّ نار بعضها فوق بعض، و هي مؤنّثة كجميع أسماء النّار،و كذلك الجحمة و الجحمة.[ثمّ استشهد بشعر]
و جحم النّار:أوقدها،و جحمت هي جحوما:
عظمت و تأجّجت.و جحمت جحما و جحما:اضطرمت.
و جمر جاحم:شديد الاشتعال.
و جاحم الحرب:معظمها،و قيل:شدّة القتل في معركتها.
و الجحام:داء يصيب الإنسان في عينه فترم،و قيل:
هو داء يصيب الكلب يكوى منه بين عينيه.
و جحمتا الأسد:عيناه.
و جحمتا الإنسان:عيناه،بلغة أهل اليمن خاصّة.[ثمّ استشهد بشعر]
و التّجحيم:الاستثبات في النّظر لا تطرف عينه.[ثمّ استشهد بشعر]
و عين جاحمة:شاخصة.
و الأجحم:الشّديد حمرة العينين مع سعتها، و الأنثى:جحماء،من نسوة جحم و جحمى.
و الجوحم:الورد الأحمر،و الأعرف تقديم الحاء.
(3:96)
الرّاغب: الجحمة:شدّة تأجّج النّار،و منه «الجحيم».
و جحم وجهه من شدّة الغضب:استعارة من جحمة النّار،و ذلك من ثوران حرارة القلب.
و جحمت الأسد:عيناه لتوقّدهما.(88)
الزّمخشريّ: نار جاحمة:شديدة الحرّ مضطرمة، و مكان جاحم،و منه قيل لعيني الأسد:جحمتاه تزرّان، لتوقّدهما.
و من المجاز:اصطلى فلان بجاحم الحرب.
و ذاق جاحم الحرب فبرد،أي فتر و سكنت حفيظته.[ثمّ استشهد بشعر](52)
المدينيّ: في حديث بعض النّساء:«أنّه كان لها كلب يقال له:مسمار،فأخذه داء يقال له:الجحام، فقالت:وا رحمتاه لمسمار».
الجحام:داء يأخذ الكلب في رأسه،يكوى منه ما بين عينيه،و قد يصيب الإنسان أيضا في عينيه فيرمان،و الكلب منه مجحوم.(1:299)
ابن الأثير: فيه ذكر«الجحيم»في غير موضع،هو اسم من أسماء جهنّم،و أصله:ما اشتدّ لهبه من النّيران.
(1:241)
الفيروزآباديّ: أجحم عنه:كفّ،و فلانا:دنا أن يهلكه.
و الجحيم:النّار الشّديدة التّأجّج.
و كلّ نار بعضها فوق بعض كالجحمة و يضمّ،و كلّ نار عظيمة في مهواة.
و المكان الشّديد الحرّ كالجاحم.
و جحمها كمنعها:أو قدها فجحمت ككرمت جحوما.
و جحم كفرح جحما و جحما و جحوما:اضطرمت.
ص: 91
و الجاحم:الجمر الشّديد الاشتعال،و من الحرب:
معظمها،و شدّة القتل في معركتها.
و كغراب:داء في العين أو في رءوس الكلاب.
و كشدّاد:البخيل،و كصرد:طائر،و كعنق:القليلو الحياء.و جحّمني بعينه تجحيما:استثبت في نظره لا تطرف عينه،أو أحدّ النّظر.
و عين جاحمة:شاخصة.
و الأجحم:الشّديد حمرة العينين مع سعتهما،و هي جحماء،جمع:جحم ككتب و سكرى.و الجوحم:
الحوجم.
و تجحّم:تحرّق حرصا و بخلا و تضايق.
و الجحمة:العين.و جحم كمنع:فتحها كالشّاخص، و العين جاحمة.(4:88)
عزّة دروزة :إنّ الجحيم أو النّار أو جهنّم أو السّعير،كلّها مترادفة...(1:80)
المصطفويّ: إنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو شدّة الحرارة و التّوقّد،و بهذا الاعتبار يطلق على النّار المتوقّدة،و على محلّ يتوقّد فيها النّار.ثمّ إنّ النّار إمّا محسوسة مادّيّة و إمّا متحصّلة من سوء الأعمال و النّيّات،فهي من سنخ ما فوق الطّبيعة.[ثمّ ذكر بعض الآيات و أضاف:]
و ليس في ما بين المعنيين مانعة جمع،و نظرنا إلى تشقيق الشّقوق الممكنة،فإنّ معارف القرآن المجيد لا يحصر في المادّيّات و العوالم المحسوسة.
مع أنّ النّار الرّوحانيّة متحصّلة في النّفس، و متحقّقة في قلب الإنسان،معلومة مدركة لمن كان له أدنى بصيرة،فوجودها مقطوعة.(2:58)
إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَ إِنَّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ.
الانفطار:13،14
ابن عبّاس: في نار.(504)
الإمام الصّادق عليه السّلام:النّعيم:المعرفة و المشاهدة، و الجحيم:ظلمات الشّهوات.[و هذا تأويل لطيف]
(النّيسابوريّ 30:44)
الماورديّ: فيه قولان:
أحدهما:في الآخرة،فيكون نعيم الأبرار في الجنّة بالثّواب،و جحيم الفجّار في النّار بالعقاب.
و القول الثّاني:أنّه في الدّنيا،فعلى هذا فيه أربعة أوجه ذكرها أصحاب الخواطر.
أحدها:النّعيم:القناعة،و الجحيم:الطّمع.
الثّاني:النّعيم:التّوكّل،و الجحيم:الحرص.
الثّالث:النّعيم:الرّضا بالقضاء،و الجحيم:السّخط فيما قدّر و قضى.
الرّابع:النّعيم:بالطّاعة،و الجحيم:بالمعصية.
(6:223)
القشيريّ: في ضيق قلوبهم و تسخّطهم على التّقدير،و في ظلمات تدبيرهم،و ضيق اختيارهم.
(6:266)
الواحديّ: عظيم من النّار.(4:438)
ص: 92
نحوه الميبديّ(10:407)،و الطّبرسيّ(5:450).
النّيسابوريّ: و قال العارفون:النّعيم:الاشتغال باللّه،و الجحيم:الاشتغال بما سواه.[و هذا تأويل منهم]
(30:44)
الشّربينيّ: أي نار محرقة تتوقّد غاية التّوقّد،فهم فيها أبد الآبدين.(4:498)
أبو السّعود :استئناف مسوق لبيان نتيجة الحفظ و الكتاب من الثّواب و العقاب.و في تنكير النّعيم و الجحيم من التّفخيم و التّهويل ما لا يخفى.(6:391)
نحوه الآلوسيّ.(30:66)
البروسويّ: أي النّار و عذابها،و التّنوين للتّهويل.
و الجملتان بيان لما يكتبون لأجله،و هو أنّ الغاية إمّا النّعيم و إمّا الجحيم،و فيه إشارة إلى نعيم الذّكر و الطّاعة و المعرفة و الشّهود و الحضور و الوصال،و إلى جحيم الغفلة و المعصية و الجهل و الاحتجاب و الغيبوبة و الفراق.
قال الخواصّ رحمه اللّه:طاب النّعيم إذا كان منه،و طاب الجحيم إذا كان به.(10:362)
مكارم الشّيرازيّ: (جحيم)من الجحمة،و هي شدّة تأجّج النّار،و تطلق الآيات القرآنيّة«الجحيم» على جهنّم عادة.(19:438)
1- إِنّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَ نَذِيراً وَ لا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ. البقرة:119
الطّبريّ: (الجحيم)هي النّار بعينها إذا شبّت وقودها.[ثمّ استشهد بشعر](1:517)
الواحديّ: (الجحيم):النّار المتلظّية العظيمة، يقال:جحمت النّار تجحم جحوما،فهي جاحمة و جحيم.
(1:200)
البغويّ: (الجحيم):معظم النّار.(1:160)
ابن عطيّة: (الجحيم):إحدى طبقات النّار.
(1:204)
البيضاويّ: (الجحيم):المتأجّج من النّار.
(1:79)
نحوه أبو السّعود.(1:189)
الخازن :أي عن أهل النّار،سمّيت النّار جحيما لشدّة تأجّجها.(1:87)
القاسميّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]
و(الجحيم):من أسماء النّار،و تطلق على النّار الشّديدة التّأجّج،و على كلّ نار بعضها فوق بعض، و على كلّ نار عظيمة في مهواة،و على المكان الشّديد الحرّ.(2:240)
و بهذا المعنى جاءت آيات:الصّافّات:55 و 68 و 163،و الطّور:18،و الحديد:19،و النّازعات:36 و 39،و التّكوير:12،و المطفّفين:16،و التّكاثر:6.
2- وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ. المائدة:10
الطّبريّ: يعني أهل النّار،الّذين يخلدون فيها، و لا يخرجون منها أبدا.(6:143)
الطّوسيّ: أنّهم يخلدون في النّار،لأنّ المصاحبة تقتضي الملازمة،كما يقال:أصحاب الصّحراء،بمعنى الملازمين لها.(3:463)
ص: 93
نحوه الطّبرسيّ.(2:169)
الفخر الرّازيّ: أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ يفيد الحصر.[ثمّ ذكر نحو الطّوسيّ].(11:182)
نحوه الخازن.(2:20)
الشّربينيّ: أي النّار الّتي اشتدّ توقّدها فاشتدّ احمرارها،فلا يراها أحد إلاّ أجحم عنها،فيلقون فيها ثمّ يلازمونها،فلا ينفكّون عنها،كما هو شأن الصّاحب.
(1:360)
أبو السّعود :ملابسوها ملابسة مؤبّدة،من السّنّة السّنيّة القرآنيّة شفع الوعد بالوعيد،و الجمع بين التّرغيب و التّرهيب،إيفاء لحقّ الدّعوة بالتّبشير و الإنذار.(2:244)
الآلوسيّ: أي ملابسو النّار الشّديدة التّأجّج ملابسة مؤبّدة.و الموصول مبتدأ أوّل،و اسم الإشارة مبتدأ ثان،و ما بعده خبره،و الجملة خبر الأوّل.
(6:84)
رشيد رضا :و(الجحيم):النّار العظيمة،كما يؤخذ من قوله حكاية عن قوم إبراهيم صلّى اللّه عليه و سلّم: قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ الصّافّات:97، و معلوم عن الآيات الأخرى أنّهم جعلوا في ذلك البنيان نارا عظيمة.(6:276)
طه الدّرّة: و أضاف(اصحاب)إلى(الجحيم) لملازمة الكفّار لنار جهنّم،فلا يخرجون منها.(3:230)
3- ..فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ. الصّافّات:23
ابن عبّاس: دلّوهم إلى طريق النّار.
(البغويّ 6:17)
الطّبريّ: قيل:إنّ(الجحيم)الباب الرّابع من أبواب النّار.(23:47)
الماورديّ: أي طريق النّار.(5:43)
ابن عطيّة: (الجحيم):طبقة من طبقات جهنّم، يقال:إنّها الرّابعة.(4:469)
القرطبيّ: أي سوقوهم إلى النّار.(15:72)
أبو حيّان :أي عرّفوهم و قودوهم إلى طريق النّار حتّى يصطلوها،و(الجحيم):طبقة من طبقات جهنّم.
(7:356)
4- قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ.
الصّافّات:97
ابن قتيبة :أي في النّار،و(الجحيم):الجمر.
(372)
الطّبريّ: و(الجحيم)عند العرب:جمر النّار بعضه على بعض،و النّار على النّار.(23:75)
الطّوسيّ: بمعنى اطرحوه في النّار الّتي أجّجوها له.
(8:514)
الفخر الرّازيّ: و الألف و اللاّم في(الجحيم)يدلّ على النّهاية،و المعنى في جحيمه،أي في جحيم ذلك البنيان.(26:150)
البيضاويّ: في النّار الشّديد،من الجحمة،و هي شدّة التّأجّج،و اللاّم بدل الإضافة،أي جحيم ذلك البنيان.(2:296)
نحوه أبو السّعود.(5:333)
5- ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ. الحاقّة:31
ص: 94
الطّوسيّ: ف(الجحيم)هي النّار الغليظة،لأنّ النّار قد تكون كنار السّراج و نار القدح،و قد تكون قويّة كنار الحريق،فلا يقال لنار السّراج:جحيم.و هو اسم علم، على نار جهنّم الّتي أعدّها اللّه للكفّار و العصاة.
(10:105)
الزّمخشريّ: ثمّ لا تصلّوه إلاّ الجحيم،و هي النّار العظمى،لأنّه كان سلطانا يتعظّم على النّاس.(4:153)
نحوه الفخر الرّازيّ(30:114)،و البيضاويّ(2:
501)،و الخازن(7:121).
أبو السّعود :أي لا تصلّوه إلاّ الجحيم،و هي النّار العظيمة،ليكون الجزاء على وفق المعصية،حيث كان يتعاظم على النّاس.(5:297)
نحوه البروسويّ.(10:145)
الآلوسيّ: أي لا تصلّوه إلاّ الجحيم،و هي النّار العظيمة الشّديدة التّأجّج،لعظم ما أوتي به من المعصية، و هي الكفر باللّه تعالى العظيم.(29:49)
الدّامغانيّ: الجحيم على وجهين:
فوجه منها:الأتّون في الدّنيا بناه نمرود لإبراهيم، قوله: قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ الصّافّات:97،يعني في الأتّون.
و الوجه الثّاني:الجحيم:النّار الّتي وعدها اللّه للكافرين،قوله: وَ إِنَّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ الانفطار:
14،و نظائرها كثيرة.(223)
1-الأصل في هذه المادّة:الجحوم،و هو شدّة تأجّج النّار و توقّدها،يقال:جحمت النّار تجحم،و جحمت تجحم،و جحمت تجحم جحوما و جحما و جحما،أي اضطرمت و كثر جمرها و توقّدها.و جحم فلان النّار:
أوقدها،و هي جحيم و جاحمة،و الجحمة:التّوقّد.
و الجاحم:المكان الشّديد الحرّ،و جمر جاحم:شديد الاشتعال،و جاحم الحرب:شدّة القتل في معركتها،و منه أخذ:هو يتجاحم علينا،أي يتحرّق و يتضايق.
و عين جاحمة:شاخصة،يقال:جحم الرّجل عينيه،و هو أجحم،أي شاخص العينين،و فلان جحّمني بعينه تجحيما:أحدّ إليّ النّظر،و الجحم:القليلو الحياء.
و الأجحم:الشّديد حمرة العين مع سعتها،أو الجاحظ العينين،و الأنثى جحماء من نسوة جحم و جحمى.
و الجحمة:العين،يقال:جحمتا الإنسان،و جحمتا الأسد،أي عيناهما،لأنّهما متوقّدتان دائما.
و الجحام:داء يصيب الكلب،يكوى منه بين عينيه.
و منه أيضا:الجوحم،أي الورد الأحمر،و هو «فوعل»منه،تشبيها بلون الجمر المتوقّد.
2-و الجحيم«فعيل»بمعنى«فاعل»كما تقدّم،يقال:
نار جحيم،بدون هاء،أي جاحمة،ثمّ استعمله القرآن اسما للنّار؛إذ يبدو أنّه لم يكن كذلك قبل الإسلام، و لا يعتدّ بما أنشده الأصمعيّ:
*و ضالّة مثل الجحيم الموقد*
لأنّه مجهول القائل.
ص: 95
و نظير الجحيم«السّعير»وزنا و معنى،إلاّ أنّ السّعير بمعنى«مفعول».يقال:نار سعير،بدون هاء،أي مسعورة،و هو من الألفاظ الّتي استعملها القرآن اسما للنّار أيضا.و كان الجاهليّون يستعملونه اسما لصنم كان لعنزة خاصّة كما ذكر ابن الكلبيّ،قال رشيد بن رميض:
حلفت بمائرات حول عوض
و أنصاب تركن لدى السّعير
جاء منها لفظ واحد(جحيم)«26»مرّة:واحدة في نار الدّنيا،و الباقي في نار الآخرة:
1- إِنّا أَرْسَلْناكَ بِالْحَقِّ بَشِيراً وَ نَذِيراً وَ لا تُسْئَلُ عَنْ أَصْحابِ الْجَحِيمِ البقرة:119
2- وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ المائدة:10
3- وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ المائدة:86
4- ما كانَ لِلنَّبِيِّ وَ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَ لَوْ كانُوا أُولِي قُرْبى مِنْ بَعْدِ ما تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحابُ الْجَحِيمِ التّوبة:113
5- وَ الَّذِينَ سَعَوْا فِي آياتِنا مُعاجِزِينَ أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ الحجّ:51
6- وَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللّهِ وَ رُسُلِهِ أُولئِكَ هُمُ الصِّدِّيقُونَ وَ الشُّهَداءُ عِنْدَ رَبِّهِمْ لَهُمْ أَجْرُهُمْ وَ نُورُهُمْ وَ الَّذِينَ كَفَرُوا وَ كَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ
الحديد:19
7- وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِلْغاوِينَ الشّعراء:91
8- وَ بُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرى النّازعات:36
9- خُذُوهُ فَغُلُّوهُ* ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ
الحاقّة:30،31
10- فَنُزُلٌ مِنْ حَمِيمٍ* وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ
الواقعة:93،94
11- إِلاّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ الصّافّات:68
12- ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ (المطفّفين:16
13- ...فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تابُوا وَ اتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَ قِهِمْ عَذابَ الْجَحِيمِ المؤمن:7
14- لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلاَّ الْمَوْتَةَ الْأُولى وَ وَقاهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ الدّخان:56
15- فاكِهِينَ بِما آتاهُمْ رَبُّهُمْ وَ وَقاهُمْ رَبُّهُمْ عَذابَ الْجَحِيمِ الطّور:18
16- وَ ما كانُوا يَعْبُدُونَ* مِنْ دُونِ اللّهِ فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ الصّافّات:22،23
17- فَاطَّلَعَ فَرَآهُ فِي سَواءِ الْجَحِيمِ
الصّافّات:55
18- خُذُوهُ فَاعْتِلُوهُ إِلى سَواءِ الْجَحِيمِ
الدّخان:47
19- إِنَّها شَجَرَةٌ تَخْرُجُ فِي أَصْلِ الْجَحِيمِ
الصّافّات:64
20- ثُمَّ إِنَّ مَرْجِعَهُمْ لَإِلَى الْجَحِيمِ الصّافّات:68
21- وَ إِذَا الْجَحِيمُ سُعِّرَتْ التّكوير:12
22- إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ* وَ إِنَّ الْفُجّارَ لَفِي جَحِيمٍ الانفطار:13،14
ص: 96
23- لَتَرَوُنَّ الْجَحِيمَ التّكاثر:6
24- إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَ جَحِيماً المزّمّل:12
25- فَأَمّا مَنْ طَغى* وَ آثَرَ الْحَياةَ الدُّنْيا* فَإِنَّ الْجَحِيمَ هِيَ الْمَأْوى النّازعات:37،39
26- قالُوا ابْنُوا لَهُ بُنْياناً فَأَلْقُوهُ فِي الْجَحِيمِ
الصّافّات:97
يلاحظ أوّلا:أنّ(جحيم)فيها معرفة،إلاّ في ثلاث (10)و(22)و(24)فنكرة رعاية للرّويّ.
ثانيا:و منه يعلم أنّه ليس علما لجهنّم،بل اللاّم للعهد الذّهنيّ،أو للنّهاية على قول الفخر الرّازيّ،و إن شئت قلت:إنّه صار علما لها بالغلبة.
ثالثا:جاء في(1-6) أَصْحابِ الْجَحِيمِ فصار تعبيرا قرآنيّا شائعا مثل أَصْحابُ النّارِ و أَصْحابُ الْجَنَّةِ. لاحظ«ص ح ب:أصحاب».
رابعا:وصفت الجحيم في(7)و(8)ب(برّزت)و في (21)ب(سعّرت)،و أضيفت إليها(عذاب)ثلاث مرّات:
(13)و(14)و(15)،و(صراط)مرّة:(16)و(سواء) مرّتين:(17)و(18)،و(اصل)مرّة:(19)في سياق التّشديد و التّهديد.
خامسا:قورنت كعلّة لاستحقاقها بالكفر و التّكذيب في(2)و(3)و(6)و بنظائرها من السّعي في آيات اللّه معاجزين،و الشّرك،و الغواية،و الفجور، و الظّلم،و الضّلال،و نحوها في الباقي،فلاحظ.
سادسا:جاءت في(16) فَاهْدُوهُمْ إِلى صِراطِ الْجَحِيمِ في سياق يتداعى: اِهْدِنَا الصِّراطَ الْمُسْتَقِيمَ تهكّما و سخريّة بأصحاب الجحيم.
سابعا:جاءت مع«الصّلي و التّصلية»أربع مرّات:
(9) (ثُمَّ الْجَحِيمَ صَلُّوهُ) و(10) (وَ تَصْلِيَةُ جَحِيمٍ) و(11) (إِلاّ مَنْ هُوَ صالِ الْجَحِيمِ) و(12) (ثُمَّ إِنَّهُمْ لَصالُوا الْجَحِيمِ) .
و أصل الصّلي مقاساة النّار،و ملازمتها،و قد جاءت بصيغ مختلفة في القرآن:(26)مرّة،كلّها مع النّار أو الجحيم أو السّعير،لاحظ«ص ل ي».
ثامنا:جاءت مع(انكال)مرّة:(24) إِنَّ لَدَيْنا أَنْكالاً وَ جَحِيماً، و الأنكال هي الأغلال و القيود، و هي تشدّد عذاب أصحاب الجحيم.
تاسعا:و إذا لاحظنا أنّ الخليل و من تبعه قالوا:
الجحيم:النّار الشّديدة التّأجّج و الالتهاب،نعرف أنّ القرآن قارنها بكلّ ما يناسبها من المتعلّقات.
عاشرا:-و تلك عشرة كاملة-:كلّ ما سبق إنّما هي ملازمات(الجحيم)في الآخرة،و قد جاءت تعبيرا عن نار الدّنيا مرّة في(25)و تلك هي نار سعّرت للنّبيّ إبراهيم عليه السّلام بأمر نمرود الطّاغية،و قد بالغ في وصفها القصّاصون.
ص: 97
ص: 98
الاجداث
لفظ واحد،3 مرّات مكّيّة،في ثلاث سور مكّيّة
الخليل :الأجداث:القبور،واحدها:جدث.
(6:73)
مثله ابن قتيبة(366)،و السّجستانيّ(155)، و الزّجّاج(4:290)،و الماورديّ(5:23)،و الطّباطبائيّ (17:98)،و نحوه مجمع اللّغة(1:183)،و محمّد إسماعيل إبراهيم(1:103).
الفرّاء: العرب تعقب بين الفاء و الثّاء في اللّغة؛ فيقولون:جدف و جدث،و هي الأجداث و الأجداف.
(الجوهريّ 4:1335)
الأصمعيّ: يقال:جدف و جدث:للقبر.
(الإبدال:125)
نحوه ابن السّكّيت(الأزهريّ 10:634)،و القاليّ (2:184).
اليزيديّ: الأجداث:واحدها:جدث،و بعضهم يقول:جدف،و هي القبور.(312)
نحوه الرّاغب.(89)
ابن دريد :الجدث:القبر،و هو الجدف أيضا.
(2:32)
نحوه الهرويّ.(1:325)
الصّاحب: الجدث:القبر،و الجميع:الأجداث.
و المجتدث:الّذي يحفر الجدث.و يكوّم التّراب عليه.
و الجدثة:صوت الحافر و الخفّ،و المضغ للّحم.
(7:36)
الجوهريّ: الجدث:القبر،و الجمع:أجدث و أجداث.[ثمّ استشهد بشعر]
و اجتدث،أي اتّخذ جدثا.(1:277)
مثله ابن سيده(الإفصاح 1:657)،و نحوه الرّازيّ (109)،و الطّريحيّ(2:243).
ابن فارس: الجيم و الدّال و الثّاء كلمة واحدة،
ص: 99
الجدث:القبر،و جمعه:أجداث.(1:436)
ابن سيده: الجدث:القبر.و الجمع:أجداث.
و قد قالوا:جدف،فالفاء بدل من الثّاء لأنّهم قد أجمعوا في الجمع على:أجداث و لم يقولوا:أجداف.
و أجدث:موضع.[ثمّ استشهد بشعر]
و قد نفى سيبويه أن يكون«أفعل»من أبنية الواحد، فيجب أن يعدّ هذا فيما فاته من أبنية كلام العرب،إلاّ أن يكون جمع«الجدث»الّذي هو القبر على أجدث،ثمّ سمّى به الموضع.و يروى:«أجدف»بالفاء.(7:307)
الزّمخشريّ: غيّبوه في الجدث،أي في القبر.
و تقول:شرّ الأحداث،نزول الأجداث.
(أساس البلاغة:52)
ابن الأثير: في حديث عليّ رضي اللّه عنه:«في جدث ينقطع في ظلمته آثارها».
الجدث:القبر،و يجمع على أجداث.
و منه الحديث:«نبوّئهم أجداثهم»،أي ننزلهم قبورهم.(1:243)
القرطبيّ: يقال:جدث و جدف،و اللّغة الفصيحة:
الجدث بالثّاء.[ثمّ قال مثل الجوهريّ](15:40)
أبو حيّان :الجدث:القبر،و سمع فيه«جدف» بإبدال الثّاء فاء،كما قالوا:فمّ في ثمّ،و كما أبدلوا من الفاء ثاء،قالوا في معفور:معثور،و هو ضرب من الكمأة.
(7:322)
نحوه الحلبيّ.(5:488)
الفيّوميّ: الجدث:القبر،و الجمع أجداث،مثل سبب و أسباب.و هذه لغة تهامة.و أمّا أهل نجد فيقولون:جدف،بالفاء.(1:92)
الفيروزآباديّ: الجدث محرّكة:القبر،جمعه:
أجدث و أجداث.
و الجدثة:صوت الحافر و الخفّ،و مضغ اللّحم.
و اجتدث:اتّخذ جدثا.(1:169)
المصطفويّ: ظهر أنّ«الجدث»معناه الحقيقيّ هو القبر،و أمّا القبر فهو حقيقة في السّتر و الدّفن و الإخفاء.
و هذا جهة التّعبير في مختلف الموارد بأحد اللّفظين:
[جدث و جدف]بمناسبة المقام،فيقال: ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ عبس:21، حَتّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ التّكاثر:
1،و لا يصحّ أن يقال:مجدث و مجادث.[ثمّ ذكر الآيات]
(2:59)
1- فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ.
يس:51
ابن عبّاس: من القبور.(372)
مثله قتادة(الطّبريّ 32:15)،و الواحديّ(3:
516)،و ابن عطيّة(4:457)،و النّسفيّ(4:10)، و شبّر(5:232)،و المراغيّ(23:20)،و الشّوكانيّ(4:
468)،و القاسميّ(4:5011).
الطّبريّ: يعني من أجداثهم،و هي قبورهم، واحدها:جدث،و فيها لغتان:فأمّا أهل العالية فتقوله بالثّاء:جدث،و أمّا أهل السّافلة فتقوله بالفاء:
ص: 100
جدف.(23:15)
نحوه الطّوسيّ(8:466)،و الطّبرسيّ(4:428).
الزّمخشريّ: القبور،و قرئ بالفاء.(3:325)
نحوه البيضاويّ(2:283)،و أبو السّعود(5:
303)،و الآلوسيّ(23:31).
الفخر الرّازيّ: أين يكون في ذلك الوقت «أجداث»و قد زلزلت الصّيحة الجبال؟
نقول:يجمع اللّه أجزاء كلّ واحد في الموضع الّذي قبر فيه،فيخرج من ذلك الموضع،و هو جدثه.
(26:88)
نحوه الشّربينيّ(3:355)،و البروسويّ(7:
411).
بنت الشّاطئ: و سأل نافع عن قوله تعالى: مِنَ الْأَجْداثِ، فقال ابن عبّاس:القبور.[ثمّ استشهد بشعر]
الكلمة جاءت ثلاث مرّات.[ثمّ ذكرت الآيات و قالت:]
و يبدو تفسير(الاجداث)بالقبور قريبا،و مثله في «النّهاية»لابن الأثير،و في المعاجم.و اقتصر الرّاغب في «المفردات»على الأجداث:جمع الجدث،يقال:جدث و جدف.
و لا يفوتنا،مع ما يبدو من قرب تفسير(الاجداث) بالقبور،أنّ القرآن قصر(الاجداث)في آياتها الثّلاث، على المخرج إلى الحشر يوم القيامة،و كلّها كذلك،في سياق الوعيد و النّذير للمكذّبين باليوم الموعود.
و هذا الملحظ الدّلاليّ،يفرق بين(الاجداث)في الاستعمال القرآنيّ،و بين(القبور)الّتي تأتي بدلالة عامّة:
في سياق البعث(الحجّ:7،الانفطار:4،العاديات:9).
للإنسان بعامّة.
كما تأتي في سياق مضجع الموتى،قبل البعث و النّشور،في مثل آيات:عبس:19-22،في الإنسان:
مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ* ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ* ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ* ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ. التّوبة:84،في المنافقين:
وَ لا تُصَلِّ عَلى أَحَدٍ مِنْهُمْ ماتَ أَبَداً وَ لا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ. فاطر:22: وَ ما أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ.
الممتحنة:13: قَدْ يَئِسُوا مِنَ الْآخِرَةِ كَما يَئِسَ الْكُفّارُ مِنْ أَصْحابِ الْقُبُورِ. و معها(المقابر)في آية التكاثر:1، 2: أَلْهاكُمُ التَّكاثُرُ* حَتّى زُرْتُمُ الْمَقابِرَ.
و العربيّة-كما لحظ الرّاغب-تقول:جدث و جدف.
و نصّ في«القاموس»في مادّة«جذف»على أنّ الدّال المهملة لغة فيها.و من معاني«الجذف»بالمعجمة:القطع و الحسم و الإسراع و تقصير الخطو،و«الدّال»لغة في الكلّ.و من معاني«الجدف»بالمهملة:ما يرمى به عن الشّراب من زبد،و التّجديف:الكفر بالنّعم،و المجدّف عليه في الرّزق:المضيّق.
فهل تؤنس هذه المعاني،من ضيق و كفر و نبذ و قطع،إلى ملحظ اختصاص الأجداث،بدلالة قرآنيّة إسلاميّة،على مخرج الجاحدين المكذّبين الملعونين،إلى يومهم العسر الّذي كانوا يوعدون؟ما أراه بعيدا،و اللّه أعلم.(الإعجاز البيانيّ:453)
مكارم الشّيرازيّ: «أجداث»:جمع جدث،و هو القبر،و التّعبير يشير بوضوح إلى أنّ للمعاد جنبة
ص: 101
جسمانيّة بالإضافة إلى الجنبة الرّوحيّة،و أنّ الجسد يعاد بناؤه جديدا من نفس الموادّ السّابقة.(14:190)
و بهذا المعنى جاء(الاجداث)في سورة القمر:7.
2- يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ. المعارج:43
الشّربينيّ: أي القبور الّتي صاروا بتغييبهم فيها تحت وقع الحوافر و الخفّ،فهم بحيث لا يدفعون شيئا يفعل بهم،بل هم كلحم في فم ماضغ.فإنّ الجدث:القبر، و الجدثة:صوت الحافر و الخفّ،و مضغ اللّحم.
(4:388)
1-الأصل في هذه المادّة:الجدث،و هو القبر، و الجمع:أجداث و أجدث،يقال:اجتدث الرّجل،أي اتّخذ جدثا.و في حديث عليّ عليه السّلام:«و ما أصنع بفدك و غير فدك،و النّفس مظانّها في غد جدث»،و في حديث آخر له أيضا:«و أصبحت مساكنهم أجداثا».
2-و تبدل«الفاء»من«الثّاء»هنا كما هو مطّرد في ألفاظ كثيرة،و لغة«الثّاء»هي المشهورة في قبائل العرب -و لا سيّما تميم-و في القرآن أيضا،و أطلق عليها الطّبريّ لغة«أهل العالية».و تكاد تقتصر لغة«الفاء» على أهل نجد،و سمّاها الطّبريّ لغة«أهل السّافلة».
و بها قرئ قوله تعالى: فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ يس:51،على القراءة غير المشهورة، و قوله: وَ فُومِها وَ عَدَسِها وَ بَصَلِها البقرة:61،على القراءة المشهورة،كما قال الكسائيّ و غيره.
و يشهد لأصالة«الثّاء»ورودها في بعض اللّغات السّاميّة كالعبريّة،فيطلق على«الجدث»فيها لفظ «جدش»و«جاديش»؛إذ تبدل«الثّاء»في هذه اللّغة «شينا»دائما.
و أصرّ بعض على منع جمع«الجدف»المبدل من الجدث،معلّلا رأيه بضعف البديل،فيمنعه ذلك من التّصرّف.و هذا أشبه القياس،و هو لا يثبت بوجود السّماع،فقد روى الجوهريّ عن الفرّاء قوله:«جدف و جدث،و هي الأجداث و الأجداف».
جاء منها لفظ واحد:«الأجداث»توصيفا حال خروج الأموات من القبور:
1- وَ نُفِخَ فِي الصُّورِ فَإِذا هُمْ مِنَ الْأَجْداثِ إِلى رَبِّهِمْ يَنْسِلُونَ يس:51
2- خُشَّعاً أَبْصارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ كَأَنَّهُمْ جَرادٌ مُنْتَشِرٌ القمر:7
3- يَوْمَ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْداثِ سِراعاً كَأَنَّهُمْ إِلى نُصُبٍ يُوفِضُونَ المعارج:43
يلاحظ أوّلا:قالوا:الأجداث في القبور،واحدتها:
الجدث،و الفرق بينها و بين القبر من منظار القرآن،كما نبّهت عليه الدّكتورة بنت الشّاطئ:أنّها قصرت على مخرج الأموات من القبور يوم القيامة،و أنّه لم يأت منها سوى(الاجداث)،و قد جاءت القبر و القبور و المقابر إضافة إلى(اقبر)من باب«الإفعال»،و هي تعمّ الحالات
ص: 102
جميعا،من دون قصر على المخرج منها.
ثانيا:انحصارها بسور مكّيّة،و هي الغالبة على آيات القبور أيضا،إلاّ أنّه جاء في التّوبة:(84) وَ لا تَقُمْ عَلى قَبْرِهِ، و في الحجّ:(7)-على اختلاف فيها- وَ أَنَّ اللّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ، فيبدو أنّ (الاجداث)كانت لغة أهل مكّة،و يؤيّدها قول الفيّوميّ:
«و هذه لغة تهامة،و أمّا أهل نجد فيقولون:جدف بالفاء»،و قول الطّبريّ:«و فيها لغتان:فأمّا أهل العالية فتقوله بالثّاء:جدث،و أمّا أهل السّافلة فتقوله بالفاء:
جدف».لاحظ«ق ب ر».
ص: 103
ص: 104
4 ألفاظ،10 مرّات:9 مكّيّة،1 مدنيّة
في 8 سور:7 مكّيّة،1 مدنيّة
جديد 6:5-1 جدد 1:1
جديدا 2:2 جدّ 1:1
الخليل :جدّ الرّجل:بخته،و جدّ ربّنا:عظمته، و يقال:غناه.
و الجدّ:نقيض الهزل.
و جدّ فلان في أمره و سيره،أي انكمش عنه بالحقيقة.
و الجدّة:مصدر الجديد،و فلان أجدّ ثوبا و استجدّه.
[ثمّ استشهد بشعر]
و الجديد يستوي فيه الذّكر و الأنثى،لأنّه«مفعول» بمعنى مجدّد،و يجيء«فعيل»بمعنى«المفعول»المخالف للّفظ،من تصريف المفعّل و المفعل.
و الجدّة:جدّة النّهر،أي ما قرب من الأرض.
و الجدد و الجديد:وجه الأرض.[ثمّ استشهد بشعر]
و الجديدان:اللّيل و النّهار.
و جديدتا السّرج:اللّبد الّذي يلزق بالسّرج أو الرّحل من الباطن.
و يقال:الزم الطّريق الجدد.
و الجدود:كلّ انثى يبس لبنها،و الجمع:الجدائد و الجداد.[ثمّ استشهد بشعر]
و الجدّاد:صاحب الحانوت الّذي يبيع الخمر.[ثمّ استشهد بشعر]
و الجدّة:ساحل البحر بمكّة.
و جدود:موضع بالبادية.
و المجادّة:المحاقّة في الأمر.
و من قال:أ جدّك،بكسر الجيم،فإنّه يستحلفه بجدّه و حقيقته،و إذا فتح الجيم،استحلفه بجدّه،أي ببخته.
ص: 105
و الجادّة:الطّريق،بالتّخفيف و يثقّل أيضا.و أمّا التّخفيف فاشتقاقه من الطّريق الجواد،أخرجه على «فعلة»و الطّريق مضاف إليه.
و التّشديد مخرجه من الطّريق الجدد،أي الواضح...
و رجل جدّ،أي ذو جدّ.
و الجدّاء:مفازة يابسة،و كذلك سنة جدّاء، و لا يقال:عام أجدّ.
و شاة جدّاء:يابسة اللّبن،و ناقة جدّاء.
و الجدّاء:الشّاة المقطوعة الأذن.
و جداد النّخل:صرامه،و قد جدّه يجدّه.
و الجدّ:البئر تكون في موضع الكلإ.
و كساء مجدّد:فيه خطوط مختلفة،يقال له:الجدّ.
و جدّ ثدي أمّك؛إذ دعي عليه بالقطيعة.(6:7)
سيبويه :يقولون:رجل جدّ:للعظيم الجدّ، فلا يجمعونه إلاّ بالواو و النّون،كما لم يجمعوا«صنع»إلاّ كذلك؛يقولون:جدّون.و صار«فعل»أقلّ من«فعل» في الصّفات إذا كان أقلّ منه في الأسماء.(3:630)
أ جدّك:مصدر،كأنّه قال:أ جدّا منك،و لكنّه لا يستعمل إلاّ مضافا،و قالوا:هذا عربيّ جدّا،نصبه على المصدر،لأنّه ليس من اسم ما قبله،و لا هو هو.
(ابن سيده 7:188)
الكسائيّ: هو الجداد و الجداد،و الحصاد و الحصاد، و القطاف و القطاف،و الصّرام و الصّرام.
(الأزهريّ 10:457)
ابن شميّل: الجدد:ما استوى من الأرض و أصحر.
و الصّحراء:جدد،و الفضاء:جدد،لا وعث فيه و لا جبل و لا أكمة،و يكون واسعا،و قليل السّعة،و هي أجداد الأرض.(الأزهريّ 10:463)
أبو عمرو الشّيبانيّ: الجدود:الحائل.(1:116)
رأى جدّة من الأمر،أي رأى رأيا مثل جدد الثّوب، أي خطط.(1:118)
الجدّاد:الطّلع الصّغار أوّل ما ينبت،و الواحدة:
جدّادة.(1:121)
و قال التّميميّ: إنّه لجديد،إذا كان ذا جدّ في المال و السّلطان.(1:126)
كنّا عند أمير،فقال جبلة بن مخرمة:كنّا عند جدّ النّهر،فقلت:جدّ النّهر،فما زلت أعرفها فيه.
و الجدّ،بلا«هاء»:البئر الجيّدة الموضع من الكلأ.
(الأزهريّ 10:459)
أ جدّك،و أ جدّك،معناهما:مالك.
(الأزهريّ 10:463)
يقال:صرّحت جدّاء غير منصرف،و صرّحت بجدّى غير منصرف،و بجدّ غير منصرف و بجدّان و بجذّان،و بقدّان،و بقذّان و...كلّ هذا في الشّيء،إذا وضح بعد التباسه.(الأزهريّ 10:464)
أبو زيد :تقول:هو رجل جديد،إذا كان ذا جدّ.
(98)
قالوا:قد جدّ بالخير يجدّ جدّا،إذا حظي بالخير أو بالشّرّ.
و جددت به أجدّ به جدّا،إذا حظيت به،و كذلك إن كان جدّه بالشّرّ،و إنّه لعظيم الجدّ و شقيّ الجدّ.(197)
يقال:رجل جديد،إذا كان ذا حظّ من الرّزق،
ص: 106
و رجل مجدود:مثله،و فلان أجدّ من فلان،و أحظّ منه.
(الأزهريّ 10:456)
نعجة جدود،إذا ذهب لبنها إلاّ قليلا،و جمعها:
جدائد،فإذا يبس ضرعها فهي جدّاء.
و الجدود من الأتن (1):الّتي قد انقطع لبنها.
(الأزهريّ 10:460)
و الجديدان،و الأجدّان:اللّيل و النّهار.
(الأزهريّ 10:462)
الأصمعيّ: يقال:لفلان أرض جادّ مائة وسق،أي تخرج مائة وسق إذا زرعت،و هو كلام عربيّ فصيح.
(الأزهريّ 10:457)
يقال:كنّا عند جدّة النّهر بالهاء،و أصله نبطيّ:كدّ، فأعرب.
يقال للأرض المستوية الّتي ليس فيها رمل و لا اختلاف:جدد.
أجدّ الرّجل في أمره يجدّ،إذا بلغ فيه جدّه،و جدّ:
لغة،و منه يقال:جادّ مجدّ،أي مجتهد،و قد أجدّ يجدّ،إذا صار ذا جدّ و اجتهاد.(الأزهريّ 10:459)
يقال:جدّت أخلاف النّاقة،إذا أصابها شيء يقطع أخلافها.و ناقة جدود،و هي الّتي انقطع لبنها.
الجدّاء:النّاقة الّتي قد انقطع لبنها.
و المجدّدة:المصرّمة الأطباء،و أصل الجدّ:القطع.
يقال:جدّ ثدي أمّه؛و ذلك إذا دعي عليه بالقطيعة.
[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 10:460)
يقال للنّاقة:إنّها لمجدّة بالرّحل،إذا كانت جادّة في السّير.
أجدّ فلان أمره بذلك،أي أحكمه.[ثمّ استشهد بشعر]
و يقال للرّجل إذا لبس ثوبا جديدا،أبل و أجد، و احمد الكاسي.
و يقال:بلي بيت فلان ثمّ أجدّ بيتا.[ثمّ استشهد بشعر]
و أجدّ الطّريق،إذا صار جددا.(الأزهريّ 10:462)
أ جدّك؟معناه:أ بجدّ هذا منك؟(الأزهريّ 10:463)
أبو عبيد: في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«اللّهمّ لا مانع لما أعطيت و لا معطي لما منعت و لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ».
الجدّ:بفتح الجيم لا غير،و هو الغنى و الحظّ في الرّزق،و منه قيل:لفلان في هذا الأمر جدّ،إذا كان مرزوقا منه.فتأويل قوله:«لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ» أي لا ينفع ذا الغنى منك غناه،إنّما ينفعه العمل بطاعتك، و هذا كقوله تبارك و تعالى: لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ* إِلاّ مَنْ أَتَى اللّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ الشّعراء:88،89،و كقوله:
وَ ما أَمْوالُكُمْ وَ لا أَوْلادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنا زُلْفى إِلاّ مَنْ آمَنَ وَ عَمِلَ صالِحاً سبأ:37،و مثله كثير.
و كذلك حديثه الآخر:«قمت على باب الجنّة فإذا عامّة من يدخلها الفقراء،و إذا أصحاب الجدّ محبوسون» يعني ذوي الحظّ في الدّنيا و الغنى.
و قد روي عن الحسن و عكرمة في قوله تبارك و تعالى: وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا الجنّ:3،قال أحدهما:
غناه،و قال الآخر:عظمته.
عن ابن عبّاس قال:لو علمت الجنّ أنّ في الإنس جدّا ما قالت: تَعالى جَدُّ رَبِّنا. يذهب ابن عبّاس إلىة.
ص: 107
أنّ«الجدّ»إنّما هو الغنى،و لم يكن يرى أنّ أبا الأب جدّ إنّما هو عنده أب،و يقال منه للرّجل إذا كان له جدّ في الشّيء:رجل مجدود،و رجل محظوظ،من«الحظّ»قالهما أبو عمرو.
و قد زعم بعض النّاس أنّه إنّما هو:«و لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ»بكسر الجيم.و الجدّ:إنّما هو الاجتهاد بالعمل.
و هذا التّأويل خلاف ما دعا اللّه عزّ و جلّ إليه المؤمنين و وصفهم به،لأنّه قال في كتابه: يا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّباتِ وَ اعْمَلُوا صالِحاً المؤمنون:51،فقد أمرهم بالجدّ و العمل الصّالح،و قال: إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَ عَمِلُوا الصّالِحاتِ إِنّا لا نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً الكهف:30،و قال: قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ* اَلَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خاشِعُونَ المؤمنون:1،2 إلى آخر الآيات، و قال: جَزاءً بِما كانُوا يَعْمَلُونَ الواقعة:24،في آيات كثيرة،فكيف يحثّهم على العمل و ينعتهم به و يحمدهم عليه،ثمّ يقول:إنّه لا ينفعهم.(1:156)
الجدّ:البئر الّتي تكون في الكلاء.(2:146)
و نهى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم عن:جداد اللّيل،هو أن يجدّ النّخل ليلا،و الجداد:الصّرام.(الأزهريّ 10:457)
ابن السّكّيت: الجدّ:القطع،و الجدّ:أبو الأب و أبو الأمّ،و الجدّ:العظمة،من قوله تعالى: (جَدُّ رَبِّنا) أي عظمة ربّنا،و الجدّ:الحظّ و البخت،و منه قوله:«لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ».
و الجدّ،بكسر الجيم:الانكماش في الأمر،يقال:
جددت في الأمر فأنا أجدّ فيه جدّا،و أجدّ جدّا أيضا.
(إصلاح المنطق:22)
جداد النّخل و جداد،إذا رفع الزّرع.[بمعنى واحد]
(إصلاح المنطق:104)
تقول:هذه ثياب جدد،و لا يقال:جدد،إنّما الجدد الطّرائق،قال اللّه جلّ و عزّ: وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ فاطر:27،أي طرائق.(إصلاح المنطق:167)
و الجدود:النّعجة الّتي قلّ لبنها من غير بأس،و يقال للعنز:مصور،و لا يقال:جدود.
و الجدّاء:الّتي ذهب لبنها من عيب.
(إصلاح المنطق:313)
و تقول:فلان مجدود في كذا و كذا،و فلان محظوظ، و فلان جدّ حظّ،و فلان جدي حظي،و فلان جديد حظيظ،إذا كان له جدّ.(إصلاح المنطق:374)
شمر: رجل جدّ،بضمّ الجيم،أي مجدود،و قوم جدّون.(الأزهريّ 10:456)
الجدّاء:الشّاة الّتي انقطع أخلافها.
(الأزهريّ 10:464)
ابن أبي اليمان :[نحو ابن السّكّيت في«إصلاح المنطق:22»و أضاف:]
و الجدّ:ضدّ الهزل،و الجدّ:البئر.(300)
المبرّد: الجدّ:الحظّ،و الجدّ و الجدّة مفتوحان،فإذا أردت المصدر من:جددت في الأمر،قلت:أجدّ جدّا، مكسور الجيم.و يقال:جددت النّخل أجدّه جدّا،إذا صرمته.(2:105)
الزّجّاج: كلّ طريقة:جدّة و جادّة.
(الأزهريّ 10:458)
يقال:جدّ في الأمر و أجدّ فيه،إذا ترك الهوينا و لزم
ص: 108
فيه القصد و الاستواء،و من هذا قيل:جادّ يجادّ.
(فعلت و أفعلت:8)
ابن دريد :جدّ الشّيء يجدّه جدّا،إذا قطعه، و الجدّ:أبو الأب.
و الجدّ للّه تبارك و تعالى:العظمة،و منه حديث أنس:
«كان الرّجل منّا إذا حفظ البقرة و آل عمران جدّ فينا» أي عظم في أعيننا.
و الجدّ للنّاس:الحظّ،فلان ذو جدّ في كذا و كذا،أي ذو حظّ فيه.
و الجدّ:ضدّ الهزل.
و الجدّ:الرّكيّ الجيّدة الموضع من الكلاء.
و الجدّة:شاطئ النّهر.(1:50)
جددت في الأمر أجدّ و أجددت أجدّ،لغتان فصيحتان.
و جددت الحبل أجدّه جدّا،إذا قطعته.
و أبل و أجدّ:يدعى للرّجل إذا لبس الجديد.
و جددت يا فلان:صرت ذا جدّة.(3:443)
السّجستانيّ: و الجدائد،الواحدة:جدود:الأتن لا ألبان لها.(ثلاثة كتب في الأضداد:91)
القاليّ: و الجدّ و الجدّة و الجدّ:شاطئ النّهر.
(2:183)
الأزهريّ: تقول العرب:سعي بجدّ فلان،و عدي بجدّه،و أدرك بجدّه،إذا كان جدّه جيّدا.(10:455)
و قول العرب:فلان صاعد الجدّ،معناه:البخت و الحظّ في الدّنيا.
و الجدّ:أب الأب معروف،و جمعه:جدود و جدودة و أجداد.(10:456)
و جادّة الطّريق:سمّيت جادّة،لأنّها خطّة مستقيمة ملحوبة،و جمعها:الجوادّ بتشديد الدّال.[ثمّ قال:]
و قد غلط اللّيث في الوجهين معا.[حينما قال:
«الجادّة»تخفّف و تثقّل]
أمّا التّخفيف في«الجادّة»فما علمت أحدا من أئمّة اللّغة أجازه،و لا يجوز أن يكون«فعلة»من الجوادّ بمعنى السّخيّ.
و أمّا قوله:إنّه إذا شدّد فهو من الأرض الجدد،فغير صحيح،إنّما سمّيت المحجّة المسلوكة جادّة،لأنّها ذات جدّة (1)و جدّة،و هي طرقاتها و شركها المخطّطة في الأرض.
(10:458)
و الجدّة أيضا:شاطئ النّهر،إذا حذفوا الهاء كسروا الجيم،فقالوا:جدّ و جدّة.و منه الجدّة:ساحل البحر بحذاء مكّة.
و العرب تقول:هذا طريق جدد،إذا كان مستويا، لا حدب فيه و لا وعوثة.
و هذا الطّريق أجدّ الطّريقين،أي أوطؤهما و أشدّهما استواء،و أقلّهما عدواء.(10:459)
و الجدود من الأتن:الّتي قد انقطع لبنها.
(10:460)
و قال الأصمعيّ: يقال للنّاقة:إنّها لمجدّة بالرّحل، إذا كانت جادّة في السّير.
قلت:لا أدري،قال:مجدّة أو مجدّة؟فمن قال:مجدّة،ة.
ص: 109
فهي من جدّ يجدّ.و من قال:مجدّة،فهي من أجدّت.
و كساء مجدّد:فيه خيوط مختلفة،و يقال:كبر فلان ثمّ أصاب فرحة و سرورا فجدّ جدّة،كأنّه صار جديدا.
و العرب تقول:ملاءة جديد بغير«هاء»،لأنّها بمعنى مجدودة،أي مقطوعة،و ثوب جديد:جدّ حديثا، أي قطع.(10:461)
قال بعض النّحويّين: معنى أ جدّك:أ تجدّ جدّك؟و هو ضدّ اللّعب،و لذلك نصبه.(10:463)
و في كتاب اللّيث: الجدّاد:صاحب الحانوت الّذي يبيع الخمر.
يقال:ركب فلان جدّة من الأمر،أي طريقة و رأيا رآه.
و الجدّة:الطّريقة في السّماء و الجبل.(10:464)
الصّدوق: قال أمير المؤمنين عليه السّلام:«من جدّد قبرا أو مثّل مثالا فقد خرج من الإسلام».
و اختلف مشايخنا في معنى هذا الخبر،فقال محمّد بن الحسن الصّفّار رحمه اللّه:هو جدّد بالجيم لا غير،و كان شيخنا محمّد بن الحسن بن أحمد بن الوليد رضي اللّه عنه يحكي عنه[عن الصّفّار]أنّه قال:لا يجوز تجديد القبر و لا تطيين جميعه بعد مرور الأيّام عليه،و بعد ما طيّن في الأوّل.و لكن إذا مات ميّت و طيّن قبره فجائز أن يرمّ سائر القبور،من غير أن يجدّد.
و ذكر عن سعد بن عبد اللّه رحمه اللّه أنّه كان يقول:
إنّما هو من حدّد قبرا-بالحاء غير المعجمة-يعني به من سنّم قبرا.
و ذكر عن أحمد بن أبي عبد اللّه البرقيّ أنّه قال:إنّما هو:من جدث قبرا (1)،و تفسير الجدث:القبر، فلا ندري ما عنى به.و الّذي أذهب إليه أنّه«جدّد» بالجيم،و معناه نبش قبرا،لأنّ من نبش قبرا فقد جدّده و أحوج إلى تجديده،و قد جعله جدثا محفورا.
و أقول:إنّ«التّجديد»على المعنى الّذي ذهب إليه محمّد بن الحسن الصّفّار،و«التّحديد»-بالحاء غير المعجمة-الّذي ذهب إليه سعد بن عبد اللّه،و الّذي قاله البرقيّ من أنّه«جدث»كلّه داخل في معنى الحديث،و أنّ من خالف الإمام عليه السّلام في التّجديد و التّسنيم و النّبش و استحلّ شيئا من ذلك،فقد خرج من الإسلام.
و الّذي أقوله في قوله عليه السّلام:«من مثّل مثالا»يعني به أنّه من أبدع بدعة و دعا إليها،أو وضع دينا،فقد خرج من الإسلام،و قولي في ذلك قول أئمّتي عليهم السّلام،فإن أصبت فمن اللّه على ألسنتهم،و إن أخطأت فمن عند نفسي.
(من لا يحضره الفقيه 1:191)
الصّاحب:الجدّ:أبو الأب،و البخت،و الحظّ،من قولهم:«لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ»،و العظمة في قوله تعالى: تَعالى جَدُّ رَبِّنا الجنّ:3،و الغنى،و القطع،من قولهم:جددت الشّيء أجدّه جدّا.
و رجل جديد و حظيظ،و قد جددت،و هو أجدّ منه.و في المثل:«جدّ امرئ وقايته»و«إنّ من جدّك موضع حقّك».
و في المثل:«صرّحت بجدّان»و«بجدّاء»:و هو إذاق]
ص: 110
أبدى الرّجل أقصى ما يريد.
و المجادّة:المحاقّة في الأمر.
و قوله:أ جدّك:يستحلفه بجدّه و حقيقته،و يفتح الجيم.
و قوله:و جدّك:يستحلفه ببخته.
و قيل:معنى أ جدّك:ما لك.
و الجدّ:نقيض الهزل،جدّ في أمره،و أجدّ:بمعنى.
و أجدّ في السّير:انكمش فيه.و جدّ يجدّ و يجدّ، و مصدره الجداد.
و أجدّت قروني من ذلك الأمر:إذا أنت تركته و رفضته.
و لفلان جادّ مائة وسق،أي مقداره.
و الجدّة:مصدر الجديد،و أجدّ ثوبا و استجدّ، و أصبحت خلقانهم جدودا،أي جددا.
و الجدّة:جدّة النّهر و حافّته،و هو ما قلب من الأرض.
و جدّة:ساحل البحر بمكّة.
و جانب كلّ شيء جدّة،نحو جدّة المزادة.
و الجدّة:الطّرّة المحمرّة عند طلوع الشّمس،و الطّريق الواضح بين رملتين.
و الجدد:وجه الأرض،و كذلك الجديد و الجدّاد.
و مثل:«من سلك الجدد أمن العثار».و أجددنا:صرنا في الجدد،و أجدّ الطّريق:صار جددا.
و جدد الطّريق:ملكه،و جدّتاه:ناحيتاه.
و الجدّة:الخلق من الثّياب،أتانا و ما عليه جدّة.
و الجدّة:السّير الّذي يعلّق من أطراف وتر القوس، كي يمسك الوتر أن لا ينحطّ،و جمعها:جدد.
و الجديدان:اللّيل و النّهار.
و الجديدتان للسّرج:اللّبد الّذي يلزق بالسّرج و الرّحل من الباطن.
و الجدّاد:صاحب الحانوت الّذي يبيع الخمر و يعالجها.
و الجدود:كلّ أنثى يبس لبنها،و الجميع:الجدائد و الجداد.و شاة جدّاء،و نوق جداد.
و ناقة جدود:مقطوعة الأذن.و من الأوّل:جدّت تجدّ جدادا.
و جدّت النّاقة تجدّ جددا،إذا أصابها عنب (1)فيبست أخلافها،و نوق جدّ.
و الطّريق الجادّة:تخفّف و تثقّل.و التّشديد هو من الطّريق الجداد،و هي الواضح.
و الجدّاء:المفازة اليابسة،و كذلك السّنة الجدّاء، و هي من النّساء:الصّغيرة الثّدي.
و جداد النّخل:صرامه،و أجدّ النّخل:حان جداده.
و الجدّ:البئر تكون في الكلإ،و الجميع:الأجداد، و ما كنت جدّا،و لقد أجدّت.
و الجدّ:المكان الّذي لا نبت فيه.
و الجدّاد:هي الخيوط المعقّدة.[ثمّ استشهد بشعر]
و الجدّ أيضا:ثمر من ثمر الشّجر غير المطعّم،كثمر الطّلح و السّمر.و كذلك العود الّذي يلفّ عليه الغزل، و هو أيضا:كلّ خال ترى منه الضّوء.
و أجدّت السّماء:أصحّت.ّ.
ص: 111
و أجددنا:أصحرنا.
و الجدّ:البدن،و السّمن،و الجدود من الأتن:
السّمينة.(6:391)
الخطّابيّ: الجديدان:اللّيل و النّهار،و هما الفتيان أيضا،و يقال لهما:الملوان.(1:307)
[في حديث أبي بكر]«جادّ عشرين وسقا»،أي نخلا،يجدّ منه ما يبلغ عشرين وسقا.و الجادّ هاهنا:بمعنى المجدود،فاعل بمعنى مفعول.
يقال:جددت النّخل أجدّه جدّا و جدادا،إذا صرمته.(2:43)
الجدد:المستوي من الأرض،و فيه صلابة،و منه قول أكثم بن صيفيّ:«من سلك الجدد أمن العثار».[ثمّ استشهد بشعر](2:404)
أجدّ،إذا صار إلى الجدد.(3:77)
الجوهريّ: الجدد:الأرض الصّلبة،و في المثل:
«من سلك الجدد أمن العثار».
و قد أجدّ القوم،إذا صاروا إلى الجدد،و أجدّ الطّريق:صار جددا.
و الجادّة:معظم الطّريق،و الجمع:جوادّ.
و الجدّ:نقيض الهزل،تقول منه:جدّ في الأمر يجدّ بالكسر جدّا.
و جدّ فلان في عيني يجدّ جدّا بالفتح:عظم.
و الجدّ:الاجتهاد في الأمور،تقول منه:جدّ في الأمر يجدّ جدّا بالفتح،و يجدّ.و أجدّ في الأمر،مثله.
و قولهم:أجدّ بها أمرا،أي أجدّ أمره بها،نصب «الأمر»على التّمييز،كقولك:قررت به عينا،أي قرّت عيني به.
و جادّه في الأمر،أي حاقّه.
و فلان محسن جدّا،و لا تقل:جدّا.
و هو على جدّ أمر،أي عجلة أمر.
و قولهم:في هذا خطر جدّ عظيم،أي عظيم جدّا.
و قولهم:أ جدّك و أ جدّك،بمعنى.و لا يتكلّم به إلاّ مضافا.
و الجدّ بالضّمّ:البئر الّتي تكون في موضع كثير الكلإ.
[ثمّ استشهد بشعر]
و جدّة:بلد على السّاحل.
و الجدّة:الخطّة الّتي في ظهر الحمار تخالف لونه.
و الجدّة:الطّريقة،و الجمع:جدد،قال تعالى:
وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ فاطر:27،أي طرائق تخالف لون الجبل،و منه قولهم:ركب فلان جدّة من الأمر،إذا رأى فيه رأيا.
و كساء مجدّد:فيه خطوط مختلفة.
و الجدّاد:الخلقان من الثّياب،و هو معرّب«كداد» بالفارسيّة.[ثمّ استشهد بشعر]
و كلّ شيء تعقّد بعضه في بعض من الخيوط و أغصان الشّجر فهو جدّاد.[ثمّ استشهد بشعر]
و جدّ الشّيء يجدّ بالكسر جدّة:صار جديدا،و هو نقيض الخلق.
و جددت الشّيء أجدّه بالضّمّ جدّا:قطعته.
و ثوب جديد،و هو في معنى مجدود،يراد به حين جدّه الحائك،أي قطعه.[ثمّ استشهد بشعر]
و منه قيل:ملحفة جديد،بلا«هاء»،لأنّها بمعنى
ص: 112
«مفعولة».
و ثياب جدد،مثل سرير و سرر.
و تجدّد الشّيء:صار جديدا.و أجدّه،و استجدّه، و جدّده،أي صيّره جديدا.و بهي بيت فلان فأجدّ بيتا من شعر.
و يقال لمن لبس الجديد:أبل و أجدّ و احمد الكاسي.
و الجديد:وجه الأرض.
و قولهم:لا أفعله ما اختلف الجديدان،و ما اختلف الأجدّان،يعنى به اللّيل و النّهار.
و جديدة السّرج:ما تحت الدّفّتين من الرّفادة و اللّبد الملزق.و هما جديدتان،و هو مولّد.و العرب تقول:
جدية السّرج و جديّة السّرج.
و جدّ النّخل يجدّه،أي صرمه.و أجدّ النّخل:حان له أن يجدّ.و هذا زمن الجداد و الجداد،مثل الصّرام و القطاف،فكأنّ«الفعال و الفعال»مطّردان في كلّ ما كان فيه معنى وقت الفعل،مشبّهان في معاقبتهما بالإوان و الأوان.و المصدر من ذلك كلّه على«الفعل»مثل الجدّ و الصّرم و القطف.
و جدّت أخلاف النّاقة،إذا أضرّ بها الصّرار و قطعها،فهي ناقة مجدودة الأخلاف.
و امرأة جدّاء:صغيرة الثّدي.و فلاة جدّاء:لا ماء بها.
و تجدّد الضّرع:ذهب لبنه.
و جدود:موضع فيه ماء يسمّى الكلاب،و كانت به وقعة مرّتين.و يقال للكلاب الأول:يوم جدود،و هو لتغلب على بكر بن وائل.(2:452)
ابن فارس: الجيم و الدّال أصول ثلاثة:الأوّل العظمة،و الثّاني الحظّ،و الثّالث القطع.
فالأوّل:العظمة،قال اللّه جلّ ثناؤه إخبارا عمّن قال: وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا الجنّ:3،و يقال:جدّ الرّجل في عيني،أي عظم.
و الثّاني:الغنى و الحظّ.[ثمّ ذكر حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم]
و فلان أجدّ من فلان و أحظّ منه،بمعنى.
و الثّالث:يقال:جددت الشّيء جدّا،و هو مجدود و جديد،أي مقطوع.[ثمّ استشهد بشعر]
و ليس ببعيد أن يكون الجدّ في الأمر و المبالغة فيه من هذا،لأنّه يصرمه صريمة و يعزمه عزيمة،و من هذا قولك:أ جدّك تفعل كذا،أي أ جدّ منك أ صريمة منك أ عزيمة منك؟[ثمّ استشهد بشعر]
و الجدّ:البئر،من هذا الباب،و القياس واحد،لكنّها بضمّ الجيم.[ثمّ استشهد بشعر]
و البئر:تقطع لها الأرض قطعا.
و من هذا الباب الجدجد:الأرض المستوية.[ثمّ استشهد بشعر]
و الجدد مثل الجدجد،و العرب تقول:«من سلك الجدد أمن العثار».و يقولون:«رويد يعلون الجدد»، و يقال:أجدّ القوم،إذا صاروا في الجدد.
و الجديد:وجه الأرض.[ثمّ استشهد بشعر]
و الجدّة من هذا أيضا،و كلّ جدّة:طريقة.
و الجدّة:الخطّة تكون على ظهر الحمار.
و من هذا الباب الجدّاء:الأرض الّتي لا ماء بها،كأنّ الماء جدّ عنها،أي قطع.و منه الجدود و الجدّاء من
ص: 113
الضّأن،و هي الّتي جفّ لبنها و يبس ضرعها.
و من هذا الباب الجداد و الجداد،و هو صرام النّخل.
و جادّة الطّريق:سواؤه،كأنّه قطع عن غيره،و لأنّه أيضا يسلك و يجدّ،و منه الجدّة.و جانب كلّ شيء:
جدّة،نحو جدّة المزادة.و ذلك هو مكان القطع من أطرافها.
و قولهم:ثوب جديد،و هو من هذا،كأنّ ناسجه قطعه الآن.
هذا هو الأصل،ثمّ سمّي كلّ شيء لم تأت عليه الأيّام:جديدا،و لذلك يسمّى اللّيل و النّهار الجديدين و الأجدّين،لأنّ كلّ واحد منهما إذا جاء فهو جديد.
و الأصل في«الجدّة»ما قلناه.(1:406)
أبو هلال العسكريّ: الفرق بين الجدّ و الانكماش:
أنّ الانكماش:سرعة السّير،يقال:انكمش سيره،إذا أسرع فيه.ثمّ استعمل في كلّ شيء تصحّ فيه السّرعة، فتقول:انكمش على النّسخ و الكتابة و ما يجري مع ذلك.
و الجدّ:صدق القيام في كلّ شيء،تقول:جدّ في السّير و جدّ في إغاثة زيد و في نصرته،و لا يقال:انكمش في إغاثة زيد و نصرته؛إذ ليس ممّا تصحّ فيه السّرعة.
(212)
الهرويّ: و في حديث ابن سيرين:«كان يختار الصّلاة على الجدّ إن قدر عليه».الجدّ:شاطئ النّهر، و الجدّة أيضا،و به سمّيت جدّة،لأنّها ساحل البحر.
و كلّ طريقة من سواد أو بياض فهي جدّة.
و في الحديث:«كان لا يبالي أن يصلّي في المكان الجدد»يريد المستوي من الأرضين.(327)
أبو سهل الهرويّ: و الجدّ في الأمر،مكسور:ضدّ الهزل،و هو الانكماش و ترك التّواني.
و الجدّ في النّسب:أبو الأب و أبو الأمّ،و الجدّ:الحظّ و هو الّذي تسمّيه العامّة البخت،مفتوحان.[ثمّ استشهد بشعر]
و ما أتاك في الشّعر من قوله:أ جدّك؟فهو بالكسر يعني كسر الجيم و فتح الدّال،و هو ضدّ الهزل،و معناه أ جدّا منك؟و نصبه على المصدر.و إذا أتاك و جدّك،فهو مفتوح،مفتوح الجيم مكسور الدّال،و هذه الواو للقسم فلذلك خفض الدّال،و معناه الحلف بجدّه الّذي هو أبو أبيه أو بحظّه.(56)
و ثياب جدد بضمّ الدّال:للّتي لم تبتذل باللّباس، واحدها:جديد.(60)
ابن سيده: الجدّ:أبو الأب،و أبو الأمّ.و الجمع:
أجداد،و جدود.
و الجدّ:البخت و الحظوة.
و الجدّ:الحظّ و الرّزق،يقال:فلان ذو جدّ في كذا، أي ذو حظّ فيه،و في الدّعاء:«و لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ»أي من كان له حظّ في الدّنيا لم ينفعه ذلك منك في الآخرة.و الجمع:أجداد.و أجدّ،و جدود عن سيبويه.
و رجل جدّ:عظيم الجدّ.قال سيبويه:«و الجمع جدّون»و لا يكسّر.
و كذلك:جدّ،و جدّيّ،و مجدود،و جديد،و قد جدّ،و هو أجدّ منك،أي أحظّ.فإن كان هذا من «مجدود»فهو غريب،لأنّ التّعجّب في معتاد الأمر إنّما هو من«الفاعل»لا من«المفعول»و إن كان من«جديد»
ص: 114
-و هو حينئذ في معنى المفعول-فكذلك أيضا.
و أمّا إن كان«جديد»في معنى«فاعل»فهذا هو الّذي يليق به التّعجّب،أعني أنّ التّعجّب إنّما هو من الفاعل في غالب الأمر،كما قلنا.
و جددت بالأمر جدّا:حظيت به خيرا كان أو شرّا.
و الجدّ:العظمة،و في التّنزيل: وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا الجنّ:3،قيل:جدّه:عظمته،و قيل:غناه.و في حديث أنس:«إنّه كان الرّجل منّا إذا حفظ البقرة و آل عمران جدّ فينا»أي عظم في أعيننا.
و خصّ بعضهم ب«الجدّ»عظمة اللّه عزّ و جلّ،و قول أنس هاهنا يردّ هذا،لأنّه قد أوقعه على الرّجل.
و جدّة النّهر،و جدّته:ما قرب منه من الأرض.
و الجدّ،و الجدّة:ساحل البحر بمكّة.
و جدّة:اسم موضع قريب من مكّة،مشتقّ منه.
و جدّة كلّ شيء:طريقته.
و جدّ كلّ شيء:جانبه.
و الجدّ،و الجدّ،و الجديد،و الجدد،كلّه:وجه الأرض.
و قيل:الجدد:الأرض الغليظة،و قيل:المستوية، و في المثل:«من سلك الجدد أمن العثار»يريد:من سلك طريق الإجماع،فكنى عنه بالجدد.
و الجدد من الرّمل:ما استرقّ منه و انحدر.
و أجدّ القوم:علوا جديد الأرض أو ركبوا جدد الرّمل.[ثمّ استشهد بشعر]
و أجدّت لك الأرض،إذا انقطع عنك الخبار و وضحت.
و جادّة الطّريق:مسلكه و ما وضح منه.
و الجدّ:البئر الجيّدة الموضع من الكلإ،مذكّر،و قيل:
هي البئر المغزرة،و قيل:الجدّ:البئر القليلة الماء.[ثمّ استشهد بشعر]
و قيل:الجدّ:الماء القليل،و قيل:هو الماء يكون في طرف الفلاة.و الجمع من ذلك كلّه:أجداد.
و مفازة جدّاء:يابسة.[ثمّ استشهد بشعر]
و سنة جدّاء:محلة.
و شاة جدّاء:قليلة اللّبن،يابسة الضّرع،و كذلك:
النّاقة و الأتان.
و قيل:الجدّاء من كلّ حلوبة:الذّاهبة اللّبن عن عيب.
و الجدود:القليلة اللّبن من غير عيب،و الجمع:
جدائد،و جداد.
و امرأة جدّاء:صغيرة الثّدي.
و جدّ الشّيء يجدّه جدّا:قطعه.
و الجدّاء من الغنم و الإبل:المقطوعة الأذن.
و حبل جديد:مقطوع.[ثمّ استشهد بشعر]
و ملحفة جديد،و جديدة:حين جدّها الحائك،أي قطعها.
و الجدّة:نقيض البلى،يقال:شيء جديد،و الجمع:
أجدّة،و جدد،و جدد.
و قد قالوا:ملحفة جديدة،قال سيبويه:و هي قليلة.
و قال أبو عليّ: جدّ الثّوب يجدّ:صار جديدا،و عليه وجّه قول سيبويه:ملحفة جديدة،لا على ما ذكرنا من
ص: 115
«المفعول».
و أجدّ ثوبا،و استجدّه:لبسه جديدا.[ثمّ استشهد بشعر]
و أصل ذلك كلّه القطع.فأمّا ما جاء منه في غير ما يقبل القطع فعلى المثل بذلك،كقولهم:جدّد الوضوء و العهد.
و الأجدّان:و الجديدان:اللّيل و النّهار؛و ذلك لأنّهما لا يبليان أبدا.و يقال:لا أفعل ذلك ما اختلف الأجدّان و الجديدان،أي اللّيل و النّهار.
و الجديد:ما لا عهد لك به،و لذلك وصف الموت بالجديد.[ثمّ استشهد بشعر]
و أجدّ:حان أن يجدّ.
و الجداد،و الجداد:أوان الصّرام.
و ما عليه جدّة،و جدّة،أي خرقة.
و جديدتا السّرج و الرّحل:اللّبد الّذي يلزق بهما من الباطن.
و الجدّ:نقيض الهزل،جدّ يجدّ،و يجدّ جدّا.
و أجدّ:حقّق.و عذاب جدّ:محقّق مبالغ فيه،و في القنوت:«و نخشى عذابك الجدّ».
و جدّ في أمره يجدّ،و يجدّ جدّا،و أجدّ:حقّق.
و المجادّة:المحاقّة.
و جدّ به الأمر:اشتدّ.[ثمّ استشهد بشعر]
و أ جدّك لا تفعل كذا،و أ جدّك،إذا كسر استحلفه بحقيقته،و إذا فتح استحلفه ببخته.[ثمّ حكى قول سيبويه و قد سبق]
و قالوا:هذا العالم جدّ العالم،و هذا عالم جدّ عالم:
يريد بذلك التّناهي،و أنّه قد بلغ الغاية فيما يصفه به من الخلال.
و صرّحت بجدّ،و جدّان،و جدّاء:يضرب هذا مثلا للأمر إذا بان.
و الجدّاد:صغار العضاه.
و الجدّاد:صاحب الحانوت الّذي يبيع الخمر و يعالجها.
و الجدّاد:الخيوط المعقّدة،يقال لها:كداد، بالنّبطيّة.[ثمّ استشهد بشعر]
و جدّاء:موضع.[ثمّ استشهد بشعر](7:183)
الطّوسيّ: و الجدّ:أب بواسطة،و لا يطلق عليه صفة أب،و إنّما يجوز ذلك بقرينة تدلّ على أنّه أب بواسطة الابن،و جدّ الأب:أب بواسطتين.(6:140)
و الجديد:المقطوع عنه العمل في ابتداء أمره،قبل حال خلوّ فيه،و أصله:القطع،يقال:جدّه يجدّه جدّا، إذا قطعه.و الجدّ:أب الأب،لانقطاعه عن الولادة بالأب.
و الجدّ ضدّ الهزل،و الجدّ:الحظّ.(6:287)
الرّاغب: الجدّ:قطع الأرض المستوية،و منه:جدّ في سيره يجدّ جدّا،و كذلك جدّ في أمره و أجدّ:صار ذا جدّ.
و تصوّر من:جددت الأرض:القطع المجرّد،فقيل:
جددت الثّوب،إذا قطعته على وجه الإصلاح،و ثوب جديد:أصله المقطوع،ثمّ جعل لكلّ ما أحدث إنشاؤه، قال تعالى: بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ق:15، إشارة إلى النّشأة الثّانية؛و ذلك قولهم: أَ إِذا مِتْنا وَ كُنّا
ص: 116
تُراباً ذلِكَ رَجْعٌ بَعِيدٌ ق:3.
و قوبل الجديد ب«الخلق»لما كان المقصود بالجديد:
القريب العهد بالقطع من الثّوب،و منه قيل للّيل و النّهار:
الجديدان و الأجدّان،قال تعالى: وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ فاطر:27،جمع:جدّة،أي طريقة ظاهرة،من قولهم:طريق مجدود،أي مسلوك مقطوع،و منه جادّة الطّريق.
و الجدود و الجدّاء من الضّأن:الّتي انقطع لبنها.
و جدّ ثدي أمّه،على طريق الشّتم.
و سمّي الفيض الإلهيّ: جدّا،قال تعالى: وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا الجنّ:3،أي فيضه،و قيل:عظمته، و هو يرجع إلى الأوّل،و إضافته إليه على سبيل اختصاصه بملكه.
و سمّي ما جعل اللّه تعالى للإنسان من الحظوظ الدّنيويّة:جدّا،و هو البخت،فقيل:جددت و حظظت، و قوله عليه السّلام:«لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ»أي لا يتوصّل إلى ثواب اللّه تعالى في الآخرة بالجدّ،و إنّما ذلك بالجدّ في الطّاعة،و هذا هو الّذي أنبأ عنه قوله تعالى: مَنْ كانَ يُرِيدُ الْعاجِلَةَ عَجَّلْنا لَهُ فِيها ما نَشاءُ لِمَنْ نُرِيدُ...* وَ مَنْ أَرادَ الْآخِرَةَ وَ سَعى لَها سَعْيَها وَ هُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولئِكَ كانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُوراً الإسراء:18،19،و إلى ذلك أشار بقوله: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ الشّعراء:88.
و الجدّ:أبو الأب و أبو الأمّ.و قيل:معنى«لا ينفع ذا الجدّ»:لا ينفع أحدا نسبه و أبوّته،فكما نفى نفع البنين في قوله: يَوْمَ لا يَنْفَعُ مالٌ وَ لا بَنُونَ، كذلك نفى نفع الأبوّة في هذا الحديث.(88)
الزّمخشريّ: رجل مجدود و جدّ:ذو جدّ،و هو أجدّ من فلان،و يقال:أعطي فلان جدّا،فلو بال لجدّ ببوله،أي لكان الجدّ في بوله أيضا.
و جدّ في عيني:عظم.و سلك الجدد.و قد أجددت فسر،و مشى على الجادّة،و امشوا على الجوادّ.
و جدّ في الأمر و أجدّ،و أجدّ المسير.و أ جادّ أنت أم هازل؟و أ جدّك تفعل كذا.
و أرض جدّاء:لا ماء بها.و شاة جدّاء و جدود:لا لبن لها.
و على ظهره جدّة،و في السّماء جدّة،و هي الطّريقة.
و لا أفعل ما كرّ الجديدان و الأجدّان.
و هذا زمن الجداد و الجداد،و أجدّ النّخل.
و ملحفة جديد.و أجدّ ثوبا و استجدّه،بمعنى.
و من المجاز:جدّ به الأمر،و جدّ جدّه،و هو على جدّ أمر.و ركب جدّة من الأمر،أي طريقة،و رأى رأيا.
و هذه نخل جادّ مائة وسق،أي تجدّها،كما تقول:
ناقة حالبة علبتين،و تحلب علبتين.
(أساس البلاغة:53)
[في حديث النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم]
الجدّ:الحظّ،و الإقبال في الدّنيا.
و الجدّ بالضّمّ:الصّفة،و مثله الحلو و المرّ،و ناقة عبر أسفار.
و منه قوله صلّى اللّه تعالى عليه و سلّم:«قمت على باب الجنّة فإذا عامّة من يدخلها الفقراء،و إذا أصحاب الجدّ محبوسون».[إلى أن قال:]
و المعنى:المجدود لا ينفعه منك الجدّ الّذي منحته،و إنّما
ص: 117
ينفعه أن تمنحه اللّطف و التّوفيق في الطّاعة،أو لا ينفع من جدّه منك جدّه،و إنّما ينفعه التّوفيق منك.
(الفائق 1:192)
«نهى صلّى اللّه عليه و سلّم عن جداد اللّيل و عن حصاد اللّيل».هو بالفتح و الكسر:صرام النّخل،و كانوا يجدّون باللّيل و يحصدون خشية حضور المساكين،و فرارا من التّصدّق عليهم،فنهوا عن ذلك بقوله تعالى: وَ آتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ الأنعام:141.
أوصى من خيبر بجادّ مائة وسق للأشعريّين،و بجادّ مائة وسق للشّنائيّين (1)،أي بنخل يجدّ منه مائة وسق من التّمر،و هو من باب قولهم:ليل نائم.و منه حديثه:
اربطوا الفرس فمن ربط فرسا فله جادّ مائة و خمسين وسقا.(الفائق 1:192)
و الجديد:يوصف به المؤنث بغير علامة،فيقال:
ملحفة جديد.و عند الكوفيّين«فعيل»بمعنى«مفعول» فهو في حكم قولهم:امرأة قتيل،و دابّة عقير.و عند البصريّين بمعنى«فاعل»كعزيز و ذليل،لأنّك تقول:جدّ الثّوب،فهو جديد،كعزّ و ذلّ.و لكن قيل في المؤنّث:
جديد.كما قال اللّه تعالى: إِنَّ رَحْمَتَ اللّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ الأعراف:56.(الفائق 2:310)
الطّبرسيّ: الجديد:القريب العهد بانقطاع العمل عنه،و أصله من القطع.(4:403)
واحد الجدد:جدّة.و أمّا الجدد فجمع جديد.
(4:406)
الجدّ:أصله القطع،و منه الجدّ:العظمة،لانقطاع كلّ عظمة عنها لعلوّها عليه،و منه الجدّ:أبو الأب،لانقطاعه بعلوّ أبوّته.و كلّ من فوقه لهذا الولد أجداد.
و الجدّ:الحظّ،لانقطاعه بعلوّ شأنه.و الجدّ:خلاف الهزل،لانقطاعه عن السّخف،و منه الجديد،لأنّه حديث عهد بالقطع في غالب الأمر.(5:367)
المدينيّ: في حديث ابن عمر:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذا جدّ به السّير جمع بين الصّلاة»أي انكمش و أسرع،يقال:جدّ في السّير و الأمر،يجدّ بضمّ الجيم و كسرها،و أجدّ فيه أيضا،و جدّ به الأمر و السّير بمعناه، و هو على جدّ أمر،أي على عجلته.
في الحديث:«لا يضحّى بجدّاء».الجدّاء:ما لا لبن لها من كلّ حلوبة،من آفة أيبست ضرعها.
و جدّت النّاقة تجدّ جددا،إذا يبست أخلافها من عنت أصابها،فهي جدّاء،و الجمع:الجدّ.
و الجدّاء أيضا:الصّغيرة الثّديين في النّساء،و منه حديث عليّ رضي اللّه عنه في صفة المرأة:«إنّها جدّاء» قال اليزيديّ:هي القصيرة الثّديين.
و الجدّاء أيضا:المفازة اليابسة،و كذا السّنة الجدّاء.
في حديث أبي سفيان:«جدّ ثديا أمّك».أي قطعا، دعاء عليه.و الجدّ:القطع،و الجديد:المقطوع.
في حديث رؤيا عبد اللّه بن سلام:«و إذا جوادّ منهج عن يميني».الجوادّ:الطّرق.و المنهج:الواضح.
و جادّة الطّريق:سواؤه و وسطه:و قيل:الجادّة:
الطّريق الأعظم الّذي يجمع الطّرق،و لا بدّ من المرور عليه.ن.
ص: 118
في الحديث:«ما على جديد الأرض».أي ما على وجهها.
في الحديث:«لا يأخذنّ أحدكم متاع أخيه لاعبا جادّا»لا يأخذه على سبيل الهزل،ثمّ يحبسه فيصير ذلك جدّا.
في قصّة حنين:«كإمرار الحديد على الطّست الجديد»الجديد يوصف به المؤنّث بلا علامة...
(1:301)
ابن الأثير: في حديث الدّعاء:«تبارك اسمك و تعالى جدّك»أي علا جلالك و عظمتك.
و الجدّ:الحظّ و السّعادة و الغنى.
و في الحديث:«كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذا جدّ في السّير جمع بين الصّلاتين»أي إذا اهتمّ به و أسرع فيه.يقال:
جدّ يجدّ و يجدّ بالضّمّ و الكسر،و جدّ به الأمر و أجدّ.
و جدّ فيه و أجدّ،إذا اجتهد.
و منه حديث أحد:«لئن أشهدني اللّه مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قتال المشركين ليرينّ اللّه ما أجدّ»أي ما أجتهد.
(1:244)
الصّغانيّ: يقال:أجدّت قروني من ذلك الأمر،إذا أنت تركته و رفضته.
و الجدّ:ثمر من ثمر الشّجر غير المطعم كثمر الطّلح و السّمر.
و الجدّ:البدن،و السّمن،و الجدود من الإبل:
السّمينة.(2:207)
الفيّوميّ: جدّ الشّيء يجدّ بالكسر جدّة فهو جديد،و هو خلاف القديم.
و جدّد فلان الأمر و أجدّه و استجدّه،إذا أحدثه فتجدّد هو.و قد يستعمل«استجدّ»لازما.
و جدّه جدّا من باب«قتل»:قطعه،فهو جديد «فعيل»بمعنى«مفعول».
و هذا زمن الجداد و الجداد،و أجدّ النّخل بالألف:
حان جداده،و هو قطعه.[إلى أن قال:]
و جدّ في كلامه جدّا من باب«ضرب»ضدّ هزل، و الاسم منه:الجدّ بالكسر،و منه قوله عليه الصّلاة و السّلام:«ثلاث جدّهنّ جدّ و هزلهنّ جدّ»لأنّ الرّجل كان في الجاهليّة،يطلّق أو يعتق أو ينكح ثمّ يقول:كنت لاعبا و يرجع،فأنزل اللّه قوله تعالى: وَ لا تَتَّخِذُوا آياتِ اللّهِ هُزُواً البقرة:231،فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«ثلاث جدّهنّ جدّ»إبطالا لأمر الجاهليّة و تقريرا للأحكام الشّرعيّة...(92)
الفيروزآباديّ: الجدّ:أبو الأب و أبو الأمّ،الجمع:
أجداد و جدود و جدودة،و البخت و الحظّ،و الحظوة، و الرّزق،و العظمة،و شاطئ النّهر كالجدّ و الجدّة بكسرهما،و الجدّة بالضّمّ،و وجه الأرض كالجدّة بالكسر و الجديد و الجدد.
و الرّجل العظيم الحطّ كالجدّ و الجدّيّ بضمّهما، و الجديد و المجدود،و و كف البيت و هذه عن المطرّز و يكسر،و القطع،و ثوب جديد كما جدّه الحائك،الجمع:
جدد كسرر.
و صرام النّخل كالجداد و الجداد،و أجدّ:حان أن يجدّ.
و بالضّمّ:ساحل البحر بمكّة كالجدّة،و جدّة لموضع
ص: 119
بعينه منه،و جانب كلّ شيء،و السّمن و البدن،و ثمر كثمر الطّلح،و البئر في موضع كثير الكلإ،و البئر و المغزرة و القليلة الماء ضدّ،و الماء القليل،و الماء في طرف فلاة، و الماء القديم.
و بالكسر:الاجتهاد في الأمر،و ضدّ الهزل،و قد جدّ يجدّ و يجدّ و أجدّ،و العجلة،و التّحقيق،و المحقّق المبالغ فيه،و و كفان البيت جدّ يجدّ.
و الجدّة:أمّ الأمّ و أمّ الأب،و بالضّمّ:الطّريقة و العلامة،و الخطّة في ظهر الحمار تخالف لونه،و موضع.
و ركب جدّة الأمر،إذا رأى فيه رأيا.و بالكسر:
قلادة في عنق الكلب،و ضدّ البلى جدّ يجدّ فهو جديد، و أجدّه و جدّده و استجدّه:صيّره جديدا،فتجدّد و أجدّ بها أمرا،أي أجدّ أمره بها.
و كرمّان:خلقان الثّياب،و كلّ متعقّد بعضه في بعض من خيط أو غصن،و الجبال الصّغار.
و ككتّان:بائع الخمر و معالجها،و ككتاب:جمع جديد للأتان السّمينة.
و الجديدان و الأجدّان:اللّيل و النّهار.
و الجدّاء:الصّغيرة الثّدي،و المقطوعة الأذن، و الذّاهبة اللّبن،و الفلاة بلا ماء،و قرية بالحجاز.
و صرّحت جدّاء و بجدّ،و بجدّ ممنوعة،و بجدّان:يقال في شيء وضح بعد التباسه،و هو على الجملة اسم موضع بالطّائف ليّن مستو كالرّاحة لا خمر فيه يتوارى به، و التّاء عبارة عن القصّة أو الخطّة.
و الجدود:النّعجة قلّ لبنها،و موضع.
و تجدّد الضّرع:ذهب لبنه.
و الجدد محرّكة:ما استرقّ من الرّمل:و شبه السّلعة بعنق البعير،و الأرض الغليظة المستوية،و أجدّ:سلكها، و الطّريق:صار جددا.
و عالم جدّ عالم بالكسر:متناه بالغ الغاية،و جادّه:
حاققه.
و ما عليه جدّة بالكسر و الضّمّ:خرقة.
و أجدّت قروني منه:تركته.
و الجديد:الموت،و نهر باليمامة.
و أ جدّك لا تفعل:لا يقال إلاّ مضافا،و إذا كسر استحلفه بحقيقته،و إذا فتح استحلفه ببخته،و اذا قلت بالواو فتحت:و جدّك لا تفعل.
و الجادّة:معظم الطّريق،الجمع:جوادّ.(1:291)
الطّريحيّ: و في الحديث:«تبارك اسمك و تعالى جدّك»أي جلالك و عظمتك،و المعنى تعاليت بجلالك و عظمتك أن توصف بما لا يليق لك...
و قيل:المراد بالجدّ الحظّ،و هو الّذي يسمّيه العامّة:
البخت.و منه:«أتعس اللّه جدودكم»أي أهلك حظوظكم،و مثله:«عيبك مستور ما أسعد جدّك»أي بختك.
و منه الحديث:«إذا مات الميّت فجدّ في جهازه، و عجّل في تجهيزه و لا تقصّر،و لا تؤخّره».
و فلان محسن جدّا،أي نهاية و مبالغة.
و في دعاء الاستسقاء:«اسقنا مطرا جدّا طبقا» و فسّر الجدّ بالمطر العامّ.
و الجادّة:وسط الطّريق،و معظمه الّذي يجمع الطّرق،و لا بدّ من المرور عليه،و الجمع:جوادّ،مثل دابّة
ص: 120
و دوابّ.
و طريق جدد،أي سهل.
و الجدد بالتّحريك:المستوي من الأرض،و منه:
«أسألك باسمك الّذي يمشى به على جدد الأرض».
و تجدّد الضّرع:يبس لبنه،و منه الخبر:«لا تصحّ بجدّا»و هي الّتي لا لبن لها من كلّ حلوبة،لأنّه أيبست ضرعها.
و جديد الأرض:وجهه،و منه قولهم:«جلاه عن جديد الأرض»أي نفاه عنها.(3:21)
محمّد إسماعيل إبراهيم:جدّ فلان في أعين النّاس:عظم شأنه،و جدّ الثّوب جدّة:صار جديدا، و جدّ جدّا:اجتهد،و جدّ جدّا:صار ذا جدّ،أي خطر، و تعالى جدّ ربّنا:تنزّه سبحانه عن كلّ ما لا يليق بجلاله.
و الجدّة:العلامة و الطّريقة،و الجمع:جدد،و هي اللّون المستطيل في الشّيء يخالف ما بجانبه،و يقال:في الجبل جدّة سواء،أي لون أسود ممتدّ كالطّريق.(103)
العدنانيّ: هو جادّ في أمره و مجدّ فيه.
و يخطّئ المنذر من يقول:فلان مجدّ في الأمر،و يقول:
إنّ الصّواب هو:فلان جادّ في الأمر،لأنّ الفعل-حسب رأيه و رأي المصباح المنير-هو:جدّ في الأمر.و الحقيقة هي أنّ هنالك فعلين هما:جدّ في الأمر فهو جادّ فيه، و أجدّ في الأمر فهو مجدّ فيه:الأصمعيّ،و التّهذيب، و الصّحاح،و مفردات الرّاغب الأصفهانيّ،و مختار الصّحاح،و اللّسان،و المصباح،و القاموس،و التّاج، و المدّ،و المتن،و الوسيط.
و فعله الثّلاثيّ هو:
جدّ في الأمر يجدّ أو يجدّ جدّا و جدّا.
لذا قل:
أ-فلان جادّ في الأمر.
ب-أو فلان مجدّ فيه.
الجديد:الحديث و المقطوع.
جاء في التّضادّ:الجديد:ضدّ الخلق،و الجديد أيضا:
الحبل الخلق المقطّع.و الصّواب هو أنّ معنى جدّ الشّيء:
قطعه،و ليس:أبلاه.
و في اللّغة العربيّة: جدّ الشّيء يجدّه جدّا:قطعه.
و القطع لا يفرض علينا أن يكون ما نقطعه باليا.فقد نجدّ (نقطع)جزء من نسيج حديث،و نصنع منه ثوبا أو قميصا.فهذا الجزء الحديث نسجه هو مجدود(مقطوع)من جزء أكبر منه،حديث نسجه أيضا.فالجزء المجدود هو جديد«فعيل»بمعنى«المفعول».و هذا الجديد(المقطوع) حديث،لا بال.لذا لم يقل ابن الأنباريّ في كتابه «الأضداد»إنّ الجديد هو البالي،بل قال:الجديد هو المقطوع،و استشهد ببيت الوليد بن يزيد:
أبى حبّي سليمى أن يبيدا
و أضحى حبلها خلقا جديدا
و فسّر الجديد فيه بمعنى المقطوع.و لو كان معنى الجديد هو البالي،لما اضطرّ الشّاعر إلى أن يضع«خلقا» أي باليا،قبل«جديد».و نحن قد نجدّ الشّيء الحديث، فيصبح جديدا(مقطوعا)،و قد نجدّ القديم البالي،فيصبح جديدا(مقطوعا)أيضا.
ثمّ ذكر ابن الأنباريّ أنّ بعض اللّغويّين قالوا:
«معناه:و أضحى حبلها خلقا عندها،جديدا عندي في
ص: 121
قلبي،لأنّي لم أملّها كما ملّتني،و لو لم أنو قطيعتها كما نوت قطيعتي».
فقد أراد أولئك اللّغويّون أن يبعدوا معنى«البلى» عن«جديد»،فقالوا:إنّ الشّاعر يعني به الحديث.
و يؤيّد رأيي هذا أنّ المعاجم و الكتب الآتية قالت:
أ-إنّ الجديد هو(المقطوع)،و لم تقل إنّه(البالي).
ب-إنّ الجديد هو(الحديث).
ابن الأنباريّ،و الأزهريّ،و معجم مقاييس اللّغة، و المختار،و اللّسان،و المصباح،و المحيط-الّذي قال:ثوب جديد:كما جدّه الحائك-و التّاج،و المدّ،و محيط المحيط، و المتن،و الوسيط.
و ممّا قاله اللّسان:«الجدّة:نقيض البلى،يقال:شيء جديد،و الجمع:أجدّة،و جدد،و جدد»و قال أيضا:
«ثوب جديد:مجدود،يراد به حين جدّه الحائك أي قطعه».و هل يقطع الحائك ثوبا قديما؟
و قيل:ملحفة جديد(مقطوعة)لأنّها بمعنى «مفعولة».و لكنّ ابن سيده يجيز:ملحفة جديد و جديدة،و قال سيبويه:ملحفة جديدة قليلة.و أنا أرى أنّ جديدة هنا صواب،لأنّها بمعنى«الفاعل»من جدّ الشّيء يجدّ جدّة:صار جديدا،نقيض خلقا.
أمّا أصل معنى هذه المادّة«الجدّ»في اللّغات السّاميّة، فهو القطع،و قد ذكر التّضادّ العبريّة و السّريانيّة.
و لست أرى«الجديد»من الأضداد،و أرى أنّ معناه هو:
أ-الحديث.
ب-المقطوع(المجدود)حديثا من الثّوب،و لا تعني الثّوب المقطّع.لذا أنصح باستعمال(الجديد)بمعنى (الحديث).فالقرآن الكريم لم يأت بهذه الكلمة الّتي ذكرت فيه ثماني مرّات،إلاّ بمعنى(الحديث)،كما جاء في الآية(16)من سورة فاطر: إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ. (114)
المصطفويّ: و الّذي يظهر من التّحقيق في تلك المعاني و موارد استعمالاتها:أنّ الأصل الواحد فيها هو المقام المتحصّل من الجلال و العظمة و القدرة،و إطلاقها على أب الأب و الأمّ باعتبار كونهم سبب مجد و عظمة للرّجل،و كونهم معظّمين و ممجّدين عنده،و لهم جلال و قدرة و مقام.
و إلى هذا المعنى يرجع مفهوم:الحظّ و الغنى،فإنّه نوع جلال و عظمة و مقام قدرة.و لا يبعد أن يكون المراد من مفهوم«القطع»هاهنا هو المقطوعيّة،بمعنى رفع التّرديد و الشّكّ و التّزلزل و الاحتمال،و إطلاقها على القطع الظّاهريّ بهذا الاعتبار،و بملاحظة حصول هذا المعنى.
و يقرب منه مفهوم(الجدّ)في الأمر و المبالغة و العزم.
و هكذا مفهوم جادّة الطّريق،أي وسطه المتبيّن المستقيم المحفوظ عن الضّلال.
و أمّا مفهوم(الجديد)فليس هو في مقابل القديم مطلقا،بل ما كان متجدّدا و حادثا مع إضافة عظمة و خصوصيّة ممتازة بالنّسبة إلى سابقه،و تظهر هذه الخصوصيّة في موارد استعماله في الكتاب الكريم.
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ إبراهيم 19،أي ممتازا عظيما.
أَ إِذا كُنّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً الإسراء:49، أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَ إِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ السّجدة:10،أي خلقا ممتازا فوق الخلق السّابق،و بعد هذا الاندراس و الضّلال.
ص: 122
أَ إِذا كُنّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً الإسراء:49، أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَ إِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ السّجدة:10،أي خلقا ممتازا فوق الخلق السّابق،و بعد هذا الاندراس و الضّلال.
وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا الجنّ:3،أي مقام جلاله و عظمته.
وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ فاطر:27،أي خطوط داخليّة و ذخائر مكوّنة،و كنوز و معادن مختلفة ألوانها.
و ليس المراد الطّرق الظّاهريّة و المعابر في سطوح الجبال.
فكلمة«الجدد»إشارة إلى التّجدّد و التّكوّن و الثّروة و المنزلة و العظمة.
و لا يخفى أنّ«الجدد»جمع جدّة،و هي على«فعلة» كاللّقمة،فمعناها على مقتضى صيغتها،هو ما يجدّ به،أي ما يستغنى و يستفاد به.
فظهر لطف التّعبير بمشتقّات هذه المادّة في موارد استعمالاتها.
في القاموس العبريّ-العربيّ-(جدا)-(أراميّة):
حظّ،بخت.
(جادد):قطع،قصّ،قطف.
فلا يبعد أن نقول:إنّ«الجدّ»بمعنى القطع-إن كان مطلقا-قد أخذ من اللّغة العبريّة،فلا يلتزم بالتّناسب بين المعاني.(2:61)
وَ إِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَ إِذا كُنّا تُراباً أَ إِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ. الرّعد:5
قتادة :عجب الرّحمن تبارك و تعالى من تكذيبهم بالبعث بعد الموت.(الطّبريّ 13:104)
الطّبريّ: و إن تعجب يا محمّد من هؤلاء المشركين المتّخذين ما لا يضرّ و لا ينفع آلهة يعبدونها من دوني، فعجب قولهم: أَ إِذا كُنّا تُراباً و بلينا فعدمنا أَ إِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ إنّا لمجدّد إنشاؤنا و إعادتنا خلقا جديدا، كما كنّا قبل وفاتنا؟تكذيبا منهم بقدرة اللّه،و جحودا للثّواب و العقاب،و البعث بعد الممات.(13:103)
الشّريف الرّضي:(جديد)هاهنا استعارة،لأنّ أصله هاهنا مأخوذ من الجدّ،و هو القطع،يقال:قد جدّ الثّوب،فهو جديد بمعنى مجدود،إذا قطع من منسجه أو قطع لاستعمال لابسه.و المراد-و اللّه أعلم-إنّا لفي خلق جديد،أي قد فرغ من استئنافه،و أعيد إلى موضع ثوابه و عقابه،فصار كالثّوب الّذي قطع منسجه بعد الفراغ من عمله.(تلخيص البيان:63)
القشيريّ: استبعادهم النّشأة الثّانية-مع إقرارهم بالخلق الأوّل،و هما في معنى واحد-موضع التّعجّب؛إذ هو صريح في المناقضة.(3:217)
ص: 123
البغويّ: أي نعاد خلقا جديدا،كما كنّا قبل الموت.
(3:7)
نحوه الخازن.(4:4)
لاحظ سائر الآيات في«خ ل ق»
...وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِيبُ سُودٌ. فاطر:27
ابن عبّاس: طرائق.(الإتقان 2:99)
الفرّاء: الخطط و الطّرق تكون في الجبال كالعروق، بيض و سود و حمر،واحدها:جدّة.[ثمّ استشهد بشعر]
(2:369)
نحوه الطّبريّ(22:131)،و الطّوسيّ(8:426)، و البغويّ(3:693).
الأخفش: و«الجدد»واحدتها:جدّة،و الجدد هي ألوان الطّرائق الّتي فيها مثل الغدّة و جماعتها الغدد،و لو كانت جماعة«الجديد»لكانت«الجدد».(2:665)
الزّجّاج: [نحو الفرّاء و أضاف:]
و كلّ طريقة جادّة و جدّة.(4:269)
أبو مسلم الأصفهانيّ: الجدد:القطع،مأخوذ من جددت الشّيء،إذا قطعته.(الماورديّ 4:470)
الطّوسيّ: (جدد)واحده:جدّة نحو مدّة و مدد، و أمّا جمع جديد:فجدد بضمّ الدّال،مثل سرير و سرر.
و الجدد:الطّرائق.(8:426)
الزّمخشريّ: بمعنى و من الجبال ذو جدد بيض و حمر و سود حتّى يؤول إلى قولك:و من الجبال مختلف ألوانه،كما قال: ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها فاطر:27.
(3:307)
نحوه البيضاويّ(2:271)،و أبو السّعود(5:
280)،و القاسميّ(14:4982)،و مكارم الشّيرازيّ (14:69).
ابن عطيّة: جمع جدّة و هي الطّريقة،تكون من الأرض و الجبل،كالقطعة العظيمة المتّصلة طولا.[ثمّ استشهد بشعر]
و حكى أبو عبيدة في بعض كتبه:أنّه يقال:(جدد) في جمع جديد،و لا مدخل لمعنى الجديد في هذه الآية.
و قرأ الزّهريّ (جدد) بفتح الجيم.(4:437)
العكبريّ: (جدد)بفتح الدّال:جمع جدّة،و هي الطّريقة.و يقرأ بضمّها و هو جمع جديد.(2:1075)
القرطبيّ: الجدد:جمع جدّة،و هي الطّرائق المختلفة الألوان و إن كان الجميع حجرا أو ترابا.(14:342)
نحوه النّسفيّ.(3:339)
أبو حيّان :قرأ الجمهور (جُدَدٌ) بضمّ الجيم و فتح الدّال،جمع:جدّة.قال ابن بحر:قطع،من قولك:
جددت الشّيء:قطعته،و قرأ الزّهريّ كقراءة الجمهور.
قال صاحب«اللّوامح»:جمع جدّة،و هي ما تخالف من الطّريق في الجبال لون ما يليها،و عنه أيضا بضمّ الجيم و الدّال جمع:جديدة؛و جدد و جدائد،كما يقال في الاسم:سفينة و سفن و سفائن.[ثمّ استشهد بشعر]
و عنه أيضا بفتح الجيم و الدّال،و لم يجزه أبو حاتم في المعنى،و لا صحّحه أثرا.و قال غيره:هو الطّريق الواضح المبين.وضعه موضع الطّرائق و الخطوط الواضحة،
ص: 124
المنفصل بعضها من بعض.و قال صاحب«اللّوامح»:
(جدد)جمع جديد بمعنى آثار جديدة واضحة الألوان.
(7:311)
البروسويّ: مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ مبتدأ و خبر.
و الجدد:جمع جدّة بالضّمّ،بمعنى الطّريقة الّتي يخالف لونها ما يليها،سواء كانت في الجبل أو في غيره،و الخطّة في ظهر الحمار تخالف لونه،و قد تكون للظّبي جدّتان مسكيّتان تفصلان بين لوني ظهره و بطنه.
و لمّا لم يصحّ الحكم على نفس الجدد بأنّها من الجبال احتيج إلى تقدير المضاف في المبتدإ،أي و من الجبال ما هو ذو جدد،أي خطط و طرائق متلوّنة،يخالف لونها لون الجبل.فيؤوّل المعنى إلى أنّ من الجبال ما هو مختلف ألوانه،لأنّ(بيض)صفة(جدد).(7:342)
الآلوسيّ: و(جدد):جمع جدّة بالضّمّ،و هي الطّريقة،من جدّه،إذا قطعه.
و قال أبو الفضل:هي من الطّرائق ما يخالف لونه لون ما يليه،و منه جدّة الحمار للخطّ الّذي في وسط ظهره يخالف لونه.[إلى أن قال:]
و قال أبو عبيدة:لا مدخل لمعنى«الجديدة»في هذه الآية.و لعلّ من يقول بتجدّد حدوث الجبال و تكوّنها من مياه تنبع من أرض،و تتحجّر أوّلا فأوّلا،ثمّ تنبع من موضع قريب ممّا تحجر فتتحجّر أيضا و هكذا،حتّى يحصل جبل لا يأبى حمل الآية على هذه القراءة على ما ذكر.
و الظّاهر من الآيات و الأخبار أنّ الجبال أحدثها اللّه تعالى بعيد خلق الأرض لئلاّ تميد بسكّانها.و الفلاسفة يزعمون أنّها كانت طينا في بحار انحسرت ثمّ تحجّرت.
و قد أطال الإمام الكلام على ذلك في كتابه«المباحث المشرقيّة»و استدلّ على ذلك بوجود أشياء بحريّة كالصّدف بين أجزائها،و هذا عند تدقيق النّظر هباء و أكثر الأدلّة مثله،و من أراد الاطّلاع على ما قالوا فليرجع إلى كتبهم.
و روي عنه أيضا أنّه قرأ (جدد) بفتحتين.و لم يجز ذلك أبو حاتم،و قال:إنّ هذه القراءة لا تصحّ من حيث المعنى.و صحّحها غيره،و قال:الجدد:الطّريق الواضح المبين،إلاّ أنّه وضع المفرد موضع الجمع،و لذا وصف بالجمع.
و قيل:هو من باب نطفة أمشاج و ثوب أخلاق، لاشتمال الطّريق على قطع.(22:189)
وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً.
الجنّ:3
ابن عبّاس: ملك ربّنا.(488)
نحوه الأخفش.(البغويّ 5:159)
فعله و أمره و قدرته.(الطّبريّ 29:103)
سعيد بن جبير: أي تعالى ربّنا.
(الماورديّ 6:110)
مجاهد :جلال ربّنا.(الطّبريّ 29:104)
نحوه عكرمة و قتادة(الطّبريّ 29:104)،و الفرّاء (3:192)،و الزّجّاج(5:234)،و الواحديّ(4:
363).
ص: 125
ذكره.(الطّبريّ 29:105)
و المعنى تعالى جلال ربّنا و عظمته عن اتّخاذ الصّحابة و الولد.(الطّبرسيّ 5:368)
نحوه الحسن(الطّبرسيّ 5:368)،و قتادة(الطّبريّ 29:104).
الضّحّاك: نعم ربّنا على خلقه.(الماورديّ 6:110)
نحوه البغويّ.(5:159)
الحسن :غنى ربّنا.(الطّبريّ 29:104)
بلاء ربّنا.(البغويّ 5:159)
قتادة :أمر ربّنا.(الطّبريّ 29:103)
نحوه السّدّيّ(463)،و ابن زيد(الطّبريّ 29:
103)
الامام الصّادق عليه السّلام:شيء كذبه الجنّ فقصّه اللّه، كما قال.(القمّيّ 2:388)
أبو عبيدة :ملك ربّنا و سلطانه.(2:272)
الجبّائيّ: معناه جلّ ربّنا في صفاته،فلا تجوز عليه صفات الأجسام و الأعراض.(الطّبرسيّ 5:368)
الطّبريّ: [بعد أن استعرض الأقوال قال:]و أولى الأقوال في ذلك عندنا بالصّواب،قول من قال:عني بذلك:تعالت عظمة ربّنا و قدرته و سلطانه.و إنّما قلنا ذلك أولى بالصّواب،لأنّ للجدّ في كلام العرب معنيين:
أحدهما:الجدّ الّذي هو أبو الأب أو أبو الأمّ،و ذلك غير جائز أن يوصف به هؤلاء النّفر،الّذين وصفهم اللّه بهذه الصّفة؛و ذلك أنّهم قد قالوا: فَآمَنّا بِهِ وَ لَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً الجنّ:2،و من وصف اللّه بأنّ له ولدا أو جدّا،هو أبو أب أو أبو أمّ،فلا شكّ أنّه من المشركين.
و المعنى الآخر:الجدّ الّذي بمعنى«الحظّ»يقال:فلان ذو جدّ في هذا الأمر،إذا كان له حظّ فيه،و هو الّذي يقال له بالفارسيّة:«البخت»،و هذا المعنى الّذي قصده هؤلاء النّفر من الجنّ بقيلهم: وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا ان شاء اللّه.
و إنّما عنوا أنّ حظوته من الملك و السّلطان و القدرة و العظمة عالية،فلا تكون له صاحبة و لا ولد،لأنّ الصّاحبة إنّما تكون للضّعيف العاجز،الّذي تضطرّه الشّهوة الباعثة إلى اتّخاذها،و أنّ الولد إنّما يكون عن شهوة أزعجته إلى الوقاع الّذي يحدث منه الولد؛فقال النّفر من الجنّ:علا ملك ربّنا و سلطانه و قدرته و عظمته، أن يكون ضعيفا ضعف خلقه الّذين تضطرّهم الشّهوة إلى اتّخاذ صاحبة،أو وقاع شيء يكون منه ولد.
و قد بيّن عن صحّة ما قلنا في ذلك إخبار اللّه عنهم، أنّهم إنّما نزّهوا اللّه عن اتّخاذ الصّاحبة و الولد بقوله:
وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً يقال منه:رجل جدّيّ و جديد،و مجدود،أي ذو حظّ فيما هو فيه.[ثمّ استشهد بشعر](29:105)
الطّوسيّ: معناه:تعالى عظمة ربّنا،لانقطاع كلّ شيء عظمة عنها لعلوّها عليه،و منه الجدّ أبو الأب، و الجدّ:الحظّ،لانقطاعه بعلوّ شأنه.
و الجدّ:ضدّ الهزل،لانقطاعه عن السّخف.و منه الجديد لأنّه حديث عهد بالقطع في غالب الأمر.
و في رواية عن الحسن:تعالى غنى ربّنا،و كلّ ذلك يرجع إلى معنى وصفه بأنّه عظيم غنيّ.(10:147)
نحوه الطّبرسيّ.(5:368)
ص: 126
القشيريّ: الجدّ:العظمة،و العظمة استحقاق نعوت الجلال.(6:206)
و يجوز إطلاق لفظ«الجدّ»في حقّ اللّه تعالى؛إذ لو لم يجز لما ذكر في القرآن،غير أنّه لفظ موهم فتجنّبه أولى.(القرطبيّ 19:8)
الزّمخشريّ: عظمته،من قولك:جدّ فلان في عيني،أي عظم...أو ملكه و سلطانه أو غناه،استعارة من «الجدّ»الّذي هو الدّولة و البخت،لأنّ الملوك و الأغنياء هم المجدودون.و المعنى:وصفه بالتّعالي عن الصّاحبة و الولد،لعظمته أو لسلطانه و ملكوته أو لغناه،و قوله:
مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً بيان لذلك.
و قرئ (جدا ربّنا) على التّمييز،و (جدّ ربّنا) بالكسر،أي صدق ربوبيّته و حقّ إلهيّته عن اتّخاذ الصّاحبة و الولد؛و ذلك أنّهم لمّا سمعوا القرآن و وفّقوا للتّوحيد و الإيمان،تنبّهوا على الخطإ فيما اعتقده كفرة الجنّ،من تشبيه اللّه بخلقه و اتّخاذه صاحبة و ولدا، فاستعظموه و نزّهوه عنه.(4:167)
نحوه البيضاويّ(2:509)،و النّيسابوريّ(29:
65)،و الشّربينيّ(4:399)،و الكاشانيّ(5:234)، و البروسويّ(10:190)،و الآلوسيّ(29:84).
ابن عطيّة: قرأ جمهور النّاس (جَدُّ رَبِّنا) بفتح الجيم و ضمّ الدّال و إضافته إلى الرّبّ،و قال جمهور المفسّرين:
معناه عظمته.[ثمّ ذكر بعض الأقوال و قال:]
كلّه متّجه،لأنّ«الجدّ»هو حظّ المجدود،من الخيرات و الأوصاف الجميلة؛فجدّ اللّه تعالى هو الحظّ الأكمل من السّلطان الباهر و الصّفات العليّة و العظمة.
[إلى أن قال:]
و قرأ محمّد بن السّميقع اليمانيّ (جدّ ربّنا) و هو من الجدّ و النّفع.
و قرأ عكرمة (جدّ ربّنا) بفتح الجيم و ضمّ الدّال و تنوينه و رفع الرّبّ،كأنّه يقول:تعالى عظيم هو ربّنا، ف«ربّنا»بدل،و الجدّ:العظيم في اللّغة.
و قرأ حميد بن قيس (جدّ ربّنا) بضمّ الجيم،و معناه ربّنا العظيم،حكاه سيبويه.و بإضافته إلى«الرّبّ» فكأنّه قال:عظيم،و هذه إضافة تجديد،يوقع النّحاة هذا الاسم إذا أضيفت الصّفة إلى الموصوف،كما تقول:
جاءني كريم زيد:تريد زيدا الكريم،و يجري مجرى هذا عند بعضهم.(5:379)
نحوه أبو حيّان.(8:347)
الفخر الرّازيّ: و فيه مسائل:
المسألة الأولى:في«الجدّ»قولان:
الأوّل:الجدّ في اللّغة:العظمة،يقال:جدّ فلان،أي عظم،و منه الحديث:«كان الرّجل إذا قرأ سورة البقرة جدّ فينا»أي جلّ قدره و عظم،لأنّ الصّاحبة تتّخذ للحاجة إليها،و الولد للتّكثّر به و الاستئناس.و هذه من سمات الحدوث،و هو سبحانه منزّه عن كلّ نقص.
القول الثّاني:الجدّ:الغنى،و منه الحديث:«لا ينفع ذا الجدّ منك الجدّ».قال أبو عبيدة،أي لا ينفع ذا الغنى منك غناه،و كذلك الحديث الآخر:«قمت على باب الجنّة فإذا عامّة من يدخلها الفقراء،و إذا أصحاب الجدّ محبوسون» يعني أصحاب الغنى في الدّنيا،فيكون المعنى و أنّه تعالى غنيّ عن الاحتياج إلى الصّاحبة و الاستئناس بالولد.
ص: 127
و عندي فيه قول ثالث:و هو أنّ جدّ الإنسان:أصله الّذي منه وجوده،فجعل الجدّ مجازا عن الأصل،فقوله تعالى: (جَدُّ رَبِّنا) معناه:تعالى أصل ربّنا،و أصل حقيقته المخصوصة الّتي لنفس تلك الحقيقة،من حيث إنّها هي تكون واجبة الوجود.فيصير المعنى:أنّ حقيقته المخصوصة متعالية عن جميع جهات التّعلّق بالغير،لأنّ الواجب لذاته يجب أن يكون واجب الوجود من جميع جهاته،و ما كان كذلك استحال أن يكون له صاحبة و ولد.[ثمّ أدام نحو الزّمخشريّ](30:154)
أبو السّعود : وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا بالفتح، قالوا:هو و ما بعده من الجمل المصدّرة ب«أنّ»في أحد عشر موضعا،عطف على محلّ الجارّ و المجرور في فَآمَنّا بِهِ الجنّ:2،كأنّه قيل:فصدّقناه و صدّقنا أنّه تعالى جدّ ربّنا،أي ارتفع عظمته،من جدّ فلان في عيني،أي عظم تمكّنه أو سلطانه أو غناه،على أنّه مستعار من الجدّ:
الّذي هو البخت،و المعنى وصفه بالاستغناء عن الصّاحبة و الولد لعظمته أو لسلطانه لغناه،و قرئ بالكسر،و كذا الجمل المذكورة عطفا على المحكيّ بعد القول،و هو الأظهر لوضوح اندراج كلّها تحت القول،و أمّا اندراج الجمل الآتية تحت الإيمان و التّصديق كما يقتضيه العطف على محلّ الجارّ و المجرور ففيه إشكال.(6:314)
سيّد قطب :و الجدّ:الحظّ و النّصيب،و هو القدر و المقام،و هو العظمة و السّلطان،و كلّها إشعاعات من اللّفظ تناسب المقام.و المعنى الإجماليّ منها في الآية هو التّعبير عن الشّعور باستعلاء اللّه سبحانه و بعظمته و جلاله،عن أن يتّخذ صاحبة-أي زوجة-و ولدا بنين أو بنات.(6:3727)
بنت الشّاطئ: الكلمة وحيدة الصّيغة في القرآن، و معها فيه من مادّتها«جديد»ثماني مرّات،كلّها صفة لخلق و(جدد)في آية فاطر:27 وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها.
و تفسير (جَدُّ رَبِّنا) بعظمته،ممّا تحتمله الدّلالة اللّغويّة،فمن معاني«الجدّ»في العربيّة:أبو الوالدين، و أحد الأجدادين و الجدود،و البخت و الحظّ،و الحظوة، و الرّزق،و العظمة.و الجدّة:ضدّ البلى،و جدّد الشّيء صيّره جديدا،و الجادّة:الطّريق المسلوك الممهّد،و الجدّ:
الاجتهاد،و الجديدان:اللّيل و النّهار،بما في تعاقبهما من تجدّد آيتهما.
على أنّ الرّاغب فسّر«الجدّ»في الآية المسئول عنها بالفيض الإلهيّ تَعالى جَدُّ رَبِّنا أي فيضه،و قيل:
عظمته.و إضافته إليه تعالى على سبيل الاختصاص بملكه.و سمّي ما جعل اللّه من الحظوظ الدّنيويّة«جدّا» و هو البخت.
و في حديث الدّعاء:«تبارك اسمك و تعالى جدّك» قال ابن الأثير:أي علا جلالك و عظمتك.
و لعلّ وجه التّقريب في تفسير«الجدّ»بالعظمة،جاء من لمح ما في الجدّ من دلالة على ما أبدع سبحانه من نظام الكون،و ما هدى إلى نهج الطّريق السّويّ.
و الملحظ في البيان القرآنيّ أنّه لا يستعمل«الجديد» إلاّ في النّشأة الأخرى بعد الموت و البلى،فكلّ خلق جديد في القرآن،لهذه النّشأة الأخرى.أمّا النّشأة الأولى فيعبّر عنها القرآن بالخلق،إبداعا و تكوينا؛و ذلك
ص: 128
كلّه من آيات القدرة الإلهيّة و عظمتها.
و سياق الآية يؤنس إلى ما في الجدّ من عظمة و تفرّد، بتمام آيته.(الإعجاز البيانيّ:352)
الطّباطبائيّ: فسّر«الجدّ»بالعظمة و فسّر بالحظّ، و الآية في معنى التّأكيد،لقولهم: وَ لَنْ نُشْرِكَ بِرَبِّنا أَحَداً الجنّ:2.(20:40)
عبد الكريم الخطيب : جَدُّ رَبِّنا: ملكه و سلطانه و مجده.و أصل الجدّ:الحظّ و النّصيب الّذي يصيبه الإنسان في حياته من حظوظ الدّنيا.فجدّه هو كلّ ما له من مال و متاع،و بنين و علم و جاه و سلطان.
و قوله تعالى: وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا هو معمول لفعل محذوف،معطوف على قوله تعالى: إِنّا سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً الجنّ:1،أي سَمِعْنا قُرْآناً عَجَباً و علمنا ممّا سمعنا أنّه تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً.
و هكذا كلّ ما جاء على لسان الجنّ بعد هذا،هو معمول لفعل مترتّب على استماعهم لما استمعوا من آيات اللّه،و ما كشفت لهم من حقّ و هدى.
و قولهم: تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً أي عظم مجده و تعالى سلطانه،و تنزّهت عزّته عن أن يتّخذ صاحبة أو ولدا.فإنّ اتّخاذ الصّاحبة أو الولد،إنّما يكون عن حاجة إليهما؛بحيث لو افتقد الإنسان وجودهما بين يديه تطلّعت إليهما نفسه،و شغل بهما قلبه، و اللّه سبحانه في غنى عن كلّ شيء،فكلّ شيء هو منه، و له و إليه.(15:1222)
مكارم الشّيرازيّ: و بعد إظهار الإيمان و نفي الشّرك باللّه تعالى ينتقل كلامهم إلى تبيان صفات اللّه تعالى: وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً.
جدّ:لها معان كثيرة في اللّغة،منها:العظمة و الشّدّة، و الجدّ و القسمة و النّصيب و غير ذلك.و أمّا المعنى الحقيقيّ لها-كما يقول الرّاغب في«المفردات»-فهو القطع،و تأتي بمعنى«العظمة»إذا كان هناك كائن عظيم منفصل بذاته عن بقيّة الكائنات،و كذلك يمكن الأخذ بما يناسب بقيّة المعاني التّابعة لها.و إذا ما أطلقنا لفظة«الجدّ»على والديّ الأبوين فإنّما يعود ذلك إلى كبر مقامهما أو عمرهما.
و ذكر آخرون معاني محدودة لهذه الكلمة،فقد فسّروها بالصّفات و القدرة و الملك و الحاكميّة و النّعمة و الاسم،و تجتمع كلّ هذه المعاني في معنى«العظمة».
و هناك ادّعاء في أنّ المقصود هنا هو الأب الأكبر «الجدّ».و تشير الرّوايات إلى أنّ الجنّ لقلّة معرفتهم اختاروا هذا التّعبير غير المناسب.و هذا إشارة إلى نهيهم عن ذكر مثل هذه التّعابير.
و يمكن أن يكون هذا الحديث التفاتا منهم إلى أمور كهذا الادّعاء،و إلاّ لم يذكر القرآن هذا التّعبير و التّوافق عليه،و قد ذكر هذا الأسلوب في التّعبير أيضا في«نهج البلاغة»،كما في الخطبة(191):«الحمد للّه الفاشي في الخلق حمده،و الغالب جنده،و المتعالي جدّه».
و ورد في بعض الرّوايات أنّ أنس بن مالك قد قال:
كان الرّجل إذا قرأ سورة البقرة جدّ في أعيننا.
على كلّ حال فإنّ استعمال هذه اللّفظة في المجد و العظمة مطابق لما في نصوص اللّغة،و من الملاحظ أنّ خطباء الجنّ معتقدون بأنّ اللّه غير متّخذ لنفسه صاحبة
ص: 129
و لا ولدا،و يحتمل أن يكون هذا التّعبير نفي للخرافة المتداولة بين العرب؛حيث قالوا:إنّ للّه بنات لزوجة من الجنّ قد اتّخذها لنفسه،و ورد هذا الاحتمال في تفسير الآية(158)من سورة الصّافّات وَ جَعَلُوا بَيْنَهُ وَ بَيْنَ الْجِنَّةِ نَسَباً. (19:77)
1-الأصل في هذه المادّة الجدّ،أي أبو الأب و أبو الأمّ،و الجمع:أجداد و جدود،و مؤنّثه:الجدّة،و هي أمّ الأمّ و أمّ الأب،و الجمع:جدّات.و قضينا بأصالته هنا لأنّه مغرس الذّرّيّة،و هم مجتناه المصروم.
و منه:جداد النّخل و جداته،و هو صرامه و ما يقطع منه و يستأصل،يقال:جدّ النّخل يجدّه جدّا و جدادا و جدادا،أي صرمه،و أجدّ النّخل:حان له أن يجدّ، و الجداد و الجداد:أوان الصّرام.
و الجدّاء من الغنم و الإبل:المقطوعة الأذن،يقال:
جدّ الشّيء يجدّه جدّا،أي قطعه،و الجدّ أيضا:الشّاة و النّاقة المقطوعتا الأخلاف؛يقال:جدّت أخلاف النّاقة، أي أضرّ بها الصّرار و قطعها،فهي ناقة مجدّدة الأخلاف.
ثمّ أطلق الجدّاء على كلّ ذات ضرع انقطع لبنها، و هي جدود و جدودة،يقال:تجدّد الضّرع،أي ذهب لبنه،و جدّ الثّدي يجدّ جددا:يبس،فهو ثدي أجدّ،و جدّ ثدي أمّه،إذا دعي عليه بالقطيعة.
و يقال توسّعا:امرأة جدّاء،أي صغيرة الثّدي، و فلاة جدّاء:لا ماء بها،و سنة جدّاء:محلة،و كذا عام أجدّ.و الجدّ و الجدّ:البئر القليلة الماء.
و ثوب جديد:مجدود،يراد به حين جدّه الحائك، أي قطعه،و كذا ملحفة جديد و جديدة،و ملاءة جديد، بغير هاء،لأنّها بمعنى مجدودة،أي مقطوعة،و حبل جديد:مقطوع.
و الجدد:الأرض الصّلبة أو المستوية،و كأنّها اقتطعت من سائر الأرض،يقال:هذا طريق جدد،أي مستو،لا حدب فيه و لا وعوثة،و أجدّ الطّريق:صار جددا،و أجدّ القوم:صاروا إلى الجدد،و هذا الطّريق أجدّ الطّريقين،أي أوطؤهما و أشدّهما استواء و أقلّهما عدواء.و الجدد من الرّمل:ما استرق منه،و أجدّت لك الأرض:انقطع عنك الخبار و وضحت،و أجدّ القوم:
ركبوا جدد الرّمل،أو علوا جديد الأرض،أي وجهها، و هو الجدّ و الجدّ و الجدد.
و جادّة الطّريق:مسلكه و ما وضح منه،و الجمع:
جوادّ،سمّيت بذلك لأنّها ذات جدّة و جدود،و هي طرقاتها و شركها المخطّطة في الأرض.
و الجدّة:الخطّة السّوداء في متن الحمار،و الطّريقة في السّماء و الجبل،و الجمع:جدد.و جدّة النّهر و جدّته و جدّه و جدّه:ضفّته و شاطئه.و يقال مجازا:ركب فلان جدّة من الأمر،أي طريقة و رأيا رآه.
و الجدّة:نقيض البلى،من قولهم:ثوب جديد،أي قريب القطع،و الجمع:أجدّة و جدد و جدد؛يقال:جدّ الثّوب و الشّيء يجدّ جدّة و تجدّد،أي صار جديدا،و أجدّ ثوبا و جدّده و استجدّه:صيّره جديدا،و الأجدّان و الجديدان:اللّيل و النّهار،لأنّهما لا يبليان أبدا،يقال:لا أفعل ذلك ما اختلف الأجدّان و الجديدان،أي اللّيل و النّهار.
ص: 130
و الجدّ:نقيض الهزل،يقال:جدّ في الأمر يجدّ و يجدّ جدّا و أجدّ،أي حقّق و صار ذا جدّ و اجتهاد،و هو جادّ و مجدّ.و هو من هذا الباب أيضا،لأنّه-كما قال ابن فارس-يصرمه صريمة و يعزمه عزيمة،و جادّه في الأمر:
حاقّه،و جدّ السّير و فيه:انكمش فيه،و هو على جدّ أمر،أي عجلة أمر،و جدّ به الأمر و أجدّ:اجتهد، و عذاب جدّ:محقّق مبالغ فيه.
و الجدّ:الحظّ و الغنى و العظمة،و الجمع:أجداد و أجدّ و جدود،لأنّه ممّا جعله اللّه للإنسان و أقطعه إيّاه،يقال:
فلان ذو جدّ في كذا،أي ذو حظّ،و فلان صاعد الجدّ:
صاعد الحظّ في الدّنيا.و رجل جدّ:مجدود عظيم الجدّ، و قد جدّ،و هو أجدّ منك،أي أحظّ،و الجمع:جدّون.
و رجل جديد و مجدود:ذو حظّ من الرّزق،و هم يجدّون بهم و يحظون بهم:يصيرون ذا حظّ و غنى،و جددت بالأمر جدّا:حظيت به.
2-و ليس منه:جديدة السّرج و الرّحل،أي اللّبد الّذي يلزق بهما من الباطن،لأنّها من«ج د ي»كما أفاده الجوهريّ،و قال:«و لا تقل:جديدة،و العامّة تقولها».
و لا الجدّاد،أي صاحب الحانوت الّذي يبيع الخمر و يعالجها،لأنّه مصحّف«الحدّاد»كما نبّه عليه الأزهريّ.
و كذا الجدّاد،أي الخيوط المعقّدة،فقيل:هو بالنّبطيّة«كدّاد»،و لم نعثر على ما يعتدّ به في هذا المعنى، غير أنّه ورد في السّريانيّة بلفظ«جدودا»،فلعلّه سريانيّ الأصل.
و الجدّاد أيضا:الخلقان من الثّياب،قالوا:أصله فارسيّ،و هو كذلك؛إذ جاء في هذه اللّغة بلفظ«گداد»، و بلفظ«كراد»و«كزاد»و«كزاد»و«كراده»و«كراده» و«كراره»أيضا.
و قيل أيضا:جدّ النّهر و جدّه و جدّته-أي شاطئه- نبطيّ الأصل،و لكنّنا لم نعثر في المظانّ على ما يفيد ذلك، كما لم يرد هذا المعنى في سائر اللّغات السّاميّة.
جاء منها ثلاثة ألفاظ:جدّ مرّة،و جديد(8)مرّات و جدد مرّة:
1- وَ أَنَّهُ تَعالى جَدُّ رَبِّنا مَا اتَّخَذَ صاحِبَةً وَ لا وَلَداً
الجنّ:3
2- وَ إِنْ تَعْجَبْ فَعَجَبٌ قَوْلُهُمْ أَ إِذا كُنّا تُراباً أَ إِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ... الرّعد:5
3- وَ قالُوا أَ إِذا ضَلَلْنا فِي الْأَرْضِ أَ إِنّا لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ بَلْ هُمْ بِلِقاءِ رَبِّهِمْ كافِرُونَ السّجدة:10
4- وَ قالَ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ نَدُلُّكُمْ عَلى رَجُلٍ يُنَبِّئُكُمْ إِذا مُزِّقْتُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّكُمْ لَفِي خَلْقٍ جَدِيدٍ
سبأ:7
5- وَ قالُوا أَ إِذا كُنّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً الإسراء:49
6- ذلِكَ جَزاؤُهُمْ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِآياتِنا وَ قالُوا أَ إِذا كُنّا عِظاماً وَ رُفاتاً أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً
الإسراء:98.
7- أَ فَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ بَلْ هُمْ فِي لَبْسٍ مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ ق:15
8- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ خَلَقَ السَّماواتِ وَ الْأَرْضَ بِالْحَقِّ
ص: 131
إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ إبراهيم:19
9- إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ
فاطر:16
10- أَ لَمْ تَرَ أَنَّ اللّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّماءِ ماءً فَأَخْرَجْنا بِهِ ثَمَراتٍ مُخْتَلِفاً أَلْوانُها وَ مِنَ الْجِبالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَ حُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوانُها وَ غَرابِيبُ سُودٌ. فاطر:27
يلاحظ أوّلا:أنّ (جَدُّ رَبِّنا) فسّر بملك ربّنا و سلطانه،أمره و قدرته،جلاله و عظمته،نعمه،غناه، بلاءه،صفاته،فيضه،حظّه من الملك و السّلطان و العزّة و العظمة.
قال الزّمخشريّ: «هو استعارة من الجدّ الّذي هو الدّولة و البخت».و حكى الفخر الرّازيّ قولين:العظمة و الغنى،ثمّ قال:«و عندي فيه قول ثالث،و هو أنّ جدّ الإنسان أصله الّذي منه وجوده فجعل(الجدّ)مجازا عن الأصل،أي تعالى أصل ربّنا»و وضّحه بأنّه واجب الوجود،و هو فوق كلّ موجود.
و قال سيّد قطب بعد ذكر بعض الوجوه: «فكلّها إشعاعات من اللّفظ تناسب المقام،و المعنى الإجماليّ منها هو التّعبير عن الشّعور باستعلاء اللّه سبحانه،و بعظمته و جلاله عن أن يتّخذ صاحبة و ولدا».
و عندنا أنّ الأنسب بسياق الآية هو الجلال و العزّة و العظمة و نحوها،دون المعاني الأخر،و أبعدها(الجدّ) بمعنى أب الأب،ثمّ الحظّ،و إن أمكن إرجاعها إليه كما تقدّم في الأصول اللّغويّة.
ثانيا:جاء(جديد)وصفا ل(خلق)في(6)آيات:
(2-7)تبيينا لبعث الأموات،و المراد به تجديد حياة الموتى و إعادتهم مرّة أخرى،و هذا هو الرّكن الثّالث للإيمان بعد التّوحيد و الرّسالة،و كان المشركون العرب يستبعدوه و ينكرونه أشدّ الإنكار،و قد تكرّر انكارهم في الخمسة الأولى بلسان التّعجّب،كأنّهم سمعوا أمرا محالا.و قد أجابهم اللّه و ناقضهم بالخلق الأوّل في(7):
أَ فَعَيِينا بِالْخَلْقِ الْأَوَّلِ أي أنتم تعترفون بأنّ اللّه خلقكم ثمّ تنكرون خلقا جديدا و تستحيلونه!!ثمّ نبّه على أنّهم التبس عليهم الأمر فضلّوا عن الخلق الجديد، و لم يؤمنوا به،و قد احتجّ اللّه عليهم بالخلق الأوّل مرّات منها: وَ هُوَ الَّذِي يَبْدَؤُا الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَ هُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ الرّوم:27.
ثالثا:جاء في(8 و 9): إِنْ يَشَأْ يُذْهِبْكُمْ وَ يَأْتِ بِخَلْقٍ جَدِيدٍ و الخلق الجديد فيهما هو خلق جماعة أخرى مكان الّذين يذهبهم دون إعادتهم،فمغزى الآيتين عكس تلك الآيات الّتي أكّدت على قدرته على إعادتهم بعد موتهم،فهما تؤكّدان على قدرته على إذهابهم و على خلق جديد مكانهم،لأنّ من قدر على بناء الشّيء كان على هدمه و بناء شيء آخر مثله أقدر.
رابعا:كلمة(خلق)في الآيتين بمعنى المخلوق،أمّا في تلك الآيات فتحتمله،و لا سيّما في(5 و 6) أَ إِنّا لَمَبْعُوثُونَ خَلْقاً جَدِيداً أي مخلوقا جديدا أو هو مصدر مفعول لما يفهم من(مبعوثون)أي مخلوقون خلقا جديدا، أمّا في خَلْقٍ جَدِيدٍ فكونه مصدرا أقرب،و أقرب منه أن يقال:جاء فيها «خَلْقٍ جَدِيدٍ» صفة و موصوفة منكّرتين إيهاما و إعظاما بثلاثة صور(فى خَلْقٍ جَدِيدٍ) و (مِنْ خَلْقٍ جَدِيدٍ) و (خَلْقاً جَدِيداً) بسياق واحد،
ص: 132
و لغاية واحدة سواء من قول المنكرين في(2-6)أو في قول اللّه في(7)،و هذا يقتضي وحدة المعنى من«خلق» في الجميع مصدرا أو اسم مفعول،و الثّاني هو الظّاهر، و لا سيّما بملاحظة(8 و 9)فإنّ المراد بهما«نأت بمخلوق جديد)،لاحظ«خ ل ق».
خامسا:في(10) جُدَدٌ بِيضٌ جدد جمع جدّة، نحو:الغدّة و الغدد،و المدّة و المدد.و قد فسّروها ب«الخطط و القطع»،فالأولى هي العروق المتلوّنة من الجبال،و الثّانية هي القطع المتلوّنة من الأحجار فيها، و كلاهما موجودان،إلاّ أنّ الثّانية أشبه بالثّمرات و الغرابيب،فإنّ الثّمرات و الغرابيب ألوانها مختلفة تماما، و ليس فيها خطوط متلوّنة.لاحظ«ب ي ض».
سادسا:الآيات كلّها مكّيّة سوى(2)لأنّ أكثرها في إنكار المعاد،و كان إنكاره في مكّة أكثر و أشدّ.
ص: 133
ص: 134
4 ألفاظ،4 مرّات:2 مكّيّتان،2 مدنيّتان
في 3 سور:1 مكّيّة،2 مدنيّتان
أجدر 1:-1 الجدار 1:1
جدر 1:-1 جدارا 1:1
الخليل :الجدر:ضرب من النّبات،الواحدة بالهاء.
و من الشّجر:الدّقّ،ينبت في القفاف و الصّلاب.
فإذا أطلعت رءوسها في أوّل الرّبيع،يقال:أجدرت الشّجرة و أجدرت الأرض،فهو جدر،[و في نسخة:
مجدر]حتّى يطول،فإذا طال تفرّقت أسماؤه.
و الجدار:جمعه جدر.
و الجدير:مكان بني حواليه جدار مجدور.
و الجدريّ: معروف،و صاحبه مجدور و مجدّر،و هو قروح تنفط عن الجلد.
و الجدر:انتبار في عنق الحمار،و ربّما كان من آثار الكدم،و جدرت عنقه جدرا،إذا انتبرت أعراضه.
و فلان جدير لذاك،و قد جدر جدارة،و أجدر به أن يفعله،أي خليق.
و الجدر:شدّة الشّرب.
و امرأة جيدرة:قصيرة،و رجل جيدر و جيدرة أيضا.(6:74)
ابن شميّل: الجدرة:غددة تكون في عنق البعير، يسقيها عرق في أصلها نحو السّلعة برأس الإنسان،و جمل أجدر،و ناقة جدراء.(الأزهريّ 10:636)
أبو عمرو الشّيبانيّ: و الجادر،حين طلع ورقه، فقد جدر،و هو الجدر.(1:133)
أبو زيد :[الجديرة]كنيف البيت مثل الحجرة يجمع من الشّجر،و هي الحظيرة أيضا.و الحظار:ما حظر على نبات بشجر.
فإذا كانت الحظيرة من حجارة فهي جديرة،فإن كان من طين فهو جدار.(الأزهريّ 10:636)
ص: 135
الأصمعيّ: الجيدر:القصير،و المجدّر بالدّال:
القصير أيضا.(الأزهريّ 10:636)
اللّحيانيّ: إنّه لجدير أن يفعل ذاك،و إنّهما لجديران،و إنّهم لجديرون.[ثمّ استشهد بشعر]
و يقال للمرأة:إنّها لخليقة و جديرة أن تفعل ذاك، و إنّهنّ لجديرات و جدائر أن يفعلن ذاك.
(الأزهريّ 10:635)
و إنّه لمجدرة أن يفعل،و كذلك:الاثنان و الجميع.
و إنّها لمجدرة بذلك و بأن تفعل ذلك،و كذلك:الاثنتان و الجميع.(ابن سيده 7:308)
و الجدر:السّلع تكون بالإنسان،أو البثور النّابتة، واحدتها:جدرة.و الجدر:آثار ضرب مرتفعة على جلد الإنسان،الواحدة:جدرة.فمن قال:الجدريّ،نسبة (1)إلى الجدر،و من قال:الجدريّ،نسبة إلى الجدر.
(ابن سيده 7:309)
ابن الأعرابيّ: الجدرة:الحبّة من الطّلع.[ثمّ استشهد بشعر]
و الجدر و الجدار:معروفان.
و أجدر الشّجر،و جدّر،إذا أخرج ثمره كأنّه الحمّص.
و الجدرة:الورمة في أصل لحي البعير.
(الأزهريّ 10:634-636)
أبو عبيد: في حديث الزّبير بن العوّام رحمه اللّه:أنّه خاصم رجلا من الأنصار في سيول شراج الحرّة إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:«يا زبير احبس الماء حتّى يبلغ الجدر»...
و أمّا الجدر فهو الجدار،و منه قول ابن عبّاس رحمه اللّه حين سئل عن«الحطيم»فقال:هو الجدر.
فيقول:احبس الماء في أرضك حتّى ينتهي إلى الجدار،ثمّ أرسله إلى من هو أسفل منك.(2:160)
ابن السّكّيت: يقال:إنّه لخليق أن يفعل كذا و كذا،و قد خلق خلاقة.و مخلقة منه كذا و كذا،و هو بيّن الخلاقة،و إنّه لجدير أن يفعل كذا و كذا،و قد جدر جدارة،و مجدرة منه أن يفعل كذا و كذا.(511)
الدّينوريّ: و أجدر الوليع،و جادر:اسمرّ و تغيّر.
(ابن سيده 7:309)
الجدر كالحلمة غير أنّه صغير يتربّل،و هو من نبات الرّمل ينبت مع المكر،و جمعه:جدور.[ثمّ استشهد بشعر](ابن سيده 7:311)
الحربيّ: قمن و خليق و جدير و حريّ،أي قريب.
(2:459)
المبرّد: و تأويل:قمين و حقيق و جدير و خليق واحد،أي قريب من ذاك،هذه حقيقته.(2:19)
ثعلب :و جدر الرّجل:توارى بالجدار.
(ابن سيده 7:310)
ابن دريد :الجدر:مصدر جدرت الجدار جدرا،إذا حوّطته.و في الحديث:«حتّى يبلغ الماء الجدر»أي أصل الجدار.
و الجدرة:حيّ من الأزد،بنوا جدار الكعبة،فسمّوا الجدرة،منهم سعد بن سيل جدّ قصيّ بن كلاب،أبو فاطمة بنت سعد بن سيل.
و الجدريّ و الجدريّ: معروف.و شاة جدراء،إذا».
ص: 136
تقوّب جلدها من داء يصيبها،و ليس من الجدريّ.
و الجديرة:حظيرة تعمل للبهم مثل الصّيرة من أحجار،و الجمع:الجدائر،الصّيرة:الحظيرة.
و فلان جدير بكذا و كذا،أي حريّ به.و فلان مجدر بكذا و كذا،أي جدير به،و ما أجدره به!
و الجدرة:سلعة تظهر في الجسد،و الجمع:أجدار.
و به سمّي عامر الأجدار أبو قبيلة من كلب،كانت به سلع، فسمّي بذلك.(2:64)
القاليّ: يقال:إنّه لخليق لكذا و كذا و قد خلق خلاقة،و إنّه لجدير بكذا و كذا و قد جدر جدارة...
و يقال في هذا كلّه:ما أخلقه و أجدره و أحراه و أعساه و أقمنه و أحجاه و ما أقرنه،و يقال في هذا كلّه:أفعل به، أعس به،أقرف به.(1:96)
الأزهريّ: في حديث الزّبير[المتقدّم]أراد بالجدر:
ما رفع من أعضاد المزرعة لتمسك الماء كالجدار.
و يقال:جدر الكرم يجدر جدرا،إذا حبّب و همّ بالإيراق.(10:634،636)
الصّاحب:الجدر:ضرب من النّبات و الشّجر الدّقّ،يقال:أجدرت الأرض و الشّجر،فهي جدر،حتّى تطول.
و جدر الشّجر يجدر جدورا،و أجدر أيضا بالألف، إذا حبّب قبل أن يورق.
و أوّل ما يكون في جوف الطّلع:الوليع،ثمّ الجدر.
و الجدر:انتبار في عنق الحمار،و ربّما كان من آثار الكدم.و تسمّى الضّواة الّتي تخرج بلهازم البعير:جدرة.
و الجدار:معروف،و جمعه:جدر،و كذلك الجدر، و هو أيضا الحاجز بين المشارتين.و سمّي الجدار،لأنّه جدر فارتفع،كما يجدر الجدريّ و الشّجرة.
و الجديرة:مكان قد بني حواليه جدار مجدور،و هي أيضا الحظيرة من الحجارة،و الحوض.
و الجدريّ: قروح تنفط عن الجلد،ممتلئة ماء،ثمّ تقيّح.و رجل مجدور و مجدّر.
و فلان جدير لذاك،أي خليق له،و ما كان جديرا و لقد جدر جدارة،و أجدر به!و جدرته أنا:جعلته جديرا به.
و الجيدر:القصير من الرّجال،و المرأة:جيدرة، و جمعه:جيادر.
و المجدور من الرّجال:القليل اللّحم على الفطام.
و اجدرّ بمعنى اجترّ.(7:36)
الجوهريّ: الجدر و الجدار:الحائط.و جمع الجدار:
جدر،و جمع الجدر:جدران،مثل بطن و بطنان.
و الجدر أيضا:نبت،و قد أجدر المكان.و الجدر:أثر الكدم بعنق الحمار.[ثمّ استشهد بشعر]
و شاة جدراء،إذا تقوّب جلدها من داء يصيبها.
و الجدريّ بضمّ الجيم و فتح الدّال،و الجدريّ بفتحهما:لغتان،تقول:جدّر الرّجل فهو مجدّر،و أرض مجدّرة:ذات جدريّ.
و يقال أيضا:هذا الأمر مجدرة لذلك،أي محراة.
و فلان جدير بكذا،أي خليق،و أنت جدير أن تفعل كذا.و الجمع:جدراء و جديرون.
و الجدير:مكان قد بني حواليه جدار.
و يقال للحظيرة من صخر:جديرة.
ص: 137
و جدر:قرية بالشّام تنسب إليها الخمر.[ثمّ استشهد بشعر]
و الجدرة:خرّاج،و هي السّلعة،و الجمع:جدر.[ثمّ استشهد بشعر]
و الجدرة أيضا:حيّ من الأزد،و يقال:سمّوا بذلك، لأنّهم بنوا جدار الكعبة.
و جندرت الكتاب،إذا أمررت القلم على ما درس منه ليتبيّن،و كذلك الثّوب إذا أعدت وشيه بعد ما كان ذهب.و أظنّه معرّبا.(2:609)
نحوه الرّازيّ.(110)
ابن فارس: جدر:الجيم و الدّال و الرّاء أصلان:
فالأوّل:الجدار،و هو الحائط،و جمعه:جدر و جدران.و الجدر أصل الحائط،و في الحديث:«اسق يا زبير و دع الماء يرجع إلى الجدر».
و من هذا الباب قولهم:هو جدير بكذا،أي حريّ به.و هو ممّا ينبغي أن يثبت و يبني أمره عليه،و يقولون:
الجديرة:الطّبيعة.
و الأصل الثّاني:ظهور الشّيء،نباتا و غيره.
فالجدريّ معروف،و هو الجدريّ أيضا.و يقال:شاة جدراء،إذا كان بها ذاك.
و الجدر:سلعة تظهر في الجسد.
و الجدر:النّبات،يقال:أجدر المكان و جدر،إذا ظهر نباته.[ثمّ استشهد بشعر]
و الجدر:أثر الكدم بعنق الحمار.[ثمّ استشهد بشعر]
(1:431)
أبو هلال :الفرق بين قولك:هو قمين به،و قولك:
هو حريّ به و خليق به و جدير به:أنّ«القمين»يقتضي مقاربة الشّيء و الدّنوّ منه حتّى يرجى تحقّقه،و لذلك قيل:خبز قمين،إذا بدا ينكرح،كأنّه دنا من الفساد.
و يقال للقودح الّذي تتّخذ منه الكوامخ:القمن.
و قولك:حريّ به يقتضي أنّه مأواه،فهو أبلغ من القمين.و من ثمّ قيل لمأوى الطّير:حراها،و لموضع بيضها:الحريّ،و إذا رجا الإنسان أمرا و طلبه قيل:
تحرّاه،كأنّه طلب مستقرّه و مأواه.[ثمّ استشهد بشعر]
و أمّا خليق به بيّن الخلاقة،فمعناه أنّ ذلك مقدّر فيه، و أصل الخلق:التّقدير.و أمّا قولهم:جدير به،فمعناه أنّ ذلك يرتفع من جهته و يظهر من قولك:جدر الجدار،إذا بني و ارتفع،و منه سمّي الحائط جدارا.(249)
أبو سهل الهرويّ: الجدريّ و الجدريّ،بضمّ الجيم و فتحها،و هو بثر معروف يظهر بجسد الإنسان.(88)
ابن سيده: هو جدير بكذا،و لكذا:أي خليق.
و الجمع:جديرون،و جدراء.
و الأنثى:جديرة.
و قد جدر جدارة.
و هذا الأمر مجدرة لذلك(و مجدرة منه:أي مخلقة).
و مجدرة منه أن يفعل كذا:أي هو جدير بفعله.
و حكى اللّحيانيّ عن أبي جعفر الرّؤاسيّ: إنّه لمجدور أن يفعل ذلك،جاء به على لفظ المفعول و لا فعل له.
و حكى:ما رأيت من جدارته،و لم يزد على ذلك.
و الجدريّ،و الجدريّ:قروح في البدن تنفّط و تقيّح.
و قد جدر جدرا،و جدّر.
ص: 138
و روى اللّحيانيّ(جدر يجدر جدرا).
و أرض مجدرة:ذات جدريّ.
و الجدر،و الجدر:سلع تكون في البدن خلقة،و قد تكون من الضّرب و الجراحات.
واحدتها:جدرة و جدرة،و هي الأجدار.
و قيل:الجدر إذا ارتفعت عن الجلد،و إذا لم ترتفع عنه فهي ندب.و قد تدعى النّدب جدرا،و لا تدعى الجدر ندبا.[ثمّ ذكر قول اللّحيانيّ الأخير و قال:]
و ليس بالحسن.
و جدر ظهره جدرا:ظهرت فيه جدر.
و الجدرة في عنق البعير:السّلعة.و قيل:هي من البعير جدرة،و من الإنسان سلعة و ضواة.
و الجدر:ورم يأخذ في الحلق.
و شاة جدراء:تقوّب جلدها عن داء و ليس من جدريّ.
و الجدر:انتبار في عنق الحمار،و ربّما كان من الكدم.
و قد جدرت عنقه جدورا.
و عامر الأجدار:أبو قبيلة من كلب؛سمّي بذلك لسلع كانت في بدنه.
و جدر النّبت و الشّجر،و جدر جدارة،و جدّر، و أجدر:طلعت رءوسه في أوّل الرّبيع.و ذلك يكون عشرا أو نصف شهر.
و أجدرت الأرض:كذلك.
و شجر جدر.
و جدر العرفج و الثّمام يجدر:إذا خرج في كعوبه و متفرّق عيدانه مثل أظافير الطّير.
و جدّر العنب:صار حبّه فويق النّفض.
و الجدرة-بفتح الدّال-:حظيرة تصنع للغنم من حجارة و الجمع:جدر.
و الجديرة:زرب الغنم.
و الجديرة:كنيف يتّخذ من حجارة يكون للبهم و غيرها.فإن كان من طين فهو جدار.
و الجدار:الحائط.و الجمع:جدر.
و جدرات:جمع الجمع،قال سيبويه:و هو ممّا استغنوا فيه ببناء أكثر العدد عن بناء أقلّه فقالوا:ثلاثة جدر.
و قول عبد اللّه بن عمر أو غيره:إذا اشتريت اللّحم يضحك جدر البيت،يجوز أن يكون جدر:لغة في جدار.
و الصّواب عندي:تضحك جدر البيت،و هو جمع جدار،و هذا مثل،و إنّما يريد أنّ أهل الدّار يفرحون.
و جدره يجدره جدرا:حوّطه.
و اجتدره:بناه.[ثمّ استشهد بشعر]
و جدّره:شيّده.[ثمّ استشهد بشعر]
و الجدرة:حيّ من الأزد بنوا جدار الكعبة فسمّوا:
الجدرة،لذلك.
و الجدر:أصل الجدار،و في الحديث:«حتّى يبلغ الماء جدره»أي أصله،و الجمع:جدور،و قال اللّحيانيّ:هي الجوانب.[ثمّ استشهد بشعر]
و الجدور:الحواجز الّتي بين الدّيار الممسكة الماء.
و الجدير:المكان يبنى حوله جدار.[ثمّ استشهد بشعر]
و جدور العنب:حوائطه،واحدها:جدر.
ص: 139
و جدر الكظامة:حافتاها.و قيل:طين حافتيها.
و الجدر:نبات،واحدته:جدرة.
و جدر:موضع بالشام.[ثمّ استشهد بشعر]
و خمر جيدريّة:(منسوب إليها)على غير قياس.
[ثمّ استشهد بشعر]
و قد قيل:إنّ جيدرا:موضع هنالك أيضا.
فإن كانت الخمر الجيدريّة منسوبة إليه فهو نسب قياسيّ.
و الجيدر،و الجيدريّ،و الجيدران:القصير،و قد يقال له:جيدرة على المبالغة،و قال الفارسيّ:و هذا كما قالوا له:دحداحة،و دنّبة و حنزقرة،و امرأة جيدرة، و جيدريّة.[ثمّ استشهد بشعر](7:308)
و التّجدير:القصر،و لا فعل له.[ثمّ استشهد بشعر]
الجدر:جدرت الشّاة تجدر جدرا:ظهرت في جلدها جدر.و الشّاة:تقوّب جلدها من داء يصيبها،و ليس من الجدريّ.(الإفصاح 2:795)
الرّاغب: الجدار:الحائط،إلاّ أنّ الحائط يقال اعتبارا بالإحاطة بالمكان،و الجدار يقال اعتبارا بالنّتوّ و الارتفاع،و جمعه:جدر.[ثمّ ذكر الآيات و قال:]
و في الحديث:«حتّى يبلغ الماء الجدر».
و جدرت الجدار:رفعته،و اعتبر منه معنى«النّتوء» فقيل:جدر الشّجر،إذا خرج ورقه كأنّه حمّص،و سمّي النّبات النّاتئ من الأرض جدرا،الواحد:جدرة.
و أجدرت الأرض:أخرجت ذلك،و جدر الصّبيّ و جدر،إذا خرج جدريّه تشبيها بجدر الشّجر.
و قيل:الجدريّ و الجدرة:سلعة تظهر في الجسد، و جمعها:أجدار،و شاة جدراء.
و الجيدر:القصير،اشتقّ ذلك من الجدار،و زيد فيه حرف على سبيل التّهكّم،حسبما بيّنّاه في أصول الاشتقاق.
و الجدير:المنتهى،لانتهاء الأمر إليه انتهاء الشّيء إلى الجدار،و قد جدر بكذا فهو جدير،و ما أجدره بكذا! و أجدر به!(89)
الزّمخشريّ: ناداه من وراء الجدار.
و للحجر ثلاثة أسام:الحجر،و الحطيم،و الجدر؛و هو أصل الجدار،سمّي بذلك لأنّ جداره،مستوطئ.
و هو جدير بكذا،و ما كنت جديرا به.[ثمّ استشهد بشعر]
و لقد جدر به،و ما أجدره بالخير!و هو أجدر به.
و جدر الصّبيّ،و جدّر،و هو مجدور الوجه،و مجدّر.
(أساس البلاغة:53)
الطّبرسيّ: و أجدر:مأخوذ من جدر الحائط بسكون الدّال،و هو أصله و أساسه.(3:62)
المدينيّ: [ذكر حديث الزّبير ثمّ قال:]
الجدر هاهنا:المسنّاة،و هي للأرضين كالجدار للدّار.
و قيل:الجدر:الجدار،و قيل:أصل الجدار.
و رواه بعضهم:«حتّى يبلغ الجدر»و هو جمع:
جدار.و بعضهم يرويه الجذر،بالذّال المعجمة،يريد مبلغ تمام الشّرب من جذر الحساب.
و الجذر،بفتح الجيم و كسرها و بالذّال المعجمة:
أصل كلّ شيء،و المحفوظ بالدّال المهملة.
في حديث مسروق:«أتينا عبد اللّه في مجدّرين و محصّبين»فالمجدّر:الّذي به الجدريّ،و هي بثرات
ص: 140
تخرج في البدن،يقال لصاحبها:مجدور.
فإن بالغت قلت:فجدّر،و يقال:جدريّ أيضا بفتح الجيم،منسوب إلى جدر العضاة،و هي كالبثرات،أو إلى الجدرة.و هي ورم كالسّلعة في الحلق و غيره.
و إذا ضممت الجيم،يكون من تغيير النّسب.
(1:303)
السّهيليّ: الجدر:الحاجز يحبس الماء،و جمعه:
جدور،مثل فلس و فلوس.(الفيّوميّ 1:93)
ابن الأثير: [ذكر حديث الزّبير ثمّ قال:]
و منه قوله لعائشة رضي اللّه عنها:«أخاف أن يدخل قلوبهم أن أدخل الجدر في البيت»يريد الحجر،لما فيه من أصول حائط البيت.
و فيه:«الكمأة جدريّ الأرض»شبّهها بالجدريّ، و هو الحبّ الّذي يظهر في جسد الصّبيّ،لظهورها من بطن الأرض،كما يظهر الجدريّ من باطن الجلد،و أراد به ذمّها.
[و ذكر حديث مسروق و قال:]أي جماعة أصابهم الجدريّ و الحصبة.و الحصبة:شبه الجدريّ تظهر في جلد الصّغير.
و فيه ذكر«ذي الجدر»بفتح الجيم و سكون الدّال:
مسرح على ستّة أميال من المدينة،كانت فيه لقاح رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم لمّا أغير عليها.(1:246)
الصّغانيّ: الجدرة،بالتّحريك:الحبّة من الطّلع.
و جدر الشّجر،و أجدر،إذا خرج ثمره،كأنّه الحمّص.[ثمّ استشهد بشعر]
و أجدر الشّجر،أيضا،إذا طال.
و الجديرة،و الجديلة:الطّبيعة.
و الجيدر:القصير،و امرأة جيدرة.
و جدر الكرم،بالكسر،يجدر جدرا،بالتّحريك،إذا حبّب و همّ بالإيراق.
و جدر البعير،فهو أجدر،و النّاقة:جدراء،من الجدرة.
و جدرت يده تجدر،مثل:نصرت تنصر،إذا مجلت،عن ابن بزرج.
و المجدار:شيء ينصب في المزارع مزجرة للسّباع و الطّير.[ثمّ استشهد بشعر](2:444)
الفيّوميّ: الجدار:الحائط،و الجمع:جدر،مثل كتاب و كتب.و الجدر:لغة في الجدار،و جمعه:جدران.
و قوله في الحديث:«اسق أرضك حتّى يبلغ الماء الجدر».
[ثمّ ذكر قول الأزهريّ و السّهيليّ في معنى«الجدر» و قال:]
و الجدريّ،بفتح الجيم و ضمّها،و أمّا الدّال فمفتوحة فيهما:قروح تنفط عن الجلد ممتلئة ماء،ثمّ تنفتح.
و صاحبها:جدير مجدّر،و يقال:أوّل من عذّب به قوم فرعون.
و هو جدير بكذا،بمعنى خليق و حقيق.(1:93)
نحوه الطّريحيّ.(3:244)
الفيروزآباديّ: الجدر:الحائط كالجدار،جمعه:
جدر و جدر و جدران،و نبت رمليّ،جمعه:جدور،و قد أجدر المكان،و حطيم الكعبة،و أصل الجدار و جانبه، و خروج الجدريّ بضمّ الجيم و فتحها لقروح في البدن تنفّط و تقيّح،و قد جدر و جدر كعني و يشدّد،و هو
ص: 141
مجدور و مجدّر.
و أرض مجدرة:كثيرته.
و الجدر بالكسر:نبات،الواحدة بهاء،و بالتّحريك:
سلع تكون في البدن خلقة أو من ضرب أو من جراحة كالجدر كصرد واحدتهما بهاء،الجمع:الأجدار،و ورم يأخذ في الحلق و انتبار،أو أثر كدم في عنق الحمار،و قد جدر جدورا،و حبّ الطّلع،و أن يخرج بالإنسان جدر، و همّ الكرم بالإيراق،و فعلهما كفرح.
و الجدير:مكان بني حواليه جدار،و الخليق،الجمع:
جديرون و جدراء،و قد جدر ككرم جدارة،و إنّه لمجدرة أن يفعل و مجدور،أي مخلقة.
و جدره:جعله جديرا.
و الجديرة:الحظيرة،و الطّبيعة.
و ككتابة:واد بالحجاز فيه قرى.
و جدر محرّكة:بلدة بين حمص و سلميّة،و النّسبة جدريّ و جيدريّ.
و الجدرة محرّكة:حيّ من الأزد،سمّوا به لأنّهم بنوا جدار الكعبة عظّمها اللّه تعالى،أو حجرها.
و بلا(لام):واردة قصيّ بن كلاب.
و جدر الشّجر:خرج ثمره كالحمّص،و النّبت:
طلعت رءوسه كأنّه الجدريّ.كجدر ككرم و أجدر و جدّر فيهما،و اليد:مجلت،و الجدار:حوّطه،و الرّجل:
توارى بالجدار.و اجتدر بناه،و جدّره تجديرا:شيّده.
و الجيدر:القصير كالجيدري و الجيدران.
و المجدور:القليل اللّحم.
و ذو جدر:مسرح قرب المدينة.
و المجدار:ما ينصب في الزّرع مزجرة للسّباع.
و عامر بن جدرة محرّكة:أوّل من كتب بخطّنا.
و عامر الأجدار:أبو حيّ لأنّه كان عليه جدرة.
و جدرة بالضّمّ:ابن سبرة صحابيّ.
و جندر الكتاب:أمرّ القلم على ما درس منه، و الثّوب:أعاد وشيه بعد ذهابه.(1:401)
مجمع اللّغة :جدر فلان بكذا يجدر جدارة:صار خليقا به و أهلا له.
و الجدار:الحائط،و جمعه:جدر.(1:184)
محمّد إسماعيل إبراهيم:جدر فلان بالتّكريم:
كان أهلا له،فهو جدير به.و فلان أجدر،أي أحقّ و أولى.
و اجتدر الحائط:بناه و شيّده،و الجدار:الحائط.
و الجمع:جدر.(1:103)
المصطفويّ: و الظّاهر أنّ الأصل الواحد في هذه المادّة:هو النّتوّ و الظّهور و الارتفاع.و إطلاق الجدار على الحائط باعتبار ارتفاعه و ظهوره على الأرض؛فليس كلّ جدار حائطا.و يمكن أن يكون الجدار في وسط ملكه لغرض،أو باقيا من طرف حائط.
و أمّا الجدير بمعنى الحريّ:فباعتبار وقوعه في مقام عال ظاهر،بالنّسبة إلى موضوع أو حكم معيّن،فيكون هو أحقّ و أولى بكذا.فكونه حريّا من جهة ارتفاع مقامه و نتوّ أمره،فهذا القيد محفوظ في موارد استعماله.و بهذا القيد يظهر الفرق بينه و بين الحريّ و القمين و الحقيق و الخليق.
اَلْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا التّوبة:97،أي فهم من الجهالة و عدم المعرفة في مقام
ص: 142
عال،و مرتبة مرتفعة ظاهرة.
فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ الكهف:77،أي كالحائط المرتفع في ملكهم.
إِلاّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ الحشر:14،أي من وراء المرتفعات يتحصّنون بها، و يقاتلون من ورائها.
فظهر لطف التّعبير بالجدار و الجدر دون الحائط و أمثاله.(2:63)
اَلْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ. التّوبة:97
ابن عبّاس: (اجدر):أحرى.(165)
قتادة :أقلّ علما بالسّنن.(الطّبريّ 11:4)
الفرّاء: أحرى،و أخلق.(1:449)
مثله البغويّ(2:380)،و الخازن(3:112).
الطّبريّ: و أخلق.(11:3)
الزّجّاج: «أن»في موضع نصب،لأنّ الباء محذوفة من«أن»،المعنى أجدر بترك العلم،تقول:أنت جدير أن تفعل كذا،و بأن تفعل كذا،كما تقول:أنت خليق أن تفعل،أي هذا الفعل ميسّر فيك.
فإذا حذفت(الباء)لم يصلح إلاّ ب«أن»،و إن أتيت ب(الباء)صلح ب«أن»و غيره،تقول:أنت جدير أن تقوم و جدير بالقيام.
فإذا قلت:أنت جدير القيام،كان خطأ،و إنّما صلح مع«أن»لأنّ«أن»تدلّ على الاستقبال،فكأنّها عوض من المحذوف.(2:265)
النّحّاس: و أخلق بترك ما أنزل اللّه على رسوله.
(3:244)
الماورديّ: و معنى(اجدر)أي أقرب،مأخوذ من الجدار الّذي يكون بين مسكني المتجاورين.(2:393)
الطّوسيّ: و(اجدر)معناه أخلق و أولى و أقرب...
و(اجدر)مأخوذ من جدار الحائط.(5:328)
الواحديّ: (و اجدر):و أولى.(2:519)
الميبديّ: أقرب و أولى.(4:195)
الزّمخشريّ: و أحقّ.(2:209)
ابن عطيّة: أحرى،و أقمن.(3:73)
الطّبرسيّ: أي و هم أحرى و أولى.(3:63)
[و لباقي المفسّرين كلام مثل ما ذكرناه]
...فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ...
الكهف:77
لاحظ«ق ض ض»
لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ... الحشر:14
ابن عبّاس: أو بينكم و بينهم حائط.(465)
ص: 143
الفرّاء:قرأ ابن عبّاس (جدار) و سائر القرّاء (جدر) على الجمع.(3:146)
الطّبريّ: أو من خلف حيطان.و اختلفت القرّاء في قراءة ذلك،فقرأته عامّة قرّاء الكوفة و المدينة (او من وراء جدر) على الجماع،بمعنى الحيطان،و قرأه بعض قرّاء مكّة و البصرة (من وراء جدار) على التّوحيد،بمعنى الحائط.
و الصّواب من القول عندي في ذلك أنّهما قراءتان معروفتان صحيحتا المعنى،فبأيّتهما قرأ القارئ فمصيب.(28:47)
الزّجّاج: و قرئت (او من وراء جدار) على الواحد، و قرئت بتسكين الدّال.فمن قرأ (جدر) فهو جمع جدار، مثل حمار و حمر،و من قرأ بتسكين الدّال حذف الضمّة لثقلها،كما قالوا:صحف و صحف.و من قرأ (جدار) فهو الواحد.
فأعلم اللّه عزّ و جلّ أنّهم إذا اجتمعوا على قتالكم لما قذف اللّه في قلوبهم من الرّعب،لا يبرزون لحربكم،إنّما يقاتلون متحصّنين بالقرى و الجدران.(5:148)
أبو زرعة: قرأ ابن كثير و أبو عمرو (من وراء جدار) بالألف،و قرأ الباقون (جدر) و هو جمع جدار، مثل:حمار و حمر،و كتاب و كتب.
و حجّتهم أنّه أتى عقيب قوله: إِلاّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ فأخرجوا القرى بلفظ الجمع،ثمّ عطفوا بقوله: أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ فكان الجمع أشبه بلفظ ما تقدّمه من التّوحيد،ليأتلف الكلام على نظم واحد.
و من قرأ(جدار)فهو واحد يؤدّي عن معنى الجمع.(705)
الطّوسيّ: أي من وراء الحيطان،فالجدار:الحائط.
فمن قرأ على التّوحيد،فلأنّه اسم جنس يقع على القليل و الكثير.و من قرأ على الجمع،فلاختلاف الجدران.
(9:569)
القشيريّ: أو من وراء جدران.(6:131)
نحوه الطّبرسيّ.(5:264)
الواحديّ: إنّما يقاتلون متحصّنين بالقرى و الجدران.و من قرأ(جدار)فالمراد بالإفراد الجمع أيضا، لأنّه يعلم أنّهم لا يقاتلونهم من وراء جدار واحد.
(4:276)
الزّمخشريّ: دون أن يصحروا لكم و يبارزوكم، لقذف اللّه الرّعب في قلوبهم،و أنّ تأييد اللّه تعالى و نصرته معكم.
و قرئ (جدر) بالتّخفيف و (جدار) ،و (جدر) و (جدر) :و هما الجدار.(4:85)
نحوه أبو السّعود.(5:153)
ابن عطيّة: قرأ ابن كثير و أبو عمرو و كثير من المكّيّين (جدار) على معنى الجنس.و قرأ كثير من المكّيّين و هارون عن ابن كثير (جدر) بفتح الجيم و سكون الدّال، و معناه أصل بنيان كالسّور و نحوه.و قرأ الباقون من القرّاء (جدر) بضمّ الجيم و الدّال،و هو جمع جدار.و قرأ أبو رجاء و أبو حيوة (جدر) بضمّ الجيم و سكون الدّال، و هو تخفيف في جمع جدار.و يحتمل أن يكون من جدر النّخل،أي من وراء نخلهم؛إذ هي ممّا يتّقى به عند المضايقة.(5:289)
ص: 144
نحوه أبو الفتوح الرّازيّ(19:131)،و ابن الجوزيّ (8:218)،و الآلوسيّ(28:58).
القرطبيّ: [نحو ابن عطيّة،و أضاف:]
و قرئ «جدر» بضمّ الجيم و إسكان الدّال جمع الجدار.
و يجوز أن تكون الألف في الواحد[جدار]كألف كتاب،و في الجمع كألف ظراف.و مثله ناقة هجان و نوق هجان،لأنّك تقول في التّثنية:هجانان،فصار لفظ الواحد و الجمع مشتبهين في اللّفظ مختلفين في المعنى،قاله ابن جنّيّ.(18:35)
النّيسابوريّ: لا مبارزين مكشوفين في الأراضي المستوية.(28:33)
الشّربينيّ: أي محيط بهم،سواء كان بقرية أم بغيرها لشدّة خوفهم،و قد أخرج هذا ما حصل من بعضهم عن ضرورة كالأسير،و من كان ينزل من أهل خيبر من الحصن يبارز و نحو ذلك،فإنّه لم يكن عن اجتماع،أو يكون هذا خاصّا ببني النّضير في هذه الكرّة.
(4:252)
البروسويّ: دون أن يحضروا لكم و يبارزوكم، أي يشافهوكم بالمحاربة لفرط رهبتهم.جمع جدار،و هو كالحائط إلاّ أنّ الحائط يقال اعتبارا بالإحاطة بالمكان، و الجدار يقال اعتبارا بالنّتوّ و الارتفاع،و لذا قيل:جدر الشّجر،إذا خرج ورقه كأنّه حمّص،و جدر الصّبيّ،إذا خرج جدريّه،تشبيها بجدر الشّجر.(9:441)
الطّباطبائيّ: بيان لأثر رهبتهم و جبنهم جميعا، و المعنى:لا يقاتلوكم بنو النّضير و المنافقون جميعا بأن يبرزوا،بل في قرى حصينة محكمة،أو من وراء جدر من غير بروز.(19:212)
مكارم الشّيرازيّ: (جدر):جمع جدار،بمعناه المتعارف عليه،و الأساس الأصليّ لهذه الكلمة بمعنى الارتفاع.
نعم،و لأنّهم خارجون عن حصن الإيمان و التّوكّل على اللّه،فإنّهم بغير الالتجاء و الاتّكاء على الجدران و القلاع المحكمة،ليسوا بأصحاب جرأة و قوّة على مقابلة المؤمنين.
ثمّ يوضح أنّ هذا ليس ناتجا عن جهل بمعرفة فنون الحرب،أو قلّة في عددهم و عدّتهم،أو عجز في رجالهم، و لكن بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ الحشر:14.
إلاّ أنّ المشهد الّذي عرض يتغيّر أمامكم،و يسيطر عليهم الرّعب و الاضطراب بصورة مذهلة.و طبيعيّ أنّ هذا الأمر تقريبا يمثّل أصلا كلّيّا؛حيث إنّ في مورد اقتتال جميع العناصر غير المؤمنة فيما بينهم،و من ثمّ الاقتتال بين المؤمنين.
و نشاهد مصاديق هذا المعنى بصورة متكرّرة أيضا في التّاريخ المعاصر؛حيث نلحظ عند اشتباك مجموعتين غير مؤمنتين مع بعضهما شدّة الفتك ببعضهما،و قسوة الانتقام لكلّ منهما،و شراسة المواجهة بينهما،بصورة لا تدعو للشّكّ في قوّة كلّ منهما.إلاّ أنّ المسألة لو تغيّرت بشكل آخر،و أصبحت المواجهة بين مجموعة غير مؤمنة باللّه و أخرى مؤمنة مستعدّة للشّهادة في سبيل اللّه،عند ذلك نرى أعداء الحقّ يلوذون إلى القلاع المحكمة، و يخفون أنفسهم في المواضع و وراء المتاريس و خلف
ص: 145
الأسلحة،و يسيطر عليهم الخوف و يهيمن عليهم الرّعب و يملأ كلّ وجودهم.و الحقيقة أنّ المسلمين إذا جعلوا إيمانهم و قيمهم الإسلاميّة هي الأساس،فإنّهم سيكونون هم الأعلون و المنتصرون.(18:192)
الفيروزآباديّ: و قد ورد في القرآن على ثلاثة أوجه:
الأوّل:بمعنى حصار بني قريظة و النّضير أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ الحشر:14.
الثّاني:جدار موسى و الخضر يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ الكهف:77.
الثّالث:سرّ الجدار في حقّ اليتيمين وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ الكهف:82.
(بصائر ذوي التّمييز 2:372)
1-الأصل في هذه المادّة:الجدار،أي الحائط، و الجمع جدر،و هو الجدر أيضا و جمعه جدران،و الجدرة و جمعه جدر،و الجديرة.يقال:جدر الجدار يجدره جدرا،أي حوّطه،و جدّر الجدار و اجتدره:شيّده و بناه، و جدر الرّجل:توارى بالجدار،و الجدير:مكان قد بني حواليه جدار مجدور.
و الجدرة:حظيرة تصنع للغنم من حجارة،و الجمع جدر،و كذا الجديرة.
و الجدرة:ورم يأخذ في الحلق،أو يكون في البدن خلقة،و قد يكون من الضّرب و الجراحات،و غدد تكون في عنق البعير،نحو السّلع برأس الإنسان، و الجمع جدر،و هو الجدرة،و الجمع جدر،و كلّ ذلك تشبيه بجدر الأرض،يقال:جدرت عنق الحمار جدورا و جدرت جدرا،أي انتبرت و تورّمت،و جدر مهره جدرا:ظهرت فيه جدر،و يقال:جمل أجدر،و ناقة جدراء.
و الجدرة:الحبّة من الطّلع،و الجمع جدر،و هو على التّشبيه أيضا.يقال:أجدر الوليع و جادر،أي اسمرّ و تغيّر.و جدّر النّبت و الشّجر،و جدر جدارة،و جدّر و أجدر:طلعت رءوسه في أوّل الرّبيع،و هو شجر جدر، و جدر الكرم يجدر جدرا:حبّب و همّ بالإيراق، و أجدرت الأرض:ظهر نباتها.
و الجدريّ و الجدريّ:المرض المعروف،و هو تشبيه بجدر النّبات،و قد جدر جدرا و جدّر،و صاحبه جدير و مجدّر،و جدر يجدر جدرا أيضا،و أرض مجدرة:ذات جدريّ.
و منه أيضا قولهم:هو جدير بكذا و لكذا،أي خليق له،و قد جدر جدارة،لأنّه-على قول ابن فارس-ممّا ينبغي أن يثبت و يبني أمره عليه،أو الجدير:المنتهى- على قول الرّاغب-لانتهاء الأمر إليه انتهاء الشّيء إلى الجدار.
2-و لم يعرف من مشتقّات هذه المادّة في اللّغات السّاميّة الأخرى سوى الجدار،و لذا رجّحناه أصلا لهذه المادّة،و كذا فعل ابن فارس،إلاّ أنّه ثنّاه بظهور الشّيء.
و نزع بعضهم إلى جعل الصّفة أصلا،و الموصوف-و هو
ص: 146
الجدار-مشتقّا منه.قال الصّاحب:«سمّي الجدار لأنّه جدر فارتفع كما يجدر الجدريّ و الشّجرة»،و قال الرّاغب:«الجدار يقال اعتبارا بالنّتوّ و الارتفاع».
جاء منها(أجدر)مرّة،و(جدار)مفردا و جمعا(3) مرّات:
1- اَلْأَعْرابُ أَشَدُّ كُفْراً وَ نِفاقاً وَ أَجْدَرُ أَلاّ يَعْلَمُوا حُدُودَ ما أَنْزَلَ اللّهُ عَلى رَسُولِهِ وَ اللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ
التّوبة:97
2- فَانْطَلَقا حَتّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَما أَهْلَها فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُما فَوَجَدا فِيها جِداراً يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ فَأَقامَهُ قالَ لَوْ شِئْتَ لاَتَّخَذْتَ عَلَيْهِ أَجْراً الكهف:77
3- وَ أَمَّا الْجِدارُ فَكانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَ كانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُما وَ كانَ أَبُوهُما صالِحاً فَأَرادَ رَبُّكَ أَنْ يَبْلُغا أَشُدَّهُما وَ يَسْتَخْرِجا كَنزَهُما رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ وَ ما فَعَلْتُهُ عَنْ أَمْرِي ذلِكَ تَأْوِيلُ ما لَمْ تَسْطِعْ عَلَيْهِ صَبْراً الكهف:82
4- لا يُقاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلاّ فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَراءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَ قُلُوبُهُمْ شَتّى ذلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لا يَعْقِلُونَ الحشر:14
يلاحظ أوّلا:أنّ(اجدر)في(1)اسم تفضيل كالأشدّ-و قد عطف عليه-من قولهم:هو جدير بكذا، و قد أرجعه ابن فارس إلى«الجدار»لأنّ الجدير ممّا ينبغي أن تبني عليه كالجدار،و كذلك أبو هلال ربطه به لارتفاع الجدار،و أصل المادّة:الجدار و لازمه الارتفاع،لاحظ الأصول اللّغويّة.
ثانيا:هذه الآية من جملة آيات من سورة التّوبة، نزلت في المنافقين من الأعراب و من أهل المدينة، فأعلنت بأنّ الأعراب-لبلادتهم و أمّيّتهم و انعزالهم عن الثّقافة و المعرفة الشّائعة في المدن-أشدّ كفرا و نفاقا، و أجدر من غيرهم بالجهل بحدود ما أنزل اللّه،فالجهل و التّأخّر الثّقافيّ،العقلانيّ يضاعفان الكفر و النّفاق،و هذا مشعر بأنّ الكفر و النّفاق من آثار الجهل و التّأخّر،فكلّما كانا أوفر،كان الكفر و النّفاق أشدّ و أرسخ.
و قد اعتبر اللّه الواقع فلم يحكم على الأعراب كافّة بالكفر و النّفاق بل استثنى المؤمنين منهم: وَ مِنَ الْأَعْرابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَ الْيَوْمِ الْآخِرِ... التّوبة:99، ثمّ جمع بين المنافقين من الأعراب و من أهل المدينة:
وَ مِمَّنْ حَوْلَكُمْ مِنَ الْأَعْرابِ مُنافِقُونَ وَ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُوا عَلَى النِّفاقِ... التّوبة:101،و ذلك بعد أن مدح السّابقين من المهاجرين و الأنصار و الّذين اتّبعوهم بإحسان،لئلاّ يشتبهوا بالمنافقين.و هذا باب واسع من تقويم القرآن للنّاس الّذين أحاطوا بالنّبيّ عليه السّلام، حتّى أنّه فرّق بين المصرّين على النّفاق،و بين المعترفين منهم بالذّنوب،لاحظ الآيات قبلها و بعدها من هذه السّورة.
ثالثا:جاء(الجدار)مفردا في آيتين من سورة الكهف بشأن الجدار الّذي أقامه العبد الصّالح الّذي لازمه موسى في قرية أبى أهلها أن يضيّفوهما،فواجه اعتراض موسى.و الجدار في(2)نكرة،و في(3)معرفة، و التّعريف فيه للعهد الذّكريّ،فقد كرّر هذا اللّفظ في تلك
ص: 147
القصّة المباركة مرّتين تشريفا له.[لاحظ«موسى»] رابعا:الآية(4)من قصّة بني النّضير:طائفة من يهود المدينة،و قد هاجمهم النّبيّ عليه السّلام،فأجلاهم منها إلى خيبر،و كانت جماعة المنافقين أتباع عبد اللّه بن أبيّ و عدوهم النّصر فكذّبهم اللّه،و وصف الفريقين بأنّهم -أي اليهود و أصدقاءهم من المنافقين-لا يقاتلون المؤمنين إلاّ في قرى محصّنة أو من وراء جدر بأسهم بينهم شديد،و بذلك أعلن أنّهم ضعفاء متفرّقون قلبا، و لا ينجحون في قتالهم المؤمنين،و يخافون الحضور في ساحة المعركة،بل يحاربونهم في قرى محصّنة أو من وراء جدر.
و الجمع في(قرى)و(جدر)و إن كان لتعميم الجنس إلاّ أنّه يومئ إلى شدّة خوفهم؛حيث لا يكتفون بحصن و جدار واحد بل يستترون خلف حصون و جدر.
خامسا:قسّم اللّه هذه المادّة بين المكّيّ و المدنيّ بالسّويّة مثنى مثنى كما هو ظاهر.
ص: 148
17 لفظا،29 مرّة:18 مكّيّة،11 مدنيّة
في 16 سورة:10 مكّيّة،6 مدنيّة
جدلا 2:2 يجادلونك 2:1-1
جادلوا 1:1 ليجادلوكم 1:1
جادلوك 1:-1 تجادل 2:1-1
جادلتنا 1:1 تجادلك 1:-1
جادلتم 1:-1 تجادلوا 1:1
يجادل 6:3-3 أ تجادلونني 1:1
يجادلنا 1:1 جادلهم 1:1
يجادلون 5:3-2 جدال 1:-1
جدالنا 1:1
الخليل :رجل جدل مجدال،أي خصم مخصام، و الفعل:جادل يجادل مجادلة.
و جدلته جدلا،مجزوم،فانجدل صريعا.و أكثر ما يقال:جدّلته تجديلا،أي صرعته.
و يقال للذّكر العرد:إنّه لجدر جدل.
و جدول الإنسان:قصب اليدين و الرّجلين.
و إنسان مجدول الخلق،أي لطيف القصب.
و جديل النّاقة:زمامها إذا كان مجدول الفتل.
و الجديلة:شريجة الحمام.
و جديلة:قبيلة.
و الأجدل:من صفة الصّقر،و رجل أجدل المنكب، أي فيه تطأطؤ خلاف الأشرف من المناكب.
و يقال للطّائر إذا كان كذلك:أجدل المنكبين،فإذا جعلته نعتا قلت:صقر أجدل،و صقور جدل.
و إذا تركته اسما للصّقر،قلت:هذه أجدل و هذه أجادل،لأنّ الأسماء الّتي على«أفعل»تجمع على «أفاعل»و النّعت إذا كان على«أفعل»يجمع على«فعل».
و الجديل:نهر يأخذ من دجلة.
و الجدول:نهر الحوض،و نحوه من الأنهار الصّغار.
ص: 149
و المجدل:القصر المنيف،و يجمع مجادل.(6:79)
اللّيث:جمع الجدلاء:جدل،و قد جدلت الدّروع، إذا أحكمت.
الجدل:الصّرع.
الجديلة:الرّهط،و هي من أدم يأتزر بها الصّبيان، و الحيّض من النّساء.(الأزهريّ 10:649،651)
سيبويه :و كذلك أجادل:اسم رجل،إذا حقّرته.
[لم تصرفه]لأنّه يصير أجيدل،مثل أميلح.[ثمّ قال:]
هذا باب ما كان من«أفعل»صفة في بعض اللّغات، و اسما في أكثر الكلام.و ذلك:أجدل و أخيل و أفعى.
فأجود ذلك أن يكون هذا النّحو اسما،و قد جعله بعضهم صفة؛و ذلك لأنّ«الجدل»شدّة الخلق،فصار «أجدل»عندهم بمنزلة شديد.(3:200)
أبو عمرو الشّيبانيّ: قال الأسديّ:الجدول:كلّ عظم لم يكسر،فهو جدل.(1:122)
و قال أبو زياد:الجدلاء،من المعزى في أذنها،هي أقصر من الطّويلة.(1:123)
و قال التّميميّ: الجديلة:سير يرصّع فتتّخذه المرأة و تعلّقها،بمنزلة الوشاح.
و الجديلة:العرافة،تقول:أقطع بنو فلان جديلتهم بني فلان،إذا عزلوا عرافتهم عن أصحابها،و قطعوها.
(1:127)
الفرّاء: [فسّر«شاكلته»ب«ناحيته»ثمّ قال:]
و هي الطّريقة و الجديلة.
و سمعت بعض العرب من قضاعة يقول:و عبد الملك إذ ذاك على جديلته،و ابن الزّبير على جديلته.و العرب تقول:فلان على طريقة صالحة،و خيدبة صالحة، و سرجوجة.(2:130)
الأصمعيّ: فإذا قوي[ولد النّاقة]و مشى،فهو راشح و هي المرشح،و هي المطفل ما دام ولدها صغيرا، فإذا ارتفع عن الرّشح،فهو الجادل...
(الكنز اللّغويّ: 142)
و كلّ عظم لا يكسر و لا يخلط به غيره فهو جدل.
(الكنز اللّغويّ: 216)
إذا اخضرّ حبّ طلع النّخل و استدار قبل أن يشتدّ، فإنّ أهل نجد يسمّونه الجدال.[ثمّ استشهد بشعر]
(الأزهريّ 10:650)
ابن الأعرابيّ: الجدالة فوق البلحة؛و ذلك إذا جدلت نواتها،أي اشتدّت،و اشتقّ«جدول»ولد الظّبية من ذلك.(ابن سيده 7:322)
أبو عبيد: الجدلاء و المجدولة من الدّروع نحو الموضونة،و هي المنسوجة.(الأزهريّ 10:649)
الأجادل:الصّقور،فإذا ارتفع عنه فهو جادل.و في حديث مطرف:«يهوي هويّ الأجادل»هي الصّقور، واحدها:أجدل،و الهمزة فيه زائدة.
و الأجدل:اسم فرس أبي ذرّ الغفّاريّ،رحمه اللّه، على التّشبيه بما تقدّم.(ابن منظور 11:104)
ابن السّكّيت: المجدول:الحسن الخلق،الشّديد فتل اللّحم.(209)
فإذا كان العضو تامّا لم يكسر منه شيء فهو جدل و إرب؛يقال:قطّعه جدولا و آرابا،و قطّعه إربا إربا، و جدلا جدلا،و عضوا عضوا.فإذا كسر العضو باثنين
ص: 150
فهو كسر.(607)
الجاحظ: الجدلة:الأرض،و لذلك يقال:ضربه فجدّله،أي ألزقه بالأرض،أي بالجدالة.[ثمّ استشهد بشعر](6:155)
شمر: سمّيت الدّروع جدلاء و مجدلة لإحكام حلقها،كما يقال:حبل مجدول:مفتول،و قد جدلت جدلا،أي أحكمت إحكاما.(الأزهريّ 10:649)
المنجدل:السّاقط،و المجدّل:الملقى بالجدالة و هي الأرض.[ثمّ استشهد بشعر](الأزهريّ 10:652)
أبو الهيثم: يقال لصاحب الجديلة:جدّال، و يقال:رجل جدّال بدّال،منسوب إلى الجديلة الّتي فيها الحمام.
و يقال:رجل جدّال:للّذي يأتي بالرّأي السّخيف، و هذا رأي الجدّالين.
و يقال:القوم على جديلة أمرهم،أي على حالهم الأوّل.(الأزهريّ 10:650)
الدّينوريّ: جدل الحبّ في السّنبل يجدل:وقع فيه.(ابن سيده 7:324)
المبرّد: الجدل:جمع جديل،و هو الزّمام المجدول، كما تقول:قتيل و مقتول،و أدنى العدد أجدلة،كقولك:
قضيب و قضب و أقضبة.(1:247)
الأجدل:المائل العنق،يقال:قوس جدلاء،إذا اعوجّت سبتها.[ثمّ استشهد بشعر](1:277)
الجدل:العظم يفصل بما عليه من اللّحم.
(الفائق 1:196)
ابن دريد :الجدل:مصدر جدلت الحبل أجدله و أجدله،إذا فتلته،و الحبل مجدول و جديل،و ربّما خصّ زمام البعير بهذا الاسم فسمّي:جديلا.
و رجل مجدول و امرأة مجدولة،و هو القضيف خلقة لا هزالا.
و يقال:غلام جادل،إذا ترعرع و اشتدّ،و كذلك:
فصيل جادل.
و جادلت الرّجل مجادلة و جدالا،إذا خاصمته، و الاسم:الجدل.
و رجل جدل:شديد الجدال.
و الجدال:الخلال بلغة أهل نجد،و الواحدة:جدالة.
[ثمّ استشهد بشعر]
و الأجدل:الصّقر،و الجمع:أجادل.
و المجدل:القصر،و الجمع:مجادل.
و الجدول:نهير صغير،الواو زائدة.
و جديل:فحل(1) معروف كان لمهرة بن حيدان.[ثمّ استشهد بشعر]
و شدقم أيضا:فحل(2) كان لطيّئ.
و الجدالة:الأرض ذات الرّمل الرّقيق.[ثمّ استشهد بشعر]
و يقال:طعنه فجدّله،إذا ألصقه بالأرض.
و بنو جديلة:بطن من قيس،و بنو جديلة أيضا في طيّئ.(2:67)
القاليّ: مجدول:مفتول.(1:193)
و الجديل:زمام مجدول،أي مضفور.(2:67)
و جدّل:ألقاها على الجدالة،و الجدالة:الأرض.[ثمّ
ص: 151
استشهد بشعر](2:259)
يقال:تركت فلانا مجدّلا،أي ساقطا على الجدالة.
(2:273)
و الجدل:العضو،و جمعه:جدول.(2:296)
الأزهريّ: الجدل:شدّة الفتل،يقال:إنّه لحسن الأرم و حسن الجدل،إذا كان حسن أسر الخلق.
و جدلت الحبل جدلا،إذا شددت فتله،و منه قيل لزمام النّاقة:الجديل.
[و نقل قول الخليل: «رجل أجدل المنكب،فيه تطأطؤ،و هو خلاف الأشرف من المناكب»ثمّ قال:]
قلت:هذا عندي خطأ،إنّما الصّواب:«رجل أحدل المنكب»هكذا روي لنا عن أبي عبيد عن أبي عمرو قال:الأجدل:الّذي في منكبيه و رقبته انكباب على صدره،و قد مرّ في بابه...[ثمّ نقل قول اللّيث في الجدل و قال:]
و قال غيره: الجدل:أن يضرب عرض الحديد حتّى يدملج،و هو أن يضرب حروفه حتّى يستدير.
و يقال:جادلت الرّجل فجدلته جدلا،إذا غلبته.
و رجل جدل،إذا كان ألوى في الخصام.
و في الحديث أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«أنا خاتم النّبيّين في أمّ الكتاب و إنّ آدم لمنجدل في طينته».
(10:649-652)
الصّاحب: جدل:خصم،شديد الجدل.و مجدال:
مخصام.
و الجدل:الصّرع،جدلته فانجدل،و هو مجدول، و جدّلته تجديلا أيضا.
و جدّلت الشّاة:قطعتها جدلا جدلا،أي عضوا عضوا.
و يقال للذّكر العرد:إنّه لجدل جدل.
و جدول الإنسان:قصب اليدين و الرّجلين.
و المجدول:اللّطيف الخلق.
و جديل النّاقة:حبل زمامها إذا كان مجدول الفتل؛ و جدله:فتله.
و جديلة:قبيلة من بني أسد.
و جديل:اسم فحل.
و الجديلة:مثل الرّهط الّذي تلبسه المرأة أيّام حيضها،و شريجة الحمام و نحوها.
و الجدّال:بيّاع الحمام،و اللاّعب به.
و الأجدل:من صفة الصّقر.
و رجل أجدل المنكب:فيه تطأطؤ،و كذلك الطّائر؛ حتّى يقال:صقورة جدل.
و الجدول:نهر الحوض و غيره من الأنهار،و الجميع الجداول.و هو أيضا:حدّ بين أرضين،و الدّبرة من دبار الأرض.
و يقولون:استقام جدول القوم على كذا،أي رأيهم.
و ركب جديلة رأيه،أي عزيمته.
و ذهبت على جدلائي،أي على وجهي.
و القوم على جديلة أمرهم،أي على حالهم.
و فلان على جدلائه و على جديلته،أي على ناحيته و قبيلته.
و المجدل:القصر،و جمعه:مجادل.
و إذا اخضرّ التّمر و استدار قبل أن يشتدّ فهو
ص: 152
الجدال،و هو البلح.و الجدّال:بيّاعه.
و الجدالة:الأرض.و جدّله:ضربه بالجدالة.
و الجدل:القبر.
و الجدالة:النّمل الصّغار ذات القوائم،و الجميع:
الجدال.
و جدل سنبل الزّرع يجدل،إذا اشتدّ ما فيه من الحبّ.
و جدل ولد البقرة يجدل جدولا،إذا مشى مع الأمّ، فهو جادل.و هو أيضا الّذي غلظ.
و ظبية مجدل.
و شاة جدلاء بيّنة الجدل،و هو انثناء أذنها.
و شقشقة جدلاء،أي مائلة.
و الجدلة:مدّقة المهراس.(7:42)
الخطّابيّ:في حديث عليّ: «أنّه وقف على طلحة يوم الجمل،و هو صريع،فقال:أعزز عليّ أبا محمّد أن أراك مجدّلا تحت نجوم السّماء،إلى اللّه أشتكي عجري و بجري».
قوله:«مجدّلا»أي صريعا مطرّحا،يقال:جدّلت الرّجل فانجدل.[ثمّ استشهد بشعر]
و يقال:إنّ التّجديل مشتقّ من الجدالة،و هي وجه الأرض،فإذا قيل:جدّلت الرّجل،كان معناه ضربته بالجدالة.[إلى أن قال:]
عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أنّه قال:«إنّي عند اللّه مكتوب خاتم النّبيّين،و إنّ آدم لمنجدل في طينته...»
قوله:«و إنّ آدم منجدل في طينته»أي مطروح على وجه الأرض صورة من طين،لم تجر فيه الرّوح بعد.
(2:155) في حديث عائشة،أنّها قالت في العقيقة:«تذبح يوم السّابع و تقطع جدولا،و لا يكسر لها عظم».الجدول:
جمع جدل،و هو العضو،و مثله الكسر و الوصل و الإرب و الشّلو.[ثمّ استشهد بشعر](2:580)
جاء في الحديث:«القضاة ثلاثة:رجل علم فعدل، فذلك الّذي يحرز أموال النّاس و يحرز نفسه في الجنّة.
و رجل علم فجدل،فذلك الّذي يهلك النّاس و يهلك نفسه في النّار،و ذكر الثّالث».
قوله:جدل:أي جار و ظلم،و يقال:إنّه لجدل غير عدل.(3:215)
الجوهريّ: الجدل:العضو،و الجمع:الجدول.
و الأجدل:الصّقر.
و المجدل:القصر.[ثمّ استشهد بشعر]
و الجدال:البلح إذا اخضرّ و استدار قبل أن يشتدّ، بلغة أهل نجد،الواحدة:جدالة.
و الجدالة:الأرض.[ثمّ استشهد بشعر]
يقال:طعنه فجدّله،أي رماه بالأرض،فانجدل،أي سقط.
و جادله،أي خاصمه،مجادلة و جدالا،و الاسم الجدل،و هو شدّة الخصومة.
و جدلت الحبل أجدله جدلا،أي فتلته فتلا محكما، و منه جارية مجدولة الخلق:حسنة الجدل.
و المجدول:القضيف لا من هزال.
و غلام جادل:مشتدّ.
و جدل الحبّ في سنبله:قوي.
و الجديل:الزّمام المجدول من أدم.[ثمّ استشهد
ص: 153
بشعر]
و ربّما سمّى الوشاح جديلا.[ثمّ استشهد بشعر]
و جديل و شدقم:فحلان من الإبل كانا للنّعمان بن المنذر.
و الجديلة:الشّاكلة،و الجديلة:القبيلة و النّاحية.
و جديلة:حيّ من طيّئ،و هو اسم أمّهم،و هي جديلة بنت سبيع بن عمرو،من حمير،إليها ينسبون؛ و النّسبة إليهم جدليّ،مثل ثقفيّ.
و الجدلاء من الدّروع:المنسوجة،و كذلك المجدولة، و هي المحكمة.
و الجندل:الحجارة،و منه سمّي الرّجل.
و الجندل بفتح النّون و كسر الدّال:الموضع فيه حجارة.
و الجدول:النّهر الصّغير.(4:1653)
الهرويّ: وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:
125،الجدل:مقابلة الحجّة بالحجّة،و المناظرة:أن يدفع الحجّة بنظيرتها.
و قال بعضهم:الجدل:اللّدد في الخصام،و رجل جدل.و أصله من جدل الحبل،و هو شدّة الفتل،و منه يقال للحبل الّذي يجعل في رأس البعير:جديل.و رجل مجدول الخلق:شديده.
و قوله تعالى: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّهِ المؤمن:4، هذا جدال دفع لها،و ردّ.و منه قول النّبيّ عليه السّلام:«لا تماروا في القرآن فإنّ مراء فيه كفر».[و ذكر الرّوايات المتقدّمة عنه صلّى اللّه عليه و سلّم](1:330)
الثّعالبيّ: ضربه فجدّله،إذا ألقاه على الأرض.(209)
فصل في تقسيم النّسج:نسج الثّوب،رمل الحصير، سفّ الخوص،ضفر الشّعر،فتل الحبل،جدل السّير، مسد الجلد.(243)
فصل في الحبال المختلفة الأجناس:
الجرير:من أدم،الشّريط:من خوص،الجديل:من جلود،المرسة:من كتّان...(259)
ابن سيده: جدل الشّيء يجدله،و يجدله جدلا:
أحكم فتله.
و الجديل:حبل مفتول من أدم أو شعر،يكون في عنق البعير أو النّاقة،و الجمع:جدل،و هو من ذلك.
و الجدل،و الجدل:كلّ عظم موفّر كما هو،لا يكسر و لا يخلط به غيره.و كلّ عضو:جدل،و الجمع:أجدال، و جدول.
و رجل مجدول:لطيف القصب،محكم الفتل.
و ساق مجدولة،و جدلاء:حسنة الطّيّ.
و ساعد أجدل:كذلك.[ثمّ استشهد بشعر]
و جدل ولد الظّبية و النّاقة يجدل جدولا:قوي و تبع أمّه.
و الجادل من الإبل:فوق الرّاشح،و كذلك:من أولاد الشّاء.
و جدل الغلام يجدل جدولا،و اجتدل:كذلك.
و الأجدل:الصّقر،صفة غالبة،و أصله:من الجدل الّذي هو الشّدّة.و هي الأجادل،كسّروه تكسير الأسماء لغلبة الصّفة،و لذلك جعله سيبويه ممّا يكون صفة في بعض الكلام،و اسما في بعض اللّغات.
ص: 154
و قد يقال للأجدل:أجدليّ،و نظيره:أعجم و أعجميّ.و قد أبنت هذا الضّرب في الكتاب المخصّص.
و الأجدل:اسم فرس أبي ذرّ الغفّاريّ،على التّشبيه بما تقدّم.
و جدالة الخلق:عصبه و طيّه.
و رجل مجدول،و امرأة مجدولة.
و الجدالة:الأرض لشدّتها.و قيل:هي أرض ذات رمل دقيق.[ثمّ استشهد بشعر]
و جدله:جدلا،و جدّله فانجدل،و تجدّل:صرعه على الجدالة.
و الجدالة:البلحة إذا اخضرّت و استدارت.
و الجمع:جدال.[ثمّ استشهد بشعر]
قال ابن الأعرابيّ: الجدالة فوق البلحة،و ذلك إذا جدلت نواتها،أي اشتدّت،و اشتقّ جدول ولد الظّبية من ذلك.و لا أدري كيف قال:«إذا جدلت نواتها»لأنّ الجدالة لا نواة لها.
و قال مرّة:سمّيت البسرة جدالة،لأنّها تشتدّ نواتها و تستتمّ قبل أن تزهي،شبّهت بالجدالة،و هي الأرض.
و المجدل:القصر،لوثاقة بنائه.
و درع جدلاء،و مجدولة:محكمة النّسج.[ثمّ استشهد بشعر]
و أذن جدلاء:طويلة ليست بمنكسرة،و قيل:هي كالصّمعاء إلاّ أنّها أطول،و قيل:هي الوسط من الآذان.
و الجدل:ذكر الرّجل،و قد جدل جدولا،فهو جدل،و جدل،أي عرد،و أرى جدلا على النّسب.
و ركب جديلة رأيه،أي عزيمته.
و الجدل:اللّدد في الخصومة و القدرة عليها،و له حدّ لا يليق بهذا الكتاب.و قد جادله مجادلة،و جدالا.
و رجل جدل،و مجدل،و مجدال:شديد الجدل.
و سورة المجادلة:سورة«قد سمع اللّه»لقوله: قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها المجادلة:1.
و هما يتجادلان في ذلك الأمر،و قوله تعالى:
وَ لا جِدالَ فِي الْحَجِّ البقرة:197،قال أبو إسحاق:
قالوا:معناه لا ينبغي للرّجل أن يجادل أخاه فيخرجه الجدال إلى ما لا ينبغي.
و المجدل:الجماعة من النّاس،أراه لأنّ الغالب عليهم إذا اجتمعوا أن يتجادلوا.[ثمّ استشهد بشعر]
و الجديلة:شريجة الحمام،و الجدّال:الّذي يحصر الحمام في الجديلة.و حمام جدليّ:صغير ثقيل الطّيران لصغره.
و جديلة الرّجل،و جدلاؤه:ناحيته.
و القوم على جديلة أمرهم،أي على حالهم.و ما زال على جديلة واحدة،أي على حال واحدة و طريقة واحدة.
و الجديلة:الرّهط،و هي من أدم كانت تصنع في الجاهليّة،يأتزر بها الصّبيان و النّساء الحيّض.
و رجل أجدل المنكب:فيه تطأطؤ،و هو خلاف الأشرف من المناكب-قال الأزهريّ:و هذا تصحيف، و إنّما هو الأحدل،بالحاء غير المعجمة،عن أبي زيد، و منه قولهم:قوس مجدلة و جدلاء-و كذلك:الطّائر،قال بعضهم:به سمّي الأجدل،و الصّحيح ما قدّمت من كلام سيبويه.
ص: 155
و الجديلة:النّاحية،و القبيلة.
و جديلة:بطن من قيس،منهم فهم و عدوان.
و جديلة،أيضا:في طيّئ.
و جديل:فحل لمهرة بن حيدان.فأمّا قولهم في الإبل:جدليّة فقيل:هي منسوبة إلى هذا الفحل.و قيل:
إلى جديلة طيّئ،و هو القياس.
و الجدول:النّهر الصّغير.و حكى ابن جنّيّ:جدول، بكسر الجيم،على مثال:خروع.و الجدول،أيضا:نهر معروف.(7:322)
الجدول:جدل الحبّ في السّنبل يجدل جدولا:نزل فيه،أو قوي.(الإفصاح 2:1085)
الطّوسيّ: حقيقة المجادلة:المقابلة بما يقبل الخصم من مذهبه بالحجّة أو شبهها،و هو من«الجدل»لشدّة الفتل،و يقال للصّقر:أجدل،لأنّه أشدّ الطّير.
و الفرق بين الجدال و الحجاج:أنّ المطلوب بالحجاج:
ظهور الحجّة،و المطلوب بالجدال:الرّجوع عن المذهب.
و المراء مذموم،لأنّه مخاصمة في الحقّ بعد ظهور الحقّ،كمريء الضّرع بعد دروره،و ليس كذلك الجدال.(5:546)
نحوه الطّبرسيّ.(3:157)
الرّاغب: الجدال:المفاوضة على سبيل المنازعة و المغالبة،و أصله من:جدلت الحبل،أي أحكمت فتله، و منه:الجديل،و جدلت البناء:أحكمته،و درع مجدولة.
و الأجدل:الصّقر المحكم البنية.
و المجدل:القصر المحكم البناء،و منه:الجدال، فكأنّ المتجادلين يفتل كلّ واحد الآخر عن رأيه.
و قيل:الأصل في الجدال:الصّراع،و إسقاط الإنسان صاحبه على الجدالة،و هي الأرض الصّلبة.[ثمّ ذكر الآيات](89)
نحوه الفيروزآباديّ.(بصائر ذوي التّمييز 2:373)
الزّمخشريّ: جدل الحبل:فتله،و زمام مجدول و هو الجديل.تقول:كأنّ في الجديل،إحدى بنات جديل.و طعنه فجدّله:ألقاه على الجدالة،و هي الأرض.
و تقول:إن وقفن فمجادل،و إن مررن فأجادل:إن وقفن فقصور و إن مررن فصقور.[ثمّ استشهد بشعر]
و كان فلان جدّالا فصار تمّارا،و هو بائع الجدال و هو البلح،سمّي لاشتداده،أو بائع الحمام في الجديلة و هي الشّريجة.و شاد قصره بصمّ الجندل،و بصمّ الجنادل، الواحدة:جندلة،و النّون مزيدة،و الوزن«فنعلة»من الجدل.
و من المجاز:امرأة مجدولة الخلق:قضيفة.و درع مجدولة و جدلاء:محكمة.و عمل على جديلته،أي على شاكلته الّتي جدل عليها.و ركب جديلته،أي عزيمة رأيه.و استقام جدول القوم،إذا انتظم أمرهم،كالجدول إذا اطّرد و تتابع جريه.و نظر أعرابيّ إلى قافلة الحاجّ متتابعة،فقال:أمّا الحاجّ فقد استقام جدولهم.
(أساس البلاغة:53)
المجدّل:المطروح.
معاوية قال لصعصعة بن صوحان:أنت رجل تتكلّم بلسانك،فما مرّ عليك جدّلته،و لم تنظر في أرز (1)الكلام و لا استقامته...م.
ص: 156
أراد أنّه يتكلّم بكلّ ما يعنّ له من غير رويّة،فشبّهه بالصّائد الّذي يرمي،فيجدّل كلّ ما أكثبه من الوحش المارّة عليه.[ثمّ ذكر حديث عائشة في العقيقة و قد مرّ]
(الفائق 1:196)
المدينيّ: في الحديث:«كتب عمر رضي اللّه عنه، في العبد إذا غزا على جديلته،لا ينتفع مولاه بشيء من خدمته فأسهم له».
قال الأزهريّ في«التّهذيب»:الجديلة:الحالة الأولى،يقال:القوم على جديلة أمرهم،أي على حالهم الأولى،و على جدلائهم كذلك،و الجديلة:النّاحية.
و ركب جديلة رأيه:أي عزيمته،و ما زال على جديلة واحدة،أي على طريقة،و هو على جديّته أيضا، أي على ناحيته.
و الجديلة:العرافة،يقال:قطع بنو فلان جديلتهم عن بني فلان،إذا عزلوا عرافتهم عنهم.(1:304)
ابن الأثير: فيه:«ما أوتي قوم الجدل إلاّ ضلّوا» الجدل:مقابلة الحجّة بالحجّة،و المجادلة:المناظرة و المخاصمة.
و المراد به في الحديث:الجدل على الباطل،و طلب المغالبة به.فأمّا الجدل لإظهار الحقّ فإنّ ذلك محمود، لقوله تعالى: وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:
125.[ثمّ ذكر الرّوايات المتقدّمة](1:247)
الفيّوميّ: جدل الرّجل جدلا فهو جدل،من باب «تعب»إذا اشتدّت خصومته.و جادل مجادلة و جدالا، إذا خاصم بما يشغل عن ظهور الحقّ و وضوح الصّواب، هذا أصله.
ثمّ استعمل على لسان حملة الشّرع في مقابلة الأدلّة لظهور أرجحها،و هو محمود إن كان للوقوف على الحقّ و إلاّ فمذموم.و يقال:أوّل من دوّن«الجدل»أبو عليّ الطّبريّ.
و الجدول«فعول»هو النّهر الصّغير،و الجمع:
الجداول.
و الجدالة بالفتح:الأرض،و جدّلته تجديلا:ألقيته على الجدالة،و طعنه فجدّله.(1:93)
الفيروزآباديّ: جدله يجدله و يجدله:أحكم فتله.
و الجديل:الزّمام المجدول من أدم،و حبل من أدم أو شعر في عنق البعير،و الوشاح،جمعه:ككتب.
و الجدل و يكسر:الذّكر الشّديد،و قصب اليدين و الرّجلين،و كلّ عضو و كلّ عظم موفّر لا يكسر و لا يخلط به غيره،الجمع:أجدال و جدول.
و رجل مجدول:لطيف القصب محكم الفتل.
و ساعد أجدل و ساق مجدولة و جدلاء:حسنة الطّيّ،و من الدّروع المحكمة،الجمع:جدل بالضّمّ.
و جدل ولد الظّبية و غيرها:قوي و تبع أمّه.
و الأجدل:الصّقر كالأجدليّ،جمعه:أجادل، و كمنبر:القصر،جمعه:مجادل،و كسحابة:الأرض،أو ذات رمل رقيق،و البلح إذا اخضرّ و استدار قبل أن يشتدّ،و النّمل الصّغار ذات القوائم.
و جدل الحبّ في السّنبل:وقع.
و جدله و جدّله فانجدل و تجدّل:صرعه على الجدالة.
و جدل جدولا فهو جدل ككتف و عدل:صلب.
ص: 157
و الجدل محرّكة:اللّدد في الخصومة،و القدرة عليها، جادله فهو جدل و مجدل كمنبر و محراب،و كمقعد:
الجماعة منّا،و كمنبر:موضع.
و الجديلة:القبيلة،و الشّاكلة،و النّاحية،و شريجة الحمام و نحوها،و صاحبها جدّال،و الحال و الطّريقة، و شبه أنب من أدم يأتزر به الصّبيان،و الحيّض.
و جديلة بنت سبيع بن عمرو من حمير أمّ حيّ، و النّسبة جدليّ،و كغراب:بلدة بالموصل.
و مجادل:بلدة بالخابور.
و الجدول كجعفر و خروع:النّهر الصّغير،و نهر معروف.
و جدلاء:كلبة،و من الشّاء المتثنّية الأذن.
و شقشقة جدلاء:مائلة.
و الجدلة:مدقّة المهراس.
و الجدل:القبر.
و ذهب على جدلائه:على وجهه و ناحيته.
و كأمير:فحل للنّعمان بن المنذر.
و أجدلت الظّبية:مشى معها ولدها.(3:357)
الطّريحيّ: [بعد ذكر آية النّحل:125،قال:]
فالجدال منه قبيح و حسن و أحسن.
فما كان لتبيين الحقّ من الفرائض فهو أحسن، و ما كان له من غير ذلك فحسن،و ما كان لغير ذلك قبيح.
و جدلت الحبل أجدله جدلا،أي فتلته محكما، و منه حديث نوق الجنّة:«خطمها جديل الأرجوان» الجديل:الزّمام،و الأرجوان:الأحمر.و منه جارية مجدولة الخلق.
و الجندل:الحجارة،و الجمع:الجنادل،و قد جاء في الحديث.
الجندل بفتح النّون و كسر الدّال:الموضع الّذي فيه حجارة.
و المجدّل:المرميّ الملقى على الأرض قتيلا.
و الجدول:النّهر الصّغير.
و الجدول:حساب مخصوص مأخوذ من تسيير القمر و مرجعه إلى عدّ شهر تامّا و شهر ناقصا في جميع أيّام السّنة،مبتدأ بالتّامّ من المحرّم،كذا قرّره الشّهيد الثّاني رحمه اللّه.
و منه كلام الفقهاء:و لا اعتبار بالجدول،يعني في حساب الشّهر.
و الأجدل:الصّقر،و هي صفة غالبة عليه.
(5:334)
الجزائريّ: «الجدال و المراء»قيل:هما بمعنى،غير أنّ المراء مذموم،لأنّه مخاصمة في الحقّ بعد ظهوره، و ليس كذلك الجدال.
«الجدال و الحجاج»الفرق بينهما:أنّ المطلوب بالحجاج هو ظهور الحجّة،و المطلوب بالجدال:الرّجوع عن المذهب،فإنّ أصله من«الجدل»و هو شدّة الفتل، و منه«الأجدل»لشدّة قوّته من بين الجوارح،و يؤيّده قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا هود:32، وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:125،و ذلك لأنّ دأب الأنبياء كان ردع القوم عن المذاهب الباطلة و إدخالهم في دين اللّه ببذل القوّة و الاجتهاد،في إيراد الأدلّة و الحجج.
ص: 158
هذا و قد يراد ب«الجدال»مطلق المخاصمة،و منه ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ النّساء:109،و يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ المؤمن:35.
و أمّا قوله تعالى: فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَ جاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ هود:74، فقيل:إنّه قال للملائكة:بأيّ شيء استحقّوا عذاب الاستئصال،و هل ذلك واقع لا محالة أم تخويف ليرجعوا إلى الطّاعة،و بأيّ شيء يهلكون؟و كيف ينجي اللّه المؤمنين؟فسمّي ذلك السّؤال المستقصى جدالا.
فالمراد:يجادل رسلنا،و تلك المجادلة إنّما كانت من رقّة قلبه و رحمته،و في إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ هود:75،إشارة إلى هذا.(78)
مجمع اللّغة :جدل الرّجل جدلا فهو جدل:
خاصم.و الجدل:المنازعة في الرّأي،و يطلق على شدّة الخصومة و اللّدد فيها.
و جادل مجادلة و جدالا:خاصم،و قد يكون الجدال بالباطل ليصرف عن الحقّ،و قد يكون بالحقّ ليدحض الباطل،و المقام هو الّذي يعيّن المراد.
(1:184)
محمّد إسماعيل إبراهيم: جدل الحبل جدلا:
فتله،و جدل الرّجل جدلا:اشتدّت خصومته،و الجدل:
شدّة الخصومة.و أصلها من«الجدل»و هو شدّة الفتل.
و تجادل القوم:تعاودوا و تخاصموا و تضاغنوا، و جادل:ناقش بالحجّ و الأدلّة.(104)
العدنانيّ: الجدولة.
و يخطّئون من يقول:جدول يجدول جدولة،لأنّ المعجمات لا تذكر هذا الفعل و مضارعه و مصدره.
و لكن:جاء في الجزء الثّاني،من المجلّد الحادي و الخمسين،من مجلّة مجمع اللّغة العربيّة بدمشق ربيع الآخر 1396 ه.نيسان(أبريل)1976 م،ما يأتي:
«كان مجلس المجمع وافق على قرار يتضمّن:«تجاز كلمة الجدولة،أخذا بجواز الاشتقاق من أسماء الأعيان، و يستبقى الحرف الزّائد،و هو«الواو»من الاشتقاق أخذا بتوهّم أصالة الزّيادة في الحرف؛و ذلك بعد دراسة قرار لجنة الألفاظ و الأساليب،و قد جاء فيه:
يشيع في الاستعمال المعاصر لفظ«الجدولة»في معنى عرض التّفاصيل لموضوع ما،وفق نظام معيّن في جدول.و قد درست اللّجنة هذا اللّفظ،ثمّ انتهت إلى إجازته،بدليلين:
الأوّل:أنّه مأخوذ من الجدول إتباعا لمبدإ الاشتقاق،من أسماء الأعيان الّذي أخذ به المجمع من قبل.
الثّاني:أنّه جاء على أساس الأخذ بمبدإ توهّم أصالة الحرف،الّذي سبق للمجمع إقراره.و على هذا تكون «الواو»في الجدول أصليّة،و الفعل منها:جدول يجدول.هذا إلى أنّ الفعل«جدول»قد جاء في عبارات لبعض المتأخّرين من علماء النّحو،كالأشمونيّ و الصّبّان.
و بعد نقاش حول قرار المجلس،و لفظة التّوهّم الواردة فيه،أجمع المؤتمرون على إجازة القرار بعد تعديله على الصّيغة الآتية:«تجاز كلمة الجدولة،أخذا بجواز الاشتقاق من أسماء الأعيان،و يستبقى الحرف الزّائد،
ص: 159
و هو(الواو)في الاشتقاق،أخذا بجواز اعتبار الزّيادة أصليّة».
و كان ذلك في الدّورة الثّانية و الأربعين،لمؤتمر مجمع اللّغة العربيّة بالقاهرة،المنعقد في المدّة الواقعة بين تاريخ 23 صفر سنة 1396 ه،الموافق 23 شباط 1976 م.
و تاريخ 7 ربيع الأوّل 1396 ه،الموافق 8 آذار 1976 م.
الضّفيرة لا الجديلة.
خصل الشّعر،المنسوج بعضها على بعض،بثلاث طاقات فما فوقها،يسمّونها:جديلة،و الصّواب:
ضفيرة،و جمعها:ضفائر و ضفر.
أمّا الجديلة فمن معانيها:
1-القبيلة،الرّهط.
2-النّاحية«مجاز».
3-الشّاكلة و الطّريقة.
4-قفص يصنع من القصب للحمام و نحوه.
5-ركب جديلة رأيه:عزيمته«مجاز».
6-هم على جديلة أمرهم:على حالهم الأوّل «مجاز».
7-جديلة:اسم لعدّة قبائل من العرب،و النّسبة إليها:جدليّ.(116)
المصطفويّ: الأصل الواحد في هذه المادّة:هو الاستحكام،سواء كان بطريق الفتل أو غيره،و سواء كان في الكلام أو في غيره،و سواء كان عن حقّ أو باطل و زور،و سواء كان في نفسه أو بمخاصمة و مقابلة.
و المجادلة و الجدال على مقتضى صيغة«المفاعلة» تدلّ على إدامة الجدل،و تطلق في الغالب على تحكيم الكلام،و إدامته في مقام الخصومة و الغلبة على الطّرف المقابل،حتّى يمنع عن ظهور الحقّ.
و قيد الاستحكام الخاصّ محفوظ في جميع موارد استعمالها:كالفتل،و الزّمام المفتول المستحكم، و الأعضاء المستحكمة الظّريفة كقصب اليدين،و مجدول الخلق،و الجدول للماء المستجمع الجاري،و الرّجل قضيف الخلقة،و الصّقر،و الأرض الصّلبة.
[في القاموس العبريّ-العربيّ: ]
(جادل)-نما،زاد،عظم،طالت،اشتدّ.
وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ لقمان:
20، اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ المؤمن:35، وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ المؤمن:5،يريد الإصرار في إدامة الكلام و استحكامه ظاهرا،من دون توجّه إلى الحقّ،فالنّظر في الجدال إلى إثبات كلامه و مرامه بأيّ نحو كان،من دون أن يتوجّه إلى الحقيقة.
وَ لا تُجادِلُوا أَهْلَ الْكِتابِ إِلاّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ العنكبوت:46، وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:
125،بأن يكون الجدال مع التّوجّه إلى الحقّ و محو الباطل و بلطيف الخطاب،من دون خشونة و عصبيّة.
وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً الكهف:54، فإنّ الإنسان مفطور بحبّ النّفس،و على هذا فهو يدافع دائما عن نفسه،و لا يحبّ أمرا إلاّ لحبّه نفسه،و يجادل لتثبيت مرامه و الدّفاع عن خلاف مراده،إلاّ من وفّقه اللّه تعالى،و ترك هوى نفسه،و لم يبق في قلبه إلاّ حبّ اللّه و رضاه تعالى.(2:65)
ص: 160
1- ..وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً. الكهف:54
ابن عبّاس: جدلا في الباطل،و يقال:ليس شيء أجدل من الإنسان.(249)
ابن زيد :الجدل:الخصومة،خصومة القوم لأنبيائهم،و ردّهم عليهم ما جاءوا به.
(الطّبريّ 15:266)
الطّبريّ: و كان الإنسان أكثر شيء،مراء و خصومة، لا ينيب لحقّ،و لا ينزجر لموعظة.(15:266)
الزّجّاج: فإن قال قائل:و هل يجادل غير الإنسان؟
فالجواب في ذلك أنّ إبليس قد جادل،و أنّ كلّ ما يعقل من الملائكة و الجنّ يجادل،و لكنّ الإنسان أكثر هذه الأشياء جدلا.(3:296)
الماورديّ: قوله تعالى: وَ لَقَدْ صَرَّفْنا فِي هذَا الْقُرْآنِ لِلنّاسِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ يحتمل وجهين:أحدهما:
ما ذكره لهم من العبر في القرون الخالية،الثّاني:ما أوضحه لهم من دلائل الرّبوبيّة.فيكون على الوجه الأوّل جزاء، و على الثّاني بيانا. وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً.
يحتمل وجهين:أحدهما:عنادا،و هو مقتضى الوجه الأوّل،الثّاني:حجاجا،و هو مقتضى القول الثّاني.
(3:317)
الطّوسيّ: أي خصومة،و الجدل:شدّة الفتل عن المذهب،بطريق الحجاج.و أصله:الشّدّة،و منه الأجدل:الصّقر لشدّته،و سير مجدول:شديد الفتل.(7:60)
نحوه أبو الفتوح الرّازيّ.(12:370)
القشيريّ: الجدل في اللّه محمود مع أعدائه، و الجدل مع اللّه شرك،لأنّه صرف إلى مخالفة توهم أنّ أحدا يعارض التّقدير،و تجويز ذلك انسلاخ عن الدّين.
و من أمارات السّعادة للمؤمن فتح باب العمل عليه، و إغلاق باب الجدل دونه.(4:75)
البغويّ: (جدلا):خصومة في الباطل.(3:200) مثله الخازن(4:177)،و الكاشانيّ(3:247).
الميبديّ: أي جدالا و حجاما و خصاما.[ثمّ ذكر نحو الزّجّاج](5:705)
الزّمخشريّ: أكثر الأشياء الّتي يتأتّى منها الجدل، إن فصّلتها واحدا بعد واحد خصومة و مماراة بالباطل و انتصاب(جدلا)على التّمييز،يعني أنّ جدل الإنسان أكثر من جدل كلّ شيء و نحوه.(2:489)
مثله النّسفيّ.(3:17)،و نحوه أبو حيّان(6:138).
ابن عطيّة: الجدل:الخصام و المدافعة بالقول، فالإنسان أكثر جدلا من كلّ ما يجادل من ملائكة و جنّ و غير ذلك إن فرض.و في قوله: وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً تعليم تفجّع ما على النّاس.(3:524)
الفخر الرّازيّ: أي أكثر الأشياء الّتي يتأتّى منها الجدل.و انتصاب قوله:(جدلا)على التّمييز.
قال بعض المحقّقين:و الآية دالّة على أنّ الأنبياء عليهم السّلام جادلوهم في الدّين حتّى صاروا هم مجادلين،لأنّ المجادلة لا تحصل إلاّ من الطّرفين؛و ذلك يدلّ على أنّ القول بالتّقليد باطل.(21:140)
ص: 161
نحوه الشّربينيّ.(2:386)
القرطبيّ: أي جدالا و مجادلة...
و روى أنس أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:يؤتى بالرّجل يوم القيامة من الكفّار،فيقول اللّه له:ما صنعت فيما أرسلت إليك؟
فيقول:ربّ آمنت بك و صدّقت برسلك و عملت بكتابك.
فيقول اللّه له:هذه صحيفتك ليس فيها شيء من ذلك.
فيقول:يا ربّ إنّي لا أقبل ما في هذه الصّحيفة.
فيقال له:هذه الملائكة الحفظة يشهدون عليك.
فيقول:و لا أقبلهم يا ربّ،و كيف أقبلهم ولاهم من عندي و لا من جهتي؟
فيقول اللّه تعالى:هذا اللّوح المحفوظ أمّ الكتاب قد شهد بذلك.
فقال:يا ربّ أ لم تجرني من الظّلم؟قال:بلى،فقال:
يا ربّ لا أقبل إلاّ شاهدا عليّ من نفسي.
فيقول اللّه تعالى:الآن نبعث عليك شاهدا من نفسك.
فيتفكّر من ذا الّذي يشهد عليه من نفسه فيختم على فيه،ثمّ تنطق جوارحه بالشّرك،ثمّ يخلّى بينه و بين الكلام فيدخل النّار،و إنّ بعضه ليلعن بعضا.
يقول لأعضائه:لعنكنّ اللّه فعنكنّ كنت أناضل.
فتقول أعضاؤه:لعنك اللّه،أ فتعلم أنّ اللّه تعالى يكتم حديثا،فذلك قوله تعالى: وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً، أخرجه مسلم بمعناه،من حديث أنس أيضا.
(11:5)
البيضاويّ: خصومة بالباطل،و انتصابه على التّمييز.(2:16)
مثله المشهديّ(6:71)،و نحوه شبّر(4:85)، و طنطاوي(9:134).
النّيسابوريّ: [نحو الفخر الرّازيّ و أضاف:]
فقوله: (أَكْثَرَ شَيْءٍ) كقوله: (أَوَّلَ مَرَّةٍ) و قد مرّ في الأنعام،و كثرة جدل الإنسان لسعة مضطربه،فيما بين أوج الملكيّة إلى حضيض البهيميّة،فليس له في جانبي التّصاعد و التّسافل مقام معلوم.(15:143)
ابن جزيّ: أي مخاصمة و مدافعة بالقول،و يقتضي سياق الكلام ذمّ الجدل.(2:190)
ابن كثير :الإنسان كثير المجادلة و المخاصمة و المعارضة للحقّ بالباطل،إلاّ من هدى اللّه و بصّره لطريق النّجاة.(4:400)
السّيوطيّ: الجدل:الخصومة،خصومة القوم لأنبيائهم،و ردّهم عليهم ما جاءوا به.و كلّ شيء في القرآن من ذكر الجدل فهو من ذلك الوجه،فيما يخاصمونهم من دينهم،يردّون عليهم ما جاءوا به،و اللّه أعلم.(الدّرّ المنثور 4:228)
أبو السّعود :أي أكثر الأشياء الّتي يتأتّى منها الجدل،و هو هاهنا شدّة الخصومة بالباطل و المماراة،من الجدل الّذي هو الفتل.
و المجادلة:الملاواة،لأنّ كلاّ من المجادلين يلتوي على صاحبه،و انتصابه على التّمييز.و المعنى أنّ جدله أكثر من جدل كلّ مجادل.(4:198)
نحوه الآلوسيّ.(15:300)
ص: 162
البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]
قال في«التّأويلات النّجميّة»:من طبيعة الإنسان المجادلة و المخاصمة،و بها يقطعون الطّريق على أنفسهم، فتارة مع الأنبياء يجادلون لا يقبلون بالنّبوّة و الرّسالة حتّى يقاتلونهم،و تارة يجادلون في الكتب المنزلة و يقولون:ما أنزل اللّه على بشر من شيء،و تارة يجادلون في محكماتها،و تارة يجادلون في متشابهاتها،و تارة يجادلون في ناسخها و منسوخها،و تارة يجادلون في تفسيرها و تأويلها،و تارة يجادلون في أسباب نزولها، و تارة يجادلون في قراءتها،و تارة يجادلون في قدمها و حدوثها،على هذا حتّى لم يفرغوا من المجادلة إلى المجاهدة و من المخاصمة إلى المعاملة و من المنازعة إلى المطاوعة و من المناظرة إلى المواصلة،فلهذا قال تعالى:
وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً. (5:259)
القاسميّ: أي مجادلة و مخاصمة و معارضة للحقّ بالباطل.(11:4073)
المراغيّ: الجدل:المنازعة بالقول،و يراد به هنا المماراة و الخصومة بالباطل.
و خلاصة ذلك:أنّ جدل الإنسان أكثر من جدل كلّ مجادل.لما أوتيه من سعة الحيلة،و قوّة المعارضة، و اختلاف النّزعات و الأهواء،و قوّة العزيمة إلى غير حدّ، فلواتّجه إلى سبل الخير،و تاقت نفسه إلى سلوك طريقه، ارتقى إلى حظيرة الملائكة،و لو نزعت نفسه إلى اتّباع وساوس الشّيطان،انحطّ إلى الدّرك الأسفل و لحق بأنواع الحيوان،يفعل ما يشاء،غير مقيّد بوازع من الدّين، و لا زمام من العقل و صادق العزيمة.(15:165)
مغنيّة:المراد بالجدل هنا:الخصومة بالباطل، بدليل قوله تعالى في الآية التّالية: وَ يُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ الكهف:56.
أمّا القرآن الكريم فهو كتاب اللّه إلى عباده،يهديهم بدلائله و مواعظه،و يحثّهم على التّمسّك بأحكامه و تعاليمه.و قد أوضح سبحانه هذه المواعظ و الدّلائل بشتّى الأساليب،و ضرب عليها من أجل ذلك الكثير من الأمثال،منها الرّجلان المذكوران في الآية(32)، و تشبيه الحياة بالماء في الآية(45)من هذه السّورة.
و لكنّ أكثر النّاس لا يعقلون و يخاصمون في أوضح الواضحات،و يحاولون إبطال الحقّ و دحضه بالمماراة و الأكاذيب.(5:139)
الطّباطبائيّ: الجدل:الكلام على سبيل المنازعة و المشاجرة،و الآية-إلى تمام ستّ آيات-مسوقة للتّهديد بالعذاب بعد التّذكيرات السّابقة.(13:331)
عبد الكريم الخطيب :الجدل و المراء آفة الإنسان،و الحجاز الّذي يحجز عقله عن أن يميز الخبيث من الطّيّب،و يفرّق بين النّور و الظّلام وَ كانَ الْإِنْسانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلاً، فتلك هي بليّة الإنسان،و مضلّة الضّالّين،و مهلك الهالكين،من أبناء آدم.(8:635)
مكارم الشّيرازيّ: الجدل تعني محادثة الآخرين على أساس المنازعة و إظهار نزعة التّسلّط على الآخرين،و لهذا فإنّ المجادلة تعني قيام شخصين بإطالة الحديث في حالة من التّشاجر.و هذه الكلمة في الأصل مأخوذة-و كما يقول الرّاغب في«المفردات»-من جدلت الحبل،أي ربطت الحبل بقوّة،و هي كناية عن أنّ
ص: 163
الشّخص المجادل يستهدف من خلال جدله أن يحرّف الشّخص الآخر بالقوّة عن أفكاره.
البعض قال:إنّ أصل الجدال هو بمعنى المصارعة و إسقاط الآخر على الأرض،و هي تستعمل أيضا في الدّلالة على الشّجار اللّفظيّ.
في كلّ الأحوال،إنّ المقصود ب«النّاس»في الآية هم تلك الفئة الّتي لا تقوم في وجودها و ممارساتها على أصول التّربية الإسلاميّة و قواعدها.و قد أكثر القرآن في استعمال هذه التّعابير،و قد شرحنا هذه الحالة مفصّلا في نهاية الحديث،عن الآية 12:من سورة«يونس».
(9:271)
2- وَ قالُوا أَ آلِهَتُنا خَيْرٌ أَمْ هُوَ ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ. الزّخرف:58
ابن عبّاس: إلاّ للجدال و الخصومة.(415)
السّدّيّ: هو قول قريش لرسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،تزعم كلّ شيء عبد من دون اللّه في النّار،فنحن نرضى أن تكون آلهتنا مع عيسى و عزير و الملائكة،هؤلاء قد عبدوا من دون اللّه.(الماورديّ 5:234)
مقاتل: ما وصفوا لك ذكر عيسى إلاّ ليجادلوك به، لأنّهم قد علموا أنّ المراد بحصب جهنّم ما اتّخذوه من الموات.(الواحديّ 4:79)
نحوه القرطبيّ.(16:104)
الطّبريّ: ما مثّلوا لك هذا المثل يا محمّد،و لا قالوا لك هذا القول إلاّ جدلا و خصومة يخاصمونك به.عن أبي أمامة قال:قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلاّ أوتوا الجدل»،[ثمّ]قرأ:
ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً الآية.(25:88)
الزّجّاج: أي طلبا للمجادلة،لأنّهم قد علموا أنّ المعنى في حصب جهنّم هاهنا،أنّه يعني به الأصنام و هم.
(4:416)
نحوه ابن الجوزيّ.(7:324)
الطّوسيّ: (ما ضربوه)يعني المسيح مثلا(الاّ جدلا) أي خصومة لك و دفعا لك عن الحقّ،لأنّ المجادلة لا تكون إلاّ و أحد المجادلين مبطلا.و المناظرة قد تكون بين المحقّين،لأنّه قد يعارض ليظهر له الحقّ.
(9:210)
نحوه الطّبرسيّ.(5:53)
القشيريّ: و ذلك أنّهم قالوا:إن قال:آلهتكم خير،فقد أقرّ بأنّها معبودة،و إن قال:عيسى خير من آلهتكم،فقد أقرّ بأنّ عيسى يصلح لأنّ يعبد،و إن قال:
ليس واحد منهم خيرا،فقد نفى ذلك عن عيسى عليه السّلام.
هم راموا بهذا الكلام أن يجادلوه،و لم يكن سؤالهم للاستفادة،فكان جواب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:أنّ عيسى عليه السّلام خير من آلهتكم و لكنّه لا يستحقّ أن يعبد؛إذ ليس كلّ ما هو خير من الأصنام بمستحقّ أن يكون معبودا من دون اللّه.
و هكذا بيّن اللّه سبحانه لنبيّه أنّهم قوم جدلون،و أنّ حجّتهم داحضة عند ربّهم.(5:371)
البغويّ: خصومة بالباطل،و قد علموا أنّ المراد من قوله: وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ الأنبياء:98،هؤلاء الأصنام.(4:165)
الميبديّ: أي أنّهم قد علموا أنّك لا تريد منهم أن
ص: 164
ينزلوك منزلة المسيح،و ما قالوا هذا القول إلاّ جدلا،أي خصومة بالباطل.(9:73)
الزّمخشريّ: إلاّ لأجل الجدل و الغلبة في القول، لا لطلب الميز بين الحقّ و الباطل.(3:493)
مثله البيضاويّ(2:370)،و النّسفيّ(4:122)، و النّيسابوريّ(25:58)،و المراغيّ(25:103)، و الكاشانيّ(4:396)،و المشهديّ(9:355)،و شبّر (5:427)،و نحوه الفخر الرّازيّ(27:221).
ابن عطيّة: أي ما مثّلوا هذا التّمثيل إلاّ جدلا منهم و مغالطة،و نسوا أنّ عيسى لم يعبد برضى منه و لا عن إرادة،و لا له في ذلك ذنب.
و الجدال عند العرب:المحاورة بمغالطة أو تحقيق أو ما اتّفق من القول.إنّما المقصد به أن يغلب صاحبه في الظّاهر إلاّ أن يتطلّب الحقّ في نفسه.
[ثمّ ذكر حديث أبي أمامة المتقدّم](5:61)
نحوه أبو الفتوح الرّازيّ.(17:180)
ابن جزيّ: أي ما ضربوا لك هذا المثال إلاّ على وجه الجدل،و هو أن يقصد الإنسان أن يغلب من يناظره سواء غلبه بحقّ أو بباطل.فإنّ ابن الزّبعري و أمثاله ممّن لا يخفى عليه أنّ عيسى عليه السّلام لم يدخل في قوله تعالى:
حَصَبُ جَهَنَّمَ و لكنّهم أرادوا المغالطة.فوصفهم اللّه ب بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ. (4:31)
أبو حيّان :أي ما مثّلوا هذا التّمثيل إلاّ لأجل الجدل و الغلبة و المغالطة،لا لتمييز الحقّ و اتّباعه.
و انتصب جدلا على أنّه مفعول من أجله.و قيل:مصدر في موضع الحال.
و قرأ ابن مقسم (جدالا) بكسر الجيم و ألف.
(8:25)
نحوه أبو السّعود(6:39)،و القاسميّ(14:5279).
ابن كثير :أي مراء،و هم يعلموه أنّه ليس بوارد على الآية،لأنّها لما لا يعقل،و هي قوله تعالى: إِنَّكُمْ وَ ما تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ حَصَبُ جَهَنَّمَ الأنبياء:98،ثمّ هي خطاب لقريش،و هم إنّما كانوا يعبدون الأصنام و الأنداد،و لم يكونوا يعبدون المسيح حتّى يوردوه، فتعيّن أنّ مقالتهم إنّما كانت جدلا منهم،ليسوا يعتقدون صحّتها.(6:234)
الشّربينيّ: أي خصومة بالباطل لعلمهم أنّ لفظ (ما)لغير العاقل،فلا يتناول من ذكروه.(3:569)
البروسويّ: الجدل:فتل الخصم عن قصده،لطلب صحّة قوله و إبطال غيره،و هو مأمور به على وجه الإنصاف،و إظهار الحقّ بالاتّفاق.و انتصاب(جدلا) على أنّه مفعول له للظّرف.[ثمّ نقل كلام القشيريّ و أبي السّعود](8:382)
الآلوسيّ: أي ما ضربوا لك ذلك إلاّ لأجل الجدال و الخصام لا لطلب الحقّ،فإنّه في غاية البطلان،بل هم قوم لدّ شداد الخصومة،مجبولون على المحك،أي سؤال الخلق و اللّجاج.[ثمّ نقل كلام أبي حيّان](25:93)
عزّة دروزة :و جملة ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ تدلّ على ما كان من قوّة و شدّة حجاج و لجاج نبهاء المشركين في أثناء جدالهم مع النّبيّ عليه السّلام،و في حجاجهم الّذي شرحناه في صدد عيسى مثل على ذلك،فضلا عن أمثلة عديدة من ذلك مرّت في
ص: 165
السّور السّابقة.
و لقد روى المفسّرون في سياق هذه الجملة حديثا عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في صيغ مختلفة،كلّها عن أبي أمامة رضي اللّه عنه،منها حديث رواه التّرمذيّ و مسلم في سياق تفسير الجملة،جاء فيه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:«ما ضلّ قوم بعد هدى كانوا عليه إلاّ أوتوا الجدل»ثمّ تلا ما ضَرَبُوهُ لَكَ...
و منها حديث رواه الطّبريّ عن أبي كريب عن أحمد ابن عبد الرحمن عن عبّاد بن عبّاد عن جعفر بن القاسم عن أبي أمامة،جاء فيه:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم خرج عليهم و هم يتنازعون في القرآن،فغضب غضبا شديدا حتّى كأنّما صبّ على وجهه الخلّ،ثمّ قال:«لا تضربوا كتاب اللّه بعضه ببعض فإنّه ما ضلّ قوم قطّ إلاّ أوتوا الجدل»ثمّ تلا ما ضَرَبُوهُ لَكَ....
و المتبادر أنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم أراد من الجدل الّذي غضب منه و نهى عنه:ما يكون مقصودا به اللّجاج و الحجاج و العناد و التّعنّت،و أراد من تعبير«لا تضربوا كتاب اللّه بعضه ببعض»:لا تتجادلوا في آيات قد يبدو ظاهرها مناقضا لظاهر آيات أخرى جدالا يؤدّي إلى تكذيب آيات اللّه ببعضها.[ثمّ بحث حول أنّه لا اختلاف و لا تناقض في القرآن«لاحظ القرآن»](5:220)
مغنيّة:إنّ نقض المشركين عليك يا محمّد بالمسيح ما هو بقصد إحقاق الحقّ و إظهاره،كلاّ بل للتّهرّب منه بالكذب و التّمويه،و إلاّ فإنّهم على علم اليقين بأنّ المراد من وَ ما تَعْبُدُونَ أصنامهم بالذّات.(6:555)
عبد الكريم الخطيب :أي ما ضربوا هذا المثل الّذي يوقع الشّبه بينهم و بين أتباع المسيح الّذين يعبدونه من جهة،و بين آلهتهم الّتي يعبدونها،و بين المسيح من جهة أخرى،ما ضربوا هذا المثل إلاّ جدلا، أي لأجل الجدل الّذي يصرف عن الحقّ،و يعمي السّبل عنه.و هذا شأن القوم في أكثر أمورهم،فهم قوم خصمون،أي شديد و الجدل في الخصومة.(13:151)
مكارم الشّيرازيّ: إنّ هؤلاء يعلمون جيّدا أنّ الّذين يردون جهنّم من آلهة هم الّذين كانوا راضين بعبادة عابديهم،كفرعون الّذي كان يدعوهم إلى عبادته،لا كالمسيح عليه السّلام الّذي كان و لا يزال رافضا لعملهم هذا،و متبرّئا منه.(16:77)
...وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ... المؤمن:5
ابن عبّاس: خاصموا الرّسل بالشّرك.(393)
الطّبريّ: خاصموا رسولهم بالباطل من الخصومة.
(24:43)
نحوه أبو الفتوح الرّازيّ(17:8)،و البروسويّ(8:
154).
الطّوسيّ: أي خاصموا في دفع الحقّ بباطل من القول.و في ذلك دليل على أنّ الجدال إذا كان بحقّ كان جائزا.(9:55)
الواحديّ: خاصموا رسولهم فقالوا: ما أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا يس:15،و هلاّ أرسل اللّه إلينا ملائكة؟ و أمثال هذا من القول.(4:5)
مثله الطّبرسيّ.(4:514)
ص: 166
الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال تعالى: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مع أنّ الّذين آمنوا يجادلون أيضا فيها؟هل هي منسوخة أم محكمة؟و هل فيها مجاز أم كلّها حقيقة؟و هل هي مخلوقة أم قديمة؟و غير ذلك.
قلنا:المراد:الجدال فيها بالتّكذيب و دفعها بالباطل، و الطّعن بقصد إدحاض الحقّ و إطفاء نور اللّه تعالى.
(303)
الخازن :يعني خاصموا.(6:74)
ابن كثير :أي ماحلوا بالشّبهة ليردّوا الحقّ الواضح الجليّ.(6:123)
المراغيّ: أي و خاصموا رسولهم بالباطل بإيراد الشّبهة الّتي لا حقيقة لها،كقولهم: ما أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا يس:15.(24:45)
عبد الكريم الخطيب :أي و أقبلوا بالباطل الّذي معهم ليبطلوا به الحقّ الّذي بين يدي النّبيّ،و يقيموا لهذا الباطل حججا من السّفه و الضّلال.(12:1206)
مكارم الشّيرازيّ: لجئوا إلى الكلام الباطل لأجل القضاء على الحقّ و محوه،و أصرّوا على إضلال النّاس و حرفهم عن شريعة اللّه.(15:172)
وَ إِنْ جادَلُوكَ فَقُلِ اللّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ. الحجّ:68
ابن عبّاس: خاصموك في أمر الذّبيحة و التّوحيد، لقولهم:إنّ ما ذبح اللّه أحلّ ممّا تذبحون أنتم بسكاكينكم.
(283)
نحوه الخازن.(5:22)
مجاهد: قول أهل الشّرك:أما ما ذبح اللّه بيمينه فَقُلِ.... الطّبريّ 17:199)
الطّبريّ: و إن جادلك يا محمّد هؤلاء المشركون باللّه في نسكك فقل اللّه أعلم بما تعملون و نعمل.
(17:199)
الطّوسيّ: إن جادلوك على وجه المراء و التّعنّت الّذي يعمله السّفهاء،فلا تجادلهم على هذا الوجه، و ادفعهم بهذا القول: فَقُلِ.... و هذا أدب من اللّه حسن ينبغي أن يأخذ به كلّ أحد.
(7:338)
الواحديّ: خاصموك في أمر الذّبيحة.(3:279)
مثله ابن الجوزيّ.(5:449)
الميبديّ: وَ إِنْ جادَلُوكَ بباطلهم مراء و تعنّتا فادفعهم بقولك: اَللّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ من التّكذيب و الكفر.
فإن قيل:كيف وجّه الجمع بين هذه الآية و بين قوله: وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:125؟
قلنا:إنّهم كانوا يجادلون مجادلة شغب و تعنّت،و كان ذلك يزري بالنّبيّ.فيبيّن بهذه الآية أنّه لا يجوز مجادلة المتعنّت المتعسّف،و بيّن بتلك الآية جواز مجادلة المسترشد المستمع.(6:400)
الزّمخشريّ: أي و إن أبوا للجاجهم إلاّ المجادلة بعد اجتهادك أن لا يكون بينك و بينهم تنازع فادفعهم بأنّ اللّه أعلم بأعمالكم.(3:21)
مثله أبو حيّان.(6:388)
ابن عطيّة: الآية موادعة محضة نسختها آية
ص: 167
السّيف،و باقي الآية وعيد.(4:132)
نحوه ابن جزيّ.(3:46)
الطّبرسيّ: أي إن خاصموك في أمر الذّبيحة فقل:
اللّه أعلم بتكذيبكم،فهو يجازيكم به،و هذا قبل الأمر بالقتال.
و قيل:معناه و إن جادلوك على سبيل المراء و التّعنّت بعد لزوم الحجّة فلا تجادلهم على هذا الوجه،و ادفعهم بهذا القول.
و قيل:معناه و إن نازعوك في نسخ الشّريعة فحاكمهم إلى اللّه.(4:94)
الفخر الرّازيّ: و المعنى:فإن عدلوا عن النّظر في هذه الأدلّة إلى طريقة المراء و التّمسّك بالعادة،فقد بيّنت و أظهرت ما يلزمك فَقُلِ اللّهُ أَعْلَمُ بِما تَعْمَلُونَ.
(23:65)
القرطبيّ: أي خاصموك يا محمّد،يريد مشركي مكّة.(12:94)
نحوه طه الدّرّة.(9:255)
النّسفيّ: مراء و تعنّتا،كما يفعله السّفهاء بعد اجتهادك أن لا يكون بينك و بينهم تنازع و جدال.
(3:110)
الشّربينيّ: أي في أمر الدّين بعد أن ظهر الحقّ و لزمت الحجّة.(2:564)
مثله الآلوسيّ.(17:197)
البروسويّ: و خاصموك بعد ظهور الحقّ و لزوم الحجّة.و أصله من:جدلت الحبل،أي حكمت فتله، فكأنّ المجادلين يفتل كلّ واحد منهما الآخر عن رأيه.(6:58)
المراغيّ: أي و إن جادلك هؤلاء المشركون في نسكك بعد أن ظهر الحقّ و لزمتهم الحجّة،فقل لهم على سبيل التّهديد و الوعيد:اللّه عليم بما تعملون و بما أعمل، و مجاز كلاّ بما هو له أهل.(17:140)
الطّباطبائيّ: سياق الآية يؤيّد أنّ المراد بهذا الجدال:المجادلة و المراء،في أمر اختلاف منسكه صلّى اللّه عليه و سلّم مع الشّرائع السّابقة،بعد الاحتجاج عليه بنسخ الشّرائع، و قد أمر صلّى اللّه عليه و سلّم بإرجاعهم إلى حكم اللّه،من غير أن يشتغل بالمجادلة معهم بمثل ما يجادلون.
و قيل:المراد بقوله: إِنْ جادَلُوكَ مطلق الجدال في أمر الدّين.و قيل:الجدال في أمر الذّبيحة،و السّياق السّابق لا يساعد عليه.(14:406)
عبد الكريم الخطيب :هو تأكيد للأمر الّذي أمر به النّبيّ بالدّعوة إلى ربّه،بالكتاب المستقيم الّذي معه؛ دون التفات إلى ما في أيدي أهل الكتاب،و دون استماع لما يلقون إليه من مسائل،يريدون بها إثارة الجدل و بعث الشّكوك عند المنافقين،و من في قلوبهم مرض.
(9:1094)
قالُوا يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا فَأْتِنا بِما تَعِدُنا إِنْ كُنْتَ مِنَ الصّادِقِينَ. هود:32
ابن عبّاس: خاصمتنا و دعوتنا إلى دين غير دين آبائنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا خصومتنا و دعاءنا.(184)
مجاهد :ماريتنا.(الطّبريّ 12:31)
ص: 168
الكلبيّ: دعوتنا.(أبو حيّان 5:218)
الأخفش: قال بعضهم:(جدلنا)و هما لغتان.
(2:576)
الطّبريّ: قد خاصمتنا،فأكثرت خصومتنا.
(12:31)
نحوه الخازن.(3:187)
الزّجّاج: و يقرأ (فاكثرت جدلنا) .و الجدل و الجدال:المبالغة في الخصومة و المناظرة،و هو مأخوذ من «الجدل»و هو شدّة الفتل.و الصّقر يقال له:أجدل،لأنّه من أشدّ الطّير.(3:49)
الطّوسيّ: أي خاصمتنا و حاججتنا فأكثرت مجادلتنا،و روي: (فاكثرت جدلنا) ،و المعنى واحد.
و في الآية دلالة على حسن الجدال في الدّين،لأنّه لو لم يكن حسنا لما استعمله نوح مع قومه،لأنّ الأنبياء لا يفعلون إلاّ ما يحسن فعله.(5:546)
الواحديّ: خاصمتنا في الدّين.(2:571)
البغويّ: خاصمتنا.(2:446)
مثله النّسفيّ(2:186)،و الكاشانيّ(2:441)، و طنطاوي(6:151).
الميبديّ: أي بالغت في خصومتنا،و معنى الجدال:فتل الخصم عن رأيه بالحجاج.(4:378)
الزّمخشريّ: معناه:أردت جدالنا و شرعت فيه فأكثرته،كقولك:جاد فلان فأكثر و أطاب.(2:267)
نحوه النّيسابوريّ.(12:23)
ابن عطيّة: معناه:قد طال منك هذا الجدال،و هو المراجعة في الحجّة و المخاصمة و المقابلة بالأقوال حتّى تقع الغلبة،و هو مأخوذ من«الجدل»و هو شدّة الفتل، و منه:حبل مجدول،أي ممرّ،و منه قيل للصّقر:أجدل، لشدّة بنيته و فتل أعضائه.
و الجدال«فعال»مصدر(فاعل)و هو يقع من اثنين، و مصدر فاعل يجيء على:فعال و فيعال و مفاعلة، فتركت الياء من«فيعال»و رفضت.
و من الجدال ما هو محمود،و ذلك إذا كان مع كافر حربيّ في منعته،و يطمع في الجدال أن يهتدي،و من ذلك هذه الآية،و منه وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:
125،إلى غير ذلك من الأمثلة.
و من الجدال ما هو مكروه،و هو ما يقع بين المسلمين بعضهم في بعض،في طلب علل الشّرائع،و تصوّر ما يخبر الشّرع به من قدرة اللّه.و قد نهى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم عن ذلك،و كرهه العلماء،و اللّه المستعان.
و قرأ ابن عبّاس (قد جادلتنا فاكثرت جدلنا) بغير ألف،و بفتح الجيم،ذكره أبو حاتم.(3:166)
الطّبرسيّ: قَدْ جادَلْتَنا أي خاصمتنا و حاججتنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا أي زدت في مجادلتنا على مقدار الكفاية.و في بعض الرّوايات عن ابن عبّاس (فاكثرت جدلنا)و المعنى واحد.(3:157)
نحوه شبّر.(3:213)
الفخر الرّازيّ: هذا يدلّ على أنّه عليه السّلام كان قد أكثر في الجدال معهم،و ذلك الجدال ما كان إلاّ في إثبات التّوحيد و النّبوّة و المعاد.و هذا يدلّ على أنّ«الجدال»في تقرير الدّلائل و في إزالة الشّبهات حرفة الأنبياء،و على أنّ التّقليد و الجهل و الإصرار على الباطل حرفة
ص: 169
الكفّار.(17:218)
نحوه القرطبيّ(9:27)،و الشّربينيّ(2:54).
العكبريّ: قَدْ جادَلْتَنا الجمهور على إثبات الألف،و كذلك(جدالنا)،و قرئ (جدلتنا فاكثرت جدلنا) بغير ألف فيهما،و هو بمعنى غلبتنا بالجدل.
(2:696)
البيضاويّ: خاصمتنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا:
فأطلته،أو أتيت بأنواعه.(1:467)
مثله المشهديّ(4:464)،نحوه البروسويّ(4:
120).
ابن جزيّ: الجدال هو المخاصمة و المراجعة في الحجّة.(2:104)
أبو حيّان :(قد جادلتنا)الظّاهر المبالغة في الخصومة و المناظرة.و قيل:و عظتنا،و قيل:أتيت بأنواع الجدال و فنونه فما صحّ دعواك.[إلى أن قال:]
و إنّما كثرت مجادلته لهم،لأنّه أقام فيهم ما أخبر اللّه به ألف سنة إلاّ خمسين عاما،و هو كلّ وقت يدعوهم إلى اللّه و هم يجيبونه بعبادتهم أصنامهم.(5:218)
ابن كثير :أي حاججتنا فأكثرت من ذلك و نحن لا نتّبعك.(3:549)
أبو السّعود :[مثل البيضاويّ و أضاف:]فإنّ إكثار الجدال يتحقّق بعد وقوع أصله،فلذلك عطف عليه بالفاء.أو أردت ذلك فأكثرته.(3:308)
الآلوسيّ: أي خاصمتنا و نازعتنا[إلى أن قال:]
فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا عطف على ما قبله،على معنى شرعت في جدالنا فأطلته،أو أتيت بنوع من أنواع الجدال فأعقبه بأنواع أخر.فالفاء على ظاهرها، و لا حاجة إلى تأويل(جادلتنا):ب«أردت جدالنا»-كما قاله الجمهور-في فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللّهِ النّحل:98،و نظير ذلك:جادل فلان فأكثر،و جعل بعضهم مجموع ذلك كناية عن التّمادي و الاستمرار.
و قرأ ابن عبّاس رضي اللّه تعالى عنهما (جدلنا) و هو-كما قال ابن جنّيّ-اسم بمعنى الجدال.(12:45)
المراغيّ: قد حاججتنا فأكثرت جدالنا و استقصيت فيه،فلم تدع حجّة إلاّ ذكرتها حتّى مللنا و سئمنا،و لم يبق لدينا شيء نقوله،كما قال في سورة نوح:5،حكاية عنه: قالَ رَبِّ إِنِّي دَعَوْتُ قَوْمِي لَيْلاً وَ نَهاراً.... (12:31)
طه الدّرّة: [نحو ابن عطيّة و أضاف:]
و قرئ (جدلنا) .و الجدل في الدّين محمود،و لهذا جادل نوح و الأنبياء أقوامهم حتّى يظهر الحقّ،فمن قبله نجح و أفلح،و من ردّه خاب و خسر.
و أمّا الجدال لغير الحقّ حتّى يظهر الباطل في صورة الحقّ فمذموم،و صاحبه في الدّارين ملوم.
و قد يسمّى الجدال مماراة كما في الآية(23)من سورة الكهف.(6:278)
ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ... النّساء:109
ابن عبّاس: خاصمتم عنهم فَمَنْ يُجادِلُ اللّهَ يخاصم اللّه عنهم.(79)
ص: 170
نحوه الواحديّ(2:113)،و البغويّ(1:699)، و الميبديّ(2:675).
إنّ نفرا من الأنصار غزوا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في بعض غزواته،فسرقت درع لأحدهم،فأظنّ بها رجل من الأنصار،فأتى صاحب الدّرع رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال:إنّ طعمة بن أبيرق سرق درعي.فلمّا رأى السّارق ذلك عمد إليها فألقاها في بيت رجل بريء،و قال لنفر من عشيرته:إنّي غيّبت الدّرع و ألقيتها في بيت فلان و ستوجد عنده.فانطلقوا إلى نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم ليلا،فقالوا:
يا نبيّ اللّه إنّ صاحبنا بريء و إنّ صاحب الدّرع فلان، و قد أحطنا بذلك علما،فأعذر صاحبنا على رءوس النّاس،و جادل عنه،فإنّه إن لم يعصمه اللّه بك يهلك.
فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فبرّأه و عذّره على رءوس النّاس، فأنزل اللّه: إِنّا أَنْزَلْنا إِلَيْكَ الْكِتابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النّاسِ بِما أَراكَ اللّهُ وَ لا تَكُنْ لِلْخائِنِينَ خَصِيماً*...
وَ لا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ... النّساء:
105-107.(ابن كثير 2:385)
الطّبريّ: ها أنتم الّذين جادلتم يا معشر من جادل، عن بني أبيرق في الحياة الدّنيا.و الهاء و الميم في قوله:
(عنهم)من ذكر الخائنين. فَمَنْ يُجادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يقول:فمن ذا يخاصم اللّه عنهم يوم القيامة،أي يوم يقوم النّاس من قبورهم لمحشرهم،فيدافع عنهم،ما اللّه فاعل بهم،و معاقبهم به.
و إنّما يعني بذلك أنّكم أيّها المدافعون عن هؤلاء الخائنين أنفسهم،و إن دافعتم عنهم في عاجل الدّنيا، فإنّهم سيصيرون في آجل الآخرة إلى من لا يدافع عنهم عنده أحد،فيما يحلّ بهم من أليم العذاب،و نكال العقاب.
(5:272)
نحوه الطّوسيّ.(3:320)
الزّجّاج: يعني به من احتجّ عن هذا السّارق فَمَنْ يُجادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أي في اليوم الّذي يؤخذ فيه بالحقائق،و أمر الدّنيا يقوم بالشّهادات في الحقوق.
و جائز أن تكون الشّهادة غير حقيقة،فكأنّه-و اللّه أعلم-قيل لهم:إن يقم الجدال في الدّنيا و التّغييب عن أمر هذا السّارق،فيوم القيامة لا ينفع فيه جدال و لا شهادة.(2:102)
القشيريّ: أي ندفع عنهم-بحرمتك-لأنّك فيهم، فكيف حالهم يوم القيامة،إذ زالت عنهم بركاتكم أيّها المؤمنون؟!(2:55)
الزّمخشريّ: هبوا أنّكم خاصمتم عن طعمة و قومه في الدّنيا،فمن يخاصم عنهم في الآخرة إذا أخذهم اللّه بعذابه.(1:562)
نحوه أبو الفتوح(6:106)،و الفخر الرّازيّ(11:
36)،و النّيسابوريّ(5:140)،و الخازن(1:495)، و أبو السّعود(2:194)،و البروسويّ(2:280)، و الآلوسيّ(5:141)،و القاسميّ(5:1539).
و مثله النّسفيّ(1:250)،و طنطاوي(3:78).
ابن عطيّة: المجادلة:المدافعة بالقول،و هي من فتل الكلام وليّه؛إذ الجدل:الفتل،و قوله تعالى: فَمَنْ يُجادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ وعيد محض،أي إنّ اللّه يعلم حقيقة الأمر فلا يمكن أن يلبس عليه بجدال و لا غيره،كما فعلتم بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم إذ هو بشر يقضي على نحو
ص: 171
ما يسمع.(2:110)
الطّبرسيّ: أي خاصمتم و دافعتم(عنهم)عن الخائنين.
فَمَنْ يُجادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ استفهام يراد به النّفي،لأنّه في معنى التّقريع و التّوبيخ،أي لا مجادل عنهم و لا شاهد على براءتهم بين يدي اللّه يوم القيامة.
و في هذه الآية النّهي عن الدّفع عن الظّالم و المجادلة عنه.
(2:107)
أبو حيّان :الخطاب للّذين يتعصّبون لأهل الرّيب و المعاصي،و يندرج في هذا العموم أهل النّازلة.و الأظهر أن يكون ذلك خطابا للمتعصّبين في قصّة طعمة، و يندرج فيه من عمل عملهم،و يقوّي ذلك أنّ(هؤلاء) إشارة إلى حاضرين.و قرأ عبد اللّه(عنه)في الموضعين، أي عن طعمة.
و في قوله: فَمَنْ يُجادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ و عيد محض،أي أنّ اللّه يعلم حقيقة الأمر فلا يمكن أن يلبس عليه بجدال و لا غيره.و معنى هذا الاستفهام النّفي،أي لا أحد يجادل اللّه عنهم يوم القيامة إذا حلّ بهم عذابه.(3:345)
ابن كثير :أي هب أنّ هؤلاء انتصروا في الدّنيا بما أبدوه أو أبدي لهم عند الحكّام الّذين يحكمون بالظّاهر و هم متعبّدون بذلك،فما ذا يكون صنيعهم يوم القيامة بين يدي اللّه تعالى الّذي يعلم السّرّ و ما أخفى؟(2:388)
المراغيّ: أي يا هؤلاء أنتم جادلتم عنهم،و حاولتم تبرئتهم في الحياة الدّنيا،فمن يجادل اللّه عنهم يوم القيامة،يوم يكون الخصم و الحاكم هو اللّه تعالى المحيط بأعمالهم و احوالهم و احوال الخلق كافّة؟
أي فلا يمكن أن يجادل هناك أحد عنهم،و لا أن يكون وكيلا بالخصومة لهم،فعلى المؤمنين أن يراقبوا اللّه تعالى في مثل ذلك،و لا يظنّوا أنّ من أمكنه أن ينال الفوز و الحكم له و أخذه من قضاة الدّنيا بغير الحقّ،يمكنه أن يظفر به في الآخرة يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً وَ الْأَمْرُ يَوْمَئِذٍ لِلّهِ الانفطار:19.
في الآية إيماء إلى أنّ حكم الحاكم في الدّنيا لا يجيز للمحكوم له أن يأخذ به إذا علم أنّه حكم له بغير حقّه، كما أنّ فيها توبيخا و تقريعا لأولئك الّذين أرادوا مساعدة بني أبيرق على اليهوديّ.(5:150)
الطّباطبائيّ: بيان لعدم الجدوى في الجدال عنهم، و أنّهم لا ينتفعون بذلك في صورة الاستفهام،و المراد أنّ الجدال عنهم لو نفعهم فإنّما ينفعهم في الحياة الدّنيا، و لا قدر لها عند اللّه.و أمّا الحياة الأخرويّة الّتي لها عظيم القدر عند اللّه،أو ظرف الدّفاع فيها يوم القيامة، فلا مدافع هناك عن الخائنين،و لا مجادل عنهم.بل لا وكيل يومئذ يتكفّل تدبير أمورهم و إصلاح شئونهم.
(5:74)
عبد الكريم الخطيب :هو استدعاء لأولئك الّذين يتولّون الظّالمين،و يمكنون لهم من إمضاء مكرهم السّيّئ، و تغطية ما ينكشف عنه،و ذلك بالدّفاع عنهم،و تبرير أعمالهم المنكرة،و التماس التّأويلات الكاذبة لها.
فهؤلاء الّذين يقومون وراء الظّالمين هم شركاء لهم في هذا الجرم،و هم مدعوّون إلى ساحة المحاكمة و القصاص بين يدي أحكم الحاكمين.و في هذا الموقف تخرس ألسنة هؤلاء الأولياء المدافعين عن الظّلم
ص: 172
و الظّالمين،و يتعرّى أولئك الظّالمون من كلّ قوّة تدفع عنهم سوء ما عملوا.(3:891)
مكارم الشّيرازيّ: بعد ذلك تتوجّه الآية بالحديث عن شخص السّارق الّذي تمّ الدّفاع عنه،و تقول بأنّه على فرض أن يتمّ الدّفاع عن هؤلاء في الدّنيا فمن يستطيع الدّفاع عنهم يوم القيامة،أو من يقدر أن يكون لهؤلاء وكيلا ليرتّب أعمالهم و يحلّ مشاكلهم؟!حيث تقول الآية: ها أَنْتُمْ هؤُلاءِ جادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَياةِ الدُّنْيا فَمَنْ يُجادِلُ اللّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلاً. و لذلك فإنّ الدّفاع عن هؤلاء الخونة في الدّنيا ليس له أثر إلاّ القليل،لأنّهم سوف لا يجدون أبدا من يدافع عنهم أمام اللّه،في الحياة الآخرة الخالدة.
و الحقيقة هي أنّ الآيات الثّلاث الأخيرة تحمل في البداية إرشادات إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و إلى كلّ قاض يريد أن يحكم بالحقّ،بأن ينتبهوا حتّى يفوّتوا الفرصة على أولئك الّذين يريدون انتهاك حقوق الآخرين،عبر وسائل مصطنعة و شهود مزوّرين.بعد ذلك تحذّر الآية الخائنين و من يدافع عنهم،بأن ينتظروا عواقب سيّئة لأعمالهم في هذه الدّنيا و في الآخرة أيضا.
و في تلك الآيات سرّ من أسرار البلاغة القرآنيّة؛ حيث إنّها أحاطت جميع جوانب القضيّة،و أعطت الإرشادات و التّحذيرات اللاّزمة في كلّ مورد،مع أنّ موضوع القضيّة يبدو موضوعا صغيرا بحسب الظّاهر؛إذ يدور حول درع مسروقة أو موادّ غذائيّة،أو يهوديّ من أعداء الإسلام.
و قد تناولت الآية أيضا الإشارة إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم الّذي يعتبر إنسانا معصوما عن الخطإ،كما أشارت إلى الأفراد الّذين يحترفون الخيانة،أو الّذين يدافعون عن الخائنين اندفاعا وراء عصبيّات قبليّة،إشارات تتناسب و منزلة الأشخاص المشار إليهم،في الآيات المذكورة.
(3:385)
1- ...وَ يُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ... الكهف:56
ابن عبّاس: و يخاصم.(249)
الطّبريّ: و يخاصم الّذين كذّبوا باللّه و رسوله بالباطل،و ذلك كقولهم للنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم:أخبرنا عن حديث فتية ذهبوا في أوّل الدّهر لم يدر ما شأنهم،و عن الرّجل الّذي بلغ مشارق الأرض و مغاربها،و عن الرّوح، و ما أشبه ذلك،ممّا كانوا يخاصمونه به،يبتغون إسقاطه، تعنيتا له صلّى اللّه عليه و سلّم.(15:267)
نحوه المراغيّ.(15:167)
الطّوسيّ: أي يناظر الكفّار دفعا عن مذاهبهم بالباطل.و ذلك أنّهم ألزموه أن يأتيهم أو يريهم العذاب على ما توعّدهم ما هو لاحق بهم،إن أقاموا على كفرهم.
(7:61)
نحوه أبو الفتوح.(12:371)
الواحديّ: جدالهم بالباطل:أنّهم ألزموه أن يأتي بالآيات على أهوائهم،على ما كانوا يقترحون.
(3:154)
نحوه ابن الجوزيّ.(5:159)
ص: 173
الزّمخشريّ: و جدالهم:قولهم للرّسل: ما أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا يس:15، وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً المؤمنون:24،و ما أشبه ذلك.(2:489)
مثله أبو حيّان(6:139)،و نحوه النّسفيّ(3:17)، و الخازن(4:177).
الطّبرسيّ: أي و يناظر الكفّار دفعا عن مذاهبهم بالباطل.(3:477)
القرطبيّ: كانوا يجادلون في الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم،فيقولون:
ساحر و مجنون و شاعر و كاهن،كما تقدّم.(11:6)
البيضاويّ: باقتراح الآيات بعد ظهور المعجزات، و السّؤال عن قصّة أصحاب الكهف و نحوها تعنّتا.
(2:17)
مثله أبو السّعود(4:198)،و المشهديّ(6:72).
الشّربينيّ: أي يجدّدون الجدال كلّما أتاهم أمر من قبلنا.(2:387)
الكاشانيّ: مثل قولهم للأنبياء: ما أَنْتُمْ إِلاّ بَشَرٌ مِثْلُنا يس:15، وَ لَوْ شاءَ اللّهُ لَأَنْزَلَ مَلائِكَةً المؤمنون:24،و اقتراحهم الآيات بعد ظهور المعجزات إلى غير ذلك.(3:247)
الآلوسيّ: [نحو الكاشانيّ و أضاف:]
و تقييد الجدال بالباطل لبيان المذموم منه،فإنّه-كما مرّ غير بعيد-عامّ لغة،لا خاصّ بالباطل،ليحمل ما ذكر على التّجريد.و المراد به هنا معناه اللّغويّ،و ما يطلق عليه اصطلاحا ممّا يصدق عليه ذلك.(15:302)
طنطاوي: [نحو البيضاويّ و أضاف:]
مع أنّ الأنبياء لم يرسلوا لهذا،أي لم يرسلوا للبحث عن غرائب التّاريخ و لا غيرها.و لكنّهم جاءوا ليدرّبوا النّاس على العلم من طرقه،و طرقه هي النّظر في الّذي فوق هذه الأرض من عجائب،فليدرسوها و لا يتّخذوها للشّهوات فحسب،ثمّ ليتزوّدوا من الدّنيا ليسافروا إلى الآخرة.هذا هو المقصود و قد تقدّم ذلك، فهؤلاء الكافرون يجادلون بالباطل.(9:134)
مغنيّة:أوضح اللّه الحقّ،و أثبته بالبيّنات و الدّلائل،و لكنّ الّذين كفروا خاصموه و جادلوا فيه، و حاولوا إبطاله و دحضه بالمماراة و الأكاذيب،و بالهزء و السّخريّة.(5:140)
عبد الكريم الخطيب :بيان لموقف المعاندين الضّالّين،من دعوة الرّسل،و أنّهم يلقون رسالة اللّه، و دعوة الرّسل بالمراء و الجدل،و ليس بين أيديهم في هذا الجدل إلاّ الباطل،يرمون به في وجه الحقّ،يريدون به أن يدحضوه،أي يوقعوه و يهزموه.(8:637)
مكارم الشّيرازيّ: و من أجل طمأنة الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم في مقابل صلافة و عناد أمثال هؤلاء،تقول الآية:
وَ ما نُرْسِلُ الْمُرْسَلِينَ إِلاّ مُبَشِّرِينَ وَ مُنْذِرِينَ الكهف:56.
ثمّ تقول الآية:إنّ هذه القضيّة ليست جديدة،بل إنّ من واقع هؤلاء الأشخاص المعارضة و الاستهزاء بآيات اللّه: وَ يُجادِلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ وَ اتَّخَذُوا آياتِي وَ ما أُنْذِرُوا هُزُواً.
و في الحقيقة أنّ هذه الآية تشبه الآيات(42-45) من سورة الحجّ الّتي تقول: وَ إِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ وَ عادٌ وَ ثَمُودُ... إلى آخر الآيات.
ص: 174
و يحتمل في تفسير الآية أنّ اللّه تبارك و تعالى يريد أن يقول:إنّ عمل الأنبياء لا يقوم على الإجبار و الإكراه، بل إنّ مسئوليّتهم التّبشير و الإنذار،و القرار النّهائيّ مرتبط بنفس النّاس،حتّى يفكّروا بعواقب الكفر و الإيمان معا،حتّى يؤمنوا عن تصميم و إرادة و بيّنة،لا أن يلجئوا إلى الإيمان الاضطراريّ عند نزول العذاب الإلهيّ.
لكن،مع الأسف أن يساء استخدام هذه الحرّيّة و الاختيار،و الّذي هو وسيلة لتكامل الإنسان و رقيّه، عند ما يقوم أنصار الباطل بالجدال في مقابل أنصار الحقّ؛ إذ يريدون القضاء على الحقّ عن طريق الاستهزاء أو المغالطة.و لكن هناك قلوبا مستعدّة لقبول الحقّ دوما و التّسليم له،و إنّ هذا الصّراع بين الحقّ و الباطل كان و سيبقى على مدى الحياة.(9:272)
2- وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ. الحجّ:3
ابن عبّاس: النّضر بن الحارث يخاصم في دين اللّه و كتابه.(277)
نحوه سهل بن عبد اللّه.(الماورديّ 4:6)
يريد الوليد و عتبة بن ربيعة.(الواحديّ 3:258)
أنّها نزلت في النّضر بن الحارث،كان يكذّب بالقرآن،و يزعم أنّه أساطير الأوّلين،و يقول:ما يأتيكم به محمّد كما كنت أحدّثكم به عن القرون الماضية.
(الفخر الرّازيّ 23:5)
ابن جريج: نزلت في النّضر بن الحارث،و أبيّ بن خلف.(ابن عطيّة 4:107)
مقاتل: أنّه[النّضر بن الحارث]زعم أنّ الملائكة بنات اللّه.(ابن الجوزيّ 5:405)
أبو سليمان الدّمشقيّ: أنّه[النّضر بن الحارث] قال:لا يقدر اللّه على إحياء الموتى.
(ابن الجوزيّ 5:405)
الطّبريّ: من يخاصم في اللّه،فيزعم أنّ اللّه غير قادر على إحياء من قد بلي و صار ترابا،بغير علم منه، بل بجهل منه بما يقول.(17:115)
نحوه القاسميّ.(12:4323)
الماورديّ: فيه قولان:أحدهما:قول سهل بن عبد اللّه[و قد تقدّم].الثّاني:أن يرد النّصّ بالقياس.
(4:6)
الطّوسيّ: أي يخاصم في اللّه فيما يدعوهم إليه من توحيد اللّه،و نفي الشّرك عنه،بغير علم منه بل للجهل المحض.[إلى أن قال:]
و ذلك يدلّ على أنّ المجادل في نصرة الباطل مذموم، و أنّ من جادل بعلم و وضع الحجّة موضعها بخلافه.
(7:290)
نحوه الطّبرسيّ.(4:71)
القشيريّ: المجادلة للّه مع أعداء الحقّ و جاحدي الدّين.من موجبات القربة،و المجادلة في اللّه،و المماراة مع أوليائه،و الإصرار على الباطل بعد ظهور الدّلائل من أمارات الشّقوة،و ما كان بوساوس الشّيطان و نزغاته فقصاراه النّار.(4:201)
الواحديّ: قال المفسّرون:نزلت في النّضر بن الحارث،كان كثير الجدال،و كان ينكر أنّ اللّه قادر على
ص: 175
إحياء من بلي.[إلى أن قال:]
و المعنى أنّه يخاصم في قدرة اللّه،و يزعم أنّه غير قادر على البعث بغير علم في ذلك.(3:258)
نحوه القرطبيّ.(12:5)
البغويّ: نزلت في النّضر بن الحارث،و كان كثير الجدل،و كان يقول:الملائكة بنات اللّه،و القرآن أساطير الأوّلين،و كان ينكر البعث و إحياء من صار ترابا.
(3:324)
مثله أبو الفتوح(13:298)،و البيضاويّ(2:85)، و النّسفيّ(3:93)،و الخازن(5:3)،و الكاشانيّ(3:
362)،و المشهديّ(6:461)،و طه الدّرّة(9:148، و نحوه الميبديّ(6:331).
الزّمخشريّ: [نحو البغويّ و أضاف:]
و هي عامّة في كلّ من تعاطى الجدال فيما يجوز على اللّه،و ما لا يجوز من الصّفات و الأفعال،و لا يرجع إلى علم و لا يعضّ فيه بضرس قاطع،و ليس فيه اتّباع للبرهان و لا نزول على النّصفة،فهو يخبط خبط عشواء، غير فارق بين الحقّ و الباطل.(3:5)
نحوه ابن عطيّة(4:107)،و أبو حيّان(6:351)، و أبو السّعود(4:366)،و البروسويّ(6:4)،و الآلوسيّ (17:114)،و المراغيّ(17:85،86).
الفخر الرّازيّ: في قوله: وَ مِنَ النّاسِ وجهان:
الأوّل:أنّهم الّذين ينكرون البعث،و يدلّ عليه قوله: أَ وَ لَمْ يَرَ الْإِنْسانُ أَنّا خَلَقْناهُ مِنْ نُطْفَةٍ... يس:
77،و أيضا فإنّ ما قبل هذه الآية وصف البعث و ما بعدها في الدّلالة على البعث،فوجب أن يكون المراد من هذه المجادلة هو المجادلة في البعث.
الثّاني:أنّها نزلت في النّضر بن الحارث.[إلى أن قال:]
المسألة الثّانية:هذه الآية بمفهومها تدلّ على جواز المجادلة الحقّة،لأنّ تخصيص المجادلة مع عدم العلم بالدّلائل يدلّ على أنّ المجادلة مع العلم جائزة،فالمجادلة الباطلة هي المراد من قوله: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً الزّخرف:58،و المجادلة الحقّة هي المراد من قوله:
وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:125.(23:5)
النّيسابوريّ: ثمّ أراد أن يحتجّ على منكري البعث،فقدّم لذلك مقدّمة تشمل أهل الجدال كلّهم، فقال: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ نظيره وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يَقُولُ البقرة:8،و قد مرّ إعرابه في أوّل البقرة.
و معنى(فى اللّه)في شأن اللّه،و فيما يجوز عليه و ما لا يجوز من الصّفات و الأفعال،و يفهم من قوله:(بغير علم)أنّ المعارف كلّها ليست ضروريّة،و أنّ المذموم من الجدال هو هذا القسم،و أمّا الجدال الصّادر عن العلم و التّحقيق فمحمود،مأمور به في قوله: وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:125.(17:77)
ابن جزيّ: نزلت في النّضر بن الحارث،و قيل:في أبي جهل،و هي تتناول كلّ من اتّصف بذلك.(3:35)
ابن كثير :يقول تعالى ذامّا لمن كذّب بالبعث و أنكر قدرة اللّه على إحياء الموتى،معرضا عمّا أنزل اللّه على أنبيائه،متّبعا في قوله و إنكاره و كفره كلّ شيطان مريد من الإنس و الجنّ.و هذا حال أهل البدع و الضّلال المعرضين عن الحقّ المتّبعين للباطل،يتركون ما أنزله اللّه
ص: 176
على رسوله من الحقّ المبين،و يتّبعون أقوال رءوس الضّلالة الدّعاة إلى البدع بالأهواء و الآراء،و لهذا قال في شأنهم و أشباههم: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ، أي علم صحيح.(4:613)
الشّربينيّ: وَ مِنَ النّاسِ أي المذبذبين مِنَ لا يسعى في إعلاء نفسه و تهذيبها فيكذّب،فيؤبق بسوء عمله،لأنّه يُجادِلُ فِي اللّهِ أي في قدرته على ذلك اليوم و في غير ذلك،بعد أن جاءه العلم بها اجتراء على سلطانه العظيم.(2:537)
عزّة دروزة :و في هاتين الآيتين[الحجّ 3 و 4] إشارة تنديديّة إلى الّذين يجادلون في وجود اللّه و ربوبيّة الشّاملة،و استحقاقه وحده للعبادة بغير علم و لا برهان،اتّباعا لوسوسة كلّ شيطان متمرّد،يضلّ من يتّبعه عن طريق الحقّ،و يوصله إلى عذاب السّعير.
و قد روى المفسّرون أنّ الآيتين نزلتا في النّضر بن الحارث،أحد أشدّاء مجادلي كفّار قريش.و هذا الشّخص تكرّر اسمه في مناسبة كثير من المواقف الجدليّة الّتي حكتها الآيات المكّيّة.
و أسلوب الآيتين تنديديّ عامّ من جهة،و فيهما قرينة على أنّ التّنديد فيهما موجّه إلى فريق من الكفّار الّذين يسيرون في مواقفهم الجحوديّة و الجدليّة،وراء تلقين زعماء كفّار من جهة ثانية.و هما تعقيب بيانيّ على المطّلع فيما هو المتبادر من جهة ثالثة.فقد احتوى المطّلع هتافا بالنّاس ليتّقوا اللّه من اليوم العظيم،فجاءت الآيتان تذكر موقف بعض النّاس الضّالّين الّذين يجادلون في اللّه، و يستمعون إلى وساوس الشّياطين.
و فيهما على كلّ حال صورة من صور المواقف الجدليّة التّعجيزيّة الّتي لا يسندها منطق و لا حقّ و لا برهان،و الّتي كان يقفها الكفّار من الدّعوة النّبويّة، بتأثير زعماء الضّلال و المناوأة الّذين يمكن أن يكونوا قصدوا في جملة«كلّ شيطان مريد»من جهة رابعة.
و هذا لا يمنع بالطّبع أن يكون في الآيتين إشارة إلى شخص وقف موقفا جدليّا تعجيزيّا قبل نزول السّورة، فكان ذلك مناسبة لهذه الإشارة.
و لقد انطوى في الآيتين مع خصوصيّتهما الزّمنيّة تلقين قويّ مستمرّ المدى و الشّمول،بتقبيح من يتّصف بالصّفات المذكورة فيهما و تقبيح هذه الصّفات،و الحثّ على اجتنابها ممّا تكرّر في مناسبات عديدة مماثلة.
(7:75)
الطّباطبائيّ: المجادلة في اللّه بغير علم:التّكلّم فيما يرجع إليه تعالى من صفاته و أفعاله بكلام مبنيّ على الجهل بالإصرار عليه.(14:342)
مكارم الشّيرازيّ: بعد أن أعطت الآيات السّابقة صورة لرعب النّاس حين وقوع زلزلة القيامة،أبانت الآيات اللاحقة حالة أولئك الّذين نسوا اللّه،و كيف غفلوا عن مثل هذا الحدث العظيم،فقالت: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ.
نجد هؤلاء النّاس يجادلون مرّة في أساس التّوحيد و وحدانيّة الحقّ تبارك و تعالى،و في إنكار وجود شريك له.و مرّة يجادلون في قدرة اللّه على إحياء الموتى، و في البعث و النّشور،و لا دليل لهم على ما يقولون.
قال بعض المفسّرين:إنّ هذه الآية نزلت في النّضر
ص: 177
ابن الحارث الّذي كان من المشركين المعاندين،و كان يصرّ على القول بأنّ الملائكة بنات اللّه،و أنّ القرآن مجموعة من أساطير السّلف تنسب إلى اللّه،كما كان ينكر الحياة بعد الموت.
و البعض الآخر من المفسّرين يعتقد أنّ هذه الآية إشارة إلى جميع المشركين الّذين يجادلون في التّوحيد و في قدرة اللّه.
إلاّ أنّ سبب النّزول لا يمكنه أن يضيّق مفهوم هذه الآية،فهذان القولان يصبّان في معنى واحد،يشمل جميع الّذين يشتركون في جدال مع اللّه تعالى،إمّا عن تقليد أعمى،و إمّا عن عصبيّة،أو لاتّباع الخرافات أو الأهواء النّفسيّة.
رغم أنّ كلمة«المجادلة»تعني في عرف النّاس البحث غير المنطقيّ،فإنّ أصلها اللّغويّ ليس كذلك بل تعني أيّ نقاش كان،لهذا نرى القرآن يوصي النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم بقوله:
وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:125،أي جادل مخالفيك بأفضل أسلوب.
يرى بعض كبار المفسّرين أنّ عبارة يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ إشارة إلى جدال المشركين الّذي يفتقد السّند و الدّليل،و عبارة وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ إشارة إلى برامج المشركين الخاطئة.
و يرى آخرون أنّ العبارة الأولى تشير إلى اعتقاداتهم الفاسدة و الخرافيّة.أمّا العبارة الثّانية فتشير إلى برامجهم الخاطئة و المنحرفة.
و بما أنّ الآية الّتي تسبق و الّتي تلي هذه الآية،تناولتا الأسس الاعتقاديّة،فلا يستبعد أنّهما تشيران إلى حقيقة واحدة،أو بتعبير آخر:تتضمّنان طرفي موضوع واحد-نفيه و اثباته-فالعبارة الأولى تقول: يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ أي يجادل في اللّه و قدرته تقليدا لأحد،أو عصبيّة،أو هوى نفس.و العبارة الثّانية تشير إلى أنّ هذا المشرك لا يتّبع العلم و المعرفة،إذن فمن الطّبيعيّ أنّه يتّبع كلّ شيطان طاغ عنيد.(10:249)
3- وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ. الحجّ:8
ابن عبّاس: يخاصم في دين اللّه و كتابه.(277)
إنّه أبو جهل بن هشام.(الزّمخشريّ 3:6)
مثله القمّيّ.(2:79)
نحوه البروسويّ.(6:9)
الطّبريّ: و من النّاس من يخاصم في توحيد اللّه و إفراده بالألوهة بغير علم منه بما يخاصم به.[إلى أن قال:]
و ذكر أنّه عني بهذه الآية و الّتي بعدها النّضر بن الحارث،من بني عبد الدّار.(17:120)
أبو مسلم:الآية الأولى[الحجّ:3]واردة في الأتباع المقلّدين،و هذه الآية واردة في المتبوعين المقلّدين،فإنّ كلا المجادلين جادل بغير علم و إن كان أحدهما تبعا و الآخر متبوعا.(الفخر الرّازيّ 23:11)
نحوه ابن كثير(4:618)،و أبو السّعود(4:370).
ص: 178
الطّوسيّ: من يخاصم و يجادل في اللّه و صفاته بغير علم بل للجهل المحض.
(وَ لا هُدىً) أي و لا حجّة، (وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ) أي و لا حجّة كتاب ظاهر.
و هذا يدلّ أيضا على أنّ الجدال بالعلم صواب، و بغير العلم خطأ،لأنّ الجدال بالعلم يدعو إلى الاعتقاد الحقّ،و بغير العلم يدعو إلى الاعتقاد الباطل،و لذلك قال تعالى: وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:125.
(7:294)
البغويّ: يعني النّضر بن الحارث.(3:325)
مثله أبو الفتوح.(13:301)،و الخازن(5:4)
الميبديّ: أي في صفاته،فيصفه بغير ما هو له.
نزلت في النّضر بن الحارث،و قيل:في أبي جهل،و قيل:
في المشركين.(6:335)
نحوه النّسفيّ.(3:94)
الزّمخشريّ: قيل:كرّر كما كرّرت سائر الأقاصيص.و قيل:الأوّل[الحجّ:3]في المقلّدين،و هذا في المقلّدين.(3:6)
نحوه النّيسابوريّ.(17:81)
ابن عطيّة: الإشارة بقوله: وَ مِنَ النّاسِ إلى القوم المتقدّم ذكرهم[في الآية الثّالثة]
و حكى النّقّاش عن محمّد بن كعب أنّه قال:نزلت الآية في الأخنس بن شريق،و كرّر هذه على جهة التّوبيخ،فكأنّه يقول:فهذه الأمثال في غاية الوضوح و البيان، وَ مِنَ النّاسِ مع ذلك مَنْ يُجادِلُ فكأنّ الواو واو الحال،و الآية المتقدّمة[الحجّ:3]الواو فيها واو عطف جملة الكلام على ما قبلها،و الآية على معنى الإخبار،و هي هاهنا مكرّرة للتّوبيخ.(4:109)
الفخر الرّازيّ: اختلفوا في أنّ المراد بقوله: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ... من هم؟على وجوه:
أحدها:[ذكر قول أبي مسلم و أضاف:]
و بيّن ذلك قوله: وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ فإنّ مثل ذلك لا يقال في المقلّد،و إنّما يقال فيمن يخاصم بناء على شبهة.
فإن قيل:كيف يصحّ ما قلتم و المقلّد لا يكون مجادلا.
قلنا:قد يجادل تصويبا لتقليده،و قد يورد الشّبهة الظّاهرة إذا تمكّن منها و إن كان معتمده الأصليّ هو التّقليد.
ثانيها:إنّ الآية الأولى[الحجّ:3]نزلت في النّضر ابن الحارث،و هذه الآية في أبي جهل.
ثالثها:إنّ هذه الآية نزلت أيضا في النّضر،و هو قول ابن عبّاس رضي اللّه عنهما،و فائدة التّكرير المبالغة في الذّمّ،و أيضا ذكر في الآية الأولى[الحجّ:3]اتّباعه للشّيطان تقليدا بغير حجّة،و في الثّانية[الحجّ:8] مجادلته في الدّين و إضلاله غيره بغير حجّة.و الوجه الأوّل أقرب لما تقدّم.
المسألة الثّانية:الآية دالّة على أنّ الجدال مع العلم و الهدى و الكتاب المنير حقّ حسن على ما مرّ تقريره.
[في الحجّ:3](23:11)
الرّازيّ: فإن قيل:كيف قال تعالى في حقّ النّضر ابن الحارث: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ... لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ و هو ما كان غرضه في جداله الضّلال عن
ص: 179
سبيل اللّه،فكيف علّل جداله به و ما كان أيضا مهتديا، حتّى إذا جادل خرج بالجدال من الهدى إلى الضّلال؟
قلنا:هذه لام العاقبة و الصّيرورة،و قد سبق ذكرها غير مرّة،و لمّا كان الهدى معرضا له فتركه و أعرض عنه و أقبل على الجدال بالباطل،جعل كالخارج من الهدى إلى الضّلال.(مسائل الرّازيّ:232)
القرطبيّ: أي نيّر بيّن الحجّة.نزلت في النّضر بن الحارث،و قيل:في أبي جهل بن هشام،قاله ابن عبّاس.
و المعظم على أنّها نزلت في النّضر بن الحارث كالآية الأولى،فهما في فريق واحد.
و التّكرير للمبالغة في الذّمّ؛كما تقول للرّجل تذمّه و توبّخه:أنت فعلت هذا،أنت فعلت هذا.
و يجوز أن يكون التّكرير،لأنّه وصفه في كلّ آية بزيادة،فكأنّه قال:إنّ النّضر بن الحارث يجادل في اللّه بغير علم و يتّبع كلّ شيطان مريد،و النّضر بن الحارث يجادل في اللّه من غير علم و من غير هدى و كتاب منير، ليضلّ عن سبيل اللّه.و هو كقولك:زيد يشتمني و زيد يضربني،و هو تكرار مفيد،قاله القشيريّ.و قد قيل:
نزلت فيه بضع عشرة آية.
فالمراد بالآية الأولى:إنكاره البعث،و بالثّانية:
إنكاره النّبوّة،و أنّ القرآن منزل من جهة اللّه.
و قد قيل:كان من قول النّضر بن الحارث:أنّ الملائكة بنات اللّه،و هذا جدال في اللّه تعالى.
(من)في موضع رفع بالابتداء.و الخبر في قوله:
(وَ مِنَ النّاسِ) .(12:15)
البيضاويّ: تكرير للتّأكيد،و لما نيط به من الدّلالة بقوله: وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ على أنّه لا سند له من الاستدلال أو وحي،أو الأوّل[الحجّ:3]في المقلّدين و هذا في المقلّدين.(2:86)
نحوه شبّر.(4:228)
ابن جزيّ: نزلت فيمن نزلت فيه الأولى[الحجّ:
3].و قيل:في الأخنس بن شريق.(3:36)
أبو حيّان :[نحو القرطبيّ و نقل كلام ابن عطيّة و أضاف:]
و لا يتخيّل أنّ الواو في وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ واو حال،و على تقدير الجملة الّتي قدّرها قبله لو كان مصرّحا بها لم يتقدّر باد فلا تكون للحال،و إنّما هي للعطف،قسّم المخذولين إلى مجادل في اللّه بغير علم متّبع لشيطان مريد،و مجادل بغير علم و لا هدى و لا كتاب منير إلى آخره،و عابد ربّه على حرف.و المراد بالعلم:
العلم الضّروريّ،و بالهدى:الاستدلال و النّظر،لأنّه يهدي إلى المعرفة،و بالكتاب المنير:الوحي،أي يجادل بغير واحد من هذه الثّلاثة.(6:354)
الشّربينيّ: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ أي بغاية جهده، فِي اللّهِ أي في قدرته،و ما يجمعه هذا الاسم الشّريف من صفاته بعد هذا البيان الّذي لا مثل له و لا خفاء فيه.(2:539)
الآلوسيّ: نزلت على ما روي عن محمّد بن كعب في الأخنس بن شريق،و على ما روي عن ابن عبّاس في أبي جهل،و على ما ذهب إليه جمع في النّضر كالآية السّابقة[الحجّ:3].فإذا اتّحد المجادل في الآيتين فالتّكرار مبالغة في الذّمّ،أو لكون كلّ من الآيتين مشتملة على
ص: 180
زيادة ليست في الأخرى.[ثمّ نقل قول ابن عطيّة و قال:] «و هو كما ترى».(17:122)
القاسميّ: أي يجادل في شأنه تعالى من غير تمسّك بعلم ضروريّ،و لا باستدلال و نظر صحيح يهدي إلى المعرفة،و لا بوحي مظهر للحقّ،أي بمجرّد الرّأي و الهوى.
و هذه الآية في حال الدّعاة إلى الضّلال من رءوس الكفر المقلّدين-بفتح اللاّم-كما أنّ ما قبلها[الحجّ:3]في حال الضّلاّل الجهّال المقلّدين-بكسر اللاّم-فلا تكرار.
أو أنّهما في الدّعاة المضلّين،و اعتبر تغاير أوصافهم فيها، فلا تكرار أيضا.(12:4326)
نحوه المراغيّ.(17:91)
عزّة دروزة :في هذه الآيات إشارة تنديديّة أخرى إلى فريق آخر من النّاس يجادل و يكابر في اللّه و آياته.[إلى أن قال:]
و قد روى المفسّرون أنّ هذه الآيات نزلت في النّضر بن الحارث،و منهم من روى أنّها نزلت في أبي جهل،و منهم من روى أنّها عنتهما.
و المتبادر أنّها استمرار في السّياق،و قد احتوت صورة الفريق الّذي يصدّ غيره و يوسوس لغيره،بينما احتوت الآيتان(3،4)صورة الفريق الّذي يتّبع غيره و يتأثّر بوسوسة غيره.و أسلوبها تنديديّ كأسلوب الآيتين المذكورتين.
و هذا لا يمنع بطبيعة الحال أن تكون احتوت،إشارة إلى موقف جدليّ خاصّ وقفه أحد زعماء الكفّار قبل نزول السّورة،بل لا بدّ من أن يكون الأمر كذلك،لأنّها تنطوي على مشهد واقعيّ.
و مع خصوصيّة الآيات،فإنّها هي الأخرى تحتوي تلقينات جليلة مستمرّة المدى و عامّة الشّمول،بتقبيح المكابرة في الحقّ،و الاستكبار عليه،و صدّ النّاس عنه، و تقبيح المتّصفين بهذه الصّفات.(7:78)
الطّباطبائيّ: [نحو أبي مسلم و أضاف:]
و هو كذلك بدليل قوله هنا ذيلا لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللّهِ و قوله هناك: وَ يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ.
و الإضلال من شأن المقلّد بفتح اللاّم،و الاتّباع من شأن المقلّد بكسر اللاّم.(14:348)
مكارم الشّيرازيّ: تتحدّث هذه الآيات أيضا عمّن يجادلون في المبدإ و المعاد جدالا خاويا لا أساس له...في البداية يقول القرآن المجيد: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ....
و عبارة وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ هي ذاتها الّتي ذكرت في الآية السّابقة،و إعادتها تبيّن لنا أنّ العبارة الأولى إشارة إلى مجموعة من النّاس،و الثّانية إلى مجموعة أخرى.فبعض المفسّرين يرى أنّ الفرق بين هاتين المجموعتين من النّاس هو أنّ الآية السّابقة الذّكر دالّة على وضع الضّالّين الغافلين،في وقت تكون فيه هذه الآية دالّة على قادة هذه المجموعة الضّالّة.
و عبارة لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِهِ تبيّن منهج هذه المجموعة،ألا و هو تضليل الآخرين،و هذا دليل واضح على الفرق بينهما،مثلما توضح هذا المعنى عبارة يَتَّبِعُ كُلَّ شَيْطانٍ مَرِيدٍ في الآيات السّابقة الّتي تتحدّث عن اتّباع الشّياطين.(10:260)
ص: 181
و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: وَ مِنَ النّاسِ مَنْ يُجادِلُ فِي اللّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَ لا هُدىً وَ لا كِتابٍ مُنِيرٍ
لقمان:20.
4- ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ. المؤمن:4
ابن عبّاس: ما يكذّب بمحمّد عليه الصّلاة و السّلام و القرآن.(393) أبو العالية :آيتان ما أشدّهما على الّذين يجادلون في القرآن: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا، و وَ إِنَّ الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِي الْكِتابِ لَفِي شِقاقٍ بَعِيدٍ البقرة:176.(البغويّ 4:104)
السّدّيّ: ما يماري فيها.(الماورديّ 5:143)
يحيى بن سلاّم:ما يجحد بها.(الماورديّ 5:143)
الطّبريّ: ما يخاصم في حجج اللّه و أدلّته على وحدانيّته بالإنكار لها،إلاّ الّذين جحدوا توحيده.
(24:42)
مثله القاسميّ.(14:5155)
الماورديّ: في الفرق بين المجادلة و المناظرة وجهان:
أحدهما:أنّ المجادلة لا تكون إلاّ بين مبطلين،أو مبطل و محقّ،و المناظرة بين محقّين.
الثّاني:أنّ المجادلة فتل الشّخص عن مذهبه محقّا أو مبطلا،و المناظرة التّوصّل إلى الحقّ في أيّ من الجهتين كان.
و قيل:إنّه أراد بذلك الحارث بن قيس السّهميّ، و كان أحد المستهزئين.(5:143)
نحوه الميبديّ.(8:449)
الطّوسيّ: معناه لا يخاصم في دفع حجج اللّه و إنكارها و جحدها إلاّ الّذين يجحدون نعم اللّه و يكفرون بآياته و أدلّته.(9:55)
نحوه الطّبرسيّ(4:514)،و أبو الفتوح(17:8)، و المشهديّ(9:94).
الواحديّ: ما يخاصم فيها بالتّكذيب و في دفعها بالباطل إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا. (4:4)
نحوه ابن الجوزيّ.(7:207)
البغويّ: في دفع آيات اللّه بالتّكذيب و الإنكار إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا. (4:104)
نحوه النّسفيّ(4:70)،و الخازن(6:73)،و طه الدّرّة(12:507).
الزّمخشريّ: سجّل على المجادلين في آيات اللّه بالكفر،و المراد:الجدال بالباطل من الطّعن فيها،و القصد إلى إدحاض الحقّ و إطفاء نور اللّه،و قد دلّ على ذلك في قوله: وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ.
فأمّا الجدال فيها لإيضاح ملتبسها و حلّ مشكلها، و مقادحة أهل العلم في استنباط معانيها،و ردّ أهل الزّيغ بها و عنها،فأعظم جهاد في سبيل اللّه.و قوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ جدالا في القرآن كفر»و إيراده منكّرا،و إن لم يقل:إنّ الجدال تمييز منه بين جدال و جدال.(3:414)
نحوه القرطبيّ(15:292)،و البيضاويّ(2:330).
ابن عطيّة: يريد جدالا باطلا،لأنّ الجدال فيها يقع من المؤمنين لكن في إثباتها و شرحها.(4:546)
ص: 182
الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه تعالى لمّا قرّر أنّ القرآن كتاب أنزله ليهتدى به في الدّين،ذكر أحوال من يجادل لغرض إبطاله و إخفاء أمره،فقال: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا و فيه مسائل:
المسألة الأولى:أنّ الجدال نوعان:جدال في تقرير الحقّ،و جدال في تقرير الباطل.
أمّا الجدال في تقرير الحقّ،فهو حرفة الأنبياء عليهم السّلام، قال تعالى لمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم: وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:125،و قال حكاية عن الكفّار أنّهم قالوا لنوح عليه السّلام: يا نُوحُ قَدْ جادَلْتَنا فَأَكْثَرْتَ جِدالَنا هود:32.
و أمّا الجدال في تقرير الباطل،فهو مذموم،و هو المراد بهذه الآية؛حيث قال: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا، و قال: ما ضَرَبُوهُ لَكَ إِلاّ جَدَلاً بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ الزّخرف:58،و قال: وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ المؤمن:5،و قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ جدالا في القرآن كفر».
فقوله:إنّ«جدالا»على لفظ التّنكير يدلّ على التّمييز بين جدال و جدال،و اعلم أنّ لفظ الجدال في الشّيء:مشعر بالجدال الباطل،و لفظ الجدال عن الشّيء:مشعر بالجدال لأجل تقريره و الذّبّ عنه، قال صلّى اللّه عليه و سلّم:«إنّ جدالا في القرآن كفر»،و قال:«لا تماروا في القرآن فإنّ المراء فيه كفر».
المسألة الثّانية:الجدال في آيات اللّه،هو أن يقال مرّة:إنّه سحر و مرّة إنّه شعر و مرّة إنّه قول الكهنة و مرّة أساطير الأوّلين و مرّة إنّما يعلّمه بشر،و أشباه هذا ممّا كانوا يقولونه من الشّبهات الباطلة،فذكر تعالى أنّه لا يفعل هذا إلاّ الّذين كفروا و أعرضوا عن الحقّ.
(27:29)
نحوه النّيسابوريّ(24:26)،و أبو حيّان(7:449).
ابن كثير :يقول تعالى:ما يدفع الحقّ و يجادل فيه بعد البيان و ظهور البرهان إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا.
(6:123)
الشّربينيّ: أي يخاصم و يماري أي يفتل الأمور إلى مراده فِي آياتِ اللّهِ أي في إبطال أنوار الملك الأعظم، المحيط بصفات الكمال،الدّالّ كالشّمس على أنّه تعالى إليه المصير،بأن يغشّ نفسه بالشّكّ في ذلك إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا. (3:268)
أبو السّعود :أي بالطّعن فيها،و استعمال المقدّمات الباطلة لإدحاض الحقّ،كقوله تعالى: وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ. (5:407)
نحوه شبّر.(5:332)
الكاشانيّ: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّهِ بالطّعن فيها و إدحاض الحقّ، إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا.
في«الإكمال»عن النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم قال:«لعن المجادلون في دين اللّه على لسان سبعين نبيّا و من جادل في آيات اللّه فقد كفر»ثمّ تلا هذه الآية.
و روي عنه صلّى اللّه عليه و سلّم«أنّ جدالا في القرآن كفر».و إنّما نكّر لجواز الجدال،لحلّ عقده و استنباط حقائقه،و قطع تشبّث أهل الزّيغ به،و ردّ مطاعنهم فيه.(4:334)
البروسويّ: الجدال:المفاوضة على سبيل المنازعة و المغالبة،و أصله من جدلت الحبل:أحكمت فتله،فكأنّ
ص: 183
المتجادلين يفتل كلّ واحد الآخر عن رأيه.
و المعنى ما يخاصم في آيات اللّه بالطّعن فيها،بأن يقول في حقّها سحرا و شعرا و أساطير الأوّلين أو نحو ذلك،و باستعمال المقدّمات الباطلة لإدحاضه و إزالته و إبطاله،لقوله تعالى: وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ فحمل المطلق على المقيّد،و أريد الجدال بالباطل إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بها،و أمّا الّذين آمنوا فلا يخطر ببالهم شائبة شبهة منها فضلا عن الطّعن فيها.
و أمّا الجدال فيها لحلّ مشكلاتها و استنباط حقائقها و إبطال شبه أهل الزّيغ و الضّلال،فمن أعظم الطّاعات كجهاد في سبيل اللّه،و لذلك قال عليه السّلام:«إنّ جدالا في القرآن كفر»بتنكير«جدالا»الدّالّ على التّنويع للفرق بين جدال و جدال.
و ممّا حرّره حضرة شيخي و سندي في مجموعة من مجموعات هذا الفقير في ذيل هذه الآية،قوله:فكفّار الشّريعة يجادلون في آيات القرآن الرّسميّ،فيكون جدالهم رسميّا،لكونه في الآيات الرّسميّة،فهم كفّار الرّسوم كما أنّهم كفّار الحقائق.و كفّار الحقيقة يجادلون في آيات القرآن الحقيقيّ،فيكون جدالهم حقيقيّا،لكونه في الآيات الحقيقيّة فهم كفّار الحقائق فقط لا كفّار الرّسوم.
فعليك يا ولدي الحقّيّ-سمّي الذّبيح-بترك الكفر و الجدال مطلقا حتّى تكون عند اللّه و عند النّاس مؤمنا حقّا و مسلما صدقا.(8:153)
الآلوسيّ: [نحو ما تقدّم عن الزّمخشريّ و أضاف:]
و التّحقيق كما في«الكشف»أنّ المجادلة في الشّيء تقتضي أن يكون ذلك الشّيء إمّا مشكوكا عند المجادلين أو أحدهما أو منكرا كذلك،و أيّا ما كان فهو مذموم،اللّهمّ إلاّ إذا كان من موحّد لخارج عن الملّة أو من محقّق لزائغ إلى البدعة،فهو محمود بالنّسبة إلى أحد الطّرفين.
و أمّا ما قيل:إنّ البحث فيها لإيضاح الملتبس و نحوه جدال عنها لا فيها،فإنّ الجدال يتعدّى ب«عن»إذا كان للمنع و الذّبّ عن الشّيء،و ب«في»لخلافه كما ذكره الامام،و ب«الباء»أيضا،كما في قوله تعالى: وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:125،ففيه بحث.
و في قوله تعالى: فِي آياتِ اللّهِ دون«فيه» بالضّمير العائد إلى الكتاب،دلالة على أنّ كلّ آية منه يكفي كفر المجادلة،فكيف بمن ينكره كلّه و يقول فيه ما يقول!و فيه أنّ كلّ آية منه آية أنّه من اللّه تعالى الموصوف بتلك الصّفات،فيدلّ على شدّة شكيمة المجادل في الكفر،و أنّه جادل في الواضح الّذي لا خفاء به،و ممّا ذكر يظهر اتّصال هذه الآية بما قبلها،و ارتباط قوله:
فَلا يَغْرُرْكَ تَقَلُّبُهُمْ فِي الْبِلادِ بها.(24:43)
عزّة دروزة :و جملة ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّهِ إِلاَّ الَّذِينَ كَفَرُوا في الآية الرّابعة تضمّنت تقرير كون الّذين يجادلون في آيات اللّه و ينكرونها هم الّذين تعمّدوا العناد،و بيّتوا الكفر و المكابرة فقط؛حيث انطوى في ذلك معنى محكم يصحّ أن يزال على ضوئه إشكال ما يرد مطلقا في آيات أخرى،و انطوى فيه تبعا لذلك تحميل الكافرين مسئوليّة موقفهم الّذي يقفونه عن عمد و باطل.
و قد انطوى في هذا و ذاك في الوقت نفسه تسلية و تطمين للنّبيّ عليه السّلام،و تعنيف قارع للكفّار،و كلّ هذا ممّا
ص: 184
استهدفته الآيات.و في السّور السّابقة آيات و عبارات انطوى فيها ذلك ممّا يصحّ أن يعدّ من المبادئ القرآنيّة المحكمة.
و يلفت النّظر إلى ما بين هذه المقدّمة و بين آيات السّورة السّابقة الأخيرة من تساوق تأكيديّ في صدد غفران الذّنوب و قبول التّوبة،و تقرير كون كلمة العذاب إنّما حقّت على الكافرين المكابرين،الكاذبين على اللّه المكذّبين بآياته،ممّا يمكن أن يكون قرينة ما على صحّة ترتيب نزول هذه السّورة بعد سورة الزّمر.(5:104)
الطّباطبائيّ: لمّا ذكر تنزيل الكتاب و أشار إلى الحجّة الباهرة على حقّيّته،المستفادة من صفاته الكريمة المعدودة في الآيتين،الدّالّة على أنّه منزّل بعلمه الّذي لا يشوبه جهل،و بالحقّ الّذي لا يدحضه باطل،تعرّض لحال الّذين قابلوا حججه الحقّة بباطل جدالهم،فلوّح إلى أنّ هؤلاء أهل العقاب و ليسوا بفائتين و لا مغفولا عنهم، فإنّهم كما نزّل الكتاب ليغفر الذّنب و يقبل التّوب،كذلك نزّله ليعاقب أهل العقاب فلا يسوؤنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم جدالهم و لا يغرّنّه ما يشاهده من حالهم.
فقوله: ما يُجادِلُ فِي آياتِ اللّهِ لم يقل:ما يجادل فيه،أي في القرآن،ليدلّ على أنّ الجدال في الحقّ الّذي تدلّ عليه الآيات بما هي آيات،على أنّ طرف جدالهم هو النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و هو داع إلى الحقّ تدلّ عليه الآيات، فجدالهم لدفع الحقّ لا للدّفاع عن الحقّ؛على أنّ الجدال في الآية التّالية مقيّدة بالباطل لإدحاض الحقّ.
فالمراد بالمجادلة في آيات اللّه هي المجادلة لإدحاضها و دفعها و هي المذمومة،و لا تشمل الجدال لإثبات الحقّ و الدّفاع عنه،كيف؟و هو سبحانه يأمر نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم بذلك إذا كان جدالا بالّتي هي أحسن،قال تعالى: وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ النّحل:125.(17:305)
مكارم الشّيرازيّ: «يجادل»مشتقّة من«جدل» و هي في الأصل تعني لفّ الحبل و إحكامه،ثمّ عمّ استخدامها في الأبنية و الحديد و ما شابه،و لهذا فإنّ كلمة «مجادلة»تطلق على الّذين يقفون في قبال أحدهم الآخر؛ إذ يريد كلّ شخص أن يلقي حجّته،و يثبت كلامه، و يغلب خصمه.
و لكن ينبغي الانتباه إلى أنّ كلمة«المجادلة»لا تعتبر مذمومة دائما من وجهة اللّغة العربيّة،بل إنّها تعتبر إيجابيّة و مطلوبة إذا كانت المجادلة في طريق الحقّ، و تستند على المنطق و تهدف إلى تبيين الحقائق و إرشاد الأشخاص الجهلة،أمّا إذا كانت على أسس واهية من أسباب التّعصّب و الجهل و الغرور،و تستهدف خداع هذا و ذاك،فتكون عند ذلك مذمومة.
القرآن الكريم استخدم كلمة«المجادلة»في كلا مورديها،إذ نقرأ في الآية:«125»من سورة النّحل قوله تعالى: وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.
إلاّ أنّه في موارد أخرى،كما في الآية أعلاه و فيما بعدها،فقد وردت«المجادلة»بمعنى الذّمّ...
لقد وردت كلمة«المجادلة»خمس مرّات في هذه السّورة المباركة،و هي جميعا تختصّ بالمجادلة السّلبيّة الباطلة،و الآيات الّتي اشتملت على ذكر المجادلة هي «4،5،35،56،69»و بهذه المناسبة لا بأس بالتّعرّض
ص: 185
إلى بحث عن«الجدال»ينطلق من وجهة النّظر القرآنيّة.
«الجدال»و«المراء»موضوعان وردا كثيرا في الآيات القرآنيّة،و في الأحاديث و الرّوايات الإسلاميّة أيضا.و كتوطئة للبحث ينبغي أوّلا أن نميّز أقسام الجدال «الجدال الإيجابيّ و الجدال السّلبيّ»و ما هو المقصود من كلّ واحد منهما،و علائم كلّ واحد منهما،و أخيرا أضرار «الجدال السّلبيّ»و العوامل الّتي تقود إلى الغلبة في «الجدال الإيجابيّ».
و في هذا الصّدد أمامنا النّقاط و العناوين الآتية:
الجدال و المراء و الخصام ثلاث كلمات متقاربة من حيث المعنى،في نفس الوقت الّذي يوجد ثمّة اختلاف بينها.
فالجدال يعني في الأصل اللّغويّ:لفّ الحبل،ثمّ أخذ يطلق بعد ذلك على الطّرف المقابل،و على الكلام الّذي يقال لأجل الغلبة.
«مراء»على وزن«حجاب»و تعني الكلام في شيء ما فيه مرية أو شكّ.
أمّا الخصومة و المخاصمة فهي تعني في الأصل إمساك شخصين كلّ منهما للآخر من خاصرته،ثمّ أطلقت بعد ذلك على التّشاجر اللّفظيّ و الأخذ و الرّدّ في الكلام.
و كما يقول العلاّمة المجلسيّ في«بحار الأنوار»:فإنّ الجدال و المراء أكثر ما يستخدمان في القضايا العلميّة، في حين تستخدم المخاصمة في الأمور و التّعاملات الدّنيويّة.
و يحدّد بعضهم الاختلاف بين الجدال و المراء في أنّ هدف«المراء»هو إظهار الفضل و الكمال،في حين أنّ «الجدال»يستهدف تعجيز و تحقير الطّرف المقابل.
و قالوا أيضا في الفرق بينهما:إنّ الجدال في القضايا العلميّة،و المراء أعمّ من ذلك.
و قالوا أخيرا:إنّ المراء ذو طابع دفاعيّ في قبال هجوم الخصم،بينما الجدال ذو طبيعة هجوميّة و دفاعيّة.
يظهر من الآيات القرآنيّة أنّ للفظ«الجدال»معاني واسعة،و هو يشمل كلّ أنواع الحديث و الكلام الحاصل بين الطّرفين،سواء كان إيجابيّا أم سلبيّا،ففي الآية:
«125»من سورة«النّحل»نقرأ أمر الخالق تبارك و تعالى لرسوله الكريم صلّى اللّه عليه و سلّم في قوله تعالى: وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ.
و في الآية:«74»من سورة«هود»نقرأ عن إبراهيم عليه السّلام: فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَ جاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ و الآية تشير إلى النّوع الإيجابيّ من المجادلة.
و لكن أغلب الإشارات القرآنيّة حول المجادلة تشير إلى النّوع السّلبيّ منها،كما نرى ذلك واضحا في سورة «المؤمن»الّتي نحن بصددها؛حيث أشارت إلى«المجادلة» بمعناها السّلبيّ خمس مرّات.
و في كلّ الأحوال يتبيّن أنّ البحث و الكلام و الاستدلال و المناقشة لأقوال الآخرين،إذا كان لإحقاق الحقّ و إبانة الطّريق و إرشاد الجاهل،فهو عمل مطلوب يستحقّ التّقدير،و قد يندرج أحيانا في قسم الوجوب.
ص: 186
فالقرآن لم يعارض أبدا البحث و النّقاش الاستدلاليّ و الموضوعيّ الّذي يستهدف إظهار الحقّ،بل حثّ ذلك في العديد من الآيات القرآنيّة.و في مواقف معيّنة طالب القرآن المعارضين بالإتيان بالدّليل و البرهان،فقال:
هاتُوا بُرْهانَكُمْ البقرة:111.
و في المواقف الّتي كانت تتطلّب إظهار البرهان و الدّليل،ذكر القرآن أدلّة مختلفة،كما نقرأ ذلك في آخر سورة«يس»حين جاء ذلك الرّجل إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و هو يمسك بيده عظما،فقال له سائلا: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ يس:78،فذكر القرآن عددا من الأدلّة على لسان الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم في قضيّة المعاد و قدرة الخالق على إحياء الموتى.
و في القرآن نماذج أخرى واضحة على الجدال الإيجابيّ،كما في الآية(258)من سورة البقرة،الّتي تعكس كلام إبراهيم عليه السّلام و أدلّته القاطعة أمام نمرود، و الآيات(47-54)من سورة«طه»تعكس تحاجج موسى و فرعون.
القرآن إذا ملئ بالأدلّة المختلفة الّتي أقامها الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم في مقابل عبدة الأصنام و المشركين و أصحاب الذّرائع.
و في الجانب الآخر يذكر القرآن الكريم نماذج أخرى من مجادلات أهل الباطل،لإثبات دعاواهم الباطلة من خلال استخدام السّفسطات الكلاميّة و الحجج الواهية، الّتي استهدفوا من خلالها إبطال الحقّ و غواية عوامّ النّاس.
إنّ السّخريّة و الاستهزاء و التّهديد و الافتراء و الإنكار الّذي لا يقوم على دليل،هي مجموعة من الأساليب الّتي يعتمدها الظّالمون الضّالّون إزاء الأنبياء و دعواتهم الكريمة،أمّا الاستدلال الممزوج بالعاطفة و الحبّ و الرّأفة بالنّاس،فهو أسلوب الأنبياء،رسل السّماء إلى الأرض.
في الرّوايات الإسلاميّة و التّاريخ الإسلاميّ آثار كثيرة و غنيّة عن مناظرات الرّسول الأكرم صلّى اللّه عليه و سلّم و أئمّة أهل البيت عليهم السّلام مع المعارضين،و إذا ما توفّر جهد معيّن على جمعها و تصنيفها فإنّها ستشكّل كتابا كبيرا و ضخما للغاية.و قد قام العلاّمة الشّيخ الطّبرسيّ (1)بجمع بعضها في كتابه«الاحتجاج».
و بالطّبع لم ينحصر مقام المجادلة بالّتي هي أحسن، و مناظرة الخصوم على المعصومين و حسب،و إنّما برزت قابليّات كبيرة من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أئمّة أهل البيت عليهم السّلام،ممّن كانت حججهم ترعب الخصوم.
و نلاحظ هنا أنّ الأئمّة عليهم السّلام كانوا يحثّون من يجدون فيه القدرة الكافية و المنطق القويّ المتين للقيام بهذه الوظيفة،و بدون أسلوب المجادلة الإيجابيّ قد تضعف جبهة الحقّ و يقوى عود خصومها،و يجدون في أنفسهم الجرأة في مواجهة الحقّ و التّمادي في عنادهم.
و في هذا الاتّجاه نقرأ في حديث،أنّ أحد أصحاب الإمام الصّادق عليه السّلام يلقّب ب«الطّيّار»و يدعى حمزة بن محمّد جاء إلى الإمام الصّادق و قال له:«بلغني أنّك كرهت مناظرة النّاس»فأجابه الإمام عليه السّلام بقوله:«أمّا.
ص: 187
مثلك فلا يكره،من إذا طار يحسن أن يقع،و إن وقع يحسن أن يطير،فمن كان هذا لا نكرهه».
كلام جميل يشير بوضوح كاف إلى القوّة و المتانة في قدرة الاستدلال و المناظرة لدى الشّخص المعنيّ «الطّيّار»،و في الكلام أيضا إشارة إلى ضرورة الاستعداد و بذل الجهد لمن يريد خوض المناظرة مع الخصوم،كي يكون بمقدوره استخلاص النّتائج و إنهاء البحث، و التّهيّؤ لكافّة الاحتمالات المتوقّعة من الخصم،بمستوى من السّيطرة الكاملة على الموقف من البحوث الاستدلاليّة،حتّى لا يحسب ضعف منطقهم بأنّه بسبب ضعف دينهم و مذهبهم.
صحيح أنّ البحث و النّقاش هو مفتاح لحلّ المشاكل، إلاّ أنّ هذا الأمر يصحّ في حال رغبة الطّرفين في نشدان الحقّ و البحث عن الطّريق الصّحيح،أو على الأقلّ يكون أحد الطّرفين متمسّكا بالحقّ و مستهدفا السّبيل إليه فيما يخوض من نقاش و مناظرة.
أمّا أن يكون النّقاش و الجدل بين الطّرفين بهدف التّفاخر و استعراض القوّة،و فرض الرّأي على الطّرف الثّاني عن طريق إثارة الضّجّة،فإنّ عاقبة هذا الأمر لا تكون سوى الابتعاد عن الحقّ و عشعشة الظّلمة في القلوب،و تجذّر العداء و الحقد لا غير؛و لهذا السّبب نهت الرّوايات و الأحاديث الإسلاميّة عن المراء و الجدال الباطل،و في هذه المرويّات إشارات كبيرة المعنى إلى الآثار السّيّئة لهذا النّوع من الجدال.
ففي حديث عن أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب نقرأ قوله عليه السّلام:«من ضنّ بعرضه فليدع المراء»لأنّ في هذا النّوع من النّقاش سوف ينحدر بالكلام تدريجيّا،ليصل إلى مناحي الاستهانة و عدم الاحترام و تبادل الكلام المبتذل القبيح،و ترامي الاتّهامات الباطلة.
و في حديث آخر عن أمير المؤمنين أيضا نقرأ وصيّته عليه السّلام؛إذ يقول:«إيّاكم و المراء و الخصومة فإنّهما يمرضان القلوب على الإخوان،و ينبت عليهما النّفاق».
إنّ مثل هذا النّوع من الجدال و الّذي يكون عادة فاقدا للالتزام بالأصول الصّحيحة للبحث و الاستدلال، سيقوّي روح اللّجاجة و التّعصّب و العناد لدى الأشخاص؛بحيث يستخدم كلّ طرف-بهدف التّغلّب على خصمه و الانتصار لنفسه-كلّ الأساليب حتّى تلك الّتي تنطوي على الكذب و التّهمة،و مثل هذا العمل لا يمكن أن تكون عاقبته إلاّ السّوء و الحقد،و تنمية جذور النّفاق في الصّدور.
إنّ واحدة من المفاسد الكبيرة الأخرى للجدال السّلبيّ المنهيّ عنه،هو تمسّك الطّرفين بانحرافاتهم و أخطائهم و إصرارهم على اشتباهاتهم،في موقف عنيد بعيد عن الحقّ و الصّواب؛ذلك لأنّ كلّ طرف يحاول ما استطاع التّمسّك بأيّ دليل و التّشبّث بالباطل، لفرض رأيه و إثبات كلامه،و هو في ذلك مستعدّ لأن يتجاهل الكلام الحقّ الّذي يصدر من خصمه،أو أنّه ينظر إليه بعدم الرّضا و القبول.و هذا بحدّ ذاته يزيد من الانحراف و الاشتباه و الخطأ.
لا يستهدف«الجدال الإيجابيّ»تحقير الطّرف الآخر
ص: 188
أو الانتصار عليه،من خلال إحراز التّفوّق أو الغلبة،بل هو يهدف الدّخول إلى عمق أفكاره و روحه،لهذا فإنّ أسلوب المجادلة بالّتي هي أحسن يختلف كلّيّا عن الجدال السّلبيّ أو الباطل.
و لكي يؤثّر الطّرف المجادل معنويّا على الطّرف الآخر،عليه الاستفادة من الأساليب الآتية الّتي أشار إليها القرآن الكريم بشكل جميل:
1-ينبغي عدم الإصرار على الطّرف المقابل بقبول الكلام على أنّه هو الحقّ،بل على المجادل إذا استطاع أن يجعل الطّرف المقابل يعتقد بأنّه هو الّذي توصّل إلى هذه النّتيجة،و هذا الأسلوب سيكون أكثر تأثيرا.بعبارة أخرى:من المفيد للطّرف المقابل أن يعتقد بأنّ النّتيجة أو الفكرة نابعة من أعماقه و هي جزء من روحه،كي يتمسّك بها أكثر و يذعن لها بشكل كامل.
و قد يكون هذا الأمر هو سرّ ذكر القرآن للحقائق المهمّة كالتّوحيد و نفي الشّرك و غير ذلك على شكل استفهام،أو أنّه بعد أن ينتهي من استعراض و ذكر أدلّة التّوحيد يقول: أَ إِلهٌ مَعَ اللّهِ النّمل:60.
2-يجب الامتناع عن كلّ ما يثير صفة العناد و اللّجاجة لدى الطّرف الآخر؛إذ يقول القرآن الكريم:
وَ لا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللّهِ الأنعام:108 كي لا يصرّ هؤلاء على عنادهم و يهينوا الخالق جلّ و علا بتافه كلامهم.
3-يجب مراعاة منتهى الإيضاح في النّقاش مع أيّ شخص أو أيّ مجموعة،كي يشعر الطّرف المقابل بأنّ المتحدّث إليه يبغي حقّا توضيح الحقائق لا غير،فعند ما يتحدّث القرآن عن مساوئ الخمر و القمار،فهو لا يتجاهل المنافع الثّانويّة المادّيّة و الاقتصاديّة الّتي يمكن أن يحصل عليها البعض منهما،فيقول: قُلْ فِيهِما إِثْمٌ كَبِيرٌ وَ مَنافِعُ لِلنّاسِ وَ إِثْمُهُما أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِما البقرة:219،إنّ هذا الطّراز من الحديث يحمل آثارا إيجابيّة كبيرة على المستمع.
4-يجب عدم الرّدّ بالمثل حيال المساوئ و الأحقاد الّتي قد تطفح من الخصم،بل يجب سلوك طريق الرّأفة و الحبّ و العفو ما استطاع الإنسان إلى ذلك سبيلا؛إذ إنّ الرّدّ بهذا الأسلوب الودود يحمل في مثل هذه الحالات تأثيرا كبيرا على معنويّات الطّرف الآخر و نفسيّته،و قد يدفع إلى تليين قلوب الأعداء المعاندين،كما يقول القرآن الكريم و يحثّ على ذلك: اِدْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَ بَيْنَهُ عَداوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ فصّلت:34.
إنّ الخلاصة الّتي يمكن أن ينتهي إليها القول،هي أنّ أيّ بحث متأمّل و فاحص في أسلوب نقاشات الأنبياء عليهم السّلام مع الأعداء و الظّالمين و الجبّارين،كما يعكسها القرآن الكريم،أو كما تعكسها تلك المناظرات العقائديّة بين رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أو أئمّة أهل البيت المعصومين و بين أعدائهم و خصومهم،ينتهي إلى دروس تربويّة في هذا المجال تطوي في تضاعيفها أدقّ الأساليب و الوسائل النّفسيّة الّتي تسهّل لنا النّفوذ إلى أعماق الآخرين.و بهذا الخصوص ينقل العلاّمة المجلسيّ في «بحار الأنوار» (1)رواية مفصّلة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم7.
ص: 189
يضمّنها مناظرة طويلة بين الرّسول صلّى اللّه عليه و سلّم و بين خمسة مجاميع مخاصمة هي:اليهود و النّصارى و الدّهريّين و الثّنويّين-أتباع عقديّة التّثنية في التّالية-و مشركي العرب،تنتهي بسبب الأسلوب الحكيم الجميل و المؤثّر الّذي استخدمه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إلى قبول هؤلاء بالحقّ، و إذعانهم و تسليمهم له.
إنّ هذه المناظرة بوصفها نموذجا،يمكن أن تكون لنا درسا بنّاء في مناظراتنا و أساليب جدلنا،و مناقشاتنا مع الآخرين.(15:171-181)
فَلَمّا ذَهَبَ عَنْ إِبْراهِيمَ الرَّوْعُ وَ جاءَتْهُ الْبُشْرى يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ. هود:74
ابن عبّاس: يخاصمنا في هلاك قوم لوط.(188)
نحوه مجاهد.(الطّبريّ 12:78)
قال الملك لإبراهيم:إن كان فيها خمسون يصلّون، رفع عنهم العذاب.(الطّبريّ 12:79)
سعيد بن جبير: لمّا جاء جبرئيل و من معه قالوا لإبراهيم: إِنّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ إِنَّ أَهْلَها كانُوا ظالِمِينَ العنكبوت:31،قال لهم إبراهيم:أ تهلكون قرية فيها أربعمائة مؤمن؟قالوا:لا،قال:أ فتهلكون قرية فيها ثلاثمائة مؤمن؟قالوا:لا،قال:أ فتهلكون قرية فيها مائتا مؤمن؟قالوا:لا،قال:أ فتهلكون قرية فيها أربعون مؤمنا؟قالوا:لا،قال:أ فتهلكون قرية فيها أربعة عشر مؤمنا؟قالوا:لا،و كان إبراهيم يعدّهم أربعة عشر بامرأة لوط،فسكت عنهم و اطمأنّت نفسه.(الطّبريّ 12:79)
نحوه قتادة(الطّبريّ 12:79)،و السّدّيّ(303)، و النّحّاس(3:366)،و القرطبيّ(9:79).
الحسن :يجادل رسلنا من الملائكة.و إنّه جادل الملائكة بأن قال لهم: إِنَّ فِيها لُوطاً العنكبوت:32، كيف تهلكونهم؟فقالت له الملائكة: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَ أَهْلَهُ العنكبوت:32.(الطّوسيّ 6:35)
الإمام الصّادق عليه السّلام: إنّ اللّه بعث أربعة أملاك بإهلاك قوم لوط:جبرئيل،و ميكائيل،و إسرافيل، و كرّوبيل،فمرّوا بإبراهيم عليه السّلام و هم متعمّمون،فسلّموا عليه فلم يعرفهم،و رأى هيئة حسنة،فقال:لا أخدم هؤلاء إلاّ أنا بنفسي.و كان صاحب أضياف،فشوى لهم عجلا سمينا حتّى أنضجه،ثمّ قرّبه إليهم،فلمّا وضعه بين أيديهم و رأى أيديهم لا تصل إليه،نكرهم و أوجس منهم خيفة.فلمّا رأى ذلك جبرئيل عليه السّلام حسر العمامة عن وجهه،فعرفه إبراهيم،فقال له:أنت هو؟قال:نعم.
و مرّت امرأته سارة،فبشّرها بإسحاق،و من وراء إسحاق يعقوب،قالت ما قال اللّه،و أجابوها بما في الكتاب.
فقال إبراهيم عليه السّلام:فيما جئتم؟قالوا:في هلاك قوم لوط،فقال لهم:إن كان فيها مائة من المؤمنين أ تهلكونهم؟ فقال له جبرئيل عليه السّلام:لا،قال:فإن كانوا خمسين؟قال:
لا،قال:فإن كانوا ثلاثين؟قال:لا،قال:فإن كانوا عشرين؟قال:لا،قال:فإن كانوا عشرا؟قال:لا، قال:فإن كانوا خمسة؟قال:لا،قال:فإن كان واحدا؟ قال:لا. قالَ إِنَّ فِيها... الآية.(العيّاشيّ 2:314)
ابن جريج:قال إبراهيم:أ تهلكونهم إن وجدتم فيها مائة مؤمن ثمّ تسعين،حتّى هبط إلى خمسة،قال:
ص: 190
و كان في قرية لوط أربعة آلاف.(الطّبريّ 12:80)
ابن إسحاق :إبراهيم جادل عن قوم لوط،ليردّ عنهم العذاب،فيزعم أهل التّوراة أنّ مجادلة إبراهيم إيّاهم،حين جادلهم في قوم لوط،ليردّ عنهم العذاب، إنّما قال للرّسل فيما يكلّمهم به:أ رأيتم إن كان فيهم مائة مؤمن أ تهلكونهم؟قالوا:لا،قال:أ فرأيتم إن كانوا تسعين؟قالوا:لا،قال:أ رأيتم إن كانوا ثمانين؟قالوا:لا، قال:أ فرأيتم إن كانوا سبعين؟قالوا:لا،قال:أ فرأيتم إن كانوا ستّين؟قالوا:لا،قال:أ فرأيتم إن كانوا خمسين؟ قالوا:لا،قال:أ فرأيتم إن كان رجلا واحدا مسلما؟ قالوا:لا،قال:فلمّا لم يذكروا لإبراهيم أنّ فيها مؤمنا واحدا: قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً... الآية،قالوا:
يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا هود:76.
(الطّبريّ 12:79)
نحوه حذيفة بن أبي اليمان.(أبو حيّان 5:245)
الفرّاء: لم يقل:جادلنا،و مثله في الكلام لا يأتي إلاّ بفعل ماض،كقولك:فلمّا أتاني أتيته.و قد يجوز:فلمّا أتاني أثب عليه،كأنّه قال:أقبلت أثب عليه.
و جداله إيّاهم أنّه حين ذهب عنه الخوف قال:
ما خطبكم أيّها المرسلون؟فلمّا أخبروه أنّهم يريدون قوم لوط،قال:أ تهلكون قوما فيهم لوط؟قالوا:نحن أعلم بمن فيها.(2:23)
الأخفش: (يجادلنا)بمعنى جادلنا.
(الطّوسيّ 6:35)
الجبّائيّ: جادلهم ليعلم بأيّ شيء استحقّوا عذاب الاستئصال،و هل ذلك واقع بهم لا محالة أم على سبيل الإخافة،ليرجعوا إلى الطّاعة؟(الطّوسيّ 6:36)
الطّبريّ: يخاصمنا.و زعم بعض أهل العربيّة من أهل البصرة أنّ معنى قوله:(يجادلنا)يكلّمنا،و قال:
لأنّ إبراهيم لا يجادل اللّه،إنّما يسأله و يطلب منه.و هذا من الكلام جهل،لأنّ اللّه تعالى ذكره،أخبرنا في كتابه أنّه يجادل في قوم لوط،فقول القائل:إبراهيم لا يجادل، موهما بذلك أنّ قول من قال في تأويل قوله: يُجادِلُنا:
يخاصمنا،أنّ إبراهيم كان يخاصم ربّه،جهل من الكلام، و إنّما كان جداله الرّسل على وجه المحاجّة لهم.و معنى ذلك:و جاءته البشرى يجادل رسلنا،و لكنّه لمّا عرف المراد من الكلام حذف الرّسل.(12:78)
الزّجّاج: يُجادِلُنا حكاية حال قد مضت، لأنّ(لمّا)جعلت في الكلام،لما قد وقع لوقوع غيره.
تقول:«لمّا جاء زيد جاء عمرو»و يجوز لمّا جاء زيد يتكلّم و عمرو،على ضربين:
أحدهما:أنّ«إن» (1)لمّا كانت شرطا للمستقبل وقع الماضي فيها في معنى المستقبل،نحو إن جاء زيد جئت.
و الوجه الثّاني-و هو الّذي أختاره-أن يكون حالا لحكاية قد مضت.
المعنى فلمّا ذهب عن إبراهيم الرّوع و جاءته البشرى أخذ يجادلنا في قوم لوط،و أقبل يجادلنا.
و لم يذكر في الكلام:أخذ و أقبل،لأنّ في كلّ كلام يخاطب به المخاطب معنى أخذ و أقبل إذا أردت حكاية الحال، لأنّك إذا قلت:قام زيد،دللت على فعل ماض،و إذات.
ص: 191
قلت:أخذ زيد يقول،دللت على حال ممتدّة،من أجلها ذكرت أخذ و أقبل.و كذلك جعل زيد يقول:كذا و كذا، و كرب يقول كذا و كذا.[إلى أن قال:]
و يروى أنّ مجادلته في قوم لوط أنّه قال للملائكة و قد أعلموه أنّهم مهلكوهم،فقال:أ رأيتم إن كان فيها خمسون من المؤمنين أ تهلكونهم معهم إلى أن بلغ خمسة، فقالوا:لا،فقال اللّه عزّ و جلّ: فَما وَجَدْنا فِيها غَيْرَ بَيْتٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ الذّاريات:36.(3:64)
الطّوسيّ: يُجادِلُنا تقديره:جعل يجادلنا، فجواب(لمّا)محذوف لدلالة الكلام عليه،لأنّ لمّا تقتضيه،و الفعل خلف منه.[إلى أن قال:]
و قوله:(يجادلنا)يحتمل معنيين:
أحدهما:يجادل رسلنا من الملائكة،في قول الحسن.
الثّاني:يسألنا في قوم لوط.و المعنى أنّه سأل اللّه،إلاّ أنّه استغنى بلفظ يُجادِلُنا لأنّه حرص في السّؤال حرص المجادل.(6:35)
نحوه أبو الفتوح الرّازيّ.(10:306)
الواحديّ: أي أقبل و أخذ يجادل رسلنا من الملائكة.[ثمّ نقل نحو ما مضى عن ابن إسحاق و أضاف:]
فهذا معنى جدال إبراهيم فى قوم لوط.(2:582)
نحوه البغويّ(2:457)،و الميبديّ(4:416)، و النّسفيّ(2:198)،و الخازن(3:198).
الزّمخشريّ: قوله: يُجادِلُنا كلام مستأنف دالّ على الجواب،و تقديره:اجترأ على خطابنا أو فطن لمجادلتنا أو قال:كيت و كيت،ثمّ ابتدأ فقال: يُجادِلُنا فِي قَوْمِ لُوطٍ.
و قيل:في يُجادِلُنا هو جواب(لمّا)و إنّما جيء به مضارعا لحكاية الحال.
و قيل:إنّ(لمّا)تردّ المضارع إلى معنى الماضي،كما تردّ(إن)الماضي إلى معنى الاستقبال.[ثمّ قال نحو الواحديّ](2:282)
نحوه البيضاويّ(1:475)،و ابن جزيّ(2:109)، و القاسميّ(9:3467).
ابن عطيّة: [نحو الزّجّاج و أضاف:]
و قد عدّ[إبراهيم]في بيت لوط امرأته فوجدهم ستّة بها،فطمع في نجاتهم،و لم يشعر أنّها من الكفرة، و كان ذلك من إبراهيم حرصا على إيمان تلك الأمّة و نجاتها.
و قد كثر اختلاف رواة المفسّرين لهذه الأعداد في قول إبراهيم عليه السّلام،و المعنى كلّه نحو ما ذكرته،و كذلك ذكروا أنّ قوم لوط كانوا أربعمائة ألف في خمس قرى.
و قالت فرقة:يجادلنا في مؤمني قوم لوط،و هذا ضعيف،و أمره بالإعراض عن المجادلة يقتضي أنّها إنّما كانت في الكفرة،حرصا عليهم.(3:192)
الطّبرسيّ: [نقل قول قتادة و الجبّائيّ ثمّ قال:]
و لمّا سألهم سؤال مستقص سمّي ذلك السّؤال:
جدالا،لأنّه خرج مخرج الكشف عن شيء غامض.
(3:180)
أبو البركات: و يُجادِلُنا جملة فعليّة في موضع نصب على الحال من الضّمير الّذي في«أقبل» و هو ضمير إبراهيم.
و قيل: يُجادِلُنا هو جواب(لمّا)و كان حقّ
ص: 192
الكلام:جادلنا،لأنّ جواب(لمّا)إنّما يكون ماضيا، فأقام المستقبل مقام الماضي،كما يجعل الماضي مقام المستقبل في الشّرط و الجزاء،و إن كان حقّه أن يكون مستقبلا.
و قيل:إنّما أقيم المضارع مقام الماضي على طريق حكاية،كقوله تعالى: وَ كَلْبُهُمْ باسِطٌ ذِراعَيْهِ الكهف:18؟فأعمل«باسطا»و هو لما مضى،لأنّه أراد حكاية الحال.(2:24)
الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ قوله: يُجادِلُنا أي يجادل رسلنا.
فإن قيل:هذه المجادلة إن كانت مع اللّه تعالى فهي جراءة على اللّه،و الجراءة على اللّه تعالى من أعظم الذّنوب،و لأنّ المقصود من هذه المجادلة إزالة ذلك الحكم،و ذلك يدلّ على أنّه ما كان راضيا بقضاء اللّه تعالى و أنّه كفر.و إن كانت هذه المجادلة مع الملائكة فهي أيضا عجيبة،لأنّ المقصود من هذه المجادلة أن يتركوا إهلاك قوم لوط.فإن كان قد اعتقد فيهم أنّهم من تلقاء أنفسهم يجادلون في هذا الإهلاك فهذا سوء ظنّ بهم،و إن اعتقد فيهم أنّهم بأمر اللّه جاءوا،فهذه المجادلة تقتضي أنّه كان يطلب منهم مخالفة أمر اللّه تعالى،و هذا منكر.
و الجواب من وجهين:
الوجه الأوّل:-و هو الجواب الإجماليّ-أنّه تعالى مدحه عقيب هذه الآية،فقال: إِنَّ إِبْراهِيمَ لَحَلِيمٌ أَوّاهٌ مُنِيبٌ هود:75،و لو كان هذا الجدل من الذّنوب لما ذكر عقيبه ما يدلّ على المدح العظيم.
و الوجه الثّاني:-و هو الجواب التفصيليّ-أنّ المراد من هذه المجادلة سعي إبراهيم في تأخير العذاب عنهم، و تقريره من وجوه:
الوجه الأوّل:أنّ الملائكة قالوا: إِنّا مُهْلِكُوا أَهْلِ هذِهِ الْقَرْيَةِ فقال إبراهيم:أ رأيتم لو كان فيها خمسون رجلا من المؤمنين أ تهلكونها؟قالوا:لا،قال:فأربعون؟ قالوا:لا،قال:فثلاثون؟قالوا:لا،حتّى بلغ العشرة قالوا:لا،قال:أ رأيتم إن كان فيها رجل مسلم أ تهلكونها؟قالوا:لا،فعند ذلك قال:إنّ فيها لوطا.و قد ذكر اللّه تعالى هذا في سورة العنكبوت،فقال: وَ لَمّا أَنْ جاءَتْ....
ثمّ قال: وَ لَمّا أَنْ جاءَتْ رُسُلُنا لُوطاً سِيءَ بِهِمْ وَ ضاقَ بِهِمْ ذَرْعاً وَ قالُوا لا تَخَفْ وَ لا تَحْزَنْ إِنّا مُنَجُّوكَ وَ أَهْلَكَ إِلاَّ امْرَأَتَكَ العنكبوت:33.فبان بهذا أنّ مجادلة إبراهيم عليه السّلام إنّما كانت في قوم لوط،بسبب مقام لوط فيما بينهم.
الوجه الثّاني:يحتمل أن يقال:إنّه عليه السّلام كان يميل إلى أن تلحقهم رحمة اللّه بتأخير العذاب عنهم،رجاء أنّهم ربّما أقدموا على الإيمان و التّوبة عن المعاصي،و ربّما وقعت تلك المجادلات بسبب أنّ إبراهيم كان يقول:إنّ أمر اللّه ورد بإيصال العذاب.و مطلق الأمر لا يوجب الفور بل يقبل التّراخي فاصبروا مدّة أخرى،و الملائكة كانوا يقولون:إنّ مطلق الأمر يقبل الفور،و قد حصلت هناك قرائن دالّة على الفور،ثمّ أخذ كلّ واحد منهم يقرّر مذهبه بالوجوه المعلومة،فحصلت المجادلة بهذا السّبب، و هذا الوجه عندي هو المعتمد.
الوجه الثّالث في الجواب:لعلّ إبراهيم عليه السّلام سأل عن
ص: 193
لفظ ذلك الأمر،و كان ذلك الأمر مشروطا بشرط، فاختلفوا في أنّ ذلك الشّرط هل حصل في ذلك القوم أم لا فحصلت المجادلة بسببه،و بالجملة نرى العلماء في زماننا يجادل بعضهم بعضا عند التّمسّك بالنّصوص، و ذلك لا يوجب القدح في واحد منها،فكذا هاهنا.
(18:29)
نحوه النّيسابوريّ.(12:46)
أبو حيّان :[ذكر كلام الزّمخشريّ ثمّ قال:]
و قيل:الجواب(يجادلنا)وضع المضارع موضع الماضي،أي جادلنا،و جاز ذلك لوضوح المعنى،و هذا أقرب الأقوال.
و قيل:(يجادلنا)حال من إبراهيم، وَ جاءَتْهُ حال أيضا أو من ضمير في(جاءته)،و جواب(لمّا) محذوف،تقديره:قلنا:يا إبراهيم أعرض عن هذا، و اختار هذا التّوجيه أبو عليّ.و قيل:الجواب محذوف، تقديره:ظلّ أو أخذ يجادلنا،فحذف اختصارا لدلالة ظاهر الكلام عليه.
و المجادلة قيل:هي سؤاله العذاب واقع بهم لا محالة أم على سبيل الإخافة ليرجعوا إلى الطّاعة.و قيل:تكلّما على سبيل الشّفاعة،و المعنى تجادل رسلنا.(5:245)
أبو السّعود :أي جادل رسلنا في شأنهم.و عدل إلى صيغة الاستقبال لاستحضار صورتها.أو طفق يجادلنا ظاهرة.و أمّا إن فسّرت ببشارة الولد أو بما يعمّها،فلعلّ سببيّتها لها من حيث إنّها تفيد زيادة اطمئنان قلبه،بسلامته و سلامة أهله كافّة.[ثمّ قال نحو ما تقدّم عن ابن إسحاق](3:335)
البروسويّ: أي جادل و خاصم رسلنا،لأنّه صرّح في سورة العنكبوت بكون المجادلة مع الرّسل.
و جيء بجواب(لمّا)مضارعا مع أنّه ينبغي أن يكون ماضيا،لكونها موضوعة للدّلالة على وقوع أمر في الماضي لوقوع غيره فيه،على سبيل الحكاية الماضية فِي قَوْمِ لُوطٍ في شأنهم و حقّهم،لرفع العذاب، جدال الضّعيف مع القويّ لا جدال القويّ مع الضّعيف بل جدال المحتاج الفقير مع الكريم الغنيّ،و جدال الرّحمة و المعاطفة و طلب النّجاة للضّعفاء و المساكين الهالكين.
و كان لوط ابن أخيه،و هو لوط بن آزور ابن آزر و إبراهيم بن آزر،و يقال:ابن عمّه،و سارة كانت أخت لوط،فلمّا سمعا بهلاك قوم لوط اغتمّا لأجل لوط، فطفق إبراهيم يجادل الرّسل حين قالوا:إنّا مهلكو أهل هذه القرية،فقال:أ رأيتم لو كان فيها خمسون رجلا.[و ذكر الأربعين و الثّلاثين حتّى بلغ]خمسة،قالوا:
لا،قال:أ رأيتم إن كان فيها رجل واحد مسلم أ تهلكونها؟قالوا:لا،فعند ذلك قال: إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَ أَهْلَهُ إِنَّ إِبْراهِيمَ لَأَوّاهٌ حَلِيمٌ التّوبة:114،غير عجول على الانتقام ممّن أساء إليه،اواه:كثير التّأوّه على الذّنوب و التّأسّف على النّاس.[إلى أن قال:]
فتبيّن أنّ رقّة القلب حملته على المجادلة فيهم رجاء أن يرفع عنهم العذاب و يمهلوا لعلّهم يحدثون التّوبة و الإنابة،كما حملته على الاستغفار لأبيه.
يقول الفقير:دلّت الآية على أنّ المجادلة وقعت في قوم لوط،و دلّت التّفاسير على أنّها وقعت في لوط نفسه
ص: 194
و المؤمنين معه.و لا تنافي بينهما،فإنّ عموم الرّحمة الّتي حملته عليها نشأة الأنبياء عليهم السّلام لا يميّز بين شخص و شخص،فإنّ الأمّة بالنّسبة إلى النّبيّ كالأولاد بالنّسبة إلى الأب،و كفرهم لا يرفع الرّحمة في حقّهم.و يدلّ عليه حال نوح مع ابنه كنعان كما وقفت عليه فيما سبق،و إنّما مجيء البشرى في حقّ قومه فقط فبقي الألم في حقّ الغير على حاله،و اتّصال القرابة بين إبراهيم و لوط يقتضي أن يكون قوم لوط في حكم قوم إبراهيم،فافهم.(4:164)
الآلوسيّ: أي يجادل رسلنا في حالهم و شأنهم، ففيه مجاز للإسناد،و كانت مجادلته عليه السّلام لهم ما قصّه اللّه سبحانه في قوله،في سورة العنكبوت: وَ لَمّا جاءَتْ... الآية،فقوله عليه السّلام: إِنَّ فِيها لُوطاً مجادلة، و عدّ ذلك مجادلة،لأنّ مآله على ما قيل:كيف تهلك قرية فيها من هو مؤمن غير مستحقّ للعذاب؟و لذا أجابوه بقولهم: نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ... هذا القدر من القول هو المتيقّن.[ثمّ نقل قول حذيفة المتقدّم و أضاف:]
و روي نحو ذلك عدّة روايات،اللّه تعالى أعلم بصحّتها.و فسّر بعضهم المجادلة بطلب الشّفاعة،و قيل:
هي سؤاله عن العذاب هل هو واقع بهم لا محالة أم على سبيل الإخافة ليرجعوا إلى الطّاعة؟
و أيّا ما كان ف(يجادلنا)جواب(لمّا)و كان الظّاهر «جادلنا»إلاّ أنّه عبّر بالمضارع لحكاية الحال الماضية و استحضار صورتها.و قيل:إنّ(لمّا)ك«لو»تقلب المضارع ماضيا،كما أنّ(إن)تقلب الماضي مستقبلا.
و قيل:الجواب محذوف،و هذه الجملة في موضع الحال من فاعله،أي أخذ أو أقبل مجادلا لنا.و آثر هذا الوجه الزّجّاج و لكنّه جعله مع حكاية الحال وجها واحدا.[و ذكر قوله في معنى الآية و أضاف:]
و صنيع الزّمخشريّ يدلّ على أنّهما وجهان،و تحقيقه على ما في«الكشف»أنّه إذا أريد استمرار الماضي فهو كما ذكره الزّجّاج،و إن أريد التّصوير المجرّد فلا.
و قيل:الجواب محذوف و الجملة مستأنفة استئنافا نحويّا أو بيانيّا و هي دليل عليه،و التّقدير:اجترأ على خطابنا أو فطن بمجادلتنا و قال:كيت و كيت،و اختاره في «الكشّاف».
و قيل:إنّ هذه الجملة-و كذا الجملة الّتي قبلها-في موضع الحال من(ابراهيم)على التّرادف أو التّداخل، و جواب(لمّا)قلنا:يقدّر قبل يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا هود:76،و أقرب الأقوال أوّلها.(12:103)
المراغيّ: و هذه المجادلة قد فصّلت في سورة العنكبوت 31 و 32،فجاء فيها: وَ لَمّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ [إلى الغابرين].
كما جاءت هذه المجادلة في الفصل الثّامن عشر من سفر التّكوين من التّوراة،ففيه:«إنّ الرّبّ ظهر لإبراهيم و هو جالس في باب الخيمة،فظهر له ثلاثة رجال فاستضافهم،و أتى لهم بعجل و خبز ملّة فأكلوا و بشّروه بالولد.فسمعت امرأته سارة فضحكت و تعجّبت لكبرها و انقطاع عادة النّساء عنها.فقال الرّبّ لإبراهيم:لما ذا ضحكت سارة،هل يستحيل على الرّبّ شيء؟ و انصرف الرّجال«أي الملائكة»من هناك و ذهبوا نحو سدوم«قرية قوم لوط»و إبراهيم لم يزل قائما أمام الرّبّ،فتقدّم إبراهيم و قال:أ فتهلك البارّ مع الأثيم؟
ص: 195
عسى أن يكون هناك خمسون بارّا في المدينة،أ فتهلك المكان و لا تصفح عنه من أجل الخمسين بارّا الّذين فيه؟ فقال الرّبّ:إن وجدت في سدوم خمسين بارّا فإنّي أصفح عن المكان كلّه من أجلهم،ثمّ كلّمه إبراهيم مثل هذا في خمسة و أربعين،ثمّ في أربعين ثمّ في ثلاثين ثمّ في عشرين ثمّ في عشرة،و الرّبّ يعده في كلّ من هذه الأعداد بأنّه من أجلهم لا يهلك القوم.و ذهب الرّبّ عند ما فرغ من الكلام مع إبراهيم إلى مكانه».
(12:61)
مغنيّة: قال جمهور المفسّرين و منهم الرّازيّ و صاحب«المنار»:لم يجادل إبراهيم من أجل قوم لوط، و إنّما جادل من أجل لوط،و أنّه خاف أن يصيبه ما يصيب قومه من العذاب،و استدلّ المفسّرون على ذلك بالآية:(32)من سورة العنكبوت: قالَ إِنَّ فِيها لُوطاً قالُوا نَحْنُ أَعْلَمُ بِمَنْ فِيها لَنُنَجِّيَنَّهُ وَ أَهْلَهُ إِلاَّ امْرَأَتَهُ كانَتْ مِنَ الْغابِرِينَ و الصّحيح أنّ هذه الآية لا تمتّ إلى مجادلة إبراهيم بصلة،و إنّما هي مجرّد إخبار منه بأنّ فيها لوطا،و لذا قالوا له:نحن أعلم بمن فيها.و الآية الّتي نفسّرها نصّ في المجادلة من أجل قوم لوط،لا من أجل لوط،بالإضافة إلى قوله تعالى: وَ إِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ هود:76،فالضّمير في(انّهم)و(آتيهم) يعودان إلى قوم لوط الّذين جادل إبراهيم فيهم و من أجلهم.
و لكنّ المفسّرين قالوا:إنّ المجادلة في قوم لوط جرأة على اللّه و إبراهيم عليه السّلام معصوم عن الذّنب،فلا بدّ أن تكون المجادلة في لوط،لا في قومه.
و يلاحظ أوّلا:لا فرق بين المجادلة في لوط،و في قومه،فإن كانت هذه جرأة فكذلك تلك.
ثانيا:إنّ المجادلة مع اللّه في دفع العذاب عن عباده أو تأخيره ليست من الذّنب و المعصية في شيء،بل العكس هو الصّحيح،لأنّ هذه المجادلة لا مخالفة فيها و لا نزاع، و إنّما هي من باب طلب الرّحمة من القويّ للضّعيف، و هذا الطّلب يدلّ على الحلم و الرّأفة،و لذا أثنى اللّه على إبراهيم بأجمل الثّناء،و وصفه بأنّه(حليم اوّاه منيب)بعد أن سأله الرّفق بقوم لوط.
ثالثا:إنّ إبراهيم جادل في قوم لوط ليكون على يقين من أنّهم بلغوا من التّمرّد الحدّ الّذي لا يرجى معه صلاحهم و هدايتهم،تماما كقوله: بَلى وَ لكِنْ لِيَطْمَئِنَّ قَلْبِي البقرة:260،و يؤكّد إرادة هذا المعنى قوله سبحانه: يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَ إِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ هود:76،أي لا تسألني يا إبراهيم في قوم لوط،فإنّهم مهلكون لا محالة، لإصرارهم على الشّرك و الفساد،و أيأس منهم و من توبتهم.(4:250)
عبد الكريم الخطيب :التّقدير:فلمّا ذهب عن إبراهيم الرّوع،أي الخوف،و جاءته البشرى ها هو ذا يجادلنا في قوم لوط!و في هذا إنكار على إبراهيم أن يقف في هذا الموقف،فيجادل عن قوم قد بلغوا من السّوء ما أنكرته الأرض عليهم.
ثمّ لا يكاد إبراهيم يأخذ في المجادلة حتّى يجيئه أمر اللّه يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا هود:76.
و لو جاء جواب(لمّا)فعلا ماضيا هكذا«جادلنا»
ص: 196
لما كان لهذا الأمر،في قوله تعالى: يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا هذا الوقع الصّادع على نفس إبراهيم، و لأفلت من يده ما كان ممسكا به من المجادلة،لأنّه كان قد جادل فعلا،و انتهى الأمر.
أمّا في هذه الحالة،فهو لا يزال يسأل ربّه العفو و الرّحمة لهؤلاء القوم،و لا تزال الكلمات على شفتيه.
فإذا سمع أمر اللّه بالإعراض عن هذا،أمسك لسانه و ابتلع ما كان يجري عليه من كلمات.
و في التّعبير عن مراجعة إبراهيم ربّه في قوم لوط بالجدل و تسميته جدلا،إشارة إلى أنّ ما كان من إبراهيم هو مجرّد جدل،و أنّ الجدل لا يثمر ثمرا نافعا،و لا يبلغ بصاحبه غاية.
و قد أشار القرآن الكريم إلى ما كان من إبراهيم في هذا المقام،فقال تعالى: وَ لَمّا جاءَتْ رُسُلُنا إِبْراهِيمَ... [إلى نحن أعلم بمن فيها]
و أنت ترى أنّ إبراهيم كان مجادلا للملائكة، و لم يكن مجادلا للّه.و لكنّهم إذ كانوا رسل اللّه،و الأمناء على ما أرسلوا به،فقد جعل جدله للملائكة جدلا للّه سبحانه و تعالى.و في هذا تكريم لرسل اللّه،و إضافة لهم إلى اللّه ربّ العالمين.(6:1174)
طه الدّرّة: يُجادِلُنا مضارع و الفاعل يعود إلى إبراهيم،و(نا)مفعول به،(فى قوم)متعلّقان بما قبلهما، و(قوم)مضاف،و(لوط)مضاف إليه،و جملة يُجادِلُنا... في محلّ نصب خبر ل«أخذ»محذوفا، و هو من أفعال الشّروع.أو هي في محلّ نصب حال، عامله محذوف،التّقدير:أقبل يجادلنا...و على هذين التّقدير فالجملة الفعليّة جواب(لمّا)لا محلّ لها.هذا و قيل:إنّ الجواب هو جملة يُجادِلُنا... على تأويل المضارع بالماضي،و(لمّا)و مدخولها كلام مستأنف لا محلّ له.(6:342)
مكارم الشّيرازيّ: إيضاح:هذه الصّفات المذكورة لإبراهيم في المجادلة تشير إلى أنّ مجادلته كانت ممدوحة؛و ذلك لأنّ إبراهيم لم يتّضح له أنّ أمر العذاب صادر من قبل اللّه بصورة قطعيّة،بل كان يحتمل أنّه لا يزال لهم حظّ في النّجاة،و يحتمل أنّهم سيرتدّون عن غيّهم و يتّعظون.و من هنا فما زال هناك مجال للشّفاعة لهم،فكان راغبا في تأخير العذاب و العقاب عنهم،لأنّه كان حليما،و مشفقا و أوّاها و منيبا إلى اللّه.
فعلى هذا قال بعضهم:إذا كانت مجادلة إبراهيم مع اللّه فلا معنى لها،و إذا كانت مع رسله فهم أيضا لا يستطيعون أن يفعلوا شيئا من أنفسهم،فعلى كلّ حال فالمجادلة هذه غير صحيحة.
و الجواب أنّه لا كلام في الحكم القطعيّ.أمّا لو كان الحكم غير قطعيّ فمع تغيير الظّروف و تبدّل الأوضاع يمكن تغييره،لأنّ طريق الرّجوع لم يزل مفتوحا، و بتعبير آخر فإنّ الأوامر في هذه الحالة مشروطة لا مطلقة.
و أمّا من احتمل أنّ المجادلة كانت مع الرّسل في شأن نجاة المؤمنين،استشهدوا على هذا القول بالآيتين(31، 32)من سورة العنكبوت وَ لَمّا جاءَتْ رُسُلُنا....
فهذا الاحتمال غير صحيح و لا ينسجم مع الآية الّتي تأتي بعدئذ،و هي محلّ بحثنا.
ص: 197
و تقول الآية:إنّ الرّسل قالوا لإبراهيم-مباشرة- أن أعرض عن اقتراحك،لأنّ أمر ربّك قد تحقّق، و العذاب نازل لا محالة يا إِبْراهِيمُ أَعْرِضْ عَنْ هذا إِنَّهُ قَدْ جاءَ أَمْرُ رَبِّكَ وَ إِنَّهُمْ آتِيهِمْ عَذابٌ غَيْرُ مَرْدُودٍ هود:76.
و التّعبير ب(ربّك)يدلّ على أنّ هذا العذاب ليس فيه جهة انتقاميّة فحسب،بل يدلّ أيضا على أنّه علامة لتربية العباد و إصلاح المجتمع الإنسانيّ.
[ثمّ ذكر رواية مجادلة إبراهيم عليه السّلام لرسل اللّه و أضاف:]
فمثل هذه الرّواية لا تدلّ بوجه مطلق على أنّ «المجادلة»كانت مثل هذا الكلام،بل هي في شأن المؤمنين،و هي منفصلة عن الكلام في الكافرين،و من هنا يتّضح أنّ الآيات الّتي وردت في سورة العنكبوت لا تنافي هذا التّفسير أيضا،فتأمّلوا بدقّة.(7:14)
1- ..وَ يُرْسِلُ الصَّواعِقَ فَيُصِيبُ بِها مَنْ يَشاءُ وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللّهِ وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ. الرّعد:13
ابن عبّاس: يخاصمون في دين اللّه مع محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم(206)
يكذّبون بعظمة اللّه.(الواحديّ 3:10)
أنس بن مالك: إنّها نزلت في رجل من الطّغاة جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يجادله،فقال:يا محمّد،ممّ ربّك أ من لؤلؤ أم ياقوت أم من ذهب أم من فضّة؟فأرسل اللّه عليه صاعقة،فذهبت بقحفه.(الطّوسيّ 6:231)
مثله مجاهد و عبد الرّحمن صحار العبديّ.(الطّوسيّ 6:231).و نحوه البغويّ(3:11).
قتادة: ذكر لنا أنّ رجلا أنكر القرآن و كذّب النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فأرسل اللّه عليه صاعقة فأهلكته،فأنزل اللّه عزّ و جلّ فيه: وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللّهِ وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ. (الطّبريّ 13:126)
الطّبريّ: و هؤلاء الّذين أصابهم اللّه بالصّواعق، أصابهم في حال خصومتهم في اللّه عزّ و جلّ لرسوله صلّى اللّه عليه و سلّم.
(13:126)
الزّجّاج: جائز أن يكون(الواو)واو حال،فيكون المعنى:فيصيب بها من يشاء في حال جداله في اللّه، و ذلك أنّه أتى في التّفسير أنّ رجلا من الجاهليّة يقال له:
«أربد»سأل النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال:أخبرني عن ربّنا أ من نحاس أم حديد؟فأنزل اللّه عليه صاعقة فقتلته؛فعلى هذا يجوز أن يكون(الواو)واو حال.
و يجوز أن يكون:لمّا تمّم اللّه أوصاف ما يدلّ على توحيده و قدرته على البعث،قال بعد ذلك وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللّهِ وَ هُوَ شَدِيدُ الْمِحالِ. (3:143)
نحوه النّحّاس(3:483)،و النّيسابوريّ(13:75).
الطّوسيّ: يعني هؤلاء الجهّال مع مشاهدتهم لهذه الآيات يخاصمون أهل التّوحيد،و يحاولون فتلهم عن مذهبهم بجدالهم و الجدال:فتل الخصم عن مذهبه بطريق الحجاج.(6:231)
نحوه الطّبرسيّ.(3:283)
الزّمخشريّ: وَ هُمْ يعني الّذين كفروا و كذّبوا رسول اللّه،و أنكروا آياته يُجادِلُونَ فِي اللّهِ حيث ينكرون على رسوله ما يصفه به من القدرة على البعث، و إعادة الخلائق،بقولهم: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ يس:78،و يردّون الوحدانيّة باتّخاذ الشّركاء و الأنداد،و يجعلونه بعض الأجسام المتوالدة،بقولهم:
ص: 198
الزّمخشريّ: وَ هُمْ يعني الّذين كفروا و كذّبوا رسول اللّه،و أنكروا آياته يُجادِلُونَ فِي اللّهِ حيث ينكرون على رسوله ما يصفه به من القدرة على البعث، و إعادة الخلائق،بقولهم: مَنْ يُحْيِ الْعِظامَ وَ هِيَ رَمِيمٌ يس:78،و يردّون الوحدانيّة باتّخاذ الشّركاء و الأنداد،و يجعلونه بعض الأجسام المتوالدة،بقولهم:
الملائكة بنات اللّه،فهذا جدالهم بالباطل،كقوله:
وَ جادَلُوا بِالْباطِلِ لِيُدْحِضُوا بِهِ الْحَقَّ المؤمن:5.
و قيل:(الواو)للحال،أي فيصيب بها من يشاء في حال جدالهم]
(2:353)
نحوه البيضاويّ(1:516)،و النّسفيّ(2:244)، و أبو حيّان(5:375)،و المشهديّ(5:90)، و طنطاوي(7:82).
ابن عطيّة: روي عن عبد الرّحمن بن صحار العبديّ أنّه بلغه أنّ جبّارا من جبابرة العرب بعث إليه النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ليسلم.فقال:أخبروني عن إله محمّد أ من لؤلؤ هو أو من ذهب؟فنزلت عليه صاعقة،و نزلت الآية فيه.
و قال مجاهد:إنّ بعض اليهود جاء إلى النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم...ثمّ ذكر القصّة.
و قوله: وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللّهِ يجوز أن تكون إشارة إلى جدال اليهوديّ المذكور،و تكون(الواو)واو حال،أو إلى جدال الجبّار المذكور.
و يجوز-إن كانت الآية على غير سبب-أن يكون قوله: وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللّهِ إشارة إلى جميع الكفرة من العرب و غيرهم،الّذين جلبت لهم هذه التّنبيهات.
(3:304)
الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّه تعالى لمّا ذكر هذه الدّلائل الأربعة (1)قال: وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللّهِ و المراد أنّه تعالى بيّن دلائل كمال علمه في قولهم: يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثى الرّعد:8،و بيّن دلائل كمال القدرة في هذه الآيات.ثمّ قال: وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللّهِ يعني هؤلاء الكفّار مع ظهور هذه الدّلائل يجادلون في اللّه،و هو يحتمل وجوها:
أحدها:أن يكون المراد الرّدّ على الكافر الّذي قال:
أخبرنا عن ربّنا أ من نحاس أم من حديد؟
و ثانيها:أن يكون المراد الرّدّ على جدالهم في إنكار البعث و إبطال الحشر و النّشر.
و ثالثها:أن يكون المراد الرّدّ عليهم في طلب سائر المعجزات.
و رابعها:أن يكون المراد الرّدّ عليهم في استنزال عذاب الاستئصال.
و في هذه(الواو)قولان:
الأوّل:أنّها للحال،و المعنى:فيصيب بالصّاعقة من يشاء في حال جداله في اللّه؛و ذلك أنّ أربد لمّا جادل في اللّه أحرقته الصّاعقة.
و الثّاني:أنّها(واو)الاستئناف،كأنّه تعالى لمّا تمّم ذكر هذه الدّلائل قال بعد ذلك: وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللّهِ. (19:27)
النّيسابوريّ: و لمّا بيّن دلائل كمال العلم في قوله:
اَللّهُ يَعْلَمُ الرّعد:8.و دلائل كمال القدرة في هذه الآية،قال: وَ هُمْ يُجادِلُونَ فِي اللّهِ لأنّ إنكار المدلول بعد وضوح الدّليل جدال بالباطل و عناد محض.
و يحتمل أن تكون(الواو)للحال،أي فيصيب بها).
ص: 199
من يشاء في حال جدالهم،و يؤكّده ما روي عن ابن عبّاس في رواية أبي صالح و ابن جريج و ابن زيد:أنّ عامر بن الطّفيل و أربد بن ربيعة أخا لبيد بن ربيعة أقبلا يريدان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،فقال رجل من أصحابه:يا رسول اللّه هذا عامر بن الطّفيل قد أقبل نحوك،فقال:دعه،فإن يرد اللّه به خيرا يهده،فأقبل حتّى قام عليه،فقال:
يا محمّد ما لي إن أسلمت؟فقال:لك ما للمسلمين و عليك ما عليهم،قال:تجعل لي الأمر بعدك؟قال:لا،ليس ذلك إليّ إنّما ذلك إلى اللّه يجعله حيث يشاء،قال:فتجعلني على الوبر و أنت على المدر؟قال:لا،قال:فما ذا تجعل لي؟ قال:أجعل لك أعنّة الخيل تغز عليها،قال:أو ليس ذلك إليّ اليوم؟و كان أوصى إلى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلّمه فدر عليه من خلفه فاضربه بالسّيف.
فجعل يخاصم رسول اللّه و يراجعه و يجادل في اللّه، يقول:أخبرني عن ربّك أ من نحاس هو أم من حديد؟ فدار أربد خلف النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم ليضربه،فاخترط من سيفه شبرا ثمّ حبسه اللّه،فلم يقدر على سلّه،و جعل عامر يومئ إليه،فالتفت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم فرأى أربد و ما يصنع بسيفه،فقال:اللّهمّ اكفنيهما بما شئت،فأرسل اللّه على أربد صاعقة في يوم صائف صاح فأحرقته،و ولّى عامر هاربا.و قال:يا محمّد دعوت ربّك،فقتل أربد،و اللّه لأملأنّها عليك خيلا جردا و فرسانا مردا،فقال رسول اللّه:يمنعك اللّه من ذلك و أبناء قيلة،يريد الأوس و الخزرج.
فنزل عامر بيت امرأة سلوليّة،فلمّا أصبح ضمّ عليه سلاحه و خرج،و هو يقول:«و اللاّت لئن أصحر إليّ محمّد و صاحبه،يعني ملك الموت،لأنفذتهما برمحي، فأرسل اللّه إليه ملكا فلطمه بجناحه فأزراه في التّراب، و خرجت على ركبته غدّة-في الوقت-عظيمة،فعاد إلى بيت السّلوليّة،و هو يقول:أ غدّة كغدّة البعير و موت في بيت السّلوليّة،ثمّ مات على ظهر فرسه،و أنزل اللّه الآية في هذه القصّة.(13:75)
ابن كثير :أي يشكّون في عظمته،و أنّه لا إله إلاّ هو.(4:79)
الشّربينيّ: حيث يكذّبون رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم، و التّكذيب:التّشديد في الخصومة.[ثمّ جاء برواية ابن عبّاس عند النّيسابوريّ](2:151)
نحوه الكاشانيّ.(3:62)
أبو السّعود :أي في شأنه تعالى؛حيث يفعلون ما يفعلون من إنكار البعث و استعجال العذاب استهزاء و اقتراح الآيات،ف(الواو)لعطف الجملة على ما قبلها، من قوله تعالى: هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ... الرّعد:
12،أو على قوله: اَللّهُ يَعْلَمُ ما تَحْمِلُ... الرّعد:8.
و أمّا العطف على قوله تعالى: وَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا الرّعد:7-كما قيل-فلا مجال له،لأنّ قوله تعالى: اَللّهُ يَعْلَمُ.. استئناف لبيان بطلان قولهم ذلك، و نظائره من استعجال العذاب و إنكار البعث قاطع لعطف ما بعده على ما قبله.
و قيل:للحال،أي فيصيب بالصّواعق من يشاء و هم في الجدال.(3:444)
نحوه القاسميّ.(9:3660)
البروسويّ: أي هؤلاء الكفّار مع ظهور هذه
ص: 200
الدّلائل يُجادِلُونَ فِي اللّهِ حيث يكذّبون رسوله فيما يصفه به من العظمة و التّوحيد و القدرة التّامّة،و الجدال:
شدّة الخصومة،من«الجدل»و هو الفتل.(4:353)
نحوه الآلوسيّ(13:121)،و طه الدّرّة(7:117).
شبّر: (الواو)حاليّة أو عاطفة،أي هؤلاء الجهّال مع مشاهدتهم الآيات يخاصمون في التّوحيد و المعاد.
(3:324)
المراغيّ: أي يجادلون في شأنه تعالى،و فيما وصفه به الرّسول الكريم،من كمال العلم و القدرة و التّفرّد بالألوهيّة،و إعادة النّاس للجزاء على أعمالهم يوم العرض و الحساب.
و في هذا تسلية لرسوله صلّى اللّه عليه و سلّم،فإنّه لمّا نعى على كفّار قريش عنادهم في اقتراحهم الآيات الحسّيّة كآيات موسى و عيسى عليهما السّلام،و إنكارهم كون الّذي جاء به عليه السّلام آية،سلاّه بما ذكر،كأنّه قال له:إنّ هؤلاء لم يقصروا جحدهم و إنكارهم على النّبوّة بل تخطّوه إلى الألوهيّة، أ لا تراهم مع ظهور الآيات البيّنات على التّوحيد يجادلون في اللّه باتّخاذ الشّركاء و إثبات الأولاد له،و مع إحاطة علمه و شمول قدرته ينكرون البعث و الجزاء و العرض للحساب،و مع شديد بطشه و عظيم سلطانه يقدمون على المكايدة و العناد،فهوّن عليك،و لا تذهب نفسك عليهم حسرات.(13:82)
مغنيّة: ضمير(هم)يعود إلى المشركين،و المعنى أنّ هؤلاء يجادلون في قدرة اللّه و عظمته،و في محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و نبوّته،و البعث و إمكانه،يجادلون و يكابرون مع ظهور الدّلائل على قدرة اللّه،و المعجزات الباهرة على نبوّة محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و نزول العذاب على من جحد و أنكر البعث و الحساب.(4:389)
الطّباطبائيّ: و الجدل:المفاوضة و المنازعة في القول،على سبيل المغالبة.[إلى أن قال:]
معناه-و اللّه أعلم-أنّ الوثنيّين-و إليهم وجّه الكلام في إلقاء هذه الحجج-يجادلون في ربوبيّته تعالى،بتلفيق الحجّة على ربوبيّة أربابهم كالتّمسّك بدأب آبائهم.
(11:317)
عبد الكريم الخطيب :الضّمير(هم)يراد به المشركون باللّه،الّذين لا يرجون رحمة اللّه،و لا يخشون عذابه.فلا يحمدون اللّه على تلك النّعم الّتي أفاضها عليهم،مع أنّ هذه النّعم ذاتها تسبّح اللّه و تحمده،أن جعلها رسول خير للنّاس،و مصدر حياة لهم.فكيف لا يحمدها،و لا يشكر للّه من أجلها،من كانت حياتهم معلّقة بها،و وجودهم رهن بوجودها؟أ ليس ذلك ضلالا و سفها و كفرا؟بلى،إنّه الضّلال و السّفه و الكفر.
ثمّ إذا كان الملائكة،و هم ما هم عند اللّه يخافون ربّهم،و يسبّحون بحمده،و يشكرون له،فكيف بهؤلاء المشركين الضّالّين لا يخشون اللّه،و لا يخافون بأسه و عقابه؟لقد غرّهم باللّه الغرور إنّهم يجادلون في اللّه، جدال من ينكره،و يجحد نعمه،و يستخفّ ببأسه و هو سبحانه آخذ بناصيتهم،إنّه ذو الحول و الطّول،شديد العقاب،لن يفلتوا منه،و لن يخلصوا من عقابه.(7:85)
2- اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ وَ عِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ. المؤمن:35
ص: 201
2- اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللّهِ وَ عِنْدَ الَّذِينَ آمَنُوا كَذلِكَ يَطْبَعُ اللّهُ عَلى كُلِّ قَلْبِ مُتَكَبِّرٍ جَبّارٍ. المؤمن:35
ابن عبّاس: يكذّبون بمحمّد صلّى اللّه عليه و سلّم و القرآن.(396)
الطّبريّ: يقول تعالى ذكره مخبرا عن قيل المؤمن من آل فرعون:[و ذكر الآية ثمّ قال:]
فقوله:(الّذين)مردود على(من)في قوله: مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ المؤمن:34،و تأويل الكلام:كذلك يضلّ اللّه أهل الإسراف و الغلوّ في ضلالهم بكفرهم باللّه، و اجترائهم على معاصيه،المرتابين في أخبار رسله، الّذين يخاصمون في حججه الّتي أتتهم بها رسله، ليدحضوها بالباطل من الحجج.(24:63)
الزّجّاج: (الّذين)في موضع نصب على الرّدّ على (من)أي كذلك اللّه يضلّ الّذين يجادلون في آيات اللّه بغير حجّة أتتهم.
و يجوز أن يكون موضع(الّذين)رفعا على معنى:من هو مسرف مرتاب هم الّذين يجادلون.(4:374)
نحوه الطّوسيّ(9:76)،و الطّبرسيّ(4:523)، و أبو الفتوح الرّازيّ(17:31)،و أبو البركات(2:331).
القمّيّ: يعني بغير حجّة يخاصمون.(2:257)
الزّمخشريّ: اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ بدل من مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ.
فإن قلت:كيف جاز إبداله منه و هو جمع و ذاك موحّد؟قلت:لأنّه لا يريد مسرفا واحدا،فكأنّه قال:
كلّ مسرف.
فإن قلت:فما فاعل(كبر)؟قلت:ضمير (مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ) .
إن قلت:أ ما قلت:هو جمع و لهذا أبدلت منه (الَّذِينَ يُجادِلُونَ) ؟قلت:بل هو جمع في المعنى و أمّا اللّفظ فموحّد، فحمل البدل على معناه،و الضّمير الرّاجع إليه على لفظه،و ليس ببدع أن يحمل على اللّفظ تارة و على المعنى أخرى،و له نظائر.
و يجوز أن نرفع اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ على الابتداء، و لا بدّ في هذا الوجه من حذف مضاف يرجع إليه الضّمير في(كبر)تقديره:جدال الّذين يجادلون كبر مقتا.
و يحتمل أن يكون اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ مبتدأ و بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ خبرا،و فاعل(كبر)قوله:
(كذلك)أي كبر مقتا مثل ذلك الجدال،و يَطْبَعُ اللّهُ كلام مستأنف.و من قال:كبر مقتا عند اللّه جدالهم،فقد حذف الفاعل،و الفاعل لا يصحّ حذفه.(3:427)
نحوه النّسفيّ.(4:78)
العكبريّ: قوله تعالى: اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ فيه أوجه:
أحدها:أن يكون خبر مبتدإ محذوف،أي هم الّذين،و(هم)يرجع على قوله: مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ؛ لأنّه في معنى الجمع.
و الثّاني:أن يكون مبتدأ و الخبر يَطْبَعُ اللّهُ و العائد محذوف،أي على كلّ قلب متكبّر منهم.
و كَذلِكَ خبر مبتدإ محذوف،أي الأمر كذلك، و ما بينهما معترض مسدّد.
و الثّالث:أن يكون الخبر كَبُرَ مَقْتاً أي كبر قولهم مقتا.
و الرّابع:أن يكون الخبر محذوفا،أي معاندون، و نحو ذلك.
ص: 202
و الخامس:أن يكون منصوبا بإضمار أعني.
(2:1119)
أبو حيّان :و جوّزوا في اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ أن تكون صفة ل(من)و بدلا منه،أي معناه جمع و مبتدأ على حذف مضاف،أي جدال الّذين يجادلون،حتّى يكون الضّمير في(كبر)عائدا على ذلك،أو لا أو على حذف مضاف،و الفاعل ل(كبر)ضمير يعود على«الجدال» المفهوم من قوله:(يجادلون)،أو ضمير يعود على(من) على لفظها على أن يكون(الّذين)صفة،أو بدلا أعيد،أو لا على لفظ(من)في قوله: هُوَ مُسْرِفٌ مُرْتابٌ، ثمّ جمع(الّذين)على معنى(من)ثمّ أفرد في قوله:(كبر)على لفظ(من).[ثمّ نقل كلام الزّمخشريّ و أضاف:]
و هذا الّذي أجازه لا يجوز أن يكون مثله في كلام فصيح،فكيف في كلام اللّه،لأنّ فيه تفكيك الكلام بعضه من بعض،و ارتكاب مذهب الصّحيح خلافه.أمّا تفكيك الكلام فالظّاهر أنّ بِغَيْرِ سُلْطانٍ متعلّق ب يُجادِلُونَ و لا يتعقّل جعله خبرا ل(الّذين)لأنّه جار و مجرور،فيصير التّقدير:الّذين يجادلون في آيات اللّه كائنون أو مستقرّون(بغير سلطان)أي في غير سلطان،لأنّ الباء إذ ذاك ظرفيّة،خبر عن الجثّة.
(7:464)
ابن كثير :أي الّذين يدفعون الحقّ بالباطل، و يجادلون الحجج بغير دليل و حجّة معهم من اللّه تعالى.
(6:139)
الشّربينيّ: اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ هو مبتدأ،أي يخاصمون خصاما شديدا.[إلى أن قال:]
و يجوز في(الّذين)أوجه أيضا،منها:أنّه بدل من قوله تعالى: مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ، و إنّما جمع اعتبارا بمعنى «من».
و منها:أن يكون بيانا له.
و منها:أن يكون صفة له،و جمع على معنى من:
أيضا.
و منها:أن ينصب بإضمار أعني.(3:482)
نحوه الآلوسيّ.(24:68)
البروسويّ: اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بدل من الموصول الأوّل،لأنّه بمعنى الجمع؛إذ لا يريد مسرفا واحدا بل كلّ مسرف،و المراد بالمجادلة:ردّ الآيات و الطّعن فيها.(8:181)
نحوه طنطاوي.(19:18)
المراغيّ: أي إنّ المسرفين المرتابين هم الّذين يخاصمون في حجج اللّه الّتي أتتهم بها رسله ليدحضوها بالباطل من الحجج الّتي لا مستساغ لها من عقل و لا نقل، فيتمسّكون بتقليد الآباء و الأجداد،و يتمسّكون بترّهات الأباطيل الّتي لا يتقبّلها ذوو الحصافة و الرّأي.
(24:69)
نحوه مغنيّة.(6:451)
الطّباطبائيّ: وصف لكلّ مسرف مرتاب،فإنّ من تعدّى طوره بالإعراض عن الحقّ و اتّباع الهوى، و استقرّ في نفسه الارتياب،فكان لا يستقرّ على علم، و لا يطمئنّ إلى حجّة تهديه إلى الحقّ،جادل في آيات اللّه بغير برهان،إذا خالفت مقتضى هواه.(17:331)
طه الدّرّة:أي الّذين يدفعون الحقّ بالباطل،
ص: 203
و يجادلون الحجج بغير دليل و حجّة معهم من اللّه تعالى، و المراد فرعون و من على شاكلته من الضّالّين الفاسدين المفسدين،في كلّ زمان و مكان.(12:560)
و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: وَ يَعْلَمَ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِنا ما لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ الشّورى:35
3- إِنَّ الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ بِغَيْرِ سُلْطانٍ أَتاهُمْ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلاّ كِبْرٌ ما هُمْ بِبالِغِيهِ...
المؤمن:56
ابن عبّاس: يكذّبون بمحمّد عليه السّلام و القرآن و هم اليهود،و كانوا أيضا يجادلون مع محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم بصفة الدّجّال و عظمته،و رجوع الملك إليهم عند خروج الدّجّال.
(397)
القرطبيّ: يخاصمون...و المراد المشركون،و قيل:
اليهود.فالآية مدنيّة على هذا،كما تقدّم أوّل السّورة.
و المعنى:إن تعظّموا عن اتّباع محمّد صلّى اللّه عليه و سلّم،و قالوا:إنّ الدّجّال سيخرج عن قريب فيردّ الملك إلينا،و تسير معه الأنهار،و هو آية من آيات اللّه،فذلك كبر لا يبلغونه، فنزلت الآية فيهم،قاله أبو العالية و غيره،و قد تقدّم في آل عمران أنّه يخرج و يطأ البلاد كلّها إلاّ مكّة و المدينة.
و قد ذكرنا خبره مستوفى في كتاب«التّذكرة».و هو يهوديّ و اسمه صاف و يكنّى أبا يوسف.
و قيل:كلّ من كفر بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و هذا حسن،لأنّه يعمّ.(15:324)
نحوه الآلوسيّ.(24:78)
البيضاويّ: عامّ في كلّ مجادل مبطل و إن نزل في مشركي مكّة أو اليهود.(2:339)
نحوه أبو السّعود(5:424)،و شبّر(5:353)،و طه الدّرّة(12:591).
4- أَ لَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ أَنّى يُصْرَفُونَ. المؤمن:69
ابن عطيّة: ظاهر الآية أنّها في الكفّار المجادلين في رسالة محمّد و الكتاب الّذي جاء به،بدليل قوله:
اَلَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللّهِ، و هذا قول ابن زيد و الجمهور من المفسّرين.
و قال محمّد بن سيرين و غيره: هي إشارة إلى أهل الأهواء من الأمّة،و روت هذه الفرقة في نحو هذا حديثا، و قالوا:هي في أهل القدر و من جرى مجراهم.
(4:568)
البيضاويّ: تكرير ذمّ المجادلة لتعدّد المجادل أو المجادل فيه أو للتّأكيد.(2:341)
نحوه النّسفيّ(4:84)،و الشّربينيّ(3:496).
أبو حيّان :[كقول ابن عطيّة ثمّ قال:]
و يلزم قائلي هذه المقالة أن يجعل قوله: اَلَّذِينَ كَذَّبُوا المؤمن:70،كلاما مستأنفا في الكفّار،و يكون اَلَّذِينَ كَذَّبُوا مبتدأ و خبره فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ.
و أمّا على الظّاهر ف(الّذين)بدل من(الّذين)أو خبر مبتدإ محذوف،أو منصوبا على الذّمّ و(اذ)ظرف لما مضى فلا يعمل فيه المستقبل،كما لا يقول:سأقوم أمس.
(7:474)
مكارم الشّيرازيّ: من الضّروريّ أن نشير أوّلا
ص: 204
إلى أنّ السّورة الّتي بين أيدينا تحدّثت أكثر من مرّة عن اَلَّذِينَ يُجادِلُونَ فِي آياتِ اللّهِ جاء ذلك في الآيتين (35)و(56)و هذه الآية.و نستفيد من القرائن أنّ المقصود ب(آيات اللّه)هي دلائل النّبوّة و علائمها على الأكثر،بالإضافة إلى ما تحويه الكتب السّماويّة.و طالما تتضمّن الكتب السّماويّة آيات التّوحيد،و المسائل الخاصّة بالمبدإ و المعاد،لذا فإنّ هذه القضايا مشمولة بجدال القوم و خصومتهم للحقّ.
هل يستهدف التّكرار تأكيد قضيّة هذا الموضوع؟ أم أنّ كلّ آية تختصّ بطرح و موضوع يختلف عن موضوع أختها؟
إنّنا هنا نميل إلى الاحتمال الثّاني؛إذ يلاحظ،أنّ لكلّ آية موضوع خاصّ.
فالآية:(56)تتحدّث عن دواعي المجادلة و أهدافها، أي الكبر و الغرور،في حين تتحدّث الآية:(35)عن عقابهم الدّنيويّ،متمثّلا بأن ختم اللّه على قلوبهم.
أمّا الآية الّتي نتحدّث عنها الآن فهي تتحدّث عن العقاب الأخرويّ،و أوصافهم في النّار ذات السّعير.
من الضّروريّ أن نشير أيضا إلى أنّ(يجادلون)فعل مضارع يدلّ على الاستمرار.و هذه إشارة إلى أنّ مثل هؤلاء الأفراد الّذين يكذّبون بآيات اللّه لتبرير عقائدهم و أعمالهم السّيّئة المشينة،إنّما يقومون بالمجادلة بشكل مستمرّ من خلال الأقوال و الذّرائع الواهية.(15:292)
1- ...حَتّى إِذا جاؤُكَ يُجادِلُونَكَ يَقُولُ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ. الأنعام:25
ابن عبّاس: يسألونك ما ذا أنزل من القرآن.
(107)
هم المشركون يجادلون المسلمين في الذّبيحة، يقولون:أمّا ما ذبحتم و قتلتم فتأكلون،و أمّا ما قتل اللّه فلا تأكلون،و أنتم تتّبعون أمر اللّه تعالى.
(الطّبريّ 7:171)
الحسن :إنّهم كانوا يجادلونه بما ذكره اللّه تعالى من قوله عنهم: إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ.
(الماورديّ 2:104)
الطّبريّ: يخاصمونك.(7:171)
نحوه القمّيّ(1:196)،و الواحديّ(2:261)، و الخازن(2:104).
الطّوسيّ: يعني أنّهم إذا دخلوا إليه بالنّهار إنّما يجيئون مجيء مخاصمين مجادلين رادّين مكذّبين، و لم يكونوا يجيئون مجيء من يريد الرّشاد و النّظر في الدّلالة،الدّالّة على توحيد اللّه و نبوّة نبيّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و كانوا يريدون ذلك بأن يقولوا:هذا أساطير الأوّلين.
(4:111)
نحوه الطّبرسيّ.(2:286)
الزّمخشريّ: و المعنى:أنّه بلغ تكذيبهم الآيات إلى أنّهم يجادلونك و يناكرونك.و فسّر مجادلتهم بأنّهم يقولون: إِنْ هذا إِلاّ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ. (2:12)
مثله النّسفيّ(2:8)،و نحوه الفخر الرّازيّ(12:
188)،و النّيسابوريّ(7:89)،و أبو السّعود(2:368)، و القاسميّ(6:2276).
ص: 205
ابن عطيّة: [نقل قول ابن عبّاس في«مجادلتهم»ثمّ قال:]
و هذا جدال في حكم،و الّذي في الآية إنّما هو جدال في مدافعة القرآن،فلا تتفسّر الآية عندي بأمر الذّبح.
(2:280)
أبو حيّان :(يجادلونك)أي يخاصمونك في الاحتجاج،و بلغ تكذيبهم في الآيات إلى المجادلة،و هذا إشارة إلى القرآن،و جعلهم إيّاه من أساطير الأوّلين، قدح في أنّه كلام اللّه.
قيل:كان النّضر يعارض القرآن بأخبار اسفنديار و رستم.
و قال ابن عبّاس:مجادلتهم قولهم:تأكلون ما قتلتم و لا تأكلون ما قتل اللّه.
و هذا فيه بعد،و ظاهر المجادلة أنّه في المسموع الّذي هم يستمعون إلى الرّسول بسببه و هو القرآن،و المعنى أنّهم في الاحتجاج انتهى أمرهم إلى المجادلة و الافتراء دون دليل.(4:98)
ابن كثير :أي يحاجّونك و يناظرونك في الحقّ و الباطل.(3:14)
شبّر:يخاصمونك و يردّون عليك قولك.(2:247)
الآلوسيّ: [له كلام سيأتي في ج ي ء](7:126)
طه الدّرّة:(يجادلونك)فعل و فاعل و مفعول به، و الجملة الفعليّة في محلّ نصب حال من واو الجماعة، و الرّابط الضّمير فقط.(4:104)
و بهذا المعنى جاء قوله تعالى: وَ لا تُجادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتانُونَ أَنْفُسَهُمْ... النّساء:107
2- يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ كَأَنَّما يُساقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَ هُمْ يَنْظُرُونَ. الأنفال:6
ابن عبّاس: يخاصمونك.(145)
لمّا شاور النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم في لقاء اليوم،و قال له سعد بن عبادة ما قال،و ذلك يوم بدر،أمر النّاس فتعبّوا للقتال.
و أمرهم بالشّوكة،و كره ذلك أهل الإيمان،فأنزل اللّه:
كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَ إِنَّ فَرِيقاً مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكارِهُونَ* يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ....
نحوه ابن إسحاق.(الطّبريّ 9:183)
مجاهد : كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ كذلك يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ القتال.(الطّبريّ 9:181)
ابن زيد :هؤلاء المشركون جادلوك في الحقّ، كأنّما يساقون إلى الموت،حين يدعون إلى الإسلام، وَ هُمْ يَنْظُرُونَ. و ليس هذا من صفة الآخرين،هذه صفة مبتدأة لأهل الكفر.(الطّبريّ 9:183)
الفرّاء: يسألونك عن الأنفال كما جادلوك يوم بدر، فقالوا:أخرجتنا للغنيمة و لم تعلمنا قتالا فنستعدّ له، فذلك قوله: يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَ ما تَبَيَّنَ لهم.
(1:403)
الطّبريّ: [نقل قول بعض المفسّرين ثمّ قال:]
و الصّواب من القول في ذلك ما قاله ابن عبّاس و ابن إسحاق:من أنّ ذلك خبر من اللّه عن فريق من المؤمنين، أنّهم كرهوا لقاء العدوّ،و كان جدالهم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن قالوا:لم يعلمنا أنّا نلقي العدوّ،فنستعدّ لقتالهم،و إنّما خرجنا للعير.و ممّا يدلّ على صحّة قوله: وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَ تَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ الأنفال:7،ففي ذلك الدّليل الواضح لمن فهم عن اللّه،أنّ القوم قد كانوا للشّوكة كارهين،و أنّ جدالهم كان في القتال،كما قال مجاهد:
ص: 206
و الصّواب من القول في ذلك ما قاله ابن عبّاس و ابن إسحاق:من أنّ ذلك خبر من اللّه عن فريق من المؤمنين، أنّهم كرهوا لقاء العدوّ،و كان جدالهم نبيّ اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم أن قالوا:لم يعلمنا أنّا نلقي العدوّ،فنستعدّ لقتالهم،و إنّما خرجنا للعير.و ممّا يدلّ على صحّة قوله: وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ إِحْدَى الطّائِفَتَيْنِ أَنَّها لَكُمْ وَ تَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ الأنفال:7،ففي ذلك الدّليل الواضح لمن فهم عن اللّه،أنّ القوم قد كانوا للشّوكة كارهين،و أنّ جدالهم كان في القتال،كما قال مجاهد:
كراهية منهم له،و أن لا معنى لما قال ابن زيد،لأنّ الّذي قبل قوله: يُجادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ خبر عن أهل الإيمان، و الّذي يتلوه خبر عنهم،فأن يكون خبرا عمّ،أولى منه بأن يكون خبرا عمّن لم يجر له ذكر.(9:183)
الزّجّاج: وعدهم اللّه جلّ و عزّ في غزاة بدر أنّهم يظفرون بأهل مكّة و بالعير و هي الإبل،لكراهتهم القتال،فجادلوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و قالوا:إنّما خرجنا إلى العير.
(2:401)
الطّوسيّ: اختلفوا في المؤمنين الّذين كرهوا القتال و جادلوا النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم[و نقل قول ابن عبّاس و ابن زيد ثمّ قال:]
و قول ابن عبّاس هو الظّاهر،و عليه أكثر المفسّرين،و هو أنّ هذا صفة للمؤمنين لكن كرهوا ذلك كراهية الطّبع،لكونهم غير مستعدّين للقتال،و لقلّتهم و كثرة المشركين،و يقوّي ذلك قوله بعد هذه الآية:
وَ إِذْ يَعِدُكُمُ اللّهُ... فبيّن بذلك أنّهم كانوا يودّون العير دون الحرب.(5:94)
نحوه الطّبرسيّ.(2:520)
القشيريّ: جحود الحقّ بعد وضوح برهانه علم لاستكبار صاحبه.(2:299)
الواحديّ: قال المفسّرون:إنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم و أصحابه خرجوا لطلب عير قريش.فمنعت قريش عيرها بالنّفير،فالتقوا و أمروا بالقتال،و لم يكونوا أعدّوا له أهبة فشقّ ذلك عليهم،و قالوا:هلاّ أخبرتنا،فكنّا نعدّ له،و جادلوه طلبا للرّخصة في ترك القتال.(2:445)
نحوه البغويّ(2:269)،و القرطبيّ(7:369)، و النّسفيّ(2:95)،و الزّمخشريّ(2:144)،و الخازن (3:7)،و ابن جزيّ(2:61)،و الشّربينيّ(1:558)، و أبو السّعود(3:79)،و البروسويّ(3:316)، و الآلوسيّ(9:171)،و المراغيّ(9:169).
ابن الجوزيّ: [نحو ما تقدّم عن الواحديّ و أضاف:]
و في المجادلين قولان:
أحدهما:أنّهم طائفة من المسلمين،قاله ابن عبّاس و الجمهور.
و الثّاني:أنّهم المشركون،قاله ابن زيد،فعلى هذا يكون جدالهم في الحقّ الّذي هو التّوحيد،لا في القتال.
(3:323)
مغنيّة: و تسأل أنّ المسلمين يقدّسون البدريّين، و يرفعونهم إلى المكان الأعلى،و ها هو القرآن يدين بعضهم صراحة،و أنّهم جادلوا النّبيّ على رغم بيان الحقّ لهم و وضوحه عندهم،لأنّ الوحي نزل به و أخبرهم عنه الرّسول الأعظم صلّى اللّه عليه و سلّم؟
الجواب:إنّ هذا لا يحطّ من شأنهم،و لا يمسّ من إيمانهم باللّه و رسوله،أنّهم بشر تهتزّ نفوسهم إذا رأوا الموت برغم إيمانها و اطمئنانها،هذا إلى أنّها غمامة صيف عرضت،ثمّ تقشّعت.و مضوا مع النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم،و واجهوا الموت بعزم و ثبات.(3:454)
عبد الكريم الخطيب :في هذا إشارة إلى ما وقع
ص: 207
في نفوس فريق من المؤمنين-لا كلّ المؤمنين-من مشاعر الكراهية،حين عدل بهم عن وجهتهم الّتي اتّجهوا إليها لاقتناص العير،و الاستيلاء على ما تحمل من مال و متاع،إلى حيث يلقون قريشا و جيشها الجرّار في ميدان القتال،و لهذا كان منهم هذا الجدال الّذي تعلّلوا به للنّكوص عن لقاء العدوّ،فقال قائلهم:ما خرجنا للقتال،و لا أخذنا أهبتنا له،و لا صحبنا إخواننا الّذين خلّفناهم وراءنا إليه.
و السّؤال هنا:كيف يجادلون في الحقّ بعد ما تبيّن لهم؟و كيف يكونون مؤمنين مع هذا؟و هل من شأن المؤمن أن يجادل في الحقّ إذا عرف وجهه،و استبان له طريقه؟
و الجواب:أنّ الحقّ-و هو قتال المشركين-كان أمره ظاهرا لهم،بعد أن أفلتت منهم العير؛إذ كان اللّه سبحانه قد وعدهم على لسان نبيّه الكريم بأنّهم سيظفرون بإحدى الطّائفتين،إمّا العير،و إمّا النّفير.
فلمّا أفلتت منهم العير،لم يبق إلاّ النّفير و الحرب.فهذا حقّ مستيقن لهم،لا خفاء فيه.
و لكن يقوم إلى هذا الحقّ،تلك الرّغبة القويّة الّتي كانت مستولية على المؤمنين من قبل،و هي الاستيلاء على العير؛و ذلك شأن النّفس دائما حين يكون خيارها بين أمرين:أحدهما محبوب،و الآخر مكروه.فإنّها حينئذ لا تلتفت إلى غير المحبوب،حتّى ليصبح المكروه عندها كأنّه غير مفترض أصلا،فتنساه،أو تتناساه.
فإذا فاجأها هذا المكروه الّذي أخرجته من حسابها و تقديرها،كان وقعه شديدا عليها،حتّى لكأنّه حدث طارئ لم تكن تتوقّعه.و من هنا يكون إنكارها أو تنكّرها له.(5:568)
طه الدّرّة: جملة يُجادِلُونَكَ... مستأنفة لا محلّ لها،و جوّز اعتبارها حالا من كاف الخطاب،أو من ضمير المستتر في لَكارِهُونَ و الرّابط على الاعتبارين الضّمير فقط.(6:189)
وَ لا تَأْكُلُوا مِمّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللّهِ عَلَيْهِ وَ إِنَّهُ لَفِسْقٌ وَ إِنَّ الشَّياطِينَ لَيُوحُونَ إِلى أَوْلِيائِهِمْ لِيُجادِلُوكُمْ وَ إِنْ أَطَعْتُمُوهُمْ إِنَّكُمْ لَمُشْرِكُونَ. الأنعام:121
راجع«ذ ك ر»و«ش طن»
يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجادِلُ عَنْ نَفْسِها وَ تُوَفّى كُلُّ نَفْسٍ ما عَمِلَتْ وَ هُمْ لا يُظْلَمُونَ. النّحل:111
راجع«ن ف س»
قَدْ سَمِعَ اللّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَ تَشْتَكِي إِلَى اللّهِ... المجادلة:1
عائشة: تبارك الّذي وسع سمعه كلّ شيء،إنّي لأسمع كلام خولة ابنة ثعلبة،و يخفى عليّ بعضه،و هي تشتكي زوجها إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم،و هي تقول:يا رسول اللّه،أكل شبابي و نثرت له بطني،حتّى إذا كبر سنّي، و انقطع ولدي،ظاهر منّي،اللّهمّ إنّي أشكو إليك.قالت:
ص: 208
فما برحت حتّى نزل جبرئيل عليه السّلام بهؤلاء الآيات قَدْ سَمِعَ اللّهُ... قال[يعني عروة بن الزّبير]:زوجها أوس ابن الصّامت.(الطّبريّ 28:5)
نحوه قتادة.(الطّبريّ 28:2)
ابن عبّاس: تخاصمك و تكلّمك.(260)
[و نحو عائشة إلاّ أنّه قال في أوّله:خولة بنت الصّامت](الطّبريّ 28:3)
[و نحو عائشة أيضا إلاّ أنّه قال:خولة بنت ثعلبة بن مالك](الطّبريّ 28:6)
عروة بن الزّبير: أنّه كتب إلى عبد الملك بن مروان:كتبت إليّ تسألني عن خويلة ابنة أوس بن الصّامت،و إنّها ليست بابنة أوس بن الصّامت و لكنّها امرأة أوس،و كان أوس امرأ به لمم،و كان إذا اشتدّ به لممه تظاهر منها،و إذا ذهب عنه لممه لم يقل من ذلك شيئا،فجاءت رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم تستفتيه،و تشتكي إلى اللّه، فأنزل اللّه ما سمعت،و ذلك شأنهما.(الطّبريّ 28:5) أبو العالية :إنّ خويلة ابنة الدّليج أتت النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم و عائشة تغسل شقّ رأسه،فقالت:يا رسول اللّه،طالت صحبتي مع زوجي،و نفضت له بطني،و ظاهر منّي،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:حرمت عليه،فقالت:أشكو إلى اللّه فاقتي.ثمّ قالت:يا رسول اللّه،طالت صحبتي،و نفضت له بطني،فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم:حرمت عليه.فجعل إذا قال لها:حرمت عليه،هتفت و قالت:أشكو إلى اللّه فاقتي.فنزل الوحي،و قد قامت عائشة تغسل شقّ رأسه الآخر،فأومأت إليها عائشة أن اسكتي،قالت:
و كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم إذا نزل عليه الوحي أخذه مثل السّبات،فلمّا قضى الوحي،قال:ادعي زوجك، فتلاها عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم قَدْ سَمِعَ اللّهُ....
(الطّبريّ 28:1)
نحوه ابن الكعب،و القرظيّ،و أبو إسحاق.[إلاّ أنّهما قالا:خولة ابنة ثعلبة و زوجها أوس بن الصّامت]
(الطّبريّ 28:4)
تراجعك في أمر زوجها.(الطّبرسيّ 5:247)
مجاهد :تجادل محمّدا صلّى اللّه عليه و سلّم،فهي تشتكي إلى اللّه عند كبره و كبرها،حتّى انتفض و انتفض رحمها.
(الطّبريّ 28:5)
الفرّاء: [نحو عائشة و أضاف:]
و هي في قراءة عبد اللّه: (قد يسمع اللّه) ، (و اللّه قد يسمع تحاوركما) ،و في قراءة عبد اللّه: (قول الّتي تحاورك في زوجها) حتّى ذكر الكفّارة في الظّهار،فصارت عامّة.
(3:138)
الطّبريّ: و الّتي كانت تجادل رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في زوجها امرأة من الأنصار.و اختلف أهل العلم في نسبها و اسمها،فقال بعضهم:خولة بنت ثعلبة،و قال بعضهم:
اسمها خويلة بنت ثعلبة،و قال آخرون:هي خويلة بنت خويلد.و قال آخرون:هي خويلة بنت الصّامت،و قال آخرون:هي خويلة ابنة الدّليج.
و كانت مجادلتها رسول اللّه صلّى اللّه عليه و سلّم في زوجها،و زوجها أوس بن الصّامت،مراجعتها إيّاه في أمره،و ما كان من قوله لها:أنت عليّ كظهر أمّي،و محاورتها إيّاه في ذلك، و بذلك قال أهل التّأويل،و تظاهرت به الرّواية.
(28:1)
ص: 209
الطّوسيّ: [ذكر معنى الجدال و قد مرّ في النّصوص اللّغويّة ثمّ قال:]
فمجادلة المرأة لرسول اللّه كان مراجعتها إيّاه في أمر زوجها،و ذكرها:أن كبرت سنّي و دقّ عظمي، و النّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم يقول:بنت منه-على ما رواه أبو العالية- لأنّه لم يكن نزل عليه في ذلك وحي و لا حكم.
(9:541)
البغويّ: تخاصمك و تحاورك و تراجعك في زوجها.
(5:39)
الزّمخشريّ: [ذكر شأن النّزول كما تقدّم عن المفسّرين](4:69)
البروسويّ: المراد هنا المكالمة،و مراجعة الكلام، أي معاودته،و المعنى قد أجاب اللّه دعاء المرأة الّتي تكالمك في حقّ زوجها استفتاء،و تراجعك الكلام في شأنه و فيما صدر عنه في حقّها من ظهاره إيّاها،بغير وجه مشروع و سبب مقبول.(9:388)
الآلوسيّ: أي تراجعك الكلام في شأنه و فيما صدر عنه في حقّها من الظّهار،و قرئ (تحاورك) و المعنى على ما تقدّم،و تحاورك:أي تساؤلك.(28:2)
...أَ تُجادِلُونَنِي فِي أَسْماءٍ سَمَّيْتُمُوها أَنْتُمْ وَ آباؤُكُمْ ما نَزَّلَ اللّهُ بِها مِنْ سُلْطانٍ... الأعراف:71
ابن عبّاس: أ تخاصمونني.(130)
نحوه الطّبريّ.(8:223)
الطّوسيّ: أ تنازعونني.(4:478)
الطّبرسيّ: أ تناظرونني و تخاصمونني.(2:437)
الآلوسيّ: إنكار و استقباح لإنكارهم مجيئه عليه السّلام داعيا لهم إلى عبادة اللّه تعالى وحده،و ترك ما كان يعبد آباؤهم من الأصنام.(8:159)
اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ. النّحل:125
مجاهد :أعرض عن أذاهم إيّاك.
(الطّبريّ 14:194)
الطّبريّ: و خاصمهم بالخصومة الّتي هي أحسن من غيرها،أن تصفح عمّا نالوا به عرضك من الأذى، و لا تعصه في القيام بالواجب عليك من تبليغهم رسالة ربّك.(14:194)
الواحديّ: أقبل على المشركين،و اصرفهم عمّا هم عليه من الشّرك.(3:91)
البغويّ: و خاصمهم و ناظرهم بالخصومة الّتي هي أحسن،أي أعرض عن أذاهم و لا تقصّر في تبليغ الرّسالة و الدّعاء إلى الحقّ.نسختها آية القتال.
(3:103)
الطّبرسيّ: أي ناظرهم بالقرآن و بأحسن ما عندك من الحجج،و تقديره:بالكلمة الّتي هي أحسن.
و المعنى أقبل المشركين و أصرفهم عمّا هم عليه من الشّرك بالرّفق و السّكينة و لين الجانب في النّصيحة، ليكونوا أقرب إلى الإجابة.فإنّ الجدل هو فتل الخصم
ص: 210
عن مذهبه بطريق الحجاج.
و قيل:هو أن يجادلهم على قدر ما يحتملونه،كما جاء في الحديث:«أمرنا معاشر الأنبياء أن نكلّم النّاس على قدر عقولهم».(3:392)
الفخر الرّازيّ: و اعلم أنّ الدّعوة إلى المذهب و المقالة لا بدّ و أن تكون مبنيّة على حجّة و بيّنة، و المقصود من ذكر الحجّة،إمّا تقرير ذلك المذهب و ذلك الاعتقاد في قلوب المستمعين،و إمّا أن يكون المقصود إلزام الخصم و إفحامه.
أمّا القسم الأوّل:فينقسم أيضا إلى قسمين،لأنّ الحجّة إمّا أن تكون حجّة حقيقيّة يقينيّة قطعيّة مبرأة عن احتمال النّقيض،و إمّا أن لا تكون كذلك،بل تكون حجّة تفيد الظّنّ الظّاهر و الإقناع الكامل،فظهر بهذا التّقسيم انحصار الحجج في هذه الأقسام الثّلاثة:
أوّلها:الحجّة القطعيّة المفيدة للعقائد اليقينيّة، و ذلك هو المسمّى بالحكمة،و هذه أشرف الدّرجات و أعلى المقامات،و هي الّتي قال اللّه في صفتها: وَ مَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً البقرة:269.
و ثانيها:الأمارات الظّنيّة و الدّلائل الإقناعيّة، و هي الموعظة الحسنة.
و ثالثها:الدّلائل الّتي يكون المقصود من ذكرها إلزام الخصوم و إفحامهم،و ذلك هو الجدل،ثمّ هذا الجدل على قسمين:
القسم الأوّل:أن يكون دليلا مركّبا من مقدّمات مسلّمة في المشهور عند الجمهور،أو من مقدّمات مسلّمة عند ذلك القائل،و هذا الجدل هو الجدل الواقع على الوجه الأحسن.
و القسم الثّاني:أن يكون ذلك الدّليل مركّبا من مقدّمات باطلة فاسدة إلاّ أنّ قائلها يحاول ترويجها على المستمعين بالسّفاهة و الشّغب،و الحيل الباطلة،و الطّرق الفاسدة.و هذا القسم لا يليق بأهل الفضل إنّما اللاّئق بهم هو القسم الأوّل؛و ذلك هو المراد بقوله تعالى:
وَ جادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فثبت بما ذكرنا انحصار الدّلائل و الحجج في هذه الأقسام الثّلاثة المذكورة في هذه الآية.
إذا عرفت هذا فنقول:أهل العلم ثلاث طوائف:
الكاملون الطّالبون للمعارف الحقيقيّة و العلوم اليقينيّة،و المكالمة مع هؤلاء لا تمكن إلاّ بالدّلائل القطعيّة اليقينيّة و هي الحكمة.
و القسم الثّاني:الّذين تغلب على طباعهم المشاغبة و المخاصمة لا طلب المعرفة الحقيقيّة و العلوم اليقينيّة، و المكالمة اللاّئقة بهؤلاء المجادلة الّتي تفيد الإفحام و الإلزام.و هذان القسمان هما الطّرفان؛فالأوّل:هو طرف الكمال،و الثّاني:طرف النّقصان.
و أمّا القسم الثّالث:فهو الواسطة،و هم الّذين ما بلغوا في الكمال إلى حدّ الحكماء المحقّقين،و في النّقصان و الرّذالة إلى حدّ المشاغبين المخاصمين،بل هم أقوام بقوا على الفطرة الأصليّة و السّلامة الخلقيّة،و ما بلغوا إلى درجة الاستعداد لفهم الدّلائل اليقينيّة و المعارف الحكميّة،و المكالمة مع هؤلاء لا تمكن إلاّ بالموعظة الحسنة،و أدناها المجادلة.و أعلى مراتب الخلائق الحكماء المحقّقون،و أوسطهم عامّة الخلق و هم أرباب السّلامة،
ص: 211
و فيهم الكثرة و الغلبة.و أدنى المراتب،الّذين جبلوا على طبيعة المنازعة و المخاصمة،فقوله تعالى: اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ معناه ادع الأقوياء الكاملين إلى الدّين الحقّ بالحكمة،و هي البراهين القطعيّة اليقينيّة، و عوامّ الخلق بالموعظة الحسنة،و هي الدّلائل اليقينيّة الإقناعيّة الظّنّيّة،و التّكلّم مع المشاغبين بالجدل على الطّريق الأحسن الأكمل.
و من لطائف هذه الآية أنّه قال: اُدْعُ إِلى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَ الْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ فقصر الدّعوة على ذكر هذين القسمين،لأنّ الدّعوة إن كانت بالدّلائل القطعيّة فهي الحكمة،و إن كانت بالدّلائل الظّنّيّة فهي الموعظة الحسنة.أمّا الجدل فليس من باب الدّعوة،بل المقصود منه غرض آخر مغاير للدّعوة،و هو الإلزام و الإفحام،فلهذا السّبب لم يقل:ادع إلى سبيل ربّك بالحكمة و الموعظة الحسنة و الجدل الأحسن،بل قطع الجدل عن باب الدّعوة تنبيها على أنّه لا يحصّل الدّعوة، و إنّما الغرض منه شيء آخر،و اللّه أعلم.
و اعلم أنّ هذه المباحث تدلّ على أنّه تعالى أدرج في هذه الآية هذه الأسرار العالية الشّريفة مع أنّ أكثر الخلق كانوا غافلين عنها،فظهر أنّ هذا الكتاب الكريم لا يهتدي إلى ما فيه من الأسرار إلاّ من كان من خواصّ أولي الأبصار.(20:138)
أبو السّعود :أي ناظر معانديهم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ بالطّريقة الّتي هي أحسن طرق المناظرة و المجادلة،من الرّفق و اللّين،و اختيار الوجه الأيسر، و استعمال المقدّمات المشهورة تسكينا لشغبهم،و إطفاء للهبهم،كما فعله الخليل عليه السّلام إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ الّذي أمرك بدعوة الخلق إليه،و أعرض عن قبول الحقّ بعد ما عاين من الحكم و المواعظ و العبر وَ هُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ إليه بذلك،و هو تعليل لما ذكر من الأمرين.
و المعنى-و اللّه تعالى أعلم-أسلك في الدّعوة و المناظرة الطّريقة المذكورة،فإنّه تعالى هو أعلم بحال من لا يرعوي عن الضّلال،بموجب استعداده المكتسب، و بحال من يصير أمره إلى الاهتداء،لما فيه من خير جليّ،فما شرعه لك في الدّعوة هو الّذي تقتضيه الحكمة، فإنّه كاف في هداية المهتدين و إزالة عذر الضّالّين.أو ما عليك إلاّ ما ذكر من الدّعوة و المجادلة بالأحسن،و أمّا حصول الهداية أو الضّلال و المجازاة عليهما فإلى اللّه سبحانه؛إذ هو أعلم بمن يبقى على الضّلال و بمن يهتدي إليه،فيجازي كلاّ منهما بما يستحقّه.(4:104)
البروسويّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]
و الآية دليل على أنّ المناظرة و المجادلة في العلم جائزة إذا قصد بها إظهار الحقّ.
قال الشّيخ السّمرقنديّ في تفسيره في هذه الآية، تنبيه على المدعوّ إلى الحقّ فرق ثلاث:فإنّ المدعوّ إلى اللّه بالحكمة قوم و هم الخواصّ،و بالموعظة قوم و هم العوامّ، و بالمجادلة قوم و هم أهل الجدال،و هم طائفة ذوو كياسة تميّزوا بها عن العوامّ،و لكنّها ناقصة مدنّسة بصفات رديئة من خبث و عناد و تعصّب و لجاج و تقليد ضالّ، تمنعهم عن إدراك الحقّ و تهلكهم،فإنّ الكياسة النّاقصة شرّ من البلاهة بكثير،أ لم تسمع أنّ أكثر أهل الجنّة البله،
ص: 212
فليستعمل كلّ منها مع ما يناسبها،فإنّه لو استعمل الحكمة للعوامّ لم يفد شيئا؛حيث لم يفهموها،لسوء بلادتهم و عدم فطنتهم.(5:97)
الآلوسيّ: [نحو أبي السّعود و أضاف:]
و استدلّ-كما قيل-أرباب المعقول بالآية على أنّ المعتبر في الدّعوة من بين الصّناعات الخمس إنّما هو البرهان و الخطابة و الجدل،حيث اقتصر في الآية على ما يشير إليها.و إنّما تفاوتت طرق دعوته عليه الصّلاة و السّلام لتفاوت مراتب النّاس.
فمنهم خواصّ،و هم أصحاب نفوس مشرقة قويّة الاستعداد لإدراك المعاني،قويّة الانجذاب إلى المبادئ العالية،مائلة إلى تحصيل اليقين على اختلاف مراتبه، و هؤلاء يدعون بالحكمة بالمعنى السّابق.
و منهم عوامّ أصحاب نفوس كدرة ضعيفة الاستعداد، شديدة الألف بالمحسوسات،قويّة التّعلّق بالرّسوم و العادات،قاصرة عن درجة البرهان،لكن لا عناد عندهم،و هؤلاء يدعون بالموعظة الحسنة بالمعنى المتقدّم.
و منهم من يعاند و يجادل بالباطل،ليدحض به الحقّ لما غلب عليه من تقليد الأسلاف،و رسخ فيه من العقائد الباطلة،فصار بحيث لا تنفعه المواعظ و العبر بل لا بدّ من إلقامه الحجر بأحسن طرق الجدال،لتلين عريكته و تزول شكيمته،و هؤلاء الّذين أمر صلّى اللّه عليه و سلّم بجدالهم بالّتي هي أحسن.
و إنّما لم تعتبر المغالطة و الشّعر،لأنّ فائدة المغالطة تغليط الخصم و الاحتراز عن تغليطه إيّاه،و مرتبة الرّسول عليه الصّلاة و السّلام تنافي أن يغلّط و تتعالى أن يغلّط،و الشّعر و إن كان مفيدا للخواصّ و العوامّ،فإنّ النّاس في باب الإقدام و الإحجام أطوع للتّخييل منهم للتّصديق،إلاّ أنّ مداره على الكذب،و من ثمّة قيل:
«الشّعر أكذبه أعذبه»فلا يليق بالصّادق المصدوق،كما يشهد به قوله تعالى: وَ ما عَلَّمْناهُ الشِّعْرَ وَ ما يَنْبَغِي لَهُ يس:69.
لا يقال:الشّعر الّذي هو أحد الصّناعات قياس مؤلّف من مقدّمات مخيّلة،و الشّعر الّذي مداره على الكذب هو الكلام الموزون المقفّى،و هو الّذي نفى تعليمه عنه صلّى اللّه عليه و سلّم.
لما قيل:كون الشّعر مذموما،ليس لكونه كلاما موزونا مقفّى بل لاشتماله على تخيّلات كاذبة،فهما من واد واحد،ذكر ذلك بعض المتأخّرين.
و قد ذهب غير واحد إلى أنّ فيها إشارة إلى تفاوت مراتب المدعوّين،إلاّ أنّه خالف في بعض ما تقدّم،ففي «الكشف»بعد أن ذكر أنّ كلام الزّمخشريّ يدلّ على أنّه عليه الصّلاة و السّلام ينبغي أن يجمع في الدّعوة بين الثّلاث،فيكون الكلام في نفسه حسن التّأليف منتجا لما علق به من الغرض،و مع ذلك مقصودا به المناصحة لمن خوطب به،و يكون المتكلّم حسن الخلق في ذلك، معلّما ناصحا شفيقا رفيقا ما نصّه:و الأحسن على ما ذهب إليه المحقّقون أنّه تعميم للدّعوة حسب مراتب المدعوّين في الفهم و الاستعداد،فمن دعا بلسان الحكمة ليفاد اليقين العيانيّ أو البرهانيّ هم السّابقون،و من دعا بالموعظة الحسنة و هي الإقناعات الحكميّة لا الخطابات المشهورة طائفة دون هؤلاء،و من دعا بالمجادلة الحسنة
ص: 213
هم عموم أهل الإسلام و الكفّار أيضا اه.و لا أرى ما يوجب نفي أن يكون المراد بالموعظة الحسنة:الخطابات المشهورة،و كونها مركّبة من مقدّمات مظنونة أو مقبولة، من شخص معتقد فيه،و لا يليق بالنّبيّ صلّى اللّه عليه و سلّم استعمال الظّنّيّات،أو أخذ كلام الغير و الدّعوة به هو الموجب لذلك لا يخفى ما فيه،فتدبّر.
و ذكر الأحسائيّ رئيس الفرقة الظّاهرة في زماننا المسمّاة ب«الكشفيّة»في كتابه«شرح الفوائد» ما محصّله:أنّ المدعوّين من المكلّفين ثلاثة أنواع،و كذا الأدلّة الّتي أشارت إليها الآية،فإن كانوا من الحكماء العقلاء و العلماء النّبلاء فدعوتهم إلى الحقّ الّذي يريده اللّه تعالى منهم من معرفته،بدليل الحكمة،و هو الدّليل الذّوقيّ العيانيّ الّذي يلزم منه العلم الضّروريّ بالمستدلّ عليه،لأنّه نوع من المعاينة،كقولنا في ردّ من زعم أنّ حقائق الأشياء كانت كامنة في ذاته تعالى بنحو أشرف، ثمّ أفاضها:إنّه لا بدّ و أن يكون لذاته سبحانه قبل الإفاضة حال مغاير لما بعدها،سواء كان التّغيّر في نفس الذّات أو فيما هو في الذّات.فإن حصل التّغيّر في الذّات لزم حدوثها،و إن حصل فيما هو في الذّات-أعني حقائق الأشياء الكامنة-لزم أن تكون الذّات محلاّ للمتغيّر المختلف،و يلزم من ذلك حدوثها.
و كقولنا في إثبات أنّه سبحانه أظهر من كلّ شيء:إنّ كلّ أثر يشابه صفة مؤثّرة،و أنّه قائم بفعله قيام صدور كالأشعّة بالنّيّرات و الكلام بالمتكلّم،فالأشياء هي ظهور الواجب بها لها،لأنّه سبحانه لا يظهر بذاته و إلاّ لاختلفت حالتاه،و لا يكون شيء أشدّ ظهورا من الظّاهر في ظهوره لأنّ الظّاهر أظهر من ظهوره،و إن كان لا يمكن التّوصّل إلى معرفته إلاّ بظهوره،مثل القيام فإنّ القائم أظهر في القيام من القيام،و القاعد أظهر في القعود من القعود،و إن كان لا يمكن التّوصّل إلى معرفتهما إلاّ بالقيام و القعود،فتقول:يا قائم و يا قاعد،و المعنى لك إنّما هو القائم و القاعد،لا القيام و القعود،لأنّه بظهوره لك بذلك غيّب عليك مشاهدته،و إن التفتّ إليه احتجب عنك القائم و القاعد،و هو آلة لمعرفة المعارف الحقّيّة، كالتّوحيد و ما يلحق به،و مستنده الفؤاد و هو نور اللّه تعالى المشار إليه،بقوله صلّى اللّه عليه و سلّم:«اتّقوا فراسة المؤمن فإنّه ينظر بنور اللّه تعالى»و النّقل من الكتاب و السّنّة.
و شرطه الّذي يتوقّف عليه فتح باب النّور ثلاثة أشياء:
أحدها:أن تنصف ربّك و تقبل منه سبحانه قوله، و لا تتّبع شهوة نفسك.
و ثانيها:أن تقف عند بيانك و تبيّنك،و تبيينك على قوله تعالى: وَ لا تَقْفُ ما لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَ الْبَصَرَ وَ الْفُؤادَ كُلُّ أُولئِكَ كانَ عَنْهُ مَسْؤُلاً الإسراء:36.
و ثالثها:أن تنظر في تلك الأحوال،أعني البيان و ما بعده بعينه تعالى،و هي العين الّتي هي وصف نفسه لك،أعني وجودك من حيث كونه أثرا و نورا،لا بعينك الّتي هي أنت من حيث-أنّك أنت-أنت،فإنّك لا تعرف بهذه العين إلاّ الحادثات المحتاجة الفانية.
و إن كانوا من العلماء ذوي الألباب و أرباب القلوب، فدعوتهم إلى الحقّ الّذي يريده سبحانه منهم من اليقين
ص: 214
الحقيقيّ في اعتقاداتهم،بدليل الموعظة الحسنة،و هي الدّليل العقليّ اليقينيّ الّذي يلزم منه اليقين في الإيمان به سبحانه و بغيره ممّا أمرهم بالإيمان به،و هو آلة لعلم الطّريقة و تهذيب الأخلاق و علم اليقين و التّقوى-و هذه العلوم و إن كانت قد تستفاد من غيره،و لكن بدون ملاحظته لا يوقف على اليقين و الاطمئنان الّذي هو أصل علم الأخلاق،و مستنده القلب و النّقل،و شرط صحّته و الانتفاع به اتّصاف عقلك به بأن تلزم ما ألزمك به و لا تظلمه،و هو كقوله تعالى: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ ثُمَّ كَفَرْتُمْ بِهِ مَنْ أَضَلُّ مِمَّنْ هُوَ فِي شِقاقٍ بَعِيدٍ فصّلت:52،و قوله تعالى: قُلْ أَ رَأَيْتُمْ إِنْ كانَ مِنْ عِنْدِ اللّهِ وَ كَفَرْتُمْ بِهِ وَ شَهِدَ شاهِدٌ مِنْ بَنِي إِسْرائِيلَ عَلى مِثْلِهِ فَآمَنَ وَ اسْتَكْبَرْتُمْ إِنَّ اللّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظّالِمِينَ الأحقاف:10،إلى غير ذلك ممّا لا يحصى كثرة.
و إن كانوا من العلماء أصحاب الرّسوم كالمتكلّمين و نظائرهم،فدعوتهم إلى الحقّ الّذي يريده سبحانه من اليقين الرّسميّ،بمقتضى طبيعتهم القاصرة،بدليل المجادلة بالّتي هي أحسن و هي الدّليل العلميّ القطعيّ الّذي يلزم منه العلم فيما ذكر،و هو آلة لعلم الشّريعة،و مستنده العلم و النّقل،و شرطه إنصاف الخصم بأن يقيمه على النّحو المقرّر في علم الميزان،و قد ذكره العلماء في كتبهم الأصوليّة و الفروعيّة